وصف الدواء من اختصاص الطبيب لا لأفراد الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي عادة بعد الحمل لا يأتيها الطلق طبيعياً مما يضطر الطبيب بحقنها حقنة الطلق الصناعي ولكن في هذه المرة نصحتها بدخول المصحة لغرض الإنجاب بواسطة الطلق الصناعي ولكنها رفضت وذلك للآلام التي تسببها تلك الإبرة وتأخرت عن موعد الإنجاب والذي أدى إلى وفاة الجنين في الرحم....مع العلم أن آخر مراجعة مع الطبيبة المشرفة كان قبل ثلاثة أيام من الوفاة وأخبرتها بأن الجنين في حالة جيدة..فهل رفض زوجتي أخذ الحقنة يكون مشاركة في عملية الوفاة وهل هي مذنبة وما هو الحل؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر -والله تعالى أعلم- أنه لا إثم عليها في ذلك ولا يلزمها منه شيء لأنها لم تتعمد ذلك، وليس لديها علم به. وكونك أشرت عليها بمسألة الطلق الصناعي لا يلزمها ذلك إلا إذا أخبرها الطبيب الثقة أنها إذا لم تأخذ الحقنة سيؤدي ذلك إلى وفاة الجنين. فإن كان الطبيب قد أخبرها أنها يلزمها تناول حقنة الطلق الصناعي لسلامة الجنين ولم تفعل ذلك فهي آثمة. وأما الصورة المبينة في السؤال فلا إثم عليها فيها ولا يلزمها شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1426(6/3179)
ضوابط علاج المرأة عند الطبيب
[السُّؤَالُ]
ـ[تأخرت علي الدورة 4شهور فحللت ولم يكن حمل وزيادة التأكد ذهبت لطبيب وقال لا يوجد حمل أعطاني علاجا وجاءتني بعد ذلك ثم تأخرت بعد ذلك شهرين ثم أتت والآن تأخرت شهرين فعملت تحليلا صيدليا ولم يوجد حمل فهل أستطيع أخذ علاج بمفردي لذلك مع العلم هذه أول مرة يحدث لي مثل هذا الاضطراب مع العلم أني في بلاد الكفار ولايوجد طبيبة لذلك أنثى وأنا لا أحب أن يكشف علي رجل كافر لأنه حرام وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في استعمال هذا الدواء إن لم يكن يترتب عليه ضرر صحي وهذا يحتاج لاستشارة أصحاب الاختصاص في الطب، ويمكنك أن تراجعي قسم الاستشارات الصحية بموقعنا أو بموقع إسلام أون لاين ليفيدوك في الموضوع، وهل تحتاج الحالة لكشف الطبيب فإن كانت هناك ضرورة لكشف الطبيب عليك فإنه يجوز لك من باب الضرورة أن تراجعي الطبيب الذكر ويكشف عليك إذا لم تجدي طبيبة تقوم بذلك مع الالتزام بالضوابط الشرعية كعدم الخلوة وعدم مس أو نظر ما لا يحتاج إليه، وراجعي الفتوى رقم: 56196. مع إحالاتها، والفتوى رقم: 10631.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(6/3180)
التداوي بالعسل لعلاج العقم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا صحيح؟
أرجو الالتزام الجاد بالخطوات التالية ليحصل المراد إن شاء الله
1>أكثروا من الاستغفار بلا عدد ليلا ونهارا
2>وضع قليل من العسل الأصلي بقدر رأس الأصباع عميقا في فتحة المهبل يوميا.
3>قراءة سورة الفاتحة يوميا 40مرة بين صلاة السنة والفريضة عند صلاة الفجر دون التحول عن القبلة
إن كان هناك أي تساؤلات أنا حاضرة إن شاء الله مع الإكثار من الدعاء في الأوقات المستجابة
وأرجو منكم صالح الدعاء
وفقكم الله [/ QUOTE]
علاج إن شاء الله فعال للعقم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلاج المذكور لم يرد شرعا بهيئته كما في السؤال، ولكن قد ورد في كتاب الله تعالى أن من أسباب جلب الرزق وحصول الولد الإكثار من الاستغفار كما في قوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ {نوح: 10-11}
وورد فيه أيضا أن العسل شفاء كما في قوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِل نَّاسِ {النحل: 69}
وورد فيه أيضا أن القرآن كله شفاء وسورة الفاتحة منه بل هي أعظمه وأفضله، فهي السبع المثاني. قال تعالى: وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ {الحجر: 87} وقال عنه: وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس: 57} وقال: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء: 82} ولكن الهيئة المذكورة في السؤال غير واردة، وإذا كانت قد جربت ونفعت فلا بأس بها، فالتداوي بما لم تعلم حرمته مشروع، ولكن ينبغي الحذر من اعتقاد ورود ذلك عن الشارع، فعلى المرء أن يكثر من الاستغفار والدعاء، وليتحر أوقات استجابة الدعاء في ثلث الليل الآخر وفي ساعة الجمعة وبين الأذان والإقامة وفي السجود وأدبار الصلوات، ومن آداب الدعاء كون الداعي على طهارة واستقبال القبلة ورفع اليدين وعدم الاستعجال، ولابأس بوضع العسل للعلاج، وللاستزادة انظر الفتوى رقم: 9800، 47576، 15611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1426(6/3181)
التداوي من مرض سرعة القذف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 25 سنة أعاني من مرض سرعة القذف المزمن الذي لا علاج له حسب قول الأطباء وأنا الحمد لله مؤمن أن الله قادر على شفائي لذلك نويت أن أذهب لأداء فريضة العمرة على أمل أن يستجيب الله لي ويشفني من هذا الكابوس الذي يمنعني من التفكير بالزواج لذلك أتمنى منكم أن تساعدوني في تصحيح أفكاري إذا كان بها أي خطأ وأن ترشدوني للطريقة التي أدعو بها لله لكي يشفيني في العمرة أفيدوني إذا كان هناك أي شيء جديد لعلاج هذا المرض.
وجزاكم الله كل خير أرجو عدم التأخير علي بالجواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يشفيك وأن يصلح حالك، ثم إننا ننصحك باللجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه ليزيل ما بك، والله عز وجل بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وهو الشافي الذي لا شفاء إلا شفاؤه، ولا بأس بمراجعة الأطباء والأخذ بالأسباب التي يرشدون إليها.
وليس هنالك دعاء بعينه بخصوص هذه الحالة فيما نعلم، ولكن باب الدعاء واسع فللمرء أن يدعو بالشفاء مما به وبإصلاح الحال وتيسير الأمور وتفريج الكرب ونحو ذلك، والله عز وجل يعلم السر والعلانية ويعلم ما في الصدور، ولمزيد من الفائدة عن سرعة القذف تراجع الفتوى رقم: 47686.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1426(6/3182)
هل يعالج العيب الخلقي بالوشم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يوجد عيب خلقي على صدري ومستحيل إزالته هل أستطيع أن أستخدم الوشم لتغطيته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التداوي مشروع ولم ينزل الله عز وجل داء إلا جعل له دواء، فقد روى الترمذي وغيره أن الأعراب قالت: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: نعم عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ...
وفي رواية أبي داود: ... ولا تداووا بحرام.
ولهذا، فإنه يجوز لك أن تتعالج من هذا العيب وغيره، ولكن لا يجوز العلاج بالوشم، لأنه من المحرمات وكبائر الذنوب، ولأن الفقهاء يقولون بأن الموضع الموشوم يصير نجسا ويوجبون تطهيره ولو بالجراحة، قال العراقي في طرح التثريب: قال أصحابنا: ويصير الموضع الموشوم نجسا فإن أمكنت إزالته بالعلاج وجبت، وإن لم يكن إلا بالجرح فإن خاف فيه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شينا فاحشاً في عضو ظاهر لم تجب إزالته وإذا تاب لم يبق عليه إثم، وإن لم يخف شيئاً من ذلك لزمته إزالته ويعصي بتأخيره وسواء في هذا الرجل والمرأة. اهـ
فترى أنهم يوجبون إزالة الوشم بالجراحة، ويفهم من كلامهم أن يجب ذلك ولو خلفت شيناً إن كان هذا الشين غير فاحش أو كان لكن في عضو غير ظاهر، فإذا وجبت إزالة الوشم بعد حصوله وعصى من أخره فابتداؤه أولى بالحرمة والعصيان.
وقد بينا ذلك في عدة فتاوى منها: 18531، 26402.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(6/3183)
رقية الفتى المريض نفسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ابني يبلغ من العمر 18 سنة، ويعاني بشكل كبير جدا من القلق على أتفه سبب إلى درجة أنه لا يجلس على الكرسي وأنت تتحدث معه ويكلم نفسه باستمرار وعندما تدخل عليه في مكان ما يصرخ ويسبني بأفظع الكلمات ودائما يدور ولا يعرف الاستقرار ودائما يشعر بالخوف من أي شيء جديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن يشفي ابنك وأن يرزقه العافية.. آمين!!
وننصحك بالتواصل مع قسم (الاستشارات) بموقعنا (الشبكة الإسلامية) فإنهم أقدر منا على التعامل مع حالة ابنك، أو اعرضيه على أحد الأطباء الثقات الدَّينين المختصين بالصحة النفسية، ونوصيك بالرقية الشرعية فإنها شفاء بإذن الله تعالى، ولا بأس بأن تعرضيه على الثقات المعروفين بالخير ممن يمارسون الرقية الشرعية، وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11500، 19900، 13188، 4310، 2244.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(6/3184)
هل يرقي المرء غيره جوابا لطلبه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تعلمت الرقية الشرعية وطلب مني أحد أن أرقيه فهل يجب علي الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق جواب السؤال في الفتوى رقم: 66267.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(6/3185)
العلاج عبر الاتصال الإلكتروني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز المشاركة في العيادات الإلكترونية، وكذلك عرض الحالة المرضية سواء كانت جنسية أو غير جنسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في عرض المريض حالته المرضية على الطبيب عبر الاتصال الإلكتروني أو الهاتفي أو غير ذلك، ولا حرج على الطبيب أيضاً أن يشارك في علاج المرض عبر الاتصال الإلكتروني أو الهاتفي لما في علاجهم وإعطائهم الإرشادات الطبية من السعي في منفعة المسلمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل.
وعلى كل من المتحدثين في الأمراض الجنسية الحفاظ على الأدب في التخاطب، ويتأكد إذا كان ذلك بين الجنسين، وأما إرسال الصور عن طريق الإنترنت فراجع فيه الفتوى رقم: 28103.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(6/3186)
حكم الترويج لمنتجات طبية (جنسية)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر عن مشروعية الترويج للمنتجات التالية: 1) منتج لإطالة العضو الذكري 2) منتج لتكبير الصدر للنساء 3) منتجات لتحسين القدرة الجنسية من زيادة المني وقوة الانتصاب وما إلى ذلك علما بأن جميع هذه المنتجات من الأعشاب الطبيعية.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكم الترويج لهذه البضائع راجع إلى حكم استعمالها. وحكم استعمال هذه المستحضرات هو الحل بشرط خلوها من المحاذير الشرعية، ومن تلك المحاذير: أن تحتوي هذه المستحضرات على شيء من النجاسات كشحم خنزير أو خمر مثلا لأن التلطخ بالنجاسة عمدا لغير حاجة حرام، نص على ذلك الفقهاء كالشافعية والحنابلة، قال في حاشية الجمل في الفقه الشافعي: ويحرم التضمخ بالنجاسة خارج الصلاة في البدن بلا حاجة وكذا الثوب كما في الروضة. انتهى. وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة ذلك إلا الخمرة فالتضمخ بها حرام وهو مذهب المالكية، ففي حاشية العدوي على مختصر الخرشي: إن أراد الطهارة لطواف أو مس مصحف وكانت النجاسة في يده فإزالتها فرض عين، وإن لم يرد ذلك فهل يجب إزالتها، وبه جزم الشيخ زروق، وعليه فالتلطخ بها حرام، وقيل يستحب، وعليه فالتلطخ بها مكروه، وهو الراجح، وهذا كله في غير الخمر، وأما هو فالتلطخ به حرام اتفاقا. انتهى. ومن تلك المحاذير أن يكون في استعمالها ضرر على مستخدمها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وغيره وعليه فإذا كانت هذه المستحضرات مما يحل استعماله جاز الترويج لها، وإذا كان مما يحرم استعماله لم يجز الترويج لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1426(6/3187)
خطأ الطبيب في اجتهاده في وصف الدواء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب حديث التخرج حاصل على ترخيص بمزاولة المهنة وقد جاءتني مريضة تشتكي ألما بالبطن وبعد فحصها شككت في وجود سبب جراحي لهذا الألم ولكنها كانت تعاني أيضا من التهابات بالجهاز التناسلي والمسالك البولية -كما أثبت التحليل ذلك-فوصفت لها علاجا لهذه الالتهابات ونصحتها بعرض حالتها على جراح بالمستشفى في حال عدم ذهاب الألم في خلال يوم أو يومين وبعد عدة ساعات وأثناء تفكري بتلك الحالة خطر لي تشخيص لم يخطر ببالي أثناء الفحص وهو الحمل خارج الرحم -خاصة أنها تستخدم اللولب-وهي حالة خطيرة تستدعي التدخل الجراحي الفوري بعد التأكد بالأشعة ويترتب على التأخير مضاعفات خطيرة تبدأ باستئصال الرحم والمبايض والأنابيب وتنتهي بالوفاة. والغريب أنني أعلم هذه الحالة جيدا فقد رأيتها مرتين في ليلة واحدة أثناء سنة الامتياز (التدريب) بدليل أنني تذكرتها بمفردي دون مساعدة أحد....فهل علي ذنب فيما حدث؟ علما بأني لا أعلم محل إقامتها ولا رقم هاتفها لأطمئن عليها فماذا أفعل الآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطبيب الماهر الحاذق الذي اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده -وكانت الحالة مما يختص بعلاجها- فتلف بذلك الدواء عضو أو مات بسببه فهو غير آثم، لكونه اجتهد في مجال اختصاصه ولم يتعمد الإتلاف، وقد قال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجه. ولكنه ضامن، لأن الخطأ ينتفي به الإثم، ولكن المال لا ينتفي به. ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 5852.
وهذا الضمان يخرج على روايتين: إحداهما: أن دية المريض في بيت المال.
والثانية: أنها على عاقلة الطبيب، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطإ الإمام والحاكم. (انظر الآداب الشرعية لابن مفلح) .
وانطلاقا مما ذكر، فإنه ليس عليك إثم فيما لو حدث للمرأة شيء.
ولا يتصور هنا لزوم الدية، طالما أن المرأة غير معروفة، ولم يُتحقق ما إذا كان حصل لها شيء أو لم يحصل، والمطالب بالدية هو بيت المال أو العاقلة، وكلاهما لا يتحمل إلا شيئا معلوما محققا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1426(6/3188)
لا بأس باختراع علاج للإيدزمع التحذير من الفواحش
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز اختراع علاج لللإيدز وهو عبارة عن أعشاب؟ وللعلم أن الإيدز معظم المرض منه عن طريق الزنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في اختراع هذا الدواء مع البعد عن تشجيع الفواحش وتأمين الناس من خطر الإيدز، فإنه قد يستفيد منه التائبون الذين أقعلوا عن الزنا، وقد يستفيد منه من أصيبوا بالإيدز عن طرق العدوى، فالسعي في منفعة هؤلاء ومساعدتهم على الدواء مشروع لما في الحديث: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه. رواه مسلم.
وفي الحديث: ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة. رواه مسلم.
وقد يمكن أن يستخدم هذا العلاج وسيلة لدعوة أصحاب الفواحش للتوبة، فعند التأكد من إصابتهم بالإيدز يشترط عليهم أن يتوبوا حتى تمكن معالجتهم، وراجع الفتوى رقم: 38110.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1426(6/3189)
هل يجب على المريض بالسرطان العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أم عمرها أربعة وثمانون عاما مرضت فجأة بالسرطان، فهل يجب على أولادها علاجها بالجراحة ثم العلاج الكيماوي كما ينصح الطبيب.. أم الصبر على بلائها ومحاولة علاجها بالرقية الشرعية، علما بأنها ترفض تماما التعامل مع الأطباء والجراحين مع أنها لا تعرف إلى الآن نوع مرضها، وهل سيؤاخذ الله أولادها على تقصيرهم فى حقها إن هم تركوا الجراحة والعلاج الكيماوي رحمة بها ولعدم إغضابها، الرجاء إرسال الرد على البريد الإلكتروني أن أمكن؟ جزاكم الله عنا كل خير وجعلها فى ميزان أعمالكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا خلاف أهل العلم في حكم التداوي، وأن الراجح جواز تركه إلا إذا كان المرض يؤدي للهلاك، وكان الدواء محققاً بإذن الله، فإنه يجب التداوي لقوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {البقرة:195} ، ولقوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ {النساء:29} ، ثم إن السرطان مرض خطير ولكنه ليس عندنا قطع في تحقق دوائه بالعلاج الطبي، فقد شوهد عجز الطب الحديث عن علاج كثير من حالات الإصابة بالسرطان، فإذا لم يكن الدواء مما يغلب على الظن نجاحه فلا يجب العلاج منه، وبناء عليه فإنا ننصحكم باستشارة الأطباء في الموضوع ومحاولة إقناع الوالدة برفق ولين إن تأكدتم من نجاح الدواء، ولا يلزم إخبارها بالمرض لئلا تصاب بحالة نفسية.
أما العلاج بالرقية الشرعية والأدوية النبوية كزمزم والعسل والحبة السوداء فإنه مفيد ومجرب، ولكنه لا تعارض بينه وبين العلاج بالعملية الجراحية، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على كلام أهل العلم في حكم التداوي ومسألة التداوي بالرقى والعلاجات النبوية: 30645، 62685، 31887، 32179، 49953، 27266، 27996، 45370، 19134.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1426(6/3190)
علاج هذيان النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً، أعاني من مشكلة في حياتي وهي أهم بكثير، ولعل الكثير من الناس يعانون منها وهي عندما أنام داخل غرفتي، مع العلم بأنني مازالت أعزبا، أتلفظ ببعض الكلام ولا أعلم هل هذا الكلام سيء أم العكس خصوصا وأن أهلي يسمعونني أتلفظ بهذا الكلام، إلى درجة أنني في بعض الأيام نهضت من نومي، علما بأنني في حالة نوم عميق، فضربت نافذة الغرفة ضربة قوية أدت بالنافذة إلى الكسر مما جعل قطعة من الزجاج تدخل في يدي وأدى ذلك إلى جرح كبير باليد اليمنى، وهذا ما أدى بي إلى الاستيقاظ من النوم فانزعجت إنزعاجا كبيرا أفزع أهلي وجيراننا في منتصف الليل، فبمادا تنصحونني جزاكم الله خيراً، علما بأنني قبل النوم أقرا ما تيسر من القرآن مثل (آية الكرسي والإخلاص والمعودتين ودعاء أعوذ بكلمات الله......) إلى درجة أن البعض من أهلي ينصحونني بالذهاب عند بعض الفقهاء أو الشوافة أو السحرة أن صح التعبير خصوصا كذلك وأنتم تعلمون أن المغرب بلدي يضم العديد من السحرة والمشعوذين بلا شك، وسامحوني جزاكم الله العلي القدير عن هذا التطاول في السؤال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالحفاظ على أذكار النوم وأذكار المساء والصباح ففيها وقاية لك بإذن الله من كل شر، واعلم أن هذيان النائم أمر يحصل لبعض الناس حيث يحلم بأشياء في نومه ويخاطب من يراه بصوت مسموع وقد يحص ل بغير ذلك.
وقد يتحرك النائم من نومه أو يقوم ويمشي وهو لا يعقل ما يحصل من حركات، وقد يكون ذلك استجابة وتماشياً لما يراه في نومه وقد يكون بسبب مس جزئي من الجان، وعلاج هذا بالحفاظ على الأذكار وتلاوة سورة البقرة في البيت والأحسن ألا ينام منفرداً، ولا بأس بالرجوع لبعض الرقاة السنيين ليرقيه أو يرقي الإنسان نفسه بالرقية الشرعية ويمكن أن يراجع بعض الأطباء النفسانيين، وأما العرافون والسحرة فيحرم إتيانهم وسؤالهم، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 33860، 58076، 45438، 52423، 38426، 4310، 22876.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(6/3191)
حكم إكراه المريض على الأكل والشرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي مريضة جدا وأجبرها عل الأكل هل هذا حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي إكراه المريض على الطعام والشراب، لما روى الترمذي عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام، فإن الله يطعمهم ويسقيهم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قال الترمذي: حسن غريب، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
قال النووي في المجموع: ضعيف ضعفه البخاري والبيهقي وغيرهما وضعفه ظاهر، وادعى الترمذي أنه حسن.
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في معالجة المرضى بترك إعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب، وأنهم لا يكرهون على تناولهما. روى الترمذي في جامعه وابن ماجه عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله عز وجل يطعمهم ويسقيهم.
قال بعض فضلاء الأطباء: ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية المشتملة على حكم إلهية لا سيما للأطباء ولم يعالج المرضى، وذلك أن المريض إذا عاف الطعام أو الشراب، فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض، أو لسقوط شهوته، أو نقصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها، وكيفما كان فلا يجوز حينئذ إعطاء الغذاء في هذه الحالة، وإذا وجد المرض اشتغلت الطبيعة بمادته وإنضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء أو الشراب، فإذا أكره المريض على استعمال شيء من ذلك، تعطلت به الطبيعة عن فعلها، واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه، فيكون ذلك سبباً لضرر المريض، ولا ينبغي أن يستعمل في هذا الوقت والحال إلا ما يحفظ عليه قوته ويقويها من غير استعمال مزعج للطبيعة البتة، وذلك يكون بما لطف قوامه من الأشربة والأغذية واعتدل مزاجه،.....واعلم أنه قد يحتاج في الندرة إلى إجبار المريض على الطعام والشراب، وذلك في الأمراض التي يكون معها اختلاط العقل، وعلى هذا فيكون الحديث من العام المخصوص، أو من المطلق الذي قد دل على تقييده دليل. انتهى كلامه باختصار يسير.
وعليه، فلا ينبغي إجبار والدتك على الأكل ما لم تخش هلاكها أو زيادة مرضها، ويكون بما يحفظ عليها قوتها مما فيه فائدة من الأغذية، ومن ذلك العسل والحبة السوداء ونحوهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(6/3192)
من تعاطى الطب ولم يسبق له تجربة فهو ضامن
[السُّؤَالُ]
ـ[إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، في الساعات الأولى من الصباح وبينما كنت غارقاً في النوم جاءتني جارتي مستغيثة، وأيقظتني تطلب إلي أن أجلب الطبيب لأخيها الذي أتاها باكراً مصاباً بأزمة قلبية راغباً في رؤية والدته قبل موته حسب قولها، فأسرعت وأنا بثياب البيت لاستدعاء أي طبيب قريب وفشلت في ذلك إذ رفض من وجدته منهم الحضور بينما كانت كافة عيادات الأطباء مغلقة في ذلك الصباح المشؤوم فما كان مني إلا أن استدعيت الإسعاف العام بواسطة الهاتف ورغبة مني في مساعدة المريض المذكور ريثما تصل سيارة الإسعاف قدمت له كأساً من الماء بعد أن وضعت به بضع قطرات من مادة \"الكوراميل\" وهي مادة منشطة للقلب معتقداً أن ذلك سيفيد في شفائه، ووصلت سيارة الإسعاف ونقلت المريض فوراً إلى المستشفى لكنه توفي أثناء نقله للمستشفى بقضاء من الله وقدره، واعتقدت أن الأمر انتهى عند هذا الحد وفقاً لإرادة الله عز وجل، غير أن الأمر اختلف بالنسبة لي بعد ذلك، إذ وبطريق الصدفة سمعت بعد سنوات من ذلك الحادث، ومن خلال برنامج فضائي إذاعي، أن تلك المادة \"الكوراميل\" تحدث تسرعاً في القلب يؤدي للوفاة إذا أعطيت للمريض أثناء الأزمات القلبية، ومن تلك اللحظة وحتى الآن وأنا أتألم وتساورني الشكوك والتساؤلات إن كان لي يد أو علاقة في وفاته أم لا، وما إذا كنت مذنباً آثماً في حقه أو في حق الله أو مجرماً من الناحية الشرعية، وكيف أكفر عن هذا الذنب إن كنت مذنباً في نظر الشريعة الإسلامية الغراء والتي من أحكامها \"إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى\" مع العلم بأن إرادتي انصبت لمساعدة ذلك المريض بغية شفائه بحسب علمي واعتقادي المتوفر عندي بتاريخ تلك الواقعة.... أفتوني في تلك الواقعة، وجزاكم الله عني كل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى النسائي وأبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك، فهو ضامن. قال المناوي في فيض القدير: من تطبب ولم يعلم منه طب، أي من تعاطى الطب ولم يسبق له تجربة ولفظ التفعل يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بكلفة ككونه ليس من أهله (فهو ضامن) لمن طبه بالدية إن مات بسببه لتهوره بإقدامه على ما يقتل.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن لأنه متعد.
وعليه فإذا ثبت طبياً أن هذه المادة المذكورة إذا أعطيت لمن هو في مثل حالة الشخص المذكور تحدث الوفاة يقيناً، لزمك صيام شهرين متتابعين كفارة عن تسببك في قتل هذا الشخص خطأ، ولزمك أيضاً أداء الدية لورثة هذا الشخص إلا أن يعفوا عنك، ولا تتحمل عاقلتك -أي عصبتك من أقاربك- هذه الدية، لأن القتل ثابت بإقرارك لا بالبينة، قال ابن قدامة: لا تحمل -أي العاقلة- الاعتراف وهو أن يقر الإنسان على نفسه بقتل خطأ، أو شبه عمد فتجب الدية عليه، ولا تحمله العاقلة، ولا نعلم فيه خلافاً.
وإذا لم يثبت طبياً أن هذه المادة المذكورة إذا أعطيت لمن هو في مثل حالة الشخص المذكور تحدث الوفاة يقيناً، فلا تلزمك كفارة أو دية وعليك بالتوبة إلى الله من تعديك وتكلفك ما لا علم لك به، قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الإسراء:36} ، وراجع الفتوى رقم: 6629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1426(6/3193)
استعمال الدواء الذي يضعف القدرة الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استخدام دواء يوقف القدرة الجنسية ويضعفها، إن لم يكن فيه مضرة، لأنني أخشى الوقوع في الحرام، لأنني لا أستطيع الزواج، ولا الصوم لمرضي، فهل يجوز ذلك، أرجو الإجابة في أسرع وقت ممكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 6995 أموراً تعين على حفظ النفس من الوقوع في مهالك الشهوة، وأما بشأن استخدام علاج يضعف الشهوة ولا يبطلها وليس فيه ضرر فلا مانع منه، والمرجع في الحكم بكون العلاج الفلاني فيه ضرر أو لا الأطباء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(6/3194)
استعمال الدواء الذي يصحح شكل الذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[مسألتي تتلخص أساسا في أن قضيبي عند الانتصاب يعوج وذلك لحادث وقع لي في الصغر. لقد وجدت دواءين يقوم أحدهما بتصحيح الاعوجاج فقط والآخر يصحح ويطول القضيب واستعمال الدواءين بشكل شخصي بدون تدخل المعالج حيث إن قضيبي قصير وهزيل ومنكسر من الجهة اليسرى وطبيعي من الجهة اليمنى هل يجوز شرعا استخدام الدواء إذا نصحني المعالج لحالتي الخاصة باستعمال الصنف الذي يصحح ويطيل القضيب وذلك لتصحيح الانكسار والاعوجاج والقصر من الجانب الأيسر؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تغيير خلق الله محرم بالكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى حكاية عن إبليس: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا {النساء: 119} .
وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله.
وقد تتبع أهل العلم المسائل التي ورد النهي بشأنها، فوجدت إما خصاء أو نمصا أو وشما ووشرا أو تفليجا للأسنان أو وصلا للشعر ونحو ذلك، فهي كلها أمور تتدخل فيها يد الإنسان، وقد أباح أهل العلم منها ما دعت إليه الضرورة.
فنستنتج إذا من ذلك أن تصحيح شكل الذكر أو زيادة طوله إذا لم يكن يحصل بعملية جراحية، بل بمجرد تناول الأدوية والعقاقير ونحوها، فإنه يكون من باب النمو مما لا دخل ليد الإنسان فيه، وبالتالي فهو إذا مباح ما لم يؤد إلى ضرر آخر.
وعليه، فلا مانع من استعمالك الدواء الذي يصحح شكل القضيب ويطيله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(6/3195)
ما من داء إلا وقد وضع الله له شفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أولا أود أن أشكركم على هذه اللفتة الكريمة واعطائنا بعض الوقت الثمين الذى نقدره فعلا جزاكم الله خيراً، وبارك لكم فى عملكم..
لا أدرى من أين ابدأ أو ماذا أقول لأن حالتي غريبة جدا ومحرجة جدا، كما أيضا لا أدرى هل هي فعلا غريبة عندي وأنتم ترونها عادية بحكم عملكم ...
أنا أبلغ من العمر 33 سنة أعمل فى مجال المقاولات كما أنى ناجح جدا فى عملي وأحبه جدا وشخصيتي لا بأس بها اجتماعي أحب الاختلاط بشوش مرح لدي طموحات كثيرة كأي شاب حققت أغلبها بحمد الله وعونه مشكلتي محرجة جدا لم أجد أى سبيل آخر يساعدني ألا الله ثم أنتم فى هذا الموقف الصعب.. فى المدة الأخيرة انزرعت فى ذهني بعض الأفكار السلبية جدا، وهي عكس شخصيتي تماما وهذا ما يحيرني أفكار غريبة لا أدرى هل هى شيطانية وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم أم هي وسوسة أو هي مرض نفسى، الأفكار هي بأني عندما أفكر فى أن يدى مثلا تريد أن ترتعش عندما أريد أن آخذ هذا الفنجان أو الكوب من هذا الشخص الذى يقدم إلى الضيافة أو أنى أريد السقوط أثناء الصلاة فى الجامع أمام الناس عندما تأتى إلي هذه الأفكار ترتعش يدي فعلا ولا أتحكم فيها أبداً وترتخي من عند مرفق ذراعي ومن عند مفصل يدي وتتنمل فى هذه وفى الصلاة عندما أفكر فى سقوطي أثناء الصلاة ترتخي ركبي ولا أستطيع الصمود إلى آخر الصلاة والعياذ بالله وأتخيل بأني أريد السقوط ويثقل رأسي خصوصا من مؤخرة الرأس وعندما أركع وأتأهب للنهوض مجددا للركعة الأخرى وتأتي هذه الأفكار يثقل رأسي جدا وأرفعه وهو يرج ويرتعش وأكمل الصلاة بجهد جهيد وإرهاق.. أيضا عندما يريد أي شخص أن يقدم إلى ضيافة كوب أو فنجان قهوة أو ما شابه أفكر فى أن يدي لا تصمد وفعلا ترتخي جدا وترتعش وعندما أثبت وأريد أن أشرب بمجرد ما قربت الفنجان إلى فمي ترتعش يدي أيضا وتسترخي جدا وأحاول أن أشد عضلاتي وأجد نفسي فى نهاية المطاف تعب جداً، علما بأني لا أنحرج والإحراج لا يعرف إلي طريق معروف أيضا بين أسرتى بالمواقف الشجاعة والصلبة على ذكر أسرتى أريد أن أوضح لكم نقطة بأن هذا الموقف لا يواجهني مع أسرتي اطلاقا حتى فى الصلاة سوى وحدي أو مع أسرتي أو أقاربي لا يواجهني أبدا هذا الموقف ويمر كل شيء عادى جدا كأي شخص عادي، أخيراً فكرت فى الارتباط والزواج تعرفت على فتاة من عائلة محافظة جدا وملتزمين جدا تقدمت لخطبتها وتمت الموافقة وعقد القران أيضا بحمد الله وعونة، كما أن الفتاة أرادت مني أن أحضر إلى البيت وأتعرف عى إخوتها وأهلها لا أخفى عليكم أنا فى حيرة من أمرى وخائف جدا ماذا سيحصل لي عندما ترتعش يدى عندما آخذ أي شيء!!! وأنا الذى عندما أصلي فى الجامع وأجد إخوتها فى الجامع لا تكاد ركبى تحملني ألا بصعوبة حتى تنتهي الصلاة فما بالك أن أذهب إلى بيت خطيبتي، علما بأني فى الحديث متحدث جيد ولدي أسلوبي الخاص، لكن مشكلتي الوحدة هي هذه الافكار السلبية وفى نفس الوقت لا أستطيع الاعتذار على أي شىء يقدم إلى.. آسف جدا فى إطالة هذه الرسالة التي حاولت فيها أن اختصر مشاعرى، كما أريد منكم أن لا تأخذو فكرة عني بأني خجول أو انطوائي بل بالعكس أنا إنسان اجتماعى جدا ومرح جدا فى نهاية الأمر، هل أنا أعانى من مرض نفسي، هل أنا أعاني من وسوسة قوية جدا، ساعدوني أرجوكم لكي أتغلب على هذه الحالة هل أذهب إلى طبيب نفسي، ولكنى لا أحب العقاقير المهدئة، أرجوكم أريد الرد سريعا لكي أذهب وأتزاور مع أهل خطيبتي وأتعرف عليهم، ولكن ماذا لو حصل هذا أمامها ماذا ستقول عني أرجوكم ساعدونى؟ أثابكم الله عنا خيراً، وشكراً لكم على حسن تعاونكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأول ما ننصحك به هو أن تعرض حالتك هذه على طبيب مختص، فإن الله تعالى ما أنزل داء إلا أنزل له دواء، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي فقال: تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع له شفاء ... رواه أصحاب السنن.
وإذا كنت على يقين من أنك لا تعاني من مرض عضوي، فعليك أن تعرض حالتك على طبيب نفسي، وإذا لم ينفعك أو علمت أن حالتك ليست نفسية، فقد تكون من وسوسة الشيطان ومس الجن أو السحر، فعليك أن تقرأ الآيات والأذكار التي تبطل السحر وتشفي من مس الجن، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية ففيها من التفصيل عن هذا الموضوع ما يفيدك: 12128، 3086، 11752.
وقبل ذلك وبعده ننصحك بالمحافظة على فرائض الله تعالى، والمحافظة على الأذكار المأثورة في الصباح والمساء وعند النوم والخروج والدخول، فهي حصن المسلم الحصين الذي يحفظه بإذن الله تعالى من كل مكروه، وما يقطع هذه الأفكار التي تسبب لك هذه الحالات وعدم الاسترسال فيها، كما ننصحك بالبعد عن المخالفات الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1426(6/3196)
ترك التداوي هل يعد انتحارا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الذهاب للطبيب وأخذ الدواء فرض، هل من الأولى إذا مرض الإنسان (مرض قلب أو سرطان أو.....) أن يترك المبلغ للأهل عوضا عن دفعه للعلاج حيث إن الأعمار بيد الله مقدرة مسبقا والعلاج لن يؤخر أو يقدم في وقت الوفاة، أم أن عدم العلاج مع القدرة يعتبر انتحارا، (بادرني عبدي) ؟ أرجو الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التداوي وطلب العلاج مشروع أو مستحب في الأصل، وليس بواجب إلا إذا كان بالإنسان مرض وعلم أن تركه للدواء يؤدي إلى التلف والهلاك، وأن علاجه يؤدي إلى السلامة والشفاء، فقد قال أهل العلم: يجب عليه التداوي، لقول الله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29} ، وقوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {البقرة:195} .
وترك الدواء في هذه الحالة لا يعتبر انتحاراً، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: الامتناع من التداوي في حالة المرض لا يعتبر انتحاراً عند عامة الفقهاء ...
وأما حديث (بادرني عبدي..) فهذا فيمن فعل ذلك بنفسه، كما في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات.
وأما ترك الدواء لأجل توفير المال أو لأن التداوي ينافي التوكل على الله تعالى فغير صحيح لأن حفظ النفس مقدم على المال فيضحى به من أجلها، فحفظ النفس يأتي في الترتيب بعد حفظ الدين مباشرة، ولهذا فلا ينبغي ترك العلاج من أجل توفير المال.
وتناول الدواء واستخدام العلاج والرقية الشرعية لا يتنافى مع التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين يتعاطى الأسباب ويستعمل الرقى ويأمر بالتداوي ويقول: يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ... الحديث رواه الترمذي.
وإذا كانت الأعمار بيد الله تعالى وبقدره فإن الدواء والعلاج واتخاذ الأسباب من قدر الله أيضاً، كما روى ابن حبان في صحيحه وغيره عن كعب مالك عن أبيه أنه قال: يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى به، ورقى نسترقي بها، وأشياء نفعلها هل ترد من قدر الله؟ قال: يا كعب بل هي من قدر الله.
وقال أهل العلم النتائج من قدر الله والأسباب من قدر الله، ولا يحل التوكل على الأسباب والاعتماد عليها بل هو شرك، ولا يحل تركها بل هو معصية، وعلى المسلم أن يباشر الأسباب وهو يعلم أن النتائج من قدر الله تعالى، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 30645، والفتوى رقم: 12186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1426(6/3197)
التداوي بأكل كبد الذئب
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت أصيبت بالكآبة الشديدة من سنين وهي ملتزمة شرعيا وتجيها حالات من اللاوعي حتى تقبل على الانتحار ولم أترك علماء ثقات إلا وكشفت عن حالتها وقالوا بأن مرضها ليس بمس ولم أترك طبيبا في البلد دون جدوى وقال لي أحد ممن يملكون الخبرة في مجال هذا المرض قال لي إن دواءها أكل كبد الذئب وهي مجربة عندنا وقال عالجت مثلها فهل يحل أكلها وهي حالة اضطرار أفتونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم لأختك الشفاء وقبول العمل، واعلم أن الله ما أنزل داء إلا وجعل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، فعند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء. فلا تيأس من رحمة الله ولا تقنط من فرجه، وخذ بأسباب التداوي، وألح على الله بالدعاء موقنا بالإجابة معتصما به، متوكلا عليه، متبرئا من كل حول وقوة لغيره يكشف كربتك فهو القائل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل: 62}
واعلم أن الأصل في التداوي بالمحرمات والنجاسات الحرمة، لعموم الأدلة في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام. رواه أبو داود. وقول أبي هريرة رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. رواه مسلم. والمراد بذي الناب ما يعدو بنابه كالأسد والنمر والفهد والذئب، فهذه المسميات وما في معناها محرمة عند جمهور العلماء.
ولكن عند الضرورة يجوز التداوي بالمحرم غير المسكر، والدليل على ذلك الأدلة العامة على إباحة المحرم للمضطر، كقوله سبحانه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} ففي هذه الآية وغيرها دليل على إباحة تناول المحرمات عند الاضطرار.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة. انتهى من قواعد الأحكام.
وقال النووي في المجموع: إذا اضطر إلى شرب الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات المانعة غير المسكر جاز شربه بلا خلاف ... إلى أن قال: وإنما يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها، فإن وجده حرمت النجاسة بلا خلاف، وعليه يحمل حديث "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" فهو حرام عند وجود غيره، وليس حراما إذا لم يجد غيره. وإنما يجوز ذلك إذا كان المتداوي عارفا بالطب يعرف أنه لا يقوم غير هذا مقامه، أو أخبر بذلك طبيب موثوق بخبرته.
وبناء على هذا، فإذا ثبت علميا أن في أكل كبد الذئب علاجا لهذا المرض ولم يكن هنالك ما يغني عنها فلا حرج في التداوي بها إن شاء الله.
وراجع في خطورة الانتحار الفتوى رقم: 10397، ورقم: 54026.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1426(6/3198)
التداوي بعضات النحل
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم التداوي بعضات النحل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا ثبت نفع عض النحل في الدواء كما هو مذكور في عدة مواقع على الإنترنت فإن الظاهر والله أعلم جوازه لأن المنفعة فيه أرجح من الضرر المحتمل، فهو مثل حقنة الوقاية التي تستعمل للأطفال لتقوية المناعة وفيها نسبة قليلة من المرض الذي تطلب الوقاية منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1426(6/3199)
الرجيم لأجل الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تتبع رجيما خاصا وطرق خاصة لتتمكن من إنجاب ذكر (وهذا بإرادة الله ومشيئته) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لم يكن في هذه الطرق المشار إليها في السؤال محظور شرعي ولا ضرر على الأم، فلا بأس بها لأنها من باب الأخذ بالأسباب والتداوي.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم 7888.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1426(6/3200)
التداوي بالحبة السوداء
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأعزاء
ورد حديث في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام.
إنني استمعت لمقابلة مع دكتور في الأعشاب الطبية وهو من مصر على إحدى الفضائيات بأنه يقول إن الحبة السوداء أو حبة البركه المتعارف عليها بين الناس والموجودة الآن في الأسواق ليست هي الحبة التي يقصدها ويعنيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الأحاديث التي وردت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشأنها، السؤال إذا كان كلام الدكتور المذكور أعلاه صحيحا، إذا ماهي الحبة السوداء أو حبة البركة التي يقصدها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما شكلها وما لونها وما حجمها وأين تزرع، وما الاسم الحقيقي للحبة السوداء أو حبة البركة الموجودة الآن في الأسواق المتعارف عليها بين عامة الناس، أرجو منكم إفادتي بذلك؟ وجزاكم الله كل الجزاء، وإن شاء الله يكون ذلك في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التداوي بالحبة السوداء، روى البخاري ومسلم في كتاب الطب، وابن ماجه وأحمد وغيرهم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام. أي الموت. وروى البخاري أيضاً الحديث عن عائشة بزيادة (إن) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح: ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة السوداء شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفاً، بل ربما استعملت مفردة وربما استعملت مركبة، وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استعملت أكلاً أو شرباً وسعوطاً وضماداً وغير ذلك ... ثم يتابع ابن حجر كلامه فيقول: وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: تكلم الناس في هذا الحديث فخصصوا عمومه وردوه إلى قول الطب والتجربة ولا خفاء بغلط قائل ذلك لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار علمهم غالباً على الظن والتجربة فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم. انتهى.
ثم قال ابن حجر رحمه الله تعالى في آخر كلامه على هذا الحديث: وقد تقدم توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الإفراد والتركيب ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث. والله أعلم.
هذا، وقد وردت رواية أيضاً في البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء لكل داء إلا السام. والسام: الموت، وقوله: عليكم أي الزموا.
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة أبحاث علمية تتحدث عن فوائد الحبة السوداء في تقوية جهاز المناعة، وخواصها المضادة للجراثيم والسرطان، وتخفيف التهابات المفاصل وغيرها.
وأما ما سمعته من الدكتور الذي ذكرت فهو مخالف لما هو متواتر عند الناس ولا ندري ما هو مستنده فيه، ولكن ليس عندنا شيء قاطع في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1426(6/3201)
التداوي بالأعشاب للحصول على الولد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة التي لا تلد أن تستعمل بعض الأعشاب ربما تكون سببا في الولادة إذا شاء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما تستعمله من الأعشاب لا ضرر فيه فلا مانع من التداوي به، فالشارع الحكيم قد أذن في التداوي بل وأمر به، فقال صلى الله عليه وسلم: تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ... رواه ابن حبان وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1426(6/3202)
اتخاذ الوسائل لعلاج البلاء النازل
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابن أصبح عمره 5 سنوات لا يتكلم إلى الآن ماذا يمكن أن أفعل تقرباً لله عز وجل لكي يشفيه ويصبح يتكلم؟ أعزكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم الرضى والتسليم بقضاء الله تعالى لأن ذلك دليل على كمال الإيمان وقوته، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ {الأحزاب:36} ، وقال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ {القصص:68} ، وفي صحيح مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
لكن المؤمن مطالب باتخاذ الوسائل المفيدة لعلاج ما ينزل به من بلاء أو مصيبة ومن هذه الوسائل:
1- الدعاء كما سبق في الفتوى رقم: 18306.
2- الطاعات التي تقرب إلى الله تعالى من صدقة وحج وعمرة وغيرها، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59054، 43195، 57496.
3- التداوي المشروع فإن الله تعالى لم ينزل داء ألا أنزل له دواء إلا الهرم، ففي سنن الترمذي وأبي داود وغيرهما: قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى، قال: نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، أو قال: دواء، إلا داء واحداً، قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم. وصححه الشيخ الألباني.
وبالتالي فعليك التسليم بما قدره الله وكتبه من غير تسخط ولا ضجر، مع اتخاذ ما أمكن من الوسائل المفيدة لعلاج هذا الأمر أو التخفيف منه، وذلك بالرجوع إلى الأطباء المختصين، نسأل الله تعالى أن يمن على ابنك بالشفاء التام وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1426(6/3203)
تقويم الأسنان وعلاجها بالسيراميك
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بتلبيس أسناني بالسراميك لأنه كان يوجد بروز بالأسنان الأمامية ولفظ أحرف بالغلط وأنا لم أكن أعلم أنها حرام وأنا نادمة جدا الآن فكيف هي التوبة وجزاكم الخير كل الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعا أن يعالج المسلم أسنانه أو غيرها إذا كان يحتاج لذلك في نطقه أو غيره مادام ذلك لإزالة العيب سواء كان ذلك بالتلبيس أو التقويم.
وللمزيد من التفصيل نرجو الاطلاع على الفتويين: 3862، 57237.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1426(6/3204)
حكم التداوي ببول الآدمي
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية أعلمكم أنه مؤخراً قد تم اكتشاف فوائد طبية كبيرة في بول الإنسان بشربه أو الدلك به بطبيعة الحال حسب نوع المرض المصاب به الشخص المراد علاجه، وقد أثبت الأطباء الألمان والإنجليز هذا بتحاليل وتجارب فعليه على الإنسان، وبما أننا مسلمون فهذا الأمر يحتاج إلى فتوى لاستعماله وفي حالة استعمال هذا الدواء، هل يجب على المريض الوضوء الأكبر في كل مرة يستعمله علما بأنه يتم الدلك بالبول 3 مرات في اليوم، فأرجو إفادتي بفتوى في خصوص هذا الموضوع خصوصا أنه طبيب يداوي بالأعشاب طلب مني أن أسأل في هذا الموضوع؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبول الآدمي نجس باتفاق العلماء، والأصل أن المحرم لا دواء فيه، وما ثبت أن فيه دواء بإخبار خبير ثقة جاز التداوي به إذا لم يوجد ما يقوم مقامه من المباحات، كما فصلنا ذلك في الفتوى رقم: 6104.
ويجب على من تداوى به أن يغسل موضعه قبل مباشرة الصلاة ونحوها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(6/3205)
حكم استعمال العسل لتنظيف الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استعمال العسل في صنع خلطة توضع في الرحم من أجل التنظيف الداخلي والتخلص من الإفرازات وشد جدار الرحم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من استعمال العسل في هذا الأمر عند الحاجة إليه لأن داخل الرحم ليس محل النجاسة، فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 5188. طهارة الإفرازات التي تخرج من الرحم، وإذا تقرر عدم تعريض العسل للنجاسة فلا مانع من التداوي به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1426(6/3206)
التداوي بشرب دم السلحفاة وأكل لحمها
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني أفادكم الله سؤالي هوعن شرب دم السلحفاء وأكل لحمها بعد ذبحها لغرض العلاج هل هو حلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فر اجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 3978، 7020، 28667، 8959، 123، 21733.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1426(6/3207)
زراعة الشعر لعلاج الصلع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في زراعة الشعر كعلاج للصلع؟ وما هو الحكم في علاج الصلع بالأدوية؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً من زراعة الشعر لمن احتاج لذلك بسبب الصلع العادي أو المرض، ولا مانع كذلك من علاجه بالأدوية الطاهرة المباحة ما لم يترتب عليها ضرر يلحقه بسببها، ولتفاصيل ذلك وأدلته نرجو الإطلاع على الفتويين التاليتين أرقامهما: 3568، 8518.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1426(6/3208)
التداوي بأبوال الإبل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة التداوي ببول الإبل هل هو فعلا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في علاج التهاب الكبد الوبائي سي جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بول الإبل دواء نافع أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس في الصحيحين، ونص عليه أهل العلم الشرعي وأهل الطب كابن سينا في كتاب القانون، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 12472 أما استخدامه لعلاج المرض المذكور فيراجع في ذلك إلى أهل التخصص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1425(6/3209)
وجه اختلاف العلماء في التداوي بالمحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض العلماء يحللون أشياء محرمة للتداوي بها في حين جزم الآخرون بحرمتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النصوص الشرعية من حيث القطع والظن في دلالتها قسمان: قسم قطعي الدلالة لا يمكن أن يحصل فيه بين العلماء نزاع، مثل الأحكام التي وردت بعدد محدد كجلد الزاني البكر مائة، وكون الواجب في زكاة المال ربع العشر ونحو ذلك، فهذا لا يرد فيه الاختلاف أصلاً، وقسم ظني الدلالة، وهو ما يحتمل النص الشرعي فيه أكثر من وجه، كقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ {البقرة: 228} . فقد اختلف العلماء في معنى القرء هل هو الطهر أم الحيض؟ ولكل واحدٍ من القولين وجه، ويرد كل واحد من هذين القسمين على الأدلة القطعية والأدلة الظنية في ورودها، والقسم الثاني من هذين القسمين (ظني الدلالة) يحصل في كل مسألة لم يرد فيها نص صريح لا يقبل التأويل كالعدديات والمقادير المحددة، فإذا قبل النص التأويل اختلفت فيه أنظار العلماء لا محالة، وندر أن يُجمِعوا على حكم واحد فيه، ومن ذلك ما ورد في السؤال من اختلاف العلماء في التداوي بالمحرمات، فالتداوي بالمحرمات مسألة اختلفت فيها أنظار العلماء منذ القدم، وذلك مبثوث في كتب الفروع الفقهية، وفيه من الأبحاث في العصر الحديث ما يضيق المقام عن حصره، وقد بينا شيئاً من ذلك في الفتوى رقم: 6104، والفتوى رقم: 45510.
ولمعرفة تقسيم الأحكام إلى ظنية وقطعية راجع الفتوى رقم: 6906، والفتوى رقم: 50153.
ولمعرفة أسباب اختلاف الفقهاء راجع الفتوى رقم: 26350.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(6/3210)
التداوي والأخذ بالأسباب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في السادسة والعشرين منذ فترة ذهبت إلى المستشفى للكشف على الخصية فقال لي الدكتور إني مصاب بدوالي في الخصية وإني قلق أن تتسبب في عدم الإنجاب فقال لي أن أعمل تحليل سائل منوي قبلا فهل أعمل أو أترك الموضوع على الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرع الله تعالى لعباده التداوي والأخذ بالأسباب، ففي سنن الترمذي أن الأعراب قالوا: يا رسول الله، ألا نتداوى؟ قال: نعم عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحداً. قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: الهرم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتداوون، وعلى ذلك فلا مانع شرعاً أن تذهب إلى الطبيب المختص وتأخذ الدواء، وتستعمل الأسباب، فإن ذلك لا يتنافى مع التوكل على الله والاعتماد عليه، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 17431.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1425(6/3211)
حكم التداوي للإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجتي عانينا الكثير من المصاعب من أجل أن تحمل ونرزق أطفالا وبعد أن فقدنا الأول وهبنا الله طفلنا الثاني والحمد لله وهو بفضل من الله بألف خير, وعندما حاولنا أن ننجب غيره فقدنا اثنين آخرين والحمد لله احتسبناهم جميعا عند الله تعالى. وكانت المحاولات تستدعي أخذ هرمونات مساعدة للإخصاب, على الرغم من أن الطبيب يقول إن الأمور لكلينا طبيعية. سؤالي هو أنني لا أريد أن أتابع بعد الآن أي محاولات للإنجاب مستخدما أي شيء غير طبيعي مثل هرمونات وما شابه, وعندما يأذن الله سبحانه بالحمل فإنه يحصل بدون أي مساعدة.
هل تصرفي وقراري صحيح.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في فتاوى سابقة أن الأصل في التداوي هو الإباحة، فلا حرج في الفعل أو الترك، ويدخل فيه التداوي للإنجاب. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27266، 30645، 53362.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1425(6/3212)
حكم تناول دواء لزيادة الوزن
[السُّؤَالُ]
ـ[فأريد أن أسأل فضيلتكم عن حكم تناول دواء للازدياد في الوزن؟ هل هو جائز أم لا وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم مطالب بأن يعد جسده للقيام بالواجبات الدينية والدنيوية، وذلك يستلزم تحصيل الصحة البدنية والابتعاد عن كل ما يسبب الأمراض أو يضعف الجسد. ومن أقوال الحكماء: العقل السليم في الجسم السليم.
وزيادة المرء وزنه إذا كان يتم بتناول عقاقير وأدوية فلا حرج فيه، ما لم يؤد بالجسم إلى تضخم يعطله عن أداء الواجبات أو يسبب له الأمراض.
وأما إذا كانت زيادة الوزن تحصل بعمليات تجميلية يحقن فيها الجسم بمواد تضخم حجمه فإن ذلك لا يجوز، لأنه تغيير لخلق الله، وقد نهينا عن تغيير خلق الله في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أيضا قد يؤدي إلى الإضرار بالبدن بما يزرع فيه من مواد غريبة عليه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه وأحمد ومالك في الموطأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1425(6/3213)
ضوابط تداوي المرأة عند الطبيب الذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب خطبت ومقبل على الزواج، ضايقني أشد الضيق عندما عرفت أنه يجب على زوجتي عندما تكون حاملا أن تتابع مع طبيب يكشف على عورتها ثم يولدها، سألت ألا يوجد طبيبات للقيام بذلك فقيل لي إن الطبيب أكثر مهارة وإن الطبيبات قد يحدث منهن أي شيء غير محمود العواقب.
المهم أني أعتقد أن هذا ليس بحرام لكن ذلك لا يلغي شدة ضيقي حتى أني فكرت بشدة أني لا أريد لزوجتي -زوجة المستقبل- أن تنجب لهذا السبب المخزي الذي يصيبني بضيق يعصرني بألم شديد خصوصا بعد سماعي لصديق طبيب نساء وتوليد كلام سيء في هذه الوظيفة ومدى سعادته وسوء أدب كثير من السيدات الذاهبات له بتعاونهن -السيدات مع الطبيب- في الفساد. أرجو نصحكم حتى أتخلص من هذا الضيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرأة يتعين عليها الاقتصار على الطبيبات إن وجدن، وأما عند فقدهن والاحتياج للطبيب الذكر، فإنه تجوز مراجعة المرأة للطبيب ولو كان كافراً، وكشفه عليها، بشرط عدم خلوته بها وعدم نظره ولمسه لما لم يحتج لنظره ولمسه، وينبغي اختيار أحسن الأطباء دينا وخلقاً، وإذا كان الذكر أكثر مهارة ولكنه يمكن الاستغناء عنه، فإنه يتعين الاكتفاء بالإناث ما أمكن، ثم إن فساد الناس في هذا العصر لا يبرر ترك الإنجاب ولا ترك الزواج، فإنه قد يوجد بعض الأطباء الملتزمين، كما أن علاج تعاون السيدات في الفساد مع الطبيب الخبيث يمكن بمنع خلوة النساء به، وحضور الزوج أو الأم أثناء الفحص الطبي، وراجع في حكم علاج الذكور للإناث وضوابطه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13756، 19439، 10410، 8107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(6/3214)
حكم التداوي بمادة مستخلصة من الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[مريض بالسكري (34 سنة) أعالج بالأنسولين 02 حقنتان في24 ساعة قيل لي بأن الأنسولين هرمون مصنوع من عضو مستخرج من الخنزير أكرمكم الله أو الثور أو الإنسان أو الكل معا!!!!! والتداوي بالحرام حرام، وأصبحت في حيرة من أمري ... أرجو الإفادة ولكم منا أزكى السلام ودمتم لما فيه خير البلاد والعباد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا ثبت أن الحقن المذكورة تحتوي على مستخلصات من الخنزير أو الحيوان غير المذكى ذكاة شرعية أو الميتات أو الإنسان، فلا يجوز التداوي بها إلا إذا لم يوجد سبيل للاستشفاء بغيرها، لأن الأصل في التداوي بالنجاسات الحرمة، لكن رحمة الله تعالى واسعة، فقد أباح للمضطر المحرمات عند الضرورة، فقال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119} ، ويمكن معرفة تركيب هذا الدواء (الأنسولين) ، عن طريق سؤال أهل الخبرة والمعرفة من الأطباء والصيادلة، ولا يكتفى بمثل هذا بما يتداوله عوام الناس، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 6104.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1425(6/3215)
استعمال الدواء المحتوي على مادة الجلاتين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت آخذ دواء فيه جلاتين للإمساك لكن لم أكن أعرف، ولما عرفت توقفت عنه ولا أعرف ما نوع الجلاتين الذي في الدواء هل يجوز لي أن آخذ من الدواء؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت مادة الجلاتين المستخدمة في الدواء المذكور قد تم استخلاصها من حيوان مأكول قد ذُكي ذكاة شرعية فلا مانع من استخدام هذا الدواء، لأن الجيلاتين في هذه الحالة مستخلص من طاهر.
أما إذا كان الجيلاتين قد استخلص من حيوان نجس كالخنزير أو من حيوان مأكول لم يذك الذكاة الشرعية، فلا يجوز استخدام هذا الدواء، لأنه يحتوي على نجس وتناول النجس محرم، إلا إذا اضطر المرء لاستخدامه، والاضطرار لا يحصل هنا إلا إذا وجدت مشقة في تحمل ما يترتب على عدم تناول هذا الدواء، مع عدم وجود غيره مما يقوم مقامه وقد خلا من النجاسات ونحوها، ففي هذه الحالة يجوز تناوله لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119} ، وراجعي الفتوى رقم: 6104.
فالواجب على الأخت السائلة أن تتوقف عن هذا الدواء إذا كان من النوع الأخير، إلا إذا لم تجد غيره مما يقوم مقامه، مع اضطرارها إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1425(6/3216)
سماع المسجل لا يغني عن قراءة الراقي
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه رهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض النبي صلى الله عليه وسلم فدخل منزله فخاض الناس في أولئك فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء فخرج رسول الله فأخبروه فقال:<< هم الذين لايسترقون ولايكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون >>ما المقصود بكلمة يكتوون؟ وهل سماع الرقية الشرعية عن طريق المسجل يعتبر من الذين يسترقون؟ أم الاسترقاء يكون مباشرة مع الراقي وأما غير ذلك فإنه ليس من الاسترقاء؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان معنى يكتوون وحكم التداوي بالكي، في الفتوى رقم: 35000، والفتوى رقم: 28323. والاسترقاء معناه طلب الرقية من الغير، وقد تقدم بيان عدم الاستغناء بسماع الشريط المسجل عن قراءة الراقي على المريض، في الفتوى رقم: 27039، والفتوى رقم: 39021.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1425(6/3217)
حكم التداوي بالدواء المشكوك في مكوناته
[السُّؤَالُ]
ـ[حضرة الشيخ المحترم:
أنا حامل أعيش في الولايات المتحدة, وعندي مغص أصابني بسبب الحمل, وقد وصفت لي الطبيبة دواء لا يشكل خطرا على الجنين, لكن محتوياته تحتوي على الجيلاتين, وقد استفسرت من المحل البائع عن مصدره فقال بأنه حيواني المصدر, لكن الشركة الصانعة لا تعرف بهويته, وليس لديهم رقم هاتف للاتصال, فبحثت بموقع الشركة على الأنترنت, وأيضا لم يوضحوا مصدر الجيلاتين أهو بقري أم خنزير, وقالوا باستحالة معرفة المصدر من الموقع الإلكتروني، فهل يجوز لي تناول الدواء, حيث لا يمكنني تناول غيره في الحمل, وأنا أعاني الآن من المغص المؤلم مجددا بسبب توقفي عنه؟ ملاحظة: أرجو عدم إرجاعي لفتاوى سابقة لأني بحثت بها وارتبك فهمي للموضوع أكثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الشرع بالتداوي وحث عليه، وجعل الله لكل داء دواء، ففي سنن الترمذي عن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب: ألا نتداوى؟ قال: نعم عباد الله، تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا داء واحدا، قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم.
وعليه؛ فلا حرج عليك في التداوي بالدواء الذي وصفته لك الطبيبة، ولست مطالبة بالبحث عن مكوناته لأن الأصل في الأشياء الإباحة، إلا أن تعلمي مسبقاً أن من مكوناته ما هو محرم كالخنزير أو الميتة والدم أو شيء من النجاسات الأخرى، فعندئذ يجب تركه والبحث عن غيره من الأدوية المباحة.
وإذا لم يكن في الإمكان تناول أي دواء آخر فترة الحمل غير الدواء الذي يحوي مادة محرمة، وكانت الحامل مضطرة إليه لما تعانيه من المغص والآلام، فلا حرج عليها في استعماله لأن الضرورات تبيح المحظورات، وقد قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} ، وقال العز بن عبد السلام: جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسات. وإذا كانت الضرورة تبيح استعمال الدواء المتيقنة نجاسته فمن باب أولى ما هو مشكوك فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1425(6/3218)
حكم التداوي بلبن الخيل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أكل لحوم الخيل وألبانها حيث يوصى بلبنها كعلاج لبعض الأمراض؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في أكل لحوم الخيل، فمذهب جمهور أهل العلم جواز أكلها، وذهب المالكية ومن وافقهم إلى عدم الجواز.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور، لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل.
ولما رواه البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه ونحن بالمدينة.
والظاهر أن لبنها مباح، لأنه تابع للحمها، هذا في الحالة العادية.
وأما في حالة العلاج إذا أوصى الأطباء بتناولها، فلاشك أنه جائز، فالحمر الأهلية التي يتفق الجميع على تحريمها يجوز التداوي بألبانها.
قال في نظم النوازل للشنقيطي وهو مالكي المذهب:
ولبن الحمير للدواء * أجازه الإمام ذو اللواء
ومثل ذاك لبن الخيول *مع البغال قاله الجزولي
وقد جاء الترخيص في تناول لبن الحمر الأهلية للعلاج عن جمع من السلف في مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وأن علياً ابن الحسين شربه من مرض كان به.
والحاصل أنه لا مانع من التداوي بلبن الخيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(6/3219)
مفسدة الاختلاط للضرورة أقل من مفسدة اطلاع الرجال على عورات النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيبة بصدد اختيار التخصص , ومما خطر ببالي هوالتخصص في الجراحة العامةعلما بأنها مختلطة جدا بالأطباء الذكور ولكن تفكيري في المئات بل الآلاف من النساء اللاتي يضطررن للذهاب للجراحين للكشف عن صدورهن [لأن أمراض الثدي منتشرة] أو حتى العورات المغلظة عند الإصابة بما يتطلب علاجا جراحيا ووالله لأجد هذا التخصص غير محبب لي ولكن ربما كان تخصصي يقلل ما ذكرته من المخالفات وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان مقصدك من هذا التخصص هو أن تقومي بالكشف على النساء بدلا من تعرضهن للكشف عند الرجال وتحفظت من الاختلاط قدر المستطاع، فلا حرج عليك في هذا التخصص، بل تثابين عليه إن شاء الله، وإنما أفتينا بذلك مع أن الاختلاط على الوجه المعروف الآن حرام، لأن مفسدة الاختلاط الذي تضطرين إليه أقل بكثير من مفسدة اطلاع الرجال على عورات النساء، ومعلوم أن الشريعة مبنية على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وترجيح خير الخيرين بتفويت أدناهما، ودفع شر الشرين باحتمال أدناهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مدار الشريعة على قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. أخرجاه في الصحيحين، وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(6/3220)
هل يتداوى بمحلول مسكر إذا زال عنه الإسكار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ (Request Answer in arabic)
والحمد لله أثبتت التحاليل أن عددالحيوانات المنوية عندي لا تكفي لاحتمال الرزق بأولاد ونصحتني بائعة المنتجات الطبيعية بتناول محلول الجينسنك الصيني البالغ من العمر ثمانية أعوام، ولكن أتضح أنه متخمر والبائعة أفادت أني لو أضفت ملعقة ماء دافئ لعبوة 10 مل من الممكن التخلص من الخمر، هل يحل تناول هذا المحلول سواء للتداوي أو لأغراض الذكورة؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرع الإسلام التداوي بكل طاهر مباح، فقد روى أبو داود من حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام.
فلا مانع من التداوي بمحلول الجينسيك أو غيره من المحلولات النباتية ما لم تتخمر أو تتحول إلى مسكر، فإذا تخمرت فلا يجوز التداوي بها ولا استعمالها لنجاستها وخبثها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر: إنه ليس بدواء، ولكنه داء. رواه مسلم.
إلا إذا زال عنه التخمر والإسكار فيجوز استعماله والتداوي به، لأنه أصبح طاهراً، قال العلامة خليل في المختصر -وهو مالكي المذهب- عاطفاً على الأشياء الطاهرة: وخمر تحجر أو خلل. قال شراحه ولو بإلقاء شيء فيه كالملح والخل والماء، فيطهر ويطهر ما ألقي فيه.
وعلى ذلك، فيجوز تناول المحلول المذكور إذا أزيل عنه التخمر والإسكار، وأما في حال إسكاره فلا يجوز استعماله في دواء ولا غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(6/3221)
توضيح حول نبتة الحرمين التي يقال إنها تشفي من جميع الأمراض
[السُّؤَالُ]
ـ[يشاع أن هناك نبتة تشبه قطعة اللحم المستديرة بيضاء اللون ولها نفس الملمس يقال إنها أتت من بلاد الحرمين وأنها تشفي من جميع الأمراض مع شرط النية ووضعها في إناء أحمر مغلق ويوضع كتاب قرآن فوقه مع إضافة الماء المعدني والشاي والسكر المطبوخ ثم تترك مدة 12 يوما حيث تتكاثر ثم تعطى لمن يطلب الشفاء ويشرب الماء المتبقي كل يوم كأسا على الريق. السؤال هو هل هذه حقيقة أم بدعة؟
أفيدونا يفدكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن ما ذكرت هو من الخرافات التي لا يجوز الركون إليها ولا التداوي بها، إذ هي ليست من الطب التجريبي ولا من الطب المأخوذ من الكتاب والسنة، وكون أمر ما فيه شفاء أولا أمر لا يعرف إلا عن طريق الوحي أو التجربة، وما ذكرته لا يدخل في أي منها، فما الفارق بين الإناء الأحمر والأسود، وكذلك اشتراط النية يتصور في الطب الروحاني بالرقى والمقصود به همة القلب ويقينه بأن القرآن فيه شفاء وتصديقه بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة رقية. وأيضا في وضع القرآن كغطاء لهذا الإناء امتهان للقرآن. وعليه فهذا الفعل من البدع فينصح بالابتعاد عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(6/3222)
حكم كشف المرأة وجهها أو غيره للحجام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في كشف وجه المرأة، واستعمال الحجامة للنساء خارج بيوتهن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كشف وجه المرأة بحضرة الأجانب محرم عند خشية الفتنة، وإذا لم تخش الفتنة فقد اختلف أهل العلم في وجوب ستر الوجه، وقد سبقت لنا عدة فتاوى تبين ذلك، وتناقش أدلته، وتبين الراجح فيه، فيمكن الاطلاع عليها عند إدخال كلمة "ستر الوجه" أو كلمة "وجه المرأة" في محرك البحث بفتاوى الشبكة هذا على العموم.
وإذا كان مراد السائل كشفها وجهها عند الحجام فإن الكشف عند الطبيب عن محل من الجسم يحتاج علاجه للكشف عنه جائز إذا كانت هناك ضرورة أو حاجة شديدة ولم يمكن وجود امرأة أو محرم يغني عن الحجام الأجنبي، ويجب عليها أن تبتعد عن الخلوة بالأجنبي.
