التهنئة بالمناسبات المبتدعة وأكل حلاوة المولد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يهنئ الأهل والأصحاب بقول (كل عام وأنتم بخير) في المناسبات الدينية مثل رأس السنة الهجرية والمولد النبوي والإسراء والمعراج؟ ... وهل قول هذه التهنئة بدعة؟
وهل أكل الحلوى (حلاوة المولد) في هذه المناسبات بدعة؟ ... أفيدوني ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التهنئة لا حرج فيها إن لم يقصد بها التعبد، وأما الاحتفالات فهي بدعة لأن أسبابها حصلت في عهد السلف ولم يحتلفوا بها، ولو كان في ذلك خير لسبقونا إليه.
واما أكل الحلوى فهو مباح لكن لا تجوز المشاركة في الاحتفال ولا حضور دعوته، وراجع في بدعة الاحتفال وعدم ثبوت تاريخ الإسراء والمعراج، والزيادة من التفصيل فيما سبق الفتاوى التالية أرقامها: 45016، 2228، 31651، 25245، 38895.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1426(8/730)
ألوان الطيف في يوم الثاني عشر من ربيع أول
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يأتي شهر ربيع الأول وبالتحديد يوم الثاني عشر منه نجد كثيرا من الناس يقولون إن في صباح ذلك اليوم تخرج الشمس جميع ألوان الطيف وتتمايل يمينا ويسارا، وأن بعض الناس أقسموا على أنهم شاهدوا ذلك عيانا وهم من حفظة كتاب الله وأهل ثقة فهل ذلك صحيح أم لا؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم هل يوم الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم المولد النبوي أو يوم المولد يوم آخر. وعلى كل فهو يوم مثل سائر أيام السنة، ليس له خاصية وشمسه كشموس جميع الأيام، وليس لها من ألوان الطيف إلا ما يوجد في بقية الأيام الأخرى، وليس لها تمايل يمينا ولا يساراً على الإطلاق.
وما ذكر في السؤال إنما هو خرافة من الشيطان، واعلم أن وصف هذا اليوم بشيء من الأوصاف التي ذكرت إنما هو من أجل إقناع الناس بتلك البدع من الاحتفال فيه، وتخصيصه بأنواع من العبادة لم يأذن الله بها، وهي بدع أحدثها الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله، وكانت لهم ستة موالد هي: المولد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد السيدة فاطمة الزهراء، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الخليفة الحاضر، والاحتفال بهذه المناسبة بدعة منكرة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته، ولا من جاء بعدهم من السلف.
قال الإمام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: لم يفعله السلف الصالح مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً. وراجع الفتوى رقم: 18372.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1426(8/731)
إنكار بدعة الاحتفال بعيد الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[يافضيلة الشيخ كنت قد قرأت في أحدى المواقع فتوى عن عيد الأم وأنها على قدر فهمي تشبه بالكفار, والنصارى ونحن في موطننا الأصلي احتفلوا بها في 21 مارس والصراحة بعد قراءتي للفتوى لم أقم بالاتصال والتهنئة بها وكيف لي أن أقنع من حولي وهل يكون علي وزر إذا لم أخبر أحدا بهذا الموضوع على اعتبار أنها أصبحت عادة واحتفالا تقره الدولة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن تخصيص يوم للاحتفال بالأم غير مشروع وراجعي الفتوى رقم: 2659. واعلمي أن هذه البدعة من الأمور المحرمة التي يجب على المسلم إنكارها حسب طاقته امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وقال تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان: 17} . وتغيير المنكر داخل في الدعوة إلى الله، وقد بين الله تعالى أن الدعوة تكون بأقرب الطرق للوصول إلى مقصد الداعي وهو ترك المنكر. قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104} . وقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ {النحل: 125} . ولإنكار المنكر شروط يجب على المسلم أن يأخذ بها وهي مبينة في الفتوى رقم: 35762. وعليه فعدم إنكارك عليهم وسكوتك على هذا المنكر مع استطاعتك تغييره يلحق بك إثماً ولو كنت لاتشاركينهم فيه. أما إن كان إنكارك لهذا المنكر سوف يترتب عليه منكر أكبر منه ففي هذه الحالة يكفيك الإنكار بقلبك وذلك أضعف الإيمان. وراجعي الفتوى رقم: 58030.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(8/732)
تقديم الهدايا والزهور في عيد الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة وبعد:
أنا أعمل فى مجال كله نساء، منهن كبيرات فى السن ومتزوجات، وأحببت أن أقدم لهن شيئا لإدخال السرور إليهن كأن أقدم لهن الورود والشيكولاته فى عيد الأم، فهل فى ذلك إثم، وهل تذكرهن فى هذا اليوم بهدية بسيطة يدخلنى في الفعل الحرام، أرجو إفادتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم مظاهر الاحتفال وتخليد الأعياد والاحتفاء بها هو توزيع الهدايا والورود وما أشبه ذلك، فهذا الذي يفعله من يحتفلون بهذه البدع والمحدثات، ولهذا فإن عليك أن تتجاهلي هذه المناسبة تماماً وتبتعدي عن أي مظهر أو عمل يوحي بتخليدها.
ولماذا لا يتم تقديم الهدايا والتكريم لكبيرات السن وزميلات العمل إلا في هذا اليوم وهذه المناسبة المحدثة، لا شك أن ذلك مظهر من مظاهر الاحتفال، ونوع من أنواع التقليد الأعمى لأولئك القوم.
ولهذا ننصح السائلة الكريمة بتقوى الله تعالى والإحسان إلى الناس جميعاً ولا سيما كبيرات السن وزميلات العمل، وأن يكون ذلك في الأوقات كلها وليس مخصوصاً بوقت أو مناسبة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. وفي رواية: تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر، ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاة. رواه أصحاب السنن.
وعلى هذا، فينبغي لك أن تقدمي الهدايا وتوزعي الزهور، ولكن لا يجوز أن يكون ذلك تخليدا للأعياد المحدثة، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 46619، والفتوى رقم: 2659.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1426(8/733)
حكم الاحتفال بالعام الهجري
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاحتفال بالعام الهجري حلال أم حرام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاحتفال بالعام الهجري واتخاذه عيدا لا أصل له في الشرع، ولم يصح الاحتفال به عن أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا استحبه أو أجازه أحد من الأئمة المتبعين، والأعياد عند المسلمين عيدان: عيد الأضحى وعيد الفطر، كما ثبت في الحديث الصحيح، وراجع الفتوى رقم: 17687 قال في الموسوعة الفقهية: وليس للمسلمين عيد غيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1426(8/734)
قص الشعر في يوم عاشوراء
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في ليبيا لدينا عادات نعملها في عاشوراء وهي ضروري أن نقص جزءا صغيرا من الشعر فأرجوا أن تقولوا لي هل هي بدعة اختلقها الناس أم سنة.
وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن أصدرنا فتوى برقم: 7466، بينا فيها المشروع والممنوع في يوم عاشوراء فليرجع إليها، أما قص جزء من الشعر في هذا اليوم فلا ريب أنه من البدع لعدم ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما صح عنه فقط أنه صامه وأمر الناس بصيامه، وراجعي الفتويين التاليتين: 32561، 47081.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1426(8/735)
حكم تخصيص ليلة رأس السنة بالعبادة والقيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تخصيص ليلة رأس السنة لقيامها والتعبد فيها؟ وما حكم الدعوة إلى قيام الليل والسهرات التعبدية بشكل جماعي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ليلة رأس السنة لم يرد لها في السنة تخصيص بالعبادة، وعلى المسلم أن يحذر الابتداع في الدين. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد. وفي رواية: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. متفق عليه.
وعرف العلماء البدعة بأنها كل عبادة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي لها وعدم المانع منها. وقد ورد النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بعبادة، روى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي. فإذا ثبت هذا النهي عن تخصيص ليلة عرف لها من الفضل ما ليس لسواها من الليالي، فحري بليلة ليس لها مزية ولا فضل على سائر الليالي أن ينهى عن تخصيصها بالعبادة. أضف إلى ذلك أن التعلق بليالي رأس السنة هو من عادات الكفار وقد نهينا عن التشبه بهم. فيكون منهيا عنها أيضا من هذه الناحية. والدعوة للسهر وقيام الليل بشكل جماعي لا حرج فيها إن شاء الله إن كان الدافع لها هو العبادة وتعليمها للناس وتعويدهم عليها، وأما لو كان الاجتماع مقصودا لذاته يعتقد فيه فضل ومزية على غيره فإنه حينئذ لا يجوز للعلة السابقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1425(8/736)
حكم تقديم الطعام والشراب بمناسبة يوم ميلاد الابن
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي ولد يدرس في الحضانة وهم طلبوا منا أن نعمل له شيئا يحضره معه أكل أو شرب بمناسبة عيد ميلاده أفيدونا أفادكم الله هل يجوز هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الاحتفال بيوم الميلاد كما سبق في الفتاوى التالية: 2130، 1319، 26617، 21200. وعليه فلا يجوز الاستجابة لطلب القائمين على تلك الحضانة بصنع طعام وما شابه للاحتفال بيوم ميلاد ابنك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(8/737)
مسائل حول الاحتفال بعيد الميلاد
[السُّؤَالُ]
ـ[1_ماحكم أن اهنئ إحدى صديقاتي بيوم ميلادها؟
2_ما حكم أن أعطي صديقتي هدية بيوم الميلاد؟
3_ماحكم الاحتفال بالكيك بيوم الميلاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على مثل أسئلتك في الفتوى رقم: 33968، والفتوى رقم: 37832.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1425(8/738)
ليس من محبته صلى الله عليه وسلم الاحتفال بمولده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي وما الرد على من يجيزه لاعتباره نوعا من التقدير للنبي صلى الله عليه وسلم ونوعا من التعبير عن الحب له عليه الصلاة والسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاحتفال بالمولد النبوي قد سبق حكمه في الجوابين التاليين: 1888، 1563.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1425(8/739)
لم يرد الاحتفال بالمولد النبوي في القرآن أو السنة أو عن الصحابة
[السُّؤَالُ]
ـ[سماحة الشيخ عندي سؤال عن مولود النبي صلى الله عليه وسلم هل فيها شيء كذلك هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أيّ وقت في عمره هو فعل كذلك أو أصحابه أو ورد في القرآن. كذلك بعض المسلمين يقولون.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمولد لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يرد في القرآن والسنة، وقد تقدمت لنا فتاوى كثيرة في حكم المولد فراجع مثلا الفتاوى التالية: 1741، 12648، 18134.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1425(8/740)
حكم إهداء الأم في يوم الأم بغير احتفال
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم جيداً أن عيد الأم حرام وبدعة من الغرب ونحن والحمد لله لا نحتفل به، ولكن والدتي ستفرح إذا جلبت لها هدية، فهل هذا يجوز بدون احتفال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالهدية مشروعة في أصلها، ومرغب فيها لما تؤدي إليه من المحبة والألفة لاسيما إذا كانت للوالدين لما، في ذلك من البر بهما والإحسان إليهما، ويمكنك أن تقدم لوالدتك الهدية في غير يوم عيد الأم، فإن الغرض من الهدية يحصل بذلك، وينبغي أن تبين لها أنك إنما قدمتها أو أخرتها عن هذا اليوم لعدم مشروعية الاحتفال بهذا اليوم وتبادل الهدايا فيه، وبذلك تكونين قد أحسنت إلى أمك ونبهتها على أن هذا الأمر من البدع التي ينبغي الحذر منها، وعدم الاغترار بما جاءنا من الغرب، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 2659.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1425(8/741)
تقديم الهدية في عيد الأم من مظاهر الاحتفال به
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الاحتفال بعيد الأم بدعة، ولكني أعطي لأمي مالاً لها في تلك المناسبة، فهل في ذلك حرمة، كما أنني أعمل مدرساً وقد طلب مني مدير المدرسة نقوداً لعمل احتفال بهذه المناسبة فأعطيته ولكن نيتي كانت الغياب في اليوم التالي فأعطيته النقود ليتم التجاوز عن ذلك بدون أن أخبره، فهل علي من ذنب في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكما علمت أن الاحتفال بعيد الأم بدعة فلتعلم أن تقديم الهدية فيه أو إطعام الطعام وتبادل الزيارات وما أشبه ذلك من مظاهر الاحتفال هو إحياء لهذه البدعة واعتراف بها ... وعلى المسلم أن يتجنب ذلك كله في ذلك اليوم سداً للذريعة -على الأقل- حتى لا يكون فعله إحياء لها واعترافاً بها، ويمكنك الاطلاع على المزيد عن الاحتفال بعيد الأم في الفتوى رقم: 2659.
وأما إعطاؤك المال للمدير ليعمل به احتفالاً بتلك المناسبة فلا ينبغي ولا يجوز إذا كان باختيارك لأنه إما أن يكون مشاركة منك في إحياء هذه المناسبة واعترافاً بها وأنت تعلم أنها بدعة ومنكر، أو يكون ذلك بقصد التخلف عن العمل فيكون من باب الرشوة المحرمة، وقد تقدم حكمها في الفتوى رقم: 1713.
أما إذا كان قصدك بإعطاء المال ونية الغياب هو الغياب عن مشاهدة الاحتفال بذلك اليوم فهذا مقصد حسن -إن شاء الله تعالى- لأنه من باب المداراة، ولكن لا ينبغي أن تلجأ إلى دفع المال إلا في حال الضرورة، وبإمكانك أن تتجنب ذلك بمصارحة المدير بأنك تعتبر الاحتفال بذلك اليوم بدعة ومنكراً لا تريد المشاركة فيه، وتنصحه هو بتركه إن أمكن له ذلك فهذا نوع من إنكار المنكر والنصيحة للمسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(8/742)
حكم قبول المدرسة هدية عيد الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تعمل مدرسة في حضانة للأطفال، وتقوم الأمهات في مناسبة عيد الأم بتقديم الهدايا لها، ولزميلاتها تقديراً لهن على رعاية أطفالهن، وترفض زوجتي ولكن تصر الأمهات على تقديم الهدايا، وقد يغضبن لعدم قبولها الهدايا، أفتونا مأجورين في حكم الشرع في هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم عيد الأم في الفتوى رقم: 2659.
وأما قبول الهدية فيه فلا نرى مانعاً من ذلك، لا سيما إذا ترتبت مفسدة على عدم قبولها كبغض ونفرة ونحو ذلك، أما إذا كان لا يترتب على ذلك مفسدة فللمهدى إليه الامتناع، لاسيما إذا ترتب على هذا الامتناع مصلحة من بيان بدعية هذا العيد وعدم الرضا به وحث الناس على هجره والابتعاد عنه ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(8/743)
الاحتفال بمناسبة زكريا بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم..الإخوة في الشبكة جزاكم الله كل خير..أفتونا مأجورين عن سؤالنا التالي: في العراق وفي كل سنة وبالتحديد في أول يوم أحد من شهر شعبان (في كل سنة) يقوم الناس بتوزيع المعجنات على شكل حلويات بمناسبة زكريا ويقال بأنه والله اعلم تشبه بالنبي زكريا ليتحقق مراد (نذور) الناس وعلى نفس الغرار يقومون بتوزيع أكلة تدعى الهريسة في يوم عاشوراء (10 من محرم) والكثير من هذه المناسبات التي إن ناقشت فيها الناس يتهمونك بمنعك للخير والصدقات!!! أفتونا مأجورين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرته من الأفعال فيما يسمى مناسبة زكريا، وما يوزع من الهريسة يوم عاشوراء كلها أمور محدثة لم يرد بها شرع ولا عرفت عن السلف الصالح، فهي –إذاً- من البدع التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان أصحابها يقصدون بها التقرب إلى الله تعالى، وواجب المسلم أن ينأى بنفسه عنها ويبعد عنها غيره ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 21902 والفتوى رقم: 31651.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(8/744)
توزيع الحلوى في يومي 25-26 فبراير بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم 25-26 فبراير من كل عام يقوم الناس بتوزيع حلويات (حلاوى طحينية) بمناسبة يوم خضر (عليه السلام) سألت أحدهم عن سبب التوزيع يقول لا أدري؟ فأريد منكم فتوى بهذا الشأن فإن الناس لا يقبلون النصح ويقولون بأني مناع للخير والصدقات..أفتونا مأجورين عن صحة أو عدم صحة هذا الأمر.. ودمتم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يقوم به هؤلاء الناس من توزيع الأشياء في هذين اليومين بدعة، إذ لا أصل له في الشرع، وقد أحسنت في امتناعك عن مشاركتهم في هذه البدعة، وعليك الاجتهاد في نصح من يقوم بهذه الأعمال حسب استطاعتك، وعليك بالصبر على ما تسمع من أذى في سيبل الامتناع عن تلك البدعة، فأنت مثاب على ذلك إن شاء الله.
ومما يجدر التنبيه عليه كون رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من الابتداع في الدين وبين عدم قبول أي عمل مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم.
ففي الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
وفي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وراجع الفتوى رقم: 32461.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(8/745)
حكم الاجتماع لسماع المدائح النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[فسؤالي الأول هو: هل ديننا الحنيف ينبذ ويحرم كل ما يتخذه المسلم كذكرى؟ مثلا صورة الوالدين أو ما شابه ذلك.
السؤال الثاني هو: سماحة الشيخ هنا في بلدنا وهو المغرب تقام بعض المناسبات تقرأ فيه الأمداح وكذلك أجزاء من القرآن الكريم ما يسمى عندنا (السلكة) بعد ذلك يأخذون على قراءتهم للقرآن الكريم أجرا أي نصيب من النقود؟ ما فتواكم في هذا السؤال....جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الاحتفاظ بالصور التذكارية في الفتوى رقم: 29178، كما سبق أيضاً بيان حكم الاجتماع لسماع المدائح النبوية في الفتوى رقم: 6891 فليرجع إليهما.
أما بخصوص الاجتماع على القرآن وتلاوته فهذا أمر محمود بلا شك إذا أتي به على الوجه الشرعي، وراجع الفتوى رقم: 25236.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1425(8/746)
حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الحبيب سؤالي هو: هل يجوز التهنئة بذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تقول كل عام وأنتم بخير، هذا وبارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الإجابة عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 229331.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1425(8/747)
حكم الاحتفال بالسنة الهجرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاحتفال بالسنة الهجرية حرام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذا السؤال، وذلك في الفتوى رقم: 124654.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1425(8/748)
الاحتفال بعيد ميلاد الزوجة بين إصرار الأم ومنع الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله الذي اصطفى وبعد:
أنا متزوج منذ خمسة أشهر وقريبا سيأتي ذكرى عيد ميلاد زوجتي مع العلم بأنها كانت عند أهلها قبل الزواج تحتفل بعيد ميلادها كل سنة وليس لأهلها أبناء غيرها وهي تنوي أن تحتفل بعيد ميلادها وهي عندي أيضا وتقول إن ماما مصممة على هذا الحفل مع أني بينت لها حكم الاحتفال فتقول أنا عارفة لكن الناس كلهم تعودوا على أني أعمل عيد ميلادي فهل أشارك معها أو أمنعها بالقوة من عمل هذا الاحتفال
وإن تم ولم تعمل احتفالا فهل لي أن أقدم لها هدية في عيد ميلادها من دون احتفال
وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 24134 إحالات تبين حكم الاحتفال بعيد الميلاد، وأن ذلك غير مشروع، بل هو أمر مبتدع.
وعليه؛ فلا تجوز المشاركة في ذلك إلا إذا ترتبت على عدم فعله مفسدة أكبر، فتقترف المفسدة الأصغر لدفع المفسدة الأكبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(8/749)
حكم وضع علم على منارة المسجد في أيام العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في القرية مسجد ويوضع على المنارة علم "يسمى بيرق" في أيام العيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان ذلك على سبيل إظهار الفرحة بالعيد فلا حرج فيه إن شاء الله، وإن قصد بذلك التعبد فلا يجوز، لأنه يدخل حينئذ في مسمى البدعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(8/750)
تأخير ختم القرآن ليوم الزفاف طلبا للدعاء غير مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله بعض النساء في أفراحهن من تأخير لخاتمة الورد الخاص بها من القرآن يوم عرسها حتى تدعو بعد أن تختم وتوصي الأخوات أن يؤجلن خاتمتهن حتى يختمن عندها ويقمن بالدعاء لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فدعوة النساء بعضهن بعضا لتأخير ختم القرآن الكريم ليوم الزفاف
للدعاء للعروس من البدع المذمومة، التي ليس لها مستند شرعي، بل
فيها استدراك على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أذكار النكاح.
قال صلى الله عليه وسلم: وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور
محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. رواه مسلم عن جابر.
ومن أذكار النكاح ما رواه أبو داود وابن ماجه عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: إذا تزوج أحدكم امرأة فليأخذ بناصيتها
وليسم الله عز وجل وليدع بالبركة وليقل: اللهم اني أسألك من خيرها
وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما جبلتها عليه.
وروى الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك
وعلى أهل بيتك.
ومن حق العروسين على المهنئين الدعاء لهم بالمأثور من قوله
عليه السلام للمتزوج: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير.
وفي كتاب تاج العروس، للشيخ محمود مهدي استنبولي غنية
جامعة للمأثور في أداب النكاح وأذكاره، فليرجع إليه. والله الموفق
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1424(8/751)
فتاوى في حكم الاحتفال بالمولد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا قلتم إن المولد النبوي بدعة وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وآل بيته وسلم كان يصوم كل اثنين، فلما سئل قال: فيما معناه: إنه يوم مولدي فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن حكم الاحتفال بالمولد وذلك في الفتوى رقم: 1888، والفتوى رقم: 8762.
وتقدم الكلام عن الاستدلال على المولد بصومه صلى الله عليه وسلم يوم مولده وذلك في الفتوى رقم: 18134.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1424(8/752)
الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المالد (أو المولد) يا شيخ وهو عبارة عن أشعار تقام في ليلة الإسراء والمعراج ... ولكم كل الأجر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المولد أو الموالد التي تقام في ليلة الإسراء والمعراج بدعة ليست من دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأمور:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وأئمة الإسلام لم يحتفلوا بليلة الإسراء والمعراج، ولو كان الاحتفال بها مشروعاً لسبقونا إليه، لأنهم أحرص منا على الخير والثواب العظيم.
وإنما حدثت هذه البدعة في عهد العبيديين في مصر، إذ نشروا في الأمة البدع كبدعة المولد وبدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد.
الثاني: أن الإسراء والمعراج لا يُعرف بالتحديد في أي شهر أو يوم وقع، فقال بعض العلماء حدث في الثالث عشر من شهر ربيع الآخر، واختاره النووي في فتاويه.
وقال في شرح مسلم حدث في شهر ربيع الأول.
وهكذا ترى الاختلاف في تحديد الزمن الذي وقع فيه قول العالم الواحد.
وقال غيره في شهر رجب.
وكل هذا لم يثبت بسند صحيح لا عن الصحابة ولا عن غيرهم.
وعلى كل، فإن الاحتفال بهذه المناسبة بدعة أحدثها قوم يعبدون الله بأهوائهم، ولا يعبدون الله كما يريد الله عز وجل.
أضف إلى ذلك ما تشتمل عليه هذه الموالد من البدع والاستغاثة بالمخلوقين، وغير ذلك من الكفر والغلو في مدح الصالحين، فهذا كله محرم وليس من دين الإسلام في شيء.
ولمزيد من الفائدة نحيل السائل إلى الفتوى رقم:
5938
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1424(8/753)
صنع الموائد بالمناسبات البدعية لا يسوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[لاحظت في بعض المساجد أنهم عندما يحتفلون بمولد النبي عليه الصلاة والسلام وبمناسبة الإسراء والمعراج يجتمعون في المسجد بعد صلاة المغرب ويأكلون الطعام والشراب في المسجد، وبعد الانتهاء من الأكل يقوم إمام المسجد بقراءة الدعاء على أرواح الأموات فهل هذا جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاحتفال بمناسبة المولد النبوي والإسراء والمعراج، وتخصيصها بأي نوع من العبادات والقرب، بما في ذلك صنع الموائد ونحو ذلك، من البدع التي يجب على المسلم الحذر منها، وقد مضى الكلام على ذلك في فتاوى سابقة تحت الأرقام التالية: 5938 / 1888 / 32461
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(8/754)
حكم بيان تاريخ ميلاد فلان من الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أدعو الله لكم أن يجزيكم خير الجزاء على ما تقدمونه، أما بعد:
سؤالي:
نرى في بعض المنتديات العربية وغيرها ظهور عبارة بشكل يومي وهي:
اليوم هو تاريخ ميلاد فلان في كعب الصفحة ولا يصحبه أي مظهر احتفالي وإنما مذكرة بسيطة
هل في ذلك شيء كما احتج البعض على ذلك؟
أفيدونا جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الفعل لا حرج فيه إن شاء الله تعالى ما دام خالياً من أي مظهر احتفالي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(8/755)
إحياء ذكرى الأيام الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إحياء ذكرى أيام إسلامية" الإسراء والمعراج ليلة القدر المولد النبوي......"إحياؤها بالدروس الإسلامية والمسابقات الدينية.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إحياء هذه الذكريات -سوى ليلة القدر- لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي أصحابه رضوان الله عليهم، ولا من هدي القرون المشهود لها بالخير مع حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغبتهم في الخير وعدم مانع يمنعهم من فعل ذلك، والدروس الدينية والمسابقات ينبغي أن تقام في كل وقت في المدارس والمساجد والبيوت، ولاترتبط بمناسبة معينة تموت بذهابها وينسى الدين إلى أن تأتي هذه المناسبة أو تلك.
وحب النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي من المسلم اتباعه والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، كما قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] .
وإحياء هذه الذكريات والاحتفال بها وجعلها أعياداً أو مواسم ... إنما أحدثه المحدثون وابتدعه المبتدعون بعد القرون المشهود لهم بالخير، وقد أنكر عليهم كثير من أهل العلم في مختلف الأزمنة والأمكنة، فالخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع.
وأما إحياء ليلة القدر فمستحب، ويكون على النحو المبين في الفتوى رقم: 12054 فراجعها.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6064 والفتوى رقم:
32241
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1424(8/756)
حكم صيام 27 رجب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صيام 27 رجب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتخصيص يوم السابع والعشرين من رجب بصيام واعتقاد سنية ذلك من البدع التي ابتدعها الناس في هذا الشهر، وراجع بخصوص ذلك الفتوى رقم: 5938، والفتوى رقم: 5951.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1424(8/757)
حكم التهنئة بأعياد ميلاد الآباء والأبناء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله لرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعودنا في السابق الاحتفال بأعياد ميلاد الآباء والأبناء وعيد الأم وقرأت عدة فتاوى للعلماء الأفاضل بتحريمها، وسؤالي: هل بإمكاني التهنئة الشفهية فقط دون أي مظاهر احتفاليه وتقديم بعض الهدايا؟ أم أن هذا محرم؟ أفيدونا ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التهنئة للآباء أو غيرهم، وتقديم الهدايا إليهم بمناسبة أعياد ميلادهم، عادة دخيلة على المسلمين، لم تكن في العصور المزكاة، ففعلها تقليد لأعداء الله تعالى وتشبه بهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم، كما ثبت في الحديث.
وينبغي للمسلم أن يلازم الإحسان إلى الوالدين في كل الأيام، ولا يكون إحسانه إليهما في أيام خاصة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1424(8/758)
تخصيص ختم القرآن بمناسبة معينة بدعة منكرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يجتمع فريق من المصلين في أي منزل لا يهم إن كان صاحبه يصلي أم لا وذلك لختم القرآن الكريم وذلك في عدة مناسبات كالأربعينية أو زيادة مولود؟ وهل ورد مثل ذلك في السنة المطهرة؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق أن بينا جواز الاجتماع عند ختم القرآن، وذلك في الفتوى رقم: 19480.
وأما تخصيص ذلك بمناسبات معينة فلم يكن من هدي سلف هذه الأمة الصالح، فهو بهذا يدخل ضمن الأمور المبتدعة، التي يجب اجتنابها، روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
وأما كون ذلك في بيت من لا يصلي فلا حرج فيه إن شاء الله، ولا سيما إن كان يرجى ترغيبه في الصلاة مع القيام بواجب النصيحة له.
ثم إننا ننبه إلى أن ما ذكره السائل مما يسمى بالأربعينية - وهي ما يفعله أهل الميت بعد مرور أربعين يوماً على موته من صدقة أو قراءة أو نحوهما - يعد من البدع المنكرة في أصلها، إذ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه، أو من يقتدى به من أهل العلم بعدهم يفعلون ذلك لأحد من موتاهم، فالواجب الحذر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(8/759)
الاحتفال بالمولد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هو رأي الشيخ القرضاوي حفظه الله في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الاحتفال بالمولد النبوي، في الفتوى رقم: 1888، والفتوى رقم: 6064.
علماً بأن موقعنا هذا تابع لإشراف وزارة الأوقاف القطرية، وليس لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي نشاط خاص بهذا الموقع، فإن أردت إرسال سؤالك إليه، فعليك بالدخول على موقعه شخصياً أو على موقع إسلام أون لاين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(8/760)
حكم تقديم الزوج هدية للزوجة في ذكرى زواجها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ما حكم تقديم هدية للزوجة أو دعوتها للعشاء خارج المنزل أو السفر أو غير ذلك في ذكرى زواجها؟ وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الهدية في الأصل أمر مستحب لكونها تزيد المحبة، وتذهب ما في الصدور. روى مالك في موطئه من حديث عبد الله الخراساني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تهادوا، فإن الهدية تذهب وحر الصدر. وفي رواية: تذهب وغر الصدر. وأما أن تكون الهدية للزوجة بمناسبة ذكرى زواجها، فإن ذلك من سنن الكفار، والمسلم مطالب بمخالفتهم، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 28778. ومثل ذلك دعوتها للعشاء خارج المنزل أو السفر في ذكرى الزواج. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1424(8/761)
لا يشرع للإنسان أن يصوم يوم مولده
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يصومون اليوم الذي ولدوا فيه، أي يوم ميلادهم السنوي، ويرون أن ذلك سنة، لأن الرسول كان يصوم يوم ميلاده كل أسبوع، فهل رأيهم هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ينبغي أن يعلم أن أمر العبادة توفيقي تعبدي، فما أذن الشرع فيه جاز فعله، وما لم يأذن فيه فينبغي التوقف عنه، خوفًا من الوقوع في دائرة الابتداع في الدين.
وكون النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم الاثنين الذي هو يوم ميلاده كما هو ثابت في صحيح مسلم لا يلزم منه اعتبار ذلك قاعدة مطردة بدليل أنه لم يأمر به، ولا فهم الصحابة منه ذلك ولا التابعون، ولا قال به أحد من أهل العلم، ولما كان الأمر كذلك دلَّ هذا على أن ذلك خصوصية له صلى الله عليه وسلم تنضاف إلى خصائصه كوجوب الضحى والأضحى والتهجد وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(8/762)
حكم الجمع بين الصدقة والاحتفال بذكرى الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي قد توفاه الله في شهر يوليو الماضي وتريد والدتي إحياء الذكرى السنوية فهل هذا يعتبر حراماً وهل التصدق بهذه الفلوس أولى، وهل يمكن الجمع بين الشيئين إذا كانت هناك ميسرة في المال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإقامة الذكرى السنوية للميت تعد من المحدثات، ولا شك في أن الأفضل هو التصدق عن الميت بالمال الذي سينفق على هذه الذكرى، ولا يصلح الجمع بين الصدقة والاحتفال بهذه الذكرى، ولو كان المرء ذا ميسرة بل يتصدق ويعمل الصالحات ويهدي ثوابها للميت، وراجع الفتوى رقم: 21198.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(8/763)
بطلان الاستتدلال بصيام النبي يوم الاثنين على مشروعية الاحتفال بمولده
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قال أحد الخطباء بمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي واستدل بقوله تعالى "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة....." واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم "ذاك يوم ولدت فيه" حينما سئل عن صيام يوم الاثنين، فما مدى صحة هذا الاستدلال؟ أفيدونا بإجابة وافية شافية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حكم الاحتفال بالمولد يرجع إليه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3563، 28549، 1888، 17832، 8762.
وأما الآية فلا نفهم منها إلا تأكيد الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، ونصره وذلك يستلزم نصر سنته والبعد عن الإحداث في الدين.
وأما الحديث النبوي فهو حديث صحيح؛ لكنه لا يفيد جعل يوم مولده عيداً يحتفل به، وذلك لأن يوم العيد لا يصام، ولأن السلف لم يفهموا من الحديث ولا من الآية قبله هذا الفهم ولم يحتفلوا بالمولد، ولو كان في ذلك خير لسبقونا إليه، ولما سبق إليه العبيديون في القرون المتأخرة عن عصور التزكية، فأحدثوا الموالد تقليداً للنصارى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(8/764)
في هذا فتح لباب البدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في إحياء المولد النبوي عن طريق دروس مفيدة تحفز على متابعة أخلاق النبي وأفعاله دون بدع ولا خزعبلات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الجواب عن مثل هذا السؤال في الفتوى رقم: 6064 فراجعها.
ولو كان إحياء ذكرى المولد النبوي بالدروس المفيدة المتصلة بأخلاقه وسيرته صلى الله عليه وسلم والحث على متابعته، فإن من متابعته عدم إحداث هذه الدروس بمناسبة مولده، إذ لم يثبت ذلك عنه ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وفي هذا فتح لباب البدعة التي تنشأ صغيرة ثم تكبر وتستشري حتى تصل للبدع الاعتقادية، كما هو الحال في الاحتفال بالمولد النبوي،: وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. كما في الحديث الذي رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1424(8/765)
حكم أكل حلوى مولد النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أكل حلوى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، عندنا في مصر، سواء في يوم المولد أو قبله أو بعده؟ مع العلم ببدعية الاحتفال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على حكم الاحتفال بالمولد في الفتوى رقم:
6064 فلترجع إليها.
وبناء على أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة محدثة فإن عليك الابتعاد عن المشاركة فيه بأي وجه من الوجوه، ولا تشارك أهله بالجلوس معهم على موائدهم أو أكل الحلويات التي يوزعونها.
أم الأكل من الحلويات قبل الاحتفالات أو بعدها أو يكون ذلك منفصلا عن مظاهر الاحتفال فلا مانع منه لأن أكل الحلويات في حد ذاته ليس حراما على وجه العموم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1424(8/766)
تستطيع أن تهدي من تحب في أي وقت سوى ما سنه المشركون
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن عيد الميلاد بدعة لكني أحب زوجتي ما هي المناسبات التي أستطيع أن أهدي فيها هدية لزوجتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا ينبغي لك أن تهدي لزوجتك بمناسبة ميلادها أو زواجها أو غير ذلك من المناسبات التي درج الناس على الاحتفال بها وسموها أعياداً تقليدًا للأعداء من اليهود والنصارى، الذين حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من تقليدهم واتباعهم وأمرنا بمخالفتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: خالفوا المشركين. متفق عليه.
ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لاتبعتموهم. رواه البخاري ومسلم.
فمن اتبع هؤلاء فيما سنّوه من أعياد أو تشبه بهم فهو منهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أبو داود.
ولا شك أن الهدية مرغب فيها شرعاً وخاصة بين الزوجين والأقارب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. رواه مالك في الموطأ، ورواه البيهقي وحسَّنه الألباني.
وعلى ذلك؛ فينبغي لك أن تهدي لزوجتك ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك تقليداً للكفار أو بمناسباتهم، وإنما بمناسبة أعياد المسلمين أو بغير مناسبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1423(8/767)
نهج ابن تيمية فيمن فعل من أهل الإسلام أمرا مبتدعا
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت في صفحاتكم تحريم المولد والشيخ ابن تيمية أجاز عمل المولد في كتابه المسمى: اقتضاء الصراط المستقيم في ص 297 فقال: فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلم أفتيتم بتحريمه؟ الأصل في الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى عن اتباع النبي: وعظموه. فالمولد من تعظيم النبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الثابت عن شيخ الإسلام ابن تيمية هو القول بأن: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة من البدع المحدثة التي لم يفعلها أحد من السلف الصالح، وقد نص على هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتبه. ومن ذلك ما قرره في مجموع الفتاوى 25/298 حيث قال: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها. انتهى.
بل قد نص في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم نفسه على بدعيته، وذلك في معرض كلامه عن اتخاذ الأعياد المبتدعة حيث قال: وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع؛ وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه. كذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً. انتهى.
ولا تعارض بين قوله ببدعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وبين رجائه أن يثاب فاعله بحسن قصده؛ لأن نهج ابن تيمية الذي سار عليه هو رجاء الأجر والثواب للمسلم بحسن نيته وقصده في مثل هذه الأمور التي قد يلتبس فهم الحكم فيها على كثير من المسلمين بسبب الجهل أو التأويل، ويعرف هذا من اطلع على كتبه، فهاهو يقول في مجموع الفتاوى 12/494 في معرض كلامه عن التكفير: فمن كان قد آمن بالله ورسوله ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به تفصيلاً إما لأنه لم يسمعه أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنىً آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله ورسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها. انتهى.
فهذا نهجه في التماس العذر لمن فعل من أهل الإسلام بدعة أو أمراً مكفرًا، لكن لديه شبهات ونوع تأويل قد حال بينه وبين معرفة الحق، فلا يقال حينئذ بأن ابن تيمية قد أقر هذه البدعة أو هذا الأمر الذي يؤدي إلى الكفر، ففرق بين هذا وذاك.
ثم إن القول بأن الاحتفال بالمولد أصله تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم قول مردود؛ لأن أكثر الناس محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له هم صحابته رضوان الله عليهم ولم يفعلوا ذلك، بل كان تعظيمهم له باتباع سنته والاهتداء بهديه والوقوف عند شرعه.
قال ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم وهو يتحدث عن الاحتفال بالمولد: فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضاً أو راحجاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. انتهى.
فتبين بهذا أن الاحتفال بالمولد بدعة لا شك فيها، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يقل بجوازه، وما أحسن قول من قال:
وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شرٍ في ابتداع من خلف
وفي ختام: هذا الجواب ننبه الأخ السائل إلى أنه لا توجد آية في كتاب الله باللفظ الذي ذكره: "وعظموه" لكن وردت آيات تفيد هذا المعنى كقوله تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] ، ومعنى عزروه: عظموه ووقروه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1423(8/768)
فتاوى حول حكم المولد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في المولد الشريف الذي يعقد في حضرموت باليمن (مدينه تريم) ؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا عدة فتاوى فيها بيان حكم المولد، سواء المولد الذي يعقد في حضرموت وغيرها، وهي بالأرقام الآتية: 6064، 1888، ى 17832.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1423(8/769)
لا يلزم من فضيلة ليلة النصف من شعبان تخصيصها بشيء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بليلة النصف من شهر شعبان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد ما يدل على فضيلة لهذه الليلة:
فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين: مشاحن، وقاتل نفس. رواه أحمد وصححه شعيب الأرناؤوط.
وروى البيهقي عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويخلى للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه. رواه البيهقي وقال: هذا مرسل جيد، وحسنه الألباني.
فهذا يبين فضيلة هذه الليلة، ولكن لا يلزم من هذا أن يخص هذا اليوم بصيام أو أي نوع من أنواع العبادات إلا أن يوافق عادة له ومن غير قصد، فإذا قصد هذا اليوم بصيام أو بعبادة وخصه عن سائر الأيام فهذا يدخل تحت البدع المحدثة، كما أن الاحتفال بها غير مشروع، لأنه لم يثبت عن نبيناً صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بهأ، ولا عن الصحابة، مع أن سبب الاحتفال بها موجود، ومع ذلك لم يفعلوه، ولو كان في مثل هذه الاحتفالات خير لفعله الصحابة، ولأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن هذه الاحتفالات ليست بمشروعة، وأنها من الأمور المحدثة، وللفائدة يرجى مراجعة فتوى رقم:
1554.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1423(8/770)
الرد على من قاس جواز الاحتفال بعيد الميلاد على يوم الاثنين حيث ولد النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهوحكم عيد الميلاد والاحتفال به إذا كان لا يوجد به أشياء محرمه كالموسيقى ومجرد تبادل هدايا حيث سمعت أحد الشيوخ يقول إنه لا شيء فيه وإن الرسول من أسباب صيامه ليوم الاثنين أنه اليوم الذي ولد فيه فهل هو حرام وهل هذا افتراء على الرسول وهل مبادلة الناس الهدايا بمناسبته والتهاني مع الإنكار لذلك الفعل حرام حيث أن أمي تلومني إذا نسيت أن أهنئها به فهل أهنئها به مع إنكاري لذلك إرضاء لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاحتفال بعيد الميلاد بدعه دخيلة على أمة الإسلام بسبب تقليد الأمم الكافرة وسلوك سبيلهم شبراً بشبر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم! قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن.
أما إذا شاب عيد الميلاد أمور محرمة كالموسيقى وغيرها من المنكرات كان الأمر أشد والإثم أعظم.
وعليه؛ فلا يجوز التهنئة به أو تبادل الهدايا بمناسبته ولو كان ذلك للأم، لأن ما كان مبنياً على باطل فهو باطل مثله، وبر الأم وطاعتها يكون في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والواجب مناصحتها وبيان الحق لها بالحكمة والموعظة الحسنة.
أما الاستدلال على جواز ذلك بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: فيه ولدت وفيه أنزل علي ... رواه مسلم.
فالاستدلال به في غير محله، وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول -إن صح أنه كذلك- والذي يأتي مرة كل سنة، وإنما كان يصوم يوم الاثنيين الذي يتكرر مجيئه في الشهر أربع مرات على الأقل.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقوم بالاحتفال بيوم مولده، فلو كان الأمر كذلك لنقل إلينا، ولكان أصحابه أسرع الناس إلى التأسي به في ذلك، ولاحتفل كل واحد منهم بعيد ميلاده، وإذا لم يكن الأمر كذلك دل على بطلانه.
ثالثاً: أنه إذا كان المقصود بذلك التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لكان الأولى فعل ما كان يفعل وهو الصوم، فأين ذلك مما يفعل الآن في الاحتفال بعيد الميلاد من إطفاء الشموع وغيره مما هو من أفعال الكافرين الذين أمرنا بمخالفتهم، وحرم علينا التشبه بهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1423(8/771)
تخصيص الثلاثة أيام الأولى من رجب ونصف شعبان بالصيام بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد في السنه شيء يدل على صيام الثلاثة أيام الأوائل من رجب والنصف من شعبان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام في شعبان لحديث أسامة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. رواه النسائي وأبو داود وابن خزيمة.
أما ما ذكرته من تخصيص ذلك بثلاثة أيام الأولى والنصف من شعبان فغير ثابت بل هو بدعة، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
1554.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(8/772)
الاحتفال بيوم كربلاء بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يهنئ بذكرى أبطال كربلاء هل يجوز ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيوم كربلاء هو اليوم الذي استشهد فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما على أيدي فجرة ظلمة أكرمه الله بالشهادة على أيديهم، كما هو مبين في الفتوى رقم: 5568.
لكن هذا اليوم لا يجوز الاحتفال به، ولا التهنئة بسببه، ولا إقامة المآتم فيه. فإن كان مقتل الحسين رضي الله عنه مصيبة، وكان ثباته في موقفه ذلك ثبات الأبطال، فقد استشهد من هو خير منه كعمر وعثمان وأبيه علي رضي الله عنهم أجمعين، وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروا الإسلام، ولم يفعل لهم ما يفعل اليوم في يوم مقتل استشهاد الحسين رضي الله عنه.
فعلى المسلم اجتناب هذه البدع والمحدثات التي لا تدل على حب السلف والصحابة، لأن من محبتهم اتباع هديهم، وهذه المحدثات ليست من هديهم، ولم يفعلها أحد منهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1423(8/773)
من البدع عند ولادة المولود
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
رزقت بمولودة وأسميتها مريم.. وهناك بعض العادات المتعارف عليها في بلدنا ليس لها أصل لا في الكتاب
ولا في السنة على حد علمي والله أعلم.. مثل نثرالملح في جنبات المنزل وغير ذلك..
فهل لها أصل في الدين؟ أم هي من البدع الواجب تركها؟ وجزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنثر الملح في جنبات المنزل عند ولادة مولود جديد من البدع التي لا نعلم لها أصلاً في الشرع، وهو كذلك من إضاعة المال بلا منفعة، وقد نهى الشرع عن إضاعة المال، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
وإضاعة المال هي إنفاقه في غير وجهه المأذون فيه شرعًا، أو ما لا يكون لإنفاقه غرض ديني أو دنيوي، وليس في نثر الملح بهذا الوجه غرض لا ديني ولا دنيوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1423(8/774)
حكم ما يسمى بالحضرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قول الشريعة فيما يسمى الحضرة عند المتصوفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما يسمى بالحضرة عند المتصوفة بدعة ضلالة لا أصل لها في الشريعة الإسلامية سواء كانت بعد الوفاة أو غير ذلك، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 12493.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1423(8/775)
مدى مشروعية الهدايا في أعياد الميلاد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله كل خير على هذا المجهود جعله الله في ميزان حسناتكم إن شاء الله أما بعد: نود السؤال عن مشروعية الهدايا في المناسبات مثل أعياد الميلاد ونحوها وأن كنا نعلم أنها بدعة ولا نحتفل به ولكم منا جزيل الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز قبول الهدايا ولا تقديمها في مناسبات أعياد الميلاد لأن ذلك من مظاهر الاحتفال بهذه الأعياد وهو محرم، وراجع الفتوى رقم:
3930 - والفتوى رقم:
2130 - والفتوى رقم:
10889 - والفتو ى رقم:
21200.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1423(8/776)
الموقف الشرعي من الأكل من ذبيحة بمناسبة المولد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يذبح في مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يجوز أن نأكل من هذه الذبائح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذبح في مولد النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الاحتفال بذلك بدعة، لأن فعل ذلك لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام، ولا عن التابعين لهم بإحسان، وقد سبق بيان ذلك تفصيلاً في الفتوى رقم: 1888 والفتوى رقم: 6064
أما عن حكم الأكل من الذبيحة ففيه تفصيل، فلا يجوز الأكل منها إن كان ذابحها يتقرب بها لغير الله، سواء كان الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره، إذ ذلك من المحرمات القطعية التي نص عليها القرآن الكريم، قال تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) [النحل:115] وسواء في ذلك أن يسمي عند ذبحها باسم الله أو باسم غيره، لأن أصل القصد لغير الله تعالى.
أما إذا كان الذابح يقصد بذبحها مجرد الاحتفال، لكنه يذبحها لله تعالى ويسمي الله عليها ويقصد بذلك توزيعها على الفقراء والمحتاجين أو غيرهم، فذلك بدعة كما ذكرنا، لكن لا مانع من أن يأكل المرء منها، لأنها لم تذبح لغير الله، وليست من أنواع المحرمات، فتبقى على أصل الإباحة، وإن كنا نرى أن فاعل مثل هذا ينبغي أن يزجر ويُنهى عن هذا الفعل السيء، ولمزيد من الفائدة راجع الجواب رقم: 18525 والجواب رقم: 21313
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1423(8/777)
حكم الهدية في ذكرى الميلاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن أهدي هدية أو أتمنى له الحياة السعيدة لشخص في يوم مولده دون إقامة أي حفلة ... أفيدوني , رحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المقصود هو أنك ستهدين هذه الساعة لهذا الشخص في عيد ميلاده، فإن ذلك لا يجوز ورجعي الأجوبة التالية: 3930 2130 1319 10889 11587 11559
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1423(8/778)
من بدع شهر رجب
[السُّؤَالُ]
ـ[صيام الثلاثة أيام الأولى من رجب بدعة أم لا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتخصيص أول رجب أو الثلاثة الأيام الأولى منه بالصيام بدعة، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص رجب صيام خاص عدا أنه من الأشهر الحرم، فاعتقاد سنية صيام أوله ضلال وخطأ، وهو من بدع الناس في رجب كعمرة الرجبية أو ليلة الرغائب فيه، وهي أول ليلة جمعة في رجب، كل هذا لم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، ولا أصل له في الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(8/779)
تعيين وقت للاغتسال بماء كتب فيه قرآن بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
ماحكم من كتب سورة الرحمن بماء الزعفران ثم وضعها في ماء واغتسل بهذا الماء بين الأذانين من يوم الجمعة؟
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تعيين هذا الوقت للاغتسال بهذا الماء، غير معهود في الشرع، لا في كتاب الله، ولا في سنة رسوله، ولا جرى عليه عمل العلماء الربانيين، فهي إذاً طريقة محدثة، لا يجوز العمل بها، ولا نشرها بين الناس.
والذي درج عليه الأئمة للاستشفاء، بالقرآن، هو كتابته بالزعفران أو غيره من الألوان الطاهرات، ثم محوه بالماء وشربه أو الاغتسال به دون تحديد وقت معين، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم:
4799، ولمزيد من الفائدة والتفصيل راجع الفتوى رقم:
13188.
ولمعرفة آراء العلماء في المسألة راجع الفتوى رقم:
7852.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1423(8/780)
الاحتفال بعاشوراء لا أصل له شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مصدر احتفالنا بيوم عاشوراء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاحتفال بيوم عاشورا لا أصل له في الشرع، فهو من البدع المحدثة التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا أئمة الهدى من بعدهم يظهرون ما أحدثه بعض الناس من الحزن والترح، ولا ما يظهره آخرون من السرور والفرح.
ولتفاصيل ذلك وأدلته نحيل السائل الكريم إلى الفتوى رقم: 7466
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1423(8/781)
الهدية مطلوبة، وتعظيم المناسبات مرفوض
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نسأل فضيلتكم هل يجوز أن تهدي زوجتي لي هدية في اليوم الذي يوافق ميلادي أو زواجنا مع العلم أننا لا نحتفل في هذه الأيام وجزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تهادوا؛ فإن الهدية تذهب وحر الصدر، ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاة. وفي رواية لأحمد: تهادوا فإن الهدية تذهب وغر الصدر ...
وعلى هذا فإن المسلم مطلوب منه أن يهدي لإخوانه.. فهذا أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقل درجاته الاستحباب والإرشاد.
وإذا كان هذا في عامة المسلمين، فلا شك أنه يتأكد في حق الزوجين، نظراً لما هو مطلوب منهما من توثيق الصلة والمودة والرحمة.
ولكن أن يكون ذلك في شكل احتفال، وبمناسبة عيد غير شرعي، فهذا يجب على المسلم أن يبتعد عنه، ويحذر منه؛ لأن الاحتفال بهذه المناسبات من أعياد الميلاد، وأعياد الزواج، والذكريات السنوية كل ذلك من البدع والمحدثات التي طرأت بعد القرون المفضلة.
بل إنها أو أكثرها نتائج الغزو الفكري الذي تتعرض له هذه الأمة الآن بشكل لم يسبق له مثيل.
والحاصل: أن للزوجة أن تهدي إلى زوجها، وله كذلك أن يهدي إليها، وهذا مطلوب شرعاً ومقبول طبعاً.
ولكن الذي لا يجوز هو عمل الاحتفالات وتعظيم المناسبات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(8/782)
عمل السنوية للميت ليس من هدي السلف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل سنوية للميت؟ يعني في اليوم الذي مات فيه نذبح ونقرأ القرآن كنافلة عنه!! وجزاكم الله خيراً ويجعله في ميزان أعمالكم ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عمل السنوية للميت والاجتماع والاحتفال وعمل الولائم، بمناسبة الذكرى السنوية أو غيرها من الأزمنة من البدع التي لم تكن معروفة عند السلف الصالح والقرون المشهود لهم بالخير والاتباع.
وعليه، فيجب اجتنابها. ولا مانع من الصدقة عن الميت والدعاء له في أي وقت.
فقد اتفق العلماء على أن الدعاء والصدقة يصل ثوابها إلى الميت، بل ذهب بعضهم إلى أن كل طاعة يعملها الحي ويهدي ثوابها للميت أنها تصل إليه.
وفي ذلك يقول بعض العلماء:
أجرْ الطَّعامِ والدَّعا إِنْ بذلا ... ... ... للميت لا خلاف في أن يصلا
والنووي عزى انتفاع الميّتين ... ... ... بكُلّ طاعة إلى مُحَقّقين
ولمزيد من التفصيل انظر الفتوى رقم:
3406.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(8/783)
لا احتفال بمولده صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون الاحتفال بعيد المولد النبوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يأت دليل شرعي يخص يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم بمزية عن سائر الأيام، ولم يحتفل به النبي صلى الله عليه وسلم ولا احتفل بأيام ميلاد إخوانه من الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله، ولا احتفل به الصحابة رضي الله عنهم بعد موته صلى الله عليه وسلم.
وعليه فلا يحتفل به لأن ذلك من البدع المذمومة المنهي عنها شرعاً، وانظر الفتوى رقم:
6064 والفتوى رقم:
1888 والفتوى رقم:
3563.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(8/784)
لا يشرع شيء يوم مولده صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم توزيع الأكل والماء على الجيران في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما يجب فعله في هذا اليوم؟ وشكرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
1- فقد سبق الجواب عن حكم الاحتفال بالمولد برقم:
1888.
2- فلا يُشرع للمسلم فعل شيء معين في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المناسبة لأن إثبات أي حكم من الأحكام بدون دليل من الشرع حرام ولا يوجد دليل على فعل شيء معين في المولد، وقد قال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] .
ولذلك فإننا سنجد الذين يحتفلون بالمولد يقعون في التناقض البين الواضح، إذ أنهم يحتفلون في المولد بالفرح والسرور في شهر ربيع الأول، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولد فيه، ونحن نقول لهم: كان يجب عليكم -على مذهبكم- كذلك أن تحزنوا في نفس الشهر أشد الحزن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات فيه، وإن لم تفعلوا فقد وقعتم في التناقض.
والحق أن الصحابة ومن بعدهم لم يفعلوا هذا ولا ذاك، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
قال ابن الحاج في المدخل: ثم العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور، كما تقدم لأجل مولده صلى الله عليه وسلم كما تقدم في هذا الشهر الكريم، وهو صلى الله عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل، وفجعت الأمة وأُصيبت بمصاب عظيم، لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1423(8/785)
تزداد مخالفة من صام يوم المولد إذا كان يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صيام يوم المولد النبوي الشريف إذا كان يوم الجمعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم في جواب سابق بيان حكم الاحتفال بالمولد النبوي برقم: 1888، وأنه بدعة محدثة لم يفعلها أحد من سلف هذه الأمة في القرون الثلاثة المفضلة.
وأما صيام هذا اليوم، فإن بعض القائلين بالاحتفال بالمولد زادوا الطين بلة، فنصوا على كراهة صوم ذلك اليوم، لأنه يوم عيد مع أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: "فيه ولدت، وفيه أنزل عليّ" رواه مسلم.
فصادموا السنة في موضعين:
الأول: إحداث عيد لم يشرعه الله ولا رسوله، ولو كان خيراً لدلنا عليه.
الثاني: كراهيتهم للصوم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صامه.
ولكن لا بد من التنبه لأمر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين، ولا يخصص يوماً واحداً من كل سنة فيصومه ثم يقول للناس هذا يوم ولدت، فمن أراد الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فليصم الاثنين في ربيع وفي غير ربيع.
وأما تخصيص الثاني عشر من ربيع الأول من كل سنة بالصوم فخلاف السنة أيضاً، وتزداد المخالفة إذا كان يوم الجمعة، فإنه منهي عن إفراده بالصيام، كما صح بذلك الحديث، ففي صحيح مسلم وغيره: "لا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(8/786)
الوقوف للعلم أو السلام الوطني ... الرؤية الصحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله
توجد فى بلادنا العديد من الأمور الكفرية يطول حصرها على سبيل المثال الوقوف للعلم الوطني في المدارس التعليمية وهكذا يكون التلميد مضطرا للوقوف معهم في مقام التقديس وهو غير مكره ولا توجد مراكز خالية منه فما الحل وهو يعلم ثم هناك الكثير الذى يكون المرء عرضة له مثل حضور المؤتمرات الشعبية التي تقرر ما هو متعارض مع كتاب الله إلخ.
ولله الحمد أنا وأسرتي نتجنب هذا الكفر ونترك الدنيا الفانية متى استوجبت هذا الكفر. ولكن السؤال هو أني لا أستطيع أن أبوح بهذا للعامة، الذين يتقدمون لخطبة ابنتى للزواج لكي يحترزوا منه وأبناؤهم في الستقبل وهم يرتادون هذه الأماكن أسرابا ولا تسمع من ينكرها بل تجدهم ينكرون عليك ترك حفنة مال أو وظيفة أو زيجة ابنتك لمن هذا حاله، فما توجيهكم يرعاكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكره السائل من مظاهر الكفر والبدع المتفشية في بلده هو وغيره للأسف منتشرة في كثير من البلاد الإسلامية، فلا يجوز للمسلم أن يقف إجلالاً وتعظيماً إلا لله وحده، وما تعورف عليه من القيام للعلم الوطني من البدع المنكرة والتقليد الأعمى للكفار والتشبه بهم في مراسيمهم وتحيتهم، وبحرمة الوقوف للعلم الوطني أو السلام الوطني أفتت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة السعودية.
ولا يجوز للمسلم حضور المجالس والمؤتمرات التي تقرر ما يتعارض مع كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا إذا أنكر عليهم، يقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140] .
فمن حضر مجلساً وسمع فيه الاستهزاء بدين الله والإعراض عنه، فإما أن يدافع وإما يقاطع المجلس وأهله.
أما أنك لا تستطيع البوح بهذا للعامة، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب الاستطاعة، ففي الحديث: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
فمن لم يكن مستطيعاً بيده أو بلسانه أو علم أنه لاينفع كلامه ولا يفيد إنكاره، فلا يجب عليه الإنكار إلا بقلبه، بأن يكره المعاصي وينكرها ويقاطع فاعليها، ولا ينتقل إلى مجرد الإنكار بالقلب إلا بشرط أن يغلب على الظن من ينكر أن الأذى قد يتجاوز اللوم والتسفيه أو إلى الضرب أو الضرر في نفسه أو أهله أو ماله، أما إذا اقتصر على اللوم، والتسفيه فلا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإجماع المسلمين، وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يقول بالحق إذا علمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(8/787)
رد حول شبهة الاحتفال بالمولد والاستغاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ورد عندكم سؤال حول إقامة المولد وكانت الإجابة التحريم والواقع أن إقامة مثل هذه الاحتفالات إنما هي تذكير بشرف هذا اليوم ولا ضير في ذلك بل هو حسن بل ذلك صريح قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) وأين هذا من قول المفتي إنها بدعة ولا أدري أهذا هو ضابط معنى البدع؟ ومن ثم فما معنى قول النبي المروي من أنه يأتي إلى السماء الدنيا ويجيب السلام عليه إضافة إلى أنه أمر ليس فيه الاعتقاد به خروجا عن الشريعة وكذلك ما ورد في السؤال عن الاستغاثة به، فماذا يقول عن الذي يستغيث به بما أنه وسيلة إلى الله وقال تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة) أهذا شرك وكفر؟ ألا ينبغي التورع كثيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأمر في مسألة الاحتفال بالمولد على ما قرأت في هذه الفتوى بأدلتها الواردة فيها، وسنكتفي هنا بالرد على ما أوردت من شبهات، فنقول:
أولاً: قولك: إن هذا تذكير بشرف هذا اليوم هذا تحسين عقلي، والأصل في التعبد التوقيف على الدليل الشرعي لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه أحمد ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.
ثم إن هذا القول يلزم منه ألا يكون النبي صلى الله عليه وسلم عالماً بشرف هذا اليوم ولا أصحابه لأنهم لم يحتفلوا به.
ثانياً: قولك: إن هذا حسن. مصادم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر في صحيح مسلم: "كل بدعة ضلالة". وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: من استحسن فقد شرع.
ثالثاً: إن استدلالك بالآية: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) استدلال في غير محله، لأن من أنزلت عليه هذه الآية لم يفهم منها جواز الاحتفال بمولده ولا صحابته فهموا ذلك، وشعائر الله هي ما ثبت كونه أمراً شرعياً بالدليل من الكتاب والسنة، والمولد أو الاحتفال بالمولد ليس من ذلك.
رابعاً: الحديث الذي أوردته: أنه ينزل إلى السماء الدنيا ... فلا ندري من أين أتيت به، وعلى فرض صحته، فإن قائله أعلم بالمراد منه وكذلك صحابته، فلم يفهموا منه جواز الاحتفال بالمولد.
أما مسألة الاستغاثة فالأمر فيها كما ورد في الفتوى، وأما ما أوردت من شبهة فيرد عليها بما يلي:
1- أن هناك فرقاً بين التوسل والاستغاثة، فالتوسل منه ما هو مشروع، كالتوسل بأسماء الله وصفاته، والتوسل بالعمل الصالح، والتوسل بدعاء الرجل الصالح الحي، ومنها ما هو بدعة كالتوسل بالجاه.
والاستغاثة شرك وهي: طلب الغوث فيما لا يقدر على الغوث فيه إلا الله.
2- أن جعل الاستغاثة وسيلة هو من باب شرك الوسائط الذي كان عليه أهل الجاهلية الأولى، كما حكى الله عنهم في سورة الزمر: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر:3] ، وكما في سورة يونس: (وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) [يونس:18] .
فنصيحتي لك أيها السائل أن ترجع إلى ما كان عليه الصحابة والتابعون من الدين، فقد قال الإمام مالك رحمه الله: ما لم يكن يومئذ ديناً، فلن يكون اليوم ديناً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(8/788)
مولد البرزنجي بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا شيء يسمى بالبرزنجي وهو عبارة أن يجتمع الناس فيرددون سيرة الرسول ويصلون عليه بنغم معين ويفعلونه عندنا في المناسبات أو في الاعراس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا أمر محدث لم يفعله خير هذه الأمة بعد نبيها، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عظيم حبهم له، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
وعلينا أن نعظم النبي صلى الله عليه وسلم ونتدارس سيرته لنهتدي بهديه ونقتفي أثره، ولكن مع الاتباع له صلى الله عليه وسلم فيما شرعه، وعدم إحداث عبادات لم يأت بها، أو الزيادة على العبادات التي شرعها، فإن ذلك من أسباب رد العمل على صاحبه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وقد سبق بيان تعريف البدعة وضوابطها في جواب برقم: 631 فليراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(8/789)
تخصيص مكان أو هيئة أو زمان لقراءة القرآن غير مشروعة بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موقف الشرع الإسلامي في المساهمة في ختم القرآن الكريم ضمن مجموعة في مناسبات -كاللأربعينية- للمتوفين والانتقال إلى محل سكني جديد وزيادة مولود جديد ... بدعوة من شخص معين (صاحب المناسبة) سواء بأجر أو بدونه. وشكرا مسبقا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن نزل ليقرأ ويتدبر ويعمل به ويحكم به في كل زمان وفي كل مكان، وتخصيص زمان أو مكان أو هيئة للقراءة لم يرد بها الشرع تعد من المحدثات. وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه
وعليه فإن الصور المذكورة في السؤال من المحدثات غير المشروعة، سواء كانت بأجر أو بدون أجر.
وراجع الفتوى رقم والفتوى 12226 رقم 4271.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(8/790)
حكم استعمال الرجل للحناء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
جرت العادة في العرس السوداني أن توضع للعريس الحناء على يديه وباطن قدميه، ولكن بدون نقش، أي أن الحنة توضع على باطن كفه، ثم يقبض عليها حتى تجف، وتوضع كذلك على أظافر يديه من الأعلى وعلى مفاصل الأصابع الوسطى حتى تجف.
كذلك جرت العادة أن يقوم من حضر حنة العريس أن يضع الحناء على يده اليسرى فقط بالطريقة ذاتها.
السؤال: ما رأي الشرع في ذلك، بالتفصيل؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاستعمال الحناء للرجال في اليدين، أو في الرجلين، أو في أحدهما؛ إن كان يصاحبه اعتقاد معين، فهذه بدعة لا يجوز فعله، وإن فعل لمجرد الزينة فمختلف في حكمه، كما هو مبين في الجواب رقم: 12480.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1423(8/791)
تلطيخ الجدار بدم الذبيحة بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[زارتني إحدى صديقاتي في العيد لتساعدني في تقطيع الأضحية فأحضرت الشاة التي سأضحي بها وذبحتها بيدي وقامت هي بمساعدتي ثم ذهبت إليها في بيتها لأساعدها على أضحيتها فذبحت شاتها بيدها ثم بعد ذلك أخذت تلطخ بدمها جدران بيتها وقالت إنها تفعل ذلك مع كل شاة تذبحها أضحية فما حكم هذا الفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتلطيخ الجدران بدم الذبيحة من البدع والمحدثات التي ليس لها مستند شرعي، ولم يعلم عن أحد من السلف فعله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم.
وهذا الفعل في بعض البلدان يقترن معه اعتقاد شركي، وهو أن إراقة الدماء على الجدران وتلطيخها به قربة إلى الجن لتدفع عن صاحب البيت الأذى.
وهذا كله من الضلالات التي يجب على المسلم الابتعاد والتخلص منها، فعليك بنصح صديقتك بذلك، وبيان الحكم الشرعي لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1423(8/792)
أفعال الأطفال لا توصف بالبدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[-في منتصف شعبان، لدينا عيد للأطفال حيث يخرج الأطفال يلفون البيوت ويحصلون على مبالغ مالية على ذلك فهل ذلك من البدع والناس لا تعتقد أن ذلك من التقرب إلى الله وبعضهم يعتقد ذلك، وكذا ما هو حكم إعطاء الأموال للأطفال خلال العيدين وأرجو بسط المسألة بما يتناسب لفهم حقيقة البدعة والقدرة على تمييزها عن غيرها من العادات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الظاهر -والله تعالى أعلم- أن خروج الأولاد وأفراحهم -على نحو ما في السؤال- في الغالب لا يقصد به التقرب إلى الله تعالى، وإنما هي عادة عند بعض الناس، مع أن الأطفال مرفوع عنهم القلم، فأفعالهم تلك لا توصف بالبدعة، ولكن البدعة في اعتقاد أن هذا العمل قربة، وذلك لأن القاعدة هي: أن كل تقرب إلى الله تعالى بفعل شيء من العادات أو المعاملات من وجه لم يعتبره الشارع فهو بدعة، مع أننا نرى حسم تلك العادة سداً لذريعة تعظيم يوم النصف من شعبان، أو تخصيصه بشيء لم يعهد في زمن القرون الخيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1422(8/793)
حكم الذبح يوم عرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ذبح الصدقة يوم وقفة عرفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت الصدقة التي يريد ذبحها هي الأضحية، فلا يجوز ذلك لأن وقت ذبحها يوم النحر بعد صلاة العيد.
وأما إن كانت غير الأضحية، فلم يرد فضل في الذبائح يوم عرفة، وتقييد ذلك اليوم بالذبح، واعتقاد الفضل في ذلك بدعة محدثة لا تجوز، إلا إذا لم تكن عادة للإنسان، وأراد أن يذبح لنفسه ولأهله ويتصدق بها في يوم عرفة، فلا بأس بذلك، مع التنبه إلى أن بعض الناس يذبح الذبيحة يوم عرفة، ويؤخر بذلك ذبح العيد إلى آخر أيام التشريق، فإن ذلك وإن كان جائزاً، إلا أنه يفوت عليه سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الذبح والأكل من الذبيحة بعد صلاة العيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/794)
حكم قراءة قصيدة البردة في المولد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة قصيدة البردة في ذكرى المولد النبوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمولد بدعة محدثة لا يجوز فعلها، سواء أنشدت فيه البردة أم لم تنشد، وانظر حكمه في الجواب رقم: 1888.
وتقييد قراءة البردة في زمن معين واعتقاد فضيلة ذلك من البدع والمحدثات التي نهى الشارع عنها، لكن إذا قرأها الإنسان مطلقاً، فليقرأ ما فيها من خير وليتجنب ما فيها من محذور من غلو في النبي صلى الله عليه وسلم.
إلا إذا كان سيقرؤها لبيان فسادها، فلا بأس بل يؤجر على ذلك.
وانظر الجواب رقم: 5211.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1422(8/795)
إقامة الحضرة في ذكرى الوفاة بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[تقيم سيدة في يوم من رمضان ذكرى لوفاة زوجها تقام فيها حضرة على طريقة الشيخ إبراهيم الدسوقي مع إقامة صلاة التراويح وختم القرآن فما حكم الدين في ذلك؟ وما حكم من يتواجد في هذا المكان ولا يشارك في هذه الحضرة ومن يقوم على خدمة هؤلاء الناس؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما يسمى بالحضرة ويقام في ذكرى وفاة الشخص، ويدعى إليه بعض أهل الطرق الصوفية أو غيرهم يعد من البدع التي نهى الشارع عنها بقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" فلا يجوز فعل هذه الحضرات التي لا أصل لها في الشرع، ومن أراد الإحسان إلى ميته فليتصدق على المحتاجين بعيداً عن هذه الطقوس البدعية، ولا يجوز للإنسان أن يشارك فيها بخدمة أو غيرها، فإن شارك كان معيناً على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] .
كما لا يجوز لأحد أن يحضرها حتى لا يكثر سواد المبتدعة أو يغتر غيره بحضوره، إلا إذا حضر من غير قصد، فعليه أن يبادر بالانصراف، أو حضر بقصد الإنكار عليهم، فلينكر ذلك ولينصرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1422(8/796)
إقامة وليمة لإتمام حفظ القرآن الكريم ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[1- نحن طلبة قد تمكنا بفضل الله من ختم القرآن الكريم حفظا، وهنا في ليبيا شبه عادة بأن الطالب الذي يختم يقيم مأدبة للطلبة الآخرين ويعزم فيها أقاربه وجيرانه ويذبح فيها شاة أو غيرها، المهم أننا عملنا الحفل مع بعضنا مشاركة وكان بالمسجد، حيث عزمنا بعض المشائخ وبعض طلبة القرآن وبعد كلمات موجزة قدمنا لهم وجبة عشاء، فهل الذي قمنا به صحيح أم أنه بدعة كما قال لنا بعضهم إنه سمع ذلك من سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، نرجو أن توضحوا لنا ذلك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الظاهر في إقامة حفلة أو مأدبة بمناسبة إتمام حفظ القرآن الكريم هو التفصيل: فإن كانت على سبيل الشكر لله على ختم القرآن الكريم حفظاً، ولم يعتقد المقيمون لها سنيتها وخلت من الإسراف والمباهاة جازت.
أما إن اعتقد المقيمون لها لزومها وسنيتها فالظاهر هو المنع، حيث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقيم حفلة للقرآن لمن يتم حفظ القرآن الكريم من أصحابه، ولا أقام لنفسه صلى الله عليه وسلم ذلك عند ختمه للقرآن الكريم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم.
ويحسن بمن يريد إقامة حفلة أو ذبح ذبيحة بهذه المناسبة أن يذكر الحضور أن هذه ليست سنة، وإنما هي من باب شكر نعمة الله تعالى فحسب. أما ما ذكروه عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- فلم نقف عليه، ولعلهم سمعوه منه مباشرة، والمنقول عنه في فتاوى اللجنة الدائمة يخص إقامة الوليمة بمناسبة ختم القرآن، ولم يتعرض السؤال لمسألة إتمام حفظ القرآن الكريم. وإليك نص السؤال وجوابه:
س4: هل تجوز الوليمة بمناسبة ختم القرآن؟
جواب: …أما الوليمة أو الاحتفال بمناسبة ختم القرآن فلم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- ولو فعلوه لنقل إلينا كسائر أحكام الشريعة، فكانت الوليمة أو الاحتفال من أجل ختم القرآن بدعة محدثة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وقال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز. ضمن فتاوى اللجنة الدائمة (2/488)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(8/797)
صيام النصف من شعبان لم يصح فيه حديث
[السُّؤَالُ]
ـ[1-أود إرسال ما صح من الأحاديث في شأن صيام النصف من شعبان. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن صيام النصف من شعبان لم يصح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وورد فيه حديث ضعيف رواه ابن ماجه في سننه عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها، وصوموا يومها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا مستغفراً فأغفر له؟ ألا مسترزقاً فأرزقه؟ ألا كذا، ألا كذا، حتى يطلع الفجر" وهذا الحديث ضعفه العلماء، بل ذهب بعضهم إلى أنه موضوع كالشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع.
ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم:
1554
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1422(8/798)
حكم المشاركة في أعياد الميلاد العائلية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال وهو عن الأعياد الميلاد..فهل إذا كانت أختي أرادت فعل حفلة بسيطة عن بنتها بسبب ميلادها على مستوى الأسرة فقط دون دعوة لحضور الأقارب والجيران والأهل..هل أشارك معهم وإذا لم أشارك معهم يكون في قلبهم شيء من الكره أو أنه يقولون انك متشدد وأن هذه فرحة بسيطة..افيدونا بارك الله فيكم؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الاحتفال بعيد الميلاد في إجابة السؤال رقم: 1319، والسؤال رقم: 2130.
ونزيد هنا أمرين:
الأول: إيضاح لإشكال فهمناه من السؤال، وهو توهم الأخ أن هذه الحفلة والتي سماها بسيطة قد لا يجري عليها حكم أعياد الميلاد فنقول:
عرف العلماء العيد فقالوا: هو اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد عائد إما بعود السنة، أو بعود الشهر، أو بعود الأسبوع.
وعليه، فالعيد هو ما احتوى ثلاثة أمور:
الأول: يوم عائد أي متكرر. إما سنوياً أو شهرياً أو أسبوعياً.
والثاني: اجتماع فيه.
والثالث: أعمال تتبع ذلك من عبادات أو عادات.
وعليه، فهذه الحفلة التي تقام من أجل الميلاد هي عيد تجري عليها أحكام عيد الميلاد، هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم.
الثاني: حكم المشاركة في مثل هذه الأعياد.
فنقول: الأصل أنه يجب على المسلم اجتناب أماكن المعصية إذا كان لا يقدر على تغيير المنكر.
فإن كان قادراً على التغيير ولو بلسانه، فله الحضور لقول الله سبحانه وتعالى: (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأنعام:68-69) .
أي: ولكن عليهم الذكرى، كما قاله بعض المفسرين، فينبغي للسائل أن يبين لأقاربه بالحسنى حكم الاحتفال بهذه الأعياد، وأن يطلعهم على هذه الفتوى.
وأن يكون حريصاً على هدايتهم، وإيصال الخير إليهم، فإن هم أصروا على ما هم عليه فارق منكرهم ذلك، ولا يبرر له الحضور دفع اتهامهم له بالتشدد، وما شاكل ذلك مما قد يقال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1422(8/799)
الاحتفال بعيد ميلاد الشخص لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال وتلبية دعوة أعياد الميلاد؟
أفتونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز الاحتفال بعيد ميلاد المسيح، ولا غيره من أعياد الكفار، وقد تقدمت فتوى بذلك برقم: 4586.
وكذا لا يجوز الاحتفال بعيد ميلاد أي شخص كان، لأن ذلك من المحدثات، ومن التشبه بالكفار، وليس للمسلمين إلا عيدان، عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيد ثالث هو عيد الأسبوع: الجمعة.
وما عدا ذلك، فهو من المحدثات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1422(8/800)
الذبح للمولود يوم السابع سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم
أنا أنتظر مولوداً جديداً ولا اعرف ما يجب ان افعله؟؟
1- فهل صحيح يذبح عن الولد خروفين وعن الأنثى خروف في اليوم السابع؟
2- وهل بعد مرور أربعين يوماً بعد الولادة يوزع على الناس أكل وهو ما يسمى بالطلوع؟؟
أنا لا أعرف ماذا يجب أفعل؟؟
أفيدوني عن الأشياء المذكورة في الإسلام عن المولود الجديد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن أمره صلى الله عليه سلم أن يذبح عن الغلام شاتان، وواحدة عند الأنثى ثابت صحيح، ففي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم: " أن يُعق عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة".
ولا يلزم أن تكون العقيقة من صنف الضأن، وإن كان بعض أهل العلم يرى أنه أفضل من صنف المعز.
أما صناعة الطعام بعد مرور أربعين يوما -وهو ما يسمى عندكم بـ"الطلوع"- فلا شك أن هذا لا أصل له شرعا، فهو من البدع المحدثة وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". رواه البخاري ومسلم.
وراجع الجواب رقم:
2287
والله أعلم..
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1422(8/801)
حكم صنع وليمة بمناسبة البيت الجديد
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا استكمل الإنسان بناء منزل جديد فإن بعض الناس يعمل وليمة للأقارب بمناسبة السكن في المنزل الجديد، فما حكم هذه الوليمة وهل يوجد نص في تشريع ذلك؟ وخاصة إذا كانت بقصد دفع العين والحسد. أرجو التفصيل وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم في عمل وليمة للأقارب بمناسبة السكن في المنزل الجديد نصاً من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فحكمها تابع للنية الباعثة عليها، وقد فصل بعض العلماء في ذلك فقالوا: إن كانت الوليمة على طعام، أو ذبيحة يذبحها من يسكن بيتاً جديداً على سبيل شكر الله تعالى على توفيقه وتيسيره أمر هذا السكن، فلا بأس بذلك، ولا بأس بدعوته عليها أصدقاءه وأقرباءه وجيرانه.
وإن كان الغرض من ذلك ما يعتقده بعض الجهال من الذبح للجان من سكان هذه الدار، ليتحصن بها من شرورهم، فهذا نوع من الشرك بالله، والذبيحة حرام، والأكل منها حرام، وقد لعن الله من ذبح لغيره.
وإن كان الغرض من الوليمة دفع العين والحسد، فهذا الفعل بدعة محدثة منكرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك لدفع العين والحسد، وإنما المشروع هو الرقية، وقراءة المعوذتين، وغير ذلك مما هو معلوم.
وإذا ذبحت الذبيحة لذلك فهي حرام، والأكل منها حرام.
وإذا أعدّ أي طعام لأجل ذلك، فلا يجوز الأكل منه أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1422(8/802)
المولد النبوي، ويوم شم النسيم: نشأتهما.. حقيقتهما.. حكمهما
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يكون المولد النبوي دائما يوم الاثنين وعيد شم النسيم دائما يوم الاثنين أيضا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه قبل الجواب عن استفسارك الخاص بتصادف اجتماع عيد المولد وعيد شم النسيم في يوم واحد هو يوم الاثنين، لا بد من بيان حقيقة عيد شم النسيم ونشأته، وحكم احتفال المسلمين به، وحقيقة المولد النبوي ونِشأته، وحكم الاحتفال به أيضاً.
أما عيد شم النسيم أو الربيع - كما يطلق عليه- فهو أحد أعياد مصر الفرعونية، وترجع بداية الاحتفال به بشكل رسمي إلى ما يقرب من 4700 عام (270) قبل الميلاد، وترجع تسمية "شم النسيم" إلى الكلمة الفرعونية (شمو) وهي كلمة هيروغليفية، ويرمز بها عند قدماء المصريين إلى بعث الحياة، وكانوا يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، وفيه بدأ خلق العالم. وأضيفت كلمة (النسيم) إليه لارتباط هذا اليوم باعتدال الجو، حيث تكون بداية الربيع. ولا بد من الإشارة أن اليهود من المصريين - على عهد سيدنا موسى عليه السلام- قد أخذوا عن الفراعنة المصريين احتفالهم بهذا العيد، وجعلوه رأساً للسنة العبرية، وأطلقوا عليه اسم " عيد الفصح" والفصح: كلمة عبرية تعني: (الخروج أو العبور) وذلك أنه كان يوم خروجهم من مصر، على عهد سيدنا موسى عليه السلام. وعندما دخلت المسيحية مصر عرف ما يسمى بـ:"عيد يوم القيامة" والذي يرمز إلى قيام المسيح من قبره - كما يزعمون - واحتفالات النصارى بشم النسيم بعد ذلك جاءت موافقة لاحتفال المصريين القدماء، ويلاحظ أن يوم شم النسيم يعتبر عيداً رسمياً في بعض البلاد الإسلامية تعطل فيه الدوائر الرسمية! كما يلاحظ أيضاً أن النصارى كانوا ولا يزالون يحتفلون بعيد الفصح (أو عيد القيامة) في يوم الأحد، ويليه مباشرة عيد شم النسيم يوم الاثنين. ومن مظاهر الاحتفال بعيد (شم النسيم) أن الناس يخرجون إلى الحدائق والمتنزهات بمن فيهم النساء والأطفال، ويأكلون الأطعمة وأكثرها من البيض، والفسيخ (السمك المملح) وغير ذلك. والملاحظ أن الناس قد زادوا على الطقوس الفرعونية، مما جعل لهذا العيد صبغة دينية، سرت إليه من اليهودية والنصرانية، فأكل السمك والبيض ناشئ عن تحريمهما عليهم أثناء الصوم الذي ينتهي بعيد القيامة (الفصح) حيث يمسكون في صومهم عن كل ما فيه روح أو ناشئ عنه، كما أن من العادات تلوين البيض بالأحمر، وربما كانوا يرمزون بذلك إلى دم المسيح (المصلوب) حسب اعتقادهم الباطل المناقض للقرآن الكريم، وإجماع المسلمين المنعقد على عدم قتل المسيح وعدم صلبه، وأنه رفع إلى السماء كما يقول الله جل وعلا في محكم كتابه: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) (النساء:157)
(بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:158)
وعلى أية حال فلا يجوز للمسلم مشاركة النصارى وغيرهم في الاحتفال بشم النسيم وغيره من الأعياد الخاصة بالكفار، كما لا يجوز تلوين البيض في أعيادهم، ولا التهنئة للكفار بأعيادهم، وإظهار السرور بها، كما لا يجوز تعطيل الأعمال من أجلها لأن هذا من مشابهة أعداء الله المحرمة ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد، وأبو داود، وابن أبي شيبة وغيرهم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة:2) .
ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فليراجع كتاب: اقتضاء الصراط المستقيم للإمام ابن تيمية رحمه الله.
أما الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم واتخاذ يوم ولادته عيداً فهو أمر محدث مبتدع، وأول من أحدثه هم الفاطميون (العبيديون) كما صرح بذلك جمع من الأئمة، قال الإمام المقريزي في كتابه الخطط المسمى بـ (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) : (كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن: ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات…إلخ (1/432) طبعة دار صادر بيروت.
وقال الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقاً، في كتابه: أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام ص44 (مما أحدث وكثر السؤال عنه المولد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة: الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله، توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361) إحدى وستين وثلاثمائة هجرية، فوصل إلى ثغر إسكندرية في شعبان سنة 362 ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان في تلك السنة فابتدعوا: ستة موالد: المولد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد السيدة فاطمة الزهراء، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الخليفة الحاضر. وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش ... وفي خلافة الآمر بأحكام الله أعاد الموالد الستة المذكورة قبل، بعد أن أبطلها الأفضل وكاد الناس ينسونها… ثم قال المطيعي أيضاً: (من ذلك تعلم أن مظفر الدين إنما أحدث المولد النبوي في مدينة إربل على الوجه الذي وصف، فلا ينافي ما ذكرناه من أن أول من أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون من قبل ذلك، فإن دولة الفاطميين انقرضت بموت العاضد بالله أبي محمد عبد الله بن الحافظ بن المستنصر في يوم الاثنين عاشر المحرم سنة (567) هجرية، وما كانت الموالد تعرف في دولة الإسلام من قبل الفاطميين) ثم قال: (وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميون، ومظفر الدين في المولد النبوي جزمت أنه لا يمكن أن يحكم عليه بالحل) .
ومما تقدم نعلم أن الاحتفال بهذه المناسبة بدعة منكرة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته، ولا من جاء بعدهم من السلف. قال الإمام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: (لم يفعله السلف الصالح مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه. ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر
ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) صفحة 295.
وعلى أية حال: فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد ولد يوم الاثنين فإنه قد توفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وما أحسن ما قاله ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل: (العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور، كما تقدم لأجل مولده صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الكريم، وهو صلى الله عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل، وفجعت الأمة وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً، فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير، وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به، لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليعزي المسلمون في مصائبهم المصيبة بي ... إلخ) ومن هنا فإننا نقول بعدم جواز الاحتفال بمناسبة المولد النبوي، كما يجدر التنبيه إلى أن اليوم الموافق لميلاد النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي دائماً يوم الاثنين بل يختلف باختلاف الأعوام، ولكن يوم شم النسيم يأتي دائماً يوم الاثنين لأن النصارى يعدلون في موعد صومهم كل عام حتى يتوافق مع مجيء (شم النسيم) يوم الاثنين.
وأخيراً: ننصح السائل الكريم بعدم الاحتفال بمثل هذه المناسبات التي ما أنزل الله بها من سلطان. ومن أراد المزيد فليرجع إلى عدة كتب ورسائل كتبت في هذا الموضوع ومنها: حكم الاحتفال بالمولد النبوي للشيخ ابن باز، والقول الفصل في الاحتفال بمولد خير الرسل للشيخ إسماعيل الأنصاري، والمدخل لابن الحاج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1422(8/803)
حقيقة غدير خم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحقيقة عيد الغدير والذى يصادف 18ذى الحجة بعد حجة الوداع؟ هل هوعيد لأهل السنة وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن غدير خم موضع بين مكة والمدينة، وقد زعم بعض أهل الأهواء أن النبي صلى الله عليه وسلم نص فيه على ولاية علي رضي الله عنه لما مر به في الثامن عشر من ذي الحجة في رجوعه من حجة الوداع، وبتلك المزاعم والافتراءات اتخذوا ذلك اليوم عيداً يحتفلون به، وهي مزاعم لا أصل لها، وما أنزل الله بها من سلطان، ثم إن المسلمين ليس لهم من الأعياد، إلا عيد الفطر والأضحى، أو يوم الجمعة. أما غير ذلك فهو من البدع التي لم تعرف في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ومن تبعهم.
وبهذا نعلم أن اتخاذ يوم 18من ذي الحجة عيداً بدعة لا أصل لها، وأن المناسبة التي يحتفل فيه من أجلها كذب وبهتان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1422(8/804)
يوم عاشوراء: المشروع والممنوع فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم عاشوراء تختلف أحوال الناس، فمنهم الذي يظهر السرور والفرح، ومنهم من يظهر الحزن، وما يتبعه من أمور أخرى، فما هو أصل ذلك، وما هو هدي الإسلام فيه؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عين هذه المسألة فأجاب بجواب مفصل، فشفى ووفى
ونحن ننقل إليكم السؤال الوارد وجوابه.
سئل شيخ الإسلام عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء. والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور وغير ذلك إلى الشارع: فهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح؟ أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم والحزن والعطش وغير ذلك من الندب والنياحة وقراءة المصروع وشق الجيوب. هل لذلك أصل؟ أم لا؟ .
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين. لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم. ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين لا صحيحا ولا ضعيفا لا في كتب الصحيح ولا في السنن ولا المسانيد ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة.
ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام وأمثال ذلك. ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم واستواء السفينة على الجودي ورد يوسف على يعقوب وإنجاء إبراهيم من النار وفداء الذبيح بالكبش ونحو ذلك.
ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم {أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة} . ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب ولكنه معروف من رواية سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه. قال: {بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته} وإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة وأهل الكوفة كان فيهم طائفتان: طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت وهم في الباطن إما ملاحدة زنادقة وإما جهال وأصحاب هوى. وطائفة ناصبة تبغض عليا وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى. وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {سيكون في ثقيف كذاب ومبير} فكان الكذاب هو المختار بن أبي عبيد الثقفي وكان يظهر موالاة أهل البيت والانتصار لهم وقتل عبيد الله بن زياد أمير العراق الذي جهز السرية التي قتلت الحسين بن علي رضي الله عنهما ثم إنه أظهر الكذب وادعى النبوة، وأن جبريل عليه السلام ينزل عليه حتى قالوا لابن عمر وابن عباس. قالوا لأحدهما: إن المختار بن أبي عبيد يزعم أنه ينزل عليه فقال صدق قال الله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} {تنزل على كل أفاك أثيم} وقالوا للآخر: إن المختار يزعم أنه يوحى إليه فقال صدق: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} . وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف الثقفي وكان: منحرفا عن علي وأصحابه فكان هذا من النواصب والأول من الروافض وهذا الرافضي كان: أعظم كذبا وافتراء وإلحادا في الدين فإنه ادعى النبوة وذاك كان أعظم عقوبة لمن خرج على سلطانه وانتقاما لمن اتهمه بمعصية أميره عبد الملك بن مروان وكان في الكوفة بين هؤلاء وهؤلاء فتن وقتال فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما يوم عاشوراء قتلته الطائفة الظالمة الباغية وأكرم الله الحسين بالشهادة كما أكرم بها من أكرم من أهل بيته. أكرم بها حمزة وجعفرا وأباه عليا وغيرهم وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته وأعلى درجته فإنه هو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الناس أشد بلاء فقال: {الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة} رواه الترمذي وغيره. فكان الحسن والحسين قد سبق لهما من الله تعالى ما سبق من المنزلة العالية ولم يكن قد حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما الطيب فإنهما ولدا في عز الإسلام وتربيا في عز وكرامة والمسلمون يعظمونهما ويكرمونهما ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستكملا سن التمييز فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يلحقهما بأهل بيتهما كما ابتلى من كان أفضل منهما فإن علي بن أبي طالب أفضل منهما وقد قتل شهيدا وكان مقتل الحسين مما ثارت به الفتن بين الناس كما كان مقتل عثمان رضي الله عنه من أعظم الأسباب التي أوجبت الفتن بين الناس وبسببه تفرقت الأمة إلى اليوم ولهذا جاء في الحديث {ثلاث من نجا منهن فقد نجا: موتي وقتل خليفة مضطهد والدجال} . فكان موت النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الأسباب التي افتتن بها خلق كثير من الناس وارتدوا عن الإسلام فأقام الله تعالى الصديق رضي الله عنه حتى ثبت الله به الإيمان وأعاد به الأمر إلى ما كان فأدخل أهل الردة في الباب الذي منه خرجوا وأقر أهل الإيمان على الدين الذي ولجوا فيه وجعل الله فيه من القوة والجهاد والشدة على أعداء الله واللين لأولياء الله ما استحق به وبغيره أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم استخلف عمر فقهر الكفار من المجوس وأهل الكتاب وأعز الإسلام ومصر الأمصار وفرض العطاء ووضع الديوان ونشر العدل وأقام السنة وظهر الإسلام في أيامه ظهورا بان به تصديق قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا} وقوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. والذي. نفسي بيده لتنفقن كنوزهما. في سبيل الله} فكان عمر رضي الله عنه هو الذي أنفق كنوزهما. فعلم أنه أنفقها في سبيل الله وأنه كان خليفة راشدا مهديا ثم جعل الأمر شورى في ستة فاتفق المهاجرون والأنصار على تقديم عثمان بن عفان من غير رغبة بذلها لهم ولا رهبة أخافهم بها وبايعوه بأجمعهم طائعين غير كارهين وجرى في آخر أيامه أسباب ظهر بالشر فيها على أهل العلم أهلُ الجهل والعدوان وما زالوا يسعون في الفتن حتى قتل الخليفة مظلوما شهيدا بغير سبب يبيح قتله وهو صابر محتسب لم يقاتل مسلما.
فلما قتل رضي الله عنه تفرقت القلوب وعظمت الكروب وظهرت الأشرار وذل الأخيار وسعى في الفتنة من كان عاجزا عنها وعجز عن الخير والصلاح من كان يحب إقامته فبايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أحق الناس بالخلافة حينئذ وأفضل من بقي لكن كانت القلوب متفرقة ونار الفتنة متوقدة فلم تتفق الكلمة ولم تنتظم الجماعة ولم يتمكن الخليفة وخيار الأمة من كل ما يريدونه من الخير ودخل في الفرقة والفتنة أقوام وكان ما كان إلى أن ظهرت الحرورية المارقة مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم فقاتلوا أمير المؤمنين عليا ومن معه، فقتلهم بأمر الله ورسوله طاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وصفهم بقوله: {يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة} . وقوله: {تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق} أخرجاه في الصحيحين. فكانت هذه الحرورية هي المارقة وكان بين المؤمنين فرقة والقتال بين المؤمنين لا يخرجهم من الإيمان كما قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} فبين سبحانه وتعالى أنهم مع الاقتتال وبغي بعضهم على بعض مؤمنون إخوة وأمر بالإصلاح بينهم. فإن بغت إحداهما بعد ذلك قوتلت الباغية ولم يأمر بالاقتتال ابتداء. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الطائفة المارقة يقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق فكان علي بن أبي طالب ومن معه هم الذين قاتلوهم. فدل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم أدنى إلى الحق من معاوية ومن معه مع إيمان الطائفتين. ثم إن عبد الرحمن بن ملجم من هؤلاء المارقين قتل أمير المؤمنين عليا فصار إلى كرامة الله ورضوانه شهيدا وبايع الصحابة للحسن ابنه فظهرت فضيلته التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال: {إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين} فنزل عن الولاية وأصلح الله به بين الطائفتين وكان هذا مما مدحه به النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه ودل ذلك على أن الإصلاح بينهما مما يحبه الله ورسوله ويحمده الله ورسوله. ثم إنه مات وصار إلى كرامة الله ورضوانه وقامت طوائف كاتبوا الحسين ووعدوه بالنصر والمعاونة إذا قام بالأمر ولم يكونوا من أهل ذلك بل لما أرسل إليهم ابن عمه أخلفوا وعده، ونقضوا عهده وأعانوا عليه من وعدوه أن يدفعوه عنه ويقاتلوه معه. وكان أهل الرأي والمحبة للحسين كابن عباس وابن عمر وغيرهما أشاروا عليه بأن لا يذهب إليهم ولا يقبل منهم ورأوا أن خروجه إليهم ليس بمصلحة ولا يترتب عليه ما يسر وكان الأمر كما قالوا وكان أمر الله قدرا مقدورا.
فلما خرج الحسين - رضي الله عنه - ورأى أن الأمور قد تغيرت طلب منهم أن يدعوه يرجع أو يلحق ببعض الثغور أو يلحق بابن عمه يزيد فمنعوه هذا وهذا. حتى يستأسر وقاتلوه فقاتلهم فقتلوه وطائفة ممن معه مظلوما شهيدا شهادة أكرمه الله بها وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها من ظلمه واعتدى عليه وأوجب ذلك شرا بين الناس.
فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما ملحدة منافقة وإما ضالة غاوية تظهر موالاته وموالاة أهل بيته تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهلية.
والذي أمر الله به ورسوله في المصيبة - إذا كانت جديدة - إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع. كما قال تعالى: {وبشر الصابرين} {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية} وقال: {أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة} وقال: {النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب} . وفي المسند عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها} . وهذا من كرامة الله للمؤمنين فإن مصيبة الحسين وغيره إذا ذكرت بعد طول العهد فينبغي للمؤمن أن يسترجع فيها كما أمر الله ورسوله ليعطى من الأجر مثل أجر المصاب يوم أصيب بها. وإذا كان الله تعالى قد أمر بالصبر والاحتساب عند حدثان العهد بالمصيبة فكيف مع طول الزمان فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتما وما يصنعون فيه من الندب والنياحة وإنشاد قصائد الحزن ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين وكثرة الكذب والفتن في الدنيا ولم يعرف طوائف الإسلام أكثر كذبا وفتنا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية فإنهم شر من الخوارج المارقين. وأولئك قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: {يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان} . وهؤلاء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأمته المؤمنين كما أعانوا المشركين من الترك والتتار على ما فعلوه ببغداد وغيرها بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ولد العباس وغيرهم من أهل البيت والمؤمنين من القتل والسبي وخراب الديار. وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام.
فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد والكذب بالكذب والشر بالشر والبدعة بالبدعة فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح. وأولئك يتخذونه مأتما يقيمون فيه الأحزان والأتراح.
وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة وإن كان أولئك أسوأ قصدا وأعظم جهلا وأظهر ظلما لكن الله أمر بالعدل والإحسان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل بدعة ضلالة} . ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في يوم عاشوراء شيئا من هذه الأمور لا شعائر الحزن والترح ولا شعائر السرور والفرح ولكنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: {ما هذا؟ فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى من الغرق فنحن نصومه فقال: نحن أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه} وكانت قريش أيضا تعظمه في الجاهلية. واليوم الذي أمر الناس بصيامه كان يوما واحدا فإنه قدم المدينة في شهر ربيع الأول فلما كان في العام القابل صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه ثم فرض شهر رمضان ذلك العام فنسخ صوم عاشوراء. وقد تنازع العلماء: هل كان صوم ذلك اليوم واجبا؟ أو مستحبا؟ على قولين مشهورين أصحهما أنه كان واجبا ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحبابا ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه بل كان يقول: {هذا يوم عاشوراء وأنا صائم فيه فمن شاء صام} . وقال: {صوم يوم عاشوراء يكفر سنة وصوم يوم عرفة يكفر سنتين} . ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيدا قال: {لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع} ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيدا وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه ولا يستحب صومه، بل يكره إفراده بالصوم كما نقل ذلك عن طائفة من الكوفيين ومن العلماء من يستحب صومه.
والصحيح أنه يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: {لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر} كما جاء ذلك مفسرا في بعض طرق الحديث فهذا الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما سائر الأمور: مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة إما حبوب وإما غير حبوب أو في تجديد لباس أو توسيع نفقة أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به أو قصد الذبح أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب أو الاكتحال أو الاختضاب أو الاغتسال أو التصافح أو التزاور أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين لا مالك ولا الثوري ولا الليث بن سعد ولا أبو حنيفة ولا الأوزاعي ولا الشافعي ولا حمد بن حنبل ولا إسحاق بن راهويه ولا أمثال هؤلاء من أئمة المسلمين وعلماء المسلمين وإن كان بعض المتأخرين من أتباع الأئمة قد كانوا يأمرون ببعض ذلك ويروون في ذلك أحاديث وآثارا ويقولون: إن بعض ذلك صحيح. فهم مخطئون غالطون بلا ريب عند أهل المعرفة بحقائق الأمور. وقد قال حرب الكرماني في مسائله: سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: {من وسع على أهله يوم عاشوراء} فلم يره شيئا. وأعلى ما عندهم أثر يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه قال: بلغنا {أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته} قال سفيان بن عيينة جربناه منذ ستين عاما فوجدناه صحيحا وإبراهيم بن محمد كان من أهل الكوفة ولم يذكر ممن سمع هذا ولا عمن بلغه فلعل الذي قال هذا من أهل البدع الذين يبغضون عليا وأصحابه ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب: مقابلة الفاسد بالفاسد والبدعة بالبدعة. وأما قول ابن عيينة. فإنه لا حجة فيه فإن الله سبحانه أنعم عليه برزقه وليس في إنعام الله بذلك ما يدل على أن سبب ذلك كان التوسيع يوم عاشوراء وقد وسع الله على من هم أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار ولم يكونوا يقصدون أن يوسعوا على أهليهم يوم عاشوراء بخصوصه وهذا كما أن كثيرا من الناس ينذرون نذرا لحاجة يطلبها فيقضي الله حاجته فيظن أن النذر كان السبب وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه {نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل} فمن ظن أن حاجته إنما قضيت بالنذر فقد كذب على الله ورسوله، والناس مأمورون بطاعة الله ورسوله واتباع دينه وسبيله واقتفاء هداه ودليله وعليهم أن يشكروا الله على ما عظمت به النعمة حيث بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح. {إن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة} .
وقد اتفق أهل المعرفة والتحقيق أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يتبع إلا أن يكون موافقا لأمر الله ورسوله ومن رأى من رجل مكاشفة أو تأثيرا فاتبعه في خلاف الكتاب والسنة كان من جنس أتباع الدجال فإن الدجال يقول للسماء: أمطري فتمطر ويقول للأرض: أنبتي فتنبت ويقول للخربة أخرجي كنوزك فيخرج معه كنوز الذهب والفضة ويقتل رجلا ثم يأمره أن يقوم فيقوم وهو مع هذا كافر ملعون عدو لله قال النبي صلى الله أنذركموه إنه أعور وإن الله ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر - ك ف ر - يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت} . وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: {إذا قعد أحدكم في الصلاة فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال} . وقال صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله} وقال صلى الله عليه وسلم: {يكون بين يدي الساعة كذابون دجالون يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم} . وهؤلاء تنزل عليهم الشياطين وتوحي إليهم كما قال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين. تنزل على كل أفاك أثيم. يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} ومن أول من ظهر من هؤلاء المختار بن أبي عبيد المتقدم ذكره. ومن لم يفرق بين الأحوال الشيطانية والأحوال الرحمانية: كان بمنزلة من سوى بين محمد رسول الله وبين مسيلمة الكذاب فإن مسيلمة كان له شيطان ينزل عليه ويوحي إليه.
ومن علامات هؤلاء أن الأحوال إذا تنزلت عليهم وقت سماع المكاء والتصدية أزبدوا وأرعدوا - كالمصروع - وتكلموا بكلام لا يفقه معناه فإن الشياطين تتكلم على ألسنتهم كما تتكلم على لسان المصروع.
والأصل في هذا الباب: أن يعلم الرجل أن أولياء الله هم الذين نعتهم الله في كتابه حيث قال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولم يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولإن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته. ولا بد له منه} .
ودين الإسلام مبني على أصلين على ألا نعبد إلا الله وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع. قال تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} فالعمل الصالح ما أحبه الله ورسوله وهو المشروع المسنون ولهذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا.
ولهذا كانت أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} وقوله: {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} . وقوله: {الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى
يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب} والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.) انتهى نقلا عن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج 25 ص 299
عليه وسلم: {ما من نبي إلا قد أنذر أمته الدجال: وأنا أنذركموه إنه أعور وإن الله ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر - ك ف ر - يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت} . وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: {إذا قعد أحدكم في الصلاة فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال} . وقال صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله} وقال صلى الله عليه وسلم: {يكون بين يدي الساعة كذابون دجالون يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم} . وهؤلاء تنزل عليهم الشياطين وتوحي إليهم كما قال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين. تنزل على كل أفاك أثيم. يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} ومن أول من ظهر من هؤلاء المختار بن أبي عبيد المتقدم ذكره. ومن لم يفرق بين الأحوال الشيطانية والأحوال الرحمانية: كان بمنزلة من سوى بين محمد رسول الله وبين مسيلمة الكذاب فإن مسيلمة كان له شيطان ينزل عليه ويوحي إليه.
ومن علامات هؤلاء أن الأحوال إذا تنزلت عليهم وقت سماع المكاء والتصدية أزبدوا وأرعدوا - كالمصروع - وتكلموا بكلام لا يفقه معناه فإن الشياطين تتكلم على ألسنتهم كما تتكلم على لسان المصروع.
والأصل في هذا الباب: أن يعلم الرجل أن أولياء الله هم الذين نعتهم الله في كتابه حيث قال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولم يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولإن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته. ولا بد له منه} .
ودين الإسلام مبني على أصلين على ألا نعبد إلا الله وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع. قال تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} فالعمل الصالح ما أحبه الله ورسوله وهو المشروع المسنون ولهذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا.
ولهذا كانت أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} وقوله: {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} . وقوله: {الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى
يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب} والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.) انتهى نقلا عن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج 25 ص 299
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1422(8/805)
عيد الشكر: حقيقته وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن تأصيل شرعي لما يسمى بعيد الشكر؟ وهل له علاقة بسقوط الدولة العثمانية؟ وما حكم الاحتفال به؟ فضلاً أرغب في معرفة الجواب ومصادره التي اعتمدتم عليها.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعيد الشكر هو من جملة أعياد بعض طوائف النصارى، ويحتفل به الأمريكيون خاصة في الخميس الأخير من شهر نوفمبر كل عام، وليس له علاقة بسقوط الخلافة العثمانية.
وأصل هذا العيد أن أكثر من أربعمائة شخص استقلوا قارباً سنة 1620م، وأبحروا به عبر المحيط الأطلنطي ليستقروا في هذا المكان المكتشف حديثاً.
وكان هؤلاء القوم يتبعون كنيسة انجلترا، وقد ارتابوا في معتقداتها، فأرادوا الانفصال عنها، وربما يكون هذا هو السبب في إبحارهم إلى هذا المكان الجديد.
واستقر بهم المقام فيما يعرف الآن بولاية (ماساتشو سيتي) ، وقد مر عليهم الشتاء الأول في هذا المكان الجديد مرورا صعباً فلم يكن لهم ما يزرعونه، ولم يكن ثَمَّ مياه صالحة للشرب، مما أدى ذلك إلى وفاة الكثيرين منهم.
وبعد فصل الشتاء تعلم هؤلاء القادمون الزراعة، وصيد الحيوانات والأسماك ممن يعرف بالهنود الحمر، وهم السكان الأصليون لهذا المكان.
وفي خريف 1621م حصدوا ما زرعوا فأصابوا خيراً كثيراً، وفكروا في إقامة وليمة شكر على ما أصابوا من خير، فدعوا زعيم الهنود الحمر وآخرين، وأقاموا حفلا قدموا فيه الأطعمة والأشربة.
وقد صار ذلك عادة لهم كل خريف إلى أن أصبحت أمريكا بلداً مستقلاً، فأوصى مجلس الشيوخ لديهم بجعل يوم كل عام عيداً للشكر يحتفل به الأمريكان.
فهذا هو أصل ما يسمى بعيد الشكر، وأما عن الحكم الشرعي في هذا الأمر، فمن المعلوم أنه يشرع للعبد سجدة الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم، في الصحيح من أقوال أهل العلم، فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا أتاه أمر يُسَرُّ به خر ساجداً لله تعالى" رواه الخمسة إلا النسائي.
وقد سجد أبو بكر لما أتاه خبر مقتل مسيلمة، وسجد علي حين وجد ذا الثدية في قتلى الخوارج، وسجد كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه.
وأما جعل يوم للاحتفال به، فإنه من جملة البدع والمحدثات، وهو من شعار الكفار، ولا يجوز الاحتفال بشيء يتخذه الكفار عيداً لهم وشعاراً.
فالأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر مالها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهره.
ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ فأقل الأحوال أن تكون معصية لله جل وعلا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا" متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
والحديث يدل على اختصاص كل قوم بعيد يميزهم عن غيرهم، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) [المائدة: 48] .
وقال تعالى: (لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه) [الحج:67] .
ولذلك لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فوجدهم يلعبون في يومين، ويلهون فيهما فسأل عن ذلك؟ فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
ولما جاء رجل قد نذر أن ينحر إبلا له بمكان يسمى (بوانة) قال له صلى الله عليه وسلم: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم".
فهذا الحديث وسابقه يدلان على أنه لا يجوز للمسلم أن يحتفل بعيد غير عيد الفطر والأضحى، ولا يجوز له أن يقصد مكانا اتخذ عيداً للكفار.
وأعياد أهل الكتاب على قسمين: قسم مشروع في أصل دينهم. فهذا لا يشرع الاحتفال به، لورود الأمر بمخالفة أهل الكتاب.
وقسم لم يشرع في أصل دينهم بل ابتدعوه واخترعوه، فمن باب أولى أن يكون الاحتفال به غير جائز. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1421(8/806)
حكم الاحتفال بليلة القدر في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الإحتفال بليلة القدر في المسجد؟ بمعنى أن نعمل الأكل في المسجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان الاتي تشتمل على ليلة القدر، أنه كان إذا دخلت هذه العشر "أحيا ليله وأيقظ أهله" رواه البخاري، فإحياء هذه العشر ـ أو بعضها ـ بما لم يحيها به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعد من البدع في الدين، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". فيخشى على من قام بمثل هذا الاحتفال، أن يكون قد فوت على نفسه الاستفادة من ليلة قد تكون هي ليلة القدر، وذلك بإتيانه فيها بعمل هو مردود عليه، ولا يخفى ما في ذلك من الخسران المبين. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رمضان 1421(8/807)
الوقوف دقيقة صمت على الشهداء بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دقيقة الصمت على الشهداء في الشريعة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أما بعد فالوقوف زمناً مع الصمت دقيقة أو أكثر أو أقل تحية للشهداء، أو تكريماً لهم، أو حداداً عليهم، وتنكيس الأعلام، كل ذلك من المنكرات والبدع المحدثة التي ليس لها مستند لا من كتاب ولا سنة، فلم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وإنما قلنا إن هذا العمل بدعة، لأن الإحداد على الميت عبادة محددة الكيفية والمحل، وليس من قبيل العوائد التي يترخص في التوسع فيها، فليتنبه إلى ذلك. ثم إن مثل هذه الأمور يفعلها الجهال من المسلمين تقليداً للكفرة، وقد نهينا عن التشبه بهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ومن تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير عن ابن عمر وصححه السيوطي. وعلى هذا فلا يجوز الوقوف حداداً أو غيره على الشهداء لأنه بدعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم. ومعنى: (رد) أي: مردود على صاحبه لا يقبل منه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1421(8/808)
من تقرب إلى الله بالذبح في آخر رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم البعض في آخر يوم من رمضان بذبح يسمونه فدو فهل يوجد في الشارع ما يدل على ذلك أم أنه بدعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل في العبادات التوقف عند ما جاء به الشارع، وعليه فإن كان هذا الذي يذبح مخصصاً بآخر رمضان لاعتقاد أفضلية أو قربة فإنه بدعة، حيث لم يرد به نص في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل لم يعلم عن أحد من السلف أنه كان يفعل ذلك. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1421(8/809)
ليلة النصف من شعبان وما ورد فيها.
[السُّؤَالُ]
ـ[من روى هذه الاحاديث وما صحتهاعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يطلع ربنا ليلة ا
لنصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويترك أهل الحقد. رواه الطبراني وابن حبان عن معاذ وحديث لايرد القدر إلاالدعاء وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان بين السماء والأرض إلى يوم القيامة.0رواه الحاكم في المستدرك عن عائشة
وماهو الرد على ماجاء من بدع في النصف من شعبان]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما ما سألت عنه من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يطلع ربنا ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويترك أهل الحقد.
فرواه بهذا اللفظ البيهقي في شعب الإيمان مع خلاف يسير في آخره وهو أن في رواية البيهقي " ويؤخر أهل الحقد كما هم"
وحكم عليه الإمام ابن الجوزي بالوضع في كتابه العلل المتناهية، ونقل قوله الحافظ ابن حجر وأقره.
أما رواية الطبراني وابن حبان عن معاذ فقد قال فيها المنذري في الترغيب والترهيب إسناده لا بأس به، وهي: "يطلع الله في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن"
لذلك استحب بعض الفقهاء قيام هذه الليلة لتعرض المؤمن إلى رحمة الله ومغفرته. وقد ذكر الإمام ابن تيمية أن طوائف من السلف كانوا يقومونها، وإنما كره بعض السلف الاجتماع لها في المسجد، وعدوا ذلك من البدع. أما ما يفعله كثير من المسلمين من إحداث صلاة فيها بعدد مخصوص وقراءة مخصوصة فهو بدعة محدثة. يقول الإمام النووي: الصلاة المعروفة بصلاة بالرغائب، وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب، وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة، وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل. اهـ. من المجموع.
والحديث الذي أشار إليه رحمه الله هو ما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى في هذه الليلة خمس عشرة من شعبان مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك، ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشرة يدفعون عنه مكائد الشيطان" وهو حديث باطل، كما قال الإمام النووي رحمه الله.
فينبغي للمسلم أن يحرص على الطاعة، والتخلي عن الشرك أكبره وأصغره، والصفح عن إخوانه، ويجب عليه اجتناب المحدثات: فكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف. أما حديث لا يرد القدر إلا الدعاء وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان بين السماء والأرض إلى يوم القيامة" فهما حديثان دمجا مع بعضهما في حديث واحد، الحديث الأول: "لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء ينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة" قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: رواه البزار والحاكم عن عائشة، وفي إسناده: زكرياء بن منظور وهو متروك، ورواه البزار من حديث أبي هريرة، وفي إسناده إبراهيم بن خثيم بن عراك عن أبيه، وقال لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد.
قلت: وإبراهيم بن عراك هذا قال فيه ابن معين: ابن خثيم بن عراك كان الناس يصيحون به لا شيء، وكان لا يكتب عنه، سألت عنه أبازرعة فقال: منكر الحديث روى عدة أحاديث منكرة، وقال النسائي: متروك، فالحاصل أن الحديث ضعيف من طريقيه. والله أعلم
الحديث الثاني: "لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" رواه الترمذي، وروى أحمد وابن حبان والحاكم عن ثوبان مثله، وزاد "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" ذكر ذلك الحافظ في التلخيص وسكت عنه، وهذا يعني أنه حسن، والله أعلم.
ومعنى الحديث -والعلم عند الله- أن الدعاء من جملة الأسباب التي رتب الله على فعلها مسببات، فهو سبب لجلب النفع ودفع الضر، فالدعاء بحصول الولد مثلاً هو من جملة الأسباب الأخرى لحصوله، وكذلك بالشفاء والنجاة وغير ذلك. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم "لا يرد القضاء إلا الدعاء" هو المبالغة، لبيان عظمة نفعه بين جملة الأسباب المادية الأخرى، حتى كأنه يدفع القضاء المبرم، أو يقال إن المرء ربما يفعل أفعالاً توجب العقوبة فيوشك أن تقع به فيدعو الله فيرفعها، فالعقوبة مقدر وقوعها بعدم الدعاء، فلما دعا رفعت فكأن ذلك بمثابة رد القضاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/810)
الاحتفال بيوم النصف من رمضان (الكرنكعوه) بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتقد الناس عندنا الاحتفاء بيوم النصف من رمضان وعمل ما يسمى بالكرنكعوه، وهو مرور الأطفال على البيوت لأخذ الحلوى والنقود، فهل لهذا العمل أصل في الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتخصيص يوم النصف من رمضان بالاحتفال أو ما يسمى " بـ الكرنكعوه " على نحو ما ذكر في السؤال لا أصل له في الشرع، ولذلك فهو عمل محدث ينبغي التحذير منه. لقوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، رواه البخاري ومسلم. وقوله: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه تخصيص هذا اليوم بشيء من العبادة أو الاحتفال.
على أن في هذا العمل تربية للأطفال على نوع من التسول، والواجب تربيتهم على الإحسان والجود والتعفف عما في أيدي الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/811)
حكم صيام يوم الإسراء والمعراج.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صيام يوم الاسراء والمعراج واجب أم بدعة أم مستحب؟ ولكم أعظم الأجر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن الصيام ما هو واجب كصيام شهر رمضان، ومنه ما هو دون ذلك كصيام يومي تاسوعاء، وعاشوراء، ويوم عرفة، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه المواطن، كما أرشد إلى صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ويومي الاثنين والخميس. والصيام في هذه الأوقات من سنة النبي صلى الله عليه وسلم. لكن يوم الإسراء والمعراج لا يجب ولا يستحب، ولا يسن صيامه، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صامه أو أمر بصيامه، ولو كان صومه مندوباً أو مسنوناً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، كما بين فضل الصيام في يوم عرفة، وعاشوراء.. الخ.
وعلى هذا فلا يصح أن يقال بصيام هذا اليوم، بل إنه يوم مختلف في تعيينه على أقوال كثيرة قال عنها الحافظ ابن حجر في الفتح بأنها تزيد على عشرة أقوال. فتح الباري (7/254) باب المعراج: كتاب مناقب الأنصار. وهذا الاختلاف دليل على أن هذا اليوم ليس له فضيلة خاصة بصيام، ولا تخص ليلته بقيام، ولو كان خيراً لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وبناءً على هذا فإن صوم يوم الإسراء والمعراج (27 من رجب) على أحد الأقوال بدعة محدثة لا يصح التمسك بها، لكن إن وافق هذا اليوم سنة أخرى في الصيام كيوم الاثنين، أو الخميس أو وافق عادة امرئ في الصيام، كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً فعندئذ يجوز صيامه لكونه يوم الاثنين أو الخميس أو اليوم الذي يصومه - مثلا- لا لكونه يوم الإسراء والمعراج. وعلى المسلم أن يتحرى السنن ويبتعد عن البدع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم، ومعنى (رد) أي: مردود على صاحبه غير مقبول منه.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/812)
الاحتفال باليوم الوطني بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين المولد النبوي الشريف وبين اليوم الوطني علما بأن الاثنين إحياء لذكرى عزيزة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لا فرق بين الاحتفال بالمولد والاحتفال باليوم الوطني، كما قرر أهل العلم، وإليك ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية في هذا الأمر، (فتوى رقم 9403- 3/59) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أولاً: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أموراً منها: يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة، ومنها: الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها: الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.
ثانياً: ما كان من ذلك مقصوداً به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم، مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد، وعيد الأم، والعيد الوطني، لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار، وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلاً لمصلحة الأمة وضبط أمورها، كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة، والاجتماع بالموظفين للعمل، ونحو ذلك مما لا يفضي إلى التقرب به والعبادة والتعظيم بالأصالة، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فلا حرج فيه بل يكون مشروعاً، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/813)
الاحتفال بأعياد ميلاد الأولاد حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أعياد الميلاد محرمة؟ علماً أنني لا أحتفل بها، وإنما اهدي أبنائي هدايا في عيد ميلادهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
أعياد الميلاد لا يجوز الاحتفال بها بأي نوع من أنواع الاحتفال، سواء كان خفيفا أو كبيرا، لما في ذلك من التشبه بالمشركين الذين أمرنا الله تعالى بمخالفتهم والابتعاد عن اتباع ما سنوه من سنن، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" كما في سنن أبي داود، وحسنه السيوطي.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/814)
حكم إقامة موالد احتفالا ببعض المناسبات.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم واقامته في كل مناسبة، بحيث إذا أرادوا شكر الله أو الاحتفال بمناسبة معينة، كزواج أو سابع مولود، اقاموا المولد، وما هو الرد على القائل بأن المولد إنما هي لتذكير الناس بسيرة الرسول. أرجو الرد سريعاً، إذا أمكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أو بمولد غيره من الناس لم يكن من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ولا هدي أصحابه رضوان الله عليهم.
وقد تقرر أن العبادة مبناها على التوقيف، وأن الشرع ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن كل عبادة تركها النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي لها وعدم المانع من فعلها، فتركها سنة وفعلها بدعة مذمومة. وهذا أدق ضابط لتعريف البدعة.
أما المقتضي فهو محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وشكر الله على وجوده ومولده وبعثته، أو إظهار الفرح بذلك أمام المشركين واليهود والنصارى كما يقوله البعض، فهذا كله كان موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ثمة مانع من إقامة هذا الاحتفال في عصره أو في عصر الخلفاء الراشدين وهم يفتحون البلدان ويحاربون أهل الكفر التي تعظم رجالها وتحتفل بهم.
فلما لم يكن شيء من ذلك في عهدهم، لم يكن لأحد بعدهم إحداثه، والله اعلم.
أما التذكير بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون بتدريس هذه السيرة وشرحها والحديث عنها في المساجد ودور التعليم، وليس في سردها في ليلة أو ساعة، أو إنشادها على أنغام الأوتار المحرمة، أو ختمها ينقض التوحيد الذي بعث به صلى الله عليه وسلم، كالاستغاثة والتوجه بالدعاء إلى غير الله من نبي أو ولي.
وقانا الله وإياكم شر البدع والحوادث. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 12648.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/815)
حكم الاجتماع للاحتفال بمناسبات الطفولة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بما انتشر بين الناس بوضع كيكة وذلك مثلاً لظهور سن للطفل أو إسقاط لسن الطفل الذي عمره من 6 إلى 8 سنوات ما حكم ذلك؟. وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فلا شك أن الناس يفرحون بظهور أسنان أطفالهم أو سقوطها مثلا أو بابتدائه في المشي أو نحو ذلك مما جرت به عادة الناس. ولا بأس بهذه العوائد لأنها أمور فطرية. وأما الاجتماع لهذه المناسبة ونحوها وعمل احتفال بذلك فإن هذا العمل من البدع المحدثات وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه. وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/816)
إحياء ليالي عشر ذي الحجة جماعة بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاجتماع في أيام عشر ذي الحجة في المسجد وإحياء هذه الليالي بالقيام جماعة مثل تراويح رمضان؟ وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فهذا العمل الذي ذكر السائل لا أصل له في الشرع، فهو من جملة البدع والمحدثات، والبدع والمحدثات لا خير فيها ولو حسنت نية صاحبها. لأن هذا العمل لو كان خيراً لسبقنا إليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وفي مثل هذه الأعمال يقول عليه الصلاة والسلام " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وقال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أي مردود على صاحبه. ولكن أنصحك وأدلك على ما ورد في السنة من فضل العمل في هذه العشر. أولا: صيامها، وهذا ثابت. والثاني: ذكر الله فيها لقوله تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيامٍ معلوماتٍ) [الحج: 28] . ... وهذه الأيام هي العشر الأول من ذي الحجة كما قاله طائفة من المفسرين. الثالث: العمل الصالح ومجاله واسع من تلاوة لكتاب الله وقيام الليل وبذل المعروف والإنفاق في سبيل الله وغير ذلك. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1422(8/817)
تخصيص يوم في العام للاحتفال بعيد الأم من البدع والمحدثات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر عيد الأم عيدا إسلاميا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يعرف بعيد الأم، والذي يحتفل به كثير من الناس في الحادي والعشرين من مارس هو من جملة البدع والمحدثات التي دخلت ديار المسلمين، لغفلتهم عن أحكام دينهم وهدي شريعة ربهم، وتقليدهم واتباعهم للغرب في كل ما يصدره إليهم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه.
ولم تأت بدعة محدثة من البدع إلا وهجرت أو أميتت سنة من السنن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة" رواه أحمد. مصداق ذلك أنك ترى الرجل غير بار بأمه، لا يصلها إلا قليلاً، فإذا كان هذا اليوم، جاءها بهدية، أو قدم لها وردة، ويظن في نفسه أنه بذلك قد عمل الذي عليه تجاهها.
وقد استفاض العلم بأنه لا يجوز إحداث عيد يحتفل به المسلمون غير عيدي الأضحى والفطر، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى: (لكل أمة جعلنا منسكاهم ناسكوه) [الحج:67] .
ومن أحدث هذه البدعة إنما أحدثها تعويضاً عن تقصير مجتمعه في حق الأم، وانقطاع روابط الود والصلة، فأحب أن يكرمها، ويرد إليها شيئاً من حقها، فعمد إلى إحداث هذا اليوم لتحتفل به الأسر تكريماً لها. فكانوا كمن سكت دهراً ونطق نكراً. وماذا يغني عن الأم يوم في السنة، وبقية العام تكون نزيلة ملجأ أو نديمة كلب أو هرة، هما أوفى لها ممن رضع من ألبانها وتربى في حجرها… ولعل من الطريف أن ننبه إلى أن الأم من جهتها كانت شريكة في صناعة هذا العقوق، لأنها كانت بنتاً، وكانت تمارس ذات الأسلوب مع أمها، والبر سلف - كما يقال -.
والاحتفال بالأم وتكريمها على هذه الطريقة المحدثة لن يعطيها عشر معشار ما كفلت لها الشريعة المطهرة من الحقوق، وكيف يمكن ذلك، وقد أمر الله جل وعلا ببرها والإحسان إليها الدهر كله، وجعله حقا لها وهي على قيد الحياة، وعندما تكون في عالم الأموات، ولم يجعل لهذا الإحسان يوما أو وقتا واحدا يحتفل فيه بها، ولم تأت شريعة من الشرائع بمثل ما جاءت به شريعة الإسلام.
وذكر حقوق الأم في الشريعة باب يطول، ويكفي التنبيه إلى أن الله تعالى أمر ووصى في مواضع من كتابه بالإحسان إلى الوالدين، وقرنه بالأمر بعبادته والنهي عن الشرك به، وأمر بالشكر لهما متصلاً بالشكر له، وخص الأم بالذكر في بعض هذه الوصايا للتذكير بزيادة حقها على الأب.
قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) [النساء: 36] .
وقال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) [الإسراء: 23] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يزيد البر بهما مع اللطف، ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد، تذللاً لهما.
وقال سعيد بن المسيب في قوله تعالى: (وقل لهما قولاً كريماً) هو: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ.
ولا يمنع من برهما والإحسان إليهما كونهما غير مسلمين أو عاصيين، قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً) [لقمان: 15] .
فأمر تعالى بمصاحبتهما بالمعروف مع كفرهما، بل ومع أمرهما ولدهما بالكفر بالله تعالى.
عن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش - إذ عاهدهم - فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة - أي في بري وصلتي لها، وقيل: راغبة عن الإسلام كارهة له - أفأصلها؟ قال: "نعم صلي أمك" متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أبوك" متفق عليه.
فحقها مقدم على حق الأب ويزيد عليه بأضعاف ثلاثة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم عقوق الأمهات، ومنعا وهات ووأد البنات" متفق عليه.
وروى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة.
ولا يكون البر الذي أمر به الإسلام والإحسان إلى الوالدين حال حياتهما، بل إن صورة البر تكون بعد موتهما كذلك، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله هل بقى على من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما" رواه أبو داود.
فهذا هو الاحتفال بالوالدين - لا سيما الأم - الذي دعا إليه الإسلام وحث عليه ورغب فيه،
والناس بعد ذلك أحد شخصين: بار بأمه كما أمرته الشريعة المطهرة، فهذا لا يجوز له الاحتفال بهذا اليوم، لأنه بدعة، ولأن هدي الإسلام في هذا الباب أتم وأحكم.
وشخص لم يكن بأمه براً، وهذا لن يكون بهذا الاحتفال وهذا اليوم باراً، بل هو ممن جمع بين العقوق والابتداع. لما سبق بيانه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1421(8/818)
صوم يوم الإسراء والمعراج غير مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصوم في يوم (الإسراء والمعراج) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لم يثبت بدليل صحيح تعيين ليلة الإسراء والمعراج، وعلى تقدير كونها ليلة السابع والعشرين من رجب فإنه لا يشرع تخصيصها بشيء من العبادات كقيامها أو صوم نهارها، لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، وهم أولى الناس بالخير والحرص عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه مسلم. فما لم يكن عندهم دينا فلن يكون اليوم دينا. لكن لو وافق يوم السابع والعشرين صياما كان يعتاده الإنسان كيومي الاثنين والخميس فصامه لأجل ذلك فلا حرج.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/819)
حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وأول من أحدثه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
وبعد: لمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين قدر عظيم، فهم يحبونه ويوقرونه ويعظمونه أكثر من أهليهم وأولادهم بل حتى من أنفسهم …… لكن هذا الحب لابد أن يقترن بمتابعةٍ لسنته عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، كما قال الحق سبحانه وتعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم". [آل عمران:31] ومن المعروف عندنا معاشر المسلمين أنه لا يوجد شخص قد أحب نبينا صلى الله عليه وسلم، مثل: حب أصحابه الكرام رضوان الله عليهم له، وقصصهم في التفاني في حبه معروفة مدونة في كتب السنة والسيرة، حتى كان الواحد منهم إذا تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أهله وأولاده يتركهم ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إليه.
فالقول بأن الاحتفال بالمولد بدعة منكرة قول صائب، وذلك لأنه لم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بيوم مولده، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، مع أن سبب الاحتفال بالمولد موجود، ومع ذلك لم يفعلوه ولم يفعله من بعدهم من التابعين لهم بإحسان، ولو كان في مثل هذه الاحتفالات خير لفعله الصحابة، ولأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن هذه الاحتفالات ليست بمشروعة، وأنها من الأمور المحدثة، وأول من أحدثها هم الفاطميون في القرن السادس الهجري عند ظهور الدولة الفاطمية. (العبيديون) وقد كانت تصرفاتهم مشبوهة، ومن العلماء من أخرجهم من الملة ولا شك في ضلالهم وبعدهم عن منهج السلف الصالح، نسأل الله العافية والثبات على السنة والبعد عن البدعة، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . والله تعالى أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1422(8/820)
ليلة النصف من شعبان إن ثبت فضلها لم يثبت تخصيصها بعبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تخصيص 15 من شعبان كيوم لعمل العبادات بشكل أكثر؟ مع الدليل. ... ... ...
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد: ...
لا شك أن ليلة النصف من شعبان من الليالي الفاضلة المباركة كما ثبت بذلك الحديث فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويخلي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه". [رواه البيهقي وقال هذا مرسل جيد] . فهذا الحديث بين فضيلة هذه الليلة وهذا لا يلزم منه أن يخص هذا اليوم بصيام أو أي نوع من أنواع العبادات إلا أن يوافق عادةً له ومن غير قصد. فإذا قصد هذا اليوم بصيام أو بعبادة وخصه عن سائر الأيام فهذا يدخل تحت البدع المحدثة.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1422(8/821)
تخصيص ليلة النصف من شعبان أو يومه بعبادة معينة بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ليوم الخامس عشر من شعبان فضل لأني سمعت أحد المشايخ يقول بذلك؟ أرجو إفادتي بالأدلة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقد ورد ما يدل على أن ليلة النصف من شعبان من الليالي الفاضلة المباركة، ومما ورد فيها ما رواه ابن ماجه، وفيه: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن"، وقد ضعفه السيوطي وغيره. وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه " أخرجه البيهقي وحسنه بعض أهل العلم، فهذان الحديثان فيهما بيان فضيلة هذه الليلة؛ لكن لا ينبغي أن تخص هذه الليلة بقيام أو عبادة، إلا إذا كان ذلك موافقاً لعادة له، ومن قامها ظاناً أن لها فضيلة تختص بها، فقد قام بأمر لم يرد في الشرع، والحديث السالف لا يلزم منه أن يخص هذا اليوم بصيام أو أي نوع من أنواع العبادات إلا أن يوافق عادةً له ومن غير قصد. فإذا قصد هذا اليوم بصيام أو بعبادة وخصه عن سائر الأيام فهذا يدخل تحت البدع المحدثة.
وأما ما ورد في فضل هذه الليلة من الروايات وتخصيصها بعبادة خاصة دون غيرها فقد ضعفها العلماء وقال بعضهم بوضع كثير من تلك الروايات، لذلك فلا نتقرب إلى الله بمثل هذه الأمور، بل بما صح وثبت عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، ونقله عنه الثقات ورضوا به. روى الترمذي في سننه بسند صحيح عن الحسن بن علي رضى الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة". فلا بد في العبادة من اليقين والطمأنينة والتثبت ليكون القلب في راحة وأمن وسلامة.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1422(8/822)
أعياد الميلاد لا أصل لها في ديننا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ماهو حكم الاحتفال بعيد الميلاد الإنسان؟
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". أي إن أي أمر يحدث في هذا الدين ولم يكن على هدي سيد المرسلين فهو أمر مردود على صاحبه، وأعياد الميلاد هذه بأنواعها لم تكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام ولا عرفت مثل هذه الأعياد إلا بعد القرون الثلاثة الفاضلة مما يدل على أنها محرمة وليس لها أصل في الإسلام – وبدلأ من أن يحتفل الإنسان بعيد مولده كان الأولى به أن يتذكر أنه كلما مر عليه يوم من أيامه فإنما هو يقترب من النهاية أي الموت فلتكن له عبرة بانقضاء الأيام والسنين، وعليه فإن الاحتفال بهذه الأعياد بجميع أنواعها من البدع المحرمة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1422(8/823)
الأسواق أبغض الأماكن إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرة خروجي من المنزل وذهابي إلى الأسواق يومياً وترك أولادي مع الخادمة أشعر بالندم كثيراً ولكني أحس أني مريضة بالأسواق كما أنني عندما أجلس في المنزل معهم لا أعرف ماذا أفعل أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأولى للمرأة أن لا تكثر من الخروج لغير حاجة، لقول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ {الأحزاب:33}
ولا سيما إذا كان الخروج للأسواق التي هي أبغض الأماكن إلى الله، ففي الحديث الشريف: وأبغض البقاع إلى الله الأسواق. رواه أحمد والبزار وصححه الألباني.
وهذا إذا لم يشتمل الخروج على مخالفة شرعية كعدم التزام المرأة للحجاب والاحتشام، وانظري الفتوى رقم: 25835، والفتوى رقم: 74422.
ولا شك أن تربية الأولاد من أعظم مهام المرأة المسلمة، ومجاهدتها وصبرها على ذلك من أعظم الأعمال، فبقاء الأم في بيتها مع أولادها ضروري، لقيامها برعايتهم وتأديبهم وتعليمهم، وذلك ما لا يتصور معه إحساس المرأة بالفراغ. مع ما عليها من واجبات من عبادة ربها وحق زوجها، والمرأة مسئولة عن كل ذلك.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها. رواه البخاري ومسلم.
وترك الأولاد مع الخادمة، فيه الكثير من المخاطر، ولبيان ذلك ومعرفة ضوابط استقدام الخادمات والتعامل معهن تراجع الفتوى رقم: 18210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(8/824)
مقبرة المعلاة تحوي قبور كثير من الصحابة والتابعين والصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[من الأعلام الذين دفنوا في مقبرة المعلاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مقبرة المعلاة مقبرة مشهورة معروفة في مكة وبها قبور كثير من الصحابة والتابعين وكثير من الأعلام ممن توفي في مكة من أهل العلم والفضل، وراجع الفتوى رقم: 38042.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(8/825)
من الأعلام الذين دفنوا بالبقيع
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا كثيراً عن البقيع وشهداء البقيع، فهل لنا بتعريف بهؤلاء الأبطال وذلك المكان والشخصيات المدفونة بالبقيع؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبقيع مكان بالمدينة قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عن يسار القبلة وقد أصبح مقبرة دفن فيه كثير من أكابر الصحابة، وأول من دفن فيه من المهاجرين رضي الله عنهم هو عثمان بن مظعون رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: توفي بعد شهوده بدراً في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دفن بالبقيع منهم.
وممن دفن فيه الخليفة الثالث الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال ابن كثير في البداية نقلاً عن الحافظ ابن عبد البر: دفن الصحابة عثمان بحش كوكب، وكان قد اشتراه وزاده في البقيع.
ومنهم إبراهيم ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعند أحمد عن البراء بن عازب قال: مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر شهراً، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفن في البقيع، وقال إن له مرضعاً يرضعه في الجنة. قال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح.
ومنهم ابن مسعود فعن يحيى بن بكير قال: توفي عبد الله بن مسعود ويكنى أبا عبد الرحمن وهو ابن بضع وستين سنة، وفي سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة وأوصى إلى الزبير بن العوام وصلى عليه ودفن بالبقيع. رواه الطبراني في المعجم الكبير.
ومنهم الحسن بن علي بن أبي طالب كما في الإصابة لابن حجر، ومنهم عبد الرحمن بن عوف كما في الإصابة. وغيرهم كثير تطول الفتوى بتعدادهم، ولكن يمكن أن تراجع الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، وأسد الغابة في معرفة الصحابة للشيخ عز الدين بن الأثير الجزري، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 76083.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(8/826)
مقبرة جنة المعلا بمكة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل صحيح أنه توجد مقبرة في مكة اسمها جنة المعلا قدهدمت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نقف على اسم مقبرة بهذا الاسم المذكور، وإنما المعروف في مكة هو مقبرة المعلاة، وهي مقبرة مشهورة معروفة، وبها قبر السيدة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد وعبد الله بن عمر، وكثير من الصحابة والتابعين، عليهم رضوان الله، وهي التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: نعم المقبرة هذه. رواه أحمد والطبراني في الكبير، وعبد الرزاق في المصنف، وهو ضعيف.
وقد تحدث الأزرقي عن هذه المقبرة وفضلها في كتابه "أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار" في الجزء الثاني من الكتاب، وبإمكانك أن ترجع إليه لتجد المزيد من الفائدة والتفصيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1424(8/827)
قول العلامة ابن باز في زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا نسأل الله لنا ولكم الإخلاص والتوفيق والثبات على الحق حتى نلقاه.
سؤالي بارك الله فيكم في ما يتعلق ببعض الشبه المثارة حول أهل الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وعلى رأسهم العلماء.
في بلدنا إفريقية حيث فشا الجهل وانتشر التصوف أصبح المتمسك بالسنة وهابيا، متعصبا، لا يحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا جئت هؤلاء القوم بأثرة من العلم رجعوا إلى رؤوس الجهل (شيوخ الطريقة التيجانية) وعلموهم الشبهات التي يردون بها على السلفيين:
فمن جملة ما أثير عندما أرادت أمي أن تسلمهم كتاب في العقيدة للشيخ ابن باز قالوا لها:
هذا الشيخ الذي تتبعون لا يحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والدليل عندهم أنه رحمه الله لم يزر قبر النبي عليه السلام طوال سنين وهو في بلد الحجاز (يعنون الشيخ ابن باز رحمه الله)
فبالله ما الرد على هؤلاء، وهل يلزم على المسلم الساكن بأرض الحجاز زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟؟
وما النصيحة للذين اتخذوا رؤوسا جهالا ضلوا وأضلوا ...
والمعذرة على التطويل فإن القلب يحترق هنا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحسن في جواب هذا السؤال أن ننقل فتوى العلامة ابن باز رحمه الله في موضوع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. فقد سئل رحمه الله عن حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من قبور الأولياء والصالحين وغيرهم فأجاب: لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الناس في أصح قولي العلماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى. متفق عليه.
والمشروع لمن أراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعيد عن المدينة أن يقصد بالسفر زيارة المسجد النبوي فتدخل زيارة القبر الشريف وقبر أبي بكر وعمر والشهداء وأهل البقيع تبعا لذلك.
وإن نواهما جاز لأنه يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا، أما نية القبر بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال. أما إذا كان قريبا لا يحتاج إلى شد رحال ولا يسمى ذهابه إلى القبر سفرا فلا حرج في ذلك؛ لأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه من دون شد رحال سنة وقربة، وهكذا زيارة قبور الشهداء وأهل البقيع، وهكذا زيارة قبور المسلمين في كل مكان سنة وقربة، لكن بدون شد الرحال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة. اخرجه مسلم في صحيحه.
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية. أخرجه مسلم أيضا في صحيحه. اهـ.
من كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. وراجع في مسألة شد الرحال لزيارة القبر الشريف الفتوى رقم: 54526، والفتوى رقم: 19508. وراجع في نصيحة من يقلدون ائمة الضلال الفتوى رقم: 29581.
وأما ما يقول هؤلاء عن العلامة ابن باز فمحض افتراء وتخرص بالباطل، ولا يسوغ ولا يصح أن يرمى به مسلم، فضلا عن إمام كالعلامة ابن باز رحمه الله. وقديما قيل: من الأقوال ما يغني فسادها عن تكلف الرد عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(8/828)
السفر للمسجد الأقصى
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في السفر للمسجد الأقصى ومعي صحبة ومحرم وقيل لي إن هذا لا يجوز لأن التأشيرة سآخذها من السفارة الإسرائيلية وربما أقف على الحدود عدة أيام والله أعلم أيضا ماذا قد يحدث لي من مخاطر وسيكون دخول الأقصى عن ذل وتحت إذن اليهود وهذا لا يجوز وعلينا الانتظار حتى يحرر. هل هذه الفتوى صحيحة وهل هذا يندرج تحت إلقاء النفس إلى التهلكة.
أفيدوني يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن السفر إلى المسجد الأقصى من أفضل القربات والصلاة فيه من أجل الطاعات، ومما تضاعف به الحسنات، وراجعي الفتوى رقم: 6879.
والذي يظهر - والله أعلم - أن من وجد فرصة سانحة للسفر إلى هنالك ولو بمداراة ظالم يحول بين الناس وبين الوصول إلى هنالك فليفعل، جاء في مواهب الجليل نقلا عن كتاب التوضيح: قال صاحب السراج: فإن طلب منه الظالم في طريق أو في دخول مكة مالا فقال بعض الناس: لا يدخل ولا يعطيه وليرجع. والذي أراه أن يعطيه ولا ينبغي أن يدخل في ذلك خلاف فإن الرجل بإجماع الأمة يجوز له أن يمنع عرضه ممن يهتكه بماله، وقالو: كل ما وقى به المرء عرضه فهو صدقة، فكذلك ينبغي أن يشتري دينه ممن يمنعه إياه. ولو أن ظالما قال لرجل: لا أمكنك من الوضوء والصلاة إلا بجعل لوجب عليه أن يعطيه إياه. اهـ وصاحب السراج هو القاضي ابن العربي الفقيه المالكي.
وما قد يحدث للإنسان من مخاطر قد لا تكون بالدرجة التي يكون فيها هذا الأمر من إلقاء النفس إلى التهلكة، ولكن على كل حال، فإن خشي الإنسان على نفسه شيئا من الضرر، فلا ينبغي أن يسافر إلى هنالك خاصة، وأن هذا السفر مستحب وليس بواجب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1429(8/829)
مسألة هدم المسجد الأقصى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسجد الأقصى سيهدم بفعل الشياطين الإسرائليين وهل هذا مذكور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم دليلاً من الكتاب أو السنة يدل على أن اليهود أو غيرهم سيهدمون المسجد الأقصى، كما لا نعلم دليلاً ينفي ذلك، وانظر الفتوى رقم: 39275.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1429(8/830)
استحباب زيارة قبر النبي لمن زار مسجده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز السفر إلى المدينة المنورة بنية زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام بجانب نية زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمريد السفر إلى المدينة المنورة يسن له أن ينوي زيارة المسجد النبوي والفوز بالصلاة فيه التي هي مضاعفة على الصلاة في غيره بألف صلاة باستثناء المسجد الحرام، كما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. متفق عليه.
وتستحب له بعد ذلك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مستحبة في حق من زار مسجده أو كان قريباً منه، وأما شد الرحال بنية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم فغير مشروع، وبناء على ما تقدم فإن الشخص المذكور إذا كان الحامل له على السفر هو زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه فلا حرج عليه في أن تكون له نية زيارة القبر الشريف تبعاً لذلك.
وأما أن يكون الدافع له على السفر هو زيارة القبر، والصلاة في المسجد إنما هي تابعة لتلك النية فإن ذلك غير مشروع، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 54526، والفتوى رقم: 24964.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1429(8/831)
أول من بنى المسجد الحرام والمسجد الأقصى
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي بنى المسجد الأقصى؟ وما قصة الهيكل المزعوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أول من بنى المسجد الحرام والمسجد الأقصى هو إبراهيم عليه السلام. عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة.
يقول الشيخ ابن عاشور في كتابه التحرير والتنوير: فهذا الخبر قد بين أن المسجد الأقصى من بناء إبراهيم لأنه حدد بمدة هي من مدة حياة إبراهيم - عليه السلام- وقد قرن ذكره بذكر الحرام.
وهذا مما أهمل أهل الكتاب ذكره، ثم يذكر ابن عاشور أن التوراة تشهد لهذا مما جاء في سفر التكوين.
أما قصة الهيكل المزعوم فهي مذكورة في كثير من المواقع على الشبكة العنكبوتية، ومنها مقالات منشورة على موقعنا تحت عنوان فرية الهيكل، فلك أن ترجع إليها لتقرأ ما كتب فيها، وفيه كفاية إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1429(8/832)
مضاعفة ثواب الصلاة في المساجد الثلاثة يشمل الفرض والنفل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن الصلاة في الحرم المكي بمائة ألف صلاة وفي الحرم النبوي بألف صلاة فهل هذا بالنسبة للصلوات المفروضة فقط أم في السنن والنوافل أيضا، وأريد أن أسأل أيضا أنه إذا كان لي أيام لم أكن ملتزمة فيها بالصلاة أي أنة فاتتني سنوات لم أكن أؤدي فيها الصلاة بانتظام، سامحني الله، أستغفره وأتوب إليه، فهل إذا صليت في الحرم بنية قضاء ما فاتني فهل كل صلاة أقضيها تحسب بمائة ألف لأنني أعرف بالتقريب عدد السنوات التي لم أكن أصلي فيها وعدد الفروض الفائتة فهل تصح هذه الحسبة ولأنني لا أستطيع المواظبة على صلاة فرض حاليا وآخر قضاء لأنني أريد أيضا المحافظة على السنن الرواتب علما بأنني لا أقيم بجانب الحرم ولكن أقوم بذلك عندما أكون في عمرة أو زيارة لمسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من المعلوم أن الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي تضاعف على نحو ما ورد في الأحاديث الواردة في ذلك، ولا فرق في ذلك بين الصلاة المفروضة وغيرها، لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك، لكن هذا التضعيف خاص بالأجر والثواب، ولا يجزئ عن أداء الصلاة ولا قضائها في الماضي باتفاق أهل العلم.
ثم إن على السائلة أن تتوب إلى الله من التفريط في الصلاة وأن تقوم بقضاء ما فات عليها من الصلوات، وتقدم القضاء على النوافل لأنه واجب والرواتب سنة، فإن استطاعت حصر عددها قضتها جميعا؛ وإلا قضت ما يغلب على ظنها أنه عدد الصلوات التي فاتتها، وبذلك تبرأ ذمتها إن شاء الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المعلوم أن الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي تضاعف على نحو ما ورد في الأحاديث الواردة في ذلك، ولا فرق في ذلك بين الصلاة المفروضة وغيرها لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: اعلم أن مذهبنا أنه لا يختص هذا التفضيل بالصلاة في هذين المسجدين بالفريضة؛ بل يعم الفرض والنفل جميعا، وبه قال مطرف من أصحاب مالك. وقال الطحاوي: يختص بالفرض، وهذا مخالف إطلاق هذه الأحاديث الصحيحة. والله اعلم.
ثم إن التضعيف المذكور إنما هو في الأجر والثواب، ولا يجزئ عن أداء الصلاة في المستقبل، ولا قضاء ما فات منها في الماضي، فمن كانت عليه صلاتان فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تجزه إلا عن واحدة سواء كانت أداء أو قضاء باتفاق أهل العلم؛ كما قال الحافظ ابن حجر.
وعلى هذا فإن على الأخت السائلة أن تتوب إلى الله تعالى من التفريط في الصلاة وتقوم بقضاء الصلوات التي فاتتها، وتقدم القضاء على النوافل لأنه واجب والرواتب سنة، فان استطاعت حصر عددها قضتها جميعا؛ وإلا قضت ما يغلب على ظنها أنه عدد الصلوات التي فاتتها، وبذلك تبرأ ذمتها إن شاء الله.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 61320، 31107، 25240.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1429(8/833)
ثواب الطاعات في المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من أحد الشيوخ في التلفاز أن التسبيح في مكة والتهليل والصدقة وكذلك الآثام وجميع الأشياء بمئة ألف مرة مثلها مثل الصلاة في الكعبة، فما صحة هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فقد ثبت أن الصلاة في المسجد الحرام تضاعف بمائة ألف صلاة، وهذا شامل للفريضة والنافلة عند بعض أهل العلم، وخصه بعضهم بالفريضة وما سوى ذلك من الطاعات فيعظم ثوابها في الحرم، ولم نقف على ما يدل على مضاعفتها بمائة ألف، كما أن المعصية في الحرم إثمها أعظم، ولم نقف على مضاعفتها بمائة ألف.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطاعة التي ثبت بالنص أنها تضاعف بمائة ألف هي الصلاة في المسجد الحرام، فبعض أهل العلم قال إن ذلك شامل للفرض والنفل وأبقى لفظ الحديث على ظاهره، وبعضهم قال إن ذلك خاص بالفريضة. قال المناوي في فيض القدير: صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه. ظاهره أنه لا فرق في التضعيف بين الفرض والنفل وبه قال أصحابنا، قال النووي: وتخصيص الطحاوي وغيره بالفرض خلاف إطلاق الأخبار. قال العراقي: فيكون النفل بالمسجد مضاعفاً بما ذكر، ويكون فعله في البيت أفضل لعموم خبر: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. انتهى.
وقال ابن حجر في فتح الباري: وقد تقدم النقل عن الطحاوي وغيره أن ذلك مختص بالفرائض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. ويمكن أن يقال لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه فتكون صلاة النافلة في بيت بالمدينة أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما وكذا في المسجدين وإن كانت في البيوت أفضل مطلقاً. انتهى.
أما كون التسبيح والتهليل والصدقة وغيرها من الطاعات يضاعف ثوابها مائة ألف، أو كون إثم المعصية يضاعف أيضاً كذلك فلم نقف على ما يدل على ثبوته، وإن كانت الطاعة يضاعف ثوابها في مكة كما يعظم فيها إثم المعصية أيضاً. قال الإمام النووي في المجموع: اختلف العلماء في المجاورة بمكة والمدينة، فقال أبو حنيفة وطائفة: تكره المجاورة بمكة، وقال أحمد وآخرون: تستحب، وسبب الكراهة -عند من كره- خوف ملابسة الذنوب، فإن الذنب فيها أقبح منه في غيرها، كما أن الحسنة فيها أعظم منها في غيرها، ودليل من استحبها أنه يتيسر فيها من الطاعات ما لا يحصل في غيرها من الطواف وتضعيف الصلوات والحسنات وغير ذلك، والمختار أن المجاورة مستحبة بمكة والمدينة إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في الأمور المذمومة أو بعضها، وقد جاور بهما خلائق لا يحصون من سلف الأمة وخلفها ممن يقتدى به. انتهى بتصرف يسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1429(8/834)
صور المسجد النبوي الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعرف اسم مسجد يعرف باسم مسجد الرسول بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية وهل له صور فوتوغرافية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لا نعلم بالمدينة مسجداً يسمى مسجد الرسول غير المسجد النبوي المعروف، وإذا كان المراد بصوره الصورة التي كان عليها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتأتى وجودها لأن آلة التصوير طارئة، أما صوره بعد وجود آلة التصوير فهي كثيرة يبحث عنها في الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(8/835)
من نوى عملا وحيل بينه وبينه يثاب على نيته
[السُّؤَالُ]
ـ[ولله الحمد أقوم بأداء الصلوات الخمس فى المسجد الحرام حيث إنه من فضل ربي علي أني مقيم بمكة، فهل إذا اضطررت إلى المغادرة بسبب تسريحي من العمل أو ما إلى ذلك وقمت بالصلاة في المساجد الأخرى فهل يكتب لي الأجر استشهاداً بحديث رسول الله (إن العمل يكتب للعبد إن مرض أو سافر) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مضاعفة أجر الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى خاص بهذه المساجد لفضلها لا يشاركها فيها غيرها من المساجد الأخرى، ومن نوى العمل وحيل بينه وبينه فإنه يثاب على نيته، ونرجو أن يكون الأخ السائل من هذا النوع، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1428(8/836)
اسم الجبل الذي أقيم عليه المسجد الأقصى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم الجبل الذي أقيم عليه المسجد الأقصى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموقع متخصص في الإجابة عن الأسئلة الشرعية التي يترتب عليها عمل وفائدة، فنأمل أن يراسلنا الأخ السائل بهذا النوع من الأسئلة.
وأما اسم الجبل الذي يقوم عليه المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة فهو جبل (موريا) ومعناه: المختار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1426(8/837)
حكم زيارة المساجد الأثرية
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد مسجد بقرية بجوارنا يقال إنه بناه عمرو بن العاص، وأريد أن أراه، فهل يجوز أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً من رؤية مسجد بناه الصحابة أو غيرهم أو أي أثر من الآثار التاريخية إذا كان للاعتبار والاطلاع ... ما لم يكن هناك مانع شرعي خارج، مثل أن يكون ذلك بقصد التعبد.
وللعلم فإن مساجد المسلمين في الفضل والشر ف سواء إلا المساجد الثلاثة: المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى بالقدس الشريف، وهي التي جاء فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى. رواه البخاري ومسلم.
ولذلك فإذا كانت رؤية المسجد المذكور بقصد الصلاة فيه أو نذر المشي إليه والاعتكاف فيه وشد الرحال له.... فإن السفر وشد الرحال لا يشرع إلى المساجد للعبادة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة المذكورة، وبإمكان من نذر أي نذر أن يؤدي نذره أو يصلي أو يعتكف في أقرب مسجد أو أي مسجد تيسر له، فلا يلزم السفر لشيء من ذلك لغير المساجد الثلاثة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1426(8/838)
رحبة المسجد الأقصى هل تعتبر من المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تم بناء المسجد الأقصى البناء المسقوف على تلك البقعة فقط؟ وهل كل هو ما داخل الأسوار هو من المسجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على تعليل لبناء المسجد الأقصى على تلك البقعة فقط، من غير أن يكون البناء شاملاً لكل ما بداخل الأسوار.
لكننا لا نرى في ذلك شيئاً غريباً، فقد يكون سبب الاقتصار على تلك البقعة هو أن حاجة المصلين آنذاك كانت بقدر ذلك فقط.
وقد يكون السبب هو ضيق النفقة، كما هو الحال في بناء قريش للكعبة الشريفة، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم. قلت: فلم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة ... الحديث.
وما هو داخل أسوار المسجد قد اختلف أهل العلم فيما إذا كان له حكم المسجد أم لا. قال النووي في المجموع: حريم المسجد لا يثبت له حكم المسجد في صحة الاعتكاف فيه، وتحريم المكث فيه على الجنب. اهـ
وقال المرداوي في الإنصاف: رحبة المسجد ليست منه على الصحيح من المذهب ... وهو من المفردات. اهـ
وقال: وعنه أنها منه، جزم به بعض الأصحاب، منهم القاضي في موضوع من كلامه، وجزم به في الحاويين، والرعاية الصغرى في موضع من كلامه، فقال: إن كانت محوطة فهي منه، وإلا فلا. قال المجد: ونقل محمد بن الحكم ما يدل على صحة هذا الجمع. اهـ
وقال: وقدم هذا الجمع في المستوعب، وقال: ومن أصحابنا من جعل المسألة على روايتين، والصحيح أنها رواية واحدة. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(8/839)
لا فرق في التضعيف بين الفرض والنفل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت الركعة في المسجد الحرام بمائة ألف، فهل من الأفضل أن يكثر المصلي في المسجد الحرام من عدد الركعات أم الأفضل أن يطيل الصلاة فمثلا إذا أردت قيام الليل في المسجد الحرام فأيهما أفضل وأكثر ثوابا أن أطيل بالصلاة أو أكثر من عدد الركعات وبشكل عام خارج المسجد الحرام أيهما أفضل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد وغيره أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد غير مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، قال العلامة المناوي رحمه الله في فيض القدير: ظاهره أنه لا فرق في التضعيف بين الفرض والنفل وبه قال أصحابنا، قال النووي: وتخصيص الطحاوي وغيره بالفرض خلاف إطلاق الأخبار. اهـ.
وأقل النفل المطلق ركعة كما ذكر ذلك فقهاء الشافعية. قال النووي في شرح المهذب: وله أن لا ينوي بل يقتصر على نية الصلاة، فإذا شرع في تطوع ولم ينو عددا فله أن يسلم من ركعة وله أن يزيد. اهـ.
وعليه.. فالركعة بهذا المعنى تشملها المضاعفة المذكورة في الحديث على قول الجمهور، أما المفاضلة بين إطالة القيام والإكثار من الركوع والسجود مع تقصير القيام فقد سبق بيانها في الفتويين: 28836، 32105.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1426(8/840)
نبذة مختصرة في التعريف بالحرمين وما يتعلق بهما من أحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هما الحرمان وما معنى لا تقتلوا فيهما ولا تعثوا؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالحرمين حرم مكة وحرم المدينة، ومعنى كونهما حرماً أي يحرم القتال فيهما إلا لدفع المعتدي، كما قال الله تعالى: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ [البقرة:191] ، وإنما أحل القتال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار يوم فتح مكة ثم عادت الحرمة، كما في الصحيحين.
ويحرم فيهما قتل الصيد وتنفيره، وقطع الشجر والنبات إلا ما ورد استثناؤه عن النبي صلى الله عليه وسلم كالإذخر، وعلى من فعل ذلك الجزاء، على تفصيل في ذلك، وتفريق بين الحرم المكي والمدني.
وللعبادة في الحرمين مزية ومضاعفة للأجر، كما أن المعصية فيهما مضاعف إثمها، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] ، فهذه نبذة مختصرة مجملة في التعريف بالحرمين وما يتعلق بهما من أحكام، وأما تفصيل تلك الأحكام فمحله الفروع الفقهية ويطول ذكرها، ولذا تركنا تفصيلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1425(8/841)
فضل زيارة البيت الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فضل زيارة البيت الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمسجد الحرام هو أفضل المساجد في الأرض على الإطلاق، ويليه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم المسجد الأقصى. ومن فضائل زيارة هذه المساجد الثلاثة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا تُشَدّ الرّحالُ إلاّ إلى ثَلاَثَة مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هذا، ومَسْجِدِ الأقْصَى. رواه البخاري ومسلم، فخصها بشد الرحال إليها مما يدل على خصوصيتها بمزية لا توجد في غيرها، وقد مضى بيان معنى هذا الحديث في الفتوى رقم: 30152
كما أن زائر المسجد الحرام والمسجد النبوي يفوز بمضاعفة الأجور في الصلاة؛ ففي صحيح البخاري ومسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صَلاَةٌ في مَسْجِدي هذا خيرٌ مِنْ ألفِ صلاَةٍ في ما سِوَاهُ إلاّ المسجدَ الحرامَ.
وزائر المسجد النبوي يفوز بالمرور في الروضة التي بين بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره، وقد قال فيها: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ. رواه مسلم، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دَخَلْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيّ الْمَسْجِدَيْنِ الّذِي أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفّاً مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ. ثُمّ قَالَ: هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا، لمسجد المدينة.
وزائر المسجد الحرام لابد أن يدخل مكة، ومكة هي أحب البلاد إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ففي مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: علمت أنك خير أرض الله وأحب الأرض إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وهناك أمور كثيرة تتعلق بالحرمين، منها فضل مكة والمدينة، وقد ذكرنا بعض هذه الفضائل في الفتاوى التالية: 6879، 8709، 33784، 24964، 19508.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1424(8/842)
كم تعدل الصلاة في بيت المقدس
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسلت لكم السؤال رقم 82898 وجاءت الإجابة وسأرسل لكم تعقيبا ولكن مقطعاً في رسالتين أو ثلاث أقول جاءت الإجابة كالتالي: وأما عن فضل الصلاة في المساجد فروى البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة [في] بيت المقدس بخمسمائة صلاة" قال البزار: إسناده حسن، نقله الحافظ ابن حجر في الفتح: باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة في كتاب الجمعة [كذا، والصواب: كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة] . والله أعلم
يا أخي الكريم جزاك الله خيراً على إجابتكم وذاك نصها وما بين معقوفين زيادة مني، الذي سألت عنه هو: هل يوجد نص فيه أن الصلاة في المسجد الأقصى بـ (250) صلاة؟ وأما ما ذكرتموه فهو حديث عند البزار والطبراني، ولا يخفى عليكم أنهما (أعني مسند البزار ومعاجم الطبراني) من كتب الغرائب.
المطلوب هو: هل يوجد في الباب غير هذا؟
أرجو أن تذكروا لي ما وقفتم عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلفت الأحاديث في فضل الصلاة في المسجد الأقصى:
- فمنها ما يجعل الصلاة فيه بخمسمائة صلاة، كحديث أبي الدرداء الذي ذكرناه في الفتوى التي أشار إليها السائل - حفظه الله - وله شاهد عند ابن عدي من حديث جابر رضي الله عنه، وإسناده ضعيف.
- ومنها ما يجعل الصلاة فيه تعدل مائتين وخمسين صلاة، وهو ما رواه الحاكم والدارقطني في العلل، عن أبي ذرٍ رضي الله عنه -مرفوعًا-: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات في بيت المقدس.
- ومنها ما يجعل الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في غيره، وهو حديث ميمونة بنت سعد عند أبي داود وابن ماجه وأحمد، وقال ابن مفلح في الآداب: رجاله ثقات.
- ومنها ما يجعل الصلاة فيه تعدل خمسين ألف صلاة، وهو حديث أنس رضي الله عنه، عند ابن ماجه، وفيه جهالة، كما أشار إلى ذلك العراقي.
- ومنها ما يجعل الصلاة فيه بمائة صلاة، وهو ما رواه أحمد وابن عبد البر في التمهيد، عن الأرقم رضي الله عنه- مرفوعاً-: والصلاة بمكة خير من ألف صلاة ببيت المقدس. قال ابن عبد البر: هذا حديث ثابت.
وقد رجح العراقي في طرح التثريب الأحاديث التي فيها أن الصلاة في بيت المقدس بألف صلاة، والتصويب الذي ذكره السائل ليس له وجه؛ لأن كلام الحافظ المنقول هو في كتاب "الجمعة باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة".
وقول السائل: إن معاجم الطبراني ومسند البزار من الغرائب لا وجه له أيضًا، لأنها من الكتب المعتمدة عند أهل الحديث، وورود بعض الأحاديث الضعيفة والغريبة فيها لا يعني تضعيف كل ما فيها، بل العبرة بالإسناد.
وننصح السائل لمزيد فائدة حول أحاديث الباب بالرجوع إلى الكتب التالية:
(1) التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر.
(2) نيل الأوطار للشوكاني.
(3) طرح التثريب لابن العراقي.
(4) فضائل المدينة لصالح الرفاعي، وقد جمع فأوعى وأجاد وأفاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1424(8/843)
بقعة المسجد تبقى مسجدا ولو هدم
[السُّؤَالُ]
ـ[باسم الله الرحمن الرحيم
أرجو منكم توضيح هذا الأمر:
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز في سورة الإسراء "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ... "
متى بني المسجد الأقصى؟ ألم يبن بعد وفاة الرسول (ص) ؟ إن كان الأمر كذلك فكيف أسري به إلى مكان لم يكن موجودا بعد؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن من بنى المسجد الأقصى، وذلك في الفتوى رقم: 17825.
أما قول السائل: ألم يبنَ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فجوابه: أنه بني بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بناء تجديد لا بناء تأسيس، فمن المعلوم أنه بعد بناء سليمان عليه السلام هدمه بختنصر البابلي، ثم أعيد بناؤه، ثم هدمه الملك الروماني طيطس، وبقي كذلك حتى بناه المسلمون، والذي أُسري بالرسول صلى الله عليه وسلم إليه إنما هو مكان المسجد، وسمي مسجدًا لأن بقعة المسجد تبقى مسجدًا ولو هدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1424(8/844)
الأماكن المقدسة في الإسلام وأفضلها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الأماكن المقدسة وماهي حرمتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأماكن المقدسة في الإسلام هي المساجد وما أشبهها في كل مكان مخصص لطاعة الله تعالى، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحبِّ البلاد إلى الله مساجدها.
وعلى رأس هذه المساجد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى بيت المقدس.
وتختص هذه المساجد الثلاثة دون غيرها بأنها لا تشد الرحال إلى غيرها من بقاع الأرض بقصد التعبد والثواب.
كما تختص مكة والمدينة بحرمة تنفير صيدها وقطع شجرها الذي لم يستنبته الناس في العادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(8/845)
ما أضيف إلى المسجد الحرام واتصل به يأخذ جميع أحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مكة كلها حرم بمعنى أن الصلاه في أي مسجد من مساجدها بنفس ثواب الصلاة في المسجد الحرام
وان لم يكن فماذا كان الحال قبل توسعة المسجد الحاليه وإدخال بيوت وأماكن كثيرة في زمام المسجد الحالي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مكة المكرمة - حرسها الله تعالى - كلها حرم، وحدود الحرم معروفة من الجهات كلها.
وأما مضاعفة الصلاة خارج المسجد من عموم الحرم فقد اختلف فيه أهل العلم وتفاصيل ذلك وأدلته موجودة في الفتوى رقم 2537
وما أضيف إلى المسجد واتصل به أخذ حكمه في مضاعفة الأجر وغير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1423(8/846)
تضعيف ثواب الصلاة في المساجد الثلاثة يشمل أي صلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[الصلاة في المسجد الأقصى تعدل 500 صلاة وقيل 1000صلاة عما سواه ما عدا الحرم المكي والنبوي.
هل هذا يقتصر على صلاة الجماعة أم تشمل أيضا صلاة الفرد؟
سمعت أحد المشايخ يقول ان هذا الأجر فقط لصلاة الجماعةالمفروضة؟ ما هو ردكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة، كما هو مبين في الفتوى رقم 6879 ولا يقتصر هذا على صلاة الفرض، ولا على صلاة الجماعة، بل هو شامل للفرض والنفل والجماعة والمنفرد، لأن لفظ الصلاة في قوله صلى الله عليه السلام " الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة " من ألفاظ العموم، فلا وجه لقصره على فرد من الأفراد دون آخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1423(8/847)
نقل مقام إبراهيم من مكانه ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نقل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام إلي موضع آخر في صحن المطاف تيسيراً للطائفين والمصلين خلفه وحفاظاً على أرواح المسلمين الذين يموتون دهسا كل عام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا بأس من نقل المقام من مكانه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كتسببه في إعاقة الطائفين وإصابة الطائفين بالأذى من جراء الزحام.
ويروى أن المقام كان بداخل الكعبة ثم أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خارجها، وألصقه بجدارها، كما روى ذلك ابن مردويه عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. ولكن هذا الإسناد ضعيف، وقد أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد ذلك لأجل الزحام. نص على ذلك ابن كثير وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1423(8/848)
ماهية المقدسات الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المقدسات الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في لسان العرب التقديس: التطهير والتبريك.
وتقدس: تطهر.
والمقدس: المبارك.
والأرض المقدسة: المطهرة.
فعلى هذا، فإن المقدسات الإسلامية هي كل مكان ثبت بالشرع بركته وطهارته كالمساجد، وعلى رأسها: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، بل الحرم كله سواء المكي أو النبوي كذلك من المقدسات الإسلامية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(8/849)
مكة المكرمة والمدينة المنورة حرمان بخلاف بيت المقدس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعد المدينة المنورة والقدس حرمين كمكة المكرمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مكة المكرمة والمدينة النبوية المنورة -حرسهما الله- والقدس الشريف هي المدن الثلاثة المقدسة لدى المسلمين، وبها المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد من قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد من بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد".
وعن المدينة يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمِثْلَيْ ما دعا إبراهيم لأهل مكة".
ويحدد الرسول صلى الله عليه وسلم حدود حرم المدينة، فيقول كما في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها ويقتل صيدها" ولابتاها: حرتاها.. والحرة الحجارة السود.
أما بيت المقدس الشريف: فهو أولى القبلتين وثالث المساجد الثلاثة ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وله المكانة العظمية والقدسية الكبيرة في نفوس المسلمين، ولكنه لم يكن حرماً كما هو الحال بالنسبة لمكة والمدينة.
وربما نلاحظ أن بعض الناس يطلق الحرم على القدس الشريف.. وهو خطأ إذا كان يقصد به الحرم الشرعي، كحرم مكة والمدينة التي وردت النصوص بتحريمها. وكذلك ثالث الحرمين الشريفين ليست عبارة دقيقة، والصواب: ثالث المساجد الثلاثة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(8/850)
كتاب حول: تاريخ المسجد الأقصى إلى يومنا هذ
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن تاريخ المسجد الأقصى المبارك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتاريخ المسجد الأقصى طويل تراجع له كتب التاريخ مثل: البداية والنهاية لابن كثير وهناك مرجع معاصر حول تاريخ المسجد الأقصى إلى يومنا هذا بعنوان: صيحة نذير للأستاذ/ عبد العزيز مصطفى كامل فليرجع إليه، فإنه كتاب مهم في بابه، وراجع الفتوى رقم: 17825.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(8/851)
المسجد الأقصى ... مكانته..وتاريخ بنائه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن تاريخ المسجد الأقصى المبارك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمسجد الأقصى قبلة الأنبياء وقبلة المسلمين الأولى، وثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها.
وذكر القرطبي وغيره عند تفسير قول الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) [آل عمران:96] فقال: إن أول بيت وضع في الأرض للعبادة هو بيت الله الحرام بمكة المكرمة - حرسها الله - وبعده المسجد الأقصى بأربعين عاماً، ثم قال: ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض؟ قال: "المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون عاماً. ثم الأرض لك مسجد، فحيث أدركتك الصلاة فصل".
ثم ذكر: أن سليمان عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى، وأن إبراهيم هو الذي بنى المسجد الحرام، ولا يمكن أن يكون بينهما أربعون عاماً، لأن سليمان وإبراهيم بينهما آماد طويلة.
ثم وفق بين الروايتين بأن إبراهيم وسليمان ليسا أول من بنى المسجدين، وإنما جددا بناءهما، وبنيا على قواعد وأساس من سبقهما، وهو آدم عليه السلام، وقيل: الملائكة.
ثم قال: قال علي كرم الله وجهه: أمر الله الملائكة ببناء بيت في الأرض، وأن يطوفوا به، وكان هذا قبل خلق آدم عليه السلام، ثم إن آدم بنى منه ما بنى، وطاف به، ثم الأنبياء بعده، ثم استتم بناءه إبراهيم عليه السلام، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127] فيجوز أن يكون آدم أو غيره من ولده هو الذي بنى بيت المقدس بعد البيت الحرام بأربعين عاماً، ويجوز أن تكون الملائكة بنته بعد بنائها البيت الحرام بإذن الله تعالى، وكل ذلك محتمل.
والحاصل: أن المسجد الأقصى بُني بعد المسجد الحرام بأربعين عاماً، وأن الذي بناهما إما الملائكة وإما آدم عليه السلام وذريته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(8/852)
الجهة التي كان يتوجه إليها المصلي داخل المسجد الأقصى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمةالله وبركاته أريد أن أعرف ما قبل الاستقبال إلى قبلة أي بيت الله كان المسلمون يصلون ويستقبلون إلى المسجد الأقصى وكيف يستقبلون عندما يصلون في داخل المسجد الاقصى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث ستة عشر شهراً يستقبل بيت المقدس...... إلى أن نزلت الآية: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة:144] ، فأمر بالتوجه إلى الكعبة.
ومن المعلوم أن هذه الفترة التي كان المسلمون يتوجهون فيها إلى بيت المقدس لم يكن حينها في بيت المقدس أي مسلم، لأن المسلمين لم يفتحوه إلا في خلافة عمر رضي الله عنه، وعلى افتراض وجود مسلم هنالك حينها وصلى فيه فإنه يتجه إلى أي ناحية من نواحي البيت، كما هو الحال في الصلاة في داخل الكعبة، فإن النبي صلى الله عيه وسلم قد ثبت عنه في الصحيحين أنه صلى داخل الكعبة ركعتين ومعه بلال رضي الله عنه داخل الكعبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1423(8/853)
ظاهر الأحاديث تدل أن المسجد الأقصى كان مبنيا وقت الإسراء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان المسجد الأقصى أثرا عندما صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم أم كان بناء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فظاهر الأحاديث الصحيحة تدل على أن المسجد كان مبنياً ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم، والوارد في كتب التاريخ أن المسجد بني في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1423(8/854)
صلاة أربعين فريضة متواصلة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.
هل يوجد حديث بمعنى، من صلى في المسجد النبوي الشريف 40 فريضة متواصلة، غفرت له ذنوبه.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني حديث بمعنى ما سألت عنه عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ:" من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجاة من العذاب، وبرئ من النفاق" قال الهيثمي في المجمع رجاله ثقات، وقال المنذري في الترغيب: رواه أحمد ورواته رواة الصحيح، والطبراني في الأوسط، وهو عند الترمذي بغير هذا اللفظ.
والحديث أعله الشيخ الألباني بنبيط بن عمر وقال: إنه مجهول، وفيه ضعف، وصححه من المعاصرين الشيخ نسيب الرفاعي. وعلى كل، فهذه المسألة من فضائل الأعمال، وعلى افتراض أنه ضعيف فإن العمل بمثله في الفضائل شائع، كما هو مذهب أحمد، وجماعة من العلماء، حيث قالوا: إن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب، جاز أن يكون الثواب حقاً، فلا ينبغي التفريط في العمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1422(8/855)
فضل استلام الحجر الأسود والركن اليماني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الركن اليماني وما علاقته بالحجر الأسود وهل له قصة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكعبة المشرفة - في وضعها الحالي - لها أربعة أركان: ركن الحجر الأسود، والركن الشمالي، والركن الغربي، والركن اليماني، وهو ما يمر عليه الطائف قبل مروره بالحجر الأسود. وسمي يمانيا لأنه في جهة اليمن.
وقد جاء في فضل مسحه واستلامه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً". رواه أحمد عن ابن عمر، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والسنة أن يستلم الطائف الركن اليماني ولا يقبله، ولا يشير إليه إن عجز عن استلامه، ولا يكبر عند استلامه.
والمشروع أن يقول فيما بينه وبين الحجر الأسود: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار". كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد وأبو داود.
وأما الحجر الأسود فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نزل من الجنة، وذلك فيما رواه الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضاً من اللبن، فسودته خطايا بني آدم".
وجاء في فضل استلامه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "والله ليبعثنه الله يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق". رواه الترمذي عن ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والمشروع استلامه وتقبيله، فإن شق ذلك استلمه بيده، وقبل يده، وإلا أشار إليه دون تقبيل. وقد دلت على ذلك السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك".
وروى مسلم عن نافع قال: رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده، ثم قبل يده وقال: "ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله".
وروى مسلم عن أبي الطفيل قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمججن معه، ويقبل المحجن".
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير، كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر".
ولا يشرع استلام الركن الشمالي، ولا الغربي، لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى الشيخان من حديث ابن عمر أنه كان يقتصر على مسح الركنين: اليماني، والذي فيه الحجر.
وقد طاف معاوية رضي الله عنه فجعل يستلم الأركان الأربعة، فأنكر عليه ابن عباس رضي الله عنه، فقال معاوية: إنه ليس شيء من البيت مهجوراً، فقال ابن عباس: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، ولم يستلم النبي صلى الله عليه وسلم من البيت إلا الركنين اليمانيين، فقال: صدقت" أخرجه أحمد والترمذي. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1421(8/856)
تسمية المسجد الأقصى.
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا وصف مسجد فلسطين بالأقصى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وصف المسجد الأقصى (بالأقصى) لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام بمكة قال الإمام القرطبي في تفسير سورة الإسراء: سمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة. انتهى. تفسير القرطبي (10/217)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/857)
هل مضاعفة أجر الصلاة خاص بالمسجد الحرام أم عام في الحرم كله
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك عدد كبير من الشيوخ يقول إن مكة كلها حرم والصلاة في أي مكان فيها بمائة ألف صلاة فهل هذا كلام صحيح؟ وهل هناك أدلة على ذلك؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مكة المكرمةـ شرفها الله تعالى ـ كلها حرم، وحدود الحرم معلومة معروفة الآن ومعنى كونها حرماً هو ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف قال العباس يا رسول الله إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا فقال: إلا الإذخر ". واختلف أهل العلم في كون الصلاة في مكة كلها بمائة ألف صلاة أو أن ذلك يختص بالمسجد الحرام فقط؟ على قولين لأهل العلم منهم من قصر ذلك على المسجد الحرام فقط واستدل بأنه لو نذر الإنسان الاعتكاف في المسجد الحرام فإنه لا يجزئه أن يعتكف في مسجد آخر من مساجد مكة. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة " رواه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء، فإنه عين البقعة المرادة بالتضعيف. وذهب فريق من أهل العلم إلى أن التضعيف يكون في الحرم كله أي مكة كلها واستدل بقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) [الإسراء: 1] فإن الإسراء كان من بيت أم هانئ ولم يكن من المسجد ذاته، فدل ذلك على عموم الحكم. وقيل لعطاء: هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: لا بل في الحرم فإن الحرم كله مسجد. هذا والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/858)
فضل زيارة مسجد قباء والصلاة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أحاديث: الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة، ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه تعدل عشرة آلاف، ومسجد الكوفة وفيه تعدل ألف صلاة، والمسجد الاقصى وفيه تعدل ألف صلاة أيضاً، ثم المسجد الجامع وفيه تعدل مئة، ومسجد القبيلة (المحلة) وفيه تعدل خمساً وعشرين، ومسجد السوق وفيه تعدل اثني عشر. وهل تجزىء هذه الصلوات الهائلة عن صلوات السنة؟
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمساجد التي تضاعف فيها الصلاة ثلاثة فقط، وما سواها لم يرد دليل على مضاعفة الأجر فيها، ولا يجوز إثبات ذلك إلا بالدليل، والدليل المثبت لمضاعفة الأجر في المساجد الثلاثة ما رواه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة. رواه البزار: إسناده حسن نقله الحافظ ابن حجر في الفتح.
وأما مسجد قباء فالذي ورد فيه أن الصلاة فيه تعدل عمرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجد قباء تعدل عمرة. رواه أحمد والترمذي وصححه السيوطي.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يأتي قباء يعني كل سبت، كان يأتيه راكبا وماشيا، قال ابن دينار: وكان ابن عمر يفعله.
وقد جاء عن الصحابة ما يدل على اهتمامهم بالصلاة فيه والحث عليها، فقد روى عمر بن شبة في تاريخ المدينة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: سمعت أبي يقول: لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إليَّ من أن آتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل. قال الحافظ ابن حجر وإسناده صحيح. وروى ابن أبي شيبة نحوه في المصنف، وروى عبد الرزاق في المصنف عن عمر بن الخطاب أنه قال: لو كان مسجد قباء في آفاق لضربنا إليه أكباد المطي.
والأجور المضاعفة في هذه المساجد لا تغني عن السنة، بل المصلي فيها مطالب بالنوافل كغيره. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 25240.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1427(8/859)
أول مسجد أسس بعد النبوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أول مسجد بني في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أول مسجد بني في الإسلام هو مسجد قباء، قال الحافظ في فتح الباري: فهو أي مسجد قباء في التحقيق أول مسجد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأصحابه جماعة ظاهراً، وأول مسجد بني لجماعة المسلمين عامة.، وقال ابن كثير في البداية والنهاية (3/209) : فكان هذا المسجد أي مسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام بالمدينة، بل أول مسجد جعل لعموم الناس في هذه الملة.
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/52) : وأسس مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس بعد النبوة. انتهى.
وهذه الأولية بالنسبة للمساجد العامة لكل المسلمين، وإلا فإن أبا بكر رضي الله عنه كان قد أسس مسجداً في مكة في داره يصلى فيه.
وروى ابن أبي شيبة عن جابر قال: لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين نعمر المساجد ونقيم الصلاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1424(8/860)
سبب تسمية مسجد قباء بهذا الاسم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سمي مسجد قباء بهذا الاسم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر أبو عبد الله ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) أن "قبا: أصله اسم بئر، وعرفت القرية بها، وهي مساكن بني عمرو بن عوف.
وسمى المسجد بمسجد قباء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى المدينة مرَّ على ديار بني عمرو بن عوف وبنى بها مسجداً، فسمي مسجد قباء.
وقد وردت في فضائله أحاديث كثيرة، ونزل في أهله قوله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة:108] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1423(8/861)
مسائل في تسمية المدينة المنورة
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن المدينة كان اسمها يثرب قبل الهجرة النبوية المباركة. فكيف ومتى ولماذا تم تغيير الاسم؟ ومن قام بذلك؟ هل هم أهل يثرب من الأنصار أم هم المهاجرون؟ أم قرر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي واجتهاد منه؟ أم تم ذلك بناء على أمر إلهي مباشر عبر الوحي؟ وهل كان هناك بلدات أخرى تحمل هذا الاسم "المدينة" في ذلك الزمان أو قبل ذلك الزمان أم أن يثرب كانت أول بلدة تطلق عليها هذه الصفة؟ ولماذا تم إطلاق هذا الاسم عليها فقط دون غيرها من الحواضر، وهو الاسم الذي صار فيما بعد صفة تطلق على كل بلدة عظيمة البنيان كثيرة السكان، فصرنا نقول: مدينة مكة ومدينة الطائف ومدينة الرياض ... الخ؟ بمعنى آخر لماذا تكون مكة قرية في النص القرآني، في حين لم يطلق القرآن وصف قرية على بلد الهجرة وعاصمة النبي المدينة (يثرب سابقا) ؟ فقرية مكة يقابلها قرية المدينة، حسب فهمي لمعنى القرية في القرآن الكريم. أفيدونا جزاكم الله تعالى عنا خير الثواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الاسم: المدينة أصبح علما على مدينة يثرب بعد ما شرفها الله تبارك وتعالى ونورها بقدوم نبيه صلى الله عليه وسلم عليها وقد جاءت هذه التسمية في نصوص الوحي من القرآن والسنة فمن ذلك قول الله تعالى: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. {التوبة: 120} . وقوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ. {التوبة: 101} .
فدل هذا على أن الله تعالى سماها بهذا للاسم، كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم به، ففي الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد.
قال الإمام النووي: إنما كره تسميتها يثرب لأنه من التثريب وهو التوبيخ والملامة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح. اهـ.
وبذلك أصبح علما عليها من بين المدن.
ولا نعلم مدينة أو بلدة أخرى غير المدينة النبوية أصبح هذا الاسم علما عليها، وإنما يقال المدينة للمدن الأخرى إذا كانت أل فيها للعهد.. كما في قول الله تعالى في قصة فرعون: إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا. {الأعراف: 123} . والمراد مدينتهم المعروفة عندهم والمعهودة في أذهانهم وفي كلامهم.. وهي مصر كما قال أهل التفسير.
وأما القرية فقد قال أهل اللغة إنها تطلق على المدينة والمصر الجامع للمساكن والأبنية والضياع.. ولم يكن هذا الاسم (القرية) خاصا بمكة وإنما يقال لها أم القرى لفضلها وتقدمها أمام جميع القرى.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 47012، 14487.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(8/862)
سبب تسمية المدينة بـ (يثرب) ثم (المدينة) بعد الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن المدينة كان اسمها يثرب قبل الهجرة النبوية المباركة، فكيف ومتى ولماذا تم تغيير الاسم؟ ومن قام بذلك؟ هل هم أهل يثرب من الأنصار؟ أم هم المهاجرون؟ أم قرر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي واجتهاد منه؟ أم تم ذلك بناء على أمر إلهي مباشرعبر الوحي؟ وهل كان هناك بلدات أخرى تحمل هذا الاسم ـ المدينة ـ في ذلك الزمان أو قبله؟ أم إن يثرب كانت أول بلدة يطلق عليها هذا الاسم؟ ولماذا تم إطلاق هذا الاسم عليها فقط دون غيرها من الحواضر؟ وهو الاسم الذي صار فيما بعد صفة تطلق على كل بلدة عظيمة البنيان كثيرة السكان، فصرنا نقول: مدينة مكة، ومدينة الطائف، ومدينة الرياض إلخ، وبمعنى آخر، لماذا تكون مكة قرية في النص القرآني؟ في حين لم يطلق القرآن وصف قرية على بلد الهجرة وعاصمة دولة النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ـ يثرب سابقا؟ فقرية مكة تقابلها قرية المدينة، حسب فهمي لمعنى القرية في القرآن الكريم.
أفيدونا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المدينة كانت تسمى في الجاهلية بيثرب، وسبب ذلك أن أول من سكنها بعد التفرق يثرب بن قاينة أحد العمالقة، فلما نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم سماها المدينة وطيبة وطابة كراهية للتثريب الذي هو التغيير أومن الثرب وهو الفساد، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد.
وراجع شروح الصحيحين وشرح الموطأ للزرقاني والتمهيد لابن عبد البر، ثم إن تسميتها بالمدينة ثبت في القرآن، كما في قوله تعالى: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {التوبة:120} .
ولم نطلع على من ذكر أنه كانت هناك قرية تسمى بالمدينة في ذلك العصرعلى سبيل العلمية.
وقد ذكر أهل اللغة أن اللفظ قد يكون عاما فيما يدل عليه، ويصير علما على بعض أفراده بالغلبة، ومثلوا لذلك بالمدينة وبالبيت والكتاب يعنون مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، والبيت الحرام، وكتاب سيبويه، وراجع شروح ألفية ابن مالك عند قول الناظم:
وقد يصير علما بالغلبة * مضافا أو مصحوب أل ك الع قبة
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1430(8/863)
المجاورة في الحرمين الشريفين.. نظرة احتياطية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز السفر بقصد الهجرة فرارا بالدين ومن أجل العمل بالمدينة النبوية بدون موافقة الأب؟ وإن تم السفر هل هذا من العقوق حيث في البلاد كثر الفساد والعمل قليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيختلف الحكم في ذلك بحسب الحال, فإن كانت هذه المرأة السائلة ذات زوج فواجب محتم عليها أن تنتقل مع زوجها إذا أراد منها النقلة ولا عبرة بكلام أبيها ولا باعتراضه عليها في ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.
أما إذا لم تكن ذات زوج فلا يجوز لها السفر أصلا إلا مع محرم لها لأن سفر المرأة دون محرم لا يجوز كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 3420.
وأيضا فإن كانت هذه المرأة فقيرة فإن نفقتها في حال عدم الزوج تكون واجبة على أبيها, وعلى ذلك فإن كفاها أبوها مؤنة الإنفاق فلا يجوز لها السفر بل عليها القرار في بلدها طاعة له, لأن طاعته في ذلك واجبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا. انتهى.
وما تخشاه من الفتنة والشر فعليها أن تستعين عليه بالله ثم بالقرار في بيتها فإن اعتزال الناس وملازمة البيوت من أعظم أسباب النجاة من الفتن , وقد جاء في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم. صححه الألباني.
جاء في عون المعبود في معنى هذا الحديث: أي الزموا بيوتكم، ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه: كن حلس بيتك. انتهى.
وجاء في شرح صحيح البخارى لابن بطال عند شرحه لبعض الأحاديث قال:.......وفيه فضل العزلة والانفراد عن الناس، والفرار عنهم ولا سيما في زمن الفتن وفساد الناس، وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال؛ لأنها في الأغلب مواضع الخلسة والانفراد، فكل موضع يبعد عن الناس، فهو داخل في هذا المعنى كالمساجد والبيوت، وقد قال عقبة بن عامر: ما النجاة يا رسول الله؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. انتهى.
أما إذا امتنع أبوها من الإنفاق عليها أو كان فقيرا بحيث لا يقدر على الإنفاق واضطررت للعمل فلا حرج عليها في ذلك، ولكن عليها أن تبحث عن عمل في بلدها ولا تغادر موطنها طاعة لأبيها في عدم السفر , وقد سبق أن بينا ضوابط عمل المرأة في الفتاوى التالية أرقامها: 522 , 7550 , 8360.
مع التنبيه على أنه قد ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة المجاورة في الحرمين الشريفين -مكة والمدينة- وذلك خوفا من التقصير في حرمتهما، والتبرم واعتياد المكان والأنس به، وذلك يجر إلى قلة المهابة والتعظيم، وخوفا من ركوب الخطايا والذنوب بهما، وذلك محظور لأن المعصية في الحرمين ليست كالمعصية في غيرهما من الأماكن , وقد سئل ابن عباس عن مقامه بغير مكة؟ فقال: ما لي ولبلد تضاعف فيه السيئات كما تضاعف الحسنات.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية....فذهب بعض الفقهاء ومنهم أبو حنيفة إلى أن المجاورة بمكة المكرمة والمدينة المنورة مكروهة. انتهى.
قال ابن عابدين: وبقول أبي حنيفة قال الخائفون المحتاطون من العلماء كما في الإحياء قال: ولا يظن أن كراهة القيام تناقض فضل البقعة، لأن هذه الكراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع، قال في الفتح: وعلى هذا فيجب كون الجوار في المدينة المشرفة كذلك يعني مكروها عنده، فإن تضاعف السيئات - أو تعاظمها إن فقد فيها - فمخافة السآمة وقلة الأدب المفضي إلى الإخلال بوجوب التوقير والإجلال قائم، قال بعضهم: وهو وجيه فينبغي أن لا يقيد بالوثوق -الوثوق من مداومة الطاعة وترك المعاصي- اعتبارا للغالب من حال الناس لا سيما أهل هذا الزمان. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1430(8/864)
هل للموت في مكة أو المدينة مزية على غيرهما
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الفاضل، هل الموت في البقاع المقدسة له الفضل على الموت في مكان آخر من الأرض؟ لأن بعض الناس يتمنى أن توافيه المنية في مكة المكرمة عند الحج أو العمرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن البقاع المقدسة أفضل من غيرها، أما الموت فيها فقد جاءت بعض النصوص التي تفيد مزيتها على غيرها وخاصة المدينة النبوية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت، فإنه من مات بالمدينة كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة. رواه الطبراني وغيره.
ورى مالك في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان جالسا وقبر يحفر بالمدينة، فاطلع رجل في القبر، فقال بئس مضجع المؤمن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت، فقال الرجل إني لم أرد هذا يا رسول الله، إنما أردت القتل في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا مثل للقتل في سبيل الله، ما على الأرض بقعة هي أحب إلي أن يكون قبري بها منها. ثلاث مرات. يعني المدينة.
وكان عمر رضي الله عنه يقول: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري وغيره.
وقد وردت أحاديث ضعفها أهل العلم في فضل مقبرة مكة والمدينة ولكنها أحاديث ليست صحيحة. وانظر الفتوى: 76083.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1430(8/865)
كراهية ترك السكنى في المدينة ليس على إطلاقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في المدينة المنورة والحمد لله، وأتمنى أن أموت فيها، وأدفن فيها، ولكن في نفس الوقت أنا بعيدة عن أمي وأبي في سوريا، وأود لو أعيش بقربهم وبرهم، ولو سمح لي زوجي بالجلوس بجانبهم لن أمانع فزوجي متسامح ويشعر بي ويقدر مشاعري، ولكن سؤالي هل علي إثم بترك المدينة أو رغبتي بالعيش بجانب أهلي بعيدا عن المدينة الغالية والحبيبة؟ أفيدوني فأنا أعيش في اضطراب نفسي. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعيش في المدينة نعمة عظيمة ينبغي الحرص عليها وعدم التفريط فيها؛ لما ثبت في السنة الصحيحة من فضائل كثيرة لمن عاش بها ومات بها، كما بينا في الفتوى رقم: 63646.
مع ذلك لا حرج عليك في تركها والذهاب للعيش مع والديك لبرهم أو لحاجتهم إليك، ولا إثم عليك في ذلك، وإنما سيفوتك فضل عظيم، وما ورد من ذم لمن ترك المدينة ليس عاما في كل الأشخاص، فإن من خرج لحاجة معتبرة، وليس كرها في المدينة فليس داخلا فيما ورد من ذم، وقد خرج كثير من الصحابة من المدينة وتفرقوا في الأمصار لنشر الدين وتعليم الناس وغير ذلك.
وأما ما ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ، أَلَا إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ تُخْرِجُ الْخَبِيثَ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ. رواه مسلم. فله تفسير عند العلماء، فقوله: لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا أي كراهية لها، كما قال شراح الحديث كالقرطبي وغيره، وقال أبو الوليد الباجي في شرح الموطأ: (رَغْبَةً عَنْهَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رَغْبَةً عَنْ ثَوَابِ السَّاكِنِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ لِضَرُورَةِ شِدَّةِ زَمَانٍ أَوْ فِتْنَةٍ فَلَيْسَ مِمَّنْ يَخْرُجُ رَغْبَةً عَنْهَا. وَالظَّاهِرُ عِنْدِي: أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْخُرُوجَ عَنْ اسْتِيطَانِهَا إِلَى اسْتِيطَانِ غَيْرِهَا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا غَيْرَهَا فَقَدِمَ عَلَيْهَا طَالِبًا لِلْقُرْبَةِ بِإِتْيَانِهَا أَوْ مُسَافِرًا فَخَرَجَ عَنْهَا رَاجِعًا إِلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْفَارِهِ، فَلَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا رَغْبَةً عَنْهَا. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وَالْمُرَاد بِهِ الْخَارِجُونَ مِنْ الْمَدِينَة رَغْبَة عَنْهَا كَارِهِينَ لَهَا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَوْ تِجَارَة أَوْ جِهَاد أَوْ نَحْو ذَلِكَ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْحَدِيث. اهـ
فإن أمكن أن تجمعي بين بر والديك في بعض الأوقات والعيش في المدينة في بعض الأوقات فهو خير، وإلا فلا حرج عليك في الرجوع إلى بلدك، ولا إثم في ذلك كما ذكر العلماء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1430(8/866)
ترك المدينة النبوية لرعاية الأم والزوجة والأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أنا مدرس مصري أعمل حالياً بالمدينة المنورة منذ شهرين، اشترط علي في العقد أن يعطيني بدلاً للسكن إذا أردت أن أستقدم أسرتي في السنة الثالثة، وبذلك يستحيل علي أن أستقدم زوجتي وبناتي في العامين الأولين، كما أنني لا أحتمل فراقهم وفراق أمي، فهل إنهاء عقدي والرجوع إلى أهلي فيه إثم شرعي إذا علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحسن لنا الصبر على لأواء المدينة وجهدها، أم أنني يجب أن أعود إليهم عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؟ جزاكم الله كل خير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان في بقائك بالمدينة تلك الفترة المذكورة قبل استقدامهم ضرر عليهم وتضييع لحقوقهم فيجب عليك أن تعود إليهم ولا إثم عليك في ذلك، وليس ذلك برغبة عن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو عين الحب لصاحبها لما فيه من امتثال أمره صلى الله عليه وسلم بحفظ الراعي لرعيته وعنايته بحقوق أهله وإعفافه لنفسه وزوجه وبره بأمه وتعاهدها ورعايتها، فأنعم به فعلا وأكرم به مسعى.
وللفائدة انظر الفتويين: 63646، 108162.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(8/867)
آداب من يريد دخول المدينة المنورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أزور المدينة المنورة وأنا من سكان مكة ومعي أمي وهي زائرة لي من أبها. فهل نحرم للزيارة؟ وما هي كيفيتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليسَ لدخول المدينة على ساكنها الصلاة والسلام إحرامٌ يخصه، بل من أراد دخول المدينة فإنه يدخلها على هيئته العادية، ولكن على من دخل المدينة أن يستحضر ما لها من الفضل والمنزلة، وأن يستشعر أنها حرم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حرمها رسول الله صلى الله عليها وسلم كما حرم إبراهيم مكة، ومنها انتشرَ الدين وعلى ثراها قامت دولة الإسلام الأولى، وفي أرجائها توطدت دعائم الملة، وهي دارُ الأنصار ومهاجرُ النبي صلى الله عليه وسلم.
فعلى زائرها أن يتأدب بالأدب التام فلا يحدثُ فيها معصية، ولا يفعلُ فيها منكراً، وعليه أن يُكثر من زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، فإن الصلاة فيه بألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد كما ثبت في صحيح مسلم، وعليه أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وتكون زيارته تلكَ تابعةً لزيارة المسجد كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 54526.
وينبغي له أن يزور أهل البقيع فيسلم عليهم، وينبغي أن يأتي مسجد قُباء فيصلي فيه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبًا وماشيًا. . وفي رواية: فيصلي فيه ركعتين. متفقٌ عليه. وفي سنن ابن ماجة وغيره: صلاة في مسجد قباء كعمرة.
ويبقى مدة إقامته في المدينة ملازماً للطاعة والذكر مجتهداً في العبادة إلى أن تنتهيَ مدة إقامته فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1430(8/868)
هل يشرع للمقيم بمكة أن يستقبل خادمة كافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من سكان مكة وخالي آت إلينا من سوريا ومعه خادمة مسيحية ولا يوجد لها مكان خارج الحدود، فهل يجوز لنا استقبالها في مكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الخادمة المذكورة مسيحية فلا يجوز إدخالها إلى مكة مطلقاً، وقد بينا ذلك من قبل فراجع فيه الفتوى رقم: 35166، والفتوى رقم: 37380.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1429(8/869)
أحكام دخول الكفار لمكة والمدينة
[السُّؤَالُ]
ـ[حرم مكة لايجوز دخوله للكفار فهل حرم المدينة النبوية لايجوز دخوله للكفار أيضاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
منع دخول الكفار إلى الحرم خاص بمكة، أما المدينة فإنها وإن كانت حرما فإنه يجوز دخول الكفار إليها؛ لكن لا يمكنون من الإقامة بها لأنها من ضمن جزيرة العرب التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين منها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن منع دخول الكفار إلى الحرم خاص بمكة، أما المدينة فإنها وإن كانت حرما فإنه يجوز دخول الكفار إليها؛ لكن لا يمكنون من الإقامة بها لأنها من ضمن جزيرة العرب التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين منها بقوله صلى الله عليه وسلم: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة:28} فلا يقربوا: نهي، ولذلك حذفت منه النون. المسجد الحرام هذا اللفظ يطلق على جميع الحرم، وهو مذهب عطاء، فإذاً يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع. فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول. ولو دخل مشرك الحرم مستوراً ومات نبش قبره وأخرجت عظامه. فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز. وأما جزيرة العرب، وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومخاليفها، فقال مالك: يخرج من هذه المواضع كل من كان على غير الإسلام، ولا يمنعون من التردد بها مسافرين. وكذلك قال الشافعي رحمه الله، غير أنه استثنى من ذلك اليمن. ويضرب لهم أجل ثلاثة أيام كما ضربه لهم عمر رضي الله عنه حين أجلاهم. ولا يدفنون فيها ويلجؤون إلى الحل. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية ما نصه: اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز لغير المسلم السكنى والإقامة في الحرم؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، والمراد بالمسجد الحرام الحرم بدليل قوله سبحانه وتعالى بعده: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ، أي إن خفتم فقرا وضررا بمنعهم من الحرم وانقطاع ما كان يحصل لكم بما يجلبونه إليكم من المكاسب فسوف يغنيكم الله من فضله، ومعلوم أن الجلب إنما يجلب إلى البلد والحرم، لا إلى المسجد نفسه. والمعنى في ذلك أنهم أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم منه، فعوقبوا بالمنع من دخوله بكل حال. ... واختلفوا في اجتياز الكافر الحرم بصفة مؤقتة، فذهب الشافعية والحنابلة وهو قول عند المالكية: إلى منع دخول الكفار إلى الحرم مطلقا، لعموم الآية. فإن أراد كافر الدخول إلى الحرم منع منه. فإن كانت معه ميرة أو تجارة خرج إليه من يشتري منه ولم يترك هو يدخل. وإن كان رسولا إلى إمام بالحرم خرج إليه من يسمع رسالته ويبلغها إياه. فإن قال: لا بد لي من لقاء الإمام وكانت المصلحة في ذلك خرج إليه الإمام، ولم يأذن له بالدخول. وإذا أراد مشرك دخول الحرم ليسلم فيه منع منه حتى يسلم قبله. قال الشافعية والحنابلة: وإذا دخل المشرك الحرم بغير إذن عزر ولم يستبح به قتله، وإن دخله بإذن لم يعزر وينكر على من أذن له. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1429(8/870)
العمل في المدينة المنورة هل هو مضاعف الثواب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث صحيح يدل على أنّ أي عمل يعمل به في المدينة المنورة له من الأجر ضعف ما في سواها من البلاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على حديث يدل على أن أي عمل يعمل به في المدينة المنورة له من الأجر ضعف ما في سواها من البلاد، وإنما اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في مضاعفة الثواب في الحرم المكي هل هو في كل الحرم أم في المسجد الحرام فقط؟ وكنا قد بينا آراء كل فريق في ذلك، ويمكنك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 69419.
وأما المدينة فقد صرح أهل العلم بأن مضاعفة أجر الصلاة فيها إنما تختص بالموضع الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال النووي رحمه الله تعالى: ينبغي أن يحرص المصلي على الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه وسلم دون ما يزيد فيه بعده، لأن التضعيف إنما ورد في مسجده، وقد أكده بقوله: (مسجدي هذا) ، بخلاف مسجد مكة. بل صحح النووي أنه يعم الحرم. (شرح الزرقاني 2/3) .
ومع ذلك فقد وردت أخبار كثيرة في فضل الإقامة في المدينة المنورة، وما ذلك إلا لمزية كبيرة لها، ولك أن تراجع في فضل الإقامة في المدينة النبوية الفتوى رقم: 63646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1428(8/871)
جيران النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم جيران النبي محمد في المدينة المنورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم للمدينة كان لا يمر بحي من أحياء الأنصار ألا أخذوا خطام راحلته وطلبوا منه النزول عندهم حبا في جواره صلى الله عليه وسلم، فيقولون: هلم إلى العدد والعدة والسلاح والمنعة.. فكان يقول لهم: خلوا سبيلها -يعني ناقته- فإنها مأمورة فلم تزل سائرة حتى وصلت إلى حي بني النجار وهم أخواله فبركت في موضع المسجد النبوي اليوم.
فبادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله فأدخله في بيته، ثم أتاه رجل آخر فقال: يا رسول الله أنزل عندي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل مع رحله حيث كان.
وفي رواية البخاري: أي بيوت أهلنا أقرب إلينا فقال أبو أيوب، أنا يا رسول الله هذه داري وهذا بابي، قال: فانطلق فهيئ لنا مقيلا، قال: قوما على بركة الله.
وقد افتخر بنو النجار بهذا الجوار في أشعارهم، فكانت جواريهم تضرب الدف وتنشد:
نحن جوار من بني النجار * يا حبذا محمد من جار
فسمعهن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الله يعلم أن قلبي يحبكن. ذكر ذلك في كتب السير ورواه ابن ماجه وصححه الألباني.
ومن جيرانه بالمدينة غير بني النجار بعض المهاجرين منهم أبو بكر وعلي ... وبعد ذلك العباس وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1426(8/872)
الحدث في المدينة
[السُّؤَالُ]
ـ[ (Request Answer in arabic)
سؤالي عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. هل الذي فعل ذنبا من الكبائر داخل المدينة المنورة ملعون عند الله؟ أم معنى كلمة حدث ومحدث متعلق بالبدعة وفعل البدعة؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور متفق عليه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحدث في اللغة من الحدوث وهو الوقوع والتجدد وكون الشيء بعد أن لم يكن، والحدث اسم يأتي بمعنى الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف، ومنه محدثات الأمور، فـ (الحدث) المذكور في الحديث يشمل المعاصي، ومنها الكبائر ويشمل البدع.
قال الشاطبي: وهذا الحديث في سياق العموم، فيشمل كل حدث أحدث فيها مما ينافي الشرع. اهـ
وقال النووي في شرح مسلم: قال عياض: من أتى فيها إثما أو آوى من أتاه وضمه إليه وحماه ... واستدلوا بهذا على أن ذلك من الكبائر، لأن اللعنة لا تكون إلا في الكبيرة. اهـ
وقال الحافظ في الفتح: والمراد بالحدث والمحدث: الظلم والظالم على ما قيل أو ما هو أعم من ذلك.
وقال في موضع آخر: أي أحدث المعصية.... قال ابن بطال: وقد علم أن من آوى أهل المعاصي أنه يشاركهم في الإثم، فإن من رضي فعل قوم وعملهم التحق بهم، ولكن اختصت المدينة بالذكر لشرفها. اهـ
وقال الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والخمسون بعد المائة: إخافة أهل المدينة على مشرفها أفضل الصلاة والسلام، وإرادتهم بسوء، وإحداث حدث أي: إثم فيها، وإيواء محدث ذلك الإثم، وقطع شجرها وحشيشها. اهـ
وعليه، فمن ارتكب كبيرة في المدينة المنورة داخل في معنى الحدث الملعون صاحبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(8/873)
الأدلة على حرمة القتال في مكة والمدينة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حرم الله ورسوله القتال في مكة والمدينة والقدس؟ وما الدليل من الكتاب والسنة؟ أرجوا التفصيل, ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله تعالى القتال في الحرم المكي، وجعل من دخله آمناً، كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ (العنكبوت: من الآية67) ، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة.
وأما حرم المدينة فإنه يحرم القتال فيه أيضاً؛ لما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:.. وإني حرمت المدينة حراماً ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال.
وأما القدس فليس بحرم فهو كغيره من هذه الناحية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(8/874)
أسماء مدينة رسول الله وسبب وصفها بـ (المنورة)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تم إضافة المنورة للمدينة ومتى بدأت هذه الإضافة، وكما تعلمون ذكرت المدينة بالقرآن والسنة النبوية طابة وطيبة، نرجو الإفادة عن إضافة المنورة هل هي في عهد الصحابة أو التابعين أو تابع التابعين، الأموية العباسية الدولة العثمانية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أطلق هذا الاسم -أعني المدينة المنورة- على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من العلماء ولم ينكروا ذلك، ومن أولئك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى، وابن العماد الحنبلي في شذارات الذهب، والإمام السيوطي وابن عابدين، والبهوتي، وغيرهم كثير.
وسبب وصف مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نورها بمقدمه وبما جاء به من الشرع والهدى، ولا نعلم متى حدثت هذه التسمية ولا من أحدثها.
ولمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة، قال الحموي في معجم البلدان: ولهذه المدينة تسعة وعشرون اسمًا، وهي: المدينة، وطيبة، وطابة، والمسكينة، والعذراء، والجابرة، والمحبة، والمحببة، والمحبورة، ويثرب، والناجية، والموفية، وأكالة البلدان، والمباركة، والمحفوفة، والمسلمة، والمجنة، والقدسية، والعاصمة، والمرزوقة، والحيرة، والمحبوبة، والمحرومة، وجابرة، والمختارة، والمحرمة، والقاصمة، وطبابا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(8/875)
المفاضلة بين مكة والمدينة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب المدينة المنورة والارتياح لها عن مكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن مكة المكرمة والمدينة المنورة هما أفضل بقاع الأرض، ثم اختلفوا في أيهما أفضل، فذهب الجمهور إلى أن مكة أفضل لكثير من الوجوه، وذهب المالكية في المشهور عنهم إلى أن المدينة أفضل، قال النفراوي في الفواكه الدواني:.... قال خليل: والمدينة أفضل، ثم مكة أفضل من بيت المقدس.
هذا فيما يتعلق بالمفاضلة بين مكة والمدينة، وقد علمت أن مذهب الجمهور تفضيل مكة على المدينة، فإذا كان السائل الكريم يريد من سؤاله أنه يرى أفضلية المدينة على مكة، فقد علم مما ذكرنا أن هذا هو مشهور مذهب الإمام مالك رحمه الله، وإن كان إنما يعني مجرد الحب الغريزي كأن يكون لسبب ما يجد فيها من المتعة والراحة مما لا يجده في غيرها ونحو ذلك، فهذا أمر جِبِلِّي لا تعلق للتكليف به، وليس فيه من حرج، لكن عليه أن يحذر من أن يؤدي به ذلك إلى بغض مكة المكرمة أو الاستخفاف بشيء من أمورها، فإن الاستخفاف بها استخفاف بشيء من الدين، وهو كفر والعياذ بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1425(8/876)
ميزة الدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أود أن أسألكم هل تنصحوني بالدراسة في جامعة الإيمان باليمن لدراسة علم التفسير أم الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن في كل من الجامعتين خيرا كثيرا، ولكن الجامعة الإسلامية تتميز بميزة كبرى، وهي أن الدارس بها تسهل عليه الصلاة بالمسجد النبوي والسكن بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الصلاة بالمسجد النبوي أفضل من الصلاة في المساجد الأخرى إلا المسجد الحرام، لما في الحديث: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. رواه البخاري ومسلم.
ومن المعلوم أن السكن بالمدينة فيه أمان من الدجال، ويرجى لمن مات بها أن ينال الشفاعة ولا سيما إذا ظل صابرا على لأوائها وشدتها.
وفيه نيل البركة في الرزق.
وقد ألف في فضائل المدينة بعض الكتب، وبوب المحدثون في كتبهم على فضائلها، فقد بوب على فضلها البخاري ومسلم. ورويا فيه كثيرا من الأحاديث، فتمكن مراجعتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(8/877)
المدينة المنورة حين يتركها أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث مضمونه يمر الرجل على المسجد النبوي وهو خالٍ من الناس، ويقول هل تعلم أن هذا المكان كان ممتلئاً بالناس، المطلوب ذكر الحديث ومدى صحته؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فخلو المسجد النبوي من الناس إضافة إلى خلو المدينة المنورة من ساكنيها أيضاً ثبت في حديث صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة: ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي. -يعني السباع والطير-. وهو في البخاري بلفظ قريب من هذا، وجاء في موطأ الإمام مالك: أنه صلى الله عليه وسلم قال: لتتركن المدينة على أحسن ما كانت، حتى يدخل الكلب أو الذئب فيَعدي على بعض سواري المسجد أو على المنبر، فقالوا: يا رسول الله فلمن تكون الثمار ذلك الزمان، قال للعوافي: الطير والسباع.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ورواه جماعة من الثقات خارج الموطأ، وذكر له شاهدا رواه أحمد والحاكم وغيرهما.
ووصف الشيخ الألباني هذا الحديث بأنه منكر بذكر جملة الكلب كما في السلسلة الضعيفة.
وفي التمهيد لابن عبد البر شارح الموطأ: فيعدي على بعض سواري المسجد، فمعناه أن الذئب يبول على سواري المسجد أو على المنبر شك المحدث، وذلك لخلاء المدينة من أهلها. انتهى.
أما كون الرجل يمر بالمسجد النبوي ويقول ما ذكرت، فلم نعثر على حديث بهذا المعنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1424(8/878)
دخول مكة بغير إحرام ... نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أراد أن يذهب إلى مكة للزيارة أو أن يكون حرم لأهله دون أن يعتمر؟ وجزاكم الله ألف خير....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأفضل في حق من أراد دخول مكة أن يدخلها محرماً بحج أو عمرة، خروجاً من خلاف العلماء القائلين بوجوب ذلك، فإن دخلها بلا إحرام فلا شيء عليه في الراجح من أقوال أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، وهذا يعني أنه كان غير محرم، لأن تغطية الرأس تنافي الإحرام، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم:
14470، والفتوى رقم:
16941.
وبناءً على ذلك، فلا مانع من ذهابك إلى مكة لزيارتها أو خروجك محرماً لزوجتك دون إحرام بالعمرة، لما سبق، ولعدم وجود دليل على وجوب ذلك عليك، وإن كنا نرى أن الأفضل لك هو الإحرام نيلاً للثواب، وإعانة للزوجة على نسكها أثناء قيامها به، وخروجاً من خلاف العلماء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1423(8/879)
هل يلزم لكل من يدخل مكة الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المدة القصوى التي لا يصح دخول مكة لمن لا يسكنها سوى وهو معتمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أراد نسكاً بمكة لم يكن له أن يجاوز الميقات إلا محرماً.
أما لو قصدها لتجارة أو لزيارة قريب أو طلب علم ونحو ذلك، فإن له أيضاَ الإحرام من الميقات بنسك، بل إن كثيراً من أهل العلم أوجب ذلك عليه دون تحديد مدة معينة تفصل دخوله الأول عن الثاني، وإنما استثنوا من ذلك من يدخلها لقتال مباح أو من خوف، أو لحاجة متكررة كالحطاب وناقل البضائع، ومن كانت له صنيعة أو تجارة أو عمل يتكرر دخوله وخروجه إليها، فهؤلاء لا إحرام عليهم.
والراجح أن غير هؤلاء ممن يدخل مكة لغير نسك، بل لتجارة أو زيارة قريب ونحو ذلك، لا يجب عليهم الإحرام وإنما يستحب لهم، فقد روي عن ابن عمر أنه دخلها بغير إحرام، ولأن الوجوب من الشرع، ولم يرد من الشارع إيجاب ذلك على كل داخل فبقي على الأصل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1423(8/880)
حكم دخول الحرم دون إحرام لمن ليس له حاجة متكررة
[السُّؤَالُ]
ـ[في رمضان الماضي توجهت لأداء العمرة وبعد ذلك
شرعت في زيارة المدينة وعند عودتي إلى مكة- حيث إقامتي بالفندق والسفر من مطار جدة- لم
أدخل مكة محرما. فهل علي شيء في ذلك؟ وإن كان علي دم فهل هدي واحد يجزئ عن تكرر هذا الأمر
لأن هذا الفعل تكرر مني في سنتين
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في دخول الحرم بغير إحرام لمن ليس له حاجة متكررة، هل يجب عليه الإحرام أم لا؟ على قولين:
والذي يترجح من أقوالهم عدم الوجوب، وهو الذي رجحه الشافعية -رحمهم الله- وأحد القولين عن الإمام أحمد، وحجة هذا القول عدم وجود دليل يدل على الوجوب، ولأنه أحد الحرمين فلم يجب الإحرام لدخوله كما لا يجب لدخول الآخر، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر. ومن المعلوم أن لبس المغفر يتنافى مع الإحرام.
وعليه، فمن دخل مكة وهو لا يريد النسك بغير إحرام لا دم عليه، وإن كان الأولى أن لا يدخل أحد الحرم ممن لا حاجة له متكررة إلا بإحرام، خروجاً من خلاف أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1423(8/881)
حرمة مكة والمدينة دينية شرعية لاقدرية كونية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن مكة المكرمة حفظها الله من العدوان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد امتن الله على عباده بأن جعل لهم حرماً آمنا فقال: (أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً، ويتخطف الناس من حولهم) [العنكبوت: 67] ، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه في الحرم فلا يعرض له. وأكد هذا المعنى بقوله: (ومن دخله كان آمناً) [آل عمران: 97] . وأكده مرة أخرى بقوله ممتناً على قريش: (وآمنهم من خوف) [قريش:4] . وقال صلى الله عليه وسلم مقرراً هذا المعنى: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. غير أن هذا الأمر لم يكن أمراً قدرياً كونياً، لا يمكن أن يقع خلافه، بل هو أمر شرعي، كالأمر بترك المحرمات وفعل المأمورات، ولهذا فقد وقع قبل ذلك في الحرم من القتال، وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية، ثم بعد في وقائع كثيرة من أعظمها وقعة القرامطه، بعد الثلاثمائة، فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرةً، وقلعوا الحجر الأسود، فحولوه إلى بلادهم، ثم أعادوه بعد مدة طويلة، ثم غزي مراراً بعد ذلك.
ولمكانة الحرمين: (مكة والمدينة) عند الله فقد أمَّن ساكنهما من فتنة الدجال، فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة" وستكون نهاية الكعبة على يد رجل من الحبشة يقال له: ذو السويقتين، كما في الحديث المتفق عليه، وسيكون ذلك في وقت خلت فيه الأرض من أهل التوحيد، وقبل أوان قيام الساعة بقليل، نص على ذلك العلماء، كابن حجر وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1421(8/882)
المقيم بالشام للرباط والجهاد ينال أجر الرباط بالنية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المقيم في الشام بنية الرباط والجهاد إذا أتيح له الجهاد، هل له أجر مثل أجر المرابطين على الثغور أم لا، فأفيدونا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن حجر في فتح الباري أن الرباط ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم، وذكر أن من أقام في أي مكان وإن كان وطنه ينوي بالإقامة فيه دفع العدو فإنه يكون مرابطاً.. وبناء عليه فنرجو لمن يقيم بالشام بنية الرباط والجهاد أن ينال الأجر إذا كان مقيماً هناك بتلك النية.
واعلم أن من صبر في أرض الجهاد طالباً الشهادة بصدق يعطيه الله أجر الشهداء ولو مات على فراشه، كما في حديث مسلم: من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه. وفي حديث مسلم: من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه.
ثم إن المقيم بهذه النية يحظى بالسلامة من النفاق لتحديثه نفسه بالغزو، ففي الحديث: من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1430(8/883)
لعل الذهاب لليمن أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي عروض شغل في بلد أوروبي ذات أجور مغرية وعندي عرض في اليمن أجره متوسط، هدفي الوحيد هو قضاء ديوني الكبيرة والقديمة وبالطبع الحفاظ على ديني ودين الأهل والأولاد، علما بأن في الدول الأوروبية عدة امتيازات لا توجد في غيرها، فأفيدوني سريعا جزاكم الله عني كل الخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالاستخارة والذهاب إلى اليمن وسؤال الله البركة فيما تكسبه هناك، فالسفر لبلاد الكفر يخاف على فاعله من الافتتان بما يوجد هناك من مظاهر الفساد في شتى شعب الحياة، وأما اليمن فتتوفر فيها المساجد وأهل العلم والخير، وقد يسهل لك الحج منها والعمرة، ولو أمكنك الذهاب بأولادك إليها فقد تجد هناك بيئة تساعد أولادك على تعلم الدين والحفاظ عليه، وراجع بعض الأحاديث النبوية في فضل اليمن قد ذكرناها في الفتوى رقم: 99154.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1429(8/884)
أحاديث في فضل الشام واليمن
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن تذكروا لي أسماء علماء سوريين آخذ عنهم العلم الشرعي واللغة العربية إن شاء الله تعالى ويكونوا معروفين بصدق معتقدهم، ومن هو أهل للفتيا لأستفتيه، كما أريد ذكر أسماء علماء من اليمن وخصوصا صنعاء لأني إن شاء الله مسافر عما قريب إليها، وأرجو أن تذكروا الأحاديث الواردة في دمشق واليمن وفضلهما والصحيحة منها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر من أحاديث وفضائل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشام واليمن يصعب استقصاؤه في فتوى كهذه، ولكنا ننبه على بعضه، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم. متفق عليه. وعن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا. رواه البخاري.
وعن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى للشام قلنا لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها. رواه أحمد والترمذي. وعن ابن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا ًمجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق. فقال ابن حوالة خر لي يا رسول الله، إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني. وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شأمنا وبارك لنا في يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: هناك الزلازل والفتن وبها أو قال منها يخرج قرن الشيطان. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال الشيخ الألباني: صحيح.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام. رواه أحمد والطبراني وقال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح. وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تخرج نار من نحو حضرموت -أو من حضرموت- تسوق الناس. قلنا: يا رسول الله فما تأمرنا، قال: عليكم بالشام. رواه أبو يعلى وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة. رواه أبو يعلى وقال الهيثمي رجاله ثقات.
وأخرج الطبراني من حديث عبد الله بن حوالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لواء تحمله الملائكة فقلت ما تحملون؟ قالوا: عمود الكتاب أمرنا أن نضعه بالشام قال: وبينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تخلى عن أهل الأرض فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع حتى وضع بالشام. وهذا الحديث حسن الحافظ ابن حجر إسناده في فتح الباري، وأورد الحافظ في الفتح أيضاً هذا الحديث من طريق أبي الدرداء وصحح إسناده.
وأما العلماء في البلدين فهم كثير بفضل الله تعالى ويمكنك التعرف عليهم عندما تصل هنالك، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 97780، والفتوى رقم: 80221، والفتوى رقم: 80437، والفتوى رقم: 76632، والفتوى رقم: 64980.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(8/885)
فضل القدس وبلاد الشام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو ما العبرة من نزول جميع الديانات في القدس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت للقدس ولبلاد الشام عموما خير كثير وبركة. فقد جاء في كتاب الله تعالى في سورة الإسراء: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله. وقال سبحانه: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ {الأنبياء:71} ، قال الحسن: إن الأرض التي باركنا فيها: [الشام] وروي ذلك عن مجاهد، وابن زيد، وابن جريج.
وقال الشيخ السعدي – رحمه الله – أي الشام ... ومن بركة الشام أن كثيراً من الأنبياء كانوا فيها، وأن الله اختارها، مهاجرا لخليله، وفيها أحد بيوته الثلاثة المقدسة وهو بيت المقدس.
قال ابن تيمية – رحمه الله – والبركة تتناول البركة في الدين، والبركة في الدنيا وكلاهما معلوم لا ريب فيه.
وجاء في الصحيح من كتب السنة أحاديث كثيرة في فضل بلاد الشام أذكر منها ما جاء عن معاوية بن حيدة – رضي الله عنه – قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالشام. وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله. وعنه صلى الله عليه وسلم: ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام. وحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشام أرض المحشر والمنشر. ووصى النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام: عليك بالشام فإنها خيرة الله في أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده. رواه أبو داود وأحمد، بسند صحيح.
فإذا كان للشام هذا الفضل فلا غرابة في أن تكون مهدا لكثير من الديانات، وليس جميع الديانات كما ورد في السؤال؛ لأن الإسلام لم يكن مهده في الشام، وإنما كان في الحجاز.
ولله تعالى حكم في خلقه، يفعل في ملكه ما يريد ويحكم بما يشاء، فلا مدخل للعقل في أفعاله ولا معارضة لأحكامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(8/886)
مكان بلاد الشام وفضلها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله، أين بلاد الشام الآن؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بلاد الشام هي المعروفة الآن بسوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وهي من أفضل بلاد الله تعالى، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة، ويكفيها شرفاً أن فيها المسجد الأقصى الذي نوه الله تعالى به في محكم كتابه وأسرى برسوله صلى الله عليه وسلم إليه، فكان قبلة المسلمين الأولى، وثالث المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، هذا ونرجو أن تطلع السائلة الكريمة على الفتوى رقم: 65165.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1427(8/887)
درجة الأحاديث الواردة في فضل مصر
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجوا إفادتنا عن مدى صحة الحديث التالي:
فيما معناه ((إذا فتح الله عليكم بمصر فخذوا من أهلها جندا كثيفا فهم خير أجناد الأرض فهم في رباط إلى يوم يبعثون))
وجزاكم الله خيرا وكتب لكم ذلك في موازين أعمالكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على من عزى هذا الحديث باللفظ المذكور إلى شيء من كتب الحديث، وقد أورده السخاوي في المقاصد الحسنة، قال رحمه الله: ولابن يونس وغيره عن أبي موسى الأشعري: أهل مصر الجند الضعيف ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنتة، قال نبيع بن عامر الكلاعي، فأخبرت بذلك معاذ بن جبل فأخبرني بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر الحديث باللفظ الوارد في السؤال، وقال الشيخ محمد بن درويش الشافعي في كتابه أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب بعد أن ذكر مجموعة من الأحاديث في فضل مصر، قال: خبر مصر: كنانة الله في أرضه. لم يصح في مثل هذا شيء. ا. هـ
وذكر العجلوني في كشف الخفاء عند حرف (الميم) مجموعة من الأحاديث في فضل مصر وحكم على بعضها بالوضع، وبعضها بالضعف الشديد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(8/888)
كفالة يتيم تحل المشاكل الناجمة عن حرمان الذرية
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أرزق بأبناء فما هو الحل ’ والتبني حرام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا ريب فيه أن كل شيء بيد الله تعالى، يقسم حسب حكمته ومشيئته، ومن ذلك الولد، فهو يهب لمن يشاء ذكوراً، ويهب لمن يشاء إناثاً، ويهب لمن يشاء ذكوراً وإناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً، وله في كل هذا الحكمة البالغة، فمن حرم الأولاد فعليه أن يعلم أن ذلك بتقدير من الله تعالى فيتلقاه بالصبر والرضا.
لكن لا ييأس من الرب الشكور، وله أسوة في زكريا عليه السلام، فلم يمنعه كبر سنه ووهن عظمه، وعقر امرأته من أن يتوجه إلى ربه قائلاً: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً [مريم:4] .
فاستجاب له ربه قائلاً: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً [مريم:7] .
هذا مع الإكثار من الاستغفار والذكر مع بذل الأسباب المادية بطلب العلاج، ومقابلة أهل الاختصاص من الأطباء.
كما أننا ننصح السائلة بسبيل من سبل الخير وهو كفالة اليتيم، فهي من خير ما يعين على تحمل المشاكل النفسية التي تكون بسبب عدم الأولاد، ولمزيد من التفصيل في فضل كفالة اليتيم فلتراجع الفتوى رقم:
3152 والفتوى رقم:
3699.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1423(8/889)
أسباب حصول البركة في الوقت للسلف
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا نستدل من حقيقة ختم عثمان رضي الله عنه للمصحف في ركعة واحدة على أن البركة قد نزعت من وقتنا وعلى أن الدقيقة الواحدة في زمن الصحابة والتابعين كانت أطول منها الآن؟ أفيدونا أثابكم الله, والسلام عليكم......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج -وهو القتل- حتى يكثر فيكم المال فيفيض.
وروى الترمذي في سننه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار. وصححه الألباني.
وقال في تحفة الأحوذي: قال التوربشتي -رحمه الله-: يحمل ذلك على قلة بركة الزمان، وذهاب فائدته في كل مكان، أو على أن الناس لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النوازل والشدائد وشغل قلبهم بالفتن العظام، لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم. انتهى
وقال ابن حجر في فتح الباري: فالذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا، فإنا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا، وإن لم يكن هناك عيش مستلذ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان، وذلك من علامات قرب الساعة. انتهى
وقال أيضاَ: قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان: قصره، على ما وقع في حديث: لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر. وعلى هذا فالقصر يحتمل أن يكون حسياً، ويحتمل أن يكون معنوياً، أما الحسي: فلم يظهر بعد، ولعله من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة. وأما المعنوي: فله مدة منذ ظهر، يعرف ذلك أهل العلم الديني، ومن له فطنة من أهل السبب الدنيوي، فإنهم يجدون أنفسهم، لا يقدر أحدهم أن يبلغ من العمل قدر ما كانوا يعملونه قبل ذلك، ويشكون ذلك ولا يدرون العلة فيه، ولعل ذلك بسبب ما وقع من ضعف الإيمان، لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه. انتهى
فهذا ومثله مما قاله العلماء في شرح هذين الحديثين وأمثالهما، يبين ذهاب بركة الوقت بمرور الزمان، وأنه كان يحصل للسلف من البركة في الوقت، ما لا يحصل لمن بعدهم، وما ذلك إلا لكثرة الذنوب والمعاصي والآثام، ومع هذا فإن فضل الله تعالى واسع، ولا يخلو زمان من الأزمنة من طائفة تسير على جادة السابقين، وتحمل لواء السلف الصالحين، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1423(8/890)
هل تتفاضل قريش مع غيرها بشأن الدماء
[السُّؤَالُ]
ـ[استمعت في إحدى الفضائيات حديثا منسوب إلى الرسول صلى الله عليه والسلام يقول فيه بأن دماء قريش تتكافئ وأردف الشيخ قائلاً "معنى ذلك أن غير القريشي" أقل هكذا بهذا اللفظ هل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع بعد البحث على حديث أو معنى بهذا اللفظ، فلعله ليس حديثاً، وليس بين قريش وبين غيرهم من المسلمين تفاضل في شأن الدماء، فكل المسلمين يشملهم النص الوارد في قوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون َ {المائدة:45} ، وفي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ... {البقرة:178} .
وأما فضل قريش على غيرها فقد دل له حديث مسلم، إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، وراجع للمزيد في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53423، 47559.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(8/891)
فضل أهل اليمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما درجة حديث: (الأزد أسد الله في الأرض يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم وليأتين على الناس زمان يقول الرجل ياليت أبي كان أزديا ًياليت أمي كانت أزدية) ؟ وما تفسيره؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى هذا الحديث الترمذي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأزد أسد الله في الأرض، يريد الناس أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم، وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليت أبي كان أزديا، يا ليت أمي كانت أزدية. قال الترمذي عقب روايته له: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وروى هذا الحديث بهذا الإسناد عن أنس موقوفا وهو عندنا أصح. وضعف الشيخ الألباني هذا الحديث في كتابه (ضعيف الجامع الصغير)
وقد ورد في فضل الأزد حديث صحيح رواه الترمذي أيضا قبيل هذا الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد- يعني اليمن-. وأصح من هذا ما روى البخاري ومسلم في فضل أهل اليمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة، وألين قلوبا. الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم.
وأما معنى حديث: الأزد أسد الله، كما في تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري قوله: الأزد. أي أزد شنوءة. في القاموس: أزد بن الغوث، وبالسين أفصح، أبو حي باليمن، ومن أولاده الأنصار كلهم. أزد الله. أي جنده وأنصار دينه قد أكرمهم الله بذلك فهم يضافون إليه: أن يضعوهم. أي يحقروهم ويذلوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم، أي ينصرهم ويعزهم ويعليهم على أعداء دينهم. اهـ.
ورواية الترمذي -كما ذكرناها سابقا- بلفظ: أسد الله. وجاء بالرواية التي شرح عليها المباركفوري أزد الله. في معجم الطبراني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1428(8/892)
فضل أهل الشام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولا يزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة) ، وكيف ينطبق على واقعنا اليوم؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اخرج أحمد والترمذي عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة. والحديث صححه الألباني والأرناؤوط.
وورد في فضل أهل الشام عدة أحاديث منها حديث: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده. رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح.
وروى مسلم وغيره من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعاً: لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة. وأهل الغرب هم أهل الشام كما قال الإمام أحمد وأيده ابن تيمية، وراجع كتاب فضائل الشام للشيخ الألباني، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية في الكلام على الحديث وعلى واقعنا اليوم: 61082، 32949، 32754، 63373.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1427(8/893)
قيسات من حياة جلال الدين المحلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة سيرة الإمام جلال الدين المحلي لكي أستخدمها في بحث عن تفسير الجلالين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجلال الدين المحلي: هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم الجلال أبو عبد الله بن الشهاب أبي العباس بن الكمال الأنصاري المحلي القاهري الشافعي.
وهو منسوب إلى المحلة الكبرى الغربية وهي مدينة مشهورة في مصر يعرف بالجلال المحلي أو جلال الدين المحلي وأطلق عليه ابن العماد لقب (تفتازاني العرب) ، ولد في شوال سنة إحدى وتسعين وسبعمائه بالقاهرة نشأ في القاهرة وقرأ القرآن وكتباً، واشتغل في عدة فنون، فدرس الفقه وأصوله، والعربية والنحو والفرائض، والحساب، والمنطق، والجدل والبيان، والمعاني، والعروض، ودرس التفسير وأصول الدين وعلوم الحديث، وتفنن في العلوم العقلية والنقلية.
وتتلمذ على عدد كبير من الشيوخ نذكر منهم:
1- سراج الدين بن الملقن.
2- سراج الدين البلقيني.
3- برهان الدين إبراهيم الأبناسي.
4- الحافظ ابن حجر العسقلاني.
وممن تتلمذ على جلال الدين المحلي:
1- جلال الدين السيوطي.
2- شمس الدين السخاوي.
3- نور الدين السمهودي. وخلق كثير.
اتصف جلال الدين المحلي بصفات العلماء العاملين، وكان مهاباً وقوراً عليه سيما الخير، وكان رجاعاً إلى الحق وكان زاهداً في المناصب، فقد عرض عليه القضاء بعد وفاة الحافظ ابن حجر فأبى، وكان يقول لأصحابه إنه لا طاقة لي على النار، وكان المحلي شديد الذكاء حيث قال بعض العلماء عنه: أن ذهنه يثقب الماس.
وقال عنه تلميذه السيوطي: كان غرة هذا العصر في سلوك طريق السلف على قدم الصلاح والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يواجه بذلك الظلمة والحكام ويأتون إليه فلا يلتفت إليهم ولا يأذن لهم بالدخول عليه.
من مؤلفاته:
- تفسير القرآن الكريم من أول سورة الكهف إلى آخر القرآن، أكمله تلميذه جلال الدين السيوطي على نفس النمط وهو المسمى بتفسير الجلالين.
- شرح جمع الجوامع في أصول الفقه للسبكي واسمه (البدر الطالع بشرح جمع الجوامع) وهو مطبوع.
- شرح ورقات إمام الحرمين في أصول الفقه.
- شرح منهاج الإمام النووي في الفقه الشافعي واسمه (كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين) وهو مطبوع.
وكتب أخرى كثيرة لا يسع المقام لذكرها.
مرض الإمام جلال الدين المحلي في منتصف شهر رمضان سنة 863هـ واستمر مريضاً إلى أن توفاه الله سبحانه وتعالى في يوم السبت أول محرم سنة 864هـ الموافق 1459م، وللمزيد من الفائدة راجع مقدمة شرح الورقات في أصول الفقه لجلال الدين المحلي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1425(8/894)
الفرق بين العرب والمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الفرق بين العرب والمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الفرق بين العرب والمسلمين فرق بين الدين والنسب، فالعرب جنس من الناس، وهم الذين يتحدثون باللسان العربي المعروف.. بغض النظر عن دينهم وعقيدتهم وإن كانوا هم نواة الإسلام وحملته ... وأغلبيتهم الساحقة تدين به.
وأما المسلمون فهم من دان بالإسلام ممن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا، بغض النظر عن نسبهم أو لغتهم......، ويدخل في ذلك من أسلم من العرب والعجم سواء كانوا إفريقيين أو آسيويين أو أوروبيين.
وننبه السائل الكريم إلى أن رابطة العقيدة هي الرابطة الحقيقية لا رابطة الجنس أو اللون أو اللغة..... فكل هذه الروابط الأرضية لا قيمة لها في ميزان الله تعالى، فالله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد ألا.. لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى.... رواه أحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(8/895)
مناقب (بني تميم) بشهادة النبي عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[يذكر زميل أنه في زمن ظهور المسيح الدجال إذا ظهر لا يردونه إلا رجال من بني تميم لأن بني تميم أقوى وأن هذا ورد عن الرسول صلى الله وسلم أفيدونا جزكم الله خيراً......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة قال: لاَ أَزَالُ أُحِبّ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ ثَلاَثٍ. سَمِعْتُهُنّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "هُمْ أَشَدّ أُمّتِي عَلَىَ الدّجّالِ" قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا" قَالَ: وَكَانَتْ سَبِيّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْتِقِيهَا فَإِنّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".
وهذا الحديث فيه منقبة عظيمة لبني تميم، حيث وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشجاعة وشدة البأس على الدجال، وذلك في قتالهم مع المسلمين له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1423(8/896)
أولاد إسماعيل وإسحاق عليهما السلام أولاد عمومة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن العرب واليهود هم أبناء أعمام هل لهذا دليل من الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) [الحجرات:13] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته أيام التشريق: "يا أيها الناس إن ربكم واحد، وأباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى، أبلغت؟ " قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح.
ولا شك أن أولاد إسماعيل وهم طائفة من العرب أولاد عمومة مع ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام، والاجتماع في النسب لا يغير من حقيقة ما بين المسلمين واليهود من الافتراق في الدين فإن الله تعالى لا يعتبر الأنساب، قال سبحانه: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ لا يتساءلون) [المؤمنون:101] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" رواه مسلم عن أبي هريرة.
وقد دلت نصوص الكتاب على أن اليهود من ذرية يعقوب وهذا لا شك فيه، ومن ذلك قوله تعالى (يا بني إسرائيل..) فنسبهم إلى إسرائيل وهو يعقوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1423(8/897)
الأحاديث الواردة في فضل العرب والنهي عن بغضهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث لرسول صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى أو مقارب له (من سب العرب فأولئك هم المشركون) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ألف ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى رسالة سماها مبلغ الأرب في فخر العرب وذكر فيها الأحاديث الواردة في فضل العرب والنهي عن بغضهم مما قد يكون قريبا مما ذكرت، وإليك بعض هذه الأحاديث:
روى الحاكم والبيهقي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وصحبه وسلم: لما خلق الله الخلق اختار العرب، ثم اختار من العرب قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فأنا خيرة من خيرة. سكت عنه الذهبي
وأخرج الحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير والأوسط عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم.
قال الهيثمي: وفيه حماد بن واقد وهو ضعيف يعتبر به، وبقية رجاله وثقوا
وقال الهيتمي في مبلغ الأرب: حديث سنده لا بأس به، وإن تكلم الجمهور في غير واحد من رواته.
وأخرج الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل، فقسم الناس قسمين، فقسم العرب قسما، وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما، وقسم مضر قسما، وقسم قريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير ما أنا منه. قال الهيتمي في مبلغ الأرب: سنده حسن
وروى مسلم وغيره عن واثلة بن الأسقع يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم
وأخرج الترمذي والحاكم وغيرهما عن سلمان قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سلمان؛ لا تبغضني فتفارق دينك. قلت: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله! قال: تبغض العرب فتبغضني قال: هذا حديث حسن غريب وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي في التلخيص: قابوس بن أبي ظبيان تكلم فيه
وأخرج الحاكم والطبراني عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حب قريش إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(8/898)
يكفي اللغة العربية شرفا أن الله أنزل بها كتابه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد آية تتحدث عن مكانة اللغة العربية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نقف على آية صريحة أو حديث صحيح يبين مكانة اللغة العربية.
ولكن وردت آيات كثيرة في كتاب الله تعالى ذكرت فيها اللغة العربية أو اللسان العربي.
فمن ذلك على سبيل المثال، قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2] .
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195] .
قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر:28] .
إلى غير ذلك من الآيات.
وقد ورد حديث ضعيف في فضل اللسان العربي: أحب العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي.
قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم: قال الحافظ السلفي: هذا حديث حسن، فما أدري أراد حسن إسناده على طريقة المحدثين أو أراد حسن متنه على الاصطلاح العام..... وابن الجوزي ذكر هذا الحديث في الموضوعات، وقال الثعلبي: لا أصل له ...
وعلى هذا؛ فإننا لم نقف على نص صريح صحيح يبين مكانة اللغة العربية، ولا شك أنها من أرقى اللغات الإنسانية؛ بل هي أرقاها وأوسعها على الإطلاق. ويكفيها شرفاً ومكانه أن الله تعالى أنزل بها كتابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1423(8/899)
فضل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الأشخاص يقول عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنهم أعفن خلق الله، فما هي الرسالة التي توجهونها إليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. رواه البخاري ومسلم، وقال أيضاً: ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني.
فهذا نهي وتحذير من رسول الله من سب المؤمنين وأهل الإسلام عموماً، ويتأكد النهي في حق الدعاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإنهم نقاوة الأمة وخيرها وصمام أمانها، وهم الغرباء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. رواه مسلم.
ولقد أخبرنا عن صفة هؤلاء الغرباء الذين يظهر الدين على أيديهم في أحاديث كثيرة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي.
فالواجب على ذلك السابّ أن يتقي الله فيهم ويعرف لهم فضلهم ولا يذكرهم إلا بالخير بل ويعاونهم على عملهم، وإن ظهرت منهم زلة فعليه أن ينصحهم ويبين لهم الصواب، وانظر فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفتوى رقم: 9358.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1426(8/900)
نبذة عن صاحب الشاطبية
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت قبل أيام القصيدة الشاطبية وأعجبت بها فصاحة وعلماً وبلاغة، ولكن سؤالي هو: من هو هذا الإمام الذي ألفها، فأرجو أن تعطوني ترجمة كاملة عنه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فناظم القصيدة اللامية المعروفة بالشاطبية هو الشيخ الإمام العالم العامل القدوة سيد القراء أبو محمد وأبو القاسم القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني الأندلسي الشاطبي الضرير ناظم الشاطبية والرائية ذكره أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وتلا ببلده بالسبع على أبي عبد الله بن أبي العاص النفري، ورحل إلى بلنسية فقرأ القراءات على أبي الحسن بن هذيل وعرض عليه التيسير وسمع منه الكتب.
ارتحل للحج فسمع من أبي طاهر السلفي وغيره وكان يتوقد ذكاءً له الباع الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث وله النظم الرائق مع الورع والتقوى والتأله والوقار، استوطن مصر وشاع ذكره وسبب انتقاله من بلده فراره من قبول الخطابة في الجمعة تورعاً منه، زار بيت المقدس سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وجاء عنه لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله لأنني نظمتها لله، يقصد منظومته في علم القراءات، توفي بمصر سنة خمسمائة وتسعين هجرية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(8/901)
مكان أبي حنيفة من الحديث والفقه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول ابن المبارك: كان أبو حنيفة في الحديث يقيم؟ \"وردت في الكامل لابن عدي الجزء السابع, الصفحة الثانية. أرجو التفصيل وشكرا, وما مرتبة الإمام أبي حنيفة في الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن العبارة المذكورة محرفة، ولعل الصواب هو: كان أبو حنيفة في الحديث يتيما، بدليل ما ذكره ابن حبان البستي في كتابه المجروحين حيث قال: سمعت ابن المبارك يقول: كان أبو حنيفة في الحديث يتيما، وفي كتاب الجرح والتعديل لأبي حاتم الرازي: سمعت ابن المبارك يقول: كان أبو حنيفة مسكينا في الحديث. انتهى.
ولعل مقصود ابن المبارك رحمه الله تعالى أن الإمام أبا حنيفة لم يكن من المهرة في علم الحديث، لأن جل اهتمامه كان منصبا على علم الفقه، ففي تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: يقول ابن المبارك: أفقه الناس أبو حنيفة، ما رأيت في الفقه مثله، وقال أيضا: لولا أن الله أغاثني بأبي حنيفة وسفيان كنت كسائر الناس. انتهى.
وللمزيد من التفصيل عن مرتبة هذا الإمام الجليل راجع الفتوى رقم: 43484
الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1425(8/902)
نبذة عن الخوارزمي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريدموضوعا عن الخوارزمي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم لم يطلع على ما نشرناه وننشره دائما وهو أننا لا نرد على الأسئلة المدرسية وأسئلة المسابقات ...
ونظرا لتأخير الرد على هذا السؤال، فلا نريد أن نجمع على صاحبه التأخير وعدم الإجابة.
ولأننا لم نعرف من هو الخوارزمي المطلوب، فإننا نذكر نبذة مختصرة عن رجلين عرف كل منهما بالخوارزمي عبر التاريخ، أحدهما محدث، والآخر كاتب ولغوي.
1- ... ... عبد الله بن أبي الخوارزمي، قال عنه الذهبي: قاضي خوارزم ومحدثها، حافظ سمع أحمد بن يونس اليربوعي وسعيد بن منصور..
حدث عنه البخاري ومحمد بن علي الساني الحساني الخوارزمي..
عاش نحوا من تسعين سنة، وبقي إلى حدود التسعين ومائتين (290 هـ)
2 أبو بكر بن محمد بن العباس الخوارزمي
قال عنه صاحب جواهر الأدب: الكاتب الشاعر اللغوي الأديب الرحالة، ولد بخورزم سنة 323 هـ ونشأ بها.
وكان ضليعا في كل من فنون العربية وخاصة الكتابة والشعر، جاب الأقطار ودخل الأمصار من الشام إلى أقصى خراسان في استفادة العلم والأدب وإفادتهما، وكان كثير الحفظ للشعر، غزير مادة اللغة.
عمل مع الملوك والأمراء والوزراء.
توفي سنة 383 هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(8/903)
مريم البتول لم تتزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تزوجت السيدة مريم العذراء بأي رجل؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السيدة مريم ابنة عمران رضي الله عنها من أفضل النساء لما خصها به الله تعالى من الاصطفاء والتكريم، قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] .
وكانت مريم منقطعة لعبادة الله تعالى، ولذلك سميت مريم البتول ولم تتزوج، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: المراد بالتبتل الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة، ومريم البتول لانقطاعها عن التزويج إلى العبادة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1424(8/904)
يكفي الأعجمي فخرا انتسابه لأمة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم إني أعيش في الجزائر وفي بلدي العزيز هناك مشكلة لغوية، فالأغلبية هنا متفقة على أن أصولنا بربرية، والعديد يتكلم البربرية وأنا واحد منهم، لكني أحب لغة القرآن أكثر من أية لغة أخرى، وأعتبر نفسي عربيا وأنسب نفسي إلى العرب رغم أن أصولي بربرية، لكن المشكلة تكمن في أن الاستعمار الفرنسي اللعين قد أيقظ الفتنة فينا حتى أصبح كثير من الجزائريين يتنكر للانتماء العربي، والكثير يستحي من الاعتراف بأن أجدادنا القدامى كانوا بربرا، أسئلتي هي:
على أي أساس يمكن أن ينسب الأعجمي إلى العرب؟ فكثيرا ما يذكر الرافضون لهذا الانتساب حديث لعن الله من انتسب لغير أبيه، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصحيح أن من انتسب إلى غير أبيه ملعون، لما روى الإمام مسلم والترمذي وأبو داود والدارمي وأحمد عن عليٍّ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... وَمَنِ ادّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنّاسِ أَجّمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً. وفي رواية متفق عليها: وَمَنِ ادّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ.
ولكن ما الحامل على تغيير الانتماء والنسب؟
إن أفضل نسب ينتمي إليه المرء هو تقوى الله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] . وأخرج الإمام أحمد عن أبي نضرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى ...
وصفوة القول أنه ليس للعجمي أن ينمي نفسه للعرب، بل يكفيه فضلاً أن ينتمي لأمة الإسلام؛ فالعرب قبل الإسلام لم يكن لهم فضل، ولم يلحق الفضل منهم من لم يدخل في الإسلام، ولغة القرآن ليست حكرًا على العرب، والمستعمر إذا كان فرقنا بإيقاظ القومية والحمية الجاهلية فينا، فإن ديننا لم يزل واحدًا، وكفى بها عصبية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(8/905)
ثواب تقبيل الحجر الأسود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لتقبيل الحجر الأسود ثواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن في تقبيل الحجر ثواب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبَّل الحجر، وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّلك من قبَّلتُك.
وقد ورد في فضل مسحه واستلامه ما رواه أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(8/906)
الأبدال.. تعريفهم.. تعيينهم وعددهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم الاستفسار عن الأبدال الذين أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهل الأحاديث الواردة فيهم ضعيفة أم صحيحة.. ونص الحديث بالمعنى أنه سيكون هناك أربعون من الأبدال في كل زمان وهم أوتاد الأرض وعددهم ما بين الثلاثين والأربعين، أرجو توضيح ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأحاديث الأبدال قد تباينت فيها أنظار العلماء بين مصحح ومضعف، قال ابن القيم في المنار المنيف: ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب ما فيها: لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم البدلاء، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً آخر. ذكره أحمد، ولا يصح أيضاً فإنه منقطع، وقد حكم عليها ابن الجوزي بالوضع، وكذلك ذكر الشيخ الألباني جملة من أحاديث الأبدال في السلسلة الضعيفة وضعفها كلها وحكم على بعضها بالوضع.
وهناك من ذهب إلى أن الحديث له أصل بناء على كثرة طرقه، قال العجلوني في كشف الخفاء: وأقول: لكنه يتقوى بتعدد طرقه الكثيرة.
ونقل المناوي في فتح القدير عن ابن حجر: الأبدال وردت في عدة أخبار منها ما يصح وما لا يصح. وممن ذهب إلى هذا أيضاً السيوطي والسخاوي وغيرهم.
وعلى كلا قولي العلماء في هذه الأحاديث، فالأبدال المذكورون في هذه الأحاديث -على القول بصحة بعضها- هم المتبعون للكتاب والسنة، علماً وعملاً وحالاً.
أما تعيينهم فلا سبيل إليه، والخوض في ذلك من التخرص والقول على الله بلا علم، وكذلك حصرهم في عدد معين باطل، قال شيخ الإسلام: والحديث المروي في أن الأبدال أربعون رجلاً حديث ضعيف، فإن أولياء الله المتقين يزيدون وينقصون بحسب كثرة الإيمان والتقوى وبحسب قلة ذلك، كانوا في أول الإسلام أقل من أربعين فلما انتشر الإسلام كانوا أكثر من ذلك.
ولا يجوز لأحد أن يدعي أن فلاناً من الأبدال، أو يظن فيه قدرة على شفاء المرض وقضاء الحاجات أو يصرف إليه استغاثة أو دعاءً نحو ذلك مما هو شرك أكبر، أو يتبعه في خلاف الكتاب والسنة بحجة أنه من الأبدال، فقد حجب الله على الخلق الوصول إليه إلا من جهة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] .
وأوجب على الخلق جميعاً طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] .
وهؤلاء السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم أفضل هذه الأمة كانوا أحرص ما يكون على اتباع كتاب ربهم وسنة نبيهم، فمن تنكب سبيلهم فقد ضل سواء السبيل، والله المسؤول أن يمنَّ علينا باقتفاء سبيلهم، علماً وعملاً وحالاً، ونعوذ بالله أن يكون حظنا من ذلك، مجرد حكايته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1423(8/907)
لون البشرة لا أثر له في الانتقاص من كرامة الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان مسلم والحمد الله سؤالي باختصار جداً أنني اعاني في مجتمعي من لون بشرتي السوداء بحيث تضرب بها الأمثال عند خطباء المساجد عند الاستشهاد بارذل خلق الله مثل المرأة السوداء صاحبة الصرع مثلاً بأنها سوداء ولا يمكن أن ينظر لها أحد لسوادها وأرادت الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها أن لا تتكشف وخلافه الكثير فما دخلي أنا بلون بشرتي لأنني لم أستشر عندما خلقت وهل يجب أن أعاني كل عمري من لون بشرتي فعلا يا أخي أنا أعاني كثيراً ولا أعرف متى أتخلص من هذا العناء؟ فالموت هو وحده الذي سوف يعينني على الخلاص من هذه المحنة.
أرجو يا أخي العزيز أن تدلني على طريق أستطيع به أن أتحمل هذا العناء مع جزيل الشكر والامتنان جعلك الله في خدمة عبيده إن شاء الله إلى أبد الآبدين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13] .
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى " رواه أحمد وغيره.
فلا يجوز أبداً اعتبار غير ذلك من الموازين من جنس أو لون أو لغة أو عشيرة.... وراجع الفتويين التاليتين: 2494، 14844.
فيجب على الدعاة المصلحين أن يوضحوا هذا الأمر للأمة خصوصاً في هذه الأزمنة التي انتكست فيها الموازين، وانقلبت فيها المفاهيم، خصوصاً مفهوم الولاء والبراء، ومما يدل على أن اللون والجنس لا اعتبار لهما في دين الله أن ابن رباح -وقد كان عبداً أسود- تزوج أخت عبد الرحمن بن عوف وهو سيد من سادات قريش، وقد كان الحسن البصري -وهو سيد التابعين- أسود، بل روي أن لقمان الذي قص الله علينا قصته في محكم كتابه كان أسود هو الآخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1423(8/908)
سيدة النساء على الإطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي سيدة نساء العالمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، وذلك لما اختصت به من مكالمة الملائكة، قال تعالى: َإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] فبهذه المكالمة والاصطفاء والبشارة من الملائكة استدل بعض العلماء على نبوتها عليها السلام.
وعلى كلٍ فهي أفضل من كل النساء ثم تأتي بعدها في الفضيلة فاطمة ثم خديجة ثم آسية، وذلك لما رواه موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمه ثم خديجه ثم آسية.
وقد ذهب المحقق النووي أن الذي عليه الجمهور هو أن مريم صديقة وليست نبية.
وعلى كل فإن أغلب العلماء ذهبوا إلى أنها وإن كانت صديقة فهي تبقى أفضل النساء جميعاً، والدليل قوله تعالى: وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران: 42] . ثم لما حباها الله تعالى به حيث أعطاها ما لم يعطه أحداً من النساء، وذلك أن روح القدس كلمها وظهر لها ونفخ في درعها فليس هذا لأحد من النساء، وصدقت بكلمات ربها ولم تشك عندما بشرت بعيسى عليه السلام، ولذلك سماها الله صديقه فقال: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1423(8/909)
نصوص ثابتة في فضل عيادة المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم زيارة المريض والأحاديث الواردة فيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزيارة المريض من الحقوق المؤكدة للمسلم على أخيه المسلم، ومذهب جمهور العلماء أنها سنة، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض الأفراد دون بعض، وذهب بعض العلماء إلى وجوب زيارة المريض كالبخاري رحمه الله حيث قال في صحيحه: بَاب وُجُوب عِيَادَة الْمَرِيض.
قال ابن حجر في فتح الباري:
كَذَا جَزَمَ بِالْوُجُوبِ عَلَى ظَاهِر الْأَمْر بِالْعِيَادَةِ، وَتَقَدَّمَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي الْجَنَائِز حَقُّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم خَمْس فَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَة الْمَرِيض، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم خَمْس تَجِب لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِم فَذَكَرَهَا مِنْهَا، قَالَ اِبْن بَطَّال: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْأَمْر عَلَى الْوُجُوب بِمَعْنَى الْكِفَايَة كَإِطْعَامِ الْجَائِع وَفَكِّ الْأَسِير، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِلنَّدْبِ لِلْحَثِّ عَلَى التَّوَاصُل وَالْأُلْفَة، وَجَزَمَ الدَّاوُدِيّ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: هِيَ فَرْض يَحْمِلهُ بَعْض النَّاس عَنْ بَعْض، وَقَالَ الْجُمْهُور: هِيَ فِي الْأَصْل نَدْب، وَقَدْ تَصِل إِلَى الْوُجُوب فِي حَقِّ بَعْض دُون بَعْض. وَعَنْ الطَّبَرِيّ: تَتَأَكَّد فِي حَقِّ مَنْ تُرْجَى بَرَكَته، وَتُسَنّ فِيمَنْ يُرَاعَى حَاله، وَتُبَاح فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَفِي الْكَافِر خِلَاف كَمَا سَيَأْتِي ذِكْره فِي بَاب مُفْرَد. وَنَقَلَ النَّوَوِيّ الْإِجْمَاع عَلَى عَدَم الْوُجُوب، يَعْنِي عَلَى الْأَعْيَان. انتهى.
وأما الأحاديث فهي كثيرة في الترغيب في الزيارة وبيان ثوابها وأنها من الحقوق المؤكدة، ومن هذه الأحاديث: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ. وفي رواية: خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ. رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ. رواه البخاري.
ومما ورد في فضلها: ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ.
وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وعَنْ ثُوَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي قَالَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْحَسَنِ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ أَبَا مُوسَى فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَام: أَعَائِدًا جِئْتَ يَا أَبَا مُوسَى أَمْ زَائِرًا؟ فَقَالَ: لَا بَلْ عَائِدًا، فَقَالَ عَلِيٌّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ. رواه أحمد والترمذي وحسنه، وصححه الألباني.
وللاطلاع على ما ورد من أحاديث في أهمية وفضل زيارة المريض راجع: الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، وكتاب الجنائز في كتب السنة، وللبخاري في صحيحه كتاب بعنوان: كتاب المرضى، والفتوى رقم: 115407، والله الموفق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(8/910)
كيف تحفظ من كتب الأحاديث الشريفة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أردت أن أحفظ كتاب صحيح البخاري وصحيح مسلم فهل يجب علي أن أحفظ السند والمتن أم أكتفي بالمتن ام أحفظ آخر شخص في السند وثم يتبعه عن الرسول صلى الله عليه وسلم مثل (سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول......) وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حفظ كل من السند مع المتن للحديث أمر طيب وتترتب عليه فوائد لمن اشتغل بعلم الحديث، ويمكن الاقتصار على حفظ المتن وحده، كما يمكن الاقتصار على حفظ اسم الصحابي مع حفظ المتن، وكل ذلك واسع، وراجع الفتوى رقم: 78452.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1429(8/911)
المساهمة في بناء مسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في من يساهم بنفقة في بناء مسجد، فهل ذلك من الصواب أم العكس؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المساهمة في بناء المساجد من أعظم العبادات كما قدمنا في الفتوى رقم: 10427.
ويتعين ألا يكون ما ينفق فيها من الزكوات الواجبة لأن الزكاة حددت مصارفها وليس منها بناء المساجد على الراجح كما قدمنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 5757.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1428(8/912)
أمور كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها يوميا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسأل، عن أربعة أشياء كان يقوم بها الرسول صلى الله عليه وسلم يوميا؟
أنتظر ردكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الأمور التي كان يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم يوميا:
أولا: المحافظة على إقامة الصلاة في وقتها جماعة، وانظر الفتوى رقم: 1798، في وجوب صلاة الجماعة والفتوى رقم: 43250.
ثانيا: المحافظة على أداء الرواتب التي كان يصليها قبل صلاة الفريضة وبعدها، وقد كان يقضيها إذا فاتته، وانظر الفتوى رقم: 13097، والفتوى رقم: 55961، في قضاء الرواتب.
ثالثا: الاستغفار والتوبة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله يوميا، وانظر الفتوى رقم: 39154.
رابعا: المحافظة على الأذكار عقب الصلوات المكتوبة، وانظر الفتوى رقم: 4817.
ونزيدك الخامسة نافلة فنقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على قيام الليل، وانظر الفتوى رقم: 2115.
ونسأل الله أن يوفقنا والأخ السائل للمحافظة عليها، ونقول للأخ السائل: قد عرفت فالزم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1427(8/913)
فضيلة حفظ الأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله.
ما معنى أن يقول أحدهم أنا أحفظ متون الأحاديث، وما فائدة ذلك؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حفظ الحديث هو استظهارهُ عن ظهر قلب، ومتون الحديث هي نصوصه التي هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، وقد جمعت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في دواوين السنة كالصحيحين والموطأ والسنن والمسانيد.. فالذي يحفظ هذه الكتب أو بعضها فقد حفظ متون الحديث أو بعضها، والحافظ في مصطلح أهل الحديث هو من حفظ مائة ألف حديث متنا وإسناداً مع العلم بأحوال رواتها من تاريخ وفاة وجرح وتعديل ... قال الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في غرة الصباح:
ومن حوى مائة ألف مطلقاً * عليه لفظ حافظ قد أطلقا.
وأما فائدة ذلك فإنها لا تقدر فضلاً وخيراً وأجراً ... ويكفي المسلم شرفاً أن يكون حافظاً لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاء من أوعية العلم، فقد قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {المجادلة:11} ، وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {الزمر:9} ، ويكفي حافظ الحديث فضلاً دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بقوله: نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه. رواه الترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1427(8/914)
فضل المرأة الخاضعة لربها الطائعة لزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من فتاة مسلمة وملتزمة ولله الحمد، وكانت نعم الزوجة معي وطائعة لي وأنا أحبها جدا والحمدلله، وبقضاء الله وقدره بعد 80 يوما توفيت زوجتي إثر حادث سيارة كنت أنا وهي على متنها فرحمة الله عليها.
والسؤال هو: أحب أن أعرف الآيات والأحاديث التي ذكرت الثواب والأجر الذي أعده الله للزوجة التي تموت وزوجها راض عنها، العمل الذي يمكن أن ينفعها وأقوم به؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها, وصامت شهرها, وحصنت فرجها, وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، وكفى بهذا الحديث العظيم في بيان فضل ومكانة المرأة الخاضعة لربها والطائعة لزوجها مرغبا.
وأما ما يمكنك أن تنفعها به من الأعمال فالدعاء لها والصدقة بنية وصول الثواب إليها، وتفصيل القول فيما يصح أن يهدي من الأعمال مذكور في الفتوى رقم: 35631، والفتوى رقم: 69039.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1427(8/915)
فضل طاعة المرأة لزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة وبعد..
إخواني جزاكم الله خيرا،سؤالي هذا سبق وأن أرسلته ولكن لم يصلني الرد، فأرجو منكم الرد جزاكم الله خيرا.
السؤال: تزوجت منذ 4 أشهر من زوجة مطيعة ولله الحمد وهي تحبني وأحبها، ووفقنا الله لذلك
وبقضاء الله وقدره، بعد زواجنا بـ 80 يوما ونحن في سفر من مدينة لأخرى حدث لنا حادت سيارة توفيت (ماتت) زوجتي الحبيبة، فرحمة الله عليها، وسؤالي هو أريد أن تفيدوني بالآيات والأحاديث الشريفة عن حبيبنا محمد التي تبشر الزوجة الطائعة لزوجها، والأجر والثواب الذي أعده الله لها ليطمئن قلبي، وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك الصبر والسلوان، ولزوجتك الرحمة والمغفرة والرضوان، وأما ما سألت عنه من الأحاديث فإليك بعضه، روى أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت. وأخرج الإمام أحمد في المسند والبيهقي في شعب الإيمان عن حصين بن محصن الأنصاري عن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة لها فلما فرغت من حاجتها قال لها: أذات زوج أنت؟ قالت نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت ما آلو إلا ما عجزت عنه. قال: انظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك. وأخرج الحاكم في مستدركه من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
إلى غير ذلك مما ورد في فضل طاعة المرأة لزوجها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1427(8/916)
فضل من مات له أولاد صغار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحد قريباتي توفيت (رحمها الله) ودفنت معها طفلا رضيعا، وأنا أسمع بأن الطفل يشفع أو يخفف عنها العذاب.
س/ أريد نص هذا الحديث]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان السائل يعني أن قريبته دفنت ودفن الطفل معها في قبر واحد فقد تقدم في الفتوى رقم: 57977، أن دفن الميتين في قبر واحد لغير ضرورة دائر بين الكراهة والحرمة عند أهل العلم.
أما كون دفن الطفل معها يخفف عنها العذاب أو أنه يشفع فيها فلم نطلع على ما يدل عليه، سواء دفن معها في قبر واحد أو دفن بجانبها.
ولعل السائل يعني ما ثبت في الصحيحين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظ النساء فكان مما قال لهن: ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار، فقالت امرأة: واثنين؟ قال: واثنين. وفي رواية: ثلاثة لم يبلغن الحنث. قال الحافظ ابن حجر: وفيه جواز الوعد، وأن أطفال المسلمين في الجنة، وأن من مات له ولدان حجباه من النار، وفي حديث آخر: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولدان لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم، رواه البخاري، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى -أو قال-: فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة.
وهذه الأحاديث واردة فيمن مات له أولاد قبله سواء دفن معهم أو لم يدفن معهم، أما أن ينتفع شخص آخر بأولاد غيره سواء دفن معهم أولا فلم نطلع عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(8/917)
المدة التي ينال المرء فيها أجر كفالة اليتيم كاملا
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنا وكافل اليتيم كهاتين ... هل كفالة اليتيم مرة واحدة فقط أي لمدة شهر أو شهرين تدخل في معنى الحديث؟ وهل يأخذ أجرها كاملا؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق ذكر فضائل كفالة اليتيم في الفتوى رقم: 3152، كما سبق بيان ما تتحقق به كفالة اليتيم في الفتوى رقم: 19537 والفتوى رقم: 31965، أما كفالة اليتيم فغايتها وأمدها إلى أن يستغني اليتيم عن الكفيل، لقوله صلى الله عليه وسلم: من ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة. رواه أحمد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحسنه الهيثمي في المجمع، وصححه الألباني في صحيح الترغيب. قال الحافظ في الفتح: فيستفاد منه أن للكفالة المذكورة أمداً. اهـ. وعليه، فمن أنفق على يتيم شهرا أو شهرين ثم استغنى اليتيم عن النفقة بالبلوغ أو الغنى أو ما شابه حصل له أجر كفالة اليتيم، وأما إن كان اليتيم ما زال في حاجة إلى نفقة فلا يأخذ الكفيل حينئذ الأجر كاملا لظاهر الحديث السابق، إلا أن تكون النفقة قد قصرت به ولا يجد ما ينفقه على اليتيم، مع حرصه على النفقة فيكتب له الأجر كاملا ـ إن شاء الله تعالى ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب، وقال صلى الله عليه وسلم: من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة ضعف. رواه مسلم عن أبي هريرة، ورواه البخاري عن ابن عباس في سياق أطول، وروى عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر ما كان يعمل مقيماً صحيحا. قال الحافظ في الفتح: هو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها، وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها، كما ورد ذلك صريحا عند أبي داود.اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1426(8/918)
إعانة العبد تستجلب عون الله
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلمة سعت مع أخيها بفضل الله في اختيار الزوجة الصالحة وتم الزواج والحمد لله وكانت لهم الذرية أسأل الله أن يكونوا من الصالحين، وعلى مدى فترة زواجهما تحاول جهدها معهم في النصح لله حرصا على خيري الدنيا والآخرة إن شاء الله فهل هذا الزواج وما يثمر عنه من ذرية صالحة إن شاء الله يعد صدقة جارية لها؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا العمل عمل خير، ونرجو الله تعالى أن يثيبكم عليه ويتقبله منكم، فقد قال تعالى: وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ {البقرة:215} ، وقال تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {الزلزلة:7} .
وفي الحديث: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم، ولكنه غير معدود من أنواع الصدقة الجارية، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 8042، 23565، 38781، 48404.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(8/919)
ثواب من أنقذ غريقا
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من الناس من يعتقد أن من أنقذ طفلة غريقة تكون بنتاً له، ولا يصح له الزواج منها، وإن كان ولداً يصير ابناً له، فما صحة هذا الكلام؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنقاذ الغريق أو أي شخص آخر معرض للهلاك واجب على كل مسلم يستطيعه، وفيه من الأجر ما لا يعلم عدده إلا الله. قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [سورة المائدة: 32] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أقال مسلما أقال الله عثرته. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة.
وأما أن تكون الطفلة بنتا لمن أنقذها، أو المرأة أماً له فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، ولا يوجد له أصل في الشرع.
هذا؛ وقد كان التبني شائعا في الجاهلية، ولكن الإسلام ألغاه وحرمه. قال تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [سورة الأحزاب: 5] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1425(8/920)
فضل العشر الأول من شهر الله المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل وردت أحاديث عن فضل صيام العشر الأوائل من شهر محرم؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى مسلم والنسائي وأبو داود وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.، قال النووي عند شرحه لهذا الحديث هذا: تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم.
وأفضل أيام هذا الشهر صياماً هي العشر الأول منه، قال المرداوي في الإنصاف: أفضل المحرم اليوم العاشر وهو يوم عاشوراء ثم التاسع وهو تاسوعاء ثم العشر الأول.
وقال ابن رجب في لطائف المعارف:.... وأفضل شهر الله المحرم عشره الأول....، ثم نقل عن أبي عثمان النهدي، قال: كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم. ولم يرد حديث صحيح فيما نعلم في فضل صيام العشر الأول من محرم بمجموعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1424(8/921)
استقامة العبد وفعله الخير دليل على رضا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتصرف العبد إذا كان يفعل الخير مع الله ومع الناس، ولا يحس برضى الله عنه، والناس يقولون له إنك على خلق جيد. وأنا على توبة ولكن أشاهد لمدة قصيرة قنوات إباحية عند اشتتداد الشهوة بعد زمن معين رغم معرفة غضب الله الذي لا أستشعره لحظة المعصية. فكيف أتوب توبة تنجيني من النار وأنا عازم على العمرة في رمضان وعمري 24 سنة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على من وفقه الله لطاعته والاستقامة على طريق الحق وفعل الخير لعباده أن يحمد الله تعالى على ذلك ويسأله المزيد من إنعامه والعون على شكره، فهذه نعمة عظيمة، فقد قال الله تعالى: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ {الزمر: 7} وسير العبد على هذا الطريق معناه أن الله تعالى راض عنه، وأعظم كرامة ينالها أولياء الله بعد الإيمان بالله هي الاستقامة وفعل الخير؛ كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {الأحقاف: 13} فمن كانت هذه صفته فعليه ألا يلتفت إلى الناس ولا يبالي بما يقولون. وعليه أن يحذر من مزالق الشيطان والوقوع في الرياء والعمل لغير الله تعالى، وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 10800
وأما مشاهدة المشاهد الإباحية والأفلام القذرة فإنها لا تجوز، ولذلك فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله عزوجل، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {التحريم: 8} وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11} فمن تاب تاب الله عليه، ومما يعين على ذلك البعد عن الأماكن التي تشاهد فيها هذه الأمور، والبعد عن أصدقاء السوء، ومصاحبة الأخيار ومجالس العلم.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 6617
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(8/922)
نوى عدم فعل واجب ثم منعه منه مانع شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعد نية عدم فعل أمر واجب إثما في حال تعذر فعل ذلك الأمر لسبب معين هو قدر من الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر أنك تسألين عمن نوى عدم فعل واجب ثم منعه منه مانع شرعي، ولولا هذا المانع لتمكن من فعله لو أراد هل يأثم أم لا؟
والجواب أن هذا يختلف باختلاف العبادة.. فلو نوى شخص ترك صلاة الظهر قبل دخول وقتها -مثلاً- ثم مات قبل دخول الوقت، أو كانت الناوية امرأة فحاضت فلا إثم عليهم بمجرد نية ترك الواجب قبل دخول وقته.
أما إذا نوى ترك الواجب الموسع بعد دخول وقته كمن نوى ترك الصلاة بعد دخول وقتها ثم مات أو حاضت المرأة فهما آثمان لأن من شروط جواز تأخير فعل الواجب الموسع العزم على فعله، فمن لم يعزم على فعله ومات قبل فعله فهو آثم، ومن باب أولى إذا نوى تركه فهو آثم بلا شك ولو كان المانع له من فعله بعد ذلك عذر شرعي.
كما يشترط أيضاً لجواز تأخير الواجب الموسع غلبة سلامة العاقبة حتى يؤدى المؤخر، فلو أخر الحج أو الصلاة إلى وقت يغلب على ظنه عدم تمكنه من فعلهما أثم.
وللإمام النووي -رحمه الله- في المجموع كلام طويل يتعلق بتقرير هذه المسألة ننقله كله لما فيه من الفائدة قال: إذا دخل وقت الصلاة وأراد تأخيرها إلى أثناء الوقت أو آخره هل يلزمه العزم على فعلها؟ وجهان مشهوران لأصحابنا في كتب الأصول، وممن ذكرهما المصنف في اللمع، وممن ذكرهما في كتب المذهب صاحب الحاوي (أحدهما) : لا يلزمه العزم، (والثاني) : يلزمه.