وليس كشفها عند الطبيب الأجنبي خارج بيتها للضرورة داخلاً في الوعيد المذكور في حديث أحمد: أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت سترها بينها وبين الله عز وجل. لأن المراد بهذا الحديث كما قال المناوي من تكشفت للأجانب متعرضة للفاحشة، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4399، 3195، 8107، 31945.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1425(6/3223)
حكم لبس السوار النحاسي للعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس الرجل لإسوارة نحاسية حيث إنها تسوق على أنها طبيه تفيد لأمراض المفاصل والروماتيزم.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد ما يدل على أن السوار المذكور يفيد طبيا، ومع هذا فإذا ثبت نفع السوار المذكور طبيا فلا نرى ما يمنع منه، وراجع الجواب رقم: 27391.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(6/3224)
حكم كشف العورة في المساج وحمامات البخار
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي استفسار بخصوص انتشار مراكز العلاج الطبيعي في قطر، مثل: حمامات البخار المغربي، والمساج الفلبيني، ومساج الاسترخاء، تحت مسمى العلاج الطبيعي، وللعلم فإن هذه المراكز تقوم بعمل مساج للجسم كاملا، مع خلع الملابس كاملا، بدون أي تستر، فهل هذا يجوز بغرض الاسترخاء؟ وعلاج بعض حالات الارهاق والتعب بأيدي خبراء المساج الرجال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل أو يمسها إلا في حالة الضرورة، كضرورة العلاج مثلا، على أن تقدر الضرورة بقدرها، فيقتصر النظر والمس على موضع الحاجة فقط.
وعورة الرجل هي ما بين سرته وركبته كما هو القول الراجح من أقوال العلماء، وقد ذكرنا ذلك مفصلا في الفتوى رقم: 13312.
وعليه؛ فإذا كان المساج ونحوه يتناول العورة فيحرم إلا للتداوي من مرض تعين المساج المذكور علاجا له، ولم يمكن أحد الزوجين القيام به للآخر، وأما إن كان في غير موضع العورة فلا مانع منه. وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50856 و 18716 و 36120.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1425(6/3225)
حكم تخصص الرجل بطب النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يعمل طبيبا للنساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بأن يتخصص الرجل في طب النساء، وعليه أن يتقي الله في مهنته تلك، فلا يختلِ بهن، ولا يكشف ما لا يحتاج إلى كشفه من عوراتهن، ولا يباشر ما أمكن الاستغناء فيه بمباشرة النساء، وليعلم أن الله حاضر لا يغيب، وراجع في هذا الفتوى رقم: 7764.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1425(6/3226)
تنول دواء مصدره حيواني.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن مادة Chondroitin sulfate وهي عبارة عن Chondroitin sulfate is part of a large protein molecule
- proteoglycan- from animal cartilage وهذه المادة موجودة في دواء وصفه الدكتور لي ومكتوب على بطاقة البيان أن مصدر هذه المادة هو العجل ومصدر هذا الدواء بلد أجنبي هل يجوز أخذ أو تناول هذا الدواء؟ حيث لا أعلم أن الحيوان مذبوح على الطريقة الإسلامية أم لا مع العلم أن الدواء على شكل أقراص جافة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في المذبوح أن ذكاته لا تعتبر شرعية إلا إذا غلب على الظن أنه مذكى بالطريقة الشرعية، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 46916، والفتوى رقم: 2437.
وعليه، فإذا علم أو ظُن أن الدواء المسؤول عنه مصنوع في بلد إسلامي أو في بلد أهله أهل كتاب لا يقتلون الحيوان عن طريق الصعق أو الخنق أو إطلاق الرصاص ونحو ذلك، فلا بأس بتناوله مع أن تركه إذا وجد غيره أفضل، لأن الورع الاحتياط في أمور الدين.
وإذا كان الدواء مصنوعاً في بلد أهله مجوس أو أهل كتاب ولكن يقتلون الحيوان بطرق غير مقبولة شرعاً في التذكية، أو شك في ذلك ولم تعرف حقيقته، فواجب المسلم أن يبتعد عن تناوله، ويبحث عن غيره من الأدوية.
وإذا لم يكن يصلح لعلته غير هذا الدواء أو لم يتمكن من تحصيل دواء آخر، وكان مضطراً إلى تناوله فلا مانع حينئذ من تناوله من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(6/3227)
حكم تنظيف الجروح بمادة مسكرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن كل مسكر حرام، والكحول المستعمل في التداوي مسكر والتداوي به حرام لكنكم أفدتموني أنه يمكن تنظيف الجروح بهذه المادة، أرجوكم أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت الكحول المستعملة في التداوي مسكرة، فإنه يتعين عدم تنظيف الجروح بها، لأن المائع المسكر نجس عند جمهور أهل العلم وهو الراجح، وتلطيخ الجسم بالنجس عمداً لغير حاجة حرام، كما نص عليه الشافعية والحنابلة وبعض المالكية، ويتأكد الأمر في الخمور، فقد اختلف فقهاء المالكية كما قال الباجي في دواء ظاهر الجسد بالنجس فروى جوازه عن مالك ومنعه عن ابن سحنون، ولكن مالكا ً كره الخمر وصرح شراح المختصر أنه يمنع دهن الجسد بها وطلاؤه للدواء.
ففي سماع أشهب: سئل مالك عن الذي تكون به القرحة أيغسلها بالبول والخمر قال: إذا نقي ذلك بالماء بعد قلع ذلك وإني لأكره الخمر في كل شيء.
وقد روى عبد الرزاق في المصنف بسنده عن جابر بن زيد أنه سئل عن دردى الخمر هل يصلح أن يتدلك به في الحمام أو يتداوى بشيء منه في جراحة أو سواها قال: هو رجس وأمر الله تعالى باجتنابه.
وقال ابن شعبان: لا يتعالج بالمسكر وإن غسل بالماء ولا يداوي به دبر الدواب.
وقد ذكر الزيلعي في تبيين الحقائق إن أبا حنيفة رحمه الله قال: أكره دردى الخمر أن تمتشط به المرأة.
وذكر أيضاً أن عائشة رضي الله عنها كانت تنهى النساء عن ذلك أشد النهي.
وفي بداية المبتدي وهو من أمهات مراجع الفقه الحنفي ممزوجاً بشرحه الهداية قال: ويكره شرب الخمر والامتشاط به، لأن فيه أجزاء الخمر والانتفاع بالمحرم حرام، ولهذا لا يجوز أن يداوى به جرحاً أو دبرة دابة.
وراجع الفتوى رقم: 254، والفتوى رقم: 38036، والفتوى رقم: 37855.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1425(6/3228)
حكنم تناول دواء يؤثر في الذكورة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كنت آخذ نوعا من الدواء اسمه موتليوم وجسترازول وزانتاك لفترة طويلة وقد أوقفت الدواء فترة منذ حوالى شهرين حتى الآن وقد أخبرنى الطبيب أن هذه الأدوية تؤثر على الذكر فتجعله كالأنثى مع العلم أنني سوف أتزوج بعد شهر من اليوم فماذا أفعل تجاه ذلك بالإضافة هل يمكن أن أعمل الوليمة بعد الزواج بفترة حيث إن الحال غير ميسر الآن
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
-فلا يجوز للمرء أن يفعل ما يمكن أن يتسبب عنه تغيير في الفطرة التي خلقه الله عليها من ذكورة أو أنوثة، وعليه، فإذا ثبت أن الدواء المذكور يترتب عليه شيء من ذلك فالواجب تركه، والبحث عن بديل له، وهو متوفر إن شاء الله، لما روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله جعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بمحرم. وفي حديث آخر: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها. رواه ابن حبان.
ووليمة العرس سنة مأمور بها، وقال بعض العلماء إنها واجبة كما روى الشيخان من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: أولم ولو بشاة.
وقد اختلف في وقت الولمية، فمن أهل العلم من رآها بعد البناء، ومنهم من قال قبله، ومنهم من رآها تصح قبله وبعده، وإذا تأخرت عنه كثيرا كانت قضاء. قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: والصواب أنها بعد الدخول، قال الشيخ: وهي جائزة قبله وبعده، ووقتها موسع من حين العقد كما صرح به البغوي، والظاهر أنها بمدة الزفاف للبكر سبعا وللثيب ثلاثا، وبعد ذلك تكون قضاء.
وعليه، فلا حرج أن تولم بعد الزواج بفترة إذا لم يتيسر لك ذلك في الحال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1425(6/3229)
علاج الصداع
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أريد من حضرتكم أن تخبروني عن الرقية الشرعية للصداع الشديد.
... ... جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ورد في علاج الصداع أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا نزل عليه الوحي صدع، فيغلف رأسه بالحناء. رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة، وضعفه السيوطي. وفي البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرض موته: وارأساه، وكان يعصب رأسه في مرضه. وروى البخاري في تاريخه، وأبو داود في سننه أنه صلى الله عليه وسلم ما شكى إليه أحد وجعا في رأسه إلا قال له: احتجم.
ولم نر ـ فيما وقفنا عليه - أن آية أو آيات بعينها وردت في خصوص علاج ذلك، إلا أن عموم القرآن شفاء، لقوله تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين [الإسراء:82] . وقوله صلى الله عليه وسلم: خير الدواء القرآن. رواه ابن ماجة وفيه ضعف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1425(6/3230)
ذات الجنب..أقسامها.. وأعراضها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي ذات الجنب التي إن مات بها الإنسان كان شهيدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الحافظ ابن القيم في الطب النبوي: ذات الجنب عند الأطباء نوعان: حقيقي وغير حقيقي، فالحقيقي: ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع، وغير الحقيقي: ألم يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعا قريبا من وجع ذات الجنب الحقيقي؛ إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود وفي الحقيقي ناخس.
قال: ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض وهي: الحمى والسعال والوجع الناخس وضيق النفس والنبض المنشاري. انتهى
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1425(6/3231)
حكم حقن الطبيب الإبر للرجال والنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أشتغل في صيدلية ونحن ندق الإبر للرجال والنساء كما يأتينا أشخاص لشراء أدوية ولكن لاستعمالها كمخدرات فهل يجوز العمل في هذه الصيدلية وهل هناك أدوية محرمة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما حقن الرجال والنساء بالإبر، فيجوز بالنسبة للرجال أما بالنسبة للنساء فيحرم، لأن ذلك يستلزم النظر
إلى عوراتهن ولمسها، وذلك لا يجوز إلا مع عدم وجود امرأة تقوم بذلك.
ولايجوز بيع الأدوية لمن يستخدمها كمخدرات لأن هذا البيع من التعاون على الإثم والعدوان، وقد حرم الله ذلك بقوله: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] (المائدة: 2)
فإذا كنت تستطيع أن تقتصر في عملك في هذه الصيدلية على ما هومباح وتمتنع عما هو محرم فيجوز لك العمل فيها، وإلا فلا يجوز، وهناك أدوية محرمة وهي التي تحتوي على محرم كلحم الخنزير أو مشتقات الخنزير.
وراجع الفتوى رقم: 6104 والفتوى رقم: 26364 والفتوى رقم: 45510.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1425(6/3232)
وسائل ناجعة لتلمس الشفاء بإذن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبت بمرض عجز الأطباء عن معالجته فقالوا لي إني تأخرت في القدوم إليهم مع العلم أني في ذلك الوقت كنت بعيدا عن الله وكنت أفعل الكثير من الذنوب أما الآن فقد تبت والحمد لله وأدعو الله أن يشفيني فهل يستجيب الله لي أم أن علي أن أخذ بالأسباب وأن أكتفي بكلام الأطباء الذين قالوا إنه لا علاج لي علما بأن أحد الأطباء أخبرني بوجود أمل في شفائي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نوصيك بمواصلة التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة فإن الذنوب هي أخطر المشاكل، وهي أعظم أسباب الداء، فإذا تاب العبد حقق لله له الفلاح؛ كما قال تعالى: [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] (النور: 31)
ونوصيك بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء.
ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.
ولا حرج عليك في مواصلة البحث عن الشفاء، فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل معه شفاء علمه من علمه وجهله من جهله، ففي الحديث: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرناؤوط.
ونوصيك بالذهاب إلى مكة للعمرة وأكثر من شراب زمزم واقرأ عليه قبل الشرب فاتحة الكتاب، فإن فيهما نفعا عظيما مجربا؛ كما ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.
واستعمل الحبة السوداء والعسل ففيهما شفاء من الأمراض؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 34521.
وعليك بالاكثار من الصدقات على المحتاجين وتفطير الصائمين لعل دعوات صالحة منهم تفيدك بإذن الله.
وقد ذكر البيهقي في شعب الإيمان أن عبد الله بن المبارك رحمه الله سأله رجل يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين وقد عالجت بأنواع العلاج وسألت الأطباء فلم أنتفع به، فقال: اذهب فانظر موضعا يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئرا، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ.
قال: البيهقي: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله -رحمه الله- فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريبا من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له وأكثر الناس التأمين، فلما كان من الجمعة الأخرى ألقت امرأة رقعة في المجلس بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولوا لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين، فجئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد الله فأمر بسقاية الماء فيها وطرح الجمد في الماء، وأخذ الناس في الماء فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ماكان وعاش بعد ذلك سنين.
وراجع في الدعاء الفتاوى التالية أرقامها:
30799، 21386، 9890، 2395، 19900، 48562.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1425(6/3233)
حكم تقديم فواتير تحمل اسم دواء بديل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مريض بالتهاب الكبد سي وشركتي أصدرت قراراً بمعالجة مرضي هذا الفيروس لمدة عام مع إعطائه مرتباً لهذا العام، ولكن تبين لي أن نوع العلاج المقرر يؤدي بشبه اليقين إلى ضرر أشد وذلك من عدد كثير ممن أخذ هذا الدواء وهنا أدوية أخرى لا تقرها الشركة وأيضا قد تؤدي بإذن الله إلى الشفاء بشبه اليقين بناء على تجارب الكثيرين، والسؤال الآن: هل إذا أحضرت فواتير باسم هذا الدواء الذي تقره الشركة دون أخذه فعلا وأخذ الدواء الآخر وإن كان أقل من تكاليف الأول وصرفت لي الشركة ثمن الأول جائز شرعاً، علما بأنني إذا لم أخذ العلاج سأوقف عن العمل بل أنا موقوف منذ شهرين الآن، أفتونا مأجورين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل لك الشفاء العاجل، وأما بخصوص سؤالك فإنه إذا ثبت يقيناً أو بغلبه الظن أن هذا الدواء الذي قررته الشركة لك يضرك فلا يحل لك تناوله، لقول الله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] .
وعليك إعلام الشركة بهذا الأمر، وبالتالي يتم صرف دواء آخر يصلح لحالتك، فإذا لم تتمكن من ذلك ولم يكن بد من تقديم فواتير تحمل اسم الدواء المستبدل فلا مانع دفعاً للضرر، وبالنسبة لفارق السعر بين الدواءين فإننا نرجو أن تراجع الفتوى رقم: 45714.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(6/3234)
حكم استخدام الحناء للجسم كله
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم استخدام الحناء للجسم كاملاً حيث إن بعضهم يقول بأن الحناء يبرد على الجسم، فهل يجوز، وأيضأ هل يجوز للرأس، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في وضع الحناء على أي مكان في الجسد بقصد التداوي، بدليل ما ثبت في سنن ابن ماجه: من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا تصيبه قرصة ولا شوكه إلا وضع عليها الحناء. وهو حديث حسنه الألباني.
وقال ابن القيم في زاد المعاد: وقد روى البخاري في تاريخه وأبو داود في السنن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شكا إليه أحد وجعاً في رأسه إلا قال له احتجم، ولا شكا إليه وجعا في رجله إلا قال له اختضب بالحناء.
وقد كان الاختضاب بالحناء شائعاً بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اختضب أبو بكر رضي الله عنه بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء بحتا، كما في صحيح مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(6/3235)
حكم تكرار الرقية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أقوم بقراءة الرقى الشرعية في ماء زمزم لي ولوالدتي وللمرضى في المستشفى فأحيانا إذا كان الماء قليلا أقرأ فيه الرقى بصفة الجمع (لنا جميعا مثلا بسم الله أرقينا ومن كل داء يشفينا) و (أعوذ بالله وقدرته من شر ما نجد ونحاذر) فهل قراءتي صحيحة أم أقرا لكل واحد على حدة؟ كذلك بالنسبة للآيات القرآنية فهل أكررها ثلاث مرات أم تكفي مرة واحدة وهل يجب أن أقوم بذلك اعني القراءة يوميا؟ افيدوني جزاكم الله خيرا ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي سعيد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد: اشتكيت فقال نعم، قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك بسم الله أرقيك. وفي سنن أبي داود وابن ماجه ومسند الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال عثمان وبي وجع قد كاد يهلكني، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امسحه بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر.
ثم إنه لا حرج في تغيير صيغة الدعاء من الضمير لمفرد إلى ضمير الجمع كما في الفتوى رقم: 7101.
كما يمكنك الاكتفاء بقراءة واحدة بالنسبة للدعاء إذ لم يرد تحديد قراءته بعدد معين.
أما الدعاء الثاني، فقد ثبت تحديد العدد فيه بسبع مرات مع وضع اليد على موضع الألم.
وإذا كنت تقصدين بالآيات القرآنية آيات من القرآن الكريم تستعمل للرقية فلم يثبت تحديد قراءتها بعدد معين والأمر في ذلك واسع.
ويمكنك إعادة الرقية حتى حصول الشفاء فلا بأس بتكرارها عند الحاجة، وراجعي الجوابين التاليين: 4524، 35512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(6/3236)
لكل داء دواء علمه من علمه وجهله من جهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أمُ لطفلة عمرها شهر ونصف، ولدت طفلتي وكان لديها ضيقة نفس أي نقص في الأوكسجين فأخذها الأطباء دون أن آراها وبعد يوم ونصف ذهبت هذه المشكلة من ثم وجدوا مشكلة أخرى وهي أن صفائح الدم المسؤولة عن النزيف الداخلي كانت منخفضة جدا وأخذت تنخفض، ولم يعرف الأطباء السبب ولكن بمشيئة الله ارتفعت وأصبحت بالمعدل الطبيعيي، ثم كان لديها التهاب في أمعائها وبعد عشرة أيام شفيت.
لكن والحمدلله بعد كل هذا جاءت مشكلة أخرى وهي نقص إنزيم في الدم وهذا يؤدي لا سمح الله إلى تلوث في أعضاء جسدها بشكل تدريجي ويؤدي إلى عدم تطور لدى الطفلة بحيث قال لنا الأطباء لا علاج لهذا المرض في أي مكان وأن هؤلاء الأطفال يعيشون حتى سنتين لا أكثر.
أترون مدى حزني وعذابي، أخاف أن أرى طفلتي في حالة عذاب،
قيل لنا اقرؤا عليها القران الكريم فطوال الوقت ندعو إلى الله ونقرأ عليها بآيات من القران الكريم، أما أنا فقررت ـن أتحجب مع أنني طوال حياتي انا اعتبر انسانه مؤمنة بالله، اصوم وأصلي واخاف الله تعالى كثيراً.
فأرجوا منكم مساعدتي وإرشادي؟ ماذا افعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، وكشف عنا وعنك كل حزن وكل مكروه، أن ما قاله الأطباء ليس أمرا حتميا، فهم وإن كانوا أهل خبرة بالأمراض وأنواع العلاج وخصائص الطفولة وغير ذلك من المسائل الداخلة في مجال اختصاصهم، فإنهم مع ذلك لا يستطيعون الحكم على أمر مستقبل إلا ظنا واجتهادا، والله وحده هو الذي يعرف عواقب الأمور.
وليس صحيحا أن يوجد مرض لا علاج له، فقد روى الإمام أحمد والحاكم وابن حبان عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله عز وجل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله. وفي قصة أيوب عليه السلام وشفائه بعد ما يئس منه الناس كلهم دليل على ذلك، ولكن أهل الطب لا يوفقون في بعض الأحيان إلى العلاج.
وقد أحسنتم فيما أقبلتم عليه من الدعاء وتلاوة القرآن، وفيما قررت من التحجب، فإن رضا الله واستجابة الدعاء منه إنما ينالان بطاعته والتقرب إليه، ويجب أن يكون كل ذلك امتثالا لأمره ورغبة في ثوابه، لا من أجل شفاء المريضة فحسب.
واعلمي أنما سيقضي به الله لهذه البنت من شفاء أو غيره هو خير لك على كل حال.
ففي صحيح مسلم وعند أحمد والدارمي من حديث صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1425(6/3237)
البعد عن صاحب المرض المعدي حث عليه الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ما يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفاد بإمكانية مخالطة الطبيب مريض الطاعون لعلاجه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم شيئا عن الرسول صلى الله عليه وسلم بخصوص إمكانية مخالطة الطبيب للمطعون سوى حديث الصحيحين الآمر بعدم القدوم على بلد الطاعون وعدم الخروج منه فرارا منه، وذلك حيث يقول صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه.
ولكن ثبتت أحاديث تفيد أنه ما من داء إلا وله دواء.
ففي الحديث: لكل داء دواء، فإذا أصيب الدواء برأ بإذن الله تعالى. رواه مسلم.
وفي الحديث: تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد، الهرم. رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
وعموم هذين الحديثين وما ورد مما هو في معناهما يفيد إمكانية دواء المطعون ومشروعية بحثه عن العلاج، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم التحرز في الأدواء المعدية وأرشد الأصحاء لمجانبة أهلها كما بسطه ابن القيم في "زاد المعاد" واستدل له بأحاديث منها حديث الصحيحين: لا يوردن ممرض على مصح.
وبناء على هذا، فإنه إذا تيسر للطبيب وسائل وقائية تقيه بإذن الله تعالى من إصابة العدوى فلا حرج في معالجة المطعون، ولا شك أنه قد توفرت الوسائل في هذا العصر، فكثير من المستشفيات تتوفر فيها الغرف المعقمة المخصصة للأمراض المعدية والمخصصة للعلاج، وتوجد بها الملابس المعقمة التي يلبسها الداخل على المرضى، وتوجد بها الكمامات والجوارب اليدوية التي يلبسها الأطباء.
وأما إن لم تتيسر الوسائل الوقائية، فإن البعد عن صاحب المرض المعدي هو الأصل، كما يفيده حديث الصحيحين: لا يوردن ممرض على مصح. وحديث البخاري: فر من المجذوم كما تفر من الأسد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(6/3238)
الحقنة كانت معروفة في العصور الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كانت الحقن معروفة في أيام الرسول (ص) ؟ وما هي أنواعها آن ذاك؟ وما حكمها إذا أخذت في رمضان؟ أرجوا الإجابة علي هذة الأسئلة من الكتاب والسنة.. أرجو التفصيل, ولكم الشكر, أعانكم الله وزادكم من علمه وفضله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاحتقان هو صب الدواء أو إدخاله في الدبر، قال صاحب لسان العرب في تعريف الحقنة، وهي أن يعطى المريض الدواء من أسفله، وهي معروفة عند الأطباء، ومن هذا يتضح لنا أن الحقنة تكون بمائع وبغير مائع، وأنها كانت معروفة في العصور الأولى، أما حكمها فلم يرد بخصوصه دليل من كتاب أو سنة، والذي توصل إليه الفقهاء باجتهاداتهم واستنباطاتهم في حكمها هو الجواز إذا دعت إليها حاجة، وكانت بمباح، ففي الفواكه الدواني: وسئل مالك عنها فقال: لا بأس بها لأنها ضرب من الدواء، وفيها منفعة للناس، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم التداوي وأذن فيه فقال: ما أنزل الله داء إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله فتداووا عباد الله.
وقال في مجمع الأنهر وهو حنفي: وتجوز الحقنة للرجال والنساء للتداوي بالإجماع ... إلى آخر كلامه.
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح وهو حنبلي قال أبو بكر الخلال: كان أبو عبد الله كرهها في أول أمره ثم أباحها على معنى العلاج، أما الحقنة لغير حاجة فإنها تكره، نص على ذلك أهل العلم، وشبهوها بعمل قوم لوط، وإليك فتوى الشيخ محمد بن أحمد المعروف بعليش إذ قال رحمه الله حين سئل عن التداوي بالحقنة: إن تعينت للتداوي بها فالتداوي بها جائز لا كراهة فيه، وإلا كره، قال الحطاب قال في التوضيح قال ابن حبيب في كتاب له في الطب كان علي وابن عباس ومجاهد والشعبي والزهري وعطاء والنخعي والحكم بن عيينة وربيعة وابن هرمز يكرهون الحفنة إلا من ضرورة غالبة، ويقولون لا تعرفها العرب وهي من فعل العجم، وهي ضرب من عمل قوم لوط قال ابن حبيب: وأخبرني مطرف عن مالك أنه كرهها، وذكر أن عمر بن الخطاب كرهها، وقال: هي شعبة من عمل قوم لوط، قال عبد المالك: سمعت ابن الماجشون يكرهها، ويقول كان علماؤنا يكرهونها، قال ابن حبيب: وكان من مضى من السلف وأهل العلم يكرهون التعالج بالحقن إلا من ضرورة غالبة لا يوجد عن التعالج بها مندوحة. ا. هـ وسئل مالك في مختصر ابن عبد الحكم عن الحقنة فقال: لا بأس بها، والأبهري إنما قال ذلك لأنها ضرب من الدواء، وفيها منفعة للناس، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم التداوي وأذن فيه قال: ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه، وجهله من جهله فتداووا عباد الله. ا. هـ خليل فظاهره معارضة النقل الأول، ويمكن تأويله على حالة الاضطرار إليها فيتفق النقلان. اهـ
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. انتهى كلام عليش.
أما الاحتقان في رمضان فمذهب الجمهور أنه يفسد الصوم سواء كان بمائع أو بغير مائع، ولمزيد الفائدة في الموضوع تراجع الفتوى رقم: 16968.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(6/3239)
الاستعانة بأهل الكتاب في الطب جائزة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أحاديث تقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عالجه بعض الأطباء الكفار أو المشركين، وهل هذه الأحاديث صحيحة، وإذا لم يكن ذلك كذلك فما سر انتشار تلك المقولة، أرجو ذكر الأحاديث الصحيحة والضعيفة في هذا الموضوع مع التخريج والإيضاح، ولكم جزيل الشكر لأنه قدر دار الجدل في هذا الموضوع بين بعض الأطباء، فلجأنا إليكم لمعرفتنا بعلمكم الغزير الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع بعد البحث على أن النبي صلى الله عليه وسلم عالجه طبيب كافر، وقد يكون عدم وقوع ذلك بسبب عدم حاجة الرسول صلى الله عليه وسلم للأطباء بسبب كونه كان طبيباً، وكان مسدداً بالوحي، وربما كان قد وقع ولم نطلع عليه.
إلا أن هذا لا يقتضي منع علاج المسلم عند الطبيب الكافر، فقد أخرج أبو داود في سننه عن سعد رضي الله عنه قال: مرضت مرضا أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي فقال: إنك رجل مفئود ائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب.. وقد ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وتابعه ابن حجر في الإصابة إن الحارث بن كلدة لم يصح إسلامه، وإن هذا الحديث يدل على أن الاستعانة بأهل الذمة في الطب جائزة، وراجع الفتوى رقم: 2561، والفتوى رقم: 16181.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(6/3240)
حكم تناول عقاقير نقص الشهوة الجنسية لتجنب الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنني تناول عقاقير نقص الشهوة الجنسية لكي أجتنب الزنى؟ علما بأني مواظب على الصلاة وقراءة القرآن؟ ملاحظة؛ لا يمكنني الزواج لأن عمري 19سنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ويعصمك من الوقوع في المحرمات.
ثم اعلم أنه إذا كنت لا تستطيع الزواج الآن، فعليك بالصوم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. رواه البخاري.
فإن لم تقدر عليه فلا مانع من شرب دواء للتخفيف من هذه الشهوة حتى لا تقع في الزنا، لكن بشرط ألا يكون في ذلك ضرر على صحتك، قال البهوتي: وللرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع.اهـ.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(6/3241)
حكم ذهاب فتاة لطبيبة للتأكد من عذريتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة وأتواجد بفرنسا، من فضلكم أود أن أعلم ما حكم الذهاب لطبيبة للتأكد من أنني عذراء لطلب من خطيبي مع العلم أن الطبيبة ليست مسلمة.
شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكشف العورة بين غير الزوجين من المحرمات التي يجب على المسلم الحذر منها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك. رواه الترمذي وغيره.
وعورة المرأة مع المرأة ما بين السرة والركبة، ويشتد ذلك إذا كان في الفرج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة. رواه مسلم.
وقد استثنى العلماء من هذا ما دعت إليه ضرورة كالعلاج، قال الكاساني: ولا يجوز لها أن تنظر ما بين سرتها إلى الركبة إلا عند الضرورة بأن كانت قابلة فلا بأس لها أن تنظر إلى الفرج عند الولادة. ا. هـ
وما ذكرته السائلة لا يدخل ضمن الضرورة المبيحة للكشف، وبالتالي لا يجوز لها فعل ذلك ولو كان بقصد الزواج، ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 13059.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1425(6/3242)
حكم العلاج بعصارة الشعير المحتوية على كمية قليلة من الكحول
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أعيش في فرنسا، وأشكو من آلام في المعدة، ونصحني الطبيب بشرب عصارة الشعير أو ما يسمى البيرة، ولكن بشرط من غير كحول، المشكلة أنني لم أجد البيرة الخالية تماماً من الكحول، إذ تجد مكتوباً عليها خالية من الكحول ولكن عندما تدقق في المكونات تجد أنها تحتوي على كمية قليلة من الكحول الأمر الذي أخبرت بأنه لا يمكن التخلص منه، هل أستعمل هذا النوع من الشراب أم لا، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك شفاء تاماً لا يغادر سقماً، وفيما يتعلق بسؤالك، فطالما أن الطبيب قد أرشدك إلى شرب عصارة الشعير، وبشرط أن تكون خالية من الكحول، فبإمكانك أن تعد الشعير بنفسك وتصنع منه شراباً تأمن فيه الخلُّو من أي شيء من المسكرات، فإن " كل مسكر حرام " كما روى الشيخان وغيرهما من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن تعذر عليك إعداد الشراب المذكور ولم تجد وسيلة أخرى للعلاج فعد إلى الطبيب الذي أمرك بالدواء ليبحث لك عن حل آخر للمسألة، فإن لم يجد لك غيره وأخبر بأن شربه على الكيفية التي هو بها ضروري لصحتك، فلا مانع حينئذ من تناوله، لأن الضرورات تبيح المحظورات، قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه ِ [الأنعام:119] ، وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16] ، والضرورة تقدر بقدرها، فمتى حصل الاستغناء عن شيء من ذلك بحصول الشفاء أو بوجود البديل المباح وجب الابتعاد عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(6/3243)
حكم التداوي بدواء يحتوي على نسبة كحول وبيعه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تناول الدواء الذي يحتوي على كحول للضرورة وأيضا ما حكم بيع هذا الدواء بالنسبة للصيدلي هل يجوز له بيعه أم لا بصفة أنه دواء يحتوي على كحول]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمتداوي بدواء يحتوي على نسبة كحول غير جائز، لما روى أحمد ومسلم عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر؟ فنهاه عنها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء.
لكن إذا دعت إلى ذلك ضرورة ولم يوجد دواء خال من الكحول يقوم مقامه فلا بأس أن يستعمل المريض منه ما يدفع به الضرر، إذ الضرورة تقدر بقدرها، وإذا جاز هذا في حق المريض جاز في حق الصيدلي أن يبيع هذا الدواء للمضطر إليه، ومنع في غير المضطر، وما تقدم في الأدوية التي تكون نسبة الكحول فيها نسبة مؤثرة، وراجع في هذا الفتوى رقم: 2599.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(6/3244)
علاج التأتأة بالموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[وأيضاً فقد ثبت لدى الخبراء أن علاج التأتأة يعني الصعوبة في الكلام هو السماع للأغاني مدة ثلاث سنوات وقد أظهرت الدراسة إيجابيات فهل يجوز السماع لهذه الموسيقى لمن هو مريض وباستشارة طبيب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا ثبت أن علاج التأتأة يكمن في الاستماع إلى الموسيقى وأخبر بذلك طبيبان عدلان حل استماعها لصاحب التأتأة حينئذ، وراجع فيه الفتوى رقم: 37660.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(6/3245)
حكم من أخفى مرض غيره حتى أسلمه للهلاك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة في الستينيات من العمر، كان لي أخت أكبر مني في السن بعامين تتميز بقوة الشخصية، اكتشفت منذ حوالي عشر سنوات ورماً في ثديها ولم تذهب للطبيب، ولم تخبر أحداً خوفاً على الأبناء من التوتر والفشل في الدراسة، وبعد فترة أخبرتني أنا وطلبت مني ألا أخبر أحدا ففعلت لأني توقعت أن زوجها سيكتشف هذا الورم في أي وقت، ولكن هذا لم يحدث، وبعد شهرين أخبرت زوجها والجميع وذهبت إلى الطبيب واكتشفنا أنه سرطان وأنه في مرحلة متأخرة وخصوصاً بعد التأخير، حيث إنه كان قد مر حوالي ستة شهور منذ أن اكتشفت الورم، واستمر مرضها مع العلاج حوالي سنة بعد ذلك ثم توفاها الله في فبراير عام 1996م وكنت قد سمعت في وقت متأخر من تلك السنة أنها قالت لزوجها إن ذنبها في رقبته ورقبتي، مع العلم بأنني لم أقصر في حقها أبداً أبداً طوال فترة مرضها ... وأنا الآن أشعر بالذنب، فهل أنا مخطئة لأني لم أعارضها عندما طلبت مني في البداية ألا أخبر أحداً، وإذا كنت مخطئة فماذا أفعل لكي أعوض ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصل التداوي مشروع بل مستحب كما حكاه النووي في شرحه على مسلم عن جماهير السلف والخلف، وقد يبلغ أن يكون واجباً إذا أدى تركه إلى التلف، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] ، وقال تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] .
وجاء في حاشيتي قليوبي وعميرة في الفقه الشافعي: إذا كان به جرح يخاف منه التلف وجب –أي التداوي-. انتهى.
وجاء في تحفة المحتاج من كتبهم: إذا علم الشفاء في المداواة وجبت. انتهى.
فإذا علم أنه كان على تلك المرأة التداوي من مرضها هذا الذي من المعلوم عنه أن يؤدي إن لم يتدارك إلى الهلاك، فإن سكوت السائلة وعدم إخبار ذويها بمرضها إعانة لها على ترك واجب، وهو كذلك إسلام لها إلى مهلكة، وفي الحديث: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: وقوله: لا يسلمه أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه, وقد يكون ذلك واجباً وقد يكون مندوباً بحسب اختلاف الأحوال، وزاد الطبراني: ولا يسلمه في مصيبة نزلت به. انتهى.
والذي نراه –والله أعلم- أن السائلة بإخفائها أمر مرض أختها حتى انتشر وقضى عليها قد تركت واجباً وارتكبت إثماً، وكفارة ذلك التوبة إلى الله عز وجل منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1425(6/3246)
للأمراض أسباب شرعية وأخرى قدرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أمراض خطيرة موجوده الآن مثل مرض السرطان الذي نتج عن التطور التكنولوجي الرهيب الذي توصل إليه الإنسان واختراع القنبلة الذرية، ولكنه معروف أيضاً أن المرض ابتلاء من الله، فما رأي العلم والدين في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسرطان وغيره من الأمراض التي تصيب العبد لها أسباب قدرية كونية وأسباب شرعية، فالأسباب القدرية كنحو ما ذكره السائل في مرض السرطان، وأما الأسباب الشرعية فكثيرة، ومنها:
الابتلاء والاختبار ومعرفة الصادق من الكاذب، ومنها التمحيص والتمييز، ومنها رفع درجات الصابرين، ومنها تضرع العبد إلى ربه بطلب العافية، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله.
وعلى العموم فالمرض للمؤمن خير مهما كانت أسبابه، فعليه أن يرضى ويصبر وهو مأجور على كل حال، نسأل الله العافية في الدين والدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1425(6/3247)
حكم ذهاب المرأة إلى الطبيب النفسي
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم ذهاب المرأة إلى الطبيب النفسي، حيث لا يوجد بالمستشفى الذي أراجع فيه نظرا لظروف صحية سوى طبيب نفسي؟ علما بأن الأهل لا يسمحون لي بالذهاب إلى مستشفى آخر توجد به طبيبة نفسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان ذهابك إلى الطبيب يستلزم كشف عورة أو لمس جسد فيحرم ذهابك إليه، ولا يجوز لأهلك أن يمنعوك من الذهاب إلى طبيبة ولا تجوز لك طاعتهم إلا عند الضرورة، وانظري الفتوى رقم: 31419، والفتوى رقم: 12942.
أما إن كان ذهابك إلى الطبيب لا يستلزم كشف عورة ولا لمساً وكان جلوسك معه بدون خلوة، فلا مانع منه والذهاب إلى الطبيبة أفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(6/3248)
حكم تناول إبرة لولادة الجنين قبل أوانه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أن تعطوا الأهمية لسؤالي جزاكم الله خيرا وهو كاالتالي: امرأة حامل وستضع مولودها في الشهر 4 من هدا العام 2004 ,ولكن جاءها سفر إلى إحدى الدول مفاجئ أي أنها ستنتقل هي وزوجها إلى بلد آخرعلما بأن هذا السفر سيكون في الشهر الذي تلد فيه (شهر4) , ولكي تسافر في هذا الوقت قالت لها الطبيبة سأعطي لك إبرة (ستأخذ إبرة) كي تضع مولودهاقبل أوانه بـ 12 يوما, وتسأل هذه المرأة هل هذا جائز أو حرام لأخذها لهذه الإبرة كي تضع مولودها قبل يومه المحدود بـ12 يوما كي تسافر؟ وأرجو منكم أن تجيبوا على سؤالي في أقرب وقت وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان أخذ هذه الإبرة لا يترتب عليه إلحاق ضرر بالأم أو بالمولود فلا بأس بأخذ هذه الإبرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(6/3249)
الأخذ بالأسباب الممكنة للإنجاب مطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد إني في مقتبل العمر متزوج ولي ابن ثلاث سنوات ومنذ ذلك الحين لم أرزق بمولود ثاني ويرجع ذلك إلى أسباب صحية خاصة بزوجتي حتى هذا الحين وقد اقترحت علي العملية الطبية المعروفة فهل هذا حلال أم حرام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهبك ذرية طيبة إنه سميع الدعاء، ثم اعلم أخي أن من أهم أسباب الحصول على ذلك هو تقوى الله تعالى وكثرة دعائه، ولك في نبي الله عز وجل زكريا عليه السلام أسوة، حيث ألح على ربه سبحانه في طلب الولد فاستجاب الله دعاءه، علما بأنه قد تجاوز هو وزوجه السن المعهودة للإنجاب، لكن قدرة الله وكرمه ليس لهما حدود.
ثم إنه لا مانع شرعاً من الأخذ بالأسباب، ومن ذلك إجراء هذه العملية التي ذكرت لدخول ذلك في حكم الضرورات؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 30384، ويشترط لإجراء العملية علاوة على ما قدمنا أن تكونوا قد توصلتم عن طريق الأطباء المختصين إلى أن الحمل بالطرق العادية أصبح أمراً غير ممكن الوقوع عادة بالنسبة لكم، أو أن احتمال إمكان وقوعه احتمال ضعيف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1425(6/3250)
عاهد الله أن يكف عن دواء ثم احتاج إليه فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعاني من اضطرابات نفسية بسبب وساوس الشيطان والنفس، فوصف لي طبيب مسلم دواء اسمه xanax وبفضل الله شعرت بتحسن ولكن خفت أن يتعلق قلبي به، فعاهدت الله تعالى إن شفاني من المرض أن أكف عن الدواء، وبالفعل تحسنت كثيرا ولكن الآن بدأت أشعر ثانية بالمرض وأشعر بحاجة لهذا الدواء لأن المرض يؤرقني كثيرا فهل لهذا العهد من كفارة لكي آخذ الدواء أم نقضه من باب قوله تعالى (ومنهم من عاهد الله....) الاية الكريمة.
وأسألكم الدعاء لي بالشفاء القريب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين ندب الناس إلى التداوي، فقال: يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاء. رواه أحمد، ولقد تداوى النبي صلى الله عليه وسلم، وتداوى أصحابه والصالحون من بعدهم، ولم يروا ذلك تعلقاً بغير الله عز وجل ولا التفاتاً إلى غيره، بل اعتبروا ذلك أخذاً بالأسباب المأذون بالأخذ بها، قال ابن القيم: فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها، والأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل.. ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلاً للأمر، والحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً.
وأما عهدك بأن تكف عن هذ العلاج إن شفيت، فينظر إن كنت قلت أعاهد الله أو عهد الله علي أن أترك هذا العلاج إن شفيت فهو يمين، فإذا حنثت فيه كفرت كفارة يمين، وأنت لم تشف من المرض حتى تحنث.
وعلى كل حال فالشخص إذا حلف على الامتناع عن شيء ثم رأى أن الخير في فعله فعله وكفر عن يمينه، كما في الحديث: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل. رواه مسلم.
وإذا كنت عاهدت بدون إضافة العهد إلى الله كأن قلت علي عهد أن لا أتناول ... فليس هذا بيمين، ولا يلزم الوفاء به، لأنه على خلاف السنة من الأخذ بالأسباب كما مر بيانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(6/3251)
حكم استخدام بول الناقة في علاج تساقط الشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم إفتائي في استخدام بول الناقة البكر في معالجة مشاكل تساقط الشعر، هل يجور ذلك
أم لا!! وهل له فوائد وجدوى من استعماله أم لا مع ذكر بعض من الأحاديث النبوية إن وجد ذلك.
ثانيا - هل يجوز أيضا استخدام زيت الحشيش في معالجة الشعر وإنباته أم أنه يعتبر من المحظورات ولا يجوز استخدامه أرجو الإفادة بذلك وجزاكم الله عنا خير الجزاء وجعلها في موازين حسناتكم اللهم آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بول الناقة البكر أو أي حيوان آخر مأكول اللحم طاهر على الراجح من أقوال أهل العلم، وبناء على ذلك فلا مانع من استخدامه لعلاج تساقط الشعر، وتمكنك مراجعة الفتوى رقم: 2258، والفتوى رقم: 12472.
وأما عن جدوائية هذا العلاج فلا علم لنا بذلك، والأصوب أن تستشير فيه أهل الاختصاص بالطب.
وأما استخدام زيت الحشيش فإن فيه تفصيلاً بين أن يكون يسكر أو يخدر أولا يفعل شيئاً من ذلك، وراجع حكمه في الفتوى رقم: 38036.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1424(6/3252)
علاج سرعة القذف
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعاني من سرعة القذف وتسبب ذلك حدوث برود لدي عرضنا الموضوع على دكتور أخصائي فطلب أن يشخص الحاله عن قرب وطلب أن يرانا في وضع الجماع هل يجوز ذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا السؤال واقعا فعلا، فلا نملك إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل على الحال الذي وصل إليه المسلمون.
ولتعلمي أن فعل ذلك منكر عظيم لا يقره شرع ولا ذوق سليم، ولا يقدم عليه إلا من انتكست فطرته وذهبت غيرته، إذ كيف يسمح المسلم لنفسه أن يأتي أهله بمرأى ومسمع من الغير؟! وهل هذا إلا تهارج كتهارج الحُمُر، وسفاد علني كسفاد البهائم، نسأل الله العافية والسلامة.
وإذا كان زوجك يعاني مما ذكرت، فإن له حلا مباحا ذكره أهل الطب ممن يعتد بقولهم لا مثل الطبيب المذكور عامله الله بما يستحق، ومن علاج ذلك أن يدهن الذكر بمادة تقلل الإحساس، ومن العلاج أن يشغل الزوج نفسه بالتفكير في شيء حتى يتأخر القذف.. وغير ذلك مما ذكروا في هذا الخصوص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1424(6/3253)
حكم إجراء عملية ربط الناقل المنوي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد أن أسأل عن عملية ربط الناقل المنوي لأن زوجتي لم يلائمها أي نوع من أنواع الموانع للحمل، ويسبب لها كثيرا من المتاعب
فهل أستطيع أن أجريها؟
علما بأني أستطيع أن أجري عملية أخرى لاستعادة القدرة على الإنجاب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان ذلك لزمن يسير كأن تستعيد المرأة صحتها وترضع طفلها فلا بأس، وأما قطع الإنجاب نهائيا فلا يجوز، وهذا كله ما لم يكن ذلك متضمنا لكشف العورة، فإن كان يستلزم كشفها لم يجز إلا للضرورة أو الحاجة الشديدة، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 31968، والفتوى رقم: 9634.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1424(6/3254)
لا ينبغي ترك العلاج من ضعف الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا سيدة تزوجت لأول مرة منذ 3 سنوات من رجل مطلق ولديه ولدان (19 و 16 عام) وأثبتت التحاليل أنه يعاني من ضعف يحتاج إلى علاج بسيط لمدة 3 شهور لكي يعاود الإنجاب، ولكنه يرفض العلاج ويتهرب من الإنجاب مني، فهل امتناعه عن العلاج للإنجاب حرام؟ وهل من حقي طلب الطلاق لموقفه هذا خاصة وأنني أصبحت أكره معاشرته وأتهرب منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الإسلام قد جعل تكثير النسل من أهم مقاصد تشريع الزواج، فإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي لهذا الزوج الامتناع عن طلب العلاج ما دام ممكنا، ولا يترتب عليه شيء من المحاذير الشرعية، ولكن لا نقول بتحريم تركه للعلاج، وأما طلبك للطلاق بسبب عدم الإنجاب، فقد سبق أن بينا جواز ذلك في الفتويين التاليتين: 28106، 32645.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(6/3255)
حكم تناول المهدئات النفسية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل يجوز تناول المهدئات لأسباب نفسية حسب ما يخبر الطبيب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الطبيب الذي وصف هذه المهدئات مسلما صادقا صاحب دين، فلا بأس بتناول هذه المهدئات، وقد اشترطنا كون الطبيب مسلما صادقا صاحب دين، لأن هذه المهدئات أنواع: منها ما هو مباح، ومنها ما هو محرم، ومنها ما ضرره أعظم من نفعه، ومنها ما هو نافع ولكن لا يتحصل على نفعه إلا باستعماله بطريقة معينة، وإلا صار ضررا، والمرجع في التفريق بين هذه الأنواع ومعرفة كيفية استعمال النافع منها إلى الأطباء المختصين الموثوق بدينهم وصلاحهم، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 19201، والفتوى رقم: 16383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(6/3256)
استعمال زيت الحشيش جائز إذا لم يكن مسكرا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استخدام زيت الحشيش للشعر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم استخدام هذا النوع من الزيت في الفتوى رقم: 36038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1424(6/3257)
أعظم ما يتاوى به اللجوء إلى الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
فتاة فى التاسع عشر من عمرها تصلي والحمد لله ولكن تشعر بأن أحداً يقول لها لا تصلي وتشعر أنها لا ترغب فى إكمال الدراسة مع أنها فى الفرقة الثالثة من كلية التربية وفى بعض الأحيان تتمنى الموت إلى أن فكرت فى الانتحار، فماذا عليها أن تفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى هذه الأخت أن تسعى ويسعى أهلها ومن لهم ولاية عليها إلى أن تبادر ويبادرون إلى علاج هذا المرض عنها بكل وسيلة مشروعة ممكنة، فإن الله تعالى لم ينزل داءً إلا أنزل له دواء، وأعظم ما تتداوى به اللجوء إلى من بيده الضر والنفع الله جل جلاله، وهو وحده القادر على كشف ما بها من ضر إذا صدقت في اللجوء إليه، ولهجت بذكره واعتصمت بحبله، قال الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62] .
كما أن عليها أن تلزم رفقة صالحة مؤمنة من النساء يعنّها على الخير ويأخذن بيدها إلى بر الأمان.
وأما التفكير في ترك الصلاة أو الانتحار فليس إلا زيادة في العماية ورضوخاً للوساوس وضياعا للعمر والدين، نسأل الله لها العافية، وراجع الفتوى رقم: 10397، والفتوى رقم: 1846.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1424(6/3258)
التداوي بتكرار اسم من الأسماء الحسنى غير ثابت
[السُّؤَالُ]
ـ[أحضر لي شخص ورقة مكتوباً فيها أن أحد العارفين بعد أبحاث 3 سنوات توصل إلى الشفاء عن طريق أسماء الله الحسنى وأن كل اسم يشفى مرضاً معيناً فمثلا السرطان جل جلاله، الفخذ يعالجه اسم الرافع وبعض الآيات، ويريد مني أن أكتبها على الكمبيوتر ونقوم بتوزيعها، فهل هذ الكلام صحيح أقوم بعمله
ولا أكتبها وليس لي شأن؟ وجزاكم الله خيراً كثيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقول بأن لكل اسم من أسماء الله تعالى خاصية لعلاج عضو معين من البدن مما لا دليل عليه في الشرع، وأما في التجربة فبعض الناس يزعم صحة ذلك وبعضهم ينفيه، وما دام الأمر كذلك فالطريق الصحيحة أن يدعو الإنسان ربه بأسمائه وصفاته لرفع بلائه، ويدعو بالاسم الذي يناسب حاله، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 7251.
وعليه فننصحك بعدم كتابة هذه الورقة ونشرها، لأن ما فيها مبني على وهم ربما أدى إلى اعتقاد فاسد عند بعض الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1424(6/3259)
الجاثوم،، أعراضه وكيفية علاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماهو الجاثوم، وما أعراضه وما تأثيره على الإنسان، والأشكال التي يظهر بها، وكيف يمكن التخلص منه بالرقية؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجاثوم هو الكابوس الذي يقع على الإنسان وهو نائم، كما قال صاحب لسان العرب، وقد عرفه بعض الباحثين المعاصرين بأنه روح شريرة يفترض أنها تنام فوق الأشخاص أثناء نومهم، ومن أعراضه الأحلام المرعبة وشعور الإنسان بعد الاستيقاظ بالاختناق، وبعدم القدرة على التحرك أو الكلام، إلى غير ذلك من الأشكال التي يمكن الرجوع إليها في كتابات وحيد عبد السلام بالي وغيره.
وأما التخلص منه فيمكن بالرجوع إلى الأطباء، لمعرفة ما إذا كانت هناك أمراض نفسية أو جسدية، ولاستشارتهم في علاجها.
ويمكن التخلص منه بالرقية الشرعية، والمحافظة على أذكار النوم وأذكار المساء والصباح، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4310، 4179، 31301.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1424(6/3260)
خروج الزوجة للعلاج دون إذن زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم إخوتي في الله
أريد رأيكم في خروج امرأة إلى الطبيبة بدون إذن زوجها، لعلاجها من مرض سبب لها ألما عطلها عن مزاولة أعمالها المنزلية، كان الزوج موافقا على ذهابها إلى الطبيبة، لكنه بعد خلاف عائلي حلف عليها ألا تخرج مطلقا من المنزل مهما حدث، أفتونا؟ جزاكم الله خير إذا أن الألم شديد، والله المستعان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من التداوي من مرض أصابها عند طبيبة، إلا إن كان يمنعها من طبيبة بعينها لأمرٍ يراه، فإنه يطاع في ذلك وتذهب المرأة إلى طبيبة غيرها.
أما أن يمنعها مطلقاً من الخروج للتداوي فلا يجوز له ذلك، وللمرأة أن تخرج ولو لم يأذن لها، ولكن ننصح السائلة بالتريث ومحاولة إزالة الخلاف قبل أن تخرج بدون إذنه، فربما أمكنت إزالة أسباب الخلاف، ومحل ذلك التريث ما لم تتضرر بتأخير العلاج، أما إذا كانت تتضرر فلا حرج عليها في الخروج للتداوي.
وإذا كان الزوج قد حلف بالله على عدم خروجها ثم خرجت، فعليه كفارة يمين، نحيلكم في معرفتها على الفتوى رقم: 204.
أما إن كان قد حلف بالطلاق، فهو طلاق معلق يقع إذا خرجت، عند جمهور العلماء وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحلف بالطلاق يمين يكفر كسائر الأيمان، ولمزيد من التفصيل والفائدة نحيلكم على الفتوى رقم: 19162.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(6/3261)
أمثل الطرق في علاج مرض الإيدز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الطريقة الصحيحة لعلاج انتشار مرض الإيدز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أمثل الطرق في علاج انتشار مرض الإيدز حث المجتمعات على التمسك بشرع الله تعالى، والابتعاد عن الفواحش والاختلاط المريب وإطلاق النظر إلى الحرام، وتحريض الشباب على الزواج، والإكثار من صيام النفل، وإزاحة العراقيل المانعة من التبكير بالزواج، مثل غلاء المهور والإسراف في الولائم.
وذلك لأن هذا المرض الفتاك وغيره من الأمراض الكثيرة يخشى أن يكون سببها ظهور الفواحش في المجتمعات، مصداقاً لما في الحديث: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في إسلافهم الذين مضوا. رواه ابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
وراجع للزيادة في موضوع الوسائل المعينة على البعد عن الفواحش الفتوى رقم: 30425، والفتوى رقم: 34932.
أما عن علاج هذا المرض لو حصل ومحاربة اتشاره، فيرجع في ذلك إلى الأطباء لأنهم أهل الاختصاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1424(6/3262)
الاستشفاء بماء ظهر في عمان
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
سماحة الشيخ هناك ماء ظاهر في سلطنة عمان، ويقولون هذا الماء فيه شفاء، وقرأت في المجلة أن هذا الماء ظاهر من البالوعة، فأرجو الإجابة بسرعة وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا علم لنا بهذا الماء، ولكن إذا كان الأمر كما ذكر السائل، من أن هذا الماء يخرج من البالوعة، فإنه لا يجوز الاستشفاء به لأنه نجس، وإذا لم يكن يخرج من البالوعة، فالأمر يرجع لأهل الاختصاص من الأطباء ونحوهم، فإذا كان في هذا الماء خواص علاجية، فلا بأس بالاستشفاء به، وإذا كان كغيره من المياه، فالاستشفاء به من العبث، وإذا كان لدى صاحبه اعتقاد فاسد، فإن الأمر يكون أشد خطرا على دين صاحبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1424(6/3263)
حكم استخدام زيت الحشيش للشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استخدام زيت الحشيش للشعر؟
وهو زيت يباع في محلات العطارة وهو مفيد للشعر
كما أرجو معرفة وجه الحرمة في حاله أن حكمه حرام
وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الزيت المذكور يخدر أو يسكر، فلا يجوز استعماله أو التداوي به، فكل ما يغطي العقل ويخامره فهو حرام.
ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر حرام.
والمسكر المائع نجس عند جمهور أهل العلم، فيمنع من استعمال هذا الزيت إن كان مسكرا، لنجاسته.
أما إذا لم يكن يسكر، فلا مانع من استخدامه.
ولمزيد من الفائدة، نرجوا الاطلاع على الفتوى رقم: 15576.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1424(6/3264)
حكم السفر للعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[عزيزي د. عبد الله الفقيه
السلام عليكم
آمل تزويدي بأي فتوى تتعلق بحكم السفر للعلاج، كما آمل تزويدي برابط الموقع الذي نجد فيه كل الفتاوى؟
شكراً سلفاً ووفقكم الله لما يرضيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من المسلم به عند أهل العلم أن الوسائل تعطى حكم المقاصد، وتوضيح ذلك أن العلاج في حد ذاته أمر مطلوب ومأمور به شرعاً، فإذا كان العلاج يتوقف على السفر فإن السفر حينئذ يكون مطلوباً، وللتعرف على مشروعية العلاج تراجع الفتوى رقم: 15012.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1424(6/3265)
حكم العلاج في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أين أجد الفتوى الخاصة بتحريم السفر للخارج لغرض العلاج؟
شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان كلام أهل العلم في مشروعية التداوي في الفتوى رقم: 27266.
وإذا كان الدواء مشروعاً ولم يكن ببلدك أطباء متخصصون، أو لم تكن فيه وسائل العلاج الكافية، فإنا لا نعلم فتوى تحرم السفر للخارج بحثاً عن الدواء، ما دام السفر مضبوطاً بالضوابط الشرعية، وكنت قادراً على التكاليف.
وعليك أن تتحرى في جهة السفر، فابحث عن الدواء في بلاد المسلمين، لما يخاف من رؤية المناكر في أرض الكفر ومساكنة الكفار، وصرف المال في فنادقهم ومستشفياتهم وشراء بضائعهم، وإن لم تجد أطباء مسلمين ولا بلداً مسلماً تتمكن فيه من العلاج، فلا مانع شرعاً من ذهابك إلى أرض المشركين بحثاً عن العلاج.
وعلى المرضى أن يحرصوا على الاستقامة والاتصال بالله دائماً، لا سيما في تلك البلاد، حتى لا يموتوا على سوء الخاتمة، وراجع في حكم السفر لبلاد الكفر لغير ضرورة الفتوى رقم: 2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1424(6/3266)
لم يضع الله داء إلا وضع له شفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لدي أخت تعاني من ضيق في التنفس مع العلم بأن جميع صور الأشعة نظيفة والتحليل أيضاً وهي في نفس الوقت تنتابها حالة من الخوف من أشخاص قد ماتوا منذ مدة طويلة وتتضايق من وجود إخوتها معها في نفس الغرفة وهذه الحالة تنتابها عند المغيب وفي منتصف الليل أفيدونا أفادكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عليك أن تعلم أن الله تعالى ما أنزل داء إلا أنزل له دواء، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي فقال: تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع له شفاء ... رواه أصحاب السنن.
وإذا كانت الأخت المذكورة لا تعاني من مرض عضوي، فعليك أن تعرضها على الطبيب النفسي، فقد تكون حالتها النفسية تعيسة، وإذا لم ينفعها أو علم أن حالتها ليست نفسية، فقد تكون من وسوسة الشيطان ومس الجن أو السحر، فعليك أن تقرأ عليها الآيات والأذكار التي تبطل السحر إذا لم تستطع هي قراءتها على نفسها.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها، ففيها من التفصيل عن هذا الموضوع ما يفيدك: 12128، 3086، 11752.
وقبل ذلك وبعده ننصحها بالمحافظة على فرائض الله تعالى، والمحافظة على الأذكار المأثورة في الصباح والمساء وعند النوم والخروج والدخول، فهي حصن المسلم الحصين الذي يحفظه بإذن الله تعالى من كل مكروه، كما ننصحها بالبعد عن المخالفات الشرعية، ويمكنك أن تطلب استشارة نفسية من الموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1424(6/3267)
نزع الحجاب لعلاج مرض في الشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نزع الفتاة حجابها أمام طبيب لتستشيره في شيء يقوي الشعر وليس في مرض في رأسها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تكشف عن عورتها أمام الطبيب الأجنبي إلا لحاجة لا تندفع بغير ذلك، كعدم وجود طبيبة أو طبيب من محارمها، ويشترط ألا تكون هناك خلوة بينها وبينه، وإذا أصيبت المرأة بمرض في شعرها بحيث أصبح يتساقط فهي حاجة تبيح لها كشفه للطبيب بقدر الحاجة، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 10410، والفتوى رقم: 883.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1424(6/3268)
هل يجوز كشف الوجه أمام طبيب للعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..وبعد..
أشكركم على جهودكم المبذولة لتنوير المسلمين..وسؤالي هو: إنني فتاة منقبة وكنت أود أن أذهب للعيادة حيث إن وجهي أصبح مليئًا بالحبوب، ولكن العيادة التابعة لعمل أبي ليس لديهم سوى اختصاصي جلد واحد وهو رجل.. ويمكن أن أذهب لعيادة خاصة ولكن هذا مكلف جدا وإمكاناتنا المادية لا تسمح، فهل يجوز لي أن أكشف وجهي أمامه؟ وجزاكم الله خيرًا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لك الشفاء والحرص على التمسك بنقابك وحجابك. ثم اعلمي أن الأصل أنه لا يجوز للمرأة التداوي عند الرجل الأجنبي مع وجود امرأة أو رجل محرم يقوم بعلاجها، لكن من يسر هذا الدين ورفع الحرج عن المسلمين أن جعل الله لنا الضرورات تبيح المحظورات، والحاجات تنزل منزلة الضرورة.
وعليه فإذا لم تجدي امرأة تقوم بعلاج وجهك، أو وجدتها ولكن بأجرة تجحف بك أو بأبيك، فلا حرج عليك إن شاء الله في الكشف عن وجهك لرجل طبيب من أجل علاجه. وليكن ذلك بحضرة من تنتفي معه الخلوة. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 883، والفتوى رقم: 8107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(6/3269)
قد يوجد دواء يزيل آثار النيكوتين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للتدخين علاج أن يكون مؤثرا للنيكوتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لكل داء دواء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله. رواه مسلم وأحمد.
وقد يوجد دواء مؤثر في إزالة آثار النيكوتين، وعلم ذلك عند الأطباء، فليراجعوا، ومعلوم أن هنالك وحدات وعيادات مختصة في علاج التدخين والإدمان بالكحول والمخدرات، فيلتمس الشفاء عندها. والأهم من ذلك هو ضرورة الإقلاع عن هذه المعصية التي تترتب عليها آثار صحية خطيرة معلومة، وذلك بالتوبة إلى الله تعالى منها، والعزيمة على ترك التدخين.
ولمزيد من الفائدة في ما يختص بحكم التدخين وأضراره راجع الفتوى رقم: 1819.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(6/3270)
التطعيم ضد الأمراض حكمه حكم التداوي من المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الإسلام في التطعيم ضد الأمراض مثل: الشلل، والكزاز ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التطعيم جائز، وقد يكون مستحبًّا، ولا فرق بينه وبين التداوي من مرض نزل بالإنسان، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوقاية من السم والسحر، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: من تصبَّح كل يوم بسبع تمرات عجوة، لم يضره في ذلك اليوم سم، ولا سحر رواه البخاري ومسلم.
وهذا يشبه التطعيم ضد المرض أيًّا كان نوعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(6/3271)
حكم تناول الدواء المحتوي على مادة الجيلاتين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.
الرجاء أن تجيبوني عن حكم الشرع في تناول دواء وصفه الطبيب يحتوي على الجيلاتين لعلاج مرض الروماتيزم، وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمادة الجيلاتين إن أخذت من حيوان مأكول اللحم مذكى ذكاة شرعية فهي طاهرة، ويجوز استعمالها في الدواء وغيره. وأما إن أخذت من خنزير أو ميتة أو حيوان لم يذكَّ تذكية شرعية فيحرم التداوي بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل لكل داءٍ دواء، فتداووا، ولاتتداووا بمحرم. رواه أبو داود.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرّم عليها. رواه ابن حبان.
والمسلم مكلَّف أن يتحرى الحلال فيما يتناوله من طعام ودواء، لا سيما أن البدائل موجودة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1424(6/3272)
حكم إجراء عملية جراحية للإعفاء من الجيش
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي باختصار كنت أعمل في الجيش، ومللت ولم أستطع الخروج، وعرض علي صديق عمل عملية جراحية أخرج بها من الجيش، ودفعت مبلغا من المال نظير ذلك، عندما دخلنا المستشفي لإجراء العملية، اتضح أني فعلا محتاج لعملية، ولذلك عملت لي، أما صديقي فلم يحتج العملية، وبذلك لم يخرج من الجيش، وأنا خرجت بعذر طبي ... ما رأي فضيلتكم في الأموال التي دفعتها والأموال التي أخذتها عند خروجي من الجيش؟ أرجوكم أنا ضميري لم يهدأ يوما ولكن كانت حالتي النفسية في أسوأ حالتها عندما وافقت على ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا الجيش جيشًا إسلاميًّا، يهدف إلى حفظ الإسلام والمسلمين، وتقوية شوكتهم على عدوهم، فلا يجوز التهرب منه لمن تعينت عليه الخدمة فيه، والتحايل على ذلك بعملية جراحية أو غيرها حرام لا يجوز. وإذا كان هذا الجيش ليس جيشًا إسلاميًّا، فلا يجوز البقاء فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتله جاهلية. رواه مسلم.
ولا حرج على من اضطر للخلاص من هذا الجيش إلى إجراء عملية جراحية أو نحو ذلك إذا كان لا يترتب عليها ضرر، ويغلب على الظن نجاحها، وكذلك إذا كان ضررها أقل من ضرر بقائه في هذا الجيش كأن يغلب على ظنه أنه متى ما بقي في هذا الجيش يتعرض للقتل أو يؤمر بقتل نفس معصومة أو يعاون على ذلك، ونحو ذلك من المفاسد الراجحة عملاً بقاعدة: ارتكاب أخف الضررين، وفعل أهون الشرين، هذا إذا تعينت الجراحة الطبية طريقًا للخلاص من هذا الجيش.
أما إذا كان يمكن الخلاص منه بما لا ضرر فيه أو بما هو أخف ضررًا من هذه العملية فلا يجوز الإقدام عليها، إلا إن كان محتاجًا إليها فعلاً.
وراجع للأهمية الفتوى رقم:
11290، والفتوى رقم: 15847.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1424(6/3273)
الحجامة دواء نافع للبدن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تفيد الحجامة في علاج شرايين القلب وعضلة القلب وهل لها من آلام موجعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحجامة من الأدوية المفيدة لجسم الإنسان، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت بالتجربة العملية.
ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم، أو شربة من عسل، أو لذعة بنار وما أحب أن أكتوي.
وفي رواية البخاري: وأنهى أمتي عن الكي.
والحجامة ليست فيها آلام لأنها مجرد ضغط المحجم بواسطة الهواء.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل عن الحجامة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 17477.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1424(6/3274)
حكم إجراء المرأة فحوصات لدى طبيب بغية الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل تزوجت منذ سنتين وإلى الآن لم يكتب الله لي الولد، فهل يجوز لي ولزوجتي الذهاب إلى الطبيب لعمل الفحوصات اللازمة للتأكد من قدرتنا على الإنجاب، مع العلم بأنه سيكون هناك كشف للعوره ونحن نعيش في دولة أجنبية.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
وبعد فإنه يجب الاعتناء بما يتم به حفظ العورات، ومن ذلك أن لا يكشف الطبيب الذكر على المرأة إلا عند الضرورة، وعند عدم وجود طبيبة تغني عنه، وفي حال الاضطرار إلى الطبيب الذكر يجوز الذهاب إليه مع عدم الخلوة والبعد عن نظر ومس ما لا يحتاج إلى نظره، ومما يدل لجواز مداواة الذكرِ المرأةَ عند الضرورة ومداواة المرأةِ الرجلَ كذلك، حديث البخاري الذي رواه عن الربيع بنت معوذ قالت: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى".
وبوب عليه البخاري فقال:
باب مداواة النساء الجرحى
ويدل لاشتراط عدم الخلوة عموم حديث الصحيحين: "لا يخلونّ رجل بامرأة"، وللمزيد من التفصيل في الموضوع راجع الفتاوى التالية أرقامها: 10410 30384 8107 16086 20549
وأما عن حالة سؤالك هذه فينبغي أن تبحث لعلك تجد امرأة طبيبة تكشف على زوجتك، فقد سئل الشيخ الجبرين عن متزوج منذ أكثر من أربع سنوات ولم تنجب زوجته فهل يكشف عليها الدكتور؟ فأجاب: لا يجوز للرجل أن يكشف على المرأة في ما يتصل بالعورة إلا عند الضرورة وحالة الضيق، وهنا لا ضرورة، ففي الإمكان تأخير الكشف حتى تجد امرأة عارفة بأمور النساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1424(6/3275)
لا مانع من أخذ الوقاية من المرض قبل حدوثه
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ الدواء احترازا من الداء أي قبل وقوع المرض؟ وهل يدخل ضمن ذلك التطعيمات سواء للأطفال أو تطعيم العمرة والحج؟
2- ما حكم الولادة القيصرية؟ وما حكم تصوير الجنين وهو في بطن أمه لمعرفة حالته الصحية.. أو لتحديد جنسه؟
3- إذا كانت المرأة في حالة وضع وذهبت إلى المستشفى والقائمات على التوليد غير مسلمات، ماذا يجب عليها؟
خصوصا أن أغلب الممرضات في المستشفى هن من الهنود أو الفلبينيات وأكثرهن غير مسلمات؟
4- ما حكم استعمال البنج في العمليات الجراحية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم نهياً من النبي صلى الله عليه وسلم عن تناول الدواء وأخذ الوقاية من المرض قبل حدوثه، وقد سبقت لنا الفتوى رقم:
10079، والفتوى رقم: 15012 وفيهما جواز ذلك، وأنه لا ينافي التوكل على الله تعالى.