فإن أخرها بلا عزم وصلاها في الوقت أثم وكانت أداء، والوجهان جاريان في كل واجب موسع، وجزم الغزالي في المستصفى بوجوب العزم وهو الأصح، قال: فإن قيل: قوله: صل في هذا الوقت ليس فيه تعرض للعزم فإيجابه زيادة على مقتضى الصيغة، ولأنه لو غفل عن العزم ومات في وسط الوقت لم يكن عاصيا، قلنا: قولكم: لو غفل عن العزم لا يكون عاصيا صحيح، وسببه أن الغافل لا يكلف، أما إذا لم يغفل عن الأمر فلا يترك العزم إلا بضده، وهو العزم على الترك مطلقاً، وهذا حرام وما لا خلاص من الحرام إلا به فهو واجب، فهذا دليل على وجوبه وإن لم يدل بمجرد الصيغة من حيث وضع اللسان، لكن دليل العقل أقوى من دلالة الصيغة.
وقا ل أيضاً (إذا أخر الصلاة وقلنا: لا يجب العزم أو أوجبناه وعزم ثم مات في وسط الوقت فجأة فهل يموت عاصيا؟ فيه وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين الصيحح لا يموت عاصياً، لأنه مأذون له في التأخير. قال الغزالي في المستصفى: ومن قال: يموت عاصياً فقد خالف إجماع السلف، فإنا نعلم أنهم كانوا لا يؤثمون من مات فجأة بعد مضي قدر أربع ركعات من الزوال ولا ينسبونه إلى تقصير لا سيما إذا اشتغل بالوضوء ونهض إلى المسجد فمات في الطريق، بل محال أن يعصي وقد جاز له التأخير، ومتى فعل ما يجوز له كيف يمكن تعصيته؟ . فإن قيل: جاز التأخير بشرط سلامة العاقبة، قلنا: محال، لأن العاقبة مستورة عنه، فإذا سألنا وقال: العاقبة مستورة عني وعلي صوم يوم، وأريد تأخيره إلى الغد، فهل لي تأخيره مع جهل العاقبة؟ أم أعصي بالتأخير؟ فإن قلنا: لا تعصي قال: فلم آثم بالموت الذي ليس إلي؟ وإن قلنا: يعصي، خالفنا الإجماع في الواجب الموسع. وإن قلنا: إن كان في علم الله أنك تموت قبل الغد عصيت، وإن كان في علمه أنك تحيا فلك التأخير، قال: فما يدريني ما في علم الله تعالى فما قولكم في حق الجاهل فلا بد من الجزم بتحليل أو تحريم فإن قيل إذا جوزتم تأخيره أبدا ولا يعصي إذا مات فلا معنى لوجوبه، قلنا: تحقق الوجوب بأنه لم يجز التأخير إلا بشرط العزم، ولا يجوز العزم على التأخير إلا إلى مدة يغلب على ظنه البقاء إليها، كتأخير الصلاة من ساعة إلى ساعة، وتأخير الحج من سنة إلى سنة، فلو عزم المريض المشرف على الهلاك على التأخير شهراً، أو الشيخ الضعيف على التأخير سنين وغالب ظنه أنه لا يبقى إلى تلك المدة عصى بهذا التأخير، وإن لم يمت ووفق للعمل، لأنه مؤاخذ بظنه كالمعزر إذا ضرب ضرباً يهلك، أو قطع سلعته، وغالب ظنه الهلاك بها يأثم وإن سلم، ولهذا قال أبو حنيفة: لا يجوز تأخير الحج من سنة إلى سنة، لأن البقاء إلى سنة لا يغلب على الظن. ورآه الشافعي غالبا على الظن في الشاب الصحيح دون الشيخ المريض، ثم المعزر إذا فعل ما يغلب على الظن السلامة فهلك منه ضمن، لأنه أخطأ في ظنه، والمخطئ ضامن غير آثم، هذا آخر كلام الغزالي رحمه الله، ولنا فيمن أخر الحج حتى مات ثلاثة أوجه. أصحها: يموت عاصياً الشيخ والشاب الصحيح (والثاني) لا يموت عاصياً (والثالث) يعصي الشيخ دون الشاب، وهو الذي اختاره الغزالي هنا كما ذكرناه عنه، ولكن الأصح عند الأصحاب العصيان مطلقاً) اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1426(8/923)
حكم أداء الصلاة والمذياع مفتوح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: هل يجوز رفع صوت المذياع لإقامة الصلاة ومن ثم أداء الصلاة والمذياع مفتوح؟ جزاكم الله ألف الف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المقصود هو الائتمام عن طريق المذياع، بحيث تكبر بتكبير الإمام وتركع بركوعه وتسجد بسجوده، وهكذا، فاعلم أن ذلك لا يصح. وانظر الفتويين التاليتين: 4057، 11981.
وإن كان المقصود فعلك الصلاة بنفسك مع وجود صوت المذياع، دون اقتداء به، فلا حرج في ذلك، إلا أنه يستحب للمصلي أن يبعد عنه كل ما يلهيه أو يشغله. وانظر الفتاوى التالية: 7407، 26165، 5153.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(8/924)
ما يستحب للصائم فعله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أحب أن تعلموني ما المحبب أن أفعله في شهر رمضان الكريم عن السنة والكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي للصائم أن يكثر من الطاعات، ويجتنب جميع ما لا يفيده، ويجب عليه المحافظة على الواجبات، والبعد عن المحرمات، فيصلي الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة، ويترك الكذب والغش، وكل قول أو فعل محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه. رواه البخاري.
وكذلك ينبغي أن يكثر من تلاوة كتاب الله تعالى والصلاة والذكر وقيام الليل، والإنفاق في وجوه الخير، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة. واللفظ لـ البخاري؟
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1423(8/925)
النية وأثرها في صحة العمل أو بطلانه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النية الصالحة تبطل العمل الفاسد؟ وهل النية الفاسدة تصلح العمل الصالح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا خلاف أن النية الصالحة لا تبطل العمل الفاسد، وأن النية الفاسدة لا تصلح العمل الصالح، ولعلك أخطأت في صياغة سؤالك، وتوجيه ذلك بأن يكون السؤال على النحو التالي:
هل النية الصالحة تصلح العمل الفاسد؟ وهل النية الفاسدة تبطل العمل الصالح؟
وجواب السؤال الأول هو: لا تصلح النية الصالحة العمل الفاسد، وإنما ترفع النية الصالحة العمل الذي هو في أصله مباح إلى درجة القربة، مثال ذلك: رجل أتى أهله وهو عمل مباح، لكنه نوى عند ذلك نية صالحة، كأن يرزقه الله ولداً صالحاً يعبد الله ويدعو إلى الله، أو نوى أن يعف نفسه وأهله، فتلك في الكل نية صالحة ترفع هذا العمل المباح إلى طاعة وقربة، وإلى ذلك الإشارة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يقول فيه: "وفي بضع أحدكم صدقة! قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وجواب السؤال الثاني: نعم النية الفاسدة تبطل العمل الصالح، مثال ذلك: رجل خرج للجهاد وهو عمل صالح، ولكنه إنما خرج حتى يراه الناس، ويقولون عنه: إنه رجل شجاع، وتلك نية فاسدة تبطل جهاده، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله" متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1423(8/926)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيراً على تلك الصفحات المضيئة على شبكة الإنترنت. إلى فضيلة الأخ الشيخ أريد توضيحا لمعنى كلمة اليقين معناها ومفهومها كيف أحقق اليقين داخل قلبي بالله هل العبادات كلها بالفرائض والنوافل والسنن تدل على اليقين أم ماذا أعينونا أعانكم الله وسدد خطواتكم إلى الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اليقين يأتي لعدة معان المناسب منها هنا أنه: الإيمان، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: اليقين هو: أصل الإيمان فإذا أيقن القلب انبعثت الجوارح للقاء الله بالأعمال الصالحة حتى قال سفيان الثوري لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطار اشتياقاً إلى الجنة وهرباً من النار.
وأما عن كيفية تحقيقه فنحيلك إلى الفتوى رقم:
6342 والفتوى رقم:
4478.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1423(8/927)
لا منافاة بين السعي لتحصيل الحق وبين التوكل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله سؤالي في التوكل:
أنا طبيب مسلم جئت إلى أمريكا للتخصص وأعددت العدة للمرحلة الثانية من التخصص من أبحاث ودرجات ممتازة في الامتحانات ولكن بسبب ملامح الالتزام وعدم مصافحتي للنساء قد أتعرض لظلم قي التقييم وهذا ما لاحظته في إحدى المقابلات التي تجري مع الأطباء الذين يختارون المتمرنين أمثالي للتخصص وهناك أخ يمكن أن يشفع لي في إحدى المستشفيات سؤالي: إني أحب أن أستغني بالله عن أي أحد من البشر علما أني أخذت بالأسباب وليس هذا من باب الكبر ولكن من حسن ظني بالله وقد استخرته سبحانه فهل هذا فهم خاطئ للتوكل أم أنه عين التوكل وهدي النبي والسلف وهل هذا أحب إلى الله؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لك الثبات على الدين، والنجاح والتفوق فيما تريد مما ليس فيه محظور شرعي، ونوصيك بالتمسك بدينك كما نوصيك بالعودة لبلاد المسلمين بعد أخذك للشهادة التي ذهبت من أجلها، إن كنت غير قادر على إظهار شعائر دينك في البلد الذي أنت فيه الآن، وكذا إذا كنت غير قادر على إظهارها ولكنك تخشى من الوقوع فيما لا يرضي الله.
أما بالنسبة للسؤال، فنقول: إن اتخاذك من يتوسط لك ويشفع لتأخذ حقك في الشهادة والعمل ليس محرماً ولا مكروهاً ولا ينافي التوكل، بل هو من التوكل لأنه من باب اتخاذ الأسباب التي أمر الشارع بها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "قيدها وتوكل". رواه الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر وصححه الألباني.
وهذا الأخ الذي سيشفع لك مأجور على شفاعته هذه، لقوله تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) [النساء:85] ، وقوله عليه الصلاة والسلام: "اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء" رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبى موسى.
ولو تركت شفاعته اعتماداً على الله وحده، فليس هذا من الكبر، بل قد يكون من تمام التوكل، ويدخل فيه ترك الأسباب المباحة أو المكروهة، وأرجو أن تكون ممن يشملهم حديث: "الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون". رواه أحمد والشيخان عن ابن عباس.
واعلم أن من توكل على الله فهو حسبه وكافيه، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق:3] .
ويمكنك الاطلاع على مبحث التوكل في كتاب (فتح المجيد) عند شرحه لباب: (من حقق التوحيد دخل الجنة) من كتاب التوحيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1423(8/928)
البكاء عند سماع القرآن سيما الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الصلاة والسجود أتأثر كثيراُ وأريد البكاء عند سماع القرآن وإطالة السجود لكن أحاول أن أداري ذلك خوفاً من أن يقول البعض: أني أقوم بذلك رياءاً، مع أني أقوم به مهابة الله عز وجل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخشوع عند سماع كتاب الله، والخشية عند ذكره، وذكر وعيده كل هذا هو شأن المؤمنين الصادقين الذين يستشعرون عظمة الله، ويستحضرون مراقبته، قال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [لأنفال:2] .
فنسأل الله أن يزيدك من ذلك، فإذا غلبك البكاء فلا يضرك أن يتهمك بعض الناس بالرياء ما دمت مخلصاً لله، فهو المطلع على ما في قلبك، وهو مجازيك على عملك، لكن متى ما قدرت على كتمان ذلك كان خيراً لك، وذلك بعدا عن الرياء ومسبباته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1422(8/929)
حكم من أحب فتاة في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب فتاة في الله فلا أقدر على مواجهتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تحب هذه الفتاة من أجل التزامها ودينها دون تعلق عاطفي بها فلا حرج في ذلك، لكن لا ينبغي لك أن تخبرها بذلك خشية أن يجر إلى ما لا تحمد عقباه، أما إن كنت تحبها حبا عاطفيا فاعلم أن الحب بين الشباب والفتيات أمر لا يقره الشرع، لكن إذا وقع في قلب الرجل حب امرأة، وكان ذلك بدون سبب منه، كإطلاق البصر والكلام بغير حاجة، ونحو ذلك، فلا حرج عليه، والمشروع له أن يخطبها من وليها الشرعي.
فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
وفي هذه الحالة فإن كان السائل قادراً على الزواج، فعليه أن يسأل عن تلك الفتاة، فإن تبين أنها ذات دين، فليخطبها من وليها، بعد الاستخارة ومشاورة الأهل.
وأما إن كان غير قادر على الزواج، فعليه أن يجتهد لإزالة هذا التعلق، ويشغل نفسه بما يفيده في دينه ودنياه، ويكثر من الصوم، ويستعين بالله، حتى يتيسر له الزواج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1429(8/930)
الحب والبغض المطلق للكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تزوجت منذ 19 سنة من إنسان صوام قوام حافظ 22 جزء من كتاب الله وكان هذا مهري أنجبت منه ولدان وبنت كنا نعيش بفضل الله مستقرين إلى أن حدث وأن فتن زوجى بمشاهدة المواقع الإباحية وفتن جداً بالنساء فحلق لحيتة وبدأ يتكاسل فى الصلاة حتى أنه أصبح لا يغار علي ويطلب مني كشف وجهي وأشياء أخرى كثيرة وتزوج علي مرات عديدة منها عرفي ورسمي وهجرني وأصبح لا يسأل علينا إلا أنه للحق يرسل مصاريف أولاده وطبعا هي جزء بسيط جداً بالنسبة لدخله وما يصرفه على النساء، وحاولت معه بشتى الطرق لكي يعود لدينه، لكنه رفض تماما وقال لي إنه لن يعود لسابق عهده فهو مرتاح جداً هكذا، فبماذا تنصحوني هل أبقى على ذمته لكي لا يتأثر أولادي نفسياً أم أنفصل، مع العلم بأني لن أتزوج من أجل أولادي وأنا عمري 40 سنة وأحيانا كثيرة جداًُ أكون في احتياج لزوجي ولكن كلما تذكرت بعده عن الله أبغضه لله، أنا في حيرة هل أيضا اشتياقي له مع أنني أعلم أنه يغضب الله فهل علي ذنب، فأرجوكم انصحوني ولا تهملوا سؤالي؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ننصحك بالطلاق ما رجوت استقامته وصلاح حاله، ولا تيأسي من ذلك، ويمكنك أن تسلطي عليه بعض طلبة العلم والدعاة إلى الله عز وجل لوعظه ونصحه وليكونوا له صحبة صالحة تعينه على الطاعة، وتبعده عن المعصية وتنشله من الانتكاسة التي وقع فيها، فإن استمر على حاله من التهاون بالصلاة ومشاهدة الأمور المحرمة وغيرها، ولم يجد نصحه ووعظه فلا خير لك في البقاء معه لئلا يؤثر عليك وعلى سلوك أبنائك، وأما اشتياقك له أحياناً فلا تؤاخذين عليه، وذلك لا ينافي كرهه لمعصته، وحنينك إلى زوجك إنما هو إليه كإنسان وكزوج، كما أن الحب والبغض المطلق إنما هو للكافر، وأما المؤمن فيحب على ما فيه من الإيمان، ويكره على ما فيه من الفسوق والعصيان، وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 24845، والفتوى رقم: 104272.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1429(8/931)
علامات تميز المحبة في الله عن غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال وهو أنني أحب دكتورة لي في الجامعة وبعد أن تخرجت من الجامعة زادت محبتي لها أكثر، ولكن أحبها فقط في الله لا مصلحة أو شيء آخر من هذا القبيل ولقد أخبرتها بأني أحبها في الله اقتداء بسنة النبي، ولكن أحسست إنها تعاملني في بعض المرات بنوع من الجفاوه وأحس أحيانا بالسخرية في معاملتها وبعض المرات تعاملني باللين وأنا من طبعي أحب عمل الخير ودائما أقدم لها الخير، السؤال هل هذا يعتبر حبا في الله إذا كان من طرف واحد أم لا بد أن يكون من طرفين، والسؤال الثاني: كيف نعرف أو ما هي العلامات التي تدل على أن الشخص الذي تخبره أنك تحبه في الله هو أيضا يحبك في الله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الحب في الله هو ما كان خالصاً لوجهه الكريم وليس لمقصد غير ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحب في الله تعالى من أفضل الأعمال وأوثق عرى الإيمان ... فقد قال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء. رواه الترمذي. وقال حسن صحيح، وروى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ.
ومن العلامات التي تميز المحبة في الله تعالى عن غيرها زيادتها إذا زادت طاعة الشخص وعبادته.. ونقصانها إذا حصلت منه مخالفة أو تفريط وتقصير في جنب الله تعالى، وسبب المحبة في الله تعالى محبة العبد لربه ولدينه ونبيه.. والتزامه بشرعه واستقامته على ذلك.
فإن كان حبك لهذه الدكتورة نابعاً من هذا المعنى فأبشري واحمدي الله على هذه النعمة، واسأليه المزيد من نعمه والعون على شكره، ولا يضرك بعد ذلك إن كانت لا تتجاوب معك، فأنت لا تحبينها لشخصها ولكنك تحبينها لله تعالى وحده ولا شريك له، فإن كانت السيدة المذكورة بهذه الأوصاف التي ذكرناها فلعل عدم تجاوبها معك راجع إليك ومن عدم التزامك واستقامتك ... وإلا فإن المسلم الملتزم يحب إخوانه الملتزمين المستقيمين على الطاعة، والطيور تقع على أشكالها، كما يقال، وسبق لنا بيان فضل المحبة في الله والفرق بينها وبين غيرها في عدة فتاوى منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30426، 76411، 58152، 8424 فنرجو الاطلاع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1429(8/932)
لا حرج في إشباع الإنسان غرائزه فيما أباحه له الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في هذه المقولة (إن الحب غريزة أساسية لدى الإنسان وعلى الإنسان إشباعها وإلا فهو معقد أو سيكون معقدا ولن تفلح حياته أو حياتها الزوجية أبدا، ومن دلائل أن الحب غريزة أساسية أن السيدة خديجة كانت تعلم بحب ابنتيها لأبناء خالتهم ... ) هذه الجملة قالها ابن أخي الصغير (11 سنه) وأنه قرأها من ورقة مطبوعة من الإنترنت، لذلك نريد منكم جوبا كافيا نرد به على مثل هذا القول؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن غريزة الحب من الغرائز التي جبل عليها الإنسان، وإذا كان المقصود من المقولة المذكورة إشباعها بغير وجه شرعي قبل الزواج أو بعده فإن هذا كلام باطل وهو عين الفساد، فالغرائز الجبلية التي ركبها الله عز وجل في كيان الإنسان لحكمة أرادها سبحانه وتعالى إذا استخدمت في الخير كانت نعمة على صاحبها، وإن استخدمت في الشر كانت نقمة عليه.
ولذلك فإن الذي يشبع شهوته بالحرام يتعلق به غالباً فيكون فاشلاً في حياته الزوجية، وقد بينا حكم الحب وأنواعه في الفتوى رقم: 4220، والفتوى رقم: 5707، بإمكانك أن تطلعي عليهما للمزيد من الفائدة والتفصيل، وما ذكر أن خديجة رضي الله عنها كانت تعلم بحب ابنتيها لم نقف له على أصل، ولا دليل فيه إن وجد أو ثبت، ولتعلمي أن أكثر ما ينشر في الإنترنت وخاصة فيما يتعلق بالحب ويتلقفه المراهقون يتحفظ عليه، وأكثره غير صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1428(8/933)
أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[نص الرسالة: ما هو تشخيص حالة أن شابا يحب شابا آخر في الله ويريد رؤيته أغلب الوقت فهو يتذكره دائما فما هو الحل في هذه الحالة، وكيف يقلل هذا الشاب من هذه الحالة، وهل هذا من الناحية الدينية شيء حسن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التحابب في الله عبادة عظيمة يحب الله أهلها، ويظلهم في ظل عرشه يوم القيامة، كما في حديث الصحيحين: سبعة يظلهم الله في ظله ... وذكر منهم: ورجلان تحابا في الله. وفي الحديث القدسي: وجبت محبتي للمتحابين في ... رواه الإمام مالك في الموطأ.
فعلى هذا الشاب أن يستشعر مراقبة الله دائماً، وأن يراقب مشاعره تجاه الشاب الآخر، فإن كانت هناك ريبة أو خوف من الوقوع في الحرام تعين عليه علاج ذلك، وإن لم تكن هناك فلا حرج في شدة حب أحد الحبيبين للآخر، فإن أعظمها أجراً اشدها حباً لصاحبه كما في الحديث: ما تحاب اثنان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه. أخرجه البخاري في الأدب وصححه الألباني. وراجع للمزيد من الفائدة في الموضوع ولعلاج الحب المحرم الفتاوى ذات الأرقام التالية: 72415، 70382، 9360، 58152، 52433، 8424، 53871، 58225، 57110.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1428(8/934)
الحب في الله والأسباب الجالبة له
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن تفتوني بخصوص المحبة في الله هل إذا جفى أحد الأخوان أخاه بعد مدة من الاجتهاد في التعاون ومحبة في الله ولله يكون ابتلاء أم لذنوب أم عين من زملاء لاحظنا عليهم كلمات غير مطمئنه، فقد حصل هذا بيني وبين أختي في الله فبعد أن ختمنا أجزاء بتوفيق الله مع بعضنا التحقت بحلقة بالكلية مع أننا كنا سائرين بالحفظ وكانت هذه بداية فتورها مني مع أننا والحمد لله في ارتقاء بالقرب من الله فظني بربي أن السبب ليس لذنوب أحدثناها وهي تظن حسد والله أعلم لكلمات قيلت لها بخصوصنا، مر على هذا الجفاء شهران وبقلبي هم لا يعلمه إلا الله مع العلم أني صرت أحفظ بمفردي وأحس أني لوحدي بعد أن أذاقني ربي حلاوة التعاون معها، أرشدوني كيف أتعامل معها صرت لا أتصل بها فكيف أكلم من أعلم أنني لست مهمة بالنسبة إليها لا أعلم هل هذا من الشيطان الحمد لله على كل حال، والله إن كل عمل كنا نتعاون عليه إلا الآن كلما تذكرت يزداد حبي في الله لها وترتفع همتي في تلك الطاعة، أعتذر لإطالتي ولكن لا أظن إلا أنكم أحسستم بي،أخيرا لم تجمعنا الكلية فأنا أدرس في بلد أخرى وصرت آتي بالإجازات والتواصل مستمر في العام الدراسي الماضي بالرسائل والاتصال وكانت همتي ترتفع بمجرد أتذكر هدفنا وجو البلد التي أدرس بها فتن ولا أعلم هذا العام كيف ستكون نفسيتي وحالتي إن أحياني الله.....وقد بدأت طلب العلم بفضل الله وأظن أننا لو كنا خطوة خطوة مع بعضنا سيصير تشجيعا أكبر خاصة عند الفتور.
انصحوني وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نستطيع الجزم بشيء في سبب ما حصل بينكما, إلا أنا ننبهك إلى أن الحب في الله من أعظم مراتب الإيمان وأحبها إلى الله تعالى فيتعين الحرص على دوام ما كان بينكما منه.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أحب الأعمال إلى الله -عز وجل- الحب في الله والبغض في الله. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
وقال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح.
وقال: أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط. وقال: أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله, والبغض في الله. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وفي الموطأ وصحيح ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في.
ومن الأسباب المشروعة المرغب فيها الجالبة للتحابب بين الأحبة في الله وعدم حصول الجفاء: المعاشرة الحسنة, والصبر على الأذى, ودفع السيئة بالحسنة, وإفشاء السلام, والتهادي والزهد فيما عندهم فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
وفي الحديث: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا, أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم. رواه مسلم.
وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك. وصححه الألباني.
وفي الحديث: تهادوا تحابوا. رواه مالك والبخاري في الأدب وأبو يعلى والبيهقي. وحسنه الألبا ني.
ومنها البعد عن المعاصي فإن المعاصي سبب للحرمان وسبب لوقوع البغضاء بين الناس، فقد عاقب الله النصارى بها لما عصوا وكفروا، كما قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ {المائدة: 14} .
وفي الحديث: ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما. رواه البخاري في الأدب وصححه الألباني والأرناؤوط. وفي الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن حبان والحاكم وحسنه الألباني والأرناؤوط.
واعلمي أن التعاون بين الأصدقاء في التعلم من أهم الوسائل المساعدة في تحصيله وقد قيل قديما: نبت العلم بين اثنين.
ثم إن المتحابين إذا كان أحدهما أشد حبا لصاحبه كان أعظم أجرا منه فلا يحملك توهمك زهدها فيك على عدم الاتصال بها, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تحاب اثنان في الله، إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه. رواه ابن حبان وغيره وصححه الألباني في الأدب المفرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1427(8/935)
حدود الحب بين النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[لا بد لي أن أسال ولا حياء في الدين!!!! لقد صادفت إنسانة تحبني أكثر من نفسها وتحنو علي كأولادها على الرغم من أنها ليست متزوجة ولا تكبرني إلا بسنتين وكلما صادفتها احتضنتها وقبلت رأسها وكفيها وقد كانت تقف معي في كل أموري وتناديني ابنتي وتخشى علي من نسمة الهواء وإذا احتضنتني لا تريد أن تتركني خشية على ابنتها وهي إنسانة على درجة عالية من الأخلاق والالتزام تحبني وتخاف الله، أرجوكم أفتوني وإياها في علاقتنا؟ وجزاكم الرحمن كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد مضى الحديث عن الحب بين النساء، مع ذكر أقسامه في فتاوى سابقة، ولك أن تراجعي فيه فتوانا رقم: 8424، ولك أن تراجعي أيضاً في المعانقة والتقبيل الخلاف بين العلماء إذا اتحد الجنس، وذلك في فتوانا رقم: 20802.
ونريد أن ننبهك -أيتها الأخت الكريمة- إلى أن قولك لا حياء في الدين، خطأ ظاهر، فإن الحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو خير كله، كما أخبر صلى الله عليه وسلم، روى البخاري ومسلم واللفظ له: الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان.
وروى مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: الحياء خير كله. وروى الحاكم وغيره بسند صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر. فكيف يقال مع هذا: لا حياء في الدين.
ولا شك أن قصدك هو أن ترفعي الحرج عن نفسك، حين السؤال عن شيء يستحي من ذكره عادة، ولكن الصواب هو أن تقولي حينئذ: إن الله لا يستحي من الحق. كما قالت الصحابية الفقيهة أم سليم رضي الله عنها: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء.. الحديث رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1426(8/936)
حقيقة الحب والبغض في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل الخير وجعلكم ممن يهدون إلى دينه
أرجو من فضيلة السادة القائمين على الإجابات تبيان حقيقة الحب والبغض في الله (حب المسلمين وبغض من لا يدين بدين الحق) مع بيان الأدلة الشرعية على ذلك لما له من أهمية
وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحب لله هو الحب للمؤمن من أجل دين الله وطاعته وامتثال أوامره لا لمصلحة دنيوية أو قرابة، والبغض عكسه، فهو بغض العاصي بسبب معصيته بقدر معصيته وبغض الكافرين والبراء منهم.
وقد ذكر ابن حجر عند شرح حديث الصحيحين: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.
قال ابن حجر: وأن يحب المرء قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء
وقال المباركفوري في شرح الترمذي: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله أي لا يحبه لغرض وعرض وعوض ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا أمر بشري، بل محبته تكون خالصة لله تعالى، فيكون متصفا بالحب في الله وداخلا في المتحابين لله. اهـ.
وقال المناوي: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله: أي لا يحبه لغرض إلا لغرض رضا الله حتى تكون محبته لأبويه لكونه سبحانه أمر بالإحسان إليهما ومحبته لولده لكونه ينفعه في الدعاء الصالح له وهكذا.
وقال أيضا عند شرح حديث أبي داود: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.
قال: من أحب لله أي لأجله ولوجهه مخلصا لا لميل قلبه وهوى نفسه. وأبغض لله لا لإيذاء من أبغضه له بل لكفره أو عصيانه.
وقال أيضا عند شرح حديث المسند: أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل وأن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وأن تقول خيرا أو تصمت.
قال: أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله لا لغيره، فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه، ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له.
وراجع في فضل الحب لله والبغض له الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24845، 32852، 36991، 64315، 65075، 52433.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1426(8/937)
ميزان الحب والبغض عند المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يكون أخي في الله أحب إليّ من بعض أهلي؟ وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأخوة في الله تعالى أمرها عظيم، وشأنها جليل، ونعمة من أكبر النعم التي أنعم الله بها على عباده المؤمنين، فقد قال الله تعالى: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا {آل عمران:103} ، وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات:10} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... وذكر منهم: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. رواه البخاري ومسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عز وجل. رواه الطبراني وصححه الألباني.
والذي يحب شخصاً في الله، إنما يحبه لتدينه واستقامته، وهذا المعنى عام، يدخل فيه الأقارب وغيرهم، وهذا ما يجب أن يكون عليه ميزان الحب والبغض عند المؤمن، أي أن يكون حبه وبغضه لله وفي الله تعالى، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والواجب على كل مسلم أن يكون حبه وبغضه، وموالاته ومعاداته تابعاً لأمر الله ورسوله، فيحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي من يوالي الله ورسوله، ويعادي من يعادي الله ورسوله، ومن كان فيه ما يوالى عليه من حسنات وما يعادى عليه من سيئات عومل بموجب ذلك.
فمن كان مستقيماً على أمر الله تعالى فإنه يُحَب بقدر ما فيه من استقامة، ولو كان من غير الأقارب، ومن كان عاصياً لله تعالى، فإنه يُبغَض بقدر ما فيه من عصيان، ولو كان قريباً، وعلى هذا فقد يحب المؤمن أخاه في الله تعالى من غير قرابته أشد من محبته لقريبه لتفاوتهما في الإيمان والطاعة.
وهكذا كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي مسلم قال: قلت لمعاذ: والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك، ولا قرابة بيني وبينك، قال: فلأي شيء؟ قلت: لله، قال: فجذب حبوتي ثم قال: أبشر إن كنت صادقاً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء. قال: ولقيت عبادة بن الصامت فحدثته بحديث معاذ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربه تبارك وتعالى: حقت محبتي على المتحابين في، وحقت محبتي على المتناصحين في، وحقت محبتي على المتباذلين في، هم على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء والصديقون. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
وقال ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام: كان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى -أي أسارى بدر- قال: فقال أبو عزيز: مرَّ بي أخي مصعب بن عمير، ورجل من الأنصار يأسرني، فقال: شد يدك به، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك، ثم قال ابن هشام: فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليسر وهو الذي أسره ما قال: قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بي، فقال له مصعب: إنه أخي دونك.
وقصص الصحابة في هذا المعنى كثيرة.
ولكن ينبغي التنبه إلى التفريق بين الحب في الله وبين التعلق المحرم بشخص ما، لأن التعلق مرض عضال، وراجع في التفريق بين الأمرين الفتوى رقم: 52433، وفي علاج التعلق بشخص ما الفتوى رقم: 58152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1426(8/938)
الحب في الله.. معناه.. ومنزلته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحب في الله وما هو الحب بالله وما هو الحب لله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحب لله أو الحب فيه أو من أجله معناها واحد، وهو الحب من أجل دينه وطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ابتغاء مراضاته سبحانه وتعالى، وهي من الموالاة التي تجب على المسلم لإخوانه المؤمنين.
قال الأخضري المالكي في مقدمته: ويجب عليه (المكلف) أن يحب لله، ويبغض له، ويرضى له، ويغضب له، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وللمحبة في الله تعالى أو لأجله من الخير والثواب الجزيل عند الله تعالى ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.... وذكر منهم: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: وجبت محبتي للمتحابين في والمتزاورين في ... . وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. .. .الحديث
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي وردت بهذا المعنى، وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 30426.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1426(8/939)
قول أحبك في الله وهو الثابت عن الصحابة فمن بعدهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أصح قول أحبك بالله أو أحبك في الله، وما الفرق بينهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحيح هو قول أحبك في الله وهو الثابت عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم، فروى أبو داود عن أنس بن مالك أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل، فقال يا رسول الله: إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعلمته؟ قال: لا، قال: أعلمه، قال: فلحقه، فقال: إني أحبك في الله! فقال: أحبك الله الذي أحببتني له. وحسنه الألباني، وروى الحاكم عن أبي مسلم الخولاني قال لمعاذ: إني أحبك في الله، فقال له: أبشر ثم أبشر. وروى ابن حبان والطحاوي في مشكل الآثار أن رجلا قال لابن عمر: إني أحبك في الله.
أما قول القائل أحبك بالله فلم نطلع على أحد من السلف قالها في هذا السياق ولا ندري مراد قائلها، لأن الباء تأتي لمعان كثيرة منها السببية والظرفية والاستعانة والتعدية والتعويض، وتأتي بمعنى مع، وبمعنى من، وبمعنى عن. قال ابن مالك:
بالبا استعن وعد عوض ألصق * ومثل مع ومن وعن بها انطق
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(8/940)
عدم حب الناس للعبد هل يعني أن الله لا يحبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة أعمل بإحدى المستشفيات بالخليج, أتعامل مع زميلاتي بكل المعاملات التي أمرني بها الإسلام من صدق وأمانة ومساعدة الآخرين وتفان في العمل بكل إخلاص ولكني لا أجد أي صداقة بيني وبين جميع زميلاتي، أشعر بأني أود دائماً أن أشغل وقتي بالعمل على أن أجلس معهن, لا أعلم لماذا!! ربما لأنهمن دائمات الانتقاد لي لأني لست ماهرة بالعمل مثلهن وأنا أفعل أخطاء كثيرة وذلك -والله- ليس عن إهمال ولكن كما ذكرت عن قلة حيلة وأنا أحاول إتقان العمل بقدر المستطاع، ما أسأل عنه هو: هل عدم حب الآخرين للعبد تعني عدم حب الله لهذا العبد، وما هي الطريقة المثلى التي تنصحني أن أقوم بها حتى توجد صداقة بيني وبين زميلاتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي الفتوى رقم: 22754، والفتوى رقم: 36998.
فقد ذكرنا فيها الوسائل المفضية إلى التحابب بين الناس، ثم إنه لا يعني عدم اعتناء الزميلات بك وحبهن لك عدم حب الله لك، فإن الثابت في الحديث أن من أحبه الله يوضع له القبول في الأرض، ولا يلزم أن يحبه الناس، بل قد يعادونه كما عادوا الأنبياء، ولكن الله يعظمه ويرفع قدره في أذهانهم وفي أذهان الناس، وراجعي الفتوى رقم: 36991، والفتوى رقم: 52433.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1426(8/941)
تنام كثيرا مع ضعف الالتزام وتبغض أقرب الناس إليها فما العلاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنام كثيراً في النهار ولا أستيقظ على صلاة الفجر أحاول الاستيقاظ ولكن.... وأحاول الاتلتزام كثيراً في الدين ولكن أشعر أنني ضعيفة جدا فما الحل برأيكم؟ وأكره أقرب الناس لدي مع أني أحاول محبتهم لكن لا أستطيع؟
أرجو الرد بأسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى من حرص على أداء صلاة الفجر في وقتها اتخاذ التدابير المساعدة على ذلك، وانظري طائفة من تلك الأسباب المعينة على أداء صلاة الفجر في وقتها في الفتوى رقم: 2444.
هذا، ولكي يوفق الله العبد إلى الاستمرار على تمسكه بشعائر الدين فلابد له من الصبر والمجاهدة، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت: 69} .
وإن فتور الهمة عن التمسك بشعائر الدين ناشئ في الأصل عن ضعف في الإيمان، وفي الفتوى رقم: 10800 مناقشة لأسباب ذلك الضعف.
وانظري أسباباً أخرى للفتور عن العبادة، وسبل الإصلاح والعودة في الفتاوى: 17666، 10943، 1891.
وأما بالنسبة لشعورك بكراهية أقرب الناس إليك، فهذا الشعور قد تمدحين عليه وتستحقين عليه الأجر إن كان كرهك لهم في الله لتفريطهم في جنبه ونحو ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله. وقال أيضاً: من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقد يكون شعورك بكراهيتهم اتباعاً لهواك واستجابة لتلبيس الشيطان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن إبليس قد أيس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم. رواه أحمد وأبو يعلى.
فلا تستسلمي لشعورك بكراهيتهم، واجتهدي في غرس محبتهم في قلبك، واستفرغي الوسع في وصل ما انقطع، ومن أعظم أسباب ذلك أن تسألي الله أن يشرح صدرك لمحبتهم، وكذلك تذكر فضل صاحب الفضل منهم وتأمل حسناته وتضحياته، وأكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وراجعي الفتوى رقم: 1642.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1425(8/942)
الحب بين الأصدقاء بين المشروعية والمنع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للفتاة أن تحب صديقتها لدرجة أنها تناديها بكلمة ماما، وتطالب صديقتها بإعطائها الحب والحنان والمشاعر العاطفية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان منشأ هذا الحب هو الأخوة في الله تعالى فهذا أمر محمود شرعا ومقبول طبعا، وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم صاحبيه بظل عرش الرحمن في يوم لا ظل فيه إلا ظله. فقال صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله..وذكر منهم: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. الحديث متفق عليه. ولا مفهوم لرجلين هنا. فكل شخصين تحابا في الله تعالى نالا هذا الأجر. وأما إن كان سببه الشهوة والهوى أو ما يسمى عند بعضهم بالإعجاب فهذا من المحرمات التي يجب على المسلم أن يتوب منها ويقلع عنها. فلا يجوز للفتاة أن تحب صديقتها بدافع الشهوة الجنسية والرغبة الشاذة.. ولعلاج هذا النوع من الحب نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 24566. ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8424.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1425(8/943)
كيف يخبر صديقه أنه يحبه وأسباب زيادة الحب بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كيف أخبر صديقي أني أحبه، وكيف أزيد من حبه لي وحبي له؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن يكون حبك لصديقك في الله، وليس ناشئاً عن مجرد مشاكلته لك في الطباع واتفاقه معك في بعض الآراء، وذلك حتى لا يفوتك أجر الحب في الله، وانظر الفتوى رقم: 36998، والفتوى رقم: 36991، والفتوى رقم: 30426.
فإن فيها فضل الحب في الله، وطريقة إعلامك أخاك بحبك إياه، وسبل تقوية المحبة بينكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(8/944)
أثر المعاصي على الأخوة والصحبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق ولا أريد أن أخسره، أنصحوني أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك أن تغير نيتك في علاقتك بصديقك، وأن تجعلها علاقة أخوة في الله، ومحبة في جلاله، حتى تحصل أجر الأخوة في الله، قال الله تعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ما تحاب اثنان في الله، إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه. رواه ابن حبان وغيره وصححه الألباني في الأدب المفرد، ولمعرفة الفرق بين الحب في الله ومطلق الصداقة، انظر الفتوى رقم: 36991.
ولإدراك فضل الحب في الله وضوابطه وثمرته، وحقوق الأخوة وواجباتها والوسائل التي تجذب بها قلوب إخوانك إليك، انظر الفتوى رقم: 52433.
واعلم -رحمك الله- أن الذنوب والمعاصي من أهم أسباب القطيعة بين المؤمنين، فإذا أردت أن تدوم العلاقة بينك وبين أخيك الذي تحبه، فقلل من المعاصي، وبادر إلى التوبة مما وقعت فيه، وأوصه بذلك أيضاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما توادَّ اثنان في الله، فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(8/945)
الحب في الله..فضله.. ضوابطه..وثمرته
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف أحب شخصا ما في الله.
جزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحب في الله عاطفة قلبية تتجه إلى من توفرت فيه أسباب ذلك الحب، وإن سبب حب شخص ما في الله هو طاعته لله والتزامه بدينه واستقامته.
هذا، وإن للحب في الله ثوابا عظيما، فقد قال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح. وفي الموطأ وصحيح ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ.
ولمزيد بيان عن فضل الحب في الله راجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1109، 26373 36998.
هذا، ويستحب لمن أحب شخصا ما في الله أن يُعلمه بحبه له، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به رجل فقال يا رسول الله: إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعْلمته؟ قال: لا، قال: أعْلِمه. قال: فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
هذا، وإن مما ينبغي التنبه له أن هناك ضابطين تعرف منهما أن علاقتك بأخيك في الله أم لا.
الأول: أن يزيد حبك له إذا زادت طاعته لله واستقامته على دينه، وأن يقل حبك له إذا خالف أمر الله وفرط في جنبه، فإن العلاقة القلبية التي لا تزيد ولا تقل بحسب القرب والبعد عن الله هي في الحقيقة هوى، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {القصص: 50} . ولا يكون لله محل في مثل هذه العلاقة، وإنما الحامل عليها هو الأنس بالصحبة والمشاكلة في الطباع والمشاركة في وجهات النظر، وانظر الفتوى رقم: 13686.
الضابط الثاني: إذا حصل تعارض بين محبوب الله جل وتعالى ومحبوب الشخص فإنك تقدم مرضاة الله على من سواه، قال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. رواه مسلم. وانظر الفتاوى بالأرقام التالية: 20562، 5705، 24845.
هذا، وإن للإخوة في الله حقوقا وواجبات، انظر بعضها في الفتوى: 1861، 41654، وهناك وسائل تجذب بها قلوب الناس، تجد بعضها في الفتوى رقم: 30426.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1425(8/946)
المسلم يحب أخاه المسلم ولا يكرهه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسكن في أكناف الشام!!!
بمدينة يافا لماذا نحن مكروهون من قبل أبناء جلدتنا المسلمين في أغلب البلدان والدول العربية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يحب أخاه المسلم ولا يكرهه، وذلك أن الحب في الله من أحب الأعمال إلى الله، ومن أسباب استكمال الإيمان، ففي الحديث: إن أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
وفي الحديث: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقد سبقت عدة أحاديث في ذلك في الفتوى رقم: 36998، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 22754، 8014، 15882.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1425(8/947)
لا حرج في الحب ما لم يصل إلى حد العشق
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا أحب كثيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن دواعي محبة شخص لآخر وتعلقه به تكون إما لإحسانه إليه أو لجماله الخُلقي والخَلقيِ، ولما كان الخالق جل وعلا هو المحسن إلى عباده، والمسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، وهو المتصف بصفات الجمال والكمال، كانت محبة المؤمنين له أعظم المحبة وتعلقهم به أعظم التعلق، وصدق الله القائل: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] .
هذا وإذا لم يمنع مانع شرعي من حب شخص من الناس، فلا حرج في حبه ما لم يصل إلى حد العشق المحرم، أو الحب الشركي، وانظر في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9360، 8424، 18165، 27626.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1424(8/948)
السبل الكفيلة بغرس المحبة بين الإخوان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب شخصا لا يريدني وهذه المحبة في الله، فما الحل كي يكون معي، أنا أعلم أنه ليس مجبراً لكن أريد طريقة أجعله بها يحبني ويتعرف علي غير السلام عليه، لأني قد استخدمته؟
سؤال ثاني: ماهو مفهوم الحب؟ وماهو الحب في الله؟ وكيف يكون؟ ماهو الفرق بين العزة والحب؟
إذا قال شخص أنا أريدك معناه أنه يحبني أو لا؟ وكيف أعرف ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحب في الله والبغض في الله من أفضل القربات إلى الله عز وجل، روى الحاكم في مستدركه والطبراني عن ابن مسعود مرفوعاً بسند صحيح: أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله. رواه ابن أبي شيبة من حديث البراء.
ومعنى الحب في الله أن يحب المسلم أخاه المسلم لإيمانه وطاعته، لا لقرابته أو ماله أو جماله أو شجاعته، أو غير ذلك من صفات الكمال.
وإنما يحبه لطاعته لله ولرسوله وإيمانه بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وكلما ازداد الإنسان طاعة لله عز وجل وصلاحاً ازداد الموجب لمحبته، وهذا كله طلباً لمرضاة الله عز وجل وثوابه.
وقد وردت أدلة كثيرة في فضل الحب في الله، قال الله تعالى في وصف المهاجرين وفي معرض الثناء عليهم: يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر:9] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ورجلان تحابا في الله ... متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي. رواه مسلم.
وأما عن الطريقة التي تجعله يحبك في الله فمنها:
1- إلقاء السلام: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشو السلام بينكم. رواه مسلم.
2- ومنها إخباره بأنك تحبه لله وفي الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه. رواه أبو داود والترمذي وحسنه النووي.
3- ومنها الهدية: فإن الهدية لها وقع في النفس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. حديث حسن ورواه أبو يعلى من حديث أبي هريرة.
4- ومنها الخلق الحسن والتجاوز عن الأخطاء: قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(8/949)
الفرق بين الحب في الله والمحبة الجبلية
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي المحبة فى الله؟؟ هل هي في أمور الدين فقط وليست في أمور الدنيا العادية كالزمالة والجيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المحبة لله تعالى هي محبة الإنسان لكونه مستقيماً على أوامر الله تعالى مبتعداً عن معاصيه، لا لغرض آخر من صداقة أو جوار أو غيرهما.
وهذه المحبة المذكورة من أوثق عرى الإيمان ولها فوائد جليلة، منها:
1- أنها دليل على صلاح القلب وقوة الإيمان، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار.
وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.
2- كونها سبباً لأن يكون صاحبها من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما ثبت في الحديث المتفق عليه.
ويجدر التنبيه إلى أن اختيار الصديق ينبغي أن يكون على أساس التقوى والاستقامة، لأن الإنسان يتأثر بمن يخالطه ويصاحبه، ففي الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة.
وفي سنن الترمذي وأبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلى مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه الترمذي وأبو داود وأحمد
فالمحبة في الله تعالى إذن هي أن تكون على أساس التقوى والاستقامة بعيداً عن الأغراض الدنيوية، أما المحبة من أجل الصداقة والود ونحو ذلك فهي محبة طبيعية وجبلية وليست هي المحبة في الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(8/950)
السبيل إلى تقوية المحبة في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أحب إنساناً في الله، وهو يعلم ذلك، ولكني أرتكب أخطاء في تصرفاتي معه بسب أنه ذو شخصية قوية
فأرتبك معه أريد أن أعرف كيف يمكنني أن أقربه مني أكثر وأكثر؟ والحمد لله رب العالمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحب في الله من أعظم مراتب الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أحب الأعمال إلى الله -عز وجل- الحب في الله والبغض في الله. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
وقال: أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
وقال: أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وقد سبق أن بينا الأسباب الجالبة لمحبة الخلق في الفتوى رقم: 22754 ونزيد عليها هنا أمرين:
الأول: ما رواه ابن ماجه في سننه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك. وصححه الألباني.
والثاني: ما رواه الطبراني في الأوسط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الأنصار تهادوا، فإن الهدية تسل السخيمة، وتورث المحبة.
وراجع الفتوى رقم: 8642، والفتوى رقم: 22209.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1424(8/951)
المحبة في الله تعالى أوثق عرى الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان أحب أحد الشباب المستقيمين وأحس بشعور يخالجني عندما أراه فأفرح أشد الفرح إذا رأيته وأود دائماًَالإمساك بيده والحديث معه وهو الآن ينوي أن يأتي إلى نفس الجامعة التي أدرس فيها وسؤالي هو
ماحكم هذا الحب؟ هل يجوز لي الدعاء له بالقبول في الجامعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان حبك لهذا الشخص لأجل استقامته وتدينه، فأنت مأجور على هذا الحب، فإن حب المؤمنين والصالحين من أفضل القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وفي الحديث: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار. متفق عليه.
وللطبراني، عنه صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان الحب والبغض في الله عز وجل.
ولك أن تدعو له بالقبول في نفس جامعتك حتى تتوثق عرى المحبة بينكما، وتتعاونا على طاعة الله تعالى وما فيه الخير لكما وللمسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1423(8/952)
الموازنة بين الحب في الله والبغض في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا فتاه من صغر سني أحببت شخصا في الله وأردت له كل الخير مع العلم أن هذا الشخص من أهل الفن (مغني) لكنه يختلف عن البقية فهو معروف عنه بأنه ذو خلق حميد ويهتم بالفقراء والمساكين والكل يشهد بهذا ويقال عنه إنه يعمل هذه الأعمال من أجل الشهرة إنما هو من نفسه يحزن إذا علم أن أحدا يعرف بأعماله الخيريه أرجوكم أرشدوني هل نيتي ودعواتي له بالصلاح صادقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمؤمن قد يبغض من جهة ويحب من جهة، يحب لما فيه من الخير والطاعة، ويبغض لما فيه من الشر والمعصية، فمن أحب شخصاً لما يظهر له فيه من الخير والطاعة، أثابه الله على محبته، وإن لم يعلم حقيقة باطنه، لأن حقيقة حبه لهذا الشخص هو محبة ما يحبه الله ورسوله من الطاعة، فكان مثاباً عليها من هذه الجهة.
وكما أن الشخص يثاب إذا أحب لله، فإنه يثاب كذلك إذا أبغض لله، وفي الحديث: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله" رواه الطبراني، وهو حديث حسن.
وإذا كان الشخص يحب ما يحبه الله ورسوله ويكره ما يكرهه الله ورسوله، فهو من الراشدين السالكين طريق الحق، كما قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) [الحجرات:7] .
فالمقصود أيتها الأخت السائلة أنه كما أحببت هذا الشخص بقدر ما فيه من الخير، فالمطلوب منك هو بغضه بقدر ما فيه من الشر والمعصية، لأن من أحب لله أطاع الله الذي أحب لأجله، فإن المحبوب لأجل غيره تكون محبته تابعة لمحبة ذلك الغير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1423(8/953)
أقصر الطرق لكسب محبة الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يستطيع إنسان أن يحوز على محبة أخ في الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن يكسب محبة الخلق فأقرب طريق توصله إلى ذلك هي: إرضاء الخالق سبحانه وتعالى.
وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض. اللفظ للبخاري.
فالطريق إلى قلوب الخلق ومحبتهم هي محبة الله عز وجل للعبد، كما أن تضييع حقوق الله عز وجل ونسيان شرعه طريق إلى التباغض بين العباد، قال الله سبحانه: فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة:14] .
هذا من جهة العموم، وهناك أعمال إذا قام بها الأخ تجاه أخيه تؤدي إلى غرس المحبة وزيادتها، ومنها: أن تسلم عليه كلما لقيته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم. رواه مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه.
ومنها: الهدية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو يعلى في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وحسنه الألباني.
ومنها: مناداته بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له إذا جلس إلى جوارك في المجلس كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك من ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيت، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
ومما لا يخفى أن الابتسامة وطيب الكلام وحسن العشرة كل ذلك يؤدي إلى زيادة المحبة بين الإخوان، ونصيحتنا لك أن تُعْلِم أخاك بمحبتك له، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه إياه. رواه الترمذي من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه وقال: حديث حسن صحيح غريب.
وللفائدة نذكرك بحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تحاب رجلان في الله، إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حباً لصاحبه. أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والحاكم في المستدرك وغيرهما وصححه الألباني. ... ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1423(8/954)
هل تتعارض محبة الزوجة مع محبة الله سبحانه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يتعارض حب الزوجة مع حب الله؟
فأنا أحبها كثيرا وهي لا تمنعني من طاعة الله سبحانه وتعالى بل وتعينني على الطاعة وطلب العلم فلقد حيرني هذا الموضوع لأني أشعر أنها استحوذت على قلبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحب -وهو الميل إلى الشيء والرغبة فيه- منه ما هو مشروع محمود ومنه ما هو مذموم حرام ...
فمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم ومسلمة، بل إن تلك المحبة شرط من شروط الإيمان، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه [البقرة:165] .
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. متفق عليه، وفي رواية: ومن نفسه التي بين جنبيه.
ومحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، تستلزم طاعتهما في كل ما أمر الله به أو نهى عنه، سواء كان في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن زعم أنه يحب الله تعالى ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم فعليه أن يبرهن على ذلك ويعبر عنه، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] .
وحب المؤمنين والعلماء والصالحين.. من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تبارك وتعالى، بل هو من أوثق عرى الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار. متفق عليه.
وحب الزوجة والأولاد والآباء والإخوان والأصدقاء والأوطان.... أمر جِبِلِّي ومكتسب، ولا يتعارض مع حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم في المرتبة الأولى.
والإنسان بطبيعته يحب زوجته ويميل إليها ويسكن إليها، ويزيد في حبها إن كانت ذات خلق ودين أو جميلة أو لديها من الصفات ما يجعلها لها مكانة في قلبه.. وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب زوجاته ويحب عائشة بالذات.. وهكذا كان الصحابة والسلف الصالح.
ولكن يجب ألا يتجاوز هذا الحب حده بحيث يدعو إلى تضييع الحقوق أو ارتكاب المحرمات، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] .
والحاصل: أن محبة الزوجة لا تتعارض مع محبة الله ورسوله إذا لم تتجاوز حدها الطبيعي، ومن الطبيعي أن يحب المسلم زوجته وخاصة إذا كانت ذات خلق ودين.... وتعين على طاعة الله وطلب العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1423(8/955)
الحب ... أقسامه ... وعلاج الشاذ منه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحب الصادق في السابعة عشرة من العمر يعني أن تحب فتاة في سن المراهقة وتريد أن تقيم معها علاقة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فالحب بين الفتيان والفتيات: قسمان: الأول: رجل قذف في قبله حب امرأة فاتقى الله تعالى وغض طرفه، حتى إذا وجد سبيلاً إلى الزواج منها تزوجها وإلا فإنه يصرف قلبه عنها، لئلا يشتغل بما لا فائدة من ورائه فيضيع حدود الله وواجباته.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ير للمتاحبين مثل النكاح" رواه ابن ماجه.
الثاني: من تمكن الحب من قلبه مع عدم قدرته على إعفاف نفسه حتى انقلب هذا إلى عشق، فهذا اللون من الحب محرم، وعواقبه وخيمة.
والعشق مرض من أمراض القلب مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء علاجه وأعيى العليل دواؤه، وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه، المتعوضة بغيره عنه، وأقبح ذلك حب المردان من الذكور، فإنه شذوذ وقبح.
وإذا امتلأ القلب بمحبة الله والشوق إليه دفع ذلك عنه مرض عشق الصور.
ولقد بين الشارع الحكيم علاج الحب بصورة عملية، وحسم أسباب الشهوة التي تذكي جذوته، فأمر بغض البصر، والبعد عن المثيرات، ودوام المراقبة، وكسر الشهوة بالصيام وعند القدرة على النكاح بالزواج، وحدد المعيار في الاختيار، وأن الرجل عليه أن يظفر بذات الدين، وهذا هو المقياس الذي به يختار به المرء شريكة حياته. قال صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1422(8/956)
حب الأخ لأخيه يثاب عليه ولو كان بعيدا عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت زميلة لي حبا كبيرا، وهذه الزميلة على قدر كبير من التدين والمودة للجميع، لكنها سافرت ولا أملك أي وسيلة للاتصال بها، فإذا كان حبي لها في الله.. فهل أستطيع أن أحتسب عند الله ما أجده من شوق إليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا أحب مسلم مسلماً في الله فإن ذلك محتسب عند الله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل ... إلى أن قال: ورجلان تحابا في الله فاجتمعا عليه وافترقا عليه ... " رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم.
وقال تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [الزخرف: 67] .
ففراق المتآخيين عن بعضهما، واشتياق أحدهما للقاء الآخر في الله، كله محتسب عند الله عز وجل. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1422(8/957)
امتناع البنت عن عمل توكيل على حسابها لأبيها هل يعد عقوقا
[السُّؤَالُ]
ـ[ساعدت أخي بمبلغ كبير من المال ـ وهو محتاج ـ لكي يكمل بناء منزله ولم يساعده أحد من إخوتي وأبي، حيث إنه أخي من أمي المتوفاة وقد غضب مني والدي وطلب مني أن جعل له توكيلا على حسابي بالبنك، ولكنني رفضت، باعتبار أنه مالي الخاص، فهل أعتبر عاقا؟ مع العلم أن أبي شخص لايتحمله أحد بسبب أخلاقه وقد حرمني من زيارته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من حقّ والدك أن يلزمك بعمل توكيل له على حسابك بالبنك، ولا يكون امتناعك من ذلك عقوقاً له، لكن من حقّه إذا كان فقيراً لا كسب له أن تنفقوا عليه بالمعروف، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد.
وأما إذا كان والدك غنياً، فلا يجب عليك الإنفاق عليه، لكن من الإحسان إليه أن تعطيه ما يطلبه منك من المال ممّا لا يلحقك ضرر بإعطائه، فإن لم تفعلي فلتعتذري له برفق.
واعلمي أنّه مهما كان حال والدك وسوء خلقه، فإنّ ذلك لا يسقط حقّه عليك في البرّ، فاحرصي على برّ والدك والإحسان إليه وطاعته في المعروف، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أواحفظه. رواه ابن ماجه والترمذي، وصححه الألباني
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(8/958)
موقف الولد من أبيه الذي يضربه بعنف
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 22 سنة وأبي يضربني ويستقوي علي ـ والضرب مبرح جدا ـ وأحيانا يضربني بالعصا حتى تكاد عظامي تتكسر وأعمامي تكلموا معه في هذا ونصحوه، ولكن لا فائدة ـ حتى إن أبي يتفاخر أحيانا بأنه يضربنا
ولو تسألوني: ما هي أسباب الضرب؟ فالسبب أنه عصبي جدا، وأحيانا يشتمني بشتائم ـ والله الواحد يستحي من ذكرها ـ لكنها لا تقال إلا لأهل الزنا، وفي مرة من المرات ـ لأنني رسبت في امتحان في المدرسة ـ أغلق علي جميع أبواب البيت وصار يضربني بالعصا، وأحيانا يضربني أمام أقاربي ونفسيتي تعبت منه كثيرا، وفي آخر مرة لما أتى ليضربني أمام أولاد عمي قمت ودافعت عن نفسي وضربته وشتمته، وصارت مشكلة كبيرة وبعدها لم يمد يده علي وصار يحسب حسابا قبل أن يغضب أو يخطئ معي ـ وطبعا ـ خرجت من البيت ثلاثة أشهر وبعدها رجعت للبيت وتصالحنا وبعدها غير من تعامله معي ومع إخواني، ولكن لم يتخلص من العصبية تماما وأصبح الوضع أحسن بكثير، وسؤالي هو: هل ما فعلته كان عقوقا لوالدي؟ وإن كان عقوقا فما الذي كان ينبغي علي فعله؟ فهل أتركه يكسر عظامي؟ وهل لوالدي الحق في الطاعة في الأمور التي تخصني وحدي مثل: أن أدرس في الجامعة في تخصص لا أحبه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به والدك من ضربك ضرباً مبرحاً وشتمك بالشتائم القبيحة هو سلوك خاطئ وفعل محرّم وظلم لك، لكنّ ذلك كلّه لا يسوّغ لك عقوقه، وما وقع منك من ضربه وشتمه هو بلا شك من العقوق المحرّم، بل من أكبر الكبائر، وإنّما كان المشروع لك أن تهرب منه أو تفعل ما تتخلّص به من أذاه، لكن دون ضربه وشتمه.
فالواجب عليك التوبة من ذلك والحرص على برّه والإحسان إليه.
وأمّا عن طاعته في الأمور التي تخصّك ولا تنفعه مثل دراسة تخصص معين لا ترغب فيه، فلا تجب عليك طاعته في ذلك، قال ابن تيمية: وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ. الفتاوى الكبرى.
لكن ينبغي عليك إقناعه برفق وأدب والاستعانة بمن يقبل نصحه في هذا الأمر.
وانظر الفتوى رقم: 43601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(8/959)
هل يعرف الميت من الذي أهدى له العمل الصالح ومن هو الولد الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: أريد أن أطيع والدي ووالدتي بعد موتهم أيضا، فما هو أفضل شيء لي أن أطيعهم بعد الدعاء لهم، وأريد أن أفعل لهم صدقه جارية، مثلا بناء جامع إن شاء الله، فهل هم يشعرون أو يعرفون أنها مني يعني يحسون بها أنها مني؟
وما المقصود بمعنى الحديث الشريف: ولد صالح يدعو له. يعني لو أنا مقصر في بعض الأشياء، ولكن لا أترك الصلاة فهل دعوتي لهم مقبولة بإذن الله، أم لأني مقصر ببعض الأشياء لا تستجاب دعوتي لهم، ولا تكون صدقة جاريه لهم. اشفوني في الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن الميت ينتفع بالدعاء والاستغفار له، والصدقة عنه، وكذلك الحج والعمرة من حيث الجملة، كما سبق تفصيله في عدة فتاوى، منها الفتويين: 3406، 69673.
فما يريد السائل الكريم عمله لوالديه من الصدقة الجارية لا شك أنه نوع من البر والإحسان المأجور فاعله، وقد تقدمت أمثلة للصدقة الجارية عن الميت في الفتويين: 8042، 10668. ولمعرفة ما يُبَرُّ به الوالدان بعد موتهما يمكن مراجعة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10602، 7893، 44341.
وأما قول السائل الكريم: هل يعرفون أنها مني؟ فالظاهر أن ذلك حاصل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: أنى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك. رواه ابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
ويؤكد ذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا. رواه أحمد، وصححه الألباني. وقد سبق في الفتوى رقم: 79657. أن الذي يظهر أنهما يعلمان ذلك.
وقد تعرضنا قبل ذلك لبعض المسائل المتعلقة بأحوال الموتى كسماعهم كلام الأحياء وعلمهم بما يجري في الدنيا، فراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 121613، 54990، 72205، 72205.
كما سبق لنا بيان المقصود بصلاح الولد وأنه الإيمان وأداء الفرائض واجتناب الكبائر، فراجع الفتويين: 51983، 59144.
وقال المناوي في (فيض القدير) ، ومحمد بن عمر النووي في (شرح لباب الحديث) : ولد صالح أي مسلم.انتهى.
وقال القاري في (مرقاة المفاتيح) : ولد صالح أي مؤمن، كما قاله ابن حجر المكي. انتهى.
وعلى ذلك فتقصير الإنسان في بعض الأمور أو ارتكابه لبعض الذنوب، لا يمنع والديه من الانتفاع بدعائه وصدقته عنهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(8/960)
صلة الأخت لا تتعارض مع مطالبة الأخ بنصيبه من الميراث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وأخي والحمد لله تعدينا سن الرشد، وتوفي أبي وترك لنا زوجة أب وأختا قاصرا، وزوجة أبي هي الوصي عليها، وهما يعيشان في المدينة التي بها الإرث، وهي غير المدينة التي نعيش بها، بالإضافة أني مسافر في الخارج، وزوجة أبي شبه مستولية على الإرث؟
ومع ذلك تساومنا عليه لعلمها بحاجتنا الماسة له؛ لإقبالي على الزواج، وكذلك أخي الذي بدأ حياته العملية حديثا.
وقد جددت عقود إيجار لمستأجرين بدون الرجوع إلينا، وتكلم أي مشتر على أنها صاحبة القرار، وأننا لسنا موجودين، وقالت أثناء محاولات التفاهم الودي معها على مدار 8 شهور: من يريد حقه يأخذه بالمحكمة، وكذلك تضغط علينا بأختنا وتغيرها معنا.
وكلما حاولت مكالمة أختي هاتفيا أجدها معبئة ضدنا، وتتكلم بطريقة لا تليق مع أخيها الكبير، وأصبحت الآن أخاف أن أكلمها حتى لا أسمع ما لا يرضيني، وفي نفس الوقت حتى لا يفسر موقفي على أنه ضعف، ولأن زوجة أبي تضخم أي شيء يحدث منا، ومن المحتمل أن تقول إنه يتهجم علينا بالتليفون بدلا من أن تقول إنه يطمئن علينا؛ لذا آثرت البعد في الفترة الحالية. فهل في ذلك حرمانية أو شيء من هذا القبيل؟ علما بأني لا أنوي المقاطعة لكن لتحين الفرصة المناسبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم في أن الأخت من الأرحام الذين تجب صلتهم وتحرم قطيعتهم، لذا فإنا نوصيك بأختك خيرا، ونذكرك بأن صلة الأرحام من أعظم القربات وأجل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا، كما أن قطعها من أكبر الكبائر والموبقات، جاء في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق الخلق حتى إذافرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال فهو لك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأقرؤوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم.
وليس المراد بالصلة أن يصل الإنسان أرحامه إذا وصلوه فهذه مكافأة، بل المراد أن يصلهم وإن قطعوه، ويحسن إليهم وإن أساءوا، ويعطيهم وإن منعوا، فتلك هي الصلة التي أمر الله بها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وفي صحيح مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفوا إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
فلا تجعل متاع الدنيا الفانية سببا في قطيعة أرحامك، ولكن هذا لا يعني ترك حقك ونصيبك من الميراث، كلا. فلا تعارض بين مطالبتك بحقك بالطرق المشروعة - حتى ولو وصل الأمر للقضاء - وبين صلة أرحامك.
لذا عليك بمواصلة ما أنت عليه من صلة أختك والسؤال عنها والإحسان إليها هي وزوجة أبيك، فإن لهذه الأخرى عليك حقا، والإحسان إليها من الإحسان إلى أبيك وبره بعد موته. واعلم أنك بالمداومة على الإحسان إليهما تستل ما في قلوبهما من بغض أو ضغينة، فقد قال الله سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت: 34}
ولكن مع هذا إن خفت حصول ضرر محقق أو غالب على الظن – لا موهوم - من جراء هذا الاتصال فيمكنك تأجيل هذا الاتصال ريثما تتحسن الأمور وتهدأ النفوس، على أن تسارع ببذل أسباب الإصلاح وفصل أسباب الخصومة والنزاع، ثم ترجع بعد ذلك إلى الإحسان والصلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(8/961)
كيف يصلح الأولاد من شأن أبيهم العاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي كان يحبنا، ولكنه الآن يكرهنا، وهو في ضلال شديد، فهو يشاهد أفلام الجنس، وأصبح مدمنا عليها، وقد اكتشفنا أنه يعرف بنات في سن أخواتي الصغار، وهجر أمي، ولا ينفق علينا إلا الضروريات، واكتشفنا أيضا أنه ينفق على تلك البنات اللاتي يعرفهن، وأصبح يسافر إليهن ليقابلهن، والله أعلم أنه يعطيهن نقودا نحن في حاجة لها، كما أن أخي قد تعرف على واحدة منهن وواجهها ونبهها بأن تبتعد عنه، إلا أنها لم تفعل بل قالت لأبي وما كان منه إلا أن وبخ أخي، وهو الآن لا يكلمه، وكل هذا وهو يتعامل معنا نحن الآخرون أنا وإخوتي بكل نفاق، على أساس أنه على علاقة عادية مع أخي الذي يدرس بعيدا عنا في الجامعة، وأزيدكم علما أنه إمام بجامع، ومعروف بدينه وتقواه، وعلمه الشديد للإسلام وأحكام الإسلام. نحن في حيرة من أمرنا مع وقاحته.
مع العلم أن أمي لا تعلم شيئا. ماذا نفعل أرجوكم أجيبوني أكيد في أقرب وقت وشكرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرزق أباك التوبة، وأن يصلح أمره، وأن يهديه الصراط المستقيم. وإن صح ما ذكرت من أحوال أبيك فإنه يكون قد ارتكب عدة منكرات، ومنها مشاهدته للأفلام الإباحية وإدمانه عليها، وإقامته علاقة مع بعض الفتيات، إضافة إلى هجره لأمكم – إن كان هذا الهجر على وجه غير مشروع أو لغير مسوغ شرعي – وراجعي الفتاوى: 3605، 70108، 70771.
ومن أهم ما نوصيكم به هو كثرة دعاء الله تعالى أن يهديه إلى الحق، وأن يرده إلى جادة الصواب، فإن أمر الهداية إلى الله تعالى، قال سبحانه: مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {الأعراف:178}
فلعل دعوة صالحة من أحدكم توافق ساعة إجابة تغير حاله وتصلح من شأنه، هذا بالإضافة إلى نصحكم له بأسلوب طيب، أو الاستعانة بمن له تأثير عليه، فهذا كله من أعظم إحسانكم إليه، والذي هو واجب عليكم، فإساءته لا تسقط عنكم بره والإحسان إليه، كما بينا بالفتوى رقم: 56480.
ومن هنا فلا يليق بك ولا يجوز لك نعت أبيك بمثل هذه الألفاظ القبيحة من مثل قولك: يتعامل معنا بكل نفاق. ونحو ذلك. فإن هذا من العقوق.
وأما بخصوص النفقة فالواجب شرعا على الزوج أن ينفق على زوجته وأولاده الصغار الذين لا مال لهم بما يحتاجون إليه من المأكل والمشرب والمسكن والملبس، وما زاد على ذلك فلا يجب عليه، وقد أوضحنا ذلك بالفتوى رقم: 74240. ولو أنفق أكثر من ذلك من غير إسراف فهو فضل، فلا يلام إن لم يفعله.
وأما أخوكم فلم يرتكب خطأ إن كان ما قام به هو مجرد نصحه لتلك الفتاة بالبعد عن أبيه، وكان الأولى أن لا يتولى نصحها بنفسه بل يولي ذلك إحدى محارمه من النساء. وعلى أية حال، فهجر أبيكم له وعدم تكليمه له ليس هجرا مشروعا ولا يجوز، وراجعي الفتوى رقم: 7119.
والغالب حب الأب لأبنائه وهو ما كان حاصلا معكم من أبيكم، وتغير هذا الحب إلى كره له أسبابه في الغالب، فينبغي أن تلتمسوا هذه الأسباب، فربما كان قد حدث منكم تقصير معه، أو فعلتم أمرا أساء فهمه، فإذا علم السبب فينبغي أن يعالج بما يناسبه من العلاج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(8/962)
تجاوز الله عن الزلة تقع من الابن البار في حق والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ أن ماتت أمي ـ رحمها الله ـ وأنا أحاسب نفسي على تقصيري معها وعلى كل شيء مثل صراخي في البيت أو حتى معاملتي، فأمي كانت مريضة وكنت أظل بجانبها وأخدمها، لكنني أحيانا أكون متضايقا من أمر ما وينعكس ذلك في البيت وقبل أن تموت أمي بيوم حدث نقاش بيننا وصرخت أمامها، لكن مع العلم أن أمي تحبني كثيرا وأنا أحبها وما يصدر مني هو من ضغوطات الحياة ولم أتعمد في يوم من الأيام أن أصرخ عليها، بل كنت أغضب لوحدي وعلى نفسي، لكن أمامهم، فهل هذا شي طبيعي يحدث بين الأهل؟ أم هو عقوق؟ فأنا في كل يوم أحاسب نفسي وأدعو الله أن يوفقني لبر أبوي، لكن عندي ندم كبير وألم وألوم نفس دائما وأخاف أن تكون ماتت وفي قلبها شيء من الحزن أو الغضب تجاهي أو أكون أنا السبب في موتها ـ والعياذ بالله ـ وأنا والآن أدعو لها دائما وأتصدق عنها وقد التزمت أكثر من ذي قبل في صلاتي وأعمالي ـ والحمد لله ـ حتى أكون ولدا صالحا ويتقبل الله عز وجل دعائي لها.
هل عدم تقبيل يد أبوي يوميا من العقوق؟ فأنا أحب تقبيل يديهما في كل يوم، لكن لا أفعل ذلك إلا في المناسبات وفي بعض الأحيان، لأنني لم أتعود على ذلك، فأرجو الإجابة العاجلة، لأن ذلك يؤلمني كثيرا ووالله الذي لا إله غيره إنني أحب أمي كثيرا وأحمد الله عل حسن ختامها، فهي امرأة مصلية وقارئة للقرآن وصائمة وقد توفيت في صباح أول يوم عيد الفطر المبارك وكان آخر أعمالها الصيام وصلاة الفجر وصلاة العيد، وهي تحبني كثيرا وكانت دائما تخاف علي وقلبها طيب جدا ولا أتوقع منها الغضب وهي ـ بإذن الله ـ راضية عنا، لكن ماذا أفعل بالألم واللوم والندم الذي يصاحبني حتى صرت لا أشعر بطعم السعادة بعدها؟ وكيف أرضيها في قبرها؟ اللهم ارحم أمي واغفر لها واجمعني بها في الجنة واجعل أعمالي الصالحة معها في حياتها وفي موتها برا لها واغفري لي تقصيري معها وأعني على بر والدي يا الله واغفر لجميع المؤمنين يارب العالمين.
أرجو الدعاء لأمي ـ رحمها الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يرحم أمك رحمة واسعة وأن يسكنها فسيح جناته ويكتبك من البارين بها في حياتها وبعد مماتها.
واعلم ـ أيها السائل ـ أن الله سبحانه بفضله ورحمته يتجاوز عما يكون من الولد في حق والديه من الهفوة والبادرة التي تصدر منه وقت الضجر والغضب إذا كان الأصل فيه البر إلى والديه والإحسان إليهما وإكرامهما وإجلالهما.
قال سبحانه: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25} .
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة التى تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين.
أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة.
وقوله: فإنه كان للاوابين غفورا.
وعد بالغفران مع شرط الصلاح والاوبة.
وإنَّا في ضوء ما ذكرت من حالك مع أمك لا نرى منك عقوقا لها ولا تسببا في موتها, أما هذه الهنات التي كانت منك في حقها فيمكنك التكفير عنها بالمداومة على الدعاء لها والإحسان إليها بالصدقة وإكرام أصدقائها وصلة أرحامها، فإن ذلك من البر الذي لا ينقطع بوفاتها.
فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ـ رضي الله عنه ـقال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما.
ولا يشترط للبر المداومة على تقبيل يد الوالدين كل يوم ـ كما ظننت ـ وراجع حكم تقبيل يد الوالدين في الفتويين رقم: 13930 , ورقم: 43760.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(8/963)
حكم هجر الوالد تارك الصلاة ومتعاطي المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد هجرت أبي، لانه لا يصلي ولا يريد أن يكف عن شرب البيرة، فأنا متزوج، ولا أريد أن ترى زوجتي ما يفعله أبي. أفيدونى: فهل علي وزر قطع صلة الرحم أم لا؟ وماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك ـ أيها السائل ـ أن تهجر أباك لأي سبب كان ـ سواء كان مسلما أو كافرا ـ وتصديق ذلك من كتاب الله قوله سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} .
فإذا كان أبوك تاركا للصلاة أو متعاطيا لبعض المحرمات، فالواجب عليك أن تنصحه برفق ولين، فإن لم يستجب لك وأصر على معاصيه فله عليك حق المصاحبة بالمعروف، ولكن لا تكن عونا له على معصيته، وعليك أن تفارقه وقت ارتكاب المعصية.
وما تذكر من عدم رغبتك في رؤية زوجتك له وهو على هذه المنكرات لا يستلزم هجرانك له، فيمكنك أن تصطحبها معك لزيارته في الوقت الذي تعلم منه عدم مقارفته لهذه الفواحش، فإن تعذر ذلك فاذهب أنت بمفردك لزيارته، فإن زوجتك لا يجب عليها صلة أبيك، أما أنت فلا يسعك إلا صلته وبره. وراجع الفتويين رقم: 50848 ورقم: 49048
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(8/964)
أغضب أمه بالمساء واعتذر لها ثم توفيت صباحا
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قبل أن تتوفى أمي بيوم قد أغضبتها وغضبت وصرخت أمامها وفي اليوم التالي توفيت ـ رحمها الله ـ وقد كانت مريضة وتوفيت بعد أن خرجت من المستشفى بيوم وكانت تحبني كثيراً وكنت أحبها حتى إنني بعد أن أغضبتها كنت قد قبلت يدها بعد أن وضعت لها الزيت على يدها، لأنها كانت تؤلمها ومن ثم فرشت لها وغطيتها وذهبت للنوم وفي الصباح توفيت ولا أعرف لماذا؟ لكن يراودني شعور بالتقصير تجاهها وأحمل نفسي سبب موتها، فهل من الممكن أن أكون كذلك؟ وإن كان الأمر ليس كذلك، فكيف لي أن أتخلص من هذا الكابوس؟ وإذا كان الغضب سببا في موتها فماذا يترتب علي حينها؟.
وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بر الأم من أوجب الواجبات، كما أن عقوقها من أعظم الذنوب، ومن البر بها مخاطبتها بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، كما أن زجرها وإغلاظ القول لها يعد من العقوق، فما كان منك من مخاطبة أمك بغضب وصراخك في وجهها، رغم أنا لا نرى له علاقة بموتها، إلا أنه بلا شك خطأ كبير، لكن مهما عظم ذنب العبد فإنه إذا تاب توبة نصوحاً فإن الله يقبل توبته، فلا تلتفت إلى تلك الوساوس التي تراودك بأنك متسبب في موت أمك وأشغل نفسك بتحقيق التوبة إلى الله، والاجتهاد في بر أمك بعد موتها وذلك بالدعاء لها والصدقة عنها وصلة الرحم من جهتها، واعلم أن الإنسان إذا كان حريصاً على بر والديه مجتهداً في طلب مرضاتهما ابتغاء وجه الله فإنه بعد ذلك إذا بدر منه شيء من التقصير في حقهما فإن ذلك مظنة العفو من الله، قال الله تعالى: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25} .
قال القرطبي: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأساً، قال الله تعالى: إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ.
أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة، وقوله: فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا.
وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. الجامع لأحكام القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1430(8/965)
هل يجوز أن تنوب الزوجة عن زوجها في صلة الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي قاطع لرحمه بسبب انشغاله بعمله وتقريبا لا يزور أحدا إلا الوالدين والإخوة، فما حكم ذلك في الشريعة؟ وهل لي أن أصل رحمه ـ من عمات وخالات وبنات عم إلخ ـ بدلا منه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله بصلة الرحم ونهى عن قطعها، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.
فالواجب على زوجك أن يصل رحمه ولا يكفي أن تقومي أنت عنه بصلة أقاربه، وليعلم أنّ الشرع لم يجعل لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو أوقاتاً محددة، وإنما يرجع في ذلك إلى العرف ويختلف باختلاف أحوال الناس، وانظري الفتوى رقم: 11494.
فلا تتعين الزيارة وسيلة لصلة الرحم وإنما قد يكفي السؤال بوسائل الاتصال الحديثة ـ وهي ميسرّة بفضل الله ـ كما أن لصلة الرحم درجات متفاوتة، قال القاضي عياض: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ـ ولو بالسلام ـ ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلا. نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري.17ـ 277.
وننبّه زوجك إلى أنّ صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ ـ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1430(8/966)
بر الأم بعد موتها وهل يعد ترك تقبيل يد الوالدين عقوقا
[السُّؤَالُ]
ـ[1ـ هل رؤية الأموات في المنام حق؟ فقد رأيت أمي في المنام بعد وفاتها وأنها ميتة وقد أخذت أوقظها وفجأة أحياها الله عز وجل وفرحت لحياتها وأخذت أقبلها أنا وأخي فرحا وطلبت منها أن تخبرني أهي راضية عني؟ فقالت ـ وهي في سرور ـ لا تخف فأنا راضية عنك وقالت لي كن من أهل الفجر أي حافظ على صلاة الفجر وكان أخي بجانبي.
2ـ هل هذه تعتبر بشرى لي من الله؟ لأنني منذ أن ماتت ـ رحمها الله ـ وأنا أحاسب نفسي على تقصيري معها وعلى كل شيء مثل صراخي في البيت أو حتى معاملتي، فأمي كانت مريضة وكنت أظل بجانبها وأخدمها، لكن أحيانا أكون متضايقا من أمر ما وينعكس ذلك في البيت، وقبل أن تموت بيوم حدث نقاش بيننا وصرخت أمامها لكن مع العلم أنها تحبني كثيرا وأنا أحبها، لكن ما كان يصدر مني هو من ضغوطات الحياة ولم أتعمد في يوم من الأيام أن أصرخ عليها، بل كنت أغضب وحدي وعلى نفسي، لكن أمامهم، فهل هذا شيء طبيعي يحدث بين الأهل؟ أم هو عقوق؟ فأنا في كل يوم كنت أحاسب نفسي وأدعو الله أن يوفقني لبر أبوي، لكن عندي ندم كبير وألم وألوم نفس دائما وأخاف أن تكون ماتت وفي قلبها شيء من الحزن أو الغضب تجاهي أو أكون أنا السبب في موتها ـ والعياذ بالله ـ وأنا الآن أدعو لها دائما وأتصدق عنها وقد التزمت أكثر من قبل في صلاتي وأعمالي ـ والحمد لله ـ حتى أكون ولدا صالحا وبتقبل الله عز وجل دعائي لها.
3ـ هل عدم تقبيل يد أبي يوميا هو من العقوق؟ فأنا كل يوم كنت أحب تقبيل يديهما، لكن لا أفعل ذلك إلا في المناسبات وفي بعض الأحيان، لأنني لم أتعود على ذلك.
أرجو الإجابة العاجلة، لأن ذلك يؤلمني كثيرا فوالله الذي لا إله غيره إنني أحب أمي كثيرا وأحمد الله على حسن خاتمتها، فأمي امرأة مصلية وقارئة للقرآن وصائمة وقد توفيت في صباح أول يوم عيد الفطر المبارك وكان آخر أعمالها الصيام وصلاة الفجر وصلاة العيد وهي تحبني كثيرا وكانت دائما تخاف علي وقلبها طيب جدا ولا أتوقع منها الغضب وهي ـ بإذن الله ـ راضية عنا، لكن ماذا أفعل بالألم واللوم والندم الذي يصاحبني حتى صرت لا أشعر بطعم السعادة بعدها، فكيف أرضيها في قبرها؟.
اللهم ارحم أمي واغفر لها واجمعني بها في الجنة واجعل أعمالي الصالحة معها في حياتها وفي موتها برا لها واغفري لي تقصيري معها وأعني على بر والدي يا الله واغفر لجميع المؤمنين يارب العالمين.
أرجو الدعا لأمي ـ رحمها الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رؤياك للوالدة وأخبارها لك برضاها عنك نرجو أن تكون رؤيا خير، ولكنه ليس من اختصاصنا تعبير الرؤيا فيمكن أن تراجع في شأنها بعض المتخصصين في التعبير للأحلام.
وننصحك بأن تصرف عن ذهنك ما تذكره من عدم الأدب أمام الأم أو أنك السبب في موتها فتذكر هذا من تلبيس إبليس، فالوالدة قد توفيت وينبغي الإكثار من الاستغفار لها والتصدق عنها وصلة رحمها.
وأكثر من الاشتغال بمطالعة القرآن وكتب السنة وقصص السلف وأخبارهم، وابحث عن صحبة صالحة يدلوك على الخير، ويحضوك عليه.
وأما تقبيل يد الوالدين فهو مستحب وأولى منه تقبيل رأسيهما، ولا يعد ترك تقبيل يد الوالدين عقوقا.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 106283، 120058، 51370.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1430(8/967)
كيف يعامل المسلم أقرباءه الذين يؤذونه ويظلمونه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وعائلتي نواجه مشاكل كثيرة جداً بسبب تصرفات وحقد أعمامنا وأولادهم، فنحن الآن في مشاكل جمة ومواجهات مع أناس أشرار كثر، وذلك بسبب تهجمهم علينا وعلى ممتلكاتنا، فأنا لا أدري ما هو الحل؟ أنا أريد أن أرجع إلى حياتي الطبيعية، فللأسف القانون ضعيف في بلدنا ولا يوجد أي رادع لهولاء الأشرار إلا الله، وأنا لا أملك القدرة على المواجهة مع هؤلاء الأشرار، لأنهم كثر وأساليبهم قذرة وملتوية، فما هو الدعاء الذي يجب أن يدعى به في هذه الحالات؟ أرشدوني ـ بالله عليكم ـ ماذا أفعل؟ فأنا في حيرة من أمري، وهل من الواجب أن أصل أعمامي وأولادهم بالرغم من الذي يحدث من تدبيرهم؟.
فحسبي الله ونعم الوكيل فيهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هؤلاء الأقارب يظلمونك فينبغي أن تخوفهم عاقبة الظلم وتستعين على ذلك بمن تظن له أثراً عليهم من أهل الدين والمروءة، فإن لم ينفع ذلك معهم فلك أن ترفع أمرك للسلطات المختصة لينصفوك منهم، أما عن الدعاء المشروع في مثل هذه الأحوال، فالدعاء بغير إثم أو قطيعة رحم نافع بكل حال، ولا نعلم دعاء عينه الشرع في مثل ذلك، لكن أدعية المكروب قد تناسب ذلك، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 70670.
وكذلك نوصيك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء ففيها وقاية ـ إن شاء الله ـ من المكروه وخير كتاب ننصحك بالإكثار من مطالعته وحفظ ما فيه من الأذكار هو كتاب: حصن المسلم للقطحاني، هذا ويجوز لك أن تدعو على من ظلمك بقدر مظلمتك دون تعدٍ، لكن الأفضل ترك الدعاء عليهم.
أما عن صلتهم فهي واجبة عليك بالمعروف ما لم يترتب عليها ضرر في دينك أو دنياك، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. صحيح البخاري.
وعن أبي هريرة: أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار.
واعلم أن مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1430(8/968)
اجتهاد الابن في الدراسة إرضاء لأبيه وحكم رجوع الأب في هبته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 21 سنة وكنت قد رسبت للمرة الثانية في المدرسة الثانوية وتم طردي من المؤسسة، وفي نهاية الصيف وفي وقت التسجيل أعطاني والدي حاسوبا محمولاً وبعد أن أخبره مدير الثانوية أني كنت أتغيب عن الدروس في السنوات الماضية -وأبي كان يعرف غيابي هذا- دخل غاضبا إلى المنزل وبدأ يتكلم بصوت مرتفع، وهذه طريقته في التكلم في غالب الأمور، وبعد أن رجعت إلى المنزل وجدت أنه قد أخذ الحاسوب من غرفتي وأعطاه لأخي الصغير، وكان رسوبي الأول قبل التزامي وآخر بعد الالتزام وقد كنت مقصراً. فهل علي إثم أو شيء فيما مضى؟ وما حكم أخذه للحاسوب بعد أن أصبح ملكا لي؟ وهل يجوز لي أن آخذه من أخي الصغير؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التقصير في الدراسة أو غيرها من الواجبات دون عذر، أمر معيب شرعاً وعقلاً، وما دام الأخ السائل مقراً بتقصيره فعليه أن يستغفر الله ويستأنف حياته بما يرضي ربه ووالده، وليعلم أن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء، وهو سبحانه يحب المحسنين، ويحب على العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه، كما سبق بيان ذلك في الفتويين: 47732، 53372.
فلتحتسب أخي الكريم في جملة ما تحتسبه من الأجر والثواب في إتقان دراستك مع نفع أمتك، أن ترضي والدك وتتجنب سخطه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضا الله في رضا الوالد. قال الترمذي: ورجح وقفه. وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. وحسنه الألباني.
أما بالنسبة لرجوع والدك في الحاسوب الذي وهبك لك، فلا حرج عليه فيه ويلزمك طاعته وامتثال أمره، ولا يجوز لك أن تأخذه من أخيك الأصغر إن كان والدك أعطاه إياه، فإن الرجوع في الهبة بعد قبضها لا يجوز إلا للوالد فله أن يرجع فيما أعطى ولده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل أن يعطي عطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
قال الشافعي: لا يحل لمن وهب هبة أن يرجع فيها إلا الوالد فله أن يرجع فيما أعطى ولده. واحتج بهذا الحديث. انتهى.
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 6797.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1430(8/969)
أحسني إلى أبيك ولو كان يهملك ويشرب الخمر ولا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم أنا سيدة متزوجة من ابن عمتي منذ سنتين، ومشكلتي تكمن مع أبي الذي لم يسمح لي من كل قلبه عن هذا الزواج بالرغم من أنه عمل لي عرسا فاخرا وساندني إلا أنه في داخله أحسست بأنه لم ولن يرضى لا يكلمني إلا في المناسبات أو الصدف. في الواقع هو لم يعش معنا لأنه والوالدة مطلقان منذ كان عمري 10 سنوات، صدقني يا شيخ بالرغم من كل الفوارق التي يقوم بها مع إخوتي أي أولاده من الزوجة الأخرى وعطفه عليهم ودعمهم بالأموال لأنه غني بالمال فهذا والله لا يهمني ولن يهمني يوما أنا كل ما أرجوه منه أن يرضى عني لأن موقفه من زواجي بالطبع سلبي لأن زوجي فقير ومعدم، وأنني متعلمة وهو ليس متعلما لكنني رأيت في زوجي ما لم أره في أي شخص طيبة، دينا، أخلاقا، حنانا، حبا وخاصة الاحترام عكس والدي تماما فوالدي- هداه الله- شارب الخمر ولا يصلي. فكيف لي بالله أن أعمل أنا ما بين نارين أن أعصي زوجي وأكلم أبي أم أبقى مع زوجي وهو غير راض عني أفيدوني بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
... فليس لأبيك الحق في أن يعارض زواجك من ابن عمتك طالما أنه قد قبل به زوجا لك وتم عقد القرآن بينكما ولا يلحقك إثم – إن شاء الله - بعدم رضاه عنك بسببه. والمعيار الشرعي في اختيار الزوج هو الدين والخلق وليس المال أو التعليم الدنيوي ونحو ذلك، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.
وعلى كل فإننا نوصيك بالحرص على البر بأبيك والإحسان إليه رغم ما ذكرت مما حصل منه في أمر زواجك ومن كونه لا يصلي ويشرب الخمر، فتقصير الأب في دينه أو في حق أولاده لا يسقط عنهم بره والإحسان إليه، فقد أمر الله تعالى ببر الوالدين ولو كانا كافرين، قال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان:14، 15} . ومن أعظم إحسانك لوالدك سعيك في سبيل هدايته بكثرة الدعاء له ومحاولة تسليط بعض أهل الخير والفضل عليه عسى الله تعالى أن يجعلهم سببا في هدايته.
كما أنه يجب أن تحرصي على الاتصال به والسؤال عن أحواله، فإن هذا مما قد يكون سببا في استجلاب عطفه.
ولم نفهم على وجه التحديد ما تعنين بكونك بين نارين، إذ يبدو أن زوجك لم يمنعك من تكليم أبيك، ولكن على فرض أنه منعك فلا تجب عليك طاعته في ذلك، لأن فيه أمرا بالعقوق، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله، روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الطاعة في المعروف.
وعليك بالبقاء مع زوجك ولو لم يرض بذلك أبوك. وراجعي الفتوى رقم: 67544.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1430(8/970)
نية البر بالوالدين تغفر الزلة بشرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي الأفاضل أريد مساعدتكم والله ولي التوفيق.
أنا فتاة أعيش مع أهلي والذين أعتز بهم جدا فهي أسرة مترابطة متحابة بسيطة متواضعة، فنحن كالجسد الواحد والحمد لله فقد مرت علينا ظروف صعبة جدا، وما زالت هذه الظروف ولكن هذه الظروف انعكست على نفسيتي جدا لدرجة أنني أصبحت عصبية جدا جدا ومع هذا حاولت أن أعالج نفسي من هذا الكبت والضغط النفسي والحمد لله نوعا ما نجحت، ولكن النرفزة والعصبية مسيطرة علي أحيانا أكون هادئة جدا وأحيانا من مجرد نقاش بسيط مع أي أحد أغضب وأرفع صوتي مع أنني لا أكون راضية وأحاسب نفسي وأستغفر الله كثيرا، وأضمر في نفسي أن لا أكرر ذلك، ولكن دون فائدة فضميري يؤنبي وخاصة أن أكثر الذين أغضب عليهم والدتي التي أحبها كثيرا أمي التي هي طيبة حنونة لأبعد الحدود، أقسم بالله أنني أحبها ولكن من مجرد أن تناقشني بأي موضوع يضايقني أغضب عليها ولا أتحمل، وأعرف أن هذا حرام ومن عقوق الوالدين ولكن أقسم بالله أنه ليس بإرادتي ولا أشعر بالخطأ إلا بعد أن أهدأ وأجلس مع نفسي وأحاسبها، وأقول: هذه آخر مرة مع أنني واثق أن أمي تسامحني ولا تغضب مني لكن لست راضية عن تعاملي معها. فماذا أعمل والله أنا أحب أهلي كثيرا وسبب حالتي هو من كثر تفكيري بهم، وأحمل مشاكلهم وهمومهم وخاصة أنني لا أستطيع أن أساعدهم في حل مشاكلهم، أريد أن أساعدهم خاصة أمي وأبي فنحن نمر بظروف صعبة ولا أجد مخرجا، فأمي دائما تترضى علي وعلى إخوتي. فهل سيعاقبني الله وأن هذا من عقوق الوالدين الذي يعد من الكبائر الكبرى؟ وكيف أتخطى هذه المعصية مع أنني والله دائما في ندم واستغفار وأتقرب من الله، وادعوه أن يشرح لي صدري ويطهر قلبي ويملأ قلبي بالإيمان. قسما بالله إنني أكتب إليكم وقلبي يبكي ندما ولكن أنا أعرف أن طبعي لن يتغير فقد أصبحت لا أغادر غرفتي خوفا من أن يبدر مني أي تصرف وخاصة مع والدتي أغضبها به، فأنا خائفة جدا ونفسيتي متحطمة جدا من هذا التعامل مع والدتي. فكيف أصلح حالي وكيف أرضي الله وأرضي أمي؟
أنا آسفة جدا لأني أخذت من وقتكم في قراءة رسالتي الطويلة، ولكني كلي أمل أن تساعدوني لأنني محطمة لدرجة أنه أصبحت لدي قناعة أنني لن أدخل الجنة من تعاملي بهذه الطريقة مع والدتي. ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن برّ الأم من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقها، من أعظم الذنوب ومن أهم أسباب سخط الله.
وقد أمرنا الله بمخاطبة الوالدين بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، ونهى عن زجرهما وإغلاظ القول لهما، قال تعالى:.. فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. {الإسراء:23-24} .
قال القرطبي: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا) أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما. قال عطاء وقال بن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. الجامع لأحكام القرآن.
فالواجب عليك اجتناب مخاطبة أمّك بصوت مرتفع ونبرة غاضبة، فذلك من العقوق الذي نهى الله عنه، وهو من أكبر الكبائر، ويمكنك مجاهدة نفسك لتجنب شدة الغضب والاستعانة بالله على ذلك وكثرة الدعاء والذكر، ولا تدعي للشيطان مجالاً ليخذلك ويوهن عزيمتك ويلقي اليأس في قلبك، واعلمي أنّ الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه، وحسنه الألباني.
وإذا بذلت جهدك وحرصت على مرضاة ربك ثمّ غلبتك نفسك في بعض الأحوال وبدر منك ما يسيء إلى أمّك فنرجو أن يكون ذلك مظنّة العفو من الله، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا. {الإسراء:25} .
قال القرطبي: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا قال الله تعالى: إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ. أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة وقوله: فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا. وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. الجامع لأحكام القرآن.
ولمزيد من الفائدة يمكنك التواصل مع قسم الاستشارات بالشبكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1430(8/971)
بر الوالد واجب وإن كان مقصرا في حق أسرته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا كنت لا أتكلم مع والدي لفترات طويلة يعتبر ذلك من الأمورالتي تقترب من المعاصي والمحذورات؟ مع العلم أن أبي لا يصلي ولا يبر والديه ولا يرعى أبناءه ـ بمن فيهم أنا ـ ولا يحترم زوجته ـ أمي ـ فهو يحترم أصدقاءه أكثر، ويفضلهم علينا في كثير من الأمور، لهذا السبب فأنا لا أقدر على النظر إليه ولا التكلم معه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهجر الوالد ليس من الأمورالتي تقترب من المعاصي كما زعم السائل، بل هو من الأمورالمحرمة والكبائر المغلظة، لأن هجره من العقوق، والعقوق من الكبائر. جاء في صحيح البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس.
والنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في بر الوالدين وصلتهما والإحسان إليهما كثيرة مشهورة. قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 22-24} .
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب. حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر، أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فواجب عليك ـ أيها السائل ـ أن تبادر إلى صلة أبيك واسترضائه مما كان منك من تفريط في حقه، ولا تطالب في ذلك بمحبته من قلبك، لأن أمر القلوب لا يملكها إلا الله وحده، لكن إن أديت حقه ظاهرا من الصلة والسؤال عنه وتفقد أموره والإنفاق عليه ـ إذا كان محتاجا وكنت قادراـ فنرجوا أن يرتفع عنك الإثم.
واعلم أن ما تذكر من معصيته وتقصيره في حق ربه ووالديه وأولاده لا يسوغ لك هجره، لأن المعصية لا تقابل بمثلها، ومن عصى الله فيك فأطع الله فيه، وقد أمر الله بمصاحبة الوالدين بالمعروف ـ حتى وإن كانا مشركين يدعوان ولدهما إلى الشرك بالله ـ قال سبحانه: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15} .
ويلزمك ـ مع ذلك ـ نصحه وتذكيره بالله جل وعلا برفق ولين، فإن أصرعلى معصيته فليس عليك شيء من أوزاره، لكن عليك أن تفارقه حال ارتكابه للمعصية ولا تساعده عليها ـ بحال ـ حتى وإن طلب ذلك منك، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1430(8/972)
خدمة الأب حال عجزه واجبة على ولده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر31 عاما وأعمل مدرسا في الخليج، وأحب والدي أبي أمي، أمي لا تصلي ودائما أدعوها للصلاة ولكنها تصلي فترة وتترك الصلاة، وهذا الصيف أشعر أنني إنسان حقير حيث كان أبي يجلس داخل الغرفة لتناول الطعام وأنا قد صحوت من النوم وجلست على الشرفة وأبي لا يستطيع القيام وحده فأخذ ينادي علينا لكي يقوم ولكنني تعاجزت وتكاسلت في تلبية ندائه، فوقف وحده ووقع على الارض وانكسرت قدمه وأجرينا له عملية جراحية، وقلت لإخوتي إني مستعد لعمل العملية في أحسن مكان وأنا نادم ومشوش التفكير، وأشعر أنني السبب فيما جرى لأبي. ماذا أفعل؟ علما أنني بعد الخروج من المستشفى لازمته طيلة فترة إجازتي ولم أبخل على كامل الأسرة بالمال والآن عدت للعمل والسفر وأكلم أهلي كل يوم. هل أنا السبب فيما حصل لوالدي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما حدث منك من توان وتباطؤ في إجابة دعوة أبيك وأنت قادر مستطيع لا يمنعك من ذلك إلا مجرد التكاسل حتى اضطر أبوك إلى القيام بنفسه فأصابه ما أصابه, لا شك أن هذا معصية عظيمة تستوجب منك المبادرة بالتوبة إلى علام الغيوب، لأن خدمتك له حال عجزه واجبة عليك, كما بيناه في الفتوى رقم: 127286. فتقصيرك في القيام بها دون عذر إثم.
وإنا لننصحك بأن تواصل ما أنت عليه من البر لوالديك والإحسان إليهما واسترضاء والدك خاصة فيما حصل, دون أن تخبره بتكاسلك عنه لئلا توغر صدره منك, فإن تبت إلى ربك وأحسنت إلى والديك فيما يستقبل فنرجو الله سبحانه أن يجعل هذا كفارة لما كان منك من تقصير وتفريط.
أما عن تقصير أمك في الصلاة فهذا يستلزم منك جهدا كبيرا لتذكيرها بعظم قدر الصلاة وأنها عماد الدين وأنه لا حظ في الإسلام لمن تركها, وقد بينا ذلك في الفتاوى: 126811 , 70270 , 12448. على أن يتم ذلك كله بأسلوب لطيف لا تعنيف فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(8/973)
حكم الدعاء على الأب والسكوت عندما يقع في الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي بذيء اللسان سيء الخلق يسيء عشرة أمي ويذيقها الأمرين، وغالبا ما يقذف الناس بأسوأ النعوت ـ الجيران الأحباب الأصحاب حتى الأقرباء ـ وأحيانا يغتاب أمي أمامنا، ولا يمكن أبداً نصحه ولا ردعه وإلا ازداد هيجانه وهستيريته، وأنا شخصيا أستغفر في قلبي ولا أجيبه أبداً، هل تصرفي هذا يخرجني من الذنب؟ أم ماذا علي أن أفعل؟ أنا أحسن معاملة أبي من باب الخوف من الله، لكن ـ لا يخفي عليكم ـ فقد وصلت إلى درجة أدعو عليه فيها، فهل هذاحرام أم لا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان في نصحك لوالدك وإنكارك عليه الغيبة ضررعليك، أوكان ذلك يؤدي إلى مفسدة أكبر، فلا حرج عليك في السكوت ـ ما دمت تنكرين بقلبك ـ أما دعاؤك على والدك فغير جائز، فمهما كان من حال والدك وإساءته إلى أمك، فإن ذلك لا يبيح لك عقوقه ولا الإساءة إليه، وإنما ينبغي لك الدعاء له بالهداية والصلاح، وللفائدة في ذلك انظري الفتويين رقم: 112172، ورقم: 59562.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(8/974)
حكم امتناع الابن عن إقراض والده لعدم حاجته ولتأخره في السداد
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إفادتي في سؤالي: لقد طلب مني والدي أن أسلفه مبلغ 1000 ريال، وهو غير مضطر جداً لها، وقد طلب قبل ذلك مبلغا من المال من زوجي وأعطيته ما أراد، وعندما طلبت منه السداد تثاقل في الدفع مع أن وضعه المادي لا بأس به جيد، ولله الحمد. فهل أعطيه ما طلب، وإذا لم أعطيه فهل هذا من العقوق؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزمك دفع هذا المال لأبيك ما دام أنه غير محتاج إليه، ولا يعد هذا من العقوق له، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1249. لكن الأولى أن تعطيه ما يطلبه خصوصاً إذا كنت لا تتضررين بذلك، فإن الإحسان إلى الوالدين من أعظم القربات إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(8/975)
صلة الرحم واجبة حتى لمن قطعها
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ ثلاث سنوات اشتكت لي أمي من أن أخواتي البنات (اثنتين) اتفقا عليها وقللوا أدبهم عليها فما كان مني إلا أن تدخلت واتصلت بهم ولم ينصاعوا حتى أنني قلت للصغيرة تذكري ما تفعله والدتك لأجلك - المهم تصالحوا أخواتي ووالدتي - وأصبحت أنا المخطئ وأشاعت الصغرى بأنني أخطأت فيها، وحينما أرادوا الصلح - والدي أحضرهم إلي في منزلي - أخطأوا بصورة مسيئة لي أمام زوجتي وأولادي ووالدي بالطبع، علما بأنني الكبير وفى رمضان قبل الماضي، وعلى إثر المشكلة لم يدعني والدي للإفطار معه كما العادة بالرغم من قيامه بدعوتهم ومع هذا اتصلت به لأدعوه على الإفطار فاشترط علي - والدي ووالدتي - ضرورة دعوة أخواتي البنات وإلا لن يحضروا فاضطرت أن أدعو أزواجهم- زوج الصغيرة رفض الرد على الهاتف وزوج الكبيرة رد وقبل الدعوة، وفى يوم الإفطار وقبل المغرب بربع ساعة لم يحضر أحد فاتصلت بوالدي لأعرف السبب - ووجدته قام بدعوتهم للإفطار معه في نفس اليوم - المهم حضر زوج الكبيرة بمفرده وبسؤاله أين زوجتك وأولادك أجاب أنهم قالوا له أن والدي دعاهم على الإفطار منذ الصباح فزادت المشاكل حتى أن ابن خالتي- سامحه الله - أشاع بأنني اشترطت على والدي لدخولي منزله ألا يدخل أخواتي البنات، فاتصلت بوالدي وأبلغته بما حدث فأجاب بالنفي فما كان مني إلا أن اتصلت بابن خالتي ووبخته بما قاله وعليه زادت المشاكل، علما بأنني أزور والدي كل أسبوع كعادتي حتى ألان.
أبلغتني والدتي بأن زوج الصغيرة أخطأ في حقهاها وقال لها بأن عائلتنا ليس بها رجل فزاد غضبى عليه - علمت بعد ذلك أنه قام بالاعتذار لوالدي وأخي دوني، قبل رمضان الحالي قمت بإجراء عملية جراحية لابني وحضرت والدتي ولم يحضر والدي، علما بأنه قام بشراء حاجيات لأختي التي تسكن خلفي مباشرة، وكان قريا من منزلي - لم يقم والدي بدعوتي وأبنائي للإفطار في هذا العام وقام بدعوة الآخرين.
والسؤال: هل أنا قاطع رحم علما بأنني أذهب لوالدي كعادتي ولم أذهب أو أكلم أخواتي البنات لأنني أصبت نتيجة لتلك الضغوط ببعض الأمراض وأهمها القلب وتم تركيب دعامة بالقلب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت مقاطعاً لأخواتك لمصلحة شرعية كما لو كان ذلك لوقوعهم في المعاصي والمنكرات وكان الهجر أصلح لهم، أو كان يلحقك بصلتهم ضرر في دينك أو دنياك فلا حرج عليك في ذلك، وعليك أن تصلهم في الحالة الثانية بما لا ضرر فيه كالاتصال بالهاتف ونحوه.
أما إذا كانت المقاطعة فوق ثلاثة أيام لحظ نفس وأمور الدنيا فأنت قاطع رحم وقطع الرحم من الكبائر، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.
فالواجب عليك أن تصل إخوتك، ولا يحملك ما بدر منهم أو من أزواجهن على القطيعة، فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. صحيح البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم. تسفهم الملّ: تطعمهم الرماد الحار.
واعلم أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان. قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت:34} .
كما أنّ العفو عن المسيء سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، وهو يزيد المسلم عزاً وكرامة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:.. وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا.
واعلم أنّ صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1430(8/976)
حكم منع الزوج أهل زوجته من زيارتها في بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[طردت من بيت أهل زوجتي بسبب مشاكل بيني وبينهم، مع العلم أني أعيش بسعادة مع زوجتي، وقد أخبرت زوجتي أني لا أريد أن يدخلوا بيتي. فما حكم منعهم من دخول بيتي وزيارة ابنتهم، مع العلم أنني أسمح لزوجتي بزيارة أهلها باستمرار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في منع الزوج أهل زوجته من زيارتها في بيته، فذهب الشافعية وبعض الحنفية إلى جواز المنع مع الكراهة. وذهب الحنابلة والمالكية إلى عدم الجواز وهو الصحيح عند الحنفية.
جاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج: وَلَهُ مَنْعُ أَبَوَيْهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: وقال الشافعية وهو قول بعض الحنفية: للزوج منع أقارب المرأة من الدخول عليها مع الكراهة. وقال الحنابلة: ليس للزوج منع أبويها من زيارتها؛ لما فيه من قطيعة الرحم، لكن إن عرف بقرائن الحال حدوث ضرر بزيارتهما، أو زيارة أحدهما فله المنع. انتهى.
وفيها أيضا: والصحيح من مذهب الحنفية وهو مذهب المالكية أن الزوج لا يمنع أبوي الزوجة من الدخول عليها في كل جمعة، ولا يمنع غيرهما من المحارم في كل سنة. انتهى.
فكما رأيت أقوال أهل العلم تدور بين الكراهة والمنع، فالأولى أن تسمح لهم بالدخول على ابنتهم ولا تقابل سيئتهم بمثلها، بل قابلها بالعفو والصفح، فهذه أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
وقد قال الله سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت:34} .
لكن إن خفت أن يثور خلاف بينك وبينهم أو يحدث ضرر بسبب الزيارة لما بينكم من خصومة، فلا حرج حينئذ من منعهم دفعا للضر الحاصل من دخولهم بيتك، مع أنك والحمد لله تسمح لها بصلتهم.
وفي النهاية نذكرك بحرمة الهجر والقطيعة بين أهل الإسلام عموما، وخصوصا من تجمعهم علاقة رحم أو مصاهرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني.
فبادر رحمك الله إلى إصلاح ما بينك وبين أصهارك امتثالا لأمر الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ. {الأنفال:1} . وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1430(8/977)
يقابل الأولاد ظلم آبائهم بالبر والإحسان
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة كانت متزوجة وأثناء زواجها أنجبت ولدا وبعد ذلك وقع خلاف حاد لا داعي لذكرتفاصيله أدى إلى الطلاق وبعد ذلك علمت بأنها حامل ببنت، ولكن طليقها أنكر نسب الفتاة إليه والتجأت إلى ثتبيت ذلك، ولكن الأب تملص من مسؤولية الأولاد وتزوج امرأة أخرى ودأبت الأم على تربية أولادها بمفردها ومع مرورالوقت اتصل الابن بأبيه ودام هذا الاتصال من حين لآخر، لكنه لم يسأل عن البنت طوال هذه السنين وحتى عندما تم زواجها، حيث كان وليها هو أخوها، وهي كذلك ترفض الاتصال به نظرا لما تعرضت له من جحود ونكران منه، وعلاقة الأب بالابن بدأت تأخد استقرارا، لكن هذه السنة أراد الأب أن يذهب إلى الديارالمقدسة وأراد الاتصال بها، ولكنها رفضت ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمهما كان حال الوالد من الظلم والتقصير في حق أولاده، فإن ذلك لا يسقط حقه في البر والطاعة في المعروف فقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14} .
فالواجب على هذه البنت أن تصل أباها وتطيعه في المعروف، وينبغي لأمّها أن تأمرها بذلك وتعينها عليه، وتبين لها أنّ صبرها على ما لاقته من جحود أبيها مع إحسانها إليه سبيل لنيل مرضاة الله، ولن يضيع أجرها أبداً، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1430(8/978)
هل من العقوق قول الابن لأبيه -إذا ظلمه -حسبي الله ونعم الوكيل
[السُّؤَالُ]
ـ[ظلم والد ولده فرد عليه ولده بقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فهل يعتبر هذا من العقوق للوالد؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء على الوالد لا يجوز وإن كان ظالماً، وانظر الفتوى رقم: 59562.
ولا شك في أن الخطاب بقول: حسبي الله ونعم الوكيل، ليس فيه إساءة إلى المخاطب، لكنّ كثيراً من الناس يعدّ ذلك من الدعاء عليه، وعلى ذلك فلا نرى للولد أن يرد على والده بذلك، لما فيه من المغايظة له وظنّه أنّه يدعو عليه وهذا عقوق له، ولا شكّ أنّ الوالد مهما ظلم ولده أو أساء إليه، فإنّ ذلك لا يسقط حقّه في البرّ والإحسان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1430(8/979)
البر بعد موت الأم ممكن وهل موتها يؤثر على رزق ولدها
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية أنا مواطن مصري حججت بيت الله وكنت من أهل مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم من الأيام. وقد جاءني عرض للعمل في مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم وشجعتني أمي لأني كنت خريجا جديدا وكنت محتاجا إلى أن أبني مستقبلي وأثبت ذاتي، مع العلم أن والدي كان متوفى وأنا العائل الوحيد لأسرتي المكونة من أمي رحمها الله وأختين أصغر مني اللتين لم تتزوجا إلي الآن، ولكن في وقت سفري كانتا لا تزالان تدرسان، واضطررت للذهاب إلي بلادي لرعاية شؤون أسرتي بعد صراع مع نفسي كبير، خاصة مع صعوبة استقدام أهلي للسعودية للقوانين هناك، مع أن والدتي كانت تشجعني على البقاء هناك، وعملت في بلدي وشاءت الأقدار أن أتعرف ببنت مصرية تعيش في الإمارات مع أهلها وأعجبت بأخلاقها في أول الأمر وذهبت لأهلها وخطبتها وشرطوا علي أنهم يرفضون العيش في مصر وأن الإمارات أحسن لهم، فاستخرت الله وعزمت الأمر على المضي في موضوع السفر بعد مباركة أمي على أن أستقدم أمي وأخواتي بعد ثباتي هناك، والقوانين في الإمارات تسمح بذلك، وبعد خطوبتي للفتاة لمدة ثلاثة أشهر وهي أيضا فترة عملي في الإمارات فؤجئت بأنهم يردون عقد القران في الإمارات، وكذلك أرادو التغيير من ما تم الاتفاق عليه من مبلغ يسمى القائمة عندنا بمصر- وهو المرادف للمهر مضافا إليه الأساس المنزلي- إلى ضعف المبلغ، إضافة إلي تغير أسلوب كلامهم معي إلي العنف مع أني كنت صريحا معهم ومستقيما من بداية الموضوع، وكنت أضع نصب عيني أن لي أخوات بنات في سن خطيبتي وقد أصابني هم وغم لكثرة ما أنفقت خصوصا وأنا كنت مدينا بجزء من ذلك وانقلب سروري حزنا، وانتقل ذلك لأمي وأخواتي، وبعد استخارة الله واستشارة أمي وأهل الخبرة قررت فسخ الخطبة وفوجئت بان أهل خطيبتي يرفضون إعطائي شبكتي مع أن الله يعلم أني صرفت فيها أكثر من طاقتي، وبعد شهر تقريبا توفيت أمي وذلك أحدث صدمة لي في حياتي وانطويت بعدها لأني حاسس أني السبب في ذلك لسفري بناء على طلب أهل خطيبتي وتركي لأمي وفشل خطبتي ودخلت في دوامة من الأسئلة وهي كالأتي:
أولا: هل كان من المفترض أن أوافق على كلام وشروط أهل خطيبتي وتغيير ما تم الاتفاق عليه وأرفض نصيحة أمي؟ وهل أنا ظلمت البنت بتركي إياها؟ وما هو حكم الإسلام في الشبكة بعد الترك؟
ثانيا: هل أنا آثم بتركي أمي التي أحبها بعد حب الله ورسوله وكانت تتمني تلاقيني قبل ما تتوفى ولكن القدر كان أسرع مني وأنا كنت بطيئا في السفر نظرا لحجز جواز سفري، مع العلم أني والله ما قصرت معاها في يوم أبدا وكانت تحبني جدا لأني ولدها الوحيد وكنت تحت قدمها. وما مدى صحة هذا الحديث جاء معاوية ابن جهامة السلمي فقال لرسول الله صلي الله عليه وسلم يا رسول الله أريد أن أجاهد؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسم: أمك حية؟ قال: نعم، قال: اذهب فبرها.
ثالثا: هل وجودي بجانبها أثناء احتضارها كان سوف يساعد على تخفيف الألم عنها، مع العلم أني سوف أصاب بالجنون من كثر التفكير بهذا لأني حاسس أني قصرت وأهملت ويأتي أمام عيني: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فهل أنا أهملت رعيتي؟
رابعا: هل رزقي سوف يقطع بسبب وفاة والدتي مع العلم أنها كانت تدعو لي كثيرا؟
أرجو أن ألاقي إجابات أكثر من شافية. وهل هناك وسيلة للتكفير عن ذلك مع العلم أني محافظ على صلاتي وأتصدق كثيرا عليها، وأدعو الله أن يرزقني الشهادة في سبيله عاجلا لكي ألاقي الله ورسوله وأمي لأنني سئمت الدنيا وما فيها من معاملات خادعة.
آسف للإطالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شيء عليك في فسخ الخطبة ورفض الشروط التي اشترطها عليك أهل خطيبتك، وليس ذلك ظلما، وأمّا الحديث الذي ذكرته فهو حديث صحيح رواه ابن ماجه والنسائي والحاكم، وبهذا المعنى وردت أحاديث أخرى في الصحيحين وغيرهما تفيد أنّ برّ الوالدين مقدم على الجهاد غير المتعين، وأنّ سفر الولد لهذا الجهاد لا يجوز بغير إذن والديه، وذلك لأنّ السفر للجهاد مظنة الهلاك، أمّا السفر الآمن للتجارة ونحوها فهو جائز بغير إذن الوالدين.
قال ابن نجيم (الحنفي) : وَأَمَّا سَفَرُ التِّجَارَةِ وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ لِأَنَّهُ ليس فيه خَوْفُ هَلَاكِهِ. البحر الرائق.
وعلى كلّ حال أنت قد سافرت بإذن أمّك فلا حرج عليك، ولا تأثم بتركها ما دمت قد تركت معها من يقوم برعايتها بعد سفرك.
أمّا وجودك معها حال الاحتضار فلا نعلم له أثرا على التخفيف عنها، وإنّما تختلف سكرات الموت حسب حال العبد من الإيمان والعمل الصالح، وقد يشدّد على المؤمن في السكرات زيادة في حسناته أو تكفيراً لسيئاته. وانظر الفتوى رقم: 71977.
واعلم أنّ برّك بأمّك ممكن بعد موتها وذلك بالدعاء لها والصدقة عنها وصلة الرحم من جهتها.
ولا أثر لموت أمّك على رزقك، فالرزق يبسطه الله ويقدره بعلمه وحكمته سبحانه، لكن التقوى وصلة الرحم من أسباب البركة في الرزق، كما أنّ الذنوب من أسباب الحرمان من الرزق، وانظر الفتوى رقم: 64270
وننبهّك إلى أنّ قولك: (شاءت الأقدار) خطأ، والصواب: شاء الله، أو: قدّر الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1430(8/980)
كيف تتعامل الزوجة مع أم زوجها دائمة الإساءة إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة رأي الشرع في كيفية التعامل مع أم الزوج إذا كانت تبدي تصرفات الواضح منها عدم الرغبة في الخير لي، فأنا لا أريد أن أغضب الله عزوجل، ولكنني لم أعد أستطيع تحمل الأذى، وفي الوقت نفسه لا أريد أن أجرح زوجي، فقد كنت في السابق أتجاهل تصرفاتها وأحتسب ذلك عند الله عزوجل وألتمس لها حسن النية، ولكنني تعبت من إخفاء ما يحدث عن زوجي، وأريده أن يفهم أنني لا أريد الاحتكاك بوالدته كثيراً لتجنب المشاكل والتوتر، ومشكلتها الرئيسية ـ أصلحها الله وهداها ـ أنها تكذب كثيراً حتى إنني أخاف في بعض الأحيان أن تقول على لساني أشياء لم أقلها، كما أنها تريد أن تنافسني في كل شيء، حتى في أن لا أكون جميلة في نظر زوجي، وتفعل ذلك بوصفي دائماً بالبدينة أمامه، وذات مرة قامت برمي الطعام الذي أحضرته في النفايات ـ أجلكم الله ـ وحين وصلتني هدايا وأنا عروس جديدة قامت بفتحها وأخذت منها دون أن تستأذنني والحمدلله الذي أغنى نفسي عن لعاعة الدنيا، ولكن أكثر ما آلمني أنني بعد تجديد النية ومحاولتي بدء صفحة جديدة معها بأن أنزلتها في غرفة نومي الخاصة، أنها بعد ولادتي أساءت لي كثيرا حتى أن غيري لاحظ ذلك مما سأذكره، وأنها ظلت تراقبني وأنا أرضع صغيري، وتسألني إن كان هناك حليب لتشكك وتسخر مني؛ لأترك الصغير بحجة أن لا حليب لدي، فبدلاً من أن تشجعني إلى أن تستقر رضاعته لدرجة أنها في مرة أخذته مني وظل يبكي، لأنه يريد أن يرضع وهي تتجاهل ذلك، وحين استقرت رضاعتي قالت لي ستضطرين إلى إعطائه الحليب الصناعي وسترين أن حليبك غير مشبع، رغم أنني ـ ما شاء الله ـ رزقت بغير ما تقول والحمد لله أرضع ابني كما أمرني رب العالمين، وأنا أشهد الله أنني لا أبالغ، وأحاول أن أزن الأمور كثيراً، ولكنها فعلت بي الكثير والمذكور أعلاه أمثلة فقط، وأنا لا أنكر أنها تحضر لي الهدايا، وأنا أحاول ردها أيضاً بهدايا أخرى، ولكنني أريد ما هو أثمن من ذلك، أريد الكلمة الطيبة والمودة، وأجد نفسي عاجزة عن أن أكمل في التجاهل فللإنسان طاقة وحدود، فهل أنا آثمة إن أفهمت زوجي بأدب ما يدور بيني وبين أمه حتى يعذرني في رغبتي لتجنبها؟ وهل أنا آثمة أيضا إن كنت أدعو باللهم اكفنيها بما شئت وكيف شئت؟ وهل أكون آثمة إن لم أستأمنها بوضع ابني عندها في المنزل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال على ما ذكرت من تصرفات أم زوجك معك، فإنها تكون مخطئة في هذه التصرفات ولا شك، فإن الكذب والسخرية بالمسلمين وأخذ أشياء الغير دون إذنه كل ذلك حرام، بل كل تصرف يقصد به إيذاء المسلم دون وجه حق فإنه محرم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي وصححه الألباني.
والذي نوصيك به هو الصبرعليها وعلى أذاها، واعلمي أن في ذلك خيراعظيما لك في الدين والدنيا، ولعل الله سبحانه يدفع عنك بسبب هذا الصبر كثيرا من البلايا في نفسك ومالك وولدك، فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء ومواطن العطب والهلكة.
فإن ضاق صدرك بذلك ولم تطيقي صبرا، فلا حرج عليك في أن تصارحي زوجك بمثل هذه التصرفات، ولكن برفق ولين، واحذري أن تجرحي أمه أو تنتقصيها أمامه، ولاحرج عليك بعد ذلك أن تقللي علاقتك بها بالقدرالذي يدفع عنك أذاها وضررها، مع الإبقاء على الحد المطلوب من الصلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1430(8/981)
هل تترك زيارة والديها لكونهما يؤذيانها
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ: عندي مشكلة مع أمي وأبي: فهم يكرهونني ويحسدونني، لأنني في خير ونعمة وحب مع زوجي وأولادي وإذا زرتهم يضربونني ويطردونني أنا وأخواتي من المنزل وأنا أزورهم من باب الوصل وبرالوالدين ولكن في الأيام الأخيرة زاد كرههم لي ومنعوا أخواتي أن يتواصلن معي، وأبي ضربني بالجزمة ـ أكرمك الله ـ وعصا المخمة وقالو لي لا تدخلي بيتنا أنا وأخواتي، علما بأن أم أمي موجودة على قيد الحياة وأبلغتها بالموضوع فقالت لي إن أمك عنيدة وتعصيني أيضا، وأفيدك ـ يا شيخ ـ أنني منذ كان عمري 7 سنوات وأنا لا أترك الصلاة والذكر ـ والحمد لله ـ ولا أضع حتى صبغ الأظفار لكي لا يمنع وصول الماء، يا شيخ ماذا أفعل إذا زرتهم سوف أضع نفسي في مخاطرة؟ لأن عندي أولادا، فالنصح لم يجد معهم من جميع العائلة حتى إخوان أمي لا يكلمونها، لأنهم غاضبون منها، فهل يجوز ـ يا شيخ ـ أن أتركهم ولا أزورهم مدة شهرين أو ثلاثه حتى تهدأ الأمور؟ مع علمي بأنها لن تهدأ.
وشكراً ـ يا شيخ ـ أطلت عليك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف واجب ـ مهما كان حالهما ومهما أساءا إلى ولدهما ـ فقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين الذين يأمران ولدهما بالشرك، قال الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} .
فالواجب عليك بر والديك والإحسان إليهما بما تقدرين عليه ولا يضرك في دينك أودنياك.
وإذا كان يلحقك ضرر بزيارتهما، فلا حرج عليك في ترك زيارتهما مع صلتهم بالاتصال بهم والسؤال عنهم واعلمي أن مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء، فكيف بالوالدين الذين هما أرحم الناس بولدهما؟.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1430(8/982)
هل تترك زيارة والديها لكونهما يؤذيانها
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ: عندي مشكلة مع أمي وأبي: فهم يكرهونني ويحسدونني، لأنني في خير ونعمة وحب مع زوجي وأولادي وإذا زرتهم يضربونني ويطردونني أنا وأخواتي من المنزل وأنا أزورهم من باب الوصل وبرالوالدين ولكن في الأيام الأخيرة زاد كرههم لي ومنعوا أخواتي أن يتواصلن معي، وأبي ضربني بالجزمة ـ أكرمك الله ـ وعصا المخمة وقالو لي لا تدخلي بيتنا أنا وأخواتي، علما بأن أم أمي موجودة على قيد الحياة وأبلغتها بالموضوع فقالت لي إن أمك عنيدة وتعصيني أيضا، وأفيدك ـ يا شيخ ـ أنني منذ كان عمري 7 سنوات وأنا لا أترك الصلاة والذكر ـ والحمد لله ـ ولا أضع حتى صبغ الأظفار لكي لا يمنع وصول الماء، يا شيخ ماذا أفعل إذا زرتهم سوف أضع نفسي في مخاطرة؟ لأن عندي أولادا، فالنصح لم يجد معهم من جميع العائلة حتى إخوان أمي لا يكلمونها، لأنهم غاضبون منها، فهل يجوز ـ يا شيخ ـ أن أتركهم ولا أزورهم مدة شهرين أو ثلاثه حتى تهدأ الأمور؟ مع علمي بأنها لن تهدأ.
وشكراً ـ يا شيخ ـ أطلت عليك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف واجب ـ مهما كان حالهما ومهما أساءا إلى ولدهما ـ فقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين الذين يأمران ولدهما بالشرك، قال الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} .
فالواجب عليك بر والديك والإحسان إليهما بما تقدرين عليه ولا يضرك في دينك أودنياك.
وإذا كان يلحقك ضرر بزيارتهما، فلا حرج عليك في ترك زيارتهما مع صلتهم بالاتصال بهم والسؤال عنهم واعلمي أن مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء، فكيف بالوالدين الذين هما أرحم الناس بولدهما؟.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1430(8/983)
حرمة التدابر بين الإخوة من النسب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد احترت في أمر إخوتي، فالعلاقة الأخوية بينهم تزداد سوء يوما بعد، خاصة في هذا الشهر الكريم، فأخي الأوسط أصبح غير مرغوب فيه من طرف الإخوة الباقين وزوجاتهم، إذ كلما ذهب إلى بيت الوالد- رحمه الله- يجد استقبالا غير لائق أبدا، إذ لا يرحبون به ولا يلقون التحية عليه، وينظرون إليه نظرات كره وعدوانية، وأصبح بالنسبة إليهم، لا يصلح البتة، بالرغم من أنه يقدر قيمة الرابطة الأخوية، ويعطيها حقها، ولكن للأسف الشديد وبالرغم من محاولاته المتعددة لإصلاح الأمور، بقي الأمر على ما هو عليه.
فما هو حكم الشرع في هذه المعاملات؟ وبماذا تنصحون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدابر والتهاجر بين المسلمين، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. صحيح مسلم.
وإذا كان التدابر بين الإخوة من النسب فهو أشدّ، فإنّ قطيعة الرحم من الكبائر، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.
فالذي ننصح به هؤلاء الإخوة أن يتعاملوا فيما بينهم بالإحسان والخلق الطيب، وينبغي لكل طرف أن يتسع صدره للآخر، ويتغاضى عن زلاته، ويتخير الكلمات الطيبة، والألفاظ الحسنة، فقد أرشدنا القرآن أن نتخيّر الكلام الحسن حتى لا ندع مجالاً للشيطان ليفسد بيننا، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً. {الاسراء:53} .
ويجب على الأخ الأوسط أن يداوم على صلة إخوته ولا يحمله ما بدر منهم على قطيعتهم، فقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. صحيح البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1430(8/984)
موقف الأخ من أخيه إذا كان يؤذيه ويهدد بقتله
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ من أبى أنا لا أداوم على الصلاة أما هو فلا يصلى بالمرة، أبى كتب بيتنا الذي نعيش فيه باسم أمي المطلقة منه والتي تعيش معي بالبيت، وأخي أيضا له شقة بنفس البيت وهذه هي الطامة الكبرى فأدخل أهل السوء إلى هذا الأخ أن هذا من تدبيري وأنى طامع بحقه، ولأنه جسد فيل ومخ أقل من العصفور ولا يفهم ولا يفكر إلا بالشر والوقيعة والخديعة والسرقة فقط لا غير ففعل بعض الأفعال لكي يأخذ نصف البيت بالقوة، أفعال لا تليق ورغم أنى أقسمت له أني سأعطيك ما تريد، وأمي أقسمت له أن يأخذ زيادة عن حقه في مقابل ألا يتفرج علينا الناس.
أنا لا أكلمه سنين طوالا وحينما أصالحه يحاول جاهدا أن يوقع بي في مشاكل عديدة أو يوقع بيني وبين أبي الذي يحبني عنه كثيرا، وبلغ به الأمر مرة من المرات أن أمر زوجته بضرب أبيه بالحذاء ولبت هي الطلب وفي تلك الأيام كان يجمع الناس لي ويقول في ما لا يطاق وبلا رد مني، وكل يوم يهدد بقتلي وأن يذبحني مثل الدجاج ويخاف علي الجيران والأهل منه لأنه بالفعل إنسان يعلم عنه الجميع أنه بلا قلب ولا عقل، وكانوا يقيمون عنده خوفا أن يفعل بي شيئا، وأنا أخرج وأدخل أنا وأمي بحراستهم في أغلب الأيام، وفى بعض الأيام يتراضى هذا الأخ إن كان يجوز القول عنه أخ، أخرج وأدخل بحرية أيام ويعود لهذه الأفعال من جديد ربنا جعل أحد المعارف يقول لي إن الظفر لا يخرج من اللحم وإنى بمجرد أن أقف أمامه سينتهي كل شيء فهو يحبني ولن يؤذيني، وفي أحد الأيام وأنا خارج البيت أثار زوجتي بكلامه سوف أيتم لك أولادك، سأجعلك أرملة، سأذبحه أمامكم لابد من قطع رقبته بين أحضانك، فعندما عدت إلى البيت أغمي على زوجتي فطلبت سيارة لتنقلها إلى المستشفى وإلى أن جاءت السيارة كانت أمي قالت لي على ما حدث وأن هذا سبب إغمائها فابتسمت وقررت أن أرى آخر هذا البرنامج الذي سار يوميا عندي فركبت زوجتي السيارة والناس جميعا موجودون بالشارع وهو وحده داخل شقته فدخلت عليه وحدي في غفلة من الموجودين وقلت له بالحرف وأنا رافع يدي ليرى أنى لا أحمل له شيء أنا قدامك إن كنت تريد أن تقتلني فاقتلني، قال بالحرف: هذا ما الذي أريد من زمان ورفع قميصه وقد خبأ تحته سكين حاد وكبير وهجم بالفعل علي وأكرمني الله أن أفلت منه وتدخل أحد أعمامنا بيننا فأصيبت يده
ومن يومها ونحن نشرف على سنتين إلى يومنا هذا لا أكلمه، وفي خلال هذه المدة يصدر منه ما يجعلني أكاد أجن، يوما يلاعب أولادي وأياما يسب لهم بالدين وأقبح الشتائم، لي عنده بعض المال الوفير أنكره وجعلني مديونا له وعمه قال له حرام عليك الفلوس دفعها لك لتخرج من السجن فتنكرها قال هذا ما عندي
هو معتمد على قوته البدنية وأنه يفعل ما يشاء ولن يقدر عليه أحد، وأنا أقسم بالله أعامل الله فقط وأخاف أن أقف أمامه لقول النبي القاتل والمقتول في النار. فأعلموني يا أولى العلم هل عليه ذنب بسبب الخصام هذا؟
هل لو مرة لم أتحمل وقمت بعراك معه ما هو الوضع الديني لي سواء قاتل أو مقتول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأول ما ننصحك به هو المحافظة على الصلاة فلا شكّ أن الصلاة أعظم أمور الدين بعد الإيمان، ولا حظَّ في الإسلام لمن تركها، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ولمعرفة ما يعينك على المحافظة عليها راجع الفتوى رقم: 3830.
وإذا كان أخوك تاركاً للصلاة فلا عجب أن تصدر منه هذه الأفعال فإنّ من ضيّع حقّ الله فهو لحقّ غيره أضيع.
أمّا عن مقاطعتك له فإن كان ذلك لما يلحقك من ضرر منه فلا حرج عليك في المقاطعة.
قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وأمّا عن حكم مقاتلتك له، فلا يجوز لك ابتداء مقاتلته لكن إذا قاتلك فدفعت عن نفسك فلا حرج عليك ويدفع بالأخف فالأخف ومن ذلك الفرار منه ولو لم يندفع إلّا بقتله فقتله هدر، فعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِى؟ قَالَ: فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِى؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ:أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِى؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِى النَّارِ. رواه مسلم.
وينبغي أن تداوم على نصحه بالكلمة الطيبة ما استطعت، وتستعين بأهل الخير ليناصحوه ويأخذوا بيده إلى طريق الهداية والصلاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1430(8/985)
مدى وجوب البر بزوجة الأب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل البر بزوجة أبي المتوفى واجبة شرعا؟ علما بأن لها أولادا ـ وقد ظلمتني عندما أقنعت والدي أن يسجل كل ما يملك لأولادها قبل وفاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب عليك بر زوجة أبيك، لكن ينبغي لك الإحسان إليها وبرها بوصفها من أهل ود أبيك حفاظا على عهده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي. رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وتسجيل والدك كل أملاكه لأولاده من هذه المرأة لا يخلو من أمرين، أولهما: أن يكون على وجه الوصية فتكون وصية لوارث وهي باطلة إذا لم يجزها بقية ورثة أبيك، لما ثبت في الحديث الشريف أنه: لا وصية لوارث.
ثانيا: أن يكون على وجه الهبة وهي مكروهة عند الجمهور، ولكنها نافذة ـ ولو مع عدم وجود سبب يقتضي تفضيل أولاد تلك الزوجة على غيرهم ـ لكن بشرط أن يحوزها الموهوب لهم الحيازة الشرعية قبل مرض موت أبيك، فإن لم يحوزوها قبل ذلك كانت في حكم الوصية أيضا، وذهب بعض العلماء ـ وهي رواية عن أحمد ـ إلى أنه يحرم تفضيل بعض الأولاد على بعض في الهبة لغير سبب يقتضي ذلك وترد تلك الهبة المحرمة ـ ولو بعد وفاة الأب ـ فإن كان التفضيل لسبب مشروع كمرض بعض الأولاد، أو كثرة عياله، أو اشتغاله بتعليم شرعي ونحو ذلك فهو مباح، والراجح عندنا مذهب الحنابلة، كما تقدم في الفتوى رقم: 27738.