وأما الولادة بعملية قيصرية فلا حرج فيها إذا احتاج الأمر إلى ذلك، ولم تتمكن المرأة من الولادة الطبيعية.
وأما تصوير الجنين لمعرفة حالته الصحية أو لمعرفة جنسه ونحو ذلك فلا حرج فيه لعدم المانع من ذلك ولمصلحة الاطمئنان عليه إلا إذا ترتب على ذلك محذور شرعي، كأن يكون الذي يكشف على المرأة رجل أجنبي، أو امرأة كافرة، ويطلع على عورتها، فلا يجوز إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
وأما توليد الكافرة للمسلمة، فلا يجوز إلا إذا لم توجد المولدة المسلمة فلا حرج في الولادة عند الكافرة، وتقدم على الرجل الأجنبي، كما سبق في الفتوى رقم: 8107، والفتوى رقم: 23613.
وأما استعمال التخدير لإجراء عملية جراحية فقد سبق مفصلا في الفتوى رقم:
28553.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(6/3276)
مواصة العلاج مطلوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر بألم في الصدر وأجريت الكشف الطبي ورسم قلب ووجدت ضربات سريعة بالقلب وأجريت عمل موجات صوتية على القلب وكانت النتيجة سليمة واستعملت دواء كوردانور وتحسنت بعض الوقت، ولكني أشعر بالألم في الصدر أحيانا وضيق بالتنفس مساءً أو عند الاستيقاظ من النوم صباحاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصحك بمواصلة العلاج والبحث عن الطبيب الحاذق الثقة. واعلم أن الله تعالى لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء، كما في الحديث الذي رواه أحمد من حديث أسامة بن شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تداووا عباد الله، فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا وأنزل معه شفاء. وفي لفظ داود: جهله منكم من جهله، وعلمه منكم من علمه.
ففي هذا الحديث فتح باب الأمل واسعاً لكل مريض مهما كان مرضه أن يشفيه الله ويعافيه من بلائه، وفيه كذلك ربط الأسباب بالمسببات، فاحرص على طلب العلاج ونسأل الله لك العافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1424(6/3277)
لا يشترط في الحجام سوى الخبرة بالحجامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العلاج بالحجامة شرعي أم لا؟ وإذا كان شرعيا فهل أي شخص يقوم به أم توجد مواصفات دينية خاصة؟ أم يجب أن يكون طبيبا؟ أخيراً إن أمكن من فضلكم أسماء وعناوين بعض الذين يعالجون بالحجامة للأهمية القصوى.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتداوي بالحجامة مشروع كما سبق بيانه في الفتوى رقم:
17477، والفتوى رقم: 18622.
ولا يشترط في الحجَّام سوى الخبرة بالحجامة وقد نص الفقهاء على أنه لا يضمن إذا فعل ما أمر به من قبل من يعتبر إذنه، وكان مجيداً للحجامة، ولم يتجاوز ما ينبغي له فعله.
أما بخصوص إرسال أسماء أو عناوين من عرفوا بالحجامة فنعتذر عنه، ونسأل الله عز وجل أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1424(6/3278)
حكم العلاج بذكر الاسم المفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد:
هل يجوز العلاج بأسماء الله الحسنى منفردة أي استعمال اسم من أسماء الله الحسنى على عضو دون غيره؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان ذكر هذا الاسم في سياق الدعاء مثل: يا حي أو يا قيوم ليدعو بعده بالشفاء مثلاً فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، إلا أنه ينبغي أن يختار الأسماء التي تناسب مقام الاستشفاء، إذ من الأفضل للداعي أن يختار من الأسماء ما يناسب حاله كما سبق بيانه بالفتوى رقم: 28286.
وإن كان ذكر هذا الاسم على سبيل ذكر الله تعالى فلا يجوز، إذ أن الذكر بالاسم المفرد ليس له أصل في الشرع، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: والذكر بالاسم المفرد مظهراً ومضمراً بدعة في الشرع وخطأ في القول واللغة، فإن الاسم المجرد ليس هو كلاماً لا إيماناً ولا كفراً وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل الكلام بعد القرآن أربع، وهن من القرآن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. انتهى.
ويعني بقول الصحيح الحديث الصحيح، إذ أن الحديث رواه أحمد في مسنده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1424(6/3279)
التبول اللاإرادي هل له علاج في الطب النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك علاج للتبول اللاإرادي في الطب النبوي أو آيات معينة يمكن قراءتها للشفاء منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتبول اللإرادي أنواع، وله أسباب مختلفة عضوية ونفسية، ويختلف باختلاف الأعمار، لذا ننصح أن يعرض السائل نفسه على الأطباء المختصين، وننوه بأن في الشبكة قسماً للاستشارات في هذا النوع، فتمكن السائل مراسلته، وهو تابع لقسم البحوث بالشبكة الإسلامية، ولكن يظهر من السؤال أن المقصود هو التبول الذي يكون في حال اليقظة، ولا يمكن للشخص التحكم فيه، وهو ما يعرف عند الفقهاء بسلس البول. وهذا يلتمس علاجه عند الأطباء. وقد وقفنا على كلام للعلامة ابن القيم رحمه الله في علاج سلس البول بعود الطيب، يراجع في كتابه: الطب النبوي (1/266) ، وكتابه: زاد المعاد (4/344) . فعلى السائل ألا ييأس من العلاج، وأن يلتمس الأسباب المؤدية له، ويستعمل الأدوية التي توصف له من أهل الخبرة والاختصاص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله رواه أحمد عن أبي هريرة. أما بخصوص آيات معينة يمكن قراءتها للعلاج من السلس فلا نعلم ذلك، ولا نعتقده، ولكن القرآن كله شفاء وليقرأه المريض بنية الشفاء، خاصة سورة الفاتحة وآيات الشفاء، أي التي ذكر فيها لفظ الشفاء مثل: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] . وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80] . وكذلك أدعية الاستشفاء مثل: اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً. روى حديثه أحمد. وأن يضع الإنسان يده على موضع الألم ويقول: (بسم الله) ثلاث مرات، و (أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) سبع مرات. روى حديثه الإمام مسلم وغيره. وأخيراً نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1424(6/3280)
جواز ترك الدواء لمن علم من نفسه الصبر على المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل طبيباً أعاني من دوخة منذ 3 سنوات أجريت فحوصات كثيرة في هذه الفترة فلم أجد شيئا، قال لي صديق يعالج بالقرآن هذا مس من الشيطان أدعو الله دائما لرفع هذا البلاء وأحب أن أسال: 1- هل الدعاء يتعارض مع الصبر؟ 2- كيف لي أن أعرف إذا كان هذا مس من الشيطان؟ 3- هل لي أن أرقي نفسي أم أجعل غيري يرقيني؟ 4- تكثر علي هذه الدوخة أثناء فعل الطاعات مثلا أثناء صلاة الجماعة، فماذا أفعل؟ 5- هل ترك الفحوصات (بعد أن سئمت منها) فيها مخالفة شرعية؟ 6- هل التداوي أفضل أم تركه والصبر أفضل؟ 7- كيف أكون فعلا من الصابرين الذين يوفون أجرهم بغير حساب؟ 8- أنا أحفظ القرآن وأكثر من قراءته أفلا يرد هذا عني كيد أي شيطان؟ 9- هل كتمان هذا الأمرعن المقربين لي فيه مخالفة شرعية؟ 10- كيف أعرف إذا كان هذا ابتلاء بسبب معاصٍ قد يرتكبها المرء أحيانا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا نرجو الله أن يشفيك كما نهنئك على حفظ القرآن والاهتمام بالدين بارك الله فيك وزادك حرصاً وعافاك. وإليك جواب ما تسأل عنه: 1- لا يتعارض الدعاء مع الصبر، فقد يصبر الإنسان على القضاء ويدعو الله أن يكشف عنه ما أصابه فيجمع بين الصبر والدعاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد المرضى للدعاء، فقد قال لعثمان بن أبي العاص لما شكا وجعا يجده في جسده: ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: باسم الله ثلاثا. وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه مسلم. ولكن إذا كان الإنسان يستطيع الصبر على بقاء المرض والبلاء عليه محتسبا الأجر عند الله فهذا أفضل، لحديث الصحيحين أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها. فقد استنبط ابن حجر في فتح الباري من هذا الحديث مسائل منها: أن الصبر على البلاء يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة وجواز ترك التداوي، وأن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنفع من العلاج بالعقاقير. 2- لمعرفة مس الشياطين راجع الفتوى رقم: 12589. 3- لك أن ترقي نفسك أو أن تسترقي غيرك إذا كان صحيح المعتقد سالماً من الدجل والشعوذة. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اعرضوا علي رُقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً. رواه أبو داود وصححه الألباني. وقد رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك. رواه مسلم. 4- الدوخة التي تصيبك من مظاهر المس وعلاجها بعلاج المس. 5- لا حرج في ترك الفحوص بعد أن علمت أنه لا جدوى فيها. 6- ثبت أن الأعراب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أتتداوى؟ قال: تداووا؛ فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم، ووافقهم الذهبي والأرناؤوط والألباني. وقد اختلف في جواز التداوي وندبه ووجوبه أو أنه خلاف الأولى، وراجع في هذا الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9729، 25308، 4214، 27266، 30645. وقد سبق أن ذكرنا استنباط ابن حجر من حديث الصحيحين جواز ترك الدواء لمن علم من نفسه الصبر على المرض. 7- مما يعين على اكتساب صفة الصبر استشعار فضائل الصبر، وهي كثيرة منها: - أنه سبب لتأييد الله تعالى ونصره، لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] . - أنه سبب لمحبة الله، لقوله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146] . - أنه تنال به الإمامة في الدين، لقول الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] . -أن الصابرين بشروا بثناء الله وهدايته ورحمته، قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] . - الجنة؛ كما في حديث المرأة السابقة الذكر وفي قوله تعالى: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:15] . ثم ذكر صفات المتقين وذكر منها الصابرين والصادقين والقانتين، إلى غير ذلك من فضائل الصبر الموجودة في الوحي قرآنا وسنة. وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين أن مما يعين على الصبر ملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح ولذة الفرج، وتهوين البلاء بتذكر النعم الماضية والحالية، وقد ذكر ابن كثير في التفسير أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: الصبر في بابين: الصبر لله بما أحب وإن ثقل على النفس والأبدان، والصبر عما كره وإن نازعت إليه الأهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين. انتهى. 8- مما لا شك فيه أن قراءة القرآن تنفع صاحبها لقول الله تعالى: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً [الإسراء:45] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم. وفي صحيح ابن حبان والحاكم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليالٍ. صححه الحاكم وحسنه الألباني. لكن لا بد أن يكون القارئ قوي اليقين والتوكل، سليم المعتقد، بعيداً عن موانع إجابة الدعاء، وراجع في هذه المسألة الفتوى رقم: 9800، والفتوى رقم: 5241. 9- لا حرج في كتمان هذا الأمر عن الأقارب، ولاسيما إذا كان إظهاره لهم يؤدي لاتهامهم لك بالجنون، علماً بأن الإخبار بالمرض لا ينافي الصبر، فقد ذكر القرطبي في تفسيره أن إظهار البلوى على غير وجه الشكوى لا ينافي الصبر، قال الله تعالى في قصة أيوب عليه السلام: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [صّ:44] ، مع ما أخبر الله عنه أنه قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ [الأنبياء:83] . 10- مما لا شك فيه أن الله تعالى قد يبتلي عبده بسبب المعاصي لعله يتوب كما قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] ، وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] ، وقد يحصل الابتلاء كما قال ابن حجر من ظلم الجن، وقد يحصل بسبب آخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1424(6/3281)
كشف العورة للطبيب بغرض التداوي
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بي مرض في عورتي هل يجوز الذهاب إلى الدكتور والكشف عنها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز كشف العورة للطبيب بغرض التداوي باتفاق أهل العلم، علماً بأنه لا يجوز أن يكشف من العورة أكثر مما يحصل به التداوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1424(6/3282)
حكم ترك التداوي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أفيدوني أهل العلم جزاكم الله خيراً
أنا على وشك الولادة وقد سمعت عن آلام الولادة وأجرها عند الله، سؤالي: هناك من نصحني من النساء بأخد حقنة مسكنة أثناء الولادة لتسكين الآلام وهي تعطى أثناء الولادة وأنا مغتربة في أمريكا والدكاترة هنا يستخدمون هذه الحقنة بكثرة، فهل استعمالى لها ينقص من الأجر أو أجري باق عند الله وهذا تطور فى العلم؟
والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن المرأة تلاقي صعوبات جمة فترة حملها وأثناء وضعها له كما بين ذلك الله جل وعلا بقوله: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً [الاحقاف:15] .
وقد يسر الله تعالى بفضله في هذا الزمان من وسائل الطب ما يخفف عن المرأة بعض ما كانت تجده في السابق من كربات.
وعلى هذا فنقول للسائلة إن كان في تركك لهذه الأدوية ما يسبب ضرراً عليك وعلى حياة الجنين، فلا يجوز لك ترك استعمالها لما في ذلك من تعريض نفسك للموت وقد قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم [النساء:29] .
أما إن ثبت عدم وجود ضرر في ترك استعمال تلك الأدوية فأنت بالخيار بين استعمالها أو تركها، ولا شك أن ترك التداوي في هذه الحالة أفضل لأنه حال الأنبياء والصالحين قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: التداوي غير واجب ومن نازع فيه خصمته السنة في المرأة السوداء التي خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين الصبر على البلاء ودخول الجنة وبين الدعاء بالعافية فاختارت البلاء والجنة، إلى أن قال: وخصمه حال أنبياء الله المبتلين الصابرين على البلاء حين لم يتعاطوا الأسباب الدافعة له مثل أيوب عليه السلام وغيره، وخصمه حال السلف الصالح كأبي بكر الصديق رضي الله عنه حين قالوا له ألا ندعو لك الطبيب قال: قد رآني، قالوا فما قال لك، قال: إني فعال لما أريد، ومثل هذا ونحوه يروى عن الربيع بن خثيم وعمر بن عبد العزيز وخلق كثر لا يحصون عددا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(6/3283)
ضوابط جواز التداوي بدواء من الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من بعض التشققات في رجلي، ووصف لي الطبيب مرهماً مصنوعاً من مخ عظام الخنزير؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز الانتفاع بالخنزير، لأنه نجس محرم لكن إذا كان لضرورة العلاج، ولم يوجد غيره من المباحات ما يقوم مقامه، فلا مانع حينئذ من استعماله بقدر الضرورة، لقول الله تعالى: فمنِ اضْطُرّ غيْر باغٍ ولا عادٍ فلا إِثْم عليْهِ إِنّ الله غفُورٌ رحِيمٌ [البقرة:173] .
وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم:
6104.
علماً بأن المواد الخنزيرية تستحيل في العادة إلى مواد أخرى تأخذ حكماً جديداً، كما بيناه في الفتوى رقم: 6783.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(6/3284)
حول تطبيب المرأة الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي طبيبة ولها عيادة خاصة هل يجوز لها تطبب الرجال؟ مع العلم أن هناك أطباء (رجال) مختصين بالمنطقة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدمت الإجابة على موضوع علاج المرأة للرجال تحت الرقم: 10631 وننصح السائلة بأن تجعل عيادتها خاصة بالنساء، وهي بذلك تكون قامت بجهد مشكور، وقدمت لأخواتها خدمات جليلة تساهم في التقليل من ذهابهن إلى عيادات الرجال، ومثل هذا إن صاحبته نية خالصة يكون من أعظم القربات لاسيما في هذه الأيام التي بلغ فيها السيل الزبى واختلط الحابل بالنابل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(6/3285)
المرجع في تحديد طرق العلاج هم الأطباء الحاذقون.
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بنت خال وقد أصيبت بالسرطان في إحدى رجليها وبترت ولكن انتشر في أغلب جسمها وقد قال لها أغلب أهلها لماذا بترت رجلها، وهي تعاني الآن أيضاً الألم الشديد من رجلها الأخرى خاصة ولا تدري ماذا تفعل أتبترها أم تدعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يأجر هذه المرأة وأهلها على تلك المصيبة, وأن يجزيهم عليها جزاء الصابرين المحتسبين، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] .
وقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] .
وقد علمنا من شرع الله تعالى أن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، والمرجع في تحديد طرق العلاج أهل الخبرة والعلم بالشأن، وهم الأطباء الحاذقون فما يقررونه بغالب الظن يكون هو النافع إن شاء الله، وما علينا بعد ذلك إلا أن نستعين بالله تعالى في وسيلة العلاج لما ابتلينا به من أمراض، ولمزيد من الفائدة في هذا الصدد راجع الفتوى رقم: 16940، والفتوى رقم: 19134.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1424(6/3286)
هل يعجل الدواء الشفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على هذا الجهد المبارك
سؤالي هو: هل الشفاء من المرض مرتبط بالدواء؟ بمعنى هل الدواء يعجل بالشفاء، أرجو الإجابة على هذا السؤال بالأدلة الشرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء. متفق عليه.
وعن أسامة بن شريك قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى، فقال: نعم يا عباد الله، تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاء غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهِرم. رواه أحمد.
قال ابن القيم: فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها، والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل ولا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وإذا تقرر هذا، فإذا كان هذا الدواء مما جعله الله شفاء لداء معين، فاستعمله صاحب الداء، برأ بإذن الله، وتعجل له بسبب ذلك الشفاء بإذن الله، لكن لا بد من اعتماد القلب على الله في حصول الشفاء؛ لأن الشفاء لا يكون إلا بإذنه كما قال تعالى: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80] ، وقوله: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ [الأنعام:17.]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالالتفات إلى الأسباب - كاستعمال الدواء دون توكل على الله -شرك في التوحيد- أي لعدم اعتماد القلب على الله - ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع.
واعلم أنه قد يشفى الإنسان بدون تعاطي دواء، فقد يشفى بما ييسره الله له من دعوة مستجابة أو رقية نافعة، أو قوة للقلب وحسن توكل، ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(6/3287)
تداوي المرأة عند الطبيب حال وجود طبيبات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تتعامل مع طبيب نسائي من اختصاصه التوليد مع العلم أنه يوجد في ذات المنطقة الكثير من الطبيبات المتخصصات وذوات الخبرة أم أن ذلك مكروه؟ وهل يجوز التعامل مع طبيب بصفة عامة من الجنس الآخر مع وجود طبيبة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم على المسلمة أن تتعالج عند طبيب التوليد إذا كان رجلاً مع وجود غيره من الطبيبات، ولو كنَّ غير مسلمات فيقدمن على الطبيب الرجل ولو كان مسلماً.
وذلك لأن أمراض النساء تحتاج إلى الكشف على عوراتهن، وهذا لا يجوز إلا في حالة الضرورة، والضرورة هنا معدومة لوجود الطبيبات المختصات.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل والأدلة وأقوال العلماء نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 10410 - والفتوى رقم: 8107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(6/3288)
التخدير الجراحي.. رؤية شرعية طبية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أو هل هو حلال وضع مخدر للمعالجة؟ وجزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحاجة إلى التخدير في الجراحة الطبية لا تخلو من ثلاث حالات كما جاء في كتاب أحكام الجراحة الطبية للدكتور محمد الشنقيطي حيث قال (بتصرف) :
الحالة الأولى: أن تصل إلى مقام الضرورة: وهي الحالة التي يستحيل فيها إجراء الجراحة الطبية بدون تخدير كما في جراحة القلب المفتوح ونحوها من أنواع الجراحة الخطيرة والتي إذا لم يخدر فيها المريض فإنه سيموت في أثناء الجراحة أو بعدها بقليل.
الحالة الثانية: أن تصل إلى مقام الحاجة: وهي الحالة التي لا يستحيل فيها إجراء الجراحة الطبية بدون تخدير، ولكن المريض يلقى فيها مشقة فادحة لا تصل به إلى درجة الموت والهلاك، وهي الحالة المتوسطة، ومن أمثلتها جراحة بتر الأعضاء.
الحالة الثالثة: وهي التي لا تصل إلى مقام الضرورة والحاجة: حيث يمكن فيها إجراء الجراحة الطبية دون أن يخدر الشخص المريض ويلقى فيها بعض الآلام البسيطة التي يمكنه الصبر عليها دون أن تلحق به مشقة فادحة في الغالب، ومن أمثلتها: قلع السن في بعض حالاته.
إلى أن قال: وإذا تبين لنا وجود الحاجة الداعية إلى التخدير الجراحي فإنه يمكن القول بجواز فعله سدًّا لتلك الحاجة، فما كان منها بالغاًّ مبلغ الاضطرار يعتبر جوازه مخرجاً على القاعدة الشرعية التي تقول: الضرورات تبيح المحظورات. وما كان منها بالغاً مبلغ الحاجة يعتبر جوازه مخرجاً على القاعدة الشرعية التي تقول: الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة. وما كان منها دون مقام الحاجة يرخص في اليسير من المخدر بناء على ما نص عليه الفقهاء المتقدمون رحمهم الله تعالى من جواز استعمال المخدر في التداوي. انتهى
قال الإمام ابن عابدين الحنفي رحمه الله: قدمنا في الحظر والإباحة على التاترخانية أنه لا بأس بشرب ما يذهب بالعقل لقطع نحو أكلة، أقول: ينبغي تقييده بغير الخمر، وظاهره أنه لا يتقيد، بنحو بنج من غير المانع. انظر حاشية ابن عابدين 5/408.
وقال صاحب تبصرة الحكام 2/169: إذا كان شارب الخمر أو النبيذ حراًّ مسلماً مكلفاً وشربه مختاراً غير ضرورة ولا عذر فإنه يجلد ثمانين، ثم قال بعد ذلك: والظاهر جواز ما سقي من المرقّد لأجل قطع عضوٍ ونحوه، لأن ضرر المرقد مأمون وضرر العضو غير مأمون. انتهى
وقال الإمام النووي الشافعي رحمه الله: ولو احتيج في قطع اليد المتآكلة إلى زوال عقله هل يجوز ذلك؟ يخرج على الخلاف في التداوي بالخمر، قلت: الأصح الجواز. انظر روضة الطالبين: 1/171.
وقال المرداوي الحنبلي رحمه الله في الإنصاف 8/438: قال في الجامع الكبير: إن زال عقله بالبنج نظرت: فإن تداوى به فهو معذور، ويكون الحكم فيه كالمجنون. وإن تناول ما يزيل عقله بغير حاجة كان حكمه كالسكران والتداوي حاجة. انتهى، وللفائدة يراجع الفتوى رقم:
1994.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1424(6/3289)
فتاوى تتعلق بالطبيب تجاه المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأحكام والواجبات اللازمة للطبيب تجاه مريضه؟ وجزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكلام عن الأحكام والواجبات اللازمة للطبيب تجاه مريضه كثيره جداً.
ولكن نحيل السائل على بعض الفتاوى التي يجد فيها شيئا مما سأل عنه.. فليراجع مثلا الفتاوى التالية:
18906 -
19123 -
16684 -
5852 -
5178 -
1691.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(6/3290)
فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أصيب أبي بمرض سرطان الرئة عافاكم الله وهو الآن يعاني من الآم حادة وقد أشار طبيبان اثنان أنه خلال المرحلة الأخيرة من المرض ستتضاعف هذه اللآلام وأن الحل هو إعطاؤه أقراص (بالفيوم) التي تحتوي على نوع من المخدرات ما هو حكم ذلك مع العلم أن أبي يتعذب جدا وهو لا يعلم طبيعة مرضه إذ أنني أخفيت الحقيقة عن كل العائلة الرجاء الإفادة والتفصيل.
جازاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تأكدت أنه لا يجود بديل عن هذه الأقراص، فلا حرج في تناولها، لأن هذا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات، قال الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام:119] .
وقال تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:173] .
وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) [التغابن:16] .
نسأل لنا ولكم الشفاء من جميع الأمراض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(6/3291)
حكم إرسال صورة عضو لطبيب عبر الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إرسال صورة من أعضاء الجسم إلى طبيب مختص في الإنترنت لمعرفة المرض؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس أن ترسل صورة عضو من أعضاء الجسم إلى طبيب مختص عبر الإنترنت من أجل معرفة المرض، إلا إذا كانت الصورة للعورة المغلظة فلا يجوز إرسالها، ولا الاطلاع عليها من قبل الطبيب إلا في حالة الضرورة أو الحاجة الشديدة، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 13059 - والفتوى رقم: 12942 - والفتوى رقم: 8107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1423(6/3292)
طلب العلاج لأجل الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة عندها خمسة أبناء ولها سنوات لم تلد فهل يجب أن تتعالج لكي تلد؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه المرأة لا يلزمها طلب العلاج لأجل الإنجاب، وإن فعلت ذلك فهو أولى وأحرى، لأن الشرع الحكيم قد حث على كثرة النسل، لما يترتب على ذلك من تكثير الأمة المسلمة.
روى أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً، ويقول: "تزوجوا الودود الولود إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة".
وروى هذا الحديث أصحاب السنن بلفظ آخر.
فلتحرص هذه الأخت على هذا التوجيه النبوي، ولا تيأس في طلب العلاج، فإنه ما من داء إلا وله دواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(6/3293)
حكم إكراه المريض على تناول الدواء - أنواع الإكراه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في إكراه الطبيب لمريض على إعطائه الدواء، وما هي أنواع الإكراه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإكراه الطبيب للمريض على أخذ الدواء يختلف حكمه باختلاف حال المريض ونوع المرض، فإذا كان المرض مما يُخشى منه على المريض التلف أو الهلاك، فلا شيء على الطبيب في إكراه المريض على تناول الدواء الذي يقيه ذلك ولو بغلبة الظن، ولا يبعد أن يكون ذلك الإكراه واجباً، لأن تركه له يؤدي إلى هلااك المريض في غالب الظن، وفي هذا إعانة له على قتل نفسه، وقد قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29] .
أما إذا كان المرض خفيفاً، ولا يخشى على صاحبه من الهلاك بسببه، فإن إكراه الطبيب له على تناول الدواء مكروه في هذه الحالة، لما فيه من التشويش عليه.
قال النووي في المجموع: ويستحب ألا يُكرَه المريض على الدواء وغيره من الطعام. انتهى
وقال الشنوبري في حاشيته على الغرر البهية: قال في الروضة: ويُكره إكراهه على تناول الدواء. الظاهر أن هذا إن لم يعلم أو يظن أن تركه يفضي إلى الهلاك كما قيل في أصل التداوي. انتهى
وقد سبق بيان حكم التداوي والخلاف الواقع بين الفقهاء فيه مع ذكر الراجح في الفتوى رقم:
27266.
أما عن أنواع الإكراه، فإن تقسيمه يختلف باختلاف الاعتبار الذي قُسم على أساسه، ونبين ذلك على النحو التالي:
أولاً: الإكراه مصدر حصوله من المكره عليه وهو قسمان:
- إكراه على قول.
- إكراه على فعل.
ثانياً: الإكراه باعتبار الفعل الذي يكره عليه وهو قسمان:
- إكراه على ما تبيحه الضرورة كالأكل والشرب ونحوهما.
- إكراه على ما لا تبيحه الضرورة كالقتل والضرب وإفساد المال.
ثالثاً: الإكراه باعتبار الفعل الصادر من المكِره وهو قسمان:
- إكراه ملجئ، كالتهديد بالقتل ونحوه من قادر عليه، كسلطان أو قاطع طريق، وهذا يُسمى بالإكراه الكامل.
- إكراه غير ملجئ، وهو ما لا يوجب الإلجاء والاضطرار، كالقيد والحبس والضرب الذي لا يُخشى منه التلف، وهذا يُسمى بالإكراه الناقص.
وقد استفدنا هذا التقسيم من بعض كتب الفقه عند الحنفية والظاهرية وغيرهم، وموضع البسط في هذا كتب الفروع، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
24683.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1423(6/3294)
ترك العلاج هل يعتبر انتحارا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
إذا قال الطبيب لإنسان إذا لم تشرب هذا الدواء لمدة معينة فإنك ستعرض نفسك للموت فهل يعتبر هذا الإنسان منتحراً إذا توقف عن الدواء فمات علماً بأنه لم ينو الانتحار وأنما سئم من كثرة الدواء وطول المدة؟ وبارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه المسألة مبنية على حكم التداوي؟ وللعلماء مذاهب في ذلك.. فذهب الجمهور إلى الإباحة، وذهب الشافعية وبعض الحنابلة إلى الاستحباب، وذهب جمهور الحنابلة إلى أن ترك التداوي أفضل، وأوجبه الظاهرية ووافقهم الشافعية في حالة تيقن المريض أن الدواء ينفعه، مثل: عصب الجرح الذي ينزف. والأصل في الأمر بالتداوي حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي والحاكم وجماعة عن أسامة بن شريك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عباد الله تداووا، فإن الله ما وضع داء إلا وضع له دواء إلا داء واحداً، فسئل عنه فقال: الهرم.
والذي نراه من حيث أصل التداوي الإباحة؛ إلا إذا غلب على ظن المريض أو الطبيب أن ترك تناول الدواء يكون سبباً في الموت، ففي هذه الحالة نرى أنه يجب عليه تناول الدواء ولو طال أمد استعماله لأن الله تعالى نهى عن قتل النفس، وترك التداوي في هذه الحالة سبب لذلك، قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29] .
ونهى سبحانه وتعالى عن إلقاء النفس في التهلكة بقوله: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] .
لكن هذا الرجل لا يعتبر منتحراً؛ وإنما يأثم لتركه التداوي إذا كان قادراً عليه وعالماً بنفعه له وبما يترتب له على تركه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1423(6/3295)
حكم العلاج عند المدلكة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذهاب أوإتيان مدلكة في العلاج الطبيعي وذلك لغرض عمل المساج وتدليك الجسم من قبل امرأْة أجنبية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المسؤول عنها امرأة فالجواب قد تقدم في الفتوى رقم:
18716 - والفتوى رقم:
14111.
وأما إن كان المسؤل عنه رجلاً فلا يجوز لمسلم أن يمكِّن امرأة أجنبية من مسه أو تدليكه أو النظر إليه، وقد قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:30-31] .
وروى أبو داود عن معقل بن يسار رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن أحدكم في رأسه بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.
ومعلوم أن اللمس أشد تحريماً من النظر. والتدليك من امرأة أجنبية لرجل أشد تحريماً من اللمس، فلا يجوز لمسلم أن يفعل ذلك، ولا أن يمكن امرأة أن تفعل به ما حرم الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1423(6/3296)
وسائل الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تسطيع المرأة الإنجاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تزوجت ولم يتيسر لها الإنجاب فلتلجأ إلى الله سبحانه بالدعاء، فإنه على كل شيء قدير، وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، فهذا نبي الله زكريا عليه السلام كبرت سنه وعقمت زوجته ولم ييأس من ذلك فاستجاب له ربه سبحانه حين دعاه قائلاً: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38] .
ولها أن تسأل أهل الاختصاص من الأطباء الموثوقين، فإن الله قد جعل لكل داء دواء علمه من علمه وجهله من جهله.
فإذا لم يكتب الله الذرية فما هنالك إلا الرضا بأمر الله وقضائه وقدره، والله لا يقدر للعبد إلا الخير، ولا يختار له إلا ما فيه صالحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1423(6/3297)
موقف الشرع من دراسة الرجال لطب النساء والولادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دراسة مادة النساء والولادة لطلبة سنة رابعة طب علما بأن دراستها إجبارية وليس لدينا أي طموح للتخصص في هذا المجال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من دراسة الرجال لطب النساء والولادة إن دعت لذلك الضرورة، بل قد تكون دراستهما مطلوبة، إن كان المجتمع محتاجاً لذلك، ولم يوجد من النساء من يضطلع بهذه المهمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1423(6/3298)
حكم الحقن التي تحتوي على نجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما حكم إلزام حقنة (meningococol quadrivalent) لحجيج ماليزيا التي يحتوي على موادDNA من خنزير أرجو منكم إجابة سريعة لحل مشاكلنا؟. جزاك الله خيراً كثيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في التداوي بالنجاسات الحرمة، لأن كل نجس محرم، ولأن النجس من الخبائث، والله تعالى يقول: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] .
وإن الدول تفرض على الأفراد الذين يخرجون للحج، أن يحقنوا أنفسهم ببعض الأمصال الطبية للوقاية من الأمراض، حفاظاً على حياة الناس وصحتهم، وتجنباً للأمراض سريعة الانتشار، والذي نعرفه عن هذه الأمصال أنها طاهرة لا شيء فيها، لكن إذا ثبت لديكم أن هذه الأمصال تحتوي على مواد من الخنزير، فلا يجوز لكم الاحتقان بها لدخولها في حكم الدواء النجس، لكن إذا لم تجدوا غيرها وكان الحج هو حج فريضة بالنسبة لكم، جاز لكم الاحتقان بها، والإثم على من ألزمكم بذلك، قال الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173] .
ولمعرفة المزيد عن حكم التداوي بالمحرمات راجع الفتوى رقم:
6104.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1423(6/3299)
مس الطبيب لعلاج المرأة ليس فيه بأس
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسألكم ماحكم الدين في وضع يدي على المريضة التي تأتي للعلاج في عيادتي حيت أنني طبيب أسنان ويستوجب علي مسك يديها أحيانا وفتح فمها ولكن دون أي نية مخلة بالأخلاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجوز للطبيب الرجل الذي يعالج امرأة أجنبية أن ينظر منها أو يلمس ما تدعو إليه الحاجة في العلاج والفحص ...
كما يجوز ذلك للطبيبة التي تعالج الرجل الأجنبي، ولشروط ذلك وتفاصيله وأقوال أهل العلم فيه نحيلك إلى الفتوى رقم: 8107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1423(6/3300)
حكم إنقاذ المرأة مريضا عن طريق التنفس الصناعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ملتزمة أدرس الطب وفي إحدى المرات خلال سيري في الشارع عند عودتي من الكلية مع زميلاتي ,كان هناك حادثة سيارة وكان هناك شاب ملقى على الأرض وعندما اقتربت منه وجدته لا يتنفس فقمت بعمل تنفس صناعي له والحمد لله كتب له الله النجاة ولكن زميلاتي يقلن لي إن ما فعلته حرام لأني لمست شابا لا يحل لي (التنفس الصناعي من خلال الفم) , ولكن هذا الشاب كان على وشك الموت وكان ابنه الصغير يصرخ بجانبه ولم يكن هناك أحد (رجل) في نفس المكان من يفهم في كيفية عمل التنفس الصناعي, فهل أنا وقعت في الزنا الأصغر كما يقلن لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تمس رجلاً أجنبياً عنها، ولو كان اللمس لأجل التطبيب والعلاج ما لم تدع إلى ذلك ضرورة أو حاجة كعدم وجود طبيب يقوم بالأمر، فيجوز عندئذ للمرأة أن تعالج الرجل؛ بل قد يجب ذلك عليها كما هو الحال في السؤال، لأن في فعل ذلك إنقاذاً لنفس مسلمة.
وعليه؛ ففعلك طاعة لا معصية، وأنت داخلة بسبب هذا الفعل في وعد عظيم بثواب جزيل من الله إن قصدت بذلك وجه الله فهنيئاً لك على ذلك، يبين ذلك قول الله جل وعلا فيمن سعى في إنقاذ نفس (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) . [المائدة:32]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1423(6/3301)
احتمالات التلعثم في الكلام ... والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أعاني منذ صغري من تلعثم في الكلام ولم ينفع العلاج الطبي وقد نصحني البعض باللجوء لبعض المشايخ للعلاج بالقرآن وقال البعض إنه عمل أريد رأيكم في هذا؟
... ... ... ... وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحتمل أن يكون هذا المرض مرضاً عضوياً ويحتمل أن يكون من عمل الجن بمس أو سحر ويحتمل أن يكون عيناً، والقرآن العظيم شفاء من كل الأمراض الحسية والمعنوية، فعليك به.
وننصحك بأن تعرض نفسك مرة أخرى على الأطباء المتخصصين، وأن تذهب إلى من يرقي بالقرآن والأدعية والأذكار والأفضل لك أن ترقي نفسك بنفسك، ولا تنسى اللجوء إلى الله أولاً وأخراً، وراجع لزاماً الفتاوى التالية: 4678 23509 8197 6347 4310
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1423(6/3302)
حكم استعمال منظف الجروج المحتوي على كحول
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة الأعزاء
هل المادة الكحولية المعروفة بـ (سبيرتو) والتي تستعمل لتنظيف الجروح نجسة أم
طاهرة ولكم الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المادة المذكورة والموجودة في قشور الحمضيات ليست بنجس ويجوز استعمالها.
إلا إذا دخلتها الصناعة وحولتها إلى مسكر فحينئذ تكون نجسة على الراجح، وبالتالي يحرم استعمالها إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، ولمزيد من التفصيل يرجى الاطلاع على الفتوى رقم 6104 ورقم 254
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1423(6/3303)
العلاج العضوي أولا
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الشيخ الفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتوجه بهذا السؤال أتمنى منكم الإجابة عليه ألا وهو أن لدي صديقة عزيزة علي جدا تشكو من مرض جلدي شديد وقد رأيت في منامي من شدة ما أفكر فيها بما معناه أن السبب هو من فلانة من الناس وعندما استيقظت أخبرتها بتلك الفلانة فاستغربت أنها كانت زوجة سابقة لزوجها مع العلم أني لا أعرفها ولا اسمها ولا لقبها افتونا مأجورين هل السبب قد يكون من تلك المرأة بعمل أو ماشابه أو ماذا يكون؟؟ أفتونا مأجورين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرؤية لا ينبني عليها أحكام دينية ولا دنيوية، وقد تكون صادقة وقد لا تكون، وقد تتحقق وقد لا تتحقق، وراجع الفتوى رقم 11052 والفتوى رقم 15785
وعليه، فقد يكون هذا المرض الذي أصيبت به تلك المرأة مرضاً عضوياً، لذا عليها أن تلجأ إلى الله أولاً وهو الشافي سبحانه، ثم تطلب العلاج لدى الأطباء المختصين، فإذا لم ينجع معها العلاج الطبي، فلتنظر فلعلها تكون قد أصيبت بالعين أو السحر، وعلاجها حينئذ بالرقى الشرعية الثابتة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إما بنفسها أو عن طريق راق يحسن الرقية بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولو بأجرة في ظل الآداب الشرعية من عدم الخلوة أو لمس جسدها ونحو ذلك وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 5531 6029 2244
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1423(6/3304)
حكم التداوي بأكل القنفذ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أكل القنفد لغرض العلاج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في أكل القنفذ، فذهب الحنابلة إلى تحريمه وعللوا ذلك بأنه من الخبائث، وقد قال الله تعالى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] .
ولما روى أبو داود في سننه أن ابن عمر رضي الله عنهما سئل عن أكل القنفذ؟ فتلا: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً.... الآية [الأنعام:145] .
قال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: خبيثة من الخبائث، فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال.
قال الخطابي: ليس إسناده بذاك. وقال البيهقي: فيه ضعف ولم يرو إلا بهذا الإسناد.
وكرهه مالك وأبو حنيفة، ورخص فيه الشافعي والليث وأبو ثور.
والراجح جواز أكله، لأن الأصل هو الحل، ولم يصح دليل المنع، وتركه أولى، خروجاً من الخلاف، وعليه فلا مانع من أكله لغرض العلاج، وراجع الفتوى رقم:
22369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(6/3305)
الحد المسموح للطبيب إظهاره من بدن المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب وأحضر الدكتوراة في ألمانيا ويجب أن أعمل في المستشفى ويجب علي تجريد المرضى من ملابسهم ماعدا الملابس الداخلية منها فهل علي إثم؟ وماذا أفعل في رمضان بالنسبه لهذا الأمر؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للطبيب أن يكشف عن عورة المريض -رجلاً كان أو امرأة- إلا في حالة الضرورة القصوى، وعدم وجود طبيبة إذا كانت المريضة امرأة، ومع ذلك فالضرورة بقدرها فلا يجوز الكشف عن العورة عند الضرورة إلا بالقدر الذي يحتاج إليه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
21169
19439
18157
18138
13819.
وعليه فإذا كان تجريدك للمرضى من ملابسهم غير الداخلية يؤدي إلى كشف عوراتهم فإنه لا يجوز لك ذلك إلا عند الضرورة، وتقتصر على القدر الذي يحتاج إلى كشفه، فإن كانوا يلزمونك بأن تكشف عورات الناس من غير ضرورة، ولا حاجة تقتضي ذلك، فإنه يجب عليك ترك هذا العمل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب [الطلاق:2-3] .
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
وما ذكرناه ينطبق على رمضان وغيره، فتجريد ملابس المرضى، ومسهم لا يبطل الصيام بمجرده إلا إذا صاحب ذلك خروج مذي مثلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1423(6/3306)
حكم استعمال دواء يسبب النوم عن صلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أسأل ما الحكم إذا كتب لي الطبيب بعض الدواء الذي من تأثيراته الجانبية أنه يجعلني أنام نوما عميقا حتى أني للأسف لم أعد أقوم لصلاة الفجر ولا أستطيع أن أستيقظ غالبا إلا بعد الشروق حوالي الساعة العاشرة مع العلم بأني سوف أضطر لأخذ هذا الدواء لمدة طويلة وشكراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي التأكد من الطبيب أنه لا يوجد بديل لهذا الدواء، وأنك بحاجة إليه، بحيث يترتب على تركه لحوق الضرر بك، فإن وجد بديل له أو كان يمكن الاستغناء عنه لم يجز لك تناوله والحال ما ذكرت من أنه سيحرمك من أداء صلاة الفجر مدة طويلة.
ولا يكفي الاعتماد على قول طبيب واحد، بل ينبغي استشارة جماعة من الأطباء المسلمين الثقات، فإن ثبت باستشارتهم أنك بحاجة إلى هذا الدواء مع عدم قيام غيره مقامه فلا حرج عليك حينئذ في استعماله، مع الاحتياط لصلاتك، كتناول الدواء في أول الليل، واتخاذ الأسباب للاستيقاظ في الوقت، فإن لم تستيقظ في الوقت فبادر إلى قضاء تلك الصلاة فوراً.
وسل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وأن يغنيك بفضله عن هذا الدواء.
وننبه إلى أنه كان يحسن أن تذكر اسم الدواء لنعرضه على بعض المستشارين المختصين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1423(6/3307)
موقف الشرع من تداوي المرأة عند طبيب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن توجد سيدة مع طبيب بدون محرم لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إجراء الكشف الطبي من قبل طبيب لامرأة ليست من محارمه يجوز للحاجة أو الضرورة عند عدم وجود طبيبة أو مع وجودها وعدم تخصصها في المرض الذي أصيبت به المرأة، فإن وجدت الطبيبة التي تستطيع إجراء هذا الكشف، فلا يجوز للمرأة أن تتحول عنها إلى طبيب رجل، وقد مضى بيان هذا الحكم بضوابطه في الفتاوى التالية أرقامها:
8107
20549
4385
7764.
فإذا جاز للمرأة أن تجري الكشف عند طبيب ثقة، فلا يجوز أن يتم ذلك في خلوة محرمة معه، بل يجب أن يوجد معها أحد محارمها. قال البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع: ولطبيب نظر ولمس ما تدعو الحاجة إلى نظره ولمسه حتى ظاهر فرجها وباطنه، لأنه موضع حاجة وظاهره ولو ذمياً، قاله في المبدع ومثله المغني، وليكن ذلك مع حضور محرم أو زوج، لأنه لا يأمن مع الخلوة مواقعة المحظور. انتهى
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه
وفي مسند أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما. وصححه الأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(6/3308)
حكم إعطاء المهدئات للمدمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أصحاب الأمراض المزمنة التي لا يمكن شفاؤها مثل الإنيميا المنجليه والسرطان يحتاج إلى إبر مهدئة كالبثيدين بسبب ما يشعر به من آلام شديدة ولكن مع مرور الزمن يدمن عليها مما يجعله يأتي تكرارا إلى المستشفى طالبا لها دون غيرها مما يجعله يكذب ويصرخ ويدعو على الأطباء فيجعل الطبيب في حيرة إن كان مابه ألم أم إدمان فما الحكم في إعطاء هذا المسكن في هذه المرحلة مع العلم أن من مضاعفات الإدمان إن لم يعط المدمن هذا المهدئ قد ينتحر؟ وشكرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن استعمال الأدوية المهدئة قد سبقت الإجابة عليه في الفتوى رقم:
19201.
ولا حرج إن شاء الله في إعطاء المسكن للشخص المدمن، والتدرج معه بنقص الجرعة حتى يرجع إلى حالته الطبيعية، خصوصاً إذا كان يخشى عليه الانتحار، وذلك بناء على أن الأصل جواز استخدام هذه الأدوية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(6/3309)
هل تمنع الزوجة من الذهاب للطبيب حال الضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كانت زوجتي حاملاً وبعض الطبيبات قلن إن حالتها خطرة. امتنعت عن إرسالها للمستشفى خوفا من فحص الأطباء من الرجال لها وكانت تذهب لعيادة محلية يوجد بها طبيبات ولكن في نهاية الأمر ذهبت للمستشفى بناء على طلب طبيبات العيادة وهناك قام بعض الأطباء بفحصها وقامت طبيبة بتوليدها, ولم أرض عن فحص الأطباء من الرجال لها. لكن بعد الوضع توفي المولودان (توأم) بعد عدة أيام.
هل ارتكبت إثماً بمنعي لها الذهاب للمستشفى. لأن سبب وفاة الطفلين هو ولادتهما المبكرة وكان من المفترض أن أرسلها للمستشفى منذ بداية الخطورة؟
وهل ارتكبت الزوجة إثماً بمعصيتي وكشف الطبيب عنها علما بأني أمرتها بأن لا ترضى بفحص الأطباء من الرجال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن المرأة لا يجوز أن تتعالج إلا عند امرأة، وأن الرجل لا يجوز أن يتعالج إلا عند رجل وذلك للاحتياط في حفظ العورات، والابتعاد عن مظان الفتنة ومواطن الريبة.
ولكن هذا الأصل قد لا يراعى شرعاً إذا كانت حالة المريض خطرة ولم يوجد طبيب من جنسه ذو كفاءة كافية لدفع الخطر، فيجوز حينئذ أن تتعالج المرأة عند الطبيب، وأن يتعالج الرجل عند الطبيبة حفظاً للنفس، ودفعاً للضرورة ورفعاً للمشقة والحرج، فالضرورات تبيح المحظورات كما هو مقرر.
وهذه طبيعة شرع الحكيم العليم اللطيف الخبير سبحانه وتعالى جلب المصالح وتكثيرها، ودفع المفاسد وتقليلها، وتحقيق أعظم الخيرين في حال السعة والاختيار وارتكاب أخف الشرين في حالة الاضطرار.
وبناءً على ما تقدم، فليس من الفقه بشرع الله تعالى أن تمنع زوجتك من مراجعة الأطباء بعد ما ثبت أن حالتها خطرة تستدعي مراجعتهم، وأن الطبيبات لا يمتلكن الكفاءة اللازمة لدفع الخطر عنها، وعن من في بطنها، فليس منعها والحالة هذه مما أذن فيه شرع الله تعالى فضلاً عن أن يكون مما شرع، وليس هو من الغيرة المحمودة، بل كان الواجب عليك أن تذهب بها إلى الأطباء الأكفاء، وتحضر الكشف عليها حتى لا يختلي بها الطبيب، وحتى لا يكشف عما لا تدعو ضرورة العلاج للكشف عنه. فإن لم يمكن حضورك فلتحضر معها امرأة تنتفي بها الخلوة ويندفع بحضورها احتمال وقوع الفتنة.
أما الآن وقد حصل ما حصل فنسأل الله تعالى أن يغفر لك ويتوب عليك وأن يخلفك خيراً مما أخذ منك، ونرجو أن لا تكون آثماً بما صدر منك من خطأ لأن الدافع لك إنما كان الحرص على حفظ حرمك وصيانتها، ولم تكن تقصد إلحاق الضرر بها أو بجنينها، بل لعلك كنت تظن أن منعك لها متعين عليك شرعاً، فنرجو أن يكون خطؤك مغفورا، ً لقول الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) [البقرة:286] وفي الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قال: قد فعلت. وذلك لما دعا المسلمون بهذا الدعاء.
وفي الحديث الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه أخرجه ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه.
فعليك أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره ثم عليك بعد هذا الحدث أن لا تقدم على أمر لا تعرف حكمه حتى تسأل أهل العلم عن حكم الله تعالى فيه كما أمرك ربك حيث قال: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وفي المسند والسنن عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه، فقال: هل ترون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، فقال: " قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال. إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب " قال الشيخ ناصر الدين: حسن دون قوله: إنما كان يكفيه ... إلخ.
ثم إن قرر أهل الخبرة من الأطباء الثقات أن سبب موت الولدين هو منعك زوجتك من مراجعة الأطباء فإن عليك كفارتين، كل واحدة منهما عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجدها فصيام شهرين متتابعين.
وعلى عاقلتك ديتان تدفعان لورثة الولدين غيرك، لأن المتسبب في القتل لا يرث من دية المقتول.
ودليل وجوب الكفارة والدية قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء:92]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1423(6/3310)
شروط جواز تناول دواء لقطع الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى صحبه أجمعين أما بعد:
فأنا شاب مقبل على الزواج بعد أقل من شهر ولقد حددنا موعد الزفاف ولكن ظهرت لنا مشكلة وهو أن العادة الشهرية لدى زوجتي تأخرت بحيث صادفت يوم الزواج بحيث لا يمكن تغييره وهذا لأسباب عدة، منها التحضيرات وغيرها فطلبت من زوجتي تناول حبوب منع العادة الشهرية أو تحبسها لمدة معينة وأنا لست أدري هل الأمر جائز من الناحية الشرعية أم لا؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت، فإنه لا مانع من تناول حبوب تمنع نزول دم الحيض، بشرط أمن التضرر منها، وعدم حرمتها لاحتوائها على نجس، أو شيء يحرم تناوله كالخنزير، قال في الإنصاف: يجوز شرب دواء مباح لقطع الحيض مطلقاً، مع أمن الضرر، على الصحيح من المذهب. انتهى
والأولى ترك المداومة على تناول هذه الحبوب لما يترتب عليه من آثار ذكرناها في الفتوى رقم:
2200.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1423(6/3311)
حكم إنزال دم الحيض بالعقاقير
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم:
أنا متزوجة ولبعض الأسباب لا أريد الحمل الآن لكن الدورة تأخرت وأريد استعمال حبوب لإنزالها هل
في تناولها حرمة علما بأنني في اليوم32؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن استعمال الحبوب لإنزال دم الحيض الأصل فيه الجواز، ولكن ذكر بعض الأطباء أن في ذلك ضرراً على صحة المرأة، وذلك لأن دم الحيض دم طبيعة، فالتحكم فيه بواسطة العقاقير فيه مخالفة للطبيعة، ولا شك أن هذا مضر بالبدن.
وإذا ثبت ضررها فإنه لا يجوز استخدامها، لأن الله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29] .
وروى أحمد والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار. إسناده صحيح.
ثم إنه ربما يكون هناك حمل بغياب هذه الدورة فإسقاطه فيه جناية وحرمان من أمر مقصود شرعاً وهو كثرة النسل، ما لم تكن هنالك ضرورة.
فإذا ثبت وجود ضرورة بتقرير من متخصصين ثقات أمناء بخطورة الحمل، ووجوب تأخره أومنعه فلا حرج حينئذ من استعمالها، لأن الضرورات تبيح المحظورات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1423(6/3312)
حد الضرورة المبيحة لعلاج المرأة عند طبيب
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم ولادة المرأة وعلاجها عند طبيب نسائي وبدون ضرورة مع وجود عدد كبير من الطبيبات الأخصائيات بالتوليد والعقم من تفعل ذلك هل عليها إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحل للمرأة المسلمة أن تتعالج عند رجل إلا إذا لم توجد امرأة تحسن التطبيب، فإذا لم توجد، وخشي على المرأة أن تهلك أو يصيبها وجع لا تحتمله، جاز أن يعالجها رجل فيمس وينظر إلى ما تدعو الحاجة إليه من جسدها مع عدم الخلوة بها.
يقول الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: ومباحان (النظر واللمس) ، لفصد وحجامة وعلاج، ولو في فرج للحاجة الملجئة إلى ذلك، لأن التحريم حينئذ حرج، فللرجل مداواة المرأة وعكسه، ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك من امرأة وعكسه. ا. هـ كتاب النكاح.
وفي شرح البهجة: ويعتبر في النظر للعلاج حضور محرم أو زوج أو نحوهما ممن يباح له النظر بغير حاجة، وفقد معالج من الجنس. ا. هـ.
يعني بفقد معالج من الجنس: أن لا توجد امرأة تعالج امرأة، أو رجل يعالج رجلاً.
وعلى هذا، فلا يجوز للمرأة أن تتعالج عند رجل إذا وجدت الطبيبة التي تفي بالغرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(6/3313)
ما يجوز وما لا يجوز استعماله من الأدوية المهدئة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وملتزم بأوامر الله ولكن تعودت على أخذ الحبوب المهدئة منذ مدة طويلة أكثر من ثمان سنوات، وحاولت مرات عديدة الامتناع عنها دون نتيجة مع العلم أنها لا تلهيني عن القيام بواجباتي تجاه ديني وأسرتي وعملي ومجتمعي على العكس أفيدونا جزاكم الله كل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحبوب المهدئة يجوز استعمالها، والتداوي بها، لأن الأصل الإباحة ما لم يرد ما يفيد التحريم، ولأن المصلحة تقتضي جواز استعمالها وتناولها، ووجود شيء من المخدر في هذه الحبوب لا يقتضي القول بتحريمها، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك.
هذا فيما إذا كان المقصود بها الحبوب المهدئة للتوترات العصبية وغيرها، أما إذا كان المقصود بذلك حبوب المخدرات كالأفيون وغيره، فلا يجوز استعمالها، لأنها في أصلها مسكرة، وقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام. ورواية البخاري عن عائشة رضي الله عنها: كل ما أسكر فهو حرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(6/3314)
العلاج من المرض النفسي مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص يعاني من بعض الاضطرابات النفسيه والعلل في الشخصية طلب العلاج والمشورة من طبيب نفساني؟
وهل يجوز لهذا المريض أن يخبر الطبيب أنه فعل معاصي قد تكون من الكبائر إذا أحس المريض أنه من الأفضل أخبار الطبيب عنها ليحصل على مشورة أو علاج أفضل -أو سأله الطبيب عن أشياء يؤنبه ضميره عليها؟ وجزاكم الله كل خير-]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأمراض النفسية أفضل علاج لها هو الإيمان بالله وقضائه وقدره، لأن سببها إما حزن على ماضٍ، أو خوف على مستقبل، أو تضجر من حاضر. فعليك بعبادة الله وذكره وقراءة القرآن واستعمال الرقية الشرعية.
ثم إنه لا مانع من مراجعة طبيب نفساني، بشرط أن يكون موثوقاً بدينه، ولا بأس بذكر بعض الأشياء التي تعين على تشخيص المرض وعلاجه إذا دعت الضرورة أو الحاجة لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(6/3315)
حكم تناول الأدوية المستخلصة من أمعاء الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الدين في استعمال أدوية يدخل بها مركب الهيبارين المستخلص من أمعاء الخنازير ورئات الأبقار مثل دواء اينوكسبارين ومركب تنزابارين ومركب كلكسان والذي يستعمل مع مرضى الجلطات علما بأن د. عبد الكريم المؤمن أستاذ علوم الدم قد أفاد في احد المؤتمرات العلمية بجدة مؤخرا أن بعض المرضى يرفضون تناول تلك الأدوية بعد علمهم بوجود مادة الهيبارين المستخلصة من أمعاء الخنازير.. أحيط فضيلتكم علما بأن جريدة الرياض قد نشرت في صفحتها رقم 38 يوم 28/5/2002 م (الثلاثاء) أن تلك المركبات موجودة بالسوق في السعودية؟
جزى الله فضيلتكم عنا وعن الإسلام خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا مزجت هذه المادة المستخرجة من أمعاء الخنزير أو الميتة ونحوهما بغيرها، حتى استحالت ولم يبق لها أثر فلا حرج في التداوي بها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 6783.
وأما إذا لم تستحل، بل بقي لها أثر فلا يجوز التداوي بها إلا عند الضرورة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 6104.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1423(6/3316)
حكم تعاطي دم صناعي يحتوي على كريات دم خنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[قد تقدم العلم مما أدى إلى اختراع دم صناعي يعوض الجسم كافة العمليات التي يقوم بها الدم الطبيعي ويوفر كافة الفصائل فما حكم استخدام هذا الدم؟ مع العلم أن هذا الدم مكون من كريات دم الخنزير الحمراء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل عدم جواز التداوي بما هو محرم كنقل الدم وزرع الأعضاء، إلا أنه إذا دعت الضرورة إلى ذلك فإنه لا حرج فيه، لقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ) [الأنعام:119] .
وللقاعدة الفقهية المعروفة: الضرورات تبيح المحضورات.
وراجع الجواب رقم: 8494.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(6/3317)
متى يباح كشف الطبيب على المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للدكتور أن يرى رجل المرأة (الكعب فقط وأسفل الرجل سطح الرجل) وذلك بقصد الفحص الطبي للتعيين في وظيفة عسكرية وماذا إن كان بالجوارب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلمة أن تقوم بالفحص الطبي عند طبيب ليس زوجاً لها ولا محرماً إن تيسر لها أن تقوم بهذا الفحص عند طبيبة، فإن لم يكن إلا الطبيب الأجنبي أو كانت هناك لجنة لا يقبل التقرير الطبي إلا منها فلا بأس عندئذ.
ونلفت النظر إلى أن الأولى بالمرأة المسلمة، أن تقر في بيتها وترعى شؤون أولادها ولا تلجأ إلى العمل إلا عند الضرورة أو الحاجة الشديدة؛ خاصة في المجال العسكري، لما يترتب على عملها في هذا المجال من المفاسد التي قد لا تحمد عقباها، وانظري الفتوى رقم:
12942 والفتوى رقم: 8107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(6/3318)
حكم تناول دواء فيه نسبة كحول
[السُّؤَالُ]
ـ[هل وجود نسبة الكحول البسيطة في بعض الأغذية لمرضى السكري وأصحاب الحمية جائز شرعا أم لا؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز وضع نسبة من الكحول في غذاء المرضى حتى ولو كانت النسبة بسيطة، لما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام.
وزيادة في الفائدة نقول: إن الراجح من قولي العلماء أنه لا يجوز التداوي بدواء فيه نسبة كحول، لما رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن طارق بن سويد الجعفي: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر؟ فنهاه عنها. فقال: إنما أصنعها للدواء. فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء.، أما إذا دعت الضرورة لاستعمال دواء فيه نسبة من الكحول وكان لا يوجد دواء خال من الكحول يقوم مقامه، فلا بأس أن يستعمل المريض منه -حينئذ- ما يخرج به عن وضع المضطر، والضرورة تقدر بقدرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(6/3319)
لابأس بأخذ شيء من الحاجبين لضرورة العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تنظيف الحاجبين مع العلم أني عندي ضربة في الحواجب لذلك أنا أضطر إلى تنظيفها؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تأخذ شيئاً من حاجبيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله النامصة والمتنمصة". رواه أحمد والنسائي والبيهقي من حديث ابن مسعود. وقد بين أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص، لكن إذا اضطرت المرأة لإزالة شيء من شعر حاجبيها لتنظيف جرح -مثلاً- أو علاجه فلا بأس بذلك، لأن الضرورات تبيح المحظورات، كما قرر ذلك أهل العلم مستدلين بأدلة منها قوله جل وعلا: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام:119] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1423(6/3320)
هل في التداوي منافاة للتوكل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا متزوج منذ سنتين ولم أرزق بعد بأطفال وأنا أؤمن بأن ذلك ابتلاء من الله تعالى والحمد لله على كل حال سؤالي هو: هل يمكن أن نقوم بفحوصات طبية مثلاً فحص المني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحمد لله الذي وهبك الرضا بقضائه وقدره، وألهمك حمده على كل حال، ونسأله سبحانه وتعالى أن يمنَّ عليك بالولد الصالح إنه على كل شيء قدير، ولا بأس أن تأخذ بالأسباب وتذهب إلى الأطباء لإجراء فحوصات وأخذ دواء ونحو ذلك، لأن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، ومن أعظم الأسباب دعاء الله تبارك وتعالى، فزكريا عليه السلام كان شيخاً كبيراً، وكانت زوجته عاقراً، فدعا الله فوهبه يحيى عليه السلام، قال الله تعالى: (كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [مريم:1-9] .
فسبحان من يقول للشيء كن فيكون، فأحسن رجاءك في الله فلن يخيبك، وعدم الإنجاب بعد الزواج بفترة كسنة أو سنتين ونحو ذلك يقع لكثيرين، فلا ينبغي لك أن تنزعج لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(6/3321)
حكم استعمال الأدوية التي تزيل الكلف والبهاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من اصطباغ في الوجه والعين اليمنى وهو منذ الصغر إلا أنني أحس أنه انتشر كثيرا في الوجه والرقبة وبعض من أجزاء الجسد الا أنه ليس بمرض أشكو منه ولكنه يسبب لي إحراجا أمام زميلاتي وأهلي
وقد تبين لي مؤخرا وجود علاج لهذه الحالة بواسطة الليزر ولكن هناك بعض العوائق التالية
1- وجود تحذيرات من استخدام الليزر لأنه يسبب خلايا سرطانية
2- أن المعالجين رجال
3- أن العلاج غير مضمون الخ
سؤالي
1هل يجوز لي العلاج لدى طبيب رجل علما أنه لابد من كشف الوجه والرقبة
2- إنني قد أتعرض لمضاعفات أخرى من الليزر
أفيدونا عاجلا بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمرأة أن تعالج الاصطباغ والبهق وما شبههما لأن في بقاء هذه الأمور شيناً قد تتضرر منه نفسياً، والضرر النفسي معتبر كالضرر الحسي، ثم إن في إزالته حسنا وتجملاً وكل ذلك مطلوب للمرأة لاسيما إذا كانت ذات زوج.
يقول الإمام ابن الجوزي: وأما الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج فلا بأس بها. وكذلك قال الإمام العيني: ولا تمنع الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج. نقل ذلك الشيخ عبد الكريم زيدان وعلق عليه بقوله: إن ذ كر الزوج ليس قيداً احترازياً، بل قيد أكثري. بمعنى أنه يجوز هذا الأمر للمتزوجة وغير المتزوجة، بل يجوز للرجل أيضاً، ولكن الجواز للكل مقيد بألا يخشى من أن تكون للعلاج أضرار جانبية، وأن لا يرافق عملية العلاج محذور شرعي من خلوة المرأة بطبيب أجنبي أو غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1423(6/3322)
حكم العلاج بالكيماوي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العلاج باستخدام العلاج الكيماوي؟
والله يحفظكم وجزاكم الله خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في الأشياء الإباحة، ومن ذلك التداوي بكل سبب وعلاج ثبت نفعه بالتجربة، إلا أن يكون هذا الدواء يحرم تناوله على المسلم، كالخمر ونحوه فلا يجوز التداوي به، لأن الله لم يجعل لنا شفاء فيما حرم علينا.
وعليه، فلاحرج في التداوي بالعلاج الكيماوي إذا أثبت أهل الأختصاص بالطب نفعه وعدم ضرره، لأن كل ما يؤثر على صحة الإنسان ويضر به ضرراً معتبراً شرعاً فلا يجوز استخدامه ولا استعماله بأي نوع من أنواع الاستعمال المؤدية إلى حصول الضرر به، ما لم يكن هناك ضرورة ملحة إلى استعماله، والضرورة تقدر بقدرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1423(6/3323)
يقدم الأهم فالأهم في العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة أبي مريضة (حصى بالمرارة) وقد تقرر لها عملية جراحية وكان زمن العملية هو الزمن الذي كان والدي رحمه الله سيسافر فيها للهند وذلك للعلاج (وكان رحمه الله مصابا بالسرطان) وقد عزم أبي على تأجيل رحلته بسبب العملية التي كان من المقرر ان تعملها زوجة أبي وقد قمت بحثها على تأجيل العملية إلى أن يعود أبي وفعلاً أجلتها لكن لم تخبر أبي أنني أنا من حثها لأن أبي لو عرف لأجبرها على عمل العملية الجراحية وقبيل السفر حدثت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأجل أبي رحلته خوفاً من أن تفصل الحرب بينه وبين أولاده ولم يسافر ثم توفي والدي رحمه الله في رمضان وبعد أن خرجت زوجة أبي من الحداد قام والدها بأخذها وهو من أهل البادية وهو قاس والآن هل على ذنب بأنني السبب في عدم اجراء زوجة أبي للعملية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أنه لا إثم عليك، لأنك أردت الخير بتعجيل العلاج لوالدك، ثم إنه لم يترتب ضرر على تأجيل العملية بالنسبة لزوجة أبيك، والتأجيل كان برضاها.
والواجب في مثل هذه الحالات أن يُقدم الأكثر أهمية، ولاشك أن علاج السرطان أهم من علاج المرارة في الظاهر، وإن كان المرجع في مثل هذه الأمور لأهل الاختصاص هو الأصل، ويمكنك الآن أن تساعد في إجراء العملية لها، وإن لم تفعل فلا إثم عليك لعدم تعلق الأمر بذمتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1423(6/3324)
شروط جواز تداوي المرأة عند الطبيب
[السُّؤَالُ]
ـ[أستحلفكم بالله تعالى أن تجاوبوني على سؤالي:
هل يجوز لخطيبتي أن تذهب لطبيب أمراض نساء لأنها تعاني من بعض الاتهابات وتعاني بشدة أثناء دورتها الشهرية؟ فهل يجوز للطبيب أن يرى فرجها وأن يداويها (أفيدوني بالله عليكم حيث أنني قد وضعت الخطوبة وإتمام الزفاف أمام ذهابها لهذا الطبيب) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانت هذه المرأة محتاجة حقاً إلى العلاج فعليها أن تبحث أولاً عن علاج لا يحصل معه كشف لعورتها كالحبوب والأقراص أو الغسول المطهر ونحو ذلك، فإن لم ينفع معها ذلك واستلزمت حالتها أن تعرض على الطبيب فلتبحث أولاً عن طبيبة مختصة تتحلى بالثقة والأمانة، فإن تعذر ذلك واضطرت إلى الذهاب إلى طبيب فلتبحث عن طبيب مأمون ثقة، بشرط أن لا يرى منها إلا ما تقتضيه ضرورة العلاج، وأن لا يخلو بها بل يكون معهما من تنتفي به الخلوة ويؤمن مع وجوده الوقوع في الفتنة كامرأة ثقة مأمونة، أو محرم أبا كان أو أخاً أو غيرهما، وراجع الأجوبة التالية أرقمها: 10631 883 12942 ففيها مزيد تفصيل، أما الخاطب فلا يجوز له الحضور أصلاً لأنه مازال أجنبياً عن هذه المرأة حتى يتم العقد الصحيح. وراجع الجواب رقم: 6796
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1423(6/3325)
ما من داء إلا له شفاء سوى داء واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أنا امرأة متدينة منذ أن كان عمري 17 سنة ومتزوجة منذ 9 سنوات لدي ابنتان، منذ 3 سنوات أعاني من مرض لا أعرف ما هو ذهبت إلى جميع الأطباء لكن عجزوا عن شفائي أقرأ القرآن وكتب الدعاء المستجاب وأستمع إلى إسطوانات ذكر الله وأطبق ما يقال لكن دون جدوى هناك من الأطباء من يقول لي إنها أعصاب وأوهام ويصفون لي الأدوية لكن دون جدوى حتى أنني قصدت عرافا وأعلم أنه حرام لكن ما باليد حيلة ولم يتوصل إلى أي حل، هناك أيضا من يقول لي إنك أصبت بعين فعلت كل شيء كي أزيلها عني لكن دون جدوى. أرجو منكم أن تقولوا لي ماذا أفعل لأني عجزت عن فهم مرضي وأصبحت حياتي لا تطاق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ...
أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج همك ويكشف كربك ويمن عليك بالشفاء والعافية، ولا تيأسي فإنه ما من داء إلا وله دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء، إلا وضع له شفاء أو دواء، إلا داء واحداً، قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: الهرم " رواه أصحاب السنن.
والأدوية إما حسية يعرفها الأطباء وأهل التجربة، وإما معنوية بالرقية الشرعية بالقرآن والأدعية المأثورة والكلمات النافعة.
فراجعي الأطباء لاسيما المهرة منهم، فما يخفى على بعضهم من الأمراض قد لا يخفى على البعض الآخر، فإن بذلت الوسع في ذلك فداومي على الرقية الشرعية، فقد يكون ما بك عيناً أو سحراً، واستعيني على ذلك بمن يرقي من أهل الدين والاستقامة، وكونها لا تنفع - أحياناً - فإن ذلك قد يرجع إلى الراقي أو نوع الرقية، فكلما كان الراقي متوكلاً على ربه قريباً منه وكانت الرقية مأثورة ومناسبة للمريض كانت أنفع.
وأما ذهابك إلى العراف للعلاج فهذا منكر عظيم، كما هو مبين في الجواب رقم:
14231 فعليك بالتوبة والاستغفار منه، والتوكل على الله والصبر على ما ابتلاك به، فإن العبد يدور بين نعمة توجب الشكر، وبلاء يوجب الصبر، فاصبري وارضي بقدر الله مع الأخذ بألاسباب من علاج ورقية والتجاء إلى الله والتضرع إليه، فهو سبحانه الذي يكشف السوء ويجيب المضطر (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون) [النمل: 62] .
وداومي على ذكر الله لاسيما أذكار الصباح والمساء والأحوال، وأكثري من الطاعات والقربات والصدقات لعل الله يكشف ما بك.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1423(6/3326)
حكم التداوي ببذرة الكيف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استعمال بذرة -الكيف- وهو نبات تستخرج منه الحشيش في المغرب لعلاج سقوط الشعر الحاد بعد خلطه مع الحناء علما أنني جربت عدة أدوية ولم تجد نفعا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبذرة الكيف لا تخرج عن حالين:
الأولى: أن تكون مسكرة كالحشيش، فلا يجوز التداوي بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله جعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداوا بمحرم" رواه أبو داود وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يجعل شفاء أمتي في ما حرم عليها"
الثاني: أن لا يسكر الإنسان بتناول الكثير منها، فيجوز لك التداوي بها، ولا يضر حينئذ كون الحشيشة المسكرة تستخرج منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1423(6/3327)
الأدلة على أن مباشرة التداوي لا تقدح في التوكل
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الشكر الجزيل للقائمين على هذا الموقع المبارك، أرجو من فضيلتكم إجابتي عن السؤال الآتي:
هل أخذ مصل التطعيم للوقاية من الأمراض الخطيرة كالتهاب الكبد الوبائي، أو ما يتحصن به الأطفال ضد الأمراض الخطيرة كالشلل والحصبة وغيرها، هل هذا الفعل مناف للعقيدة الإسلامية؟ علما بأن بعض الإخوة يرفض كل أنواع التطعيم بزعم أنها منافية للعقيدة؟
أفتونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتداوي بالمشروع لا ينافي التوكل على الله تعالى، بل يستحب كما حكاه النووي في شرحه على مسلم عن جماهير السلف والخلف.
وأما التداوي بالمحرم فحرام، وأما التداوي بالمكروه فالأولى تركه، وللعلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب كلام جيد في هذا الموضوع في كتابه (شرح كتاب التوحيد) عند شرحه لحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". متفق عليه.
قال رحمه الله تعالى: واعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب - أصلاً - كما يظنه الجهلة، فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري لا انفكاك لأحد عنه، حتى الحيوان البهيم، بل نفس التوكل مباشرة لأعظم الأسباب، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3] .
أي كافيه. إنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها توكلاً على الله، كالاسترقاء والاكتواء، فتركهم له ليس لكونه سبباً، لكن لكونه سبباً مكروهاً، لا سيما والمريض يتشبث بما يظنه سبباً لشفائه بخيط العنكبوت.
أما نفس مباشرة الأسباب والتداوي على وجه لا كراهية فيه فغير قادح في التوكل، فلا يكون تركه مشروعاً، كما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء".
وعن أسامة بن شريك قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: نعم، يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءاً إلا وضع له شفاء غير داء واحد. قالوا: ما هو؟ قال: الهرم" رواه أحمد. قال ابن القيم: فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها، والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقدح بمباشرته في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى من التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلاً للأمر والحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً. ا. هـ.
وعلى ضوء ما سبق، فتناول الأدوية المباحة لدفع الأمراض والأسقام وتطعيم الأولاد الصغار لا ينافي العقيدة ولا التوكل، بل هو أمر مطلوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1423(6/3328)
حكم العلاج عند طبيب في حال وجود طبيبة بأجرة غالية
[السُّؤَالُ]
ـ[أود عمل تقويم لأسناني فهل لي أن أذهب إلى الطبيب علما بأنه لا يوجد طبيبات إلا بمبالغ كبيرة جدا وعلما بأنه لن تكون هناك خلوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى المرأة أن تجتنب العلاج عند الأطباء الذكور ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وقد بينا حكم ذلك في الفتوى رقم:
8107
وزيادة مبلغ من المال لا تضر إذا كانت في مقابل أن تصون المرأة نفسها عن نظر الأجانب إليها، ولم تكن زيادة فاحشة أو مجحفة.
وننبه السائلة إلى أن تقويم الأسنان الذي عبرت به، إذا كان مرادها به تفليجها أو ما في معناه من تغيير خلق الله فلا يجوز بحال من الأحوال، لا عند طبيبة ولا عند طبيب، لما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله."
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1422(6/3329)
ليس من داء إلا وله دواء ... فلا داعي لليأس
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
أنا عمري 20 سنة وأعاني من عدة أمراض خبيثة ولم يستطع علا جي الأطباء وحتى الرقية لم تعالجني وتناولت الحبة السوداء لمدة سنة. فأرجوا منكم أن تدعو لي بالشفاء العاجل وخاصة الذين سيذهبون إلى الحج لا ينسوني في دعائهم (في يوم عرفة) لأن الدعاء في يوم عرفة لا يرد وأرجو من العلماء أن يدعو لي بالشفاء العاجل. (من فضلكم لا تنسوني من فضلكم لا تنسوني من فضلكم لا تنسوني.....)
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله العظيم لك الشفاء من كل مرض ظاهر وباطن إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
واعلم أن الله ما أنزل من داء إلا وجعل له دواء علمه من علمه، وجهله من جهله، فعند أحمد من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء".
فلا تيأس من رحمته، ولا تقنط من فرجه، وخذ بأسباب التداوي، وألح على الله بالدعاء موقنا بالإجابة معتصماً به، متوكلاً عليه، متبرئا من كل حول وقوة لغيره يكشف كربتك، فهو القائل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62] .
وعليك بالرقية الشرعية، والمداومة عليها، واحتساب أجر المرض عند الله، فهو مكفر للسيئات رافع للدرجات، واصبر: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(6/3330)
الفحص النسائي للتأكد من السلامة من الأمراض..
[السُّؤَالُ]
ـ[يجري في المستشفيات فحص لعنق الرحم يتطلب اطلاع الطبيبة على عورة المرأة.. وهذا من باب الاطمئنان على سلامة المرأة وخلوها من الأمراض..
وقد تكون هذه الأمراض مجرد التهاب وقد يكون _عافانا الله _ مرضاً خطيراً..وقد تكون المرأة سليمة معافاة
فمتى يجوز للمرأة الذهاب للكشف عند الطبيبة؟
وهل لا بد من وجودأعراض للمرض حتى يباح لها الكشف -علما أن الطبيبة ستطلع على عورةالمرأة-؟
وإذا كان يباح الكشف في هذه الحالة..هل يجوز للمرأة أن تركب اللولب أثناء الكشف..لكي يتسنى لها إرضاع طفلها والقيام بشؤونه..؟
هل يجوز للمرأة شرب دواء لإسقاط الجنين قبل الأربعين؟ وما الدليل؟ وهل هناك خلاف في المسألة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كشف العورة لا يجوز إلا عند الضرورة، أو لحاجة تنزل منزلة الضرورة، ومجرد توهم المرض، أو حب التأكد من السلامة من المرض كل ذلك لا يبيح كشف العورة، ويزيد المنع تأكيداً إذا كانت العورة هي: السوأتان، أما إذا بدت أعراض تدل على وجود المرض، فعند ذلك يجوز كشف العورة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الضرورة تقدر بقدرها، فيكشف من العورة القدر المحتاج إليه، للعلاج ويحرم ما عدا ذلك.
وأما عن حكم اللولب فقد سبق برقم:
4219
وأما عن حكم الإسقاط قبل الأربعين فقد مضى الجواب فيه وهو برقم: 991
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1422(6/3331)
شروط علاج المرأة عند الطبيب
[السُّؤَالُ]
ـ[1-أنا فتاة بدينة جداً فاضطررت أن أقوم بالرجيم بالإبر الصينية عند الطبيب فالطبيب يضطر إلى وضع الإبر أسفل البطن بالقرب من منطقة العانة فأنا أسأل إذا كان حراماً أم حلالاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن هذه المنطقة -التي ذكرت السائلة- من العورة التي لا تجوز رؤيتها ولا مباشرتها لغير الزوج، إلا عند الضرورة المحققة. وعليه، فإذا كانت مضطرة اضطراراً حقيقياً لإزالة هذه البدانة أو تخفيفها، فلتتعالج عند طبيبة مسلمة، فإن لم تتيسر لها طبيبة مسلمة فلتتعالج عند طبيبة كافرة، فإن لم تتيسر لها فعند طبيب مسلم، فإن لم يتيسر لها الطبيب المسلم فعند كافر، ويشترط في علاجها عند الطبيب الذكر -مسلماً كان أو كافراً- أن يتم مع وجود من تنتفي به الخلوة، فلا يجوز لها أن تخلو بالطبيب الذكر بحال.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1422(6/3332)
هل يسقط مرض المنغوليا التكاليف الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[1-رزقني الله سبحا نه وتعالى بطفلة منغولية تبلغ من العمر الآن12سنة وقد بلغت منذ سنة هل هي مكلفة بالصلاة والصيام؟ وهل يجب علينا تدريبها على ذلك؟ مع العلم أن عمرها العقلي أقل من عمرهاالفعلي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمنغوليا مرض يصيب الأطفال في بطون أمهاتهم، وهو عبارة عن تخلف في القوى العقلية والبدنية، ومن علاماته الظاهرة: بروز وتورم في العينين، وتدلي الشفة السفلى، واصفرار في اللون، وقد تصدر من المصاب به حركات غير إرادية، وقد لا يمسك بوله وبرازه، والمصاب به يستطيع المحاكاة والتقليد، ولكنه لا يفهم حقيقة الشيء، فقد يحاكي المصلي ونحوه، ولكنه لا يدرك ماهية الصلاة.
وبعد سؤال أهل الخبرة من الأطباء المتخصصين تبين أن المصاب بمرض المنغوليا قد بلغ درجة من التخلف العقلي تسقط التكليف. وعليه؛ فإنه لا يلزم ابنتك الصلاة ولا الصيام ولا سائر التكاليف، ولكن إذا استطعتم تدريبها على ما أمكن من التكاليف فهو أمر حسن.
جعل الله ذلك في ميزان حسناتكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(6/3333)
التداوي بالخمر ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته اما بعد ايها السادة الافاضل ابي كان مريضا فاشار عليه احد العارفين بالأعشاب الطبية بأن يشرب الخمر لكي يشفى فشرب منه فشفي من مرضه هل ما فعله حلال أم حرام وقد قال الله تعالى"فمن اضطر غير عاد ولا باغ فلا إثم عليه" هل يعني هذا أنه عند الجوع الشديد أو العطش الشديد يمكن أن نأكل أو نشرب من الحرام جزاكم الله خيرا والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخمر ينفرد عن سائر النجاسات بحرمة التداوي به، لما رواه مسلم في صحيحه أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال "ليس بدواء، ولكنه داء" وهذا نص يفيد تحريم العلاج بالخمر، وبهذا تعلم أن ما فعله والدك لا يجوز.
وأما قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) فمعناه أن من أضر به الجوع أو العطش وخشي على نفسه الهلاك جاز له أكل النجس وشربه، واستثنى كثير من العلماء من ذلك الخمر، فقالوا: لا يجوز شربها ولو أضر به العطش. قال القرطبي: وبه قال مالك، وقال: لا تزيده الخمر إلا عطشاً، وهو قول الشافعي، لأن الله حرم الخمر تحريماً مطلقاً، وحرم الميتة بشرط عدم الضرورة. وقال ابن وهب: يشرب البول ولا يشرب الخمر لأن الخمر يلزم فيها الحد فهي أغلظ. نص عليه بعض أصحاب الشافعي.
وأجاز بعض العلماء شربها لضرورة العطش دون التداوي، وفرق بينهما بأن شربها للتداوي لا يتيقن البرء به بخلاف الجوع والعطش. والحاصل أن شربها للتداوي لا يجوز الإقدام عليه بحال، فعلى والدك بالتوبة والعزم المصمم على أن لا يعود لهذا الفعل تحت أي ظرف من الظروف
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(6/3334)
صنع الكفار للأدوية لا يمنع استعمالها
[السُّؤَالُ]
ـ[الوالدة عندها ضغط الدم منذ خمس سنوات وفى السنوات الثلاث استخدمت الدواء حيت إني سافرت للدراسة وعندما رجعت وجدت الضغط عاليا وعندما سألتها قالت لي في وجود أبي وإخوتي لا أريد استخدام الدواء لأن هذه الأدوية يأكلها الشيطان ولا أريد استخدام هذه الأدوية لأنها تأتي من الكفار.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في التداوي أنه مشروع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سئل عن ذلك فقال: "تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا داء واحداً وهو الهرم" رواه الترمذي.
لكن لا يجوز التداوي بما كان مضراً، أو مشتملاً على نجس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتداووا، ولا تتداووا بحرام" رواه أبو داود.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث" رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالخمر قال: "إنه ليس بدواء، ولكنه داء" رواه مسلم، وقد أجاز جماعة من العلماء التداوي بالنجاسات غير الخمر عند الضرورة.
وبناءً على ما تقدم، فلا حرج في التداوي بالدواء سواء صنعه الكفار أو صنعه المسلمون إذا لم يكن مضراً، ولم يشتمل على نجس، وامتناع هذه المرأة عن أخذ الدواء متعللة بأن هذه الأدوية يأكلها الشيطان، فهذا كلام غريب لا نعرف تفسيراً له، وامتناعها أيضاً عن الدواء لأنه يأتي من الكفار غير مقبول إذا كان الدواء نافعاً ومباحاً، ومن هنا فإننا ننصحها بالتداوي امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم، خصوصاً إذا كان امتناعها عن التداوي يؤثر على صحتها، ويؤدي إلى تقصيرها في العبادات كالصلاة والصوم ... إلخ.
ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 2599، 4214.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(6/3335)
الفحص الداخلي النسائي ... والصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل يبطل الفحص الداخلي للعورة الصيام؟
وهل يختلف الحكم إذا كانت السيدة حاملا ويمكن ألا تكون ضرورة؟
وهل يختلف الحكم إذا كان المريض والطبيب من جنسين مختلفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجرد الفحص الداخلي للعورة لا يبطل الصيام، لا صيام الفاحص ولا صيام المفحوص، ولا فرق بين كون الطبيب والمريض من جنس واحد، أو من جنسين مختلفين.
أما حكم كشف عورة أحد الجنسين أمام الأخر للتداوي، فسبق في الفتوى رقم: 4385.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1422(6/3336)
استعمال أدوية لزيادة القدرة الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مريض نفسياً وأعاني من بعض المشاكل العائلية والنفسية ولدي اضطرابات بالشخصية وأنا متزوج.
سؤالي الأول هو أن بعض الأدوية التى آخذها تضعف من الشهوة الجنسية، سؤالي هو هل يجوز لي مشاهدة بعض صور الإغراء أي الجنسية أو استعمال بعض الادوية المقوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يشفيك وأن يعافيك، وننصحك بالإكثار من تلاوة القرآن وذكر الله تعالى، والمحافظة على الصلوات مع الجماعة، والإكثار من الصدقة فهذا خير علاج لما تعانيه من المشاكل والهموم.
وأما مشاهدة الصور الجنسية بغرض زيادة الرغبة والشهوة فلا تجوز، والله تعالى لم يجعل الحرام سبباً للوصول إلى الحلال، وانظر الجواب رقم: 3605 وأما استعمال الأدوية المقوية للغرض المذكور، فهذا فيه تفصيل حسب نوع الدواء المستخدم، وقد سبق بيان ذلك تحت الفتوى رقم: 5385
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1422(6/3337)
علاج المرأة للرجال.. حكمه.. ضوابط جوازه
[السُّؤَالُ]
ـ[إننى طبيبة وأود التخصص في أمراض الباطنية هل هنالك موانع شرعية في علاج الرجال علما بأن ظروف العمل تتطلب وجودي كطبيبة مسئولة ليلا بالمستشفى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج أن تعمل المرأة طبيبة وتتخصص في الأمراض الباطنية إذا كان ذلك كله مضبوطاً بالضوابط الشرعية.
وراجعي الجواب رقم: 8972
أما معالجة الطبيبة للرجال فالأصل أنها لا تجوز، لما تقتضيه المعالجة من النظر واللمس والمخالطة والاطلاع على العورة في بعض الأحيان، وهذه الأمور وما يؤدي إليها لا تجوز إلا لضرورة معتبرة شرعاً لا تدفع إلا بارتكاب ذلك المحظور، مثل أن يكون الرجل مريضاً مرضاً قد يؤدي إلى هلاكه، أو فقدان حاسة من حواسه، أو يوقعه في ألم ومشقة ولا يوجد طبيب يعالج، ولا يمكن تأخير العلاج لغاية وجود طبيب، ففي هذه الحالة يجوز للمرأة أن تعالج ذلك الرجل المريض إنقاذاً لحياته وتفادياً للخطر الذي يهدده، وإنقاذاً له من الألم والمشقة، وأما مبيت المرأة مناوبة في المستشفى فقد تقدمت الإجابة عليه برقم: 4106
ولمزيد من الفائدة راجعي الجواب رقم 5181 المتضمن لحكم عمل المرأة عموماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1422(6/3338)
هل يجوز للمرأة أن تتداوى عند طبيب غير مسلم لمهارته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة حامل، أود أن أقوم بمتابعة حملي مع طبيب نسائي مختص ومحترف جداً، مع العلم بأنه توجد بعض الطبيبات النسائيات في البلد، ولكن الطبيب الذي أود التعامل معه ذو خبرة عالية في هذه المجال وهو مسيحي الديانة؟
ماذا أفعل وما هو الحكم الشرعي لذلك؟ أفيدوني بالسرعة القصوى وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت بنصوص الشرع وجوب استتار النساء وحفظ عوراتهن.
قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]
وإذا احتاجت المرأة إلى التداوي والعلاج مما يستلزم معه اطلاع المعالج على عورتها فليكن ذلك عند طبيبة مسلمة، فإن لم توجد الطبيبة المسلمة فطبيبة غير مسلمة، فإن لم توجد فطبيب مسلم، فإن لم يمكن فطبيب غير مسلم.
ولا شك أن الخبرة والمهارة مطلوبة في جانب المعالجة، فإذا كان المعالج على قدر من الخبرة كاف يؤهله للقيام بالعمل المطلوب، فلا يسوغ وجود من هو أمهر منه أن تتعدى المرأة الترتيب السابق وتذهب إلى طبيبة كافرة -مثلاً- مع وجود طبيبة مسلمة يمكنها العلاج على وجه تام، فضلاً عن أن تذهب لطبيب مسيحي مع وجود طبيبات مسلمات، خصوصاً أن طبيب النساء يطلع على عوراتهن المغلظة -غالباً- وتلك لا يجوز أن يطلع عليها إلا الزوج فقط، وغيره لا يباح له الاطلاع عليها، إلا في حدود الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.
وإذا أجيز لجنس من الناس أن يطلع على عورة المرأة للضرورة فلا يجوز لغيره ذلك، مع وجود هذا الجنس، وهنَّ النساء المسلمات في حق السائلة، ولمزيد من التفصيل يراجع الجواب رقم: 8107
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1422(6/3339)
شروط تناول المواد التي تخفف من الشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تناول المنشطات الجنسية للشخص الطبيعي ليقوى على الجماع وكذا من كان به ضعف جنسي (الفياجرا مثلا) ، وما حكم أخذ الشباب أدوية تخفف الشهوة كالكافور لئلا يقع في الحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد تقدم حكم تناول المنشطات برقم:
5385
وأما عما يأخذه بعض الشباب لتخفيف غوائل الشهوة، فلا شك أن الأولى لهم أن يلتزموا في هذا الباب بهدي الإسلام في ذلك. وهو ما ذكره صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: " ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" متفق عليه.
ومع ذلك فلا نرى بأسا في أن يستعين من اشتدت شهوته، وخاف الوقوع في الحرام، بشيء من تلك الأعشاب الطبيعية كالكافور وغيره، وذلك ليحد من شهوته،لأنه لم يأت دليل يمنع ذلك، لكن بشرط ألا يكون لتلك المواد تأثير على الصحة على وجه عام، وعلى خصوبة الإنجاب على وجه خاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1422(6/3340)
الصرع ... ماهيته ... وأنواعه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الفرق بين الصرع والشخص الذي فيه مس من الجان ولكم جزيل الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
... فإن من به مس الجن قد يصرع بسبب ذلك المس وقد لا يصرع، بحسب خبث الجان المتلبس به، فإذا كان الممسوس يصرع فإن ذلك أحد نوعي الصرع المعروفة، والنوع الثاني من الصرع هو ما كان سببه علة مرضية عضوية. قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (الصرع -نعوذ بالله منه - علة تمنع الأعضاء الرئيسية عن استعمالها منعا غير تام، وسببه ريح غليظ تنحبس في منافذ الدماغ، أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء، ويقذف المصروع بالزبد لغلظ الرطوبة.
وقد يكون الصرع من الجن، ويقع من النفوس الخبيثة منهم، إما لاستحسان بعض الصور الإنسية، وإما لإيقاع الأذية به هذا ما قاله المتقدمون، أما أهل الطب الحديث فلم يفرقوا -فيما نعلم - بين النوعين وقد عرفوا ما يحدث بأنه مرض يعرف بنوبات متكررة على فترة طويلة تسبب حركات وقتية غير طبيعة مصحوبة أو غير مصحوبة بإحساس أو سلوك غير طبيعي) انتهى
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1422(6/3341)
التداوي أم احتساب الأجر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن التعرف على البلاء أو المصيبة من حيث العلاج لها أم تركها للأجر عند الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمسألة الأفضلية هنا مسألة، نسبية فقد يكون الصبر على البلاء وترك التداوي أفضل في حق بعض الناس دون بعض، لما يرجوه من الثواب والأجر العظيم على الصبر، لكن بالنظر إلى عموم الناس فإن التداوي أفضل من تركه، لما رواه أبو داود والترمذي عن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب: ألا نتداوى يا رسول الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا الهرم".
وعلى أية حال فالصبر مطلوب من المؤمن، سواء تداوى أو ترك التداوي، ولأن التداوي ربما يطول فيفتقر المريض معه إلى الصبر والرضى بقضاء الله. وما أحسن قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: " عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له" رواه مسلم.
فطلب التداوي مع احتساب الأجر عند الله لا يتنافى مع الصبر، ثم إن ترك التداوي ربما أدى إلى زيادة المرض فيعيقه ذلك عن تحصيل خير أو دفع شر… إلخ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1422(6/3342)
حكم استخراج المني بقصد العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التحاليل الطبية لإخراج المني لطلب الولد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإخراج المني من الإنسان لقصد العلاج ليس محرماً، ولو كان بطريقة الاستمناء هذا إذا لم يكن هناك وسيلة طبية أخرى غيره، ولكن يقتصر في ذلك على قدر الحاجة المطلوبة، فالضرورات تقدر بقدرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1422(6/3343)
حكم حقن الممرضة الإبر للرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أعمل كمساعدة لممرض بحيث أقوم بضرب للإبر في المؤخرة سواء للنساء أو للرجال في حالة عدم تواجده بالعيادة، بالإضافة إلى قياس الضغط إلى آخره، وخصوصا أنني بحاجة إلى ذلك المال الذي سوف أتقاضاه إن شاء الله تعالى. وشكرا جزيلا وجزاكم الله عنى وعن الإسلام أعظم الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعمل المرأة في ذاته جائز، بل قد يكون مستحباً أو واجباً، إذا احتاجت إليه، كأن تكون قد فقدت عائلها بطلاق أو ترمل، أو يتم، أو عجز عن الإنفاق والكسب، ولا رزق لها تعيش منه، مع قدرتها على الكسب الذي يغنيها عن السؤال والتعرض للناس.
وكذا الحال إذا كانت المرأة تعمل عملاً يحتاجه المجتمع نفسه، كأن تكون طبيبة، أو ممرضة للنساء، أو معلمة لهن، فيجوز لها أن تعمل في هذا المجال، ولو لم يكن بها حاجة إلى العمل لحاجة المجتمع إلى ذلك، بل ربما كان عليها واجباً في بعض الأحوال.
وعلى المرأة التي تعمل أن لا تعمل في مجال يستلزم فيه عملها الاختلاط المحرم بالرجال الأجانب، أو الخلوة بهم، وإن دعت الضرورة إلى الاختلاط بالرجال، فليكن في أضيق نطاق، لأن الضرورة تقدر بقدرها، ولابد من تجنب الخلوة بالواحد منهم على كل حال.
كما لابد أن تكون ملتزمة بحجابها وحشمتها ووقارها، ولا تخضع بالقول. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب:59]
وقال تعالى: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31] .
وقال تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [الأحزاب:32] .
والنصوص في ذلك كثيرة.
ويشترط لذلك أيضاً ألا يكون عملها ذلك سببا في إخلالها بما هو واجب عليها، كتربيتها لأولادها، وواجبها نحو زوجها.
ومما تقدم تعلمين أن لك أن تعملي مساعدة ممرض ما دمت ملتزمة بالشروط الواجب توفرها في عمل المرأة.
وأما بالنسبة لضرب الإبر للرجال، فلا يجوز لك ذلك، لأن هذا يستلزم اطلاعك على عورة الرجل، ولك أن تشترطي أن لا تقومي بهذا العمل إلا للنساء فقط، ما لم يكن هنالك رجل على حالة لا تسمح بتأخير الحقنة حتى يأتي الممرض الذكر، فلك أن تقومي بحقنه، ولتقصري نظرك على موضع الحقن فقط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1422(6/3344)
حكم تداوي المرأة عند الطبيب
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من شبه صلع أو أقل حدة في مقدمة الرأس ويوجد بالمدينة مراكز متخصصة لعلاج هذه الحالة؛ لكن من يقوم بالتشخيص رجل بينما تقوم سيدة بالعلاج حسب وصفه (علما بأنني حاولت العلاج عند طبيبة لكنها لم تنجح معي) ومنعني والدي بحجة أن شعري عورة ولا يجوز كشفه للمعالج مهما كانت الأسباب؛ لكنني أستشعر عدم الحرمانية فيه حيث أنه للعلاج وليس للزينة؛ أرجو إفادتي بالرأي الصواب وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمرأة أن تتداوى عند طبيب رجل في قول عامة أهل العلم، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، ولم توجد امرأة تطببها، ولو كافرة.
وأما ما لا يصل إلى حد الضرورة، كألم يمكن تحمله، أو تشويه يراد علاجه، ونحو ذلك من الحاجات، فقد أجاز جماعة أهل العلم اطلاع الطبيب عليها أيضا، وذلك بشروط:
الأول: ألا توجد امرأة تصلح لذلك، مسلمة أوكافرة.
الثاني: أن يكون ذلك في حضور محرم لها.
الثالث: ألا تكشف إلا موضع المرض، وأن تستر ما عداه ستراً جيداً.
الرابع: واشتراط بعض الفقهاء أن يكون الطبيب أميناً.
فالمرأة يجوز لها أن تتداوى عند طبيب رجل إذا دعت إلى ذلك ضرورة أو حاجة في قول هذه الجماعة من أهل العلم، وكلما كان موضع الداء في الوجه، أو اليدين، أو ما يقرب من ذلك أبيح لمطلق الحاجة، وكلما قرب من العورة المغلظة اشترط وجود الحاجة المؤكدة، أو الضرورة.
قال العز بن عبد السلام - رحمه الله- في قواعد الأحكام:
(ستر العورات واجب، وهو من أفضل المروءات، وأجمل العادات، ولا سيما في النساء الأجنبيات، لكنه يجوز للضرورات والحاجات.
أما الحاجات: فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه ... ونظر الأطباء لحاجة الدواء ...
وأما الضرورات: فكقطع السلع المهلكات، ومداواة الجراحات المتلفات، ويشترط في النظر إلى السوءات لقبحها من شدة الحاجة، ما لا يشترط في النظر إلى سائر العورات.
وكذلك يشترط في النظر إلى سوأة النساء من الضرورة والحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سوأة الرجال، لما في النظر إلى سوءاتهن من خوف الافتتان، وكذلك ليس النظر إلى ما قارب الركبتين من الفخذين، كالنظر إلى الأليتين) . انتهى.
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج:
(واعلم أن ما تقدم من حرمة النظر والمس، هو حيث لا حاجة إليهما، وأما عند الحاجة، فالنظر والمس مباحان لفصد، وحجامة، وعلاج، ولو في فرج للحاجة الملجئة إلى ذلك، لأن في التحريم حرجاً، فللرجل مداواة المرأة وعكسه، وليكن ذلك بحضرة محرم، أو زوج ... ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك من امرأة، وعكسه ...
ولو لم نجد لعلاج المرأة إلا كافرة ومسلماً، فالظاهر كما قال الأذرعي: أن الكافرة تقدم، لأن نظرها ومسها أخف من الرجل.
إلى أن قال: ويعتبر في النظر إلى الوجه والكفين مطلق الحاجة، وفي غيرهما عدا السوأتين تأكدها ... وفي السوأتين مزيد تأكدها بأن لا يعد التكشف بسببها هتكاً للمروءة، كما نقلاه عن الغزالي وأقراه) . انتهى.
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية:
(فإن مرضت امرأة، ولم يوجد من يطبها غير رجل جاز له منها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره منها حتى الفرجين، وكذا الرجل مع الرجل. قال ابن حمدان: وإن لم يوجد من يطبه سوى امرأة، فلها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره منه حتى فرجيه.
قال القاضي [أبو يعلى] : يجوز للطبيب أن ينظر من المرأة إلى العورة عند الحاجة إليها نص عليه (أي الإمام أحمد) في رواية المروزي، وحرب والأثرم، وكذلك يجوز للمرأة") . انتهى.
والحاصل أنه إذا كان ما ذكرت من الحدة أو شبه الصلع في مقدمة رأسك مشوها، أو يخشى امتداده، ولم تجدي طبيبة تقوم بعلاجه، جاز لك الذهاب إلى طبيب يقوم بتشخيص الحالة كما ذكرت، في حضور محرم لك، مع ستر جميع الرأس إلا موضع العلة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1422(6/3345)
زواج الأقارب ... وما يثار حوله من شبهات وأخطار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد نهي شرعي عن الزواج من الأقارب، حيث إن بعض الأطباء يقرر أنه من أسباب الأمراض الوراثية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حرم الله الزواج من بعض الأقارب، مثل: نكاح الأمهات والبنات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، والعمات، والخالات، فهذا من زواج الأقارب المحرم قطعاً في الشريعة الإسلامية. وما سواه من أقارب النسب، فقد أحله الإسلام، فبعد آية تحريم النساء في سورة النساء: (حرمت عليكم أمهاتكم) قال سبحانه بعدها: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) [النساء: 24] .
فزواج بنت العمة، أو بنت العم، أو بنت الخال، أو بنت الخالة، إباحته تعتبر من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة، وأما ما ورد من آثار تنصح بزواج الأباعد دون الأقارب، فكلها لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت عنه أن الإنسان يتخير الأكفأ ديناً وخلقاً.
وما يثار طبياً عن زواج الأقارب من أنه سبب لكثير من الأمراض دعوى تحتاج إلى برهان، بل إن كثيراً من الأطباء يفندون هذه الإشاعة ويهونون منها.
يقول الدكتور محمد البار في هذا الشأن: الأمراض الوراثية التي نسميها متنحية موجودة لدى الزوج، وموجودة لدى الزوجة، وكلاهما يبدو سليماً من هذه الأمراض التي هي تزداد بزواج الأقارب، ونسبة الأمراض الوراثية - عبر جيل واحد - الموجودة في المجتمع لا تزيد عن 2 من التشوهات الموجودة في الأطفال المواليد عند ولادتهم، وهي حوالي 2-3، أو من 3 إلى 4 فهناك نسبة زيادة، ولكنها ليست على نطاق واسع كما يشاع ويظهر أمام الناس، وبعض الدعايات وحتى بعض الأطباء يشنون حملة شديدة على زواج الأقارب غير مبررة بهذه الصورة. انتهى.
فهذه الأمراض الوراثية لا تكون إلا بنسبة ضئيلة جداً، وفي حالة زواج الأقارب المتكرر داخل الأسرة.
أما الدكتور أحمد شوقي إبراهيم مستشار الأمراض الباطنية بمستشفى الصباح بالكويت، فقد خلص في بحثه إلى أن القول بأن زواج الأقارب يسبب أمراضاً وراثية في الذرية ليس صحيحا في كل الأحوال، وأنه لا ينبغي أن يكون قانوناً عاماً، أو قاعدة عامة، بل إن لزواج الأقارب بعض الإيجابيات حتى الصحية في بعض الأحوال، وأنه ينقذ الأجيال القادمة من كثير من الأمراض.
وخلص إلى أنه لا فضل لزواج الأقارب على زواج الأباعد، ولا لزواج الأباعد على زواج الأقارب، وأن على كل من الرجل والمرأة أن يختار شريكه وفق الصفات الخَلْقية والخُلُقية، ولو كان في زواج الأقارب ضرر لما أحله الله تعالى لرسوله، وأشار إليه إشارة صريحة بقوله تعالى: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ... ) [الأحزاب: 50] .
وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش، وهي ابنة عمته، وزوج ابنته فاطمة بابن عمه علي ابن أبي طالب، ولم يزل السلف يتزاوجون من أقاربهم، والأمر في النهاية يعود إلى طبيعة المرأة، وطبيعة الرجل، ووجود طفل مشوه من زوجين قريبين لا يعني حصر ذلك في زواج الأقارب، ولذلك لا ينبغي الإحجام عن زواج الأقارب لهذا الأمر، وأن لا ينتاب الإنسان قلق منه، ولا يجوز للمرأة أو الرجل منع الحمل خوف إنجاب ذرية مشوهة، فلو تخوف الإنسان مما قد يحدث له في المستقبل لما تحرك خطوة، ولكن علينا الأخذ بالأسباب والرضى بقضاء الله وقدره. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1422(6/3346)
ضوابط معالجة الطبيب للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تخرجت حديثاً من كلية الطب وأرغب في تخصص النساء والتوليد لأني متمكن منه جدا جدا وكما تعلمون أن الله سبحانه وتعالى يحاسبنا نحن معشر الأطباء عن أي تقصير قد يحدث للبشرعلى أيدينا فأفيدوني أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للرجل التخصص في طب النساء خصوصاً فيما لا يمكن عادة أن يقوم به أغلب النساء المتخصصات، كالعمليات الجراحية المعقدة.
وإذا تخصص هذا التخصص فعليه أن يلزم جانب الحيطة والحذر أثناء ممارسة المهنة، فلا يكشف إلا عما تدعو الضرورة إلى الكشف عنه، ولا يخلو بمريضة منفرداً، ولا يباشر من العلاج ما أمكن أن يباشره النساء الطبيبات، وأن يلازم استشعار كون الله مطلعاً عليه، وهو يعلم السر وأخفى. أما عن حدود الخطأ وما يترتب عليه فانظر له فتوى رقم:
5852
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1422(6/3347)
حكم التداوي بالخمر، وبشحم الخنزير وغيره من النجاسات
[السُّؤَالُ]
ـ[المعالجة بشحم الخنزير وذلك عبر الدبر. هل هو حرام أم حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في التداوي بالمحرمات والنجاسات الحرمة، لعموم الأدلة في ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام" رواه أبو داود، وقول أبي هريرة رضي الله عنه " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث" رواه أحمد وأبو داود والترمذي. لكن عند الضرورة يجوز التداوي بها، والدليل على ذلك: الأدلة العامة على إباحة المحرم للمضطر، كقول الله سبحانه (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) [الأنعام:119] ففي هذه الآية وغيرها دليل على إباحة تناول المحرمات عند الاضطرار.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله (جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة) انتهى من قواعد الأحكام.
ويستثنى من المحرمات الخمر فإنه لا يجوز التداوي بها حتى عند الضرورة، للأحاديث الخاصة التي نهت عن التداوي بها، وبينت أنها داء، وليست بدواء كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر " إنه ليس بدواء ولكنه داء " رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (3/5) : وليس هذا مثل أكل المضطر الميتة، فإن ذلك يحصل به المقصود قطعاً، وليس له عنه عوض، والأكل منها واجب، فمن اضطر إلى الميتة، ولم يأكل حتى مات دخل النار، وهنا لا يعلم حصول الشفاء، ولا يتعين هذا الدواء، بل الله تعالى يعافي العبد بأسباب متعددة، والتداوي ليس بواجب عند جمهور العلماء، ولا يقاس هذا بهذا.
قال النووي في المجموع: إذا اضطر إلى شرب الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات المائعة غير المسكر، جاز شربه بلا خلاف… إلى أن قال: وإنما يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها، فإن وجده حرمت النجاسة بلا خلاف، وعليه يحمل حديث " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" فهو حرام عند وجود غيره، وليس حراماً إذا لم يجد غيره …
وإنما يجوز ذلك إذا كان المتداوي عارفاً بالطب، يعرف أنه لا يقوم غير هذا مقامه، أو أخبره بذلك طبيب موثوق بخبرته.
وعليه: فإنه لا يجوز المعالجة بشحم الخنزير كما لا يجوز التداوي بأي جزء من أجزائه لأي سبب، لأن الخنزير نجس العين، وكل ما يخرج منه من مائعات وغيرها نجس، إلا إذا كان هناك ضرورة للعلاج به. بشرط أن لا يوجد من الأدوية المباحة ما يقوم مقامه، وأن يخبرك طبيب ثقة أن هذا الدواء نافع لهذا المرض، وأنه لا يوجد له بديل مباح. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1422(6/3348)
خطأ الطبيب وما يترتب عليه.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حدود الخطأ المهني في الطب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخطأ في مهنة الطب أمر محتمل ووارد، فالأطباء ومساعدوهم بشر يعتريهم ما يعتري غيرهم من خطأ أو نسيان.
فإذا قام طبيب بمعالجة مريض وترتب على ذلك تلف عضو أو عاهة أو نحو ذلك فلا يخلو هذا الطبيب من أن يكون دعياً على مهنة الطب جاهلاً بأصولها، ولم يعرف عنه ممارسة الطب قبل ذلك من قبل أهل الاختصاص، أوأن يكون طبيباً حاذقاً مشهوداً له بالكفاءة في مهنته.
فالأول وهو من أوهم الناس أنه طبيب -وليس هو كذلك- ويدخل فيه من عالج حالة في غير اختصاصه، فهذا يضمن ما يترتب على علاجه من تلف عضو أو عاهة أو أي ضرر يلحقه بالمريض، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن"، رواه أبو داود، وفي رواية: "ولم يكن بالطب معروفاً فأصاب نفساً فما دونها فهو ضامن"
فقوله: "تطبب"، أي: تكلف الطب ولم يكن طبيباً، أو تكلف اختصاصاً ليس له دراية به، أو له به دراية لا تؤهله إلى القيام بمعالجة مثل هذه الحالة، فهؤلاء يضمنون خطأهم وعمدهم.
قال ابن القيم في زاد المعاد عن الطبيب الجاهل: (فإذا تعاطى الطب وعمله ولم يتقدم له به معرفة فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه فيكون قد غرر بالعليل فيلزمه الضمان لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم) .
وأما الطبيب الحاذق المشهود له بالكفاءة فإنه ينقسم إلى عدة أقسام من حيث الضمان وعدمه: الأول الطبيب الحاذق الذي أعطى الصنعة حقها ولم تخطئ يده وقام بالمعالجة على الوجه الأكمل المطلوب ولم يقصر في حق المريض، ولكن تولد من فعله ذلك المأذون له فيه من جهة الشارع ومن جهة من يطببه تلف عضو أو نفس أو ذهاب صفة فهذا لا ضمان عليه باتفاق أهل العلم، ومثال ذلك طبيب قام بجراحة في عين مريض وقام بإعطاء الجراحة حقها، ولم تجن يده فيها بالخطأ ووصف له الدواء المناسب لحالته، ثم بعد ذلك تلفت أو ضعف بصرها فهذا لا ضمان عليه.
الثاني: الطبيب الماهر الذي أعطى الصنعة حقها ولكن أخطأت يده إلى عضو صحيح فأتلفته فهذا يضمن لأنها جناية خطأ.
الثالث: الطبيب الماهر الحاذق الذي اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده -وكانت الحالة مما يختص بعلاجها- فتلف بذلك الدواء عضو أو مات بسببه فهو ضامن لذلك أيضاً، وفي الحالات الثلاث لا يأثم الطبيب وإن كان يضمن في بعض منها.
الرابع: الطبيب الحاذق الماهر الذي أعطى الصنعة حقها ولكنه قام بالمعالجة أو الجراحة بغير إذن المريض أو إذن وليه، فهو ضامن لما يحدث لأنه فعل أمراً غير مأذون له فيه، وهذا وإن كان محسناً في فعله لكنه أساء في تعديه على عضو بغير إذن صاحبه مع عدم قطعه بتمام الشفاء، لأن أمور الطب لا يستطيع الطبيب مهما بلغ من إتقان أن يجزم بتمام النجاح فيها، فوجب عليه إذن صاحبه أو وليه إن لم يكن أهلاً للإذن كالصبي أو المجنون. والطبيب الذي يضمن ما يحدث لمريضه مرجع ذلك -غالباً- إلى خروجه عن أصول المهنة نظرياً أو تطبيقياً أو هما معاً.
فالأول: وهو خروجه عن الأصول العلمية من الناحية النظرية مثل: من يقوم بوصف دواء أو بعمل جراحة جرى العمل بها حقبة من الزمن ثم ألغيت بسبب وجود البديل عنها، فهذه الجراحة أو الوصفة إذا قام الطبيب بها مع علمه بإلغائها وإمكان قيامه بفعل البديل عنها فإنه يعتبر خارجاً عن الأصول العلمية من الناحية النظرية إذا طبق معلومات تلك الجراحة على الوجه المطلوب فهو ضامن لمخالفته الأصول العلمية، وإن كان غير مخالف من الناحية العملية.
الثاني: خروجه عن الأصول العلمية من الناحية التطبيقية كقيامه بعملية معتبرة من الناحية النظرية ولكنه خرج عن طريقة تطبيقها الصحيح عند أهل الاختصاص، كشقه في غير موضع الشق المعتبر للعملية، أو شقه قدراً زائداً عن القدر المطلوب، فهو ضامن لمخالفته في الناحية العملية دون الناحية العلمية.
الثالث: خروجه عن الأصول العلمية من ناحية النظرية والتطبيق، وأكثر ما يكون ذلك عند قيام الطبيب بجراحة للمريض مستنداً على اجتهادات شخصية دون مراعاة للضوابط والحدود التي ينبغي مراعاتها في أثناء أداء الجراحة، وهذه أشد حالات المخالفة التي تقع من الأطباء لجرأتهم واستخفافهم بهذه المهنة العظيمة، فهو مخالف من الناحية العلمية والعملية معاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1422(6/3349)
ما يمكن أن يمنع اتصال الرجل مع زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو السبب الحقيقي لعدم اتصال الرجل مع زوجته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد يكون ذلك لعدة أسباب:
منها أن يكون ذلك بسبب مرض عضوي كالاعتراض (وهو عدم القدرة على الانتصاب) ونحوه. ومنها أن يكون بسبب مرض نفسي. ومنها أن يكون بسبب سحر وهو ما يعرف عند العامة بالربط، ومنها أن يكون بسبب عين، ويعالج المرض عضوياً أو نفسياً لدى الأطباء الموثوق بهم، كما يعالج بالرقى الشرعية، وأما السحر والعين فلا يعالجان إلا بالرقى الشرعية فقط، وعلى كل فمن أصيب بشيء من ذلك أيا كان نوعه فليلتجئ إلى الله تعالى أولاً وقبل كل شيء، فهو الشافي شفاءً لا يغادر سقماً. ثم ليتعالج بما شرع الله تعالى من العلاج مع الثقة كل الثقة بالله والاعتماد كل الاعتماد عليه، وحذار حذار من اللجوء إلى ما حرم الله تعالى من دواء محرم أو سحر أو شعوذة أو نحو ذلك فإن ذلك كله لا يأتي بخير. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(6/3350)
التداوي مشروع بما لم تعلم حرمته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أتعالج من مرض الاكتئاب وأعطاني الدكتور دواء وأنا لا أعلم إذا كان الدواء مركبا من محرمات أم لا. سؤالي هو: هل يجوز استعماله لأنني قرأت في كتاب بأن التداوي بالحرام لا يجوز.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتداوي مشروع ولم ينزل الله داءً إلا جعل له دواءً. وفي سنن الترمذي عن أسامة بن شريك قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: "نعم عباد الله، تداووا فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحدا"ً. قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: "الهرم". وقد ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتداوى وأصحابه كانوا يتداوون.
وعليه فلا حرج عليك أن تتداوى عند هذا الطبيب، وتستعمل الدواء الذي يعطيك، إلا إذا علمت أنه اشتمل على ما هو محرم فاجتنبه، ولست مطالباً بالبحث عما اشتمل عليه: أمحرم أم لا. لأن الأصل في الأشياء الإباحة، هذا إذا لم يخبرك مخبر أنه مركب مما هو محرم، وننصحك بوصفة نافعة لما تعانيه وهي التوبة إلى الله تعالى وكثرة الاستغفار والأعمال الصالحة وتقوية وترسيخ الإيمان بالله تعالى والتسليم لقضائه وقدره، وتفويض الأمر كله إليه، وعليك بقراءة القرآن خاصة، فإن فيه شفاءً لما في الصدور، وعليك بذكر الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وكثرة الالتجاء إلى الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(6/3351)
حكم نتاول الأدوية التي تحوي الكحول
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للغسول الفموي (أي الغسول الخاص بالفم والتهاب اللثة أو المضمضة) فأكثره يدخل الكحول في تركيبه فهل استخدامه جائز شرعاً وشكراً لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قبل الجواب عن هذا السؤال لا بد من توضيح أمرين:
الأول: القول بأن الغسول الخاص بالفم والتهاب اللثة أو المضمضة أكثره يدخل الكحول في تركيبته مجرد دعوى، لا يترتب عليها حكم حتى نتيقن بوجوده في نوع معين، فيصدر الحكم بشأنه.
الثاني: من العلماء من قال بأن الكحول يدخل في كثير من المركبات الدوائية والصيدلانية، فيستخدم مذيباً للمواد الدهنية والقلوية، أو لإعطاء الدواء نكهة معينة تعودها الغربيون، حيث يأتينا الدواء جاهزاً مصنعاً في أغلب الأحيان، أويستخدم كمادة مذيبة وحافظة.
وعلى أية حال فالذي نرجحه -والعلم عند الله- أن الأمر يتوقف على كمية الكحول، فإذا كانت النسبة في أي مركب دوائي أو عطري أو غيره نسبة تجعل من هذا المركب شراباً يسكر إذا شرب منه الكثير بسبب الكحول، فإنه يحرم القليل والكثير شرباً واستعمالاً، كالمضمضة ونحوها، ويحرم بيعه وشراؤه، وإذا كانت النسبة قليلة بحيث إن المسكر استهلك وذاب ولم يبق له لون ولاطعم ولارائحة ولاأثر سكر إذا شرب منه الكثير: فليس بحرام، ويجوز استعماله وبيعه وشراؤه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1421(6/3352)
التداوي عند أهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العلاج لدى طبيب مسيحي ماهر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم......وبعد:
الأصل في المسلم إذا احتاج إلى طبيب أن يبحث عن الطبيب المسلم الأمين الحاذق، فهذا إن وجد لا ينبغي العدول عنه فإن لم يوجد أو وجد وكان من الكفار من هو أعلم منه بمرضك فلا حرج عليك في الذهاب إليه والأصل في حل ذلك العمومات الواردة في النصوص، في جواز التعامل مع أهل الكتاب فيما يتعلق بأمور المعاملات وغيرها مما لا يعتبر موالاة لهم ومحبة فيهم ومما يدخل في العمومات التداوي عندهم ولكن ينتبه إلى ما إذا أشار الطبيب المسيحي إلى ترك الصيام أو إلى الصلاة قاعداً فهذه أخبار متعلقة بالدين فينبغي عدم التسليم لأقواله مباشرة إلا إذا اتفق قوله وقول بعض الأطباء المسلمين ممن هم أدنى منه مستوى على ذلك. وعليك أخي المسلم إن كنت مبتلى بمرض بالإكثار من الدعاء الذي كان يدعو به سيدنا أيوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: "ربّ إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ". والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(6/3353)
إذا احتاجت المرأة إلى العلاج ولم تجد طبيبة ما تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أنا امرأة أعاني من آلام شديدة في المعدة وأنا أتعالج الآن عند دكتور باطني متخصص في هذه الأمراض..السؤال يا فضيلة الشيخ هل يجوز أن أذهب إلى دكتور رجل وأن أكشف عن موضع المعدة أمامه؟ وجزاك الله عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمرأة أن تكشف لرجل لا يحل لها عن شيء من عورتها التي قد أمرت بسترها عنه. فإن احتاجت لذلك بسبب مرض أو نحوه ولم تجد امرأة طبيبة تقوم بهذا العمل، وكان المرض يشكل خطراً على الحياة أو يخشى بسببه ذهاب عضو أو حاسة ولم يمكن تأخيره إلى أن يتم الوصول إلى مكان فيه طبيبة تستطيع القيام بهذه المهمة فلا حرج إن شاء الله في أن تكشف لهذا الطبيب عمَّا دعت إليه الضرورة من جسدها، وليكن ذلك بحضرة زوجها إن أمكن، فإن عدم فأحد محارمها، وإلا فمن تندفع به الخلوة المحرمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1422(6/3354)
حكم تأجيل الإنجاب من أجل الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم لطفل عمره 3 سنوات، واستخدمت موانع الحمل لحاجة طفلي للرعاية الخاصة ـ والحمد لله عافاه الله ـ وأكرمني الله بالحج منذ 4 سنوات وأرغب فى الحج العام القادم حتى تكون قد مرت 5 سنوات على الحجة الأولى، فهل لو استمررت في منع الحمل عاما آخر حتى أحج الحجة الثانية أكون آثمة لتأجيل الحمل لهذا السبب حيث لا يمكنني الحج وأنا حامل أو مرضع؟.
أسألكم بالله أن تجيبوني، جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في تأجيل الإنجاب حتى تتمكني من أداء الحج، لكن ذلك لا بد أن يكون برضا زوجك، فإن الإنجاب حق مشترك للزوجين لا يجوز لأحدهما أن يمنع الآخر منه، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 31369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1430(6/3355)
الفحص الطبي قبل الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه مخطوبة لشاب ذي خلق ودين ولكنه مثله ككثير من الشباب له ماض سيئ ولكن الله تاب عليه ولقد قرأت مقالا عن مرض العصر الذي ينقل عن طريق الحرام والزنا والعياذ بالله والدم وقد أثار قلقي من ناحية خطيبي وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أوجه له هذه الشكوك وكيف أتأكد من ذلك وماذا أفعل اتجاهه في ظل الشريعة وكيف أطمئن له؟ فأعينوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل هو سلامة الرجل من هذه الأمراض، ولذا نرى أن تعرضي عن مطالبته بالفحص الطبي، واعلمي أن العدوى لا تعدي بنفسها، بل بإذن الله تعالى، ولذا، فتوكلي عليه، وانظري الفتوى رقم: 49913 ولكن إن أصررت على طلب الفحص لظنك أنه مصاب بهذا الداء فمن حقك ذلك، وإن استطعت أن تصلي إلى ذلك بوسيلة من وسائل التحايل من طريق بعض أقاربك فأمر حسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1425(6/3356)
شروط جواز وسائل منع الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال حول وسائل منع الحمل لتنظيم النسل
- وسائل منع تكون بويضة المرأة.
- وسائل التقاء البويضتين.
- وسائل منع تعلق النطفة بالرحم.
الحكم الشرعي لكل وسيلة.
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وسائل منع الحمل عموماً على قسمين:
القسم الأول: قطع الحمل نهائياً، وهذا لا يجوز لأن من مقاصد الشريعة الإسلامية تكثير النسل وبقاءه، ومنع الحمل الدائم واستعمال وسائله هادم لهذا المقصد العظيم ومصادم له، فاستوجب أن يكون حراماً.
والقسم الثاني: المنع المؤقت، وذلك جائز بشروط وهي:
1/ ألا يكون في استخدامها ضرر على المرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني في غاية المرام، أي لا ضرر ابتداء، ولا يرد الضرر بضرر مثله أو أكثر أو أقل منه.
ولقول الله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء: 29} .
2/ أن يكون ذلك برضا الزوجين، لأن إيجاد النسل من مقاصد النكاح الأساسية، وهو حق ثابت لكل واحد منهما، فلا يجوز لأحدهما منع الآخر منه بدون رضاه.
3/ أن تدعو الحاجة إلى ذلك، كتعب الأم بسبب الولادات المتتابعة، أو ضعف بنيتها، أو غير ذلك.
4/ ألا يكون القصد من استخدام هذه الموانع هو قطع النسل بالكلية، وسبق في الحالة الأولى.
ودليل الجواز حديث جابر رضي الله عنه قال: كنا نعزل والقرآن ينزل - يعني على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولو كان الفعل حراماً لنهى الله عنه. وكذلك ما روي عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل.
فما ذكر في السؤال من وسائل منع الحمل كمنع تكون بويضة المرأة ومنع التقاء البويضتين ومنع تعلق النطفة بالرحم حكمها على ما سبق تفصيله بحسب تأثيرها على الحمل من حيث منعه نهائياً أو مؤقتاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(6/3357)
حد الضرورة التي تبيح إجراء عملية استئصال الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب إليكم من هولندا، وليس عندي لوحة مفاتيح العربية ولكنني أقرأ وأكتب العربية جيداً، سؤالي هو: أنا أعاني كثيراً من نزيف شديد بعد كل دورة (الحيض) مع نزيف حاد يستمر أسبوعا وزيادة، وفي بعض الأشهر تمتد إلى 20 يوماً، والمشكلة الكبرى هي ما يترتب عليها من مضاعفات، فأكون مريضة طوال هذه الأيام (صداع في الرأس، التقيء، أنيميا، تعب، ضعف....) بالإضافة إلى المشاكل النفسية والعلاقة مع زوجي، استشرت أطباء كثيرين وهذا منذ 14 سنة، في هذا الصيف قال لي الأطباء بعد أخذ الصور بأنه يوجد بعض الأنسجة في رحمي وهذه الأنسجة هي السبب في مشكلتي، وبعدها استعملت كل الأدوية وكل الأساليب في إيجاد الحل، لكن بدون فائدة وبعد كل هذه المحاولات يقول الأطباء بأن هذه الأنسجة موجودة على الرحم بالضبط، ولا يمكن إزالتها لوحدها، ولهذا أنا أمام خيارين: إجراء عملية إزالة الرحم أو عملية حرق ما حوال الرحم، وفي الحالتين لا يمكنني الإنجاب، والحمد لله عندنا ثلاثة أولاد، سؤالي: هل يجوز إجراء مثل هذه العمليات، ماذا يمكن أن أفعل، أرجو أن تجيبوني بسرعة، هل يجوز إجراء عملية استئصال الرحم في هذه الحالة، أرجو الرد سريعاً لأنني عندي موعد في الأسبوع المقبل في المستشفى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما تعاني منه السائلة الكريمة بعد الحيض هو ما يسمى بالاستحاضة، وكنا قد أوضحنا في الفتوى رقم: 34192، والفتوى رقم: 4109 ما تعمله المستحاضة عند كل صلاة.
أما حكم عمل مثل هذه العمليات المذكورة في السؤال فإن الأصل أنه لا يجوز الاطلاع على العورة ولا سيما إذا كان الطبيب الذي يشرف على ذلك رجلاً، لكن إذا دعت إلى ذلك ضرورة أو حاجة معتبرة ولم توجد طبيبة فلا حرج في أن يتولى الطبيب علاج المرأة ولتفصيل، هذا الحكم يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 883.
وكذلك مسألة استئصال الرحم فإن الأصل أنه لا يجوز عمل ما يقطع الإنجاب إلا إذا خيف على المرأة ضرر محقق ربما يأتي على نفسها أو يشق بها مشقة عظيمة، وبناء على ما ذكرته السائلة من أنها استنفدت وسائل العلاج لهذا المرض وأنها تعاني منه مشقة دائمة زائدة على المعتاد، وأخبرها الأطباء العارفون بأنه لا علاج لما تعاني منه إلا باستئصال الرحم أو غيره مما يمنع الإنجاب فإنه يجوز لها أن تعمل ما يزيل عنها الضرر المزمن لأن من قواعد الشريعة أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وللمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36768، 17553، 10142.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(6/3358)
الرؤية الشرعية في الخروج من بلد تفشى فيه الوباء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مواطن أردني أعيش في الصين وكما سمعتم أنه ينتشر عندنا المرض المعروف بالسارس وعليه فقد قام أئمة المساجد بوقف صلاة الجمعة علما بأن الوضع ليس في تلك الخطورة ولا يوجد في المدينة سوى مسجدين وعدد السكان فيها يقارب ستة ملايين فهل تجوز لنا مغادرة البلاد علما بأن المرض لم يصل إلى درجة الطاعون؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخروج من الأرض التي حل بها وباء أو البلاد الوخمة جائز، وقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم للرعاء الذين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصبحوا، وإنما اختلف العلماء في البلاد التي نزل بها الطاعون، هل يجوز الخروج منها والدخول إليها أم لا؟
فالذي عليه الأكثر أن الفرار من البلد الذي به الطاعون حرام، وكذلك القدوم عليه.
ومن العلماء من جوز ذلك وهو مشهور مذهب مالك.
على أن المنصوص بالخروج خروج الفرار من قدر الله، لكن لو خرج بقصد التداوي فجائز، قال ابن حجر الهيتمي: والحاصل أن من خرج لشغل عَرَضَ له أو للتداوي من علة به أو غيره، فلا يختلف في جواز الخروج له لأجل ذلك.
ومما ينبغي التنبه له أنه قد حكي الإجماع على جواز الفرار من أرض وباء غير الطاعون.
قال ابن حجر الهيتمي: وخرج بالفرار من محل الطاعون الفرار من أرض الوباء، فإنه جائز بالإجماع كما قاله الجلال السيوطي. انتهى الفتاوى الفقهية.
فعلم من هذا أن اختلاف العلماء في حرمة أو جواز الخروج من بلد أو الدخول فيه إنما هو في الطاعون لا في سائر الهلاك، فالطاعون أخص من الوباء، وله أحكام تخصه ليس هذا محل بسطها، وانظر الجواب رقم: 31701.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1424(6/3359)
هل يأخذ مرض سارس حكم الطاعون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعلمون بمرض سارس المميت المنتشر الآن بهونج كونج، لي ابن عمة يعمل بهونج كونج وقد أرسلت للاطمئنان عليه فأخبرنى أن الوضع غير مطمئن، حيث إن المرض ينتشر بشكل عشوائي ولا أحد يعرف من يأتى عليه الدور للإصابة بهذا المرض المميت، فهل أنصحه بالنزول إلى أرض الوطن للبعد عن هذا المرض مع إيماني الأكيد بأنه لن يفر من قدر الله وأنه لو أراد الله له النجاة من هذا المرض ولوأصاب كل من حوله لنجا، فهل حرام علي أن أنصحه بهذه النصيحة مع علمي الأكيد أيضا أن احتمال إصابته بمثل هذا المرض قد يودي بحياة والدته المصابة بضعف عضلة القلب وحذرها الأطباء من الانفعال أو الزعل، ولكن هل نصيحتي هذه تدخل فى نطاق الفرار من قدر الله وهل هي حرام؟
أرجو إفادتى فى أسرع وقت0
جزاكم الله خيرا0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم:
31701 أن غير الطاعون من الأمراض الوبائية لا يأخذ حكم الطاعون، على قول أكثر أهل العلم، وعليه فلا حرج عليك في نصح قريبك بالابتعاد عن أرض الوباء المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1424(6/3360)
الموقف الشرعي من دخول البلاد الموبوءة بالسارس
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً على موقعكم المفيد
أنا أعمل في الولايات المتحدة الآمريكية وبحثت جاهداً عن عمل في بلد آخر، وقد وفقني الله للحصول على عمل في سنغافورة وذلك قبل انتشار مرض الالتهاب الوبائي (سارس) وإعلان ذلك البلد ضمن البلاد الموبوءة، والمفترض الآن أن أجهز نفسي للانتقال إلى سنغافورة في شهر تموز (يوليو) من هذا العام، فهل جائز شرعا الانتقال إلى البلد الموبوء بهدف العمل؟
ملاحظة: فرصة العمل في سنغافورة هي الفرصة الوحيدة المتاحة حاليا والمضمونة بإذن الله؟ وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن عوف قصة قدوم عمر إلى الشام وعلمه بالطاعون قبل الدخول في قصة طويلة، وفيها: أن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه.
قال ابن حجر الهيتمي في فتاويه: اختلف العلماء في الخروج من البلد الذي وقع به الطاعون والقدوم عليه.
وظاهر كلام ابن عبد البر والقاضي عياض أن النهي للتحريم، ثم زاد القاضي أن أكثر العلماء على ذلك..... وعلى ذلك جرى ابن خزيمة من أصحابنا ... ومن ثم قال التاج السبكي وتبعه المحققون: مذهبنا -وهو الذي عليه الأكثر- أن النهي من الفرار للتحريم، وكلام النووي في شرح مسلم صريح في تحريم القدوم كالفرار حتى قال: فيه منع القدوم على بلد الطاعون والخروج منه فراراً من ذلك، أما الخروج لعارض فلا بأس، هذا هو مذهبنا ومذهب الجمهور.
قال القاضي عياض: وهو قول الأكثرين.... ومنهم من جوَّز القدوم عليه والخروج منه فرارا، وهو المشهور من مذهب مالك ثم قال: والصحيح ما قدمناه من النهي عن القدوم والفرار. انتهى.
وذكر الحافظ في الفتح: أن من العلماء من أجاز ذلك لمن قويت عزيمته وعُلِم توكله وصبره على ذلك.
لكن هل ما سبق ذكره عن الطاعون يشمل كل الأوبئة والأمراض أم هو خاص بالطاعون فحسب؟:
قال ابن حجر الهيتمي في فتاويه: وخَرَج بالفرار من محل الطاعون الفرار من أرض الوباء فإنه جائز بالإجماع، كما قاله الجلال السيوطي وعبارته: الوباء غير الطاعون، والطاعون أخص من الوباء، وقد اختص الطاعون بكونه شهادة ورحمة وبتحريم الفرار منه، والفرار من الوباء بغيره كالحُمى وسائر أسباب الهلاك جائز بالإجماع.
قال ابن حجر: وما أشار إليه من الفرق بين الوباء والطاعون هو ما عليه الأكثرون خلافاً لبعض المالكية. انتهى.
وقال في موضع آخر:..... فيحرم الخروج منه فراراً والدخول إليه لغير حاجة، هو ظاهر هنا لأنه إذا جاز الخروج لحاجة جاز الدخول قياساً؛ إذ لا يظهر بينهما فرق. انتهى.
فالخلاصة أن الراجح من أقوال العلماء أن الأوبئة غير الطاعون فلا تأخذ نفس الحكم، إلا أننا ننصحك بعدم الذهاب والبحث عن عمل في بلد آخر لكي لا تقول بعد ذلك: لو!!!.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1424(6/3361)
أجبر على التنازل عن مستحقاته وعليه دين فهل له ألا يسدده
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت من صاحب العمل إعطائي موافقة لأعمل في مكان آخر، وذلك خلال أكثر من عام مضى بسبب عدم كفاية الراتب وكثرة الديون، وكان لي عنده 15 ألفا مستحقات ومكافأة نهاية الخدمة، فساومنى لأترك ذلك المبلغ مقابل أن يوافق، حيث إن ذلك هو النظام المتبع عنده في ذلك العمل؛ وأخذ توقيعى على أننى استلمت كافة المستحقات ولم أستلمها بالفعل؛ وفي المقابل كان للشركة دين علي بمبلغ 3 آلاف لم أستطع سداده بسبب عدم استلامى المستحقات ولم ينتبه له صاحب العمل؛ وقد تركت العمل معه والحمد لله، والسؤال: هل علي أن أرد ذلك المبلغ الـ 3 آلاف إليه؟ أم أعتبرها مقابل مستحقاتي الـ 15 ألفا التي لديه؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقد هو شريعة المتعاقدين ما لم يخالف حكماً شرعياً، وبناء عليه فلا يلزم صاحب العمل غير ما اتفق عليه مع العامل، سواء أكان أقل من أجرة مثله أو أكثر، فما دام السائل الكريم اتفق مع صاحب العمل على شروط معينة وراتب محدد، فيجب الوفاء بما اشترط عليه في العقد ورضي به، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 6360، والفتوى رقم: 123078 وما أحيل عليه فيها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلا يجوز لصاحب العمل أن يجبر العامل على التنازل عما استقر له عنده من حقوق، كما لا يجوز له إذا كان كفيلاً لعامله أن يشترط عليه التنازل عن مستحقاته أو أن يدفع إليه مبلغاً من المال مقابل موافقته على نقل كفالته، فإن الكفالة من عقود الإرفاق وليست محلاً للمعاوضات والمساومات، وما يأخذه الكفيل بهذه الطريقة يعد من أكل المال بالباطل، فإن أجبر صاحب العمل العامل على التنازل عن مستحقاته الثابتة في مقابل نقل الكفالة، فله أن يستوفيها بأية طريقة متاحة إذا لم يتضمن ذلك ظلماً وتعدياً، وهو ما يعرف عند الفقهاء بمسألة الظفر، كما سبق أن بيناه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 114794، 106914، 42472، 32134.