وراجع المزيد في الفتويين رقم: 123771، ورقم: 107734، وينبغي محاولة التفاهم مع إخوتك وأمهم في الأمر وأن لا يكون المال سببا للقطيعة بينكم، فإن لم يمكن التفاهم معهم في الأمر ولم ترضوا أنتم به فلا مناص من رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية لتبت فيه، وزوجة أبيك تعتبر آثمة إذا كانت قد أقنعت والدك بتفضيل أبنائها في الهبة لغير سبب شرعي، لأنها صارت سببا في وقوع هذا الفعل المحرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1430(8/986)
من العقوق رفع الصوت على الوالد وأخذ ماله دون علمه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي والد لا يقصرمعي في شيء، ويعطني ما أطلب، ولكن لا يعطيني المال عندما أطلبه منه إلا بعد عناء طويل يمكن أن يصل إلى العصبية، وبعض المرات لا أتمالك نفسي وأنفعل كثيراً وأرفع صوتي، وهذا يسميه عقوقا بالولدين، وأنا لا أريد أن يحصل ذلك، فأختصر الموضوع بأن آخذ منه من دون أن يعلم ولكن يعلم في النهاية أني أخذت منه المال من دون علمه، لكن لا يقول لي شيئاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأدب مع الأب والحرص على رضاه والإحسان إليه والبعد عما يسخطه واجب شرعي من آكد الواجبات، فقد قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا. {الأحقاف:15} .
ورفع الصوت على الوالد والانفعال في التعامل معه وسرقة ماله يعتبر مخالفا لإرضاء الوالد والإحسان إليه وهو محرم شرعا، فقد قال ابن الصلاح في فتاواه: العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد. انتهى.
ولا يفيدك في الأمر سكوته بعد العلم بأخذك المال ما دمت لست متأكدا من إذنه، فالواجب عليك أن تتوب من كل ما يسخط الوالد، وأن تستسمحه فيما أخذت من المال، فإن لم يسامحك وجب عليك أن ترده لما في الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
هذا إذا كان الأب ليس مقصرا في النفقة الواجبة عليه، وأما إن حصل منه تقصير فيما يجب عليه من النفقة وكنت عاجزا عن كفاية نفسك فيجوز أن تأخذ من ماله بقدر الكفاية لقوله صلى الله عليه وسلم لهند: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف. متفق عليه.
وقد قدمنا الكلام على هذا الموضوع في فتاوى سابقة فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 30148 31157، 21859، 71771، 100770.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1430(8/987)
حق الوالدين في المصاحبة بالمعروف ثابت في كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[يعتمد والداي أسلوب التدليل المفرط لإخوتي فيبذخون عليهم وعلى أسرهم بالمال لدرجة الإفساد، وهذا لاعتقاد والدي ووالدتي بأن هذا الأسلوب يبقيهم بموقع السيطرة، فإخوتي لديهم أنانية مفرطة ولو لم يقدموا لهم الماديات لن يرتبطوا بهم أو يبروهم،ولأن اثنين من إخوتي كانا بوضع صحي خاص في طفولتهم قاما بتدليلهم بإفراط واستمر الأمر ليشمل زوجاتهم وأولادهم ويشمل بقية الأخوة المعافين صحيا، فأصبح الأمر مزمنا ولا يمكن التراجع عنه فهو نمط يتبعونه،وكنت الوحيد الذي اعتمدت على نفسي في تعليمي وزواجي وأرفض الاعتماد إلا على ربي أولا ثم رزقي دون الحاجة لأحد، ورغم تبدل حال والدي المادي وتراجعه كثيرا إلا أنه لم يستطع إيقاف هذا النزيف فالجميع اعتاد الأخذ منه، واستخدام أبي للخدمات، وقد أكرمني الله بوضع مادي أفضل من إخوتي رغم أنهم بأحسن حال وبأعلى مراتب تعليمية ووظيفية وهم أغنياء، والداي يرغبان وبشدة أن أتولى المسؤولية بعد والدي فيستمر مسلسل الإفراط المادي والخدمات، كما ضموا زوجتي واعتقدوا أنها مسؤولة عن خدمة العائلة وزوجات إخوتي وأولادهم، صبرت سنوات طويلة أحسن لهم، أقدم لهم ما أستطيعه مع إفهامهم بالحسنى أن هذا أمر لا يجوز أن يكون بالإجبار، وأنني وزوجتي نساعد بما نريده خالصا لوجه الله ونقدر عليه خاصة أنهم أغنياء وليسوا بحاجة أبدا، بل بالعكس يعيشون بترف أكثر مني أنا ويبذرون ويكثرون من الكماليات والسفر والسياحة، فبدأت أنسحب تدريجيا من هذا الاستغلال الذي يستغلوني إياه وليته بالحسنى ومع حسن تعامل بل مع محاولة فرض أنك مجبر على خدمة الجميع وأنت ذليل وغصبا عنك، فإخوتي للأسف كإخوة يوسف تماما تملؤهم وزوجاتهم الغيرة والفضول لاقتحام أسوار أسرتي والاطلاع على ما فيها ثم الغيرة والحسد والإهانات والمشاكل التي ضقت ذرعا بها، ومع انسحابي التدريجي وإدراكي لما يجري ومحاولتي وضع النقاط على الحروف وإرجاع الأمور لنصابها الصحيح، بحيث أبر والداي، وأتواصل مع إخوتي بالحق ودون استغلال وإهانات بدأ كل من والداي بالإساءة المعنوية لي ولأسرتي، محاولة إهانتنا تتفيه كل ما يخصنا، وتمني الشر لنا، تمني أن أترك عملي وأن أبقى عاطلا، كما بدأوا بالتكتل والعمل كأحزاب ضدنا للأسف بمستوى لا أقبله على نفسي، وظهرت تصرفات نسوية -للأسف حتى من إخوتي الرجال- لا أخلاقية تنافس ومقاطعة ورمي كلام جارح، وتصرفات لا تمت للرجولة، أصبح الأمر لا يطاق وهم يستغلون تديني وأني لا أريد أن أعامل أحدا إلا بالحسنى ولا أريد التصادم مع أحد فتمادوا في إهانتي وتعدوا لإهانة زوجتي والتأثير في نفسية أطفالي، أصبحت الإساءات أشد وتمني الشر مجاهرة، والغريب أن والداي لم يحاولا حث بقية إخوتي على احترامي لأكون لهم سندا بل اتبعوا أسلوب الإجبار وأنك مجبر وتحت الإساءة وتحت الذل لإخوتك أن تخدم الجميع وهذا لأني أصغرهم رغم أني على مشارف الأربعين الآن!
هذه السنة ضقت ذرعا بما يجري ولم أعد أحتمل أكثر فالإساءات عظمت وأنا أحسن وهم يسيؤون بما يؤثر على أسرتي وعلى علاقتي بزوجتي وعلى نفسية أطفالنا، فقررت أن يقتصر تعاملي مع إخوتي دون النساء لأني أريد حماية زوجتي مما عانته منهن، ولكن إخوتي طبعا لم يعجبهم فهم يريدون بيتي فندقا ومتنزها لزوجاتهم وأطفالهم، واختار إخوتي القطيعة التي تغلبت عليها بإرغامهم على السلام والكلام حين ألقاهم في الشارع أو المسجد ولكن نفوسهم تحمل علي كثيرا ولا يوجد أدني محبة -هي لم تكن محبة أصلا وإنما علاقة استغلال-
وأما والداي وهم من يخصهم السؤال، أصبحنا نزورهم زيارات قصيرة وسريعة ومتباعدة قليلا لكي لا أترك للإساءة مكانا، ولكنهم أيضا لا يتوانون في أي لحظة لتحقيرنا والإساءة لنا ظانين أن هذا الأسلوب سيرضخنا لرغبتهم بأن نكون خدما وممولين لبقية العائلة على غير حاجة.
أحاول أن ألاطفهم أن أهديهم أتصل بهم، أضحكهم أمازحهم ولكنهم لا يرضون وبالعكس يسيؤون لي، فإما خادم لإخوتي المسيئين وإلا فمغضوب علي، أنا منذ فترة اغتربت. ما حدود التواصل مع والداي؟ رغم أن أي اتصال لي معهم فإنهم يسيؤون لي وتبدأ أمي بتسميعي أني مقصر مع الجميع، وأني لا أحقق رغبتهم وأتفاجأ بأن إخوتي يطعنون بظهري وينقلون لها كلاما كذبا عني ويحاولون بالكذب والبهتان تشويه صورتي عند والداي وقد حققوا ذلك بالفعل، وأنا أصبر وأحتسب ولكن ما الفائدة وأنا لا أستطيع نيل رضاهم وبرهم فهم يمنعوني من ذلك والبر لديهم أن أحقق رغبتهم تلك وهي فوق طاقتي واحتمالي.
إجازتي عندهم تكون كالجحيم إذ يقتنصون الفرص لإهانتي ولقطع طريق البر علي؟
حتى أن عملي في الخارج الآن هم له كارهون لأنه يدر علي رزقا جيدا، يصر والدي أن أترك العمل وأعود وأن أعيش كإخوتي وبينهم وفقط، وقد سئمت من كثرة إلحاحه على هذا الأمر دون وجه حق، بينما يتمنى لإخوتي الاغتراب.
سؤالي: كيف أبر والداي وهم يرفضون بري بشكله الطبيعي ويأبونه إلا بطريقتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلنبدأ بمحل السؤال وهو ما يتعلق ببر الوالدين فإن هذا الأمر من أوجب الواجبات على الولد حيث عظم الله تعالى من حقهما عليه وقرنه بحقه فقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. {لقمان:14} . فيبقى هذا الحق ثابتا لهما كيفما كان حالهما تجاهك من الإساءة.
ونوصيك بالصبر عليهما والاجتهاد في مداراتهما وصلتهما بما يمكن من الزيارة أو الاتصال عليهما أو الإهداء لهما ونحو ذلك، وإن كنت تتضرر من كثرة زيارتهما فلا بأس بتقليلها.
وأما أمر الإنفاق فلا يلزمك شرعا الإنفاق عليهما ما داما غير محتاجين، ولا يلزمك أيضا الإنفاق على إخوتك خاصة وأنك ذكرت أنهم ينفقون الأموال في الترف والبذخ، ولا يلزمك طاعة والديك فيما يلحقك منه ضرر كأمرهما إياك بالإنفاق على إخوتك، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين، وليس من المعروف أن يأمر الوالدان ولدهما بما فيه ضرر عليه.
وقد سبقت لنا عدة فتاوى في ضوابط بر الوالدين فراجع منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 59104، 66431، 76381 وإذا غضب منك والداك بغير وجه حق فلا يعتبر ذلك عقوقا منك لهما.
وما حصل لإخوتك من أمر التدليل فهو نتيجة لعدم اعتدال الوالدين في أمر التربية، وما يحدث من هؤلاء الأولاد من حياة الترف ومحاولة الاعتماد على الغير فمن الحصاد المر لما زرعه أبواك، والأغرب في الأمر أن يستمر والداك في محاولة تدليلهم وإصرارهم على إنفاقك عليهم.
فنوصيك أيضا بالصبر على إخوتك، وإن كنت تصلهم وهم يقطعونك فأنت السابق للخير، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وإن أمكنك مناصحتهم بطريق مباشر من باب الشفقة عليهم فافعل، ويمكنك أن تستعين ببعض العقلاء من أهلك كالأعمام والأخوال وغيرهم من الفضلاء في محاولة الإصلاح، ولا تنس أن تكثر من دعاء الله تعالى.
وأما زوجتك فلا يلزمها شرعا أن تصل إخوتك أو زوجاتهم إن لم يكن بينها وبينهم رحم، وعلى فرض وجود الرحم فيجوز لك منعها من زيارتهم ويجوز لها هي الامتناع من زيارتهم إن كانت تتأذى بهذه الزيارة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1430(8/988)
هل تجب خدمة الوالدين الكبيرين على الأبناء أم البنات
[السُّؤَالُ]
ـ[من أحق شرعاً بخدمة الوالدين ـ إن كانوا كبارا ومرضى؟ وهل هو الابن المتزوج ـ من خلال إجبار زوجته على حسن رعايتهما والعمل على خدمتهما؟ أم البنت المتزوجة من رجل وتسكن مع زوجها؟ وأرجو تفصيل حكم خدمة كل واحد من الأربعة المذكورين آنفا للوالدين: الابن، وزوجته، أوالبنت، وزوجها.
وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخدمة الوالدين عند الحاجة لكبر أو مرض ونحوهما واجبة على أولادهما الذكور والإناث معاً وبالتالي، فإذا لم يوجد لهذين الوالدين إلا ابن متزوج وبنت متزوجة، فالواجب على الابن والبنت رعاية والديهما وخدمتهما مباشرة أو بأجرة ـ إن حصلت الكفاية بذلك ـ فهذا حق للوالدين عليهما، ففي الموسوعة الفقهية: أما خدمة الولد لوالده، أواستخدام الأب لولده فجائز بلا خلاف، بل إن ذلك من البر المأمور به شرعاً، ويكون واجباً على الولد خدمة أو إخدام والده عند الحاجة. انتهى.
وقال الخادمي الحنفي في بريقة محمودية متحدثاً عن حقوق الوالدين: إذا احتاجا إلى الخدمة خدمهما. انتهى.
وفي غذاء الألباب للسفاريني: ومن حقوقهما خدمتهما إذا احتاجا أو أحدهما إلى خدمة. انتهى.
وتجدر الإشارة إلى أن حق الزوج على الزوجة آكد من حق الوالد، وبالتالي، فإذا لم يسمح الزوج للزوجة بالخدمة، فإنها تخدم والدها باستئجار خادم أو المشاركة في أجرته، أما زوجة الابن فلا يجب عليهما خدمة والدي زوجها، ومن تطوعت بذلك نالت الأجر والثواب، وكذلك الأمر بالنسبة لزوج البنت، وراجع الفتويين رقم: 43328، ورقم: 116381.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1430(8/989)
هل دعاء الأم يكون سببا في عدم التوفيق في الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إن دعت الأم على الابن وهل يستجاب دعاؤها إن ألزمته بشرط أو كانت متعصبة وقتها، مع العلم بأني لم يصاحبني التوفيق في امتحاناتي، فهل من الممكن أن يكون ذلك سببا من ضمن الأسباب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدعوة الأم على ولدها من الدعوات المستجابة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده. رواه أبو داود والترمذي. ولكن من فضل الله أن الدعاء الذي يصدر بغير قصد حال الغضب لا يستجاب، قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {يونس:11} ، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه- لطفاً ورحمة. تفسير ابن كثير.
ولكن ينبغي الحذر من مثل هذا الدعاء فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم.. رواه مسلم في صحيحه.
وعلى ذلك فقد يكون ما أصابك من عدم التوفيق في الدراسة بسبب دعوة أمك، فالواجب عليك الحذر من إغضاب أمك والحرص على برها وطاعتها في المعروف فإن حق الأم عظيم ... واعلم أنك إذا قمت بما يجب عليك نحوها من البر والإحسان فلا يضرك بعد ذلك غضبها منك أو دعاؤها عليك إذا كان بغير حق. وانظر لذلك الفتوى رقم: 65339.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(8/990)
الإنفاق على الإخوة المحتاجين يعد صدقة وصلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاده علينا وعليكم العيد بالمن والسلوى, إخوتي في الله لدي سؤال شغل بالي وتفكيري كثيرا: وهو أنني في الحقيقه ليست علاقتي جيدة مع إخواني، بل على العكس فهي جداً رديئة، ولست أنا المخطئة، بل أنا من سماتي الشخصية أن لا أعتدي على أحد إطلاقا ـ ولا أزكي نفسي طبعا ـ ولكن من اعتدى علي فليتحمل ما يأتيه، المهم بما أنني أنا الكبيرة وأنا العاقلة قررت أن أصلح الأمور فيما بيني وبينهم، وقررت أن أحسن إليهم، برغم أنني فعلتها لهم كثيراً، وما كانت ردة فعلهم، إلا الاستهزاء والسخرية، بل إنها وصلت بهم إلى أن يقولوا لي عندما أنفق عليهم من أموالي تستاهلين، لم أنفقت علينا؟ نعم تستحقين أن أموالك ذهبت فينا، أي إنهم يجازونني بالجحد والإنكار، وحقيقة أنهم لا يهمونني إطلاقا، بل إنني أعتبرهم كقطعة أثاث أو اكسسوار، لا قيمة لها، ولكن فكرت فيها لوجه الله ولبعض المصالح الشخصية، فهل لو أحسنت إليهم لوجه الله تعالى كي أكون واصلة لرحمي ومحبة لهم يقبل مني ذلك ويكون لي أجر على عملي؟ ـ أرجو التفصيل في هذه النقطة ـ وهل لو ابتعت لهم بعض الهدايا ـ خاصة وأنهم من النوع المادي ـ بنية الصدقة أولاً، وثانياً لكي أصل رحمي، وثالثا إدخال البهجة لقلوبهم, قبل مني ذلك واعتبر صدقة؟ أتدري لماذا سألتكم؟ لأنني إن فعلت هذا لوجه الله وواجهوني بالنكران والسخرية ـ كما فعلوا سابقا ـ فلن أندم على إحساني لهم إطلاقا كما سبق وشعرت به، لأنه لوجه الله ولن أنتظر منهم الأجر، فالأجر من الله تعالى، وإن لم يحتسب لي ذلك فالأوفر مالي ووقتي وإحساني أفضل لي، أرجوكم رجاء خاصا أن تردوا علي عاجلاً قلت: أرجوكم ـ فأنا لم يبق معي شيء لكي أبتاعه لهم كهدايا، وأخاف إن أطلتم علي أن أنفقها، وخير البر عاجله، أرجوكم أجيبوا على سؤالي بسرعة، واحتسبو أجركم عند الله وأنكم أصلحتم بين الأهل.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى الشرع عن التدابر والهجران بين المسلمين، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. صحيح مسلم.
والتدابر والهجران بين الإخوة والأخوات من النسب أشد، فإن بينهم رحماً قد أمر الله بصلتها ونهى عن قطعها فعن جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قاطع. متفق عليه.
فينبغي لك أن تحرصي على صلة إخوتك والإحسان إليهم ولو أساءوا إليك، ابتغاء مرضاة الله وحده، فقد رغب الشرع في ذلك ووعد عليه بالأجر العظيم، فعن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهيرعليهم ما دمت على ذلك. صحيح مسلم.
تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار.
وإذا كان إخوتك محتاجين فإنفاقك عليهم صدقة وصلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على الرحم صدقة وصلة. رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي.
واعلمي أن صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سرة أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه. متفق عليه.
والخلاصة أن إحسانك إليهم ابتغاء مرضاة الله تعالى عمل صالح نرجو أن يثيبك الله عليه، فإنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(8/991)
أبوهم لا يصلي ومدمن خمر ويأخذ المال بغير حق
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تأخدوا استشارتي بعين الاعتبار: نحن عائلة مكونة من 7 أفراد، مشكلتي هي أن الوالد شارب الخمر لا يتوقف حتى لليلة من رمضان، ووالدتي الحمد لله ملتزمة فهو يعاديها بسبب أنها تنهاه عن المنكر، كما أنه بخيل رغم المال الدي يكسبه، وهو لا يزكي وكذلك لا يصلي ولا يصل الرحم حتى أمه، كما أنه يسرق الكهرباء كي لا يدفع ثمنها ونحن نستعملها رغم أن أمي نهته عن هذا، وحتى أثاث البيت يجلبه من غير حق. فبالله عليكم دلونا على ما نفعل؟ وهل عيشتنا في هذا البيت حرام من كل هذا حتى إن أمي أحيانا تفكر بالطلاق لعدم تحمله للمسؤوليات وهجره بالأشهر لنا. أرجو ردكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان والدكم بهذه الحال التي ذكرت فهو على خطر عظيم، والواجب عليكم نصحه أن يبادر بالتوبة إلى الله عزّ وجلّ من هذه الكبائر والتي أعظمها خطراً ترك الصلاة، فإنّ الصلاة أعظم أركان الدين، ولا حظَّ في الإسلام لمن ضيّعها، أمّا انتفاعكم بماله فما كان منه حراما بعينه كالمغصوب والمسروق فلا يجوز لكم الانتفاع به، وأمّا المال الذي يختلط فيه الحرام بالحلال فيجوز لكم الانتفاع به، وانظر الفتوى رقم: 18124.
وينبغي لأمكم أن تبذل جهدها لنصح زوجها وإعانته على التوبة من هذه المنكرات، فإن لم ينفع معه ذلك فعليها طلب الطلاق، وراجع في حكم بقاء الزوجة مع زوجها التارك للصلاة الفتوى رقم: 5629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1430(8/992)
مخالفة الأبوين في هذه الأمور ليست من العقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي وأمي وإخوتي يعاملونني بقسوة وهجرأنا وزوجتي، على الرغم من معاملتي اللينة لهم، كما أن أبي يأمرني بخلع زوجتي للنقاب، وكذلك يأمرني بعدم ذهابي أو ذهاب زوجتي إلى أهلها، وأنا خائف من الدخول فى عقوق الوالدين إذا لم أنفذ ما يقولون، فماذا أفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزمك طاعة والديك في أمر زوجتك بخلع النقاب أو منعها من زيارة أهلها، بل ولا يجوز لك طاعتهما في شيء من ذلك، وينبغي أن تسعى في إقناعهما برفق وأدب، فإن أصرّا على طلبهما فليست مخالفتك لهما في هذه الأمور من العقوق المنهي عنه، فإنّ الطاعة إنّما تكون في المعروف، لكن عليك برّهما وطاعتهما في المعروف والإحسان إليهما مهما أساءا إليك، فقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14} .
وكذلك ينبغي أن تحرص على صلة إخوتك والإحسان إليهم وإن أساءوا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم.
تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار.
واعلم أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء، فكيف بالوالدين اللذين هما أرحم الناس بولدهما؟.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1430(8/993)
هل يهجر الأخ أخاه لهجره أباه وعقوقه له
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي يتدخل في عمل أخي الاكبر ويصفه بسوء التصرف, فقام أخي بمقاطعة أبي منذ سنة تقريبا, لا يكلمه ولا يزوره أبدا سواءا في مرض أو عيد أو مناسبة. حاولت مرة محاولة عابرة أن أكلم أخي فوجدته رافضا تماما ولا حتى إثارة هذا الموضوع محتجا بأن أبي هو الظالم.
سؤالي: أبي أصبح اليوم يحزنه الأمر وأكثر غضبا مني ومن بقية الأهل على عدم نصح أخي, وهو يرى أنه يجب علينا مقاطعته تماما ما لم يرجع. فهل هذه المقاطعة جائزة شرعا إن رفض أخي الرجوع بعد التحدث معه ونصحه قدر المستطاع بوجوب بر أبي. أفيدوني أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهجر الأب لا يجوز بحال، وما فعله أبوك مع أخيك لا يبيح له هجره ومقاطعته، سواء كان الأب ظالما أو لا؛ لوجوب بر الوالدين على كل حال لقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً. {الإسراء:23} .
وعليك بمعاودة نصح أخيك وتخير السبل المناسبة لإقناعه بالعدول عن مقاطعة الأب. فإن أبى إلا الإصرار على هجر أبيه ومقاطعته، فهنا يشرع لك هجره ومقاطعته، ويتأكد ذلك إذا أمر به الأب, ولا يعد هذا من قطيعة الرحم إذا كان بهذه النية؛ فإن الهجر المحرم هو هجر من لا يستحق الهجر، وأما أخوك فقد استحق الهجر بسبب عقوقه لوالده، والعقوق من أكبر الكبائر كما روى الشيخان وغيرهما من حديث أبي بكرة عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور.....
وانظر لمزيد الفائدة الفتويين: 24983، 119581.
كما ننصح الأب بأن يحسن معاملة ابنه، ويوجهه بالأسلوب الحكيم الحسن، وأن يتجنب ما من شأنه أن ينفّر ابنه منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(8/994)
هل موافقة الشاب على قائمة المنقولات دون رضا والديه يعد عقوقا لهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مخطوبة منذ حوالي سنة، والمفروض أننا سنتزوج في أوائل 2010. المشكلة من الأهل الوالدة ووالدته لا تتحدثان مع بعض من فترة ما يعادل 6 شهور، والآن يعاندون مع بعض لدرجة أنهما كانتا متفقين على القائمة وبعد ذلك الأم رجعت ولايريدون أن يكتبوا. المهم الولد متأثر بالكلام ولا يريد أن يكتب، وأهلي مصممون عليها. ماذا أفعل؟ هل يجوز أن يكتب من ورائهم؟ وهل يكون عقوق والدين؟ أرجو الرد لأني أنهار لأني أنا وهو متمسكان ببعض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لهذا الخاطب أن يوقّع على قائمة المنقولات، دون علم أهله ما دام هذا الأمر ليس فيه ما يخالف الشرع أو يوقع عليه الضرر، ولا يكون ذلك عقوقاً لوالديه، لكن الأولى أن يسعى لإقناع أمّه بذلك، وعلى كلّ حال فعليه أن يبرّ أمّه ويحسن إليها ويطيعها في المعروف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(8/995)
حكم نزع الوكالة من الأب بسبب فسقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن الأب المدمن للخمر وحكمه في الإسلام، وكيف يعامل؟ وهو موكل بأموال أخواتي، وهو مسافر رآه بعض الناس في أماكن السهر واللهو، هل يجوز إلغاء توكيله أم لا؟ وأمي تريد الطلاق منه، هل يجوز لها ذلك؟ وجزاكم الله كل خير، وعمر الوالد ستون عاما وقد قام بأداء فريضة الحج وبأداء العمرة وقمنا بنصحه، ومضى علينا عشر سنوات نقدم له النصح ولم يستجب، وهو تارك للصلاة.
أرجوكم، أريد الإجابة حتى لا نقع في عقوق الوالد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوكالة في الأموال ليس من شروطها العدالة، فيمكن أن يوكل المسلم كافرا فيما يصح تصرفه فيه، فقد قال ابن قدامه في المغني: كل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكله فيه رجلا كان أو امرأة، حرا أو عبدا، مسلما كان أو كافرا.
ولكنه يجوز للإخوة أن ينزعوا الوكالة منه ويعطوها لغيره، ويتعين عليهم مراعاة الأدب والحرص على عدم إغضاب والدهم، لأن فسق الوالد لا يسقط بره والتأدب معه، ويتعين عليكم جميعا السعي في هدايته وحاولوا تكليم من يمكنه التأثير عليه ليحاوره ويبين ما في الشراب وخلطة أهل الشر من الترهيب الشديد، ويبينوا له أيضا خطورة ترك الصلاة والتهاون بها، ويحسن كذلك أن تضعوا بعض الأشرطة والنشرات والمطويات المفيدة في هذا المجال، مع إكثار الدعاء له والإحسان إليه والحرص على جبر خاطره.
وراجع في الترهيب من الخمر وإباحة طلب الزوجة للطلاق إذا أصر الزوج على شربه وعلى ترك الصلاة الفتاوى التالية أرقامها: 54802، 67950، 114228.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(8/996)
العفو عن الظالم من أسباب الرفعة في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي قام بمقاطعة خاله وخالته منذ 3 أشهر، وعندما أخبرته أن قطيعة الرحم حرام قال إنه لا إثم عليه لأنهم هم من أخطؤوا بحقة وبحق إخوته وسبوهم -حسب رواية زوجي فإن هذا الخال قد سبهم وأهانهم إهانة شديدة- لذلك يعتبر مواصلتهم ذلة وإهانة لكرامتة وأنه يجب عليهم الاعتذار وإلا فلتكن القطيعة. هل هو على حق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلة الرحم من أعظم الواجبات وأفضل القربات كما أن قطيعتها من أعظم الكبائر الموبقات، والواصل -على الحقيقة- هو الذي يصل من قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، أما الذي يقتصر في الصلة على من وصله وأحسن إليه فهذا مكافئ لا واصل، وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري وغيره.
وعلى ذلك فإن على زوجك أن يسارع إلى إصلاح ما بينه وبين خاله وخالته وإن كانا ظالمين، ولا يعتبر هذا من الذلة ولا من المهانة بل إن العفو عن الظالم من أسباب العز ونيل الرفعة في الدنيا والآخرة، ففي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
فإن أراد زوجك أن يحوز ثواب صلة الرحم فليصبر على أذى أرحامه، ونذكره بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجل فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم. وقد سبق الحديث عن حرمة القطيعة في الفتوى رقم: 113287.
لكن إن كان خاله هذا قد اعتاد التعدي والظلم والإهانة وأصبح ذلك خلقاً ملازماً له فلا مانع أن يقلل علاقته به بالقدر الذي يجنبه ظلمه وأذاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(8/997)
سفر الولد للتجارة والكسب جائز بغير إذن الوالدين.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقيم بأوروبا مع زوجتي، ولدينا ما شاء الله أربعة أطفال، قبل عشر سنين كنت أعمل مع والدي في المغرب في شركة للسيارات- كما تعلم يا شيخ- لكي تبيع السيارة لا بد من القرض وفي المغرب لا توجد بنوك بدون فائدة. إذن نحن ملزمون بالبيع عن طريق البنك، سافرت إلى أوروبا لكي أعمل هناك فبفضل الله تمكنت من العمل، عمل شريف والحمد لله رغم أن الراتب قليل، فأنا أحمد الله تعالى على كل شيء، لكن مشكلتي أن والدي لم يعجبه ما فعلته فكان يطلب مني العودة، وللإشارة لدي أربعة إخوة يعيشون في نفس المدينة التي يوجد فيها أبي وأمي. فهل رفضي يغضب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب عليك العودة إلى بلدك ما دام أبوك يجد من يقوم برعايته ولا يتضرر بسفرك، فإنّ سفر الولد للتجارة والكسب جائز بغير إذن الوالدين.
قال الكاساني: وَكُلُّ سَفَرٍ لَا يَشْتَدُّ فيه الْخَطَرُ يَحِلُّ له أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إذ لم يُضَيِّعْهُمَا لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ. بدائع الصنائع.
لكن عليك أن تجتهد في برّه والإحسان إليه ما استطعت، وإذا أمكنك أن تطيعه في العودة بغير ضرر يلحقك فهو أولى بلا شك، وينبغي أن تنصحه بتحري الكسب الطيب الحلال واجتناب المعاملات المخالفة للشرع.
وننبّه السائل إلى أنّ الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا إذا تمكن المقيم فيها من إقامة شعائر دينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(8/998)
حكم اعتذار الولد عن استقبال أمه في بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[إني حامل للمرة الرابعة، وفي كل مرة لا أستطيع أن أقوم بأي عمل حيث يمنعني الأطباء من القيام بأي حركة أو مغادرة السرير حتى الشهر التاسع. في المرات الثلاث الأولى، كانت أم زوجي هي التي تقوم بكل شيء في البيت ولكنها تفعل ما تشاء دون مراعاة مشاعري أو رأيي حيث تستقبل في بيتي من تريد وللمدة التي تريد، وتطبخ أيضا ما تريد. في هذه الفترات كنت أحس بالإهانة والذل. هذه المرة لم أخبر أحدا بحملي. عندما طلبت زيارتنا علما أننا نسكن في مدينة أخرى قال لها زوجي إن ظروفنا لا تسمح باستقبال أحد. سيذهب لإحضارها بعد الولادة. هل يعتبر هذا التصرف بالنسبة لزوجي عقوقا لوالدته علما أنه قد لا يعجبها هذا التصرف وقد تقاطعنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا التصرف من زوجك تجاه والدته تصرف سيء بالغ في الإيذاء والتهاون بحقوق الأم، إذ كيف تطلب منه أمه التي هي أحق الناس بصحبته وبره وإكرامه زيارته ثم يعتذر إليها هكذا بقلب بارد بحجة أن ظروفكم لا تسمح باستقبال أحد، هذا لا شك من العقوق، فالواجب عليه أن يتقي الله سبحانه ويسترضي أمه عما بدر منه من جفاء لها.
ثم الذي يظهر أن زوجك ما أقدم على هذا إلا بتوجيه منك أو على الأقل لأجل أن يرضيك، وهذا يشركك معه في الإثم، فإن الواجب عليك أن تكوني عونا له على بر أمه، خصوصا مع ما ذكرت من حال هذه الأم وبرها بابنها وحرصها على صلته ومصلحته، وهذا الذي يحملها على أن تأتي إليك في كل مرة من مرات حملك لتقوم بخدمتك وخدمة زوجك تسعة أشهر كاملة تقوم بكل شؤون البيت وأموره، وأنت ملازمة للفراش، أفبعد هذا الإحسان والبر والتفاني تقابل بهذا الجحود والتجاهل، ويمنعها ابنها من مجرد زيارته!؟
ثم ألم يفكر زوجك في شعور أمه حين يأتي زمن الولادة وتعلم أن ابنها قد كتم عنها أمر الحمل طوال هذه الفترة، فكيف ستستقبل منه هذا التصرف؟ وهل وصل الاستخفاف بحقوق الأمهات أن يفعل الأبناء ما يشاءون ثم يعولون على مجرد اعتذار لاحق؟ وهل هذا هو القيام بالوصية التي أوصى الله بها الأولاد بشأن الوالدين عموما والأم خصوصا؟
ثم إن ما تشتكين منه من بعض تصرفاتها أثناء إقامتها لخدمتكم يمكن علاجه، بأن توجهوها بأسلوب رفيق لتفادي هذه التصرفات, فإن لم تستجب فلتصبروا عليها، إن لم يكن صبركم لحقها عليكم، فليكن الصبر لخدمتها لكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1430(8/999)
الإحسان للوالد بالمال والبدن والطاعة أكثر تأثيرا من المواعظ
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أب ولكنه لا يصلي ولا يصوم منذ صغره وهو الآن تجاوز الستين من عمره، وارتكب ما ارتكب من جميع أنواع الموبقات من شراب وأفعال، وبرغم أنه أصيب بجلطة في المخ لكن هذا لم يجعله يرجع إلى ربه ويتوب ويصلي, وفي نهار رمضان يدخن في البيت, وعندما أقول له لماذا لا تصلي يقول إنه لم يتعود عليها منذ الصغر, وعندما أقول له لماذا لا تصوم يقول إنه مريض بالحصوات والصوم يضره، واستعجب هل الصوم يضره والسجائر لا تضره برغم منع الطبيب له أن يشربها لخطورتها على صحته! ثم عندما أحذره أن تارك الصلاة كافر خارج من ملة الإسلام وعند موته لا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يصلي عليه، يقول إنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وأنه مسلم لأنه لا يعبد الأصنام, وقد وصل به الأمر أن أبلغ عني المباحث وأمن الدولة وألصق بي تهمة الإرهاب، وفعلاً أتوا إلي واستدعوني ولولا لطف الله لكنت معتقلا إلى الآن, ولم يكتف بذلك بل أقام علي قضية اتهمني فيها كذبا وبهتانا أني أضربه لآخذ منه أموالا، وأني عاق له. والحمد لله أخذت براءة أيضا منها بلطف الله, وكان يقول لكل الأقارب أنه لن يتنازل عن القضيه حتى تدفع له أمي خمسين ألف جنيه والحمد لله لم يصل إلى ما يريد ولم ندفع له شيئا، أنا الآن هاجرته منذ رمضان الماضي أي الآن صارت لي سنة لا أكلمه بسبب تركه للصلاة وما فعله, وأقسمت أنه إذا مات على ذلك وكان يومه قبل يومي لن أحضر له جنازة ولن أصلي عليه، وأنا اضطررت أن لا أكلمه لأنه هددني إن لم أبتعد عن نصحه فسيقوم بتكرار الإبلاغ عني وعمل المحاضر لي في الشرطه, فهل أنا بذلك عاق، مع أني ولله الحمد من الله علي بالمحافظة على الصلوات في المسجد من الفجر للعشاء منذ سنوات, وهو يقول لي لن تنفعك صلاتك بشيء وأنا غاضب عليك، وإخوته للأسف الذي هم أعمامي وعماتي غير ملتزمين ويكررون نفس كلامه أني لن تنفعني صلاتي وهو غاضب علي. فأفيدونا أفادكم الله؟ وجزاكم الله عن المسلمين خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبوك بهذه الحال التي وصفت فهو على خطر عظيم، فالواجب عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله عز وجل من هذه الكبائر والتي أعظمها خطراً ترك الصلاة، فإن الصلاة أعظم أركان الدين ولا حظ في الإسلام لمن ضيعها، وقد أجمع أهل العلم على أن من تركها جاحداً بوجوبها فإنه كافر منسلخ من دين المسلمين، وأما من تركها تكاسلاً فهو كافر أيضاً على ما ذهب إليه بعض المحققين.
لكن وقوع والدك في هذه الكبائر وظلمه لك لا يبيح لك مقاطعته أو التقصير في بره، فإن الله قد أمر بمصاحبة الوالدين بالمعروف ولو كانا مشركين يدعوان ولدهما إلى الشرك بالله والكفر به، قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان:15} .
ومن البر به أن تداوم على نصحه بالرفق والموعظة الحسنة فلا تكثر عليه من الجدال ولا تغلظ له في القول، وأن تتخير الوقت المناسب والأسلوب اللائق في تذكيره، فإذا كان في نصحك له ضرر عليك، فيمكنك أن تستعين عليه ببعض أهل العلم والخير ممن تثق فيهم فربما كان كلامهم أحظى عنده من كلامك وأكثر تأثيراً، ولا تدخر وسعاً في بذل كل سبب وطرق كل باب يذكره بالله ويخوفه من أليم عذابه، ويأخذه بيده إلى طريق الطاعة والهداية، وعليك أن تجتهد في الدعاء له بظهر الغيب فإذا قمت بما يجب عليك نحوه من البر والطاعة في المعروف، فلا يضرك غضبه عليك وعدم رضاه عنك.
وننبهك إلى أن إحسانك إليه بما تقدر عليه من الإحسان بمالك وبدنك وطاعتك له في غير معصية، أبلغ في التأثير عليه من كثير من المواعظ والمناقشات.
ونحذرك من أن تكون نظرتك لأبيك أو غيره من العصاة نظرة الاحتقار أو التعالي بل عليك أن تستشعر نعمة الله عليك في معافاتك من الوقوع في مثل هذه المعاصي فيتسع قلبك رحمة ورأفة للعصاة المذنبين، ولا ينافي ذلك إنكارك للمنكر وبغضك للمعصية.
قال ابن القيم في مشاهد الناس في المعاصي: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم. طريق الهجرتين.
فإذا كان ذلك مع عامة الناس فهو بلا شك مع الوالد أولى، وننصحك بالحرص على تقوية صلتك بربك والاجتهاد في تحصيل العلم النافع، والحرص على مخالطة المصلحين الذين يحسنون الدعوة إلى الله، ويجيدون فن تأليف القلوب لعل الله يجعلك سبباً لهداية والدك وأقاربك، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 104492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1430(8/1000)
زيارة المرأة المتزوجة لوالديها.. نظرة تقديرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الواجب علي في حق زوجتي من الذهاب إلى أمها في الإسلام؟ وكم عدد الزيارات؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حسن عشرة الزوج لزوجته أن يحسن إلى أهلها ويعينها على برّ والديها وصلة أرحامها، وقد اختلف العلماء في إذن الزوج لزوجته في زيارة والديها، فذهب بعضهم إلى استحبابه، وذهب آخرون إلى وجوبه إن لم يقدر الوالدان على زيارتها، وأما القدر الذي يسمح لها بالزيارة خلاله، فالظاهر أنّ مردّ ذلك إلى العرف، وقد ذكر ذلك بعض الأحناف، فقد جاء في رد المحتار: يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ.
وعلى ذلك فتقارب الزيارات وتباعدها أمر ينبغي أن يرجع فيه إلى العرف ويختلف باختلاف الأحوال وتراعى فيه المصالح والمفاسد، فيفرق بين زيارة الأمّ القريبة من بيت بنتها، والأمّ التي تسكن في بلد غير بلد البنت، وكذلك قد تكون الأمّ مريضة أو مسنّة وليس معها من يخدمها فتحتاج إلى مزيد رعاية، وينبغي للزوجين أن يحرصا على التفاهم في مثل هذه الأمور ومراعاة كلٍّ منهما لظروف الآخر، وللفائدة انظرالفتوى رقم: 7260
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1430(8/1001)
والدته ترفض أن يصل ابنها أخاه
[السُّؤَالُ]
ـ[توفى والدي ـ رحمه الله ـ وترك لنا تجارة كان يديرها أخي غير الشقيق أثناء حياة والدي، وعند تقسيم التركه لم يوضح أخي كل الحسابات المتعلقه بالتجارة فصار خلاف بيننا وبينه انتهى بأن قسمت التركه وفقاً للبيانات التي أظهرها، وقد صار بيننا وبينه خلاف وانقطعت العلاقه بيننا نحن الإخوه الأشقاء ووالدتي، وبينه وهو أخي من الأب، وأنا الآن رجعت أتصل به وصارت العلاقه بيننا جيدة، ولكن العلاقة بينه وبين إخوتي ما زالت منقطعة ووالدتي ترفض أن أتصل به، وقد كان لديه زواج ابنه قبل أيام وحضرت العرس، رغم أن والدتي كانت ترفض أن أذهب إليه، فهل ما أفعله صحيح؟ وهل رفضي لأوامر والدتي يعتبر من العصيان وعقوق الوالدين؟ وإذا لم أصل أخي، فهل يعتبر ذلك من قطيعة الرحم؟ أفتونا.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تفعله من صلة أخيك ومداومتك على الاتصال به هو الصواب، بل إنه من أعظم الطاعات التي يتقرب بها المتقربون إلى الله جل وعلا، لأنه من صلة الأرحام ولا يخفى ما جاء من النصوص التي تأمر بصلة الأرحام وترهب ترهيباً شديداً من قطيعتها، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 116567، 112160، 96694.
ولا يجوز لك أن تطيع أمك فيما تطلبه منك من قطيعة أخيك وهجرانه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومخالفة الأم في ذلك لا تعد من العقوق أو الإساءة، لكن إن أدى ذلك إلى سخطها عليك، فلك أن تتقي سخطها بأن تكتم عنها علاقتك بأخيك وصلتك له، والواجب عليك أن تنصح لإخوتك الأشقاء وتذكرهم بحق أخيهم عليهم في البر والصلة وأنه لا يجوز لهم أن يقطعوا رحمهم لأجل عرض زائل من حطام الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1430(8/1002)
حكم إظهار الولد لكل من والديه المختلفين أنه صاحب الحق التماسا لرضاهما
[السُّؤَالُ]
ـ[في حالة مشكلة بين الأبوين وتفاقم الأمور. هل يجوز التعامل مع كل منهما على حدة لإرضائهما، يعني أقول لأبي: أمي المذنبة، وأقول لأمي: أبي المذنب، لأني إذا قلت الحقيقة سوف يخاصماني الاثنان؟ جزاكم الله كل خير وأدخلكم وإيانا الفردوس الأعلى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيختلف الحكم في هذا باختلاف الحال. فإن كان أحد الوالدين ظالماً لصاحبه مضيعاً لحقوقه فهنا يجب عليك نصحه بالرفق واللين، ما لم تخش أن يترتب على هذا النصح منكر أكبر منه كأن يؤدي إلى فجوة بينك وبينه.
أما إن كان الخلاف بينهما من جنس الخلاف العادي الذي عمت به البلوى في أوساط الأسر والبيوت والذي -غالباً- ما يكون من باب اختلاف وجهات النظر والآراء ولا يكون فيه ظالم ظلماً ظاهر أو مظلوم ظلماً ظاهراً، فلا حرج عليك في أن تظهر لكل منهما أنه صاحب الحق التماساً لرضاهما عليك، بشرط ألا يحملك هذا المسلك على ترك النصيحة لهما، بل عليك أن تنصح لأمك بأن تطيع أباك وتنزل على رأيه، وتنصح لأبيك بأن يحسن صحبة أمك ولا يتعنت معها، ولا حرج عليك في نقل الكلام الذي من شأنه أن يهدئ النفوس ويزيل الأحقاد، ولو كان كذباً فإن الكذب معفو عنه في هذا الموطن، وقد بينا تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 117575.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1430(8/1003)
كيفية منع الوالد فاقد الذاكرة من الخروج من البيت دون إرهابه أو إيذائه
[السُّؤَالُ]
ـ[الشيخ الفاضل: أرغب في سؤالك عن مسألة وهي: أن والدي شيخ كبير في السن، ويعاني من فقدان الذاكراة ولا يعرف أحدا، لكنه يحاول الخروج من المنزل ولا يعلم إلى أين يذهب؟ ولا نستطيع أن نمنعه إلا إذا أرهبناه بأشياء وهمية خوفا عليه ومن أجل مصلحته، فهل في ذلك شيء علينا نتيجة ذلك العمل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لكم إرهاب أبيكم بأشياء وهمية، فإن هذا يتضمن محذورين: الأول: الإخبار بخلاف الواقع، وهذا هو حقيقة الكذب، ولا يجوز اللجوء إليه إلا لضرورة. الثاني: إرهابه، وهذا لا يجوز أيضا ويتعين الحذر من مثل ذلك في حق الأب، لما له من حق عظيم إذ يجب بره والإحسان إليه وفعل أي من هذين المحذورين يتنافى مع ذلك بل فيه نوع من العقوق.
ولا نحسب أنكم تعدمون وسيلة أخرى تخلو من المفاسد الشرعية، ومن ذلك إغلاق الباب، وملازمته هو أغلب الوقت ونحو ذلك، ثم إنه إذا افترضنا أن هذا قد تعين وسيلة إلى منعه من الخروج، فإنه يمكنكم استخدام المعاريض وهي التورية في الكلام، فيمكنكم مثلا أن تعرضوا بأن الخروج غير آمن، وفي أذهانكم الخوف من تعرضه لحوادث السيارات مثلا، وفي المعاريض مندوحة عن الوقوع في الكذب، روى البخاري في الأدب المفرد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. وروى أيضا عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
ونوصيكم في ختام هذا الجواب ببر أبيكم والإحسان إليه والصبر عليه، فهو طريقكم إلى الجنة، روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة، فأضع ذلك الباب أو احفظه. ولمزيد الفائدة نرجو مطالعة الفتوى رقم: 107351، وكذلك ما تضمنت من فتاوى محال إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(8/1004)
علاج الأم أولى من وعد فتاة بالزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[وعدت فتاة بالزواج ولكن شاءت الأقدار أن تصاب أمي بمرض خطير كلفنا مصاريف هائلة لمعالجتها. وقد قمت باقتراض مبلغ كبير لمعالجة والدتي مما يعني أن الفتاة التي وعدتها لن أفي بوعدي لها لأني لا أملك مالا. هل أخلفت وعدي أمامها وأمام الله؟ وهل علاج أمي له أولوية على الزواج؟ أرجوكم أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن علاج الأم له أولوية كبيرة وهو من البرور الواجب على الو لد، أما الوفاء بالوعد فلا شك أنه من أخلاق الإسلام الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، وقد اختلف أهل العلم في حكمه فذهب بعضهم إلى أنه مستحب، وبعضهم إلى أنه واجب، وفصل آخرون فقالوا: إن كان الموعود دخل بسبب الوعد في شيء يناله به ضرر إذا تراجع عنه صاحب الوعد وجب الوفاء به، وإلا لم يجب وكان مستحباً، وسبق تفصيل هذه الأقوال في الفتوى رقم: 12729. وما أحيل عليه فيها.
وعلى ذلك فإذا استطعت الجمع بين الأمرين فلا شك أن ذلك أفضل، وإذا عجزت عن الجمع بينهما فإن علاج الأم مقدم وليس عليك إثم في إخلاف هذا الوعد- إن شاء الله تعالى- ما دمت عاجزا عن الوفاء به.
هذا وننبه السائل الكريم إلى أنه لا ينبغي له أن يقول: شاءت الأقدار. بل يقول: شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1430(8/1005)
لا حق للوالدين في التدخل في شؤون ابنتهما وزوجها ما لم يخالفا الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل سؤالي هو: أنا حديث العهد بقفص الزوجية، أملكت من شهور وزواجي بعد أشهر قليلة بإذن الله.
ولقد اتفقنا مع أبي الزوجة قبل الزواج على أن لا أعارض عملها بعد تخرجها من الجامعة بتخصص إداري؛ أي من الطبيعي أن وظيفتها في مجال الإدارة، ولكن الموضوع لم يحدث بهذه الطريقة، وإنما لم تكن هنالك فرصة لوظيفة زوجتي غير المستشفى أو البنك، وهنا تكمن المشكلة كلها، فالمستشفى غنية عن التعريف من معاملات واختلاط مع الرجال خاصة في مجال الإدارة، أما البنك فهناك أمران: الأمر الأول: أنه قد يحدث اتصال عبر الهاتف مع الرجال، والثاني أن وظيفة البنك تعتبر من الوظائف غير المرغوبة عند كثير من الناس لأن مجال البنك ربوي في العادة ولا يجوز العمل في مكان مجاله محرم، فالأب يرفض التفاهم ويقول مجال تخصصها يحتاج مثل هذه الوظائف فلا تقف في طريقها، ولقد وافقت أنت على عدم الاعتراض على الوظيفة في المستقبل، والأم تقول هذا رزق أتاها فكيف لها أن ترفض الرزق الذي وهبها الله إياه. وزوجتي لا تريد العمل في مثل هذه الأماكن وتقول إن تركت تلك الوظائف لوجه الله فسوف يعوضها الله خيراً منها بإذن الله، ولكن والداها يصران على العمل في تلك الفرص، ويرفضون التفاهم وبشدة، ويقولان لابنتهما نحن لسنا راضين عنك إلى يوم الدين إذا لم توافقي على الفرص التي أتيحت لك وأنت لست ابنتنا، وما فائدة الدراسة إن كنت ترفضين العمل وتنوين المكوث في البيت، والموضوع لم يتوقف عند هذا الحد بل أصبحوا يتدخلون في كل شيء حتى ملابسها وحجابها وعباءتها وطريقة تزينها لنفسها، وخروجها إلى الأماكن العامة. فهم يعتبرونني متشددا في الدين، ويقولون لا تصبح متزمتا واترك ابنتنا في حالها ولا تأمرها بما لا تطيق، علما بأنها موافقة على كل ما أطلب منها بسعادة وليس بالإجبار والكراهية، لأنها متأكدة أن هذا كله يصب في مصلحتنا ومصلحة سعادتنا ورضى الله عز وجل، شيخي الفاضل أرجوك يا شيخي أن تجيب على سؤالي: أنا أغار على زوجتي من تلك الأماكن فلا أستطيع أن أقبل بتلك الوظائف مهما كان السبب، ماذا علي أن أفعل؟ هل تعتبر معارضتي قرار عملها غير جائز لأنه قد تم الاتفاق من قبل على عدم الاعتراض؟ فهل رفض زوجتي للعمل يعتبر عصيانا وعدم بر بوالديها؟ هل لي أن أطلب من زوجتي أي شيء ما دام أنه في غير معصية للخالق سبحانه وتعالى؟ هل عدم قبولي أن تكشف شيئا من وجهها أو جسدها للناس وذهابها للأماكن العامة كالأسواق والسهر فيها فيه خطأ؟ هل لي أن أطلب من زوجتي كيف تتزين لي أم هذا يعتبر من شؤونها التي ليس لي أن أتدخل فيها؟ بماذا تنصح كلا منا أنا وزوجتي وأهل زوجتي؟ شيخي لقد حاولت أن أرضي نفسي بما يأمرونها ولكن اتضح لي أن غيرتي تتلاشى شيئا فشيئا، وأحسست بأن حبي يتناقص أيضا مع تناقص الغيرة؟
مع العلم أني موظف ولله الحمد في إحدى كبرى الشركات ودخلي ولله الحمد يكفيني ويكفي ما أدخر منه ولا ينقصنا شيء من المادة ولله الحمد، والله كتبت كلامي ودموعي على خدي لأني أحب زوجتي وزوجتي تحبني ولا نريد الانفصال مهما كان السبب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يفعله والدا زوجتك من أمرها بالعمل في الأماكن المختلطة أو البنوك الربوية، وما يطلبانه منها أيضاً من ترك الحشمة والتستر في ملبسها كل هذا حرام، وهو أمر بالإثم والعصيان ومعصية الله ورسوله، والواجب على زوجتك أن تعصيهما في ذلك كله ولا تطيع لهما أمراً، ولا يعد هذا من عقوقهما لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا شك أن ما يطلبانه منها هو صريح المعصية التي لا عذر فيها ولا تأويل.
فعليك أن تعين زوجتك على ما تريده من ترك العمل في هذه الأماكن، ولا يعد هذا منك مخالفة للشرط لأنه لم يكن هناك شرط على العمل في هذه الأماكن أصلاً -كما تقول- بل لو كان الشرط قد وقع فعلاً على العمل في هذه الأماكن فلا يجوز الوفاء به، لأنه شرط مخالف لكتاب الله وشرعه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط. رواه الطبراني والبزار. وصححه الألباني. وفي سنن الترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً.
وننبه على أنه لو وقع شرط في العقد على عمل المرأة عملاً مباحاً لا شبهة فيه، ثم أرادات الزوجة أن تتركه لتتفرغ لشؤون بيتها فلا حرج عليها في ذلك، لأن ذلك محض حقها وقد تنازلت عنه، ولا يجوز لوالديها أن يكرهاها عليه، وإن خالفتهما في ذلك فلا تعتبر المخالفة عقوقاً.
فالواجب على أهل الزوجة أن يتقوا الله ويكفوا عن هذه الأفعال المخالفة لشرع الله سبحانه، وعليهم أن يعلموا أن ابنتهم بعد زواجها قد صار زوجها أملك بها منهم وطاعة زوجها أوجب عليها من طاعتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.
وبذلك يظهر أن ما تطلبه من زوجك من التزام الستر والحجاب، وترك التبرج والاختلاط هو الصواب بل هو الواجب المحتم الذي لا يسعك تركه عملاً بقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. {التحريم:6} .
قال العلماء: أدبوهن وعلموهن. وقال القرطبي رحمه الله: فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. انتهى.
وقال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم. الحديث رواه البخاري ومسلم.
أما عن أمر الزينة فيجوز لك أن تطلب من زوجتك أن تتزين لك بالطريقة التي ترغبها، فإن الزينة حق من حقوق الزوج على زوجته، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 32459 ولكن هذا مقيد بقيدين:
الأول: أن يكون ذلك في حدود ما أباحه الله وشرعه، والثاني: أن يكون في حدود المعروف وبقدر الوسع والطاقة بحيث لا يشق على الزوجة ولا يضر بها.
أما عن حدود طاعة زوجتك لك فقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى رقم: 116586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(8/1006)
حكم سب الوالد وانتقاصه في حال غيابه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أبناء لـ أب، الأب كان عاصيا لأمر الله، يشرب الخمر ولا يهتم بنا إطلاقاً في طفولتنا ولم يربنا، بل على العكس المشاهد التي كنا نراها ونحن أطفال أثّرت في نفسياتنا وجعلت منا ذوي حالات اكتئاب في المراهقة والشباب, وحتى أمراض عضوية. أستطيع أن أقول أنه يتسبب لي بمعاناتي التي جعلتني غير سويةً في الحياة وبسببه أصبت بمرض نفسي أدخلني في متاهات أذوق منها الويل والمرارة في الحين واللحظة كل يوم، وأمي أيضاً وهي في نهاية الأربعينات تعاني من عصبية وظروف نفسية هو سببها. كان سيئا جداً معنا ومع والدتنا وكان يخيفنا بمشاهده التي كان يفعلها وهو سكران في الليل والصباح, اليوم صرنا كبارا وهو لم يعد يشرب الخمر ولكنه لا يزال بعيدا عنا حيث إنه تزوج من أخرى ويعيش معها ويزورنا باليوم ساعة أو ساعتين, هو يحاول الآن أن يتودد ويتقرب إلينا بشتى الوسائل، نحن لا نحبه ونكرهه ونبغضه جداً لأن ما علق في أذهاننا مذ كنا أطفالاً لم يمح من الذاكرة ويؤثر كثيراً فينا حتى الآن، يعني لا نستطيع أن نحبه ولا نقدر أن نشعر به كأب لنا، ولكن في نفس الوقت نحن لا نسيء التعامل معه ونحترمه ونجله ونقدره أمامنا. ولكن كل ذلك تمثيل وليس من القلب، إنما مرضاة لله عز وجل، فإننا نقسو على قلوبنا كي نكون بارين به ولا نكون وقحين معه. القضية الأهم: هو أننا في غيابه تخرج منا شتائم عليه نشتمه في حديثنا حينما نتحدث دون قصد -في غيابه وليس في حضوره- لم نشعره مرةً أننا نكرهه ولكن في غيابه لا نستطيع أن نذكره بخير أبداً،وكثيراً ما تصدر منا شتائم له. فهل يحاسبنا الله على كرهنا له بالرغم من أننا نشعره أننا لسنا كذلك؟ وهل يقع علينا إثم لأننا نشتمه أحياناً دون قصد، خاصةً وأن إحدى أخواتي رأته في نومها جالس عندنا في البيت وأنه يحتضر ورأت نفسها تركض إليه وتصرخ وتقول:سامحني يا أبي كنا نشتمك؟
فما رأيكم؟ لا أريد تفسيرا للحلم طبعاً إنما ذكرته كشاهد وكتتمة للحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن أباكم -سامحه الله وغفر له- قد وقع في محارم الله وانتهك حرماته بهذه المعاصي، ثم بتضييعه لحقوقكم عليه. فإن الوالد كما له على ولده حق فإن لولده عليه أيضا حقا، ومن حقه عليه أن يعلمه ويؤدبه وينفق عليه.
ولكن ينبغي التنبه إلى أن تضييع الوالد لحقوق ولده لا يسوغ للولد أن يقابله بمثل ذلك، بل عليه أن يراقب الله في والده وأن يؤدي له حقوقه من البر والصلة على أكمل وجه، فإن حق الوالد على ولده لا يسقطه شيء.
وأنتم لا تطالبون بحب أبيكم من قلوبكم فإن أمر الحب والبغض لا يملكه الشخص وإنما هو بيد الله سبحانه وحده , ولكن الذي تطالبون به هو أن تحسنوا إليه في الظاهر، وتتجنبوا الإساءة إليه في حضوره وغيابه على السواء. أما أن تتظاهروا باحترامه حال وجوده فإذا غاب عنكم أخذتم في سبه وشتمه وأكل لحمه فهذا حرام لا يجوز بل إن سبه من أكبر الكبائر, ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه. قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه.
فهذا في حق من تسبب في سب والديه أو أحدهما، فكيف بمن باشر سبهما والعياذ بالله؟ ولذلك تعجب الصحابة ممن يسب والديه لأن هذا أمر لا يكاد يصدق.
كما أن انتقاصكم له بذكر عيوبه ومساويه لا يجوز، لأن هذا من الغيبة، وإذا كانت الغيبة محرمة في حق عموم الناس فإنها في حق الوالد أشد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1430(8/1007)
حكم سب الوالد وانتقاصه في حال غيابه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أبناء لـ أب، الأب كان عاصيا لأمر الله، يشرب الخمر ولا يهتم بنا إطلاقاً في طفولتنا ولم يربنا، بل على العكس المشاهد التي كنا نراها ونحن أطفال أثّرت في نفسياتنا وجعلت منا ذوي حالات اكتئاب في المراهقة والشباب, وحتى أمراض عضوية. أستطيع أن أقول أنه يتسبب لي بمعاناتي التي جعلتني غير سويةً في الحياة وبسببه أصبت بمرض نفسي أدخلني في متاهات أذوق منها الويل والمرارة في الحين واللحظة كل يوم، وأمي أيضاً وهي في نهاية الأربعينات تعاني من عصبية وظروف نفسية هو سببها. كان سيئا جداً معنا ومع والدتنا وكان يخيفنا بمشاهده التي كان يفعلها وهو سكران في الليل والصباح, اليوم صرنا كبارا وهو لم يعد يشرب الخمر ولكنه لا يزال بعيدا عنا حيث إنه تزوج من أخرى ويعيش معها ويزورنا باليوم ساعة أو ساعتين, هو يحاول الآن أن يتودد ويتقرب إلينا بشتى الوسائل، نحن لا نحبه ونكرهه ونبغضه جداً لأن ما علق في أذهاننا مذ كنا أطفالاً لم يمح من الذاكرة ويؤثر كثيراً فينا حتى الآن، يعني لا نستطيع أن نحبه ولا نقدر أن نشعر به كأب لنا، ولكن في نفس الوقت نحن لا نسيء التعامل معه ونحترمه ونجله ونقدره أمامنا. ولكن كل ذلك تمثيل وليس من القلب، إنما مرضاة لله عز وجل، فإننا نقسو على قلوبنا كي نكون بارين به ولا نكون وقحين معه. القضية الأهم: هو أننا في غيابه تخرج منا شتائم عليه نشتمه في حديثنا حينما نتحدث دون قصد -في غيابه وليس في حضوره- لم نشعره مرةً أننا نكرهه ولكن في غيابه لا نستطيع أن نذكره بخير أبداً،وكثيراً ما تصدر منا شتائم له. فهل يحاسبنا الله على كرهنا له بالرغم من أننا نشعره أننا لسنا كذلك؟ وهل يقع علينا إثم لأننا نشتمه أحياناً دون قصد، خاصةً وأن إحدى أخواتي رأته في نومها جالس عندنا في البيت وأنه يحتضر ورأت نفسها تركض إليه وتصرخ وتقول:سامحني يا أبي كنا نشتمك؟
فما رأيكم؟ لا أريد تفسيرا للحلم طبعاً إنما ذكرته كشاهد وكتتمة للحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن أباكم -سامحه الله وغفر له- قد وقع في محارم الله وانتهك حرماته بهذه المعاصي، ثم بتضييعه لحقوقكم عليه. فإن الوالد كما له على ولده حق فإن لولده عليه أيضا حقا، ومن حقه عليه أن يعلمه ويؤدبه وينفق عليه.
ولكن ينبغي التنبه إلى أن تضييع الوالد لحقوق ولده لا يسوغ للولد أن يقابله بمثل ذلك، بل عليه أن يراقب الله في والده وأن يؤدي له حقوقه من البر والصلة على أكمل وجه، فإن حق الوالد على ولده لا يسقطه شيء.
وأنتم لا تطالبون بحب أبيكم من قلوبكم فإن أمر الحب والبغض لا يملكه الشخص وإنما هو بيد الله سبحانه وحده , ولكن الذي تطالبون به هو أن تحسنوا إليه في الظاهر، وتتجنبوا الإساءة إليه في حضوره وغيابه على السواء. أما أن تتظاهروا باحترامه حال وجوده فإذا غاب عنكم أخذتم في سبه وشتمه وأكل لحمه فهذا حرام لا يجوز بل إن سبه من أكبر الكبائر, ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه. قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه.
فهذا في حق من تسبب في سب والديه أو أحدهما، فكيف بمن باشر سبهما والعياذ بالله؟ ولذلك تعجب الصحابة ممن يسب والديه لأن هذا أمر لا يكاد يصدق.
كما أن انتقاصكم له بذكر عيوبه ومساويه لا يجوز، لأن هذا من الغيبة، وإذا كانت الغيبة محرمة في حق عموم الناس فإنها في حق الوالد أشد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1430(8/1008)
لا طاعة للوالدين إذا أمرا بمخالفة الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي الفاضل: أنا تزوجت منذ أشهر قليلة وأسكن في سكن مستقل أنا وزوجتي، ومشكلتنا أن أهل زوجتي يتدخلون في كل شيء بمعنى الكلمة، فهم يريدونها أن تواجه الرجال وأهلها من غير المحارم وتجلس معهم، ويطلبون منها نزع حجابها في الأماكن العامة كالأسواق والمطاعم المختلطة حتى تتمكن من الأكل والشرب، ويريدون حتى حضور الافراح التي يدخل العريس فيها إلى قاعة النساء وهي بحجابها، كما هو معروف حديثا ـ بالزفة ـ ويطلبون منها أن تلبس ملابس غير ساترة لجسدها وأن تلبس العباءة المطرزة وغيرها الكثير، وكل هذا يتعارض مع ما أمر الله عز وجل به، وغيرتي عليها، يا شيخي الفاضل، سؤالي هو: هل هنا تجب على زوجتي طاعة أهلها أم طاعة زوجها في مثل هذه الحالات؟ وهل تعتبر طاعة أهلها عصيانا لزوجها؟ أم تعتبر طاعة زوجها عصيانا لأهلها؟ وما هو المطلوب منا جميعا؟ وجزيتم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمطلوب منكم جميعاً -على سبيل الإجمال- أن تتقوا الله سبحانه حق تقاته، وأن تقفوا عند حدوده وتلتزموا أوامره سبحانه، والواجب على أهل زوجتك خصوصاً أن يكفوا عما يطلبونه من ابنتهم مما ينافي الدين والخلق والعفة، فإن من يطلب من ابنته أن تخلع حجابها أمام الأجانب، وأن تواجه الرجال هكذا متبرجة حاسرة في منتدياتهم وأسواقهم، لا شك أنه يأمر بالفحشاء والمنكر والبغي، ولا يجوز لزوجتك طاعتهم في ذلك أبداً، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا تعد مخالفة الوالدين في هذا من العقوق قطعا، ولتعلم الزوجة أنها إذا تزوجت فقد صار زوجها أملك بها من أهلها جميعاً، وحقه عليها أعظم من حقهم وطاعتها له أوجب من طاعتها لهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.
وإنا لنوصيك بزوجتك خيراً، ونحذرك من تضييع حقوقها، واعلم أن من أعظم حقوقها عليك أن تحفظ لها دينها وأخلاقها، وألا تسلمها إلى من يفسدها، قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6} .
قال القرطبي ـ رحمه الله: فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. انتهى. وقال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم. الحديث رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1430(8/1009)
حق الأم في مال ولدها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في حاجة للمساعدة والإرشاد الى الصواب: فأنا متزوجة من عشر سنوات تقريبآ ومشكلتي مع حماتي ـ أم زوجي ـ فهي إنسانة طيبة وأنا أحبها كثيرآ، لأنني كنت أقضي وقتي كله في إجازة الصيف معهم، وعندما تزوجت كانت تعاملني أحسن معاملة حتى بعد زواجي ولكن بعد أن سافر زوجي إلى الخليج ـ مع العلم أن أبي هو الذي أخذ زوجي الى الخليج حتى يحسن معيشتنا، لأن زوجي كان على قدر الحال لكنه إنسان محترم وأنا أحبه كثيراـ بعد أن سافر زوجي أخذني بعد 6 أشهر وبعدها عدت وبدأت معاملتها تتغير ولكن ليس أمامي بل من ورائي وعلمت أنها تتحدث عني كثيرآ وتقول عني كلاما ليس له أي أساس من الصحه، وأيضآ تحدثت عن عمل أمي مع الناس، مع العلم أنها كانت خياطة ـ نسيت كل ماكانت عليه ـ ومازالت تتحدث ولكن تأتي أمامي وتقول إنني أحسن واحدة في زوجات أولادها وهكذا، مع كل واحدة منهن أيضآ تتحدث عنهن وأمامهن نحن الأفصل ونحن الأحسن، لماذا؟ لا أعرف وأيضآ هي كثيرة الطلبات من زوجي ـ ابنها ـ في كل فترة قصيرة تتصل به وتطلب منه المال بحجة أن المبلغ لا يكفيها وتريد ذهبا وتريد تلفازا وتريد وتريد، مع أن عندها تلفازا وعندها كل شيء، لأنها أخذت كل أثاثي بعد سفري وأنا لاأرتدي ذهبا وزوجي عليه ديون غير مصاريف البيت ومتلزمات أربعة أطفال وأيضآ ليس لنا بيت في بلدنا وهي تأخذ المال لتكنزه وتصرفه على زوج ابنتها ويكون معها المال وتقول ليس معي، مع العلم أنها أصلآ لا تصرف على البيت ولا تدخل الفواكه بيتها ولا تطبخ غير مرة كل أسبوع عند قدوم ابنتها وزوجها لها ودائمآ تقول لا، وأنا في بالي أقول إنه حرام، فزوجي يتعب في عمله وهي تأخذ المال لتصرفه على بنتها وزوجها كي يكنز المال زوج بنتها، هل زوج بنتها أفضل عندها من ابنها؟ أم ماذا؟ وأيضا تتحدث عن أبنائها مع كل واحد من الإخوة وتقول لزوجي أنت حبيبي أنت وأنت، وهي مع أخيه تتحدث عنه وأنا دئمآ أحاول أن أقول لزوجي ولكنني أخاف أن أجرحه في أمه وهو أيضآ يقول لي أخاف أن لا أعطي أمي ماتريده فيغضب علي الله، هل الأم التي تفعل هذا يكون حراما إذا حاسبها زوجي على المال؟ فإنه أحيانا يكون ليس معه مال وتطلب منه وهي معها المال وتكذب، وأنا الآن حائرة ماذا أفعل؟ فزوجي دائمآ يشتكي لي من قلة المال والديون، فأنا تعبت منها ومن كثرة كلامها ومن كثرة طباتها للمال وغيره وأنا أعلم أنها تملك مالا كثيرا لكن تظهر أمام زوجي أن ليس معها شيء، ماذا أفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت قد عهدت من أمّ زوجك حسن المعاملة وجميل المعاشرة، فالواجب عليك أن تحسني الظنّ بها ويتعين حمل ما يظهر منها على أحسن الوجوه، ولا يجوز لك اتهامها بشيء من غير بيّنة، واعلمي أنّ ما يقوم به هؤلاء الناس الذين ينقلون إليك كلام أم زوجك عنك هو من النميمة المحرمة فلا تصدقيهم فيما ينقلون إليك وحذريهم من عقوبة النميمة وانصحيهم بتركها، وانظري في واجب المسلم نحو الشخص النمّام الفتوى رقم: 112691.
أمّا عن حقّ أمّ زوجك في ماله فليس من حقّها أن تأخذ منه إلّا ما تحتاج إليه لنفسها، وإذا منعها ممّا لا تحتاجه أو سيتضرّر هو بإعطائه لها فلا إثم عليه، لكن إذا أعطاها ما تريده فهو من الإحسان إليها، وليس لك الاعتراض على ذلك ما دام زوجك ينفق عليك بالمعروف، وكلّ ما لا يضرّ زوجك إعطاؤه لأمّه فالأولى أن يعطيها حتى ترضى، جاء في الفروق للقرافي: قِيلَ لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ سَبَّتْنِي وَدَعَتْ عَلَيَّ، قَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا وَتَخْلُصَ مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ أَيْ وَتَخْلُصَ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. أنوار البروق في أنواع الفروق - 2 ـ 93ـ
ولا شكّ أنّ حرص زوجك على برّ أمّه من علامات صلاحه فينبغي أن تشجعّيه على ذلك، وأبشري ببركة برّه بأمّه فإنّه ممّا يعود عليكم بالخير في الدنيا والآخرة، واعلمي أن من أسباب حسن العشرة بين الزوجين إحسانها إلى أهله وتجاوزها عن زلّاتهم، وإعانته على بر والديه وصلة رحمه، وذلك من حسن الخلق الذي يثقّل الموازين يوم القيامة، كما أنه مما يزيد من محبة الزوج واحترامه لزوجته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1430(8/1010)
رفع الصوت لأجل إفهام الأب الطاعن في السن
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي شيخ كبير ولا يسمع جيداً وأحياناً أرفع صوتي له من أجل أن يفهم ما أقول، فهل هذا التصرف يعتبر من العقوق؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمرنا الله بمخاطبة الوالدين بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، ونهى عن زجرهما وإغلاظ القول لهما، قال الله تعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24} .
قال القرطبي: وقل لهما قولاً كريماً، أي لينا لطيفاً مثل: يا أبتاه ويا أماه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء: وقال بن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولاً كريماً ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. الجامع لأحكام القرآن
أما عن سؤالك فإذا كان رفع صوتك عند كلامك مع أبيك من أجل إسماعه، لكبره وضعف سمعه، فلا حرج عليك في ذلك ولا يكون ذلك من سوء الأدب معه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1430(8/1011)
مدى طاعة الأم إذا أمرت ابنها بتقصير لحيته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الجامعة نويت أن أعفي لحيتي، ولكن والدتي تريد أن آخذ منها ـ وليس أحلقها ـ وهي غاضبة علي ولا تكلمني، ماذا أفعل؟.
أفيدوني بارك الله فيكم. والرد ضروري جدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي أمك إلى الحق.
والعلماء قد اختلفوا في إعفاء اللحية ما هو؟ فقال بعضهم: تركها من غير قص ولا تقصير حتى تطول، وقال بعضهم: حتى تبلغ قبضة اليد، وقال بعضهم: حتى تكون كثيفة وتغطي ما تحتها من اللحيين، وإن لم تبلغ القبضة، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك معروفة، وهي الإعفاء مطلقاً وهي الأحق بالاتباع، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتويين رقم: 14055، 71215.
وعلى القول بجواز الأخذ منها فلا يلزمك طاعة أمك في ذلك، ما لم يكن لها غرض صحيح معتبر شرعا ـ كالخوف عليك ـ إن كان لهذا الخوف ما يبرره، فإن كان لها غرض تتأذى بفواته لزمك طاعتها وإلا فلا، لأن أمرها حينئذ إنما نشأ عن هوى وصد عن خير لغير قصد معتبر.
ومع ذلك فعليك أن تترفق بها وتحسن معاملتها، ولا تنتهرها، بل بين لها الحكم الشرعي في ذلك، وتحاور معها بالأسلوب الحسن، وادع الله لها بالهداية.
وانظر للفائدة الفتويين رقم: 24811، 121991.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(8/1012)
ليس الواصل بالمكافئ
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال خاص بصلة الرحم: فأنا شاب ولدي عدد من الإخوة ـ والحمد لله ـ وأنا أصغرهم وقد مكثت عددا من السنين أبحث عن زوجة نظرا لظروف عملي في إحدى الدول الأوربية ـ والحمد لله ـ قد من الله علي بها وقد استمرت فترة الخطبة عاما ونصف العام، ولم أجد أنا وأهلي إلا كل خير منها هي وأهلها ولم يخطئوا أو يقصروا يوما في حق أهلي من زيارة مريض أو هدية لمناسبة على عكس ما كان يفعل أهلي معهم، وقبل إتمام الزواج بدأ إخوتي يتصرفون تصرفات غريبة لعدم إتمام الزواج: يسألونني عن المؤخر والقائمة، وهل أهل زوجتي أنتهوا من شراء الأثاث أم لا؟ كل التفاصيل وأنا أجيب على أسئلتهم حتى امتنعت أختي أيضا من الاتصال بخطيبتى، وأخ آخر يقول لي اكتب كتابك وأجل الزفاف 6 شهور، وكأنهم لا يريدون لي أن أتزوج، رغم أن كل شخص منهم متزوج ولديه وأولاد والبعض ليس لديه أولاد ـ وربنا يرزقهم إن شاء من فضله ـ وكانوا على علم بتفاصيل موعد الزفاف ومكانه قبل أن يتم ذلك بشكل رسمي وأكدت عليهم كلهم تلك المواعيد أكثر من مرة قبل نزولي حتى جاء يوم كتب الكتاب، فواحد منهم لم يحضر ولم يحضر الفرح أيضا ولم يعتذر، رغم أنه من هواة حضور الأفراح لأي شخص، رغم أنه كان يفرح بقدومي كل إجازة هو وأولاده وبالهدايا التي أجلبها لهم حتى إخوتي الذين حضروا كان الحزن واضحا على وجوههم، وفى اليوم التالي ليوم الزفاف أتى ثلاثة من إخوتي أحدهم أخي الأكبر فطلب الكاميرا التي قد أحضرتها معي لالتقاط اللحظات السعيدة لكي يصور بها، وبدلا من أن يصور بها وضعها فى جيبه فطلبتها منه فطلب أن يأخذها لنفسه فرفضت ـ بذوق ـ وبعد انتهاء الحفل توجهنا لركوب السيارات لنتوجه لشقة الزوجية ـ وهى خارج القاهرة ـ ولم يخبرني أحد أنه سيأتي ليوصلني، وفى العادة أعلم أن أهل العروس يوصلونها دون دخول الشقة، وأثناء الطريق أخبرني أخو زوجتي وهو يستقل سيارة أخرى أن أخاك كان يتصل على المحمول وعندما حاول هو الاتصال به لم يرد، وقال لى إنه كان على الطريق معنا وفقدنا أثره فانتظرنا على الطريق قليلا ثم دخلنا ـ بنزينة لنمون السيارات ـ ثم واصلنا الطريق وعندما أوصلنا الشقة أهل زوجتي ودعوها ووصوني عليها وانصرفوا، وبدأت أتفرج على الشقة بعد فرشها وطريقة ترتيب الأثاث بها، ثم بدأنا في تبديل ملابسنا، وبعدها فوجئنا بجرس الباب يدق بطريقة مفظعة ومستمرة يليها صوت عال: يسب ويشتم، أسرعت زوجتي بارتداء ملابسها فوجدت أمها أمام الباب وأخي الأكبر وزوجته وأختي قد نزلوا ليكملوا إهانة أهل زوجتي بالشارع، انتهيت من ارتداء ملابسي ونزلت وكان قد ركب سيارته وانصرف ووجدت الجيران يتفرجون من الشبابيك على ذلك المسلسل المهين والفضائح التي قام بها أخي الأكبر والذي هو في مقام أبى، هل ما فعله بي من تعاليم الإسلام؟ مع العلم أنه كل عام يحج أو يعتمر مع زوجته وقد خذلني سابقا مع خطيبة أخرى، صعدت إلى الشقة وأنا في حالة ذهول وانتابتنى حالة من البكاء الشديد لم أصدق أن إخوتى قد يفعلون بى ذلك، أنا لم أقدم لهم غير كل خير على مدى 7 سنوات متواصلة دون أى كلل: هدايا وأموال وهم ـ والحمد لله ـ من ميسوري الحال، لم فعلوا بي هذا؟ أنا لا أستحق ولم أنتظر منهم هدايا أو مالا انتظرت الفرحة لي وليس الفضائح، هل معاملتي لهم هي السبب؟ قد طمعتهم في بإرسال النقود لأختي المتزوجة من شخص ميسور وتعمل هي أيضا، قد اعتادوا مني أن يأخذوا دون أن يعطوا حتى في الاتصال أنا من يتصل بهم وهم لا يحاولون أن يتصلوا بي، وأنا من أبادر بصلح من أخطأ في حقي، والآن انتهت إجازتي وسافرت لعملي ولم يسأل أحد منهم عني ولا أريد من أحد شيئا، ولكن سؤالي عن غضب ربنا وعن صلة الرحم، وهل تكون صلة الرحم من طرف واحد: أي شخص واحد هو الذي يقوم بها؟ هل يصح صيامي في حالة استمرار الوضع هكذا بيني وبين إخوتي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله بصلة الرحم ونهى عن قطعها، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.
وإذا كان إخوتك قد أساءوا إليك وإلى أصهارك فقد أخطأوا، لكن عليك صلتهم بالمعروف، فقد أوصانا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بصلة من يقطعنا أو يسيء إلينا، فعن عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم. تسفّهم الملّ: تطعمهم الرماد الحار.
وأمّا عن حكم صيامك مع مقاطعتك لإخوتك، فلا تؤثّر المقاطعة في صحة الصيام، لكن تؤثر على ثواب الصيام، وتفوّت عليك خيراً كثيراً إذا كان الهجر والقطيعة منك، فعن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.
وننبّه إلى أنّ حفلات الأعراس لا يجوز أن تشتمل على اختلاط بين الرجال والنساء الأجانب، ولا يجوز تصوير النساء إذا كانت الصور عرضة لنظر الرجال الأجانب، وراجع الفتوى رقم: 111143.
واعلم أنّ العفو عن المسيء سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، وهو يزيد المسلم عزاً وكرامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:. وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا.
كما أنّ صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(8/1013)
حكم مقاطعة الإخوة لأخيهم العاق لأمه
[السُّؤَالُ]
ـ[قطع صلة الرحم مع أخ كثيرا ما يتشاجر مع أمي، ويقلل من احترامها ويتلفظ بألفاظ لا أخلاقية، مما يجعلنا نستاء منه كثيرا ونخاصمه، فهل هذا جائز؟ مع العلم أن الأم غير راضية عنه ولن تسامحه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنّ عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ومن أعظم أسباب سخط الله على العبد.
لكنّ وقوع الأخ في ذلك لا يسقط وجوب صلته، فإن أعظم المحرمات وهو الشرك، لا يسقط صلة الرحم، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك. متفق عليه.
لكن يجب نصح هذا الأخ، وبيان خطر ما هو عليه وتخويفه عاقبة العقوق، ويمكنكم إهداؤه بعض الكتب أو الأشرطة المفيدة في هذا الشأن، مع كثرة الدعاء له بالهداية، فذلك من أعظم أنواع الصلة والإحسان إليه، فإذا لم ينتصح وكان في مقاطعته زجر له عن هذا المنكر، فالواجب عليكم هجره إذا تعيّن ذلك طريقا لاستصلاحه.
وينبغي أن تستسمحوا له أمّكم، وتطلبوا منها الدعاء له بالهداية، فإنّ دعوة الوالد لولده من الدعوات التي لا ترد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده. رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1430(8/1014)
بر الوالدين واجب على كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي أكبر أعدائي بسبب تصرفاته معي، وإهماله الشديد لي وتحكماته غير المقنعة، وألفاظه التي يستخدمها معي تزيد من كراهيتي له، وأحبه كثيرا وأحلم أن يكون بيننا ود ولكن هناك حائط كبير بيننا من عدم الود، وقد ضيع أبي علي العديد من الفرص لمستقبلي، وهو لا يصلي وأستطيع أن أقول إننا نأكل ونعيش من ربا بسبب وضعه المال في بنك ربوي، وأؤكد على عدم وجود البركة في بيتنا. سؤالي: أنا خائف من تزايد كرهي لأبي يوميا. فما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله بالإحسان إلى الوالدين، ولم يبح مقاطعتهما أو الإساءة إليهما مهما كان حالهما، فقد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان: 14} .
فالواجب عليك بر والدك والإحسان إليه وطاعته في المعروف، ولا ينافي ذلك بغضك لما هو عليه من المنكرات لاسيما تركه للصلاة، فإن الصلاة أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله ولا حظ في الإسلام لمن تركها، وكذلك التعامل بالربا فهو من أكبر الكبائر ومما يوجب اللعن ومن أسباب غضب الله، ومحق البركة، وإذا كان ينفق عليك من أموال الربا فلا يحل لك الانتفاع بذلك ما لم تضطر إليه، وأما إذا كان ينفق من مال يختلط فيه الحرام بالحلال، فالأولى لك ترك الانتفاع بماله إذا كنت تقدر على التكسب وتنفق على نفسك، وانظر الفتوى رقم: 53840.
لكن ينبغي ألا تبغضه لشخصه، وأن يتسع قلبك رحمة له، وتحب له الهداية والتوبة، فإن المؤمن لا يكره العاصي لذاته، وإنما يكرهه لما تلبس به من المعصية.
قال ابن القيم في مشاهد الناس في المعاصي: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم لا قسوة وفظاظة عليه. اهـ من طريق الهجرتين.
فإذا كان ذلك مع عامة الناس فهو بلا شك مع الوالد أولى، فعليك أن تنصحه بالرفق، وتستعين بمن ينصحه ممن يقبل نصحه، ولا تدخر وسعا في كل ما يذكره بالله ويخوفه العاقبة، ويأخذ بيده إلى طريق الطاعة والهداية، وعليك أن تجتهد في الدعاء له بالهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1430(8/1015)
بر الوالدين واجب وإن أساءوا إلى أولادهم
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي صعب في التعامل وعصبي جدا جدا جدا، وكان يتعالج عند طبيب نفسي بسبب كآبته الشديدة، والوضع المادي-موظف- بسبب الحصار على العراق، ومن ثم الاحتلال الأمريكي للعراق قبل حوالي سنتين، والدي طلق أمي بسبب المشاكل التي كانت موجودة قبل ولادتي أصلا هي من 20 سنة، والدي الآن يسكن وحده وأنا لي أختان مع أمي وأنا معهم ساكن- والدي لا يكلم أحد منا، أنا ذهبت إليه كثيرا لكي أطلب رضاه لكنه كان يرفض ويطردني دائما، هو يريد أن تسكن أخواتي معه حتى يرضى عنا، لكن أخواتي يرفضن الذهاب إليه بسبب تعامله السيء جدا وتصرفاته غير اللائقة أمام الناس معنا، وكلامه، حتى إنه كان يطرد أخواتي من البيت مرات عدة ولكن كنت أمنعه وكان يضربني لذلك حتى إن لي أختا أخرى متزوجة لا يريدها إلا إذا قبلت أختاي السكن معه، كان يتفوه بكلام سيء جدا مع أخواتي أمام الناس ولا يهتم لذلك، وكان إذا حصلت مشكلة داخل البيت كان يذهب ويقولها لكل من هب ودب، وحامل لواء المجد محمد صلى الله عليه وسلم يقول: داروا حوائجكم بالكتمان. تركنا والدي من دون مصروف وأنا طالب في الكلية، وقطع المصروف عن أختي الصغرى عندما رفضت السكن معه، أنا الآن تخرجت وذهبت إليه لكي أرضيه وقلت له لا أريد منك شيئا سوى رضاك، كان يرفض إلا أن تسكن أخواتي معه حتى يرضى عنا جميعا عدا أمي أكيد لأنها ليست امرأته، الآن يعاشر أناسا ليسوا بالجيدين أبدا بشهادة أهل المنطقة، والدي كل فترة يرسل رسالة لنا عبر الجوال بكلام غير لائق ويدعو علينا- ورب الكعبة والدي صعب التعامل - أنا أرسلت له كبار المنطقة وشيخ الجامع لكي يسامحني على شيء أنا لا أعلمه لأني لم أفعل له شيئا والله شاهد هو سامحني - وفي اليوم التالي ذهب إلى شيخ الجامع وقال له إنه غير راض عني وكلام الليل يمحوه النهار فهل يجوز ذلك؟ وكان يرسل لنا ويقول إذا رأى أخواتي بالشارع سوف يجرهم من شعرهم وهن محجبات فهل يجوز الكلام عن المسلمات بهذه الطريقة، أنا هددت والدي بسبب كلامه عن جر أخواتي من شعورهن وحذرته، هو قال لي: لن أفعل ذلك لأني أخاف منك، وقال لي عندما أملك سلاحا سوف أقتلك به، أنا والله لست خائفا ولكن حزين جدا أن تصل الأمور إلى هذا الحد، ولكن شرف أخواتي أهم لي من أبي وهذا واقع لأنهم شرفي، أنا فلسطيني لاجئ في العراق وكنت أقول لأبي إذا نحن فيما بيننا نتخالف فمتى نتفق لتحرير أقصاها بلادنا الإسلامية جمعاء، والدنا وحده علما أن عمره 64 عاما وصحته نوعا ما جيدة وهو يغسل ملابسه بنفسه وينظف بيته ويطبخ لنفسه وليس لديه أحد يساعده، علما أني أنا وأخواتي حزينون لذلك ونتمنى مساعدته بالرغم من كل المآسي التي سببها لنا، وهناك الكثير الكثير من المآسي التي لا يسع لذكرها الآن، أخواتي لا يردن السكن معه ولكن يردن الذهاب له يوميا لمساعدته والعودة لبيت أمي، ولكن هو يصر على سكنهن معه، علما أن بيت أبي لا يبعد عن بيت أمي سوى 200 متر فقط. سؤالي: هل يجب على أخواتي الذهاب لوالدي والسكن معه؟ وإذا لم يذهبوا هل يعتبرن عاقات له ومصيرهن جهنم؟ وهل أعتبر عاقا؟ علما أنه سامحني وتراجع. أرجو الجواب سريعا وجزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبرّ الوالدين من أعظم الفرائض في الإسلام بعد الإيمان بالله، وقد أمر الله بالإحسان إليهما، ولم يبح مقاطعتهما أو الإساءة إليهما مهما كان حالهما، فقد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك،، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان: 14} .
ولا شك أنّ حرصك وإخوتك على إرضاء أبيكم وبرّه هو علامة خير، لكن ما كان منك من تهديدك لوالدك فهو غير جائز، ويجب عليك أن تتوب إلى الله من ذلك وتستسمح والدك، ولا يجوز لك أن تخاطبه بغلظة وسوء أدب مهما كان حاله.
وأمّا عن طلب أبيكم أن تسكنوا معه وتتركوا أمّكم، فاعلم أنّ الأولاد الصغار دون سنّ التميّز حضانتهم لأمّهم ما لم يكن بها مانع من موانع الحضانة المبينة في الفتوى رقم: 9779. وأمّا الأولاد الكبار فالراجح من مذاهب العلماء أنّهم يخيّرون في الإقامة عند أبيهم أو أمّهم، وانظر الفتوى رقم: 50820.
وعلى هذا، فمن حقّكم أن تختاروا الإقامة مع أمّكم، مع الحرص على برّ أبيكم والإحسان إليه بما تقدرون عليه من زيارته، وتفقد أحواله وقضاء حوائجه، وطاعته في المعروف.
ثم اعلم أنكم إن التزمتم حدود الله في معاملة أبيكم، فإنه لا يضركم دعاؤه عليكم أو عدم رضاه عنكم، لكن عليكم بالاجتهاد في طلب رضاه ونصحه برفق وأدب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1430(8/1016)
لا طاعة للوالدين في المعصية ولا فيما فيه ضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أتزوج ثانية لأرضي أمي؟
بعد وفاة أبي رحمه الله قامت أمي - حفظها الله - على تربيتي وأخي خير قيام على مدارعشرين عاما، فأسأل الله أن يجزيها خيرا.
عندما أردت الزواج، سألت عن بعض الفتيات وكان الشرط - بالإضافة إلى صلاح الفتاة - أن نتأكد من أن أمها ليست قاسية أو متعِبة، لأن أخلاق البنت من أخلاق أمها غالبا، تبين لي بعد ذلك عدم سلامة هذا الشرط، لأنه لا تزر وازة وزر أخرى - وما ذنب الفتاة أن تُرفض لأن أمها قاسية؟ المهم قالت أمي إن الأفضل لي أن أتقدم لابنة خالتي فهي التي ستقوم على البيت خير قيام وسترعى أمي وخلافه، وشاء الله أن أتزوج ابنة خالتي التي لا تكافئني علميا ـ وهذا مما يجعلني أحس بنقص شديد في زواجي ـ وإن كنت لا أشكو من زوجتي في الفراش ـ
حدثت بعض المشاكل في البيت كان من سببها أن زوجتي كانت تخبر أهلها عن أمور بيتنا وكانت تشكو من معاملة أمي إياها، مما جعل الأختين ـ أمي وأمهاـ أعداء بعد أن كانتا من أخلص الأخوات وأحبهم لبعضهم بعضا، وتطور الأمر أن شتمني أبو زوجتي وأختها وأمها، ولأنني أخاف قطيعة الرحم تراجعت عن فكرة الطلاق لأنني أعلم أن الطلاق سيكون وبالا على الزوجة وأهلها وعلىّ أيضا، لأنني سأكون غير راض على تحطيم مستقبل الزوجة، وإن سعِدت ظاهريا بالزواج من أخرى تكافئني علميا.
أحاول قدر المستطاع أن أكون بارا بأمي وأن أعاشر زوجتي بالمعروف.
والآن تصر أمي على التزوج من أخرى، بل وتقول أحيانا إنها لن ترضى عني ـ أعلم أنها تقول ذلك من وراء قلبها ـ لكني أخاف أن تكون فعلا جادة، وتقول أيضا: إنني لن أكون من الفائزين إن لم أرح قلبها من الزواج بأخرى وأخفف عنها وطأة المرض الذي ألم بها من جراء زواجي الأول - الذي للأسف كانت سببا فيه - لكن قدر الله نافذ لا محالة.
والسؤال: هل أتزوج لإرضاء أمي؟ وهل سأكون عاقا إن لم أفعل ذلك؟.
أفيدوني رحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حق الأم عظيم، وبرّها من أوجب الواجبات، كما أنّ عقوقها من أكبر الكبائر، لكنّ الطاعة الواجبة للأمّ ليست مطلقة، وإنما مقيدة بالمعروف، فلا طاعة في معصية الله، ولا طاعة فيما فيه ضرر، وانظر الفتوى رقم: 76381.
والظاهر أنّ أمّك تأمرك بالزواج رغبة في مغايظة زوجتك وأهلها، فلا يجب عليك طاعتها في ذلك، ولا تكون عاقاً بترك الزواج من ثانية، بل إنك إذا لم تكن قادراً على مؤنة الزواج فلا يجوز لك الزواج من ثانية.
أمّا إذا كنت قادراً على الزواج ومراعاة العدل بين الزوجتين ولم يكن في زواجك ضررعليك، فالأولى أن تطيع أمّك.
والذي ننصحك به أن تجتهد في برّ أمّك والإحسان إليها، وتتعامل مع زوجتك بالحكمة وتسعى في الإصلاح بين أمّك وزوجتك وخالتك.
وننبهك إلى أنّ التكافأ في المستوى التعليمي ليس شرطاً لتحقيق حياة زوجية سعيدة، وإنما المعتبر في الكفاءة بين الزوجين هو: الدين والخلق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1430(8/1017)
جواز مقاطعة ذي الرحم الفاسق بعد نصحه ووعظه
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي رجل كبير في السن تجاوز 85 عاما، وهو منذ عامين مريض طريح الفراش. وكان قد تزوج بثانية قبل 25 عاما، وتقريبا هجر أمي فلم يزرها إلا في ما ندر وفي المناسبات. وأنجب من زوجته الثانية أولادا وبنات. أنا وإخوتي من جهتنا لم نقاطعه ولم نقاطع إخوتنا بل وإنه بعد مرضه زاد برنا به، وأشرفت أنا شخصيا على علاجه وبقيت معه ليال كثيرة في المستشفيات وهو ما أعتبره واجبا أكثر منه منة على أبي. ولكن أبي أصر على البقاء في بيته عند زوجته الثانية رغم ما كنا نراه من تقصير منها في العناية به. وقد صرح لي مؤخرا أن إحدى بناته والتي تزوجت مؤخرا اعتادت أن تضربه بل وسبه وسب أبيه أحيانا في غيابنا طبعا. بل وإن زوجته قالت له إنه إذا أخبر أحدا بما يحصل ستقوم بتقطيعه بالساطور. وعند مراجعة التي كانت تضربه لم تنكر بل وسبتني أنا وقالت إنه ليس لي الآن سلطان عليها، بل لزوجها وإخوتها من أمها. سؤالي هو: هل إذا قاطعتها- وهو ما يطلبه والدي مني ومن جميع إخوتي- أكون ممن يقطعون الرحم؟ وما العمل في حالة تهديد زوجة أبي له؟ وهو يرفض الانتقال من بيته والذهاب إلى أي من بيوتنا؟ هل نستطيع إجباره على الانتقال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجزيك خيرا، وأن يعينك على بر أبيك، لا سيما في مثل هذه السن التي يحتاج فيها إلى العون والرعاية، فقد قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. {الإسراء:23} .
أما بالنسبة لمقاطعة أختك هذه التي يظهر منها الفسق ورقة الدين لدرجة ضرب الوالد وسبه وسب أبيه وسبك أنت أيضا، فمثل هذه الأخت يجوز قطع رحمها من باب الزجر بالهجر، وذلك يكون بعد بذل المستطاع في النصح لها وترغيبها وترهيبها وتذكيرها بالله تعالى، ثم ببيان أن قطعها إنما هو بسبب سوء صنيعها، فإن تابت إلى الله وإلا فليقاطعها غضبا لله وإنكارا لمنكرها، وفي الوقت نفسه طاعة لوالده الذي طلب هذا منه ومن إخوته.
قال ابن حجر في فتح الباري في باب: من وصل وصله الله: قال ابن أبي جمرة: وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى. اهـ.
ونقل ذلك وأقره الخادمي في بريقة محمودية، والمناوي في فيض القدير، والمباركفوري في تحفة الأحوذي، والسفاريني في غذاء الألباب.
وأما مسألة إجبار والدك على الانتقال، فهذا بحسب ما يخشى عليه من ضرر في بقائه عند زوجته الثانية، فإن تيقنتم أو غلب على ظنكم أنه سيقع عليه ضرر كبير ولن يستطيع دفعه عن نفسه، جاز لكم بواسطة الإبلاغ عن الأمر إلى السلطان.
أما إجباره بحيث تأخذونه عنوة وهو كاره رافض لذلك فهذا أمر لا نوصي به ما دام معه عقله.
ومع ذلك فينبغي أن تبذلوا جهدكم لإقناعه وإرضائه بحيث ينتقل بطيب نفسه، دون اللجوء إلى السلطة إلا إذا تعين ذلك وسيلة لإنقاذه من موت محقق مثلا أو تعرضه للضرب مثلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(8/1018)
بر الوالدين واجب على كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت وحيدة متزوجة، وكذلك أربع إخوة، أختي أخذت في معاداتي أنا وزوجتي، وتكرر منها ذلك كثيرا مما حدا بي إلى مقاطعتها تجنبا للمشاكل، مع العلم أن والدتي واقفة بجانب أختي، وجاء ذلك اليوم الذي يقسم فيه والدنا بعضا من الأراضي التي يملكها وحرر ذلك بتوقيعه مع شهود على ذلك، فأخذ كل منا نصيبه، وتصرف جميع إخوتي في حقوقهم إلا أنا رفض والدي أن أتصرف بأي شيء، ولما سألته عن السبب أجابني بأنه ليس لك عندي شيء، وطلبت الوالدة مني مقاطعتها أيضا، وبالتالي اضطررت أن أشتري أرضا من مالي الخاص وبنيت بيتا، ولي سنة، وجاء لي مولود ولم يره أبي وأمي. أفتوني ماذا أعمل جزاكم الله خيرا؟ مع العلم أنني حاولت برهم بكافة الأوجه ولكن دون جدوى؟ ولماذا يفرقون بيني وبين إخوتي في التعامل!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلة الرحم من أعظم الواجبات وأفضل القربات، كما أن قطيعتها من أعظم الكبائر الموبقات، والواصل على الحقيقة هو الذي يصل من قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، أما الذي يقتصر في الصلة على من وصله وأحسن إليه، فهذا مكافئ لا واصل، وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري وغيره.
فإن أردت أن تحوز ثواب صلة الرحم فاصبر على أذى أختك هذه، فإنها من الأرحام الذين تجب صلتهم باتفاق، وتذكر قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجل فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
وقد سبق الحديث عن حرمة القطيعة في الفتوى رقم: 113287.
والخلاصة أن ما كان منك من هجر أختك غير جائز، وكان يمكنك أن تكتفي بتقليل علاقتك بها إذا كنت تتضرر بتصرفاتها، أما أن تقطعها جملة واحدة فهذا لا يجوز خصوصا مع ما جلبه عليك هذا من غضب أبويك وهجرهما لك، والظاهر أن من أسباب ذلك قطيعتك لأختك، فالواجب عليك أن تبادر إلى إصلاح ما فسد بينك وبينها حفاظا على أواصر الرحم وإرضاء لوالديك.
فإن كان ما يفعله والداك معك من جفاء سببه تقصيرك في حق أختك فسيزول هذا إن شاء الله بإصلاح ما بينك وبينها.
أما إن كان الذي يحدث من والديك بلا سبب معتبر، فهذا لا يجوز لأن العدل بين الأولاد واجب على الراجح من كلام أهل العلم، خصوصا في الهبات والعطايا، كما بيناه في الفتوى رقم: 14254.
وفي النهاية ننبهك على أن إساءة الوالدين إلى ولدهما لا تسوغ للولد أن يقابل هذا بمثله، فإن برهما واجب على كل حال، وقد بينا ذلك في الفتاوى التالية: 20947، 16632، 3459.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1430(8/1019)
حكم صلة الأخت العاقة لوالديها
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي عاقة لوالدي ولوالدتي وهي الآن متزوجة. هل يجوز لي أن أزورها من باب صلة الرحم أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنّ عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ومن أعظم أسباب سخط الله على العبد.
لكنّ وقوع أختك في ذلك لا يمنع من صلتها، فإن أعظم المحرمات وهو الشرك، لا يمنع من صلة الرحم، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك. متفق عليه.
فالأصل هو الصلة إلا إذا كان الهجر سيؤدي بالمهجور إلى ترك المنكر الذي هو عليه، فإنه ينبغي أن يهجر حتى يرتدع عن ذنبه، فإن كان الهجر لن يؤدي إلى ذلك لم يشرع.
وفي هذه الحال عليك بصلة أختك مع مداومة نصحها بالتوبة من عقوق والديها وتخويفها عاقبة العقوق، ويمكنك إهداؤها بعض الكتب أو الأشرطة المفيدة في هذا الشأن، مع كثرة الدعاء لها بالهداية فذلك من أعظم أنواع الصلة والإحسان إليها، وأبشري ببركة هذا العمل في النيا والآخرة، فإن صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(8/1020)
حكم قطع الرحم التي يحصل الضرر بصلتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أريد أن أسال عن حكم التقصير في صلة الأرحام الذين يسببون الإيذاء كلما تم صلتهم، خصوصا الذين يتعاملون بأساليب الشعوذة والسحر؟ وما معنى الهجر الجميل؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله بصلة الرحم ونهى عن قطعها، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.
وقد أوصانا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بصلة من يقطعنا فعن عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم. تسفّهم الملّ: تطعمهم الرماد الحار.
واعلمي أنّه لا يجوز اتهام أحد بعمل السحر من غير بينة، أمّا إذا كنت متيقنة من قيام هؤلاء الأقارب بعمل السحر، فلا شكّ أنّ ذلك منكر عظيم، وقد عدّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، لكن ذلك لا يمنع من صلتهم بالقدر الذي لا يحصل لكم به ضرر في دينكم أودنياكم، مع وجوب نصحهم وبيان خطر ما هم عليه، فإذا لم ينتصحوا وكان في مقاطعتهم زجر لهم عن هذا المنكر، فالواجب عليكم هجرهم إذا تعين ذلك طريقا لاستصلاحهم.
وكذا يجوز لكم أن تهجروهم إذا غلب على ظنكم حصول ضرر لكم من جهتهم.
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. ومعنى الهجر الجميل الهجر الذي لا عتاب معه. وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 59458.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1430(8/1021)
مقاطعة زوجة الأب وبناتها لفسقهن ليس عقوقا للأب
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل: أنا شاب متزوج وأقيم حاليا في بيت أهلي وإخوتي لكوني أكبرهم سنا، والدتي متوفاة منذ ثمانية أعوام، ووالدي متزوج بامرأة ثانية، بيتها في المدينة منفرد عنا، وبيننا مسافة بعيدة، ولدي مشكلة مع والدي لأنني مقاطع عائلته الثانية للأسباب التالية: زوجته الثانية تسيء إلينا وتحاول أن تبعده عنا بأي وسيلة كانت، علما أن أغلب إخوتي صغار في السن، وعندها بنات بالغات ولباسهن متحرر جدا لا يليق بعاداتنا وتقاليدنا ولا يجوز شرعا ـ فاحش ـ وأيضا تقوم هي وبناتها بالسفر خارج المحافظة في كل صيف للترفيه، مع عدم اصطحاب والدي معهن، علما أنني حاولت مرات عديدة معها ومع والدي النصيحة ولم يستجب لأمري، وأخذت عهدا على نفسي بمقاطعتهن، ولكن والدي أخذ مني موقفا وأنا في أغلب الأحيان على خلاف معه، مع العلم أنني غير مقصر تجاهه.
شيخنا الفاضل: أريد حلا، هل أنا آثم وعاق لوالدي أم أنا على حق؟.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن حق الوالد على ولده عظيم، وطاعته وبرّه من أوجب الواجبات، كما أن عقوقه من أكبر الكبائر، ومن أسباب سخط الله. لكنّ الطاعة إنما تكون في المعروف، فإذا كانت مقاطعتك لزوجة أبيك وبناتها ليست لأمر دنيوي وإنما لما يرتكبنه من محرمات، فلا يكون ذلك عقوقاً لأبيك ولا إثم عليك فيه، ولكن إذا كان في صلتهم رجاء صلاحهم وكفّهم عن هذه المنكرات، فالواجب عليك طاعة والدك في صلتهم بالقدر الذي لا يضرّك، مع التنبيه على أنّ بنات زوجة أبيك إذا لم يكنّ أخوات لك من الأب أو يكن قد رضعن ممن يجر لك لبنها المحرمية، فهنّ أجنبيات عنك، لا يجوز لك الخلوة بهنّ أو مصافحتهنّ.
وعلى كلّ حال عليك أن تجتهد في برّ أبيك وتداوم على نصحه بالرفق والأدب بشأن زوجته وبناتها، ولا يجوز أن تقاطعه أو تسيء إليه بحال من الأحوال. وللمزيد راجع الفتوى رقم: 22411.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1430(8/1022)
بر الوالدين لا ينقطع على كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[أهلي يؤذون زوجي، ولا يصلون الرحم أي لا يزورونني أو يتصلون بي على الرغم أني أسكن بعيدة عنهم بـ 30 كم فقط.هل من واجبي زيارتهم والسؤال عنهم على الرغم من أن هذا يزعج زوجي؟ هل أنال حراما إن لم أكلمهم علما بأنهم لا يكلمونني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلة الرحم من أعظم الواجبات وأفضل القربات، كما أن قطيعتها من أعظم الكبائر الموبقات، والواصل – على الحقيقة - هو الذي يصل من قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، أما الذي يقتصر في الصلة على من وصله وأحسن إليه، فهذا مكافئ لا واصل. وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري وغيره.
فإن أردت أن تحوزي ثواب صلة الرحم فاصبري على أذى أرحامك وتقصيرهم وقطيعتهم، وتذكري قول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وقد جاءه رجل فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم. وقد سبق الحديث عن حرمة القطيعة في الفتوى رقم: 113287.
فإن كان في جملة أهلك كلا الوالدين أو أحدهما فهنا يتأكد أمر الصلة، ويصبح فرضا متحتما لا يسعك تركه بحال. وراجعي الحديث عن بر الوالدين في الفتوى رقم: 36657.
وأوصي زوجك أيضا بالصبر على أهلك والعفو عنهم، وذكريه بثواب العفو والصفح. وقد ذكرنا طرفا من ذلك في الفتويين رقم: 110312، 111346.
فإن لم يكفوا عن إيذاء زوجك ولم يطق صبرا عليهم فلا حرج عليه أن يعتزلهم تجنبا لشرهم وأذاهم، ولكن لا يجوز له أن يأمرك بقطيعتهم. وقد سبق أن بينا حكم منع الزوجة من زيارة أهلها في الفتوى رقم: 112369
مع التنبيه على أن محل عدم جواز منع الزوجة من زيارة أهلها هو في حال عدم وجود ضرر يعود على الزوج من ذلك، أما إذا خاف حصول ضرر له من زيارتهم كأن كانوا من أصحاب المعاصي، وهو يخشى على زوجته منهم أن يضيعوا دينها ويفسدوا أخلاقها، أو كانوا ممن يحاولون الإيقاع بينه وبين زوجته، ويغرونها بعصيانه والتمرد على طاعته فله حينئذ منعها. وذهب المالكية إلى أنه لا يمنع أبويها من زيارتها حتى ولو كانا مسيئين، ولكن ترافقهما أثناء زيارتهما – في هذه الحالة - امرأة أمينة.
جاء في التاج والإكليل: وإن اشتكى ضرر أبويها فإن كانا صالحين لم يمنعا من زيارتها والدخول عليها، وإن كانا مسيئين واتهمهما بإفسادها زاراها في كل جمعة مرة بأمينة تحضر معهم. انتهى.
ولا حرج أن تخرج هي لزيارتهما بصحبة امرأة أمينة أيضا.
جاء في الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: فإذا ادعى الزوج إفساد أبويها لها وأثبت دعواه ببينة قضي بخروجها مع أمينة وأجرة الأمينة على الأبوين لأنهما ظالمان، والظالم أحق بالحمل عليه وقد انتفعا بالزيارة، فإن كان ضرر الأبوين مجرد اتهام فالأجرة على الزوج لانتفاعه بالحفظ.انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1430(8/1023)
في المعاريض مندوحة عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكر الساهرين على هذاـ السايت ـ الذي يفتح لنا باب المعرفة لكل ما يتعلق بديننا الحنيف: الإسلام، فيما يخص سؤالي: فأنا متزوجة وأم لطفل أمر بوقت عصيب ماديا أنا وزوجي لدينا ديون كثيرة ومشكلة في السكن. وقد وعدنا رجل كنا في يوم من الأيام مددنا له يد المعاونة وقد مر عليها زمن، وقد وعدنا ـ وأقسم بالله بالتحريم على نفسه الجنة ـ أنه سيساعدنا في هذه المحنة وسيخرجنا منها مثل ما فعلنا معه من قبل، وحينئذ كذبت على أمي لأنها كانت في حالة انهيار بسببي وسبب حالتي وطمأنتها كذبا أن زوجي سيتلقى نصيبا من مال حلال يمكننا من سداد الدين وشراء منزل، المشكل أن الرجل مازال في وعده ولكن لم يعطنا شيئا وأنا دخلت في دوامة الكذب وراء الآخر لأمي بسبب تأخر هذا النصيب من المال، وأصبحت في ورطة مع أمي لأنني لا أستطيع البوح بالحقيقة لها، لقد دخلت في مجموعة من الكذب لم أكن أريد الأذى، ولكن لربح الوقت لحين أن يساعدنا ذلك الرجل، والحكاية مرعليها الآن سنتان، أحس بالذنب أمام عائلتي وموضعي لم يتحسن، لا أستطيع قول الحقيقة لعائلتي خوفا على أمي، ماذا أفعل؟ موقفي حرج جدا كنت أريد فقط حماية زوجي من الإحراج، ماذا أفعل الآن؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجعل لكم فرجاً ومخرجاً من كلّ همّ وأن ييسّر لكم أمركم.
أمّا عن سؤالك، فاعلمي أنّه لا يلزمك أن تخبري أمّك بما يمرّ بكما من ضائقة مالية، ولا يلزم من ذلك أن تكذبي عليها، فإنّه بإمكانك استعمال التورية والتعريض دون الكذب الصريح، بأن تقولي كلاماً يحتمل أكثر من معنى تقصدين به شيئاً واقعاً ويفهم السائل معنى آخر، ومثال ذلك ما روي عن النخعي أنه كان إذا طلبه أحد قال لأمته: قولي له اطلبه في المسجد أو خرج: أي في وقت غير هذا.
وكان الشعبي يخط دائرة ويقول لأمته: ضعي أصبعك فيها وقولي ما هو هنا، ونحو ذلك، وراجعي الفتوى رقم: 68919.
ونوصيك وزوجك بالتوبة إلى الله وكثرة الاستغفار والإلحاح في الدعاء مع إحسان الظنّ بالله فإنّه قريب مجيب
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1430(8/1024)
مشروعية التلطف واللين في مجادلة الوالدين لاتقاء غضبهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي توفي وكنت أنا مسافرة، وكنت في أواخر أيام أبي كنت مختلفة معه في موضوع هو في مصلحته، واشتد الكلام بيني وبينه وتوفي بعدها، أفيدوني يجزيكم الله خيرا هل أبي بذلك الأمر غضبان علي؟ مع العلم أني أدعو له يوميا في صلاتي وختمت له، قرأت القرآن كاملا، وأقوم بالتصدق على روحه، مع العلم أني حلمت ذات مرة بأبي ونظر إلي نظرة توحي أنه غضبان، فقلت له كأني استعطفته في الحلم: أبي إني أقرأ لك القرآن، أنت تعلم بذلك فأجاب أبي وظهره لي، وأجاب بصوت حزين: نعم أدري أنك تقرئين لي القرآن. أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي أن يشتد كلام الابن مع أبيه مهما قال الأب أو فعل، فقد أمر سبحانه ببر الوالدين والإحسان إليهما والتلطف في الكلام معهما، ونهى عن كل ما يخدش مشاعرهما ولو كان قليلا مثل قول: أفٍ. فقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً. {الإسراء:23-24} .
وما حدث بينك وبين أبيك نرجو ألا يكون قد غضب به عليك، وإنما قد يكون استاء بعض الشيء، وقلبه لا يزال راضيا عنك كما هي عادة الوالدين في محبة الأبناء وحنو قلوبهم عليهم.
وإن كنت تظنين أن ما فعلته معه قد يكون أغضبه عليك فما زال باب التوبة مفتوحا، وبر الوالدين لا ينقطع بموتهما بل هو مستمر مادام الولد حيا، وإن من برك لوالدك ما قد ذكرته في سؤالك من الدعاء له وقراءة القرآن وإهداء ثوابه إليه، وقد ذكرنا أنفع ما يقدمه الولد لوالده بعد موته في الفتوى رقم: 18760 فراجعيها، وكذلك بينا أن إهداء ثواب القراءة يصل للميت ودليل ذلك في الفتوى رقم: 2288.
واعلمي أن الرؤيا عموما لا ينبني عليها أحكام شرعية كما بينا في الفتوى رقم: 11052. فلا تحزنك هذه الرؤيا التي رأيت فيها والدك وكأنه غضبان منك، فقد تكون من الشيطان لتحزني وتضعفي عن عمل الخيرات لوالدك، أو من حديث النفس والتفكير فيما حدث بينكما، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنْ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ. فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ. رواه مسلم.
فداومي على الدعاء لوالدك وأكثري من التوبة والاستغفار مع حسن الظن بالله، والرجاء بأن يقبل توبتك ويصفح عنك، فقد وعد سبحانه التائبين بقبول التوبة، ووعده حق لا مرية فيه، ومن أحسن الأعمال التي يقبل الله بها توبتك بر والدتك إن كانت حية، وهذا ما قاله ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما لما سأله رجل قاتل عن التوبة، فعن عطاء بن يسار عن ابن عباس: أنه أتاه رجل فقال أنى خطبت امرأة فأبت أن تنكحني وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه فغرت عليها فقتلتها فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا، قال: تب إلى الله عزو جل وتقرب إليه ما استطعت.
قال عطاء: فذهبت فسألت ابن عباس لم سألته عن حياة أمه؟ فقال إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عزو جل من بر الوالدة. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1430(8/1025)
ليس من حق الزوجة الاعتراض على بر الزوج بأمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أكون آثمة عندما أطلب من زوجي أن يعتدل في علاقته بأهله، فهو من النوع الذي لا يخطو خطوة دون أن يخبر أمه، ولا يخرج من البيت دون أن يمر عليها ويخبرها بوجهته، ولا يرجع دون أن يمر بها ويعلمها بوصوله، وإذا لم يفعل ذلك يوما تظل تبكي وتولول بأن ابنها أصابه مكروه، أو أحدا أصابه بسحر ليغيره من ناحيتها، والآن أنا وزوجي مغتربان من عام، وطيلة هذا العام لم يمر يوم واحد دون أن يحادثها تليفونيا، هذا الأمر آلمني جدا، فاعترضت عليه وطلبت منه أن يكتفي بعدد معين من المكالمات أسبوعيا، فاعترضوا جميعا واتهموني بأني أحاول أن أقطع صله الرحم نهائيا، وطلبوا من زوجي أن يحدثهم عندما يكون في العمل فقط حتى لا أعلم، ولكن ذلك أساء منه رؤساءه في العمل أيضا، والآن صارت لي شهور لم أحدثهم بسبب هذا الموضوع، وكلما طلبت من زوجي أن نحدثهم سويا مرتين أو ثلاثا أسبوعيا يرفض، وأيضا يرفض محادثة أي أحد من أهلي مثلما أفعل أنا.
هل يقع علي إثم؟ وهل هذه هي إبعاد العلاقة السليمة بين الابن وأمه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من حقك أيتها السائلة أن تعترضي على زوجك فيما يقوم به من صلة أمه ومداومة السؤال عنها؛ لأن فعله هذا من أعظم الطاعات وأجل القربات التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا، والأم هي وصية الله ورسوله، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا {الأحقاف: 15} . وفي الصحيحين أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
فأحرى بك أن تكوني عونا لزوجك على برِّه بأمه وإحسانه إليها، لاسيما مع ما تذكرين من تعلق أمه به وإشفاقها عليه.
وقد رأيت ما حدث بسبب اعتراضك عليه من فتنة عمياء أفسدت الأحوال وكدرت الأجواء بينك وبين زوجك، وبينك وبين أهله، وبين زوجك وأهلك وما ترتب على ذلك من هجر وقطيعة وتخاصم.
فاتقي الله سبحانه، واحذري من الغيرة المذمومة التي قد تحمل صاحبها على الوقوع فيما حرم الله، واحرصي على أن تكوني عونا لزوجك على بره بأمه خاصة وصلته لسائر أهله.
مع التنبيه على أنه لا يجوز لزوجك أن يهجر أهلك ولا أن يقاطعهم بسبب فعلك، وأيضا لا يجوز له أن يمنعك من محادثة أهله أو صلتهم، لأن الخطأ لا يقابل بمثله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1430(8/1026)
السفر بقصد القطيعة للوالدين غير جائز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وعندي أولاد، وأعمل في عمل حكومي ولكن المرتب لا يجزئ، وأسكن مع والدي في نفس الشقة لأني لا أستطيع أن أدفع إيجار شقة، وهو أيضا يصرف علينا من ماله ـ على الطعام - وهو يتدخل في كل حياتي الزوجية، وكأني لا كرامة لي، وأنا صبرت كثيرا لأن وضعي المالي صعب، وهو وأمي من ضغطوا علي للزواج ورفضوا أن أسافر لكي أجد عملا جيدا أكسب منه مالا يعينني على حياتي الزوجية، وبعد وفاة والدتي بدأ يتدخل في كل حياتي الزوجية، ويأمر وينهى وكأنه هو المتزوج، وأنا صبرت كثيرا، ولكن في مرة ضاق صدري ونهرته بشدة على تدخله في شئوني الزوجية، فهل أنا بذلك عاق؟ وهل إذا تركته ورحلت أكون عاقا؟.
مع العلم أنني وحيد لا إخوة لي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتدخل والدك في شئونك الزوجية ونحو ذلك لا يبيح لك الإساءة إليه أو التقصير في برّه، فإنّ حقّ الوالد عظيم، وقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، ونهى عن زجرهما وإغلاظ القول لهما، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا {الإسراء: 23} .
فما كان منك حين نهرت والدك هو من العقوق الذي حرمّه الله، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أكبر الكبائر، فالواجب عليك التوبة من ذلك والندم على هذا الفعل والعزم على عدم العود لمثله، وأن تعتذر لأبيك وتطلب منه العفو، وتجتهد في برّه والإحسان إليه، ولك أن تنصحه برفق وأدب أو تستعين بمن يقبل قوله من الأقارب أو غيرهم من أهل الدين لينصحوه بترك التدخل فيما ليس من حقّه في أمورك الزوجية.
أمّا عن انفصالك عنه بالسكن فهو جائز، لكن لا يجوز لك أن تقصر في رعايته وبرّه وطاعته في المعروف، وانظر الفتوى رقم: 72133، وإذا كنت تريد السفر لطلب الكسب، ولم يكن في سفرك تضييع لوالدك، فالسفر جائز، قال الكاساني في بدائع الصنائع: وَكُلُّ سَفَرٍ لَا يَشْتَدُّ فيه الْخَطَرُ يَحِلُّ له أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إذ لم يُضَيِّعْهُمَا لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ. اهـ
وعلما بأن السفر إذا كان بقصد القطيعة للوالدين أو أحدهما فإنه لا يجوز.
ونذكّر السائل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة. قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: فالسعيد الذي يبادراغتنام فرصة برهما لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك والشقي من عقهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1430(8/1027)
الإحسان إلى أم الزوج من إكرامه وحسن عشرته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيمة في بلد غير بلدي، ومرتاحة ولله الحمد، ولكن أم زوجي تريد أن تأتي ل زيارتنا لمدة 6 أو 7 شهور، وأنا لا أريدها، لأنها راعية مشاكل وستقلب حياتي إلى جحيم، وأنا لا أملك رأيا أمام زوجي يعني الكلمة كلمته. فهل يجوز أن أدعو الله أن يصرفها عن المجيء إلينا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك. رواه أحمد وأبو داود. وصححه الألباني.
قال العظيم آبادي: أَيْ الْجَامِعَة لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَهِيَ مَا كَانَ لَفْظه قَلِيلًا وَمَعْنَاهُ كَثِيرًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار. وَمِثْل الدُّعَاء بِالْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وَقَالَ عَلِيّ الْقَارِيّ: وَهِيَ الَّتِي تَجْمَعُ الْأَغْرَاض الصَّالِحَة، أَوْ تَجْمَعُ الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى وَآدَاب الْمَسْأَلَة. وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ: أَيْ مِمَّا لَا يَكُونُ جَامِعًا بِأَنْ يَكُونَ خَالِصًا بِطَلَبِ أُمُورٍ جُزْئِيَّةٍ: كَارْزُقْنِي زَوْجَةً حَسَنَةً, فَإِنَّ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى مِنْهُ اُرْزُقْنِي الرَّاحَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِنَّهُ يَعُمُّهَا وَغَيْرهَا. اهـ.
ومن ذلك ما رواه ابن عمر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
فهذا الدعاء وأمثاله من الأدعية النبوية الكريمة أفضل وأجمع وأنفع من الدعاء الخاص أن يصرف الله عنك أم زوجك. لو سلمنا أن مجيئها شر بالفعل.
ثم نوصيك خيرا بزوجك وأمه لو حصل أن أتتكم، فقد يجعل الله في مجيئها خيرا لك وأنت لا تعلمين، كما قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {البقرة: 216} . وقال سبحانه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً. {النساء: 19} .
فأحسني معاملتها وتوددي إليها واصبري عليها، ولن يخيب الله سعيك ولن يضيع أجرك، وقد ينقلب ما يتوقع من ضررها سلامة وعافية، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. {يوسف: 90} . وقال سبحانه: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت:34} . ولا تنسي أن إقامتها عندكم ليست دائما، وإنما هي فترة محدودة، فاحتسبي هذه الفترة لوجه الله تعالى عسى أن يكون ذلك من أثقل ما يكون في ميزان حسناتك يوم القيامة. وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 77390.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1430(8/1028)
لا يحق للزوج منع زوجته من صلة أرحامها
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت خلافات كثيرة بيني وبين زوجي بسبب أهله، تسببت بطلاقي مرتين ورجعني لعصمته، ولكن أهله خاصمونى وطردوني من بيتهم، وزوجي لم يتخذ أي موقف، سوى أنه منع أخي المقيم معنا في قطر من زيارتي ورؤيته، ومنع أبنائي منه حتى ولو بالتليفون، وقال لي أنه سوف يتسبب بطرد أخي من قطر. ماذا أفعل لا أريد أن تنقطع صلة الرحم بأهلي وأخي كيف وهو عصبي جدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك أيتها السائلة بالصبر على ما تجدين من أذى أهل زوجك، وأن تقابلي أخطاءهم بالعفو والصفح، فهذا ما رغب الله عباده فيه ووعدهم عليه مغفرة ذنوبهم، وسكنى جنات عرضها السماوات والأرض. فقال سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. {آل عمران: 133، 134} .
وهذا هو خلق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فأين المشمرون المقتدون؟! سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله؟ فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
والذي يظهر من كلامك أنك في بيت مستقل عن أهل زوجك، ويمكنك أن تستغلي ذلك في تقليل مخالطتهم والاحتكاك بهم ما دامت الخلطة تفتح باب الخلاف والشر.
وإنا لننصح زوجك ألا يتخذ الطلاق مطية سهلة ذلولا يركبها عند كل خلاف أو منازعة، فبئست المطية هي، ولا يعود الطلاق على أصحابه – في الغالب – إلا بالحسرة والندم، وتشتت الأسر وتشرد الأولاد. فانصحي زوجك أن يضبط غضبه ويمسك لسانه عن الطلاق، وأن يلجأ إلى الحكمة والتأني لحل مشاكله.
أما بخصوص منعه لأخيك من زيارتك فهذا غير جائز، إلا إذا كان هناك سبب معتبر، كأن كان يخشى من أخيك أن يفسدك عليه، أو يحرضك على عصيانه، أما منعه دون سبب فلا يجوز لما فيه من تقطيع الأرحام التي أمر الله بوصلها، وقد سبق أن بينا حكم منع الزوجة من زيارة أهلها ومنعهم من زيارتها، وذلك في الفتوى رقم: 117262.
وكذا لا يجوز له أن يمنع أولاده من وصل خالهم والإحسان إليه؛ لأن الخال من الأرحام التي تجب صلتها وتحرم قطيعتها بلا خلاف بين أهل العلم.
والذي نوصيك به هو أن تذكريه بالله وحق الرحم، وأن الواجب عليه أن يكون عونا لك على صلة أرحامك لا أن يحول بينك وبينهم، ثم تذكريه بخطورة الغضب وأثره في إفساد الدين والمروءة، على ما بيناه في الفتويين: 120186، 8038 على أن يكون هذا بأسلوب لين رفيق.
كما أننا نحذره من السعي في طرد أخيك من عمله الذي يسترزق منه فإن في ذلك ظلما عظيما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1430(8/1029)
صلة الأقارب والصبر على أذاهم خير من القطيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أقارب يحسدونني، وكثيرو النميمة واللغو، وأشعر منهم بنفور شديد، وعندما أحدثهم ينتابني ضيق وهم شديد واكتئاب حتى من مجرد سماع أصواتهم، مع العلم أننى أقيم خارج بلدي، فهل لو لم أتصل بهم حفاظا على أعصابي أكون آثمة؟ لا أستطيع حتى مجرد سماع أصواتهم، وأكتفى بالدعاء لهم بالهداية، فهل أدفع الضرر عن نفسي بعدم الاتصال بهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأقارب يتعين الحرص على التواصل معهم، والصبر على ما يلقاه الإنسان منهم، ومن صبر على أذاهم ودفع أذاهم بالحسنى سيسلمه الله من شرهم ويحفظه من كيدهم، وأعظم من ذلك أنه ينال معية الله، ففي حديث مسلم: أن رجلا قال يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وقال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34، 35} . وقال تعالى: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران:120} .
قال شيخ الإسلام: فمن اتقى الله من هؤلاء وغيرهم بصدق وعدل ولم يتعد حدود الله، وصبر على أذى الآخر وظلمه لم يضره كيد الآخر، بل ينصره الله عليه. اهـ
وبناء عليه، فننصحك بالحرص بالاتصال على أقاربك مع الحفاظ على التعوذات المأثورة مساء وصباحا، ومكافأة إساءتهم بالحسنى، ومجاهدة النفس في التخلص من النفور الذي ذكرت.
ويمكن استعمال المراسلة بوسائل الاتصال إن شق سماع الصوت أحيانا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1430(8/1030)
لا طاعة للأب في أمره ابنه بطلاق امرأته لغير مسوغ شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 29 عاما، كنت أرغب في الزواج، ووالدي كان يعارض لعدة أسباب لم أقتنع بها، مثل الوقت لم يحن، أوالفتاة غير ملائمة، مع أنني غيرت الفتاة أكثر من مرة لكنه لم يوافق.
في نهاية الأمر قلت لزوجته ـ وهوقد طلق أمي ـ أنني سأذهب إلى بيت خالتي وأطلب منها أن تزوجني بنتها، وذلك لأني أخاف من الخطإ في وجه والدي.
وبالفعل ذهبت ووافق والد العروس، وطلب رأي والدي فشرحت له ما حدث بيني وبين والدي، فذهب لإقناعه وطلب والدي فترة للتفكير ليستشير إخوته وهو موافق، وعندما ذهبت إلى والدي قال لي كلاما غير ما قال أبو العروس من طلبات على إنجازها مثل: شراء بيت، مع العلم أنني مغترب خارج بلدي، ووالدي كان يأخذ مالا مني ووعدني أن يعطيني بيتا.
فحدثت مشادة كلامية مع والدي في نهايتها قلت له لن أسامحك أنت وإخوتك على تأخير زواجي، مع العلم أني لا أطلب منه سوى الموافقة دون أي مساعدة مادية.
طردني والدي على أثر المشادة الكلامية وفشلت جميع محاولات إرضائه من الأصدقاء والأقارب.
خطبت الفتاة وعقدنا القران وسافرت، فجاء التيسير من الله ووافق صاحب العمل أن يستأجر منزلا لي فقررت الزواج، وكلما أتصل بوالدي لا يجيب.
ذهبت إلى بلدي بعد أن حجزت صالة الزفاف، لأني لا أملك وقتا، وعندما ذهبت حاول الأقارب الإصلاح فوافقت لكنه طلب إلغاء الزواج على أن يفكر وأسافر إلى عملي، وبعد ذلك يرد لي جوابا فرفضت، لأن وقتي ليس بيدي ولأن عمي اتصل بي، وطلب مني أن أطلق الفتاة، ووالدي أرسل مع إخوتي أنه لا يرضى إلا إذا طلقتها.
تم الزواج وسافرت، فقاطعني كل أعمامي ووالدي ورفضوا التحدث معي، وأنا الآن في حيرة، فوالدي لا يجيب على اتصالاتي ويقول إنه لن يرضى إلا بالطلاق، وأنا لا أعرف ماذا أفعل.
فهل أنا آثم؟ وإذا كان لديكم حل أرجو المساعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به والدك من التعنت والوقوف في وجه زواجك على الرغم من محاولتك استرضاءه لا يجوز، وهو آثم في فعله هذا؛ لأنه بذلك يعرضك للفتنة والفساد.
وأيضا فإن ما يقوم به من الضغط عليك – بعد الزواج - لتطليق زوجتك دون سبب معتبر لا يجوز، ولا يجب عليك طاعته في ذلك، على ما بيناه في الفتويين رقم: 102672، 21719.
وإذا كان أبوك قد أخذ منك ما أخذ من المال – وهو غير محتاج له – على أن يعطيك بيتا، فإن الواجب عليه أن يوفي بوعده، فيعطيك ما وعدك به من البيت أو يرد عليك مالك.
أما إن كان محتاجا إليه لكونه فقيرا، فليس عليه أن يرده؛ لأن نفقته حينئذ واجبة عليك، وإن كان محتاجا لبعضه دون بعض وجب عليه أن يرد القدر الذي يستغني عنه.
والذي ننصحك به هو أن تحاول ما استطعت أن تسترضي والدك، وأن توسط بينك وبينه في ذلك من يملك التأثير عليه من صديق أو جار ونحوهما، لأن رضا الأب من رضا الرب سبحانه وفي الحديث: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فإن لم يستجب رغم هذه المحاولات فلا حرج عليك حينئذ، وأكثر من الدعاء له بظهر الغيب، ولا تأل جهدا في إيصال الخير له ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1430(8/1031)
قيام الأم ببعض المنكرات لا يمنع من برها
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجي تتعاطى بعض أنواع التبغ. أنا أحبها وأحترمها وأحبها إكراما لله عز وجل. لكن هذا الأمر يؤذيني كثيرا فوق ما يتصور العقل، نظرا لما يسببه من روائح كريهة وأوساخ، إضافة إلى منظر حماتي وهي تتعاطاه، ومنذ فترة لم نعد نستضيفها عندنا خوفا من أن نغضبها حيث هي تعلم وتحس بأن هذا الأمر يقززني إلى أبعد الحدود. زوجي ينصحها منذ سنوات بالابتعاد عن هذا السم، ونحن ندعو الله لها في صلواتنا، علما بأن زوجي يبر أمه ويخاف من غضبها الذي هو من غضب الله، ويخشى أن نكون قد ارتكبنا إثما لعدم إحضارها عندنا كثيرا، ومن ناحية أخرى، هل لنا أن نمنع أم زوجي من التدخين حين إقامتها عندنا لمدة قد تطول؟ وهي شديدة التعلق بهذا التبغ، وتقول إنها تتعب جدا إذا منعناه عنها، وقد حاول زوجي بالفعل منعها كليا، إلا أنها ترجوه بإلحاح وتهدده بالرحيل وبالغضب إن لم يستجب لها، فيرق قلبه ويعطيها التبغ.
أرجوكم أفيدوني في أقرب الآجال لأن حماتي ستزورنا في الأيام القليلة القادمة، وأنا خائفة من إغضاب زوجي وإغضابها ومن إغضاب ربي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الكلام مفصلا عن حكم استعمال التبغ سواء بالشم أو بالتدخين، وذلك في الفتويين رقم: 1671، ورقم: 20252.
وما تفعله أم زوجك من تعاطي هذه المادة الخبيثة لا يجوز، ويزداد الحظر والإثم عندما يبلغك أنت الأذى والضرر جراء فعلها ذلك، وقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الإضرار بالناس وذلك فيما رواه ابن ماجة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قضى أن لا ضرر ولا ضرار. صححه الألباني.
ومن القواعد الفقهية المتفق عليها أن الضرر يزال.
ولكن يبقى أن لهذه السيدة حقا عظيما على ابنها الذي هو زوجك، فقد أوصى الله ورسوله بالوالدين خصوصا الأم، وجاءت النصوص متواترة متعاضدة في الأمر بإكرامها غاية الإكرام، والنهي عن إيذائها ولو بكلمة، وهذا الحكم يشمل جميع الأمهات حتى وإن كن فاسقات، إن هذا الحكم ينسحب كذلك على الأمهات المشركات، لأن الله سبحانه قال في محكم التنزيل: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً {لقمان: 15} . قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وفهم من ذكر ـ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ـ إثر قوله ـ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي ـ أن الأمر بمعاشرتهما بالمعروف شامل لحالة كون الأبوين مشركين، فإن على الابن معاشرتهما بالمعروف، كالإحسان إليهما وصلتهما. انتهى.
وبناء على ما سبق، فإن الذي نراه في مثل هذه الحالة هو أن يحاول زوجك أولا أن يثني أمه عن هذه العادة السيئة القبيحة، وأن يبين لها حرمتها في الشرع، وقبحها في العادة والعرف، وأن يعدد لها مضارها الصحية والاجتماعية، فإن استجابت لذلك، وإلا فليذكر لها برفق وتودد أنه وزوجته يتأذيان بهذه الرائحة الكريهة المنبعثة منها، ويطلب منها أن تتجنب تعاطي هذه المادة مدة بقائها عندكم أو التقليل منه على الأقل، وذلك تجنبا لأضرارها.
فإن لم تستجب فلا مانع حينئذ أن تقتصروا على زيارتكم لها دون دعوتها لزيارتكم، إن لم تكن هي تحتاج رعاية خاصة، وعليكم أن توصلوا لها ما تستطيعون من البر والإحسان وهي بعيدة عنكم، فإن كانت تحتاج رعاية خاصة، فعلى ولدها أن يضمها إليه، وعليك أنت أن تكوني عونا له على ذلك. وإياك ثم إياك أن يحملك ما تقوم به على حمل ابنها على عقوقها، فإن ذلك منزلق خطير.
والله أعلم.
&8195;
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1430(8/1032)
يجب على المدين الموسر السداد إذا حل الأجل
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أخت قد تداينت مني مبلغا من المال على أن تسدده لي شهريا بمبلغ معين، ولكنها أصبحت تماطل شهرا تدفع وآخر لا، أو تدفعه ناقصا، وأنا أخبرتها بأن علي التزامات. فأريد الآن أن أعاقبها عند نزولي للإجازة- فأنا مغترب- بأن أذهب لزيارتها ساعة واحدة وعدم اصطحاب عائلتي، وأعطيها الهدايا فقط، لأشعرها بمسؤوليتها بالسداد وأنها مقصرة، ولا أقصد مقاطعتها لأنه يبدو أنها غير مكترثة بما تفعله بي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على أختك أن توفيك ما اقترضت منك، ولا يجوز لها المماطلة في ذلك طالما حل الأجل وكانت موسرة، فإن فعلت فهي ظالمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم. متفق عليه.
فإن أصرت على مماطلتها، فإنا ننصحك بعرض الأمر على من يملك التأثير عليها من زوج، أو أب، أو أم ونحو ذلك.
أما ما تستفسر عنه من زيارتها لمدة قصيرة دون اصطحاب أولادك معك بهدف زجرها فهذا لا حرج فيه - إن شاء الله- إن غلب على ظنك أنه سيفيد، وأنها ستتأثر بذلك، ولكن كن على حذر فقد يأتي تصرفك هذا بعكس المقصود، ويثير حفيظتها ويكون سبب مقاطعة بينك وبين أختك، وهذا لا يجوز، لأن الأخت من الأرحام التي تجب صلتها بلا خلاف.
فإن غلب على ظنك أن هذا الأمر ستترتب عليه مفسدة فلا يجوز لك الإقدام عليه، والزم الصبر والإلحاح على من يملك التأثير عليها.
ثم الحذر الحذر من مطالبتها بالسداد إن كانت معسرة، فالله جل وعلا يقول: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. {البقرة:280} .
وهذا في المدين المعسر عموما، فما بالك إذا كان المدين أختك، وأغلب الناس يمرون الآن بظروف مادية صعبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1430(8/1033)
بر الوالدين واجب مسلمين كانا أو كافرين
[السُّؤَالُ]
ـ[حماتي مشركة، ومعها صورة تصلي وتسجد لها، وحاولنا كثيرا أنا وزوجي إقناعها بالإسلام وثنيها عما هي عليه دون فائدة..المشكلة أنها عندما تأتي لبيتي أحيانا تنام عندنا، وأحيانا تصلي عندنا، ونحاول جاهدين أنا وزوجي ألا يراها الأولاد، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة؛ حيث إن لديها كثيرا من التصرفات المخلة بديننا، ولا نستطيع أن نمنع أطفالنا من رؤيتها. أريد أن أسال هل علينا إثم إن تركناها تصلي لغير الله في بيتنا؟ أم علينا أن نفرض عليها ألا تصلي في بيتنا خوفا أن يغضب الله علينا أن الشرك به يمارس فيه، وخوفا من تأثيرها على أطفالنا.
أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبر بالوالدين فرض عين، ولا يختص بكونهما مسلمين، بل حتى لو كانا كافرين يجب برهما والإحسان إليهما ما لم يأمرا ابنهما بشرك أو ارتكاب معصية. قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة: 8} فعليه أن يقول لهما قولا لينا لطيفا دالا على الرفق بهما والمحبة لهما، ويجتنب غليظ القول الموجب لنفرتهما، ويناديهما بأحب الألفاظ إليهما، وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ودنياهما، ولا يتبرم بهما بالضجر والملل والتأفف، ولا ينهرهما، وليقل لهما قولا كريما. من الموسوعة الفقهية.
وقد سبق بيان أن المسلم والكافر من الوالدين يستويان في وجوب البر، فبر الوالدة واجب مهما كانت عقيدتها، فراجعي الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 16256، 17264، 62397، 61924. وسبق أيضا الكلام على مسألة حدود طاعة الوالدين المشركين في الفتوى: 23377.
وعلى ذلك فما تفعل هذه المرأة في منزلكم من أمور الشرك في خاصة نفسها دون أن تدعوكم إليه، ليس عليكم من حرج فيه، ولا يجب عليكم منعها منه قسرا، بل مروها بالمعروف وانهوها عن المنكر بلطف، وادعوها إلى الله، كما فعل الخليل إبراهيم عليه السلام: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا 45 {مريم: 42-45} .
وقد نص بعض الفقهاء على أنه يجب على الولد المسلم أن يوصل أباه الكافر إلى كنيسته إن طلب منه ذلك، وعجز عن الوصول بنفسه لنحو عمى، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 76439. وعليكم أن لا تيأسوا من هدايتها، ولا تملوا من دعوتها للإسلام. واتخذوا الرفق بها والإحسان إليها وسيلة إلى قلبها.
وأما ما يتعلق بالأطفال فينبغي صيانتهم عن ما يدنس عقائدهم وينكس فطرهم، فإن كان لا بد من رؤيتهم لجدتهم وهي تشرك بالله تعالى، فلا بد من إفهامهم حقيقة دينهم وغرس معاني الإيمان في قلوبهم، وبيان خطأ جدتهم وفساد عملها دون أن يؤدي ذلك إلى كرههم لها هي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1430(8/1034)
مساعدة الأم على قضاء دينها من البر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مبلغ من المال ونويت أن أتصدق به صدقة تطوع، وعلى والدتي دين، فهل الأفضل إعطاء المبلغ لوالدتي أم للفقراء؟ علما بأن والدتي لديها راتب ـ والحمد لله ـ ولكن الدين يشغلها كثيرا والمبلغ الذي لدي لايغطي الدين فهو قليل مقارنة بالدين. وجزاكم الله الخير ووفقكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن فضل برالأم عظيم وأنها أولى بحسن الصحبة من غيرها من الناس، ففي حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك. والآيات والأحاديث في فضل بر الوالدين عموما والأم خصوصا في غاية من الكثرة، والصدقة على ذي الرحم أولى من الصدقة على غيره لقوله صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة. أخرجه الترمذي، والأم أولى ذوي الأرحام الذين يُتصدق عليهم.
ومن ثم فالذي ننصحك به، هو أن تعيني أمك على قضاء دينها بهذا المال حتى تنفس كربها ويُقضى عنها بعض دينها، ثم إذا حصل لك مال آخر بادرت بدفعه إليها في قضاء ذلك الدين ما دام أمر الدين يشغلها ويؤرقها، فإذا قضي دين والدتك وكانت مستغنية بما لها من المال فادفعي صدقتك بعد ذلك لمن شئت من الفقراء والمساكين، وننبهك إلى أن قضاء دين الأم جائز من زكاة المال إذا كانت عاجزة عن الوفاء به لأن ذلك ممّا لا يلزم الولد كما بيّنّا ذلك في الفتوى رقم: 121017.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1430(8/1035)
دار والدك وتمسك بإتمام الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تصوير العروسين فى الفرح والذهاب إلى الاستديو أيضا للتصوير؟ ـ الفوتوغرافي - الفيديو ـ وأنا لا أريد التصوير ولكن والد خطيبتي هو من يريد ذلك وحاولت معه عدم التصوير لكنه مصر على ذلك فحاولت إنهاء خطبتي لذلك السبب ولكن أبي كان غاضبا مني وأخذ يدعو علي ويدعوني بالمتشدد وحتى لا أخسر أبي ... اضطررت لعدم فسخ الخطوبة، مع العلم أن الفتاة أيضا مرغمة على ذلك التصوير، وهي على خلق وأنا الآن فى حيرة، هل ما فعلته صحيح؟ أم بذلك أغضبت ربي؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطاعة الوالدين ـ وإن وجبت ـ فإن ذلك مقيد بما ليس بمعصية، وتصوير حفلات الأعراس إن اشتمل على تصوير النساء فهي معصية سواء كان المصور رجلا أو امرأة كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 4026.
فعليك أيها السائل الكريم أن تستغفر الله وتتوب إليه مما حصل، وما دامت الفتاة هي الأخرى مرغمة على ذلك وهي ذات خلق ودين فلم يكن من الصواب تركها بسبب والدها بل التمسك بها هو الأفضل. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... والصواب في مثل حالك أن تداري والدك بقدر طاقتك بحيث لا تطعيه في معصية الله، وفي الوقت نفسه تتجنب سخطه عليك ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وقد سبق أن بينا ضوابط طاعة الوالدين وحكمها في المشتبهات في الفتوى رقم: 76303، والفتوى رقم: 108354.
ثم اعلم أخي الكريم أن الاهتمام السابق بنصح الوالد وتعليمه أمور دينه بالأسلوب المناسب وترغيبه ووعظه بطريقة حكيمة مع الاجتهاد في بره وإرضائه كان من الممكن أن يجنبك مثل هذه الإشكالات ويتصدى هو لرغبة والد مخطوبتك وتدارك هذا الأمر بأن تهتم بهذا الجانب فى المستقبل،
ثم ننبه السائل الكريم أنه لا بأس بما تعارف عليه الناس من إقامة الحفلات والولائم في مناسبة الخطبة لكن بشرط أن لا يتخللها محظور شرعي كاختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات وتبرج المخطوبة أمام خطيبها وغير ذلك مما بيناه في الفتوى رقم: 7391.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1430(8/1036)
اصطحاب الأبوين إلى العمرة أولى أم الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد شاركت في قرعة أداء مناسك العمرة وحالفني الحظ وكنت من بين الناجحين بفضل الله-القرعة تنظم سنويا بالمؤسسة التي أعمل بها -وسترافقني زوجتي إن شاء الله علما أن والدي لم يؤديا مناسك العمرة.
هل يجوز أن ترافقني زوجتي وأترك والدي إلى فرصة أخرى إن شاء الله علما أن والدتي لا تريد أداء العمرة حاليا؟
في انتظار ردكم تقبلوا فائق التقدير والاحترام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن بر الوالدين، وحسن صحبتهما، ورعاية خاطرهما، أولى ممن عداهما، لما لهما من عظيم الفضل، ووافر الحرمة، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
وفي رواية: يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك.
ومن ثم فالذي ينبغي لك أن تصطحب والديك إلى العمرة قبل زوجتك، إلا أن تعلم أنهما لا يريدان ذلك، ولا يتضجران باصطحاب زوجتك قبلهما، فلا حرج عليك إذاً، في تقديم زوجتك عليهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(8/1037)
لا يسقط حق الأم على ولدها في البر ولو كانت مشركة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي أبي وبعد حوالي أربع سنوات بدأت أمي تتعرف على ابن الجيران، وكان أصغر منها بحوالي عشرين عاما، فبدأت تسمح له بالدخول، وتخرج معه، وذات يوم استيقظت من النوم، وشاهدتها ترتدي ملابس غير لائقة أمامه، ثم طلبت مني أن أنام، ومرت السنون وهو يدخل بيتنا وحياتنا لدرجة أنه أصبح ينام على سرير واحد معها، وأنا نائمة بجوارها، وعندما كنت أعترض تقول لي أنا حرة، وعندما يكون لك بيت تحكمي فيه، وذات مرة شاهدته بالليل وهو في وضع غير لائق بجوارها، فعندما كنت أعترض كان يضربني أمامها، وهي لا تفعل شيئا، فقررت أن أجعله يتقدم لعمي لخطبتي لكي أجد له سببا فيما بعد لأتركه وأجعله لا يأتي عندنا، ولكن عندما قلت لا أريده ولا يأتي إلى هنا قالت حتى لو تركته سيأتي أيضا ولا بد أن تتزوجيه، وليس عندنا بنات تعترض على خطبتهن، لدرجة أنها مرة كسرت إطار أبي الزجاجي حتى أن وجهي نزف دما، وكانت تفعل تصرفات كثيرة معي تضايقني تدل على الغيرة، وبالفعل صممت على زواجي منه، وبعد زواجي منه شعرت أن علاقتهم انفصلت تماما، ودائما تقول أمام الناس أنها عملت معي أشياء كثيرة، وأنا بنت طماعة ومتعبة، وكل ذلك على العكس فهي كانت غير حنونة وعصبية، فقررت أن أحكي ما حدث منها لبعض خالاتي وبعض من كانت تحكي أمامهم عني لأني كنت أريد أن أقوم بهذه الخطوة منذ مدة، ولكني كنت لا أقدر على الإقدام عليها بسبب منعه لي مرة عندما شاهدته بالليل، فقررت أن أذهب إلى خالتي لأذاكر وأجلس عندها، فمنعني وبقيت في البيت، وبعد ذلك زوجت أخي وبنت له بيتا وجهزت له شقته، وكتبت البيت باسمه وأحضرت له سيارة، وتقول كل هذا من ماله، بالرغم من أنه بدأ يعمل قبل فترة قصيرة، حاولت أن تتصرف معي بعض التصرفات الحسنة مثلا تذاكر لابني، ترعاه في مرضه، وتحضر بعض الأشياء لبنتي، فقررت أن أكتب لها ورقة أقول فيها كل ما يضايقني منها؛ لأني حاولت أن أكلمها كانت تتهرب مني بالنوم بأي حجة، وبعد إرسال الورقة لها لم تتحدث معي أو تكلمني بالتليفون هل أنا عندما لا أكلمها لأن نفسيتي متعبة منها أي لا أقدر أن أكلمها أكون عاقة لها ويحبط عملي. أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها السائلة أن حق الأم على ولدها عظيم، ولا يسقط هذا الحق في أي حال، حتى وإن كانت مشركة بالله تدعو ولدها للكفر والضلال، قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} .
فالواجب عليك أن تتحملي أذى أمك لك، فكم تحملت هي من أجلك؟! تحملتك تسعة أشهر وأنت حمل في بطنها، وتحملتك وأنت طفلة رضيعة، لا تستطيعين رفع الضر عن نفسك، تَسْهَرُ لسهرك، وتتألم لمرضك، وتسعى ليلا ونهارا لخدمتك وإرضائك، فاصبري عليها، وتجنبي الإساءة إليها ولو بالتأفف.
قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {الإسراء:23-24} .
وعليك أن تجاهدي نفسك فيما تجدين من مشاعر البغض لها والنفور منها، ففي ذلك الفوز الكبير في الدنيا والآخرة.
ولكن لا يعني هذا ترك مناصحتها ولا الإنكار عليها إذا وقعت في معصية الله، كلا، بل هذا من واجبها عليك، وكان عليك إذ رأيت منها ما رأيت من علاقتها مع هذا الرجل أن تنصحيها برفق ولطف، فإن لم تستجب لك فكان عليك أن تخبري بعض أرحامها كأحد إخوتها أو أعمامها مثلا ممن يقدرون على منعها من ذلك ولو بالقوة.
ولكن أما وقد انتهت عن هذا، وقطع هذا الرجل علاقته بها، فالواجب عليك هو سترها، ولا يجوز لك أن تخبري بهذا الأمر أحدا لا خالتك ولا غيرها، ولكن كوني على حذر دائما في علاقة زوجك بأمك، فإن من اجتمعا على الشر سابقا يسهل على الشيطان أن يوقعهما فيه لاحقا، خصوصا مع تشابك العلاقات وقربها كما في حالتكم هذه، ثم ننصحك أن تعتني بزوجك في أمر دينه وعلاقته بربه، وتحضيه دائما على ذكر الله والصلاة، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ومن المفيد أن تدليه على صحبة صالحة يصحبها تكون عونا له على الاستقامة على طاعة الله سبحانه والقيام بأوامره.
وعليك أن تجتهدي في بر أمك بقدر ما تستطيعين، فإن اشتد أذاها لك، ولم تطيقي عليه صبرا، فيمكنك أن تقللي علاقتك بها بالقدر الذي يدفع عنك أذاها؛ لأن أمر البر والصلة لا يلزم منه ملازمتها ليلا ونهارا، ويمكنك حينئذ أن تكتفي بالسؤال عنها عن طريق الهاتف ونحوه، وزيارتها من حين لآخر، وإهدائها بعض الهدايا ولو كانت رمزية استئلافا لقلبها واستجلابا لمودتها.
هذا ويجب التنبيه على أن ما تقوم به أمك من تفضيل أخيك عليك في العطايا والهبات من غير مسوغ يقتضي ذلك الأمرغير جائز، كما بيناه في الفتوى رقم: 104031. ولكنه لا يسوغ لك عقوقها بحال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1430(8/1038)
مطالبة الأب بإثبات الحق ليس من العقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني امرأة مغتربة، متزوجة ولي طفلان، تركت مالي وأهلي، وتركت الوطن لسوء الأوضاع والحرب فيه. وخولت والدي ببيع داري الموجودة في بلدي، وقد قام والدي ببيع داري وقام بإرسال مبلغ البيع وهو مبلغ مأخوذ منه الكثير، حيث أرسل تفاصيل بأنه تم اقتطاع مبلغ لأجل كذا، ومبلغ لأجل كذا وهكذا، وبما يساوي نصف مبلغ البيع تماما، هذا كله بدون أي إثبات، مع العلم أنه أبلغني بوجود الإيصالات وسوف يقوم بإرسالها ولكن حينما نطالبه بإرسالها يرفض إرسال الإيصالات التي تثبت بيع الدار بهكذا مبلغ، وعندما طالبناه بإرسال الإيصالات المثبت بهن ثمن البيع وثمن ما صرف من ثمن بيع الدار قام بافتعال مشكلة ورفض أن يعطينا الإيصالات، وأخبر الأقرباء والأصدفاء أن لا ابنة له، وأن ابنتي لا تثق بي، وهكذا كلام، وها أنا حائرة ماذا أفعل فهو يرفض الحديث معي ويرفض تزويدي بالإيصالات، ويتجاهل أنني بغربة وأن الدار هذه ثمن للتعب والشقاء المر في بلد الحروب العراق، وأن الدار هذه هي ملك لأطفالي وزوجي الذي تعب كثيرا بجمع المال حتى يشتري الدار، ومن ثم بعناها لنؤمن نفسنا بالغربة والنتيجة لاشيء، وطيلة فترة بقائي في بلدي لا أقطع عنهم المعونات المادية والمعنوية وأقف بجانب أبي وأمي وإخواني، ولحد الآن ورغم ما قام به أحن عليه وأود مصالحته ولكن أريد أن أعلم هل أناصر أبي على مال أولادي وزوجي أم ماذا أفعل؟ علما أننا بحاجة إلى هذا المال وهو مالنا، ولقد علمنا علم اليقيين أنه أخذ من مالنا وبدون وجه حق. وهل أعاقب من الله عز وجل إذا طالبته بالوصولات لأن المال ليس مالي بل مال زوجي وأطفالي؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به أبوك من أخذ مالك ومال زوجك وأولادك حرام لا يجوز، وهو من أكل أموال الناس بالباطل. والواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك وأن يرد عليكم هذا المال.
ولا يجوز لك أن تناصريه على هذا فهو من العون على الإثم، والله تعالى يقول: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. {المائدة:2} .
ولكم أن تطالبوه بهذه الإيصالات التي تثبت الثمن الحقيقي الذي بيع به البيت ولا يعد هذا من العقوق, بل إن أصر على عدم أداء هذا المال فلا حرج عليك إن رفعت أمره للقضاء, ولا يعد هذا من العقوق, فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي يزيد معن بن يزيد السلمي قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن. قال الحافظ في الفتح: وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن، وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا. اهـ.
ولكنا نرى أن الأولى أن يتولى زوجك هذه الإجراءات وذلك لكي يرفع عنك الحرج في تعاملك مع أبيك لأن أباك له حقوق عظيمة، والخصومات لا تخلو من تنازع وشقاق، وقد يقبل من زوجك في مثل هذا ما لا يقبل منك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1430(8/1039)
بر الأم واجب مهما صدر منها من تقصير في تربية ولدها
[السُّؤَالُ]
ـ[طلق أبي أمي منذ عدة سنوات، منذ أن كنت صغيرا، وتزوج بغيرها، لما تزوج بغيرها جاءت هذه المرأة ربتني، وعلمتني، وعلمتني الصلاة، وجعلتني والحمد لله إنسانا مستقيما. كانت أمى المطلقة تعاملني بمنتهى القسوة وأتذكر لها الكثير من المواقف القاسية، فهي دوما قاسية جدا علي حتى لما كبرت، وكانت تتصل بى في بيت أبي ربما مرة كل سنتين، للعلم فهي لم ترضعني لأنها كانت تخاف على رشاقتها، واضطررت لاستعمال لبن صناعي وهي لا تنكر ذلك، كما أنها لم تكن تبدل لي ملابسي منذ أن كنت طفلا، كانت تشمئز أن تبدل لي ملابسي المتسخة وكانت خالتي تقوم بذلك، وأمي أيضا لا تنكر ذلك، والآن بعدما كبرنا أنا وإخوتي بدأت التودد لنا وتستغلنا ماديا، وتستغل أخي وتكذب عليه وتقول له إني سأعمل عملية ونكتشف أنها لم تعمل عملية، وأخذت هذه النقود لتنفقها على نفسها، بصراحة أنا لا أشعر بإحساس الاشتياق إليها ولا أشعر أنها أم ولا أفتقدها، وهى تريدني أن أذهب إليها، هي مرابية لا تخشى الربا وتفعل قروضا وغيره، وأنا لا أريد أن آكل حراما فأتحجج بأي حجة ولا أذهب إليها، ولكني أكلمها في التلفون وأطمئن عليها.
ما حكم هذا؟ هي تسبني وتغضب عند ما لا أذهب إليها، لا أريد أن آكل من مالها، ولكني أودها تلفونيا. ما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أيها السائل أنه بالرغم ما ذكرت من التفاوت الكبير بين حال أمك وزوجة أبيك، وقسوة الأولى معك وإحسان الثانية إليك، إلا أن أمك التي ولدتك أولى بالبر والصلة والإحسان من زوجة أبيك، بل ومن أبيك والناس أجمعين. وما قامت به من تفريط في حقك سواء في حال الصغر أو الكبر لا يسقط حقها عليك من البر والصلة، فهي أحق الناس بصحبتك على كل حال، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا. {الأحقاف: 15} .
وفي الصحيحين أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
هذا مع التنبيه على أن امتناع الأم عن إرضاع ابنها مسألة خلافية بين أهل العلم. وقد بينا هذا الخلاف في الفتوى رقم: 24739. وحتى إذا ذهبنا إلى القول بوجوب الإرضاع عليها فغاية الأمر أنها تكون آثمة بترك الواجب وتضييعها لحق ابنها عليها، وكل هذا لا يسوغ للابن الإساءة إلى أمه ولا تضييع حقها.
أما ما تطلبه منكم من مال فينظر فيه، فإن كانت محتاجة فإنه يجب عليكم أن تنفقوا عليها ما يسد حاجاتها وضرورياتها. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 70347. وبينا في الفتوى رقم: 20338 كيف تقسم نفقة الأم على أبنائها.
أما إن كانت غير محتاجة، فإنه لا يجب عليكم الإنفاق عليها، ولكن يندب ذلك تطييبا لخاطرها واستئلافا لقلبها.
ولكن إن علمتم يقينا أنها ستأخذ هذه الأموال لتستعملها في الربا فهنا يحرم عليكم أن تعطوها، لأن إعطاءكم لها حينئذ من باب التعاون على الإثم والعدوان وهو لا يجوز لقوله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. {المائدة:2}
أما طلب أمك منك أن تزورها فواجب إجابتها لذلك بالمعروف، ولا يجوز لك أن تكتفي بمجرد المحادثة الهاتفية؛ لأن هذا يعد جفاء لها خصوصا مع طلبها للزيارة، وكونها مرابية لا يسوغ لك ترك زيارتها، غاية الأمر أنه يجب عليك أن تجتنب من مالها ما تتيقن أو يغلب على ظنك أنه من عين الربا، كما بيناه في الفتوى رقم: 97757. وراجع حكم معاملة من يكتسب ماله من الحرام في الفتوى رقم: 6880.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1430(8/1040)
المرأة الصالحة تعين زوجها على بر والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا في عرس لأخي الأصغر، وحدث مشكل بين زوجتي وأخواتي بسب عدم دعوتها حضور مراسم الحنة التي تعتبر ركنا أساسيا في الزواج عندنا، فغضبت زوجتي لأنها اعتبرتها إهانة لها وعدم تقدير، مع أنها كانت طيلة العرس تقوم بواجبها، وعندما أردت أن نأخذ صورة لي ولها مع أخي رفضت بسب ما حدث، فقمت أنا على مرأى الجميع من الحضور متحدثا بالمكبر بعد أن شكرت الجميع منهم أبي وأمي وإخوتي على الحضور وعلى ما قاموا به أثناء العرس، وقدمت شكرا خاصا لأبي وأمي ودعوت لهما بطول العمر وتعظيم مكانتهما في الدنيا والآخرة، وتكلمت بصوت عال شاكرا زوجتي على ما قامت به في العرس، وقلت بأنها الأصل في البيت، وأنها تبقى السيدة الأولى في البيت، مهما جاء من زوجات لإخوتي إلى بيتنا، وذلك لرد الاعتبار لها عندما سمع ذلك أخواتي وأهلي قاموا بمقاطعتي وسبي وشتمي أمام الناس، وبعد عودتهم إلي البيت قامت أمي وإخوتي بمقاطعتي وعدم الصعود إلى بيتي، وأنني لا أساوي أنا وزوجتي حذاءها. كان أبي حاضرا ولم يحرك ساكنا، ولحد الآن منذ 5 أيام وهم يقاطعوني، وعندما نزل ابني إلى البيت عند جده عاد يبكي. الرجاء تبيين حكم الشرع فيما قلت من أجل رد اعتبار زوجتي؟ ورأي الشرع في موقف أهلي المتعصب مع العلم أنني متزوج منذ أربع سنوات وأب لطفلين؟
هل تجوز إهانتي وزوجتي بهذا الشكل وهم يدعون بأن زوجتي تصرفت بهذا الشكل من أجل إفساد العرس. الرجاء الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأولى بأهلك أن لا يعتبوا عليك بهذه الدرجة من العتب، ولكن يجب عليك العلم أن أخطاء أبويك نحوك لا تبرر لك معاملتهم بالمثل، فحقهم عليك كبير ولو أساءوا لك كل إساءة، ثم عليك أن تعلم أيضا أن ما كان من أهلك من ترك دعوة زوجتك ليس من الإهانة لها، ولا يفهم منه قصد الإساءة إليها، فالغالب أنّ المقربين من الأهل لا يحتاجون إلى دعوة، والواجب إحسان الظن بالمسلمين وحمل أفعالهم على أحسن الوجوه، وعلى فرض أنّ ذلك فيه إساءة لزوجتك، فما قمت به في العرس لعلاج هذه الإساءة هو تصرّف خاطئ، فقد كان من الممكن أن تسترضي زوجتك وتطيّب خاطرها بينك وبينها، أو تعتب على أهلك عتاباً رقيقاً بينك وبينهم، لا أن تتكلم بكلام يثير الشحناء ويفسح المجال لنزغات الشيطان، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً. {الاسراء:53} .
والذي عليك الآن أن تسترضي والديك وخاصة أمّك فإنّ حقّها عليك عظيم، وتسعى لإصلاح ما بينك وبين إخوتك، فإنّ صلتهم واجبة، وانظر الفتوى رقم: 112162.
واعلم أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يوجد المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت:34} . وينبغي أن تعامل زوجتك بالحكمة، وتبيّن لها أنّ من محاسن أخلاق الزوجة وطيب عشرتها لزوجها إحسانها إلى أهله، وتجاوزها عن زلاتهم، وإعانته على بر والديه وصلة رحمه، وأنّ ذلك من حسن الخلق الذي يثقّل الموازين يوم القيامة.
وننبّه إلى أنّ تصويرك مع زوجتك وأخيك لا يجوز، فإنّ أخاك أجنبي عن زوجتك وليس محرماً لها، كما ننبّه إلى أنّ حفلات الأعراس لا يجوز أن تشتمل على اختلاط بين الرجال والنساء الأجانب، وراجع الفتوى رقم: 111143.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1430(8/1041)
الزنا لا ينافي الأمومة ولا يسقط البر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عشت طوال حياتي بدار رعاية الأيتام، لأني مجهولة النسب، ومنذ مدة أردت أن أعرف أصولي فذهبت وتحريت فتعرفت على أمي وهي تعيش في مدينة بعيدة جدا عن مدينتي التي أقطن بها، المهم أنني لم أستطع أن أحبها وبصراحة حاولت في البداية لكن دون جدوى، وهي تريدني أن أعيش معها لكن ندمت جدا لأني بحثت عنها فقاطعتها وعدت إلى نقطة البداية كأني لم أتعرف عليها، ولا أتواصل معها ولا أحبها ولا أحب أبناءها أيضا. هل أحاسب أمام ربي على هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك هو أن تصلي أمك وأن تقومي بحقها عليك من البر والإحسان, فإن حق الأم عظيم, وقد بينا ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 58835 , 96490 , 65064.
ولا يسقط حق الأم على ولدها حتى وإن كانت كافرة, ولا يجوز لولدها هجرها أو عقوقها حتى وإن أتت به من سفاح لأن السفاح لا ينافي الأمومة. قال القرافي رحمه الله: الزنا لا ينافي الأمومة. انتهى. وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 103139.
فالواجب عليك هو أن تتقي الله سبحانه، وتؤدي حقها عليك من البر والصلة والإحسان, وجاهدي نفسك أن تكتمي ما تجدين من مشاعر البغض لها، فإن كتمت ذلك وتكلفت الإحسان إليها ظاهرا فلن يضرك -إن شاء الله- ما تجدين في نفسك من نفور منها.
أما ما تطلبه منك من البقاء معها فالظاهر أنه يجب عليك طاعتها في ذلك, فقد نص العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة في المباحات حتى وإن كانت شاقة على الولد, ما لم يترتب عليها ضرر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا. انتهى.
ولا شك أن طلبها لإقامتك معها ناشىء عن شفقة ورحمة وفيه مصلحة لكليكما, فوجب عليك طاعتها في ذلك إن كان طلبها على جهة الحتم ولم يترتب على ذلك ضرر بالغ بك.
أما إن كانت إقامتك معها ستلحق بك ضررا، فلا تلزمك حينئذ طاعتها فاعتذري لها عن ذلك بما يطيب قلبها ويجبر خاطرها، واعلمي أن سكن الفتاة بمفردها جائز بشرطين:
الأول: أن تكون بالغة رشيدة مأمونة.
الثاني: أن يكون مكان الإقامة آمنا, وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 73650.
وتوفر هذين الشرطين في هذا الزمن من أعسر ما يكون، فقل أن يسلم الساكن بمفرده من الوقوع في الحرام أو التعرض له، ولو كان رجلا كبيرا فما بالك إذا كانت الساكنة فتاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1430(8/1042)
اللجوء للقضاء لاستيفاء الحقوق لا يعد من قطيعة الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ولأخي ميراث من أبي المتوفى حديثا، وتشاركنا فيه زوجة أبي، وأختي القاصر منها، وللأسف هناك مساومات وتلاعب، لعلمهم هي وأهلها أننا لا نقيم بنفس المحافظة وسفري خارج البلاد، وأخي مازال صغيرا، ولعلمهم بعدم رغبتنا في التوجه للقضاء ورفع قضايا حفاظا على صلة الأرحام لكن هذه النقظة مستغله منهم. وعندما تحدثت مع إخوتها معي في نفس البلد الذي أعيش به حاليا، وبعد الاتفاق عادوا فيه للمساومة أكثر، علما بأننا قد تنازلنا عن جزء من حقنا لصالحهم، لكن يبدوا أن هذا التنازل أطمع أحدهم بالرغبة في زيادة استنزافنا. فماذا أفعل؟ وهل أن توجهي للقضاء سيكون فيه معصية وقطع لصلة الأرحام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن تتلطف في معاملتك مع زوج أبيك، وأن تبالغ في الإحسان إليها وصلتها، فإن ذلك من برك بأبيك بعد موته، واحذر أن تجعل عرض الدنيا الزائل سبيلا لتقطيع أواصر الرحم والمودة بينكم.
ولكن لا يعني هذا التنازل عن حقك أو تركه لها، كلا، فالصلة شيء واستيفاء الحقوق شيء آخر، ولا تضاد بينهما.
وإنا ننصحك بأن تقصد بعض أهل الخير والعلم ممن لهم وجاهة عند الناس وتطلب منهم أن يتدخلوا لتقسيم هذه التركة بينكم على وفق شرع الله سبحانه.
فإن لم يجد هذا نفعا، ووجدت تعنتا من جهتها، فلا حرج عليك حينئذ في اللجوء للقضاء ولا يعد هذا من باب الإساءة أو قطيعة الرحم في شيء، بل قد نص الفقهاء على أن مقاضاة الولد لوالده لاستيفاء حقه لا يعد من قبيل العقوق، استنادا لما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي يزيد معن بن يزيد السلمي قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن.
قال الحافظ في الفتح: وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن، وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1430(8/1043)
حد الرحم الواجب صلتها وحد الصلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حدود صلة الرحم؟ أخت زوجي تسبب لي الكثير من المشاكل، فهي تحب نقل الأخبار، وكلما تزاورنا زادت المشاكل بيني وبين زوجي، فقلت له ستزورها وحدك، وسأقصر معاملاتي معها فقط بالهاتف بدون زيارات. فهل أنا بذلك أكون قاطعة صلة الرحم؟ علما أن بسببها تغيرت معاملة والدته تجاهي. أفيدوني أرجوكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأرحام الذين تجبُ صلتهم هم من كان بينهم وبين المكلف قرابة، وتجبُ صلتهم حسب درجة القرابة، وليس أقارب كل من الزوجين أرحاماً للآخر، إلا إذا كانت بينه وبينهم قرابة، فأختُ زوجك ليست من الرحم الذين تجبُ عليك صلتهم إلا أن تكون بينكِ وبينها قرابة، قال العلامة ابن باز رحمه الله: الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك، وهم المعنيون بقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال والأحزاب: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. الأنفال: 75 والأحزاب: 6. وأقربهم: الآباء والأمهات والأجداد والأولاد وأولادهم ما تناسلوا، ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سأله سائل قائلاً: من أبر يا رسول الله؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (أباك، ثم الأقرب فالأقرب) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، والأحاديث في ذلك كثيرة. أما أقارب الزوجة: فليسوا أرحاماً لزوجها إذا لم يكونوا من قرابته، ولكنهم أرحام لأولاده منها. انتهى.
وأما حدود صلة الرحم فإنها خاضعة للعرف، إذ لم يرد عن الشرع فيها حد معين، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة، والسلام، وغير ذلك. انتهى.
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: وصلة الأقارب بما جرى به العرف واتّبعه الناس؛ لأنه لم يبيّن في الكتاب ولا السنة نوعها ولا جنسها ولا مقدارها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقيده بشيء معين، بل أطلق؛ ولذلك يرجع فيها للعرف، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة فهو قطيعة. انتهى.
وعلى فرض أن هذه المرأة رحمٌ لكِ، فإن صلتها بالزيارة لا تلزمكِ إذا كانت تجر إلى فتن، وتؤدي إلى نشوب الخلافات بينكِ وبين زوجكِ، فإن درء المفسدة مقدمٌ على جلب المصلحة، وتتعين صلتها بغير الزيارة، وانظري الفتوى رقم: 75324.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1430(8/1044)
هل تجب طاعة الوالد فيما يسبب الضرر للولد
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي له أخت فقط لوالديه، وهما أستاذان بالجامعة، كان أمله أن يكون مثلها، وبالفعل تفوق في دراسته وتم تعيينه معيدا بالجامعة، وسافر على رضا والديه للخارج لإتمام دراسة الدكتوراه، غير أنه لم يوفق وهو الآن رب أسرة ولدينا طفلان. وهو يرى الآن أن الأفضل له أن يبدأ العمل بإحدى الشركات مما سيوفر له حياة أفضل، ووالداه مصممان على إجباره على إكمال العمل بالجامعة.
الشيء الآخر أن والده بالفعل مسافر للعمل وطلب الرزق خارج بلده الآن بسبب سوء الأحوال في بلادنا الأم الاجتماعية، والعملية، والأخلاقية. غير أنه يحاول إجبار زوجي على العودة للبلاد بسبب أنه يرى أنه من الواجب على زوجي مراعاة أخته المطلقة، والتي تصمم على البقاء في البلد الأم بالرغم من محاولات زوجي مساعدتها للعمل بالخارج معه، وكذلك محاولات والدها إقناعها بالسفر للعمل معه في نفس البلد الذي يعمل به.
فهل من حق والد زوجي إجباره على عمل ليس منه إلا إضاعة عمره، وأقل مالا لأسرته ولا يرغب هو فيه؟ وهل له أن يجبره على العودة لأجل أخت اختارت حياتها بحريتها حسب مصلحتها وليس لزوجي أن يفكر في مصلحته؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنّ برّ الوالدين وطاعتهما في المعروف من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقهما من أعظم الذنوب، ومن أهم أسباب سخط الله.
أما عن سؤالك، فإذا كان زوجك يتضررّ بطاعته لوالديه في العمل في الجامعة، فعليه أن يبذل جهده ليقنعهما بما يريد، فإن رفضا، فلا يجب عليه طاعتهما في ذلك لأن ما يضرّ بالابن ليس من المعروف الذي تجب الطاعة فيه. قال العدوي المالكي: قوله -بالمعروف- أي بكل ما عرف من الشرع الإذن فيه ... ، قوله - مما هو مباح- أي ما لم يكن في فعله ضرر فتسقط طاعتهما فيه. حاشية العدوي.
كما أنّ أمرهما له بالرجوع إلى بلده لرعاية أخته لا يجب عليه طاعتهما فيه، فإنّه يجوز للولد أن يسافر للتجارة بغير إذن والديه ما لم يكن في سفره خوف عليه من الهلاك.
قال ابن نجيم الحنفي: وَأَمَّا سَفَرُ التِّجَارَةِ وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ لِأَنَّهُ ليس فيه خَوْفُ هَلَاكِهِ. البحر الرائق.
وقال الأنصاري الشافعي: أَمَّا السَّفَرُ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَيْ لَا يَنْقَطِعَ مَعَاشُهُ وَيَضْطَرِبَ أَمْرُهُ. شرح البهجة الوردية.
فإذا جاز للابن أن لا يطيع والديه في منعهما له من السفر فمن باب أولى أن يجوز له ذلك في أمرهما له به.
وإذا كانت إقامة هذه الأخت في بلدها غير مأمونة الفتنة فالواجب أن تسكن مع أحد محارمها، كعمها أو خالها، إذا أمكن ذلك، وإذا لم يمكن ذلك، فتسكن مع امرأة صالحة.
وننبّه إلى أنّ الغالب أنّ الوالدين يحرصان على كلّ خير لولدهما ولو ظنّ هو خلاف ذلك، وليعلم أنّ في طاعتهما أعظم المصالح الدينية والدنيوية، وما يفقده من أمور الدنيا بسبب طاعته لهما فسوف يبدله الله خيراً منه، فإنّ برّ الوالدين من أعظم أسباب البركة في العمر والرزق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1430(8/1045)
تمنعها أمها من الخروج لتعلم القرآن الكريم والعلوم النافعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مطلقه وتدمرت حياتي ولم يبق لي في هذه الدنيا الفانية إلا الدراسة وبهدف أن أكون ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه وأمي ترفض أن أدرس فهل يجوز لي عصيانها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنّ برّ الأمّ وطاعتها في المعروف من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقهما، من أعظم الذنوب ومن أهم أسباب سخط الله.
وأما منع أمك لك من الخروج لتعلم القرآن الكريم وغيره من العلوم النافعة.. فينظر إن كانت تمنعك من الخروج للتعلّم خوفاً عليك من الفتنة أو لغلبة ظنّها بحصول مفسدة بخروجك، فالواجب عليك طاعتها ولا يجوز لك الخروج، وأمّا إذا كانت أمّك تمنعك لغير سبب مقبول فلك أن تخرجي بدون إذنها على ما ذهب إليه بعض أهل العلم، والأولى ترك ذلك لطاعتها وهذا طبعا في العلم غير الضروري، وراجعي في ضوابط وجوب طاعة الوالدين الفتوى رقم: 76303.
وعلى كلّ حال الأولى الحرص على رضا أمّك، فيمكنك أن تجتهدي في إقناع أمّك حتى ترضى، وإذا لم ترض فيمكنك أن تتعلمي في بيتك ما ترغبين فيه من العلوم النافعة.
واعلمي أنّ الطلاق ليس بالضرورة أن يكون دماراً لحياة المرأة، بل إنّه قد يكون خيراً لها، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ {النساء:130} ، قال القرطبي: أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها الجامع لأحكام القرآن.
والمؤمن لا ييأس أبداً، مهما أصابه من بلاء، فعليك أن تحذري من كيد الشيطان وأن يلقي في قلبك اليأس، واحرصي على ما ينفعك، واعلمي أنك إن استقمت على طاعة الله وصبرت، فلن يضيعك الله أبداً، وأبشري بكلّ خير، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(8/1046)
واجب الابن تجاه الأب الذي يمارس اللواط
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت أنه يجب أن يجلد، ويغرب، من يمارس اللواط إذا كان غير محصن، وأنه يجب أن يقتل إذا كان محصنا. فهل يجب أن أطبق حكم الشرع ذلك إذا كان أبي وهو-رجل عاقل متزوج- وقع في هذه الفاحشة وحفاظا على سمعتي أيضا؟ وهل يجب أن أقوم بذلك بنفسي فأنا أعيش في بلد عربي لا يطبق أحكام الإسلام في حدود الله، وأيضا حفاظا على سمعتي كما ذكرت، أم يجب أن أحاول أن أدله لطريق التوبة، وأن أستمر في بره واحترامه مع أن ذلك لم يعد باستطاعتي حقا، فلم أعد قادرا على تقبله أبا لي لأني حاولت أن أحذره بشكل غير مباشر من قبل لأني كنت أشك فقط بتصرفاته ولم يكن لدي دليل قاطع، لكنه لم يستجب بل استمر بشذوذه رغم ذلك، حيث إنه قام بهذا على طول خمس سنين مضت كما أنه يسئ معاملة أفراد عائلتي، وبدأ في بيع أملاكنا ليتابع حياته الشاذة بعد أن توقف عن العمل، فهو يقوض أركان أسرتي ولم أعد أثق به؟ أعلم أن سؤالي هذا هو مشكلة دينية واجتماعية معقدة وإني مستعد لتنفيذ حكم الله كما أنني قلت كلامي هذا اعتمادا على دليل قاطع، فليس لدي سوى دعاء الله لهدايتي واجتياز هذا الامتحان الصعب ومساعدتكم، أو أن تدلوني لمن قد يساعدني ويقدم لي المشورة للتصرف الإسلامي الصحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاللواط جريمة بشعة، وفاحشة منكرة، يجتمع على إنكارها الدين والعقل والفطرة السوية المستقيمة, وقد بينا حرمة هذا الفعل في الفتوى رقم: 66434.
وبينا في الفتوى رقم: 1869. أن فاعل هذه الجريمة حكمه القتل مطلقا سواء كان متزوجا أو غير متزوج, بل ويقتل المفعول به أيضا إذا كان بالغا عاقلا غير مكره.
ولكن أمر إقامة الحدود موكول للحاكم ولا يجوز لآحاد المسلمين أن يقوموا بذلك وإلا عمت الفوضى وساد الفساد, وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 42914.
ووجودك في بلد لا تقام فيه أحكام الشريعة الإسلامية لا يسوغ لك إقامة الحد على العاصي سواء كان أبا أو غيره.
ولكن الواجب عليك تجاه والدك – هداه الله وصرف عنه كيد الشيطان – أن تنصح له وتجتهد في وعظه وتذكيره بالله وأليم عقابه, وتعلمه بقبح ما يقدم عليه وأن هذا العمل مما لا عذر لأحد في فعله البتة, ثم عليك أن تدله على صحبة صالحة تعينه على طاعة الله وتأخذ بيده إلى سبيل التوبة والرشاد.
فإن لم يستجب لك في ذلك وتمادى في ضلاله، وخفت على نفسك وعلى أسرتك الفضيحة والعار، فعليك أن تستعين عليه ببعض من لهم وجاهة عنده كأحد إخوته أو أعمامه أو أصدقائه مثلا, وتخبرهم بما يقوم به والدك من هذا الفعل الشنيع ثم تتعانوا جميعا للأخذ على يديه وكفه عن هذا الباطل.
ومع هذا كله عليك أن تلتزم معه البر والصلة، واحذر كل الحذر من التعدي عليه بإهانة أو إيذاء أو نحو ذلك فهذا - وإن ساغ لغيرك في الإنكار عليه - فإنه لا يجوز لك بحال لما له عليك من عظيم الحق.
وأعلم أن حق الأب في البر والإحسان لا يسقط ولو كان كافرا يدعو ابنه إلى البعد عن دين الله، فما بالك إذا كان مرتكبا لما هو دون ذلك فاحذر أن يستجرينك الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(8/1047)
هل يجب إخبار الأم بتفاصيل العلاقة مع الزوجة وأهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل فضيلتكم عن أمرين:
-أنا طالب في الكلية، ووالداي جزاهم الله عني كل خير وفروا لي الأسباب بفضل الله ومنه للزواج، فهما يتكفلان بمصاريفي أنا وزوجتي ومصاريف دراستنا الاثنين في المقابل مع مرور السنة الثانية من الزواج لاحظت أن والدتي تريد أن تتدخل بكيفية تفوق التصور في حياتي، تريد أن تعرف كل ما يدور بيني وبين أهل زوجتي، وحتى لا تحمل غلا عليهم لأنهم قد يخطئون في بعض التصرفات معي أكذب عليها حتى لا تنفعل وتكرههم، عندما أذهب إليهم تتعمد أن تتصل بي عدة مرات وتأمرني أن آتيها في الحال حتى أشتري لها الخبز. عندما أذهب عندهم بحكم أنهم يسكنون على بعد 15 دقيقة عن بيتنا، وعندما أذهب للتفسح أنا وزوجتي تغار جدا مع أنها لا تقبل أن تأتي معنا، حتى صرت أسأم أن أذهب لفسحة مع زوجتي حتى لا تغار أمي، فأحسست أن زوجتي تحس وكأنها مظلومة. فهل يجوز الكذب على أمي في هذه الحالات حتى أتجنب أنها تحقد على زوجتي وأهلها؟ أم أخبرها بكل شيء؟ رغم أن هذا ينتقص من رجولتي، فأنا لا أستطيع في هدا الوقت أن أتخذ أي قرار بموافقتها
وهل أعتبر أنا قد هضمت حقوق زوجتي؟
- والموضوع الثاني هو ما هو واجبي أمام أهل زوجتي شرعا خصوصا وأنها تقول إنها تريد أن توفر لأهلها حياة طيبة، فإذا أنا سأرفض تقديم ذلك الظرف لأهلها فهي تريد أن تشتغل حتى تقدم لهم ذلك الظرف، فهي تريد أني عندما أقدم هدية لأمي أقدم أخرى لأهلها. وفي رمضان بحكم أننا نسكن مع والدي تتطلب مني أن نتعشى يوما في بيتنا ويوما في بيت أبويها؛ لأنهما يحسون بفراغ البيت بعد زواجها، وهم يغضبون علينا إن لم نفعل كذلك، ووالد زوجتي يتهمها بأنها أهملته، وهي تخاف أن تعق والديها. وبالطبع أمي ستغار جدا من هذه القسمة إذا وقعت، خصوصا وهي تحس بأنها متكفلة بمصاريفنا ومصاريف دراستنا وحدها.
بارك الله فيك يا شيخنا الفاضل. سأقرأ ردكم أنا وأهلي فانصحنا بارك الله فيكم. وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزمك إخبار أمك بكل ما تطلب معرفته من أمور حياتك مع زوجتك، أو تعاملك مع أهل زوجتك. ولا يجوز لك أن تكذب على أمك إلا إذا تعين الكذب سبيلا للتخلص من سخطها. ومهما أمكنك استخدام التورية فلا تلجأ إلى الكذب الصريح، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، وانظر الفتويين: 74645، 117575.
وأما الخروج مع الزوجة للنزهة فليس بلازم شرعا، فإذا لم تخرج معها لم تكن ظالما لها، ولكنه أمر حسن، فمهما أمكن الزوج فعله فليفعل؛ لأن هذا مما تزداد به العشرة بين الزوجين.
ولا يجب على الزوج أن يساعد أهل زوجته أو أن يقدم لهم هدية، ولكن إن كان قادرا على ذلك فينبغي أن يفعل، وخاصة إن كانوا في حاجة إلى المساعدة، فإن هذا فيه إكرام للأصهار ولابنتهم، وتزداد به المودة، وكذا الحال في أمر التناوب في تناول العشاء في بيت الزوج وبيت أهل الزوجة، فليس بلازم ولا ينبغي للزوجة أو أهلها الضغط على الزوج في أمر قد يلحقه به حرج.
وإذا تزوجت المرأة فإنها تكون تبعا لزوجها، وحقه عليها مقدم على حق والديها عند التعارض. فإذا لم تنفذ ما يريد أبواها من أمر التناوب المذكور فلا تعتبر عاقة لهما، ولكن ينبغي مداراتهما قدر الإمكان، وانظر الفتوى رقم: 19419.
ولا يجوز للمرأة العمل من غير إذن زوجها، إلا إذا اشترطت عليه ذلك قبل الزواج، ولكن إن كان العمل منضبطا بضوابط الشرع، ولا يترتب عليه ضرر على الزوج أو بيته، فينبغي له أن يأذن لها بالعمل لتقدم شيئا من المساعدة لوالديها أو يعينها في مساعدة أهلها إن كان قادرا على ذلك. وراجع الفتوى رقم: 23844.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1430(8/1048)
حقوق الأولاد على أبويهم وواجبات الأبوين تجاه الأبناء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في أب له أبناء وبنات متزوجون، ومرض، ويطلب من بناته أن يتركوا أزواجهم ليقوموا بخدمته علما أن له زوجته، وخادمة وممرضة، وغير راض بذلك، وإذا وافق بناته على طلبه سيقعن في مشاكل مع أزواجهن. ما الحكم إذا كان هذا الأب يطلب باستمرار أشياء كثيرة دون أن ينطق بكلام حسن، ودون الدعاء بالخير لأبنائه وكأنهم ملزمون بفعل كل شيء له، وهذا الأب يحفظ القرآن لكنه لا يريد أن يقول لأبنائه القول الحسن، يعتبر أبناءه ملكا له، ويردد لنا دائما: وبالوالدين إحسانا. وكل الأبناء هم الذين يصرفون عليه، وعلى الخادمة، والممرضة وليس راضيا، والماء والضوء وكل الأدوية والأكل الخ مع أن له مال وهو أغنى من أولاده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن حق الوالد على ولده عظيم، قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً. {النساء:36} . وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي , وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
ولكن مع هذا فإن البنت إذا تزوجت فقد صار زوجها أملك بها من أبيها، وحقه عليها أعظم من حق أبيها، وطاعتها له أوجب من طاعتها لأبيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى
فلا يجوز للأب أن يرغم بناته أن يخرجن من بيوتهن لخدمته دون إذن أزواجهن ورضاهم، لأن هذا حرام، خصوصا مع ما ذكرت من استغناء الوالد عن خدمتهن بزوجته وخادمه وغيرهما.
وما دام هذا الأب يملك من المال ما يكفيه ويكفي حاجاته، فإنه لا يجب على أولاده أن ينفقوا عليه شيئا من أموالهم، ولكن يندب لهم الإنفاق عليه تطييبا لخاطره واستئلافا لقلبه.
وأما بخصوص خدمة باقي الأولاد لأبيهم فإنها واجبة عليهم بالمعروف في حدود الوسع والطاقة.
جاء في الإنصاف للمرداوي: ويجب عليه -الولد- خدمته بالمعروف. انتهى.
وينبغي للأب أن يقدر لأولاده جهدهم معه، وأن يشكرهم على ما يسدونه إليه من معروف ويثني عليهم به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.
وينبغي له أن يدعو لهم دائما بالصلاح في الدين والدنيا فإن دعوته لهم مستجابة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده. أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني.
وقد كان من عادة الأنبياء والصالحين الدعاء لذرياتهم فقد قال إبراهيم الخليل: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ. وبين سبحانه ما ينبغي أن يكون عليه حال الوالد من الدعاء لذريته وذلك في قوله سبحانه: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي. {الأحقاف: 15} .
جاء في تفسير الألوسي: أي اجعل الصلاح سارياً في ذريتي راسخاً فيهم. انتهى
وفي صحيح الأدب المفرد أن عبد الله بن مسعود، يكثر أن يدعو بهؤلاء الدعوات: ربنا أصلح بيننا، واهدنا سبل الإسلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرّياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها، قائلين بها، وأتممها علينا.
ولكن مهما حدث من الأب من جفاء مع أولاده فلا يسوغ أن يحملهم هذا على عقوقه أو التقصير في حقه، بل عليهم أن يجتهدوا في بره ويبتغوا بعملهم وجه الله سبحانه وينتظروا منه وحده سبحانه الجزاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1430(8/1049)
لا تقطعي أمك وإن تخلت عنك
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدتني أمي وتخلت عني، ولما كبرت وأنا في سن ال50لم ترد رؤيتي. هل أبرها أفتوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت أمّك قد تخلّت عنك ولا ترغب في رؤيتك، فذلك بلا شك خطأ كبير وأمرٌ مخالف للشرع والفطرة السليمة وسلوك غير سويّ، لكنّ ذلك لا يبيح لك قطيعتها أو الإساءة إليها والتقصير في برّها، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان:14} .
فبرّ الأمّ ليس مرهوناً بصلاحها، أو إحسانها إلى ولدها، وإنما هو استجابة لأمر الله ورجاء ثوابه.
فعليك ببرّ أمّك بما تقدرين عليه، والإحسان إليها، والدعاء لها، واعلمي أنّ برّ الأمّ من أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، ومن أسباب البركة في العمر والرزق.
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 103139.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1430(8/1050)
ابن أخيها تعدى على ابنها ثم قطعها فهل تقطعه أم تصله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة كبيرة في السن، جاري هو ابن أخي، أي أنا عمته شقيقة والده رحمه الله، حصل من ابن أخي تعد على أحد أبنائي، وحصلت مشكلة بينهم، ولي الآن أكثر من خمس سنوات لا يصلني ولا يسلم عليّ ولا يزورني حتى في مناسباته يعزم جيرانه ولا يعزمني. فهل علي إثم في مقاطعتي له؟ أم أن الحق عليه في زيارته لي، فأنا عمته وأكبر منه، فأنا متخوفة أن يلحقني إثم في قطيعتي له؟ أم يجب علي أن أبدأ أنا بزيارته والسلام عليه؟ أفتوني مأجورين عاجلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن لكليكما حقا على الآخر، ولهذا فإن ابن أخيك هذا قد أخطأ، وتعرض لغضب الله عندما أقدم على قطيعتك، فإن العمة من الأرحام التي تجب صلتها وتحرم قطيعتها، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 57246.
هذا بالإضافة إلى أنك بمجاورتك له في البيت قد جمعت فوق هذا حق الجار، فصار حقك عليه من ثلاث جهات جهة الدين وجهة الرحم وجهة الجوار.
ومع هذا فلا يجوز لك أن تقابلي خطأه بخطأ، وقطيعتك له أيضا محرمة لأن ابن الأخ من الأرحام التي تجب صلتها كما بيناه في الفتوى المحال عليها سابقا، هذا بالإضافة إلى أنه جار لك والجار له حق وإن جار.
فعليك أن تبادري بصلته، وأن تصلحي ما بينك وبينه، فقد قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ {الأنفال: 1} وقال سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ {النساء: 1} .أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها فإن قطعها من أعظم المحرمات، لقوله سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد: 22-23} . وليس الواصل الذي يصل من وصله ويحسن إلى من أحسن إليه فحسب، فهذا مكافأة، وإنما الواصل الذي يصل من قطعه ويحسن إلى من اساء إليه، روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
واعلمي أنك بهذا تفوزين برضا الله سبحانه وعونه، ففي صحيح مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك. وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1430(8/1051)
الفلتة العابرة والزلة من الشخص لوالديه يغفرها الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا ظلمت أمي مرة واحدة في حياتي لأنها تكرهني وتقول لي أمام الجميع: أنت لست ابنتي، وندمت من بعد ذلك أشد الندم، وأتضرع لرب العرش العظيم بالبكاء من قلبي، لأني أخاف أن تحبط أعمالي، إني أتعذب كثيرا بشروني بشيء ولو أفتدي بروحي؟ أما عن أمي فهي كما سبقت أن سردت عليكم قصتي لا تريد أن تراني ولا تريدني أن أرى إخوتي. كل ما أريده هو رضا الله ورسوله، إني أحبكم في الله جعل الله هذه الفتوى في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمهما كان من حال الأمّ وإساءتها إلى أولادها فإن ذلك لا يبيح قطيعتها، أو الإساءة إليها، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان:14} .
فالواجب عليك التوبة بكل حال، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود لمثله، وإذا كان الأمر يتعلق بحقوق مالية فلا بد من ردّ الحقّ لها، وإن كنت قد أسأت إليها بالكلام ونحوه فعليك بالاعتذار لأمّك وطلب العفو منها، والاجتهاد في برّها والإحسان إليها.
واعلمي أنّ التوبة النصوح مقبولة بإذن الله وهي بفضل الله تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
بل إنّ الله تعالى يحبّ التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات.
واعلمي أنّ الإنسان إذا كان حريصاً على برّ والديه مجتهداً في طلب مرضاتهما ابتغاء وجه الله، ثم بدر منه شيء تجاهما على سبيل الفلته والزلة فإنّ ذلك مظنّة العفو من الله، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا. {الإسراء:25} .
قال القرطبي: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين. أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة، وقوله: فإنه كان للأوابين غفورا. وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. الجامع لأحكام القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1430(8/1052)
أجبرها أبوها على السفر للعمل دون رغبتها فباتت تكرهه
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي أجبرني على السفر لقطر عند إخوتي لأخفف عليه العبْء المادي، فلم أصر على رفض السفر، وأنا لست متزوجة، ورضيت بالأمر من باب بر الوالدين، ومن باب الحصول على مال لعمل مشروع خاص بي، ولكن عندما أتيت إلي قطر أشعر بفقداني لنفسي، وفي معظم الأوقات تأتيني مغريات كثيرة، وهاجس عدم ارتباطي يؤرقني كثيراً مما دفعني للمحادثة عبر الهاتف مع شبان، أحدهم كان جادا معي، ولكن وجدته غير مناسب، والآخر كان يتسلى، هذه الواقعة وغيرها في العمل والحياة عموماً جعلتني أشعر من داخلي بكره أبي فنشأت لدي رغبة في عدم سماع صوته أو حتي رؤيته، هذا وأشعر أن هذا الكره لأبي هو سبب عدم ارتباطي حتى الآن، وسبب تذبذب علاقتي بربي. إذا كنت فهمت رسالتي أرجو الإجابة عنها. هل أبي عاق لي أم أنا التي أصبحت عاقة له بكرهي هذا أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نفقة البنت التي لا مال لها وليست بذات زوج واجبة على أبيها إن كانت له سعة بنفقتها، وعلى هذا فالواجب على والدك أن ينفق عليك حسب وسعه، لا أن يلزمك بالسفر للإقامة مع إخوتك أو البحث عن عمل، وإذا كنت متضررة بالإقامة في البلد الذي أنت فيه الآن فحاولي إقناع أبيك بأن يسمح لك بالعودة للإقامة عنده، وإذا كان عاجزا عن الإنفاق عليك فيجب على إخوتك أن ينفقوا عليك، ولا شك أن هذا لا يستلزم إقامتك معهم في الغربة. وإذا لم يسمح لك أبوك بالعودة فلا تلزم طاعته في ذلك، فالطاعة إنما تكون في المعروف، وليس من المعروف أن يلزم الرجل ابنته بما فيه ضرر عليها. وينبغي أن تتحري الحكمة في معالجة الأمر مع أبيك.
وأما قيامك بمحادثة بعض الشباب من خلال الإنترنت فأمر لا يجوز، كما بينا بالفتوى رقم: 30003.
فالواجب عليك التوبة، وقطع العلاقة مع أي رجل أجنبي عنك، ولو أمكن أن يوجد رجل صالح يتزوج منك فهذا أمر حسن، وقد يكون في هذا حل لمشكلتك، ويمكنك أن تستعيني في ذلك بإخوتك أو زوجات إخوتك إن كانوا متزوجين.
ويجب أن تكوني على حذر من أن يقع منك أي نوع من الإساءة ولو دقت تجاه أبيك، لأن في ذلك عقوقه، وإذا أساء إليك فلا يجوز لك الإساءة إليه، بل حقه البر به على كل حال، وانظري الفتوى رقم: 74845.
وإساءة الولد إلى والده تسمى عقوقا شرعا، وأما إساءة الوالد إلى ولده فلم نجد دليلا صحيحا يفيد بأنها تسمى عقوقا، ولكن قد ذكر بعض العلماء أثرا عن عمر رضي الله عنه فلو ثبت كان فيه ما يفيد أن ذلك يسمى عقوقا، ومفاد هذه القصة أنه: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين أشكو إليك عقوق ولدي، فقال: ائتنى به، فجاء الولد إلى عمر، فقال عمر: لم تعق أباك؟ فقال الولد: يا أمير المؤمنين ما هو حقي على والدي؟ فقال عمر: حقك عليه أن يحسن اختيار أمك، وأن يحسن اختيار اسمك، وأن يعلمك القرآن. فقال الولد: والله ما فعل أبي شيئا من ذلك، فالتفت عمر إلى الوالد وقال: انطلق، لقد عققت ولدك قبل أن يعقك. ولم نجد أحدا تعرض لبيان صحة هذا الأثر من ضعفه.
ومجرد ما يرد على القلب من كره الولد للأب مما لا إرادة له فيه فلا يؤاخذ به الإنسان كما تقدم البيان بالفتوى رقم: 23716.
وإعراض الخطاب عنك قد يكون بسبب معصية وقعت منك عقوقا أم غيره، فالمعاصي قد تكون سببا في حرمان الإنسان من الخير، وقد لا يكون الأمر بسبب معصية، بل لمجرد الابتلاء.
والله أعلم.
... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(8/1053)
حكم تأجيل الابن السفر لرؤية أمه العجوز لحاجته للعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أخ صديق استشارني في أمر لم أستطع إفادته فيه.. فرجاء الإفادة:
صديقي هذا متزوج ومقيم في أوروبا، ويسافر إلى بلده الأصلي كل صيف ليرى أمه العجوز التي تجاوزت الثمانين من العمر والمقيمة بمفردها، والتي تنتظر رؤيته من العام إلى العام، رغم أن له أخا يرعى أمه قليلا، ويزورها من وقت لآخر.. ولكن صديقي هذا هو الابن الأكبر، وهو الأقرب إلى قلب أمه.
هذا العام صديقي عاطل عن العمل منذ شهور، وهو مستعد للسفر تماما، ولكن معروض علية فرصة عمل، ومن هنا جاءت الحيرة.. هل يترك فرصة العمل هذه ويسافر لرؤية والدته العجوز؟ أم ينتهز الفرصة ويقبل عرض العمل هذا ويؤجل السفر ورؤية والدته إلى العام القادم إن كان في الأعمار بقية؟ وللعلم قد صلى صديقي صلاة الاستخارة عدة مرات ولكنه مازال حائرا.
أفيدونا أفادكم الله وجزاكم خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من أن يؤجل صديقك زيارته لأمه للعام المقبل، خصوصا مع ما ذكرت من حاجته الشديدة لهذا العمل، ووجود أخ آخر مع أمه يقوم على مصالحها، وفي خلال هذه الفترة عليه أن يستغل ما فتح الله به من وسائل الاتصال من هاتف ونحوه للاطمئنان على أمه؛ لأن الأمر بالبر والصلة لم يحدد الشرع له حدا معينا، فيرجع حينئذ في تحديده للعرف، وقد قضى العرف أنه في حال حاجة الابن للسفر ابتغاء فضل الله ورزقه، فإن مواظبته على الاتصال بأمه وأرحامه يكون من باب البر والصلة. وراجع في شروط الإقامة ببلاد الكفر الفتوى رقم: 20969، 110971.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(8/1054)
زوج ابنته بوكالة خالها ثم قاطعها وقاطع أمها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وكل الأب خال البنت لتزويجها. فزوجها خالها لأن الأب غير مقتنع بهذا الزواج. ولكنه الآن يقطع ابنته وأمها أيضا فلا يذهب الى منزله، ويبقى عند أمه فما حكم ذلك في الشرع؟ الأم حزينة جدا لهذا الوضع فكلام الناس كثر عليها لعدم قدوم الزوج لمنزلها وتركها وحدها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدم زيارة الزوج لزوجته وبنته يعتبر من الهجران الذي منعه الشارع لغير سبب، وإذا أطال الزوج المقاطعة، فإنه يعامل معاملة المولي، ويشرع للزوجة أن تشكوه للقاضي، فيحمله على الفيء إذا زاد على أربعة أشهر، ويمكن لزوجته أن تحاول الاتصال به وتحاوره في حقها عليه في المعاشرة بالمعروف، وتتعرف على ما ينقم عليها، وهذا أولى من التحاكم إلى القاضي. وأما البنت فتيعين عليها الذهاب إلى والدها وصلته والبر به والحرص على إرضائه. ففي الحديث: رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد. رواه الترمذي وصححه الألباني.
هذا، وننبه إلى أن الزواج المذكور صحيح. وإيثار الأب لأمه بأكثر وقته مشروع، ولكنه يمنع أن يقاطع زوجته فلا يزورها مطقا. وأما إذا كان يبيت مع أمه ويزور زوجته أحيانا ليؤدي لها حقها في الفراش فلا حرج في هذا.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 98811، 70931، 26992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(8/1055)
حكم هجر الوالدين لكونهما يقومان بالوقيعة بينها وبين أختها
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ فترة وأنا لم أكلم أبي وأمي بسبب تفضيلهما لأختي علي، ووصل الأمر أنهم سبب الوقيعة بينى وبينها، والتحدث عني في غيابى للناس بشكل يشوه صورتي، ولأنه ليست هناك مصالحة مني. فهل ابتعادى لفترة حتى تهدأ الأمور يعتبر عقوقا مع أني في كل صلاة أدعو لهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن برّ الوالدين من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقهما من أعظم الذنوب، ومن أهم أسباب سخط الله.
أما عن سؤالك، فإذا كان والداك يفضلان أختك عليك ويقومان بالوقيعة بينكما، فهما مخطئان، فإن الواجب على الوالدين أن يعدلا بين أولادهما، ويحتنبا كلّ ما يثير التشاحن والتباغض بينهم، لكنّ خطأهما لا يبيح لك قطيعتهما أو الإساءة إليهما والتقصير في برّهما، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك. قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان:14} .
فما تفعلينه من هجر والديك هو من العقوق الذي نهى الله عنه، والذي هو من أكبر الكبائر، فعليك بالمبادرة بصلة والديك وبرّهما والإحسان إليهما قبل أن يفجأك الأجل أو يفجأهما، فإن الآجال علمها عند الله والإنسان لا يدري ما في غدٍ، ويمكنك نصحهما برفق وأدب مع مداومة الدعاء لهما، واعلمي أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يوجد المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت:34} .
فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء فكيف بالوالدين اللذين هما أرحم الناس بولدهما، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 40427.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1430(8/1056)
هل يجب على الابن أن يهدي لأمه مثل ما يهدي لامرأته
[السُّؤَالُ]
ـ[أشتري لأمي وزوجتي الذهب علي سبيل الهدية، لكن أمي تأخذ الذهب وتبيعه لإخوتي، فبعد ذلك قررت أشتري لزوجتي فقط. مع العلم بأني أدفع راتبا شهريا لأمي وأبي أكثر من ما يدفع إخوتي. هل علي ذنب في ذلك؟ مع العلم بأن أمي تدخر المال لبعض إخوتي، وهم رجال ليسوا بنات، هل إذا اشتريت لزوجتي فقط أكون مقصرا مع أمي؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في أن تخص زوجتك بهبة ما دون أمك، فإنه لا يجب عليك أن تسوي بين أمك وزوجتك في العطية، ولا يعد هذا من عقوق الأم، ولكن الأولى حينئذ أن تخفي هديتك لزوجك خوفا من أن يكسر هذا قلب الأم. والأفضل ألا تقطع ما تهديه لأمك، فإن هبتك لها مما يدخل السرور عليها، وإدخال السرور على قلب الأم من أعظم القربات وأجل الأعمال الصالحات، فإذا وهبت لها شيئا وقبضته منك، فلا عليك فيما تفعل فيه بعد ذلك، سواء باعته أو وهبته أو تصدقت به؛ لأنه قد دخل ملكها، ولا يلام الإنسان على تصرفه فيا يملك.
أما ما تدخره أمكم من مال لبعض أولادها فينظر فيه، فإن وجدت هناك حاجة للتفضيل من فقر بعض أولادها أو مرضه أو كثرة ولده ونحو ذلك فلا بأس في تخصيصها لمن كانت تلك حالته دون باقي إخوته. أما أن تعطيه دون مسوغ فهذا لا يجوز لأن العدل بين الأولاد في العطية واجب على الراجح من أقوال أهل العلم، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 110062.
وفي النهاية ننبه إلى أن الأم إذا كانت تحتاج إلى المال للمعيشة فإنه يجب عليك وعلى إخوتك أن تعطوها من المال ما يكفي حاجتها، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 115678.
أما إذا كانت موسرة بمالها أو بمال زوجها فإنه لا يجب عليكم بذل المال لها إلا على سبيل الندب والاستحباب تطييبا لخاطرها، خصوصا إذا علمتم تعلق قلبها بشيء من هذا. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 111110.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(8/1057)
هل يطاع الوالدان في أمرهما بترك الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب هداني الله بعد أن أتيت لبريطانيا للدراسة, فبدأت بإعفاء اللحية، والتردد على المساجد, وقراءة القرآن الكريم, كذلك أدعوهم للصلاة، والصوم فهم من التاركين لها ومن المقلدين للغرب, وإن والدتي ووالدي يعترضان على ذلك, بحجة أني أتيت إلى هنا للدراسة، وأن هذه الأشياء يمكن أن تؤجل. فهل في ذلك كله عقوق للوالدين أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي هداك للحق والاستقامة، ونسأل الله لنا ولك الثبات والهداية، ثم اعلم أن ما تفعله من طاعة الله تعالى ليس فيه عقوق لوالديك لأنه لا طاعة لأحد في مخالفة أمر الله تعالى ومعصيته، وانظر الفتوى رقم: 59769، فإطلاق اللحية من الواجبات كما بيّنا ذلك في الفتوى رقم: 120618.
فلا طاعة لأحد يأمر بحلقها، وكذلك صلاة الجماعة واجبة على الأعيان على الراجح فلا طاعة لأحد يأمر بتركها، وانظر الفتوى رقم: 1798.
فلا تترك ذلك، ولا تترك الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك، إلا إذا كان في نهي والديك لك عن ذلك غرض صحيح، كأن يكونا خائفين عليك من الإيذاء المتوقع، ولم يكن قد تعين عليك القيام بذلك النصح بأن قام به غيرك، وكنا قد بينا خطورة ترك الصلاة والصيام، وبيان مساوئ تقليد الغرب والتشبه بالكفار حسب الإمكان بما لا تترتب عليه مفسدة، فإن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مناط الخيرية في هذه الأمة.
قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ. {عمران:110} .
ولكن ليس معنى ما نأمرك به من طاعة الله تعالى وعدم طاعة والديك في معصيته تعالى أن تسيئ إليهما أو تغلظ لهما، في القول بل الواجب عليك أن تتقي الله فيهما وتحسن صحبتهما، وتحرص على برهما ما أمكنك، فإن برهما من أسباب السعادة ونيل رضا الله تعالى، وحسبك أن الله تعالى أمر بالإحسان إلى الوالدين المشركين وإن كانا يجاهدان ولدهما على الشرك. فقال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا. {لقمان:15} .
فعليك بالاجتهاد في تحقيق الموازنة بين طاعة ربك ومرضاته وبين إرضاء والديك وعدم إغضابهما، واجتهد في إقناعهما بصواب ما تفعله، وبين لهما أن طاعة الله لا تحتمل التأجيل، وكيف تؤجل وهي المقصد الأساس الذي لأجله وُجد الخلق. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. {الذاريات:56} .
ثم إن الموت يأتي بغتة، والنفسُ قد يخرج ولا يعود، وتطرف العين ولا تطرف الأخرى إلا بين يدي الله عز وجل.
وأما إذا نهاك والداك عن فعل مستحب كقراءة القرآم مثلاً، فقد سبق لنا أن أشبعنا القول في حكم هذه المسألة في الفتوى رقم: 121991.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(8/1058)
اجمعي بين تلبية رغبة زوجك في الكلام معه، وبين تجنب إغضاب والدك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تم عقد قراني على شاب، ولكنه لم يدخل بي ومازلت فى بيت والدي، هو الآن في عمله في بلد آخر ويكلمني عن طريق النت أو الهاتف، ولكن في بعض الأحيان نتكلم في أوقات متأخرة معه دون علم والدي حيث إنه يرفض كلامي معه عن طريق النت، فكيف لي أن أتصرف في ذلك الموقف؟ هل أستمر في الكلام معه؟ دون علم أبي؟ أم أرفض الكلام معه؟
علما بأن النت يعتبر طريقة التواصل بينا الوحيدة نظرا لارتفاع ثمن المكالمات الهاتفية مع العلم أن والدي لم يشترط علي أو على زوجي منع الكلام، لكني أعلم أن هذا الوضع يضايقه إلى حد ما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت قد عقد لك على هذا الشاب، فقد أصبحت زوجة له شرعا، وصار يباح لكل منكما من الآخر ما هو مباح بين الزوجين، ولكن قد قد ذكر الفقهاء أنه لا يجب على المرأة طاعة زوجها حتى يسلم إليها مهرها المعجل.
وقد بينا في الفتوى رقم: 78509، والفتوى رقم: 77995. وذكرنا فيهما أن طاعة الوالدين حينئذ تكون مقدمة على طاعة الزوج. أما إذا سلم إليها مهرها المعجل فإن طاعته تكون مقدمة على طاعة الوالدين.
وفي خصوص ما سألت عنه فإن كان مقصودك أن النت ملك للوالد وهو يرفض استخدامك له، فالجواب أنه ليس يباح لك استخدامه إلا بإذنه، لأنه لا يباح مال شخص إلا بطيب نفس منه، وإن كان المقصود أن الوالد لا يحب كلامك مع زوجك قبل أن يتم الدخول، فالجواب أنك قد علمت مما ذكرنا أن طاعة الوالد في مثل ظروفك مقدمة على طاعة الزوج، ولكن طالما أنه لم يصدر تحذير صريح من والدك لك فلا نرى عليك حرجا في أن تجمعي بين تلبية رغبة زوجك في الكلام معه، وبين تجنب إغضاب والدك بذلك إذا أمكن الجمع بين الأمرين بأن تكتمي عن أبيك محادثتك لزوجك، وإن لم يمكن ذلك تعين تجنب إغضاب الوالد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(8/1059)
اشترى دراجة بخارية بدون رضا أبيه ثم باعها
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت إلى الخارج لغرض الدراسة، وأردت شراء دراجة بخارية، لكن والدي رفض ذلك، ولكنني رغم ذلك اشتريتها ولم يدر والدي بذلك، وبعد أربعة أشهر تخليت عن استخدام هذه الدراجة البخارية، وقمت ببيعها، هل المال الذي اكتسبته من بيع هذه الدراجة حلال لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في بيع تلك الدراجة والانتفاع بثمنها وهو حلال عليك، لكنك أخطأت بمخالفتك أبيك إن كان رفضه لسبب معتبر، وينبغي ألا تعلمه بما كان منك لئلا يغضب عليك. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 108950.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(8/1060)
مات زوجها فعانت من أهله وأهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أرملة مهما قلت عن زوجي لن أوفيه حقه، يا رب يكون مثواه الجنة، لكن بعد وفاته رغم جوده مع أهله ومع الغرباء تبدل الحال، أخوه لا يسأل عن أولاده وكان كل همه هو وباقي الإخوة حتى الأب الذي لم يسأل عن أولاد ابنه، ولكن الأدهى من ذلك أهلي لجأت لهم لأول مشكلة قلبوا الأمور وضيعوا حقي، أنا أعرف أنهم غير طيبين في حياة زوجي، لم أكن أتعامل معهم في السنين الماضية، لأن أسلوبهم كله سب وقدف أي أحد، لا يخشون الله في السر والعلانية، أنا منعتهم من بيتي وحاولوا أن يرجعوا لكن أنا منعتهم، وللعلم والدي لا يسمن من جوع، ولست قادرة أن أذهب لأراه، لأنه معهم في البيت، مرة ذهيت إليهم أساءوا الأدب علي، وعمي والجيران قالوا: إخوتك قليلوا أدب، لا تذهبي إليهم. أفيدوني لأن الله وكيلي، لأني لا أجد أي وسيله للتفاهم، ولا أريد أن أكون آثمة أو أتعب أولادي؟ الآن أنا لجأت لحفظ وتجويد القرآن، وكل همي أبنائي ادعوا لي بالله عليكم أن يثبتني الله، لأنه ليس جزاء الحسنة السيئة. وللعلم أنا أفضل الأبناء عند أبي، كلمة دائما يقولها للجميع لكن لست قادرة على الذهاب إليه لأراه، وأنا ما صدقت أن أولادي فاقوا من صدمة وفاه الأب، بالرغم من أننا جميعا لانزال متعبين لكن أفضل بكثير من الأول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرزقك الصبر والثبات على صراطه المستقيم، وإنا لننصحك أيتها السائلة أن تقابلي ما كان من أهل زوجك من إهمال لأولادك بالصبر والعفو والتغاضي، واحذري من أن يحملك هذا على شيء مما يغضب الله سبحانه، فلا يجوز لك أن تلقني أولادك بغض أرحامهم أو عداوتهم، فإن هذا لا يجوز، وإذا كان أهلهم قد عصوا الله فيهم بترك صلتهم فلا يجوز أن تقابلوا ذلك بمثل فعلهم، بل ذكريهم دائما بأن جدهم وأعمامهم من الأرحام التي أوجب الله صلتها وحرم هجرها وقطيعتها، وليكن شعاركم دائما قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري.
أما ما طلبوه من حق الأب في ميراث ابنه فهذا حقه، ولا يجوز حرمانه منه بل ولا تعطيله عنه بأي حال، فإن الله سبحانه قد تولى قسمة تركة الميت بنفسه في كتابه العزيز ثم قال عقب ذلك: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ. {النساء:13-14} .
أما بخصوص أهلك فلا يجوز لك بحال أن تقصري في حقوق الوالدين فإن هذا من أعظم الذنوب وأقبحها، وإن حال إخوتك بينك وبين زيارتهم، أو خفت من زيارتهما في البيت خوفا من أذاهم، فعليك أن تحتالي بطريقة ما لكي تؤدي بها حقوقهما، كأن تلتقي بهما خارج البيت مثلا، مع المداومة على السؤال عليهما بالهاتف ونحوه.
وأما إخوتك فعليك أن تصبري عليهم وعلى سوء تصرفاتهم ولا تقصري في حقهم من البر والصلة فإنهم من رحمك التي أوجب الله صلتها وحرم قطيعتها.
وتذكري قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجل فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
لكن إن زاد الأذى عن حده وبلغ مبلغ الضرر في الدين أو الدنيا فلا حرج عليك حينئذ إذا قصرت معاملتك معهم على ما لا يحصل معه ضرر ولو أدى ذلك لهجرهم إذا لم يندفع ضررهم إلا بذلك.
قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(8/1061)
المسلم يقدم مصلحة أبويه على مصلحة نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم التكرم بإجابتي على أسئلتي الآتية، حيث إني في أمس الحاجة إلى مساعدتكم بسرعة الإجابة:
أنا فتاة أبلغ من العمر 35 سنة.
أولاً: تزوجت من رجلاً مسلم لديه حق الإقامة والعمل في بلد أجنبي لمدة عامين، وحدثت بيننا خلافات أدت إلى طلبي الطلاق وإصراري عليه، فطلقني شقهيا منذ ثلاث سنين دون توثيق الطلاق لرغبتي في الحصول على جنسية البلد الأجنبي، خاصة بعد حصوله هو عليها حيث أستطيع التقديم للحصول عليها الآن، ولكن يشترط أن أقيم هناك لمدة سبعة أشهر قبل التقديم، وأنا أعتزم السفر إلى هناك وسأعيش بمفردي تلك المدة، فأنا بحاجة أن أعرف أولا حكم سفري وإقامتي هذه المدة هناك؟
ثانيا: لقد تعرفت أثناء سفري السابق على شاب مسلم عربي من غير جنسيتي ملتزم دينيا وهو الذي شجعني على ارتداء الحجاب، يقيم هناك ولكنه كان متزوجا قبل أن يلتزم دينيا زواجا صوريا من أجنبية من ثلاث سنوات للحصول على الجنسية بعد الاتفاق معها على ذلك، وهو يقيم بمفرده ولديه الحق الآن في التقديم على الجنسية، وهو يعتزم تطليقها بعد حصوله عليها، وقد اتفقت أنا وهو على الزواج الشرعي بدون توثيق لكي يستطيع الحصول على الجنسية وأستطيع الحصول عليها أيضا. فما الحكم في هذا الزواج الشرعي بدون توثيق؟
ثالثا: لقد توفي والدي وكل أعمامي خارج البلاد وليس لدي إخوة رجال. فمن يكون الولي لي عند النكاح؟
رابعا: أخواتي غير بارات بأمي وهي سيدة كبيرة في السن، وأنا التي كنت أرعاها. فما الحكم إن تركتها وسافرت سواء لأنني تزوجت أو لأحصل على الجنسية، والتي ستكون فترة مؤقتة، علما بأنها غير مرحبة بهذا الشاب لأنني سأسافر معه وسأتركها، ولأنه لم يكمل تعليمه الجامعي، علما بأنها لا تعلم بقصة زواجه الصوري الحالية؟
خامسا: اشترطت أمي لتوافق على نكاحي ضرورة حضور هذا الشاب إلى بلدي لكي تراه أولاً ثم يتم الزواج الشرعي وقد اتفقت معه على ذلك، ولكن ظروفه المادية الآن وظروف عمله لا تسمح له بالمجيء إلى أمي، ويطلب مني السفر لإتمام زواجنا هناك بالمسجد. فما الحكم إذا فعلت ذلك؟ فهل سأكون قد أغضبت وعققت أمي حيث إنني أخاف الله فيها ولا أريد إغضابها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها السائلة أنه لا يجوز للمرأة طلب الطلاق من زوجها إلا لحاجة معتبرة ككون الزوج لا يوفيها حقها من النفقة أو المعاشرة، أو يؤذيها بنحو السب والضرب بلا جناية منها، إلى غير ذلك من الأسباب التي سبق بيانها في الفتوى رقم: 116133.
أما سفرك هذا فإنه لا يجوز بدون محرم، على ما بيناه في الفتوى رقم: 3420.
وأما نفس الإقامة في بلاد الغربة فلا يشترط فيها المحرم، إلا أنه ينبغي التنبه إلى أن هذا البلد الذي تريدين السفر إليه إذا كان بلداً غير إسلامي -كما هو الظاهر- فإنه لا يجوز لك الإقامة فيه لما ثبت من نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك على ما بيناه وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 7930، 2007، 114297.
ويستثنى من ذلك من كانت به حاجة شديدة لمثل هذه الإقامة وغلب على ظنه السلامة من الفتن، وكان قادراً على إظهار شعائر الدين، ولا نرى فيما ذكرت حاجة شرعية معتبرة، فإن الحصول على الجنسية من هذه الدول الاصل فيه المنع، ولا يجوز إلا لتحقيق مصلحة أو دفع مفسدة لا تتحقق إلا بذلك، وقد بينا ذلك في الفتويين رقم: 51281، 26795.
وأما الزواج فإنه إذا تم مستوفياً شروطه وأركانه الشرعية المبينة في الفتوى رقم: 1766. فإنه صحيح حتى ولو لم يتم توثيقه، ويراجع في ذلك الفتوى رقم: 5962.
أما بخصوص الأولياء فقد سبق بيان ترتيبهم في الفتوى رقم: 22277.
وسفر أعمامك لا يمنع من قيامهم بتولي عقد الزواج، فمن الممكن أن يأتي أحدهم من سفره أو يوكل من يتولى عقد الزواج نيابة عنه، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 105204.
أما بخصوص ما ذكرت من ظروف أمك، فإنا نوصيك أن تقدمي مصلحتها دائماً فحقها عليك عظيم وهي أحق الناس بصحبتك، فإن كان زواجك هذا لا بد معه من السفر -كما هو الظاهر- وهي تأمرك بتركه لما سيترتب عليه من مفارقتك لها وتعرضها للأذى نظراً لكبر سنها وعقوق بناتها فهنا يجب عليك طاعتها.
قال الصنعاني في سبل السلام عازياً للبلقيني: العقوق أن يؤذي الولد أحد أبويه بما لو فعله مع غير أبويه كان محرماً من جملة الصغائر فيكون في حق الأبوين كبيرة، أو مخالفتهما في سفر يشق عليهما وليس بفرض على الولد. انتهى.
ويمكنك أن تستعيضي عن هذا بالزواج من زوج مقيم في بلدكم بحيث لا تنقطعين عن رعاية أمك والسؤال عنها.
مع التنبيه على أن اعتراض الأم على زواج ابنتها برجل لمجرد كونه غير حاصل على شهادة جامعية اعتراض في غير محله فإن هذا غير مؤثر ما دام الرجل صاحب دين وخلق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1430(8/1062)
حكم أخذ أجرة لقاء توفير احتياجات الأم والأخت
[السُّؤَالُ]
ـ[مات والدي منذ فترة وترك أمي، وأختي. وأصبحت وكيلا عليهما أنفق عليهما من مرتب والدتي الضماني؟
سؤالي هو: هل يجوز لي أن آخذ مقابل توفير ما يلزمهما من أكل ونقل وغيره مالا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبرّ الأمّ ورعايتها من أفضل الطاعات بعد الإيمان بالله، كما أنّ رعاية الأخت من صلة الرحم التي أمر الله بها، ومن أسباب البركة في العمر والرزق.
أمّا عن سؤالك، فيجوز لك أن تأخذ مقابل عملك في توفير ما يلزم لأختك ما دام عندها مال بشرط أن يكون ذلك بعلمها ورضاها، أمّا أمّك فما كان خارجاً عن حدود الخدمة المعتادة، فلا مانع من أخذ مقابله، وأمّا ما تطلبه أمّك منك أو تحتاجه من أمور الخدمة المعتادة فهو واجب عليك، وإذا كان واجباً عليك فلا يجوز لك أخذ الأجرة عليه.
قال السرخسيّ الحنفي: وإن استأجر الرجل ابنه ليخدمه في بيته لم يجز ولا أجر عليه، لأن خدمة الأب مستحق على الابن دينا وهو مطالب به عرفا فلا يأخذ عليه أجرا، ويعد من العقوق أن يأخذ الولد الأجر على خدمة أبيه والعقوق حرام، وكذلك إن استأجرته الأم لأن خدمتها أوجب عليه، فإنها أحوج إلى ذلك وأشفق عليه، وإن كان أحدهما استأجره ليرعيه غنما أو يعمل غير الخدمة جاز، فإن ذلك غير مستحق عليه ولا هو مطلوب في العرف. المبسوط للسرخسي.
وذهبت طائفة من أهل العلم إلى جواز استئجار الوالدين لولدهما.
قال المرداوي الحنبلي: قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ) . يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ. قَالَهُ الأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ. قُلْتُ: وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي: أَنَّهَا لا تَصِحُّ , وَيَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ. الإنصاف للمرداوي.
وعلى القول بالجواز فلا بد من علم الوالدة، ورضاها بالأجرة، ولا يجوز لك أن تقوم أنت بتحديد الأجرة دون علم ورضى الطرف الآخر.
وعلى كلّ الأحوال، ف لا شكّ أنّك إن تبرعت بهذه الأمور فإنه يكون من الإحسان الذي يحبه الله ويثيب عليه بالأجر العظيم في الدنيا والآخرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ. متفق عليه.
قال ابن حجر: فإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين , فالمنفق على المتصف أولى. فتح الباري.
ولمعرفة حكم ما يتعلق بالراتب الضماني، راجع الفتوى رقم: 25774.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1430(8/1063)
الواصل على الحقيقة من يصل من قطعه، ويحسن لمن أساء إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية أتقدم بجزيل الشكر على هذا العمل الخيري الذي تفعلونه. أما بعد فأنا قد طرحت سؤالا سابقا ورقمه كالتالي 2208954 وعنوان الفتوى: استغلال حب الجدّ والجدّة لإصلاح العلاقة بين الأب وبينهما فبتعاون مني وأحد أطراف العائلة قمنا بإقناع والدي من اجل اتصاله بوالديه ومصالحتهما وفعلا اتصل بهما لكن الجد يرفض المصالحة ويقول بأن والدي عصاه لكن أنا لا أرى أين يتجلى عصيان والدي لوالده، فجدي هو الذي قال لوالدي إذا كنت لا تريد مصالحة أختك فدعني وشأني إذن هو من رفض المصالحة في البداية، والآن في النهاية هو من يرفض. وإذا أردتم سؤالي عن شيء غير واضح فراسلوني في أقرب وقت ممكن. وما أريد معرفته هو: هل لا يزال على والدي إثم أم لا؟ وبماذا تنصحونني؟ وارجو منكم الجواب في أقرب وقت ممكن. وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من السؤالين أن جدك قد علق مصالحته لأبيك على إصلاح أبيك لعلاقته مع أخته، وقد نصحنا والدك في الفتوى السابقة أن يرجع على أخته بالبر والصلة، فإنها من أرحامه التي أوجب الله صلتها وحرم قطيعتها، بل لعن قاطعها في مثل قوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وتقطعوا أرحامكم * أولَئكَ الَّذِينَ لَعنهم الله فأصمهمْ وأعمى أبصارَهُمْ {محمد:22، 23} فعلى والدك أن يبادر بصلة أخته وإن أساءت إليه، وليعلم أن الواصل على الحقيقة هو من يصل من قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، أما الذي يصل من وصله، ويحسن إلى من أحسن إليه فحسب، فهذه ليست صلة بل هي مكافأة، روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
فإن بادر إلى إصلاح علاقته بأخته وأصر أبوه على قطيعته فلا شيء على أبيك حينئذ ولا إثم إن شاء الله، بشرط ألا يقصر فيما يقدر عليه من بره الواجب لأبيه، وعليه استغلال أي فرصة تسنح له في إصلاح علاقته بأبيه مع كثرة الدعاء لأبيه أن يهديه الله، وأن يفتح قلبه لولده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1430(8/1064)
لا ينبغي لأمك الضغط عليك لدفع نفقات زواج أختك
[السُّؤَالُ]
ـ[أبى ميسور الحال ومتزوج من أخرى، وحصلت أمي على حكم قضائي بنفقتها هي وأخي وأختي اللذين يعيشان معها في المنزل. جاء عريس لأختي، أمى تطالبني أنا وأخي الآخر المتزوج ويعول طفلين بتحمل نفقة زواج أختي حتى لا يتدخل الأب في الزواج، وأنا أرفض وأخي وافق، علما بأن زوجتي تعمل ومرتبي ومرتب زوجتي يعيشنا في حياة جيدة، أما مرتبي وحده فيكفى معيشة بيتي بشكل معقول ولا يفيض منه شيء، وزوجتي ترفض المساعدة في زواج أختي بسبب أن والدي موجود وميسور الحال، ولكن أمي غضبت مني ولا تريد أن تأخذ حتى المبلغ الذي خصصته لها شخصيا كل شهر، تضغط علي. فهل علي إثم إذا لم أستطع القيام بما طلبته مني أمي؟ وماذا أقول لأمي لأقنعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب عليك ولا على أخيك دفع نفقات زواج أختك، وإنما يكون ذلك من الإحسان وصلة الرحم، واعلم أنّ راتب زوجتك حقّ لها، وإذا لم تكن قد اشترطت عليها للخروج للعمل أن تعطيك شيئاً منه فلا يلزمها ذلك إلا أن تتبرع به عن طيب نفس.
وفي خصوص ما سألت عنه، فإنه لا إثم عليك في امتناعك من دفع ما تطلبه منك أمك، ولكن الذي ننصحك به هو أن تسعى لإرضائها بما تستطيعه فإنّ برّها من أعظم القربات إلى الله.
جاء في الفروق للقرافي: قِيلَ لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك، فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ سَبَّتْنِي وَدَعَتْ عَلَيَّ. قَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا، وَتَخْلُصَ مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ أَيْ وَتَخْلُصَ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. أنوار البروق في أنواع الفروق.
وما عجزت عنه ممّا تطلبه منك فعليك أن تعتذر لها برفق، وتبيّن لها أن الإنسان لا يطالب بما هو فوق طاقته أو بما يضرّه، وينبغي أن تعلم أنّ مجرد زواج الرجل من ثانية ليس مسوّغاً للشقاق والفراق، ولا يجوز للزوجة أن تسعى للقطيعة بين الأب وأولاده مهما كان الخلاف بينها وبينه، بل إن ّ المرأة العاقلة تحرص على بر أولادها بأبيهم ولو كانت مطلقة منه.
وننبه إلى أنّ تزويج أختك لا يصحّ إلا عن طريق أبيها، وإذا قام غيره بتزويجها حال وجوده فالقول الراجح أنّ النكاح يكون باطلاً، إلا إذا كان الأب فاقداً لأهلية الولاية أو عاضلاً لبنته، وانظر الفتوى رقم: 32427.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1430(8/1065)
أبوها هجرها وهجر أمها وغضب عليها لزواجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متزوجة منذ 3 أشهر، وأبي كان يرفض زواجي ومازال هكذا. فقد وكل خالي ليزوجني وهو غاضب مني، فأنا لم أخطيء فقد تزوجت بالحلال. والآن أريد الكلام معه وهو لا يريد أن يراني. اشتقت إليه كثيرا ويهجر بيت أمي ولا يكلمها أيضا.هل هو آثم؟ علما أنه كان يرفض زواجي بدون أي سبب. أرشدوني فأنا أتعصب وهل أحاسب إن مات وهو غاضب علي؟ أنا مكتئبة كثيرا خائفة من عقاب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان أبوك قد رفض زواجك من هذا الرجل بدون سبب مشروع كعيب في دينه وخلقه، فلا حقّ له في هذا الرفض، لكنّ ذلك لا يسقط حقّه في البرّ والطاعة في المعروف، فعليك أن تبذلي جهدك لمصالحته وبرّه، ويمكنك أن تستعيني في ذلك ببعض الأقارب من أهل الدين والمروءة، فإذا أصرّ على مقاطعتك ورفض الكلام معك، فلا إثم عليك إن شاء الله، ولكن عليك أن تداومي محاولة زيارته والتواصل معه، مع الاستعانة بالله والإلحاح في الدعاء.
أمّا عن حكم هجر أبيك لأمك وترك كلامها فإن كان ذلك بدون سبب كنشوزها، فإنّ هذا الهجر حرام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. متفق عليه.
فإذا كان ذلك مع عموم المسلمين فهو مع الزوجة التي أمر الله بمعاشرتها بالمعروف أولى، وكذا الحال في هجره لك أنت أيضا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1430(8/1066)
مقابلة السيئة بالحسنة تقي شر نزغات الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب لي من الإخوة بنتان وأنا أكبرهم. متزوج منذ عامين تقريبا ورزقني الله عز وجل بطفل جميل هو أحلي ما يكون في دنيتي كلها.
قصتي قد تبدو غريبة نوعا ما ولكن من الممكن أن تكون وقعت لأشخاص مثلي. العلاقة بين زوجة الابن وأهل الزوج. زوجتي إنسانة يتيمة الأب والأم وهي إنسانة ممتازة وليس بشهادتي أنا فقط ولكن بشهادة كل من تعامل معها. تراعي الله في نفسها وبيتها وزوجها وأخيرا ابنها. هي إنسانة حساسة جدا بسبب ظروفها الإنسانية قادرة علي فعل المستحيل بنفسها وترفض دائما أن تحس بالشفقة من أي إنسان حتى لو كان أقرب الناس إليها أو حتى من أهلها.
منذ فترة الخطوبة وهي حريصة دائما علي التقرب من أهلي ولكن في حدود الإسلام، ولك أن تتخيل سيدي أنها كانت علي علاقة جميلة جدا من أولاد خالي (سبب المشكلة في البداية) علي الرغم من أنني حذرتها من تقلباتهم المزاجية التي تبدو مثل موج البحر ولكن حدث ما كنت أخشاه وتعاملوا معها بطبيعتهم المزاجية فأحست بالاهانة وقررت أن تتبعد عنهم ولا تتعامل معهم شخصيا.
تم الزواج ومنذ البداية كان أهلي يسمحون لأختي الصغرى بالتدخل في حياتي علي الرغم من تحذيراتي بأن هذا خطأ، وخاصة في مواضيع حساسة مثل فترة ما قبل الحمل. وبعد مرور 4 أشهر كان خالي عائدا من العمل بالخارج (دولة عربية) وكانت زوجتي في هذه الفترة في أول شهور الحمل وكانت التعليمات بأن لا تغادر الفراش. ذهبت إلى خالي وهنأته بسلامة العودة وكان كعادته سعيدا وأعطاني الهدايا الرمزية الخاصة بي وبزوجتي ...
فاتني أن أحكي لك شيئا متعلقا بهذه الأحداث، قبل وصول خالي كان والدي ووالدتي وإخوتي في مرسى مطروح وأحضروا لزوجتي ولأختها هدية صغيرة..
مرت الأيام (أسبوع واحد فقط) وبمنتهى الأمانة لم نتصل بخالي لنشكره لأننا كنا في انتظار حضور خالي إلى منزلي للمباركة على الزواج كما وعدني حيث إن ظروف العمل بالخارج منعته من حضور حفل زفافي.... كانت تلك بداية المشكلة. والدتي زعلت مني ومن زوجتي لأنها كانت تريد أن آخذ زوجتي معي إلي بيت خالي وكعادة أهلي دائما سمحوا لأختي الصغرى بأن تحاسبني على عدم شكر خالي وعدم الحكم على زوجتي بأن تذهب معي وكيف أن زوجتي لم تكلف نفسها عناء الاتصال بخالي لشكره على هداياه، فكان رد زوجتي بأنها مازالت تحتفظ بالهدايا ولم تلمسها أبدا، كانت الطامة الكبرى أن والدتي طلبت مني أن أعيد هذه الهدايا وطبعا انهارت زوجتي وبكيت وبالتالي تأثر الجنين بشدة وطلبت مني راجية أن أعيد هذه الأشياء بالإضافة إلى هدايا والدتي. منذ أن أعدت هذه الهدايا وأنا في نار.... والدتي وإخوتي وحتى أبي لا يتعاملون معي وحينما بادرت بالاتصال أو رؤيتهم كان في كل مرة في انتظاري مشاجرة عنيفة.
زادت نفسيتي سوءا خصوصا بعد علمي أن أختي دعت أهل خطيبها لاستكمال الاتفاق على الزواج (مع العلم أنني كنت حاضرا الاتفاق الأول) ولم تفكر بالاتصال بي للحضور بحجة أني سوف أفسد الاتفاق لعصبيتي مع العلم أنني لم أفعل شيئا.
منذ هذا الوقت ووالدتي لم تحضر ولادة حفيدها الأول ولا أسبوع المولود على الرغم من توسلاتي لها بأن هذا الطفل لا ذنب له في كل ذلك، ولكنها رفضت كل ذلك بل نعتت زوجتي بأنها السبب في ما يحدث وأنها تقف دائما ضد تقربي من أهلي وأنها.......الخ كل هذا حدث أمام زوجتي وهي لم تفعل شيئا بل مع العكس حينما علمت أن والدتي مريضة بعد ذلك اتصلت بها واطمأنت عليها.... ولم تفكر والدتي حتى بتهنئتها على المولود أو حتى بالسلامة من العملية الجراحية التي أجرتها في الولادة.
لا أحد يهتم بي أو بزوجتي، وابني إلا أبي الذي كان معي في الولادة ووالسبوع وحتى في مرض ابني الشديد وهو عمره شهور. والدتي لم تسأل علي حفيدها سوي مرة واحدة في مرضه الشديد ...
في كل هذا قررت زوجتي أن تقطع التعامل مع أهلي تماما ولكن في نفس الوقت كانت تحثتي دائما على إرضاء والدي ووالدتي والذهاب إليهم في كل وقت.
فات عامان ووالدتي كما هي وإخوتي كما هم. كل ذلك بسبب تحامل أختي علي بالرغم من أنني حضرت زفافها عسى أن تجدي أي محاولة بالنجاح ولكن لا شيء.
زوجتي ترفض محاولات الصلح وقررت عدم التعامل معهم نهائيا وبالتالي ابني لن يروه وأهلي يرفضوا تصفية الموضوع إلا بذهابها إلى بيت العائلة هي وابني لرؤيته وأنا لا اعلم ماذا افعل؟ أنا أريد رأي الدين وأهل الفقه في مثل هذا الموضوع!!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنّ حقّ الوالدين عظيم، ومهما كان منهما تجاه ولدهما فإنّ برّهما وطاعتهما في المعروف من أوجب الواجبات.
أمّا عن سؤالك، فالذي عليك هو أن تداوم على برّ والديك وطاعتهما في المعروف وزيارتهم والتودّد إليهم، وكذلك صلة أخواتك وخالك، قاصداً بذلك مرضاة ربّك غير مبالٍ بما يقابلونك به، فإذا داومت على ذلك فقد أديّت ما عليك.
أمّا عن زوجتك فينبغي لها أن تطيعك إذا أمرتها بمصاحبتك لزيارة أهلك، ما لم يكن عليها ضرر في ذلك، وعليك أن تعاملها بحكمة وتبيّن لها أنّ من محاسن أخلاق الزوجة وطيب عشرتها لزوجها، إحسانها إلى أهله وتجاوزها عن زلاتهم، وإعانته على بر والديه وصلة رحمه، وأنّ ذلك من حسن الخلق الذي يثقّل الموازين يوم القيامة، كما أنه مما يزيد من محبة الزوج واحترامه لزوجته، وأنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، وعليك بكثرة الدعاء فإنّ الله قريب مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1430(8/1067)
سافر وأبواه مريضان ثم ماتا فهل يأثم لسفره
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت للعمل، وتركت أبي وأمي مرضى، فماتوا بعد سفري بفترة بسيطة جدا، وأنا أشعر بالذنب الكبير لأني كنت كل شيء بالنسبة لهم، مع العلم بأني مطيع لهما، وعشت خادما لهما وهم مرضى، وهم راضون عني. ومع العلم أن لم أتركهم وحدهم فأنا أصغر إخوتي. فهل أكون بالفعل قد ارتكبت ذنبا بتركهم، وإذا كنت مذنبا فما هي كفاره ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت في حياة والديك مطيعاً لهما ولم تقصّر في خدمتهما، وكانا راضيين عنك، ولم يترتب على سفرك عنهما تضييع لحقهما، فليس فيه عقوق لهما، بل الظاهر من كلامك أنّك كنت حريصاً على برّهما، وشعور الإنسان بالتقصير فيما عليه من حقّ، ولا سيمّا في حقّ الوالدين، هو دليل صدق وعلامة خير بإذن الله، وعلى فرض أنّك قصّرت في بعض الأمور فإنّ ذلك مظنّة العفو من الله، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25}
قال القرطبي: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا قال الله تعالى: (إن تكونوا صالحين) أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة وقوله: (فإنه كان للأوابين غفورا) وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. اهـ من الجامع لأحكام القرآن.
فأبشر خيراً ببركة هذا البرّ في الدنيا والآخرة، واجتهد فيما تقدر عليه من برّهما، فإنّ الإنسان يمكنه أن يستدرك ما فاته من برّ والديه بعد موتهما، وذلك بالدعاء لهما والصدقة عنهما وصلة الرحم وإكرام أصدقائهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(8/1068)
هل تجب النفقة على الوالدين مع كونهما غير محتاجين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثلاثين من العمر، أنفق علي أهلي في تربيتي ودراستي حتى تخرجت من الجامعة والحمد لله. ثم سافرت طلبا للرزق ووفقني الله للعمل وتزوجت من مالي الخاص، وقدمت لأهلي بعض المال لمعونتهم. والسؤال هو: هل إنفاقي على أهلي واجب علي إن كانوا بحاجة أولا؟ وبماذا أبرر لهم امتناعي إن طلبوا مني وخاصة أمي، مع العلم أنهم يشترون بالمال الذي لديهم عقارات وأراضي، وخاصة بعد زواجي إذ زادت حاجتي للمال لتأمين السكن الخاص والمصروف لزوجتي وابني, وهل لي أن أطالبهم بتكاليف الزواج حيث العادة عندنا أن الأهل يزوجون أبناءهم، وقد قام أهلي بتزويج أخواي من قبل على نفقتهم وذلك لمبدإ العدل بين الأبناء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما نفقة الأولاد الموسرين على أبيهم وأمهم الفقيرين فإنها واجبة بإجماع أهل العلم , وراجع في ذلك الفتوى رقم: 115678.
أما إذا كان الوالدان موسرين فإنه لا يجب على ولدهما أن يبذل لهما شيئا من المال إلا ما كان على سبيل الندب والاستحباب تطييبا لخاطرهما خصوصا إذا علم تعلق قلوبهما بشيء من هذا, وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 111110.
والظاهر من سؤالك عدم حاجة والديك بدليل أنهما زوجا إخوتك من مالهما, غاية الأمر أنهما يستغلان ثروتهما في تملك العقارات وهذا لا يخرجهما عن وصف الغنى.
ولكن ينبغي أن تعتذر لهم بغاية من اللطف واللين بأن تخبرهم بحاجتك لهذا المال, ولا حرج عليك في استعمال التورية والمعاريض بحيث تخبرهم أنك لا تملك إلا ما يكفي حاجتك أو دونها.
أما تزويج والدك لك فلم يجب عليه لأنك موسر قادر على تزويج نفسك، وإنما يجب على الوالد أن يزوج ابنه في حال فقر الابن وعدم قدرته على تزويج نفسه عند من يقول بذلك من أهل العلم.
أما تزويجه لإخوتك فينظر فيه، فإن كان إخوتك في ذلك الوقت فقراء لا يقدرون على تزويج أنفسهم فقد وجب ذلك على الأب، فليس لك أن تطالبه بمالك الذي زوجت به نفسك لأنك غني وهم فقراء، والتفضيل المنهي عنه بين الأولاد هو ما كان على وجه التفضيل المحض، أما التفضيل الذي له سبب فإنه غير منهي عنه, كما بيناه في الفتوى رقم: 64550.
أما إن كان والدك أو والدتك أو هما معا قد زوجا إخوتك مع استغناء الإخوة فلك حينئذ أن تطالبهما بمثل ما أعطياهم ليس من باب وجوب تزويجهما لك ولكن من باب العدل بينكم، فإن أجابوك وإلا ففوض أمرك لله ولا يحملك هذا ولا غيره على ترك برهم وطاعتهم في المعروف والإحسان إليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(8/1069)
يريد شراء جهاز لاستقبال البرامج الدينية وأمه ترفض
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أشاهد الفضائيات الإسلامية، ولكن نظرا لاختلاف رغبات أفراد أسرتي فلا أجد المتسع من الوقت لكي أشاهدها، وهذا لعدم توفر غير جهاز استقبال واحد فقط، مع العلم بتوفر أكثر من جهاز تلفزيون،
وأنا فكرت في أن أشترى من مرتب وظيفتي جهاز استقبال خاص بي أضعه في غرفتي لكي أشاهد ما أتمنى مشاهدته من البرامج الدينية، ولكن اعترضت أمي على هذا بحجة أني أحتاج هذا المال في زواجي فيما بعد.
فما حكم هذا؟ وهل لو اشتريت جهاز الاستقبال يعتبر هذا صدقة؟ وهل أعارض أمي وأشتري جهاز الاستقبال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت بحاجة عاجلة للزواج، أو كانت أمك تأمرك به، فإذا كان شراء هذا الجهاز سيعوقك عن الزواج فلا يبعد أن يكون امتناعك عن شرائه واجبا عليك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب طاعة الوالدين إذا أمرا بالزواج.
جاء في الإنصاف: على القول باستحبابه هل يجب بأمر الأبوين أو بأمر أحدهما به.
قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية صالح وأبي داود:
إن كان له أبوان يأمرانه بالتزويج أمرته أن يتزوج، أو كان شابا يخاف على نفسه العنت أمرته أن يتزوج.
قال الإمام أحمد رحمه الله: والذي يحلف بالطلاق لا يتزوج أبدا، إن أمره أبوه تزوج. انتهى.
أما إذا لم يكن يعوقك عن الزواج فليس من حق أمك منعك منه، لاسيما أن يفيدك في آخرتك، ولكن الأولى أيضا أن تمتنع عن شرائه طاعة لأمك وتحقيقا لما تريده من مصلحتك.
ومع ذلك، فإنك لو اشتريته والحال هذه فنرجو أن لا يكون عليك حرج إن شاء الله، بشرط أن تتطلف في رد أمر أمك وأن تعتذر لها، وتذكرها بأن الرزق بيد الله، وأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
واعلم أنك إن قصرت هذا الجهاز على البرامج النافعة المفيدة وأتحت الاستماع إليه لمن يريد سواء من أقاربك أو غيرهم فلك إن شاء الله بذلك أجر الصدقة، فالصدقة أعم من بذل المال فيدخل فيها إيصال النفع إلى الغير، ولا شك أن البرامج الشرعية من النفع العظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(8/1070)
صلة الأب واجبة ولو كان يشنع على بناته ويقاضيهن بالباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي وأمي كانا على خلافات دائمة منذ صغرنا، ونحن بنات وكان أبي كثيرا مع أي خلاف مع أمي يعمل لها محضرا بالشرطة، ثم استقروا فترة بدون مشاكل حتى كبرنا وحصلنا كليات قمة.
وقد أودع أبي مبالغ باسمنا في البنك وبنى بيتا وكتبه باسم والدتي وهي تنازلت لنا عنه بعلمه، ثم كبرنا وتزوج بعضنا وتخرجنا وبدأ أبي المشاكل مع والدتي والبخل الشديد معنا حتى إذا رأى أحد أحفاده يأكل لقمة يثور ويغضب. المهم نتيجة خناقة مع والدتى تعدى عليها بالضرب وانفصلا ورفضت أن تعود له، وكنا نكلمه ثم بدأ بالمطالبة بأمواله والبيت.
ودخل في مضمار المحاكم وأمي وأبي كل منهما مصر على ألا يفرط في شيء، وقد تزوج من أخرى، وحاولنا إرجاعه لامي قبل زواجه، لكنه رفض وأمي كانت ترفض أن نكلمه وهو أيضا نفرنا منه بأسلوبه فهو عندما يطلب منا شيئا لا يطلبه إلا عن طريق المحاكم، ويشتكينا في مقر عملنا ويتهمنا أننا نضربه ونسبه ويشتكي أزواجنا، ورفع علينا نفقة مع أنه لا يحتاج ولا يهمه تدمير بيوتنا، وأنا عن نفسي لا أرغب في أمواله ولا أي شيء، ولكن ليس لي إرادة؛ لأن أمي أيضا سوف تغضب علي إن سلمته أي شيء، وأيضا لن أحصل على رضاه لأنه ليس أبا عاديا لكنه صعب جدا يعاملنا كأعداء وليس كبناته اللاتي لم ينجب غيرهن، أخشى أن أموت وأحاسب عليه عندما أراه في أي مكان أخاف منه جدا، وأبتعد وأيضا أخاف أن تعلم أمي أني كلمته فتغضب علي لأنه أي حاجة يقولها للناس وتصلها على طول. أرجو إفادتي هل أنا آثمة؟ هل سيغضب علي ربنا؟ إننى في موقف صعب جدا لا يشعره إلا من مر به ولا أعتقد أن أحدا أبدا مر بهذا الموقف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فلا شك أن ما يفعله أبوكم – هداه الله – من التشنيع عليكم والتشهير بكم بالباطل، ورفع القضايا عليكم لأخذ أموالكم ومعاملتكم بهذه الطريقة القاسية كل ذلك حرام لا يجوز، وهو يتنافي مع ما أمر به الشرع الوالدين من القيام على الأولاد بما يعود عليهم بالنفع في معاشهم ومعادهم.
وأما ما ذكرت من البخل بماله على بناته فهذا فيه تفصيل، فإن كان هذا مع بناته اللاتي لم يتزوجن وليس لهن مال، فإن فعله هذا لا يجوز إذ من الواجب عليه أن ينفق عليهن حينئذ بالمعروف، وقد سبق بيان ماهية النفقة الواجبة على الأب في الفتوى رقم: 113285.
أما من تزوجت منهن فإن نفقتها وأولادها إنما تجب على الزوج ولا يطالب بها الأب.
ولكن مع هذا كله فلا يجوز لكنّ أن تعاملنه بمثل معاملته، ولا أن تفرطن في حقه، فحقه عليكن عظيم وقد قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي وصححه الألباني، وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
ولا يجوز لك أن تطيعي أمك فيما تأمرك به من قطيعته وهجرانه، ويمكنك أن تداريها وتكتمي عنها سؤالك عنه وبرك به. فإن علمت فأعلميها بأن الله جعل له من الحقوق ما لا يسعك تجاهلها أو تضييعها، فإن خفت غضبها فيمكنك أن تستعملي من التورية والمعاريض ما تفهم منه أنك على ما تطلب منك من هجره وقطيعته.
ويراجع في ذلك الفتاوى رقم: 18584 , 38342 , 21247.
ولا تتعين الزيارة أو المخالطة طريقا للصلة بل يمكنك إذا كنت تخشين أذاه أو ضرره أن تقتصري على السؤال عنه بنحو الهاتف.
أما ما يطلبه منكن من مال عن طريق المحاكم أو غيرها مع غناه فإنه لا يجوز ولا يجب عليكن أن تبذلنه له، ولا يحل له أن يأخذه إلا بطيب نفس منكن.
وأما بخصوص هذا البيت الذي كتبه أبوكم باسم والدتكم فينظر في حاله، فإن كانت الأم قد أحرزته بحيث تتصرف فيه تصرف الملاك، فإنه قد صار ملكا لها، ولا يجوز لأبيكم أن يرجع في هبته هذه للنهي الوارد عن ذلك. وتنازلها عنه لبناتها تصرف صحيح صدر من أهله في محله، فإن قبضنه فقد صار ملكا لهن، وإلا فهو باق على ملك الأم.
أما إذا لم يحدث قبض للبيت من جهة الأم، وإنما كان الأمر كله مجرد كتابة في الأوراق الرسمية، فإن هذه الهبة لا تلزم، وعليه فيجوز لأبيكن أن يرجع فيها. وتمليك الأم هذا البيت لكنّ والحالة هذه غير صحيح لأنها قد وهبت ما لم تملكه بعد.
أما بخصوص الأموال التي وهبها لكنّ الأب ووضعها في البنك باسمكن فهي هبة نافذة، ولكن يجوز له الرجوع فيها لما تقرر من جواز رجوع الوالد فيما يهبه لولده، ويستثنى من ذلك بعض الحالات التي لا يجوز للأب أن يرجع في هبته لابنه سبق بيانها في الفتاوى رقم: 118716 , 6797 , ومن هذه الحالات ما إذا كان الابن قد دخل بسبب هذه الهبة في تعامل سواء عامل على أساسها أو عومل من الناس على أساسها، وكذا إذا تغيرت الهبة في يده فأحدث فيها زيادة مثلا.
وعليه، فإنه لا يحق له الرجوع في حق بناته اللاتي تزوجن إذا كان الأزواج قد تقدمن لهن وفي اعتبارهم ملكهن لهذا المال، لأن مال المرأة مما يرغب الأزواج فيها، ويجعل للرجل غرضا في التزوج منها، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة على إحدى خصال لجمالها ومالها وخلقها ودينها، فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني.
فأخبر أن المال مما يرغب الرجل في المرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(8/1071)
الاجتهاد في بر الأب في حياته وبعد مماته
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والد زوجي فجأة بعد عودته من سفره بشهر ونصف، وأثناءها كان زوجي يزوره كل يوم بعد عمله ساعة أو اثنتين لمواعيد عمل زوجي المتأخرة، ولكن في يومي الإجازة كان لا ينزل من المنزل، لأننا نسكن في الدور الـ 12 ولا يوجد مصعد، فكان يرتاح فيهم في البيت، وكان يحدثه في الهاتف. والدة زوجي وأخته تقولان إنه لم يكن راضيا عنه قبل وفاته، لأنه كان لا يزوره وتعايرانه بذلك مع أن زوجي يحب والديه جدا، ويحاول ألا يغضبهما أبدا، ولا حتى بكلمة، ولذلك هو حزين ومتخوف من غضب الله، فهل هو كان مقصرا في حق والده أمام الله، وعليه ذنب وكيف يكفره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنّ برّ الوالدين من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقهما، من أعظم الذنوب ومن أهم أسباب سخط الله.
أما عن سؤالك، فما ذكرت عن زوجك ليس فيه ما يدل على تقصيره في حقّ والده، بل الظاهر من ذلك أنّه كان حريصاً على برّه، وعلى ذلك فلا يضرّه ما يقال عن تقصيره في حقّ والده، وعلى فرض أنّه قصّر في بعض الأمور فإنّ ذلك مظنة العفو من الله، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء: 25}
قال القرطبي: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا قال الله تعالى: إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة وقوله: فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. الجامع لأحكام القرآن.
كما أنّ الإنسان يمكنه أن يستدرك ما فاته من برّ والديه بعد موتهما، وذلك بالدعاء لهما والصدقة عنهما وصلة الرحم وإكرام أصدقائهما.
وينبغي لزوجك أن يجتهد في برّ أمّه، فإنّها أحقّ الناس بحسن صحبته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ. متفق عليه.
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 120058.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(8/1072)
إساءة الأب لا تبيح لولده التقصير في بره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين فى تعاملي مع والدي بالكلمة، أقصد الكلمة ولا أعقه فى أي أمر إن طلبه مني، وهذا بسبب أنه رفع صوته علي أمام أصهاري، وبعد ذلك فسخت الخطوبة. وهل يجوز أن أتقدم للفتاة لوحدي أو لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله، ومن أقرب السبل الموصلة إلى رضاه، كما نهى عن عقوقهما وجعله من أكبر الكبائر ومن أهم أسباب سخط الله.
أما عن سؤالك، فمهما كان من حال والدك أو إساءته إليك فإن ذلك لا يبيح لك عقوقه والتقصير في بره والإساءة إليه، ولا يجوز لك أن تخاطبه نداً لند وترد عليه الكلمة بالكلمة، فقد أمرنا الله بمخاطبة الوالدين بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، قال تعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. {الإسراء:24} .
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: وقل لهما قولاً كريماً. أي لينا لطيفاً مثل: يا أبتاه ويا أماه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء وقال بن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولاً كريماً ما هذا القول الكريم، قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. الجامع لأحكام القرآن.
وقال أيضاً: فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله وسكناته ونظره، ولا يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب. الجامع لأحكام القرآن.
أما عن حكم تقدمك لخطبة فتاة وحدك دون أبيك فهو جائز، لكن ينبغي تجنب الأمور التي تسخطه مثل الإقدام على الخطبة بدون علمه إلا إذا علمت أنه سوف يمنعك من الزواج بدون مسوغ، أو يؤذيك إن علم بخطبتك.
وعلى كل حال، عليك بالاجتهاد في بره والإحسان إليه، والتفاهم معه وإقناعه بالرفق بزواجك بمن تريد حتى يكون معك عند التقدم للخطبة، فهذا بلا شك أولى، فالحرص على توقير والدك وإرضائه في المعروف سبيل فلاح في الدنيا والآخرة، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(8/1073)
أحوال نفقة الابن على أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة، وأعيش مع زوجي في مدينة أخرى، أنا لا أعمل، وزوجي والده متوفى، وهو أكبر إخوته، أنا وزوجي مازلنا نبني حياتنا، لكن حماتي تطلب من زوجي أحيانا أن يشتري لها ذهبا، وأنا أرفض ذلك، لكن زوجي يقول لي إن هذا بر بها، وأنا لا أرى ضرورة لشراء الذهب ليكون بارا بها. فما رأي الشرع في هذا الأمر؟ وما هي حدود إنفاق زوجي على والدته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابتداء نقول: إن حرص زوجك على بر والدته أمر يحمد له، وهو من أعظم القربات وأجل الأعمال الصالحات التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا، ولا ينبغي لزوجته ولا لغيرها محاولة منعه من ذلك إذا أراده.
أما بخصوص الإنفاق فإنه لا تجب نفقته على أمه إلا بشرطين:
الأول: أن تكون أمه فقيرة، فإن كانت غنية سواء بمالها أو بمال زوجها (لأن نفقتها واجبة على زوجها) فإنه لا يجب عليه الإنفاق عليها، ولكن يستحب له أن يهبها ما يطيب خاطرها، خصوصا إذا علم تعلق نفسها بشيء من هذا.
الثاني: أن يكون هذا المال زائدا عن حاجته وحاجة زوجته وأولاده. مع العلم بأن الأم في حال حاجتها للمال فإنه تجب نفقتها على جميع أولادها، ولا يتعين الابن الأكبر أو غيره لذلك.
أما حدود النفقة الواجبة لها فهو ما يدفع ضرورياتها وحاجياتها من طعام وشراب ومسكن - إن لم يكن لها سكن - وعلاج وكسوة. أما ما وراء ذلك من التحسينيات والكماليات فإنها غير واجبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(8/1074)
ربتها عمتها وحين تسأل عنها تنكر أمومتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف حكما عن الأم التي تنكر ابنتها أمام الناس، وتخبرهم بأن هي ابنة خالها التي أمها هي بدورها تبنتها من أخيها، وبعد ما توفيت أمها أجبرت على تربيتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ظهر لنا من السؤال أن هذه السيدة التي تنكر أمومتك إنما هي - على الحقيقة - عمتك وغاية الأمر أنها قامت على تربيتك، وعليه فلا حرج عليها فيما تصنعه من إخبارها بأنك لست ابنتها، بل هذا هو الصواب، وإنما الخطأ أن تخبر بأنك ابنة خالها، وهذا لا يجوز؛ لأنه مجاف للحقيقة ومخالف للواقع، إلا أن يكون هناك مصلحة معتبرة من إخبارها بمثل هذا فلا حرج عليها حينئذ، ويستحسن استعمال التورية والمعاريض في مثل هذه الأحوال.
مع التنبيه على أن هذه العمة التي قامت على تربية ابنة أخيها إن كانت قد أرضعتها خمس رضعات في الزمن المعتبر شرعا للرضاعة وهو الحولان الأولان فإنها تكون أمًا لابنة أخيها من الرضاعة وأولادها إخوة لها من الرضاعة، فيحرم عليها أن تتزوج بأحدهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(8/1075)
أبوه يسب الدين ولا يصلي ويمنعه من الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي يمنعني من الصلاة في المسجد حتى صلاة الجمعة، مع العلم بأنه يسب الدين والإسلام والصلاة، وطبعا لا يصلي. فماذا أفعل؟ وما حكمه؟ وماذا أفعل معه؟ عمري 19سنة وأنا طالب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن سب دين الإسلام أو شيء من شعائره وأركانه كفر أكبر والعياذ بالله تعالى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 116920.
والواجب عليك تجاه أبيك هذا أن تأمره بتقوى الله، وتعلمه بعظم ما يفعله، فإن استجاب لك، وإلا فليس عليك من أوزاره شيء، ما دمت كارهاً لفعله منكراً له، وعليك مع هذا أن تترك مجالسته في الأحوال التي يحصل منه استخفاف بشعائر الدين فيها.
أما ما يأمرك به من ترك الصلوات فلا تطعه في ذلك، بل خالف أمره وحافظ على الصلوات الخمس في جماعة في المسجد، فإن هذا فرض من الله على عباده، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعليك أن تصبر على إيذائه لك بسبب تمسكك بفرائض الله، فإن اشتد عليك أذاه ولم تطق صبراً، فيمكنك أن تترك له المنزل وتبحث عن سكن مستقل لك في مكان آخر، إن قدرت على ذلك، وإلا فلم يبق لك إلا الصبر عليه وعلى أذاه ومصاحبته بالمعروف مع كثرة الدعاء له أن يهديه الله للدين ويشرح صدره للإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(8/1076)
قطع الرحم هل يكون بترك الزيارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قطيعة الرحم تكون بالعداوة أو عدم الزيارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله بصلة الرحم ونهى عن قطعه، فعن جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قاطع. متفق عليه.
ولم يجعل الشرع لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو أوقاتاً محددة، وإنما ذلك يرجع إلى العرف ويختلف باختلاف أحوال الناس، وانظر لذلك الفتوى رقم: 11494.
كما أن لصلة الرحم درجات متفاوتة، قال القاضي عياض:
وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلاً. عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
ولا شك أن عداوة الرحم قطيعة له، أما ترك الزيارة فلا يكون بالضرورة قطيعة للرحم، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 75324 وما أحيل فيها من فتاوى.
مع التنبيه على أن العداوة أو ترك الزيارة إذا كان لسبب شرعي فليس من القطيعة المحرمة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 24833.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(8/1077)
هل يزار الأب مع كونه يسب الأولاد ويرفع السلاح عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي متزوج من اثنتين، وقد سجل كل ما يملكه باسم زوجته الثانية، وكنا بالرغم من ذلك نزوره، وهو يختلق المشاكل، ويقوم بالسب والشتم وهو لا يزورنا، وقد هجر الوالدة منذ عشرين عاما، وحاولنا الإصلاح من خلال إرسال أهل الخير له، ولكن دون فائدة حتى أنه قام برفع السلاح علينا وأمام أطفالنا الصغار، ويطالبنا بدفع فلوس له رغم أنه ليس بحاجة لها، وانما يضعها في حساب زوجته الثانية، ويقول إنه سجل كل ما يملك باسم زوجته حتى لا نحصل على شيء. فماذا نفعل هل ندفع له فلوسا؟ وهل نزوره رغم أنه يشتمنا أمام أبنائنا ويرفع علينا السلاح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعله أبوكم من كتابة أمواله لزوجته الثانية حتى يحرمكم منها حرام لا يجوز. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 71872.
علما بأن مجرد كتابة هذه الأملاك لزوجته لا يعد تمليكا لها؛ لأن الهبة لا تملك إلا بالحيازة والقبض على الراجح من أقوال أهل العلم.
وكذا ما يقوم به والدكم من سبكم وشتمكم ورفع السلاح عليكم كل هذا حرام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه. رواه مسلم وغيره.
قال النووي في شرحه على مسلم: فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه. وقوله صلى الله عليه وسلم: وإن كان أخاه لأبيه وأمه مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه، ومن لا يتهم، وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال؛ ولأنه قد يسبقه السلاح كما صرح به في الرواية الاخرى، ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام. انتهى.
وكذا ما يطلبه من أموالكم، وكذا مع عدم حاجته لها، ولكن ليضعها في حساب زوجته فهذا أيضا غير جائز، ويجوز لكم أن تمنعوه من ذلك، ولا يعد هذا من العقوق.
وما دام أبوكم على ما ذكرتم من إساءته لكم بالسباب وتهديدكم بالسلاح حال زيارتكم له، فإنه يجوز لكم أن تمتنعوا عن زيارته دفعا لضرره وأذاه، ويمكنكم أن تكتفوا بالسؤال عنه بالهاتف ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1430(8/1078)
اشغل نفسك ببر أبيك؛ لا بدعائه عليك
[السُّؤَالُ]
ـ[آذيت والدي كثيرا بتصرفاتي السيئة وبتركي للتعليم، فدعا علي وقال اذهب، إلهي لا تنفع لا دنيا ولا آخرة، ولكني الآن تبت واعتذرت له، ودخلت كلية ونجحت فيها، وطلبت منه أن يدعو لي بألا يقبل الله هذه الدعوة، فهل يمكن ذلك أم أنني هلكت؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنّ عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ومن أعظم أسباب سخط الله على العبد.
أمّا عن سؤالك، فمن فضل الله عليك أن منّ عليك بالتوبة من عقوق والدك، وهذه علامة على أنّ دعوة أبيك عليك لم تستجب بفضل الله وحلمه، فإن التوفيق للتوبة من دلائل رضا الله عن العبد، فأبشر بهذه التوبة، وأما معرفة ما إذا كانت تلك الدعوة قد قبلت أو لم تقبل، فإن ذلك من الغيب الذي لا يمكن الكلام فيه إلا بتوقيف من الشارع، ولا تشغل نفسك بهذه الدعوة، واشغل نفسك ببر أبيك والإحسان إليه والاجتهاد في الأعمال الصالحة، واطلب من أبيك أن يكثر من الدعاء لك بالخير، واعلم أنّ التوبة الصادقة من أي ذنب كان، إذا استكملت شروطها من الإقلاع والندم والعزم على عدم العود، فهي مقبولة بإذن الله، وهي بفضل الله تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني، بل إنّ الله تعالى يحبّ التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(8/1079)
طاعتك لوالدك في الإنفاق على تعليم أخيك فيها ثواب؛ وإن كانت لا تجب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل علي واجب في تدريس أخي في الجامعة وأنا مقتدر على ذلك؟ حيث إن والدي درسني ويطلب مني أن أدرس بقية إخوتي كما درسني هو. فهل هذا واجب عليه أم أصبح ملزما لي لأنه طلب مني ذلك؟ وهل آثم إذا امتنعت عن ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 59707. أن نفقات الجامعة لا تدخل في النفقة الواجبة على الأب فضلا عن الأخ. ومع عدم الوجوب فإن طاعتك لوالدك في النفقة الجامعية على أخيك إذا كنت قادرا من أبواب الخير العظيمة لما في ذلك من طاعة والديك، وصلة رحم أخيك.
فالذي ننصحك به أن تحاول طاعة والدك قدر إمكانك بما لا يعود بالضرر عليك، جاء في الفروق للقرافي: قيل لمالك: يا أبا عبد الله؛ لي والدة، وأخت، وزوجة فكلما رأت لي شيئا قالت: أعط هذا لأختك، فإن منعتها ذلك سبتني ودعت علي، قال له مالك: ما أرى أن تغايظها وتخلص منها -أي من سخطها- بما قدرت عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1430(8/1080)
أحوال دعاء الأم على ولدها في صغره وبعد بلوغه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في خلاف دائما مع أمي منذ سنين حتى اليوم, دائما تدعو علي بعدم الرضا وعدم التوفيق لا في الدنيا ولا في الآخرة، من الأدعية التي دعت بها علي ولن أنساها في طفولتي وفي رمضان وبالتحديد في ليلة القدر، وحينها كررت الدعاء تكراراً، بالنسبة لمحصلتي فشل في الدراسة وفي علاقاتي الاجتماعية، وأصبت بأمراض متعددة ولم أجد عملاً حتى الآن. فأرجو الافادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أيها السائل أن حق الأم عظيم بل هو أعظم حق على الرجل بعد حق الله سبحانه، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا. {الأحقاف:15} ، وفي الصحيحين أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟: قال أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
أما ما ذكرت من كونك في خلاف دائم مع أمك فلا ندري ماهية هذا الخلاف ومن صاحب الحق فيه، ولكن ما حدث منك من إساءة أو تقصير في حقها حال الصغر فلا تبعة عليك فيه، لأن زمان الطفولة والصبا ليس زمان تكليف ولا مؤاخذة فيه على المعصية، وما كا منها من دعاء عليك وقتئذ حرام لا يجوز وهو من قبيل العدوان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم. الحديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت.
ودعاؤها هذا لا يستجاب -إن شاء الله- لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
أما ما حدث بينكما من خلاف بعد بلوغ سن التكليف، فإن كنت أنت صاحب الحق وكانت أمك مخطئة فكان الواجب عليك أن تلتزم معاملتها بالعفو والصفح والتغاضي عنها والإحسان إليها.
أما إن كنت أنت الظالم فعليك بالتوبة إلى الله توبة صادقة نصوحاً، فإن عقوق الأم من أعظم الكبائر وأقبح الآثام، ثم اجتهد -بعد التوبة- أن تتحلل من أمك مما كان منك من إساءة وعقوق، وأن تسترضيها بكل طريق فإن لم ترض عنك فوسط بينك وبينها بعض من لهم وجاهة عندها من أرحامها أو أقاربها ليشفع لك عندها ويرضيها عنك.
وقد يكون فشلك في الدراسة أو في غيرها، وكذلك الأمراض التي أصبت بها سببه هو دعاؤها عليك لأنها مظلومة، وأيضاً والدة، فلذلك يجب استسماحها وطلب الرضى منها، ثم اطلب منها الدعاء لك فإن دعاء الوالد لولده مستجاب، قال صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده. رواه ابن ماجه وغيره وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1430(8/1081)
إخوانهن قاطعوهن مع حرصهن على صلتهم والإحسان إليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن عائلة مكونه من 4بنات و4أولاد،اثنان من إخواني الكبار قاموا بمقاطعتنا نحن البنات وعدم الحديث معنا ونحن في بيت واحد لا ندري ما السبب؟ امتدت لسنوات طويلة قرابة 20 سنة، وهذا أمر في منتهى الغرابة رغم محاولتنا للإصلاح معهم دون فائدة ومحاولة الوالدين كذلك، وتذكيرهم بخطورة ذلك, رغم محافظنهم على الصلاة والحج كل عام، والذهاب للعمرة في رمضان، ومظهرهم الخارجي الدال على الصلاح, ويعلم الله كم ندعو أن يعيد الله العلاقة بيننا، كل فترة نشتري لهم هدايا ويتم إعطاؤها من قبل الوالدين لهم لعلها تعتبر لنا صلة رحم، ويأخذونها إذا لم يذكر لهم أنها من البنات، أما إذا علموا ذلك يرجعونها في الحال، ونلبي جميع متطلباتهم المنزلية لكن دون الحديث معهم إنما الواسطة بيننا الوالدان، رغم أننا ولله الحمد أخوات صالحات ولا نزكي أنفسنا على الله، وكذلك قبل 5سنوات قاطعوا أخوين آخرين أصغر منهم، لا ندري ما السبب وماذا نعمل معهم؟ حتى سلامنا عليهم لا يردونه فكيف بالحديث معهم! وقد تعثروا في الحصول على وظائف رغم سعيهم المتكرر لذلك ويريد الوالد إقناعهم بأن القطيعة ربما تكون السبب لكن لا حياة لمن تنادي.
هل نأثم نحن البنات بهذه القطيعة التي أحدثها إخواني بيننا دون سبب - هداهم الله- رغم محاولاتنا للإصلاح وقد باءت بالفشل؟
ونخش أن يكون ذلك سببا في تأخرنا عن الزواج عقوبة من الله لنا، لكن يعلم الله أننا مازلنا نحاول معهم حتى ترجع علاقة أخوية طبيعية لكن ما باليد حيلة، لأنهم يرفضون ذلك.