وعلى ذلك فلا يجب على السائل أن يرد الثلاثة آلاف لصاحب العمل، بل الواجب على صاحب العمل أن يرد إليه بقية مستحقاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1430(6/3362)
لا يضمن الطبيب إذا توفي المريض بسبب تأخر تشخيص حالته أو لنقص الإمكانيات
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا سؤال يختص بحالة تقصير طبي: جاء مريض يعاني من أعراض مغص معوي فأعطاه الطبيب منوم ومسكن للآلام قوي المفعول، علما أن أهل المريض أبلغوه أنهم أخذوه إلى مستشفى آخر وتم إعطاؤه عددا كبيرا من الأدوية والحقن (حوالي عشرة بدون فائدة)
ملاحظة: ممكن أن هذه الأدوية التي أخذها قد غطت أعراض مرضه الأصلي، علما أنني ظننت أن حال المريض مغص، ولم أعرف ما علاجه سوى المسكنات، فقررت الانتظار تحت قاعدة انتظر لترى الأعراض الحقيقية، لكنني أشعر بالندم والحزن الشديد، تم إخراج المريض الساعة العاشرة مساء لكنه عاد مع أهله الساعة الخامسة فجرا، وبطنه متوسعة، قد تكون أعراض نزيف داخلي، ولأن الحالة صعبة التشخيص بالأشعة وعدم توفر السونار، فلم تكن هناك وسائل مساعدة، لم أستطيع أن أفعل الكثير، وتوفي المريض بعد ربع ساعة. سؤالي: ما مدى تقصيري، وما حكم الشرع؟ هل الدية واجبة؟ وماذا أفعل إذا كنت لا أعرف أهل هذا المتوفى أين يسكنون سوى أنهم شيعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطبيب الماهر الحاذق الذي اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده، وكانت الحالة مما يختص بعلاجها، فتلف بذلك الدواء عضو أو مات بسببه، فهو ضامن لذلك، وإن كان لا يأثم، بمعنى أنه لا يتعلق به مسؤولية في الآخرة. والضمان يكون بدفع الدية وهي في الخطأ على العاقلة لا على المتسبب في الوفاة. كما سبق بيانه مع بيان بقية حالات خطأ الطبيب وما يترتب عليه، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 5852، 5178، 65597، 55184.
قال ابن القيم في زاد المعاد: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله، فهذا يخرج على روايتين: إحداهما أن دية المريض في بيت المال. والثانية أنها على عاقلة الطبيب. وقد نص عليهما الامام أحمد في خطأ الإمام والحاكم. اهـ.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: الدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة، ومن أهل العلم من جعلها في مال الطبيب. ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله. اهـ.
هذا بخلاف ما إذا كانت الوفاة بسبب تأخر تشخيص المرض وما يتبعه من تأخر تقرير طريقة العلاج، كما هو ظاهر السؤال، ففي هذه الحالة لا إثم ولا ضمان على الطبيب إذا أدى ما عليه وبذل ما في وسعه، وكان هذه التأخر بعلة متعارف عليها بين أهل المهنة، كالقاعدة التي ذكرها السائل الكريم: انتظر لترى الأعراض الحقيقية. ويتأكد هذا إذا لم تكن هناك أسباب مساعدة على سرعة تشخيص المرض نحو عدم توفر السونار كما ذكر السائل. فإن الوفاة إذا حصلت بسبب نقص الإمكانيات أو كثرة المرضى وانشغال الطبيب بأحدهم عن الآخرين، وما إلى ذلك من ظروف العمل، فهذا ليس للطبيب فيه دخل، وليس عليه فيه ضمان، وراجع الفتوى رقم: 114590.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(6/3363)
حكم المشاركة في مواقع التصفح
[السُّؤَالُ]
ـ[نعمل في شركات تسمى البوكس وتعطى مالا مقابل الضغط على الإعلانات، وتعطى نسبة أيضا على العملاء بمعنى أنه لو سجل أحد عن طريقي في هذه الشركة فإني أربح كما يربح هو، فلو ضغط مثلا على 10 إعلانات أخذت نسبه من الموقع نفسه (وليس الشخص نفسه) مقابل ضغطات هذا الشخص، والتفصيل فى هذه الشركة فيما يلى:
1 _ تأخذ الشركة مالا من المعلن وتقوم بالإعلان عن ما أراده المعلن، وتأخذ الشركة نسبة من هذا المال وتعطي نسبة لمتصفحي الإعلانات.
2 _ قد يكون في الشركة إعلانات محرمة كالإباحية والخمر والقمار وغيرها، وقد يكون مباحا كالمنتجات الخاصة بالسيارات وغيره، وقد تكون بعض الإعلانات عن منتجات مباحة ولكن فيها محاذير شرعية كظهور النساء والموسيقى.
3 _ الشركة تعطى مالا على العملاء بمعنى أنه إذا اشترك أحد في الشركة عن طريقي، فإني آخذ كما يأخذ، فلو أخذ من الشركة نصف دولار آخذ مبلغا من الشركة نفسها (وليس الشخص نفسه) على حسب عدد ضغطاته.
4 _ قد يضغط العميل الذي سجل عن طريقي على إعلان محرم مع أني أحذره قبل أن يدخل الشركة من الإعلانات المحرمة.
5 _ لا نعمل في الشركات التي يوجد فيها صور نساء أو إباحية، ولكن أصحاب هذه الشركات غير مسلمين بمعنى أنهم في أي وقت قد يضعون إعلانا إباحيا في الشركة أو صور نساء.
6 _ الشركة لا تدفع مباشرة بعد الضغط على الإعلانات، بل يجب الوصول الى حد أدنى من المال حتى تأخذ حقك منهم وقد تنصب الشركة ولا تدفع.
7 _ يوجد نظام في الشركة يسمى (الترقية) بمعنى أن سعر الضغط على الإعلان الواحد 1 سنت أمريكى ولو دفعت مثلا لصاحب الشركة 50 دولار تصير ضغطتى على الإعلان بـ 2 سنت أمريكي أو عدد الإعلانات نفسه يزيد أو الاحتمالان معا.
8 _ يوجد ما يسمى فى الشركة بنظام (شراء العملاء او الإحالات او الريفيرال) يعنى أنا لم يشترك تحتى أحد فى الشركة لذلك أقوم بشراء عملاء سجلوا في الشركة لأحصل على أرباح مثل التى يربحونها (هؤلاء العملاء او الريفيرال إما يكونون وهميين من الموقع نفسه أو أشخاص سجلوا في الموقع بدون أن يكونوا ريفيرال لأي شخص وبالتالي عند دفعي مبلغا للموقع أستفيد من ضغطاتهم دون أن يتضرروا ولكن بدون أن يعرفون أي شيء تم بيني وبين الموقع)
مثال (أشتري 20 إحالة بـ 20 دولار هذه الإحالات تكسبنى يوميا 1 دولار) وطبعا الربح يكون حسب ضغطات الشخص فقد يكون نشيطا وأكسب أو لا يضغط على الإعلان وبالتالي أكون خسرت المبلغ الذي دفعته للموقع من أجل تأجيره أو شرائه كريفيرال.
9 _ مصدر دخل الشركة الذى تدفع منه للمشتركين قد يختلط فيه أموال قادمة من الإعلان عن القمار أو الخمور أو الأفلام.
10- بصراحة شديدة معظم الإعلانات تكون إعلانات لمواقع أخرى من نفس المجال (والتي سوف تستفيد إذا أجر أو اشترى الأشخاص المشاهدون لهذا الإعلان عددا من الريفيرال في الموقع أو إعلانات عروض في نفس الشركة (عروض تأجير ريفيرال أو شراء ريفيرال أو ابجريد وما شابه أو إثباتات الدفع للموقع ليقنع الأشخاص المشاهدون أن الموقع جاد وليس نصابا. وبالتالي يحفز على موضوع الابجريد أو تأجير أو شراء الريفيرال أو إعلانات قمار والعياذ بالله، وطبعا نحن لا نشاهدها، أو إعلانات لمنتجات حقيقية لتحفيز المشاهدين على شرائها (لكن بصراحه ليس في كل المواقع نريد التفصيل فى حكم كل نقطة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل سؤالك على أمور بعضها مباح وبعضها محرم؛ لاشتماله على غرر وميسر. فأما المباح مما ذكرت فهو أخذ عمولة على الضغط على الإعلانات المباحة الخالية من الترويج للأمور المحرمة. وكذا أخذ عمولة على جلب الزبائن دون دفع رسوم منك أومنهم. وعليك أن تنبه من تجلبه من الزبناء على ما تشتمل عليه تلك الإعلانات، وأن بعضها محرم لايجوز تصفحه ولا الدخول فيه أوأخذ عمولة عليه.
وأما الصور المحذورة التي اشتمل عليها السؤال فهي دفع رسوم مقابل الضغط كي تتضاعف العمولة، أوشراء عملاء وهميين أوحقيقيين للكسب من ورائهم، أوأخذ عمولة على تصفح الإعلانات المحرمة، أواشتمال التصفح على التضليل بإيهام الزبناء كثرة رواد الشركة المعلن عنها ورغبة الناس فيها، وانتشار قاعدة عملائها والواقع خلاف ذلك. فلايجوز أخذ عمولة على هذا الفعل المحرم ولا الإعانة عليه.
وأما كون رأس مال الشركة مختلطا بين الحلال والحرام لاختلاف مصادره، فقد بينا حكم معاملة مختلط المال في الفتوى رقم: 6880.
وتكميلا للفائدة ننقل لك ولغيرك من زوار هذا الموقع فتوى الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم المتخصص في الاقتصاد الإسلامي والمنشورة في موقعه حول تلك الشركات حيث يقول (الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
1. مواقع التصفح مثل (www.4daily.com) و (www.studiotraffic.com) و (www.12dailypro.com) تقدم عمولات مقابل تصفح الإعلانات التي لديها. وهذه العمولات نوعان:
(أ) نوع مقابل التصفح المجرد، دون دفع أي اشتراك أو رسوم من أي نوع. وهذا النوع لا حرج فيه -إن شاء الله- بشرط أن تكون الإعلانات بعيدة عن المحاذير الشرعية، ولا تتضمن الدعاية لمحرم أو منكر.
علماً أن بعضها لا يسمح بالاستمرار في التصفح المجاني، بل يجب دفع قيمة الاشتراك، وإلا ألغي الحساب.
(ب) نوع مقابل رسوم اشتراك غير مستردة، بالإضافة للتصفح. ومقدار العمولات يتناسب مع حجم رسوم الاشتراك، وكلما زاد مقدار الاشتراك كلما زادت العمولات، إلى حد معين. وهذه الرسوم يستخدم جزء منها لتغطية مصاريف الشركة المديرة للموقع، والباقي -وهو الأكثر- يوزع على شكل عمولات لبقية المشتركين.
وواضح أن العمولات في هذا النوع تتضمن معاوضة نقد بنقد، فالمشترك يدفع الثمن، ومن خلال هذا الثمن يحصل الآخرون على عمولاتهم، والعكس بالعكس. وما ينتج عن مبيعات الدعايات ونحوها فهو أقل من إيرادات الاشتراكات، فالغالب هو إيراد الاشتراك ومنه تصرف العمولات. فهذا النوع يدخله مبادلة النقد بالنقد مع التفاضل والتأخير، فضلاً عن الغرر والجهالة المتعلقة بالاشتراكات، فهو يجمع بين الربا والميسر.
فهذه الشركات تعيش على الاشتراكات، والأرباح أو العمولات هي من اشتراكات الأعضاء الجدد أساساً، فلو تناقص عدد المشتركين توقف دفع العمولات، فليس هنا استثمار حقيقي، بل يأخذ زيد مما دفع عمرو، ويأخذ عمرو مما دفع بكر، وهكذا. وهذا مع كونه من أكل المال بالباطل فهو غير مجدٍ اقتصاديًّا، ومخاطر العجز والإفلاس عالية جداً.
فأنصح الأخ - وكل مسلم عاقل - أن يتجنب هذا النوع من التعامل، وأن يجتهد في البحث عن سبل الكسب المشروع، وما أكثرها.
2. وأما نظام الإحالات (referrals) ، فيختلف من موقع لآخر، وبعضها يندرج ضمن التسويق الشبكي، وبعضها ليس كذلك. فإن كانت عمولة الإحالة مقابل تصفح أعضاء جدد لا يدفعون رسوم اشتراك، فلا حرج فيه إن شاء الله. وأما إن كانت العمولات مقابل اشتراكات أعضاء جدد، فقد سبق أن رسوم الاشتراك هذه يدخلها الربا والميسر، فكل ما ترتب عليها فهو كذلك.
وعمولة الإحالات جائزة إذا لم يشترط على الوسيط دفع ثمن أو مبلغ مالي مقابل منتجات تجارية، فهي في هذه الحالة مقابل السمسرة. أما إذا اشترط الدفع أو كانت عمولة من يدفع أكبر من عمولة من لم يدفع، فيدخلها النقد بالنقد، ووجود المنتجات لا يغير من حقيقة الأمر إذا كانت العمولات أكبر من المبلغ المدفوع، لأنها تصبح هي المقصودة وليس المنتجات نفسها، كما سبق تفصيل ذلك عند مناقشة التسويق الهرمي.
3. من دخل في المعاملات المحرمة، أيًّا كان نوعها، سواء عن جهل أو غفلة أو تقصير، فيجب عليه التوبة والاستغفار وعدم العودة لها مستقبلاً، وفي هذه الحالة يغفر له ما سبق إن شاء الله؛ لعموم قوله تعالى: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف" [البقرة: 275] ، ويستحب له مع ذلك أن يتصدق بما يتيسر له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(6/3364)
الشخص المنقول إليه قلب هل تتغير عقيدته تبعا للمنقول منه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت قصة على الإنترنت أن رجلا مؤمنا سافر إلي بلاد الكفر ليعالج فنقل له دم من شخص ملحد فصار ملحداً، وشخص نقلوا له قلبا من شخص ملحد فأحب زوجة الرجل الميت الذي أخذ قلبه وتزوجها وصار ملحداً مثله ولم يقبل عقلي ذلك ولكني أردت أن أسأل علماء الدين، فأفتوني؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابتداء لا يقبل كلام في مثل هذه المسائل من غير الأمناء من أهل الاختصاص، ثم إن مسألة تغيير الديانة بسبب نقل الدم أمر يكذبه الواقع المستفيض..
وأما مسألة أثر نقل القلب من إنسان لآخر فقد قال الدكتور خالد السبت في سلسلة أعمال القلوب: قد يسأل بعضكم: لو قطع قلب إنسان ثم وضع له قلب إنسان كافر فهل معنى ذلك أن هذا الإنسان سيتحول إلى عقيدة ذلك الكافر فيكون كافراً مثله؟ الجواب: لا.. والطب الحديث له تجارب في ذلك لربما قطع قلب الإنسان مدة من الزمان ثم أعمل فيه محل هذا القلب مؤقتاً آلة تضخ الدم ريثما يوضع له قلب آخر، وهذا شيء سمعته من بعض الأطباء المشتغلين بطب القلوب، وأيضاً جرب الأطباء استبدال القلب، لربما نزعوا قلب رجل ووضعوا فيه قلب رجل آخر فماذا كانت النتيجة؟ قرأت في بعض التحقيقات والتقريرات الطبية في ذلك يقولون: إن الإنسان يعيش مدة محدودة ثم هو لا يكاد يتكلم ويتصرف ويعبر عن مكنوناته كما كان قبل ذلك، وإنما يغلب عليه لربما شيء من السكون والركود، ومن ثم لا يعرف كثيراً مدى التغيير الذي حصل له بسبب تغير هذا القلب، والتأثر الذي ناله من صاحب ذلك القلب الذي نقل إليه.
والذي أظنه والله تعالى أعلم هو أن الإنسان لا يتحول من الإيمان إلى الكفر، أو العكس أو غير ذلك إذا نقل إليه قلب إنسان آخر، فلو جئنا بإنسان كافر ووضعنا له قلب إنسان مؤمن فإن هذا الكافر إن قدر له أن يعيش ولو مدة محدودة فإنه لا يتحول إلى إنسان مؤمن، وإنما يبقى على كفره، وتبقى له أرجاسه وأدناسه، وهكذا لو عكسنا القضية، ولكن لا يبعد أن يتأثر صاحبه بعض الأثر، كيف لا والإنسان يتأثر بالمخالطة والنظر، ويتأثر بما يسمع ويتأثر بالشم كما يتأثر بما يأكل، فأكل الحلال يؤثر بالإنسان كما يؤثر أكله الحرام في قلبه، كما أن اللغة أيضاً تؤثر في عقله وقلبه ... هذا خلاصة ما أظنه في هذه المسألة التي طالما سأل الناس عنها، وهذا يدل على أن القضية ترتبط بهذا العضو الصنوبري، ولكنه ليس هو القلب وحده وإنما يتعلق به أمر معنوي يتعلق به تعلقاً مباشراً، ولهذا قال بعضهم عن القلب: هو نور وضعه الله طبعاً، وغريزة يبصر به ويعبر به فهو نور في القلب كالنور في العين الذي هو البصر، فالعقل نور في القلب والبصر نور في العين.. هكذا قال بعض العلماء. -انظر مفهوم العقل والقلب ص 266- وبغض النظر عن عبارة هذا القائل إلا أنه لا شك أن هذه القطعة يتعلق بها أمر معنوي والدليل عليه هو الواقع الذي نشاهده. انتهى.
وقد سبق الكلام بالتفصيل عن حكم نقل الأعضاء والتبرع بها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4005، 11667، 1500، وانظر للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 12107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(6/3365)
جلد الفخذ إذا نقل لليد هل يصيرها عورة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل خير على هذه الخدمة في هذا الموقع.
السؤال:
أحدهم يريد أن يقوم بعملية تجميلة ضرورية ليده، وسوف يقوم الأطباء بنزع جلد من فخذه، ووضع هذا الجلد في يده.
فهل في هذه الحالة أصبح النظر إلى يده التي أصبح عليها جلد من فخذه حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم عمليات التجميل ما يجوز منها وما لا يجوز في عدة فتاوى، وبإمكانك أن تطلع على بعضها تحت الأرقام التالية: 1509، 17718، 22544، وما أحيل عليه فيها.
وبخصوص ما وضعه الأطباء من فخذ الشخص على يده لعلاجها أو تجميلها فإنه لا يعتبر عورة- إذا اعتبرنا أن الفخذ عورة- لأنه لم يعد من الفخذ وإنما أصبح جزءا من اليد، فيجري عليه ما يجري عليها من الأحكام؛ فيجب غسله في الوضوء ومسحه في التيمم إن كان من الكف.
وقد نبه بعض أهل العلم من الشافعية على أن مَا حَرُمَ نَظَرُهُ مُتَّصِلًا حَرُمَ نَظَرُهُ مُنْفَصِلًا كَشَعْرِ عَانَةٍ، وَقُلَامَةِ ظُفْرِ حُرَّةٍ. ولكن ما يؤخذ من جلد الفخذ أو غيرها لتغطية اليد أو غيرها لم يكن منفصلا وإنما أصبح جزءا من ذلك العضو الذي نقل إليه ويأخذ حكمه؛ فلو كان العضو عورة يصبح ما نقل إليه عورة، وإذا لم يكن عورة لم يكن ما نقل إليه عورة، ولو كان قد نقل مما هو عورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(6/3366)
بيع التورق بين الجواز والمنع
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أخذت مواد بناء بقيمة أربعة آلاف دينار من مؤسسة تنمية أموال الأيتام في الأردن وقمت ببيع هذه المواد بعد ما أخذتها من التاجر على شخص آخر غير التاجر، فهل في هذه العملية حرام؟ شاكرين لكم تعاونكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يظهر لنا بوضوح ما تعنيه بسؤالك، فإن كنت تقصد أنك تشتري هذه المواد بالتقسيط أو إلى أجل من المؤسسة المذكورة بنية بيعها لتستفيد بثمنها، فهذا النوع من البيع يسمى بيع التورق، والتورق هو أن تشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بثمن أقل من الثمن المؤجل، من أجل أن تنتفع بثمنها، وهو محل خلاف بين أهل العلم، فجمهور العلماء على إباحته وهو الراجح لدينا، لعموم قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ.. {البقرة:275} .
ولأنه لم يظهر فيه قصد الربا ولا صورته، وكرهه عمر بن عبد العزيز ومحمد بن الحسن الشيباني، وقال ابن الهمام: هو خلاف الأولى، واختار تحريمه ابن تيمية وابن القيم.
وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2819، 22172، 46179، 96362، 1084.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1429(6/3367)
حكم تحديد جنس الجنين بوضع البول في القمح والشعير
[السُّؤَالُ]
ـ[شيوخنا جزاكم الله خيراً أريدكم أن تفتوني فيما أريد فعله أريد أن أعرف جنس الطفل الذي في بطني وقرأت في الإنترنت عن طريقة قديمة ولكن لا أعرف فهل يسمح الشرع بذلك أم لا، أضع قليلا من البول في القمح وقليلا في الشعير فإذا نما الشعير كان الطفل ذكرا وإذا نما القمح كان الطفل أنثى، فأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء إن تحديد جنس المولود لا حرج فيه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 3197.
وقد وجد الآن كثير من الأساليب العلمية لتحديد جنس المولود فيمكن المصير إليها، وأما الطريقة المذكورة فلم نعلم بها قبل هذا ولا ندري إن كان لها أساس صحيح أم أنها من باب الدجل والشعوذة كما يبدو، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنها يترتب عليها وضع النجاسة على شيء مطعوم، وهذا ينافي ما جاء به الشرع من احترام المطعوم.
قال ابن قدامة في المغني: وقال بعض أصحابنا يجمع المستجمر به ست خصال أن يكون طاهراً جامداً منقياً غير مطعوم ولا حرمة له ولا متصل بحيوان. انتهى.
وقال النووي في المجموع: لا يجوز أن يبول على ما منع الاستنجاء به لحرمته كالعظم، وسائر المطعومات. انتهى.
وثبت في صحيح مسلم عن سلمان رضي الله عنه أنه قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة قال: فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم.
فنبه بالعظم على سائر المطعومات كما ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1429(6/3368)
الانتفاع بالمال المكتسب من التورق المنتظم
[السُّؤَالُ]
ـ[اقترضت من بنك إسلامي مبلغا وإليكم الطريقة:
البنك يبايعني معدن النحاس أو الالمونيوم ومن ثم يقوم البنك ببيعيه بتفويض من طرفي, وبعد ما يبيع البنك المعدن بنفس السعر على طرف آخر يقوم بإيداع المبلغ في حسابي على شكل تورق أوراق، مع العلم بأنه تم الاتفاق على المبلغ الأخير الذي سوف أدفعه، قرأت كثيرا من الاسئلة وأنا الآن في حيرة من أمري؛ حيث إني قد استلمت المبلغ، والله أعلم أني لم أعلم بأن هذه المعاملة حرام وإلا لم أقدمت عليها حيث يوجد لدى البنك هيئة شرعية, فهل سوف أدخل في الحرام لو استخدمت هذا المال، فأفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 102002 بيان قرار مجمع الفقه الإسلامي فيما يعرف بالتورق المنظم، وأن ذلك غير جائز، وحيث إن السائل لم يكن على علم بالمنع من ذلك فإنه غير مؤاخذ إن لم يكن فرطّ في السؤال.
وأما عن المبلغ الذي حصله السائل من وراء هذه المعاملة فله أن ينتفع به، لأن المعاملة فاتت والحرام لا يتعين في المال والمقبوض بالعقد الفاسد يملك كما رجحنا ذلك في الفتوى رقم: 104631.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(6/3369)
الشرط الجزائي على العامل المتأخر في إنجاز عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شرط الجزاء الذي يوضع على العمال وصورته أنك تتفق مع عاملٍ على إنجاز عمل ٍ ما وعلى مدة معينة ويقوم العامل بالمماطلة والتأخير حتى أن عمل الأسبوع ينجزه في شهر أو شهرين؛ فلكي لا يحدث ما ذكرنا يقوم بعض الأشخاص بالاتفاق مع العامل على أن اليوم الذي يتأخره عن المدة المحددة يخصم منه جزء من المبلغ، فما الحكم في ذلك.. وتوجد صورة أخرى وهي صورة بالعكس أن مجموعة من الأشخاص يتفقون على جمعية معينة وكل شهر يعطونها لشخص فربما يتأخر من يأتي عليه الدور في الدفع فيعاقبونه بدفع قيمة معينة فوق المبلغ المتفق عليه فما الحكم في الصورتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم. أخرجه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
وهذا الشرط الجزائي على تأخر العامل جائز لما في تأخره من ضرر على رب العمل وإلحاق الخسارة به، ومن القواعد الشرعية أن الضرر مرفوع، إلا أنه يجب العدل في ذلك وعدم المجازفة الجزائية لأن الضرر لا يدفع بمثله والضرورات تقدر بقدرها.
فيجب حينئذ التقدير الذي تحفظ معه الحقوق من سائر الجهات جهة المالك وجهة العامل.
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34491، 94915، 1823.
أما حكم الجمعية المشتركة إذا تأخر أحدهم عن الدفع عوقب بالزيادة فلا تجوز لأنها في حقيقها قرض ولا تدخل القروض المجازاة والعقوبات لأنها إحسان وإرفاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(6/3370)
حكم إجراء المرأة عملية قلب الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن قلب الرحم.. فأنا امرأة أبلغ من العمر 38 عاما.. ولي من الذرية 10 ولله الحمد.. والآن أنا حامل بالثاني عشر حيث إني سبق وأن أسقط أحد الأجنة.. في هذا الحمل تكبدت من المشقة والصعاب الكثير.. فقد كنت حاملا بتوأم وفقدت أحد الأجنة وكذلك فقد دخلت المستشفى لعدة أيام بسبب مشاكل في التنفس وتعب جسمي كبير.. فحالتي الصحية ليست جيدة وأعاني من نقص دم وصعوبة في التنفس ... مع العلم بأن مرات الحمل الأربعة الأخيرة كانت صعبة ومجهدة ... وهذا الحمل متعسر فالجنين ليس بالاستدارة الصحيحة، والطبيبة المشرفة على علاجي تصر على إجراء عملية ولادة وقلب كون حالتي الصحية متدهورة من كثرة الحمل والولادة المتكررة.... فهل يرخص لي القلب من ناحية شرعية ودينية، فأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثرة ما أنجبته المرأة من الذرية لا يبيح لها التسبب في قطع النسل، والذي عليه أهل العلم في موضوع قلب الرحم، أنه إذا كان يؤدي إلى قطع النسل بالكلية أنه لا يجوز إلا أن يكون هناك ضرر محقق سيلحق المرأة إذا لم تفعله، وتعين ذلك وسيلة لتجنب الضرر المذكور، ولك أن تراجعي في هذا الفتوى رقم: 32635.
وليس من شك في أن ما ذكرت أن الحمل يسببه لك من مشقة وصعاب ومشاكل في التنفس وتعب جسمي، وما تعانين منه من نقص الدم وأن حالات الحمل الأربع الأخيرة كانت صعبة ومجهدة ... وما ذكرته من تدهور في حالتك الصحية ... كلها أمور تفيد أن الحمل صار يضر بك إضراراً كبيراً.
وبناء على جميع ما ذكرناه نقول إنه إذا أمكن حل ما تعانين منه بأية وسيلة لا تقطع النسل بالكلية فإن ذلك يكون هو المتعين في حقك، وإن لم توجد وسيلة غير قلب الرحم أو ما في معناه مما يقطع النسل بالكلية فإننا لا نرى عليك حرجاً في فعل ذلك، فقد قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1428(6/3371)
يجب التزام القوانين التي تنظم الإعانات والمنح
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقت بطفل له مشكلة سمعية صنفه الأطباء بأن له إعاقة سمعية من خلال هذا التصنيف تم حصولنا على بطاقة صحية رسم عليها شعار الإعاقة حتى يتم علاجة بالمجان ومن خلال متابعتنا الصحية له تم إجراء عمليتان لابني والآن بحمد من الله أصبح ابني يسمع وقال لي الطبيب هناك احتمال لرجوع ضعف في السمع.
السؤال هو جاء موعد تجديد البطاقة الصحية لابني واختلفت مع زوجي بأنه لا بد من عمل بطاقة صحية عادية لابني وهو يريد عمل بطاقة صحية عليها شعار الإعاقة لاستمرار الحصول على العلاج بالمجان، فما هو الوضع الشرعي لذلك أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجب التزام الشروط والقوانين الصحيحة التي تنظم الإعانات والمنح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يفصل بين السائلة وزوجها في قضيتهما المذكورة هو قانون الجهة التي تصدر هذه البطاقات فيرجع إليها وتسأل عن المريض بهذه الإعاقة إذا شفي منها مع احتمال عودة الإعاقة إليها فهل يعطى بطاقة عادية أم خاصة؟
وعلى ضوء إجابة الجهة المعنية يترتب الحكم؛ لعموم حديث: المسلمون على شروطهم ... رواه أحمد.
فإذا كان الجواب أن هذا الطفل لا يستحق بطاقة من النوع الخاص فلا يجوز للأب استصدار مثل هذه البطاقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1428(6/3372)
جواز استخدام علم الهندسة الوراثية في النبات والحيوان بشروط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استخدام التلاعب بالصفات الوراثية للحيوان والنبات لتحسينه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حكم العمل في الصفات الوراثية يرجع إلى نتائجه والمقصود منه، فإذا كان العمل في الصفات الوراثية للحيوان والنبات لتحسينها وزيادة إنتاجها ... ولا يترتب على ذلك إفساد لها أو ضرر يلحق المستخدمين والمستهلكين فلا نرى مانعاً شرعياً في ذلك، لأن الله تعالى لما خلق الإنسان لعبادته وحده لا شريك له خلق له ما في الأرض ليكون في خدمته وعونه على أداء هذه المهمة العظيمة، فقال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً {البقرة:29} .
وأما إذا كان العمل في الصفات الوراثية لمجرد التلاعب والعبث بها أو إفسادها ... أو ترتب عليه ضرر يعود على الإنسان أو البيئة.. فإنه لا يجوز لما فيه من الفساد والضرر المحرمين شرعاً، قال الله تعالى:..... وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {البقرة:205} ، وقال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ وغيره، والمرجع في معرفة النفع والضرر والإصلاح والإفساد هو إلى الثقات من أهل الاختصاص، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55452، 80990، 50008.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1428(6/3373)
استخدام الكحول في تشريح الجثث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس الطب وكما هو معروف أنه في مرحلة علم التشريح أي تشريح الجثث تستخدم مواد مطهرة التي تحوي الكحول، فما هو حكم الشرع بالنسبة لهذا الموضوع؟ بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعلوم أن الكحول هي المادة المسكرة في الخمر، وقد قال الله تعالى في الخمر وما ذكر معها: رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ {المائدة:90} ، والأمر بالاجتناب من أشد صيغ التنفير والتحريم في القرآن الكريم، وهي تفيد تحريم كافة أوجه الاستعمال، قال القاضي ابن العربي: يريد أبعدوه واجعلوه ناحية وهذا أمر باجتنابها والأمر على الوجوب لا سيما وقد علق به الفلاح.
وعليه، فلا يجوز استخدام مواد تحتوي على الكحول، لا في تطهير الجثث عند تشريحها ولا في غير ذلك، ولكن الشرع الحنيف قد أباح استعمال ما ورد به التحريم إذا دعت إليه الضرورة، قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119} ، وعليه فإذا أمكن اتخاذ بديل يقوم مقام الكحول، فلا يجوز استعمالها، وإذا لم يوجد بديل عنها وكانت مهمة لتطوير العمل والاستفادة منه فلا حرج في استعمالها، ومما تجدر ملاحظته هو أن الكحول إذا استحالت بحيث صارت مادة أخرى مغايرة، وزالت عنها صفة الإسكار أو كانت من النوع الذي لا يسكر أصلاً فإن استعمالها حينئذ يجوز ولو لم تدع إليها ضرورة أو حاجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(6/3374)
ما يلزم من أجرى فحوصات مجانية لامرأته بغير حق
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مستشفى والعقد معهم لا يشمل التأمين الصحي لأفراد عائلتي ويتوجب علي الدفع في حالة معالجتهم إلا إذا كانت حالة طارئة.
قمت بإجراء فحوصات مخبرية وسريرية لزوجتي فقط للاطمئنان على وضعها أثناء الحمل (وهذه ليست حالة طارئة) دون علم الإدارة وبواسطة زملائي في العمل مع العلم أن الكثيرين يقومون بذلك. أنا غير مرتاح لهذا مع العلم أنني إذا حاولت الدفع الآن قد يترتب على ذلك مشاكل لي ولزملائي.
السؤال هو كيف أرد حق المستشفى مع العلم أنها تابعة لجهة عسكرية وليست ملكا لشخص معين.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود المرعية فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة: من الآية1}
وفي الحديث: المسلمون على شروطهم. رواه أحمد، ومعنى على شروطهم: أنهم واقفون عندها لا يتجاوزونها.
وعليه، فما قمت به من إجراء فحوصات لزوجتك في المستشفى المذكور يعد إخلالا بالعقد والشرط كما هو ظاهر السؤال، وكفارة ذلك أن تتوب إلى الله عز وجل وتعزم على عدم العودة لمثلها، وتسدد قيمة هذه الفحوصات إلى المستشفى بطريقة أو بأخرى بدون أن يلحقك أو يلحق زملاءك ضرر.
كما ينبغي أن تنصح زملاءك بأن يتقوا الله تعالى ويحفظوا الأمانة التي اؤتمنوا عليها من قبل المستشفى، فلا يجروا فحوصات إلا لمن كان مستحقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(6/3375)
تدريس الطب ممن لايلم به إلماما كاملا
[السُّؤَالُ]
ـ[الموضوع: هل حرام أم حلال، أنا طبيبة ممارسة أشعة وسونار من العراق عملي في ناحية من الفلوجة أذهب للدوام يوما واحداً في الأسبوع بحكم الظروف التي تعرفونها حاليا عند العراقيين، ولأن أهلي في بغداد والخط يأتي يوما واحداً في الأسبوع ولا أستطيع أن أبقى في المستشفى بحكم الظروف، المهم الناحية تحتاج إلى أطباء سونار مما دفع طبيبات النسائية أن يضعن في عيادتهن سونار ويفحصن النساء ويتعلمن بالخبرة، ولكن هذا على حساب الناس الأبرياء ويأخذن أجور الفحص منهن وهنالك طبعا أخطاء المهم جاءتني في المستشفى طبيبات النسائية لكي أعلمهن لكن لم أعطهن مجالا للتعلم، وذلك لأنني أولاً: ممارسة ولست أخصائية وأنا أحس نفسي باحتياج للتعلم وكثير من الأشياء لا أعرفها، ولكني أرسل الناس للأخصائيين رغم أنها مناطق بعيدة عنهم، وثانياً: أنا حرمت العيادة على نفسي لحين أحس نفسي أني قرأت الكتاب كله وتعلمت فكيف أشجع هؤلاء الطبيبات على أن يتعلمن على حساب الناس ويأخذن أموالا منهم إضافة إلى أنه ليس اختصاصهن ولكن في الفترة الأخيرة جاءتني طبيبة علاقتي جيدة معها وتريد التعلم، مع العلم بأنها طبيبة نسائية وملتزمة دينيا حسب ما أرى ولست متأكدة لأنني من أهل بغداد وهي من الناحية حيث علاقتي جيدة معها، ولكن علاقة سطحية وألحت علي بالتعلم وجلب أقراص كمبيوتر للتعلم، فهل أعلمها علما بأنني ممارسة للسونار ولست أخصائية وأحتاج الكثير للتعلم وأنتظر قبولي للدراسات لأخذ الاختصاص لأن الدورة التي دخلناها لم تعلمنا شيئا سوى الحصول على لقب ممارسة أشعة وسونار وهي تنوي وضع سونار في عيادتها كبقية طبيبات النسائية وأكيد تأخذ أموالا منهن ولكنها تقول لي إنها تختلف عن البقية وإنها إن لم تكن متأكدة من التشخيص فلن تتورط، فماذا أفعل، هل أعلمها، أم أنني سوف أشارك في الحرام، أرجوكم أفيدوني أفادكم الله وأنا سوف أعمل بما تقولون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن موضوع الطب هو أحد المواضيع الخطيرة جداً، لما يمكن أن يترتب عليه من إتلاف الأرواح والأبدان، وقد بينت الشريعة الإسلامية ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن. وفي رواية: من تطبب ولم يكن بالطب معروفاً فهو ضامن. رواه أبو داود والحاكم.
وعليه فبما أنك ذكرت أنك ممارسة ولست أخصائية وأنك تحسين من نفسك الاحتياج للتعلم وأن كثيراً من الأشياء في هذا المجال لا تعرفينها، فلا يجوز لك أن تعلمي المرأة المذكورة، ولا غيرها شيئاً مما يردن منك تعليمه، طالما أنك لا تحيطين بالعلم الذي يطلبنه منك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1427(6/3376)
هل يأخذ المكفول من كفيله ثمن التأشيرة بغير علمه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
أصحاب الفضيلة: أعمل في المملكة منذ أربعة أشهر ونصف بمهنة عامل في مكتبة تصوير وقد جئت علي أمل أن أطلب من الكفيل نقل كفالتي على شركه أخرى عندما يتهيأ لي سبيل إلى ذلك لأعمل في مهنتي الأصلية حيث إنني محاسب وألمحت للكفيل بهذا الكلام فرفض بالكلية والراتب غير مجد لي على الإطلاق حيث إن لي خمسة أولاد منهم ثلاث بنات وبالتالي فأصبحت إقامتي غير مجدية ولو أقمت الدهر في المملكة بهذا الوضع ما قضيت ديني فضلا عن مغنم السفر الذي أصبو إليه وهو تحسين وضعي المادي والمعيشي، ومعاملة الكفيل لي ليست بالحسنة ماديا ومعنويا مما جعلني أضيق ذرعا بهذا العمل الذي لا يتناسب مع إمكاناتي ولا منزلتي ومع ذلك فقد رضيت به ابتداء ورضيت به الآن، ولكن تعنت الكفيل معي لن يحملني علي الصبر لعلي أجد مخرجا من الله
وقد عزمت علي العودة وفهمت منه ضمنا أنني إذا سافرت فلن يعطيني ثمن التأشيرة كي أرده إلي أصحابه فقد خبرته جيدا فهو هدانا الله وإياه معاملاته ملتوية ويتكلم بخائنة الأعين التي نهى عنها الرسول صلي الله عليه وسلم، مع العلم بأنه لو سافرت نهائيا سوف يستقدم بالتأشيرة التي هي لي شخصا آخر ويكون بذلك أخذها مرتين مرة لأنه أستقدم بها غيري ومرة لأنه أخذ ثمنها مني ولا سبيل لي في استرداد حقي المسلوب إلا بطريقتين إما أن أستعمل محله جزئيا لحسابي بالقدر الذي أسترد به حقي في ثمن التأشيرة وإما أن أستقطع حقي من الإيرادات علماً بأن ثمن هذه التأشيرة قد اقترضته من أحد الأصدقاء ولم أسدده له إلى الآن.
فهل يجوز لي أحد الأمرين؟ نبئونا بعلم وجزاكم الله خيرا.
س م م]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن مستخرج التأشيرة إذا كان يحتاج في استخراجها إلى نفقات أو تعب وسفر، فله أن يأخذ عنها قدر ما أنفق عليها مع أجرة مثله على ما قام به من عمل إن كان ثم عمل. وهذا بشرط موافقة من استخرجت له التأشيرة، ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 46427.
كما ننبهك إلى أن كون الراتب الذي تتقاضاه غير مجد لك على الإطلاق، بحيث ذكرت أن لك خمسة أولاد منهم ثلاث بنات ... إلى آخر ما ذكرته، ليس في شيء من ذلك ما يتغير به العقد الذي التزمت بموجبه بالعمل المذكور مقابل أجرة محددة.
فالذي يحكم في هذه المسائل هو الشروط التي اتفقت عليها مع رب العمل والقوانين المعمول بها في البلد، ما لم يكن في شيء من ذلك ما يخالف الشرع. فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] . وقال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34] .
وقال صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه الترمذي.
فيجب على الطرفين الالتزام بتنفيذ ما اتفقا عليه غير مكرهين ... ولا يجوز تغييره أو استبداله بصفقة أخرى إلا باتفاقهما ورضاهما معا.
وبناء على جميع ما ذكر، فإن كان ما أخذه منك كفيلك مقابل التأشيرة هو قدر ما أنفق عليها أو مع أجرة مثله، وكان ذلك بموافقة منك فليس من حقك أن تسترد منه شيئا بأية وسيلة؛ لأنه لم يأخذ منك إلا حقه.
وكونه سوف يستقدم بالتأشيرة شخصا آخر فهذا أمر يسمح له به القانون ولا يعطيك أنت عليه به أي حق، طالما أنه لم يخل بما تعاقد معك عليه حين استقدامك.
وأما إن كان قد أخذ منك في التأشيرة أكثر مما أنفق عليها مع أجرة مثله، فإن من حقك أن تسترد منه قدر الزيادة التي زادها عليك فقط. وذلك من باب ما يسميه أهل العلم بالظفر. ولك أن تراجع في أقوال أهل العلم فيه فتوانا رقم: 28871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(6/3377)
عزل الضيف المريض خوف العدوى
[السُّؤَالُ]
ـ[سائل من السودان:
لدي ضيف على منزلي وهو مريض بالسل وعندي أطفال بالمنزل فماذا أفعل حيال ذلك مع العلم بأن المرض معد وخطر علي أنا وأبنائي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يتخذ أسباب الوقاية والحذر كما أمر الشرع ففي الصحيحن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يوردن ممرض على مصح. وقال صلى الله عليه وسلم: فر من المجذوم كما تفر من الأسد. رواه الإمام أحمد في مسنده، وهذا من الحذر الذي أمر الله تعالى بالأخذ به فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ {النساء 71} وقال ابن القيم في زاد المعاد: إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع التحرز من الأدواء المعدية وأرشد الأصحاء لمجانبة أهلها. وقد بينا مشروعية البعد عن المرض المعدي في الفتاوى: 47651 / 54449 / 49913، نرجو أن تطلع عليها ولهذا فإن عليك أن تعزل هذا المريض المصاب بمرض معد في مكان منفصل إن أمكن أو في غرفة منفردة عن بقية العيال حتى لا يجر لهم العدوى، وأهم من ذلك أن تذهب به إلى الطبيب حتى يعطيه الأدوية التي تمنع انتقال المرض منه إلى غيره. وعلى هذا الضيف أن يعلم أنه لا يحل لمسلم أن يقيم عند أخيه حتى يضره أو يحرجه أو يكلفه ما لا يطيق, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ, وقال صلى الله عليه وسلم: ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه.. الحديث رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1427(6/3378)
ما يجوز التصويت عليه في الانتخابات وما لايجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يعرض حكما من أحكام الله للتصويت، هل الانتخابات البرلمانية حلال أم حرام؟ وبارك الله فيكم ووفقكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأحكام العقدية، والأحكام التعبدية، والأحكام التشريعية، لا يمكن تعريضها للتصويت، لأن الأمر فيها لله وحده، قال الله تعالى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا {الكهف:26} ، وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ {يوسف:40} ، وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ {المائدة:50} .
وأما القوانين الإدارية، والأحكام التنظيمية التي لا علاقة لها بالتشريع فلا حرج في التصويت عليها، وفيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، فإن أهل العلم قد انقسموا حولها، وكنا قد بينا ما نراه راجحاً في مسألتها، فلك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(6/3379)
فتح المحلات وتمويلها بأموال الورثة قبل فسمتها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وكلني والدي وعملت عنه في آخر عشرين سنة من عمره في إدارة عقاراته وأملاكه وقد وفقت في فتح محلات تجارية مع بعض الأشخاص الوافدين ونجحت ولله الحمد دون تدخل والدي أو إخوتي وعندما توفي والدي بقيت على رعاية تلك المحلات التجارية وبدأت في فتح فروع جديدة باسمي بتمويل من المحلات الأساسية من نقود وبضاعة ورددت جزءا كبيرا ولازلت في سداد الباقي من قيمة البضاعة والتمويل إلى المحلات الأساسية. وإ خوتي يطالبون أن يكونوا شركاء في تلك المحلات لأن التمويل من المحلات المشتركة إجابتي أن تلك المحلات قامت بعد وفاة والدنا وأن المبالغ وقيمة البضائع مردودة ولكم الخيار في عمل ما قمت أنا بعمله وفتح محلات جديدة بجهدكم ولكن لا يرغبون إلا أن يبقوا شركاء دون القيام بأي جهد.
الرجاء إفادتي في هذا وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن توكيل الوالد لك قد بطل بموته لأن الوكالة تبطل بموت الموكل اتفاقا، كما قال ابن عاصم:
وموت من وكل أو وكيل * تبطل ما كان من التوكيل
والعزل للوكيل والموكل * منه يحق بوفاة الأول
وذلك لأن الحق قد انتقل إلى الورثة فلا يلزمهم توكيل مورثهم. وبناء عليه، فإنك قد تصرفت في حق الورثة، وقد بينا في الفتوى رقم: 35486 حكم تصرف أحد الورثة في نصيب الباقين بإذنهم أو دونه، كما بينا في الفتوى رقم: 44526 والفتوى رقم: 51513 ما يشترط لأخذ أحد الورثة أجرة عمله بالإضافة إلى حصته من الميراث.
وخلاصة ذلك كله أن ما قمت به من فتح محلات باسمك وتمويلها من المحلات الأصلية دون إذن باقي الورثة بذلك يعتبر تعديا على حقهم فتضمن جميع ما أخذته ويجب عليك رده كاملا، وربحه لك وحدك للقاعدة الشرعية الغنم بالغرم والربح بالضمان، فأنت كالمودع يتجر مما أودع إليه، وقد قال ابن عاصم:
والتجر بالمودع من أعمله * يضمنه والربح كله له
إذا فالمحلات التي افتتحتها باسمك هي لك وحدك، وعليك رد كل ما أخذته المثلي بمثله والمقوم بقيمته.
ويجب عليك تقسيم التركة لإعطاء كل ذي حق حقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1426(6/3380)
يين الإجارة والوكالة والجعالة
[السُّؤَالُ]
ـ[أراد شخص أن يقضي مصلحة شخصية له فاختار أحد الأشخاص لقضاء هذه المصلحة وقرأ معه الفاتحة على ذلك. ثم بعد ذلك رأى في شخص آخر أنه أفضل من الشخص الأول لقضاء هذه المصلحة. وأراد أن ينقض الفاتحة. ما حكم الدين في ذلك؟
- وهل نقض الفاتحة يأخذ حكم كفارة اليمين؟
- وهل الفاتحة تعدل 44 يمينا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن ما جرى بينك وبين الشخص الأول عقد من العقود الشرعية، والعقود الشرعية تنقسم من حيث الإمضاء والفسخ إلى قسمين:
1- عقود لازمة كالإجارة على الراجح، والبيع، فلا يجوز فسخ أمثال هذه العقود بعد إتمامها مستوفية الشروط والأركان.
2- عقود جائزة كالوكالة والجعالة، ويجوز لكل واحد من طرفي العقد الفسخ في أمثال هذه العقود لعدم لزومها.
والذي يبدو لنا أن العقد الذي جرى بينك وبينه إما أن يكون إجارة أو جعالة أو وكالة.
فإذا كان إجارة لم يجز لك فسخها إلا بموافقة الطرف الآخر كما بينا، وإن كان جعالة أو وكالة ففسخهما جائز ولو لم يوافق الطرف الآخر، ولكن إن فسخت العقد بعد شروعه في العمل فله عليك أجرة مثله، وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 42689 والفتوى رقم: 59247.
وننبه السائل إلى أن جعل قراءة الفاتحة علامة على الإيجاب والقبول وتأكيد الصفقة لم يكن من هدي السلف في معاملاتهم، ولذا، فإننا نرى أن الأولى تركه لئلا يمتهن القرآن في البيع والشراء ونحو ذلك، وهذا لا ينفي صحة العقد ومضيه، لأن الألفاظ التي تتم بها العقود تخضع للعرف الذي اصطلح عليه الناس.
وأما عن كون الفاتحة تعدل 44 يمينا فكلام لا نعلم له أصلا، ولا كفارة على من فسخ العقد، سواء أكان العقد لازما أم كان جائزا، وسواء أكانت علامة الإيجاب والقبول فيه الفاتحة أم غيرها من الألفاظ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1426(6/3381)
حكم أخذ أجرة مقابل جلب عمال لشركة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أملك سجلا تجاريا وعندي مؤسسة تجارية قائمة وقد جاءني شخص أجنبي على أن أحضر له عددا من العمال على المؤسسة مقابل عملهم عنده وهو لا يستطيع إحضار هذا العدد الكبير على شركته بشرط أن يوفر لهم سكنا وتأمينا صحيا وأيضا عمل الإقامة عليه ورواتبهم أيضا مقابل أن يعملوا في مؤسسة وفي شركات أخرى بعمل عقود لهم ولكني آخذ حصة مقابل الربح مع الرجل وليس من رواتب العمال (يعني آخذ الربح من الشركات التي يقوم العمال بالعمل لديهم مقابل عقود موثقة في السجل العقاري وليس من رواتبهم التي اتفقنا عليها قبل حضورهم إلي البلد) وأنا دائم المراجعة عليه للتاكد من إعطائهم رواتبهم وعمل إجراءات التجديد وضمان حقهم وأيضا أي إجراء تجديد أو تسفير أنا أقوم بعمله أو مندوبي وأنا حريص كل الحرص على ذلك وسوف أعمل عقدا ويتم توثيقه في السجل العقاري بيني وبين الرجل صاحب المؤسسة حتى أضمن حقوق العمال وحقي؟ سؤالي هو: هل هذا المبلغ الذي آخذه من الرجل حرام، وإذا كان حراما هل أنهي التعاقد معه الرجاء أفتوني بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجواب هذا السؤال يقتضي الكلام في حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون الدولة المانحة للتاشيرات تمنع أن يعمل العمال المستقدمون بهذه التأشيرات عند غير من منحته إياها، ففي هذه الحالة لا يجوز لك أن تستقدم عمالا للعمل عند غيرك، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم فيما أحل. رواه الطبراني.
ويجب عليك في هذه الحالة أن تنهي التعاقد مع هذا الرجل.
الحالة الثانية: أن لا تمنع الدولة المانحة للتأشيرات عمل العمال عند غير من منحته التأشيرات، ففي هذه الحالة أخذك لمقابل من الشركات التي يقوم العمال بالعمل لديها، داخل فيما يسمى عند الفقهاء (بثمن الجاه) ، وقد فصلنا الكلام في حكم ثمن الجاه في عدة فتاوى سابقة، وبينا فيها أن الراجح أنه يجوز أن تأخذ قدراً يساوي أجرة مثلك على ما تبذله من جهد، وما تنفقه من مال على استخراج الأوراق اللازمة ابتداء كالتأشيرة واستمراراً كالتجديد ونحو ذلك، ولا يجوز لك الزيادة على هذا، وانظر للاطلاع على ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9559، 30367، 46427.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1426(6/3382)
نزع الأجهزة عن الطفل المصاب بنقص الأكسجين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الأطفال عندما يرون النور (أي عند الولادة) يعانون من نقص الأكسجين ولذلك توضع عليهم أجهزة تنفس ويمضون أياما كثيرة جداً ونعلم أن نقص الأكسجين يسبب مشاكل في الدماغ أو قد يصبح معاقاًَ لا قدر الله. فهل انتزاع الأجهزة عنه بعض مضي أيام كثيرة حلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز نزع الأجهزة عن شخص لم يتحقق موته تحققا تاما، ولا يبرر ذلك أن الطفل قد يكون معاقا أو متخلفا ذهنيا، فما دام بالإمكان متابعة العلاج وترك الأجهزة لمساعدة المريض فلا يجوز نزعها أو قطع العلاج عنه. فالحياة هبة من الله تعالى يجب احترامها، سواء كان صاحبها من أذكى الناس وأكملهم، أو كان من أكثرهم تخلفا.
وقد سبقت الإجابة على مثل هذا السؤال في الفتويين التاليتين ا: 2727 و 46609. نرجو الاطلاع عليها للمزيد من التفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(6/3383)
الأكل من طعام من عين بتزكية حزب شيوعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أكل من طعام أو تعامل مع من تم تعيينه في وظيفة معلم ولكن بتزكية من حزب شيوعي (والتزكية هي توقيعه بالموافقة على انتمائه للحزب المذكور) ، أفتونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معاملة غير المسلم كأهل الكتاب وسائر الملل الكافرة والنحل الباطلة (ومنهم الشيوعيون) يجب أن تخضع للضوابط الشرعية والآداب المرعية في هذا الباب، ومن ذلك أن لا يتخذ منهم أصدقاء وأصحاب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه الترمذي.
ذلك أن من شأن الكافر والفاسق أن يجر رفيقه إلى مذهبه وعقيدته وسلوكه، كما قال تعالى في الظالم لنفسه باتخاذ مثل هؤلاء قرينا: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} {الفرقان:27-28} .
ومن ذلك أن لا يعامله فيما يعلم أنه حرام بعينه، أما ما لا يعلم أنه حرام بعينه فيجوز تناوله، وبالنسبة لموضوع السؤال فإنه لا مانع من الأكل من طعام هذا المدرس إن كان مصدر الطعام مرتبه الذي يتقاضاه مقابل التدريس، بصرف النظر عن عقيدته أو الطريقة المذكورة في توظيفه، ذلك أنه يتقاضى مرتباً على منفعة مباحة شرعاً وهي التدريس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1425(6/3384)
من أعان على معصية عليه نصيب من إثمها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديق طلب مني أن أذهب معه لمساعدة صديقه للخروج هو وفتاة خارج البلاد، هذه الفتاة خرجت من البلاد لإجراء عملية إجهاض وإرجاعها بكراً كما كانت وفعلا ساعدتهم على ذلك حسب علاقاتي في الأماكن المتخصصة ولكن حدود مساعدتي كانت في إطار المنافذ فقط أي أمنت لهم خروجا آمنا دون مشاكل ولم أشترك معهم في شيء أخر---فما حكم الدين علي في هذه الحالة وهل علي من الذنب ما عليهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك أخطأت خطأ كبيرا بمساعدتك لهؤلاء الذين يريدون القيام بتلك الآثام والمعاصي الشنعية. وذلك لأن الإجهاض إذا لم يكن له مبرر شرعي فهو حرام لأنه إهلاك للنسل وإفساد في الأرض واعتداء بغير حق على نفس قد تخرج إلى الدنيا تسبح الله تعالى وتوحده. ولأن ترقيع البكارة وإرجاع الفتاة بكرا ذنب آخر، وكنا قد أفتينا فيه من قبل فراجع فيه الفتوى رقم: 5047. وإذا كانت الفتاة تسافر من غير أن يرافقها محرم فذاك ذنب ثالث، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم. متفق عليه. وعليه فاشتراكك في هذا الموضوع وتعاونك مع هؤلاء الناس فيه من الإثم نصيب كبير، فقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} . فتب إلى الله عز وجل ولا تعد لمثل هذا العمل وكان من الواجب عليك أن تبين حكم الله تعالى في هذه الجريمة لصديقك وخطورة الإعانة على ما حرم الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1425(6/3385)
حكم زيارة المريض مرضا معديا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم زيارة المريض بالمرض المعدي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المريض بالمرض المعدي يبتعد عن الدخول عليه، ولكن يمكن زيارة أهله وسؤالهم عن حاله والدعاء له والمساعدة في دوائه، بما أمكن من مال وجاه وغير ذلك، ويدل لعدم الدخول عليه ما في حديث الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يوردن ممرض على مصح. وحديث البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فر من المجذوم فرارك من الأسد.
وقد بين ابن القيم في الزاد أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع التحرز من الأدواء المعدية وأرشد الأصحاء لمجانبة أهلها، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52634، 49913، 47651.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(6/3386)
حكم التعامل بكوبونات الخصم
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المحال التجارية في الولايات المتحدة تحاول إغراء النّاس لشراء منتج معيّن بتوزيع كوبونات خصم تكون صالحة لمدة معينّة وتستخدم لخصم السعر قبل الشراء، فهل يجوز الاستفادة منها؟ أيضاً، في بعض الأحيان يكون الخصم بعد الشراء، وذلك بإرجاع جزء من المال لك على أن ترسل بطلب ووصل يثبت شراءك للمنتج بالبريد للشركة المصّنعة أو للمحل التجاري، فهل هذا يجوز؟ مع العلم أنّ هذا النوع من الخصم (Rebate) أيضاًَ يكون له مدة صلاحية. على سبيل المثال يكون الخصم كما يلي:
إذا اشتريت المنتج في المدة بين الشهر الحالي ونهاية العام فسوف نقوم بإرجاع 50 دولاراً من ثمن المنتج بعد أن تمليء الاستمارة وترسلها لنا بالبريد مرفقة بوصل يثبت شراءك للمنتج. في بعض الأحيان، يكون هناك عرضان منفصلان لنفس المنتج (الأول من الشركة المصنعه والثاني من البائع) فهل يجوز الاستفادة من الإثنين في نفس الوقت؟ مع العلم أنه في العادة لا يوجد شروط تمنع ذلك (في الغالب لايجوز الاستفادة من عرضين من نفس الجهة ولكن لا يوجد ما يمنع الاستفادة من عرضين من جهتين مختلفتين) هل يجوز الاستفادة من كوبون خصم قبل الشراء بالإضافة إلى عرض خصم بعد الشراء؟ مايحيرني أنه في بعض الأحيان يصبح ثمن المنتج زهيداً جداَ بل في بعض الأحيان النادرة تستطيع أن تشتري المنتج من غير مقابل وتكسب مال!! لمزيد من المعلومات، الرجاء تصفح الموقع التالي والذي يقوم بعرض عروض الخصم القائمة لمختلف المنتجات:
http://www.edealinfo.com/
إن كان بعض المعاملات محرّماً، الرجاء ذكر المباح منها
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بالاستفادة من هذه الكوبونات إذا تم الخصم عند الشراء، إذا توفر شرطان:
- أن يكون المنتج مما يجوز شراؤه.
- أن تكون الاستفادة من هذه الكوبونات في حدود ما وضعه من أصدرها من شروط.
أما الاستفادة من هذه الكوبونات بعد الشراء، فيشترط إضافة إلى ما سبق أن لا تكون هذه الكوبونات حيلة على الاقتراض الربوي كأن يكون سعر السلعة الذي يدفعه صاحب الكوبون زائداً عن سعرها في السوق، بحيث يبقى هذا الفرق في الثمن الذي يدفعه المشتري عند البائع فترة من الزمن، ثم يسترده المشتري بعد فترة من الزمن مضافاً إلى ما يمنحه إياه البائع والمنتج من خصم من سعر السلعة، وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 13590.
وإذا توفرت هذه الشروط فلا مانع من الجمع بين الاستفادة من الخصم عند الشراء وبعده إذا لم يكن هناك شرط من البائع أو المنتج يمنع ذلك.
والموقع المذكور لم تتح لنا الفرصة على الاطلاع على ما فيه، ولكن فيما ذكرناه من قواعد وضوابط كفاية يقاس عليها ما شابهها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(6/3387)
حكم إجراء دراسة على دواء على شخص مقابل أجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[2-أنا أعمل بشركة أدوية وتقوم الشركة بإنتاج مستحضرات أدويه ثم تقوم بعمل دراسة على الدواء للتأكد فقط من درجة ذوبانه داخل الجسم مما يستدعي سحب عينات دم خلال 24 ساعة مقابل مبلغ من المال يعطى بعد نهاية الدراسة علما أن معظم المستحضرات التي تتم عليها الدراسات هي مأمونة الجانب تماما وليس لها أي آثار جانبية.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تقوم به الشركة من إجراء دراسة على الدواء على شخص أو أشخاص للتأكد من درجة ذوبانه في الجسم والقيام بسحب عينات من الدم للتأكد من ذلك مقابل مبلغ من المال هو من باب الإجارة الجائزة، والتي يستحق فاعلها الأجرة المتفق عليها متى ما سلم نفسه، ولم يمتنع عن العمل الذي استؤجر من أجله.
ويشترط لانعقاد الإجارة شروط هي:
أولاً: أن تقع الإجارة على المنفعة لا على استهلاك العين، وهذا لا خلاف فيه، وهنا العقد على المنفعة وهي جسم الشخص ودمه وليس فيه ضرر على الجسم كما ذكر السائل.
ثانياً: يشترط أن تكون المنفعة مباحة الاستيفاء، وليست طاعة مطلوبة، ولا معصية ممنوعة.
ثالثاً: ويشترط في المنفعة لصحة الإجارة: القدرة على استيفائها حقيقة وشرعاً، فلا تصح إجارة ما لا يقدر عليه المستأجر، ويحتاج فيه إلى غيره.
رابعاً: أن من شروط صحة العقد في الإجارة أن تكون المنفعة معلومة لدى المتعاقدين بوصف أو عرف، فإن وصفت المنفعة التي يراد استيفاؤها من الشخص أو كان هناك عرف سائد صحت الإجارة.
خامساً: أن من شروط صحة عقد الإجارة أن تكون الأجرة معلومة، وفي هذا قد أشار السائل إلى أن الأجرة بمبلغ من المال، ولذا يجب تحديده حتى لا يؤدي إلى النزاع.
سادساً: أن من شروط صحة عقد الإجارة أن تكون المدة معلومة، وقد ذكر السائل أن المدة إلى بعد نهاية الدراسة.
وعليه، فلا حرج من إجراء هذه الدراسة، لأنها من باب الإجارة إذا توفرت الشروط السابقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(6/3388)
حكم إجراء التجارب المخبرية على دم الحبل السري
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما حكم استخدام الدم الموجود في حبل الحياة الواصل بين الأم والجنين بعد الولادة، حيث يتم استخراج الدم وتخزينه لعمل التحاليل المخبرية عليه وجعله علاجا لبعض الأمراض الخطيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من أخذ هذه الدماء إذا كان الغرض منها إجراء الاختبارات عليها لمعرفة تركيبها وما قد يعتري أصحابها وأمثالهم من أمراض، والبحث عن علاج لها، أما استخدامها كأدوية للأمراض، فلا يجوز، وإن كانت تلك الأمراض خطيرة، إلا إذا تعينت هي وسيلة لعلاج هذه الأمراض، على تفصيل في ذلك ذكرناه في الفتوى رقم: 7020.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(6/3389)
حكم نزع الأجهزة عن المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي المفصل لوضع المريض على جهاز التنفس الصناعي لاسيما في الحالات التالية: الحالات التي يرجى شفاؤها، الحالات التي لا يرجى شفاؤها، إيقاف الجهاز عن العمل للحالات التي لا يرجى شفاؤها، الحالات التي يختلف في تقييمها الأطباء، دوري كممرض في الحالات التي تخالف الشرع حيث إنني لا أملك قراراً، أي معلومات إضافية أخرى حيث سيستفيد من هذه المعلومات أكبر عدد من الأشخاص؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 19923، حكم نزع الأجهزة عن الشخص الذي لا ترجى حياته كموته دماغياً وترجح لنا أنه لا يجوز مطلقاً، ولكن لو أخذ شخص بالرأي الآخر وعمل به مقلداً للقائلين به فلا حرج عليه، أما إذا تبين له حرمة ذلك فلا يجوز له الإقدام عليه، ولا طاعة لمن أمره بذلك لأنه يعتقد حرمة ما سيقدم عليه، وهكذا في كل ما يأمر به في عمله لا يطيع إلا في المعروف لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما صح بذلك الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1425(6/3390)
نحديد الخطأ مرده إلى الجهات المختصة
[السُّؤَالُ]
ـ[قد أصبت فى حادث سيارة أليم ودخلت إلى المستشفى وتم صرف مبالغ كبيرة هل يجوز لي أن أحصل على تعويض من سائق السيارة؟ مع العلم بأني أشعر بأني انا المخطئ ولكن هناك شاهد يؤكد أن السائق هو المخطئ وكان يندفع بسرعة كبيرة مع العلم أني قد رفعت قضية تعويض ما هو الحكم الشرعي في هذا؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تحديد الخطأ من غيره في حوادث السير ونحوها عند التباس الأمر وإشكاله مرده إلى الجهات المختصة والمتضمنة لقوانين المرور.
وعليه، فمن حكمت عليه بأنه هو المخطئ، فيلزمه تعويض ما أحدث من الضرر بالمجني عليه، وتحديده مرده أيضاً إلى المحاكم الشرعية، هذا إذا لم تكن الجناية من الجنايات التي حدد الشارع لها دية مثل قطع اليد أو الرجل أو نحوهما مما فيه دية مقررة شرعاً، فهذا النوع قد حدده الشارع فلا يزاد فيه ولا ينقص منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(6/3391)
حكم الأشعة التلفزيونية للمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذهاب بالزوجة إلى طبيب "رجل" لمتابعة أعراض الحمل؟ وما هو حكم الأشعة التليفزيونية لفحص ومتابعة تطورات الجنين؟ (علما بأن زوجتي فى منتصف الشهر الثالث من الحمل) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن ذهاب المرأة للعلاج عند رجل، وذلك في الفتوى رقم:
10410، والفتوى رقم: 883.
أما عن حكم الأشعة التليفزيونية فإن كان الذي سيعملها رجل فهي داخلة في ما سبق، وإن كانت امرأة فإن كان في ذلك كشف للعورة (عورة المرأة عند المرأة) فإن ذلك لا يجوز إلا لضرورة أو حاجة، وإن لم يكن في ذلك كشف للعورة فإنه لا بأس به، كل ذلك ما لم يكن هناك ضرر على المرأة أو الجنين بسبب هذه الأشعة، والأمر في ذلك راجع إلى أهل الاختصاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1424(6/3392)
ابحثي عن الأسباب الكامنة وراء تضايق جدتك منك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة دخلت المرحلة الجامعية منذ سنة ولكني أواجه مشكلة أرجو معرفة رأي الدين فيها أنا أعيش مع أهلي في الإمارات ولم أستطع الدراسة هناك لارتفاع الأسعار فأرسلني أهلي إلى دمشق عند بيت جدتي لأدرس هناك ولكن جدتي كانت تتضايق مني في أمور كثيرة وتتضجر من كل تصرف أتصرفه مع أني والله كنت أفعل لها ما تريد لترضى وكانت كلما أتى عندها أحد تتكلم له عني وتشتكي مني وعند بدء الامتحانات كانت تنزعج مني عندما أدرس.. لم أستطع تحمل هذا الوضع وأصابني من الضيق أمراض كثيرة ولكن اجتزت تلك المرحلة بمشيئة الله والآن في السنة الثانية أنا محتارة بين أن أنزل عند جدتي وأعاني نفس الظروف السابقة أو أن أؤجل سنة وأنزل مع أختي التي تقدم الآن الثالث الثانوي؟ أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه على الأخت السائلة أن تبحث عن الأسباب الكامنة وراء تضايق جدتها منها، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا لسبب، فربما كان وجودك عندها يسبب لها هذا التضايق والانزعاج، وربما يكون السبب هو سوء معاملة منك لها، كأن يكون فعلك لما تريد يقع مع تضجر منك وتبرم.
وعلى كل، فينبغي أن تحسني إليها، وتعامليها بالبر والخلق الرفيع، وأن تصبري على ما تجدينه منها، وتحتسبي الأجر من الله.
وقد يكون تضجرها دون سبب يستدعي ذلك، وهذا من البلاء الذي يحتاج إلى صبر، فبعض الناس يبتلى بأب أو بأم أو بجد أو بجدة لا تتحمل، وسرعان ما تغضب وتنفعل، وهكذا طبائع الناس تختلف، وينبغي أن تستشيري أهلك وتستخيري ربك قبل الإقدام على أحد الأمرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1423(6/3393)
إكمال التعليم ... أم إكمال نصف الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بكلية التجارة وأحب فتاة وهذه الفتاة لا تنتظر أن تظل بلا زواج حتى أنهي دراستي ويعرض علي أن أترك الكلية لكي أتزوجها فماذا أختار الزواج والاستقرار أم الكلية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشرع الحنيف قد حثنا على الزواج عند استطاعته، ورغب فيه، لمقاصد لا تحصى، فقال صلى الله عليه وسلم " من استطاع منكم الباءة فليتزوج " متفق عليه.