وجهونا جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا إثم على الأخ إذا قاطعه أخوه من دون سبب وكان الأخ حريصا على الصلة والإهداء لأخيه القاطع، وبمواصلتكم للسعي في صلتهم والإحسان إليهم تنالون معية الله.
ففي حديث مسلم أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، فقال: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك.
وعليكم بالدعاء للإخوة، ويمكن أن تعملوا لهم الرقية الشرعية، وأما تأخر الزواج بالنسبة للبنات فعلاجه بالدعاء ومحاولة عرضهن على بعض الأكفاء من ناحية الدين والأخلاق، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 32981، 69805، 115209، 103007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1430(8/1082)
حرص الابن على تحسين علاقته بأمه وأبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ الكريم: أتمنى أن تكونوا مأجورين على عملكم الخيري هذا، وإن شاء الله من الفائزين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أنا شاب أقبل على العشرينيات من عمري، قاطن حاليا بألمانيا، مجيئي إليها كان قبل سنتين مضتا، وذلك عن طريق التجمع العائلي، كون أبي قاطنا بألمانيا منذ سنوات عدة.
المهم، لظروف قانونية وخشية أن أكمل السنة 18 في بلدي الأم، لأن ذلك يجعل دخولي لألمانيا أمرا صعبا، جاء بي أبي وترك الأهل حتى يلحقوا بي في أقرب وقت.
لكن قدر الله وما شاء فعل، عندما طلبنا التأشيرة للأهل تم رفضها؛ لأن قانون اللغة كان عائقا كبيرا حال دون التحاق الأهل بنا، لأن والدتي تاج رأسي أمية، فالحصول على شهادة للغة الألمانية بات أمرا صعب المنال. وخوفا على مرور الوقت على أختي، كان الحال أن أبي أدخلها. وبقيت نور عيني في البلد بأمل أن تلتحق بنا، ونحن نبذل كل ما في وسعنا الآن لكي يتم الأمر قريبا بحول الله. خلاصة الكلام، مشكلتي أنا والتي تكمن أني أجد صعوبة في التعامل مع أبي، شخصيته صعبة جدا ومستحيل التعامل معها، حتى أني لم أر لحد الآن شخصا مثله. فسرت هذا الوضع كوني عشت أكثر مما يزيد عن 17 سنة مع أعمامي وأجدادي و ... و ... فكان أبي يجيئ إلينا في العطلة الصيفية فقط. كنت مفتقدا له كما أن قلبي كان يرفرف عندما أسمع أنه يهاتف أو سيزورنا عما قريب بسبب البعد، تكون لدي إحساس عند الكبر وهو أني لا أستطيع أن أجالسه أو أحاكيه، وهو كذلك فكل شيء بيننا إما بطريقة غير مباشرة أو يزجرني عندما يحدثني، حتى ولو في أبسط الأمور أو أسئلة، وهذا الإحساس يتفاقم يوما بعد يوم. حتى أنه لما يكون في البيت لا أبرح غرفتي حتى يخرج. أنا لا أقول إنه يكرهني لا، حاشا لله، لكن البعد عن بعضنا ولد أحاسيس غريبة، أنا شاب حساس أكثر من القياس، ولا أتحمل منه هذه المعاملة، إضافة إلى ذلك لا يقيمني أبدا في البيت ولا يعبرني أمام أختي، يصغرني دائما ولا يتكل علي في أمر من الأمور، وزيادة على ذلك أضطر في بعض الأحيان أن أسأل الناس على المستجدات عند أبي، وضع لا يوصف ... وهذه الشهادات ليست مني فقط، بل من العائلة نفسها ومن أصدقائه المقربين ... أكاد أنفجر والله بالرغم أني ورب العزة لا أقدم على شيء يغضبه أويغضب خالقي، ومتدين أشد التدين، وأمير لفرقة إنشادية ومتفوق في دراستي، وأصلي بالناس من الحين إلى الآخر ... وهذا الذي يزعجني، الكل يشهد لي بالنباهة ويثنون علي لكن أبي الوحيد الذي لا يقيمني، وأحس أنه دائما يراقبني عندما أقبل على أي عمل في البيت، كأنه ينتظر أن أقدم على خطأ ليوبخني بكلام يقطع الأوصال. الذي يصبرني هو وصايا ربي جل شأنه بطاعته والإحسان إليه، فأريد من حضرتكم نفعي بما أنعم عليكم الله به من علمه. بشأن غياب أمي التي أصبرها دائما وأمنيها أنها بقدرة واحد أحد ستلتحق بنا عما قريب. وبشأن والدي الذي لا أستطيع تحمل معاملته لي وكأني غريب عنه؟ هذا، والصلاة والسلام على سيد الخلق، وعذرا على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من حال أبيك ليس أمامك من خيار سوى الصبر على أذاه، والمداومة على طاعته وبره والإحسان إليه، فهو باب مفتوح لك إلى الجنة فاحذر أن تضيعه، قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي، وصححه الألباني. وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
ثم حاول جاهدا بلطف وحكمة أن تقترب منه، وأن تتودد إليه، وأن تشاركه الرأي، وتستشيره في صغير أمورك وكبيرها، ولا بأس أن تهدي له بعض الهدايا، ولو كانت رمزية بسيطة، فكل هذا له أكبر الأثر في إزالة الحواجز النفسية وتأليف القلوب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. حسنه الألباني.
أما بخصوص أمك فداوم على اتصالك بها وطمأنتها وتسليتها، واحرص دائما على أن يبلغها منك ما يدخل عليها الفرح والسرور، وأعظم ذلك أن ترى علاقتك بأبيك طيبة لا تشوبها شائبة.
ويمكنك أن تراسل ركن الاستشارات بموقعنا فستجد عندهم ما يعينك على التعامل مع والدك.
وراجع في ذلك كله الفتاوى رقم: 102322، 114460، 51928. وراجع حكم الأناشيد الإسلامية في الفتاوى رقم: 2351، 71440، 61513، 4368. وراجع في حكم الإقامة ببلاد الكفار الفتوى رقم: 118628.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1430(8/1083)
هل يطاع الوالدان إذا أمرا الولد بترك السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تعارضت سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم مع أمر الوالدين في غير معصية. فأيهما نقدم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 76303 ضوابط طاعة الوالدين، ومن جملتها أن يكون لهما غرض صحيح من الأمر بترك المندوب والمباح أو الأمر بمقارفة المكروه. فإذا كان لوالديك غرض صحيح من منعك من هذه السنة، كحاجتهما إليك في معونة وخدمة ونحو ذلك فطاعتهما لازمة، وإن لم يكن لهما غرض صحيح فلا طاعة لهما لأن أمرهما نشأ عن هوى وصد عن خير لغير قصد معتبر.
كما سبق التنبيه في الفتوى رقم: 102621 أن الوالدين لو أطيعا في ترك السنن بصفة مستمرة حيث لا غرض صحيحاً لهما في الأمر بالترك، وكذا في ترك الواجبات لتبدلت شريعة الله وصارت شريعة الآباء، ولضاعت شعائر الدين لا سيما في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل، وصار فيه كثير من الآباء لجهلهم لا يهمهم إلا طاعة أولادهم لهم ولو كانت على حساب الشريعة.
ونحن لا نعني بذلك فتح الباب للولد في مخالفة الوالدين وعصيانهما، ولكن ننبه إلى أمر قد صار منتشراً ويخشى منه ضياع الشعائر الدينية بسببه، وإلا فإن مخالفة الوالدين فيما يأمران به من المعروف شأنها خطير، وانظر الفتوى رقم: 42717.
ثم لا يخفى أن الأولى أن يجمع الابن ما استطاع بين الحسنيين: الالتزام بالسنة، وحصول رضا الوالدين، وذلك بحسن عشرتهما وبذل الجهد في برهما وتعليمهما وإقناعهما وترغيبهما في الخير. وانظر الفتويين: 9210، 51300.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(8/1084)
موقف الولد من والديه إذا تبين أنهما سحراه هو وزوجته وأولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت مسحورا لفترة طويلة، وتعالجت بالقرآن على يد أحد المشايخ، وما زلت أعاني من السحر حيث إني عند الصلاة يهتز جسدي، وعند قراءة القرآن، وأشعر دائما بالضيق ولكني أتجه إلى الطاعة دائما كي أبرا منه، وعلمت بأن السحر كان من والدي ووالدتي لأنهم تعودوا الذهاب إلى من يعملون هذه الأشياء الهدف منه هو إبقائي تحت السيطرة لأنني تزوجت، وليس معنى هذا أني تركتهم لكن الشيطان لعب بهم وجعلهم يعتقدون أنه يجب أن أكون هكذا حتى يتم السيطرة علي تماما, لقد سحر أيضا زوجتي وأولادي. ماذا علي أن أفعل؟ أنا أعلم أن السحر شرك بالله، فهل علي أن أبر والدي وأودهم وهم على هذا الحال، علما بأني واجهتهم مرة وصارت مشكلة كبيرة أرجو أن تنصحوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك من كل داء يؤذيك، ومن شر كل نفس وعين كل حاسد الله يشفيك، وأن يشفي كذلك زوجتك وأولادك. ونوصيك بكثرة الالتجاء إلى الله تعالى ودعائه فهو الشافي، قال تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ. {الأنعام:17} .
وعليك أيضا بالاستمرار في الرقية الشرعية لك ولزوجتك وأولادك والمحافظة على الأذكار، وخاصة أذكار الصباح والمساء، فالذكر حصن من الشيطان وكيده.
وأما اتهامك لوالديك بأنهما السبب في هذا السحر فلا يجوز ما لم تكن هنالك بينة، ولو فرضنا أنه قد ثبت أنهما فعلا ذلك فمن حقك مناصحتهما ولكن يجب أن يكون ذلك بالمعروف، وأما رفع الصوت عليهما ونحو ذلك فهو عقوق تجب التوبة منه، كما أن إساءة الوالدين على الولد لا تسقط عنه وجوب برهما والإحسان إليهما، ألا ترى أن الله تعالى أبقى هذا الحق لهما حال كفرهما واجتهادهما في ثني الولد عن الإيمان فقال سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا. {لقمان:15} .
والواجب نصح هذين الوالدين إن ثبت أنهما يذهبان إلى السحرة، وقد سبق بيان حكم من يفعل ذلك بالفتوى رقم: 14231.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(8/1085)
اتهام البار بالعقوق لا يضر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم ردوا علي بسرعة، حماتي لا ينقصها شيء، نفقتها مقسومة على زوجي وأخيه بالتساوي، صحتها جيدة، تعيش في سكن مستقل، ترعاها بناتها بنفس البناية، تدخر المال والذهب من تلك النفقة، وعملت عمرة منها.
وأنا وزوجي صحتنا ليست جيدة، وأنا أعمل، ودخلي كاملا يصرف على البيت، وزوجي عمره خمسة وستون عاما، وأوشكت أنا أن أخرج على لمعاش، وحماتي دائمة التأنيب لزوجي والشكوى وإشعاره بالتقصير ومهاجمته مع أنه بار بها وبالجميع، وترغب بالعيش في بيتنا مع كل هذه الظروف، وأنا لا أستطيع العيش معها نظرا لظروفي الصحية، ولأنني أشعر بالضيق الشديد منها نتيجة تراكمات أفعالها شديدة القسوة معي ومع زوجي وأولادي على مدار 35 سنة، آخرها عندما أنجب ابني كل الناس هنئونا ماعدا هي، وأنا لا أسيء إليهم وأقوم بكل الواجبات تجاهم. هل زوجي عاق بأمه؟ وهل أترك البيت لأقيم ببيت مسنين حتى لا يكون زوجي عاقا لأمه، مع العلم أني لم أستبق عطاء لم أعطه لزوجي وأولادي. وهل علي وزر فأنا جربت كثيرا لا أستطيع أن تعيش معي وصحتي لا تسمح، فأنا مسنة أيضا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام زوجك قد بذل وسعه في صلة أمه وبرها والإحسان إليها والصبر عليها، وبذل النفقة لها عند الحاجة فهو بارّ بها إن شاء الله، حتى ولو اتهمته أمه بالعقوق، فإن ذلك لا يضره، فإن الله سبحانه بصير بعباده خبير بأعمالهم.
ولا يلزمك أن تسكني معها في بيت واحد، فإن المسكن المستقل حق من حقوق الزوجة، حتى ولو لم تتضرر من سكن أهل زوجها معها، كما بيناه في الفتويين رقم: 52604، 63866، خصوصا مع وجود مسكن لوالدة زوجك، ووجود من يقوم على شئونها ومصالحها من أولادها وبناتها، ولا يجب عليك أن تتركي بيتك لتسكنه أم زوجك إلا إذا وفر لك زوجك بيتا آخر.
مع التنبيه على أنه لا يلزمك شيء من نفقة البيت، فالنفقة كلها على الزوج إلا أن تتبرعي بشيء فلك فيه إن شاء الله أعظم الأجر والثواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1430(8/1086)
حكم هجر زوجة الأخ التي تتعامل بالسحر اتقاء لشرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة والحمد لله؛ أنعم الله علي بطفل ذي 9 أشهر.
المهم مشكلتي تتلخص في كون هناك قطعا لصلة الرحم بيننا وبين أخي زوجي وأبنائه وزوجته؛ لأن هذه الأخيرة تحاول دائما اختلاق المشاكل من لا شيء؛ معي ومع زوجي؛ والله يعلم أني لا أسعى إلى تخريب العلاقة بين الإخوة؛ فطلبت من زوجي أن يذهب ليزور أخاه رغم المشاكل؛ وأنا أريد أن أذهب معه لإصلاح العلاقة رغم علمنا مسبقا أنه سيكون الرفض.
المهم أن هذه المرأة معروفة في وسط عائلة زوجي بالسحر، وأنا أخاف علينا وبالأخص طفلي؛ ولكن لا نريد ارتكاب ذنب قطع الرحم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها السائلة أنه لا يجوز اتهام المسلم ونسبته إلى فعل الفسوق والكبائر دون بينة أو دليل، فإن كنتم قد تيقنتم أن هذه المرأة على ما ذكرت من الإيذاء بالسحر ونحوه، وخشيتم شرها إن أنتم تواصلتم معها فلا حرج عليكم إن أنتم اجتنبتموها اتقاء شرها وفرارا من ضررها، ولا يعد هذا من الهجر المذموم، فقد قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى
ولكن على زوجك أن يصل أخاه، وعلى أبنائك – مستقبلا - أن يصلوا عمهم دون احتكاك بهذه المرأة، فإن الأخ والعم من الأرحام التي يجب صلتها، ويمكنهم أن يقتصروا على السؤال عنه بالهاتف ونحو ذلك، فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
قال القاضي عياض: وصلة الأرحام درجات، بعضها أفضل من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لم يسم واصلا. انتهى
مع التنبيه على أن أخا زوجك أجنبي عنك يلزمك الاحتجاب منه، وهو وزوجته وأولاده ليسوا من أرحامك الذين تجب عليك صلتهم، ولكن ينبغي مراعاة أن لهم حق عموم المسلمين، وحق قرابتهم لزوجك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(8/1087)
حكم هجر الأخت وأولادها لسوء سلوكهم وارتكاب الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا أخت شقيقة متزوجة من رجل لأكثر من 35 عاما، وزوجها هذا يؤمن بالسحر والشركيات أكثر مما يؤمن بالله، ولا يصلي، وكنا قد اكتشفنا أنه طوال سنوات طويلة ينشر الأكاذيب والشائعات ويطعن في شرف بنات العائلة حتى انتشر هذا الكلام انتشار النار في الهشيم، وعرفنا هذا الكلام من خلال الأشخاص الذين سمعوا منه مباشرة، وعند مواجهته بهولاء الناس اعترف بما قال، ولكن للأسف اكتشفنا أيضا أن أختنا متورطة بشكل كبير في تلطيخ سمعة وشرف بناتنا من خلال تلكم الافتراءات. بعد تلكم الحادثة أصبحنا نخاف على بقية أخواتنا وبناتنا من شر أختنا وزوجها للأسف الشديد، وبالرغم من محاولتنا لعدم مقاطعتها إلا أن أبناءها وزوجها قاطعونا بعد أن اكتشفنا سوء سلوك أبيهم وأصبحوا لا يردون على اتصالاتنا ولا يزوروننا ولا يفتحون أبواب بيتهم عند زيارتهم. سؤالي هو: الأول: هل يجوز مقاطعتهم علما بأنهم مازالوا على ضلالهم في نشر الأكاذيب وتلطيخ سمعة نساء شريفات عفيفات محصنات؟ وأيضا بسبب صعوبة التواصل مع هذا الرجل خصوصا بعد أن حاول مرة التعدي على والدتنا وهي امراة عجوز مقعدة كبيرة بالسن لم تفعل له شيئا، وأيضا مع سوء سلوك أبنائه مع جدتهم وخالاتهم وأخوالهم وبقية الأسرة.
وإن كان لا يجوز مقاطعتهم فما هو الحل علما بأننا حاولنا كل شيء ولم يبق إلا أن يتركونا في حالنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما يفعله هذا الرجل من قذف المحصنات المؤمنات كبيرة من أكبر الكبائر، ومن عاونه في ذلك أو شاركه أو رضي بفعله فهو شريك له في الإثم والعدوان.
وأما ما ذكرت من كونه يؤمن بالسحر فهذا يحتاج إلى تفصيل، فإن كنت تقصد أنه يؤمن بوجوده وتأثيره فهو على صواب في ذلك لأن السحر حق وله تأثير بإذن الله وقدره، أما إن كنت تقصد أنه يمارسه أو يلجأ إلى السحرة فلا شك أنه بذلك يكون قد وقع في كبيرة أخرى من كبائر الذنوب؛ لأن السحر محرم في كل حال، ولكنه في بعض الأحوال أشد حرمة وقبحا، فإنه تارة يكون كفرا، وتارة يكون مجرد كبيرة من الكبائر، وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 1653، الفرق بين الحالين.
وأما ما ذكرته من ارتكاب هذا الرجل للشركيات، فإن الحكم في ذلك يتوقف على طبيعة ما يفعله، لأن المعاصي الشركية تارة تكون كفرا صراحا وخروجا عن دين المسلمين، وتارة تكون من كبائر الذنوب، وتارة يعذر فيها بالجهل وتارة لا يعذر.
وعلى كل حال فإن الواجب عليكم هو أن تنصحوا لأختكم وزوجها وأولادها، وأن تذكروهم بالله، وأن تتلطفوا معهم في الموعظة والنصح، لعل الله أن يكتب لهم التوبة، فينجوا بذلك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
مع التنبيه على أن السحر والأمور الشركية إذا وصلت إلى حد الكفر بالله وأصر فاعلها عليها بعد تعريفه وإقامة الحجة عليه، فإنه تنفسخ عقدة النكاح بينه وبين زوجته على خلاف بين أهل العلم هل تتعجل الفرقة أو تتوقف على انقضاء العدة. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 111588.
فإن أديتم ما عليكم من النصح والتذكير ولم تجدوا منهم اتعاظا ولا استجابة، فلا حرج عليكم في هجرهم لأن هجر العصاة المصرين على المعصية المداومين عليها من شعب الإيمان، وقد وقع الخلاف بين العلماء هل هو واجب أو مستحب، وقد بينا ذلك بالتفصيل والدليل وذكر أقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 119581.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(8/1088)
داومي على بر أمك مع ترك إخبارها بمشاكلك
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي مع العائلة: الوالدان منفصلان وأعيش مع أختي وأمي، والوالدة من النوع الذي يحب أن يجلب المشاكل.. حيث وجدت أن أي شيء أحدثها به تذهب وتعلم كل الناس.. وتظهرني بطريقة غير محببة لهم.. لكي تبعدهم عني لسبب ما لا أعرفه.. بين الأهل وأصدقائها وعندما أشتكي إليها عن أي مشكلة في حياتي تقوم بالضحك.. هذا الذي لا أفهمه إنها تحب أن تراني في ضعفي وتحب تقلل من شأني.. على العلم بأن والدتها "جدتي" كانت من نفس النوع، بل أشد معها، ومن النوع الذي يدعو على أبنائه بسبب أو من غير سبب، وكانت تظهر بها أمامي في شبابها..
فأنا لا أعلم هل هذا نوع من التفريغ.. صادف أن حصلت لي مشكلة اليوم أعلمت كل زملائها في العمل.. واتصلت بأصحابها وأعلمتهم بها.. وأنا أعلمتها بسرية المشكلة.. فإنني أفكر أن أبتعد عنها وأصدها عن حياتي.. ففي السنة الماضية عملت بذلك، وارتاحت نفسي، وهدأت أموري منها ومن مشاكلها.. فأنا أدخلتها في حياتي خوفا من غضب الله.. والله إني إذا قربت منها تجعلني أبكي كل يوم من أفعالها. فأنا في حيرة ماذا أعمل؟ وجزاكم الله خيرا على استنفادنا لوقتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بر الأم من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقها من أعظم الذنوب، ومن أهم أسباب سخط الله.
أما عن سؤالك فإذا كانت أمك بهذه الصفات التي ذكرت فأخلاقها غير سوية، لكن ذلك لا يبيح لك قطيعتها أو الإساءة إليها والتقصير في برها، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} .
فالذي نوصيك به هو المداومة على برها والإحسان إليها، مع ترك إخبارها بالأمور التي يخشى أن تنشرها أو يترتب عليها تشاحن بينكما، وعليك نصحها برفق ورحمة والدعاء لها بالهداية.. وإذا لم يكن في ابتعادك عنها قطيعة لها، ولم تخشي في ذلك فتنة فلا مانع منه، مع التقرب إليها والإحسان إليها باستمرار.
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 106090، والفتوى رقم: 38247.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1430(8/1089)
هل ترك الدعاء للوالدين يضيق الرزق على الولد
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ترك الدعاء للوالدين يقطع الرزق. ما مدى صحة هذا الحديث
إذا كان حديثا؟
مع شكري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على حديث صحيح بهذا اللفظ، لكن روى ابن الجوزي في الموضوعات في باب: انقطاع الرزق بقطع الدعاء للوالدين، من طريق أبي عبد الله الحاكم: أنبأنا أبو جعفر محمد بن سعيد، حدثنا العباس بن حمزة، حدثنا أحمد بن خالد الشيباني، حدثنا الحسن بن محمد البري، حدثنا يزيد بن عتبة بن المغيرة النوفلي، حدثنا الحسن البصري، سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ترك العبد الدعاء للوالدين فإنه ينقطع على الولد الرزق في الدنيا.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به الجويباري وهو أحمد بن خالد، نسبوه إلى جده لأنه أحمد بن عبد الله بن خالد، وإنما قصدوا التدليس وهو محرم. اهـ.
وذكر هذا الحديث جماعة ممن صنفوا في الموضوعات، منهم السيوطي في اللآلئ المصنوعة. وابن عراق في تنزيه الشريعة، والشوكاني في الفوائد المجموعة. وفي كتاب غذاء الألباب للسفاريني:
ذكر عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أن ترك الدعاء للوالدين يضيق العيش على الولد. اهـ.
وذكر نحوه الخادمي في بريقة محمودية، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 36909.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1430(8/1090)
عدم مسامحة القريب المسيء هل يعتبر من قطع الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[لوجود خلاف مادي نحو أحد الأرحام لم يتمكن من حله، وتم إغلاق الخلاف بالاحتكام إلى الله عز وجل يوم القيامة.
هل عدم سلامة الصدر وعدم المسامحة يعتبر قطيعة رحم، مع العلم بأن هناك سلاما متبادلا وزيارات في بعض المناسبات؟
هل أكون آثما أو قاطع رحم إذا لم أسامح؟
وهل أقل أحوال صلة الرحم وهو ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بروا أرحامكم ولو بسلام" رواه البزار/السلسلة الصحيحة؟ وكيف يفسر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدم مسامحتك لقريبك الذي لك عليه حق مادي، لا يعد قطعاً للرحم، لأن الشرع أعطاك ذلك الحق، ولم يوجب عليك التنازل عنه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وننبه السائل أن الحديث الذي ذكره السائل في سؤاله هو ((بلوا أرحامكم)) وليس: بروا.
ومعنى بلوا أي ندوها بصلتها. وراجع الفتوى رقم: 8744.
لكن اعلم أنّ العفو عن المسيء قد رغبّ فيه الشرع ووعد عليه بالأجر الكبير والخير الكثير، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22} ، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله {الشورى:40} ، ويتأكد ذلك إذا كان هذا مع الأقارب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم. تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار
واعلم أن في العفو خيراً لك، وأنه يزيدك عزاً وكرامة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:.. وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا. كما أن العفو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم {النور:22} .
واعلم أنّ صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 18400، والفتوى رقم: 27841.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1430(8/1091)
نصح الأب لكي لا يتعامل بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل كل شيء أنا أعرف أن الفوائد حرام، ومستريح قلبا وعقلا حتى لو حللها البعض في الأمة ولا أرغب فيها، ولكن أرجو منكم التوجيه والنصيحة:
أنا والدي يبلغ من العمر الآن 59 عاما وللأسف عمله كله بدني، وعمله بدولة خليجية والآن هو متعب من العمل، وهو رئيس للعمال وهو فني طباعة، ولم يعمل قط بالتجارة ولا يعلم غير هذا المجال: الطباعة، وللأسف أنا وأخي الكبير لا نملك ما نستطيع أن نساعده به فنحن شباب في بداية حياتنا، وقد أفنى حياته من أجلنا وهو الآن يريد أن ينزل من الخارج حيث لا يستطيع أن يقوم بالمجهود البدني، ولكنه في نفس الوقت يبحث عن عمل في نفس المجال عسى أن يوفق، ولكن حتى الآن أخشى أن لا يجد، وهو كانت لديه قطعة أرض باعها وأخشى عندما ينزل أن لا يجد ملجأ غير البنوك. أسألك بالله كيف أبعده عن هذا الطريق وللعلم أبى لم يطعمنا يوما من حرام، فقد كد من أجلنا، وكما أعلم أنه لا يريد أن يتاجر بهذا المال، وأنا أظنه يريده لأجلنا لي ولأخي ولكنه لا يملك غيره حاليا. أفيدوني كيف أعين أبى وأرشده حتى لا يضله أحد، وجعله يبتعد عن هذا الطريق إني أكره بعد هذا العمر الذي أفناه بالعمل بالحلال أن يأخذ من حرام وسخط الله علينا. انصحني ماذا أعمل مع أبى حتى يعيش هو وأمي من الحلال؟ وأنا مازلت شابا أبلغ من العمر 27 عاما وللأسف لا أعمل حتى الآن وأخي الكبير يعمل بالمملكة العربية السعودية وراتبه بالكاد يكفيه. أرجو أن توجهني كيف أتعامل مع هذا الأمر الكبير؟ أرجو أن أكون صادقا معكم. ادعو لي برضا الله وأن يقبلني مع الصادقين ويرزقني الهمة والقوة على الإيمان فإن نفسي والشيطان أشداء علي. أرجوكم أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا من سؤالك أيها السائل ما إذا كان والدك يتعامل بالربا فعلا، أم إن ذلك لم يكن ولكنك تخشى أن يستدرجه الشيطان إليه مستقبلا.
فإن كان قد وقع فعلا في التعامل بالربا فالواجب عليك هو أن تنصحه، وأن تبين له أن الربا من كبائر الذنوب، وأن آكله ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الفوائد الربوية لا يجوز الانتفاع بها, بل على العبد بعد التوبة إلى الله سبحانه أن يأخذ رأس ماله فقط، وأن يتخلص مما كسب من فوائد بصرفها في مصالح المسلمين العامة أو يبذلها للفقراء, وقد بينا هذا كله في الفتوى رقم: 115111.
أما إذا كنت تخشى عليه من سلوك هذا الطريق مستقبلا, فعليك حينئذ بالدعاء له بالهداية والتوفيق والقناعة, وأن تعلمه أنه – جزاه الله عنكم خير الجزاء – قد بذل ما عليه من تربيتكم والإنفاق عليكم من الكسب الطيب الحلال حتى بلغتم مبلغ الرجال وصرتم مطالبين باكتساب الرزق لأنفسكم، وأنه لا يلزم بالإنفاق عليكم الآن لا في قليل ولا في كثير خصوصا مع فقره وحاجته, فإن أصر على ذلك فانصحه وبين له قبح جريمة الربا وعظم جرمها، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام الآتية: 103806 , 97438 , 74359.
وبينا في الفتاوى ذوات الأرقام الآتية: 38599 , 79946 , 60779. كيفية التعامل مع الأب الذي يأكل الربا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(8/1092)
معاملة الوالد بالعفو والسماحة.. طرق وآداب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفه حكم الدين إذا عامل الابن والده بمثل ما كان يعامله في التنشئة، بمعنى أن الأب يشدد على ابنه في المعاملة وإذا احتاج الابن مبلغا على سبيل السلف وسيرده له لم يوافق الأب ولم يعطه ما يريد، وعندما كبر الابن تعلم هذه الصفات وعامل والده بالمثل في الشدة، وعندما يحتاج الأب من ابنه مبلغا لأنه في حاجة إلى هذا المبلغ يرفض الابن إعطاءه رغم أنه يملك هذا المبلغ. ما حكم الدين في ذلك؟ وكيف يتعلم الابن التعامل الحسن مع والده وأن يعطي والده ما يريد من المال ووالده لم يعلمه ذلك؟ كيف يتعلم الصفات الحسنة وفى تنشئته لم يعامل بها؟ وهل سيحاسب الأب على هذا التعامل مع ابنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للابن أن يعامل أباه بهذه الطريقة المذكورة, بل واجب عليه محتم أن يعامل أباه بالحسنى, وأن يصاحبه بالمعروف, وأن يبذل له كل حقوقه من البر والصلة والإكرام ولو أساء الأب, فإن حق الوالد على ولده عظيم وقد قال ر سو ل الله: لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه. رواه مسلم وغيره.
وأما بخصوص المال والنفقة، فإن الولد تلزمه نفقة أبيه الفقير في جميع ضرورياته وحاجاته من مطعم ومشرب ومسكن وزوجة طالما كان الابن موسرا, وهذا على سبيل اللزوم والحتم، ولا يلزم الوالد برد هذا المال حتى ولو أيسر بعد ذلك, وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم: 108495.
أما بخصوص ما يسأل عنه السائل من كيفية اكتساب الأخلاق الفاضلة ومعاملة ال والد با ل عفو والسماحة فنرشده في ذلك إلى ما يلي:
1- الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه فإن قلوب العباد بيد الله يقلبها كيف يشاء, وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
2- التحقق بمعرفة قدر الوالدين وحقهما وفضل البر بهما وأن الولد لو أنفق عمره في الإحسان إليهما وقضاء حوائجهما ما وفاهما بعض حقهما. وقد قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي , وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
3- مجاهدة النفس وحملها حملا على الأخلاق الحسنة وإن كرهت ذلك ونفرت منه في بادىء الأمر, فإنه إن استمر في المجاهدة لم تلبث نفسه أن تعتاد الأخلاق الحسنة فالنفس على ما يعودها صاحبها عليه, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه. رواه الدارقطني وحسنه الألباني.
وأما ما كان من الأب من تقصير في حق أولاده، وما بدر منه من تفريط في تربيتهم فإنه مسؤول عن ذلك أمام الله سبحانه, لأن الأولاد أمانة في أعناق آبائهم فمن أهملهم فقد خان الأمانة وضيعها, قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ. {النساء:11} .
قال السعدي رحمه الله: أي: أولادكم - يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. انتهى.
وقال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم.... الحديث رواه البخاري ومسلم.
ولقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم الراعي من تضييع رعيته، فقال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم
ولكن مهما حدث من الوالدين أو أحدهما من تقصير فإن هذا لا يسوغ للولد أن يقابله بمثله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1430(8/1093)
الهجر بين المسلمين شديد وبين الإخوان أشد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن آخذ رأيكم في شيء مهم جدا بالنسبة لي ولعدم توفر الوقت سوف أبدا في الموضوع:
لدي أخي الكبير وعمره 30 عاما وهو من قام بتربيتنا لأن الوالد في غربة ودارت الأيام وكان أخي الأصغر مني يبلغ من العمر حاليا 23 عاما بردود سيئة للغاية بمعنى أنه لا يحترم الأكبر منه ولا يوجد احترام معا أخي الأكبر ودائما المشاكل لأنه يرد على أخيه الأكبر ويخرج أوقات كلاما جارحا في حق أخيه الأكبر وكانوا دائما يتقاطعون ولا يكلم أحد منهم الآخر وكان أخي الأكبر يبدأ دائما بالمقاطعة معه ومع باقي الإخوان إذا بدر منهم شي لتلاشي المشاكل أي لا يتكلم مع أحد منهم ونحن بالبيت بنتان وأربعة ذكور مع الأخ الأكبر نتقاطع بالسنة والسنتين ولا يتكلم أحد مع الآخر؟ وذلك لأن الأخ الأكبر يقول أريد أن أريح رأسي من المشاكل لأنه لا يوجد احترام للأخ الأكبر ومن ناحية أخرى يقول الإخوة الباقون هو كذالك تبدر منه الأخطاء ويقاطع دائما لماذا يمتنع من الكلام دائما عند حدوث أي مشكلة؟ ونحن نقول لا تحق المقاطعة لأخيك المسلم فوق ثلاث أيام ودارت الأيام وقرر أخي السفر إلى الخارج المملكة العربية السعودية في يوم الخميس القادم هذا وما زال الاخوة لا يتكلمون مع الأخ الأكبر، حاولت أنا من يكتب الرسالة الصلح بينهم قبل سفر أخي الأكبر لأنه لا يدري الغيب إلا الله إذا قدر شيء أو حصل شيء يكون قد صفت النفوس من بعضها ولم يرد أحد فقررت أن اكتب الفتوى في النت وقال الاخوة جميعا لأنهم يتكلمون معي أنا الوحيد من يكتب الرسالة وما سوف تتم الفتوى من الموقع سوف يتم تنفيذه فأريد منكم جزاكم الله ألف خير أن تفتوا في حق مقاطعة الأخ لأخيه وكذلك عدم الاحترام الذي يبدر من الأخ الأصغر للأخ الأكبر وكذلك المقاطعة الدائمة من الأخ الأكبر لباقي الأسرة في هذا الشأن ليكون لهم دليلا ومع العلم أن الأخ الأصغر يحفظ القران وأما في أوقات في الجامع وكذلك الأخ الكبير فهو متدين وخريج جامعة ومتعلم، أسأل الله عز وجل أن يوفقكم ويحفظكم، وآسف على الإطالة، وأنا انتظر الرد بفارغ الصبر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى الله عن التدابر والهجران بين المسلمين، فعن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. رواه مسلم.
وكلما طال الهجر فالإثم أشد، فعن أبي خراش السلمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وإذا كان التدابر والهجران بين الإخوة والأخوات من النسب، كان ذلك أشد، فإن بينهم رحماً، وقد أمر الله بصلة الرحم ونهى عن قطعها، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.
وعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا، فليس منا. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
فإنه ينبغي لكل طرف أن يتسع صدره للآخر، ويتغاضى عن زلاته، ويتخير الكلمات الطيبة، والألفاظ الحسنة، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً {الإسراء:53} .
فعليك أن تنصحي أخاك وأختك بترك الهجران والتدابر، وأن يتعاملا بالخلق الحسن، ويتجنبا الجدال والتشاحن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(8/1094)
داء العقوق.. الأسباب والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أفيدونا في ابن عاق يسب أمه بأفظع السباب ويهددها بالقتل، وهو شخص عنيف سريع الهياج، ويعامل أخاه الأكبر بالعنف، إذا حاول التدخل يتطاول عليه بالضرب ينتج عنه الجروح بالرغم من مساعدة أخيه المتكررة له ماديا، فهذا العاق لا يعمل ويقول إن له الحق في أموال والده المريض، أدخله والده جامعة خاصة قبل مرضه بالرغم من أن الظروف المادية لا تسمح، وفشل في سنته الدراسية الأخيرة خمس سنوات متتالية بالرغم من أن هذه الجامعة تتقاضي في السنة الألوف، وبالرغم من تدخل المقربين لم يستطيعوا فعل شيء له، والأم تخشى عقاب الله إن لم تورثه، ولكنها تخشى أن يقتل أحد إخوته على هذا الإرث، ويأبى الذهاب لطبيب نفسي إذا أحد عرض عليه ذلك، وتخشى الأم أن تسلمه للسلطة لتطاوله الدائم عليها خشية من أن يؤثر على سمعة البقية. وأملا في أن يتحسن حاله قبل هذا التصرف، رغبت أن تبلغ الجيش عن تهربه ولكنهم قالوا إنها لا تستطيع ذلك لأنه ينتمي إلى الجامعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يفعله هذا الشخص من عقوق أمه وسبها وتهديدها، وكذا ما يقوم به من اعتداء على أخيه الأكبر- كل ذلك من كبائر الذنوب ولا شك، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 39230، والفتوى رقم: 11649.
وقوله: إن له حقاً في مال والده غير صحيح، لأن الولد إذا بلغ وكان قادراً على الكسب فلا تجب نفقته على والده على الراجح من أقوال أهل العلم، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 66857.
ولكن كونه عاقاً لا يسوغ حرمانه من ميراث أبيه؛ لأن الميراث حق قسمه الله في كتابه بين عباده، ولا يمنع منه إلا من تحقق فيه مانع من موانع الإرث المبينة في الفتوى رقم: 15912.. وقد بينا في الفتوى رقم: 25979 أن الابن العاق لا يجوز حرمانه من الميراث، علماً بأن المال لا يسمى ميراثاً إلا بعد موت المورث، ولا يحق لأحد غير مالكه التصرف فيه قبل ذلك.
والذي ننصحكم به في هذا المقام هو أن تحاولوا علاج الولد عند طبيب نفسي مسلم متدين، فقد يكون هناك أسباب مرضية أو اختلالات هرمونية وراء هذه الانفعالات الشديدة، وقد جربت الأدوية الكيميائية في علاج ذلك فكان لها أثر كبير بفضل الله وتوفيقه..
ثم الواجب على الوالدين أن يراجعا علاقتهما بالله سبحانه، وأن يعلما أن عقوق الولد من أعظم المصائب والبلايا، وأن البلايا غالباً ما تكون بسبب المعصية أو التفريط في حقوق الله جل وعلا، فالواجب حينئذ تجديد التوبة والرجوع إلى الله، يقول ابن الحاج رحمه الله في كتابه المدخل وهو يتحدث عن المعاصي التي يقع فيها الزوجان وما ينتج عنها من الآثار السيئة: لا جرم أن التوفيق بينهما قل أن يقع، وإن دامت الألفة بينهما فعلى دخن، وإن قدر بينهما مولود فالغالب عليه إن نشأ العقوق وارتكاب ما لا ينبغي، كل ذلك بسبب ترك مراعاة ما يجب من حق الله تعالى منهما معاً. انتهى.
مع الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه أن يهدي الله هذا الولد إلى سواء السبيل، وأن يأخذ بناصيته إلى طريق الحق والصواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1430(8/1095)
حكم قطع الأخت وزوجها لارتكابهما ذنبا كبيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أن أحد أقربائي يأتي زوجته من دبرها، ومنذ ذلك الحين وأنا مقاطع له، لهذه المسألة، مع العلم أنه متزوج من أحد أقارب الدرجة الأولى وهي أختي، وهذا امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. فهل هذا يعتبر قطيعة رحم مع أنه ترتب عليها قطيعة لأختي، لأنها رفضت تركه واللحاق بأهلها حتى يتوب الله عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه لا يجوز اتهام المسلم ورميه بارتكاب المعصية بغير بينة، فالأصل في المسلم السلامة، والواجب إحسان الظن بالمسلم، أما إذا كنت على بينة من وقوع هذا الرجل فيما ذكرت، فلا شك أن ذلك منكر كبير، وصح في السنة أن فاعل ذلك ملعون، وانظر الفتوى رقم: 50391.
ولا يجوز لزوجته طاعته في ذلك الفعل المحرم، وإذا رضيت بذلك فهي آثمة،
أما عن مقاطعتك لهذا القريب ولأختك بسبب ذلك، فإن قطع الرحم من الكبائر، إلا أن يكون القطع لمصلحة شرعية بأن يردهما ذلك إلى الحق ويمنعهما عن الحرام، أما إذا كان القطع لا يفيد في ذلك، فالأولى تركه، والمحافظة على الصلة مع مداومة النصح بالحكمة. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 53706.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(8/1096)
حكم ترك العمل الأنسب ليقيم في بلده مع أمه ليبرها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من بر الأم أن يترك ابنها عمله المناسب أكثر، والجميع يتمنون هذا المكان، لكي يكون في نفس البلد التي تعيش فيه أمه وأخته التي تبلغ العشرين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بر الأم من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقها من أعظم الذنوب ومن أهم أسباب سخط الله.
أما عن سؤالك فإذا كانت الأم بحاجة إلى وجود ابنها في البلد الذي تعيش فيه، فإنه يجب عليه ذلك، ما دام يجد في هذا البلد عملاً يكفي حاجته، أما إذا لم تكن الأم بحاجة إلى وجوده وكان يتضرر بترك عمله في البلد الآخر، فلا يجب عليه تركه، لكن على كل الأحوال فإن وجود الابن قريباً من أمه أعون له على برها ورعايتها، وما يفوته من العمل في البلد الآخر، لا يقارن بما يفوته من الخير بسبب بر أمه ورعايتها، ولا شك أن برها من أعظم أسباب البركة في الرزق والعمر.. وللفائدة انظري الفتوى رقم: 118406، والفتوى رقم: 112766.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1430(8/1097)
زوري أقاربك وإن آذوك وسخروا منك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أزال مرتدية للنقاب والحمد لله على هذه النعمة، لكن عندما ذهبت إلى جدتي وكنت مغطية وجهي وكان يوجد رجال غير محارم، بدأ خالي وجدتي يسخران منى. هل لو لم أذهب لهم مرة أخرى علي وزر لكن أنا بتصل بهم. أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزادك الله حرصاً على الستر والاحتشام، وثباتاً على طاعته واتباع شرعه.
أما عن سؤالك، ف قد أمرنا الشرع بصلة الرحم حتى لمن يقطعنا أو يسيء إلينا، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. صحيح مسلم. تسفهم الملّ: تطعمهم الرماد الحار.
والشرع لم يجعل لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو أوقاتاً محددة، وإنما ذلك يرجع إلى العرف ويختلف باختلاف أحوال الناس، وانظري الفتوى رقم: 11494.
وعلى ذلك، فإذا كان يلحقك ضرر بزيارة جدتك، فلا يلزمك زيارتها ويمكنك صلتها، بوسيلة أخرى كالاتصال بها والسؤال عنها، لكن الذي ننصحك به أن تداومي على زيارتها وبرها والإحسان إليها، ولا تلتفتي لسخريتهم، فعليك أن تعتزي بدينك وتستعلي بإيمانك، وتقابلي سخريتهم بصبر وحكمة وحسن خلق، مع بيان الحق لهم برفق وتواضع، والدعاء لهم بالهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1430(8/1098)
احرص على صلة زوجتك لأهلها بالقدر الذي لا تحصل فيه مفسدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أحب أهل زوجتي لبعض المواقف التي حدثت فترة الخطوبة، ولكن أعاملهم باحترام، ويوجد بعض الاختلاف في العادات مثل أنهم لا يهتمون بالنظافة، واختلاف في الفكر الديني كالانتماء لطريقة من طرق الصوفية المعتدلة، فلا أريد أن يذهب أبنائي بكثرة عندهم، فماذا أفعل حتى لا أكون سببا في قطع رحم زوجتي وأبنائي من جدهم ووالداها، وما هو الحد الأدنى للفترة بين كل زيارة وزيارة حتى لا أتحمل وزرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حسن عشرة الزوج لزوجته أن يعينها على بر والديها وصلة رحمها، وأن يحسن إلى أهلها، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من بر والديها وصلة أرحامها.
كما أن من واجب الزوج أن يحافظ على زوجته وأولاده من الفساد، ويمنع عنهم ما يضر بدينهم.
أما عن سؤالك، فينبغي لك أن تجمع بين الواجبين، فلا تمنع زوجتك وأولادك من زيارة أهلها، أو زيارتهم لكم، ما دام ذلك ممكناً دون الإضرار بدين زوجتك وأولادك.
واعلم أن الشرع لم يجعل لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو أوقاتاً محددة، وإنما ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس، وانظر الفتوى رقم: 11494.
فاحرص على تحقيق الصلة بينهم، على أن يكون ذلك بالقدر الذي لا تحصل فيه مفسدة.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 43014.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1430(8/1099)
حكم تقليل مدة زيارة الأم بسبب فساد خادمتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أرغب في الجلوس لمدة طويلة في منزل أمي، ولا آكل عندها بسبب وجود خادمة تغازل الرجال بالجوال، وجوالها بكاميرا، وأخاف على نفسي وبناتي، حيث إن لها علاقة بشباب سعوديين، وهي تهدد بالسحر لأمي وبناتها، وأمي لا تصدق الكلام وتغضب من أجلها وتقول إنها طيبة وأنتم تكذبون وتغضب علي. فما هو الحل وهل عملي هذا لا يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن صلة الأم أمر مؤكد شرعاً، فقد أمر الشرع ببرها وصلتها ولو كانت كافرة، قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15} ، وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله قدمت علي أمي وهي مشركة راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك.
وتكون هذه الصلة حسب الإمكان، قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16} ، فإذا كانت الزيارة لمدة طويلة يخشى معها الضرر فلا حرج في أن تكون الزيارة لمدة قصيرة، كما أنه لا بأس في الامتناع من الأكل إذا خشي أن يحصل منه ضرر، ولكن بدلاً من هذا يمكنك أن تحمل معك طعاماً تكرم به أمك وتطيب خاطرها بالأكل معها، وأما زيارة البنات لجدتهن فمن الممكن أن تكون بصحبتك أو بصحبة أمهن.
وبخصوص هذه الخادمة فإن ثبت لديك أنها تقوم بنوع من الفساد والإفساد، فحاول إقناع أمك بالتخلي عنها، فإن لم تقتنع الأم بذلك فحاول تهديد هذه الخادمة برفع أمرها إلى الجهات المسؤولة لعلها ترتدع عما تفعل، وقد سبق أن حذرنا من خطر استقدام الخادمات، وضرورة مراعاة ضوابط استقدامهن، وذلك في الفتوى رقم: 18210 فلتراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1430(8/1100)
حكم اتهام الأم ابنها ظلما وحرمانه من ميراثه
[السُّؤَالُ]
ـ[مكانة الأم في الشرع معروفة جدا ولو كانت ظالمة، ولكن ما حكم الشرع في الأم التى تتهم ابنها وتدعو عليه وهو مظلوم، وقد حرمته من الميراث، وطلبت منه أن يتنازل عن حقه الشرعى في المنزل الذي تركه أبي رحمه الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بر الأم من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقها، من أعظم الذنوب ومن أهم أسباب سخط الله، ومهما كان من ظلمها فإن ذلك لا يبيح قطيعتها، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14}
أما عن حكم هذه الأم التي تظلم ولدها وتدعو عليه بغير حق، فهي آثمة، ودعاؤها عليه غير مقبول، ما دام بغير حق، وأما طلبها منه أن يتنازل عن حقه من ميراث أبيه، فإن كانت محتاجة لذلك كما لو كانت لا تجد مسكناً غيره، فإنه يجب عليه أن يسكنها، ولا يلزم من ذلك أن يتنازل لها عن نصيبه، وإنما يكفي أن يوفر لها مسكناً مناسباً، لأن نفقة الأم الفقيرة تجب على ولدها، وأما إذا لم تكن الأم بحاجة إلى ذلك فلا يلزم الولد طاعتها في التنازل عن حقه، لكن عليه برها والإحسان إليها بكل ما يستطيع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(8/1101)
له أخت لأب متبرجة فماذا يصنع معها
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي لي أخت من الأب متبرجة بمباركة من الوالد، وأنا لا أحتمل هدا الوضع الساقط. فما حكمها؟ وهل يسمح لي الشرع بقتلها لأنها كالعسل يحط فوقها الذباب. وما حكم هدا الوالد لأني أصبحت لا استطيع حتى النظر في وجهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبرج كبيرة من كبائر الذنوب، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 66102.
ومع كونه من الكبائر فإنه لم ترد فيه عقوبة محددة من الشارع، وإنما فيه التعزير الذي يراه السلطان رادعا وزاجرا لأصحابه. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى المحال عليها آنفا.
وبذا يظهر أن قتل المتبرجة حرام لا يجوز، بل هو كبيرة أعظم من كبيرة التبرج نفسها، ومن قتل متبرجة لأجل تبرجها فإنه مجرم آثم، متعد لحدود الله وجزاؤه في شرع الله هو القتل قصاصا.
والواجب عليك – أيها السائل - في هذا الواقع هو أن تنصح لأختك وأن تعظها وتذكرها بأمر الله بالحجاب وبقبح التبرج والسفور، وأن تكرر النصيحة بلطف ولين فإن العنف والغلظة في النصيحة إنما يؤدي في الغالب إلى عكس المقصود من نفور المدعو وصده.
فإن استجابت لك، وإلا فعليك بأن تستعين عليها ببعض أرحامكم من أهل الدين والخلق الذين يقدرون على زجرها كأحد الأعمام أو الأجداد مثلا. فإن لم تنته فإنه يشرع لك أن تهجرها، وتمتنع من كلامها ومعاملتها زجرا لها عن فعلها.
وكذا فإنه يجوز لك أن تمنعها من الخروج إلى الشارع متبرجة، ولو بالقوة بشرط ألا يؤدي هذا إلى مفسدة أو فتنة عظيمة، فإن خفت حصول مثل هذه الفتنة كأن يؤدي هذا مثلا إلى صدام وخصام بينك وبين والديك أو بين أهل البيت عموما، فعليك حينئذ أن تكف، ثم فوض أمرك إلى الله جل وعلا أولا وآخرا.
أما والدكم فلا شك أنه مفرط مضيع لما استحفظه الله من أمانة، والواجب عليك هو أن تنصحه مذكرا إياه بأن أولاده رعية استرعاه الله إياها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم.
وننصحك بأن تقصد بعض أهل العلم والخير في بلدكم وتذكر له حال أبيك وتطلب منه أن ينصح له فلربما كان كلامه أحظى عند والدك من كلامك.
وننبهك إلى أنه لا يجوز لك مع كل هذا أن تسيء إلى والدك ولا أن تؤذيه بقول أو فعل فهذا كله من العقوق المحرم.
ثم الزم دائما باب الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه أن يصرف عنكم كيد الشيطان وأن يهديكم جميعا سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(8/1102)
تزوجت بلا إذن أبيها فأمر الجميع بهجرها حتى مات فهل يصلونها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من خمس عشرة سنة، حدثت مشكلة لأخت زوجتي من عشر سنين مضت، أي بعد زواجي بخمسة أعوام، والمشكلة أن أخت زوجتي تزوجت بغير رضا والدها وخرجت مع زوجها الحالي بدون إذن والدها، وأرغم أحد أعمامها اجتماعيا بعد أن خرج عليها كلام يمس عفتها علي تزوجها ذلك الرجل.
والمشكلة أن والدها رفضها رفضا كاملا، خاصة عندما وصله الكلام عن عفتها وغضب عليها ولم يقبل أي مصالحة من هذا الرجل، أو أفراد عائلته، ورفض دخولها منزله أو منازل أخواتها التي إحداهن زوجتي، أي دخول بيتي حتى توفاه الله منذ شهرين من الآن 2009، وبعد الوفاة قبلت الأم بنتها مع معارضة الإخوة الشديدة إلي درجة المشاجرة والعراك.
سؤالي: ما حكم الهجر في هذه الحالة؟ وماذا أفعل هل أستمر في عدم قبول هذه الأخت في بيتي وفاء لعمي. أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي قبل بيان الحكم الشرعي النظر أولا في ملابسات هذه الحادثة، وما الذي حمل هذه المرأة على الزواج دون رضا والدها، وكيف تم هذا الزواج.
فإن كان زواجها دون رضا والدها بسبب عضله لها ومنعها من الزواج بالكفؤ الذي تريده, فأصرت هي على الزواج به فلا حرج عليها فيما فعلت، سواء زوجها أبوها على غير رغبة منه, أو رفض تزويجها فلجأت إلى ولي آخر من أوليائها فزوجها أو زوجها القاضي, ففي كل هذه الصور لا يلحقها إثم, وإنما الإثم على من عضلها, ولا يجوز حينئذ هجرها ولا مقاطعتها، لأنها لم تزد على أن استوفت حقها الذي كفلته لها الشريعة الغراء فمن هجرها في هذه الحالة آثم.
أما إذا لم يكن هناك عضل من أبيها، وإنما هي التي تزوجت ابتداءا من هذا الرجل دون رضا أبيها، فلا شك أنها آثمة مرتكبة لكبائر الذنوب من العقوق والزواج بدون إذن وليها, وعقد الزواج يقع باطلا سواء تزوجت بدون ولي أصلا كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 114764. أو زوجها الولي الأبعد مع وجود أبيها، أو زوجها أجنبي كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 32427.
وحينئذ لا حرج عليكم أن تهجروها، بل يسن هجرها حينئذ أو يجب على خلاف بين العلماء سبق بيانه في الفتوى رقم: 119581.
ولا تتحقق توبتها من ذلك حتى تصحح هذا الوضع، وتجدد هذا الزواج فيعقد لها الولي الأولى بتزويجها بعد موت أبيها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 116364
ولمعرفة ترتيب الأولياء حسب أولوية أحقيتهم بتزويج المرأة تراجع الفتوى رقم: 22277.
فإن تابت وجددت عقد النكاح مستوفيا شروطه وأركانه فلا يجوز لكم حينئذ هجرها، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(8/1103)
تريد الزواج من رجل مصاب بالصرع وأبواها يرفضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أهلي يرفضون الشخص الذي تقدم للزواج مني؛ لأنه مصاب بمرض الصرع، وأنا موافقة عليه واحتمال كل المسؤولية، فماذا أفعل؟ أتمني له الشفاء العاجل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن ييسر لك رجلاً صالحاً، ويجعله قرة عين لك، ونسأله سبحانه أن يشفي هذا الرجل شفاء تاماً لا يغادر سقماً.. ولا يخفى عليك أن الشرع قد بين ما للوالدين من منزلة عظيمة، وأوجب على الولد برهما وطاعتهما في المعروف، وقد سبق ذكر هذا بأدلته في الفتوى رقم: 9726.
ومن المعلوم أيضاً أن الغالب على الوالدين الحرص على مصلحة أولادهما والشفقة عليهم، ولا سيما الإناث منهم، فالذي يظهر لنا أن اعتراض والديك على زواجك من هذا الرجل اعتراض في محله، فإن المرض المذكور من الأمراض الخطيرة، والتي قد تترتب عليها بعض العواقب غير الحميدة، مما قد ينكد على الزوجة حياتها الزوجية.
وعليه فالواجب عليك طاعة والديك، والإعراض عن أمر الزواج من هذا الرجل، وعسى الله تعالى أن يبدلك بسبب برك بوالديك زوجاً تتحقق لك معه الحياة السعيدة، قال الله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(8/1104)
استعمال الإنترنت لأمور الخير من الجوال بدون إذن الأب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أستعمل الإنترنت من الجوال مع عدم علم والدي بذلك ولو علم لرفض، وأنا لا أستخدمه إلا في ما أحل الله تعالى، وقد استفدت استفادة كبيرة منه، وإذا كان هذا لايجوز هل أخبره بأني قد استخدمته سابقا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطاعة الوالدين من أوجب الواجبات بعد طاعة الله عزوجل، ما لم يأمرا بمعصية، وقد بينا هذا بأدلته في الفتويين: 1549، 3109.
أما عن استعمال الإنترنت من الجوال فإن كان لوالدك مصلحة في منعك من هذا الاستعمال فلا يجوز لك مخالفة أمره، وكذا إن كان هو من يدفع المال مقابل هذا الاستخدام ولم يأذن لك في استعماله، فيجب عليك طاعته، وفي هذين الحالين لا بد من إخباره بأنك استعملته وطلب السماح منه.
أما إن لم يكن لوالدك مصلحة من ترك الاستعمال للإنترنت، ولم يكن في استعمالك ضرر عليه في مال أو نحوه، فيجوز لك استعماله دون علمه ما دمت تستعملينه في الخير وفي جلب المصالح الدينية أو الدنيوية.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مبينا الضابط فيما يجب طاعة الوالدين فيه: فضابط ما يجب: أن يأمراه بما فيه مصلحة لهما. أما لو أمرا بما لا مصلحة لهما فيه أولهما فيه المضرة فلا يجب، ولكن إذا عصاهما فيسلك معهما ما يحصل اطمئنانهما وتأنيسهما، وإذا لم تكن الطاعة واجبة، فهناك طاعة مندوبة: إذا طلبا ما ينفعهما وهو مباح.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية: أما ما يتعلق بطاعتهما في الأمور المباحة والعادية، وفي أمر التزويج والطلاق، فهذا يعود إلى تقدير المصالح والمضار والمقابلة بينها، فإذا أمر الوالدان ولدهما بشيء من ذلك منعا أو إيجابا، والمصلحة في مخالفتهما فلا حرج على الولد في ذلك، بلطف وحسن معاملة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: أنتم أعلم بأمور دنياكم. ولا يكون الولد عاقا بذلك، وإذا كانت المصلحة راجحة في طاعتهما في شيء من ذلك ففي طاعة الولد لهما الخير والبركة والبر والإحسان، والوالدان هما أولى الناس بنصح ولدهما والحرص على نفعه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(8/1105)
كون أختك ترفض الانفصال عن زوجها لا يبرر لك قطيعتها
[السُّؤَالُ]
ـ[قام زوج أختي بالنصب والاحتيال والاستيلاء على أموال الآخرين، وتم سجنه من فترة، فطالبت أختي أن تتركه وماله الحرام إلا أنها مصممة على انتظاره هي وأبناؤه رغم تأكدها من إدانته، فهل يجب علي ودها وزيارتها وإعطاؤها من الزكاة، علما بأنها تزوره في سجنه وتعطيه مالا وغذاء، وهو ما زال يرفض رد أموال الناس، ويعدها بالحياة المترفة بعد خروجه من سجنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلة الرحم من أعظم القربات، وأجل الأعمال الصالحات التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الأخت من الأرحام الذين يجب صلتهم ويحرم قطيعتهم، ولذا فإن الواجب عليك هو أن تصل أختك بما يتحقق به معنى الصلة من زيارة ونحوها، وكونها ترفض الطلاق من زوجها وتنتظر خروجه من السجن لا يسوغ لك ترك صلتها.
أما إعطاؤها من أموال الزكاة فينظر في ذلك فإن كانت مستغنية ولها ما يكفيها من المال سواء من نفقة زوجها أو غير ذلك، فلا يجوز لها حينئذ أن تأخذ من الزكاة لا منك ولا من غيرك، أما إذا كانت محتاجة للمال فلك أن تعطيها من الزكاة، بل هي أحق بزكاتك من غيرها من الأجانب؛ لأن الصدقة على القريب فيها أجران أجر الصدقة وأجر الصلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1430(8/1106)
هل يطيع والده ويؤجل ختان ولده ولا يحلق رأسه ويتصدق بوزنه فضة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يرفض أن أحلق لابني شعره في اليوم السابع لأتصدق بوزنه ورقاً من باب الإستحباب، لأسباب واهية، ولا يعتبر ذلك من قبيل السنة بل مجرد أشياء اخترعها المسلمون، وكذلك لا يريد أن أحلق له نهائياً، كما يرفض ختانه في اليوم السابع..! ربما كان ذلك خوفاً من السحر لأن ابني موجود عند أهل زوجتي، ولا يريد أن يستأثروا بكل الأفعال المستحبة في السنة، وعندما جادلته لأقنعه بأنها سنة مستحبة قال لي إنك لا تطيع والديك ولا تستشيرهم في شيء، فأنا الأن حائر ماذا أفعل خاصة أن والدي صعب مناقشته ولا يقتنع نهائياً؟ أرشدوني جزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحلق شعر المولود يوم السابع والتصدق بوزنه فضة من الأمور المستحبة عند جمهور الفقهاء، وقد ذكرنا هذا بأدلته في الفتوى رقم: 3182.
وأما ختانه يوم السابع فليس من السنن بل من الأمور الجائزة، قال ابن المنذر: ليس في باب الختان نهي يثبت، ولا لوقته حد يرجع إليه، ولا سنة تتبع، والأشياء على الإباحة، ولا يجوز حظر شيء منها إلا بحجة. انتهى.
ولم يثبت تحديد وقت للختان في السنة الصحيحة، وإنما استحب بعض العلماء ختانه يوم السابع ليكون أيسر على المولود، وراجع في وقت الختان وما قيل فيه الفتويين: 1960، 63370.
وبناء على ذلك نقول: أما الختان في السابع فهو جائز، وطاعة والدك وبره واجبة، فأطع أباك وأخره حتى يشارك معك فيه ويحدد وقته عن طيب نفس، وأما عن الحلق يوم السابع فهو سنة كما سبق وليس من قبيل العادات، ولكن طاعة الوالد في غير معصية الله واجبة، وعصيانه عقوق، فلا تقدم المستحب على الواجب، وهذا هو الاصل. ولكن لو منع الوالد ولده من أمر مستحب وليس للوالد غرض صحيح في منعه فإنه لا حرج على الابن في مخالفة أبيه، كما فصلناه في الفتوى رقم: 76303.
ومع هذا نقول لك: ما دام الأمر سنة ونفس والدك لا تطيب بهذا الفعل فلا تحلق لابنك رأسه، واحتسب في هذا امتثال أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في بر والدك وطاعته، فإن الوالد منزلته يجب أن تكون عظيمة عند ابنه، وتطييب نفسه وخاطره من الأمور الجليلة التي قد لا تدانيها سنة من السنن غير الواجبة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث صحيح. وصححه الألباني.
ومعنى قوله كما في تحفة الأحوذي: الوالد أوسط أبواب الجنة. أي خير الأبواب وأعلاها، والمعنى أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة ويتوسل به إلى وصول درجتها العالية مطاوعة الوالد ومراعاة جانبه، وقيل: إن للجنة أبواباً وأحسنها دخولاً أوسطها، وإن سبب دخول ذلك الباب الأوسط هو محافظة حقوق الوالد. انتهى.
فالمراد بالوالد الجنس، أو إذا كان حكم الوالد هذا فحكم الوالدة أقوى وبالاعتبار أولى، ولا مانع من التصدق بما يزنه شعر المولود عادة بعد تقديرك له دون حلق، لأن حلق الشعر والتصدق بزنته كل منهما سنة، فإذا لم تفعل واحدة منهما فلا مانع من فعل الأخرى، كما بينا هذا في الفتوى رقم: 9399، وبهذا تجمع بين طاعة والدك وفعل ما استطعت من السنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1430(8/1107)
نصح الأب المصر على شرب الخمر وبيعها
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 23 سنة، طالب هندسة، صاحب شركة، أستطيع أن أقول إني صاحب مكانة اجتماعية عالية، ولدي علاقات وأصدقاء في طبقات تعتبر الأولى في عصرنا، أنا ملتزم في صلاتي، وبعيد كل البعد عن المعاصي، ومن فتن الزمان والحمد لله أحاول أن أكرس جهدي فقط في العمل بما يرضي الله، والدتي امرأة يضرب بها المثل من الأمهات الصابرات، وبجهدها ورعايتها لي ولإخوتي استطعنا ان نكون في أعلى مستوى، أنا أدرس الهندسة ولي أخت أكبر مني خريجة هندسة، ولي أخت ثالثة في مرحلة الثانوية، الحمد لله نحن متفوقون في كل شيء العلم والدين، لكن المصيبة التي ابتلينا بها هي أن أبي كان من الرجال الذين يضرب بهم المثل لكرمه وأخلاقه وصبره وجهده ورعايته، لكن كان يشرب الخمر، لكن لا أحد أو القليل الذين يعرفون بذلك، لأنه كان يرجع متعبا من العمل، خروجه من الفجر الى الليل، فيرجع ويشرب القليل فقط يخدر جسمه كما أظن؛ لأني والشهادة لله لم أرى أبي يوما سكران أو مترنحا، لكن الآن زاد البلاء، أبي الآن يبيع الخمر، والله يا مشايخي عملت كل شيء لأمنعه كلمته بلطف وأدب، نصحته قلت له إن اصدقائي الذين يحترمونني فقدت احترامهم، فقدت الكثير من أصدقائي بسببه، ساءت كل أحوالي، كل أعصابي تدمر، وقفت وكلمت كل من يأتي ويشتري منه الخمر لأمنعه من القدوم. منهم من اقتنع ولم يأت، ومنهم من هداهم الله وامتنعو عن الشرب وتابو إلى الله، ومنهم من انقطع عن المجيء إلى أبي، لكن أبي هو الذي يدعوهم إلى القدوم له، قررت أن أترك المنزل، وقف في وجهي ووعدني بأن يترك هذ العمل، تركه فترة قليلة وعاود عليه وكأنه تسحر عيناه عندما يرى ما يربحه من هذ البيع جميع ما تتصورونه فعلته. أسألكم بأي نصيحة او أي عمل أعمله لكي أمنعه من ذلك. وأسألكم الدعاء. وأرجو الرد بأسرع وقت. وشكرا لتعاونكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى على مسلم أن شرب الخمر وبيعها من أكبر الكبائر التي توجب لعنة رب العالمين جل جلاله، ولا فرق في التحريم بين قليلها وكثيرها، فشرب القطرة الواحدة منها حرام، وإن لم يكن لها تأثير البتة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله حرام. رواه أبو داود وغيره، وقال الألباني: صحيح. وجاء في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي: فالقطرة من المسكر حرام وإن لم تؤثر. انتهى.
فالذي ننصحك به هو أن تحاول مرة أخرى، وأن تكرر لأبيك الوعظ والنصيحة مشافهة تارة، وتارة أخرى بإهداء بعض الكتيبات والشرائط التي تتحدث عن إثم الخمر وإثم شاربها وبائعها، وأن تدله على بعض أهل العلم والخير والدعوة إلى الله جل وعلا، وتدلهم عليه ليكونوا صحبة صالحة له، يعينونه على طاعة الله وعلى ترك هذه المعصية الشنيعة.
فإن لم يستجب لك مع ذلك كله، ورأيت أن تركك للبيت قد يكون زاجرا له عن فعله فاهجر المنزل، وامتنع – مع ذلك - عن أخذ شيء من أمواله التي يكسبها من بيع الخمر، فإنها أموال محرمة لا يجوز الانتفاع بها، ولعل ذلك يكون زاجرا له أيضا.
فإن لم يستجب مع هذا كله، فقد أديت ما عليك، ولم يبق إلا الدعاء والتضرع لله سبحانه أن يهديه ويصرف عنه شياطين الإنس والجن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1430(8/1108)
زيارة الأبناء أمهم من غير علم أبيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إن والدي ووالدتي مطلقان، وأنا وإخوتي نعيش مع والدي، وإنه يرفض أن نقابل والدتنا، فإننا نضطر مقابلة الوالدة من غير علمه، فهل نأثم على ذلك؟ مع العلم بأن والدنا يدعو علينا بعدم رضاه علينا إذا قابلنا والدتنا، وربنا أمرنا بطاعة الوالدين.. وإننا نرسل لها بعض الطعام من والدنا لوالدتنا من غير علم والدنا، فهل نأثم على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من حق والدكم أن يمنعكم من زيارة أمكم، ولا طاعة له في ذلك، فإن قطيعة الأم معصية، والطاعة إنما تكون في المعروف، فما تفعلونه من زيارتها دون علمه لا إثم فيه، بل تؤجرون عليه إن شاء الله تعالى، ودعاؤه عليكم وعدم رضاه بذلك لا يضركم شيئاً، ما دام الدعاء بغير حق.
أما أخذكم طعام من والدكم دون إذنه لإعطائه لأمكم فلا يجوز ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس منه. رواه البيهقي وصححه الألباني ... وللفائدة تراجع في ذلك الفتوى رقم: 113830.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1430(8/1109)
الهفوات في حق الوالدين مغتفرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أحب أمي كثيرا، حكايتي هي أنني قررت الدراسة في الجامعة في منطقة أخرى تبعد عنا ساعة ونصف فرفضت أول الأمر، ولكن رفضتني الكلية في منطقتي فاضطررت للتقديم قي المنطقة التي تبعد ساعة ونصف فوافقت علي الجامعة، ذهبت إلى هناك للدراسة بعيدا عن أمي حيث مرضت أمي في نفس فترة بداية دراستي، والسبب أن شخصا أصابها بعين حادة جدا سببت لها الكثير من التعب، وبعد عامين أصيبت بمرض السرطان فطويت قيدي لأجلها، حاولت أن أخفف من ألمها، وبعد أن انتهت فترة طي القيد اضطررت للعودة لإكمال الدراسة وهي في فترة تأخذ الكيماوي ولم أكن معها حينها، وأنا على اتصال دائم معها بالهاتف وأزورها بين وقت وآخر قدر استطاعتي، وحاولت من أهلي الموافقة على قدومي بالقطار فرفضا كليهما, حتى وصلت لمراحل العلاج الهرموني فاطمأننت أنها بخير، وبعد ذالك أصيبت بألم في ظهرها وقالت إنها شد عضلي فذهبت معها خادمة تقوم على رعايتها لأنها تعاني من الألم، وعند قدومي في الإجازة تذهب تلك الخادمة، بعدها شفيت من ظهرها،وبعد فترة لاحظت تعبها وانشغالها عني ولكني ظننت أنه تعب وأثر العين التي سببت لها الألم ولم أفكر بشيء آخر غير ذلك، وفي يوم ما اتصلت بها وشعرت أن هناك خطبا بها فقدمت إلى البيت وهي تتألم فبقيت معها حيث لم يبق على تخرجي سوى شهر، فطلبت مني أن أطوي قيدي في الدراسة، فقلت لها: لم يبق سوى شهر وأبقى فسكتت وبقيت يومين عندها، ولما ذهبت معها للمستشفى علمت بأن المرض قد انتشر وخبأت عني ذلك طوال الوقت فحزنت ولم أعرف ما أفعل حيث كان عندي امتحانات نهائية بالجامعة بعد هذين اليومين فذهبت للمنطقة التي أدرس بها فطلبت من أهلي أن يجدوا لي حلا حتى أبقى معها، وبعد يوم تمت الموافقة من الجامعة تقديرا لظروفي وبعد قدومي لها تعبت تعبا شديد وبقيت ساعات قليلة معها، أدخلت العناية المركزة وكنت آتيها كل يوم بالمشفى وبعدها توفيت، علما بأني أقوم بها وأرضيها قدر استطاعتي، وقد تحدث مشاكل بيني وبينها ولكن من باب النصح، علما بأني ابنتها الكبرى وإخوتي أولاد وأختي صغيرة وهي بعيدة عن أهلها، أنا الآن أفتقدها وأتألم لفقدي لها، وأشعر بالوحدة في هذه الدنيا بعدها.
أود أن أسأل هل أنا عاقة لها، أو مقصرة في حقها؟ وماذا أفعل؟ وأشعر بتأنيب الضمير تجاهها وقد حاولت أن أنهي دراستي بالسرعة الممكنة لأعود لها.هل أنا عاقة لها أم لا؟
أرجو الرد سريعا؟ فانا أخاف الله وعقابة في أمور حياتي كلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي ضوء ما ذكرت لنا من حالك مع أمك لا يظهر لنا العقوق، ولا أنك قد قصرت في حقوقها عليك، وأما ما ذكرت من بعض الهنات التي كانت بينك وبينها على سبيل النصح فليس هذا من العقوق حتى ولو حصل منك بعض التجاوز في بعض الأحيان طالما أنك تبرين بها وتحسنين إليها، فقد قال سبحانه: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورً ا. {الإسراء: 25} .
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين. أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة. وقوله: (فإنه كان للأوابين غفورا) وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة.
ومع هذا فما زالت هناك فرصة للتكفير عما عساه قد حدث منك من تقصير في حق والدتك وذلك بالمداومة على الدعاء لها، والإحسان إليها بالصدقة، وإكرام أصدقائها، وصلة أرحامها، فإن ذلك من البر الذي لا ينقطع بوفاتها، فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي - رضي الله عنه- قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1430(8/1110)
حكم التقصير في صلة الأرحام للخجل
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الهم الأكبر في حياتي منذ صغري، والذي تتفرع عنه مشاكل أخرى هو عدم قدرتي على التواصل مع الناس، تارة لعدم توارد الأفكار على خاطري عند الحديث معهم، حتى أنه أحيانا يسقط في يدي، ولا أدرى بماذا أجيب عند توجيه حديث لي لا يعدو كونه مجاملات عادية، وتارة أخرى أشعر أن الأفكار تتوارد ولدى ما أقوله، ولكنى أشعر أن عضلات فكي ولساني ثقيلة جدا، فيخرج الكلام في كثير من الأحيان غير مبين، وعلى ذلك أتحاشى دائما مواجهة الناس، ولا أرغب في الاختلاط حتى أني أتجنب الرد على الهاتف. والسؤال إن هذه المشكلة ترتب عليها أني لا أصل رحمي ما عدا والدي وإخوتي، ولكني أحبهم ولا أحمل لهم أي بغضاء، وليس عدم التواصل نتيجة لخصام بيننا، فإذا ما التقينا نتواصل بشكل طبيعي، ولكن عدم التواصل مني نتيجة للأسباب التي ذكرتها والله وحده يعلم مدى صعوبة هذا التواصل علي فهل علي إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وأن يذهب عنك كل هم وغم. ولتعلم أن أهل العلم قد اختلفوا في الرحم الواجب صلتها، والقول الراجح عندنا أن الواجب صلتهم هم الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات؛ كما تقدم في الفتوى رقم: 11449.
وعليه؛ فجاهد نفسك على صلة الأرحام الواجبة صلتهم بحسب ما يسمى صلة عرفا، وإن قصرت في ذلك لمشقة التواصل عليك لخجل ونحوه فأنت آثم.
وينبغي أن تجاهد نفسك وتتغلب على الخجل والخوف من مواجهة الناس بكثرة مخالطتهم، والتحدث معهم بعفوية وإشعار النفس بسهولة الأمر، وعدم وجود ما يدعو للقلق والخجل من لقائهم، فمخالطة الناس والصبر عليهم خير في بعض الحالات من عدم ذلك، كما تقدم تفصيله في الفتوى رقم: 105090.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(8/1111)
هل يقاطعون أباهم لظلمه لأمهم وتفضيله امرأته الأخرى عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تزوج على زوجته وهي عمرها 29 وبعد أن تزوج المرأة الجديدة لم يقم بواجباته الزوجية من نفقة ولا معاشرة زوجية. وزوجته تعمل له كل شيء ولا تعصي له أمرا، رغم كل المعاناة التي تعيشها. هل واجب الأبناء بعد أن أصبحوا شبابا مقاطعة أبيهم وعدم الإنفاق عليه بسبب ما عمله في أمهم المسكينة التي لا حول لها ولا قوة؟ وما هو جزاء هذه الزوجة عند الله سبحانه وتعالى من أجر وثواب على الصبر على القهر والحرمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أوجب الشرع العدل بين الزوجات، وحرم تفضيل زوجة على أخرى، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
كما أن حق الأبوين على أولادهما عظيم، فمهما كان من سوء خلق هذا الوالد وظلمه لزوجته، فإن ذلك لا يسقط حقه على أولاده في البر والإنفاق عليه إن احتاج للنفقة، وعدم جواز مقاطعته أو الإساءة إليه، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14}
وإنما لهم أن ينصحوه بالرفق، ويكثروا له الدعاء بالهداية.
وأما عن زوجته الأولى فقد أحسنت حين صبرت على ظلم زوجها ولم تقصر في حقه، ونعم سلوك المرأة المؤمنة، وأما أجرها في ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت. رواه ابن حبان في صحيحه.
كما أن عاقبة الصبر والتقوى الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى:. إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(8/1112)
هل للأخ أن يضرب أخته لكونها تسيء إلى أمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ضرب الأخت إن كانت تصرخ فى وجه أمي وتجعلها تبكي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الضرب هو آخر العلاج لا يجوز اللجوء إليه مباشرة دون استيفاء ما قبله من المراحل، من وعظ وزجر ونحوهما, فالأولى بك أن تذكر أختك بالله وبأمره ببر الوالدين وأن حق الأم عليها هو من أعظم الحقوق التي وصى بها الله ورسوله, فإن لم تستجب وتمادت على ذلك فيمكنك أن تهجرها، لأن هجر العصاة مشروع وكثيرا ما يكون زاجرا للمرء عن ارتكاب الآثام، وقد بينا في الفتوى رقم: 116397.
حكم هجر الأرحام الذين يصرون على المعاصي. فإن لم تنته عن فعلها هذا فيمكنك ضربها حال إساءتها لأمك إذا لم تنته عن فعلها إلا بذلك, ويعتبر هذا من تغيير المنكر باليد, بشرط أن تجتنب الوجه، والمقاتل،وأن تقتصر على قدر الحاجة، وأن تأمن الضرر.
قال الإمام ابن الجوزي: الضرب باليد والرجل وغير ذلك مما ليس فيه إشهار سلاح أو سيف يجوز للآحاد بشرط الضرورة، والاقتصار على قدر الحاجة. انتهى.
أما بعد حصول الإساءة فليس لك ضربها لأن المنكر قد حصل وانتهى, فضربك لها حينئذ من قبيل التأديب, وولاية التأديب لا تثبت إلا للإمام أو نائبه، والولي ولاية خاصة كالأب والجد والوصي والمعلم بإذن الولي والزوج على خلاف بين الفقهاء هل يقتصر التأديب على ما يتعلق بحقوق الزوجية أم يتعدى ذلك إذا قصرت في حقوق الله.
جاء في الموسوعة الكويتية: وليس لغير هؤلاء ولاية التأديب عند جمهور الفقهاء غير أن الحنفية قالوا: يقيم التأديب إذا كان حقا لله كل مسلم في حال مباشرة المعصية لأنه من باب إزالة المنكر، والشارع ولي كل مسلم، ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فلغيره بيده. أما بعد الفراغ من المعصية فليس بنهي، لأن النهي عما مضى لا يتصور فيتمحض تعزيرا وذلك إلى الإمام. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(8/1113)
حكم ضرب البنت المصابة بالمس أمها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من السحر ومتلبس بي جن كفار، وأنا مقهورة من نفسي لأني كنت أضرب أمي بشدة، وأصرخ عليها بقسوة، وأمي كانت تعاني من مرض القلب، والسكر، والضغط، وأمراض كثيرة.
كنت أشعر بحب شديد لها، لكن كنت أضربها، ثم أغضب على نفسي، لماذا أفعل لأمي كذا؟
وأنا نادمة، وخائفة أن تكون أمي غاضبة علي، والآن أدعو لها وأتصدق عنها، وأرجو أن يرضى الله عني ثم أنال رضى أمي، وأريد أن يجمعني الله مع أمي في الجنة، والجني يقول لي: إن أمي غضبانة علي وأني سأحرم منها في الجنة، ودائما يتكلم على رب العالمين بكلام لا أستطيع كتابته، وعلى الرسول صلى الله علية وسلم، وأعاني كثيرا ولا أستطيع الصلاة ولا قراءة القرآن إلا بصعوبة. أحس كأني أجاهد.
أريد جوابا يا شيخ هل أنا علي ذنب لأني كنت أقسو على أمي مع العلم أني مسحورة، وأرجو رضى الله ثم رضى أمي ودائما أري في المنام أن أمي لم تمت وسألت مفسر أحلام وقال لي إن أمي ماتت شهيدة بإذن الله.
هل كلام الشيخ صحيح؟
أرجو الرد، لأني أعاني وتعبانة نفسيا على فراق أمي وأخاف أن لا تكون راضية عني، ولأني أحب أن يجمعني ربي مع أمي في الجنة، لاأريد أن أحرم منها مثل ما حرمت منها في الدنيا.
وهل أقدر أن أقوم لها بعمل الآن وتكون راضية عني، أتمنى أن تذكر لي الأعمال الخيرية التي أعملها لأمي من صدقة جارية لأن أمي عندها نقود كثيرة، وأتمنى أن أدفعها لها في عمل يستمر لها ثوابه حتى بعد وفاتها، وأتمنى لأمي الجنة، لأنها عانت من أمراض في الدنيا وبلاء في أولاد وبنات يعانون من السحر؟
أتمنى الإجابة على سؤالي وجعله الله في ميزان حسناتك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحرمة عقوق الوالدين معلومة لا تجهل، ولا شك أن ضرب الأم من أعظم العقوق وأشد الإساءة، فإن كانت السائلة فعلت ذلك باختيارها وإرادتها دون تأثير من السحر فإنها حينئذ آثمة ومرتكبة لكبيرة من أعظم الكبائر، ويجب عليها أن تتوب وتستغفر وتجتهد في الصالحات لمحو هذه الموبقات.
وأما إن كانت فعلته رغما عنها بتأثير السحر فلا إثم عليها؛ وحالها يشبه حال المكره، وقد تجاوز الله سبحانه عن المكره، وهذا هو الظاهر من السؤال؛ حيث ذكرت الأخت السائلة أنها تجد مما أصابها كلاما عن الله تعالى، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تستطيع كتابته، وأنها لا تستطيع الصلاة ولا قراءة القرآن إلا بمجاهدة. والوزر في مثل هذه الحال على من عمل لها السحر. وراجعي الفتويين: 59405، 58715.
ثم نذكر السائل ة- الكريم ة- بأن الله عز وجل هو الكافي الشافي، وأنه لا يجلب النفع إلا هو، ولا يدفع الضر إلا هو، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فعليك بحسن التوكل عليه، وصدق اللجوء إليه، وحسن الظن والاستعانة به، وعليك بالإلحاح في الدعاء وكثرة تلاوة القرآن، والذكر واستعمال الرقية الشرعية. وقد سبقت بعض الفتاوى عن معنى السحر وعلاجه، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5252، 5856، 5433، 24972. كما سبق في الفتوى رقم: 6281 بيان العلاج الناجع من دخول الجن بدن الإنس.
وأما تأويل رؤياها أن أمها لم تمت بأنها شهيدة، فإنه محتمل للصواب، ولكن لا نستطيع الجزم بصحته أو خطئه.
وأما ما تريدين عمله لأمك من الصدقة الجارية، فلا شك أن هذا نوع من البر والإحسان المأجور فاعله، وقد تقدمت أمثلة للصدقة الجارية عن الميت في الفتويين: 8042، 10668.
ومن حقوق الوالدة بعد موتها غير الصدقة: الدعاء لها، وصلة رحمها، وأحبابها وأصحابها، والحج والعمرة عنها.
وراجعي ما يمكنك أن تبري به أمك بعد موتها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7893، 44341، 10602.
هذا واعلمي أن ما تركته أمك من مال تجري عليه أحكام التركة، فتخرج منه الحقوق الواجبة على أمك، وتنفذ وصيتها في حدود الثلث، ثم الباقي يقسم على ورثتها جميعا، ولا يصح أن يتصرف فيها أحدهم دون البقية إلا بإذنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1430(8/1114)
صلة بنت الخال إذا كان يترتب عليها مشاكل مع زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عدم السؤال عن بنت خالي يعتبر من قطع الرحم إذا كان هذا الشئ يسبب لها حرجا مع زوجها، وربما يسبب مشاكل بينهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبنت الخال قد اختلف أهل العلم في وجوب صلة رحمها، وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 11449، أن الصواب عدم وجوب صلتها.
وبالتالي، فعدم سؤالك عنها لا إثم فيه شرعا. وعلى القول بالوجوب الذي رجحه بعض أهل العلم فتجب صلتها بالوسيلة الممكنة وبحسب ما يعتبر صلة عرفا.
لكن إذا ترتب على الصلة المذكورة بعض المشاكل الزوجية فهى ساقطة درءا للمفسدة، ومن القواعد المعروفة عند أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 74294.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1430(8/1115)
حكم هجر الأخت المتزوجة من نصراني
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي متزوجة من عربي مسيحي منذ أكتر من 20 سنة، ولهما ولد عمره 13 سنة.
نصحناها كثيرا ولا تريد أن تفارقه، لأنه يعيل عائلتها.
مؤخرا علمت أنه يجب علي أن أقاطعها، لأنني ملتزمة، فصارحتها بالرجوع عن ما هي عليه فرفضت.
بما أننا مقيمتان في بلدين مختلفين فلا أريد الالتقاء بها في بلدنا الأصلي.
هل يجب علي مقاطعتها تماما، وهل إذا اتصلت بي بالهاتف أكلمها أم أقطع عنها؟
وماذا أفعل بالهدايا التي كانت تعطيني علما أن مال زوجها من حرام؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
أمي تقول لي لا تقاطعيها، فبماذا ينصحني الشيوخ الأفاضل؟
أنا لا أريد إلا مرضاة ربي، وأرجو من فضيلتكم أن تفتوني مع بيان الأدلة، لأني أريد أن أثبت لعائلتي سبب الهجر، لأنهم لا يريدون هجرها، لأنهم أصلا لا يصلون وهم مستفيدون من مال زوجها.
سامحوني، لكني أريد الرد باستفاضة حول حرمة زواجها وعلاقتي بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزواج المسلمة من النصراني باطل، ولا ينعقد أصلاً بإجماع العلماء، ومستند هذا الإجماع قول الله جل وعلا: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا {البقرة:221} .
قال الكاساني في كتابه بدائع الصنائع: فلا يجوز إنكاح المؤمنة الكافر؛ لقوله تعالى: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ. ولأن في إنكاح المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر، لأن الزوج يدعوها إلى دينه، والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال ويقلدونهم في الدين، وإليه وقعت الإشارة في آخر الآية بقوله عز وجل: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، لأنهم يدعون المؤمنات إلى الكفر، والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار، لأن الكفر يوجب النار، فكان نكاح الكافر المسلمة سبباً داعياً إلى الحرام، فكان حراماً. انتهى
وقال ابن قدامة في المغني في شرح قول الخرقي: ولا يزوج كافر مسلمة بحال. قال: أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم: مالك، والشافعي، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم. انتهى.
وهذا الزواج له حكم الزنى، ويجب أن يفرق بينهما في الحال، ومن استحل ذلك كان كافراً مرتدا مفارقا لدين المسلمين، بشرط أن يكون عالماً بالتحريم.
أما بخصوص هجرها، فينظر في ذلك، فإن كان لديك رجاءٌ في هدايتها ورجوعها عن هذا الإثم العظيم, فلا تهجريها، وابذلي وسعك لردها إلى رشدها، فلعل الله أن يكتب لها الهداية على يديك، فتحوزي بذلك أجر الله وعظيم ثوابه.
أما إن انقطع أملك منها وانتهى سعيك إلى عناد منها وإصرار على الخطيئة, فهنا قد اختلف أهل العلم في وجوب الهجر بعد اتفاقهم على سنيته, وقد حكى ابن عبد القوي هذا الخلاف في قوله:
وهجران من أبدى المعاصي سنة * وقد قيل إن يردعه أوجب وآكد
وقيل على الإطلاق ما دام معلن ـــ ا * ولاقه بوجه مكفهر مربـ
__________
د
فلم يَذكر – رحمه الله - خلافاً في سُنِّية هجْرِ العَاصي الْمُجَاهر بالمعصية سَواء ارتدع أو لَمْ يرتدع, وإنما الخلاف في الوجوب هل هو على الإطلاق أم إذا كان العاصي يرتدع به؟.
ولذا فإنه يسن لكم – باتفاق - هجرها، فلا تحدثوها، ولا تصلوها، ولا تؤاكلوها ولا تشاربوها, لأن هجران أهل المعاصي المصرين عليها من شعب الإيمان, قال الخطابي في مَعَالِمِ السُّنَنِ في حديث كعب بن مالك: ونهى رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – عن كَلامِنَا أيها الثلاثة: فيه من العلم أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر مِنْ ثلاث إنَّمَا هو فيمَا يكونُ بينهما من قِبَلِ عَتَبٍ ومَوْجدة، أو لِتقصير في حقوق العِشْرة ونحوها دون ما كان من ذلك في حق الدِّين، فإن هِجْرة أهل الأهواء والبدعة دائمة على مَرِّ الأوقات والأزمان ما لَم يظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق. انتهى.
وفي صحيح مسلم: أن قريباً لعبد الله بن مغفل خَذَف فنهاه فقال: إنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الْخَذْف وقال: إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عنه ثم عُدْتَ تخذف، لا أكَلِّمك أبداً.
قال النووي على حديث عبد الله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومُنَابِذِي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً؛ والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مِمَّا يؤيده مع نظائر له كحديثِ كعب بن مالك وغيره. انتهى.
قال ابنُ حَجَر في الفتح: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلى أنه لا يُسَلَّم على الْمُبتَدِع ولاَ الفاسق. انتهى.
وقال الْمُهَلب: تَرْكُ السَّلاَمِ على أهلِ الْمَعَاصِي سُنَّة مَاضية، وبه قال كَثير من أهلِ العِلْمِ في أهل البِدَع.
وروى البخاري في الأدب المفرد عن الحسن قال: ليس بينك وبين الفاسق حرمة.
قال الشيخ الألباني: صحيح
وأما بخصوص ما يقبلونه من مال زوجها الحرام فقد سبق في الفتوى رقم: 6880 , حكم الأخذ من صاحب المال الحرام ومعاملته، والأكل من طعامه، وذكرنا فيها أقوال أهل العلم فارجعي إليها.
وأما ما أهدته لك من هدايا من قبل فإن تيقنت أنه من مال زوجها الحرام فتصدقي به في وجه من وجوه الخير, وأما إن كان من مالها هي فلا حرج عليك في الانتفاع به, والأولى إذا كانت مصرة على معصيتها ويئست من توبتها أن ترديه عليها خصوصا إذا علمت أن هذا سيكون زاجرا لها أو واعظا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1430(8/1116)
الصدق في بر الوالدين تغفر الهفوات في حقهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب قد حرمت من الوالد في أكثر أوقات حياتي، حيث والدي قد رباني إلى عمر 5 سنوات، وبعدها طلق والدتي إلى أن هربنا في عمر 12 سنة من بيت جدي، وذلك من خالة أمي، زوجة أبيها من كثرة العذاب إلى والدي، ولكن بعد أن رجعنا إليه وبعد سنتين ونصف، قد طردنا من البيت بعد أن عالجناه من مرضه، وقد وضعنا في الطريق ونحن مقطوعون من شجرة، مع العلم أنه لا يعمل شيئا، وذلك من مرض السكري، وقد نشر عرضنا على الناس وبدون سبب، وفوق كل شيء، كان يقول إننا لسنا بأولاده، ونحن أنا وأخي كنا نزوره من حين إلى آخر إلى أن مرض بشكل خطير وانتقل إلى رحمة الله تعالى. وعندما توفي كنت في خدمة العلم، ولا أعلم إن سامحني أم لا. ولكن أخي يقول إنه سامحنا ورضي علينا. ملاحظة أن والدي قد طلق أمي بعد أن طردنا. ولكم جزيل الشكر. وأرجو أن أعلم إن كنت مخطئا؟ وكيف أمحو خطيئتي؟ ملاحظة أن والدي كان يقول أنا لا أرى وهو يرى، وأنه كان يذهب ويأكل اللحوم، ويقول إنه لم يأكل شيئا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تذكر أيها السائل في رسالتك ما يدل على أنك قد أسأت إلى والدك، بل ما ذكرته هو أن والدكم – رحمه الله وعفا عنه – هو من أساء إليكم، وحرمكم كثيرا من حقوقكم، وأنكم قابلتم ذلك بالإحسان، فواظبتم على زيارته، وقمتم بتطبيبه في مرضه، ثم كنت أنت في خدمته في مرضه الذي لقي فيه ربه. فنسأل الله أن يجعل هذا في ميزان حسناتكم وأن يجزيكم عليه خير الجزاء.
وطالما كانت هذه سيرتك مع أبيك من بر وصلة وإحسان، فحتى لو حصل منك مرة أن أسأت إليه أو قصرت في حقه فإنك لن تؤاخذ عليه إن شاء الله، طالما كان ذلك على سبيل الهفوة والفلتة، واستغفرت الله وتبت إليه منها. قال سبحانه: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25}
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: (إن تكونوا صالحين) أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة. وقوله: (فإنه كان للأوابين غفورا) وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة.
ومع هذا فما زالت هناك فرصة للتكفير عما عساه قد حدث منك من تقصير في حق أبيك، وذلك بالمداومة على الدعاء له والإحسان إليه بالصدقة، وإكرام أصدقائه، وصلة أرحامه، فإن ذلك من البر الذي لا ينقطع بوفاته، فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1430(8/1117)
تحسن إلى أرحامها ويسيئون إليها فهل تقطعهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بصلة الأرحام، ولكن المشكلة أني أحبهم في الله، ولكنهم لا يحبوننا، بسبب خلافات بسيطة، وحاولنا أن نعايدهم، ولكن دائما نلقى منهم الأذى، سواء بالقول أو الفعل. هل أأثم على إني لم أصل الرحم؟ وكيف لي أن أحل المشكلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها السائلة أن الواصل ليس الذي يصل من وصله، ويحسن إلى من أحسن إليه فحسب فهذه مكافأة، وإنما الواصل الذي يصل من قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، روى البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
فإن أردت أن تحوزي ثواب صلة الرحم حقا، فاصبري على أذى أرحامك وتقصيرهم، وتذكري قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجل فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
لكن إن زاد الأذى عن حده، وبلغ مبلغ الضرر في الدين أو الدنيا، فلا حرج عليك حينئذ إذا قصرت معاملتك معهم على ما لا يحصل معه ضرر، ولو أدى ذلك لهجرهم إذا لم يندفع ضررهم إلا بذلك، قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1430(8/1118)
هل يعطي المال لأمه مع حاجته واستغنائها عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الابن إعطاء أمه مالا رغم أنه محتاج إليه، علما أن الأم تستطيع الاستغناء على ذلك المال. وهي تطالبه بالمال فقط لاختلاق المشاكل، وذلك بتحريض من ابنها وابنتها الآخرين.
الابن يتصل دائما بأمه، لكنها تشتمه وتسبه وتقول له لن أجيبك ولن أصلك حتى تعطيني المال، ولا تهمني ظروفك المهم عندي هو المال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال على ما ذكرت من كون أمك مستغنية عن هذا المال غير محتاجة إليه، وإنما تطلبه على سبيل التعنت والعناد، فلا يلزمك حينئذ أن تعطيه لها خصوصا إذا كنت محتاجا إليه.
ولكن يلزمك على كل حال أن تسعى جاهدا في برها وصلتها والإحسان إليها والصبر عليها فحقها عليك عظيم. ومع ذلك فلو أعطيت لها بعض المال حتى وهي مستغنية بقصد البر والصلة وتأليف قلبها فهو خير لك، وهذا على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الوجوب كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1430(8/1119)
حكم صلة الرجل بنات عمه وبنات خاله
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لأبناء العم أو أبناء الخال، ماذا عن من يرى أنهم من الأرحام ويجب وصلهم كيف ذلك؟
يكون للرجل بنات عم وبنات خال كيف يصلهن وهن ليسوا من المحارم، ويكن متزوجات فإذا ذهب لزيارتهن أو أتصل بهن من الممكن أن يشك أزواجهن، أوأقاربهن وغير ذلك، مما قد يترتب على زيارة أي رجل لامرأة أجنبية، أو الاتصال بها؟
كيف تكون صلتهن باعتبار أنهن من الأرحام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله بصلة الرحم ونهى عن قطعها، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ. متفق عليه.
كما أن صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ويُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. متفق عليه.
أما عن سؤالك فإن أولاد العم وأولاد الخال تشرع صلتهم ولا يجوز قطعهم، ولكن الشرع لم يحدد لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو قدراً محدداً، وإنما ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأعراف، وهي مراتب وأدناها ترك الهجر.
ولا شك أن صلة بنات العم وبنات الخال لا يجوز أن تكون بما يخالف الشرع كالخلوة والمصافحة ونحو ذلك، كما لا يجوز أن تكون بما يترتب عليه مفسدة، وإنما تلتزم أحكام الشرع، ويراعى العرف في ذلك، فالزيارة يجب أن تكون في حال وجود الزوج أو المحرم، وإذا كانت الزيارة ستؤدي لمفسدة فيكفي السؤال عنهن أو ترك هجرهن، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 40387 والفتوى رقم 35183.والفتوى رقم: 67677
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1430(8/1120)
أبواها يصران على أن تكمل دراستها الجامعية المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في جامعة مختلطة، حاولت أكثر من مرة إقناع والدي أن يدعاني أقر في البيت، وأنفذ أمر ربي ولكنهما يرفضان بشدة.
فماذا أفعل علما أنهما منذ صغري يحلمان بأن أصير طبيبة، لذلك يصيبني ضعف كلما أردت مجادلتهما حيث إن أمي تبدأ بالبكاء حتى أنها مرة قد أغمي عليها.
أرجوكم أفيدوني، فأنا قد حرت فيما علي فعله خصوصا أني أعلم خطورة العقوق؟
ونسيت أن أخبركم أن بلدي ليس به إلا الجامعات المختلطة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن إكمالك للدراسة فيه من المصالح والمنافع ما فيه، ومن هذا أنه لا بد للمسلمات من طبيبة مسلمة تعالجهن وتداويهن حتى لا يتكشفن على الرجال, فإذا انضاف إلى ذلك رغبة والديك الشديدة في إكمال الدراسة فهنا يتأكد الأمر بالنسبة لك لما فيه من بر الوالدين، وإدخال السرور عليهما، وهو من أكبر الواجبات وأعظم القربات.
يبقى بعد ذلك النظر في المفاسد المترتبة على ذلك من الاختلاط، فإنه ولا شك من المفاسد العظيمة والذرائع القوية لحصول الشر وعموم الفساد, ولكن على أية حال يمكن التحرز من مفاسده, وذلك بارتداء الحجاب الشرعي الكامل الساتر لجميع جسد المرأة بما في ذلك وجهها وكفيها, ثم البعد عن أماكن الاختلاط, وعدم الخلوة بالرجال, بل وترك محادثتهن إلا لحاجة معتبرة, وأن يكون الحديث مع ذلك منضبطا بالضوابط الشرعية من ترك الخضوع بالقول ونحوه, ثم بعد ذلك غض البصر عما يثير الفتنة ويحرك الغرائز.
فإذا التزمت الدراسة مراعية لهذه الشروط فستندفع عنك الفتنة -إن شاء الله- وبذلك تكونين قد حزت الخيرين وحصلت المصلحتين: أعني مصلحة بر الوالدين، ومصلحة إتمام الدراسة.
أما إن خفت مع ذلك الفتنة أو الوقوع في المعصية – بعد تمام التحرز والتوقي - فعندها يلزمك ترك الدراسة، ولا تلتفتي لكلام والديك ولا يكون هذا من عقوقهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1430(8/1121)
أبوها يخاطب النساء على الشات فماذا تفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تكمن في أن والدي مهووس بالانترنت، وخاصة المحادثات، ولكن ليس مع غيره من الرجال، ولكن مع النساء، ويقول لهن كلمات يقولها لأمي مثل يا حبيبتي يا حلوتي مثل هذا الكلام، وكان يدخل على مواقع مخلة للآداب، ولقد أخبرته مرات عديدة، وقامت أمي بإخباره، وفعلا توقف عن فتح هذه المواقع، ولكن لم يتوقف عن الكلام مع هؤلاء النساء، وكلما كان يفعل ذلك كانت صورته في نظري تهتز شيئا فشيئا، وكانت أمي تقول لي دائما إنه عندما يتكلم عبر الانترنت مع نساء أو نحوه لا يعتبر خيانة.
كيف وهو يكلم نساء أجنبيات عنه، وتقول لي أمي يجب علينا أن نتواصل مع الثقافات الأخرى، وانتظرت فترة طويلة ولم أرد أن أبحث وراءه عن أشياء تجعل أمي تتشاجر معه، حتى قمت بعمل نظام جديد لجهاز الحاسوب بأن يتم حفظ الرسائل التي تكتب، وفعلا حفظت رسائله، وكان فيها من الكلام ما يزلزل القلوب، ويبعدها عنه، ويقسيها عليه، ولكن عندما أحاول أن أكون قاسية في كلامي معه لا أستطيع، فاكلمه كأنما لم يحدث شيء، وكان دائما أول ما يطلبه من المرأة التي يكلمها أن يراها عبر الكاميرا، وهو أيضا يفتح الكاميرا الخاصة بسرعة، وتقول له بأنه جميل وحلو وهذا الكلام المزين بالغش والكذب والخداع.
وكانت هناك امرأة من النساء اللاتي يعرفهن كلمته عن نفسها، وسألته عن نفسه وقالت له هل لديك أطفال قال: نعم ثلاثة، وقالت هل أنت متزوج قال: أنا مطلق.
في هذه اللحظة لم أقدر أن أتمالك نفسي يقول على نفسه أنه مطلق، وأنا أمي لا تعمل له شيئا، هذه الكلمة هزت ووجعت قلبي وظلت ابكي وحتى الآن كلما تذكر هذا أبكي بعد أن تحملت أمي ضائقاته المالية، وأنه سافر عدة دول ونحن نسافر معه، ونتغرب عن بلدنا، وبعد هذا يمحيها من حياته بكل سهولة، لقد تمنيت أنني لم أقرأ الرسالة.
الآن عمره 43 أو 44 عاما، الآن ماذا فعل؟ لا يمكن أن أقول لأمي إنه قال ذلك، وأني رأيت الرسالة بعيني، فإنها حتما ستطلب الطلاق، وستهدم الأسرة بسببي، وكل الذنب سيكون علي، إنني ليس لدي أخوات بنات، ولا أصدقاء قريبون مني، فماذا أفعل كل ما أنظر إلى أبي أشعر بوجع في قلبي، وأمي غافلة وطيبة، ولا تعلم شيئا. أرجو مساعدتي لأني لا أدري ماذا أفعل؟ ففي بعض الأوقات أفكر في الانتحار، وغالبا أدعو على نفسي بالموت، وأتمنى أنني لم أكن موجودة في هذه الدنيا الجارحة، وكل ما أتمناه منكم أن تساعدوني، وإن كان لديكم حل فأفيدوني.
للعلم أنا فتاة أصلي ولله الحمد، وأخاف من الله تعالى، وأنا عمري 14 عاما، فهل يجب أن أتحمل هذه المشقة منذ الآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ارتكب أبوك جرما عظيما بما يفعله من محادثات مع هؤلاء النساء الأجنبيات، فإن مثل هذه العلاقات لا يختلف في إثمها وتحريمها، ولا يشك في عواقبها الوخيمة على المرء في دينه ودنياه.
ومما يبعث على الحسرة والأسى أن أمك – سامحها الله وعفا عنها – كان لها دور كبير في هذا الذي يحدث، بسبب هذا الفهم الغريب الذي يبعثها على القول بأن مثل هذه العلاقات لا حرج فيها، وأنها واجبة للتواصل مع الثقافات الأخرى!! ولا نشك أن هذا من وحي الشيطان وتزيينه لها، ولو أنها فعلت ما وعظها الله به من إنكار المنكر، وأخذت على يد زوجها لكانت قد أعذرت إلى ربها، وبرئت من ذنب زوجها، ولربما ردته بهذا عن التمادي في العصيان.
ثم إنك أيتها السائلة قد أسأت عندما تجسست على والدك، فإن التجسس حرام، وهو على الوالد أشد حظرا وإثما، وأنت بطبيعة الحال تعلمين ما يقوم به، فما الذي دعاك إلى زيادة الاستقصاء الذي أوقعك فيما أنت فيه الآن من الحسرة واليأس، بسبب ما علمت من سوء حال أبيك، وقد كنت في غنًى عن مثل هذا لو أنك نهيت نفسك عن تتبع عورات أبيك وسقطاته، خصوصا وأنت لا تملكين من الأمر شيئا.
وأما قوله حين سألته المرأة عن زوجته فأجابها بأنه مطلق، فإن كان كاذبا في قوله، فقد اختلف العلماء فيمن أقر بالطلاق كاذبا، فذهب بعضهم إلى وقوع الطلاق ديانة وقضاء، كما جاء في الفروع لابن مفلح من الحنابلة، قال: وإن سئل أطلقت زوجتك؟ قال: نعم. أو لك امرأة؟ قال: قد طلقتها يريد الكذب، وقع. انتهى.
بينما ذهب الأحناف والشافعية وغيرهم إلى أن من أقر بالطلاق كاذبا فإنه يقع قضاء لا ديانة، فتبقى زوجته في الباطن بحيث يجوز له الاستمتاع بها إذا لم يفرق بينهما القاضي.
يقول في البحر الرائق من كتب الأحناف: ولو أقر بالطلاق وهو كاذب وقع في القضاء. انتهى. وجاء في أسنى المطالب شرح روض الطالب من كتب الشافعية: وإن أقر بالطلاق كاذبا لم تطلق زوجته باطنا، وإنما تطلق ظاهرا.انتهى
والراجح هو القول الأخير القائل بوقوع ذلك قضاء لا ديانة؛ لأن الإقرار لا يقوم مقام الإنشاء، فالإقرار إخبار محتمل للصدق والكذب، يؤاخذ عليه صاحبه ظاهراً، أما ما بينه وبين الله فالمخبر عنه كذباً لا يصير بالإخبار عنه صدقاً؛ فلهذا لا يقع طلاقه باطناً.
وبناء عليه، فلم يقع بهذا القول الطلاق على أمك، إلا إذا علمت بذلك ورفعت أمرها للقضاء وأقر بهذا القول، فإنها حينئذ تطلق منه.
أما إذا قصد أبوك بهذا إيقاع الطلاق وإنشاءه فإن الطلاق حينئذ يقع عليه.
وإنا لنوصيك بكتمان أمر الطلاق هذا خاصة عن أمك وعدم إخبارها به، حفاظا على كيان الأسرة لئلا يتشتت شملها ويذهب ريحها.
ونوصيك أيضا أن تعلميها بحرمة ما تصنعه من السكوت على هذا المنكر وإقراره، وأنها شريكة لأبيك فيما يفعله، بل إنها ممالئة له على معصيته، فعليها أن تتقي الله، وأن تنكر عليه فعله، وتبذل وسعها لرده عن فعله.
ثم عليك أن تنصحي والدك وتعلميه بخطورة ما يفعله على دينه ودنياه، بل وعلى سمعة الأسرة ومستقبلها، فمثل هذه الأفعال ما أسرع ما تنتشر أخبارها بين الناس، فيعود وبال ذلك على الأسرة جميعا بالخزي والفضيحة والعار.
ولا مانع من أن تظهري لوالدك في تعاملك معه ما يشعره بأنك غير راضية عنه بسبب أفعاله، لكن حذار ثم حذار أن يصل الأمر إلى إيذائه أو إهانته لأن هذا من العقوق المحرم.
واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم الذي يزين لك الانتحار ويغريك به، فهذا والله لهو ذنب عظيم. بل هو أكبر وأعظم من كل ما يفعله أبوك وتنكرينه عليه، لأن الانتحار دليل على يأس العبد من رحمة الله أرحم الراحمين واليأس من رحمة الله من صفات الكافرين الضالين، والعياذ بالله.
قال سبحانه: وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} ، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {العنكبوت:23}
وقد قال صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. رواه البخاري ومسلم.
فعظمي رجاءك في الله، وأيقني برحمته سبحانه التي وسعت كل شيء، وجددي صلتك به، وأكثري من الطاعات والدعاء - راغبة راهبة- أن يصرف عنك السوء والضر، وأن يحبب إليك الإيمان ويصرف عنك كيد الشيطان، ثم إن أنت قمت بواجبك من النصح والوعظ فلا يضرك ما يفعله أبوك ولا ما تكسبه أمك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1430(8/1122)
عمله فيه شبهة وأبوه يجبره على البقاء فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل؟ أعمل بالمملكة العربية السعودية في شركة مقاولات، سافرت من 10 أشهر، وتركت زوجتي وابنتي، مع العلم أني كنت أعمل بمصر عملا محدودا، لكنه كان يكفي احتياجاتي والحمد لله، ولكني سافرت تلبية لرغبة أبي، وأريد أن أعود وأستقر بمصر لأسباب كثيرة؛ أهمها أن العمل الذي أعمل به تشوبه شبهة حرام، وسألت أهل العلم ونصحوني بترك العمل، ولكن المشكلة هي رفض أبي التام للاستقرار بمصر، ويهددني بطردي من المنزل انا وزوجتي، إن استقررت بمصر. وفي الحقيقة أنا أخاف الله وأن أكون عاقا له، وفي نفس الوقت لا يطاوعني ضميري على الاستقرار في هذا العمل المشبوه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما هو المقصود من قولك إن عملك فيه شبهة حرام، فإن كان قصدك أنه حرام محقق أو ترجح فيه جانب الحرمة فهنا يجب عليك تركه، ولا يجوز لوالدك أن يرغمك عليه، ولا يحل لك مطاوعته في ذلك. فبادر إلى الخلاص منه، فليس هذا من عقوق الوالد في شيء.
أما إن كان المقصود أنه مما اختلف العلماء فيه، وأردت أن تأخذ بالأحوط والأورع وتتركه، فلك هذا خصوصا بعدما نصحك أهل العلم بتركه. وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. متفق عليه.
ولا شك أن الذي يستكثر من الشبهات والمكروهات فإن هذا يولده جرأة على الحرام المحض.
جاء في فتح الباري: ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جرأة على ارتكاب المنهي في الجملة أو يحمله اعتياده ارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم إذا كان من جنسه أو يكون ذلك لشبهة فيه، وهو أن من تعاطى ما نهي عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام، ولو لم يختر الوقوع فيه. انتهى.
واعلم أن هذه الحالة نعني ما إذا طلبا من ولدهما ما فيه شبهة، مما وقع فيه إشكال في كلام أهل العلم عليهم الرحمة، حتى نقل ابن الصلاح أن كثيرا من العلماء أوجب طاعتهما في الشبهات. ولا شك أن هذا الكلام يحتاج إلى تحرير وضبط فنقول: الظاهر أن كلام العلماء هنا في وجوب طاعتهما في المشتبهات، إنما هو فيما يكون المرة بعد المرة، أما المداومة على فعل المتشابهات لأجل طاعتهما فلا يجوز لما فيه من فساد دين المرء وذهابه، ويمكن أن يستأنس لهذا بما ذكره في عمدة القاري عن الطرسوسي من المالكية أنه قال: إذا نهياه عن سنية راتبة المرة بعد المرة أطاعهما، وإن كان ذلك على الدوام فلا طاعة لهما فيه لما فيه من إماتة الشرع. انتهى
بل إنهما إذا أمراه بفعل مشتبه مرة أو مرتين فينبغي النظر في المفاسد المترتبة على فعل هذا الأمر، ثم يقارن بالمصالح المترتبة على طاعتهما، فإن غلبت المصلحة وافقهما، وإن غلبت المفسدة خالفهما، فرب شبهة واحدة أقدم عليها المرء أورثته من الفساد في دينه ما يصعب تداركه وإصلاحه.
ويستأنس لذلك بما ذكره ابن دقيق العيد في كتابه "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام": عقوق الوالدين معدود من أكبر الكبائر في هذا الحديث، ولا شك في عظم مفسدته لعظم حق الوالدين إلا أن ضبط الواجب من الطاعة لهما والمحرم من العقوق لهما فيه عسر ورتب العقوق مختلفة.... إلى أن قال: والفقهاء قد ذكروا صورا جزئية وتكلموا فيها منثورة لا يحصل ضابط كلي، فليس يبعد أن يسلك في ذلك ما أشرنا إليه في الكبائر وهو أن تقاس المصالح في طرف الثبوت بالمصالح التي وجبت لأجلها والمفاسد في طرف العدم بالمفاسد التي حرمت لأجلها. انتهى.
واعلم أنه يمكنك الجمع بين الحسنيين نعني الرزق الحلال الذي لا شبهة فيه وطاعة الوالد، وذلك بأن تبحث عن عمل لا شبهة فيه خارج بلدكم، وبذا تحوز الخيرين وتحصل الفضلين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1430(8/1123)
اليتامى إذا أهملهم أرحامهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقف الشرع من الجد والجدة اللذين لا يهتمان بأبناء ابنهم المتوفي، وتركاهم للأم فقط. وهل في أخذهم للميراث حكمة شرعية في أن يحنوا على أبنائه الصغار ورعايتهم، ومساعدة الأرملة في تربيتهم؟ مع العلم أنهم في نفس المدينة المسافة بينهم مدة ربع ساعة على الأكثر والجدان في صحة جيدة، وكذلك الأعمام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمور الخاصة بحضانة الأولاد من رعاية وتربية وقيام على شئونهم وحاجاتهم إنما تكون على الأم؛ لأن الحضانة ثابتة لها شرعا. وأما ما وراء ذلك من أمور البر والصلة والسؤال عنهم فيجب على الجد والجدة والأعمام ألا يقصروا في هذا، فإن أبناء الأبناء بمثابة الأبناء في وجوب صلتهم والإحسان إليهم، وقد وصى الله سبحانه الآباء بأبنائهم، فقال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11}
قال السعدي – رحمه الله –: أي: أولادكم - يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. انتهى.
فعلى الجد والجدة أن يصلوا الأحفاد بزيارتهم والسؤال عنهم ونحو ذلك مما جرى به العرف في حد الصلة، فإن صلتهم واجبة فلا يجوز إهمالهم خصوصا بعد موت والدهم، فيجمعون عليهم بذلك مع مصيبة اليتم مرارة القطيعة والهجر، وكذا فإن الواجب على الأعمام أن يصلوا أبناء أخيهم وأن يحسنوا إليهم، ويبذلوا لهم من العون والبر ما يستطيعون، فإنهم من أرحامهم الذين تجب صلتهم، وليعلموا أن في إحسانهم إليهم أجوراً عظيمة مضاعفة، فإن فيه أجر الإحسان وصلة الرحم ورعاية اليتيم وغير ذلك، وهذه كلها أعمال صالحة ندب الله إليها عباده.
أما ما تسألين عنه من علاقة الميراث بتعاهد الجد لأحفاده فنقول: لا علاقة للميراث بهذا، فإن الله شرع المواريث وتولى تقسيمها بنفسه في محكم التنزيل لحكمة بالغة، وقد ورثت الشريعة الأب من مال ابنه لما للأب على ولده من حقوق كبيرة لا تخفى، فكما أن الشريعة قد جعلت للأب على ابنه حقوقا عظيمة حال الحياة، فقد جعلت له أيضا حقوقا في ماله بعد الوفاة، فليس ما يأخذه الأب من ميراث ابنه إذاً في مقابل اهتمامه بأولاده من بعده، فهو يستحق من ماله ولو لم يكن له أولاد، وفي المقابل فإنه يجب على الجد تعاهد أحفاده ولو لم يرث من أبيهم شيئا من المال، بل تجب عليه نفقة الأحفاد حينئذ كلها أو بعضها إذا احتاجوا للنفقة، ولم يكن لهم مال. وتراجع الفتوى رقم: 118765.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1430(8/1124)
أبوه يصر على مشاركته في المقاولات وهو يأبى
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي يشتغل مقاول بناء وكما تعلمون فالمقاولة عندنا في المغرب فيها كثير من المشاكل منها الرشوة والغش والكذب.
لكن والدي أرغمني على إنشاء مقاولة أخرى معه وأنا أكرهها، علما أن والدي غير متعلم وهمه فقط المال ووو.. وأنا على عكسه، رغم أنه يصلي ويصوم ويزكي لكنه لا يعطي أهمية للرشوة مثلا والكذب فقط من أجل المال. وأنا على خلاف دائم معه حتى أني أفكر في الخروج من البيت، لكن أفكر في حاله عمره 51 سنة ويحتاج للمساعدة لأني كبير إخوتي وعمري 25 سنة.
أخيرا نصيحة من فضلكم هل أستمر معه رغم ذلك أم أبحث عن عمل آخر علما أنه يكره ذلك، أوأذهب إلى مكان أخر.
وأطلب دعاء بظهر الغيب بهدايتي وهداية والدي وأن يطعمنا حلالا طيبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لوالدك أن يرغمك على فعل ما فيه معصية لله, ولا يحل لك مطاوعته في ذلك، ولكن إن أراد منك مشاركته في العمل فأطع أمره وحاول أن تقيم أمور العمل على ما يرضي الله سبحانه, فلم تتعين المعصية طريقا لتسيير الأمور وإدارة الأعمال بل هناك الكثير من الطرق المشروعة، ومن يتق الله يهده سبل الرزق الحلال ويجعل له من أمره يسرا.
فإن غلب على ظنك أنك لن تستطيع الاستقامة على أمر الله إن أنت شاركته في عمله فلا يجوز لك حينئذ مشاركته ولكن تلطف في رده والاعتذار إليه بما لا يسوؤه ولا يغضبه, وأعلمه أن سبب رفضك هو سلوكه لهذه الطرق غير المشروعة وأنه لو غيّرها إلى ما هو مشروع لوجدك له خادما مطيعا.
أما بخصوص علاقتك معه فلتكن النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة دون زجر ولا تعنيف, فإن استجاب لنصحك فهو الذي يرتجى, وإلا فليس عليك هداه ولكن الله يهدي من يشاء, وما دام أنه في حاجة إليك فلا تفارقه ولا تترك البيت خصوصا وأنك أكبر أبنائه، لكن إن أدى مقامك معه إلى ارتكاب المحرم فعندها يمكنك ترك البيت ولا يمنعك هذا من مصاحبته بالمعروف وبذل حقوقه كاملة من البر والصلة والإحسان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1430(8/1125)
هل يجب بذل المال للأب لأداء العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أبى يطلب منى أن أتكفل بمصاريف أدائه للعمرة مع العلم أن لي من الإخوة أربعة يعيشون معه في بيت العائلة ويتمتعون بخيرات قطعة الأرض التي نمتلكها وأنا أسكن بالإيجار في شقة بالبلد ولا أستفيد من خيرات الأرض ولي من الأبناء أربعة وأعمل حدادا وأشعر أن من الأولى أن يتكفل إخوتي بعمرة أبي وأنني لا أستطيع لأن أبنائي وأسرتي في حاجة إلى المال، ما حكم الدين لو امتنعت عن إعطاء أبى المال في ظل هذه الظروف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوالدَ إذا كان عاجزاً عن العمرة لعدم وجود ما يعتمرُ به من النفقة لم يلزم أولاده ذلك، قال الشيخ العثيمين رحمه الله مبيناً هذا المعنى: لا يجب (أي نفقة الولد على والده والوالد على ولده للحج الواجب وفي معناه العمرة الواجبة) ، لأنّ العبادات مشروطة بالاستطاعة، والاستطاعة لا تتأتّى من الغير، فلا يجب على أي من الطرفين شيء في هذا للآخر، لكن إن طلب الوالد من الولد القادر نفقة الحجّ كانت إجابته من باب البر المأمور به فيكون واجبا بهذا الاعتبار. انتهى من موقع الإسلام سؤال وجواب.
وبهذا تعلم أنه ينبغي لك أن تُجيبَ والدك إلى ما طلبه منك لأن هذا من البر المأمور به شرعا، إلا إن كان هذا يضرُ بك وبعيالك فحينئذٍ لكَ أن تمتنع عن بذل المال له.
وبذْلك المال له لأداء العمرة ليس بواجبٍ على المُفتى به عندنا وإن كان الأحوط الخروج من خلاف من أوجبه، وانظر الفتوى رقم: 1249، ورقم: 54811.
وإذا كان أبوك قد طلب منك دون إخوتكَ أن تعينه على أداء عمرته، فينبغي لكَ أن تحمد الله الذي ساق إليك هذا الخير، فإن بركَ بأبيك من أعظم القربات، وربما كان هذا دليلاً على حُبَ أبيك لك ووثوقه بك.
ويمكنكَ أن تتفق مع إخوتك على أن يدفع كل منكم قسطاً معيناً مما طلبه الوالد لعمرته.
والذي ننصحك به أن تجتهدَ في بر أبيك، وألا تبخل عليه بشيءٍ لا يُضرُ بك، فإن حياته فُرصةٌ فاغتنمها وهو أوسط أبواب الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ورضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد، نسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1430(8/1126)
أهمية معرفة النسب الذي تحصل به صلة الأرحام
[السُّؤَالُ]
ـ[الوالدة متوفاة رحمة الله عليها ولم تعرف أباها أو اسمه حيث كانت أمها جارية لدى أحد الأغنياء منذ القدم فاعتدى عليها من مشتريها وبيعت بعد ذلك وكانت حاملا بالوالدة وبمعلوماتي غير المؤكدة لم يعلم أن جاريته حامل منه فعند قرب الولادة ذهبت إلى مدينة جدة لتضع المولودة عند امرأة عقيمة وجلست لديها أكثر من عشرين سنة حتى تزوجت وخلفت ابنا وبنات وفي السن الخامسة والأربعين من عمرها بعدما عجزت عن معرفة والدها توفيت، وبقي السؤال: هل لنا نحن الأبناء أن نبحث عن جدنا والد أمي علما أن جدتي أم الوالدة نزورها دوما ولديها أبناء وبنات ولكن تقول دوما أنا لا أعرف من يكون وتدل على اسم لكن لا تذكر شكله.. أفيدوني يحفظكم الله ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الشرع بصلة الرحم، وحث على معرفة النسب الذي تحصل به الصلة، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر. رواه الترمذي وصححه الألباني.
كما أن معرفة النسب منها ما هو واجب لاجتناب التزوج بالمحارم ومعرفة من له حق الإرث من قرابته، قال ابن حجر في بيان ما يجب تعلّمه من النسب: وَأَنْ يَعْرِف مَنْ يَلْقَاهُ بِنَسَبٍ فِي رَحِم مُحَرَّمَة لِيَجْتَنِب تَزْوِيج مَا يَحْرُم عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَنْ يَعْرِف مَنْ يَتَّصِل بِهِ مِمَّنْ يَرِثهُ أَوْ يَجِب عَلَيْهِ بِرّه مِنْ صِلَة أَوْ نَفَقَة أَوْ مُعَاوَنَة.
وعلى ذلك فيجب عليكم معرفة جدّكم وأعمامكم وعماتكم وأولادهم إذا أمكنكم ذلك، أما إذا لم يمكنكم ذلك فلا حرج عليكم، لقول الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1430(8/1127)
الشيطان يسعى إلى قطع الإرحام وإفساد ذات البين
[السُّؤَالُ]
ـ[سأطيل عليكم قليلاً لأن القصة مرتبطة ومشتبكة مع بعضها البعض.
في سنة 1994 توفيت أمي، وتركت ابنة صغيرة، فكان أعمامي وأخوالي يريدون أن يربوها فتكفل بها عمي وزوجته لأنه لا يوجد لديهم بنات، وهي موجودة إلى الآن مع عمي الأصغر، وهي تتجاهل بأنها أختنا لأن زوجة عمي لا تريد أن تخبرها بالحقيقة لأنهم متعلقون ببعضهم، مع أن خالي قالت لها الحقيقة مرة 2008 إلا أنها تعصبت، وعندما أكلم أبي عن الموضوع لا يقدر أن يأخذها؛ لأن عمي من النوع الذي يغضب.
في حين أنهم يحسبون بأنه منزل واحد عائلة واحدة لا فرق بين أطفالهم، مع العلم بأن أبناء عمي معظمهم مسافرون يدرسون بالخارج.
وتقريباً من سنة 1997 كان توفيت جدتي أم أخوالي، وأحد أعمامي زوج ابنته في ذات الأسبوع في مدة لم تتجاوز العشرة أيام، الأخت الأكبر للأخت الذي يريد الزواج بها أخي، مع العلم بأن أخوالي وأعمامي أبناء عمومة.
في حين طلب أبي من عمي تأجيل العرس لأنه مازال عندنا عزاء أو أنه لن يتكلم معه مجددا، وبعدها بسنة أبي لا يريد أن يزوج أخي من ابنة عمي لأسباب لا أعرفها حتى الآن، وفي نفس المدة هو وعمي على خلاف.
وبعدها طلب أخي بأن يزوجوه واحدة أخري فرفض أبي وذلك لأسباب يراها هو، فذهب أبي وأعمامي إلي عمي الأكبر وخطبوا ابنته التي كان يريدها في السابق أخي بعد أن تصالحوا بمدة.
بعد فترة ذهب أخي إلي خالي وطلب منه أن يزوجها له (ليست ابنة عمي بل الأخرى) وبعدها يقول خالي رددته مرتين، وبعد ذلك جاء أخوالي إلي أبي، ومعهم بعض الأقارب كي يعملوا حلا لأن أبي لا يريد هذه الفتاة وهو خاطب له بنت عمي، ويريدها بأكثر من أي شئ لابنه.
فعندما دار الحديث كان خلاصة الكلام من أخوالي (يا أنت تزوجها له أو نحن نزوجها له) فرد أبي (هذا ليس بحل أنه فرض)
(أذهبوا وزوجوها له) فتخاصموا من سنة 2001
ومن حينها أبي لا يكلم خالي ولا يسلم عليه، فتم بعد ذلك وزوجها له رغماً عن أبي لأنه رافض الموضوع إطلاقاً.
وفي هذه السنوات السابقة 2005 تصالح أبي وأخي ولكن مع خالي لم يتصالحوا، وأبى لا يسلم على خالي وحين تدخلوا في الموضوع يقول أبى لا أقدر؛ لأن كل الذي فعله يمر أمام عيني كلما أراه.
والسنة هذه كان أبى ذاهب للحج فتكلم معه أحد الشيوخ وعمى وقال له يجب أن تنهي هذا كله وبالفعل لم يرفض لأنه ذاهب إلي بيت الله للحج.
فتوكلوا على الله وذهبوا إلى خالي الأكبر، عمي والشيخ ليصطحبوه معهم ويتم الصلح وثم إلى خالى الأصغر ولم يمتنع، ولكن خالي الأكبر امتنع وبدأ يعطي أسبابه، ومع أنه يرى نفسه على الصواب. وقال ابن أختي كنت أخاف عليه من الضياع، كأن تصيبه حالة نفسية أو اكتئاب، ولذلك زوجته من يريد هو وليس أبوه، ونريد أن نعرف من هو المخطئ في ذلك، ورجعوا إليه اليوم (عمي ومعه أقارب رجل خالتي وعمي درجة ثانية) الذي يليه ولم يقل شيء، قال إن شاء لله هل هو أرسلكم (لجماعة الصلح) .
وذهب إليه أخي الذي زوجه ولكنه رفض، وكذلك أختي وكذلك لم يأت، أنا لم أذهب لأني أعرف بأنه سيردهم.
يمكن أنه نسيت بعض الأشياء، لكنني متأكد من أن الموضوع وصل لكم بالكامل.
أعلم بأني أطلت عليكم، مع العلم أن عمي الأكبر (صاحب البنات) خطيب جمعة وهو متوفى 2008
وخالي مدير مدرسة إعدادية وملتزم، وعمي الأصغر (كفيل أختي) سفير وملتزم، أبي دكتور وخطيب جمعة وشيخ قبيلة كبيرة.
أريد تحليلاً مفصلاً (فتوى) ومن هو الذي علي حق، وكيف العمل مع هؤلاء الناس المتعلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما حدث بين والدك وخالك وبين غيرهما من أفراد عائلتكم عموما هو من نزغ الشيطان الذي لا يألو جهدا أن يحرش بين المسلمين ليوقع العداوة والبغضاء بينهم, وينبغي على المسلم أن يكون على بصيرة من أمر عدوه فلا يدع نفسه ينزلق في خطوات الشيطان ومكائده, فإن فساد ذات البين من الأمور العظيمة التي تذهب الدين والمروءة خصوصا عندما تكون بين الأرحام والأقارب, فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني , وحذر صلى الله عليه وسلم من هجر المسلم فقال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني. بل قد جاء وعيد شديد فيمن هجر أخاه سنة فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. صححه الألباني.
جاء في فيض القدير أي مهاجرته سنة توجب العقوبة، كما أن سفك دمه يوجبها، والمراد اشتراك الهاجر والقاتل في الإثم لا في قدره، ولا يلزم التساوي بين المشبه والمشبه به. ومذهب الشافعي أن هجر المسلم فوق ثلاث حرام إلا لمصلحة كإصلاح دين الهاجر أو المهجور أو لنحو فسقه أو بدعته. انتهى
فعليك بنصح جميع الأطراف أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، وألا يضيعوا ما بينهم من حقوق الرحم، وقد قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ {النساء:1} أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها. فإن قطعها من أعظم المحرمات، لقوله سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وتقطعوا أرحامكم أولَئكَ الَّذِينَ لَعنهم الله فأصمهمْ وأعمى أبصارَهُمْ {محمد:22،23} وليس الواصل الذي يصل من وصله، ويحسن إلى من أحسن إليه فحسب، فهذا مكافأة، وإنما الواصل الذي يصل من قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، روى البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
أما ما أقدم عليه أخوك عندما تزوج بابنة خاله دون موافقة أبيه، فهذا وإن كان خلاف الأولى، إلا أنه لم يظلم أباه عندما فعل ذلك خصوصا إذا ترتب على عدم زواجه منها ضرر, وكذا خالك الذي زوجه ابنته لم يبغ على حق من حقوق أبيك، بل إن والدك هو الذي جانبه الصواب عندما رفض زواج ابنه ممن يريد، فإن هذا حق للابن، ولا يجوز للأب أن يمنعه منه إلا بسبب شرعي معتبر كأن يريد الزواج ممن لا يرتضى دينها أو خلقها.
وأما أختك التي نشأت في بيت عمها فعليكم أن تعلموها بحقيقة نسبها الذي تحاول زوجة عمك أن تخفيه عنها, فإنه يحرم على الشخص أن ينتسب لغير أبيه، ويحرم على غيره أن يعينه على ذلك. ولا شك أن مقامها في بيت أبيها وسط إخوتها أولى من بقائها في بيت عمها، فإذا انضم لذلك أن أباها يطلب رجوعها لبيته فهنا يجب عليها الرجوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1430(8/1128)
بر الوالدين من أجل الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية لكم مني كل تحية واحترام وبارك الله فيكم على هذا العمل الطيب أسأل الله أن يرزقكم الفردوس الأعلى إن شاء الله....
أنا امرأة متزوجة وربنا رزقنا بطفلين ولله الحمد وأعمل وأساعد زوجي، وزوجي رجل طيب جداَ ويعرف ربنا على حق والحمد لله نحن متفقون في كل شيء، المشكلة في والدته ربنا يهديها متشددة جداَ وتريد أن تعرف كل التفاصيل عن حياتنا وتطلب أشياء كثيرة من زوجي وعندما يوافق نفاجأ بأنها أخذت أكثر من المتفق عليه وكل ما أناقش زوجي في الموضوع يقول إنه يعلم إن ذلك كثير ولكن لا توجد مشكلة لا تنس أن ربنا أمرنا ببر الوالدين. وسؤالي: أولا إلى أي مدى يكون بر الوالدين؟ وإذا طلب مني شيئا وهو في استطاعتنا ولكن نحن عندنا أولويات وهي تجهيز شقتنا والأثاث، نحن تزوجنا بدون شقة أو أثاث لأننا مسفرون وكل عام ننزل عند أهل زوجي وتحصل مشاكل كثيرة وصلت لحد طردي من المنزل والموضوع كان مفهوما بشكل خطأ، عند توضيح الأمر من قبل زوجي قالوا بلغ زوجتك بالرجوع مرة ثانية طبعا بدون اعتذار لي أو شيء.
الحمد لله نحن اشترينا الشقة وباق علينا أقساط ولكن يتبقى شيء من الراتب اتفقنا على توفيره من أجل الحج إن شاء الله، وإذا ما كان فيه نصيب سنشطب به الشقة فهل ذلك أولا أم نحضر عقد سفر لأخي زوجي سيكلف علينا 5ألف دولار وبعد مجيئه إلى البلد نشتري له سيارة يعمل عليها ب 5 ألف دولار أيضا علماَ بأن أي مبالغ يحصل عليها لا ترجع مرة ثانية لأن والده قبل ذلك طلب منه شراء قطعة أرض زراعية واتفق مع والده أن تكون الأرض باسم زوجي وعمل له توكيلا على ذلك وللأسف بعد ذلك بصدفة عرفنا أن الأرض باسم ولده ووعدنا بأنه سيرجعها لنا وللحين لم يرجعوا لأي شيء، نحن لا نسألهم على إيجاره أو محصولها يستفيدون هم منه ولكن نريد أن تكون باسم زوجي لأن زوجي ليس لديه عمل ثابت أو مشروع في بلده وهم يدرون كل هذا وأشعر أنهم متحاملون عليه ولست أدري ماذا أفعل حتى لا أكون الزوجة التي تحرض زوجها على أهله ولا أريد أن يضيع حقي وحق أولادي،أريد أن نعينهم ولكن يقدر استطاعتنا مع أنهم هم الذي يحددون المبلغ الذي يريدونه ومع وبعد موافقة زوجي على الأمر نجد أنهم أخذوا أكثر وهم يعلمون أن زوجي لا يعترض على شيء، أريد حفظ حق أطفالي فقط دون الاعتداء على حقوقهم كوالديه وأخواته لأن الزمن أصبح صعبا والله يعينا ويعنكم، فما أدري كيف أرجوكم ساعدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على إعجابك بموقعنا ودخولك عليه واستفادتك منه، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك على خدمة دينه.
ولا يخفى عليك أن بر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات، ولا يمكن أن نحده بحد معين، فمهما أمكن المرء بر والديه بما لا يترتب عليه منه ضرر ولا معصية فليفعل، فينبغي أن تكوني عونا لزوجك في البر بأمه، وعليك بالصبر على ما قد يصدر منها تجاهكم من أذى، وينبغي لزوجك أن يجتهد في دفع أذى أمه عنك على وجه لا يترتب عليه العقوق بأمه.
ولا يلزمه أن يستجيب لأمه فيما تطلب من مال لا تحتاج إليه، أو كان يلحقه منه مشقة كبيرة، وعليه في مثل هذه الحالة ملاطفة أمه ومداراتها بحيث يدفع لها من المال ما يرضيها ولا يلحقه منه ضرر، وراجعي الفتوى رقم: 3109.
ولا يلزم زوجك أيضا أن يشتري لأخيه هذا العقد، وإذا أراد أن يحسن إليه فيصل بذلك رحما فهو أمر حسن، ويمكنه أن يدفع له هذا المال على سبيل القرض، ويكتب بذلك كتابا ويشهد عليه.