وتختلف أحوال الناس في الرغبة في الزواج من محتاج إليه حاجة شديدة، ولا يستطيع الصبر عنه، وراغب فيه لكنه يستطيع تأجيله والصبر عنه، وآخر يستوي عنده طرفا الزواج وعدمه، ولذلك فإن الزواج تعتريه الأحكام الخمسة الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة، وقد سبق بيان هذا في الجواب رقم 3011 والجواب رقم 21742
فإذا كان الزواج في حقك واجباً، فقدمه على إكمال التعليم مع أننا لا نرى تعارضاً بين إتمام التعليم والزواج، بل قد يكون الزواج من أهم روافد الخير التي تمد طالب العلم بالقوة في الطلب والسعي في التعلم، لما يسببه له الزواج من راحة نفسية، واستقرار أسري.
ولمزيد من الفائدة راجع الجواب رقم 21759
وليعلم أن الحب المنتشر بين الجنسين في هذه الأيام بصورته المعروفة محرم شرعاً لما يشتمل عليه من مخالفات لا يقرها دين ولا خلق، ولما يؤدي إليه من بلايا وشرور في الغالب، فيجب عليك وعلى هذه المرأة التوبة أولاً إلى الله مما حصل منكما، وذلك بتركه، والندم عليه والعزم على عدم العودة إليه أبداً، فإن حسنت توبتك وتوبتها، فتقدم إليها، وادع الله تعالى فهو الذي يقلب الليل والنهار، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابعه، واعلم أن سعادة العبد في الدنيا والآخرة لا تنال إلا بطاعة الله، وأن المعصية هي السبب الرئيسي في كل هم وغم وضيق ونكد، ولمزيد من الفائدة راجع الجواب رقم 4220
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1423(6/3394)
حق على الله إعانة الناكح الذي يريد العفاف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السادة العلماء بارك الله فيكم، ولي استشارة ونصها (إني طالب في غير بلدي وهنا أنواع الضلالة في هذا البلد كثيرة حيث أنها بلدة غير إسلامية وقد قررت الزواج وقد خطبت ولكن عوائق للزواج من الأهل والحال قد يكون ميسورا وأنا لا أريد أن أظل خاطباً لفترة طويلة وأريد الزواج ولكن ليس هناك حيله لذلك فأرجو فتوى في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنوصي الأخ الكريم بالمبادرة بإتمام هذا الزواج ما دامت الخطيبة ذات خلق ودين، ولا يمنع من الإسراع به قلة المال، أو الرغبة في إتمام التعليم أولاً، فالله تعالى هو الملك القادر، وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من يريد الزواج لإعفاف نفسه بعون الله له، فقال: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن.
وننصحك بأن تسلك جميع السبل التي تقنع بها الأهل للإسراع بالزواج، لاسيما وأنك محتاج لذلك مع كثرة الفتن والشرور، وراجع الفتاوى التالية أرقامها وأطلع عليها الأهل:
21759
18616
9668
وننبه الأخ السائل إلى أنه لا يجوز له أن يقيم في بلاد الكفار دون ضرورة أو حاجة خصوصاً إذا كان يخشى على نفسه الوقوع فيما حرم الله مما هو منتشر في تلك البلاد من الفتن والمنكرات، وذلك لأدلة كثيرة ذكرناها في الفتوى رقم:
18462
2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(6/3395)
عقبات كؤودة في طريق الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نقضي على مشكلة الشباب في ارتفاع معدل أعمار الزواج وما ينجر عنها من مشاكل وأمراض اجتماعية خاصة أن المشكلة عامة وتمس أغلب شبابنا وأبنائنا ونرى أنهم يضيعون منا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه المشكلة من أكبر مشاكل العصر التي تسببت في انحراف كثير من الشباب والشابات -عافانا الله وإياكم- لأن ميل كل من الجنسين إلى الآخر فطرة فطره الله تعالى عليها، وقد جعل الله لها سبيلاً متيسراً في كل زمان وفي كل مكان، وهو الزواج الصحيح الذي تحفظ به الأنساب، وتحمى به الأعراض، وتمنع به النفس من الأفكار السيئة، ويحصن به الفرج من الوقوع في الفاحشة، ويمكن القضاء على هذه المشكلة بالتخلص من أسبابها، ومن أهم هذه الأسباب:
1- غلاء المهور.
2- الحرص على الزواج من جنسية معينة.
3- تأجيل الزواج بحجة إكمال التعليم أو عدم الحصول على وظيفة.
4- الجهل بالنصوص الشرعية التي تحض على الزواج وترغب فيه.
5- العلاقات المحرمة التي نشأت بكثرة بين الرجال والنساء.
6- وسائل الإعلام التي تروج للعلاقات المحرمة.
7- عدم رضى المجتمع بتعدد الزوجات الذي يمكن أن يحل جزءاً كبيراً من المشكلة.
ولمعرفة المزيد عن ظاهرة العنوسة راجع الجواب رقم:
19517 وللاطلاع على مخاطر غلاء المهور، راجع الجواب رقم: 3074
ونسأل الله أن يرفع عنا البلاء، وأن يهيء لأمتنا من أمرها رشداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1423(6/3396)
المرأة ... وأثرها في صلاح المجتمع أو فساده
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد منكم موضوعاً يتكلم عن المرأة ودورها في المجتمع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرأة شقيقة الرجل.. كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "النساء شقائق الرجال".
فالمرأة تشارك الرجل في التكاليف المنوطة بكل واحد منهما، إلاَّ أنه قد خفف عنها الشرع فأعفاها من بعض التكاليف التي يكلف بها الرجل مراعاة لخلقتها، وقدراتها، فلم يفرض عليها الجهاد ولا الكسب للنفقة على الزوج والأولاد.. إلى غير ذلك مما اختص به الرجال.
كما أنه في المقابل كلف المرأة بالقيام بأعمال لا يقدر الرجل على القيام بها على وجه التمام، من ذلك تربية الأولاد والقيام بشؤون الأسرة في البيت، وهذا من كمال شريعة الإسلام ومن الأدلة على أنها شريعة رب العباد الذي قال نفسه: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14) فالمرأة ميدان عملها في المجتمع واسع، فهي الأم المربية التي تخرج الأجيال، وبقدر صلاح الأم أو فسادها يقاس حال المجتمع صلاحاً وفساداً، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم باختيار الزوجة ذات الدين.
والمرأة هي المعلمة والمتعلمة فتتعلم ما يهمها من أمور دينها وتتفقه فيه ثم تنطلق داعية ومعلمة لغيرها، وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: يرحم الله نساء الأنصار! لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين.
والمرأة تقوم بما يقوم به الرجل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جمع الله عز وجل بينهما بقوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة:71) .
والمرأة تسعى لدفع حاجة أخواتها من بنات جنسها فتتعلم ما تحتاجه النساء من طب وغيره.
والحاصل أن مجال تأثير المرأة في المجتمع مجال واسع جداً.. ولئن كان بعض الناس يقول: المرأة نصف المجتمع! فإننا نقول: إن هذه العبارة غير وافية بحقيقة دور المرأة في المجتمع، فهي في الحقيقة سبب لصلاح المجتمع كله أو العكس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1423(6/3397)
حرية لا تحرر
[السُّؤَالُ]
ـ[حرية المرأة في الإسلام؟
جزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للمرأة في الإسلام مكانةً عظيمة، ولا توجد أمةٌ من الأمم أعطت المرأة مكانةً كالمكانة التي أعطاها الإسلام، سواء كانت أُمًّا أو أختًا أو بنتًا أو زوجةً.
ولكن ينبغي أن نفرق بين الحرية المشروعة وبين الانسلاخ من الدين والخروج عن شريعة رب العالمين، وذلك أن أعداء الله عز وجل، يقصدون بهذا اللفظ "حرية المرأة" يقصدون به أن تخرج المرأة عن أوامر الله، فتصير متبرجة تفعل ما تشاء من المحرمات في أي وقت شاءت، ويصفون المجتمعات التي تكون فيها المرأة هكذا، بأنها مجتمعات متحضرة متقدمة تعطي للمرأة حقوقها، وهذا من تلبيس الشيطان، لأن المرأة وكذلك الرجل، كلهم عبيد لله عز وجل، الذي خلقهم ورزقهم، فعليهم جميعًا أن يلتزموا أوامره أمرًا ونهيًّا، وأن يطيعوه عز وجل سرًّا وعلنًا.
وليس في أحكام الله عز وجل وشريعته شيء يضرُّ بالمرأة ويهضمها حقها، ولمزيد من الفائدة نحيل السائل إلى الفتوى رقم: 16441 على الموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1424(6/3398)
شهاة المرأة بين الجواز والمنع
[السُّؤَالُ]
ـ[في أوروبا: يوجد جدل كامل عن حقوق المرأة السؤال:هل يحق للمرأة أن تكون شاهدا في العقود؟ وعند الإجابة بنعم أرجو إرسال الدليل من الحديث أو القرآن وعند الإجابة بلا، أرجو منكم تبيان السبب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز أن تكون المرأة شاهدا في العقود المالية؛ لقوله تعالى: وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى {البقرة: 282}
فقد نصت الآية على الحكمة في كون شهادتها على النصف من شهادة الرجل، وهو أيضا ما ثبت علمياً من أن النسيان في النساء أكثر من الرجال. وانظر الفتوى رقم: 21357.
وحتى لو لم توجد له علة فيكفي أن الله تعالى شرعه، فهو الحكيم الخبير وتشريعاته وأفعاله كلها لحكم بالغة. ولكننا قد لا نطلع على وجه الحكمة منها، وهذا ما يجب أن يعتقده المسلم.
علما بأن كون شهادة الرجل بشهادة امرأتين ليس مطلقاً، بل ذلك يكون في المعاملات المالية ونحوها، وهناك مواطن تقبل فيها شهادة النساء وحدهن ولو امرأة واحدة، كما أن هناك مواطن لا تقبل فيها شهادة المرأة.
وقد سبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 3661.
وانظر لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 1227، 33323، 41911، 16032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(6/3399)
شبهات حول أفعال الله سبحانه وتعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أؤمن بأن الله ظلم الناس بخلقه إياهم ومن ثم محاسبتهم على ذنوبهم فهو أولاً لم يخيرنا في خلقنا بشيء وحتى لو خيرنا في حياة أخرى واخترنا الحياة فهذا بالتأكيد ناجم عن جهلنا بحقيقة الحياة, ومن ثم كيف يخلق فينا الصحيح والخطأ ثم يحاسبنا على ما فعلنا؟ لماذا لا يحاسب الله نفسه على ما يحدث من جرائم تحدث وهو واقف يتفرج مع أنه الوحيد القادر على منع كل الجرائم؟ هل يريد الله أو يحتاج إلى أن يثبت قوته علينا؟ كي يفعل ما يفعل؟ فهل أنا هي التي اختارت أن تعيش؟ هل اخترت قدري؟ هل اخترت الإسلام برضاي؟ لا والله بل أن كل ما في حياتي حدث باختياره لا باختياري ولو كان الخيار لي لكنت قتلت نفسي منذ زمن بعيد واسترحت من الحياتين (الدنيا والآخرة) ، الظلم الثاني الذي قام به الله هو ظلم خاص بالنساء فقط وأنا منهن خلق للمرأة عدة مصاعب في جسدها (الحيض والنفاس والحمل والولادة والهرمونات المتقلبه التي تتقلب كل يوم مما يصعب على المرأة أن تثبت على قرار أو حالة مزاجية واحدة بالإضافه للضعف الجسدي) ، وجعل جسدها فتنه؟ بالله عليكم أجيبوني: ما ذنبي بما صنعته يد الله بي؟ لماذا أنا فتنة؟ وهل من العدل أن يحكم علي بتقييد حريتي لأضيق الحدود لأني فتنه (أليس الله هو من جعلني هكذا؟ أم أني أنا من صنعت من جسدي فتنة للرجل؟!) ومن ثم إذا تكلمنا عن الفتنه فقط ونسينا من خلق الفتنه وصنعها وتحدثنا عن الفتنه فقط أسألكم أليس الرجل فتنة للمرأة؟ ألم يمر بالتاريخ رجال جميلون اضطروا إلى تغطية وجههم للخوف من أن يفتنوا النساء، إذاً لماذا لم يؤمر الرجل بالحجاب؟ وعدم التعطر أو التزين؟ لماذا فتح الله باب الحرية للرجل وصنع من جسد المرأة قفصا يقيد فيه روحها وكيانها للأبد؟ قاتلا إحساسها بالحرية وحارما إياها من التمتع بحريتها بدعوى الفتنة؟ إن موضوع الفتنه هذا قضى على أحلامي كلها ومنعني أن أتمتع بحريتي حتى اخترت أن أظل في بيتي إلى الأبد لأني لا أريد الحرية الناقصة جداً التي تكرم بها الإسلام وأعطاني إياها؟ لا أريدها!! أما الحرية الكامله والعدل التام التام التام وأما أن أعيش ناقصة عقل ودين إلى الأبد، ومن ظلمه للمرأة في الحياة الآخرة أنه بدلاً من أن يزوجها هنال من حور عين (يخلقهم ذكوراً لنساء الدنيا) اختار أن يزوجنا (هذا في حال نجونا من النار التي أكثر أهلها النساء!!) فإما بأزواجنا في الدنيا أو لا أدري بماذا؟ ومن ثم نحن سنكون في الجنة مجرد زوجات للرجال تماما كما كنا في الدنيا؟ أي لن يتغير حالنا فالرجل أفضل في الدنيا والآخرة فهو الجنس المفضل عند الله وهذا أمر لو يجادلني فيه الكون كله فأنا مؤمنة به لأني أراه وأدركه بعقلي ولست بحاجة لمن يضحك علي ويقول (حكمة الله يا بنتي؟!) إن كانت حكمة الله فإنها لحكمة ظالمة ... وإن كانت حكمة الله فهو قادر لو شاء أن يغيرها بأخرى أكثر عدلاً، المرأة في الدنيا لجماع الزوج وفي الآخرة هي كذلك، والرجل يتزوج في الدنيا والآخرة بأكثر من واحدة ويعطيه الله القوة كي يكفيهن بينما المرأة يوم القيامة تجرد من كل المشاعر التي تحافظ بها على كرامتها من شعور بالغيره من الأخريات وتحول إلى دميه ليس لها من الأحاسيس إلا ما يناسب الرجل في الجنة حيث تراها حين ترى زوجها يعانق إحدى الحوريات 40 سنة من مقياس زماننا هذا تراها تضحك وتقول له: يا مسكين أعجبتك هذه فما بالك بي؟ حين تأتي إلي وترى جمالي؟ وذلك لأن المسكينة فقدت كل ذرة من كرامتها وغيرتها على زوجها، لماذا؟ لأن الله جردها من الغيرة والحسد الغل والغيظ كي لا تزعج الرجل في الجنة وتتعس حياته بغيرتها من الحور العين اللاتي لم يخلقن إلا لكي يدخل الرجل قضيبه فيهن الواحدة تلو الأخرى! يالها من جنة (لم تخلق إلا للجنس) ، أقول (أتفييه) على هذه الجنة الجنسية التي ملئت بالتمييز العنصري ضد المرأة الغبية التي كانت تعبد الله في الدنيا على أمل الدخول إلى الجنة أنا بريئة مما صنعت بي يا رب, وأنا لو لم أكن خائفة من عقابك يا رب لما سجدت لك سجدة واحدة لأنك لا تستحق, أنا روح خلقتها حرة بروح ثائرة عليك وعلى لعبة الدنيا والآخرة, حتى لو أنكرت يارب فإني أتهمك بأنك أنت المجرم الأول والأخير لكل الجرائم التي حدثت في الكون منذ الأبد وإلى الأبد ستظل المجرم الأكبر ورئيس المجرمين، ألست أنت يارب من تقف متفرجا والقرآن يحرق؟ والرسول الذي تدعي حبه يسب؟ ألم تقف متفرجا وقلبي الأبيض المؤمن بك يتم الاعتداء عليه جنسيا من أقرب الأقارب؟ أين كنت عني في مصائبي؟ أين كنت عن فلان وفلان وفلانة حينما قتل أطفالهم وماتوا جوعا وظلمهم الأخرون؟ أين أنت من كل شيء.. أنت لم تفعل شيئا سوى أنك خلقت لعبة بين الخير والشر وجلست على عرشك مرتاحا تضحك علينا تارة وتغضب علينا تارة ناسيا بأنك المنشئ لكل خير وشر،
لم تحاكم نفسك ولم تعاقبها على شيء.. بل برأت نفسك من خطيئة ونزهتها وزكيتها وسميتها بالأسماء الحسنى!! فمن يقتص منك.. من.. من.. من؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول أولا إنه يبدو من خلال ما كتبت في هذه الأسطر أن لديك نوعا من الاضطراب النفسي ومشاكل خاصة ونوعا من السخط دعاك إلى كتابة مثل هذه الألفاظ الكفرية الشنيعة، ولا نقول هذا الكلام استفزازا أو سخرية وإنما بناء على الدلائل الواضحة الموجودة في هذه الرسالة من اضطراب العبارات، وبعثرة الكلام، وإن كانت لديك مشكلة نفسية فينبغي أن تسعي في علاجها بمقابلة أهل الاختصاص من الأطباء النفسيين، ولو أنك عرفت الله تعالى حق معرفته، وقدرته حق قدره، ولهج لسانك بذكره لاطمأن قلبك وكان هذا خير علاج لمثل حالتك ... ونجمل جواب ما أوردت من شبهات في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أن الله خلق الحياة الدنيا للابتلاء والاختبار لا للجزاء على الأعمال؛ كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. {الملك:2} .
فالله يبتلي عباده بإرسال الرسل وإنزال الكتب، فمن صدق بالرسل وعمل بما في الكتب كان من أهل الجنة ومن أهل السعادة، ومن كذب كان من أهل الشقاء وأهل النار.
ولو كان كل عاص يعاجل بالعقوبة لما تحقق فيها هذا المعنى، وخلق الله تعالى للإنسان على الصفات التي شاءها هو سبحانه لا على الصفات التي يرغب فيها الإنسان يأتي في سياق الابتلاء والاختبار، كما أنه أكبر دليل على أنه السيد المالك المتصرف في هذا الكون بما يشاء، وأن المخلوق ضعيف ليس له إلا الرضا والتسليم بما شاء له سيده.
وإذا كان الله تعالى هو الخالق فهو الآمر الناهي، وله أن يشرع في حق عباده ما شاء، فيأمر المرأة بستر جسدها ولا يأمر الرجال بذلك، قال تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {الأعراف:54} ، ونحن نؤمن بأنه لا يفعل شيئا إلا عن حكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، وأنكرها من أنكرها، فذلك لا يضر الله شيئا.
النقطة الثانية: أن الإسلام بمثل هذه التشريعات لم يظلم المرأة ولم يقيد حريتها، فهو من جهة أعطاها كثيراً من الحقوق كحق التصرف في مالها....، ومن جهة أخرى شرع في حقها من التكاليف ما يتناسب مع خلقتها، وهذا عين العدل والإنصاف، ولو أنه ساوى بينها وبين الرجل في التكاليف مع اختلاف الطبائع والصفات لكان -وحاشاه- ظالما لها أشد الظلم، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 16441، والفتوى رقم: 36616.
النقطة الثالثة: أن الإنسان له إرادة واختيار، وهذا أمر واقع لا ينكره إلا مكابر، ومن فمك ندينك، فإنك قد قلت في ثنايا هذه السطور: (اخترت أن أظل في بيتي ... لا أريد الحرية الناقصة....) هذا يعني أنك تعترفين أن لك حرية وإرادة، وبناء على هذه الحرية والاختيار يكون الحساب يوم القيامة، فهو سبحانه إنما يحاسب عبادة على أعمالهم التي عملوها لا بمقتضى علمه السابق، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 62860، والفتوى رقم: 75647.
النقطة الرابعة: لا ندري من أين حكمت بكون المرأة في الجنة خالية من الأحاسيس والمشاعر وأنها في الجنة مجرد آلة ليستمتع بها الرجل، فما من أحد في الجنة إلا وهو يتمتع بنعيمها، وله فيها ما تشتهيه نفسه، ومن الذي قال إنه لا يمكن أن تكون المرأة في سعادة إلا إذا خلق لها ذكور في الجنة كما خلق للرجال الحور العين. ثم إنه متى كانت الغيرة والحسد والغل والغيظ مصدراً للسعادة حتى تطلب هذه الأمور لنساء الجنة، بل إن من تمام نعيمها نزع مثل هذه الأمور عن قلوب أهل الجنة، قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ {الأعراف: 43} ، وانظري لذلك الفتوى رقم: 62860، والفتوى رقم: 75647.
النقطة الخامسة: أن الله تعالى قادر على الانتقام ممن يكفر به أو ينال من قرآنه أو يسب رسوله، أو يعتدي على بعض خلقه، وسننه في ذلك ماضية في الزمان الغابر وفي الوقت الحاضر، ولكنه يفعل ذلك متى شاء هو وعلى مقتضى حكمته، وليس لأحد من خلقه التحكم في أمره والإملاء عليه بأن يفعل أو لا يفعل أو لماذا لا يفعل، فضلا عن أن يزعم أن الواجب على الله تعالى أن يعاقب نفسه، فإن في هذا المنتهى من الكفر وسوء الأدب....
وفي الختام فإننا ندعوك إلى التوبة النصوح من هذا الكفر الصريح، ولو أنك بقيت في هذه الحياة حتى قرأت هذه الأسطر ولم يعاجلك الله بعقوبته فاحمدي الله على ذلك وبادري إلى التوبة، واعلمي أن الله تعالى لن يضره كفرك وأنك إنما تضرين بذلك نفسك، فهذه نصيحة مشفق متودد نرجو أن تجد منك أذنا صاغية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1429(6/3400)
تفضيل الذكر على الأنثى باعتبار الجنس وأصل النوع.. لا باعتبار الأفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة والحمد لله وسؤالي هو لماذا عتق اثنتين من الإماء كعتق عبد واحد وعقيقة الفتاة نصف عقيقة الرجل الرجاء الإجابه والتفصيل، لأن هذا التفضيل ينفي الكثير مما أعرفه عن عدل ديننا وتكريمه للمرأة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجوابنا لك نفصله في النقاط التالية فتدبريها بتعقل وتجرد وإخلاص:
أولاً: اعلمي أن معنى إقرارك بالإسلام هو الاستسلام المطلق لأحكامه والتصديق الجازم بأنه حق، وأن الذي شرعه وأنزله هو الحكيم الخبير، وقد قال: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} ، وقال: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14} .
ثانياً: ما تتوهمينه من أن تفضيل الذكر على الأنثى فيما فضله الله عز وجل وخصه به ينافي العدل أو ينافي تكريم الإسلام للمرأة، هو خطأ ربما سببه ما يشاع من كلام خاطئ لغير المختصين أو أصحاب المقاصد السيئة من أعداء الدين أو جهلة المسلمين ممن لا يعتد بفهمهم أو قولهم في مسائل الدين والأحكام الشرعية ... وقد ذكر المولى عز وجل سببين اثنين لفضل الرجل على المرأة، أولهما: وهبي. وثانيهما: كسبي. قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34} ، أما الأول منهما: فهو ما أشار إليه قوله تعالى: بما فضل الله بعضهم على بعض.. أي بتفضيل الله الرجال على النساء، بما جعل منهم الأنبياء والخلفاء والسلاطين والحكام والغزاة، وما شرعه من كمال عباداتهم بأدائهم لها في جميع الأوقات، وزيادة التعصيب والنصيب في الميراث، وجعل الطلاق بأيديهم والانتساب إليهم، وغير ذلك مما فضل الله به جنس الرجال على جنس النساء في الجملة.
والسبب الثاني: في جعل القوامة للرجل على المرأة هو ما أنفقه عليها وما دفعه إليها من مهر، وما يتكلفه من نفقة في الجهاد، وما يلزمه في العقل والدية، وغير ذلك مما لم تكن المرأة ملزمة به، وقد أشار إليه في الآية بقوله: وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. جاء في تفسير السعدي: بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. أي: بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع، وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله، وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات؛ بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء. انتهى.
ثالثاً: هذا التفضيل هو مقتضى العدل ولو لم يكن لكان ظلماً للرجل وللمرأة أيضاً، إذ لو سوى بينهما لكلفت النساء ما لا طاقة لهن به وما لا يتناسب مع طبائعهن، كما أنه مقتضى العقل والفطرة فإنهما يجزمان بأن لكل من المرأة والرجل خصائصه المبنية على تكوينه العقلي والنفسي والجسماني الذي يختلف اختلافاً واضحاً عن الطرف الآخر، فهل يعقل أن تتساوى وظيفتهما مع هذا الاختلاف، أم أن العقل والفطرة والعدل والقسط كلها تجزم بأن يكلف كل منهما من الواجبات ما يقدر عليه، ويعطى من الحقوق ما يستحقه، ويسند إليه من الوظائف ما يلائمه ويناسبه، وهذا هو الذي جاء به الشرع وقرره قسطاً وعدلاً (ولا يظلم ربك أحداً) .
رابعاً: هذا التفضيل ليس مطلقاً فليس كل ذكر أفضل من كل أنثى -بل هناك كثير من النساء أفضل من كثير من الرجال- وإنما هو تفضيل باعتبار الجنس وأصل النوع.. أما باعتبار الأفراد، فلا يطلق بفضل الرجال ولا النساء وإنما الأفضلية للأتقى، كما قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13} ، ثم إن الله جل وعلا قد ساوى بين الرجل والمرأة في أصل الخلق، وفي التكريم، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ {الأنعام:98} ، وقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {الإسراء:70} ، وساوى بينهما في أصل التكليف، وفي الحساب والجزاء، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ، ولقد بين الباري جل وعلا أن المرأة مماثلة للرجل في الحقوق والواجبات داخل الإطار الأسري، وللرجل عليها درجة وهي: درجة القوامة على أمرها، والرعاية لشؤونها، قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ {البقرة:228} .
خامساً: بخصوص ما ذكرت في العتق والعقيقة ومثل ذلك الدية، قال المناوي في فيض القدير: قال الحليمي: وحكمة كون الأنثى على النصف من الذكر أن القصد استبقاء النفس فأشبهت الدية، وقواه ابن القيم بالحديث الوارد في أن من أعتق ذكراً عتق كل عضو منه، ومن أعتق جاريتين كذلك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1429(6/3401)
خلق حواء من ضلع أعوج.. تعليلات محل نظر
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في كثير من المنتديات موضوع بعنوان لماذا خلقت حواء من آدم وهو نائم، وها هو نص الموضوع:
لماذا خلقت حواء من آدم وهو نائم، حين خلق الله آدم عليه السلام كان هو أول بشر وُجد.. كان يسكن الجنة..
وبالرغم من كل ما هو موجودٌ هناك استوحش.. فحين نام خلق الله حواء من ضلعه.... يا ترى ما السبب، لِم خُلقت حواء من آدم وهو نائم، لِم لم يخلقها الله من آدم وهو مستيقظ أتعلمون السبب يُقال إن الرجل حين يتألم يكره، بعكس المرأة التي حين تتألم تزداد عاطفةً وحباً ... فلو خُلقت حواء من آدم عليه السلام وهو مستيقظ لشعر بألم خروجها من ضلعه وكرهها، لكنها خُلقت منه وهو نائم.. حتى لا يشعر بالألم فلا يكرهها.. بينما المرأة تلد وهي مستيقظة، وترى الموت أمامها، لكنها تزداد عاطفة.. وتحب مولودها بل تفديه بحياتها ...
لنعدْ إلى آدم وحواء.. خُلقت حواء من ضلعٍ أعوج، من ذاك الضلع الذي يحمي القلب.. أتعلمون السبب؟ لأن الله خلقها لتحمي القلب.. هذه هي مهنة حواء.. حماية القلوب.. فخُلقت من المكان الذي ستتعامل معه.. بينما آدم خُلق من تراب لأنه سيتعامل مع الأرض.. سيكون مزارعاً وبنّاءً وحدّاداً ونجاراً.. لكن المرأة ستتعامل مع العاطفة.. مع القلب.. ستكون أماً حنوناً.. وأختاً رحيماً.. وبنتاً عطوفاً ... وزوجةً وفية.. خرجنا عن سياق قصتنا.. لنعدْ ... الضلع الذي خُلقت منه حواء أعوج يُثبت الطب الحديث أنه لولا ذاك الضلع لكانت أخف ضربة على القلب سببت نزيفاً، فخلق الله ذاك الضلع ليحمي القلب.. ثم جعله أعوجاً ليحمي القلب من الجهة الثانية..
فلو لم يكن أعوجاً لكانت أهون ضربة سببت نزيفاً يؤدي –حتماً– إلى الموت.. لذا ... على حواء أن تفتخر بأنها خُلقت من ضلعٍ أعوج..!! وعلى آدم أن لا يُحاول إصلاح ذاك الاعوجاج، لأنه وكما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن حاول الرجل إصلاح ذاك الاعوجاج كسرها.. ويقصد بالاعوجاج هي العاطفة عند المرأة التي تغلب عاطفة الرجل ... فيا آدم لا تسخر من عاطفة حواء ... فهي خُلقت هكذا.. وهي جميلةٌ هكذا.. وأنتَ تحتاج إليها هكذا.. فروعتها في عاطفتها.. فلا تتلاعب بمشاعرها.... ويا حواء، لا تتضايقي إن نعتوكِ بناقصة عقل..
فهي عاطفتكِ الرائعة التي تحتاجها الدنيا كلها ... فلا تحزني.....
أيتها الغالية...... فأنتِ تكادِ تكونين المجتمع كله.. فأنتِ نصف المجتمع الذي يبني النصف الآخر قال الرسول عليه الصلاة والسلام: استوصوا بالنساء خيرا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه؛ فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج؛ فاستوصوا بالنساء خيراً، أرجو الإفادة في صحة هذا الكلام، مع العلم أني وجدت القصة في الإنجيل في سفر التكوين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث: استوصوا بالنساء خيراً حديث صحيح رواه البخاري، وقد بسطنا الكلام على خلق حواء في الفتوى رقم: 23346، والفتوى رقم: 18218، والفتوى رقم: 54496.
وأما الحكم التي ذكرت في المقال فهي اجتهادات ليس عندنا ما يثبتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(6/3402)
للمرأة دورها في المجتمع
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أريد السؤال: قال الرسول أفشوا السلام، لذا هل إذا مرت المرأة على مجموعة من الرجال أو ركبت حافلة هل عليها إلقاء السلام أم أن ذلك لا يجوز لأن صوت المرأة عورة, ثانيا أنا ألاحظ أن للرجل فرصة أكبر لجمع الثواب والحسنات من المرأة فقد شرع له الإسلام ان يكون مؤذنا مثلا وهذا فيه ثواب كبير وكذلك قراءة القران أو أن يكون مقرئا وهكذا توزع أشرطته ويسمعها الكثير وفي كل هذا حسنات وثواب له، أما المرأة فصوتها عورة ولا تستطيع فعل ذلك, وغير ذلك من المجالات كأن يؤم الرجل في المسجد، طبعا هناك مساجد للنساء لكن تعلمون أن ثواب صلاة المرأة في بيتها أكثر فالقليل من النسوة يذهبن للمساجد، فكيف إذا يمكن للمرأة أن تجمع حسنات بمقدار الرجل والأمور المتاحة لها أقل لجمعها, وأنا ألاحظ أن الهدف الأساسي بالنسبة للرجل من وجود المرأة هو إشباع لغرائزه، نعم أعلم أن الله خلق الجميع لعبادته وعمارة الأرض، لكن الرجل لا يفسح هذا المجال للمرأة إنما يستخدمها كشيء عندما يريد إشباع رغباته، فمثلا يقولون: (ما عنا مرة تحكي, أو أنت هون لخدمتي بس) وغير ذلك من الجمل التي سمعتها من رجال سعوديين فهل المرأة مخلوقة كي لا تتكلم والكلام للرجال فقط، هذا ليس منطقيا، إذن كيف يقول السعوديون ذلك وهم الشعب الأكثر تمسكا وتطبيقا للشريعة, آسفة على الإطالة ولكن الرجاء الإجابة
وجزاكم الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على هذه التساؤلات فإننا ننبه إلى ملاحظات ينبغي للمسلم بل ولكل عاقل أن يسلم بها، وأولها أن الله تعالى هو المتصرف في هذا الكون، وأنه الفعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأن تصرف المالك في ملكه يسمى عدلا لا جورا.
إذا علمنا هذا فإن الله تعالى يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً {الأحزاب:36} ، ويقول: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65}
وبخصوص الحديث الذي أشرت إليه فإنه حديث صحيح رواه مسلم وغيره فيجوز للمرأة أن تلقي السلام على الرجال وللرجل أن يلقي السلام على النساء بالضوابط والآداب الشرعية كما هو مبين في الفتوى: 43089 وصوت المرأة ليس بعورة لقول الله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً {الأحزاب: 32} وسبق بيانه بالتفصيل في الفتوى: 1524.
وما أشرت إليه من الفوارق أو المميزات بين الجنسين وما جعل الله للرجل في بعض العبادات فإن الله عز وجل عوض المرأة بمقابل ذلك إذا حافظت على بيتها وأطاعت زوجها بالمعروف فقد روى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة. وجعل طاعتها لزوجها تعدل الجهاد في سبيل الله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة (وهي أسماء بنت يزيد الأنصارية) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك كله، وقليل منكن من يفعله. رواه البزار والطبراني.
وبخصوص إشباع الغرائز فإنه مشترك.
وأما عن مكانة المرأة في الإسلام ودورها في الحياة وما ينبغي أن تقوم به وما يتبع ذلك مما طرحت من استشكالات وشبهات فقد سبق بيانه في عدة فتاوى: منها: 16441، 60219، 63944. نرجو أن تصبري وتقرئيها وما أحيل عليه فيها بتأن وتفهم ...
والحاصل أن كل جزئية في هذا الدين إنما شرعت لحكم عظيمة ولصالح الجميع علم ذلك من علمه وجهله من جهله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1428(6/3403)
هل في عرض سعد بن الربيع على ابن عوف أن يتنازل عن زوجته له امتهان لها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفسر عن شبهة بارك الله فيكم. هل صحيح أن الأنصار حين استقبلوا المهاجرين عرضوا عليهم أن يختاروا من زوجاتهم فيطلقها الأنصاري ليتزوجها المهاجر. إن كان ذلك صحيحا فهل يفسر أنه إيثار أم أنه امتهان للمرأة وجعلها بضاعة يهديها أحدهم لآخر دون اعتبار إنسانيتها. شيوخنا الأفاضل أرجو الجواب الشافي على هذه الشبهة لطرد وساوس الشيطان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع وكان كثير المال، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالا سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتها. فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك، فلم يرجع يومئذ حتى أفضل شيئا من سمن وأقط، فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه وضر من صفرة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهيهم، قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: ما سقت إليها؟ قال: وزن نواة من ذهب أو نواة من ذهب. فقال: أولم ولو بشاة. اهـ.
وليس فيما ذكر امتهان للمرأة، وإنما يتنازل عنها بالطلاق سعد ثم تعتد ثم يتزوجها عبد الرحمن بعد رضاها؛ لأن الثيب قد تقرر في الشرع أنها لا تزوج برجل إلا إذا صرحت نطقا بقوله، فقد اتفق العلماء أنه لا بد من رضا الثيب. قال الإمام ابن رشد: وأما النساء اللاتي بعتبر رضاهن في النكاح: فاتفقوا على اعتبار رضا الثيب البالغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: والثيب تعرب عن نفسها. رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي. اهـ.
ويدل لهذا ما ورد من التفصيل في روايات أخرى فقد ذكر ابن حجر في الفتح أن في رواية ابن سعد: فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا، وقال: لي امرأتان، وأنت أخي لا امرأة لك، فأنزل عن إحداهما فتتزوجها. وفي رواية إسماعيل بن جعفر: ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها، فإذا حلت تزوجها. وفي حديث عبد الرحمن بن عوف: فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها، فإذا حلت تزوجتها. ونحوه في رواية يحيى بن سعيد وفي لفظ: فانظر أعجبهما إليك فسمها لي فأطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها. وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عند أحمد: فقال له سعد: أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان فأنظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها.
هذا ومن المعلوم أن الغالب عن هذه المرأة لو طلقها زوجها أنها سترضى بعبد الرحمن بن عوف زوجا لها وذلك لأكثر من سبب.
الأول: أنها صحابية جليلة تحب الدين وأهله، وتعلم أن عبد الرحمن من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ترك وطنه وماله وأهله وهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرارا بدينه واعتزازا بربه واتكالا عليه، فهو أهل لأن يقدر له هذا الموقف.
الثاني: أن عبد الرحمن من وسط مرموق فهو من أوسط قريش نسبا.
الثالث: أنه تاجر ماهر ذو خبرة عالية في التجارة وقد يكون ممن عُرفوا بذلك في الجاهلية، والنساء يرغبن في الزواج بالرجل الناجح لاسيما إذا كان ينحدر من وسط محترم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1427(6/3404)
حقوق المرأة كاملة ومصونة
[السُّؤَالُ]
ـ[مع أني فتاة متدينة إن شاء الله قدر المستطاع ولكن أحيانا يراودني شعور بالظلم تجاه المرأة أخشى أن أذكر ذلك لأحد فأكون قد اعترضت على كلام الله ولكن الشيطان يلعب كثيرا بأعصابي أنا واثقة بأن الله قد اختار لنا الخير ولكني أريد أن أكون متيقنة بإذن الله فلا تراودني أي شكوك بعد الآن كيف نتخلص من مثل هذه الأشياء؟ وهل تقدح في العقيدة؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرأة قد أكرمها ربها ورفع منزلتها وصانها ووفاها حقوقها على الوجه الأكمل والأحكم، وإذا كان الإسلام قد جعل القوامة بيد الرجل، وسمح له بتأديب زوجته إن هي نشزت وخرجت عن الطاعة، فليس معنى ذلك إهانتها أو سلبها شيئاً من حقوقها، ففي صحيح مسلم وغيره من حديث جابر الطويل الذي يصف فيه حجة الوداع وخطبة النبي صلى الله عليه وسلم الشاملة التي فصل فيها شرائع الإسلام وبيَّنها يقول فيها: فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا إذا اعتصمتم به كتاب الله.. إلى آخر الحديث
وفي سنن الترمذي من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ... إلى آخر الحديث.
وعليه.. فأبعدي عنك هذا الشعور بأن المرأة مظلومة، واعلمي أن الله تعالى إنما جعل لها الوضع المناسب لأنوثتها، وكرمها أيما تكريم، وارفضي عنك تلك الشكوك والوساوس فإنها من الشيطان، واستعيذي بالله تعالى منه، فهو عدو للإنسان كما قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا {فاطر: 6} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1426(6/3405)
الحجاب لا يمنع المرأة من التعلم والدفاع عن مواقفها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في الـ 27 من العمر منذ أن بدأت العمل الجاد منذ ما يقرب من السنة توقفت عن الصلاة تماما في بادئ الأمر لأنه لم يكن لدي الوقت ولكن بعد ذلك فقدت الرغبة بل زاد الأمر سوءا أني أمارس العادة السرية تقريبا يوميا.. حتى رؤية المنقبات صارت تثير تخوفي وشفقتي إذا كان الدين يمنع المرأة من أن تكون إنسانا أي كائنا نستطيع تمييزه يعمل ويملك وله مواقفه وآراؤه فلا يمكن الإدعاء بأنه \"كرمها\" أرى أن أسباب التقدم في كل الحضارات كانت واحدة هي العلم والنظام والعمل فأين نحن من كل هذا؟ أرى يومياً في عملي نماذج كثيرة من المدعين الذين اختصروا الدين في الشكليات وهم كسالى ويمارسون الكذب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تارك الصلاة تكاسلاً قد اختلف العلماء في حكمه، وأرجح الأقوال أنه كافر كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وانظر الفتويين: 6061، 6840 أما تاركها حجودا فهو كافر إجماعا.
وعلى ذلك، فإن الواجب عليك أن تبادر بالتوبة إلى الله، فتؤدي الصلاة في وقتها، وتعقد العزم على عدم تركها مرة أخرى، وتندم على ما فرطت في جنب الله تعالى بترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
ولتعلم أن الإسلام عندما أمر المرأة بالحجاب وتغطية وجهها فإنه كرمها بذلك وحفظها من أن يتعرض لها الذين في قلوبهم مرض، وليس في أمر الإسلام للمرأة بالحجاب وتغطية الوجه أنه ينفي كونها بشراً أو أنه يمنعها من أن تعبر عن آرائها، وأن من يطالع سيرة أمهات المؤمنين ونساء الصحابة يجد أن التزامهن بالحجاب وتغطية الوجه لم يمنعهن من تعلم دينهن والتعبير عما في نفوسهن والانتصاف ممن ظلمهن، وانظر الفتويين: 64043، 5729.
هذا، ولتنتبه إلى أهمية الأدب عند تناول الأحكام الشرعية لأنها ليست من صنع البشر، وإنما هي تكاليف رب البرية، فإن العبد عبده والملك ملكه، والله سبحانه يتصرف في ملكوته كيف شاء ولا يسأل عما يفعل، وعلى المسلم أن ينقاد لشرع الله وأن يعتقد كماله وصلاحيته للبشر في كل زمان ومكان، وانظر الفتوى رقم: 19482.
ولمزيد فائدة انظر كتاب (عودة الحجاب) للشيخ محمد إسماعيل المقدم خاصة الجزء الثاني والذي هو بعنوان: المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية.
هذا، ولتعلم أنه لا تعارض بين التمسك بشرع الله تعالى والاستقامة على دينه، وبين عمارة الأرض والتقدم المادي، فإن الإسلام يدعو إلى إتقان العمل والجد وعدم التواكل، وإن ما تجده من تقصير عند بعض المتمسكين بالدين ليس راجعاً إلى الإسلام، وإنما راجع إلى خلل عند هؤلاء وقصور في الفهم أو التطبيق، والإسلام منه براء، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1293، 20640، 64123.
وانظر بيان وسطية الإسلام ونبذه للغلو في الفتوى رقم: 48482.
وبالنسبة لارتكابك للعادة السرية، انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1087، 2283، 7170، 52466، 9195، 34473.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1426(6/3406)
الحكمة من اشتراط الولي للمرأة دون الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يجب أن يكون زواج المرأه بولي، والرجل يتزوج بدون ولي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اشتراط الولي بالنسبة للمرأة دون الرجل له اعتبارات وأسباب راجعة إلى نظام الإسلام وتشريعه في ما يتعلق بالجانب الاجتماعي والأسري.
فلئن كان الإسلام قد سوى بين الرجل والمرأة في التكريم والقيمة الإنسانية وفي التكاليف الشرعية والثواب والعقاب كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات: 13} فإن الإسلام قد فضل الرجل على المرأة وجعل له عليها درجة، هذا التفضيل وهذه الدرجة ليس في الكرامة الإنسانية أو في القرب من الله ونحو ذلك، فقد تقدمت الآية: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنما هذا التفضيل لأجل ما كلف به الرجل وفضل به من المناصب الدينية والدنيوية كالنبوة والإمامة والقضاء والجهاد وغير ذلك، وبما كلف به من الإنفاق على الزوجة والأهل والعيال. قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ {البقرة: 228} وقال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء: 33}
ولهذا جعل للرجل حق تأديب المرأة إذا نشزت، ووكل إليه الطلاق، ومن ذلك حق تولي عقد النكاح وهو واجب أكثر منه حق، وهو لصالح المرأة في النهاية، وذلك أن فيه تقوية لجانبها أمام زجها حيث يراها مسنودة الظهر بأب أو أخ قادر على حمايتها ورد الظلم عنها إن وقع، ولأن وليها أعرف منها بالرجال فيكون في إشراكه في الأمر خير لها.
ثم هذا الحق مقيد بعدم جواز إجبارها على من تكره حتى لو كان الولي أباً على الراجح من أقوال العلماء، وبعدم جواز عضلها ومنعها من الزواج، فإذا حصل من الولي العضل سقطت ولايته على تفصيل ليس هذا محله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(6/3407)
الخطاب في الشرع موجه إلى الرجال والنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما يقول الله تعالى في كتابه (يا أيها الذين آمنوا) يكون الخطاب للرجال والنساء أم للرجال فقط والنساء يجب أن يفعلن مثل الرجال؟ فالغربيون يقولون إن القرآن يخاطب الرجال فقط وإذا كان الخطاب للجنسين فلماذا فسر العلماء قول الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) إن الخطاب للرجال؟ فكلمة زوج تقال للرجل أيضا, والدليل قول الله (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخطاب في الشريعة الإسلامية موجه إلى الجميع الرجال والنساء إلا ما دل دليل على تخصيصه بأحدهما لحكمة لا تخفى على العقلاء، فهذا هو الأصل كما نص عليه أهل العلم، ودل عليه الدليل من نصوص الوحي، كما قال الله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ {آل عمران: 195} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: النساء شقائق الرجال.
وما ورد في بعض النصوص مثل: ورجلان تحابا في الله. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة.. فلا مفهوم للرجل في هذه النصوص وما أشبهها عن المرأة، وهذا من باب التغليب الذي هو أسلوب من أساليب الخطاب العربي، وليس فيه نقص لمن لم يذكر باسمه.
فيقولون مثلاً: العمرين والحسنين والأسودين ...
وما يدندن حوله الغربيون وأتباعهم دائماً من شبهات حول الإسلام والمرأة كلام فارغ لا قيمة له، وقد أزلنا تلك الشبهة في فتاوى سابقة تجدها مثبتة بالأرقام في آخر الإجابة.
وأما قول الله تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا {الروم: 21} ومثله: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا {النحل: 72} .
فكثير من أهل العلم فسر: من أنفسكم بجنسكم ونوعكم وعلى خلقتكم، كما قال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ {التوبة: 128} . أي من البشر.
فقد امتن الله على عباده بأن جعل لهم أزواجا من جنسهم، وذلك أبلغ في الإلفة والسكون ... ولم يجعلهم من الأجناس الأخرى.
ونرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7520، 46353، 16032، 62236، 61352، 2369، 16441، 60219، 62354.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1426(6/3408)
حجاب المرأة وراءه حكم بالغة
[السُّؤَالُ]
ـ[،أثق بكم كثيرا ودائما أجد عندكم إجابات مقنعة ومنطقية.
أنا وصلت إلى إحباط شديد وحزن على عباداتي، لأن لا نفع للصلاة والحج إذا كنت أخرج من بيتي دون اللباس الشرعي، وأنا لا أطيقه،مع أنني ارتديته.، أريد عبادة الله،، ولكني للأسف فتاة، أنثى المهم فقط هو أن أتوارى تحت العباءة والخمار،،، أنا أحسد الرجال، وأتمنى فعلا لو أنني رجل، كي أنجو من هذا الذنب العظيم الذي أحمله من حيث لا أدري ولا أحتسب، وقد أفسد علي أعمالي،
سؤالي هو:
هل الرجل إنسان خلقه الله وسيحاسبه على عبادته وعمله وسلوكه أما المرأة فهي شيء ونكرة، يجب تغطيته،، وإذا تكشف شعرها انهدم الدين وانتشر الكفر والزنا؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الهداية والتوفيق، وأن يزيل عنك الهموم والغموم، ويذهب عنك وساوس الشيطان، فإنه لا هم له في هذه الدنيا سوى إغواء بني آدم، وفد أقسم على ذلك فقال: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ {النساء: 118-119} وإن للشيطان جنودا من الإنس وجنودا من الجن، فينبغي للمسلم أن يحذر من شياطين الإنس وشياطين الجن، وقد بين الله سبحانه وتعالى سبيل الحذر من شياطين الإنس وذلك بالابتعاد عنهم وعدم مجالستهم وعدم الإصغاء إلى شبههم وأباطيلهم، والاستعانة بصحبة الأخيار، كما في قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28} وأما عن شياطين الجن فقال: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت: 36}
ولتعلمي أيتها الأخت الكريمة أنه لا يكون المرء مؤمنا حقا حتى يكون هواه تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. أخرجه النووي في كتاب الحجة وصححه ووافقه ابن حجر، ويشهد لذلك الأصل قوله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء: 65}
فعليك أن تذعني لأحكام الشارع وتسلمي لها تسليما، ولا يكن في صدرك حرج من ذلك، وسبب الضيق والحرج الذي تجدينه عند ارتداء ملابس الحشمة والعفة والحياء هو الإعراض عن ذكر الله وعدم أداء العبادات كما ينبغي، فقد قال العلماء من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فإن في صلاته خللا، لقوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت:45} فمن أدى الصلاة كما أمر وذكر الله عز وجل فحري به أن لا يقدم على منكر ولا يعرض عن معروف، وكذلك في الحج والصوم وغيرها من القرب فلا بد فيها من الإتيان بها على الوجه الصحيح لتنفع صاحبها فهي دواء ولا بد ان يستعمل الدواء كما وصف الطبيب ليؤدي مفعوله، ولا بد أن تتيقني أن الحكمة البالغة هي فيما شرعه الله عز وجل: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فليست المسألة مسألة رجل وامرأة، هي تغطي شعرها وتستر جسدها، وهو يكشف ذلك، لا وكلا، فإن الله سبحانه وتعالى لما خلق المرأة وصورها أحسن صورتها وأودع فيها من الجمال والإغراء ما تفتتن به النفوس وتذوب له المهج، وجعل في غريزة الرجل الميول إليها والرغبة فيها، فهو طالب وهي مطلوبة، وأحب الشيء إلى الإنسان ما مُنِع، ومن الأسباب التي تقوي الرغبة في نفس الرجل وتشده إلى المرأة حجابها وعفتها وعدم ابتذالها، وقد بينا في الفتوى رقم: 19026 والفتوى رقم: 55578 بعض تلك الحكم، وأما الرجل فقد كلف بتكاليف عظيمة وأمر بأوامر جسيمة وسيحاسب عليها يوم تجزى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
وللاستزادة عن تكريم الإسلام للمرأة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 5729.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1426(6/3409)
مكانة المرأة في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة أحب أن أسأل عن حقوق المرأة في الإسلام وخاصة يذكر أن المرأة قليلة عقل ودين, كما يذكر أن بإمكان الرجل ضرب امرأته, كما ومن خلال قراءتي للقرآن الكريم, لم أر أي حقوق للمرأة في الجنة, حيث إن الجنة عندنا مخصصة للذكور وللاستمتاع الجنسي فقط, حور العين والغلمان, وما ملكت أيمانكم, هنا أتساءل ما هو محلل للرجل لماذا لا يكون محللا للمرأة المسلمة في الجنة والدنيا, الجنة هي مجتمع ذكوري أجيبوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخطاب في القرآن الكريم موجه إلى الناس كافة رجالهم ونسائهم، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ {الحج:1} ، ويقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ {التوبة:119} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
فالمرأة في الإسلام شقيقة الرجل لها ما له من الحقوق، وعليها من الواجبات ما يلائم تكوينها الفطري، وعلى الرجل ما اختص به لجلده وقوته ... فهو الذي يلي القوامة ويحمي المرأة ويدافع عنها ولو بدمه ... وهو الذي ينفق عليها من كد يمينه وعرق جبينه.
والفضل بينهما عند الله تعالى هو بالتقوى كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات:13} ، وقال تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ... {آل عمران:195} ، وقال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا {الأحزاب:35} ، ويقول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ... {التوبة:71} ، وعن المنافقين يقول الله تعالى: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ... {التوبة:67} .
فمكانة المرأة في الإسلام لا تضاهيها أي مكانة لها في الأديان والفلسفات الأخرى مهما حاول المشككون والمرجفون ودعاة الغزو الفكري، وهذا ما لا يشك فيه العقلاء المنصفون، فقد وضع الإسلام المرأة في مكانها اللائق بها إلى جانب شقيقها الرجل، شأنه في ذلك شأن كل ما جاء به من هداية للبشرية لأنه تنزيل من حكيم حميد، كما قال الله تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14} .
أما بخصوص الشبهات أو الإشكالات التي ذكرت فقد سبق الرد عليها بالتفصيل وبالأدلة العقلية والنقلية، نرجو منك أن تقرئي الإجابة عنها بتأن وصبر وتدبر في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7520، 46353، 16032، 62236، 61352، 2369، 16441، 60219، 62354.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(6/3410)
شبهة حول مكانة المرأة وجوابها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل أقوم بدعوة غير المسلمين في الدخول إلى الإسلام ولكنهم دائما يسألونني بعض الأسئلة لا أعرف كيف أجيب عليها فأرجو من سيادتكم أن تجيبوا عليها حتى أستطيع الرد عليهم
يقولون إن الإسلام جعل المرأه مخلوقا خلق للرجال بدليل قول الله تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) لام تعليل في يسكن هو تعليل لخلق حواء فمعنى ذلك أن المرأة خلقت للرجال كي يسكنوا إليها فمثلها مثل الحيوانات والنباتات خلقهم الله للإنسان ولكن من رحمته أن خلق النساء بشر حتى يستطيع أن يألفهن الرجال والدليل قول الله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجا لتسكنوا إليها) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد خلق الله تعالى المرأة لأمر عظيم وهو عبادة الله تبارك وتعالى، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ، وقال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا {الأحزاب:35} ، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {التوبة:71} ، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ {البقرة:228} .
وفي الحديث عند أبي داود والترمذي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: النساء شقائق الرجال.
فكيف يقال بعد ذلك إن مكانة المرأة في الإسلام كالنباتات والدواب، هذا جهل عظيم، وأما الآية فإنها تتحدث عن حكمة من حكم الله تعالى في خلق المرأة، وهذه الحكمة هي أن المرأة خلقت ليكتمل الجنس الإنساني، فما العيب في ذلك بل هذا مدح فالرجل لا يكتمل إلا بالمرأة، ومثل هذا النظر السطحي المجتزئ لآيات الكتاب دون فهم ووعي يجلب المصائب.
ثم إن الله تعالى جعل الرجل مكملا للمرأة كما أنها مكملة له، وجعل الغني مكملا للفقير، والفقير مكملا للغني إذ لو وجد الأغنياء فقط لما قامت المصالح، فالغني بحاجة إلى المسكن وإلا كان في الخلاء يعاني حر الشمس وشدة البرد، وبحاجة إلى المطعم وإلا مات جوعاً، وبحاجة إلى الملبس، وكل ذلك لا يتم إلا بالمزارعين والبناة والنساجين والخياطين والخبازين، فالغني محتاج إلى هؤلاء جميعاً وإلا تضرر، وهم أيضاً محتاجون للأغنياء وإلا لتعطلت أعمالهم وحرفهم، فسنة التكامل سنة ربانية، وكل المخلوقات متصفة بصفة الفقر والحاجة، فالنباتات بحاجة إلى المزارع والماء والتراب والضوء، وقل مثل ذلك في الحيوانات، بل الأرض بحاجة إلى الشمس وبقية الكواكب، وهذا الكون الفسيح كله بحاجة إلى من يضبط نظامه، ويسير أفلاكه. والغني المطلق الذي تحتاج إليه المخلوقات ولا يحتاج إليها هو الله تعالى، فلا مكان لهذه الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام، وتراجع الفتوى رقم: 61329.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1426(6/3411)
الرؤية الشرعية لتفضيل الرجال على النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرأ في عديد من المواقع الإسلامية أن كثيرا من الشيوخ يقولون إن الرجل أفضل من المرأة وإن المرأة أقل شأنا من الرجل ويستدلون لذلك بقول الله تعالى (الرجال قوامون على النساء) وأن حواء خلقت من ضلع آدم ويستدلون بقول الله تعالى (وللرجال عليهن درجة) كما أن بعض الشيوخ يقولون إن الرجال لهم في الآخرة ثواب أكثر من المرأة لأنهم قاموا بالجهاد وصلاه الجماعة وصلاة الجمعة
لكني لا أوافقهم فالمرأة لا تقل شأنا عن الرجل فهما يكملان بعضهما فالمرأة هي التي تنشئ وتربي الأولاد والرجل يكملها بأنه يحميها والرجل يقوم بالأعمال الخارجية ويحتاج لحنان المرأة ومساعدتها ويسكن إليها بالتالي تكتمل خلافتهما للأرض.
أما عن قول الله تعالى (الرجال قوامون على النساء) ليس المقصود انه أفضل منها إنما المقصود أنه أولى بالنفقة وأن يكون الوالي عليها واختار الله الرجل دون المرأة في هذه المهمة ليس أنه أفضل ولكن الله ميز الرجل عن المرأة بأن أعطاه قوة بدنية وحكمه أكثر منها تجعله أولى بقيادة الأسرة كما ميز المرأة عن الرجل بالصبر والعطف لا يوجد مثله عند الرجال لذلك جعل مهمة تربية الأطفال والرضاعة والحمل خاصة بالنساء
كما أن قول الله تعالى (وللرجال عليهن درجة) سببه أيضا ما قلته سابقا
أما عن خلق حواء من ضلع آدم ليس معناه أنها أقل شانا إنما أراد الله أن يجعل الرجال مهمتهم الأعمال الخارجية في الأرض من صناعة وزراعة وغيرها من الأعمال التي تتعلق بالأرض لذلك خلقه من تراب وأراد أن يجعل النساء مهمتهم التنشئة والتربية فسوف يتعاملن مع أشياء حية لذلك خلقهم الله من شيء حي (ضلع آدم) سبحان الله
أما عن قولهم بأن الرجال لهم ثواب أكثر من النساء بسبب قيامهم بالجهاد وغيرها من الأعمال الخاصة بالرجال فهذا خطأ فالمرأة مكلفة بالحجاب والرجل غير مكلف بهذا والمرأة تتحمل متاعب الحمل والرضاعة كما أن الجنة تحت أقدام الأمهات
قال تعالى (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)
وسؤالي هنا هل كلامي هو الصحيح أم كلام هؤلاء الشيوخ أرجو الاجابة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد ساوى جل وعلا بين الرجل والمرأة في أصل الخلق، وفي التكريم، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ {الأنعام: 98} .
وقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا {الإسراء:70} .
وساوى بينهما في أصل التكليف، وفي الحساب والجزاء. قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56} .
ولقد بين الباري جل وعلا أن المرأة مماثلة للرجل في الحقوق والواجبات، داخل الإطار الأسري، وللرجل عليها درجة، وهي: درجة القوامة على أمرها، والرعاية لشؤونها.
قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ {البقرة: 233} .
وهذه المزية التي أعطاها الله للرجل على المرأة ليس معناها التحقير بها، والغض من قيمتها. وقد ذكر المولى عز وجل سببين اثنين لفضل الرجل على المرأة، أولهما: وهبي. وثانيهما: كسبي. قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء: 34}
أما الأول منهما: فهو ما أشار إليه قوله تعالى: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ. أي بتفضيل الله الرجال على النساء، من كونه جعل منهم الأنبياء والخلفاء والسلاطين والحكام والغزاة، وزيادة التعصيب والنصيب في الميراث، وجعل الطلاق بأيديهم، والانتساب إليهم، وغير ذلك مما فضل الله به جنس الرجال على جنس النساء في الجملة.
والسبب الثاني في جعل القوامة للرجل على المرأة هو: ما أنفقه عليها، وما دفعه إليها من مهر، وما يتكلفه من نفقة في الجهاد، وما يلزمه في العقل والدية، وغير ذلك مما لم تكن المرأة ملزمة به، وقد أشار إليه في الآية بقوله: وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ.
ومما يجب التنبه له أن تفضيل الرجال على النساء المذكور في الآية الكريمة المراد منه تفضيل جنس الرجال على جنس النساء، وليس المراد منه تفضيل جميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، وإلا فكم من امرأة تفضل زوجها في العلم والدين والعمل والرأي وغير ذلك.
وبناء على جميع ما تقدم يتبين أن ما ذكرته أنت وهؤلاء الشيوخ منه ماهو صحيح ومنه ما هو خطأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1426(6/3412)
فتاوى حول منزلة المرأة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أسمع كثيرا من الناس يقولون أن جنس الرجال أفضل شأنا ومكانا من المرأة، فهل هذا صحيح، ولماذا، فمثل ما ميز الله الرجل عن المرأة بالعقل والقوة ميز المرأة أيضا بالصبر والحنان والعطف، كما أنه لم يجعل أنبياء نساء لأن الأنبياء أكثر الناس ابتلاء وتحملوا تعبا لا يستطيع أن يتحمله رجل عادي كي تتحمله أنثى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23862، 9623، 24614، 16032، 5729، 40337، 58146.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1426(6/3413)
خلافة الأرض للرجال والنساء، والمرأة كاملة المسؤولية والأهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) فهل المقصود أن الله خلق الرجل ليعبده ويكون خليفته في الأرض وخلقت المرأة ليسكن إليها الرجل أم أن خلافة الأرض للنساء والرجال ليكملا بعضهما حيث تحتاج المرأة للرجل ليحميها ويحتاج الرجل للمرأة ليسكن إليها وتقوم هي بتربيه الأولاد ويقوم هو بالأعمال الشاقه فتكتمل خلافتهما أم أن خلافه الأرض للرجال فقط؟
هل المرأة أقل شأنا ومكانا من الرجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام وضع المرأة في موضعها اللائق بها، كما هو شأنه في كل ما جاء به من هداية، لأنه تنزيل من حكيم حميد، فصحح كثيرا من الأفكار الخاطئة التي كانت مأخوذة عنها في الفلسفات القديمة، وفي كلام من ينتمون إلى الأديان وردَّ لها اعتبارها، وكرمها غاية التكريم، واعتبرها كاملة المسؤولية والأهلية كالرجل، وإن أول تكليف إلهي صدر للإنسان كان للرجل والمرأة جميعا، حيث قال الله للإنسان الأول آدم وزوجه: وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ البقرة: 35} .
وهي قسيمة الرجل، لها ما له من الحقوق، وعليها أيضا من الواجبات ما يلائم فطرتها وتكوينها، وعلى الرجل بما اختص به من شرف الرجولة وقوة الجلد أن يلي رئاستها، فهو بذلك وليها يحوطها بقوته ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده. قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ {البقرة: 228} .
وجعلها الله سكنا للرجل تكريما لهما بما ينشأ عن ذلك من المودة والرحمة. قال تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً {الروم: 21} وقوله تعالى: لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا: معناه لتميلوا إليها وتألفوا بها، فإن الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر. راجع كتب التفسير عند تفسير الآية المذكورة.
والحاصل أن خلافة الأرض قد جعلها الله للرجال والنساء جميعا، فساوى بينهما في أصل التكليف، وخص كلا منهما بما يليق به، وجعل للرجل درجة على المرأة بما له من القوامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(6/3414)
مسائل تتعلق بالمرأة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا خلق الله النساء، وما هو دور المرأة المسلمة في الحياة، وهل عمل المرأة بخلاف الشروط التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد منح الإسلام المرأة مكانة سامية، وكرمها أنثى وبنتا وأختا وزوجة وأماً، ووضعها في موضعها اللائق بها، وقد سبق تفصيل القول في ذلك في الفتوى رقم: 16441.
وأما حكم عمل المرأة، فإن الأصل فيه الإباحة بشرط خلو العمل من المحاذير الشرعية، وقد سبق الإجابة على ذلك في عدة مواضع، فانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31817، 44756، 46908.
وأما لماذا خلق الله عز وجل النساء؟ فإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا لحكمة، لكننا قد نعلم هذه الحكم وقد نجهلها، وقد نعلم بعضها دون البعض الآخر، وقد يعلمها بعض الناس دون بعض، حسب ما يعطيهم الله تعالى من العلم والفهم.
وأما بخصوص المرأة، فإنها شقيقة الرجل، وهي إنسان كامل الإنسانية، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13} ، وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء:1} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال. صحيح رواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها.
فالرجال والنساء من جنس واحد، لا قوام للإنسانية ولا استمرار للبشرية إلا بهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1426(6/3415)
حكم من ادعى بأن الإسلام قد حط من منزلة المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال:.. لماذا لا يقف القانون في السماء والأرض مع المرأة..؟ هل تجب عليها التوبة.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب المسلم أن يسلم لما قضى الله به وحكم، وينقاد له ظاهرا وباطنا، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم ْ {الأحزاب: 36} . وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. رواه أبن أبي عاصم في السنة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وقد ضعفه بعض أهل الحديث ولكن له شواهد تقوية.
ثم إن المرأة لم تحظ بشيء من التكريم والتقدير مثلما حظيت به في ظل الإسلام، فقد كرمها الله تعالى أماً وبنتا وأختا وزوجة، ورغب الشرع الحكيم في تربية البنات والإحسان إليهن.
وعليه؛ فقائل هذا الكلام الذي سألت عنه لا علم له بما كانت عليه المرأة قبل الإسلام، ولا بما هي عليه الآن في المجتمعات غير المسلمة، ثم إنه أعظم القول فيما قاله. وليبادر إلى التوبة، فإن الله هو العدل الحكم اللطيف الخبير. و {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1425(6/3416)
كمال الإسلام وسبقه في تكريم المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك العديد من النساء الغربيات يستغربن عدم مصافحة بعض المسلمين لهن وبعضهن لا يتقبلنه ويرين أن هذا انتقاص لهن، أو الذي رفض مصافحتهن متشدد أو ما إلى ذلك، خصوصاً أنه يحدث أمامهن أن بعض المسلمين يصافحهن والبعض الآخر يرفض في نفس المجلس، فأرجو من حضرتكم بيان عظمة الإسلام في الحفاظ على المرأة بعدم السماح للرجال الأجانب بمصافحتها، وبيان أن هذا ليس انتقاصاً لها أو أنها أدنى من الرجل.... الرجاء توضيح ذلك وما يتعلق به بطريقة منطقية يسهل معها إقناعهن أو على الأقل بيان ذلك لهن، آخذين بعين الاعتبار أن هؤلاء النساء غربيات يعشن في بلاد - في نظرهم- تدعي الحرية أو بعضهن يتمتعن بحقوق أمام القانون أفضل من الرجال كما في البلد الأوروبي الذي أنا فيه حالياً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يثار على ألسنة بعض الغربيين وأتباعهم من شتى البلاد عن الإسلام إنما هو طنطنة وجعجعة يُقصد بها التشويش على صورة الإسلام الزاهية، وإدخال الشبهات على أهله، وتخويف غير المسلمين منه، وقد تصدى العلماء قديماً وحديثاً للرد على إفكهم، والذب عن دينهم، وبيان عوار أفكارهم وسفاهة أحلامهم، ومن أهم الكتب في ذلك كتاب المرأة بين الفقه والقانون للدكتور/ مصطفى السباعي رحمه الله، فليراجع هذا الكتاب فإنه مفيد في موضوعه، وقد بينا حكم المصافحة في الفتوى رقم: 29380، والفتوى رقم: 32160.
كما بينا الرد على بعض الشبهات المثارة حول مكانة المرأة في الإسلام وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5729، 3661، 16441.
علماً بأن المسلم يجب عليه اليقين بصحة دين الإسلام وكمال عدله مع المرأة وغيرها، فقد راعى الإسلام حقوق الأحياء والأموات، والكبار والصغار، حتى أثبت حقوقاً للأجنة في بطون أمهاتهم، بل وأثبت حقوقاً للإنسانية كلها كافرهم ومسلمهم، فأمر بالقسط مع جميع الناس ولو كانوا كفاراً، قال الله تعالى: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] ، وقال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ [التوبة:6] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(6/3417)
فتاوى حول شبهات مثارة حول شهادة المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الشبهات التي أثيرت حول شهادة المرأة ما لا يقل عن 30 صفحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان بعض الحكم من جعل الشرع شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7520، 33323، 41911.
ويمكن الرجوع إلى كتاب المرأة بين الفقه والقانون للأستاذ مصطفى السباعي، وغيره من الكتب التي تكلمت عن أحكام المرأة، وإننا إذ نشكر الأخ السائل على متابعة موقعنا ننبه له على أن الموقع لا يقوم بعمل أبحاث أو رسائل، وإنما هو لخدمة المستفتين عن أمور دينهم العملية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1425(6/3418)
الحكمة من جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريبة ألمانية غير مسلمة تريد أن تستفسر لماذا شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين.... أرجو أن تكون إجابة مقنعة لغير المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنا ننصحك بتجنب مخالطة هذه المرأة إلا بقدر ما تتطلبه دعوتها إلى الإسلام، إذ لا تجوز الخلوة بها ولا الدخول عليها إلا مع محرم، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. ذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، ثم عن سؤالك، فاعلم أن المسلم يكفيه من تبرير الحكم أي حكم أنه ورد في كتاب الله وأن عليه إجماع الأمة الإسلامية، وقد ورد في القرآن الكريم أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، قال الله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282] . هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن ما تتميز به المرأة من عواطف وانفعالات ووجدان وميوعة في المواقف وميل إلى السكينة والراحة والخلود، كلها أمور تجعلها في رتبة دون رتبة الرجل، وخاصة في مجال الشهادة والأحكام التي تترتب عليها نقل الأملاك وسائر أنواع الحقوق. وقد ثبت عملياً عن طريق تشريح الدماغ أن مخ الرجل يحتوي على خلايا عصبية تزيد بنسبة 16 في المائة عن مخ المرأة، وهناك دراسات كثيرة أثبتت فروقاً حقيقية بين الرجل والمرأة في المجال الذهني، نحيلك فيها على الفتوى رقم: 21357. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1424(6/3419)
الشريعة لا تمنع من خروج المرأة ولكن ...
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث ينص على أن خروج المرأة فقط من بيت أبيها إلى بيت زوجها ومن بيت زوجها إلى القبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم حديثا ينص على أن المرأة لا تخرج إلا من بيت أبيها ثم إلى بيت زوجها، ثم إلى القبر، وهذا التضييق لا تأتي به الشريعة السمحاء، بل يجوز خروج المرأة من بيت أبيها أو بيت زوجها بإذنهما للحاجة ونحوها.
إلا أن الشريعة الإسلامية أحاطت خروج المرأة ببعض القيود، وذلك حفظا للمرأة، وحفظا للمجتمع من الفساد والشر.
فمنعت المرأة أن تخرج متبرجة، وأمرت المرأة بالحجاب، ونهت عن الخلوة والسفر بلا محرم، ومنعت المرأة من أن تخرج متعطرة، لما في ذلك من إمالة قلوب الرجال وحصول الشر، ومنعتها من التثني في المشي والتمايل، ومن الخضوع بالقول، وترقيقه، وكل ذلك من أجل سد باب الفتنة.
فإذا سلمت المرأة من هذه المحظورات، فلا مانع من خروجها من البيت للحاجة ونحوها.
وقد كانت النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن من بيوتهن للحاجة ونحوها كشهود الصلاة في المسجد، وعيادة المريض، وقد زارت صفية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد، والحديث في البخاري، وخرجت عائشة رضي الله عنها من المنزل ليلاً إثر النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى البقيع، وكان النساء يخرجن مع المجاهدين، يداوين المرضى والجرحى ونحو ذلك.
وشواهد هذا كثيرة في السنة، تدل على جواز خروجها بتلك الضوابط الآنفة الذكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(6/3420)
تشريعاته سبحانه وتعالى لا تخلو عن حكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-دائما تتساءل زوجتي لماذا عظم الله حق الزوج وجعله مقدما على جميع الحقوق, وأنه بذلك والعياذ بالله أجارعلى حق الزوجة؟
2-دائما" تتساءل أيضا" أن هذه الحقوق لا تكون هذ الأيام؟ أرجو التكرم بالهمس في أذن زوجتي لتتقي الله وتحافظ على بيتها وزوجها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل حكيم في تشريعاته، فما من تشريع منها إلا وصادر عن حكمة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، ومن هذه التشريعات: ما جعل الله سبحانه من القوامة للرجل في بيته، فإن وراء ذلك من الأسرار ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد بسطنا بعضها في الفتوى رقم: 16032، فنرجو مراجعتها وقراءتها بتمهل، ففيها الكثير من الجلاء لمثل هذه الشبهات، هذا مع أن الواجب على المسلم تجاه مثل هذه التشريعات تلقيها بالقبول والتسليم، ولو لم تظهر له الحكمة من ورائها، كما قال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] وكما قال تعالى: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد: 41] .
لذا، فمن الجرم العظيم ومن الخطأ الجسيم أن يصف المسلم الله تعالى بالجور والظلم، لكون الحكمة قد خفيت عليه، بل من تلفظ بمثل هذا القول وهو يعي ما يقول، فإنه يقع في الكفر والعياذ بالله، فمن أتى شيئا من ذلك، فالواجب عليه المبادرة إلى التوبة والاستغفار وأن لا يعود لمثلها أبدا.
ثم إن الذي عليه أكثر أهل العلم أن ردة أحد الزوجين توجب فسخ النكاح، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 25611، وعليه، فالعصمة بينكما منحلة، ولا بد من تجديد عقد الزواج إذا كنتما تريدان استمرار الزوجية، هذا فيما يتعلق بالسؤال الأول.
أما السؤال الثاني: والذي يتضمن القول بأن هذه الأحكام لا تناسب العصر الذي نعيش فيه، فهو قول مجانب للصواب، وذلك أن هذه التشريعات قد صدرت من اللطيف الخبير الذي يعلم من خلق، وما يناسب خلقه في كل زمان ومكان، فلو كان هذا التشريع لزمان دون زمان، أو لمكان دون مكان، لبين ذلك في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم إن هذه الأحكام كما بينا، ترجع إلى البنية الأساسية التي تميز بها جنس الرجال عن جنس النساء، وهذا أمر لا يتغير بتغير الزمان ولا بتغير المكان، وإن مما يدعو إلى العجب فيما نحن بصدده، أن من قامت حضارتهم ومبادئهم على مثل هذه الأفكار، قد اعترفوا بأن ما جاء به الإسلام من تشريعات بشأن المرأة هو السبيل الصحيح، وتمنوا أن لو كانت المرأة عندهم قرارها في بيت الزوجية رعاية لعيالها، وعناية بتربيتهم.
وفي ختام هذا الجواب، لدينا نصيحة لكل من الزوجين بأن يبنيا حياتهما على حسن العشرة والتعاون والتفاهم، وقيام كل منهما بما عليه من حقوق تجاه الآخر، وعلى الزوجة أن تتقي الله في نفسها وفي زوجها وفي أولادها، وأن تعلم أن طاعتها لزوجها سبيل لسعادتها في الدنيا، وباب لدخولها الجنة.
ولمزيد من الفائدة، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 18814.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1424(6/3421)
علة عدم السماح للمرأة أن تضرب زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
لماذا سمح في الإسلام بضرب المرأة من قبل زوجها إذا أخطأت ولم يسمح بالعكس؟ وهل هذا يعتبر إنقاصاً من شأن المرأة وتفضيلاً للرجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس في الإذن للزوج بضرب زوجته في حالات خاصة، ما يدل على إنقاص الإسلام لشأن المرأة ولا غض من قدرها؛ ولكنه من الصلاحيات التي قد يضطر إليها الرجل للقيام بواجب القوامة، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34] ،
ولو أُذن للمرأة أن تضرب زوجها لبطل معنى القوامة، وللمزيد من الفائدة في هذا الموضوع راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5729. 5625. 16032. 6897.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(6/3422)
أجوبة حول معاملة النساء وفق الشرع الحنيف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في العنف ضد المراة؟ وكيف كانت معاملته للنساء عموما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن تكريم الإسلام للمرأة وكذا الكلام عن العنف (الضرب) متى يكون، وغير ذلك مما يتعلق بمعاملة النساء، وذلك في الفتاوى التالية:
16441 69 5729 22764 3698 14921
وستجد فيها أحاديث كثيرة في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1423(6/3423)
مقتضيات القوامة وتفضيل الرجال على النساء.
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الدرجة التي فضل الله بها الرجال على النساء وما معنى درجة القوامة؟ ما هي تجليات أو مجالات هذه الدرجة؟ وجزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228] .
أي منزلة ليست لهن، وهو قيامه عليها في الإنفاق، وكونه من أهل الجهاد والقوة، وله من الميراث أكثر مما لها، وكونه يجب عليها امتثال أمره، والوقوف عند رضاه.
وبالجملة كل ما فضل به الرجل على المرأة يدخل في قوله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] .
كالإمامة الصغرى والكبرى، وسائر الولايات الخاصة بالرجال، والأذان والشهادة في الحدود....إلخ
والمقصود بقوامة الرجل على المرأة القيام عليها بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة، وتولي أمرها، وإصلاح حالها، وللمزيد في هذا الموضوع، انظر الفتوى رقم:
16032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(6/3424)
هل معنى طاعة المرأة لزوجها ذوبانها في شخصيته؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أتساءل هل المرأة عندما تتزوج تصبح التابع الذي يتبع مزاجيات الرجل لتنعدم استقلاليتها لتطيع الرجل في كل ما هب ودب فيما ليس بالواجبات عليها وقد سمعت أنه لايجوز للمرأة فقط عدم طاعة الزوج في حق الزوجية الخاص ولها الحرية فيما لا معصية لله فيه وهنا تسمى الناشز وتنطبق آية المرأة الناشز والله سبحانه وتعالى يقول: (وللرجال عليهن درجة) ونرى من يجعل ألف درجة للرجل فما هو رأي فضيلتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34] .
وروى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة (وهي أسماء بنت يزيد الأنصارية) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون. ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك كله، وقليل منكن من يفعله" رواه البزار والطبراني.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: "زوجها"، قلت: فأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: "أمه" رواه البزار والحاكم بإسناد حسن.
هذه نصوص الوحي لو تأملتها لعلمت أن طاعة الزوج واجبة على زوجته، ولكن هذه الطاعة بالمعروف وفي المباح خاصة، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقال الفقهاء: من وجبت طاعته وجبت في المباح إلا لضرر، فهي تشبه طاعة الوالد، وطاعة ولي الأمر، فهي طاعة بالمعروف.
ونحن نعلم أن للوالدين منع ولدهما من الجهاد إذا لم يتعين.
وطاعة الزوج لا يجوز أن يستغلها للتعسف والتجبر والاستعلاء، لأنها فرضت لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى، ولمصلحة الأسرة نفسها، فما من مؤسسة أو إدارة أو شركة إلا ولها مدير هو صاحب النفوذ فيها والكلمة الأخيرة.
وإذا كان الأمر كذلك، فما بالنا بهذه المؤسسة المهمة، واللبنة الأساسية للمجتمع المسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(6/3425)
شبهات حول خلق المرأة من ضلع، وزواج آدم من حواء
[السُّؤَالُ]
ـ[وردت مسألة خلق المرأة من ضلع أعوج في كثير من كتب الصحاح وبعض العلماء من أهل السنة والجماعة
فما مدى صحة تلك الأحاديث وهل تتفق مع تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة وهل يعتبر آدم بموجب ذلك نكح نفسه إذا كانت حواء مخلوقة من ضلعه فيصبح كل وجودنا حراماً بموجب هذه الرواية أفتونا مأجورين
حفظكم الباري وسدد خطاكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً [النساء:1] . وفي هذه الآية وغيرها تنصيص على أن أصل البشرية من آدم، وأن حواء خلقت منه، وجاءت الأحاديث الصحيحة لتبين من أي مكان خلقت حواء من آدم، فجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. زاد ابن إسحاق (بتخريجه) اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم.
وكون حواء خلقت من آدم من غير توليد كخلق الأولاد من الآباء لا يلزم منه أن تكون ابنته ولا أخته، كما نص على ذلك علماء التفسير، ولهذا سماها القرآن زوجة: وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1] . وقد جعل الله خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من غير أم، وخلق عيسى من غير أب، وخلق بقية البشر بعد ذلك من ذكر وأنثى، آيات تدل على عظم الخالق سبحانه.
وأما قولك: إن خلق حواء من ضلع أعوج يتعارض مع الأحاديث التي تكرم المرأة! فالحقيقة أنه لا تنافي بين الأمرين، والدليل على ذلك أن الله تعالى كرم الإنسان وفضله على سائر المخلوقات قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم [الإسراء:70] . وقال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] . ومع ذلك فهو مخلوق من ماء مهين وأخرج من مجرى البول مرتين وقد كان أصل خلقه من الطين. وبهذا يتبين للسائل الكريم أنه لا تعارض بين أصل الخلق والتكريم.
ثم إن استنتاج السائل من كون حواء خلقت من ضلع آدم فساد زواجه منها، وما ينبني على ذلك من كون وجود كل البشرية من نكاح فاسد، هو استنتاج غير صحيح ولا يستقيم، فلا يلزم من كونها خلقت من ضلعه أن يكون أباً لها أو أخاً -كما تقدم- ثم على السائل أن يعلم أن شريعة آدم التي كان ينتهجها تبيح من أنواع النكاح ما لا تبيحه شريعتنا.
وعلى السائل أن يعلم أن آدم نبي من أنبياء الله تعالى، والأنبياء معصومون من الوقوع في الكبائر ومن الإصرار على الصغائر، وكون شرعنا يحرم نكاح المحارم لا يلزم منه أن يكون شرع آدم يحرمه لأن الله تعالى يقول: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1423(6/3426)
تبوأت المرأة في الإسلام المكانة السامية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كرم الإسلام المرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحقيقة التي لا يشك فيها منصف هي أن الإسلام وضع المرأة في موضعها اللائق بها كما هو شأنه في كل ما جاء به من هداية، لأنه تنزيل من حكيم حميد، فصحح كثيراً من الأفكار الخاطئة التي كانت مأخوذة عنها في الفلسفات القديمة، وفي كلام من ينتمون إلى الأديان، ورد لها اعتبارها، وكرمها غاية التكريم.
فقد كرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها إنسانا.
وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها أنثى.
وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها بنتاً.
وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها زوجة.
وكرم الإسلام المرأة وأنصفها وحماها أماً.
يقول الشيخ القرضاوي يحفظه الله: " كرم الإسلام المرأة إنساناُ حين اعتبرها مكلفة مسؤولة كاملة المسؤولية والأهلية كالرجل مجزية بالثواب والعقاب مثله، حتى إن أول تكليف إلهي صدر للإنسان كان للرجل والمرأة جميعاً، حيث قال الله للإنسان الأول: آدم وزوجة (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 35] .
ومما يذكر هنا: أن الإسلام ليس في شيء من نصوصه الثابتة في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة نص يحمل المرأة تبعة إخراج آدم من الجنة وشقاء ذريته من بعده كما جاء ذلك في (أسفار العهد القديم) ، بل القرآن يؤكد أن آدم هو المسؤول الأول (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه: 115] ، (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى *ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) [طه: 121-122] .انتهى كلام الشيخ القرضاوي
ومن مظاهر التكريم للمرأة في الإسلام مايلي:
1- أنها قسيمة الرجل، لها ما له من الحقوق، وعليها أيضاً من الواجبات ما يلائم فطرتها وتكوينها، وعلى الرجل بما اختص به من شرف الرجولة وقوة الجلد أن يلي رياستها فهو بذلك وليها، يحوطها بقوته، ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده.
قال الله تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة:228] ، تلك هي درجة الرعاية والحياطة، لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق.
2- المساواة في الإنسانية:
فالنساء والرجال في الإنسانية سواء، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما النساء شقائق الرجال" رواه أحمد وأبو داود وصححه الشيخ أحمد شاكر والألباني.
3- المساواة في المسئولية المدنية في الحقوق المادية الخاصة: ... ... ... ...
أكد الإسلام احترام شخصية المرأة المعنوية، وسواها بالرجل في أهلية الوجوب والأداء، وأثبت لها حقها في التصرف ومباشرة جميع العقود كحق البيع، وحق الشراء وما إلى ذلك، وكل هذه الحقوق المدنية واجبة النفاذ، وللمرأة حرية التصرف في هذه الأمور بالشكل الذي تريده، دون أية قيود تقيد حريتها في التصرف، سوى القيد الذي يقيد الرجل نفسه فيها، ألا وهو قيد المبدأ العام، أن لا تصدم الحرية بالحق أو الخير.
قال تبارك وتعالى (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْن) [النساء:32] ، وجعل لها حق الميراث فقال تعالى (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) [النساء:37] .
والمرأة في تلك الحقوق شأنها أمام الشرع شأن الرجل تماما إذا أحسنت أو أساءت، قال جل وعلا (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة: 38] .
4- ومن مظاهر هذا التكريم رفق الإسلام ورحمته بالنساء، فحرم قتل النساء في الحروب، وأمر بمباشرةالحائض ومواكلتها، وقد كان اليهود ينهون عن ذلك ويحتقرونها ويبتعدون عنها ولا يواكلونها حتى تطهر.
وحظيت المرأة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأجمل تكريم حينما جعل النبي صلى الله عليه وسلم خير المؤمنين الذي يعامل أهله بكل معروف وخير، حيث قال "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
ولما ضربت امرأة على عهده غضب من ذلك، فعن عبد الله بن زمعة قال "وعظ النبي صلى الله عليه وسلم في النساء فقال: يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ثم يعانقها آخر النهار" رواه البخاري.
ولما جاءت نساء يشكون أزواجهن! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم" رواه أبو داود.
وأما حياتة صلى الله عليه وسلم مع نسائه وإحسانه إليهن في بيته فقد كانت المثل الأعلى في المودة والموادعة واجتناب هجر الكلام ومره. ومن مظاهر التكريم في الإسلام للمرأة حفظ كرامتها وعدم خدش إحساسها ومشاعرها فمن ذلك:
أ- صون اللسان عن رميها بالعيوب التي تكره أن تعاب بها، سواء أكانت خلقية لا تملك من أمر تغييرها شيئاً كدمامة أو قصر، أم كانت خلقية لها دخل فيها كتباطؤ في إنجاز العمل، قال صلى الله عليه وسلم "ولا تضرب الوجه ولا تقبح" رواه أبو داود بإسناد حسن.
قال المنذري يرحمه الله: أي لا تسمعها المكروه ولا تشتمها ولا تقل قبحك الله.
ب- لا ينبغي الاشمئزاز وإظهار النفور منها، ولتكن النظرة إليها بعينين لا بعين واحدة، فكما أن فيها عيوباً فإن فيها محاسن ينبغي ألا تغفل وتنسى، قال تعالى (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19] ، وقال صلى الله عليه وسلم "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" رواه مسلم.
ج- عدم ذكر محاسن غيرها من النساء أمامها بقصد إغاظتها؛ إلا إذا كان بقصد تأديبها وتوجيهها، تقول عائشة رضي الله عنها "ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة وما رأيتها قط، ولكن كان يكثر ذكرها.... الحديث"
ومن الكتب النافعة في ذلك الباب كتاب عودة الحجاب للشيخ محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله- فننصح بقراءته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1423(6/3427)
شبهات متهافتة ... القوامة..نقصان عقلها ودينها..خلقتها من ضلع وميراثها
[السُّؤَالُ]
ـ[فضل الله الرجال على النساء في مواضع كثيرة منها /القوامه في الآية الكريمة /لماذا؟
أنهن خلقن من ضلع أعوج لماذا؟
أنهن ناقصات عقل ودين لماذا؟
بالنسبه للميراث للذكر مثل حظ الأنثيين لماذا؟
الرجاء التفسير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فدعوى مساواة المرأة بالرجل في كل شيء وبلا استثناء دعوى منكرة، ومصادمة للفطرة، ومناقضة للشرع، وقد تولى كبرها في بلداننا بعض أبناء جلدتنا ممن رضعوا ثقافة أعدائنا، أو انهزموا أمام المدنية الغربية، واغتروا بزيفها فزعموا -وكذبوا- أن دافعهم هو إنصاف المرأة وتحريرها من الظلم، وفكها من القيود.
ومساواة الجنسين مساواة مطلقة هي الظلم لهما عند العقلاء وأصحاب الفطر السليمة، فمثلاً: لو أن رجلاً سافر مع طفل له صغير ومعهما حمولة ثقيلة، فحمل الأب نصفها وألزم الصغير بحمل النصف الآخر بحجة العدل والمساواة، فإن من يراهما من عقلاء الدنيا يجزم بأن هذا هو الظلم بعينه، وأن العدل والقسط أن كلا منها يحمل ما يطيقه ويقدر عليه.
والعقل والفطرة يجزمان بأن لكل من المرأة والرجل خصائصه المنبنية على تكوينه العقلي والنفسي والجسماني الذي يختلف اختلافاً واضحاً عن الطرف الآخر، فهل يعقل أن تتساوى وظيفتهما مع هذا الاختلاف، أم أن العقل والفطرة والعدل والقسط كلها تجزم بأن يكلف كل منهما من الواجبات ما يقدر عليه، ويعطى من الحقوق ما يستحقه، ويسند إليه من الوظائف ما يلائمه ويناسبه، وهذا هو الذي جاء به الشرع وقرره قسطاً وعدلاً (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) .
ومن ذلك أن الله جعل القوامة للرجل على المرأة لتتفرغ المرأة لوظيفتها الكبرى وهي: القيام برعاية ومصالح البيت والأولاد، فإنه من الظلم أن يطلب من المرأة أن تحمل وترضع وتربي، ثم يطلب منها العمل والكد من أجل حماية نفسها وأسرتها والسعي عليهم في آن واحد، فكان العدل أن يعطى الرجل القوامة لما فيه من خصائص تؤهله لذلك، كما أن المرأة عندها من الرقة والعاطفة وسرعة الانفعال والاستجابة لمطالب الطفولة ما أهلها لتربية الأطفال، والقيام على شؤونهم في البيت، وهو ما يعجز الرجل عن القيام به.
ثم إن الأسرة مع صغرها فهي مؤسسة عائلية لابد لها من إمارة ورئاسة حتى تستقيم أمورها، فإما أن يكون الرئيس هو الزوج، وإما أن تكون الزوجة، وإما هما معاً، وإما غيرهما، وإما لا أحد، وليس هنالك حل آخر.
فإن كانت الأسرة بلا قيادة، فلا تسأل عما ينشأ عن ذلك من الفوضى لسبب بسيط وهو تضارب المصالح واختلاط الأولويات وتعارض الرغبات، فمصير أسرة بلا رأس هو الزوال والاضمحلال والتشرد والجنوح.
والحل الثاني هو: تسيير شؤون الأسرة من قبل أحد غير منتمٍ لها، وهذا لا يتأتى ولا يستقيم، إذ من الضرورات لإدارة الأسرة: المعرفة والعلم بأسرارها وظواهرها وبواطنها، وهذا لا يتأتى للغريب.
والحل الثالث: أن تكون القوامة للرجل والمرأة معاً، وهذا عين الفساد، فأي كيان يحتاج إلى إدارة، لا ينبغي أن تتوزع الكلمة الأخيرة فيه على أكثر من واحد. ومن هنا فلا سبيل إلى الشراكة في القوامة.
والحل الرابع: أن تكون القوامة بيد الزوجة، ومن هنا تتعثر مصالح الأسرة ولابد، وذلك بحكم طبيعة المرأة، تلكم الطبيعة التي تطلب منها الاستقرار في البيت للقيام بوظيفة الإنجاب والتربية ومصالح البيت والأولاد أحسن قيام، مما يفوت عليها الاطلاع الشمولي على مجريات الأحداث خارج البيت، وهو ما يجعلها غير قادرة على القيام بمهمة كهذه، فإن فعلت فهو تقمص لشخصية غير مناسبة، وإسناد للأمر إلى غير أهله، فتضيع قوامة الأسرة، بالإضافة إلى مصالح البيت والطفل، كما هو شأن البيوت التي جرفتها موجة التغريب.
فلم يبق إلا الحل الإسلامي الذي أمر به من خلق الخلق، وهو أعلم بما يصلحهم وينفعهم (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وهو أن تكون القوامة بيد الرجل.
قال سبحانه وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34] فالله جعل القوامة للرجل على المرأة، وعلل ذلك سبحانه بتفضيل الرجل على المرأة، وبإنفاقه عليها من ماله، فمن أنفق كان له حق الإشراف، وهذا تقرره كل الشرائع، بل تقرره القوانين الوضعية.
وأما تفضيل الرجل على المرأة فهو تفضيل لا يغض من كرامتها، ولا ينال من مكانتها، فهي لها مجالها ووظيفتها التي لا يستطيع الرجال القيام بها، فهي وإن كانت أضعف من الرجل في تحمل مسؤولية وأعباء القوامة إلا أنها أكثر منه صبراً وجلداً وسهراً على تربية الأولاد، والعناية بمصالح البيت التي لو وكلت إلى الرجل لضاق بها ذرعاً، ولعجز عنها، كما أن القوامة ليست استعباداً للمرأة، ولا تسلطاً عليها من قبل الرجل، بل هي قوامة تصان فيها كرامتها، وتنال بها حقوقها علىأكمل وجه، فالله جل وعلا يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة:228] .
فقوامة الرجل على المرأة في الإسلام قوامة رعاية وإدارة وحفظ لا قوامة تسلط وتجبر واستعباد.
وأما لماذا خلقت المرأة من ضلع أعوج؟! فالجواب على هذا من وجهين:
الأول: أن السائل قد طرحه على الله! والله جل وعلا لا يسأل عما يفعل، ومن طرح السؤال على الله بهذه الطريقة، فإنه على خطر عظيم.
الثاني: أن هذا مثل قوله تعالى: (خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) [الانبياء:37] وكل ذلك تقدير من العليم الخبير ليتم الابتلاء، وتتحقق العبودية.
وعلى كل، فليس فيه إهانة للمرأة أبداً، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره حثاً منه على الإحسان إليها، والعناية بها.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء".
ولمسلم عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمعت وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها".
فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث يبين حقيقة المرأة ومزاجها الذي فطرت عليه، فهي لا تستقيم على حال واحدة يريدها الزوج، فينبغي له أن يعلم أن ذلك في المرأة سجية وخليقة، فلا يحاولَنَّ أن يقيمها على الكمال المطلق الذي وقر في خلده، ولكن عليه أن يصلحها مع مراعاة مزاجها الأنثوي الذي خلقها الله عليه، فيداريها ويجاملها ويلاينها ويصبر عليها.
وحيثما يرسخ في عقل الزوج المسلم هذا الهدي النبوي المبني على تفهم عميق لنفسية المرأة، فإنه يتسامح في كثير من هفوات زوجته، ويغض الطرف عن كثير من تقصيرها تقديراً منه لخلقتها وفطرتها، فيكون بيت الزوجية آمناً هادئاً سعيداً، لا صراخ فيه ولا صخب ولا خصام، وهذا المراد من الحديث الذي صدَّره النبي صلى الله عليه وسلم وختمه بالوصية بالنساء خيراً.
وأما لماذا نقصان دين وعقل المرأة؟
فأولاً: نقول إن الذي فرق بين الرجل والمرأة في أمور ولم يفرق بينهما في أخرى هو الحكيم الخبير خالق الناس ذكوراً وإناثاً، وهو الذي جعل كلاً من الرجل والمرأة صالحاً لأمر دون آخر، فخلق -سبحانه- فسوى وقدر وأحكم.
ومن حكمته وتقديره أن جعل المرأة ناقصة عقل ودين، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار! فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير! ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها! أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها".
وقد نبه الله سبحانه وتعالى على السبب في جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، فقال سبحانه: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) [البقرة: 282] .
ومن هنا نعلم أن المرأة لا تنفك عن نقصان عقلها ودينها، ولو كانت رائدة فضاء أو عالمة ذرة أو ملكة إمبراطورية.
وليس المراد من الحديث لومهن على نقصان العقل والدين، إذ لا دخل لهن في ذلك، فالأول: بأصل الخِلقة، والثاني: بتكليف الشرع. وإنما جاء الحديث لبيان حالهن، فلا تأثم بما تركت من فرائض في فترة حيضتها ونفاسها؛ وإن كانت لا تؤجر كأجر من فعلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وخلق الله عقل المرأة أقل ضبطاً وحفظاً للأمور من عقل الرجل لحكمة منها: ملائمة وظائفها الأخرى التي تحتاج فيها إلى كمال العاطفة أكثر من احتياجها فيها إلى كمال العقل.
ولذا، فإن الشهادة -والتي تحتاج فيها الأمور إلى تثبت وإعمال عقل- جعلت فيها شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل صوناً للحقوق، بحيث إذا نسيت إحدى المرأتين من الواقعة شيئاً ذكرتها الأخرى، وهذا ليس في كل شهادة، وإنما في ما تحتاج فيه الشهادة إلى إعمال العقل.
قال ابن القيم في الطرق الحكمية: قال شيخنا ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) [البقرة:282] . فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "وأما نقصان عقلهن فشهادة امرأتين بشهادة رجل"، فبين أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعُلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم تكن على نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات إنما هي أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال والارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا يُنسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى إعمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدَين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة. انتهى.
وأما لماذا ميراث الذكر مثل حظ الأنثيين، فلأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أوصى بذلك قائلاً سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء:11] .
فهذه وصية الله ولا يجوز الاعتراض عليها؛ وإن لم تظهر الحكمة من ذلك، فما بالك والحكمة من هذا التشريع واضحة جلية لكل ذي عقل، فالرجل هو الذي يدفع المهر للمرأة، وهو ملزم بالإنفاق عليها -وإن كانت غنية-، بل هو ملزم بدفع أجرة الرضاعة إن كانت المرضع غير الأم، هذا بالإضافة إلى مسؤولياته الأخرى تجاه أهله وأقاربه ومجتمعه، فكل هذا -وغيره كثير- يجعل العاقل المنصف يرى أن إعطاء الرجل ضعف ما لأخته من الميراث هو عين الحق والعدل والقسط، ولا يجادل في ذلك إلا مكابر.
والحاصل أن الإسلام وضع كلاً من الرجل والمرأة في موضعه المناسب، وكلفه تكليفه الموافق لفطرته وخلقته، وشرع لذلك من الأحكام والتشريعات ما يصلح للجنسين، ويجعلهما متكاملين غير متنافرين.
فالتركيز على جانب من جوانب التشريع الإسلامي وسلخه سلخاً عن بقية الأحكام والتشريعات هو الذي يُظهر الإسلام لضعفاء النفوس والعقول وكأن خللاً أو نقصاً ما يوجد فعلاً في شرع الله سبحانه.
وليس لأحد أن يتناول حكماً شرعياً مستقلاً عن الأحكام الشرعية الأخرى والمرتبطة ارتباطاً بالعقيدة الإسلامية التي لا يمكن الفصل بينها ألبتة، فهي أشبه ما تكون بالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً، والفائدة الشرعية لكل حكم شرعي إنما تتجلى على وجه الخصوص عند التطبيق الشامل للإسلام مع الإيمان الكامل به وبمن شرعه وبمن جاء به (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:208] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1423(6/3428)
مساواة الرجل بالمرأة تقليد للكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أختان لا تتقيان الله في أفعالهما فهما تؤمنان بمساواة الرجل بالمرأة وتحاولان قدر الإمكان إغاظتي وذلك بشتم الرجال عمداً وبطرق وأفكار غريبة وأنا بصراحة أكرههما ولا أحب الحديث معهما وأبي يعطيهما الحرية في الخروج من المنزل وأحس أنه كلما دخلت إحداهما إلى محل فإنها تحاول التودد إلى الرجل الذي في الداخل أمام عيني عندما أكون برفقتها والمشكلة هي أني لا أرضى بذلك بل أشمئز منه وفي نفس الوقت لا أطيق الحديث معهما بتاتاً لأنهما تحاولان إغاظتي والرجال عموماً قدر الإمكان ولا أعرف لماذا لا أملك السلطة مع العلم أني حاولت التودد إليهما ولكن ما زالت العلاقة بيننا علاقة تنافر.
فماذا عليّ أن أفعله؟ وهل أتحمل أي مسؤولية تجاههما أمام الله؟ وهل أنا آثم بقطع العلاقة معهما؟
أرجو الاهتمام بسؤالي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن مثل هذه التصورات والسلوكيات التي عند أختيك قد تؤول بهما إلى الكفر -والعياذ بالله- لأن الله سبحانه وتعالى فرق بين الرجل والمرأة في كثير من الأحكام الشرعية والحقوق والواجبات بحسب ما يلائم طبيعة كل منهما، وهذا ليس منافاة للعدل بل إن المنافاة للعدل هي أن يطلب من كل منهما ما هو فوق طاقته أو ما لا يلائم فطرته. وهذا من تقليد الكفار واتباعهم في أطروحاتهم وأفعالهم، والذي وقعت فيه أختاك نتيجة لسوء التربية وإطلاق العنان لهما من قبل الأسرة، ولا ينبغي لك قطع العلاقة بهما إذ ذلك لا يغير من حالهما شيئاً، فعليك أن تستمر في أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر دون أن تغضب لشخصك بل احرص على هدايتهما وقابل الإساءة منهما بالحسنة، واصبر واحتسب أجرك عند الله مع الشفقة عليهما والدعاء لهما بالخير والهداية ولمعرفة مسئوليتك ومسؤولية أهلك تجاههما انظر الجواب رقم: 6675.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(6/3429)
تفسير الرسول عليه الصلاة والسلام لنقصان عقل المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول عليه الصلاة والسلام: أن النساء ناقصات عقل ودين؟ كيف يكون ذلك أقصد نقص العقل وهل يعتبر قدحاً في المرأة لأنه قد يستغل من قبل أعداء الإسلام ودعاة تحرير المرأة؟
أرجو التوضيح والإطالة في هذا الموضوع المهم جداً وإن كان هناك كتب موجودة تحيلونني عليها أكون شاكرا وممنوناً لكم.
أشكركم الشكر الجزيل وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقصان عقل المرأة الوارد في الحديث قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فلا نحتاج إلى من يفسره من أهل الإسلام، أو من أعدائه.
فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله ذلك، فقال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها". رواه البخاري.
فطلب شهادة أخرى بجانبها حتى تساوي شهادة الرجل يدل على نقص عقلها، وهذا ما أكده العلم الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1423(6/3430)
رد شبهة المساواة بين الكلب والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي العزيز:
أنا مسلم جديد من أمريكا وقد رأيت في صحيح البخاري حديثاً يقارن المرأة بالكلب أو الحمار
إذا كانت هذه هي الطريقة التي ينظر بها الإسلام إلى المرأة فإنني أريد ترك هذا الدين أفيدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقول للأخت السائلة هنيئا لك أن هداك الله للإسلام، فهو دين الله الحق الذي لا يقبل ديناً سواه، قال سبحانه: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [آل عمران: 85] واعلمي أن أعظم نعم الله على الإنسان هدايته للإسلام، كما قال سبحانه: (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) [الحجرات: 17] كما ينبغي أن تعلمي أن الشيطان وحزبه لا يرضون لأحد أن يفوز بهذه النعمة دونهم، فقد أخذ الشيطان على نفسه عهداً أنه سيقعد للناس على الطريق يصدهم عن سبيل الله، كما قال سبحانه عنه: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف:17]
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟! فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد… إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك -أي عصى الشيطان في كل مرة- كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة" رواه النسائي
وللشيطان وأعوانه طرق في صد الناس عن دين الله تتغير بتغير الظروف والبيئات، وتتلون بتلون الثقافات والمجتمعات، ومن ذلك ما يثار من شبهات حول الإسلام وتشريعاته، وعلى المسلم أن يكون على حذر من مكايد الشيطان وأعوانه، ولقد أحسنت الأخت السائلة لما أرجعت الأمر إلى أهله، واستعانت بمن يزيل عنها هذه الشبهة، وهذا هو الواجب في مثل هذا المقام، وما أكثر الشبه، ولكن ما أسرع أن تذهب جميعاً في أدراج الرياح، ومن هذه الشبه موقف الإسلام من المرأة، وإليك أيتها الأخت كلاماً مختصراً، بل في غاية الاختصار عن تكريم الإسلام للمرأة:
فالقرآن مملوء بالآيات التي تتحدث عن المرأة، تتلى هذه الآيات في المساجد والبيوت إلى يوم القيامة، وفي القرآن سورتان يقال لهما: سورتا النساء، وإحداهما ست وسبعون ومائة آية، والأخرى اثنتا عشرة آية، وقد اشتملت السورتان على كثير من الأحكام الخاصة بالمرأة، مزوجة ومطلقة، وكيف ينفق عليها؟ وماذا يجب لها؟ وكيف يسلم إليها حقها؟ ومتى يحل نكاحها ويحرم؟ وفي سورة البقرة إحدى وعشرون آية متتابعة تتحدث عن المرأة، وكذلك سورة النور، والأحزاب، والتحريم، أكثر آياتها في المرأة.
وما أكثر الآيات في بقية السور الدالة على فضل المرأة وعلو شأنها، ووجوب العناية بها.
ولقد قالت نساء من نساء الصحابة: (لو علم الله فينا خيراً لذكرنا في كتابه كما ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) فنزل قول الله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات…) [الأحزاب:35] إلى غير ذلك من الآيات الوفيرة في ذكر المرأة، ولك أن تقارني هذه الوفرة من الآيات القرآنية بتلك النتف اليسيرة في الأناجيل تتحدث عن بعض أحكام المرأة، يذهبون في تفسيرها وتأويلها -بمراد القساوسة والقديسين- شتى المذاهب.
والإسلام جعل المرأة قسيمة الرجل في تكوين البشرية والنشأة الإنسانية: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) [النساء:1]
وأخبرنا القرآن أن المرأة تتساوى مع الرجل في ميادين كثيرة، ومن أهم ذلك: مساواتها له في الأجر الأخروي، والقرب من الله بالعمل الصالح، فقال سبحانه: (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) [آل عمران:195]
وأمر الله عز وجل نبيه أن يأخذ البيعة من النساء كما يأخذها من الرجال، وأمره بأن يجعل للنساء حظاً من دعائه واستغفاره كحظ الرجال، فقال سبحانه: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) [محمد:19]
ومدح النساء على الطاعات كمدحه للرجال، فقال سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله) [التوبة:71]
والإسلام هو الذي وصى بالإحسان إلى المرأة وإكرامها وتوقيرها في مواقعها المختلفة أماَّ أو أختاً أو بنتاً أو زوجة.
ويكفيك أيتها المرأة من إحسان الإسلام إليك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرض موته -كما يروى عنه في مصنف عبد الرزاق-: "اتقوا الله في النساء" ويخاف من التقصير في حق المرأة فيقول: "استوصوا بالنساء خيراً" متفق عليه. والإسلام هو الذي جعل للمرأة شخصية مالية مستقلة كالرجل، تملك وتتصرف بأنواع التصرفات المالية، كما قال سبحانه: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) [النساء: 7] فهل بعد هذا كله يصح لقائل أن يقول: إن الإسلام هضم المرأة حقها؟! فضلاً عن أن يقول: إنه يساويها بالحيوانات.
وأما ما أوردته الأخت في سؤالها من وجود حديث يساوي المرأة بالكلب والحمار فنقول:
أولاً: ليس هناك حديث يساوي بين المرأة والكلب والحمار، ومن فهم هذا فقد أخطأ، وإنما ورد الحديث بذكر حكم شرعي وهو قطع الصلاة أي نقص أجرها بسبب مرور شيء من الثلاثة أمام المصلي، ثم بين الحديث نفسه سبب قطع الكلب الأسود للصلاة فقال: "إنه شيطان" وبينت الأحاديث الأخرى سبب قطع المرأة للصلاة، وهو افتتان المصلي بها واشتغاله بها، بخلاف الرجل فإنه إذا مرَّ أمام الرجل لا يفتتن به، وليس السبب أن المرأة مساوية للكلب والحمار.
ويدل على هذا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت أول من أنكر هذا الحديث، فقالت رضي الله عنها: شبهتمونا بالحُمُر والكلاب، والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة" رواه البخاري.
فدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي والمرأة أمامه، فإما لأنها زوجته فلا يخاف الافتتان بها، وإما لأنها كانت في ظلام كما يفهم من بعض الروايات، وإما لأن النبي صلى الله عليه وسلم أملك الناس لشهوته، وعلى كل الاحتمالات فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى وعائشة أمامه لعدم الافتتان بالمرأة.
ثانياً: العمل بهذا الحديث وهو قطع الصلاة بمرور المرأة ليست قضية اتفاق بين علماء الإسلام، بل بينهم خلاف كثير، فقد ادعى كثيرون أن هذا الحديث منسوخ بحديث عائشة، وهذا القول الأخير هو الصواب، وهو الذي أخذ به أكثر أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1422(6/3431)
الإسلام والمرأة: تكريم أم إهانة.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أقرأ على الانترنت بعض الشبهات عن الاسلام لا أجد لها جوابا مثل: أن الإسلام أهان المراة عندما سمح للزوج بضرب زوجتة وأن هذة طريقة همجية لمعاملة المراة؟ فما الاجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أيها الأخ الكريم لا تشغل نفسك بمثل هذه السفسطات والتفاهات ويكفي في الرد عليها سقوطها وانحطاطها عند من لديه أدنى نظر. مع أنه قد قيض لكل سفطة منها قديماً وحديثاً من رد عليها ويكفي في الدلالة على ما ذكرنا لك من سقوطها سقوط هذه الشبهات التي ذكرت.
فأما كون الإسلام أهان المرأة فهذا غير صحيح إطلاقاً، بل إنه أكرمها ورفع منزلتها وصانها ووفاها حقوقها على الوجه الأكمل والأحكم. بل هم الذين أهانوها وابتذلوها وداسوا كرامتها وعرضوا عرضها لكل من هب ودب، ووصلوا من ابتذالها أن جعلوها وسيلة عرض وترويج ودعاية فجعلوها عارضة أزياء ومروجة مجلات ومحلات كل ذلك على حساب عرضها وكرامتها.
وما يتعلق به هؤلاء من أن الإسلام لم يساو بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات فشبهة أوهى من نسج العنكوبوت لا تنطلي إلا على أصحاب النظر القصير والتفكير المحدود. فإن الله تعالى هو الذي خلق الجنسين الذكر والأنثى، وركب في كل منهما خصوصياته، وحدد له الوظيفة التي تتناسب معه. فجعل الرجل جلداً قوياً شديد القلب مهيئاً للكد والكدح والكسب. فناسب ذلك الوظيفة التي أسندت إليه وهي القوامة على البيت والأسرة.
وجعل المرأة جنساً لطيفاً، فهي جياشة العواطف حساسة المشاعر، فناسب ذلك أن تصان كما تصان الجوهرة، ويحافظ عليها كما يحافظ على سواد العين، وأن توكل إليها مهمة البيت والتربية.
وبهذا يحصل التوازن والتكافؤ، وكما يقال: وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
ولعله مما لا جدال فيه أنه من غير المناسب أن تكلف المرأة بالكد والكسب والقوامة على الأسرة.
وإن الذين خالفوا هذا النهج الرباني. واختاروا لأنفسهم ما أو صلتهم إليه عقولهم مجردة عن وحي الله تعالى جنوا ثماراً مرة قاتلة أقروا بذلك أم جحدوا. ومن هنا نصل إلى ما تريد وهو أن الله تعالى جعل القوامة للرجل لأنها تتناسب مع طبيعته وخصوصياته. وتلك القوامة تكليف أكثر مما هي تشريف، وتلك القوامة تقتضي أن يخول الرجل صلاحيات تمكنه من إدارة شؤون من هو قيم عليهم، وتلك الصلاحيات محدودة بقدر الحاجة مضبوطة بضوابط شرعية صارمة من تعداها يعد باغياً ظالماً يوقف عند حده. ومن تلك الصلاحيات أن يؤدب من انحرف عن الجادة وخيف منه أن يلحق ضرراً أو خللاً بالأسرة التي يدور في منظومتها والمجتمع الذي هو فيه حتى يعود إلى الجادة ويستقيم على الصراط المستقيم.
وهذا التأديب مضبوط ومحدد بحدود مقصور على قدر الحاجة وهل تتخيل أن هذا الضرب الذي تحدث عنه القرآن يكون على حساب هوى الرجل أو أنه يكون من الرجل بدون أن يلجأ إلى محاولات أخرى أخف منه. وأن الضرب يكون بعصاً أو سوط أو حبل؟ ليس الأمر كذلك إطلاقاً. فإن تخيلت ذلك أو تخيله غيرك فأنتم عن فهم ما يقصده القرآن بمعزل.
أقر أخي الكريم هذه الآية القرآنية وتمعن واقرأ ما فسرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فسرها به علماء هذه الأمة وهم ورثة علم نبيهم صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34} وفي صحيح مسلم وغيره من حديث جابر الطويل الذي يصف فيه حجة الوداع وخطبة النبي صلى الله عليه وسلم الشاملة التي فصل فيها شرائع الإسلام وبينها يقول فيها: " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا إذا اعتصمتم به كتاب الله…" إلى آخر الحديث.
وفي سن الترمذي من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم سبيلاً.." إلى آخر الحديث.
والضرب غير المبرح هو الذي لا يترك أثراً.
سأل عطاء ابن عباس عن الضرب؟ فقال ابن عباس: هو بالسواك ونحوه.
وقد نص أهل العلم أن هذه الأمور المذكورة في الآية يرتبها الزوج إذا أراد أن يؤدب أولاً الموعظة ثانياً الهجر ثالثاً الضرب غير المبرح وانظر أخي أيهما أولى بالصواب: أن تؤدب المرأة إذا جاءت بفاحشة مبينة أو يطلق لها العنان لتأتي بخدنها إلى الغرفة التي تلي غرفة زوجها فلا يستطيع الزوج أن يعترض لأن في ذلك تقييداً للحريات وضماناً للحقوق. والعجب كل العجب من العقول التي يفكر بها هؤلاء المشرعون من دون الله تعالى والمعيار الذي يزنون به الأمور. فكيف يمنحون الرؤساء ومن دونهم صلاحيات وسلطات واسعة النطاق ليعاقبوا ويؤدبوا من شاءوا من شعوبهم ممن يرونه خارجاً على القانون مخلاً بالنظام العام، ولم يعدوا ذلك تدخلاً في شؤون تلك الشعوب الخاصة ولا تقييداً لحرياتهم ولا هضماً لحقوقهم. وفي المقابل يشنون هذه الحملة التي لا هوادة فيها على من مارس صلاحيات شرعها الله وظهرت مصلحتها. فيا للعجب!!!!
وأبشرك أن هذا الموضوع أشبع بحثاً في كل جوابه حتى إن الكثير من الكتاب والمفكرين المعتدلين في الغرب أقر بنجاح النظام الإسلامي في الأسرة.
وحتى أكون صريحاً معك لا أخفي عليك أن كثيراً من المسلمين يمارسون هذا الحق خارج الإطار الذي شرع الله تعالى، فهؤلاء لا يمثلون الإسلام وهو من تصرفهم هذا بريء.
والله ولي التوفيق.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(6/3432)
لايسقط ما فرضه الله تعالى من الحجاب بسبب إساءات الناس له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ارتداء النقاب وهل هو واجب؟ وما هو رد الفعل تجاه ظاهرة انتشار جرائم يستغل أصحابها النقاب للتستر خلفه وهل يضر النساء الحجاب فقط (وهو لبس غطاء يستر الشعر) ؟ فإن الكثير من الفتيات يلبسن حجابا فقط ويراعين ستر عوراتهم.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتستر أهل الفساد والإجرام بالنقاب أو غيره من الأمور التي أوجبها الله تعالى على المسلم لا يمكن أن يجعل ذريعة للتخلص منها أو إسقاطها.
وإنما التصرف الصحيح السليم أن يلتزم المسلمون بتلك الواجبات ويأخذوا على أيدي المفسدين والمجرمين.
وماذا لو قلنا بالمقابل: إن ترك النقاب وما جر إليه من سفور وكسر لحاجز الحياء قد نتج عنه من المفاسد وجرائم الاغتصاب وفشو الزنا ما لا يخفى على العقلاء… أفلا تكون هذه الآثار السيئة ذريعة إلى القول بوجوب الالتزام بالنقاب الشرعي، وأنه أهدى سبيلاً، وأدعى لحفظ المجتمع وقطع دابر المفسدين والمجرمين؟ بلى، فما أصابنا -نحن المسلمين- لم يكن أبداً بسبب التزام أوامر الشرع، بل تركها كان سبب تلك المناكر. ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ولهذا يحاولون علاج آثار الانحراف بفتح أبواب انحرافات أخرى أشد خطراً وضرراً.
والله المستعان.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(6/3433)
شبهات حول مكانة المرأة في الإسلام وجوابها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أشكركم على هذه الخدمات المتميزة لخدمة الإسلام وأهله ثم أما بعد أريد أن أستفسر عن عدة أمور تتعلق بالمرأة في هذا الزمان
1- هل دية المرأة نصف دية الرجل؟؟ ولماذا؟؟؟ ولماذا لا يتساوون؟؟ والآية واضحة في ذلك 2- هل المرأة خلقت من ضلع أعوج؟؟ هل في هذا إهانة للمرأة؟؟؟ 3- حديث" أنتن صواحب يوسف"هل فيه إنزال لمكانة المرأة كما يقول الذين يمنعون المرأة من أي ولاية خاصة أو عامة مستشهدين بهذا الحديث 4- "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" آية الدين هل إذا رأت المرأة مشاجرة لا تشهد عليها لأنها غير مكلفة؟؟؟؟ 5- حديث الشؤم في المرأة هل هو صحيح" إنما الشؤم في ثلاثة المرأة والمسكن والفرس" شاكرين لكم حسن تعاونكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
1- فقد أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل.
وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم. قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل.
وهذا في دية النفس، أما دية الأطراف ففيها خلاف بين أهل العلم، هل هي على النصف من دية أطراف الرجل، أم مثله بشرط ألا تزيد على دية نفس الرجل؟
وقال ابن قدامة: (وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل لقوله عليه السلام: "في النفس المؤمنة مائة من الإبل". وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن في كتاب عمرو بن حزم: "دية المرأة على النصف من دية الرجل." وهي أخص مما ذكروه وهما في كتاب واحد، فيكون ما ذكرنا مفسرًا لما ذكروه مخصصا له) . أهـ. والأصم وابن علية معتزليان لا عبرة بخلافهما، ونقل القرطبي عن ابن عبد البر قوله: "إنما صارت ديتها -والله أعلم- على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل، وشهادة امرأتين بشهادة رجل، وهذا إنما هو في دية الخطأ. وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء لقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ علَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَىبِالأُنثَى) [البقرة:178] أهـ.
وأما قول السائل: ولماذا لا يتساوون؟ والآية واضحة في ذلك؟ فهذه جرأة على الدين يخشى على صاحبها منها، فإن الإجماع حجة قاطعة، وليس لكل أحد أن يفسر القرآن ويستنبط منه، كما أنه لا اجتهاد في موضع الإجماع.
2- وأما خلق المرأة من ضلع فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمراً فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضِلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيراً".
وعند البخاري ومسلم: "المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج".
وهذا الحديث يبين ما جبلت عليه المرأة من الضعف واحتمال المخالفة، ولذلك جاءت الوصية بالإحسان إليها، وهذا من رحمة الإسلام وتكريمه للمرأة أنه راعى طبيعتها وتكوينها، وأرشد الزوج إلى غض الطرف عما يصدر عنها من أخطاء ليستقيم أمر الحياة.
وليس في هذا الأمر إهانة للمرأة، وإنما هو تقدير العليم الخبير الحكيم، ليتم الابتلاء وتتحقق العبودية، كما جعل الله تعالى التفاوت في الخلق، فمنهم الجميل ومنهم القبيح، ومنهم الأبيض ومنهم الأسود، ومنهم الصحيح ومنهم السقيم، ومنهم المتكلم ومنهم الأخرس، ومنهم الأعمى ومنهم البصير، وله في ذلك سبحانه الحكمة التامة: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء:23] ومن اعترض على ربه كان شبيهاً بإبليس حين قال: (أأسجد لمن خلقت طيناً) [الإسراء:61]
فإذا كنت مسلماً فألق عنك هذه الوساوس واعلم أنه ليس على وجه الأرض دين ولا مبدأ ولا شرع كرم المرأة مثل ما كرمها الإسلام، وكيف يهين الرجل أمه، وبنته وأخته وزوجته، والشريعة طافحة بالأمر بالإحسان والرعاية لهن؟!.
3- وأما حديث "أنتن صواحب يوسف".
فهو حديث ثابت في الصحيحين وله مناسبة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته "مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس. وأعاد، فأعادوا الثالثة فقال إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس" والقائل له هو عائشة رضي الله عنها كما جاء في الروايات الأخرى، وجاء في رواية أن المخاطب حفصة بنت عمر بأمر عائشة ولذلك قال لهن: " إنكن صواحب يوسف" أي: مثلهن في إظهار خلاف الباطن، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به عائشة فقط. كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك: أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة، ومرادها زيادة على ذلك أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك هو أن لا يتشاءم الناس به، وقد صرحت هي فيما بعد بذلك فقالت: لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبداً. أهـ
وقولها هذا مخرج في الصحيحين أيضاً.
وليس في هذا الحديث تعلق بولاية المرأة العامة أو الخاصة، بل الأمر فيه كما بينا. والله أعلم.
4- وأما شهادة المرأة
فقد قال الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) [البقرة: 282]
ولشهادة المرأة أحوال:
أ - تقبل شهادة النساء منفردات، وذلك فيما لا يطلع عليه إلا النساء كالولادة، والاستهلال، والرضاع، والعيوب المستورة.
ب - ولا تقبل شهادة النساء في الحدود والقصاص باتفاق الفقهاء.
ت - وتقبل شهادة الرجال مع النساء فيما هو مال أو آيل إلى المال، كالبيع والإقالة والحوالة والضمان، والحقوق المالية كالخيار والأجل، وغير ذلك.
ث - واختلف الفقهاء في شهادة النساء في الأمور التي يطلع عليها الرجال غالباً مما ليس بمال ولا يؤول إلى المال: كالنكاح والطلاق والرجعة والإيلاء والظهار والنسب والإسلام والردة والجرح والتعديل والموت والإيجار والوكالة والوصاية، فذهب الجمهور إلى منع شهادة النساء في ذلك لقوله تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم) [المائدة:106] ولحديث: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " رواه البيهقي بإسناد صحيح، ولقول الزهري" مضت السنة بأنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح والطلاق" وقيس عليها ما شاركها في المعنى.
... وذهب الحنفية إلى قبول شهادة النساء فيما سوى الحدود والقصاص مطلقاً أخذاً بعموم الآية.
... وعليه فالمرأة إذا رأت مشاجرة في مكان يطلع عليه الرجال فشهادتها محل خلاف
... بين أهل العلم. فإن لم يكن في المكان أحد غير النساء جازت شهادة امرأتين فيما
... يظهر لنا، حتى لا تضيع الحدود.
...
5- حديث "إنما الشوم في ثلاثة الفرس والمرأة والدار" حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لهما: " إن كان الشوم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس"، ولمسلم " إن يكن من الشوم في شيء حق" ...
وفي الصحيحين: " لا عدوى ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار".
وقد اختلف العلماء في معنى الحديث، فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سبباً للضرر والهلاك، وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى. قال النووي: ومعناه: قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة كما صرح به في رواية: " إن كان الشؤم في شيء ". وقال الخطابي: هو في معنى الاستثناء من الطيرة، أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة.
وأصح الأقوال في هذا -والله أعلم- أن المراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر، فيعتقد من وقع له أن ذلك من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهي عن اعتقاده، فأشير إلى اجتناب مثل ذلك. أفاده الحافظ ابن حجر، وهو منقول عن غيره أيضاً.
فكأن الشارع لما نفى الطيرة، وكانت هذه الأشياء لا ينفك الإنسان عن مصاحبتها فربما سكن داراً فتوالت عليه المصائب، أو تزوج امرأة فحل به شيء من الأذى ونحو ذلك، فأرشد الشارع إلى مفارقة ما ذكر حتى لا يقع المكلف في اعتقاد الطيرة والشؤم المنهي عنه، وليس شيء يقع إلا بقدر الله سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(6/3434)
وجوب الابتعاد عن أهل البدع ومن يشكك في العقائد
[السُّؤَالُ]
ـ[تناقشت مع أحد الأشخاص في موضوع بدأ الخلق وكان هناك خلاف بيني وبينه على هذا الموضوع، فأعطاني نسخة من هذه: كتاب (علل الشرائع) للشيخ الجليل الأقدم الصدوق (الجزء الأول من صفحة (29) الى الصفحة (32) . علة كيفية بدء النسل:- سئل أبو عبد الله عليه السلام كيف بدء النسل من ذرية آدم عليه السلام، فإن عندنا أناس يقولون إن الله تبارك وتعالى أوحى لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه وأن هذا الخلق كله أصله من الإخوة والأخوات؟ فرد أبو عبد الله: سبحان الله عن ذلك علوا كبيرا. ملخص الرد:- أولا: فيمن يقول أن حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى كأنه يقول أن آدم ينكح بعضه بعضا وهذا غير صحيح فالله تعالى قادر على أن يخلق لآدم زوجه من غير ضلعه. ثانيا: أن آدم عليه السلام ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية الى أن قتل هابيل فلما قتل قابيل هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه من إتيان النساء. فبقى لا يستطيع أن يغشى النساء خمسمائة عام، ثم تخلى ما به من الجزع فغشى حواء فوهب الله له شيئا وحده ليس معه ثان. واسمه شيث هبة الله وهو أول من أوصى إليه من الآدميين في الأرض، ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان فلما أدركا وأراد الله عز وجل أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله عز وجل من الأخوات على الإخوة، أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها (نزلة) فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من شيث فزوجها منه، ثم أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها (منزلة) فأمر الله تعالى آدم أن يزوجها من يافث فزوجها منه، فولد لشيث غلام وولدت ليافث جارية فأمر الله عز وجل آدم حين أدركا أن يزوج بنت يافث من ابن شيث ففعل فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوه من الإخوة والأخوات. يرجى إعطائي الرد العقلي والنقلي على هذا الموضوع، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أخي الكريم الذي ننصحك به أولاً: الابتعاد عن أهل الأهواء والشكوك أصحاب البدع الذين يتبعون المتشابه ويتركون المحكم مما يكون سبباً لزيغ قلوبهم وقلوب من يصغي لهم. والأصل في المسلم التسليم بكل ما جاء من عند الله وعدم رد النصوص أو تأويلها إلا بمسوغٍ شرعي أما مجرد الرد للنصوص لأنها لا توافق عقولنا فهذا هو محض الضلال. بالنسبة لما قاله لك من أنه إذا كانت حواء من ضلع آدم الأيسر فمعنى هذا أن آدم ينكح بعضه بعضاً. فهذا كلام لا يخرج من عاقل. أما العقلاء فلا يقولون إلا أنَّ هذا من معجزات الله والله على كل شيء قدير وأهل السنة عندهم أن الله عز وجل قد خلق الخلق على أربعة أنحاء: أولاً: خلق آدم من غير أبٍ ولا أم. خلق حواء من غير أم. خلق عيسى من أم بدون أب. خلق بقية الخلق من أب وأم. والله لا يعجز شيء. أما بالنسبة للأمر الثاني فقد قال ابن حجر في الفتح المجلد الخامس نقل الثعلبي بسندٍ واه عن جعفر الصادق أنه أنكر أن يكون آدم زوج أبنا له باتية له وإنما زوج قابيل جنية وزوج هابيل حوريّة فغضب قابيل فقال: يا بني ما فعلته إلا بأمر الله فقربا قربانا وهذا لا يثبت ويلزم منه أن نبي آدم من ذرية ابليس أو الجن كلهم أو من ذرية الحور العين وليس لذلك أصل ولا شاهد. والذي ذكره أهل السنة في كتبهم كابن جرير وابن كثير في تأريخيهما أن آدم عليه السلام كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى وأنه أمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه والآخر بالأخرى وهلم جرا. ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه، ثم ألا يمكننا أن نقول أن مثل هذا النوع من الزواج كان مشروعاً ثم نسخ.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(6/3435)
الفلسفة ... نشأتها....وعلاقتها بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ما هي علاقة الفلسفة بالإسلام؟ وما هي نشأة الفلسفة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما يسمى عند الكثيرين بالفلسفة الإسلامية فإن أصله من المشركين ومبدِلة الصابئة من الهند واليونان وأهل الكتاب فهو لا يمت إلى الإسلام بصلة.
يقول ابن القيم في الصواعق المرسلة: فيا للعقول التي لم يخسف بها أين الدين من الفلسفة؟! وأين كلام رب العالمين إلى آراء اليونان والمجوس وعباد الأصنام والصابئين؟! وأين المعقولات المؤيدة بنور النبوة إلى المعقولات المتلقاة عن أرسطو وأفلاطون والفارابي وابن سيناء وأتباع هؤلاء ممن لا يؤمن بالله ولا صفاته ولا أفعاله ولا ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؟! وأين العلم المأخوذ عن الوحي النازل من عند رب العالمين من الشبه المأخوذة عن آراء المتهوكين والمتحيرين؟! فإن أدلوا بالعقل فلا عقل أكمل من عقول ورثة الأنبياء وإن أدلوا برؤسائهم وأئمتهم كفرعون ونمرود وبطليموس وأرسطاطاليس ومقلدتهم وأتباعهم فلم يزل أعداء الرسل يعارضونهم فهؤلاء وأمثالهم يقدمون عقولهم على ما جاءوا به. ويالله العجب كيف يعرض قول الرسول بقول الفيلسوف، وعلى الفيلسوف أن يتبع الرسل وليس على الرسل أن تتبع الفيلسوف، فالرسول مبعوث والفيلسوف مبعوث إليه، والوحي حاكم والعقل محكوم عليه، ولو كان العقل يكتفي به لم يكن للوحي فائدة ... انتهى.
وانظر الجواب رقم: 15514.
وهذه الفلسفة دخلت على المسلمين في أواخر المائة الثانية من الهجرة حيث اجتلبت إلى ديار الإسلام كتب اليونان وغيرهم من الروم من بلاد النصارى وعربت وانتشرت فتأثر بها بعض المنهزمين من أبناء الإسلام فبرزت الفرق وثار الجدل وانتشر علم الكلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1423(7/1)
حكم القيام بحملات دعائية للمترشحين في الانتخابات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز المشاركة في القيام بحملات دعائية للمترشحين في الانتخابات الجماعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتبين لنا ما تعني بالانتخابات الجماعية، وقد سبق لنا عدة فتاوى حول المشاركة في الانتخابات وأنها تجوز في بعض الحالات ولا تجوز في بعض الحالات، وبناء على هذا الاختلاف في حكم المشاركة يكون الاختلاف في المشاركة في الدعاية الانتخابية، نعني أنه إذا كانت المشاركة جائزة جازت المشاركة في الدعاية الانتخابية بشرط أن لا تتضمن الدعاية أمرا محرما كالتزوير وغير ذلك، والعكس بالعكس، ونرجو مراجعة الفتويين: 5141، 18315.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(7/2)
الانضمام إلى الأحزاب السياسية.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في الانشغال بالسياسة، والانخراط في الأحزاب خاصة ذات التوجه اللائكي-العلماني-؟
وما حكم دفع الأموال من أجل الانخراط في هذه الأحزاب، وما هو الحكم الشرعي إذا كانت هذه الأحزاب تؤيد مرشحا لا يطبق ما أنزل الله من أحكام مثل: تجويز بيع الخمور، وإبطال الأحكام الشرعية في الزواج والطلاق، ومنع العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عن السؤال نريد أولا أن ننبه إلى أن العمل في السياسة الشرعية ليس بحرام؛ بل هو من فروض الكفاية التي يؤجر عليها من قام بها بصدق وإخلاص نية، ومع الأسف فقد شوهت هذه الفريضة العظيمة حتى أصبح كثير من أهل الدين والاستقامة يفر منها، ويظن العامة أن الاشتغال بها لا يجوز، وأنها مرادفة للنفاق والخداع والغش والمكر. وكل ذلك من جهل الناس بالدين وتلبيس العلمانيين ومن تشربوا بثقافة الغرب النصراني التي تفرق بين الدين والسياسة وتقول: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، وما دروا أن الجميع لله كما قال سبحانه وتعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ. {الأعراف:54} . وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ. {الأنعام:57} وقال تعالى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. {الكهف:26} . وذلك لأن ديننا شامل لجميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا كله في السياسة الشرعية.
أما سياسة الأحزاب أو التوجهات التي مبناها على الإلحاد في الدين، أو المشتملة على شيء من البدع أو المحرمات فإن العمل فيها حينئذ لا يجوز، وكذا الانتماء إليها والإعانة عليها.
وعلى ذلك فإن حكم الانضمام إلى الأحزاب السياسية ينبني على منهج ومجال نشاط تلك الأحزاب، فإن كان الحزب يعادي الإسلام ويوالي أعداءه، فإنه لا يجوز الانضمام إليه، ولا التعاون معه لأنه يعد من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه في كتابه، فقال تعالى: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. {المائدة:2} .
أما إذا كان الحزب قائماً على الحق والعدل متمسكاً بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح، ويسعى لنفع الأمة وتعليم الناس، وإقامة الإسلام وتطبيقه في مجالات الحياة، وجمع كلمة المسلمين، فإن التعاون معه من الواجبات التي أمر الله بها في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. {المائدة:2} .ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ولا يخفى أن اللائكي -العلماني- مناف للإسلام في أساسه ومنهجه، وبالتالي فلا يجوز الانخراط فيه، ولا بذل المال له، ولا تقديم أي عون له.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 31111، 111855.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(7/3)
حكم انتخاب أعضاء مسلمين في الكنيست
[السُّؤَالُ]
ـ[ستجري انتخابات في دولة المغتصبين اليهود وسيشارك في ذلك أعضاء كنيست عرب ومسلمون , والسؤال: هل يجوز انتخاب هؤلاء الأعضاء المسلمين؟ وهل انتخابهم مستحب أو ماذا؟ مع العلم أن البعض يحاول الإقناع أن من لم ينتخب يذهب صوته للاحزاب اليهودية الكبرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأصل هو حرمة المشاركة في هذه الانتخابات؛ لما تشتمل عليه من المفاسد الجسيمة، والتي من أظهرها الإقرار والخضوع لنظام دولة الكفر الصهيونية، والركون إليهم وحضور مجالسهم واختلاط الحق بالباطل، وعدم ظهور راية أهل الإيمان وتمايزهم عن أهل الكفر والطغيان.
وأما المشاركة من أجل اختيار هؤلاء الأعضاء، لتحصيل المصلحة المشار إليها في السؤال، فمحل نظر واجتهاد، ومرد ذلك إلى أهل العلم؛ لأن مبنى الأمر عندئذ على فقه المصالح والمفاسد، وأهل العلم من كل بلد هم أقدر الناس على تقدير هذه الأمور، فإنهم أدرى بملابسات بلادهم وأحوالها، وقد سبق لنا تفصيل ذلك في الفتويين رقم: 18315، 5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1430(7/4)
حكم الانخراط في نقابة تدافع عن العمال وتساوي بين الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا منخرط بمنظمة نقابية؛ كان انضمامي بهدف الدفاع عن مصالح العمال وضمان حقوقهم خاصة في ظل نظام اقتصادي رأسمالي يعامل الإنسان كالعبد. من مساوئ هذه المنظمة أنها تساوي بين الرجل والمرأة في كل شيء وتتطالب بحرية المرأة في لباسها وفكرها وتحررها من القوامة المطلقة لزوجها ويوجد قياديون بالمنظمة شيوعيون والبعض الآخر مسلمون. ولكن من إيجابياتها الدفاع عن كرامة العمال والبحث عن المساواة بين كل الطبقات ومد يد المساعدة ومؤازرة الشعوب الفلسطينية والعراقية واللبنانية والتنديد بالهيمنة الأمريكية.علما أنه لا يوجد أسمى من هذه المنظمة التي تعتبر معارضة في بلادنا؛ فهل تفسد تلك المساوئ ما أقوم به من عمل صالح علما وأني لا أوافقهم في تلك الآراء ولكنها في نهاية الأمر آراء المنظمة؟ يرى بعض المنخرطين بأنه يجب تكثيف الانخراطات لضرب المساوئ والارتقاء بالمنظمة إلى ما أسمى خاصة أنها الوحيدة التي تدافع عن حقوق العمال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، والمطالبة بحرية المرأة في لباسها وفكرها وتحررها من القوامة المطلقة لزوجها، معناه أن تخرج المرأة عن أوامر الله في كل شيء، فتصير متبرجة تفعل ما تشاء من المحرمات في أي وقت شاءت، وفي أي بلد تريد، ولا يخفى ما في هذا من الخروج والاعتراض على أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36} ، وقال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} .