وأما بخصوص الحج فإذا كانت هذه الحجة حجة تطوع فيمكن أن يقدم عليها شراء هذا العقد، وكذا إن كانت حجة الإسلام وملكتم هذا المال بعد موسم الحج، وأما إن ملكتم هذا المال قبل موسم الحج فتقدم حجة الإسلام على شراء العقد، ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 109570.
ومن الأمر الطيب أن يحاول الإنسان أن يخطط لمستقبل أولاده ويدخر لهم ما قد يحتاجون إليه من مال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. متفق عليه.
ولكن لا ينبغي أن يكون هذا الأمر هاجسا يزعج صاحبه، فإن الله تعالى الذي خلق هؤلاء الأولاد لن يضيعهم، فقد تكفل سبحانه برزق خلقه فقال: وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {العنكبوت:60} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(8/1129)
الإنفاق على الأم غير المحتاجة على سبيل الإحسان لا الوجوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوج من 6 سنوات، أمي تطلب مني أشياء كثيرة دائما، ودائما أنفذ لها ما تريده، رغم أن ذلك يسبب عددا من المشاكل مع زوجتي في آخر سنتين أمي تطلب مبالغ مالية كبيرة وتقول لي إنها سلف، وأنها سوف تقوم بردها برغم أني أعلم أنها لن تستطع رد كل هذه المبالغ، وذلك إما لشراء سيارة حديثه أو لمساعدة أخي الأصغر للهجرة رغم أنه طبيب، وكل زملائه قادرون على فتح بيوت. زوجتي معترضة على مبدأ السلف، وخاصة لمساعده أخي مع العلم أني أدفع مبلغا شهريا لعلاج أبي، وأعطي أمي كل ما تطلبه، أنا أعطيت أمي مبلغ 4 آلاف دولار على سبيل السلف لشراء سيارة، ومر عامان ولم تردهم بل طلبت4 آلاف دولار أخرى لمساعده أخي، وزوجتي غير راضيه عن ذلك. هل أنا مخطئ إذا ظللت أعطي أمي ما تطلبه مني خاصة أن أوجه إنفاقه غير مقنعة لي ولزوجتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبارك الله فيك لحرصك على بر أمك، فإنّ برّها من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، ومن البرِّ بها الإنفاق عليها إذا احتاجت للنفقة، أما إذا لم تكن محتاجة للنفقة وسألتك مالاً لأمرٍ مباح وأمكنك إعطاؤها من غير إضرار بواجباتك، فذلك غير واجب عليك لكنه من الإحسان، ولا إثم عليك في ذلك إلا أن تعلم أنها تنفقه في شيء محرم.
وننبه إلى أن أخاك إذا كان يريد السفر لبلد غير مسلم بلا ضرورة أو حاجة شديدة، فذلك غير جائز وحينئذ لا يجوز لك إعانته على ذلك، وراجع الفتوى رقم: 2007.
واعلم أنه لا يلزمك أن تخبر زوجتك بما تعطيه لأمك، ويمكنك استعمال التورية والتعريض إذا سألتك عن ذلك حتى تتجنب الخلاف معها.
أما إذا رأيت أن هناك أوجهاً لإنفاق هذا المال أولى من ذلك فيمكنك الاعتذار لأمك بحكمة ورفق، مع المداومة على برها والإحسان إليها.
وعلى كل حال فزوجتك لا ينبغي لها أن تتدخل في تصرفاتك بهذا الخصوص، ما دمت تعطيها حقها الواجب لها عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(8/1130)
انصحي أمك بالإقلال من الخروج من البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد مساعدتي معرفة ما يجب عليه فعله، أنا أم ولدي أبناء، أقوم بخدمتهم وخدمة زوجي. لدي أم في بيتها ولديها خادمة، وأخي كذلك يعيش معها علماُ باني أقوم بخدمتها وتلبية حاجاتها إلا أنها تكثر من الكلام وتريد الخروج دائما بالسيارة؛ لكي تتفرج وهي تحس بضيق دائماُ ووحدة، وأحدثها يا أمي الخروج من البيت للضرورة، وهي تقول التفسح بالسيارة ليس بعيب. وأنا عكس ذلك. وهي كثيرة التحجج. أفيدوني يرعاكم الله ماهي واجباتي؟ وهل ألبي طلبها بالخروج في معظم الوقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن المرأة مأمورة بالقرار في بيتها، فلا يكون خروجها إلا لضرورة أو حاجة، لقوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ {الأحزاب: 33} . قال القرطبي رحمه الله: معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة مليئة بالنصوص التي تأمر بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة على ما تقدم في غير موضع. انتهى.
فعليك أن تنصحي أمك بالإقلال من الخروج من البيت، وأن تذكريها بنعمة الله عليها في الفراغ لتقوم بشكر هذه النعمة، فتستغل أوقاتها فيما خلقنا له من عبادة الله وطاعته، فإن الإنسان مسئول عن ذلك أمام الله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه. أخرجه الترمذي وصححه الألباني. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ. رواه البخاري وغيره.
فمن أنعم الله عليه بنعمة الفراغ عليه أن يستغلها في طاعة الله والقيام بأوامره والإكثار من ذكره وشكره، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا {الفرقان: 62}
ومع هذا فلا مانع إن هي أحست في بعض الأوقات بشيء من الملل والضيق أن تجيبيها إلى ما تطلبه منك من الخروج معها للنزهة والترفيه، بشرط أن ينضبط هذا الخروج بالضوابط الشرعية من التزام الحجاب وترك الاختلاط والزينة وغير ذلك، ولا بد وأن يكون ذلك بإذن زوجك وعلمه، وألا يؤدي اشتغالك بأمك إلى الإخلال بحقوقه.
وفي النهاية نذكرك بالصبر على أمك والإحسان إليها والقيام بمصالحها قدر الوسع والطاقة، فإنها وصية الله ورسوله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1430(8/1131)
أبوه يبخل على الأسرة ويسيء معاملته
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يعمل بشركه كبرى، ولكنه بخيل على أسرته رغم دخله الكبير ثانيا: يعاملني دون عن بقية إخوتي معاملة سيئة، وظلمني كثيرا جدا لدرجة انه يغلق أبواب رزقي حين يفتحها الله لي، ويتسبب بانقطاع عيشي وحين أذهب للتقديم بإحدى الشركات يتصل بالمسؤولين ويتم إيقافي بعد الترحاب بمؤهلاتي، وهذا أقل شيء أذكره لسيادتكم
ودائما يطردني من المنزل دون سبب رغم والله يشهد أني شاب صالح جدا، ولم أخطئ بحقه رغم كل هذا الظلم فأرجو من سيادتكم إفادتي بأسرع وقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لأبيك أن يبخل بماله عمن تلزمه نفقتهم من زوجته وأولاده الصغار الذين لا مال لهم، فهؤلاء تجب عليه نفقتهم بالمعروف، أي بما هو متعارف عليه ممن هم في مثل حالهم في اليسار والغنى، فإن بخل عليهم بهذا القدر فهو ظالم لهم آكل لحقوقهم، ويجوز لزوجته حينئذ أن تأخذ من ماله بالمعروف ما يكفيها ويكفي أولادها دون علمه بشرط أمن العاقبة، بحيث لا يترتب على ذلك ضرر كبير ومفسدة عظيمة، وإلا فلا يجوز لها الأخذ، ولها أن ترفع أمرها للقاضي ليلزمه بالنفقة الواجبة عليه، ولتستمر في السعي في طلب الرزق.
أما ما يحدث من أبيك تجاهك فلم يتبين لنا ما هو الدافع له على فعله، ومن المستبعد أن يقوم أب بمثل هذا التعنت والأذى مع ابنه دون سبب يحمله على ذلك، فإن كان منك تقصير في حق أبيك، فعليك أن تبادر فورا بتداركه وإصلاحه، فإن رضا الرب في رضا الوالد، وإن لم تتبين سببا ظاهرا لما يحدث فعليك أن تستوضح منه برفق وتلطف عما يحمله على ذلك، فإن تأكد لك أنه لا سبب لذلك إلا محض الظلم منه، فلا يسعك حينئذ إلا الصبر عليه، فإن عظم حقه عليك يستوجب منك أن تتغاضى عن زلاته وهفواته، وأن تقابلها بالبر والإحسان والصبر.
واعلم أن هذا ابتلاء من الله لك لينظر صبرك وقيامك بحق والدك، فإن صبرت فأبشر حينئذ بفرج عاجل، وثواب عظيم لك من ربك في الدين والدنيا، فقد قال سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان: 20} يقول ابن القيم رحمه الله: فليس لمن قد فتن بفتنة دواء مثل الصبر، فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له ومخلصة من الذنوب، كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة، فالفتنة كير القلوب ومحك الإيمان، وبها يتبين الصادق من الكاذب. انتهى.
فإن استمر الأمر على ذلك مع دوام صبرك عليه فيمكنك حينئذ أن توسط من يصلح بينكما من أهل الخير والفضل خصوصا من لهم وجاهة عنده، فلربما كان كلامهم أحظى عنده من كلامك.
وتذكر دائما أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(8/1132)
مات زوجها فتنكر لها هي وأولادها والداه وإخوته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في الجدين اللذين لا يزوران أبناء ابنهم المتوفى ويتخلون عن مسؤوليتهم اتجاههم ويتركون أرملة ابنهم تعاني الأمرين في التربية وخاصة في هذا الوقت الصعب وخاصة أنهما أخذا الميراث وتمتعا به وأعطوه لابنهما فكان الأجدر بهما تذكر ذلك، مع العلم أيضا أن لهم أعماما عدة ولا يكلفون أنفسهم حتى السؤال بالهاتف، مع العلم أننا في نفس البلدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن هجر الجدين أحفادهما وهجر الأعمام أولاد أخيهم لا شك أن ذلك يعتبر من قطيعة الرحم التي دل الكتاب والسنة على أنها كبيرة من كبائر الذنوب، كما قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد: 22-23} . وقد سبق أن بينا خطورة قطع الأرحام في الفتوى رقم: 31749.
ولا شك أيضا أن للأحفاد إذا كانوا دون سن البلوغ حقا مؤكدا على جدهم والد أبيهم لأنه هو وليهم في الأصل بعد موت الأب فلهم حق التوجيه والرعاية، وإذا كانوا فقراء عاجزين عن التكسب فإن لهم حق النفقة أيضا، والذي ننصح به أم هؤلاء الأحفاد بعد تقوى الله تعالى هو أن لا تقابل إساءتهم وهجرهم بالمثل، ولتنشئ أولادها على صلة رحمهم وزيارة أجدادهم وأعمامهم ولها الأجر والمثوبة على ذلك إن شاء الله في الدنيا والآخرة، وانظري للأهمية الفتوى رقم: 4417، والفتوى رقم: 77480.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(8/1133)
استدان منها أخوها وامتنع عن السداد مع قدرته ويساره
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت الوالدة مني منذ عشرين عاما أخذ قرض لأخي ليقوم بعمل ما وأنا على علم بأن هذا العمل سيخسر فيه وهو البورصة وأصرت أمي على أخذ القرض مع رفض والدي الشديد وأخذته إرضاء لها وخسر المال وتعهدت أمي بأن تطالب أخي باسترداده لي ومنذ ذلك الحين ولم أتحدث بالموضوع على أمل إعطائه لي ومنذ فترة طلبت من والدتي أن تطلب لي المبلغ من أخي وعندما طلبته قال لها إن هذا الموضوع قديم وإنه كان يعطي والدي مالا ليعيشوا منه وأنه إذا كنت أريد مالي آخذه من أمي مع أن أمي أرملة، وطلبت من أمي أن تخبره أنني لن أسامحه فلم يكترث وقال لتفعل ما تريد، وأمي تحبه جدا ولا تريد أن يغضب وحتى وهي تعلم أنني أمضيت سنوات كثيرة وأنا أسدد المبلغ ولم يسألني أحد كيف سددته فما حكم الإسلام فيمن يأخذ حق أخته ولا يريد استرجاعه وهي لا تريد أن تسامحه لأن حالته المادية ميسورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستدانة لحاجة غير مذمومة إذا كان في نية صاحبها الوفاء، أما من استدان ولم يقض دينه مع كونه موسراً فإنه يأثم بذلك ويكون ظالماً، ويجوز شكايته إلى القاضي الشرعي، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ. والمطل هو منع قضاء ما استحق أداؤه، وروى أبو داود عَمْرِو بن الشَّرِيدِ عن أبيه عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ.
ولا ينبغي للمسلم الاستهانة بقضاء الديون فإن من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، لما رواه مسلم عن أبي قَتَادَةَ: عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قام فِيهِمْ فذكر لهم أَنَّ الْجِهَادَ في سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إن قُتِلْتُ في سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فقال له رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نعم إن قُتِلْتَ في سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ قُلْتَ؟ قال: أَرَأَيْتَ إن قُتِلْتُ في سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نعم وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إلا الدَّيْنَ فإن جِبْرِيلَ عليه السَّلَام قال لي ذلك.
ومن الكبائر التي ذكرها الهيتمي في الزواجر: الاستدانة مع نيته عدم الوفاء أو عدم رجائه بأن لم يضطر ولا كان له جهة ظاهرة يفي منها والدائن جاهل بحاله. ثم ساق جملة من الأحاديث الدالة على ذلك، فمنها: ما رواه البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أَخَذَ أَمْوَالَ الناس يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى الله عنه وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ الله.
وما رواه الترمذي عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه. قال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ومعنى مُعَلَّقَةٌ أي محبوسة عن مقامها الكريم حتى يقضى عنه دينه.
وما رواه أبو داود عن ِعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: من حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ من حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ وَمَنْ خَاصَمَ في بَاطِلٍ وهو يَعْلَمُهُ لم يَزَلْ في سَخَطِ اللَّهِ حتى يَنْزِعَ عنه، وَمَنْ قال في مُؤْمِنٍ ما ليس فيه أَسْكَنَهُ الله رَدْغَةَ الْخَبَالِ حتى يَخْرُجَ مِمَّا قال.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على المدين حتى فتح الله عليه الفتوح فكان يقضي الدين عن المدين ويصلي عليه، فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسأل هل ترك لدينه فضلا فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى، وإلا قال للمسلمين صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح، قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته.
قال النووي في شرح مسلم: إنما كان يترك الصلاة عليه ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم والتوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
فمن تدبر في هذه الأحاديث كان حرياً به ألا يستدين إلا لحاجة وأن يبادر بأداء ما عليه من الديون متى أمكنه ذلك.
فأنت مخيرة في أمر أخيك بين المطالبة بحقك وشكايته إلى القاضي الشرعي، وبين العفو، ونذكرك بأن العفو وإن كان شاقاً على النفوس فإن له منزلة عظيمة، ويتأكد هذا إذا كان أخوك هو الظالم لكِ فإن في العفو عنه محافظة على صلة الرحم وبراً بوالدتك.
قال الله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور: 22} .
وقال سبحانه: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} .
وروى مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ من مَالٍ وما زَادَ الله عَبْدًا بِعَفْوٍ إلا عِزًّا وما تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلا رَفَعَهُ الله.
وراجعي في فضل العفو الفتاوى الآتية أرقامها: 111346، 113587، 113608.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(8/1134)
أبوه يرفض تزويجه لاختلاف جنسية من يريد الزواج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الزواج من فتاة، ولكن والدي يعارض لأني من جنسية فلسطينية، والفتاة ذات جنسية أردنية، وأبي لديه العنصرية التامة بين الأردني والفلسطيني ... فماذا أفعل؟ علما أني أحب الفتاة في الله، وأخاف الحرام، وأطلب رضا الله والوالدين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطاعة الوالدين من أوجب الواجبات، وعقوقهما من أكبر الكبائر التي توجب غضب الله.
أما عن سؤالك، فإذا كان رفض والدك لتلك الفتاة لأسباب مقبولة، كأن يكون لعيب في دينها أو خلقها، فالواجب عليك طاعته، لأن طاعة الوالدين مقدمة على الزواج من فتاة بعينها، إلا أن يكون عليك في ذلك ضرر كبير أو تعرض للوقوع في الحرام، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 97876.
أما إذا كانت تلك الفتاة على خلق ودين، وكان رفضه لمجرد اختلاف الجنسية، فلا يجب عليك طاعته، وراجع الفتوى رقم: 43123، فإذا أردت زواجها، فعليك أن تجتهد في إقناعه، وتوسِّط من ترى له تأثيرا عليها، فإن أصرَّ على رفضه، فلا حرج في الزواج منها، مع الحرص على بره والإحسان إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(8/1135)
حكم السب الشقيق شقيقه بألفاظ جارحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن الحكم الشرعي عن قيام الأخ (الشقيق) بسبه وشتمه ونبذه ورميه بألفاظ وعبارات قبيحة مثل حمار وحقير ومريض نفسي ونصاب وأرسل أليك مصروفك كالأرمله؟ أرجو الرد للأهمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن السب والقذف أمر محرم مناف لخلق المؤمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. متفق عليه.
وإذا كان السب والشتم بغير حق مع الأخ الشقيق كان أشد إثما، فإن الأخ من الأرحام الذين أمرنا الله بصلتهم والإحسان إليهم، فعليك بنصح هذا الأخ بالتوبة من هذا الأمر، وأن يتعامل مع أخيه بالمعروف ويستحله مما أوقعه به من أذى بغير حق. وينبغي للأخ أن يحلم عليه، ولا يقابل إساءته بمثلها ابتغاء وجه الله، حتى يؤلف الله بينهما ويجنبهما نزغات الشيطان.
قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت:34}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(8/1136)
حكم دفع المال للأب ليشتري به خمرا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ابنة وحيدة متزوجة ولي أطفال، أختي توفاها الله منذ 10 سنوات، أبي يسكن معي وهو مدمن خمر، وللأسف يرفض أي علاج، وهو لا يعمل، ويأخذ مني الفلوس لشراء الخمر، وإذا رفضت يستلف من الناس مما يحتم علي رد هذه المبالغ أيضا، كما أنه قد قام بالاعتداء على الخادمة والحمد لله نجحت في حمايتها منه، ولكني أعاني منه كثيراً ولا أستطيع تركه وحيداً، فليس له غيري، ولكني لا أريد لأبنائي أن ينشؤوا في هذا الجو البغيض. وأريد أن أسأل هل علي وزر بسبب إعطائه هذا المال لينفقه في الحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخمر أم الخبائث، وشربها من أكبر الكبائر، ومما يوجب غضب الله، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه. رواه أبو داود، وصححه الألباني.
وإذا كان الشرع قد عظم حق الوالدين، وأمر بحسن صحبتهم مهما كان بعدهم عن الدين، إلا أنه جعل طاعتهم مقيدة بما لا يخالف الشرع، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وعلى ذلك، فلا يحل لك أن تعطي والدك مالاً ليشتري به خمراً، لما فيه من المعاونة له على هذا المنكر، قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} .
ولا يلزمك أن تردي المبالغ التي يستدينها لشراء الخمر، وعليك أن تحذّري هؤلاء الناس من إعطائه مالاً، وتحولي بينه وبين كل ما يعينه على شرب الخمر.
واحرصي على إبعاد أولادك عن مخالطته والتأثر بأخلاقه، واعلمي أنه لا يجوز لكم أن تجلسوا معه حال شرب الخمر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر. رواه أحمد، وصححه الألباني في الإرواء.
وعليك أن تجتهدي في سبيل علاجه من هذا الإدمان، واستشيري في ذلك من تثقين فيه من أهل الخير والصلاح من أقاربك وأهل معرفتك. ولا يمنعك الحياء المذموم من ذلك، فإنك إن تساهلت في ذلك فلربما يصل الأمر إلى ما هو أشنع وأخطر مما لا تحمد عقباه، فبادري بالأمر قبل فوات الأوان، ونعود نؤكد عليك في بره بالمعروف ونصحه برفق، والإلحاح في الدعاء له، فإن الله قريب مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1430(8/1137)
الغضب لا يبرر عقوق الوالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا غضوب جدا وقد حاولت أن أقوم بمنع نفسي من الغضب ولكن لم أستطيع، ويخرج هذا في صورة عقوق بارز للوالدين وأنا حزين جدا بسبب عقوقهم وأسع لإرضائهم من كل قلبي ولكن يحدث العكس فهل نيتي الآن تصلح عملي الفاسد وكيف الخلاص من عقوق الوالدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عقوق الوالدين من أعظم الكبائر التي نهى الله عنها ونهى عنها رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد بينا شناعة هذا الفعل وحكمه وعقوبته في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25001، 26938، 11649.
وكون هذا العقوق يحصل منك حال الغضب وتحت تأثيره لا يعفيك من المسؤولية ولا يبرئك من التبعة والمؤاخذة، فإن الغضب ليس عذرا للإنسان في اقتحام المحرمات وولوج المنكرات، بل الغضب داء له علاج، وعلاجه بمجاهدة النفس وكبح جماحها عن الاسترسال فيه، فمن جاهد نفسه في ذلك ونهاها عن هواها فيوشك أن يصرف الله عنه شر الغضب وشؤمه وأن يبدله مكانه حلما وسكينة وأناة، وقد بينا في الفتوى رقم: 8038 الهدي النبوي في علاج الغضب، فإن أخذت بهذه الأسباب ولم يسكت عنك الغضب عندها عليك بعرض الأمر على أهل التخصص من الأطباء النفسيين فربما كان هناك سبب نفسي يحتاج للعلاج.
أما سؤالك عن نيتك الصالحة في بر الوالدين مع استمرار العقوق لهما ظاهرا؟ فنقول: إن مجرد النية في الإصلاح خير ولا شك، ولكن النية وحدها غير كافية لأن الإنسان كما كلف بإصلاح نيته فقد كلف أيضا بإصلاح عمله، والإيمان مركب من قول وعمل ونية، فلا تسد النية مسد العمل، ولا تصلح النية الصالحة العمل الفاسد بل إن مداومة الرجل على السيئ من الأعمال دليل على فساد نيته ولو ادعى غير ذلك، فإنه لو صلحت نيته لصلح عمله، والإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1430(8/1138)
الإحسان إلى الأم واستشعار عظم حقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 26 عاما ولي 3 أخوات أصغر منى، تركنا أبى منذ صغرنا منذ 16 عاما وقامت أمي بتربيتنا وقد أصابني الله بمرض السكر منذ 9 أعوام الحمد لله وتمت خطبتي 3 مرات المرة الأولى لابن خالتي ولكن لم يتم النصيب فُسخت الخطبة لأنه كان لا يريد العمل ويريد أن يصرف عليه والده الذي يعمل بدولة عربية وكانت أمه صاحبة الكلمة في بيتهم الله يسامحها، وفي الخطبة الثانية لم يتم النصيب أيضا لعدم اتفاقي معه في الطباع، أما في الخطبة الثالثة لم يتم النصيب أيضا حيث إني وافقت عليه وهو من بلد مجاور لبلدنا وكنت أخشى من أني لا أستطيع التأقلم في بلده ولكنى غصبت على نفسي خوفا من الله سبحانه وتعالى فقلت لنفسي لعله يكون شخصا يتقي الله وفي أثناء الخطوبة حدثت أمور أدت إلى فسخ الخطبة كانت أمي وأخي لا يحبان أن يطول في زيارته لي وهذا هو سبب المشكلة بينهم وازداد الكره له من ناحية أمي وأخي لدرجة أني حاولت التوفيق بينهم ولكن لم يتم التوفيق وفي مرة أخرى حصل بيني وبينه مشادة فوجدته يحلف حلفا حراما ويقول: علي الحرام من ديني. ومن هنا فُسخت الخطبة كما لو أن القدر يكتب لي أن تفسخ هذه الخطبة أيضا؟
ولكن في ظل هذه الخطبة وهذا هو ما أود السؤال عنه طلبت من أمي 2000 جنيه لكي أكمل جهازي مستلزمات عرسي ولكنها رفضت وقالت لي إنك تعملين جهزي نفسك بنفسك، أنا فلوسي التي معي أدخرها لما يمكن أن يحصل لي من حوائج، وما يحز فى نفسي أن ترفض أمي مساعدتي على الرغم من أنى أتحمل مسؤولية نفسي وأساعد في مصارف البيت وهي ترفض مساعدتي لدرجة أنى كنت أنام الليل باكية وهي تراني أشعر من وقتها بفتور في قلبي ولكن سرعان ما أعود ثانيه لحناني من ناحية أمي، أمي قد أصيبت الأن بمرض الكبد شفاها الله وعفاها لكني أخاف الله فأنا أشعر من داخلي بحزن شديد، حزينة لافتقادي الحنان وحزينة بسبب هذا الفتور الذي أصاب قلبي، دلوني بالله عليكم على ما أفعل، وما هو التصرف السليم في هذا الموقف مع أمي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى عليك أيتها السائلة أن حق الأم عظيم بل إن حقها هو أعظم الحقوق على الرجل بعد حق الله تعالى وأعظم الحقوق على المرأة بعد حق الله وحق الزوج.
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
ولا تنسي ما صنعت أمكم معكم من تربيتكم والصبر عليكم وعلى فراق أبيكم فهذا ولا شك جهد مشكور وهو مما يؤكد حقها وبرها ويضاعف فضلها عليكم.
وفي الحقيقة فإن ما فعلته أمك من منعك من المال الذي طلبت, ليس ظلما لك – إذا كان هذا المال خاصا بها فإن مالها لها تتصرف فيه كما تشاء، كما أن لك أن تتصرفي في مالك كما تشائين, ولا يلزم أمك تجهيزك في زواجك بل لا يلزمك أنت تجهيز نفسك شرعا لأن الشريعة قد جعلت جميع ذلك على الزوج وحده, فجعلت عليه المهر والكسوة والمسكن وأثاث السكن ولا تطالب المرأة بشيء من ذلك , وأما ما جرى به العرف في هذه الأيام من أن تساهم المرأة وأهلها في ذلك فلا بأس به , ولكن ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل التبرع والتطوع.
فلا ينبغي أن يضيق صدرك من فعل أمك خصوصا وأنها لم تمنعك مالها في شيء تحتاجينه على سبيل الضرورة بل في شيء أنت غير مطالبة به أصلا.
فهوني عليك الأمر ولا تعطي الأمر فوق قدره، وليكن همك أن تجاهدي نفسك فيما تجدينه من وجد وضيق من أمك بسبب ما حدث, واحذري كل الحذر أن يعظمه الشيطان في قلبك فيجرك هذا إلى عقوق أمك أو التقصير في حقوقها أو بعض حقوقها فحقها عليك عظيم خصوصا وقد نزل بها ما نزل من المرض، واعلمي أن برك بأمك وإحسانك إليها وصبرك عليها خير لك من الدنيا وما فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1430(8/1139)
حكم إجبار الأبناء أباهم على طلاق زوجته الناشز
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا زوجة أب سليطة اللسان ولا تحترم أبي وفيها صفات الزوجة الناشز وقد كرمها والدي واستخدم جميع السبل لصلاحها من بين وعظ ونصح وهجر في المضاجع وإخبار أبيها لتأديبها ويهددها بالطلاق ولكنها مع هذا لا تهتم لذلك فهي تخرج من غير إذنه لأهلها، تخرج من أمامه ويسألها الى أين أنت ذاهبة فلا ترد عليه وتذهب مع أخيها وبعد يومين تتصل عليه وتقول إنها أشتاقت له فيرجعها بعد أن تعده بأن لا تكررها ولكنها مع ذلك فإنها فعلتها أربع مرات والمرة الأخيرة الآن ولكنها لم تعد إلى الآن وقال أبي إنه يريد طلاقها ولكنه يقول ما ذنب أطفالها حيث إن لها طفلين.
سؤالي أخي الكريم: هل يجوز لنا طلب والدنا طلاقها بالمحكمة وإجباره عليه حيث إنها فضحته في الشارع وفي المستشفى وأمام الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رفعه للمحكمة وإجباره على تطليقها لا يجوز لكم وهو من العقوق المحرم، ولكن لكم نصحه بمحاولة إصلاحها فإن أبت إلا النشوز والاستخفاف بحقه عليها ولم ترتدع طلقها مع التزام الأدب والوقار معه فيما تشيرون عليه به دون مجادلة أو رفع صوت أو خصام، ولا يجوز لأهلها إعانتها على نشوزها، لقول الله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} ، فليتقوا الله تعالى وليعينوا والدكم في إصلاح زوجته وحثها على طاعته، ويمكن الاستعانة بأولي الفضل للتأثير عليهم وإسداء النصيحة لهم.
وللفائدة وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32225، 60832، 55794، 43792.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1430(8/1140)
يريد العيش مع زوجته خارج البلاد وأبواه يرفضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في 24 من عمري، كتبت كتابي على فتاة من اختيار أمي، ولكني لم أتهنى يوما من كثرة تعليقات أمي وغضبها غير المبرر، أبي جزاه الله خيراً علمني وخرجني من الجامعة، أنا أكبر إخوتي 5 ونعيش بحال ميسورة والحمد لله، أبي يتبنى وبشدة فكرة أنني أبقى مع العائلة، وأن أصرف وأعينه على ظروف الحياة، معيشتي في الخارج لن تسمح لي بإعانتهم، نقطة مهمة! أبي وأمي حكموا علي بالبقاء معهم، وإلا فإني مغضوب علي من أبي ليوم الدين!! ف ما حكم مغادرة والدي للعيش مع زوجتي خارج البلاد مع عدم موافقة أبي وأمي، هل سأدخل النار بسبب غضب والدي علي ليوم الدين، هل يجوز لوالدي شرعاً أن يحكما علي بدون أخذ رأيي، الرجاء إبلاغي بأية تفاصيل مطلوبة وسأزودها في الحال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أن تسافر سفر نقلة لغير غرض معتبر إلا بإذنهما؛ لما في ذلك من المشقة عليهما، وحرقة كبديهما عليك، قال السيوطي في الأشباه والنظائر: منها تحريمه على الولد إلا بإذن أبويه ويستثنى السفر لحج الفرض ولتعلم العلم والتجارة. وأنت سفرك لغير ذلك.. فارحم حبهما لك وشفقتهما عليك، واعرف لهما حقهما في تربيتك ورعايتك ولا تكفر جميلهما، فإن حقهما عظيم، وهواهما مقدم على هواك، ما لم يكن في معصية الله عز وجل، وقد وصى الله بهما، وتبنى حقهما بعد حقه، فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24} .
وفي الحديث أن معاوية بن جاهمة أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الغزو معه وقال: يا رسول الله، قد جئت أستشيرك فقال: هل لك أم. قال: نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها. رواه النسائي وغيره. قال السخاوي: إن التواضع للأمهات سبب لدخول الجنة..اهـ كما أن عقوق الوالدين سبب في دخول النار وهو من أكبر الكبائر كما في حديث أبي بكرة المتفق عليه، وهو مما يعجل عقوبته في الدنيا قبل الآخرة، فإياك وعقوق الوالدين وما يسخطها، ولا ترحل إلا بإذنهما ورضاهما، وزوجتك يلزمها أن تقيم معك حيث أنت، لا أن ترحل معها حيث هي، فاطلب العمل حيث يقيم والداك، وقد تجد فيه من البركة والخير ما لا تجده في سواه، بسبب برهما وطاعتهما، وإن أشارا عليك بما لا معصية فيه، واستطعت تنفيذ أمرهما، فافعل وما لا تستطيع فعله أو شق عليك فحاورهما فيه بحكمة وقول حسن هين لين لينزلا عند رأيك. وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24850، 55048، 98838، 106576.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(8/1141)
حكم إبلاغ الشرطة عن الأب لردعه عن الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف إذا كان على ذنب فيما فعلته بأبي، فانا أمتلك شقة وكان مفتاحها مع أبي لمراجعة العمال، ولكن أبى كان يكذب علي في أمور العمال، وكان يأخذ فتاة في الشقة، وكنت أشعر بذلك، وحين طلبت منه مفتاح شقتي ضربني حتى ازرق جسدي ولم يعطني المفتاح، وفى يوم ذهبت للشقة ووجدت أبى مع الفتاة فعلا في شقتي، وعندما نهرتها شتمتني وتوعدت لي، وطبعا ساعدها في ذلك موقف أبى، وكأن شقتي لهما، علما أننا سألنا عن هذه البنت بصورتها فهي سيئة السمعة، ولكن ما يؤنبني أني صرخت معلنة عن وجود حرامي في شقتي، ولكن أبى كان معه حارس ينتظره حتى ينهي مهمته. المهم عندما اجتمع الجيران قال أبى لا يوجد حرامي، وأن هذه زوجته وهى ليست بذلك، وأخذ يضربني ويتوعدني أمام الناس بسبب هذه الفتاة، وأصررت أن نذهب لقسم الشرطة، لكن نيتي أردع أبى عن هذا العمل وحتى لا يعود، علما أن الفتاة كانت ترتدي قميص نوم تحت عباءتها ورأيته، ولكن أخي جاء وتنازل معي عما فعلته، ولكن أبى ازداد فيما يفعله، رغم أني لم أخبر أمي عما فعله أبي، ولكن أختي أخبرتها دون علمي. المهم بسبب خوف أبى من أهل الفتاة وليس الله ترك أبي البيت، وحين أزوره أجد هذه الحبوب الزرقاء، والتي لازال أبى يأخذها، وأنه يحدث فتاة أخرى على الموبيل
سيدي كل ما نخشاه أن يموت وتقبض روحه وهو مع امرأة في وضع حرمه الله، فنحن نحب أبي، ولكن كيف يصلي وكيف يعمل الفاحشة، وهو عمره 66 عاما. والله أنا لم أقصد من بلاغي للشرطة إلا أن أردع أبى عما هو فيه، علما أنه كان يدفع لها 100 في اليوم، غير ما كان يسرقه من أمي من هدايا أرسلتها أختي لأمي حتى يعطيها لهذه الفتاة وأمواله التي يضيعها عليها، وعلما أن إخوتي أحق بالمساعدة فهم شباب ولا يعملون، ويحاسبنا بالمليم، وحتى لا نعرف عنه شيئا آلاف من الأموال ضاعت في الحرام، وإخوتي يخشون الله فينا ولا يعملون فاحشة ونعم أخلاقهم. فهم يقولون كما تدين تدان. وهم عند علمهم بما فعلته لم ينهروني ولكن لم يتكلموا مع أبي، وحين خرجت من قسم الشرطة لم أسلم من شتيمة أبى لي ولأمي وأنه أعلن للناس موت أمي من أسبوع، علما أنها على قيد الحياة، وهى التي قامت بتربيتنا وشقيت من أجلنا، وحتى تخرجنا من الجامعات. ومع ملاحظة أن هذا الحادث لأبى ليس الأول، فقد شاهده أخي من قبل في وضع مخل مع زميلته أثناء العمل، أخشى أن أكون مذنبة، وأخشى أن يموت أبى وحده، علما بأني أراه كل يوم، وأني أحبه حبا جما، ولم أكن أتوقع ذلك من أبى، وقد اقترحنا عليه أن يذهب لبيت الله لعمرة، ولكنه لم يذهب مع أنه يملك المال لذلك، وحين أرسل له زوج شقيقتي دعوة ليذهب عندهم في المملكة السعودية، توقف الورق ولم ينفع دعوة أبى، وحينها قالت أختي وشاركتها الرأي أن الله لا يريد أبى عند بيته، وما يجعلني أستعجب أن أبى يصلى، ويحملني ذنب ما فعلت ولكن أقول له: لماذا فعلت ذلك يقول: أنا حر، ومرة قال: بل وسوف أفعل، وكان كلما ذهبت لأراه يجعلني أبكي وتقريبا يطردني، ولا يريد أحد منا، ولا يريد زيارتنا، أشعر بالذنب لما فعلت، ولكن أبى كان سيزداد أكثر وأكثر، وخاصة أنه اشترى شقة حتى يفعل هو فيها ما يريد، والتي أرى بعض أدوات نساء فيها ومكالمات المحمول.
ماذا نفعل معه لازال أبي، ولا زلنا نحبه، وهل أنا مذنبة، وكيف أكفر عن ذنبي الذي سيدوم معي طول العمر وحسرتي إذا مات أبى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبارك الله فيك لحرصك على بر والدك، وتمام شفقتك عليه، وشدة رغبتك في صلاحه وخوفك عليه من سوء الخاتمة، لما يتلبس به من كبائر الذنوب، ويتصف به من مرذول الأخلاق، إذا صح ما نسبته إليه.
أما عن سؤالك، فما كان ينبغي لك أن تبلغي الشرطة عن والدك، قبل أن تبحثي عن ما هو أيسر من ذلك لردعه، كإبلاغ بعض الأقارب ممن يؤثر عليه، أو بعض أهل الدين والمروءة، فإن حق الوالدين عظيم، ولا يجوز للولد أن يتعرض لهما بإيذاء مهما بلغا من سوء الخلق والبعد عن الدين، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14} .
لكن لا تجوز طاعتهما في معصية أو إعانتهما أو إقرارهما عليها، وإنما يجب إنكارها عليهم والحيلولة بينهم وبينها بكل سبيل مشروع، مع التزام الأدب والرفق، والمصاحبة بالمعروف.
وعلى كل حال، نرجو أن يعفو الله عنك لكونك قصدت ردعه عن المعاصي، وظننت أنه لا يردعه إلا ذلك.
والذي نوصيك به أن تداومي على بره وطاعته في غير معصية، وتنصحي إخوتك بذلك، ولا تيأسي من حاله، فليست هدايته على الله ببعيدة، وعليك نصحه بالرفق، وتخويفه من سوء العاقبة، وتذكيره بالموت وما بعده، مع محاولة توجيه بعض أهل الدين لنصحه وحثه على سماع المواعظ وحضور مجالس العلم والذكر، مع الإلحاح في الدعاء له بالهداية، فإن الله قريب مجيب.
وهذا ننبه إلى أنه لا يجوز اتهامه بالفاحشة من غير بينة دامغة، فالأصل في المسلم السلامة من الفسق خاصة إذا كان محافظا على الصلاة والفرائض.
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 12032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(8/1142)
فرضت عليها أمها مبلغا شهريا فهل تأثم إذا امتنعت
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب إليكم طالبة الفتوى بموضوع شغل بالي وأتمنى أن تفيدوني بالعلم اليقين بما أفادكم الله. والدتي امرأة تعمل مدرسة ولها راتب شهري ثابت حوالي ال8,000 درهم إماراتي بالإضافة إلى ما تجنيه من العمل من الدروس الخصوصية حين تتوفر. طالبتني أنا وأختي منذ سنة أن نخصص لها راتبا شهري حوالي 4,000 درهم إماراتي وزادته منذ فترة إلى 4,500. من دون أي سبب كان وفرضته علينا وهددتنا بالضغط علينا أن لم نطعها. ونحن منذ أبريل 2008 إلى الآن ندفع لها هذا المبلغ. قالت لنا إن جميع أو معظم صديقاتها يفعلن نفس الشيء مع أولادهن بالرغم من أن الشخص الوحيد الذي يفعل هذا هي زميلتها في المدرسة التي توفي زوجها ولديها ولدان وابنتان الولدان يشتغلان وأحد البنات تدرس بالجامعة على كفالة صاحب المدرسة لأن الزوج المتوفى كان مديراً لإحدى المدراس التي تعمل بها والدتي وزميلتها زوجة المرحوم. تقول أمي إنها تريد الترفيه عن نفسها بهذه النقود كالسفر والسياحة، ولكنها لا تستطيع ذلك لأن لديها ركبة ضعيفة. بالإضافة إلى إعطائها مبلغ 15,000 منذ سنة لأخي مساهمة مني حين جاءتني زيادة.
أنا تزوجت في يوليو 2008 وما زلت أدفع لها بالرغم من المصاريف التي لدينا أنا وزوجي، وإننا نفكر في إنشاء عائلة بإذن الله تعالى. سؤالي هو أنني قلت لأختي إنني سأدفع لأمي هذه السنة أيضاً، ولكن حين يصبح لدي طفل بإذن الله سأخبرها بأنني لن أدفع لها بعد ذلك؛ لأنني سأدخر بعضا من المبلغ للطفل من أجل تأمين حياة أفضل له بالإضافة إلى المصاريف المتفرقة التي يحتاجها ولإخوانه إن شاء الله. وكتب لنا أن ننجب أكثر من واحد (2 أو 3 على حد أقصى بإذن الله) وبما أن تكاليف الحياة في الإمارات غالية جداً، وعلى الزوجة أن تساعد زوجها، فإن والدتي ترى أن إعطاءها هذا المبلغ مني (2,500 درهم إماراتي) ومن أختي 2,000 درهم إماراتي هو حق من حقوقها مع العلم أن لديها رصيدا في البنك يؤمن لها حياة كريمة ولديها عقار في سوريا، ولديها أسهم بالإضافة إلى راتبها الثابت الذي بالكاد تصرف منه لأن والدي أطال الله في عمره متكفل بإيجار البيت والمأكل ومعظم المصاريف بعكسي أنا حيث أساهم بدفع نصف الإيجار وبعض المصروفات لأن زوجي عليه ديون من جراء العرس ولأنه يكمل دراسته الجامعية. بالإضافة كانت أمي قد طالبتني أنا وأختي بأن نخصص إليها راتباً شهرياً حيت تتقاعد وتعود إلى سورية، وكنا قد وافقنا بالرغم من أن لديها مبلغا من المال كنت قد استثمرته لها وعاد إليها بالربح الوفير لتعيش حياة مرفهة في سوريا.
هل إذا غضبت أمي إن لم أدفع لها بعد سنة 2009 أحاسب، وهل إذا أصرت وبدأت بالسب والدعاء علي (لأنها كانت تنهرنا معظم الأوقات بالسب والدعاء علينا والصراخ منذ صغرنا هذا أسلوبها حين تغضب- أصبح مذنبة مع العلم أنني أحاول ادخار بعض المال جانباً للهجرة إلى كندا وإتمام دراساتي العليا ونيل شهادة الدكتوراه التي تصر عليها والدتي إصراراً شديدا لدرجة التهديد بقطع علاقتها بي إن لم أسجل في الجامعة هذه السنة مع أنها لن تساعدني في أي من المصاريف الباهظة للدكتوراه وتريدني أيضاً شراء بيت في سوريا ليكون لي عقار ملكي أنا. الرجاء إفادتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجوابنا لك يتلخص في نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: أنه لا يجوز لأمك أن تأخذ شيئا من مالك الخاص لا قبل زواجك ولا بعد زواجك لا في صغرك ولا في كبرك، طالما أنها مستغنية ومعها من المال ما يكفيها إلا ما تعطيه أنت لها بطيب نفس منك، وما أخذته منك ومن أختك تحت أسلوب الضغط والتهديد حرام لا يجوز. والواجب عليها أن ترد لكما كل ما أخذته منكما غصبا ودون رضاكما، إلا إذا تنازلتما لها عنه بطيب نفس، ولو أنك منعت ما تعطينه لها من الآن فلا حرج عليك ولا تأثمين في ذلك إن شاء الله. وأما تهديدها لكما بالدعاء عليكما فلا يجوز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن دعاء الوالد على ولده فقال صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ... الحديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت.
ولو دعت وهي ظالمة فلا يستجاب لها؛ لأن دعاءها حينئذ دعاء بإثم وقطيعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.
وهذا لا يتعارض مع الجزم المفهوم من قول الرسول الكريم في الحديث السابق: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده ... لأن الذي يظهر والعلم عند الله أن هذا مخصوص بالولد العاق المغالي في عقوقه وبغيه. قال في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أو عاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره. انتهى.
وننصحك مع هذا كله بإكرامها غاية الإكرام وبرها وطاعتها في المعروف، فإنها وصية الله ورسوله، ولها عليك وعلى إخوتك من الحقوق ما ليس لغيرها من سائر البشر
النقطة الثانية: ما تذكرين من إرادتك تحديد النسل والأصل في هذا الحرمة والمنع، وننصحك أن تصمي آذانك عن دعوى تحديد النسل التي تجتاح بلاد المسلمين، فإن الداعين إلى ذلك هم أعداء الأمة الذين يخالفون شريعة الله وفطرته التي فطر الناس عليها، وهم بذلك يريدون لأمة الإسلام أن يقل عددها حتى تصبح لقمة سائغة لأعدائها. وننبه على أن تحديد النسل خوف الفقر والإملاق ونظرا لغلاء الأسعار لا يجوز لما فيه من سوء الظن بالله رب العالمين الرزاق ذي القوة المتين. ولكن هناك حالات مستثناة يجوز فيها تنظيم النسل سبق بيانها وشروطها بالتفصيل في الفتويين رقم: 31156، 636. ...
النقطة الثالثة: سبق لنا حكم سفر المرأة للدراسة في بلاد الكفر في الفتوى رقم: 93564، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1430(8/1143)
مساعدة الأم في رفع دعوى على زوجها كونه لا ينفق عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي تزوج وترك والدتي وأخي الصغير دون مصدر مال، رغم أنه موظف كبير وراتبه الشهري فوق 3000 جنيه، ومع ذلك رفض إعطاءهم مالا، وأنا الأخ الأوسط نصرف الآن على أخي الصغير وأمي. وأخي الكبير متزوج وراتبه ليس كبيرا؛ لذا أتحمل أنا كافة المصاريف، ولكنى سيدي لا أستطيع أنا اكلم والدى ولا أقبله، فأنا مجروح منه ولا أتصل به. الناس يقولون لي أن ذلك خطأ، ولكن ليس بيدي، فبيننا قضايا في محكمة الأسرة، وأنا أتكفل بمصاريف المحامي؛ لأني أريد مصروفا لأمي وأخي منه. هل علي ذنب؟ فبعض الناس ينتقصونني لأني أساعد والدتى في المصاريف، ولا أجعلها تحتاج إليه، ولأني أساندها في القضية. فهل علي ذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على ما تقوم به من نفقة على والدتك وأخيك. ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك، وأن يخلف عليك فيما أنفقت، ويبارك لك فيما أبقيت.
وما فعله أبوك من ترك أمك وأخيك الصغير بلا نفقة لا يجوز، وهو إثم عظيم حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود وغيره، وحسنه الألباني.
وقد أجمع العلماء على أن نفقة الزوجة تجب على زوجها ولو كانت غنية، ما لم يكن هناك مانع من نشوز ونحوه، وكذا فإنه لا خلاف في أن نفقة الصغير الذي لا مال له تجب على والده.
ولكن مع ذلك فإن ما تصنعه من هجر أبيك ومقاطعته لا يجوز، وهو من العقوق الذي نهت عنه الشريعة وتوعدت صاحبه بأليم العقاب في الدنيا والآخرة، فالواجب عليك هو أن تسارع بإصلاح ما بينك وبين أبيك، وأن تنصحه مع ذلك أن يقوم بواجبه من النفقة على أمك وأخيك، فإن لم يستجب فلا حرج في رفع دعوى عليه أمام المحكمة لكي تلزمه بالنفقة كما فعلتم، ولا بأس أن تساعد أمك في ذلك، بل ينبغي أن تساعدها لأنها مظلومة، ولا يعد ذلك من عقوق الوالد، وتراجع الفتوى رقم: 107482.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1430(8/1144)
خبب أخوه امرأة على زوجها ثم تزوجها بعد ما طلقت فهجره
[السُّؤَالُ]
ـ['لي أخ أحب امرأة كانت متزوجة ونصحناه بحرمة ذلك وكان يزورها في بيتها في حضور زوجها وأبنائها ولما نصحناه بالزواج قال لن أتزوج غيرها!! وأخيرا طلقها زوجها أو طلبت هي الطلاق منه وتزوجها أخي, والآن أنا أرفض زيارته في بيته وأمنع أبنائي من زيارته, وأقول له الموعد الله , وهو يقول إني تبت وهي تابت وتزوجنا, فأقول له الموعد الله, ولا أزوره لا أنا ولا أبنائي علما بأنه كان يأتي يزورنا ثم امتنع من ذلك لعدم زيارتنا له, فهل موقفي منه صحيح؟ أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اتفاق رجل مع امرأة ذات زوج على الزواج منها بعد طلاقها من زوجها، هو من التخبيب، وحقيقته إفساد الرجل زوجة غيره عليه، وهو من الذنوب العظيمة، التي هي من أفعال السحرة والشياطين، فمن اقترف هذا الإثم فقد شابه شياطين الإنس والجن ووالاهم واتبعهم, وقد حكى الله ذلك عنهم في قوله سبحانه: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ {البقرة: 102} .
وجاء في صحيح مسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنت، فليتزمه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها أخرجه أحمد واللفظ له والبزار وابن حبان في صحيحه.
واختلف الفقهاء في حكم نكاح المخِّبب بمن خبب بها على قولين الأول: الجواز وهو مذهب جماهير أهل العلم، فهم وإن كانوا يرون تحريم التخبيب، إلا أن النكاح صحيح عندهم.
ويرى المالكية وهو قول بعض أصحاب أحمد: أن نكاحه باطل عقوبة له لارتكابه تلك المعصية، ويجب التفريق بينهما معاملةً له بنقيض قصده.
والذي نفتي به في الشبكة هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من صحة نكاحه، فالتخبيب وإن كان حراماً وكبيرة من الكبائر إلا أن النكاح إذا وقع بشروطه الشرعية كان نكاحاً صحيحاً، وما سبقه من تخبيب لا يعود عليه بالإبطال، وأما ما كان منك من هجر لأخيك على فعله فلا شك أن هذا مما يشرع في دين الله سبحانه, قال سبحانه: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ {المجادلة:22} الآية.
وهذه الآية الكريمة ليست خاصة بأهل الكفر كما يظن كثير من الناس بل تشمل أيضا عصاة المؤمنين, قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: استدل مالك رحمه الله من هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم. قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله، لقوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
قلت: وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان. انتهى.
وفي صحيح مسلم عن سالِم بن عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها، قال: فقال ابنه بلال بن عبد الله بن عمر: والله لنمنعهن؛ قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبًّا سيئًا ما سمعته سبه مثله قط وقال: أُخْبِرُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: وَاللهِ لَنَمْنَعَهُنَّ، وفي روايةٍ أخرى: فمَا كَلَّمَه عبد الله حتى مات.
وقد هجر السلف بأقل مما فعله أخوك فقد جاء في كتاب الزجر بالهجر للسيوطي قال القاضي أبو الحسن: لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفُسَّاق الْمِلَّة، ولا فَرْق في ذلك بين ذوي الرحم والأجنبي إذا كان الحق لله؛ فأمَّا إذا كان الحق للآدمي كالقَذْفِ والسَّب والغِيبَة وأخْذ مَاله غصباً ونحو ذلك نَظَرَ، فإنْ كان من أقاربه وأرحامه لَمْ يَجُز هِجْرُه، وإن كان غيره جاز.
لكن إن ظهرت من أخيك علامات التوبة الصادقة , والندم على ذلك الفعل عند ذلك فارجع إلى معاملته وصلته فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وكذلك إذا كان هجره غير مفيد في إصلاحه فإن ترك الهجر أولى، وراجع الفتوى رقم: 20400، والفتوى رقم: 29501.
علما بأن من شروط التوبة أن يتحلل زوج هذه المرأة مما كان منه من عدوان على بيته وعرضه وزوجه وأولاده إن كان له أولاد إلا إذا خاف حصول مفسدة كبيرة من ذلك عندئذ فإنه يكتفي بالتوبة ثم يكثر من الدعاء والاستغفار له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(8/1145)
عبارة (ادخل كل يوم وأدعي لوالديك) في المنتديات
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة في المنتديات مواضيع (ادخل كل يوم وأدعي لوالديك) ، فما الحكم الشرعي في ذلك وهل هو جائز، الرجاء الرد بأسرع وقت ممكن ويا ليت لو كان في ذلك أدلة..؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الطريقة من جملة الأمر بالمعروف والدلالة على الخير والتعاون على البر والتقوى، فإن الدعاء للوالدين من جملة الصلة والإحسان إليهما، وهذا من أعظم القربات وأجل الطاعات، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 104469، 47960.
وقد سبق التنبيه على نحو ذلك في الفتوى رقم: 48823، والفتوى رقم: 60533.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1430(8/1146)
هل للوالد أن يأخذ من مال ولده ما يشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حق أبي أن يأخذ أموالي التي أكسبها من عملي لشراء سيارة، برغم أني أعطيته مبلغا معتبرا قبل أن أبدأ في تجهيز نفسي؛ لأن مصير كل فتاة هو بيت زوجها، أنا لم أنس بأنه هو من قام بتعليمي، ولكنه ايضا لا يطمح لتجهيزي؛ لأن راتبه لا يكفي، ونحن عائلة كبيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك خيرا بوالدك، فحقه عليك عظيم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضا الله من رضا الوالد، وسخط الله من سخط الوالد. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة.
واعلمي أيتها السائلة أنه تلزمك نفقة أبيك إذا كان محتاجا، قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى.
ولكن ليس معنى هذا أن يأخذ الأب مالك ليشترى به ما يريد بحجة أنه محتاج، كلا بل له أن يأخذ ما يكفيه لسد ضروراته وحاجته فقط، وبشرط ألا يأخذ ما تعلقت به حاجتك كمال لازم لك للزواج ونحو ذلك.
فإذا كان قد كفي هذا بسعة في الرزق فلا يجب عليك نفقته، ولا يجوز له أن يأخذ شيئا من مالك بغير طيب نفس منك.
وإذا كان فقيرا وأعطيته ما يكفي حاجته، فلا يجوز له أن يأخذ ما وراء ذلك، ولكن يستحب لك أن تعطيه حتى مع غناه تطييبا لخاطره ومبالغة في إكرامه وبره.
أما أن يتسلط الأب على مال ابنه أو بنته ليأخذ منه ما يشاء، دون حاجة ودون رضا صاحب المال، فهذا حرام لا يجوز، وهو من أكل أموال الناس بالباطل، ولو منعه ولده من ذلك فلا حرج عليه، ولا يعد هذا من العقوق المحرم، شريطة أن يتم ذلك كله سواء العطاء أو المنع في جو من البر والوقار واللطف، دون أدنى إساءة أو زجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1430(8/1147)
إصرار الفتاة على الزواج من شخص ومعارضة أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لخطبتي منذ 8 سنوات زميل لي على قدر عال من الأخلاق الكريمة والتدين وأهله أناس محترمون ويحبونني كثيرا لكن قوبل بالرفض من أهلي لأن أهله فلاحون ولأنني سأقيم في محافظة أخرى ولكن صلتي به كزميل أحترمه ويحترمني متواجدة طوال الأعوام الماضية من سؤال علي وعلى أهلي وعملي حيث إني أحتل وظيفة مرموقة والجميع يشهد بأخلاقي واجتهادي وكذلك سؤالي على أهله حتى عندما أقدم على الزواج من قريبته عندما علم بخطبتي وهنأته بالزواج وأرسلت هدية زواجه وفسخت خطبتي ومرت السنون نتحدث لبعض مرة كل شهر من خلال التليفون ويحكى عن عدم نجاح زواجه لأنها لا تحب أهله وتنفرهم جميعا وقد أنجب طفلين وقد طلقها مرتين وعند الثالثة ترجاه زوج أختها ألا يفعل لأنه لن يستقبلها عنده لأنها صعبة المراس ويكفي والدتها عنده وليس لها أقارب فهما أختان فقط وأهله يشتكونها لى ويتمنون لو أني كنت تزوجته إلى أن صارحوني بأنه يريد الزواج مني وعندما سألت هل أنا سبب في هدم بيته أقسم لي أنه: لا، فهي بالرغم أنها ابنة عمته فقد اكتسبت كراهية كل من حولها وأنه سيعلمها بزواجه منى لكن لا يستطيع تطليقها حيث لا مأوى لها إذا وافقت أنا وأهلي موافقة حتى عندي استعداد لتربية أطفاله فأهله لم يتغيروا تجاهي أبدا أهلي غير موافقين ردهم لم نرض به وهو عازب، نرضى به بظروفه تلك. وأنت تهدمين بيته. لو أصررت على موقفي بارتباطي به سيرضخون لذلك. فهل هذا يعد عقوقا لهم وسأأثم عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما كان منك من علاقة مع هذا الرجل أمر محرم لا يجوز، حتى ولو كان الأمر في حدود المكالمات الهاتفية فقط، ومع أن هذا الرجل قد أقسم لك أنك لم تكوني سببا في اضطراب بيته إلا أن علاقتك به قد يكون لها دور ولو غير مباشر فيما حدث، لأن الإنسان إذا يئس من الأمر وانقطع رجاؤه فيه، فعند ذلك سيقبل على شؤونه وأحواله بصبر وتريث. أما إذا كان قلبه وفكره مع امرأة أخرى فإن هذا سيشتت عليه تفكيره، ويزهده في زوجته، ويغريه ببغضها والنفور منها لأتفه الأسباب.
ولذا فعليك أن تتقي الله ربك، وأن تنصرفي فورا عن علاقتك بهذا الرجل، وتتركيه يقوم وحده بإدارة شؤون بيته وزوجته وأولاده دون تدخل منك لا في قليل ولا كثير، بل ولا في حدود الاستشارة. ولا ننصحك بالزواج منه في حال معارضة والديك لهذا الزواج؛ لأنه لا يخفى عليك أن طاعة الوالدين في المعروف واجبة.
ولكن إذا أراد هذا الرجل – مع ذلك – الزواج منك، وكان صاحب خلق ودين، فلا مانع حينئذ من الإصرار على الزواج به؛ لأن الشريعة الغراء قد كفلت للمرأة حق الزواج بمن تريد إذا كان كفؤا، ولا يعد هذا من عقوق الوالدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1430(8/1148)
الجمع بين رعاية الأم وتوفير سكن مستقل للزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي، أن أمي تعيش وحيدة في منزل كبير وهي مريضة لا تستطيع العيش بمفردها، انتقلت للعيش معها أنا وزوجتي وابنتي لكي أكون لها سندا، لكن تحصل بعض المناوشات الصغيرة مع زوجتي لا تصل إلى حد الشجار معها، وزوجتي تخاصمني دائما وتنكد علي عيشتي يوميا بعلة أنها لا تتفاهم مع أمي، وتطالبني بأن نستقل بالسكنى، لكني لا أستطيع ترك أمي تعيش وحيدة، أنا في حيرة من أمري. فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حق الأم عظيم، وبرها من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله، ولا سيما إذا كان في حال ضعفها ومرضها، أما عن زوجتك فمن حقها عليك أن توفر لها مسكناً مستقلاً، لا تتعرض فيه لضرر، ومن المعلوم أن الزوجة لا يلزمها خدمة أم الزوج أو غيرها من أقاربه، لكن إن فعلت ذلك فلا شك أنه من حسن العشرة، ومن مكارم الأخلاق.
فحاول أن تعالج الأمر بحكمة، وتجمع بين بر أمك وحسن عشرة زوجتك، وتعرفها أن بقاءها معها، وإن كان غير واجب عليها إلا أن فيه أجرا عظيما، فإن رفضت، فعليك توفير مسكن مستقل لها، ويكفي في تحقق المسكن المستقل أن يكون للزوجة حجرة مع ملحقاتها من ممر ومطبخ ومكان قضاء الحاجة، فإن تعذر ذلك فيمكنك أن تسكن قريباً من أمك حتى تتمكن من القيام برعايتها ومؤانستها، وعليك بالاستعانة بالله عز وجل وكثرة دعائه إنه قريب مجيب. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 66452، والفتوى رقم: 106199.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(8/1149)
موقف الأبناء إذا علموا أن أباهم وقع في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي ارتكب خطيئة الزنى وفي شهر رمضان الكريم، فأريد معرفة كيف نتعامل معه لأني بصراحة أصبحت أحتقره وأتجنبه. فما حكم الدين فيما أقوم به وما العمل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري أيتها السائلة بأي وجه قطعت بوقوع أبيك في فعل الفاحشة، فإن إثبات حدوث هذه الفاحشة لهو من الصعوبة بمكان، ولكن إن كنت على يقين مما تقولين كأن تكوني قد سمعت اعترافه بذلك، أو رأيته في هذه الحالة رأي العين، فعليك أن تقومي له بواجب النصح والتخويف من عذاب الله وبأسه، ويمكنك أن تشركي معك في ذلك بعض إخوتك أو أرحامك إذا كانوا على علم بهذا الأمر، أما إذا لم يكونوا على علم به فلا يجوز لك فضحه، بل يتحتم عليك ستره وكتمان ما حدث، إلا إذا كان مجاهراً بفعلته معلناً بها، أو كان مداوماً على ذلك حينئذ عليك أن تذكري ذلك لمن يقدر على نصحه أو منعه.
أما حقوقه بعد ذلك فإنه إن تاب وحسنت توبته فترجع له كامل حقوقه من تمام البر والصلة والتوقير والإحسان، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، أما إذا كان مصراً على معصيته فيبقى له عليك واجب النصح والمصاحبة بالمعروف والدعاء له ومعاونته وطاعته في المعروف حسب طاقتك واستطاعتك، ولكن لا يجوز بل يحرم عليك إيذاؤه وعقوقه.
وأما ما تذكرين من احتقاره فطالما أن هذا في حدود ما تحسينه في قلبك ولم يترجم إلى أذى خارجي فلا لوم عليك فيه إن شاء الله، بل تؤجرين عليه إن كان ذلك لمعصيته، فإن بغض المؤمنين لأهل المعاصي بحسب معصيتهم أصل في دين الله، ولو كان العصاة آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، قال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ {المجادلة:22} ، وهذه الآية الكريمة ليست خاصة بأهل الكفر كما يظن كثير من الناس بل تشمل أيضاً عصاة المؤمنين، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: استدل مالك رحمه الله في هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم، قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله، لقوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قلت: وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان. انتهى.
وأما ما تذكرين من تجنبه فنحتاج إلى بيان المقصود من هذه الكلمة، فإن كان مقصودك ألا تكوني معه في المعاملة مثل ما كان الأمر قبل المعصية فهذا جائز مشروع، بل قد يجب إن غلب على ظنك أن هذا سيرده عن معصيته بشرط أن لا يكون في ذلك عقوق له، وإن كان مقصودك بالتجنب الهجر فلا، لأن هجر الوالد لا يجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(8/1150)
أجر الأخت التي تحسن إلى إخوانها ويسيئون إليها وتصلهم ويقطعونها
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أتعذب كثيراً أختي الكبرى لا تتوقف عن إفساد العلاقة بيني وبين إخوتي، كنت متزوجة عملت لي مشاكل كثيرة بين أخي وزوجي، طلقت وبقيت مطلقة 14سنة في بيت والدي وهي لا تتوقف عن إيذائي بالغيبة والبهتان وأخي الكبير يصدقها كدت أدخل مصحة عقلية، والآن الحمد لله تزوجت مرة ثانية من رجل كريم كريم كريم حفظه الله وأعيش في سعادة معه والغيرة تتآكل في قلب أختي الكبيرة وأخي الكبير يؤذونني كثيراً، أصبح أخي الكبير يعمل المناسبات يدعو كل العائلة إلا أنا أحيانا أذهب بدون دعوى أقول في نفسي ربما يحن علي فأتلقى اللامبالاة والعبس في وجه زوجة أخي وتزيد من ابتسامتها مع الآخرين عمداً، والله العظيم.. الله أعلم بنيتي الصادقة وأحبهم وأتمنى أن نعيش كلنا في سلام ولكنهم لا يريدون ذلك أختي الكبرى تؤثر عليه كثيراً وأمامي كأنما شيئا لم يكن، ويقولون في البهتان، أخي هذا الكبير زوجي الحالي كان صديقه لكنه لم يعرض أخي زواجي من صديقه والله هو الذي جاء بنفسه، أصبح أخي الآن يقول لي أنا السبب في زواجك وبصوت مرتفع وكأنه ولي نعمتي وهذا بالأمس فقط ونحن في شهر رمضان، وكل هذا سببه الغيرة، أختي تحسدني أن الله رزقني مع العلم أنها تسكن لوحدها ولها أولاد لا ينقصها شيء، وتراني دائما أحسن منها فتريد إطفائي، ماذا أفعل وأنا على هذه الحال منذ سنوات منذ زواجي الأول ... ما هو حكمي أو جزائي عند الله.. ما حكم هذه الأخت المخادعة هل يرضى الله عن ذلك، وأخي ما حكمه عند الله هو وزوجته إذ يقاطعونني.. هل أنا آثمة أنني تزوجت وتركت ابني مع العلم هو يقول لي ماما تزوجت أحسن من أن بقيت هنا فهو يعلم ما مررت به من مشاكل.. عندي ولد عمره 5 أشهر وابني الكبير من زوجي الأول بقي في بيت والدي، وأختي لا تتوقف وتكرههم فيه، ولكن الحمد لله أن والدي على قيد الحياة، ادعوا لي والله أكاد أجن لا أنام الليل، لا أتحمل المقاطعة ولا أتحمل الظلم صعب جدا أن تظلم من أقرب الناس إليك، فأنا الآن مريضة بسبب أختي وذهبت إلى طبيبة نفسية وأخصائية أعصاب لكنها أعطتني دواء للنوم وأنا لا أريد ذلك، ففي بداية شهر نوفمبر كان عرس أختي الصغرى، لما ذهبت وجدت حتى أخت العروس حرضتها أختي الكبرى، وحتى وهي تعمل لها حنة عرسها وهي تؤذيني بكلماتها غير المباشرة ولم تكلمني أصلا رغم أنني قبل عرسها بأيام خرجت معها واشتريت لها كل ما كان ينقصها، فقد أعطيتها نصف راتبي، وفي الآخر أجدها هكذا هي وأختي الكبرى وأخي، ففي ليلتين أكثر من 48 ساعة لم أستطع النوم وأنا أحاول عدم الإظهار أمامهم بالتأثر، لكنني بعد ذلك لم أقدر فأغمي علي، بعدها بقيت مريضة حتى بعدما ذهبت إلى بيت زوجي، أبكي دائما لم أحتمل كل الشر الذي تكنه لي أختي، هي تقول لي أعلم أنه لا ذنب لك، ولكن أنتقم منك حتى لا أنتقم من أولادي، والخميس الماضي فقط عملت حفلة غداء لأختي العروس ولم تدعني حتى، أنا التي دائما أدعوها ودائما أدعمها ماديا وحتى معنويا، إنني أتعذب ولم أستطع التحمل أريد أن لا أتأثر بأي شيء لكن لا أستطيع، ساعدوني كيف، أصبحت كلما أفكر في الموضوع وفي تلك التصرفات أشعر بالدوخة لست أدري كيف أتخلص منها، أشعر أنني وحيدة، ولا أحد يحن علي إلا زوجي، ولكن دائما نحتاج إلى حنان الأخت والأخ، بالنسبة لكون ابني لا يعيش معي صحيح إن زوجي طيب ولكن أظن ذلك غير ممكن أولاً: بالنسبة لزوجي لو كان ابني صغيرا كان ممكنا لكنه تجاوز 17 سنة لا أظن أن زوجي يشعر بالحرية في بيته أثناء وجوده فهو يعامله على أساس رجل وهناك احترام وتقدير بينهما، لن أتكلم عن الجانب المادي لأني أعمل. ثانياً: بالنسبة لابني هو كذلك تعود في بيت والداي، فقد فتح عيناه هناك منذ كان عمره سنة ونصف فلا يستطيع ترك البيت وأصحابه ووالدي، فأنا أسكن في العاصمة وهو في مدينة أخرى، من جهة أخرى لا يشعر بالحرية في وجود زوجي فهو كذلك يشعر أنه رجل وهناك مسافة احترام بينهما. إذاً فهذا غير ممكن ... كل ما أرجوه هو أن لا أفكر وأنسى ولا أتأثر كيف ذلك كي لا أتيقظ في 3 صباحا أبكي كما بالأمس، ادعو لي بالشفاء والنسيان والقدرة على الاهتمام ببيتي وأولادي وزوجي؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيك ويعافيك، ويفرج عنك الكرب ويصرف عنك الهم والحزن، ونسأله سبحانه أن يصلح ذات بينكم.. ويدفع عنكم كيد الشيطان وهمزاته، واعلمي أيتها السائلة أن الله سبحانه قد فتح لك باباً عظيماً من أبواب العبودية والطاعة عندما ابتلاك بما أنت فيه من بغض إخوتك وعداوتهم لك، فقد قال سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان:20} ، فعليك أيتها السائلة بالصبر، ثم بشكر الله سبحانه الذي من عليك ووفقك لصلة أرحامك، وعافاك مما ابتلى به أخواتك من القطيعة والبغي، فقطيعة الرحم من الكبائر المهلكة، والمعاصي الموبقة، فقد جاء في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يارب قال: فهو لك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاقرؤوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم.
وليس المراد بالصلة أن يصل الإنسان أرحامه إذا وصلوه فهذه مكافأة، بل المراد أن يصلهم وإن قطعوه، ويحسن إليهم وإن اساءوا، ويعطيهم وإن منعوا، فتلك هي الصلة التي أمر الله بها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها. وفي صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل. ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
أما إخوتك هؤلاء سامحهم الله فقد خالفوا أمر ربهم، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل وأجابوا داعي الشيطان في تحريشه بين المصلين، ثم ما تقوم به أختك من النميمة والإفساد بينك وبين إخوتك كبيرة أخرى فوق معصية القطيعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: لا يدخل الجنة قتات. أي نمام، جاء في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي: ولذلك قالوا النميمة من الخصال الذميمة تدل على نفس سقيمة وطبيعة لئيمة، مشغوفة بهتك الاستار وكشف الأسرار، وقال بعض الحكماء: الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم كما يتبع الذباب المواضع الوجعة من الجسد ويترك الصحيحة، وقالوا الساعي بالنميمة كشاهد الزور يهتك نفسه ومن سعى به ومن سعى إليه، ورأى بعضهم رجلاً يسعى بآخر عند رجل فقال له: نزه سمعك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن النطق به، فإن السامع شريك المتكلم. انتهى.
وقد أخطأ أخوك وسائر إخوتك حينما أنصتوا إليها في إثمها، وكان الأحرى بهم أن يأخذوا على يديها وأن ينصحوا لها، ويخوفوها مغبة البغي، فإن النميمة والغيبة كما يحرم فعلها يحرم أيضاً الاستماع إليها، ومجالسها من مجالس الزور واللغو التي مدح الله المؤمنين بتركها والإعراض عنها، قال سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان:72} .
ولكن نوصيك مع كل هذا بالصبر، فإن أيام الدنيا قلائل، وسيرجع الجميع إلى ربه ليجازى بعمله، وتذكري ما كان من نبي الله يوسف عليه السلام حينما آذاه إخوته، وهموا بقتله وألقوه وحيداً في ظلمات الجب، وفرقوا بينه وبين أبيه حتى ذهبت عين أبيه بكاء وحزنا على فراقه، وتسببوا له مع ذلك في أنواع البلايا من الرق والسجن وغير ذلك، فلما صبر على كيدهم وتغاضى عن زلاتهم وأحقادهم آل أمره إلى التمكين والرفعة في الدنيا والدين، وآل آمرهم إلى الفقر والمسكنة حتى ذهبوا إليه يمدون إليه أيديهم بالسؤال يقولون: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ {يوسف:88} ، ولم يكن منه صلوات الله وسلامه عليه إلا العفو والصفح والخلق الجميل، والتغاضي عما كان منهم فلم يعاتبهم بها مجرد عتاب، وإنما قال: لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {يوسف:92} .
ولكن إن ضاق الأمر بك وخفت على نفسك الضرر والأذى في دينك أو دنياك من جراء معاملتهم لك فلا مانع حينئذ من هجرهم والإعراض عنهم، فقد تقرر في الشريعة أنه لا ضرر ولا ضرار، قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
أما بخصوص الزواج، فإنك قد أحسنت عندما أقدمت على الزواج، وهذا ليس فيه ظلم لابنك البتة، ولو كان يعيش بعيداً عنك، ما دمت تقومين بصلته حسب وسعك وطاقتك.. ونسأل الله تعالى أن يعافيك، وأن يشرح صدرك، وييسر أمرك، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 115496.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(8/1151)
حكم أخذ الابن أثاثه وإتمام زواجه دون موافقة والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مخطوبة منذ سنتين وثلاثة أشهر وقد كتبت الكتاب منذ خمسة أشهر علما بأنه قد تم الاتفاق على الزفاف بعد شهر واحد من كتب الكتاب، المشكلة أنه حدث خلاف بين الأهل مما ترتب عليه رفض أهل الزوج إتمام الزواج وحجز الأثاث الخاص بابنهم عنده ورفض محاولات الصلح بالرغم من أن ابنهم متمسك بي وأنا كذلك ولكنه لا يستطيع أن يواجه أهله أو أن يأخذ أشياءه عملا بأنه بذلك يخالف والديه وهذا حرام؟
فهل إذا أخذ هذه الأشياء بدون رضاهم وأتم الزواج بدون موافقتهم سيكون هذا حراما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن طاعة الوالدين في المعروف من أعظم الواجبات، ومن أوسع الأبواب الموصلة لرضوان الله، كما أن عقوقهما من أكبر الكبائر ومن أهم أسباب سخط الله.
أما عن سؤالك، فلم نعلم أسباب رفض والدي زوجك لإتمام هذا الزواج، فإن كان ذلك لسبب مقبول، كأن يكون فيه مفسدة كبيرة في دينه أو دنياه، فالواجب على هذا الابن طاعتهما.
وأما إذا كان رفضهم لغير سبب مقبول، كأن يكون ذلك لخلافات شخصية، فلا يلزمه طاعتهم في ذلك، ولا حرج عليه في أن يأخذ أثاثه ويتمم زواجه دون موافقتهم، بعد أن يبذل جهده في إقناعهم ويوسط من الأقارب أو غيرهم من أهل الدين والمروءة من يصلح بينهم.
وعلى كل الأحوال، فعليه أن يحرص على بر والديه والإحسان إليهم بكل الوسائل المشروعة، ويجتهد في الدعاء والاستعانة بالله، وتراجع الفتوى رقم: 1549، والفتوى رقم: 3651.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1430(8/1152)
كيف تتصرف البنت مع أبيها الذي يراودها عن نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في الـ 23 من عمري، عانيت مع والدي أشد المعاناة. كانت تصدر منه تصرفات لا ينبغي أن تصدر من أب في حق ابنته، الحياء يمنعني من التصريح منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية، الله وحده يعرف الألم الذي يعصر قلبي لم أتكلم بهذا الموضوع لأحد، واستمرت حياتي وأبي في تماد معي لدرجة أنه بعد طلاق والدتي أصبح يعاملني مثل زوجة له، ولأني كنت في عراك مستمر معه اتهمني باتهامات باطله ليشوه صورتي أمام إخوتي، ولم تسلم أختي الصغرى من تحرشاته ولا الأولاد، يا شيخ مهما تكلمت لا أستطيع وصف الحياة التي عشتها.. يمكنك بنفسك أن تتصور أي حياة عشناها مع أب مثل أبي. أنا وإخوتي ولله الحمد نعيش عند والدتي الآن بعد عناء طويل....المشكلة يا شيخ أنه لم يعد لنا أدنى صلة بوالدي حتى في المناسبات ... فلم يعد في قلبي أدنى إحساس بالأبوة تجاهه من عمر 9 سنوات محي ذلك الإحساس، لكني أخاف من غضب الرحمن جل جلاله، وأن تسوء خاتمتي بقطيعتي لأبي. أرجو أن تفيدوني فليس لي بعد الله سواكم. الحائرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطالما أن والدك قد وصل إلى هذا الحد من البغي والتعدي على عرضك وحرماتك، فلا يجوز لك قطعا أن تجالسيه بمفردك، ولا أن تظهري أمامه في زينتك، بل ينبغي ألا يرى منك إلا وجهك وكفيك وفي وجود بعض محارمك.
وأما ما تسألين عنه من بره وصلته فإن عليك أن تقومي معه بالحد الأدنى من البر، ويكفيك في ذلك محادثته بالهاتف مثلا؛ ذلك أن الوالد مهما حدث منه فإن له حقه من المصاحبة بالمعروف، وأكثري من الدعاء له بظهر الغيب أن يتوب الله عليه، وينقذه من طاعة الشيطان، ولا تكونين بهذا آثمة ولا قاطعة له – إن شاء الله – فهو من كان سببا في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1430(8/1153)
أبواها يرفضان تزويجها حتى تحصل على عمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مخطوبة منذ سنة وأريد أن أكتب كتابا أي العقد لكن أبي وأمي يعارضان ويشترطان حتى أجد عملا وأبدأ فيه بعد ذلك أتزوج، وأنا لا أعرف كيف أتصرف، إلى متى سأنتظر، وأخاف على نفسي من الوقوع في الحرام لأنني لم أعد قادرة على الصبر، أرشدوني لأنني حاولت إقناعهم بجميع الطرق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للأهل تعجيل زواج الفتاة إذا تقدم إليها ذو دين وخلق، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ. رواه ابن ماجه، والترمذي، وحسنه الألباني.
فما يفعله أهلك من تأجيل زواجك حتى تلتحقي بعمل، فهو بلا شك سلوك خاطئ، وظلم لك، والذي نوصيك به، أنه إذا أمكنك الالتحاق بعمل مباح وفق ضوابط الشرع، فقد تحقق المطلوب، وأما إذا لم تتمكني من ذلك، فعليك أن تجتهدي في محاولة إقناعهم وتوسطي من أقاربك من يبين لهم أن تعجيل زواجك مطلوب، وأن تأخيره لغير مبرر شرعي يعتبر من العضل الذي نهى الله الأولياء عنه والذي يؤدي إلى الفتنة والفساد في الأرض، فإذا رفض والدك فيمكنك رفع أمرك إلى القاضي الشرعي ليزوجك أو يأمر من يفعل ذلك من أوليائك، فإن الشرع قد جعل الولاية تنتقل إلى الولي الأبعد للمرأة إذا عضلها الولي الأقرب، ومعنى عضلها: أن يمنع تزويجها من كفنها الذي ترغب في الزواج منه فإذا عضل الأبعد زوجها القاضي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن تشاجروا؛ فالسلطان وَلِي من لا وَلِي له. رواه أبو داود وغيره وصححه ألألباني.
وننبه السائلة إلى أن ظلم والديها لها لا يبيح لها عقوقهما أو التقصير في برهما والإحسان إليهما. وإلى أن يتيسر لك الزواج، فإن عليك أن تعتصمي بالله، وتتوكلي عليه، وتجتهدي في كل ما يقربك إليه، وتتجنبي كل ما يثير الفتنة، ونوصيك بالحرص على تعلم أمور دينك واختيار الرفقة الصالحة التي تعين على الخير، مع الإلحاح في دعاء الله عز وجل، فهو قريب مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1430(8/1154)
حكم زيارة الأقارب بدون إذن الأب
[السُّؤَالُ]
ـ[زيارة الأقارب سراً عن الأب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطاعة الوالدين في المعروف من أوجب الواجبات وعقوقهما من أكبر الكبائر التي توجب غضب الله، لكن طاعتهما لا يجوز أن تكون في معصية الله.
فإذا كان منع الوالد من زيارة الأقارب لسبب مقبول فلا تجوز زيارتهم.
أما إذا كان الوالد ينهي عن زيارتهم مطلقاً بلا مسوغ شرعي فلا يجوز له ذلك، لأن صلة الرحم واجبة وقطعها من المحرمات، ولا يلزم طاعته في ذلك فإن الطاعة إنما تكون في المعروف، ويجب زيارتهم بغير علمه، ما لم يترتب على ذلك مفسدة مع مراعاة عدم التقصير في بر الأب والإحسان إليه، ونصحه بالرفق والأدب اللائق به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1430(8/1155)
حكم ترك الوالدين وحيدين والإقامة في بلد الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أعمل فى القاهرة، وأنا على وشك الزواج من فتاة تعيش قى الإسكندرية، ويطلب مني أهلها وهي أن أسكن فى الإسكندرية، وأغادر القاهرة حتى تعيش بجوار أهلها، ونظراً لأنه هناك عدم ارتياح ومشاكل بين والدتي وبين أهلها نظراً لأنني ابن والدتي الوحيد، وهي تحبني حب أنانية وتغار من أي شخص يتقرب مني أكثر منها، فماذا أفعل أعيش فى القاهرة التي فيها أهلي ووالدي ووالدتي الذين يحتاجونني فى أشد الظروف؛ نظراً لسنهم الكبير، ويحتاجون المراعاة والاهتمام مني، وكذلك لأن بها مكان عملي الذي كبرت وتأسست فيه ونسقت أوضاعي به بعد طيلة فترة غربة عن مصر، قاربت من خمس سنوات، وأذهب إلى الإسكندرية وأبدأ فى وضع أقل نسبيا فى الدرجة الوظيفية، ولكنه ليس أقل من الناحية المادية، وأبدأ حياتي من أول خطوات السلم، وأبدأ فى تكوين علاقات جديدة الله أعلم بها، وأبدأ في مكانة وظيفية فى علم الغيب لم أدر عنها شيئا من قبل، ولكن سوف أتعلمها منذ البداية لكي تستريح المرأة التي سوف أتزوجها نظراً لأنها تخاف من والدتي أنها قاسية فى التعامل وأنها لم تحضر وفاة والدتها، ولم تقف فى جانبها لكي تواسيها، فهي بالتالي لن تقف بجانب زوجتي عندما تتعب زوجتي أو تحمل، ولن تجد من والدتي الأهتمام والحب وكذلك إخوتي...... فأرجو من سيادتكم الرد على سؤالي فى أسرع وقت ممكن مع الاستناد بأحاديث وآيات قرآنية تكون عونا لي في فهم وإدراك الأمور كاملة بإذن الله؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بر الوالدين والإحسان إليهما واجب، لقوله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:36} ، وتضييع حقوقهما من العقوق، وعقوق الوالدين من الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور. أخرجه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي وصححه الألباني، وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ولا شك أن تركك لوالديك وإقامتك في بلد زوجتك بعيداً عنهما سيؤلمهما غاية الألم خصوصاً مع ما ذكرت من كونك وحيد أمك، وأن قلبها متعلق بك إلى حد كبير، فلن يرضيا منك إلا أن تكون بالقرب منهما، مراعياً لشؤونهما، قائماً بحاجاتهما، والواجب عليك ترك ما يحزنهما ويلحق الضرر بهما، فطاعة الوالدين في المعروف وترك ما يحزنهما واجب، كما نص على ذلك أهل العلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا. انتهى. وقال ابن الصلاح في فتاويه: وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما في كل ذلك عقوق وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات. اهـ
وعلى ذلك فإنه لا يجوز لك أن تتركهما إلا إذا رضيا هما بذلك عن طيب نفس، وكان معهما من الأقارب والأرحام من يقوم بشؤونهما وحاجاتهما، وعليك مع ذلك أن تكثر من زيارتهما والسؤال عنهما بما يصرف عنهما وحشة بعدك، وفراقك لهما.. فإن لم يرضيا فعليك أن تقنع زوجتك وأهلها بإقامتك معهما، وأنه ليس من البر ترك والديك - وهما في هذه السن وهذا التعلق بك - في مكان ثم تذهب لتعيش أنت في مكان آخر، فإن أجابوك لما تريد، وإلا فلا تؤثر على طاعة والديك وبرهما شيئاً، ولعل الله أن يرزقك خيراً منها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 24375، والفتوى رقم: 6563.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1430(8/1156)
أمها تسيء معاملة زوجها وتغتاب أعمامها بحضرتها
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله في جهودكم وأسأل الله لكم الفلاح والجنة ... فأرجو أن تفيدوني لأني في حيرة والله، أولاً: أنا متزوجة منذ 10 أشهر، وزوجي رجل فاضل والله لم أر منه إلا الحب والود العطف والحنان، فأنا أحبه كثيراً وهو كذلك، حياتي معه نعيم علي وجه الأرض، ولكن مشكلتي الوحيدة هي أهلي وبالأخص أمي، إذ إنها لا تعيره أي اهتمام ودائما تظنه أنه صغير، ولا يفهم شيئا من الدنيا (عمره 25 سنة وأنا 22 سنة) ، فلا تعطيه مكانته فمثلا إذا كنا جالسين في بيت أمي أنا وزوجي وإخوتي الكبار، تقول لزوجي اذهب وائت بكذا أو كذا وإخوتي لا تأمرهم أبداً وهو يمشي ولا يقول شيئا، وذلك من حبه إياي، أو تأتي إلي بيتي من غير استئذان، وتقول له كلاما يجرحه كثيراً، كأنه لا قيمة له فهي دائما تقول لي إنك تستحقين أحسن منه، والله هو بالنسبة لي أحسن من كل الرجال فهو رجل فاضل ملتزم يراعي الله في، ولا يبخل علي بشيء، وكذلك مثقف يشتغل مهندس اتصالات، ولكن هو من طبقة أقل منا اجتماعيا، فهي دائما تقول لي أنت أحسن منهم، وأنت أرقي منهم لا تعيريهم اهتماما، لا تقومي لزوجك الصباح خليه يتعود لحاله، يكوي ثيابه وحده، يفطر وحده فهي تجعلني في بعض الأحيان أكرهه وإلي الآن لم أنجب فتقول لي أنت لا بأس بك، ممكن هو ونحن لم نعمل أي من التحاليل لنعرف، الخلاصة هي: تجعلني أكرهه وأنتقصه كما تفعل هي وإخواني هو لا يمنعني من الذهاب إلى بيت أهلي، إلا إذا جرحته أمي كثيراً نحن للأسف نسكن بجانبها؛ لأني أردت ذلك أول الزفاف، فهي دائما عندي وتتحكم فيما أفعل، وعندما لبست النقاب بعدما تزوجت تذمرت كثيراً وتقول لي هو السبب دفن لك شبابك، ولا يريدك أن تبري أهلك؛ لأنه إذا أتي ابن خالتي إلى بيتي لا أخرج له يبقي هو وزوجي، فأمي تغضب من ذلك وتقول إنني أقطع رحمي، حاولت أن أفهمها ولكن لا جدوى، ماذا أفعل معها، فأنا بين نارين بر أمي ورضا زوجي، زوجي يريد الخروج من هذا البلد لأننا هنا لا نتمكن من ممارسة ديننا بحرية، فنريد الهجرة إلى السعودية بإذن الله، فهي لما تسمع ذلك تبكي وتقول لي لا تتركي أمك وحدها مع العلم بأن أبي متوفى، وتعيش مع إخوتي الذين لا تتفق معهم لسوء تصرفها، فأنا الوحيدة التي أسمعها وأواسيها وأحاول أن أحل مشاكلها مع إخوتي، فماذا أفعل والله حائرة، الشق الثاني من السؤال أن أمي لديها الكثير من المشاكل مع أهل أبي فتأتي إلي بيتي وتغتاب عماتي وتشتمهن حتي أنني أصبحت أكرههن، وتستدرجني معها في الحديث حتي أخوض في الغيبة معها، وبعدما تخرج أندم وإيماني ينزل كثيراً ولا أحافظ على صلاتي ولا أقضي وردي وأحافظ على طلب العلم وإذا تداركت نفسي وأتوب ينقلب الحال إلى ما كان عليه فماذا أفعل معها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فالشق الأول من السؤال جوابه هو أنه يلزمك طاعة زوجك إن طلب منك السفر معه سيما إذا كان بقاؤك إلى جانب أمك لا تستطعين معه التمكن من إقامة شعائر دينك، وطاعة الزوج أولى من طاعة الوالدين ما لم يأمر بمعصية.. وما تأمرك به أمك من الإساءة إليه لا يجوز لك لأن طاعتها مقيدة بما إذا أمرت بالمعروف، ولا معروف في الإساءة إلى الزوج والتقصير في حقه، وكذلك ما تأمرك به من مخالطة ابن خالتك إذا كان أجنبياً عنك فلا يجوز لك ذلك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه.
فصلي أمك بالمعروف، ولا تطيعيها فيما تأمرك به من معصية الله عز وجل، كما إن إساءتها هي إليه وإهانتها له محرم: وحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كما في الحديث المتفق عليه. فلتتق الله تعالى ولتكف عن ذلك ولك نصحها بالتي هي أحسن.
وأما الشق الثاني من سؤالك؛ فإن اغتابت أحداً بحضرتك فذكريها بالله وخوفيها من عقابه.. فالغيبة محرمة وهي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب الرقيق، سيما إذا كانت غيبة قريب تجب صلته ومودته، فلا بد من معالجة ذلك بالحكمة، وإياك أن تفيضي معها فيما تفعل من الغيبة بل مريها بالكف، فإن فعلت وإلا فاخرجي ودعي مجلسها، واحذري من التهاون بأمر الصلاة والتكاسل عنها فهي عماد الدين، من حفظها حفظ الدين، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وهي التي تقوي الإيمان وتعززه في النفس وتنهى عن الفحشاء والمنكر فحافظي عليها وتوبي إلى الله من تقصيرك فيها، وابتعدي عن الأسباب التي تدعوك إلى ذلك، وأحسني عشرة زوجك وأطيعيه فيما يأمرك به من المعروف، ولو نهتك أمك فطاعته أوجب وحقه أعظم. واسعي في تغيير سلوك أمك لتكف عن الحرام والإساءة إلى الناس، فذلك من أعظم برها، لكن لا بد من مراعاة حرمتها وكبر سنها عند الحديث إليها، ونصحها بأن يكون كلامك سهلاً ليناً لا فظاظة فيه ولا تأفيف ولا رفع صوت أو جدال، فإن أفاد ذلك فبها ونعمت، وإلا فقد فعلت ما عليك.
وللمزيد من ذلك انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 97612، 67250، 105217، 28705، 69916، 74485، 14618.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1430(8/1157)
عق أمه فدعت عليه ألا يوفق في دنياه ولا أخراه
[السُّؤَالُ]
ـ[دعت علي أمي كم من مرة وأنا مخطئ وظالم لها بعدم التوفيق لا دنيا ولا آخرة، ودعت علي بدعوات كثيرة، ودعوتها مستجابة كما ورد في الأحاديث، لكن ماذا أفعل في حياتي. الآن لا توفيق في الدنيا مع العلم بأني طالب متفوق ومصل، لكن مشكلتي أني عصبي! والآن عندما أتذكر دعوات أمي أيأس من عملي، فلم أعد أذاكر، لم أعد أهتم بالصلاة في المسجد، لأني مقتنع أني لن أوفق دنيا وآخرة. فماذا أفعل انصحوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تذكر لنا أيها السائل ما إذا كانت أمك على قيد الحياة أم إنها قد توفيت، فإن كانت على قيد الحياة فإن الواجب عليك بعد التوبة إلى مولاك أن تسترضيها بكل سبيل، وأن تطلب عفوها وصفحها عنك، وأن تحرص على برها وصلتها، لعل ذلك يكون كفارة لك عما سلف منك من عقوق لها وتفريط في حقوقها.
أما إذا كانت أمك قد فارقت الحياة فإن الواجب عليك هو التوبة إلى الله سبحانه من إثم العقوق، ثم بعد ذلك أكثر من الدعاء والاستغفار لها والصدقة عنها وصلة أرحامها وبر أصدقائها فإن ذلك من برها، فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
أما ما فعلته من ترك الصلاة بالمسجد، وترك المذاكرة وغير ذلك بحجة أنك لن توفق بسبب دعاء أمك عليك، فهذا من وسوسة الشيطان وكيده لك حتى ييئسك من رحمة ربك، فتقع في معصية هي أشنع وأعظم من معصية العقوق، ألا وهي اليأس من رحمة الله، فهذه والعياذ بالله من صفات الكافرين، قال سبحانه: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} ، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {العنكبوت:23} ، خصوصاً وأنا لا نستطيع الجزم بأن كل الذي أصابك إنما هو من جراء دعاء أمك، فلعل بعضه عقوبة على معاص أخرى، فاصرف عنك أخي وساوس الشيطان، وسارع إلى التوبة إلى مولاك، فمن ذا الذي يحجب عنك رحمة ربك التي وسعت كل شيء، واعلم أن الله سبحانه قد وعد بقبول توبة التائبين، فقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} .
وللفائدة تراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6807، 34602، 38777، 70101.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1430(8/1158)
بر والديك بما لا يتعارض مع حقوق زوجتك وولدك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج منذ عامين وأعول ولدا، والحمد لله. تكمن مشكلتي في أن الخلاف بين أهلي وزوجتي دائم. أهلي يمسكون على كل صغيرة وكبيرة، ويعاملونها على أنها أخذتني منهم، وكثرت المشاكل الكثيرة التي أغلبها ما تكون مشاكل تافهة إذا صح التعبير، والآن أنا اعمل في دولة قطر، وأنا مصري أهلي ينتظرون أن أرسل لهم ما تبقى من راتبي بعد مصاريفي، كما يفعل أخي الذي يستقل بشقته، وزوجتي تريد راتبي، لكي نفعل شيئا، كشراء شقه أو خلافه حتى مصاريف زوجتي لا يريد والدي أن أرسلها لها إلا عن طريقه، فهي الآن عند بيت أهلها، وتذهب كل فترة لأهلي، وأنا لا أدري ماذا أفعل؟ أريد أن أحدد هدفي لأبدأ في السعي إليه. والله العظيم أنا شبه ضايع. أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام قد كفل للوالدين حقوقا يحرم تضييعها، وكفل للزوجة أيضا حقوقا يجب على الزوج الوفاء بها.
ومن المعلوم أنه كثيرا ما ينشأ بين الزوجة وأهل زوجها شيء من الغيرة، فيظن أهل الزوج أن الزوجة قد أخذت ابنهم منهم، وتظن الزوجة أن الزوج يميل إلى أهله ويفضلهم عليها، فتنشأ حالة من التنافر بينهم، والزوج له دور كبير في معالجة مثل هذه الأمور، فعليه أولا بالتوازن في العلاقة بين زوجته وأهله، فحق الأهل على الزوج البر والصلة، والمعاملة الكريمة، والنفقة على الوالدين إن كان للولد مال وكان الوالدان في حاجة، وأن يصل أقاربه بالعطاء من الصدقة والزكوات إن كانوا من الفقراء.
وحق الزوجة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف، وأن يوفر لها حياة هادئة بعيدة عن المنغصات. ومن ذلك أن يكون لها سكن مستقل تأمن فيه على نفسها وشؤونها، ولا يتدخل أحد في خصوصيات حياتها.
ولا يجوز لأحد من الطرفين أن يبغي على حق صاحبه.. بهذا يتبين أن ما يفعله أبوك من طلب أخذ أموالك في نهاية الشهر في حين أنك لا تملك شقة طلب غير عادل، إذا كان الأب غير محتاج لذلك المال، وكذا طلبه منك أن ترسل المال لزوجتك عن طريقه طلب عجيب، فهذا مما لا ينبغي إذ الواجب على الوالدين أن يكونوا عونا للأبناء على برهم، لا أن يكلفوهم ما يعنتهم فيعرضوهم بذلك لإثم العقوق والقطيعة.
وأيضا فكما أن لوالديك عليك حقا، فلأولادك عليك حق أيضا، وقد وصى الله بهم كما وصى بالآباء، فقال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني.
والخلاصة فإنا نجمل لك القول في كلمتين اثنتين "بر والديك واحفظ حقوق زوجك وولدك"، فإن كان الأب فقيرا بحاجة للمال فأعطه ما يكفيه ويدفع حاجته ولا تبخل عليه، فحقه عليك عظيم، وكذا إن كان غنيا، ولكن تشوّفت نفسه إلى شيء من مالك فلا ينبغي لك منعه، أما أن يتطلع الأب مع غناه لأخذ جميع مالك، فهذا لا يجوز ولا يجب عليك هذا، ولا تكون عاقا إذا منعته ولكن بأسلوب رفيق جميل
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 106306، 72209، 20715.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1430(8/1159)
تسمية الأب مولودته باسم أمه هل يعد برا بها
[السُّؤَالُ]
ـ[جدتي توفيت رحمها الله رحمة واسعة، وبعد ذلك رزق والدي بفتاة أنبتها الله نباتا حسنا، وسماها على اسم جدتي رحمها الله، فهل هذا يعتبر من بر الوالدين إن كانت نيته في تسميتها برا بوالدته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت جدتك أوصته بذلك فهو من الوفاء لها، والبر بها لما روى أبو داود في سننه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما. قال: نعم. الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
وبناء عليه، فإن كانت أوصته بذلك أو علم منها رغبة فيه، ولم يكن في اسمها محذور شرعي ففعله من البر بها، كما أنه في الجملة يدخل في التوقير والإكرام لما علم من عادة الناس أنهم إذا أكرموا إنسانا أو عظموه سموا أبناءهم باسمه، وقد يكون ذلك ذكرى للميت أيضا فيستغفر له فهو من الأمور المحمودة في مجمله إذا كان لا يشتمل على محذور شرعي أو غير سيئ، إذ للبنت الحق في تسميتها الأسماء الحسنة. وللمزيد انظري الفتاوى رقم: 80636، 7893، 23307، 28022.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(8/1160)
لا يريد فراق خطيبته وأبواه يصران على فسخ الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل بين أهلي وخطيبتي، منذ سنتين خطبت وكنت سعيداً جداً واختار أهلي خطيبتي وهي إنسانة متدينة ولكن لبعض المشكلات الصغيرة التي لا ضرر منها على والدي أرادوا مني تركها، وهذه المشكلات من أهلها وليست منها، لذلك لا أريد أن أتركها وأظلمها خصوصا وأنني خطبتها منذ سنتين ويمكن حل هذه المشكلات ولكن أخاف أن أعق والدي فماذا أفعل أتركها وأظلمها أو أتمسك بها ولا أرضي والدي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطاعة الوالدين من أوجب الواجبات وعقوقهما من أكبر الكبائر التي توجب غضب الله، أما عن سؤالك فإذا كان رفض والديك لتلك الفتاة لأسباب مقبولة، فالواجب عليك طاعتهما لأن طاعة الوالدين مقدمة على الزواج من فتاة بعينها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 97876.
إلا أن يكون عليك في ذلك ضرر كبير أو تعرض للوقوع في الحرام.. أما إذا كان رفضهما لغير سبب مقبول ولم يكن في معصيتهما أذى لهما، أو كان بحيث يقطع العقلاء بأن ذلك مجرد حمق منهما، ففي هذه الحال الأولى أن تطيعهما، لكن لا يجب عليك ذلك، فإذا أردت زواجها فعليك أن تجتهد في إقناعهما، وتوسيط من ترى له تأثير عليهما، فإن أصرا فلا حرج في الزواج منها، مع الحرص على بر أبويك والإحسان إليهما ...
وننبه السائل إلى أن حكم الخاطب حكم الأجنبي عن الفتاة التي خطبها ما دام لم يعقد عليها، ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 15127 الخاصة بحدود تعامل الخاطب مع خطيبته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(8/1161)
هل للابن أن يسكن زوجته سكنا مستقلا ولو رفضت أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندى أربعة إخوان وأنا الوسط ووالدي متوفى منذ سبع سنين، إخواني الأكبر مني تزوجوا وعاشوا لحالهم، جلست مع أمي لمساعدتها والوقوف بجانبها طاعة، مع إنها تسيئ معاملتي بعكس إخواني تحسن معاملتهم، تزوجت قبل شهرين وسكنت معها لمساعدتها، وزوجتي هي التي تقوم بأعمال البيت كاملة بعكس إخواني وزوجاتهم لا يسألون عليها، ومع ذلك فإن أمي تسيء معاملتي وزوجتي وتحن لإخواني وزوجاتهم، كأنها لا تريدنا، طلبت الخروج من البيت خوفا من أن أظلم زوجتي لأنها لم تعد تستطيع الأكل أو النوم براحة، مع أنها لم تشتك لي، ولكن أمي قالت إذا خرجت فسوف تتبرأ مني ومن زوجتي وعيالي. والآن زوجتي فى بيت أهلها وأنا مع أمي منتظر الفرج، لا أريد أظلم زوجتي أو أعصي أمي، مع العلم أنا حاولت أنا وزوجتي بجميع الطرق ولكن أمي تظلمني وزوجتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حق الأم عظيم، وبرها من أوجب الواجبات، ومن أعظم القربات، ومن أهم أسباب رضا الله. واعلم أنه ليس لأمك أن تفرق بينك وبين إخوتك في المعاملة، لكن هذا لا ينقص من حق أمك عليك شيئاً، ولا يبيح لك مقابلة ذلك بالإساءة، وإنما عليك بالتلطف في نصحها بالكلام اللين والدعاء لها.
أما عن زوجتك فمن حقها عليك أن توفر لها مسكناً مستقلاً لا تتعرض فيه لضرر، والمقصود بالمسكن المستقل أن يكون للزوجة حجرة مع ملحقاتها من ممر مستقل أي مدخل ومخرج ومطبخ ومكان قضاء الحاجة ... ومن المعلوم أن الزوجة لا يلزمها خدمة أم الزوج أو غيرها من أقاربه، لكن إن فعلت ذلك فلا شك أنه من حسن العشرة، ومن مكارم الأخلاق، وإنما خدمة أمك تلزمك أنت وإخوتك.
وعلى ذلك فإذا كانت زوجتك تطالبك بتوفير مسكن مستقل أو أنها لا ترضى بالسكن مع أمك، فإنه يلزمك توفير ذلك السكن لها ولو رفضت أمك، ولا يمنعك من ذلك قولها إنها ستتبرأ منكم.
ولكن عليك أن تعالج الأمر بحكمة، وتجمع بين بر أم وحسن عشرة زوجتك، فيمكنك أن توفر لزوجتك مسكناً مستقلاً، بأن تسكن قريباً من أمك حتى تتمكن من القيام برعايتها ومؤانستها، وعليك بالاستعانة بالله عز وجل وكثرة دعائه؛ إنه قريب مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(8/1162)
أضاع والداه ريع سيارته فهل يمنعهما من الإشراف عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قد اشتريت سيارة للنقل من أجل تشغيلها وأنا أقيم بالخليج والسيارة تعمل ببلدي الأصلي وقد وكلت والدي بها ووالدي ووالدتي من النوع الذي يحب السرف والتبذير وقد كلمتهم بأكثر من مرة بأن ذلك حرام ومنذ أن اشتريت السيارة ولم أستلم منهم أية مبلغ وذلك بقولهم إن أعطال السيارة كثيرة ونقوم بالتصليح وانني أعلم وأعرف بأنهم يقومون بصرف مبلغ أرباح السيارة وفي كل مرة يقولون في المستقبل سوف تتحسن وقد كلمت والدي بأنني سوف أقوم بنفسي بالإشراف على السيارة وأتولى أمرها بما أنها من تعبي بالغربة وهي باسمي مما أثار غضبه على. وقد كلمته بالحسنى بأنك كبير بالسن 70سنة يجب أن ترتاح وأنا سوف أقوم بالإشراف عليها ولم يقتنع وأنا أخاف على رزق أولادي مع أنني اشتريت السيارة بالأقساط وتريد بعض الانتباه وعدم تبذير أرباحها بدون أي ضرورة.
فهل إن توليت أنا أمور سيارتي مع شكي في أن والدي يمكن أن يغضب علي، هل في ذلك إثم؟ علما أنني أصلي وأخاف الله ولا أريد عقوق والداي ولكن في نفس الوقت لا أريد أن أخسر ما جمعته من مال بسبب سوء الإدارة والتبذير وصرف ما تأتي به السيارة بدون أي حساب
أرجو منكم أن تفيدوني..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أن حق الوالدين من أعظم الحقوق وآكدها بعد حق الله تعالى، فهما اللذان ربيا المرء صغيراً وعطفا عليه ضعيفاً في وقت هو في أمس الحاجة إلى الرفق والحنان. ولذلك قرن الله تعالى حقهما بحقه في عدة آيات من كتابه العزيز. قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً {البقرة: 83} وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إحساناً {النساء:36} .
فيجب على الابن أن يبر والديه وأن يواسيهما بماله عند حاجتهما لذلك. وللأب أن يأخذ من مال ابنه ما يريد بشروط أربعة سبق بيانها في الفتوى رقم: 25339، والفتوى رقم: 112088.
أما بالنسبة لسؤالك فإذا كان والداك ليسا في حاجة لهذا المال الحاصل من ريع السيارة، فيجوز لك أن تتولى أنت الإشراف على عمل السيارة بما أنهما قد أضاعا ريعها وأرباحها، ولكن عليك أن تقيلهما من ذلك بأسلوب لطيف طيب ليس فيه إساءة لهما ولا انتهار ولا تضجر ولا لوم، فقد نهى رب العالمين عن مجرد التأفيف للوالدين فقال عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء23- 24} .
وعليك مع ذلك أن تحافظ على صلتك بوالديك وعلى برهما والإحسان لهما وبذل بعض مالك لهما لأن هذا مما يطيب خاطرهما، ونذكرك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي , وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 7490.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1430(8/1163)
المداوم على البر بوالديه يتجاوز الله له عن هفواته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة أبلغ من العمر 38 كان والدي مريضا بالمستشفي، وكنا نتناوب الزيارة للمستشفى، وقبل وفاته بيوم تكاسلت عن الذهاب للمستشفى وتوفي والدي اليوم الثاني ولم أره. أحس بالذنب فهل يعتبر ذلك عقوقا، مع العلم أن والدي توفي وهو راض عني. فماذا أفعل للتكفير؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت سيرتك مع والدك مدة حياته هي البر والإحسان والطاعة فلا يعد هذا التصرف منك عقوقاً، لأن المؤمن المداوم على البر يتجاوز له الله تعالى عما يكون منه من هفوات وزلات، قال سبحانه: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25} ، قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأساً، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين. أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة.. وقوله: فإنه كان للأوابين غفوراً. وعد الغفران مع شرط الصلاح والأوبة.
أما التكفير عن هذا التقصير فإنه يكون بالمداومة على الدعاء لوالدك والإحسان إليه بالصدقة، وإكرام أصدقائه وصلة أرحامه، فإن ذلك من البر الذي لا ينقطع بوفاته، فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
وللفائدة تراجع في ذلك الفتوى رقم: 22777.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1430(8/1164)
كيفية تقويم الأخت من الأب التي ترتكب المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي تزوج زوجة ثانية بعد أن بلغ 65 سنة وأمي بقيت على ذمته ولكنه هجرها ولم ينفق علينا. وأنجب من الثانية 5 بنات وولدين. ولأن أمي ربتنا على تقوى الله ومخافته فلم تحرضنا على أبينا بتاتا وبقينا نزوره ونوده. وفي السنة الأخيرة مرض مرضا شديدا أبقاه جليس الفراش لا يستطيع الحراك. أما زوجته الثانية أصلحها الله وهداها فقد ربت إخوتي وأخواتي على كرهنا وأننا نحاول دائما مع أبي بأن يطلقها وأن يهجرهم وكل هذا من محض خيالها ومن باب التحريض. بعد مرض الوالد ووقوفي بجانبه بل والإنفاق عليه وعلى بيته بدأت زوجة أبي باستشاراتي بخصوص أمور تخص أخواتي منها وقد لاحظت سوء سلوك إحداهن وهي مطلقة وعمرها 18 سنة فقط ونبهتها أكثر من مرة بضرورة الالتزام وعدم خروجها من البيت لوحدها وأمها باستمرار تدافع عنها. وكنت قد رأيتها مع أحد الشبان ولاحقتهم واستطاعوا الهروب دون إمساكهم. وأخبرت أمها بذلك وحاولت التغطية عليها وعند عودة البنت للمنزل بدأت أتكلم معها في المو ضوع فبدأت بالسباب والصراخ بل وبدأت تقول لي بأنه لا سلطة لي عليها وبأنني ليس أخاها بل إخوتها هم فلان وفلان إخوتها من أمها وأعمارهم صغيرة فقمت بلطمها بعد استمرارها بالسباب فقامت بضربي أيضا وبدأت تتهم زوجتي وبناتي التي أكبرهن 9 سنوات بالفجور وخلافه مع أن زوجتي عمرها 33 سنة ومتدينة جدا ولا علاقة لها بكل المشكلة وأثق بها أكثر من نفسي. وفي نفس اليوم حين زياراتي لأبي عادت وبدأت تسب ثانية وتتهم وتعيد نفس الأقوال بأنني ليس أخاها ولا تريد مني التدخل في حياتها. كل هذا بالطبع أمام والدتها التي لم تحرك ساكنا.
سؤالي بعد أن تبين لي سوء سلوكها وعدم انصياعها بالعودة للعقل بل والاعتداء علي أنا الذي أكبرها بـ 14 عاما هل أكون آثما إذا قاطعتها، وهل أكون ممن قطعوا الرحم فيقطعهم الله. أفيدوني أفادكم الله وأدامكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان والدك قد هجر أمك ولم ينفق عليها بغير عذر، فهو بلا شك ظالم، ومن البر به أن تنصحه برفق أن يتوب من ذلك، وقد أحسنت أمك حين صبرت على ظلمه وربّتكم على تقوى الله، ونعم سلوك المرأة المؤمنة، وأما زوجة أبيك فقد أخطأت حين ربت أولادها على قطيعة الرحم وسوء الظن.
أما عن سلوك بنتها المطلقة، فلا شك أنه أمر لا يجوز السكوت عليه، وإنما يجب عليك أن تمنعها عن المنكرات، وتسعى في إصلاحها وحملها على طريق العفة والاستقامة، وذلك يحتاج إلى الحكمة في التعامل معها، لا سيما وهي لم تتلق التربية الحسنة، ولا ترى لك حقاً عليها، والمقصود بالحكمة وضع الشدة والرفق في موضعهما بما يحقق المصلحة ويعين على الإصلاح، والأصل أن تبدأ بالرفق في النصح والأساليب الدعوية المشروعة، ولا تلجأ إلى الشدة إلا حيث لا ينفع الرفق مع التنبيه على أنه لم يكن من حقك تأديبها بالضرب، فإن الضرب في هذه السن لا يحق إلا للسلطان أو نائبه.
وللاطلاع على الأساليب الدعوية يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26333، 28335، 26246.
وأما عن حكم مقاطعتك لها، فالأصل أنه لا يجوز هجر المسلم فوق ثلاث ليال، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
إلا أن يكون في مقاطعتها مصلحة شرعية بأن تغير المقاطعة أمرها إلى الأفضل، فإن المقاطعة تجوز حينئذ بل تجب، إذا تعينت طريقاً لإصلاحها، ولمعرفة المزيد عن ذلك يمكنك مراجعة الفتاوى التالية: 20400، 21837، 22411.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1430(8/1165)
واجب الابن تجاه أمه بعد موتها
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت أمي قبل في أيام التشريق الفائتة وأريد أن أعرف ما هو الواجب علي اتجاهها، وما هو المطلوب مني أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول لك عظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لأمك ولجميع موتى المسلمين، وإن من بر أمك بعد وفاتها ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من قضاء الدين عنها إذا كان عليها دين لله تعالى أو لعباده، والدعاء لها، والصدقة عنها وصلة رحمها. كما بينا في الفتوى رقم: 61286، والفتوى رقم: 23242.
وكما روى الإمام أحمد في المسند وغيره: أن رجلاً قال: يا رسول الله، هل يبقى علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: نعم، خصال أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي يبقى عليك من بعد موتهما.
وللمزيد انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 69795، 101573، 8042.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1430(8/1166)
هل يجب على الأبناء تسديد دين أبيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي هداه الله عليه ديون بمبالغ هائلة، يرجع ذلك لأخذه من أموال الناس بغير وجه حق وشراء سيارات واقتراض أموال من البنوك دون سداد ما عليه. هذا الداء به منذ شبابه وقد عانيت أنا ووالدتي وأشقائي منه زمنا طويلا لعدم توفر المادة لتغطية احتياجاتنا ولكن بحمد الله تفوقنا جميعنا في الدراسة فتكفلت الدولة بمصاريف دراستنا الجامعية إلى جانب تكاليف معيشتنا حتى تخرجنا ووفقنا الله واشتغلنا وأصبح لنا ولله الحمد دخل شهري. نحن الآن نصرف على والدتي وأشقائي الصغار لأن والدي توقف منذ سنين من تلبية حاجاتهم واكتفى بصرف راتبه على نفسه فقط.
سؤالي هو: هل علي أنا وأشقائي واجب لتسديد ديون والدنا في حياته أو مماته؟ مع العلم أنه مستمر في خطيئته وذلك لرفاهيته وحده.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يفعله أبوكم من أخذ الدين لغير حاجة معتبرة شرعا لا يجوز، وإذا انضم إلى ذلك عدم تسديده لدينه والإصرار على ذلك كان ذلك أشد في الإثم، فالواجب على أبيكم أن يتوب إلى الله من ذلك، وأن يسدد للناس ديونهم إذا كان موسرا، وإن كان معسرا وجب عليه العزم على تسديدها إذا أيسر، ويجب عليكم أنتم نهيه عن ذلك برفق لعله يتوب.
وأما بخصوص ما سألت عنه فإنه لا يجب عليكم كما في الفتوى رقم: 81076. تسديد دين والدكم حيا كان أو ميتا، خاصة ما استدانه في سرف؛ لأن ذلك إعانة على الإثم بتشجيعه على التمادي في معصيته، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} ،
لكن ننصحكم أن تقضوا عنه دينه إذا توفي لتخليصه من ورطة الدين في قبره، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ. رواه الترمذي وحسنه، وصححه السيوطي والألباني.
وللأهمية راجع الفتوى: 72489، 95845، 107511.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1430(8/1167)
قطيعة الرحم من أعظم المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي مختصر أخت يقوم إخوتها بعدم دعوتها لمناسباتهم الخاصة ويخفون عنها الأمر ولا تأخذ خبرا حتى يفاجأها الأغراب بذلك تكرر الموقف 6 مرات فقامت بعدم إخبارهم بعقد قران ابنها فهل عليها شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحياة الدنيا بمتعها وأفراحها ومناسباتها وزينتها إنما هي لهو ولعب، قال سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {الحديد:20} .
وقد جعلها الله سبحانه دار ابتلاء واختبار وجعل الناس فيها بعضهم لبعض فتنة قال سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ {الفرقان:20} ، كل ذلك ليعلم أهل طاعته من أهل معصيته، فالكيس الفطن هو من عرف حقيقتها وجعل همه فيها ما يوصله إلى رضوان ربه ويقربه من جنته، وإن من أعظم الأسباب التي توصل إلى رضوان الله ومغفرته صلة الأرحام قال سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ {النساء:1} .
وقال سبحانه في وصف أهل الإيمان: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ {الرعد:21} .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: من صلة الأرحام، والإحسان إليهم وإلى الفقراء والمحاويج، وبذل المعروف. اهـ
وفي المقابل فإن قطع الرحم من أعظم المحرمات، قال سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد:23-22} .
وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة. قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك قالت: بلى. قال: فذاك لك. ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اقرءوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها. متفق عليه واللفظ لمسلم.
وليس المراد بالصلة أن يصل الإنسان أرحامه إذا وصلوه فهذه مكافأة، بل المراد أن يصلهم وإن قطعوه، ويحسن إليهم وإن أساءوا، ويعطيهم وإن منعوا، فتلك هي الصلة التي أمر الله بها، روى البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
ولكن الشرع لم يحدد حدا لصلة الرحم، بل أمر بالصلة وأطلق، والقاعدة أن ما ليس له حد في الشرع ولا في اللغة يرجع في تحديده إلى العرف. قال ابن تيمية رحمه الله: فماله حد في الشرع أو اللغة رجع في ذلك إليهما، وما ليس له حد فيهما رجع فيه إلى العرف. انتهى من الفتاوى الكبرى.
وبناء على ذلك فلو كان العرف يقضي بأن ترك دعوة إخوتها إلى عقد نكاح ابنها قطيعة فهي آثمة بترك دعوتهم، أما إذا كان العرف لا يعد هذا من القطيعة فلا حرج عليها في ذلك طالما أنها تصلهم بغير ذلك، وإن كان الأولى أن تخبرهم، وأن تدفع السيئة بالتي هي أحسن كما أمر الله سبحانه بقوله: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
للفائدة تراجع الفتويين رقم: 4417، 12835.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1430(8/1168)
ظلم الوالد لا يسوغ عقوقه ومقاطعته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ضمن أسرة من خمسة أبناء وبنتين، زوج أبي إخوتي الآخرين على نفقته إلا أنا تزوجت من مالي الخاص (من عملي) ، علمت أختي الصغيرة على نفقتي الخاصة، ولم يساهموا بذلك، تزوج أبي من أخرى وأخرجني من البيت القديم وقمت ببناء بيت جديد لي كلفني كل مدخراتي واضطررت للاستدانة من الناس لتعميره، اصطدمت أنا وأبي مرتين وقاطعته ولا أتكلم معه لما عمله معي دون إخوتي (لم يعلمني مثلهم، لم يساعدني في تعليم أختي، لم يساعدني في بناء بيتي) رغم أنه يملك مبلغا من المال ليس بالقليل.
إخوتي الآخرون اثنان منهم استولوا على أموال أبي وهي عبارة عن أغنام حوالي (600 رأس) من الغنم ويقولون ليس لكم (أنا وإخوتي الآخرون لأننا لم نعمل معهم في تربية الأغنام) أي أن هذه الأغنام هي لهم وحدهم طبعاً صحيح هم من يعملون في تربية هذه الأغنام ونحن لنا أعمال أخرى ولا نعطيهم من دخلنا لكن هذه الأغنام أصلها من أبي هو الذي نماها وهم فيما بعد تولوا تربيتها والعناية بها وهم يأخذون إنتاجها لوحدهم فقط.
سؤالي لفضيلة الشيخ:-
1- هل يجوز لي مقاطعة أبي لأنه لم ينصفني مثل باقي إخوتي من ماله وطردني من البيت وأنا مديون الآن ولا يسأل عني.
2- هل يجوز لإخوتي الذين بحوزتهم أغنام والدي أن لا يعطونا منها حيث يقولون إن هذا تعبنا نحن فقط وليس لكم شيء.
3- هل يحق لي مطالبة أختي التي علمتها بالمصاريف حيث إنها الآن متزوجة وموظفة.
4- هل يحق لي أن آخذ أرضا بدلا من المصاريف التي دفعتها على أختي في التعليم وبدل زواجي من أرض أمي زيادة عن إخوتي.
ملاحظة الوالد موجود ويعيش مع زوجته الأخرى وهجرنا جميعا (الأولاد) عدا البنات
أفيدوني وفقكم الله في هذه القضية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن حق الوالد على ولده عظيم، كما أن عقوقه ومقاطعته من أكبر الكبائر، ومن أسباب سخط الله. أما عن سؤالك، فلا يجوز لك مقاطعة والدك، فمهما كان من سوء خلق الوالد وظلمه، فإن ذلك لا يسقط حقه في البر وعدم جواز مقاطعته أو الإساءة إليه، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14} .
- أما عن الأغنام فهي ملك والدكم، ما دام حياً، ولا حقّ لكم فيها، إلا أن يهب لكم شيئاً منها، على أن يراعي العدل بينكم، أو يعطي شيئاً لإخوتك القائمين عليها نظير عملهم، وعلى ذلك فليس لك مطالبة إخوتك بشيء من هذه الأغنام، وليس لهم أن يعطوك منها شيئا لأنهم لا يملكونها، وبعد وفاة الوالد تكون الأغنام تركة بين سائر الورثة إلا أن يخصص هو للذين كانوا يقومون برعيها وإصلاحها نصيبا في مقابل عملهم أو يجري عرف بذلك كما بينا في الفتوى رقم: 32659، فإنهم حينئذ يختصون بذلك.
- وأما عن نفقتك على أختك في تعليمها، فإن كنت قد أنفقت متبرعاً، فتلك هبة لا يجوز لك الرجوع فيها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِىَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِى وَلَدَهُ. رواه الخمسة، وصححه الألباني في الإرواء.
وإن كنت غير متبرع، وقد أنفقت عليها في زمن تجب فيه نفقتها على أبيها، فيجوز لك مطالبة أبيك بما أنفقته، مع مراعاة الأدب اللائق به.
وإذا كنت قد أنفقت عليها بعد موت أمها، وقد خلفت أمها ميراثا فإن نفقتها حينئذ تجب في ميراثها من أمها، فلك أن تأخذ من نصيبها في ميراث أمها بقدر ما أنفقته عليها.
كما أن إيثار والدك لإخوتك عليك بتزويجهم دونك إن لم يكن له مبرر شرعي فإنه ليس مشروعا وراجع الفتوى رقم: 6242، وعلى تقدير عدم مشروعية هذا الإيثار يكون من حقك الاختصاص بشيء يقابل ما أوثر به إخوتك.
وننبه السائل إلى أن بر الوالد والإحسان إليه، من أقرب الطرق إلى الجنة، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه.
رواه ابن ماجه والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1430(8/1169)
سوء خلق الأب وظلمه للأم لا يسقط بره
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل أرجو من الله جل وعلا أن تكون في خير الصحة والعافية ودوام النعمة عليك..وكما أرجو أن تكون في صدرك سعة لرسالتي وسأحاول أن لا أطيل عليك بقدر الإمكان..
تبدأ قصتي يا سيدي الفاضل مع والدي حيث إنه كان على علاقة غير شرعية بامرأة متزوجة ولديها بنات منذ عشرين سنة والقاصي والداني يعرف هذا ورغم محاولة جدي رحمة الله عليه في ثنيه عن هذا الأمر إلا أنه لم يستطع وكان يسافر معها كثيرا تارة إلى تونس والمغرب ومصر ودبي وغيرها من الأماكن وكان أحيانا يزعم أنه مسافر لبعض أشغاله ولكن نفاجأ بأن يقول لنا بعض المعارف أنهم رأوه هنا أو هناك معها وبعد وفاة زوجها تزوجها وقد رزق منها بولد غير شرعي من قبل زواجه بها وهو ما أقره بلسانه وهو وقد حاول أن يعرفنا عليهم في البداية بحجة أنها زوجة صديقه لأنه قد صادق زوجها ليراها بوجوده ويسهل عليهم التنسيق فيما بينهم ويريد أن تكون هناك صداقة فيما بيننا ولكن عندما اكتشفنا الأمر هجرناهم وهو الأمر الذي لم يرضه وكرهنا بسببها وهو هجر والدتي منذ 1990 ف وهو الآن لا يقوم بواجباته تجاه منزله من حيث القوامة بكل ما تعنيه من كلمة من أبسط الأشياء إلى أكبرها متجاهلا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) منذ أكثر من عشر سنوات ونحن نتعاون إخوتي فيما بيننا في المصروف ونحن ثلاثة الذين نشتغل ونحن في الأصل من إحدى الضواحي ولدينا منزل هناك وقطعة أرض موروثة من جدي رحمة الله عليه وكان خائفا منه في حين وفاته أن يبيعها لأنه قد باع العديد من ممتلكاته من سيارات وسوق خضار وقد ضيع كل ماله في ما لا يرضي الله وهو الآن معدوم الحال وما يفكر فيه أن عارضنا فكرة الانتقال كوسيلة ضغط أن يبيع المنزل وقطعة الأرض هذه وكنت قد اتفقت مع والدي من قبل في حين زواجي أن أسكن هناك ولكن قبل تحضيري للزواج أي في تفكيري بالخطبة فوجئت انه قال وهو يحلف بأنني لن أسكن هناك أبدا ولكن إلا في حالة واحدة وهي عند سكن العائلة ككل هناك علما بأني الوحيد الذي أشتغل هناك والباقي من إخوتي في طرابلس يشتغلون هنا ونحن نقطن في شقة والقصد لوالدي من هذا كله هداه الله أن يبيع الشقة ليستفيد منها ويرمينا بعيدا عنه فهي ما تبقى لنا وله في هذه الدنيا علما لصعوبة بيع المنزل الأخر الذي هو يقع في مسقط رأسنا وقطعة الأرض لما تجلبه من عار فلجأ لهذه الحيلة ليضغط علي وأنا بدوري أضغط على الأسرة إذا كنت أريد الزواج وأنا أريد الزواج ولكن ليس بضياع مستقبل باقي أفراد عائلتي لأن السكن هناك حتى جلب الخبز بعيد ويحتاج إلي مواصلات وكل شيء يجب أن تكون له سيارة ومصاريف أصعب من هنا المواصلات لإخوتي الذين يدرسون والكثير الكثير يا شيخنا الفاضل علما بأن خطبتي من إحدى العائلات المحترمة هناك ونحن من نفس العائلة فوجئت برفض والد الفتاة ولم أعرف السبب ولكن بعد التقصي اتضح لي أنه بسبب والدي فطبعا كما قلت يعرفه جميع الأقارب والجيران والأصحاب وهو لا يحسب حساب أحد بدءا من خالقه جلا وعلا وانتهاءً بنا وبأقاربنا.
عموما يا شيخنا الفاضل هذا غيض من فيض فو الله لو سردت لك المزيد لا يكفيني فيه الوقت والزمان والموضع ولاقشعر بدنك من سوء ما ستسمع وقد حاولت معه مرارا وتكرارا بالكلام وغيره ولكنه يزين لنفسه سوء عمله ولا تجد له مدخلاً..
شيخنا الفاضل سؤالي وهو إن كان يريد أن يرمينا بعيدا في تلك المنطقة النائية هل إن كنت تصديت له بكل الوسائل قولا وفعلا وهو ما سيثير غضبه علي طبعا هل سأكون عاقا لا سمح الله وإن أطعته أكون قد أغضبت والدتي وضيعت إخوتي وهو شيء عظيم فكيف تشير علينا في التصرف معه؟
وسؤالي شيخنا الفاضل الثاني لدي زكاة مال فهل يجوز أن أخرجها لإخوتي الذين لا يشتغلون وأنا لا أصرف عليهم بشكل مستمر يعني إذا احتاجوا إلي شيء معين طبعا مرة بعد وقت نتقاسمه أنا وأخوتي فيما بيننا الذين نشتغل وهل يجوز أن أعطي منها لوالدتي؟
وسؤالي شيخنا الفاضل الثالث والدتي تريد الطلاق وتريد من يقف بجانبها في هذا الموضوع لأني أكبر إخوتي فما رأي فضيلتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حق المرأة على زوجها أن يوفر لها مسكناً مستقلاً مناسباً لها، على قدر استطاعته لا تتعرض فيه لضرر أو حرج، لقول الله تعالى في حق المطلقات: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ {الطلاق:6} .
فإذا كان في طاعتك لوالدك في الانتقال إلى البيت الآخر ضرر على أمك وإخوتك، فلا تلزمك طاعته، لكن لا يجوز لك أن تسيء إليه أو تكلمه بكلام غير لائق، فمهما كان من سوء خلقه وظلمه لك أو لأمك، فإن ذلك لا يسقط حقه عليك في البر ولا يبيح مقاطعته أو الإساءة إليه، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان14-15} .
أما عن دفع زكاة مالك لأمك فلا يجوز، لأنها ذات زوج ونفقتها تجب عليه. وإن لم ينفق عليها لعجزه أو ظلمه وجبت نفقتها عليك حينئذ، وأما دفعها إلى إخوتك إذا كانوا محتاجين فذلك جائز بشرط أن تملكهم إياها وراجع في ذلك الفتوى رقم: 4133.
ولكن الأولى أن تعطيهم من غير الزكاة، إذا كان في مالك سعة، ولك في ذلك الأجر الكبير إن شاء الله.
وأما عن طلب والدتك الطلاق، فإن هجره لها وترك إنفاقه عليها ضرر بيّن يبيح لها طلب الطلاق، فلا حرج عليك في إعانتها على ذلك، بشرط عدم الإساءة إلى الوالد أو إيذائه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1430(8/1170)
هجر الخالة بسبب معاصيها وممارستها السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[لي خالة متزوجة من ساحر بالسر وتؤمن به وتضر الناس بحجة أنه ولي وقد ضرتني ضررا بالغا أكثر من مرة وهي لا تخاف إخوتها، فكرت أن ابلغ السلطات لكنهم لا يقيمون الحدود، فهل لي أن أقاطعها؟ أريد مقاطعة بناتها أيضا لكني أشعر بتأنيب الضمير رغم أنهن يقررنها على ما تفعله، علما أنهما مراهقات. أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خالتك من الأرحام الذين يجب صلتهم وتحرم قطيعتهم, فعليك أن تحافظي معها على الحد الذي لا تحصل به القطيعة ولا ينالك بسببه ضرر مع محاولة إصلاحها وردها عن غيها، فإن يئست من ذلك فلا حرج حينئذ في مقاطعتها, ولكن عليك أن تجعلي هجرك لها في الله ولله, فإن هجر أهل المعاصي والكبائر في الله – حتى ولو كانوا من الأرحام غير الوالدين - من شعب الإيمان، والأدلة عليه أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ما ذكره أبو داود بعد أن ذكر أحاديث فيها النهي عن هجر المسلم؛ قال: النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – هَجَرَ بَعْضَ نِسَائِهِ أربعينَ يَوْماً، وابنُ عُمَرَ هَجَر ابناً له إِلَى أنْ مَاتَ.
وفي صحيح مسلم أن قريباً لعبد الله بن مغفل خَذَف فنهاه فقال: إنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الْخَذْف وقال: إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله نهى عنه ثم عُدْتَ تخذف لا أكَلِّمك أبداً.
قال النووي على حديث عبد الله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومُنَابِذِي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً؛ والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مِمَّا يؤيده، مع نظائر له كحديثِ كعب بن مالك وغيره. انتهى.
وجاء في صحيح البخاري: ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا على الجدار فقال ابن عمر غلبنا عليه النساء فقال من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا أطعم لكم طعاما فرجع. انتهى.
وقال ابنُ حَجَر في الفتح: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلى أنه لا يُسَلَّم على الْمُبتَدِع ولاَ الفاسق. انتهى.
وقال أيضا: وقال الْمُهَلب: تَرْكُ السَّلاَمِ على أهلِ الْمَعَاصِي سُنَّة مَاضية، وبه قال كَثير من أهلِ العِلْمِ في أهل البِدَع.
وقال النووي في رياض الصالحين: بابُ تحريمِ الْهُجْرَان بينَ المسلمين إلاَّ لِبِدْعَةٍ في الْمَهْجُور أو تظاهر بِفِسْق أو نحو ذلك.
أما بالنسبة لهجر بناتها فإن كن يعاونّ أمهن على عصيانها وإفسادها وتحققت من ذلك فلهن حكم الأم , وعليه فلك أن تهجريهن أيضا وإن لم يكن كذلك فلا يجوز لك هجرانهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1430(8/1171)
الصلح وتجاوز الخلافات التي قد تؤدي إلى قطيعة الأرحام
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك خلاف بين أخي الكبير وأبي حول دار أخي الذي يسكن فيها وهي من ضمن الأرض التي بنى والدي فيها بيته حيث مساحة هذه الأرض تقريباً /500/م وهي باسم والدي وهي مقسمة إلى قسمين شمالي وجنوبي حيث دار والدي في القسم الجنوبي ودار أخي في القسم الشمالي والداران منفصلتان عن بعضهما وكل واحد يعيش في دار مستقل عن الآخر حيث قام والدي ببناء غرفتين ومنافعهما وجهز والدي غرفة والغرفة الثانية والمنافع قام أخي بتجهيزهما من حيث الزريقة والتبليط والأبواب أي أن أبي فقط قام بعمارتهما وصب أسطحتهما وقام أخي بتعمير غرفة ثالثة من ماله الخاص والخلاف هو أن أخي يعتبر هذه الدار ملكا له حيث إنه قد وضع فيها بعضاً من أمواله وإن أرضيتها قد اشتراها من أبي لأنه أعطاه بعض المال وهذا المال مقابل ثمن الأرض وهو في ذلك الوقت لم يقل لأبي إن هذا المال مقابل الأرضية المعمر عليها، وإنما أعطاه هذا المال مساعدة له في إنجاز البناء وأبي يقول بأن هذه الدار التي يسكن فيها أخي بعد وفاته ورثة لجميع أبنائه، ما الحكم الشرعي في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يصلح ذات بينكم, وأن يوفقكم لحل النزاع بينكم فهو ولي ذلك والقادر عليه، أما بخصوص ما سألت عنه فإن الحكم في مثل هذه النزاعات يقتضي الإحاطة بواقعها وهو ما يتطلب مباشرة القضية والاطلاع على تفاصيلها وكل ما له علاقة بها, وهو الأمر الذي يستطيع القضاء الشرعي أن يقوم به, ولحل مثل هذه النزاعات توجد طريقان:
الأولى: أن يحل بحكم قضائي نافذ.
الثانية: أن يحل عن طريق الصلح بينكم, والذي ننصح به هو الصلح لما فيه من رأب الصدع وسد ذريعة الخلاف والنزاع الذي قد يؤدي إلى قطيعة الأرحام, وكل ما يؤدي إلى قطيعة الرحم يجب سده, فقد حذر المولى من قطع الأرحام, فقال واصفا الكافرين: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {البقرة:27} .
وقال تعالى: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {الرعد:25} .
وقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد:23،22} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قاطع. رواه البخاري ومسلم.
ويرى بعض العلماء أن الصلح هو الذي يتعين أن يفض به نزاع ذوي الأرحام.
قال ابن عاصم وهو مالكي:
والصلح يستدعي له إن أشكلا حكم وإن تعين الحق فلا
ما لم يخف بنافذ الأحكام فتنة أو شحنا أولي الأرحام.
وبناء على هذا فنصيحتنا أن تقنعوا أباكم وأخاكم أن يحلا النزاع بينهما, وأن لا يتركاه حتى يطول أمده فيصعب التغلب عليه, كما ننصح أخاكم بالاحتياط من الوقوع في عقوق أبيه.
وللأهمية راجع الفتوى رقم: 75420.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1429(8/1172)
حكم خروج الولد من بيت أبيه لأجل دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني أنا من عائلة متهاونة في الصلاة وفي الدين بشكل عام وأواجه صعوبة كبيرة في التعايش والتفاهم والتعامل معهم ولكنني صابر أحتسب الأجر من ربي, لكنني أصبحت منبوذا خاصة من أحد والدي إلى درجة حتى على هجر المنزل والعيش في الخارج وبذلك ألاقي الرضى من قبلهم وأنا شخصيا لا أمانع بذلك بل أتمناه لكن السؤال هنا:
هل يجوز خروجي مع العلم أنه ليس انقطاعا عنهم وهم لن ينقطعوا عني, أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على حرصك على دينك، ونسأل الله لك المزيد من التوفيق والسداد، ولكنا نذكرك أن حقوق الوالدين عظيمة ولو كانا تاركين للصلاة بل ولو كانا مشركين يدعوانك إلى الشرك. قال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15} .
فلا يجوز لك الإساءة إليهما في قليل ولا في كثير, وليكن نصحك لهما في غاية في الرفق والتودد واللين, وكذا نصحك لباقي الأسرة, مع الدعاء الدائم للجميع بالهداية والسداد، أما خروجك من البيت فلا بأس به بل يندب الخروج حينئذ خصوصا مع ما ذكرت من أن هذا هو رغبة أحد والديك، بشرط أن تحافظ على برك بوالديك والقيام بحقوقهما الواجبة من الخدمة والصلة.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 104492 , 101006 , 103263.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1429(8/1173)
أمها تسيء إليها وتدعو عليها وطردتها مرة من البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تكرهني لأني لا أساعدها على والدي والذي طردته من البيت بمساعدة أخواتي بحجة أنه لم يصبح تاجرا والآن بعد ما كبر يأتي ليعيش معنا مع أنه طلب العيش لكبر سنه وأنه سيقوم بخدمتهم خارج المنزل والآن هي يومياً تدعو علي بالفضيحة والفشل والذل طبعا تكبر أي سبب تافه لذلك مثلا اتصالي بأبي لتفقده أو طلب زيارة صديقة لي مع العلم أنها طردتني من البيت لولا تدخل خالي لكنت بالشارع وإخواني يساعدونها وهي تحبهم لأنهم طردوا أبي وتقول إنهم أولادها وأنا عدوتها مع العلم بأني موظفة وتأخذ ثلثي راتبي وتمنعني من الأكل بالبيت وأشياء يصعب ذكرها فهل دعوتها علي مجابة وهل أنا عاقة مع أني والله أخاف الله فيها وأطيعها لكن أنا الوحيدة مختلفة مثلا أساعد خالتي المعاقة بمصروف شهري مع أنها تركتها ببيت خالي عند زوجة خالي المرحوم؟
أمي وإخواني غير اجتماعيين بالمرة ودائما يسيؤون الظن بكل الناس وأن المال والمصلحة أصبحت هي القائمة بين الناس وينفرون من الفقراء أمي تدعو علي بالعنوسة مع أنها رفضت كثيرين يتقدمون لي والله والله أنا أطيعها ولكن فجأة أجدها انقلبت علي وتصيح وتكبر مشكلة بدون سبب يستأهل والله العظيم كنت خلال 10 سنوات عمل أعطيها أكثر من ثلثي راتبي ولكن في هذه السنة أخذت ثلث الراتب لأنها تمنعي من الأكل بحجة أنه مع مصروف ماذا أعمل به أعينوني أعانكم الله ماذا أعمل بعد أن طردوني من البيت كما أني أريد أن أساعد والدي مع العلم بأني أنتهي من العمل الساعة السادسة بالمغرب وتريدني أن أعمل بالمنزل لمساعدة أختي التي تنتهي من العمل الساعة الثانية ظهرا والله العظيم لو شرحت ما يحدث لي لن تصدقوا إنما الله يصيبني بمصيبة إذا كنت غير مطيعة لأمي أو أكرهها أو أعطيها كما تقول والله على ما أقول شهيد والله يستركم ساعدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نسأل الله تعالى أن يصلح حال أمك ويعينك على برها، ثم اعلمي أيتها الأخت أن من ابتليت بأم هذه حالها عليها بالصبر، ومقابلة الإساءة منها بالإحسان والبر، فإن دمت على ذلك نلت الأجر المضاعف من ربك سبحانه, واعلمي أن أجرك في تحمل أذى أمك يتضاعف كلما كانت أشد وأقسى في معاملتك، فلا تحزني ولا ينفد صبرك، وتعزي بما يدخر لك من الأجر الوافر عند الله تعالى، فإن هذه الأيام قصيرة جداً وخفيف ما فيها إلى جانب أيام الآخرة، قال سبحانه في حق الوالدين المشركين: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15} .
قال الألوسي – رحمه الله – عند تفسيره لهذه الآية: وذكر في الدنيا لتهوين أمر الصحبة والإشارة إلى أنها في أيام قلائل وشيكة الانقضاء فلا يضر تحمل مشقتها لقلة أيامها وسرعة انصرامها.
ثم عليك أيتها السائلة أن تتوبي إلى الله سبحانه وتكثري من الاستغفار لذنوبك فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة. قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}
أما دعاؤها عليك فطالما أنك تقومين بحقوقها عليك فلن يضرك هذا الدعاء؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.
وهذا لا يتعارض مع الجزم المفهوم من قول الرسول الكريم في الحديث السابق: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده ... لأن الذي يظهر والعلم عند الله أن هذا مخصوص بالولد العاق المغالي في عقوقه وبغيه, قال في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أو عاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره. انتهى.
ولا شك أن الأم قد أخطأت بالدعاء عليك، وخالفت في ذلك أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – القائل: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ... الحديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت.
وأما راتبك ومالك فما دمت تنفقين منه على نفسك، فإنه لا يحق لأمك أن تأخذ منه شيئا إلا برضاك وطيب نفسك, وقد بينا حكم ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 112088.
أما رفضها للخطاب لأجل إعناتك وحرمانك من الزواج فهذا منكر عظيم وإثم كبير وعدوان عليك وقطع لرحمك وتضييع لوصية الله فيك ـ سامحها الله على ذلك – ولتعلمي أنه ليس لها من أمر زواجك شيء، بل أبوك هو أملك الناس بتزويجك, فإذا جاءك خاطب فأرسليه إلى أبيك وهو يتولى تزويجك، ولو لم توافق أمك على زواجك, لأن معارضتها محض البغي والعدوان.
أما مساعدتك لأبيك فهي واجبة عليك إذا لم يكن معه من يساعده غيرك, ولذا فلا تطيعي أمك في التخلي عن أبيك ومقاطعته، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وننصحك أن توسطي بعض أهل الخير والصلاح من أقاربك أو جيرانك ممن لهم عند أمك وجاهة, وتقصين عليهم ما أهمك وآذاك من شأن أمك ليمنعوها عن ظلمها, ويصدوها عن أذاها.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 62735، 21067، 79076.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1429(8/1174)
وجوب سعي الزوج في الإصلاح بين زوجته وأبيها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إجبار زوجتي على مصالحة والدها قبل أدائها فريضة الحج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن النزاع والشجار مع الوالد عقوق له، وذلك من أكبر الكبائر، ومن أهم أسباب سخط الله، ومن المعلوم أنه مهما كان من سوء خلق الوالد وظلمه، فإن ذلك لا يسقط حقه في البر وعدم جواز مقاطعته أو الإساءة إليه، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14} .
كما أن الزوج له حق القوامة على زوجته، ومن القوامة أن يحملها على أداء الفرائض واجتناب المحرمات.
وعلى ذلك فإن إجبارك زوجتك على مصالحة أبيها هو من القوامة التي جعلها الله لك، وليس ذلك مرهونا بكونها ستؤدي فريضة الحج، فإن برها بوالدها مطلوب على كل حال، ولكن عليك أن تعظها في ذلك وتعرفها حق والديها وفضل برهم، وتخوفها عاقبة العقوق، على أن يكون ذلك بالحكمة والكلام الطيب، مع الاستعانة بالله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1429(8/1175)
حكم إيذاء الوالدين وإيثار رضا الزوجة على رضاهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ردا على الفتوى رقم: 1549، وهي هل يجوز للوالدين تطليق زوجة الابن لعدم طاعتهم وعدم احترامهم وقلة أدب الزوجة بالسب وضرب والد الزوج.
إذا كان الولد الزوج لا يبر والديه ولا يكلمهم وهو مع زوجته ضد والديه في تطويل اللسان ولا يبر والديه ولا يصلهما ولا يتلطف معهما ولا يرضيهما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإيذاء الوالدين وهجرانهما وإيثار رضا الزوجة على رضاهما من أكبر درجات العقوق وأشنع المنكرات وأقبح المعاصي، فمن المعلوم أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر كما ثبت في الحديث، وبرهما وإحسان صحبتهما من الواجبات التي ثبت التأكيد عليها والترغيب فيها، وعليه فالواجب نصح هذا الرجل وتذكيره بكونه على خطر عظيم إن لم يمن الله تعالى عليه بالتوبة والتوفيق، وراجع المزيد في الفتوى رقم: 17754.
والراجح هو ما ذكرناه في الفتوى الذي أشرت إليها من عدم وجوب طاعة الوالدين في شأن طلاق الزوجة.
وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 70223.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(8/1176)
إساءة الوالد لابنه لا تسقط عنه وجوب بره
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله الذي هداني وعرفت هدي النبى صلى الله عليه وسلم باتباع أمره واجتناب نواهيه يا شيخ عانيت معاناة شديدة من والدي بداية الأمر هو أن أبي كثير السفر ويذهب إلى المغرب كثيراً فانتبهت أنه أتى بتمائم إلى البيت وبدأ يوزعها لأمي وأخواتي وبعض أقاربي وأعطاني واحدة وشرحت له أنها سحر ونوع من أنواع الشرك إنها طلاسم وأن طريقة كتابتها خبيثة جداً إن فيها تحريف لكتاب الله فلم يصدقني فقمت بفتحها والحمد لله وقد رأى كل شيء فلم يصدق ولم تقتنع إلا أمي وقام بإقناعي أكثر من مرة وقلت حديث المصطفى ولم يقتنع ومن هنا بدأ يلتفت إلا كل شيء لا زلت أعاني وذلك في أنه في أمور يريدني أن أفعلها مثل مصافحة المرأة الأجنبية بالغصب وحاولت إقناعه وقلت له حديث الرسول في ذلك ويقول لي أنا أعرف الأحاديث والقرآن وأنا لا أريدك أن تفعلها وذلك لأن تفكيرك ساقط وفاسد وهذا الذي تفكرون فيه، مع أن أمي تعرف أن أبي على خطأ كبير وأيضا حلق اللحية والإزار مع أن لحيتي خفيفة جداً وإزاري أغلب الأوقات مسبل أجبرني على حلقها بالشفرة يوميا أحيانا يقول لي كل أربعة أيام كما يريد على مزاجه ويقول لي لا أريدك أن تعاندني فى شيء وأقول له يا أبي هذه أوامر الرسول وقام بضربي ضربا مبرحا بالعصا لمدة خمسة أيام وحرمني من العمل إلى أن أحلق وأن أفعل كما يريد ولا أقول له قال الله ولا قال الرسول أبداً وعندما أحاول أن أذكره يقوم بضربي بالعصا وبيديه وأن لا أفكر فى هذا أبداً، افعل كما آمرك الصلاة والصوم والزكاة لا تسرق لا تشرب الخمر تصدق ولا تأت بتفاهات أخرى وأيضا يقول لي لا تذهب إلى صلاة الفجر وأحيانا يقول لي لا تذهب إلى المسجد أبداً وأنا أمشي خفية وأضطر إلى أن أورى يقول لي لماذا لا تصلي في البيت معي أقول له المسجد أفضل وأذكر له فضائل وذلك من الأحاديث المعروفة يقول لي الصلاة فى البيت ليست بحرام وهكذا ويقول لي تشعرنا بأننا كفار ومرة قال لي لا تذهب إلى المسجد أحلق لحيتك بالشفرة أولا ثم اذهب وحاولت إقناعه بكل الطرق بأدب واحترام من هدي النبي فقال لي لا تقل لي الرسول قال وقال ولا تذهب فتخفيت عنه وذهبت ثم أتيت إلى البيت فضربني ضربا مبرحا وحرمني من العمل مرة أخرى فخرجت من البيت لأنه لا يريدني أن أذهب إلى المسجد أو أن أرفع إزاري ولو قليلاً ويأمرني بحلق اللحية يومياً وبدأ يلاحق أصدقائي ويريد أن يبلغ عنهم بلغ مديري فى العمل بأنهم يفسدونني ويضيعونني وعندي أبناء عمتي ملتزمون يقول لي لا تذهب إلى عمتك على الإطلاق إنك إذا ذهبت سوف تتبعهم وتضيع وتفسد وتتعمق فى الدين كثيراً، قال لي لك ولا تأتينا بتفاهات وتضيع إخوتك معك أنت معقد ومتزمت وتفكيرك ساقط وقال لي أنت ضعيف أمام أحاديث النبي كل الذي تسمعه تريد أن تطبقه لا تتزمت هكذا وقال لي أكثر من مرة أنت مسحور وسآخذك إلى شيخ سيعالجك لأنك قديما كنت تسمع فى كلام أبيك في كل شيء والآن انقلبت ولا تسأل الشيخ ولا العالم أنا أفتيك واسمع كلامي أنا والدك والله يقول أطع كلام والديك إلا فى الشرك بالله وهذا خلال سنة وأنا من حين لآخر هكذا....
خلاصة القول أن أبى عنيد جداً جداً وأنه مزاجي جداً ويقول لي أنا لا أريد أن يقول الناس على ابني أنه ملتزم يتبع في السنة ومتزمت وأنت تحارب في هؤلاء الناس وتكرههم، فماذا أفعل يا شيخ أرجو أن تفتينى لأنني أمر بأوقات عصيبة وأنا آسف على الإطالة وأنا سأسافر بعد شهرين أو ثلاثة للدراسة بالخارج ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على حرصك على الاستقامة على الحق واتباع السنة، ثبتك الله على الحق ونسأل الله تعالى أن يهدي والدك وأن يرده إلى جادة الصواب ... واعلم أن الالتزام بالحق قد يكون معه شيء من الأذى والإعراض من أقرب الأقربين، فما على المسلم في مثل هذه الحال إلا أن يواجه ذلك بالصبر، فعاقبة الصبر خير.
ومن هنا أرشد الله إليه رسوله صلى الله عليه وسلم حين واجه أذى وإعراض قومه فقال له: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ {الأحقاف:35} ، ونوصيك مع الصبر بتقوى الله تعالى فلا يجوز لك طاعة والدك في شيء من معصية الله تعالى، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الطاعة في المعروف.
وعليك أن تتقي الله في والدك فتداريه حتى تتقي شره، ولا يصدر منك أي نوع من الإساءة إليه ولو بأدنى الإساءة، فإساءته إليك لا تسقط عنك بره والإحسان إليه، ومن إحسانك إليه أن تدعو الله تعالى له بالهداية، خاصة وأنك مقبل على سفر ودعوة المسافر مستجابة، وينبغي أن تحرص على الاتصال به بعد السفر وأن تحسن إليه بما تستطيع فإن هذا قد يؤثر عليه ويعينك على سبيل صلاحه.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8631، 28180، 3880، 107634.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(8/1177)
يحمل الكلام الصادر على أحسن المحامل
[السُّؤَالُ]
ـ[ذات يوم كنت أتناقش مع أمي حول أحد الأحكام الشرعية المذكورة في القرآن ولكن أمي لم يعجبها الأمر أي أنها قالت: (إن هذا الحكم غير صحيح) فأردت أن أقيم عليها الحجة فقلت لها: هل الله يكذب؟ فقالت لي: لا. فقلت لها إن هذا الحكم موجود في القرآن وانتهى الأمر.
سؤالي: هو حول قولي: هل الله يكذب؟ هل هذا سوء أدب مع الله لأني شعرت بذلك، وهل أنا آثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن من تقوى الله تعالى ومن الخير للمسلم عند ربه أن يعظم حرمات الله تعالى وشعائره، فقد قال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ {الحج:30} .
والظاهر من الحوار الذي دار بينك وبين أمك احترام كتاب الله من جهتك، وأن سؤالك الموجه إليها كان على سبيل الاستبعاد والاستنكار، ولذلك فنرجو ألا يكون فيما قلت بأس وكان ينبغي أن يكون النقاش مع أمك بأسلوب لين يحبب إليها أحكام القرآن وما جاء فيه ويجعلها تتقبله بإعجاب.
جاء في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه موقوفا: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله. ونحوه في مسلم عن ابن مسعود قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
وتوجيه السؤال لأمك بالأسلوب المذكور ربما يحمل نوعا من الغلظة والشدة عليها وهو ما لا ينبغي، فقد قال تعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا سورة الإسراء*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:25،24}
وعدم إعجاب الأم بالحكم الوارد في القرآن الكريم لا ينبغي كذلك لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36} .
ولكنه يحمل ذلك على أحسن المحامل فلعلها لا تقصد الاعتراض على حكم الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(8/1178)
الإحسان إلى الأب واجب ولو تحرش بابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة تسأل عن ما يلي: عندما كانت عازبة كنات تمزح كثيرا مع والدها ولاحظت أكثر من مرة أنه يحاول مداعبتها كما يداعب الزوج زوجته غضت النظر عن ذلك وظنت أنها وساوس الشيطان مع العلم أنه كان في كل مرة يمزح معها تتشاجر معه فلا يكلمها لمدة تفوق 3 أشهر وفي المرة الأخيرة بينما كان يمازحها حاول أن يعضها من يدها كما يعض الزوج زوجته فصفعته على وجهه دون أن تقصد بل كانت مجرد رد فعل فنهض مسرعا وتبعته حتى تستسمحه لكنه رفض وبقي لا يتكلم معها لمدة سنة وفي كل مرة تحاول أن تصالحه وهو يرفض إلى أن جاء مكتوبها فتزوجت ومن ثم عاد يتكلم معها بشكل عادي وهي الآن تسال ما حكم الشرع في ذلك وهل تعتبر مذنبة تجاه والدها وهل تطلب منه الصفح عن تلك الحادثة بعد مرور 5 سنوات من زواجها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد يكون ما ظنت هذه المرأة بوالدها، من وساوس الشيطان، لكن على كل حال، لا ينبغي للأب أن يداعب ابنته الكبيرة بمثل ذلك، وعلى البنت ألا تمكنه من ذلك، لكن لا يجوز لها أن تسبه أو تصفعه، فإن ذلك من العقوق الذي حرمه الله، فمهما كان سوء خلق الوالدين وبعدهما عن الدين فإن على الولد أن يعاملهما معاملة حسنة، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14،15} .
فيجب عليها أن تتوب إلى الله مما فعلت، من صفعه وهجره، وذلك بالندم على ذلك والعزم على عدم العود مع الإكثار من فعل الصالحات، وعليها ألا تخبر أحدا بذلك، وأن تكثر من الدعاء لوالدها.
وننبه السائل إلى أن الإسلام لا يقر ما يسمى بالصداقة بين الرجل والمرأة الأجنبية، ولمعرفة ذلك تراجع الفتوى رقم: 10271.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(8/1179)
إحسان الابن إلى أمه ومطالبته بنصيبه من ميراث أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجة أبلغ من العمر 28 متزوجة منذ 6 سنوات أحب زوجي ولكن عندي مشكلة لها طرفان، المشكلة الأولى هي محاولتي للإنجاب منه ليس لدينا سوى الحقن المجهري حيث إن زوجي يعاني من مشكلة كبرى ولكن ظروفنا المالية معتدلة فساعدته في العملية حيث إن تكاليفها عالية ولكن بدون جدوى حيث إن الطبيب أقر بعلاجه أولاً قبل عمل العملية وذلك بعد تحضيري لها بمعني أننا صرفنا الفلوس على تحضير العملية ولقد ساعدتني أمي في ذلك وبعد أن عرفنا أن علاجه سيتكلف مبالغ عالية توقفنا قليلاً لتجميع المبلغ ولكن المصاريف زادت ولم يكن لدينا القدرة على الإدخار، مع العلم بأنه من عائلة غنية ولديه إرث ولكن والدته أسرفت كثير وأحسب هذا من نصيبه فعندما أتت له فلوس من نصيبه أخذتها وقالت إنها مدينة بها مع العلم بأن حالتها متيسرة ولكنها تريد أن تعيش حياة ترف فإنها تملك سيارتين وعندها دخل معتدل من إ رثها من زوجها وبالرغم من ذلك لا تريد مساعدته ولا حتى بأن تترك جزءا له للعلاج من نصيبه في الإرث وتريده أن ينفق عليها مع العلم بأنه عندما يتيسر به الحال يعطيها ما تريد، ولكن عندما لا يقدر لا يعطيها إلا مبلغا قليلا ولكن ذلك لا يشبع المكانة التي تريدها تحدث هو معها فلن ترضى أن تعطي له وتحدثت أنا أيضا معها ولكنها ازدادت عناداً تريدنا أن نبيع شقتنا ونأخذ شقة في مكان عشوائي لا نقدر أن نتجاوب معه حيث إننا من أسرتين قادرتين ولن نتعود ذلك علما بأن سكننا ليس بفاره إنه عادي ولكنها تريدنا أن نسكن في حي عشوائي وهي تسكن في شقة كبيرة جداً ومكان راق جدا ولكن هذه الشقة تخصهم جميعا في الميراث ولكنهم خصصوها لكي تعيش فيها فهي تريد الآن بيعها وتأخذ شقة أصغر لكي تنفق من الفلوس مع العلم بأنها ملكهم جميعا أريد أن أعرف كيف أتصرف معها وزوجي أيضا مشاعره سلبية من ناحيتها بعد هذه التصرفات فكيف أيضا يتعامل معها وأود أن أعرف أيضا رأي الشرع في الفلوس التي ستتبقي من فرق الشقتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرزقكما الذرية المباركة، وأن ييسر لكما أموركما، أما عن سؤالك فإن حق الأم عظيم وبرها من أوجب الواجبات ومن أعظم القربات ومن أهم أسباب رضا الله، كما أن عقوقها من أعظم الذنوب ومن أهم أسباب سخط الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. صحيح البخاري ومسلم.
ومن بر الأم الإنفاق عليها إذا احتاجت إلى النفقة أو طلبت ذلك إذا كان للابن ما ينفق عليها زائداً عن حاجاته الأصلية، فإذا كانت هذه الأم ميسورة، فقد كان ينبغي عليها أن تدفع إلى ابنها نصيبه من ميراث أبيه، وتعينه من مالها عند حاجته، لكن إعانتها له من مالها غير واجبة عليها وإنما هي من الإحسان، فلا حرج على الابن أن يطلب منها نصيبه من ميراث أبيه، لكن لا يجوز له أن يسيء إليها أو يقصر في برها، بل عليه أن يداوم على الإحسان إليها، وأما عن الشقة التي تسكنها هذه الأم وترغب في بيعها وشراء شقة أخرى، فإن هذه الشقة بمجرد موت الوالد قد أصبحت ملكاً لورثته، فما يتحصل من المال من الفرق بين ثمن الشقتين، هو جزء من الميراث يستحقه كل الورثة، لكن إن رضوا بأن يتنازلوا عن ذلك لها فلا حرج عليها في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(8/1180)
عدم سؤال الإخوة عن أختهم هل يسوغ لها قطعهم
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن 8 إخوة: 4 أولاد و4 بنات وأنا الأصغر فيهم وكلنا متزوجون ومستورون والحمد لله، ولقد توفي والداي رحمهما الله، المشكلة أنني أحس أن إخوتي الذكور وخاصة الأكبر والثاني لا يهتمون بصلة الرحم، ولقد أساؤوا إلي كثيرا ولا يصلونني أبدا لا في أفراح ولا مرض لأنني مررت بظروف حمل صعبة وخطيرة والحمد لله، ومع ذلك لم أقابل السيئة بالسيئة وزرتهم في كل مناسباتهم أنا وزوجي ربي يبارك لي فيه لأنه طيب جدا، أيضا أخواتي البنات وأيضا الكبرى والتي بعدها لا يزرنني إلا في المناسبات ويتحججن بالبعد وأن لدي سيارة ويعني أنا المطالبة بالزيارة تصوروا لم يزرنني منذ 4 سنوات أي منذ ولادتي بابنتي الثانية ومع ذلك كل نهاية أسبوع أذهب لزيارتهما، وعندما أتغيب لا يكلفون خاطرهم حتى بالسؤال عبر الهاتف أبدا كأنني غير موجودة، وأصبحت أختي الكبري تتضايق بوجودنا خاصة عندما نجتمع عندها بحكم أنها الكبري وفي مقام أمنا رحمها الله، وتتضايق من صغاري كلا بل لا تكلف نفسها عند قدوم وقت والأكل، فكان رمضان هذه السنة حاسما لي في اتخاذ موقف بعدم الذهاب أبدا لأنها قابلتني ببرود رغم غيابي ورغم ذهابي لأقول لها رمضانك مبارك، فحز في نفسي ذلك كثيرا وقررت عدم الذهاب إليهما أبدا حتى في العيد، وأقسم لكم من الأسبوع الأول من رمضان إلى يومنا هذا لم أتلق منهما سؤالا حتى بالهاتف، حتى مجرد اللوم علي، هذا بصورة موجزة، رجاء أفيدوني هل أنا مذنبة بقراري هذا؟ هل أعتبر قاطعة للرحم؟ لأنني أعلم أن الإنسان تبقي أعماله معلقة حتى التصالح؟ فما ذنبي أنا. لأنني حقا ضقت ذرعا منهم. خاصة أمام ابنتي الكبري لا أريد ان تتعلم من هذا الوضع وتصبح لا سمح الله قاطعة للرحم مع أختها لأنها تفهم كل شيء وأنا أحاول أن أربيهاعلى طاعة الله وصلة الرحم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف لقد أمر الله بصلة الرحم ونهى عن قطعها، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَقَالَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ. رواه البخاري ومسلم.
وقد أمرنا الله بصلة الرحم حتى لمن يقطعنا فعن عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري.
ولم يحدد الشرع لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو أوقاتاً محددة، وإنما ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس.
أما عن سؤالك، فإن ما يفعله إخوتك من عدم السؤال عنك، هو من القطيعة التي نهى الشرع عنها، لكن ذلك لا يبيح لك قطعهم، كما أن زيارتكم لأختكم مرة كل أسبوع، قد يكون فيه إثقال عليها وعلى زوجها، فينبغي أن تكون الصلة بالقدر الذي لا يتضرر به أحد.
فالذي ننصحك به أن تتوبي إلى الله مما فعلت من هجرهم، وعليك أن تداومي على صلتهم، ابتغاء مرضاة الله، وأبشري ببركة هذا العمل في الدنيا والآخرة، فإن صلة الرحم من أسباب البركة في الرزق والعمر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(8/1181)
أبوه منعه من الزواج مع حاجته إليه ثم طرده من البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 29 عاما والدي كان يرفض زواجي لأسباب لم أقتنع بها ومثال ذلك هذه سمراء وهذه العادات والتقاليد لأهلها غير عاداتنا، مع العلم بأني غيرت الفتاة أكثر من مرة وكان يرفض في النهاية خطبت بنت خالتي ورفض فذهب والدها ليحاول إقناعه حتى أنه طلب منه أن ينسى أني خطبت ابنته ويختار بنتا أخرى فرفض ثم قال والدي إنه سيمشي في الخطبة لأجله هو وبعد ذلك غير رأيه بحجة أن إخوته غير موافقين مع العلم بأنه تكفل أمام والد الفتاة بإقناعهم لكنه عاد وأخبرني برفضه فغضبت وقلت له حسبي الله ونعم الوكيل بك وبإخوتك لأني منذ 6 سنوات وأنا أرغب بالزواج وهم يمنعوني وقلت له إني لا أسامحه هو وإخوته على الذنوب التي ارتكبتها من جراء هذا الرفض فغضب مني وطردني من البيت وبعد ذلك تكلم معه والد الفتاة وقال له إنه سيحضرني إليه لأعتذر وأقبل قدمه ويده، لكنه رفض وبعد يومين أخذني خالي وأحد أقاربنا ليصلحوا بيننا لكنه رفض إدخالي البيت ومنع إخوتي من السلام علي ثم تم زواجي بدون أن أدخل على الفتاة وسافرت خارج البلد وهو الآن يطلب أن أطلق الفتاة قبل أن يرضى علي وهو يمنع إخوتي من الحديث معي إلا بالسرقة فبم تنصحوني؟ جزاكم الله الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به الأب من التعنت معك ومنعك من الزواج مع حاجتك إليه، وتأخيرك عنه ست سنوات كما ذكرت حرام لا يجوز وهو آثم في فعله مأزور غير مأجور، خصوصاً مع ما ذكرت من أنك قد وقعت بسبب هذا في بعض الذنوب والمعاصي، لأن الأب ليس من حقه أن يمنع ابنه البالغ الرشيد من الزواج من صاحبة الدين والخلق ولا يجب على الابن طاعته في ذلك ولا تعد مخالفته في ذلك من العقوق المحرم، بل المحرم فعل الأب.
وليس للأب أيضاً أن يجبر ابنه على الزواج بمن لا يريد ولا تجب طاعته في ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى الكبرى: وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، فلا يكون عاقاً، كأكل ما لا يريد. انتهى..
ولكن مع هذا كله فإنك قد أخطأت عندما أغلظت له القول فما كان لك أن تفعل لأن حق الوالد عظيم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وفي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه. فحاول رحمك الله أن تسترضي أباك بكل سبيل، وأن تعتذر له عما صدر منك مما لا يليق أن تقابله به.
أما مطالبته لك بطلاق زوجتك فهذا لا يجوز له ولا تلزمك طاعته في ذلك، وقد نص أحمد رحمه الله على مثل هذا فقال: لا يعجبني طلاقه إذا أمرته أمه، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل متزوج ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له طلاقها؟ فأجاب: لا يحل له أن يطلقها لقول أمه بل عليه أن يبر أمه وليس تطليق زوجته من بر أمه. انتهى ...
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18399، 34758، 35285، 3651، 39618.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(8/1182)
لا حرج في تملك الأخ هدية أخيه لأبيه بإذن الأب
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ من أبي يعمل في الخليج ولظروف كان مقاطعا لأبي منذ أكثر من 12 عاما، وعندما عاد وأتى لزيارة أبي قدم لأبي هدية كانت قطعتين من القماش وقميصين وأخذهم أبي وبعد أن انصرف أخي أقسم أبي أنه لن يستخدم هذه الهدايا وقال لي خذهم أو اتركهم فأنا لن ألبسهم مع العلم أن أخي قد قدم لأبي هدية قطعه قماش منذ أكثر من عام ومازالت موجودة ولم يستخدمها أبي.
السؤال هو هل إن استخدمت هذه الهدايا يجب علي أن آخذ إذن أخي أم بما أنها قد قدمت لأبي فانه لا يجوز لي استخدامها لأنها لم توجه لي، وهل إن استخدمتها دون أن آخذ إذن أخي أكون آثما، مع العلم أن أخي لم يأت لي بأي هدية.؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في استخدام تلك القطع دون الاستئذان لأن والدك ملكها بقبضها، وقد أذن لك في استخدامها، وليس للأخ الرجوع فيها، لكن ينبغي أن تحاول إقناع الأب باستخدامها ويكفر عن يمينه سعيا في الصلح بينه وبين أخيك، كما ينبغي أن تحث أخاك على البر بأبيه والاعتذار إليه عن قطيعته وهجرانه، والإحسان إليه بالتودد بالأقوال الحسنة والأفعال الجميلة حتى يسامحه ويصفو خاطره عليه.
وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التاية: 22108، 67117، 75817، 23434، 75249.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1429(8/1183)
ثواب الإعانة على الطاعة على قدر جهد ونفقة المعين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل شهريا إلى أمي مبلغا من المال. هذا العام أذن الله لأمي بالحج. ساهمت في تكاليف الحج لكن أخي ساهم بمبلغ يفوق مبلغي مع العلم أنه لا يرسل لها شهريا. هل لأخي أجر يفوق أجري؟ أفيدوني أرجوكم وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان أخوك قد ساهم في تكاليف الحج لوالدتك بمبلغ أكثر من المبلغ الذي ساهمت أنت به، فنصيبه من ثواب الإعانة على هذا الحج أكثر من نصيبكِ؛ لأن ثواب الطاعة يكون بقدر الإنفاق والجهد والمشقة، كما تقدم في الفتوى رقم: 54738.
مع الإضافة إلى أن مساعدتك لأمك وإعانتها بمال شهريا فيها فضل عظيم وثواب جزيل تفوزين به من جانب آخر على أخيك الذي فاتته هذه الطاعة العظيمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1429(8/1184)
ليس من العقوق مخالفة الوالدين فيما لا يرغب فيه الابن
[السُّؤَالُ]
ـ[يريد أهل زوجي أن يتزوج ثانية علي علماً أنه لدينا طفلة بعمر سنتين ونصف, وذلك لمجرد أنهم لا يحبونني علماً أنني لم أخطئ بحقهم ولم أفعل ما يغضبهم, وزوجي يرفض الفكرة لأنني غير مقصرة في واجبه ونحن والحمد لله متفاهمون جداً ولكنه يخشى أن يكون في ذلك عقوق لوالديه لأنهم أخبروه أنهم سيغضبون عليه إن لم يفعل ما يريدون, فهل في رفضه عقوق؟
أرجو الرد بأسرع وقت ممكن لأنهم الآن قد خطبوا له فتاة قريبتهم ونحن بانتظار ردكم وجزاكم الله عنا ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما علم من الدين بالضرورة وجوب بر الوالدين وطاعتهما في المعروف والإحسان إليهما، والأدلة على ذلك من القرآن الكريم والسنة المطهرة أشهر من أن تذكر، منها على سبيل المثال قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 22-24} . وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي , وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني، ويتأكد حق الأم في الطاعة والبر والصلة فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب. حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
وبناء على ذلك نقول: إذا أمكن أن يقوم زوجك بما يطلبه منه أبواه من الزواج بامرأة ثانية، وكان يستطيع القيام بحقوق التعدد وواجباته من العدل في النفقة والمبيت والقسم وغير ذلك، وعلم مع ذلك تأذي والديه إن هو ترك الزواج فإن الأولى له أن يفعل طاعة لوالديه وبراً بهما، ولكن لا يجب عليه ذلك خصوصا مع ما ذكرت من كونه لا يريد ذلك، ولا يصير عاقا بامتناعه عن ذلك، فقد نص العلماء على عدم جواز إجبار الوالد ابنه على نكاح من لا يريد، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك ولا يمكن فراقه. انتهى.
أما إذا غلب على ظنه الوقوع في الحرام إن هو تزوج بثانية كأن يقع في ظلم إحدى زوجتيه أو تضييع حقوقها فإنه لا يجوز له حينئذ الزواج، ولا عبرة بما يطلبه منه والداه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولكن على زوجك في كل الأحوال أن يسترضي والديه وألا يجاهر بمخالفتهما، بل عليه أن يداريهما وأن يتلطف في عدم الاستجابة لهما، وليجعل منهجه في ذلك ما أفتى به الإمام أحمد رحمه الله حينما سئل سؤالاً: عن أب يقول لولده: ادخل عليَّ الغرفة، والغرفة مفروشة حريراً، فقال: يلف البساط من تحت رجليه ويدخل.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 73175، والفتوى رقم: 76641.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1429(8/1185)
جفاء الجدة مع أحفادها والأخوال مع أولاد أختهم مصادم للفطرة مخالف للشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: عندما يعامل الولد أو البنت اللذان أمهما مطلقة في بيت أهلها بقساوة شديدة من طرف الجدة والأخوال حيث يتعرضون يوميا للإهانة والقهر والضرب المبرح وأقول إن الأسباب تكون لا تستدعي كل ذلك فيتم كل شيء بمبالغة شديدة وكما يقال (ماسكين له على الوحدة) فما هو موقف الدين الإسلامي في قساوة الجدة على هدا الحفيد الناشئ في بيتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رحمة الآباء بأبنائهم والأجداد بأحفادهم والحنو عليهم والشفقة بهم كل هذه أمور مركوزة في فطر غالب المخلوقات حتى البهائم، والناس يتفاوتون في ذلك، وقد ندب إليه الشرع الحنيف.
ففي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يرحم لا يرحم.
وورد في أحاديث أخرى أن عدم تقبيل الأولاد والشفقة بهم سببه قسوة القلب.
روت عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنا والله ما نقبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة.
والشرع الحنيف قد جعل الأجداد بمنزلة الآباء, قال سبحانه حكاية عن عبده ونبيه يوسف: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ {يوسف:38}
جاء في فتح القدير للشوكاني: وسماهم آباء جميعاً؛ لأن الأجداد آباء.
فتبين بهذا قبح ما تفعله هذه الجدة مع أحفادها، وأنه مصادم للفطرة مخالف للشرع, وكذا ما يفعله الأخوال فإن أولاد أختهم من أرحامهم التي فرض الله صلتها وأوجب البر بها والإحسان إليها, وكان حقهم أن يكونوا عونا لهم على ماهم فيه من البلاء الذي وقع عليهم بطلاق أمهم من أبيهم وتفكك أسرتهم وتشتت شملهم, لا أن يقسوا عليهم فيزيدونهم بلاء مع بلائهم, ومحنة فوق محنتهم.
ولكن مع هذا فلا يجوز للأولاد أن يسيؤوا إلى جدتهم ولا إلى أخوالهم, ولا أن يقابلوا جفاءهم بمثله، كلا, بل عليهم أن يؤدوا ما عليهم من حقوق البر والصلة لهم، وأن يحتسبوا ما ضاع من حقوقهم عند ربهم, فهذه هي الصلة الحقيقية التي أمر بها الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم.
فقد جاء في صحيح البخاري وغيره عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وليعلموا أن هذا ليس من الضعف والذل ولا من الخور والمهانة، بل هم الأعلون إن فعلوا, وهم الظاهرون إذا صبروا، وبهذا يستجلب عون الله ونصرته.
فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: لئن كنت كما قلت: فكأنما تُسِفُّهُمْ المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك. أي: فكأنما تطعمهم الرماد الحار.
وللفائدة تراجع الفتويين: 68850 , 101410.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(8/1186)
المشاحنات بين الأشقاء من نزغات الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو مساعدتي بهذا الأمر ضروري أول شيء نحن نعيش بأسرة كان جوها كله تماما، التفاصيل كما يلي:
مرض أبي وكان كل إخوتي صغارا، الأخ الكبير كان بالصف التاسع وطلع من المدرسة لكي يشتغل ويصرف علينا واشتغل مع خالي ويساعد أمي وإخوتي كلهم والحمد لله اشتغل وصار مقاول بناء كفء وأخي الذي بعده كان طالبا في التوجيهي ونجح بالتوجيهي وقام بالذهاب إلى روسيا لكي يدرس الطب وبعده بسنتين نجح أخي الثاني بالتوجيهي وكذلك درسه بفلسطين وبعدها بسنوات توفى أبي وأخي الكبير تزوج وعنده كان عائلة وأولاد وصار يصرف علينا وعلى إخوتي الذين يدرسون بالجامعات وعلى أولاده والعبء يزيد عليه ويستحمل كل شيء من أجلنا وبنص تدريسهم اعتقلوا أخي الكبير الجيش وحكم عليه 5 سنوات وزاد العبء علينا وكان مصروف تدريس إخوتي من الأموال التي تأتي لإخوتي الصغار الأيتام لأنها تعهدت تدريسهم وكان أخي من السجن يعمل المستحيل من أجلهم وبعده بسنوات تخرج أخي من الجامعة بشهادة الطب وأخي الكبير بعد ما أمضى 3 سنوات بالسجن أفرج عنه وما زال أخي في الخارج، وخلال جنازة لشهيد تصاوب برأسه وكان موتا سريريا والله لطف والحمد لله وهو يعاني بعض الصعوبات البسيطة، الموضوع الذي جئت أبحث عن ردكم به هو بعد ذلك حيث وبعد ما اجتمع الإخوة صار يصير عندنا بالدار مشاكل صرنا لا نطيق بعضا كل يوم مشكلة على أشياء تافهة وأمي بعد ما تصاوب أخي وكانت حالته خطرة نذرت أن تذبح عجلا إذا رجع بعافية وحال الحجة ما كان متيسرا لحد الآن ولم تف بالنذر وتزوج أخي الأصغر من الدكتور قبله ولم يعرف أحد بزواجه وكانت كلها مشاكل بين أهلي مع بعض وهو رتب أمره من القروض وتزوج ورأى أن كل إخوتي ضده وأخي الدكتور بعدها بأشهر تزوج من مال مساعدة له بسبب إصابته وأيضا بعرس صارت مشاكل بين الإخوة ويوم العرس أخواتي تقاتلن مع زوجات إخوتي على أشياء تافهة وأخي الكبير بطل يستحمل كلام النسوان والمشاكل حتى أنه صار يطلب كل قرش دفعه بدراسته ويعاير به إخوتي أو خلال العرس إذا دفع مشاوير سيارات يريدها وكذلك أخي الآخر وصارت دارنا لا أحد من الإخوة يطيق بعضا وأيضا نشرف من الدار أغراض بمبالغ لأدوات إلكترونية لا نعرف كيف صار بينا بعد ما كنا ما في أحسن من هذا وكل الدنيا تشكر بيننا ... إخوتي الكرام أرجو أن تقول لي لي ماذا نفعل والله أصبحت الحياة صعبة أنا طالب توجيهي معيد عدة سنة التوجيهي بسبب اعتقالي من قوات الاحتلال وأيضا أحيانا أكون لست قادرا أن أمسك كتبي والأهل بصبروني والحال صارت عندنا لا أعرف الواحد ماذا يعمل، فأرجو أن تنظروا إذا كان هذا الشيء من النذر أم هو سحر وما هو بالضبط وتساعدونا بأي طريقة الله يحفظكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يكشف الغمة عن بلاد المسلمين وينصرهم على عدوهم، ويمكن لدينه في الأرض إنه عزيز رحيم.
أما عن سؤالك فما فعله أخوك الأكبر من الإنفاق على أمه وإخوته فهو عمل جليل من أفضل أعمال البر التي يحبها الله، ويثيب عليها الأجر الكبير في الآخرة، والبركة في العمر والرزق في الدنيا، لكن ما حدث منه بعد ذلك من منّ على إخوته فهو خطأ قد يؤدي إلى إحباط أجره، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ... {البقرة:264} ، وأما عن النذر الذي نذرته أمكم، فإنه يجب عليها الوفاء به ما دام قد تحقق الشفاء لأخيكم، ولكن إذا كانت لا تجد ما تؤدي به النذر فلا إثم عليها في الانتظار حتى يتيسر ذلك لها، فإن عجزت عن ذلك بالكلية فلها أن تكفر كفارة يمين ولا شيء عليها.
وأما ما يحدث بين إخوتك من مشاحنات فذلك من نزغات الشيطان والواجب عليكم إصلاح ما بينكم والحرص على دوام المودة والصلة وذلك بالصبر والتجاوز عن الزلات، والحرص على الكلام الطيب والتهادي، مع اجتناب المعاصي الظاهرة والباطنة، والمحافظة على الفرائض فإن من أسباب التشاحن والتباغض التفريط في فرائض الله، قال تعالى: فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ {المائدة:14} ، ونوصيكم بالتعاون على الطاعات والتقرب إلى الله ودعائه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1429(8/1187)
تشاجر أبواه فرفع صوته حتى يسكتهما فما حكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني شخص أن أسأل له عن هذه المسألة:
تشاجر والده وأمه حول موضوع الصلاة حيث إن الأب يتهاون كثيرا في هذا الأمر ولم يصل ذلك اليوم أي صلاة بدون عذر شرعي وخصوصا أنه في تقاعد وهذه ليست أول مرة وعندما دخل في المساء ذهب وتوضأ وقال إنه لم يصل أي صلاة منذ متى نهضت الأم وقالت له كيف يعقل أنك لم تصل أي صلاة وخصوصا أن لديك كل الوقت وذهبت كعادتك إلى المقاهي ونسيت الصلاة ثم غضب الأب هو أيضا ورد عليها قائلا الصلاة بيني وبين الله وليس لديك الحق أن تتدخلي في هذا الأمر وإن كنت تريدين النصح فانصحي نفسك أما أنا إن أردت أن لا أصلي لن أصلي فهذا الأمر يتعلق بي ثم قال لها إن كان هذا الأمر هو الذي سيفرقنا فليفرقنا وهنا غضب الابن بسماع هدا القول وطالب أمه وأباه بالسكوت وأن يرجعا إلى صوابهما وأن يعرفا ماذا يقولانه وقالها بصوت عال لأنه كان غاضبا من قول أبيه ومن ثم بالفعل سكت الأب والأم وهذا الابن طلب مني أن أسألكم إن كان ما قاله أبوه لأمه من كنايات الطلاق وخصوصا أن أباه كان غاضبا جدا حتى كانت يداه كأنهما ترتعشان وصوته كذلك وهل الابن ارتكب عقوقا للوالدين في هذه المسألة وما الفعل اتجاه هذا الأب الذي يتهاون كثيرا في أمر الصلاة ولا يصلي صلاة الجمعة ولا يذهب إلى صلاة الجماعة ويقول بأن بعض العلماء أو ما يسميهم بالأولياء يمكنهم أن يتكلموا مع آبائهم الذين ماتوا وأن اسم بلقيس في القرءآن هو: الا تعلو. في سورة الأعلى وخصوصا أن اسم بلقيس لم يذكر في القرآن ويقول أن السماء السبع هي المكان الذي تستقر فيه الشمس وأن الأرض يحملها ثور بقرنه ويقول أن هدا موجود في الأحاديث وابنه قام بالشرح له أن كل هذا ليس إلا خرافات وقام بالحوار معه لكن بدون جدوى ولا يدع ابنه يشرح له حتى.
من فضلكم كيف يمكن لهدا الابن أن يخرج أباه من هذا الجهل الذي هو فيه وما هي الحيلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا القول المذكور يعتبر من كنايات الطلاق فإذا قصد صاحبه به إيقاع الطلاق وقع وإلا فلا, إلا إذا كان الأب قد وصل لحالة من الغضب لا يستطيع معها التمييز حينئذ لا يقع الطلاق ولو قصده.
أما بخصوص رفع الابن صوته على والديه فإنه لا يجوز, وهو يتنافى مع ما أمر الله به من برهما وتوقيرهما, ولكن لا يكون هذا الفعل بمجرده عقوقا, بمعنى إذا كان هذا الابن سيرته دائما مع والديه هي البر والتوقير فلا يعد هذا الفعل منه عقوقا بل يرجى أن يتجاوز الله عنه, وأن يغفره له إذا تاب منه لقوله سبحانه: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا. {الإسراء:25} .
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة التى تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة. وقوله: فإنه كان للاوابين غفورا. وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة. انتهى.
أما إذا كان الابن دائم الإساءة لوالديه فإن هذا الفعل يكون عقوقا من جملة العقوق وإساءة كسائر الإساءات, وعلى كل حال فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه من فعله هذا.
أما واجب الابن تجاه ما يفعله أبوه من معاص كالتقصير في الصلوات, وما يعتقده من خرافات فهو النصيحة بأسلوب لين حكيم دون عنف ولا تقريع بل برفق وتودد وحسن خطاب , والسعي المتواصل من أجل صرفه عن هذه المعاصي والخرافات الذميمة، ويمكنه أن يستعين عليه بأهل العلم والخير الذين هم موضع ثقة أبيه, وأن ينقل له فتاوى العلماء الذين يعتد بهم أبوه, ويرجع إلى أقوالهم.
فإذا أصر الأب على حاله، فيلزم الابن الإحسان إليه، ومصاحبته بالمعروف, وطاعته إلا في المعصية، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون {لقمان: 15} .
وللفائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 30621، 19599، 7154.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(8/1188)
عدم سداد الابن ديون والده لعدم يساره ليس عقوقا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم بالإمارات ووالدي بفلسطين - غزة
تورط والدي في قرض ربوي أخذه من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بفلسطين منذ أكثر من 10 سنوات بغرض تطوير مشروع وقد تغيرت الأحوال للأسوأ وهو غير قادر على إكمال السداد، والآن تقوم الوكالة بمطالبتنا بسداد هذا المبلغ وإلا سيسجن الوالد - فاتصلوا بي لكي آخذ مبلغا دينا من شخص وأقوم بسداده شهريا على دفعات ولكن وضعي الحالي لا يسمح فأنا متزوج وعندي ولد وعلي ديون وراتبي لا يكفي لهذه القضية، فهل إن رفضت أكون بذلك عاقا لوالدي؟ وقد أمهلوه مهلة لآخر هذا الشهر، أرجو المساعدة وبارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن حق الوالد على ولده عظيم، كما أن بره والإحسان إليه من أعظم ما يقرب إلى الله، أما عن سؤالك، فإن ما فعله والدك من الاقتراض بالربا خطأ كبير، فإن الربا من أكبر الكبائر ومن أسباب غضب الله ومحق البركة، لا سيما وهو لم يقترض ذلك لحاجة مقبولة، لكن ذلك لا يسقط حقه عليك في البر والإحسان، ومن الإحسان إلى الوالدين الإنفاق عليهما عند حاجتهما، ولكن يشترط لوجوب الإنفاق أن يجد الابن ما ينفقه على والده زائداً عما يحتاج إليه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك. رواه مسلم.
فإذا كنت لا تجد مالاً فاضلاً عما تحتاجه لحاجاتك الأصلية، فلا يلزمك أن تؤدي دين والدك، ولا تكون عاقاً له بامتناعك عن الأداء، لكن عليك أن تبره وتحسن إليه بكل ما تسطيعه من الأمور المباحة، وتكثر له الدعاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1429(8/1189)
هل تعصي أمها وتلبس الجلباب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه تحجبت منذ 5 شهور, لبست الجلباب في أول أسبوع ولكن لأن أمي رفضت ذلك فقد تنازلت عنه والآن أنا ألبس التنورة أو البنطلون, أنا غير مرتاحة بلبسي الآن وأمي رافضة رفضا قاطعا أن ألبس الجلباب وغير ذلك فأنا كنت فتاة تلبس القصير والطويل فيما مضى وأرفض أن ألبس ما هو فقط جميل لذا فأنا الآن صحيح متحجبة إلا أني أشتري من أجمل الملابس وكلما نظرت إلى المرآة أجد نفسي فتاة متحجبة على الموضة , أقول في وبقلبي هذا ليس دين وهذا ليس بلباس متحجبة ولكني لا أعرف ماذا أفعل فأمي ترفض أن ألبس الجلباب والذي أرى به حماية من نفسي التي تأبى أن أرتدي ما هو ليس بجميل أو على الموضة وأن يجعلني جميلة , أريد أن أعرف ماذا أفعل , كيف أقنع أهلي بالصواب , مع العلم أني فتاة مستحيل أن تفعل شيئا وأهلها يرفضون ذلك مهما كان , صحيح أن لا طاعه لمخلوق في معصية الخالق لكن أهلي يطلبون مني أن أعصي الخالق ولكنهم يرفضون فقط أن ألبس الجلباب فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس من حق أمك أن تمنعك من الحجاب، ولا يجوز لها ذلك، فقد فرض الله عز وجل على المسلمة البالغة الحجاب، فقال تعالى: ياأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ. {الأحزاب: 59} .
ولهذا فلا يجوز لك طاعة أمك ولا غيرها في معصية الله عز وجل، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف.
ولهذا، فإن عليك أن ترتدي الحجاب فورا وأن تصبري على ذلك, وتبيني لأمك بالحكمة واللين أن الحجاب فرض متحتم من الله سبحانه لا تجوز مخالفته بحال.
وراجعي صفات الحجاب الشرعي في الفتويين رقم: 74264 , 6745
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التاية: 19184 , 112610 , 107017 , 103865.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(8/1190)
حكم زواج الابن دون موافقة أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيبي يريد عقد قراني فأبيت لعدم توافر جميع شروط العقد وأهمها الإشهار فوافق على رأيي وعندما حدث والده أبي على الجوال رفض والده الإشهار والشبكة وكل المتفق عليه رغم موافقة خطيبي ففسخ أبوه الخطبة. وقال له والده لو تزوجتها لا أنت ابني ولا أعرفك رغم أن والده كان يحبني ويتقبلني وموافق على زواجنا مع العلم أننا نحب بعضنا ونريد الزواج، ولقول الرسول إذا تحابا اثنان فزوجوهما. فماذا أفعل وما حكم الشرع في ذلك؟ أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للأب أن يمنع ابنه من الزواج بمن يريد إذا كانت صاحبة خلق ودين, طالما كان الابن بالغا رشيدا, بل لا يملك الأب منع ابنته من الزواج بمن تريد إذا كان كفؤا فإن فعل كان عاضلا فاسقا.
فعلى الابن أن ينصح أباه ويعلمه أن عقد الزواج عقد خطير أحاطه الشرع بما يوجب استقراره واستمراره، ومن ذلك أن جعل اختيار المرأة للرجل الذي يريد الزواج وليس لغيره، فقال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ {النساء:3} .
قال السعدي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: وفي هذه الآية - أنه ينبغي للإنسان أن يختار قبل النكاح، بل وقد أباح له الشارع النظر إلى مَنْ يريد تزوجها ليكون على بصيرة من أمره.
وقال صلى الله عليه وسلم لمن أراد النكاح من أصحابه: اذهب فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.
فإن أصر الأب بعد ذلك على موقفه فإن الأولى للابن أن ينصرف عن هذا الزواج طاعة؛ لأبيه لأن طاعة الأب واجبة.
هذا إذا لم يلحقه من ذلك ضرر فإن كان سيلحقه ضرر في دينه أو دنياه إن هو ترك هذا الزواج, فإن له في هذه الحالة أن يتزوج ولو لم يوافق أبوه على ذلك, فإن زواج الرجل البالغ الرشيد من غير إذن أبويه يعد زواجاً صحيحاً لا شبهة فيه البتة، لكن إن فعل ذلك فعليه أن يسترضي أباه بعد ذلك بكل طريق.
أما الحديث الذي ذكرته, فلعل ما تقصدين هو قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: لم ير للمتحابين مثل النكاح. أخرجه الحاكم وغيره وصححه الألباني.
وللفائدة تراجع الفتويين: 20295، 95891.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(8/1191)
صلة الرحم من أسباب سعة الرزق فكيف ببر الوالدين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقابل سوء حظ في حياتي سنحت لي بعض الفرص للعمل ولكن والدي سامحه الله منعني منها بحجة الخوف والإنظار للحصول على ما هو أفضل من وظيفة الشرطة وطلبت منه أن يعطيني مالاً لكي أفتح لي مشروعا ورفض خوفا من الخسارة والآن هو لا يملك شيئا وأنا تزوجت وعندي ولد وهو الذي ينفق علي وعلى عائلتي وأنا أعيش في حالة نفسية صعبة وأنا دائما أسبه في سري بسبب ذلك وأحس في نفسي أن تأخر الرزق من هذا الذنب، ولكن لا أستطيع أن أتوقف عن ذلك فماذا أفعل لكي أتوقف عن هذا الذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسب الرجل لوالديه أو لأحدهما من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه! قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه.
فهذا في حق من تسبب في سب والديه أو أحدهما، فكيف بمن باشر سبهما والعياذ بالله؟ ولذلك تعجب الصحابة ممن يسب والديه لأن هذا أمر عظيم، وقد حرم الله تعالى قول (أف) لهما، فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {الإسراء: 23-24} .
وأما بالنسبة لضيق الرزق فاعلم أخي الكريم أن الرزق بيد الله وحده، وأن الإنسان مهما سعى في طلب الرزق فلن يأتيه إلا ما كتبه الله له، ومهما حيل بينه وبين رزقه فإن رزقه آتيه كما يأتيه أجله؛ فقد روى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله. الحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.
ثم اعلم أن صلة الرحم بصفة عامة من أسباب سعة الرزق أيضا؛ كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه.
ومن المعلوم أن أصحاب الرحم لا يربطهم بالمرء إلا والداه، فإذا كان الله جل وعلا جعل صلة الرحم من أسباب سعة الرزق فكيف ببر الوالدين، ثم تذكر دائما أن السعادة في هذه الدنيا ليست بوفرة المال، وإنما هي بالإيمان والقناعة والرضى، وإن الدنيا أهون من أن يضيق الإنسان ذرعاً لقلتها في يده.
ففي صحيح مسلم عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالسوق والناس كَنَفَيه فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه فقال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم، قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت؟ فقال: والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم.
فما أحقر هذه الدنيا التي شغلتنا عن الآخرة، وتسببت لنا في عقوق الآباء وقطع الأرحام, وانتابنا الهم والغم إن هي قلت في أيدينا، فلا تحزن يا أخي ولا تيأس، ولا تنظر إلى من فوقك في أمور الدنيا، وانظر إلى من دونك، تدرك نعمة الله عليك، فإن كنت فقيراً فغيرك مثقل بالديون، وإن قل المال في يدك فغيرك قد فَقَد المال والصحة والولد، فارض بقضاء الله وقدره في تقسيم الأرزاق، واعلم أن الله لا يقدر لك إلا الخير، وأن تدبير الله لك خير من تدبيرك لنفسك، ولا يعني ذلك أن تترك الأخذ بأسباب الرزق فهذا قدح في الشرع، ولكن إذا ضاق بك الحال أو قصرت بك النفقة، فتوكل على الله وحده، والجأ إليه بالدعاء والتضرع بين يديه لا سيما في الثلث الأخير، حيث ينزل ربنا إلى السماء الدنيا فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له.
واعلم أن يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، ينفق كيف يشاء.. وهناك أسباب لسعة الرزق سبق بيانها بالتفصيل في الفتوى رقم: 7768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1429(8/1192)
طاعة الأم في نكاح امرأة بعينها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقبل على الزواج وقد تعرفت على بنت من بلدي عبر الانترنت وأعجبت بها كثيرا وبدينها وأخلاقها حيث إنها متدينة واتفقنا على الزواج وأنتظر حيث تعود من سفرها قريبا جدا لكي أتقدم لها.
المشكلة أن أمي عارضت الموضوع وتريد تزويجي من فتاة تختارها هي لي وليس كما أنا أريد يعني لن تتيح لي فرصة اختيار الزوجة، شريكة عمري، وأنا مقتنع جدا بهذه الفتاة.
ما رأي الشرع في اختيار الزوجة أرشدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاختيار الزوجة إنما هو للزوج لكن إن نهى الوالدان أو أحدهما عن نكاح امرأة بعينها وجبت طاعتهما أو طاعة من نهى منهما في ذلك لأن طاعتهما واجبة ما لم يأمرا بمعصية الله، وهذا ما لم يخف الوقوع معها في معصية الله عز وجل إن لم يتزوجها.
كما أنه لا يلزم الابن إجابتهما إلى نكاح امرأة بعينها إن كان هو لا يرغب فيها فليس لهما إكراهه على نكاح من لا يرغب.
وعلى كل فإن طاعة الوالدين في المعروف واجبة وينبغي أن تكون رغبتهما وهواهما هي ما يطمح إليه الابن إكراما لهما وتفانيا في برهما ما لم يضره ذلك أو يشق عليه، وبالأسلوب الحسن والفعل الجميل يمكن إقناعهما ومحاورتهما لبيان الصواب والخطأ وتوافق الرأي، وذلك خير من معصيتهما وإغضابهما بنكاح من لا يرغبان في نكاحها وقد لا يسعد الآن معها ولا يتحقق فيها ما كان يصبوا إليه، وذوات الدين والخلق كثير، فننصحك بالإعراض عن تلك الفتاة ما لم تقتنع أمك بنكاحها وتجيبك إلى ذلك، وإن وكلت أمر الاختيار إليها وفق مواصفات معينة ترغب فيها فهو أولى، ولا يلزمك أن تختارها إن كنت لا ترغب في نكاحها.
وننبهك إلى أنه لا يجوز للرجل إقامة علاقة مع امرأة أجنبية عنه مهما كان غرضها ووسيلتها فعليك أن تكف عن مراسلة تلك الفتاة والحديث معها أو مع غيرها، واسلك السبيل الصحيح في البحث عن الزوجة بالسؤال، وتوكيل النساء من أهلك في البحث لأنهن أكثر مخالطة للنساء ومعرفة بهن ونحو ذلك مما هو مشروع.
وللمزيد انظر الفتاوى التالية أرقامها: 96920، 8757، 22452، 4662.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(8/1193)
لا تقطعوا أباكم، ولو قطعكم
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم أولا لأنكم أفسحتم لنا المجال للبوح بمشاكلنا وحلها، أنا امرأة متزوجة وعندي طفل ذو 4 أشهر والحمد لله، ومشكلتي هي أن أبي ترك أمي وأخي (11 سنة) وأختي (16 سنة) ورحل منذ 11 شهراً تقريبا دون أي سبب مشار إليه ولا اتصال ولا نعرف أي شيء عنه، لم يترك لهم لا مصروفا للأكل ولا للدراسة ولا أي شيء، حتى أنه لم يأخذ العناء ليتصل بي عندما أنجبت لا هو ولا عائلته ولا يسألون حتى عن إخوتي، قبل أشهر ذهبت إلى مقر عمله لأسال عنه، هرب من مواجهتي عدة مرات ولم أره إلا بعد أن تربصته وعملت له كمينا بأن تخفيت، كما أنه رفع دعوى طلاق على أمي ورفض القاضي لعدم وجود أسباب ورفعها مرة ثانية وبدؤوا في الإجراءات، المهم سؤالي هو هل يجب علي أن أبحث عنه لكي لا تقطع صلة الرحم لكي لا يكون علي ذنب أم أتركه، علما أني ما زلت أعاني نفسيا من هذا لأنني أحبه كثيراً، فأجيبوني من فضلكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن أباك -عفا الله عنه- قد أساء عندما ترك زوجته وأولاده بلا نفقة وتغيب عنهم هذه الغيبة الطويلة بلا سبب، وتركهم هكذا يعانون الحسرات ويكابدون الهموم والأحزان، وكيف يصنع هذا الوالد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني.
وإذا كان الظلم أمراً قبيحاً وفعلاً شنيعاً فإنه من الوالد لولده أقبح وأشنع، ومن الزوج لزوجته أشق وأفظع، وإن هذا الوالد بفعله قد ضيع زوجته وولده الذين أمره الله بحفظهم ورعايتهم، وضيع وصية الله فيهم، فقد قال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ {النساء:11} ، وخان الأمانة التي حمله الله إياها لأن الأبناء أمانة في أعناقهم وهم مسؤولون عن هذه الأمانة أمام الله سبحانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ... الحديث رواه البخاري ومسلم.
وقد حذرنا نبينا من تضييع هذه الأمانة، فقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم.
ولكن مع هذا كله فلا يجوز لكم -أيها الأبناء- أن تقطعوا أباكم، وإذا كان الوالد قد عصى الله فيكم فأطيعوا أنتم الله فيه، فقد وصى الله الأبناء بآبائهم حتى ولو كانوا مشركين يدعوان ولدهما إلى الشرك بالله، قال سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:14-15} ، ومهما يكن من أمر فإن وجود والدكم على قيد الحياة نعمة تستوجب الشكر وفرصة تغتنم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي، وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: رغم أنف رجل بلغ والده عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد أمر الله بالإحسان إليه لا سيما وقت الكبر، بقوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24} ، وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: من أبر؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب. حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
فصلوا أباكم ما حييتم وأحسنوا إليه ما استطعتم، وقابلوا إساءته بالإحسان وحرمانه بالعطاء، وأذاه بالعفو والصفح فهذا مما يرفع الله به الدرجات ويمحو به الخطيئات..
أما بخصوص ما تسألين عنه من البحث عنه فنقول نعم البحث عنه بالقدر المعتاد الذي لا يعنتك ولا يلحق بك الحرج من البر به والصلة له، وبر الوالد وصلته أمر واجب لا يسقطه تفريطه أو تقصيره في حق الولد.
وللمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 93579، 11000، 4296، 10436.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1429(8/1194)
صبر الأخت على إخوتها الذين يسيئون إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي الكبرى لا تتوقف عن إفساد العلاقة بيني وبين إخوتي، كنت متزوجة من قبل وكانت دائما تعمل المشاكل بيني وبين أخي الأكبر وكان الأقرب لي، طلقت وبقيت مطلقة 14سنة في بيت والداي وهي لا تتوقف عن إيذائي بالغيبة والبهتان وأخي الكبير يصدقها كدت أدخل مصحة عقلية، والآن الحمد لله تزوجت مرة ثانية من رجل كريم حفظه الله وأعيش في سعادة معه هذا ما لم تحتمله أختي فهي تؤذيني كثيرا، وأخي يصدقها دائما فهي تمتلك مهارة في الكلام حتى أخي أصبح يؤذيني بعد أن كنا الأكثر تفاهما. ووالله العظيم الله أعلم بنيتي الصادقة وأحبهم وأتمنى أن نعيش كلنا في سلام ولكنهم لا يريدون ذلك أختي الكبرى تؤثر عليه كثيرا أو أمامي كأنما شيئا لم يكن.
ما حكم هذه الأخت وأخي هذا الكبير زوجي الحالي كان صديقه لكنه لم يعرض أخي زواجي من صديقه والله هو الذي جاء بنفسه، أصبح أخي الآن يقول لي أنا السبب في زواجك وبصوت مرتفع وكأنه ولي نعمتي وهذا في شهر رمضان الماضي. وكل هذا سببه الغيرة أختي تحسدني أن الله رزقني مع العلم أنها تسكن لوحدها ولها أولاد لا ينقصها شيء. وتراني دائما أحسن منها فتريد إطفائي فهي لن ترتاح أبدا حتى تدخلني القبر.
ماذا أفعل وأنا على هذه الحال منذ سنوات.
عندي ولد عمره 5أشهر وابني الكبير من زوجي الأول بقي في بيت والداي وأختي لا تتوقف عن تكرههم فيه، تريد أن يخرج من بيت والداي ولكن الحمد لله أن والداي على قيد الحياة ادعو لي والله لا أنام الليل، لا أتحمل الظلم صعب جدا أن تظلم من أقرب الناس إليك والله إني أستيقظ كل يوم 3صباحا وأبقى أبكي لم أعد أحتمل، فأنا مصدومة من أعز الناس إلى قلبي، أختي التي كنت أعتبرها مقام الأم. من شدة صدمتي أشعر دائما بدوار وعدم التركيز، ما حكم أختي هذه التي فرقت بيننا وأدخلت جروحا كثيرة في قلب كل واحد منا، فالآن أصبحت علاقتنا علاقة واجب من غير شعور، ما حكمها عند الله وهي تصلي حتى النوافل؟ وما حكم أخي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تفعله أختك من إفساد بينك وبين إخوتك حرام شرعا لأنه من النميمة وهي من كبائر الذنوب, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: لا يدخل الجنة قتات. أي نمام.
جاء في فتح الباري: وقال الغزالي ما ملخصه: النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه، ولا اختصاص لها بذلك بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولا أم فعلا، وسواء كان عيبا أم لا، حتى لو رأى شخصا يخفي ما له فأفشى كان نميمة. انتهى
ولكنا مع هذا ننصحك بأن تقابلي هذا الأذى والتطاول والعدوان بالعفو والصفح والتغاضي عن أذاها وعن أذى أخيك أيضا, فمهما يكن من أمر فهم إخوتك ولهم عليك حقوق القرابة والرحم.
وقد قال الله سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1} .
واعلمي أن العفو والصفح والصبر من معالي الأخلاق, ومن عزم الأمور، كما قال سبحانه: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {آل عمران:186} .
وقد أمر الله سبحانه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه الأخلاق الكريمة، فقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {لشورى:40} .
وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {النور:22} .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
فانظري كيف أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من عفا فإن الله يزيده عزا بعفوه فكيف يأتي بعد هذا من يقول إن العفو إهدار للكرامة وإذلال للنفس.
العفو والصّفح هما خلق النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأين المشمرون المقتدون، إن من يغالِبهم حب الانتصار والانتقام أين هم من خلق سيد المرسلين، سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله, فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
ومهما صنع إخوتك معك من أذى فلن يكون أذاهم كأذى إخوة يوسف له فقد وصل بهم الأمر إلى رميه في قعر بئر مظلمة وفرقوا بينه وبين أبيه, حتى بيع بثمن بخس دراهم معدودة, وكان من آثار ذلك أن تعرض لفتن كثيرة كفتنة النساء وفتنة السجن.
وانظري ما حكى الله سبحانه عنه عندما آل أمره إلى النصر والعزة والتمكين فلم يقابل السيئة بمثلها وإنما عفا عنهم، وكان من أمره ما حكاه القرآن الكريم عنه: قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {يوسف:92} .
واعلمي أيتها السائلة أن القوة الحقيقية هي كبح جماح النفس عن الاسترسال في الغضب والانتقام , فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
والفتوة الحقيقية هي العفو عن الإخوان, أما ما تجدينه في صدرك من ضيق بسبب ما يحدث لك من إهانة فهذا- إن شاء الله –لا حرج فيه ما لم يخرج من دائرة حديث النفس إلى دائرة التنفيذ والانتقام , فقد جاء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به. رواه أبو داود والنسائي وغيرهما واللفظ للنسائي, وصححه الألباني, ولكن هوني على نفسك ولا تحزني ولا تهتمي لذلك فالكل قادم على ربه سبحانه ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
ثم عليك أن تحمدي الله سبحانه على ما من الله به عليك من نعم عظيمة كانت – لعظمها وجلالتها - سببا في حسد أختك لك, واجعلي من شكر هذه النعم أن تعفي عن إخوتك وأن تصليهم وأن تصبري عليهم, ولا بأس بأن تجعلي علاقتك معهم – إن كنت تخشين أذاهم – في حدود ضيقة بحيث لا يصلك منهم ما تكرهين.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 113608 , 113587 , 111346 , 76612.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(8/1195)
ظلم الوالد في عطيته لأولاده لا يسقط حقه في البر
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أبناء رجل غير عادل في معاملته لنا وإعطاء الحقوق لأبنائه بالتساوي فيعطي واحدا ويحرم آخر بمزاجية مطلقة، وينتقم من أبنائه بتقوية الآخرين عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف لا شك أن العدل من أخلاق المؤمنين، وأهله في أعلى المراتب يوم القيامة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا. صحيح مسلم.
وقد أمر الشرع بالعدل بين الأولاد، ونهى عن التفضيل بينهم، فعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْل هَذَا؟ قَال: لاَ، قَال: فَاتَّقُوا اللَّهُ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ قَال: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ رواه البخاري، وفي رواية عند مسلم: فَلاَ تشهدني إِذًا فإني لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ.
فإذا كان أبوكم لا يعدل بين أولاده بغير مبرر مقبول، فهو ظالم، وعليكم أن تنصحوه برفق وتخوفوه عاقبة ذلك، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، كما أنه يؤدي إلى الضغائن بين الأولاد.
وينبغي على الأولاد الذين يفضلهم أبوهم بعطية أن يردوها، صيانة لأبيهم عن الظلم، وحفظاً للمودة بين إخوتهم، وننبه إلى أن ظلم ذلك الوالد لا يسقط حقه في البر، وعدم جواز مقاطعته أو الإساءة إليه، فمهما كان سوء خلق الوالدين وبعدهما عن الدين فإن على الولد أن يعاملهما معاملة حسنة، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان:14ـ15} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(8/1196)
طاعة البنت أمها في عدم الاتصال بقريبها من الرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي خالة من الرضاع، رضعت من جدتي لأمي، وأمها خالتي من النسب، كنت أصلها من خلال المكالمات الهاتفية، وكان ذلك بعلم أمها وخالاتي الأخريات، وبعد فترة طلبت خالتي من ابنتها عدم الاستمرار في مواصلتي، وما زلنا نتواصل سرا ً، هل يجوز لنا أن نستمر نتواصل؟ وإذا سألت خالتي ابنتها فيما إذا كانت تصلني أم لا هل يجوز لها أن تنكر ذلك لكي لا تغضب أمها؟ وهل يجوز لها أن تحلف إذا اضطرت بأنها لا تصلني وأن نستمر في التواصل؟ مع العلم بأننا نرغب في التواصل، فقد أصبحنا مثل الإخوة، وعلاقتي بها متينة جداً وقد كان تواصلنا لمدة طويلة حيث إنها تعتبرني كأخ أكبر لها وقد ساعدتها في كثير من أمور حياتها وما زلت أساعدها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لتلك الفتاة معصية أمها فيما نهتها عنه من عدم الاتصال بك سيما إن كان في اتصالكما ببعض شبهة أو تخشى منه فتنة، والأخت من الرضاع لا تجب صلتها بل هي مستحبة إن لم يترتب عليها محذور شرعي. وبناء عليه فالذي نراه أن تكف عن التواصل مع تلك الفتاة لنهي أمها لها عن ذلك، ولما قد يترتب عليه من ضرر عليها أو عليك، وإن حدث تواصل فلا ينبغي أن تخبر أمها به، وإن سألتها فلها أن تعرض وتكني دون أن تكذب كذبا صريحا، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 100335، 11449، 12848، 35183، 50320، 1126.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(8/1197)
حكم هجر الأخت أخاها لسبب شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في أوروبا ولي أخ ساعده زوجي للسفر ليبدأ حياته ويساعد أسرتي خصوصا أن والدي متوفى وأخي متزوج وله طفلة وعندما حضر إلى أوروبا لم تمض سنة إلا وقد علمنا أنه يعيش مع امرأة في الحرام حاولنا إقناعه أكثر من مرة بالبعد فيستجيب ثم يذهب في الخفاء إلي أن عرفنا أنه يمشي مع أخرى، عللنا أمام الناس ويقول إنه سيتزوجها مع أنها غير مسلمة والقانون يمنع أن يجمع الرجل بين زوجتين لذلك ليس من أي مستند قانوني يثبت هذه العلاقة كذلك لم ولن يستطيع أن يعدل بين هذه الإنسانة وزوجته خصوصا وأنه ليس معه أوراق وقد مضي أكثر من 6 سنوات ولم يشاهد زوجته ولا ابنته فقررت مقاطعته منذ أكثر من عام فهل يعتبر ذلك قطع رحم، وهل بذلك أكون آثمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أخوك قد أقام علاقات محرمة مع النساء، فقد أتى منكراً كبيراً، وتعدى حدود الله، كما أن غيابه تلك المدة عن أهله فيه ظلم لهم، فلا يجوز للرجل أن يغيب عن زوجته أكثر من ستة أشهر ما لم يكن له عذر.
أما عن رغبته في الزواج فذلك جائز بشرط أن تكون المرأة التي يتزوجها كتابية عفيفة، وأن يعدل بينهما، أما وجود قانون يمنع التعدد فلا يمنع صحة الزواج، وليس من شرط صحة الزواج أن يوثق بالمحاكم.
وأما عن هجرك له فما دام ذلك لسبب شرعي فليس ذلك من القطيعة ولا إثم فيه، لكن الهجر إذا كان لا يغير من شأنه فالأفضل صلته ومواصلة وعظه، أما إذا كان الهجر يغير من شأنه فهو مطلوب شرعاً، فالأمر يدور مع المصلحة الشرعية. وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 29984.
وننبه السائلة إلى أنه ينبغي للمسلم أن يحرص على الإقامة في بلاد المسلمين ويترك الإقامة في بلاد الكفار، ولمعرفة حكم الإقامة في بلاد الكفار يمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 2007، والفتوى رقم: 23168.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1429(8/1198)
أهمية الإحسان إلى زوج الأم ومدافعة الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بسبب أن أبي رماني وعشت مع أمي وزوجها أنا ساعات أتعصب من زوج والدتي وابنه ساعات بسبب وساعات من غير سبب ما حكم الغضب عليهم. أنا في حيرة من أمري وساعات أحس أني أنا ظالمة كل الناس وهما هل أنا ظالمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى عليك ما للوالدين من منزلة عظيمة، فقد رفع الشرع من شأنهما وأمر ببرهما والإحسان إليهما، وخاصة الأم، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان: 14} . وجاء في الصحيحين عن أبى هريرة: رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق بحسن صحابتى قال أمك. قال ثم من قال أمك. قال ثم من قال أمك. قال ثم من قال ثم أبوك.
ولا شك أن الإساءة إلى زوج الأم فيه إساءة للأم، وأذاه أذى للأم. والواجب على الشخص أن يكف أذاه عن أمه بكل طريق، فالواجب عليك كظم غيظك عن زوج أمك توقيرا لأمك واحتراما لحقها، خصوصا مع ما ذكرت من كون هذا الغضب أحيانا بدون أسباب، وإذا كنت قد ابتليت بإعراض أبيك عنك وتضييعه لك ولحقوقك عليه، فلا ينبغي لك أن تحملي غيره هذا الإهمال، فيكون هذا من باب الظلم وأنت قد ذقت مرارة الظلم فينبغي لك أن تغلقي بينك وبينه كل باب وتفري منه بكل سبيل.
وننبهك أيتها السائلة إلى خطورة الغضب وما يؤدي إليه، ولذا حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إلى قطع أسبابه وبين سبل علاجه، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني: قال: لا تغضب، فردد مرارا فقال: لا تغضب.. قال ابن التين:" جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تغضب. خير الدنيا والآخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينقص ذلك من دينه. انتهى.
وقد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. متفق عليه من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه.
فأيما امرئ اشتد عليه الغضب، فإن كان قائما فليجلس، أو قاعدا فليتكئ أو متكئا فليضطجع، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد، وإن كنت قاعدا فاتكئ، وإن كنت متكئا فاضطجع. أخرجه ابن أبي الدنيا وقال العراقي في تخريج الإحياء: إسناده صحيح.
ومن سبل دفع الغضب وإسكانه: الوضوء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تبرد النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ. رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عطية بن عروة رضي الله عنه.
للفائدة تراجع الفتاوى رقم: 49827، 76302، 67808.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1429(8/1199)
تحريم إغضاب الوالدين ورفع الصوت عليهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاول دائماً الإحسان إلى والدي ولكني لا أستطيع دائماً ما تأتي لحظة وأغضبهما وكأنني لم أفعل شيئا سبق معهما، فيغضبان مني. فأتعوذ بالله من الشيطان وأحاول مصالحتهما ولكنهما لا يزالان غاضبان مني. أحياناً أتساءل إن كان السبب ليس مني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز إغضاب الوالدين أو رفع الصوت عليهما أو التأفيف منهما، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ {الإسراء:23-24} حتى ولو أساءا فلا تجوز مبادلة إساءتهما بمثلها، فإن فعلت ما يغضبهما فعليك بالمسارعة في استرضائهما والاعتذار إليهما، والتودد لهما بالقول الحسن والفعل الجميل، وقلوب الوالدين أكبر من أن يتودد الابن إليهما فلا يعطفا عليه ويشفقا، فتجنبي ما يثير غضبهما من قول أو فعل وبالغي في برهما والإحسان إليهما، وإن أساءا فتحملي إساءتهما، فإن حقهما عليك عظيم، وحسبنا أن الله ثنى بهما في قوله: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إحسانا. {النساء:36} .
وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3459، 113287، 5925، 8173.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1429(8/1200)
الإحسان إلى قريب كان يؤذي الأم قبل موتها
[السُّؤَالُ]
ـ[الإحسان إلى قريب كان يؤذي الأم هل يتنافى مع بر الأم المتوفاة وما جزاء الإحسان للقريب إذا كان لا يتنافى مع بر الأم المتوفاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإحسانك إلى قريب كان يؤذي أمك لا يتنافى مع بر أمك، بل الأفضل أن تحسن إليه وتكرمه لأن هذه المعاملة هي الأفضل لأمك في حياتها تجاه القريب الذي أساء إليها، فقد قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِي مٍ {فصلت:34ـ35} .
والإحسان إلى هذا القريب ثوابه عظيم لاشتماله على مجاهدة النفس والشيطان إضافة إلى كونه صدقة وصلة رحم، وفي ذلك من الأجر الجزيل ما لا ينبغي لعاقل التفريط فيه، وراجع الفتوى رقم: 31904، والفتوى رقم: 24833.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1429(8/1201)
تحسن إلى أم زوجها مع عدم ارتياحها لوجودها معها
[السُّؤَالُ]
ـ[تعيش معي حماتي فى بيتي نظراً لأن زوجي وحيدها أعاملها معاملة طيبة وهي أيضا كذلك ولكن المشكلة أني أشعر أنها قيد على حريتي داخل بيتي فمن داخلي أشعر أني لا أحبها وأتمنى أن تترك بيتي، ولكني أظهر لها عكس ذلك، فهل علي إثم فى هذا الشعور وهل هذا نفاق وكيف السبيل إلى الخلاص من ذلك الشعور، مع العلم بأني لا أترجم شعوري هذا إلى فعل، وإن صبرت على وجودها معي مع هذا الشعور فهل لي أجر أم شعوري السلبي هذا يحبط أجري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبارك الله فيك لحرصك على الإحسان إلى أم زوجك، وإعانته على برها، فذلك بلا شك من حسن عشرة الزوج، ومن مكارم الأخلاق التي تثقل الموازين يوم القيامة.
أما عن سؤالك فإن إكرامك لأم زوجك وإظهار المودة لها رغم ما تجدينه من عدم ارتياح لوجودها ليس من النفاق، وإنما هو من حسن خلقك وكرم طبعك وحرصك على مرضاة الله تعالى، ويمكنك مراجعة الفتوى رقم: 26817، ولا يحبط ذلك أجرك ما دمت قاصدة وجه الله، بل إن الطاعات التي فيها مخالفة لهوى النفس تكون أقرب إلى الإخلاص، وأما عن السبيل للتخلص من هذا الشعور فهو باستحضار الأجر العظيم والفضل الكبير الذي يعود عليك من إحسانك إليها وعون زوجك على برها، فإذا تفكرت في جزاء هذا العمل في الدنيا والآخرة فسوف يهون عندك ما تجدينه من مشقة، بل ستحبين بقاءها لما يجلبه لكم من سعادة الدنيا والآخرة، وعليك بكثرة الدعاء والاستعانة بالله عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1429(8/1202)
استغلال حب الجد والجدة لإصلاح العلاقة بين الأب وبينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أن أبي متخاصم مع والديه أي جدي وجدتي وبسبب عمتي.. جدي لم يعدل بينهما قال لوالدي وهو ابنه الأكبر اذا كنت لا تريد أن تصالح أختك فابتعد عني أنا كذلك وهذه العمة جد معروفة لدى كل أطراف العائلة بأنها ظالمة الكل يشهد فيها والكل سببت لهم المشاكل مع العلم أنهم غير مبالين لهذا الخصام كونهم يعيشون في أوربا إلا والدي فانه يعيش هنا فهم لا يسألون عنه كيف أحواله وجدتي قالت بهتانا في إخوتي ووالدتي والآن والدي يرفض التصالح معهم وهم أيضا غير مبالين متحدين فيما بينهم لا زالوا مستمرين في إطلاق إشاعات لا صحة لها ونسوا أن الموت لا مفر منه. ولما سافروا لم يودعوه ومرت سنتان على سفرهم ولم يسألوا عنه ولو لمرة واحدة كأنهم ليسوا والديه ونحن كلنا نعلم مدى حب وشوق الأم لابنها غير أن جدتي لم تبرهن على ذلك ولو لمرة واحدة في حياتها نظرا لما عشته أنا معهم وما يحكى لي من طرف العائلة لكنهم يقولون عني أشياء حسنة بأنني أعز حفيد عندهم لكن أنا أعرف أنهم هم من أساؤا إلى والدي بسبب عمتي وأقولها لهم وجها لوجه بأنهم هم الضالون ومع ذالك فهم لا يتكلمون عني في غيبتي إلا بالخير. وما أريد أن أعرف هو هل لوالدي إثم في عدم مهاتفتهم أنا أرجو منكم الجواب المقنع فأنا جد يئوس ومحتار فأنا أريد مصالحتهم فكلا الطرفين يرفض المصالحة. وأرجو منكم الدعاء لهم ولي ولجميع المسلمين. وجزاكم الله خير الجزاء وأنا في انتظار جوابكم ودعائكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يفعله والدك من مقاطعة والديه حرام غير جائز, وليس له ما يبرره على الإطلاق, فإن حقوق الوالدين عظيمة، وقد قرنها الله تبارك وتعالى بعبادته فقال جل وعلا: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً {النساء:36} ، وأمر الله بالإحسان إليهما ومصاحبتهما بالمعروف حتى ولو كانا كافرين يدعوان ولدهما إلى الشرك بالله والكفر به فقال سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15} ، وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي , وصححه الألباني , وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أوأحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فعلى والدك أن يبادر بإصلاح ما فسد بينه وبين والديه, وأن يحسن إليهما بكل سبيل, وأن يطيعهما فيما يأمرانه به من إصلاح علاقته بأخته، فإنهما ما يأمرانه في هذا إلا بالبر والصلة, ومهما يكن من أمر أخته فإنها في النهاية من أرحامه الذين تجب صلتهم, وتحرم قطيعتهم, وما أساءت فيه فإساءتها على نفسها, وسيحاسبها على ذلك ربها, ولكن هذا لا يسقط حقها في البر والصلة.
واعلم أخي السائل وأعلم أباك أنه ليست الصلة وصل الإنسان أرحامه إذا وصلوه بل هذه مكافأة، بل المراد أن يصلهم وإن قطعوا، ويحسن وإن أساءوا، ويعطيهم وإن منعوا, فتلك هي الصلة التي أمر الله بها، روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
اللهم إلا إذا كان أبوك قد أخذ هذا الموقف من عمتك لله وفي الله, وكان قصده من هجرانها زجرها وصدها عن ظلمها وعدوانها عند ذلك لا بأس في مقاطعتها إذا غلب على ظنه أن هذا مما يزجرها.
واعلم أيضا أننا بهذا لا نبرئ جدك وجدتك من التبعة في حق ابنهما بل هم أيضا قد أساءوا في مقاطعتهم لوالدك, إذ للولد على أبيه حقوق, وإن كانت حقوق الوالد أكبر وأعظم.
وقد ذكرت – أيها السائل الكريم – أن لك عند جديك حظوة ووجاهة, وأنهما ذكرا أنك أحب حفيد إليهما, فبادر رحمك الله باستغلال هذا الود في إصلاح ذات البين , وتقريب وجهات النظر, ووصل الأرحام بعضها مع بعض, فهذا من أعظم القربات وأجل الأعمال الصالحات , قال سبحانه: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114} , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني.
للفائدة تراجع الفتويين رقم: 104587، 112160 ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1429(8/1203)
أبوهم يسبهم هم وأمهم ويقذفهم ويدعو عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتوني حفظكم الله في والدي الذي يؤذينا دائماً بلسانه يسبنا بالكلام القبيح ويقذف والدتي وأختي بين اليوم والآخر بكلام مشين لها ولأهلها ويدعو الله أن يفشلنا في حياتنا نحن ووالدتنا ويهددنا أنه سيحرقنا بلسانه ونحن والله لم نفعل له شيئا ويشكو الناس بأننا نظلمه. بدأنا نكرهه والله نعم كرهناه ووالدتي كرهت معاشرته فهي الآن تنام مع إخوتي الصغار فهل عليها وزر؟ وماذا نفعل؟ حفظكم الله وهل دعواه مقبولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان والدك بهذه الصفات فهو سيء الخلق، فإن السب والقذف أمر محرم مناف لخلق المؤمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. متفق عليه.
كما أن الدعاء على الأولاد أمر مخالف للشرع، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ... رواه مسلم في صحيحه.
كما أن إساءة معاملة زوجته أمر مخالف للشرع، قال الله تعالى: ... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.. {النساء:19} ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... استوصوا بالنساء خيراً. رواه البخاري ومسلم.
لكن ذلك لا يسقط حقه عليك في البر وعدم جواز مقاطعته أو الإساءة إليه، فمهما كان سوء خلق الوالدين وبعدهما عن الدين فإن على الولد أن يعاملهما معاملة حسنة، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14-15} ، ثم اعلم أنك إن التزمت حدود الله في معاملته فإنه لا يضرك دعاؤه عليك أو عدم رضاه عنك.
أما عن أمك فإن عليها أن تؤدي حقه وتطيعه في المعروف، وتنصحه وتذكره بما يجب عليه نحوها من حسن العشرة، فإن لم يتغير فيمكنها أن ترفع أمرها لمن يؤثر عليه من أقاربه أو غيرهم من أهل الدين، فإن لم يتغير وكانت متضررة فإن لها أن تطلب الطلاق، ولكن ننبه هنا إلى أن الزوجة إن صبرت على ذلك فهي مأجورة مثابة عند الله عز وجل.. وننبه إلى أنها لا يجوز لها أن تمتنع عن زوجها إذا دعاها إلى الفراش، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1429(8/1204)
أبواه يريدانه أن يصحبهما في حج التطوع وهو لا يستطيع
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي ووالدتي بفضل الله أديا فريضة الحج أكثر من خمسة وعشرين مرة لكليهما، هذا العام هما أيضا ينويان الحج ولكن نسبة لكبر سنهما ومرضهما فهما لا يستطيعان السفر إلا إذا رافقتهما أنا، هنالك صعوبة شديدة بالنسبه لسفري نسبة لأن لدي مشروع عمل جديد والمال الذي بحوزتي لا يكفي لأداء الحج والمشروع معاً علما بأنني ولله الحمد كنت قد أديت فريضة الحج من قبل ... سؤالي هل إذا اعتذرت لوالدي وأثنيتهما عن حج هذا العام أكون عاقا بهما ومخالفا للسنة والشرع أم هل أضحي بالمشروع, والله يعلم هل أستطيع أن أتحصل على المال اللازم للمشروع مرة أخرى أم لا؟ أكون شاكراً لو أستلمت منكم رداً فوريا.. ولكم جزيل شكري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في الاعتذار منهما لعدم استطاعتك ما داما قد حجا أكثر من مرة كما تذكر، لكن ينبغي أن يكون اعتذارك بحكمة وقول هين ولين، كأن تذكر لهما أن يصرفا نفقة الحج في أمور خيرية كنفقة يتيم وإعالة مسكين وتفريج كربة مهموم ومساعدة محتاج فقد يكون ذلك أفضل لهما من الحج، فقد أثر عن عبد الله بن المبارك أنه لما تجهز لحج النافلة مر في طريقة وجد امرأة وصبية خماصاً فدفع إليهم نفقة حجه ثم عاد وقال لأصحابه هذا حجنا لهذا العام.
فأنواع القرب كثيرة فليصرفا نفقة الحج في سبل الخير وأبواب البر، واعتذر لهما عذراً حسناً ولا تفسد المشروع لتوفر منه لنفسك ولولديك وتتعفف به عن الحاجة إلى الناس فذلك خير لك..
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 100530، والفتوى رقم: 14390.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1429(8/1205)
هل من العقوق استئجار خادمة للقيام برعاية الأم المسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي عمة مريضة وعاجزة عن دخول الحمام ولها من البنات ثلاث كلهن متزوجات والمسافة من بيتهن إلى بيت أمهن لا تزيد عن الربع الساعة سؤالي هو أن عمتي اعتمادها على الخادمة في كل شيء في الاستحمام والنظافة من البول والغائط وعلما بأن عمتي تتكشف عليها الخادمة وتنظفها حتى ولو تكون بناتها متواجدات عندها لا يقمن بأي مجهود اتجاه أمهن فهل هذا نوع من العقوق وهل يجب أن تكون الخادمة مسلمة علما بأن أغلب الخادمات لسن بمسلمات وهن لا يرضين بالعمل على تنظيف عمتي فتتغير الخادمة باستمرار.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا تقصير منهن في بر أمهن التي أمرهن الله عزوجل ببرها، سيما في مرحلة الكبر التي هي أحوج ما تكون إليهن فيها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة. رواه مسلم.
حتى ولو كن من يؤجرن لها الخادمة، فالأولى أن يتولين رعايتها بأنفسهن إذا كن موجودات تطييبا لخاطرها، وإمعانا في برها وإكرامها، ولا يسمى ذلك عقوقا ما لم يكن فيه تضييع لها ومعصية لأمرها وقطع لصلتها؛ لأن المقصود هو رعايتها وتعاهدها، سواء حصل ذلك منهن مباشرة وهو الأولى، أو أجرن لها من يتولى ذلك عنهن.
ولا يمكن أن تتولى ذلك خادمة غير مسلمة لأنها غير مؤتمنة، ولا تتقي الله عزوجل في اطلاعها على ما لا يجوز لها الاطلاع عليه، ومع أن الكافرة ليس لها أن تنظر إلى ما يجوز نظره للمسلمة من المسلمة على الصحيح.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 284، 31009، 22342.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(8/1206)
بر الأم ورعايتها من أقوى أسباب رضا الله عن العبد وتوفيقه في دينه ودنياه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيبة عراقية عمري 37 سنة غير متزوجة لي أخوات ستة أنا أصغر واحدة، منهن من تزوجت ومنهن من سافرت، بقيت أنا وأمي في البيت مع أخت لي عندها شلل أطفال متزوجة في المشتمل التابع للبيت ليس لها أطفال، مشكلتي: لي أخت ثانية هي أكبرنا مريضة بمرض التهاب الأعصاب الذي سبب لها شبه شلل فهي بصعوبة تمشي وظهرها منحن وهي متزوجة ولها بنتان عمر كل واحدة منهما الكبرى 18 سنه والثانية 14 سنه وزوجها موجود، مشكلة أختي المريضة أنها تريد أن تعيش معنا في البيت هي وبناتها وتترك زوجها لأن زوجها تعب من مرضها وكل يوم يقول لها اذهبي إلى أهلك هم يقيمون بك وهى لا تستطيع ترك بناتها فتريدهم معها حيث دائما تذكرنا بأبي رحمه الله قد وعدها بأن يبني لها في البيت وكانت غير مريضة لكن أبي كان يريد أن يرضيها ويسكتها لأنه ليس لها بيت هي وزوجها، ولكن الظروف شاءت أن أختي التي بها شلل الأطفال تتزوج وتبني المشتمل بدلا منها فحقدت علينا وقالت المفروض أنا الأولى منها ولكنها تركت المشتمل وتريد أن تعيش معنا في البيت وأنا في حيرة من أمري لأني يا شيخ:
1-بناتها لا يسمعون الكلام ولا يطيعون وخصوصا الكبيرة لها علاقات وهاتف نقال ولا تخاف من أحد وليس هنالك رجل في البيت يؤدبوهن ولا يقومون بأي عمل الشغل كله علي أنا وأمي الكبيرة في السن حتى أن أمي تتعب وتتمرض عندما يأتون.
2- أختي المريضة عندما تأتي تناديني بين فترات متقاربة مرة لقياس الضغط ومرة لإبرة ومرة للعمل في البيت أنا أحب مساعدتها وأشتغل وتصيح على بناتها فلا يسمعون لها ولا يردون عليها ولكن مشكلتها تغضب إذا تركناها أنا وأمي لفترة ليست طويلة وأنا يا شيخ أذهب لغرفتي لأجل الدراسة والراحة بعد أن قمت بأمور البيت وأريد أن ألتفت لمستقبلي الذي ضاع وأريد الدراسة فأنا عمري 37 سنة ولم أتزوج ولم أحصل على دراسات وليس لي أخ وأبي مات رحمه الله وعندما تخرجت ضيعت وقتي مع أهلي في شؤونهم وصديقاتي كلهن تزوجن ومنهن من سافرت وأنا الطموحة لم أحصل على شيء أريد أن أنجح في حياتي وأريد أن أتعلم فكيف لي أن أضيع مستقبلي وأنا طبيبة ممارسه أريد خبرة وخبرتي ومعلوماتي محدودة وإذا لم أشتغل في البيت أجد أمي المسكينة هي تشتغل ومن ثم تتمرض وأمي لا تقبل بخادمة لأنها تخاف فنحن في العراق وظروفنا الأمنية صعبة.
3- زوجها تعب منها ومن مرضها ولا يقبل أن يأتي معهم لأنه لا يريد ترك بيت تابع للحكومة لاحتمال أنهم يملكونه إياه وهي لا تستطيع ترك بناتها وسوف تجلبهم معها ودائما تقول (انتم السبب لقد كان المشتمل من نصيبي وأنتم بنيتم لأختي بدلا مني ثم تقول حسبي الله ونعم الوكيل وتحقد علينا صحيح أن الوالد وعدها وكانت غير مريضه ولكن بعدها قال لأمي أنه يريد أن يسكتها لأن المشتمل يراد له وقفه وماده، ومن ثم مات أبي رحمه الله وبعدها بفترة أختي أم شلل الأطفال تزوجت وهي مسكينة أيضا فبنت لنفسها المشتمل على حسابها؟
هذه قصتي يا شيخ وأختي تريد الآن أن تأتي لبيت أبيها هي وبناتها لأن المشتمل أخذته أختي على حسابها: فسؤالي يا شيخ 1- ماذا أفعل إن قبلت فمعناها دمار لحياتي ودمار لصحة أمي وأنا لا أستطيع أن أترك البيت واذهب أسكن في المستشفى لخاطر أمي وإن رفضت فهي حاقدة علينا وتقول بأننا لا نحب بناتها ولا نريدهم ودائما تدعو علينا.
بالله عليك يا شيخنا بالشرع وبما يقبله ربنا ماذا أفعل فقد هلكت يا شيخنا....
والسؤال الثاني: هل أذهب لمنطقة أخرى أتعلم فيها وأترك أهلي أي أذهب للفلوجة ولا أرجع إليهم إلا كل أسبوع مرة واحدة أي يوم واحد لكي أتعلم ولكن أمي كيف يا شيخنا سوف تهلك وتمرض من كثرة الشغل والقهر والمسؤولية، ماذا أفعل يا شيخنا اترك أمي أم لا بالله عليك جواب وشرح كاف بما يرضي الله أولا وأخيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبمجرد موت أبيكم، فقد صار هذا البيت تركة لورثته على قدر حصصهم من الميراث، فإذا كانت أختك الكبرى لم تأخذ نصيبها من تركة أبيكم، فلا شك أن لها نصيبا من هذا البيت، فلا يجوز لكم منعها من السكن فيه، أما وعد أبيكم لها في حياته فلا أثر له، لكن ليس من حق زوجها أن يخرجها من البيت ويجبرها على الإقامة عندكم، فما دامت في عصمته فمن حقها عليه النفقة والسكن، وليس له تبرير ذلك بمرضها وحاجتها للرعاية، فإن بنتيها يجب أن يقوما برعايتها، وينبغي له أن يلزمهم بذلك.
فعليكم أن تبينوا لزوجها واجبه نحو زوجته وبناته، وتستعينوا بمن له تأثير عليه من أقاربه أو أصحابه.
أما إذا تخلى زوجها عنها وطلبت أن تقيم معكم، فليس لكم منعها من ذلك، على أن يقوم برعايتها بناتها، وعلى كل حال، فلا يجوز لك أن تقصري في رعاية أمك فهذا من أعظم الواجبات عليك، ولا يجوز لك أن تتركي البيت، وتذهبي إلى مدينة أخرى للدراسة أو غيرها، ما دامت أمك في حاجة إليك، ولا يوجد من يرعاها ويقوم على شؤونها غيرك، كما أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بغير محرم، ولا أن تقيم بمفردها.
وننبه السائلة إلى أن مقياس النجاح ليس بالدرجات الوظيفية أو المناصب الدنيوية، وإنما أعظم نجاح للإنسان الاستقامة والتوفيق لطاعة الله، ولا شك أن بر الأم ورعايتها من أعظم الطاعات بعد الإيمان بالله، وهو من أقوى أسباب رضا الله عن العبد وتوفيقه في أمور دينه ودنياه، فأبشري خيراً ببركة برك بأمك، فما دمت قاصدة بذلك وجه الله، فسوف تجدين أثر ذلك، ولن يضيع الله جهدك وصبرك، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1429(8/1207)
ابنته تعقه بتأثير من أمها
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أود أن أشكر كل القائمين على هذا الموقع وأدعو ربي أن يجعل جهودكم في ميزان حسناتكم.
وبعد عندي طفلة من زوجة أولى مطلقة. سنها 15 سنة. توجد تحت حضانة أمها وأنا أنفق عليها وأحسن إليها. ورغم هذا وتحت تأثير والدتها هداها الله صارت تسيء إلي بالحديث السلبي مع الغير كما ترفض اللقاء بي وتتفنن في حبك الأكاذيب والأباطيل حولي. ورغم أن جزءا من أفعالها يعتبر مسايرة وتحت تأثير والدتها إلا أن جزءا آخر هي تعلم علم اليقين بطلانه ولا أفهم فعلها رغم أن بري لها وإنفاقي يزداد ولا ينقص أنا الآن لا أملك اتجاهها إلا الدعاء وهذا ما أقوم به.
ولكني أخاف أن يعتبر عملها عقوقا للوالد وبالتالي قلبي يتألم معها. وسؤالي هل أولا هي تعتبر عاقة في حقي على صغر سنها نسبيا حتى لو سامحتها مهما كان. وهل من توجيه لي بهذا الخصوص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف اعلم أن هذه البنت إن كانت في هذه السن فهي تعتبر بالغة ومكلفة، وراجع علامات البلوغ بالفتوى رقم: 10024.
وإن ثبت ما ذكرت من أنها تسيء إليك وتفعل ما تفعل من هذه المنكرات التي ذكرت، فهذا يعتبر من أعظم العقوق وتأثم به، ولكن إن سامحتها في ذلك وتابت إلى الله منه، فسيرتفع الإثم عنها بإذن الله تعالى، وانظر الفتوى رقم: 95877.
ونرشدك هنا إلى عدة أمور ومنها:
الأمر الأول: الإكثار من الدعاء لها بالهداية والتوفيق والصلاح، فدعاء الوالد لولده مستجاب، روى ابن ماجه بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده.
الأمر الثاني: مناصحتها وتذكيرها بالله تعالى، ولو أمكن أن يأتي من قبل إحدى صديقاتها فربما كان ذلك أبلغ في التأثير عليها.
الأمر الثالث: السعي في تزويجها من رجل صالح يبعدها عن بيئة أمها، ويعينك في سبيل إصلاحها، والأولى أن تسعى في البحث عن الزوج من غير أن تعلم أنك فعلت ذلك.
ونذكر في الختام بما نبهنا عليه كثيرا من الآثار السلبية للطلاق على الأولاد، وأنه مهما أمكن اجتنابه وحل المشاكل بغيره من السبل كان أولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(8/1208)
لم تدفع لأبيها ما يريد فقاطعها وأمر أهلها بمقاطعتها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي مشكلة أرجو أن تفتوني بحل..
أنا متزوجة من 3.5 شهور أبي طلب مني أن أعطيه من راتبي تقريبا 1/3. وافقت قبل الزواج , لكن بعد الزواج لم أستطع الوفاء اقترضت في الشهرين الأولين لكني لم أعد أقدر فقلت له ذلك. كان الثلث 200 دينار فقلت له إني أستطيع فقط إعطاء 100د فقط لأن زوجي لإتمام مستلزمات العرس دون اللجوء إلى قرض قد اقترض من أناس وهو يرد لهم بالتقسيط الآن.
المهم أن أبي غضب مني وتوعد أمي بالطلاق وأخواتي البنات بقطعهم عن التعليم إن هن اتصلن بي وكذلك حرم علي الدخول إلى البيت أو مكالمته هو.
أنا الآن في حيرة خاصة أن أبي رفض العدول عن رأيه حتى بعد موافقتي وزوجي على طلبه.
هل أنا آثمة الآن لأنني لم أكلمه من ساعتها؟
وبماذا تنصحني؟ لم تدفع لأبيها ما يريد فقاطعها وأمر أهلها بمفاطعتها
شكرا جزيلا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان والدك محتاجاً لهذا المال الذي طلبه منك فلا شك أنه يجب عليك أن تعطيه، للإجماع على وجوب النفقة على الوالدين عند حاجتهما.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد.
ولكن يشترط لوجوب الإنفاق أن يجد الولد ما ينفقه على والده زائداً عما يحتاج إليه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك رواه مسلم في صحيحه.
مع التنبيه على أن نفقة الزوجة على زوجها، ولا يجب عليها الإنفاق على زوجها ولو كان فقيراً.
وأما إذا كان والدك غير محتاج إلى النفقة، فلا يجب عليك إعطاؤه، ولكن من الإحسان إليه وبره أن تعطيه، ما لا يلحقك ضرر بإعطائه، أما إذا كان في إعطائه ضرر عليك، فيمكنك الاعتذار له بلطف، وعلى كل الأحوال فيجب أن تجتهدي في بره والإحسان إليه والتلطف في القول، وأما عن تصرف والدك بتهديد زوجته بالطلاق وحرمان أخواتك من التعليم إن هن كلمنك، فهذا غير جائز، لما فيه من قطع الرحم، ولكن ذلك لا يبيح لك أن تقطعيه، أو تقصري في بره.
فإن ذهبت إليه أو كلمته فلم يرد عليك، فلا إثم عليك، ولكن عليك بالمداومة على محاولة إرضائه مع الاستعانة بالله عز وجل ودعائه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1429(8/1209)
الاجتهاد في استرضاء الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت بيني وبين حماتي مشاجرة قمت على إثرها بثلاث محاولات لاسترضائها فرفضت وهي الآن لا تكلم زوجي رغم أنه لم يقل لها شيئا ولم يتخذ منها أي موقف بعد هذه المشاجرة. وعندما نكلمهم من مقر إقامتنا بإيطاليا ترفض أن تكلم زوجي وتكلم فقط ابني صاحب الأربع سنوات. حتى أنه أرسل إليها مبلغا من المال باسمها رفضت استلامه فاضطر لأن يسحبه من هنا ناقصا. ونحن لا نستطيع العودة إلا في الصيف لنسترضيها مباشرة. والموت يأتي فجأة فقد نموت نحن أو تموت هي. فكيف يفعل زوجي ليبرها؟ أفيدونا وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حسن عشرة المرأة لزوجها إحسانها إلى أهله، وإعانته على بر والديه وصلة رحمه، والتغافل عن هفوات أهله، فهو مما يجلب المودة والألفة بين الزوجين، ويزيد احترام الزوج ومحبته لزوجته.
فالذي ننصحك به أن تكرري محاولة الصلح مع أم زوجك، ابتغاء مرضاة الله وإعانة لزوجك على بر أمه، وعلى زوجك أن يكرر محاولة التواصل مع أمه واسترضائها، وتوسيط من يظن أن له تأثيراً عليها، مع الاستعانة بالله ودعائه. فإن أصرت الأم بعد ذلك على مقاطعة ابنها، فلا إثم عليه ولا يضره غضبها، ما دام قد اجتهد في إرضائها ولم يقصر في برها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1429(8/1210)
هل يلزم الاقتراض للأب ما يشق سداده
[السُّؤَالُ]
ـ[زواجي بمشيئة الله الشهر المقبل ووالدي طلب مني عمل قرض له للبدء في مشروع ورفضت القيام بذلك نظراً لعدم قدرتي على سداد قسط القرض خاصة وأنه لمدة 5 سنوات والله أعلم بحياتي المستقبلة وما تخفيها فترك لنا المنزل ورفض الحضور إلى زفافي أو أن يكون وكيلي في كتب الكتاب ولن يرجع عن هذا إلا إذا قمت بعمل قرض. فماذا أفعل وهل شرعا يجب علي السمع لوالدي وعمل قرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان القرض الذي طلبه الوالد قرضا ربويا فلا تجوز طاعته في أخذه مطلقا، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن كان قرضا مباحا فلا تلزمك طاعته في أخذه لما يلحقك من مشقة في ذلك وعجز عن الأداء، فالوالد لا يشرع له أن يأخذ من مال أولاده ما تلحقهم بأخذه مشقة وضرر، فإذا تعلق هذا بالمال الموجود فمن باب أولى أنه لا يشرع له أن يلزم أحد ذريته بالاستدانة ويكلفه بتحصيل ما ليس بيده. قال ابن قدامة في المغني:
ولأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء, ويتملكه, مع حاجة الأب إلى ما يأخذه, ومع عدمها, صغيرا كان الولد أو كبيرا, بشرطين أحدهما أن لا يجحف بالابن, ولا يضر به, ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته. الثاني أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر. نص عليه أحمد, في رواية إسماعيل بن سعيد وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه, فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى. انتهى.
وعليه، فأنت على صواب فى رفض أخذ القرض المذكور، ولاتلزمك طاعة أبيك، فى هذا وإذا ثبت امتناع الأب من مباشرة تزويجك لهذا السبب فقط، فلتحاولي إقناعه بواسطة الاتصال ببعض أقاربه أوأصدقائه أوإمام مسجد حيه لينصحوه وينبهوه على خطئه، وعدم مشروعية ما طلبه منك، فإن لم يفد ذلك فلترفعي أمرك إلى القاضي الشرعي لإحضارالأب وأمره بالتزويج، فإن امتنع سقطت ولايته وانتقلت إلى من بعده من الأولياء على الترتيب الذى سبق فى الفتوى رقم: 22277.
وراجعى المزيد فى الفتوى رقم: 46692.والفتوى رقم: 52230.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1429(8/1211)
مساعدة الابن المدين أباه عن طريق القروض البنكية
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي قد ساعد أباه ماليا، فقد قدم له مبالغ كبيرة وذلك بواسطة القروض البنكية، وقد صارحني مؤخرا أنه سيساعد أباه مرة أخرى، فعارضته بشدة، خاصة أنه لدينا ديون واجب علينا تسديدها، ذلك بالإضافة إلى الفواتير التي لم تسدد بعد. ما حكم معارضتي له بمساعدة أبيه شرعا إذا كنا واقعين في الديون؟ فأنا لن أرضى بأن يساعد أباه، ولكنني أخاف من شرع الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه القروض البنكية قروضا ربوية فينبغي أن تناصحيه أولا في أصل الاقتراض بالربا وأنه لا يجوز وراجعي الفتوى رقم: 6933.
وأما مساعدة زوجك لأبيه فإن كانت في نفقة واجبة له عليه فإن هذه النفقة مقدمة على قضاء الدين، وانظري الفتوى رقم: 113813، والفتوى رقم: 44656، وأما إن كانت مجرد مساعدة من باب البر والإحسان فإن قضاء الدين مقدم عليها لأن قضاء الدين واجب، وهذه المساعدة مستحبة والواجب مقدم على المستحب، كما بينا بالفتويين: 54014، 39001.
ومتى ما أمكن زوجك مساعدة والديه من غير أن يحصل على هذا المال من سبيل محرم كالربا ولم تلحقه مشقة وحرج فعليه أن يفعل، وينبغي أن تعيني زوجك على البر بوالديه، فإن هذا مما تحسن به العشرة بينكما. وراجعي الفتوى رقم: 103933.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1429(8/1212)
إحجاج الوالدة أم مداواة القريب المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[نشكركم على الرد على سؤلنا ولكن الإجابة غير كافية حيث إنني حججت عن نفسي والحمد لله ومتزوج أيضا ولى أم على قيد الحياة أرجو من الله أن أساعدها في الحج أن شاء الله وأنا أسعى في توقير مصاريف الحج لها إن شاء الله وهى غير قادرة على مصاريف الحج وترجو من الله أن تزور بيته الحرام وطلبت مني ذلك ووعدتها بذلك ولي عم لي طلب مني المساعدة في علاجه وعمل عملية له (عملية غضروف) حيث إن له أولاد وهو الآن في محاولة لأن تقوم الدولة بعلاجه حيث إن المبلغ الذي معي الآن لا يكفي لأن أشارك فيه الطرفين معا، أفيدوني أكرمكم الله..........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الله عز وجل حق الوالدين في المرتبة الثانية بعد حقه تعالى، وفضل الأم وقدمها على الأب فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً {الإسراء:23} . وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
فتقديمها على غير الأب من باب أولى، وعليه فينبغي لك إحجاج والدتك برا بها وإحساناً إليها، ووفاء بوعدك لها، ثم إن استطعت مساعدة عمك فعلت وإن لم تستطع فلا شيء عليك، ولعل الله ييسر له ما يحصل به حاجته لاسيما وأنك ذكرت أن هناك محاولات لأن تتولى الدولة الإنفاق على علاجه أو على جزء منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1429(8/1213)
هل يلزم طاعة الأم في أمرها بعدم الانتقال لمسكن جديد
[السُّؤَالُ]
ـ[أراد والدي الانتقال إلى منزل آخر في حي آخر غير الذي كنا نسكن فيه ووافقنا أنا وإخوتي ووالدتي على الانتقال إلى السكن في الحي الآخر إلا أن جدتي (أم والدي) رفضت أن ينتقل والدي إلى ذلك الحي، ولكننا طلبنا من والدي ألا يترك الانتقال بسببها ولأن المنزل يخصنا أيضا فانتقلنا أنا ووالدي وباقي العائلة إلى الحي الآخر فغضبت جدتي ولم تسكن معنا وذهبت إلى منزل أحد أقاربي, فهل يعتبر والدي في هذه الحالة عاقا بوالدته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت لكم مصلحة في الانتقال إلى البيت الجديد، ولم يكن لهذه الجدة مصلحة في عدم انتقالكم ولم تتضرر به فلا تلزمه طاعة أمه في البقاء فيه، ولا يعتبر انتقاله منه مع عدم رضاها عقوقاً منه لها، وينبغي أن يجتهد في كسب رضاها ومداراتها حتى يتحقق له رضاها لعظيم مكانة الأم، وقد سبق أن بينا ما ذكره أهل العلم من ضوابط وجوب طاعة الوالدين، وذلك في الفتوى رقم: 76303.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1429(8/1214)
حكم منع الزوجة من زيارة أجدادها وأقاربها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لزوجي أن يمنعني من زيارة أهلي كجدي وجدتي وأعمامي وأخوالي بحيث إني أزورهم بنية صلة الرحم التي بيننا؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الزوج ليس له منع زوجته من زيارة أجدادها وغيرهم من أقاربها، إذا لم تترتب على تلك الزيارة مفسدة وضرر محقق، لما في ذلك من صلة الرحم التي أمر الله بصلتها، إلا إذا كانت زيارتها لهؤلاء الأقارب ستترتب عليها مفسدة كتأثرها بما لديهم من منكرات أو أخلاق منحرفة فله منعها من زيارتهم درءاً للمفسدة، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 69044.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1429(8/1215)
تزوج بفتاة بغير رضا أبيه فقال له لست ابني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الوالد الذي يحرم ابنه ويقول له إنك لست ابني إذا تزوج بفتاة معاقة وهو يحبها ويعلم أنها صالحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أنه لا يجوز للابن عقوق الأب في مخالفته بالزواج من امرأة معينة إذا كرهها لمسوغ ما لم يخف الابن من الوقوع في المعصية معها أو مع غيرها إن لم يتزوجها وفي ذلك يقول بعض العلماء:
لابن هلال طوع والد وجب إن منع ابنه نكاح من خطب.
ما لم يخف عصيانه للمولى لها فطاعة الإله أولى.
وأما قول الأب لابنه لست ابني فإن كان مغاضبة له ولا يقصد نفيه بل يقصد أنه ليس ابنه البار المطيع ونحو ذلك فهذا لا حرج فيه. وأما إن كان يتبرأ منه وينفيه من نسبه فذلك محرم من حقوق في التركة أو غيرها.
وعلى كل فالذي ننصح به هو التودد للأب والسعي في مرضاته إن كان الابن أغضبه بالزواج المذكور، وليعلم أن إساءة الأب لا تبرر مقابلتها بمثلها من الابن، فعليه أن يبره ويحسن إليه. وقلب الأب أرحم من أن يرى تودد ابنه له فلا يشفق عليه ويرحمه، وللمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 97876، 62765، 56480.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1429(8/1216)
الوقيعة في العرض وشتم الأبوين من الجرائم العظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على شاب مسلم من جنسية عربية في أحد المواقع الإسلامية للزواج عبر النيت، وجاء بأهله وتقدم لخطبتي ولقد اتفق هو ووالدي على إجراء العقد في الشهور المقبلة، وكل المعلومات التي أعطاها لي عن نفسه يمكن التأكد منها لأن أحد إخوتي سيسافر عنده حيت يقيم في بريطانيا كما أنه قدم لنا كل الوثائق الموقعة من طرف جهات إدارية تدل على صدقه فيما قال، أحد إخوتي عارض الأمر بشدة واتهمني في عرضي وقاطع والداي وشتمهما، فهل يجوز له ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به أخوك من سب وشتم لوالديه لا يجوز، إذ ذلك من أشد العقوق وأعظمه جرما وأكبره إثما، كما لا يجوز له الوقيعة في عرضك، لكن ينبغي نصحه وعدم مبادلة إساءته بمثلها لعله يعود إلى رشده ويفيء إلى صوابه.
ولا حرج فيما كان إلا أنه يجب عليك أن تكفي عن محادثة ذلك الشاب حتى يتم العقد الشرعي إلا أن تدعو الحاجة إلى محادثته في أمور الزواج وترتيب أموره ونحو ذلك فلا حرج لكن الحاجة تقدر بقدرها، ولا يتجاوز فيها وينبغي التأكد من صحة كلام الفتى إذ يسهل التلاعب بالصور والوثائق في تلك الوسائل الحديثة، ويتنبه إلى أن العقد لا يصح إجراؤه بالانترنت أو الهاتف، لكن يمكن للزوج توكيل أحد بقريتك فيتولى العقد عنه والقبول أو يوكل ولي أمرك من يتولى العقد والإيجاب مع زوجك كأن يوكل أخاك بذلك فيتم العقد الشرعي مع الزوج حيث يقيم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48496، 210، 20415، 7905، 10103، 1847، 11076.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1429(8/1217)
كان يرفع صوته على أمه وهي كانت تدعو له بالرضا
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي متوفاة وقد كنت أرفع صوتي في وجهها ولكنها كانت تقول لي دائما الله يرضى عليك فهل يمكن أن يكون الرضا غفر لي رفع صوتي، وما هو العمل بعد وفاتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو أن يكون ربك قد استجاب دعاء أمك ورضي عنك، وعلى كل فإن رفع الصوت في وجه الأم من العقوق المحرم لقوله تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23} . فيجب عليك التوبة إلى الله عز وجل عما كان منك من عقوق لأمك ويمكنك تدارك ذلك ببرها بعد موتها بالدعاء لها والصدقة عنها وصلة رحمها وغير ذلك من أعمال البر التي تنتفعها بعد موتها.
وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19599، 68973، 107035، 33828.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(8/1218)
قسوة الأب وظلمه لا يسقط حقه في البر
[السُّؤَالُ]
ـ[والله لا أعرف كيف أبدأ بسرد مسألتي لكنها باختصار أنا أبي فظ غليظ القلب لا يعرف العطف ولا الحنان لقلبه طريق، والله لم أقصر معه في شيء، فلقد بنيت له بيتا كاملاً على حسابي وهو لم ينفق على تعليمي وأنفقت على نفسي بنفسي ولم أقل له يوما إنه لم يهتم لا بتعليمي ولا بزواجي ولا بغير ذلك بل أساعده في تعليم أخواتي وإخوتي وعند كل راتب أعطيه مبلغا بسيطا من المال وهو بغير حاجة فهو موظف وزوجته موظفة أيضا ورغم ذلك هو لا ينفق على إخوتي كما ينبغي بل يذلهم إذلالا عندما يطلبون شيئا ويسمعهم كلام كثيرا.. وعندما تزوج زوجته الحالية تخلى عنه الجميع وأنا عرضت عليه أن أداينه المهر ووافق على ذلك وكان موعدنا أن يكون قد رد لي المبلغ كاملا حتى شهر نوفمبر وهو حتى الآن لم يرد لي إلا الجزء اليسير وأنا لا أطالبه بشيء وفي نيتي إن طال الأمد أن أسامحه ورغم كل هذا فأبي أشعر بأنه لا يطيق أن يراني فدائما نظراته إلي تقتلني فإني أتمنى أن أرى أبي مبتسما في وجهي ولا أعرف لماذا هو متحامل علي هكذا وهو أيضا مع إخوتي جميعا هكذا لكن الذي يؤلمني أني فعلت له الكثير وأقول لنفسي دائما لعله متضايق من شيء ما لكن بعد لحظات أراه يكرر مع زوجته فلماذا كل هذه القسوة يا أبي؟
فلا أدري ما أفعل فأخاف من غضبه ولا أعرف كيف أرضيه فلا شيء يرضيه!!!! فمهما فعلنا لا أظن أنه سيصبح حنونا وعطوفا بعد هذا العمر فعمره الآن 54 سنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23} .
ولا شك أن ما تفعله من بره والإنفاق عليه ولو مع عدم حاجته، فهو من الإحسان إليه، ومن الأعمال التي يحبها الله، فنسأل الله أن يثبتك ويتقبل منك.
أما عن قسوة والدك وتقصيره في الإنفاق على أولاده، فلا شك أن ذلك من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة، لكن مهما كان من سوء خلقه وظلمه لكم أو لأمكم، فإن ذلك لا يسقط حقه عليكم في البر وعدم جواز مقاطعته أو الإساءة إليه، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان: 14} .
وإنما لك أن تنصحه بالرفق، أو تستعين بمن ينصحه ممن يقبل نصحه، وتكثر له الدعاء بالهداية، ولا تيأس أبداً، فليست هدايته في هذه السن أمرا بعيدا على الله، واعلم أنك إذا قمت بما أمرك الله نحوه من البر والإحسان، فلا يضرك غضبه وعدم رضاه، وننبهك إلى أن حرصك على بر والدك والإحسان إليه، إذا كان خالصاً لله، فهو من أقرب الطرق إلى الجنة، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(8/1219)
صبر البنت على أذى أمها ووجوب برها لها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة جامعية مهندسة دولة عمري23 سنة مشكلتي أن أمي لا تطيقني أبدا ودوما تدعو علي دعاء رهيبا وهي دائمة البكاء والشكوى مني إلى كل قريب وبعيد كما أنها تخبئ عني الطعام وتثير الفتنة بيني وبين إخوتي الرجال ومع علمها أن أبي يحبني كثيرا تحاول دوما قذفي في شرفي أمامه وتخبره بأني أخون ثقته وأهين شرفه رغم أن الجميع يشهدون بأخلاقي العالية وتديني الرفيع، لقد خطبني الكثير من الرجال الشرفاء والملتزمين وفي كل مرة تثور أمي وتتهمني بالزنا وارتكاب الفواحش مع كل من تقدم لخطبتي والآن الحمد لله لقد استخرت وارتاح فؤادي إلى شاب نعم الناس وأنا الآن مخطوبة له وسنتزوج هذا الصيف بإذن الله، قدموا لي النصح رجاء مع العلم أني صابرة على أذاها ولكن أحيانا أفقد صبري وأصرخ في وجهها وأدافع عن نفسي ولكن دون فائدة.أفيدوني أفادكم الله؟ .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك أيتها السائلة أن تجتهدي في البحث عن الأسباب التي جعلت أمك تقف منك هذا الموقف العنيف؛ فإنه يصعب أن تعادي الأم ابنتها بهذه الطريقة البشعة دون ما سبب أو علة , فإن اهتديت إلى هذه الأسباب أو بعضها فبادري بإصلاحها؛ حتى تهدأ نفس أمك تجاهك, ولا مانع من أن تصارحيها وتستفسري منها عما يضيق صدرها منك, ولا مانع أيضا من أن تستعيني على ذلك ببعض من له قرابة أو صداقة لأمك كبعض خالاتك مثلا ليحاول الإصلاح بينكما.
فإن استنفذت كل هذه الوسائل ولم يجد هذا نفعا, وظلت الأم على موقفها وكان هذا منها محض الظلم لك, والعدوان عليك دون ما سبب منك, فلم يبق أمامك حينئذ إلا الصبر عليها وعلى أذاها, وليس هناك من طريق آخر لأن بر الأم واجب في كل الأحوال, وصلتها فرض مهما يكن من أمر, حتى وإن كانت مشركة بربها وتدعو ولدها إلى الشرك والكفر فلها مع ذلك حق المصاحبة بالمعروف, قال سبحانه: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا. {لقمان:15} .
فإن فعلت ذلك وأعطيتيها حقها من البر والصلة عند ذلك لن يضرك دعاؤها إن شاء الله, لأن دعاء الوالد على ولده وإن كان الأصل فيه أنه مستجاب إلا أن هذا مقيد بعدم الإثم والقطيعة, لقول النبي – صلى الله عليه وسلم –: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.
وهذا لا يتعارض مع الجزم المفهوم من قول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – في الحديث: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده.. لأن الذي يظهر والعلم عند الله أن هذا مخصوص بالولد العاق المغالي في عقوقه وبغيه, قال في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أو عاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره. انتهى.
ولا شك أن هذه الأم قد ارتكبت جملة من المعاصي بل والكبائر وأعظمها ما ترمي به ابنتها من الزنا والفاحشة, فالقذف بالزنا كبيرة عظيمة توجب لعن علام الغيوب جل وعلا، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النور:23}
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: اجتنبوا السبع الموبقات، قيل وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات. متفق عليه.
فينبغي لهذه الأم أن تتوب إلى ربها وأن تحسن إلى ابنتها وأن تعلم أنه كما أن لها على ابنتها حقوقا, فإن لابنتها عليها حقوقا أيضا, وأنه لا يجوز لها أن توقع بينها وبين إخوتها فهذا حرام وهو من فعل الشياطين , فقد جاء في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله قال: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم.
قال النووي: ومعناه: أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب، ولكنه سعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها. انتهى.
وكذا لا يجوز لها أن تدعو على ابنتها فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم. الحديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت.
نسأل الله أن يصلح ذات بينكم وأن يذهب عنكم كيد الشيطان.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26103 , 79076 , 66846 , 32178.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(8/1220)
معاص الأم لا تمنع من برها والصبر عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 33 عاما أعانى بقدر كبير من أمي فهي بعيدة عن الله دنيوية جدا لا تصوم وتقول إنها مريضة والله أعلم بها كثيرة الكذب والافتراء على الناس والتعرض لأعراض الغير واختلاق الأكاذيب وتؤدي الصلاة من عام واحد والله أعلم بلا خشوع وعمرها 59 عاما عندها قدر من الدياثة لا مانع عندها أن تخرج أختي مع أي رجل إذ كان يعدها بالزواج وتسمح لهم بالاتصال بالمنزل بأختي والخروج معها وتشجعها من أجل الزواج، ابتعد عنها الجميع لسوء طباعها أخواتها وزملاؤها في العمل والجيران ويلقبونها بالمجنونة، وبعد وقوع الطلاق من والدي من أكثر من 20 عاما كان عمري 13 عام أطلقت الشائعات أني معقدة من الرجال لأن أبي طلقها وعندما أحضرت عريسا طلبت مني الذهاب لبيته لرؤيتي بحجة أن بيتنا في منطقة شعبية وعندما رفضت جددت الشائعة ونشرتها عني في كل مكان تهاجمني لحجابي وتقول إنه سبب كوني عانسا، بعدها بدأ عامل الطمع في وفي مرتبي مع أنها ميسورة وكنت أعطيها نصف مرتبي وأختزن الباقي نظرا لتجاوزي سن الزواج مع العلم أني ليس لي أخ أو قريب يتكفل بي وأبي لا يرسل لنا أي أموال ولا يتكفل بنا منذ الطلاق وعندما علمت أمي أني أحتجز مبلغا لنفسي حاولت بكل الطرق أخذ مالي وفرضت علي دفع 500 ج شهري إيجار لأقيم معها وإلا تطردني مع العلم أن الشقة تمليك ولا إيجار لها وحملتني التكفل بنفسي وأختي وعندها تكفلت بشؤوني أنا وأختي من طعام وشراب وعلاج ففوجئت بأمي تسرق من الأكل الخاص بنا من دون استئذان وعندما طلبنا منها أكثر من مرة عدم اخذ أكلنا لأننا لن نتحملها ماليا ولها مرتب كبير وميراث وأموال في البنك أنكرت أنها تأكل أي شيء ونحن متأكدون بل ورأيناها أكثر من مرة وعند أول شجار بصقت علي وضربتني وطلبت مني ترك البيت وأنا والحمد لله حصلت على شقة إيجار جديد وموافقة أبي في السكن لوحدي ولن أقطع صلة الرحم بأمي بل سأزورها كل أسبوع بالرغم مما حدث خوفا من الله ولكنها تقول أنها قاربت على الموت وأني أنا كسرتها عندما رفضت إعطاءها مرتبي وتقوم بالدعاء علي وغير راضية عني ولا أعرف ماذا أفعل أريد بشدة ترك البيت حتى لا أكرهها بل ويصل الأمر لحسبنتى المستمرة عليها وغلط كل منا في حق الآخر، وأخاف كل الذنوب التي تطولني من الشجار معها وأخاف أن أكون مخطئه أن تركت المنزل في حقها ويطولني غضب الله أعاني منها ولا أستطيع تحملها وأخاف الله أن أكون أغضبته بتركي المنزل، ماذا افعل بالله عليكم أحس أنني في مفترق الطرق ولا أفهم معنى الاستخارة، علما أن الله يسر أمر حصولي على شقة وفرش وأرسل لي مبلغا نقديا لم يكن في الحسبان وزملاء يساعدوني ومكافآت مالية ساعدتني في تأسيس شقة لي، دلوني أرجوكم وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أختي السائلة أن والدتك واقعة في معاص كثيرة وأنه يجب عليها الإقلاع عنها والتوبة قبل أن تلقى الله وهي على هذه الحال.
غير أن هذه الذنوب مهما بلغت لا تبرر عقوقها، فالولد مأمور ببر والده ولو كان مشركا، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا {العنكبوت: 8}
فعليك أختي السائلة بالصبر على والدتك وبرها وطاعتها بالمعروف، ومن برها الحرص على هدايتها والنصح لها وتوجيهها، ولا بأس بأن تستعيني على نصحها بمن له تأثير عليها ممن تقدرهم وتحترمهم.
ولا تجب النفقة عليها ما دامت غير محتاجة وعندها ما يكفيها من راتب وغيره كما لا يجب إعطاؤها بعض الراتب في هذه الحالة وأولى كله، ولكن لا ينبغي منعها من الأكل من طعامكم ولا سيما إذا كان ذلك يكسر خاطرها.
وإن من طاعتها في المعروف البقاء معها في البيت لا سيما عند حاجتها إلى ذلك، فقد قال عليه الصلاة والسلام لمن أراد الغزو: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها. رواه النسائي وغيره، غير أنه إذا كان في بقائك مفسدة أكبر وسيؤدي ذلك إلى أمور محرمة كالشجار معها ونحوه، فلك ترك البيت في هذه الحالة، مع الحرص على زيارتها والاتصال بها وتفقدها وغيره من كل ما يعد برا بها، علما بأن سكن المرأة وحدها يترتب عليه كثير من المخاطر.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24850، 35143، 25038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(8/1221)
التوبة من عصيان الأب والكذب عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلى الهند للدراسة وأردت أن أشتري دراجة بخارية لكن والدي رفض فاشتريتها دون أن يعلم وبعد شهور عديدة قمت ببيع الدراجة البخارية واحتفظت بثمنها وبعد ذلك أردت دخول معهد للكمبيوتر وعندما استفسرت عن رسومه المقررة وجدتها 6000 روبية فأخبرت أبي بذلك لكني طلبت منه أن يحول إلي 4000 روبية وأن أتمم الباقي من عندي فسألني أبي ومن أين سوف تأتي بباقي النقود فكذبت عليه وقلت له إنني قد وفرتها من مصاريفي الشهرية والحقيقة أنها من ثمن الدراجة البخارية بعد ذلك أرسل لي والدي ما طلبته منه وأتممت الباقي من ثمن الدراجة البخارية، ما حكم دراستي في هذا المعهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على من أمره أبوه بأمر أو نهاه عنه, ولم يشتمل أمره ولا نهيه على ما يخالف الشرع أو يضر به أن يطيعه في ذلك لوجوب بره عليه, والبر يقتضي موافقته فيما لا مخالفة فيه للشرع , أما فيما يخالف الشرع فلا طاعة له عليه فيه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
كما أنه لا يجوز للشخص أن يتوصل إلى أغراضه بالكذب لأن الكذب محرم, وما كان محرما فالتوصل به إلى المباح محرم.
وبناء على هذا فقد اشتمل ما قمت به على محذورين:
1 – العقوق حيث خالفت نهي والدك لك أن تشتري تلك الدراجة، إذا لم تكن محتاجا لها, وقد حرم الله العقوق, وجاء التشديد في شأنه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. رواه البخاري ومسلم
2 – الكذب, وهو محرم كذلك, ولا يجوز إلا ضرورة لم توجد طريقة مشروعة لتفاديها إلا بها ,فقد قال فيه الله تعالى: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين {آل عمران:61}
وقال صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا. رواه البخاري ومسلم.
وعلى هذا يجب عليك التوبة إلى الله من هذين الذنبين, وعليك أن تستسمح والدك إذا لم يترتب على ذلك ضرر أكبر، ولا نرى حرجا لمواصلة الدراسة في هذا المعهد, فما دفعت فيه إنما هو مالك فهو إما ثمن الدراجة التي اشتريتها أو ما ساعدك به أبوك. وللمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 8731، والفتوى رقم: 39152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1429(8/1222)
والداه يقترفان المنكرات والفواحش فكيف ينصحهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أسرة شبه مفككة تماما فالأم صاحبة كباريه وابنها كان صغيرا ولا يقدر على حل هذا الموضوع وكانت تأتى بنساء فى بيتها وكان زوجها يمارس معهن علاقات لأنه لا يمارس مع الأم لرفضها مع أنها على علاقة برجل آخر فأحس الولد أنه يريد أن يصلح هذا الموضوع فماذا يفعل؟
مع العلم أن الأم لا تريد أن يصلح حالها ولكنه استطاع منع الأم من أن تأتي بالبنات في الشقة مع أن عمره 17 عاما فما الذي يجب فهو يوجد الشخص الذي تحبه مع زوجها في نفس الشقة فماذا على الولد أن يفعل من أجل منع والدته من هذا الأمر مع أنه حاول كثيرا فما الحل وهو ملتزم دينيا فهل تصح صلاته أم لا؟ وماذا يفعل مع والدته لكي يصلح هذا التجويف الكبير داخل العائلة مشكلة كبيرة تبحث عن حل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يحفظ هذا الشاب من تلك البيئة الفاسدة، وأن يعصمه مما يفعلونه من المنكرات والفواحش، فإنه إذا كان حالهم كما وصف، فلا شك أن ما هم عليه من الدياثة والزنا والإعانة على الفواحش، منكرات عظيمة، وأمور تشمئز منها النفوس السوية وتقشعر منها أبدان المؤمنين، والواجب على هذا الشاب أن يمنع هذه المنكرات ما استطاع، فعليه أن يمنع دخول الرجال والنساء الذين يأتون لممارسة الفاحشة، وعليه أن يبين لوالديه ما هم عليه من الخطر في دينهم، ويخوفهم العاقبة ويذكرهم بالموت وما بعده من الأهوال ويعرفهم بنعم ربهم عليهم وسعة رحمته وعظيم عفوه وقبوله للتوبة، ويعلمهم الصلاة ويعرفهم بعظم مكانتها في الإسلام وخطر تركها أو التهاون بها، مع الصبر وعدم تعجل النتيجة، وعلى أن يكون ذلك بالرفق والحكمة، فإن الوالدين مهما كان حالهما من البعد عن الله فإن لهما حقاً، لكن لا يجوز لك طاعتهما في معصية أو إعانتهما على منكر، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ *وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14،15}
وأما عن صحة صلاته، فما دامت الصلاة مستوفية للشروط والأركان فهي صحيحة، ولا أثر لما ذكرته في صحتها، بل إن الصلاة من أعظم ما يعينه في هذه الأحوال، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. {البقرة:153}
وعليك أن تسعى لتعلم ما ينفعك من علوم الشرع، وتحرص على اختيار الرفقة الصالحة، التي تعينك على طاعة الله، وتربط قلبك بالمساجد، ومجالس العلم والذكر، وعليك بالاستعانة بالله وكثرة دعائه فإنه قريب مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1429(8/1223)