وبناء على هذا فإن أي منظمة تدعو إلى شيء من هذه الأمور، فإنه يحرم على المسلم الانخراط فيها أو مساعدتها أي نوع من المساعدة. قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} .
ولا يشفع لها أنها تهدف إلى الدفاع عن مصالح العمال وضمان حقوقهم، فإن تلك المصلحة لا تساوي شيئا إذا قورنت بالمفاسد التي ترتكبها هذه المنظمة، وإذا استطاع الشخص أن يتعاون معهم في الحق ويجتنبهم في الباطل فليفعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1427(7/5)
عالمية الإسلام ظاهرة في تعاليمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهمية عالمية الإسلام وما مظاهرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتكمن أهمية عالمية الإسلام في كونه ديناً يجب على العالَمين أن يدينوا الله به، وأنه دين الله تعالى الذي لا يرضى من أحدٍ ديناً سواه. قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 19} وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85} كما أنه أيضاً هو دين جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكلهم كانوا مسلمين، وانظر الفتوى رقم: 27614، والفتوى رقم: 25416،
وأما مظاهر كون هذا الدين للعالمين فإنها تتجلى في كثير من شرائعه وعباداته الوافية بحاجة الناس، والصالحة لكل زمان ومكان، فهاتان الشهادتان اللتان هما مفتاح الدخول في هذا الدين من نطق بهما معتقداً لمعناهما صار مسلماً سواء كان عربياً أو أعجمياً، أبيض أو أسود، غنياً أو فقيراً، وصار أخاً للمسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، وهذه الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين يجتمع لها المسلمون ويقفون صفاً واحداً بين يدي الله لا فرق بين أسود وأبيض، ولا بين غني وفقير، الكل يسجد لله.. يسجدون معاً ويركعون معاً ويسلمون معاً، وكذلك الحج يجتمع فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها يقفون في صعيد واحد، لباسهم واحد، يجأرون إلى الله بالتلبية والتهليل والدعاء، القوي منهم يمد يد العون للضعيف بغض النظر عن لونه وجنسه وحالته الاجتماعية أو المالية، وقل مثل ذلك في الصوم والزكاة وغيرها من شعائر الدين؛ بل من مظاهر عالمية هذا الدين أن المسلم في الشرق يتألم لحال أخيه المسلم في الغرب، ويدعو له بظهر الغيب، ويوالي ويعادي من أجله مع أنه لم يره ولم يلتق به من قبل، ولكن جمعت بين قلوبهم أواصر الأخوة في هذا الدين العظيم، وصدق الله العظيم إذ يقول: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا {الأعراف: 158} ومن تأمل في النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وجدها غنية ببيان كون هذا الدين ديناً للعالمين، وأنهم فيه سواء لا فرق بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح، وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 29077.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(7/6)
لا يصلح أمرهذه الأمة إلا بما صلح به أولها
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى متى سينتهي تخلف الشعوب الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسينتهي تخلفهم وما هم عليه من الهزيمة الحسية والمعنوية إذا غيروا ما بأنفسهم وتمسكوا بدينهم وابتغوا العزة فيه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد: 11 وقال تعالى: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا {النساء: 139} قال عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، وقال مالك بن أنس رحمه الله: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
فإذا غيرت الأمة ما بنفسها وسلكت سبيل سلفها وابتغت العزة في شريعة ربها زال بإذن الله ما بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1426(7/7)
حكم الانضمام لحزب غير إسلامي لغرض معرفة أفكاره
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي سجل نفسه في منظمة غير مسلمةـ حزب العمال ـ بقصد معرفة أفكارهم لابنية الانخراط معهم. فهل فعله موافق لما شرع الله ورسوله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الانضمام لمنظمة غير إسلامية ولا لحزب غير إسلامي كما سبق تبيينه في فتوى رقم: 31111، سواء كان بقصد الانخراط أو بقصد التعرف على أفكار الحزب، ويمكن التعرف على هذه الأفكار بطرق كثيرة أخرى غير الانضمام للحزب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1425(7/8)
الوحدة العربية.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة حكم الدين في ما يسمى الوحدة العربية، وهل هي مشروعة حيث أننا نعلم بأن هناك مسلمين عرب وكذلك هناك مسيحيون ويهود عرب، فكيف تكون هذه الوحدة في نظر الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشرع الحنيف قد أمر بنبذ كل دعوة إلى العصبية المذمومة، سواء كانت دعوة إلى قومية أو قبلية أو غيرها من دعاوى الجاهلية، ففي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوها فإنها منتنة. يعني العصبية المذمومة.
والذي على المرء أن يتعصب فيه ويوالي هو الإسلام، وقد أحسن الشاعر في قوله:
أبي الإسلام لا أب لي سواه * إذا افتخروا بقيس أو تميم
ومع هذا، فالمذموم من الانتماء العرقي إنما هو الانتماء الذي يراد منه التعاضد والتناصر لا باعتبار الحق والباطل، بل بالاعتبار العرقي فقط.
وأما إذا كان يراد منه التناصر بالحق فلا بأس به. قال شيخ الإسلام: المحذور من ذلك إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقاً، فعلى أصل الجاهلية. فأما نصرها بالحق من غير عدول فحسن واجب أو مستحب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(7/9)
المشاركة في الانتخابات إذا كانت لمصلحة راجحة
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
بفرنسا وغيرها من دول الغرب فإن الإنتخابات لها ثقل كبير لاختيار أصحاب القرار وتسيير البلاد فهل يجوز لمسلمي هذه البلاد المشاركة في الإنتخابات (كناخب لاختيار على الأقل من لا يحمل عداء للمسلمين؛ أو كمترشح بنية الدفاع عن حقوق المسلمين أي الدعوة إلى الله) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا عدة فتاوى فيما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات نذكر منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18315، 18151، 5141.
وخلاصة الأمر فيها أن الأصل عدم المشاركة لما تشتمل عليه من المفاسد، ولكن إذا تزاحمت المصالح والمفاسد في ذلك، ورأى أهل العلم في تلك البلاد أن المشاركة تتحقق بها مصالح راجحة على المفاسد، فتجوز حينئذ المشاركة بهذا الاعتبار، ونرجو مراجعة الفتاوى المذكورة ففيها تفصيل جيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(7/10)
قدم إليه مرشح مالا لينتخبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فقير ولا يدخل علي مدخول شهري ودخلت علينا الانتخابات بعضهم يريد دفع النقود لأصوت عليه فهل آخذ المال لأنني فقير وأصوت عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم:
24252، حكم المشاركة في الانتخابات وحكم أخذ المال للمنتخب مقابل أن ينتخب شخصاً معيناً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1424(7/11)
ينتخب الرجل الذي علم صلاحه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا أشخاص محسوبون على الإسلام إذا اقترب وقت الانتخاب أكثروا صلاة في المساجد فإذا فازوا لم تجدهم في المسجد ولو مرة وحدة حتى إلى انتخاب آخر، مع العلم بأنهم ينتمون إلى حزب إسلامي، فما هو حكم انتخابهم هل يصح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق حكم الانتخابات وحكم المشاركة فيها في الفتويين التاليتين: 5141،
24252، وفيهما وجوب اختيار الرجل الصالح عند القائلين بالجواز، وهؤلاء الأشخاص الذين ذكرت صفتهم ليسوا كذلك، وكونهم يصلون عند قرب الانتخابات فقط مخادعة مكشوفة وتملق واضح، ولا يغتر بذلك عاقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(7/12)
الموقع لا يعنى بالحكم على الجماعات
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو رأي فضيلتكم في الحزب الإسلامي العراقي والقائمين عليه، خاصة وهو الحزب الوحيد لأهل السنة،
وماهو حكم العمل معه؟
أفتونا مأجورين وبارك الله في جهودكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الموقع لا يعنى بالحكم على الجماعات أو الأحزاب أو الشخصيات، وقد بينا في فتاوى سابقة حكم التحزب لنصرة الإسلام وبينا ضوابطه، فلتراجع الفتويين برقم: 6512 4321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(7/13)
المشاركة والدعوة للانتخابات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
نسأل عن حكم الانتماء إلى الأحزاب الإسلامية التي توجد في أي بلد يفرض عليه التعددية الحزبية فمثلا في اليمن بلادنا يوجد انتخابات وأحزاب سياسية متعددة فما حكم الانتماء إلى الحزب الإسلامي الوحيد (التجمع اليمني للإصلاح) وهل يجوز لنا أن نشارك في الانتخابات ونحرض الناس لانتخاب هذا الحزب؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 27765 أن الانتماء لجماعة أو حزب إسلامي لا مانع منه، بل هو مطلوب، وأما التعصب له بالحق والباطل فلا يجوز. وأما الانتخابات عمومًا وفي اليمن خصوصاً، فسبق الكلام عنها في الفتوى رقم: 24252.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(7/14)
حكم أخذ أجرة لقاء الدعاية للانتخابات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من عمل مع المرشحين للانتخابات النيابية وبعد النجاح أعطي مبلغاً من المال أفتوني فيه أحلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يدعو إلى اختيار وتولية شخص إلا إذا كان هذا الشخص أهلاً للولاية التي يرشح لها، ومن قام بالدعاية لشخص صالح للولاية وتعب في ذلك، جاز له أخذ الأجرة، لأنها في مقابل عمل مشروع.
قال الشربيني في مغني المحتاج: أما ما يحصل فيه التعب من الكلمات، كما في بيع الثياب والعبيد، ونحوهما مما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين، فيصح الاستئجار عليه.
ولمعرفة حكم الانتخابات، وحكم المال الذي يبذل فيها، وأمور أخرى، انظر الفتوى رقم: 24252.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(7/15)
القرصنة الإلكترونية - رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعزائي أنا صحفى مصري أود السؤال حول ماهو الحكم الشرعي فيمن يقوم بالجهاد الإلكتروني ضد المواقع التى تهاجم الإسلام وتسيء إليه أو ما حكم القرصنة على المواقع التى تشوه صورة ديننا الحنيف عمر لبيب ـ جريدة اللواء الإسلامي ـ القاهرة أود إيضاح اسم العالم الجليل الذى أفتاني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتدمير المواقع الموجودة على الإنترنت التي تهاجم الإسلام وتسيء إليه من أع ظم القرب إلى الله، ومثلها المواقع التي تنشر الرذيلة وتدعوا إليها، وفاعل ذلك مثاب مأجور.
ومعلوم أن المواقع التي تهاجم الإسلام تعتمد على الغش والتدليس والكذب في م اتنسبه إلى الإسلام والمسلمين، وهي من أكبر الوسائل الفعالة التي يستخدمها أعداء الإسلام في محاربته وصد الناس عنه، وتدميرها يكف شرها ويحقق مصلحة عظيمة للإسلام وال مسلمين، بل وللبشر جميعا.
ونسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على غيرتك الإسلامية، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 13560 ولمعرفة ما يتعلق بطريقة العمل بمركز الفتوى وطريقة الإفتاء ومن يقوم على ذلك، تراجع الفتوى رقم: 1122
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1424(7/16)
حكم الانضمام إلى الأحزاب السياسية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم في انضمامي لحزب من الأحزاب السياسية في بلدي مع أني أنوي أن أحاول كل جهدي لتحقيق هدفي وذلك من خلال انضمامي للحزب السياسي وهو تحويل اقتصاد بلدي لنظام إسلامي وإن شاء الله جعل بلدي أنموذجا للدول الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حكم الانضمام إلى حزب أو جماعة ينبني على نوع منهج ومجال نشاط ذلك الحزب أو تلك الجماعة.
فإن كان الحزب علمانياً أو شيوعياً أو قومياً..... يعادي الإسلام ويوالي أعداءه، فإنه لا يجوز الانضمام إليه، ولا التعاون معه لأنه يعد من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه في كتابه، فقال تعالى: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] .
أما إذا كان الحزب قائماً على الحق والعدل متمسكاً بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح، ويسعى لنفع الأمة وتعليم الناس، وإقامة الإسلام وتطبيقه في مجالات الحياة، وجمع كلمة المسلمين.
فإن التعاون معه من الواجبات التي أمر الله بها في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد..... رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وأما عن هدفك فهو هدف إسلامي نبيل ونسأل الله تعالى أن يعينك على تحقيقه، ولكن الغاية لا تبرر الوسيلة، وراجع الفتوى رقم: 5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(7/17)
لا يجوز لمسلم أن ينضم لحزب قامت أسسه على الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
من فضلكم أفتوني
ما حكم من يدخل في الأحزاب العلمانية وغيرها من الأحزاب الكافرة بغرض المنفعة مثل (حزب البعث الاشتراكي) ؟
وبارك الله فبكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لمسلم أن ينضم لحزب قامت أسسه على الكفر، مثل الأحزاب العلمانية والشيوعية والاشتراكية والقومية، ولو كان الغرض من الدخول فيه المنفعة المادية أو غيرها، لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان، وتكثير سواد الكفار، وقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني وغيره: إن من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عبداً أذهب آخرته بدنيا غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(7/18)
الانتخابات: مصالحها ومفاسدها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
سؤالي عن الانتخابات مع العلم أن هناك مفاسد كثيرة منها أنه يسفك فيها الدماء وتفرق بين المسلمين،
أفيدونا أفادكم الله.........؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم تفصيل الكلام عن الانتخابات وذلك في الفتاوى التالية:
24252 -
5141 -
18315 -
18151.
وما ذكره السائل من المفاسد هي مما احتج به المانعون من الانتخابات، ولا شك أن هناك مفاسد كثيرة في الانتخابات المعاصرة، والكلام ليس عن أصل الانتخابات بل عن ما داخلها من الشوائب، واحتف بها من المنكرات، وعن حكم المشاركة في ذلك الواقع المفروض لتحقيق بعض المصالح الشرعية، وهذا ما سبق بيانه في الفتاوى المشار إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(7/19)
الانتخابات ... مدى جدواها ... وحكم اليمين ودفع مال لذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم التكرم بإفادتنا حول هذه المسألة وهي أننا في اليمن قادمون على موسم الانتخابات وفي هذا الموسم يقوم البعض بإرغام بعض الناس على اختيار مرشحيهم بوسائل نريد معرفة شرعيتها وهي القيام بإعطائهم أموالاً وكذلك إجبار البعض على حلف اليمين أن لايختاروا إلا أولئك الناس فهل على من دخل معهم في هذا أن يحنث في يمينه أم يبر بها ولو كان يعلم أن الشخص المرشح ليس كفؤاً وهل يعد انتخاب الفاسدين من قبيل شهادة الزور وإذا كان كذلك فأيهما أعظم شهادة الزور أم الحنث باليمين ,, أفيدونا مأجورين وجزاكم الله كل الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا إجابات عن الحكم الشرعي للمشاركة في الانتخابات في الفتوى رقم: 18315 والفتوى رقم: 18151 والفتوى رقم: 5141
وتمام الكلام على هذه المسألة يتضح بذكر عدة أمور:
أولها: أن المسلم وإن أداه اجتهاده إلى عدم المشاركة في الانتخابات لعدم جدواها، ورأى طائفة من إخوانه الصالحين قد أقدموا على المشاركة قاصدين تمكين ما يمكن تمكينه من الخير، ودفع أو تخفيف ما يمكن تخفيفه من الشر، فإن الأولى في حقه هو المشاركة تأييداً لأهل الصلاح، لأنه قد يؤدي بتقاعسه إلى ظهور أهل الفساد وتمكنهم، وإخفاق أهل الصلاح وتأخرهم.
ثانيها: أن اختيار الفاسدين يعد من شهادة الزور، وتضييع الأمانة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " قال: كيف إضاعتها؟ قال: " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " رواه البخاري.
بل فعل ذلك من الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، فقد روى الحاكم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من استعمل رجلاً من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 28/247: فصل: فأما أداء الأمانات ففيه نوعان: أحدهما: الولايات.... ثم قال: فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله " وفي رواية: " من ولَّى رجلاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين " رواه الحاكم في صحيحه، وروى بعضهم أنه من قول عمر لابن عمر روى ذلك عنه.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
ثم قال: فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة أو صداقة أو مرافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس العربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) . انتهى
ثالثها: حكم ما يدفع من المال لاختيار فلان من الناس وله حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون المال من بيت المال وهو ما يسمى بميزانية الدولة العامة، ففي هذه الحالة إن كان من أخذ المال له حق في بيت المال لكونه فقيراً أو غارماً أو نحو ذلك جاز له الأخذ.
وإن كان غنياً لا يستحق من بيت المال شيئاً، فإن أخذه بقصد صرفه في وجوهه الصحيحة من حاجات المسلمين جاز، وإلا حرم عليه أخذ هذا المال.
ويجب عليه اختيار الأصلح سواء أخذ المال أم لا.
الحالة الثانية: أن يأخذ المال من غير مال المسلمين العام كأن يأخذه من شخص أو حزب ويكون المال ملكاً لذلك الشخص أو الحزب فلا يجوز له أخذه لأنه رشوة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، وهو الواسطة بينهما، ومن أخذه فعليه رد المال إلى صاحبه، وترشيح واختيار من هو الأرضى لله تعالى.
رابعها: حكم اليمين التي أخذت من شخص على أن يختار من ليس بأهل، فهذه اليمين يجب حلها، ويجب اختيار الأصلح، وعليه أن يكفر عن يمينه.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني 9/391: وإن كانت (أي اليمين) على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب إليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " وإن كانت اليمين على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب، لأن حلها بفعل الواجب، وفعل الواجب واجب. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1423(7/20)
الفرق بين الغزو الفكري والغز والثقافي
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالفرق بين الغزو الفكري والغز والثقافي؟
ما الفرق بين الغزو والفتح مع التعريف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيمكن القول بأن بين الغزو الفكري والثقافي تقارباً أو عموماً وخصوصاً، ويتضح ذلك من خلال التعريف:
فالغزو الفكري يقصد به: (إغارة الأعداء على أمة من الأمم بأسلحة معينة، وأساليب مختلفة، لتدمير قواها الداخلية، وعزائمها ومقوماتها، وانتهاب كل ما تملك)
والفرق بينه وبين الغزو العسكري، أن الغزو العسكري يأتي للقهر وتحقيق أهداف استعمارية دون رغبة الشعوب المستعمرة، أما الغزو الفكري فهو لتصفية العقول والأفهام، لتكون تابعة للغازي.
انظر: في الغزو الفكري للدكتور أحمد عبد الرحيم السائح من إصدارات كتاب الأمة ص: 33
والغزو الثقافي يراد به: أن تقوم مجموعة سياسية أو اقتصادية بالهجوم على الأسس والمقومات الثقافية لأمة من الأمم بقصد تحقيق مآربها، ووضع تلك الأمة في إسار تبعيتها وفي سياق هذا الغزو تعمد المجموعة الغازية إلى أن تُحِّل في ذلك البلد -وبالقسر- معتقدات وثقافة جديدة مكان الثقافة والمعتقدات الأصلية.
والغزو يأتي في اللغة بمعنى القصد والطلب والسير إلى قتال الأعداء، وأما الفتح فهو ما يعقب الغزو، فإذا غزا قوم بلداً من البلاد فقد يتوج غزوهم بالنجاح فتكون النتيجة فتحه، وقد لا يتوج بالنجاح فيرجعوا خائبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1423(7/21)
المشاركة في الانتخابات: حالات الجواز والمنع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
كما تعلمون أن الجزائر تستعد للانتخابات. جاء على لسان أحد رؤساء الأحزاب أنه قال: من مات أمام صندوق الانتخاب فهو شهيد.
ماحكمه شرعا ونحن نعرف الحديث النبوي الشريف الذي يصنف الشهداء؟ وهل قوله هذا يندرج ضمن القول على الرسول مالم يقله؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حكم المشاركة في الانتخابات له حالتان:
الحالة الأولى: حين يكون نظام الحكم إسلامياً، قد خضع وانقاد لحكم الله تعالى في قوانينه ولوائحه وأحكامه وأدبياته، وكان المنتخَبون يحملون المواصفات الشرعية لأهل الحل والعقد كالعلم والعدالة والاستقامة والرأي والحكمة وكانوا أهل شوكة في الناس يحلون الأمور ويَعْقدونها، فلا مانع عندئذ من المشاركة في انتخابات هذا وصفها، ولا يوجد فارق مؤثر بينها وبين الاختيار الذي كان يتم في زمن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين.
بل المشاركة فيها من إيصال الأمانة التي أمر الله بحفظها وتأديتها إلى أهلها. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] . ومن الأمانة، اختيار أهل العلم والإيمان وتوسيد الأمر إليهم، ففي مسند أحمد وصحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.
الحالة الثانية: أن يكون نظام الحكم غير إسلامي كالنظام الديموقراطي أو الشيوعي أو غيرهما من الأنظمة الوضعية المنافية للإسلام، ففي هذه الحالة الأصل هو المنع من المشاركة لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة، ومنها: الركون إلى الظالمين وحضور مجالسهم واختلاط الحق بالباطل وعدم ظهور راية أهل الإيمان وتمايزهم عن أهل الكفر والطغيان، والله تعالى قد نهى عن ذلك كله فقال: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113] . وقال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140] . وقال تعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [الفتح:25] .
ولكن إن رأى العلماء الراسخون أن المشاركة في هذه المجالس النيابية، تقتضيه مصلحة شرعية معتبرة كرفض الباطل أو التخفيف منه أو إظهار الحق أو بعضه دون الموافقة على إقرار باطل أو رد شيء من الحق
فلا مانع منه حينئذ، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (ج20/ص48) : ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبا تارة واستحبابا أخرى.
ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر؛ بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه كفارا، كما قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ [غافر:34] . وقال تعالى عنه: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ [يوسف:39-40] . ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] .
فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة. وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة، وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة أو لدفع ما هو أحرم. وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها: إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء، هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها لا كفارة لها إلا ذلك. وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم، فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات، لكون الأهواء قارنت الآراء. ولهذا جاء في الحديث: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات.
فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها - كما بينته فيما تقدم: العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط، مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبر منها، فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية.
أما إقحام المصطلحات الشرعية واستعمالها في غير مكانها فهذا أمر لا يجوز لأنه مفض إلى غياب الحقائق الشرعية والاستهانة بها، ومن المصطلحات الشرعية التي ينبغي صونها عن الابتذال حتى تبقى مكانتها في نفوس المسلمين لفظ الشهادة، فهي تطلق شرعاً على من مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال، سواء قتله كافر أو أصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سلاحه أو سقط عن فرسه أو رمحته دابته أو وجد قتيلاً عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته، سواء أكان عليه أثر دم أم لا، وانظر الفتوى رقم:
10238 والفتوى رقم: 3397.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(7/22)
رؤية في ... المشاركة في الانتخابات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المشاركة في الانتخاب أمر واجب أم أنه يمكن مقاطعته خصوصا عند عدم الاقتناع بأي مرشح أم يجب الاجتهاد في تقصي الشخص المناسب وعند عدم إيجاده ما هو العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المشاركة في الانتخابات من مسائل السياسة الشرعية التي مبناها على فقه المصالح والمفاسد، فمتى غلب خيرها على شرها رجح دخولها، ومتى غلب شرها خيرها رجح تركها، ومرد هذا الأمر إلى أهل العلم في كل بلد، فإنهم أدرى بملابسات بلادهم، وانظر الفتوى رقم:
5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(7/23)
حتمية الفصل بين الجنسين أثناء المظاهرات
[السُّؤَالُ]
ـ[الخروج إلى المظاهرات بالنسبة للنساء هل هو محرم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق أن أجبنا على حكم المظاهرات في الجواب رقم: 5843. وذكرنا هنالك أن المظاهرات وسيلة من وسائل التعبير عن عدم الرضى بالسبب الداعي لها وإنكاره، وكان رأينا في الجواب المذكور هو جواز تنظيم المظاهرات، والخروج فيها كوسيلة تعبير واحتجاج على أمر منكر مثل المذابح التي يتعرض لها المسلمون في فلسطين، وفي غيرها من بلاد المسلمين.
ونضيف هنا أن الأصل أن كل ما يباح للرجل يباح للمرأة، إلا ما ورد النص من الشارع بتخصيصه بالرجل دون المرأة الأمر الذي يجعل حكم خروج المرأة في المظاهرات هو حكم خروج الرجل.
هذا في الأصل، ولكنه قد يعرض لخروج المرأة ما يجعله غير جائز، كأن يؤدي خروجها إلى مزاحمة الرجال الأجانب في بعض الحالات.
ومن هنا، فإن على القائمين على تنظيم هذه المظاهرات أن يسعوا جاهدين في الفصل بين الجنسين خلال سير المظاهرة، وهذا أمر سهل خصوصاً مع انتشار وسائل التوعية ولله الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(7/24)
يطلب من الأمة تعلم العلوم السياسية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أدرس في الجامعة تخصص العلوم السياسية فهل يجوز ذلك لأنني سمعت أنها تؤدي إلى الإلحاد؟
وجزاكم الله كل خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أمر الله تعالى بطلب العلم، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأله الازدياد منه، فقال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه:114] .
وجعله النبي صلى الله عليه وسلم من الفرائض المحتمات، فقال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني.
والمقصود بالعلم هنا: كل علم نافع، وعلى رأس هذه العلوم علم الشريعة الغرَّاء، فعُلم بهذا أن الطب والهندسة والتربية والسياسة والاقتصاد والعلوم السياسية علوم يجب على الأمة تعلمها لما فيها من المنافع، وأن المرء يثاب على طلبها إذا قصد بذلك وجه الله تعالى.
وعلى طالب أحد هذه العلوم أن يطلب ما تحتاج إليه الأمة أولاً دون غيره، وهذه العلوم النافعة قد يختلط بها أحياناً ما لا يفيد، بل قد يختلط بها ما يضر، فعلى طالب العلم عندها أن يأخذ ما صفا ويترك ما كدر، إذ يندر في هذه الأيام أن يوجد أحد هذه العلوم صافياً من الأكدار، فإن خاف من الانزلاق في مهاويها تركها وبحث عن غيرها حفاظاً على نفسه وتحصيناً لدينه، والسلامة لا يعدلها شيء.
والقاعدة: أن درء المفاسد مقوم على جلب المصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(7/25)
المشاركة في الإضرابات ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المشاركة في الإضراب للمطالبة برفع الأجور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من أن يقوم العمال أو الموظفون بإضراب حتى يحسن وضعهم، والإضراب وسيلة فيأخذ حكم المقصد الذي من أجله فعل، فإن فعل لتحصيل أمر واجب فله حكمه، وإن فعل لتحصيل أمر محرم فالإضراب محرم.
ومثله بقية الوسائل من نحو المسيرات والمظاهرات، ولنا جواب سابق فيها وهو برقم: 5843.
إلا أننا ننبه على أن العمال لا يجوز لهم أن يضربوا ليغيروا وضعاً كانوا قد وافقوا عليه، ما لم تنقض المدة المحددة للعقد، إن كان محددا بمدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1423(7/26)
حكم تنظيم المظاهرات والاحتجاجات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ حفظكم الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفتونا مأجورين:
الجالية الإسلامية عندنا في جنوب السويد قررت أن تقوم بمظاهرة تضامناً مع الشعب الفلسطيني، على أن تكون المظاهرة سلمية لإيصال صوت المسلمين إلى الحكومة السويدية للضغط من أجل إيقاف المجازر في حق أطفال الشعب الفلسطيني. فما حكم مثل هذه المظاهرات؟ ونحيطكم علماً أن مثل هذه المظاهرات لها دور كبير وفعال لإيصال صوت المسلمين إلى السياسيين للضغط على حكومة الصهاينة من أجل ايقاف المجازر في حق الأطفال في فلسطين.
أفتونا جزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فبارك الله فيكم على مشاعركم النبيلة، وعاطفتكم الإيمانية، وحرصكم على التزام أحكام الشرع في المنشط والمكره.
أما ماسألتم عنه من رغبتكم القيام بمظاهرة تضامنا مع إخوانكم في فلسطين فإننا نقول:
إن هذه المظاهرات وغيرها من طرائق التعبير عن الرأي، وقنوات التأثير على الآخر هي وسائل يتوصل بها إلى غايات، وليست غاية في ذاتها. وما كان على هذا النحو فإنه ينظر إليه من جهتين:
الأولى: من جهة الوسيلة المستخدمة في التعبير عن الغرض، المتوصل بها إلى الغاية، هل هي مأمور بها شرعا، أم مباحة، أم ممنوعة.
ـ فإن كان مأمورا بها فلا شك في جواز استخدامها، وذلك مثل: المشي لشهود الصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين، أو السعي في طلب الرزق، أو زيارة الأقارب والأرحام، أو في الدعوة إلى الله، ونحو ذلك.
ـ وإن كانت الوسيلة ممنوعة، فإن كان منع تحريم فإنه يحرم اتخاذها أو التوصل بها إلى أي غاية، حتى وإن كانت الغاية مطلوبة شرعا، وذلك كمن يسرق ليتصدق، أو يودع ماله بفائدة بنية التبرع بهذه الفائدة في المشاريع الخيرية، أو ينشىء مشروعا سياحيا في بلاد المسلمين، تمارس فيه الرذيلة، ويباع فيه الخمر، ويجلب إليه العاهرات.. بغرض التجارة.. ونحو ذلك، فهذا ونحوه لايلتفت فيه إلى الغاية، لأن الطريق الموصل إليها ممنوع في ذاته.
فإن كانت ممنوعة منع كراهة فإنه يكره اتخاذها تبعا لذلك.
ـ وإن كانت الوسيلة مباحة، فهذه مسألة اختلفت فيها أنظار أهل العلم بين مجيز ومانع.
ومستمسك المانعين أنهم جعلوا الوسائل تعبدية، فلا يتجاوز فيها المنصوص أو المقيس عليه
والصواب -إن شاء الله تعالى- أن الوسائل - وهي الطرق إلى المقاصد- غير منحصرة، وأنها تأخذ حكم مقاصدها، وأن النظر في الوسائل يكون من جهة: هل هي ممنوعة أو لا؟ . وليس: هل هي مأمور بها أو لا؟.
أي أننا في باب الوسائل ننظر: هل نهى الشارع عن هذه الوسيلة أو لا؟ ولانحتاج إلى البحث في: هل أمر بها الشارع أو لا؟ بل يكفي في الوسائل أن يكون الشارع قد أباحها أو سكت عنها.
الثانية: من جهة المقاصد، وذلك أننا لانحكم للوسائل ـ على التفصيل السابق ـ بحكم منفصل عن الغاية المقصودة من ورائها، لأنه قد تقرر أن الوسائل لها أحكام المقاصد. فإذا كان القصد مطلوبا شرعا، والغاية مأمورا بها من حيث هي، فإنه يشرع التوصل والتوسل إليها بكل وسيلة غير ممنوعة شرعا.. فنصرة المسلم المظلوم مطلوبة شرعا. قال تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر…) [الأنفال: 72] وقال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" متفق عليه. فكل وسيلة قديمة أو مستحدثة غير ممنوعة شرعا، يغلب على الظن أنها تحقق المقصود، لنصرة المظلوم، ورفع الظلم أو تخفيفه، فإنها جائزة، بل مأمور بها، بحسب مالها من أثر.
ومعلوم أن الشعوب لها طرائق مختلفة في التعبير عن آرائها، والشرع لايمنع من استخدام تلك الطرائق، ولا يحصر معتنقيه على وسائل بعينها، وليس مع من ادعى غير ذلك حجة نقلية ولاعقلية، بل مقاصد الشرع وقواعده، ووقائع تاريخ المسلمين في الصدر الأول تشهد بخلاف ذلك.
إذا تقرر هذا: فإننا لانرى مانعا من تنظيم المظاهرات والاحتجاجات على المذابح التي يتعرض لها إخواننا في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، فإن هذا أضعف الإيمان، وأقل الواجب. والله المستعان. وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(7/27)
شروط جواز المظاهرات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ حفظكم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
افتونا مأجورين:
الجالية الإسلامية عندنا في جنوب السويد قررت أن تقوم بمظاهرة تضامناً مع الشعب الفلسطيني على أن تكون المظاهرة سلمية لإيصال صوت المسلمين الى الحومة السويدية للضغط من أجل إيقاف المجازر في حق أطفال الشعب الفلسطيني فما حكم مثل هذه المظاهرات ونحيطكم علماً أن مثل هذه المظاهرات لها دور كبير وفعال لإيصال صوت المسلمين الى السياسين للضغط على حكومة الصهاينة من أجل ايقاف المجازر في حق الاطفال في فلسطين.
افتونا جزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
فبارك الله فيكم على مشاعركم النبيلة، وعاطفتكم الإيمانية، وحرصكم على التزام أحكام الشرع في المنشط والمكره.
أما ماسألتم عنه من رغبتكم القيام بمظاهرة تضامنا مع إخوانكم في فلسطين فإننا نقول:
إن هذه المظاهرات وغيرها من طرائق التعبير عن الرأي، وقنوات التأثير على الآخر هي وسائل يتوصل بها إلى غايات، وليست غاية في ذاتها. وما كان على هذا النحو فإنه ينظر إليه من جهتين:
الأولى: من جهة الوسيلة المستخدمة في التعبير عن الغرض، المتوصل بها إلى الغاية، هل هي مأمور بها شرعا، أم مباحة، أم ممنوعة.
ـ فإن كان مأمورا بها فلا شك في جواز استخدامها، وذلك مثل المشي لشهود الصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين، أو السعي في طلب الرزق أو زيارة الأقارب والأرحام أو في الدعوة إلى الله.. ونحو ذلك.
ـ وإن كانت الوسيلة ممنوعة، فإن كان منع تحريم فإنه يحرم اتخاذها أو التوصل بها إلى أي غاية، حتى وإن كانت الغاية مطلوبة شرعا، وذلك كمن يسرق ليتصدق، أو يودع ماله بفائدة بنية التبرع بهذه الفائدة في المشاريع الخيرية، أو ينشىء مشروعا سياحيا في بلاد المسلمين، تمارس فيه الرذيلة ويباع فيه الخمر ويجلب إليه العاهرات.. بغرض التجارة.. ونحو ذلك، فهذا ونحوه لايلتفت فيه إلى الغاية، لأن الطريق الموصل إليها ممنوع في ذاته.
وإن كانت ممنوعة منع كراهة فإنه يكره اتخاذها تبعا لذلك.
ـ وإن كانت الوسيلة مباحة، فهذه مسألة اختلفت فيها أنظار أهل العلم بين مجيز ومانع.
ومستمسك المانعين أنهم جعلوا الوسائل تعبدية، فلا يتجاوز فيها المنصوص أو المقيس عليه.
والصواب إن شاء الله تعالى أن الوسائل، وهي الطرق إلى المقاصد غير منحصرة، وأنها تأخذ حكم مقاصدها، وأن النظر في الوسائل يكون من جهة: هل هي ممنوعة أولا. وليس: هل هي مأمور بها أو لا.
أي أننا في باب الوسائل ننظر: هل نهى الشارع عن هذه الوسيلة أو لا، ولانحتاج إلى البحث في: هل أمر بها الشارع أو لا. بل يكفي في الوسائل أن يكون الشارع قد أباحها أو سكت عنها.
الثانية: من جهة المقاصد، وذلك أننا لانحكم للوسائل ـ على التفصيل السابق ـ بحكم منفصل عن الغاية المقصودة من ورائها، لأنه قد تقرر أن الوسائل لها أحكام المقاصد. فإذا كان القصد مطلوبا شرعا، والغاية مأمورا بها من حيث هي، فإنه يشرع التوصل والتوسل إليها بكل وسيلة غير ممنوعة شرعا.. فنصرة المسلم المظلوم مطلوبة شرعا. قال تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) متفق عليه. فكل وسيلة قديمة أو مستحدثة غير ممنوعة شرعا، يغلب على الظن أنها تحقق المقصود، وهو النصرة ورفع الظلم أو تخفيفه، فإنها جائزة، بل مأمور بها، بحسب مالها من أثر.
ومعلوم أن الشعوب لها طرائق مختلفة في التعبير عن آرائها، والشرع لايمنع من استخدام تلك الطرائق، ولا يحصر معتنقيه على وسائل بعينها، وليس مع من ادعى ذلك حجة نقلية ولاعقلية، بل مقاصد الشرع وقواعده، ووقائع تاريخ المسلمين في الصدر الأول تشهد بخلاف ذلك.
إذا تقرر هذا فإننا لانرى مانعا من تنظيم المظاهرات والاحتجاجات على المذابح التي يتعرض لها إخواننا في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، فإن هذا أضعف الإيمان وأقل الواجب. والله المستعان. وهو حسبنا ونعم الوكيل. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1422(7/28)
وجوب نصرة المظلومين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله.
ما موقفكم من الجهاد في ظل الأوضاع التي يعيشها إخواننا المسلمون المضطهدون في كل أنحاء العالم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم فرداً أو جماعة ودولة من إخوانه المسلمين عموماً هو ما يأمر به الشرع الحكيم من القيام بواجب الأخوة الإسلامية من التولي والنصرة، خاصة إذا كانوا في شدة من أمرهم أو كانوا مظلومين من غيرهم، كأن يُعتدى على ديارهم وأعراضهم وأموالهم وأبدانهم قتلاً وتشريداً، فإن نصرتهم واجبة ومتعينة بالمال والدعاء، وشرح قضيتهم، واتخاذ المواقف المناصرة لهم. وبالجملة فإن من حقهم على إخوانهم المسلمين أن يفعلوا كل ما في وسعهم لكف الأذى عنهم. قال تعالى: (.. وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر..) [الأنفال: 72] وقال سبحانه: (إنما المؤمنون إخوة) [الحجرات: 10] وقال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) [التوبة: 71] وقال عليه الصلاة والسلام: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يُسلمه.." الحديث متفق عليه. وقال أيضاً: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" متفق عليه. وقد أخبر الله سبحانه أن غير المؤمنين يوالي بعضهم بعضاً، وما لم يفعل المسلمون ذلك فيما بينهم فإن الفتنة تضرب بجرانها وينتشر الفساد، لعدم المقاومة، وضعف الشوكة. قال سبحانه وتعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) [الأنفال: 73] ولعل الواقع أصدق شاهد على ذلك والله المستعان.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1422(7/29)
لا يجوز تسمية الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تسمى الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية مع الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقوانين الوضعية كما هو معروف من وضع البشر، وهي بذلك تقابل الشريعة الإسلامية بمعناها الخاص الكتاب والسنة التي هي من وحي الله تعالى.
وعلى ذلك فلا يجوز تسمية الشريعة بذلك، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 17453.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(7/30)
الإسلام والفكر الاشتراكي والرأسمالي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدين الإسلامي يميل إلى الفكر الاشتراكي أم الرأسمالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام دين الله تعالى وشريعته الباقية، وهو الحق المحض والصواب الخالص، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو الأصل الذي يحكم به على الأفكار والمناهج والنظريات، والميزان الذي يقاس بها صوابها من خطئها، ولذلك ينبغي أن يكون السؤال عن قرب أو بُعد هذه الأفكار -كالاشتراكية والرأسمالية- عن الإسلام، ولا يسأل عن ميل الإسلام إلى أي منها، وللفائدة ننقل للسائلة كلاماً جيداً للدكتورة نعيمة شومان، في كتابها -الإسلام بين كينز وماركس وحقوق الإنسان في الإسلام- جاء فيه: يتميز الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي بأركان رئيسية ثلاثة تختلف عن سائر المذاهب الاقتصادية الأخرى وهي:
1- مبدأ الملكية المزودجة
2- مبدأ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود
3- مبدأ العدالة الاجتماعية
1- مبدأ الملكية المزدوجة: يختلف الإسلام عن الرأسمالية والاشتراكية في نوعية الملكية التي يقررها اختلافاً جوهرياً، فالرأسمالية تؤمن بالملكية الخاصة كقاعدة عامة، لمختلف أنواع الثروة في البلاد، ولا تعترف بالملكية العامة إلا حين تفرضها الضرورة الاجتماعية القصوى، والاشتراكية على العكس من ذلك تعتبر فيها الملكية الاشتراكية أو ملكية الدولة بمثابة المبدأ العام الذي يطبق على كل أنواع الثروة في البلاد، أما الإسلام فيقر الأشكال المختلفة للملكية في وقت واحد، فيضع مبدأ الملكية المزدوجة (الملكية ذات الأشكال المتنوعة) بدلاً من مبدأ الشكل الواحد للملكية الذي أخذت به الرأسمالية والاشتراكية، فهو يؤمن بالملكية الخاصة، والملكية العامة، وملكية الدولة، ويخصص لكل شكل من هذه الأشكال حقلاً خاصاً تعمل فيه دون أن يعتبر شيئاً منها شذوذاً واستثناءً، أو علاجاً مؤقتاً اقتضته الظروف.. ولهذا كان من الخطأ أن يسمى المجتمع الإسلامي مجتمعاً رأسمالياً وإن سمح بالملكية الخاصة، لأن الملكية الخاصة بالنسبة إليه ليست هي القاعدة العامة، كما أن من الخطأ أن نطلق على المجتمع الإسلامي اسم المجتمع الاشتراكي وإن أخذ بمبدأ الملكية العامة، لأن الشكل الاشتراكي للملكية ليس هو القاعدة العامة في رأيه.
وكذلك من الخطأ أن يعتبر مزجاً مركباً من هذا وذاك، لأن تنوع الأشكال الرئيسية للملكية في المجتمع الإسلامي، لا يعني أن الإسلام مزج بين المذهبين وأخذ من كل منهما جانباً، وإنما يعبر ذلك التنوع في أشكال الملكية عن تصميم مذهبي أصيل قائم على أسس وقواعد معينة، وموضوع ضمن إطار خاصة من القيم والمفاهيم تناقض الأسس والقواعد التي قامت عليها الرأسمالية الحرة والاشتراكية الرأسمالية. انتهى.
وراجعي للمزيد من الفائدة الفتويين: 116295، 21175.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1430(7/31)
حكم رفع شعار: إلا رسول الله إلا محمد
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله لنا فيكم ونفعنا والمسلمين بكم، ما حكم قول إلا رسول الله إلا محمد، هل فيها مخالفة شرعية؟
أفتونا وفقكم الله لما فيه خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في مثل هذه العبارات مخالفة شرعية، ومن جهة المعنى فهذه المقولة لا يعني بها صاحبها أن من عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لا يهمنا أمرهم أو يسعنا السكوت عن حقهم؛ وإنما يعني أن أعظم البشر حقا وأكبرهم قدرا وأشدهم حرمة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن تهاونا في حقوق أنفسنا فلن نتهاون في حقه هو.
وقد سبق في الفتوى رقم: 111228، أن رفع مثل هذه الشعارات يعتبر من مناصرة دين الله والدفاع عن نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه كما سبق لنا في الفتوى رقم: 71673، بيان كيفية الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(7/32)
الهجرة من بلاد المعصية إلى بلاد الطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في بلدمسلم يصعب فيه التدين لكثرة الفتن ومعاقبة المتدينين، ومنع الدروس الدينية، وأريد أن أتعلم العلم الشرعي وطبعا هذا مستحيل في بلدي، أرغب في الهجرة لبلد مسلم يعينني على المحافظة على ديني، لكن زوجي لا يهمه الأمر ولا يرغب في ذلك، وهو لا يحافظ على صلاته بسبب التجارة. لي منه طفلان وأنا أصبحت أخشى على نفسي من فساد ديني حيث إن درجة تديني في تناقص مستمر، وأنا لا أدري ماذا أفعل؟ أرشدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على تعلم العلم الشرعي، والمحافظة على دينك وحذرك من أسباب الفساد، وطلب العلم الشرعي فريضة على كل مسلم ومسلمة، فيجب وجوبا عينيا أن يتعلم المسلم من أمور دينه ما يصح به إيمانه، ويؤدي به فرائض دينه التي كلفه الله بها، ومع توفر وسائل التعليم في عصرنا كالإنترنت وغيره لم تعد هنالك حاجة لأن تهاجري من أجل طلب العلم الشرعي، وقد رأينا الآن من يستطيع من خلال هذه الوسائل أن يكمل دراسة جامعية ينال بعدها الشهادة. وفي موقعنا هذا الشبكة الإسلامية الكثير من الخير حيث يمكنك تعلم الكثير من خلال الفتاوى، أو المقالات، أو الدروس والمحاضرات المسموعة.
ولا يجوز للمسلم البقاء في مكان يغلب على الظن حصول الفتنة في الدين له بالبقاء فيه، وكما تشرع الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام تشرع كذلك الهجرة من بلاد المعصية والفسق إلى بلاد الطاعة، وانظري الفتويين: 25370، 48193.
فإن كنت تخشين على نفسك وأولادك الفتنة بالإقامة في هذا البلد فحاولي إقناع زوجك بأسلوب طيب بالهجرة بكم إلى بلد تأمنون فيه على دينكم، فإن اقتنع فالحمد لله، وإن أصر على البقاء وكان في قرارك في بيتك وقوع في الفتنة أو خشيتها، فلا طاعة له عليك في البقاء هنالك، فالطاعة إنما تكون في المعروف، وليس من المعروف أن يصر الرجل على إقامة زوجته وأولاده في بلد يخشون فيه على دينهم كما بينا بالفتوى رقم: 7930. فراجعيها، وإذا لم تجدي بلدا يمكنك أن تهاجري إليه واضطررت للبقاء في بلدك فعليك أن تتقي الله ما استطعت وأن تجتهدي في الحذر من أسباب الفتنة، ومن ذلك عدم الخروج من البيت إلا لأمر لا بد لك منه.
ونوصيك بمناصحة زوجك وتخويفه بالله تعالى من التفريط في الصلاة، وذكريه بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. {المنافقون:9} .
وقوله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا*إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا. {مريم: 58،59} .
فإن لم تجد فيه نصيحتك فالأولى أن تطلبي منه الطلاق، فإنه لا خير في من يترك الصلاة أو يستهين بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1430(7/33)
حكم الرد على الرسوم المسيئة بأخرى مثلها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال وطلب. السؤال هو: هل يجوز أن نرد على الدنمارك برسوم بالمثل أي رسوم مسيئة لهم أيضا لا تمس الدين؟ طلبي هو: ادعوا الله لي بأن يستجاب لي وبأن أكون مستجاب الدعوة. ما هي شروط الداعي والدعاء؟ وهل الدعاء بعد كل فريضة مستجاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس من الحكمة الرد على من سبوا الدين أو كتابه أو نبيه بأن يسبوا هم بنوع السب الذي صدر منهم فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ. {الأنعام:108} .
وأما الدعاء فشرطه الإخلاص لله في الدعاء، وعدم الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم، وعدم طلب المحال، وحضور القلب أثناء الدعاء.
وأما الدعاء بعد الفرض فهو مظنة الإجابة لما في حديث الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 71536، 71758، 30799، 71673، 71157، 120307.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(7/34)
ولاء المسلم يكون لدينه لا لطائفته
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للفتوى الموجودة سابقا عن الشراكس وعن أنهم لا يزوجون من غير الملة.
أولا: أنا شركسي، وأقول لكم إننا شعب من الأقليات في البلاد العربية، ونحن لا نزوج من خارج الملة ليس لأننا نرى أننا أفضل من أي ملة أخرى، بل نحن مؤمنون تماما أنه لا فضل لأعجمي على عربي إلا بالتقوى، وكما قلت نحن أقلية، فإن زوج هذا ابنته لغير شركسي، وذاك تزوج غير شركسية فسوف نضيع، ونحن لا نريد أن نفقد وجودنا في هذه البلاد.
والرجاء قبل الإفتاء في أمر أن يعرف المفتي كل شيء حول ما يفتي عنه وإلا فهو لا يصلح للإفتاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أشار إليه السائل الكريم من ضرورة فهم المفتي لواقع الفتوى والمستفتي أمر صحيح، قال ابن القيم في (إعلام الموقعين) : لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم.
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر اهـ.
ولكن الذي ينبغي أن ينتبه إليه السائل أن الفتوى المشار إليها ـ وهي برقم: 2494 ـ قد روعي فيها الواقع كما روعيت فيها الأدلة الشرعية، ولم تُبْن فقط على أنه لا فضل لعربي ولا لعجمي إلا بالتقوى، الأمر الذي ذكر السائل أنه يؤمن به.
وإذا أعاد السائل الكريم قراءة هذه الفتوى فسوف يرى فقه واقع الفتوى في التنبيه على ما قد يقع من ظلم على المرأة وكذلك الرجل، إذا لم يُزوَّج لكونه غير شركسي ولو كان ذا خلق ودين، ومن ذلك ما جاء فيها من التنبيه على مفاسد قصر الزواج على أبناء الطائفة الواحدة، والتنبيه على ما في المقاطعة والحصار الاجتماعي المتبع ضد من يتزوج من خارج الطائفة من نكارة وظلم.
هذا مع ما فيها من أدلة واضحة الدلالة على الموضوع، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
ولا يخفى ما بين هذا الحديث وبين الواقع الذي يدافع عنه السائل من التصادم. ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 107673.
ثم إننا ننبه السائل الفاضل على أن قوله: (سوف نضيع ونحن لا نريد أن نفقد وجودنا في هذه البلاد) فيه اعتبار لمصلحة ملغاة شرعا، والمصلحة الملغاة هي كل منفعة دل الشرع على عدم الاعتداد بها وعدم مراعاتها في الأحكام الشرعية، وذلك لانطوائها على مفسدة أعظم منها، أو لأنها تفوّت مصلحة أكبر.
فكل اجتماع على شعار معين ـ غير الإسلام ـ يعقد عليه الولاء والبراء والحب والبغض والتعاون والتنافر والسلم والحرب، فهو مما نهى عنه الشرع الحنيف. والحق أن يكون ولاء المسلم لدينه، ومحبته ونصرته لأهل ملته، دون نظر لوطنية أو قومية أو عرقية.
قال العلامة الشنقيطي في (أضواء البيان) : اعلم أنه لا خلاف بين العلماء في منع النداء برابطة غير الإسلام، كالقوميات والعصبيات النسبية، ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يقصد من ورائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية، فإن النداء بها حينئذ معناه الحقيقي: أنه نداء إلى التخلي عن دين الإسلام، ورفض الرابطة السماوية رفضا باتا، على أن يعتاض من ذلك روابط عصبية قومية ... وقد بين الله جل وعلا في محكم كتابه: أن الحكمة في جعله بني آدم شعوبا وقبائل هي التعارف فيما بينهم. وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره، وكل قبيلة على غيرها. قال جل وعلا: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} {الحجرات:13} . اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1430(7/35)
حكم توفير الدولة لرعاياها غير المسلمين الخمر والخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[يعيش في كثير من البلدان الإسلامية نصارى ويهود وأقباط وغيرهم فهل يجوز أن توفر لهم الدولة أو الأفراد لحم الخنزير والخمور بحجة أنهم غير مسلمين وأن شريعتهم لا تحرم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لدولة المسلمين ولا لأفرادهم توفير الخمر أو الخنزير أو غير ذلك من المحرمات ولو كان بعض رعاياهم من الكفار يستحلون ذلك، ولا يجوز لمسلم بيع أو إنتاج.. أي شيء من ذلك فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وان الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط وأصله في الصحيحين.
والواجب على المسلمين جميعا تطهير بلادهم من كل رجس ونجس وخاصة الخمر والخنزير، ولكن لا يجوز لهم التعرض لمن ليسوا على دينهم في استعمال هذه الأشياء التي يستحلونها كما لا يجوز التعرض لهم في عقيدتهم وعبادتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(7/36)
أقسام الهجرة وأحكامها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكنني الهجرة في سبيل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالهجرة في سبيل الله هي الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، كما انتقل المسلمون من مكة قبل إسلام أهلها إلى المدينة لكونها صارت بلد إسلام بعد مبايعة أهلها للنبي صلى الله عليه وسلم، وطلبهم هجرته إليهم، وتكون الهجرة أيضا من بلاد شرك إلى بلاد شرك أخف شرا، وأقل خطرا على المسلم، كما هاجر بعض المسلمين من مكة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلاد الحبشة.
وقد سبقت لنا فتاوى فيها تفصيل الأحكام المتعلقة بالعيش في بلاد الكفار والهجرة منها، وخلاصة ما في تلك الفتاوى أن الناس في الهجرة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من لا يستطيع الهجرة لمرض وعجز ونحو ذلك فهؤلاء لا تجب عليهم الهجرة.
والثاني: من يستطيع الهجرة إلا أنه يستطيع أن يقيم شعائر دينه ويأمن على نفسه الفتنة فهذا تستحب له الهجرة ولا تجب عليه.
والثالث: من يستطيع الهجرة ولا يستطيع أن يقيم شعائر الدين أو لا يأمن على نفسه الفتنة فهذا تجب عليه الهجرة. وأنت أدرى بحالك وحال البلد التي أنت فيها.
ولمزيد من التفصيل راجع الفتاوى التالية أرقامها: 16686، 28551، 59131.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1430(7/37)
حكم ادعاء الكفر بهدف الكشف عما يخطط ضد الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الاستفسار عن حكم المسلم الذي يدعي أنه على ديانة أخرى أمام أعداء الله: الذين يؤذون الله ورسوله والمسلمين.
وذلك لكي يعرف تدبيرهم ضد الإسلام، ويرد كيدهم في نحرهم دون أن يشعروا، ويُدمر وسائلهم التي يستخدمونها لإيذاء المسلمين، ثم إذا انتهى من مهمته وأراد الخروج عن جماعتهم قال إنه أسلم وجهه لله واعتنق الإسلام، ولن يكمل معهم لأنه عرف الحق في الإسلام، وقام بشرح الإسلام لهم علّهم يسمعون ويهتدون. فهل عليه ذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز لمسلم أن يتلفظ بكلمة الكفر، وأن من قال كلمة الكفر مختارا كفر بذلك ولو لم يعتقد معناها، وكذلك لا يجوز موالاة الكفار ولا الانضمام إلى أحزابهم ومنظماتهم المشبوهة والمحاربة للإسلام.
ويستثنى من ذلك بعض الأحوال، كحال الضرورة من خوف قتل أو فقد عضو ونحو ذلك، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 26496، 14945.
ومن ذلك أيضا ما إذا كلف إمام المسلمين أو من ينوب عنه أحدا من المسلمين بفعل شيء من ذلك تحقيقا لمصلحة من مصالح الأمة أو درء لمفسدة عنها، ويدل على ذلك ما رواه مسلم من حيلة محمد بن مسلمة في قصة قتل كعب بن الأشرف. وما رواه أبو داود عند عبد الله بن أنيس في قصة قتله لخالد بن سفيان الهذلي. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 28097.
وعلى كل فلا يجوز أن يقدم المسلم على هذا الفعل من تلقاء نفسه، والسلامة لا يعدلها شيء.
وكما هو ظاهر من السؤال أن الحال المسؤول عنها ليست من باب الضرورة، ولا هي بتكليف من الإمام. وعلى السائل أن يهتم ابتداء بتحصيل العلم الذي يمكنه من دعوة هؤلاء إلى الإسلام وبيان ما هم عليه من باطل.
ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 100652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1430(7/38)
حكم المشاركة في تزوير انتخابات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المشاركة في تزوير نتائج الانتخابات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {الحج:30} .
وقال تعالى في صفات عباده المؤمنين: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً {الفرقان:72} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر - ثلاثا - الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. رواه البخاري ومسلم.
فهذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وغيرها من نصوص الوحي كثير تحكم بأن التزوير كبيرة من كبائر الذنوب، وعلى المسلم أن يبتعد عنه في حياته كلها، وخاصة في الانتخابات التي بموجبها يتولى الأشخاص المسؤولية وأمور المسلمين العامة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استعمل رجلا من عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين. رواه الحاكم.
ولذلك فتزوير الانتخابات واختيار الفاسدين أو من لا يستحق مع وجود أهل الأمانة والكفاءة.. يعد من أقبح المحرمات وأسوئها أثرا لما يترتب عليه من الخيانة، وتضييع الأمانة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قيل: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة رواه البخاري
وهو كذلك من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عز وجل عنه في محكم كتابه فقال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... {المائدة:2} وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 73275، 46191، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1430(7/39)
أهمية الشورى وضرورة العمل بها
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت الشورى أساسا لتعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، اذكر أمثلة لذلك؟ بين كيف نستفيد منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشورى من مبادئ الإسلام الأساسية فقد أمر الله- عز وجل- بها نبيه الكريم المؤيد بالوحي، ولا يخفى أن الأمر للنبي هو أمر لأصحابه ولأمته من بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- كما هو مبين في محله- قال الله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ {آل عمران:159}
كما وصف بها عباده المؤمنين فقال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ {الشورى:38}
وقد طبق النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه هذا المبدأ تطبيقا تاما، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الشافعي والبيهقي.
ومن أمثلة استشارة النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه مشاورته لهم في الخروج لتلقي جيش المشركين في أحد أوالبقاء في المدينة وقتال المشركين فيها إذا هاجموها.
وكان رأيه- صلى الله عليه وسلم- البقاء في المدينة، وكان الأغلبية من الشباب والمتحمسين يرون الخروج إلى العدو وقتالهم خارج المدينة، وقد نزل- صلى الله عليه وسلم- على رأي الأغلبية وخرج بهم إلى العدو فلقيهم بأحد ووقع في تلك المعركة ما وقع للمسلمين، ولكن الأمر جاء من الله تعالى لرسوله- صلى الله عليه وسلم- بالتأكيد على الشورى والأخذ بها مهما كان من أمر، فقال تعالى بعد ما قص من أمر تلك المعركة وما وقع فيها مخاطبا لنبيه- صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ {آل عمران:159} .
ونقل القرطبي في تفسيره عن ابن عطية قال: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه..
وقال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها، وكان يقال: ما ندم من استشار وكان يقال: من أعجب برأيه ضل.
ومن هذا نستفيد أهمية الشورى، وضرورة العمل بها في كل شيء ولو كان صغيرا، وخاصة في هذا العصر الذي تعقدت فيه الأمور وتشعبت التخصصات، وقد قيل نصف عقلك عند أخيك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1430(7/40)
تكثير النسل والذرية من مقاصد الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أليس من أنجب ثلاثة من الولد قد حقق مبدأ التكاثر طبقاً للأمر النبوي بذلك، لأن الاثنين وهما الأب والأم قد خلفا ثلاثة، فزاد العدد؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتكثير النسل والذرية مقصد من مقاصد الإسلام، حث عليه ورغب فيه، حفاظاً على بقاء النسل البشري لعمارة الأرض إضافة إلى الحكمة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أن تكون أمته أكثر الأمم في الآخرة عند مكاثرة الرسل بأممهم وأتباعهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أبو داود والنسائي وغيرهما، وقال الشيخ الألباني حسن صحيح.
كما أن المسلم بعد موته ينتفع بدعاء ولده، فليس ذلك من عمله الذي ينقطع بعد موته، كما قال صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه الإمام مسلم وغيره.
وبناء على ما تقدم فالأسرة المذكورة التي أنجبت ثلاثة أولاد قد ساهمت في زيادة أفراد هذه الأمة. وبناء على ذلك تكون قد حققت مبدأ التكاثر، ولو أنها أنجبت أكثر من ذلك لكان تحقيقها للتكاثر أقوى وأحرزت ثواباً أعظم وأجراً أكثر، وراجع للأهمية في ذلك الفتوى رقم: 79725، والفتوى رقم: 636.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1430(7/41)
سبب ضعف الأمة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[جرى بين مجموعة منا نقاش حول أسباب ضعف الأمة الإسلامية.
قال بعضنا بأن أسباب الضعف هم المسلمون أنفسهم أولا، ومن ثم يأتي ضغط الحكام على شعوبهم واستعبادهم لهم كسبب ضعف.
سؤالي هنا: من المسؤول الرئيسي عن الضعف الحالي للأمة الإسلامية، هل هو أنظمة الحكم والحكام أم المسلمون أنفسهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن السبب الرئيس في ضعف الأمة الإسلامية هو حال المسلمين أنفسهم، بل إن حال حكامهم هو نفسه انعكاس لحالهم مع ربهم، فما من مصيبة تنزل بالعبد إلا بكسبه وبما جنته يداه، كما قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {آل عمران:165} وقال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: قد روى أنه قال: كما تكونوا يولى عليكم. وفي أثر آخر يقول الله تعالى: أنا الله عز وجل ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي من أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشتغلوا بسب الملوك وأطيعوني أعطف قلوبهم عليكم. ولما انهزم المسلمون يوم أحد -هزمهم الكفار- قال الله تعالى: أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم اهـ.
وقال في مجموع الفتاوى: مصير الأمر إلى الملوك ونوابهم من الولاة والقضاة والأمراء ليس لنقص فيهم فقط بل لنقص في الراعي والرعية جميعا؛ فإنه كما تكونون يولى عليكم، وقد قال الله تعالى: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح: الله حكيم، فهو الذي يولِّي بعض الظالمين بعضاً، ولا تظنوا أن الولاة إذا ظلموا أو اعتدوا أن هذا تسليط من الله تعالى لمجرد مشيئة من الله، بل هو لحكمة؛ لأن الله قال: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] . والولاة لا يتسلطون على الرعية إلا بسبب الرعية، كما تكونون يُوَلَّى عليكم اهـ.
فصلاح النفوس أو انحرافها هو أصل اعتدال الأحوال أو اعوجاجها، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأنفال:53} وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد:11} .
فإذا خاف العباد ربهم فاتقوه وأصلحوا حالهم معه بالإيمان والعمل الصالح، أورثهم الأرض واستخلفهم فيها، كما قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55} وقال عز وجل: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ {الأنبياء:105} وقال: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ {إبراهيم:13، 14} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1430(7/42)
التحالف بين المسلمين على التناصر والتعاون على الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة..
فهل يدخل ضمن ذلك الأحزاب الدعوية والجهادية والتحالفات التي تقوم بينها مثلا كما تتحالف حماس مع الجهاد على أمور معينة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يعرف خلاف بين الفقهاء في أن التحالف بين أفراد المسلمين إذا كان على أن ينصر كل من الطرفين الآخر على الخير والشر، وعلى الحق والباطل، أو على أن يرث كل منهما الآخر دون ذوي قرابته، فإن ذلك الحلف يكون باطلا.
أما التحالف على الخير والنصرة على الحق وعلى الديات والتوارث لمن لا وارث له، فقد اختلف أهل العلم في جوازه بعد أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة. رواه مسلم.
أ - فذهب الحنفية إلى أنه لا بأس أن يحالف مسلم مسلما حتى بعد ورود هذا الحديث على العقل والميراث بوصف معين وعلى النصرة والنصيحة والرفادة وغير ذلك من أنواع التعاون. وقالوا: إن المراد بالحديث المذكور نفي الحلف على الأمور التي كانوا يتعاقدون عليها في الجاهلية وحظرها الإسلام، وهي أن ينصره على الحق والباطل ويرثه دون ذوي رحمه. وقالوا: إن ذلك مذهب عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم.
ب - وذهب جمهور الفقهاء إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث من أن أحلاف الجاهلية يستمر التناصر بها حتى بعد هذا الحديث، لكن لا يكون إلا تناصرا على الحق وتعاونا على الخير، ولا تقتضي ميراثا لكون التوارث بها منسوخا، لكن الأحلاف التي عقدت بعد ورود الحديث منقوضة، لكون هذا الحديث ناسخا لإجازة التحالف التي عمل بها في أول الإسلام، فقد أمروا أن لا ينشئوا بعد ذلك معاقدة، كما عبر ابن كثير.
ووجه ذلك أن الإسلام وحَّد بين المسلمين، فهو بمعنى تحالف شامل لكل المسلمين يقتضي التناصر والتعاون بينهم على من قصد بعضهم بظلم، لقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ. {الحجرات: 10}
10 - وذهب آخرون إلى أنه لا بأس أن يعقد حلف بين مسلم ومسلم على التناصر على الحق والنصيحة والتعاون على الخير حتى وإن كان ذلك بعد ورود الحديث المتقدم ولا توارث به.
قال النووي: المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق، هذا باق لم ينسخ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث: وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام، فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه اهـ.
وعلى قول الجمهور فينظر في بنود الحلف، فما كان منها موافقا لأحكام الإسلام متضمَنا فيها، فيوفى به امتثالا للشرع لا عملا بالحلف.
ويرجى للأهمية مراجعة ضوابط مشروعية الانتساب إلى الجماعات الإسلامية في الفتوى رقم: 10157.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(7/43)
العمل في مؤسسات الدول التي لا تحكم بشريعة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي يعمل بالجيش ويجبرونهم على حلق الحية وتحية العلم وغير ذلك من المحرمات. سؤالي ليس عن الانخراط بالجيش ولكن هل الراتب الذي يتقاضاه حلال أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بيان حكم الراتب الذي يتقاضاه أخوك فرع عن بيان حكم عمله لأن العمل إذا كان مشروعا فإن الراتب يكون حلالا، أما إذا كان العمل محظورا فحينئذ يكون ما يتقاضاه من أجر وراتب محرم لا يجوز أخذه ولا الانتفاع به، لذا فإنه يتعين بيان حكم العمل في مؤسسات الدول التي لا تحكم بالشريعة فنقول:
انقسم أهل العلم في حكم العمل في هذه المؤسسات إلى قسمين:
الأول: يرى وجوب اجتناب مثل هذه المواقع إيثارًا للسلامة نظرًا لما تشتمل عليه من المظالم من ناحية، واعتبارًا لعدم شرعية الراية التي ترفعها من الرايات القومية والوطنية وإعلان ولائها للقوانين الوضعية.
الثاني: يرى مشروعية وجود الصالحين وأصحاب الخير والدين في هذه المواقع باعتباره وسيلة من وسائل استصلاح الأحوال وأن هذا يعد من مسائل السياسة الشرعية التي تدور في فلك الموازنة بين المصالح والمفاسد، وتتغير فيها الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال. فقد يفتى به في بلد ولا يفتى به في بلد آخر، وقد يفتى به في زمان ويفتى بعكسه في زمان آخر وقد يفتى به بالنسبة لشخص ولا يفتى به بالنسبة لشخص آخر.
وهذا الرأي الثاني هو الراجح وهو الذي تعضده مقاصد الشريعة المباركة ويتناسب مع روحها، وعليه تدل أقوال أهل العلم الراسخين فإن الشريعة إنما جاءت لتحقيق المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها, ولا شك أن خلو هذه المواقع والمؤسسات من أهل الخير وإخلائها لغيرهم ممن لا يتقي الله ولا يخافه فيه من المفسدة والشر والضرر بالدين وأهله ما لا يخفى، ووجود بعض المفاسد في أمر ما لا يوجب تركه بالكلية لأن الموازنة بين المصالح والمفاسد مما أمرت به الشريعة وهو من متين العلم وعميق الفهم، فإذا اشتمل الفعل الواحد على مصلحة ومفسدة فما غلبت مصلحته فهو مشروع وما غلبت مفسدته فهو ممنوع، ولو أن كل فعل اشتمل على خليط من المصالح والمفاسد تركناه جملة واحدة وأغلقنا بابه وأغفلنا ما فيه من جانب المصلحة لفسدت الأمور واضطربت الأحوال ولم تأت الشريعة بمثل هذا، يقول ابن تيمية رحمه الله: وتمام " الورع " أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات. ويرى ذلك من الورع. انتهى.
والعمل في مثل هذه المؤسسات وإن كان ظاهره أنه مظاهرة للظلمة وتعاون معهم على الإثم والعدوان إلا أن من دخله وكانت نيته الإصلاح بدفع ما استطاع من المفاسد وتحصيل ما استطاع من المصالح فإنه يكون مأجورا ولا يكون معاونا للظلمة بل يكون مناصرا للحق ومعاونا للمظلومين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها؛ وتعطيل المفاسد وتقليلها فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناها: هو المشروع. والمعين على الإثم والعدوان من أعان الظالم على ظلمه، أما من أعان المظلوم على تخفيف الظلم عنه أو على أداء المظلمة فهو وكيل المظلوم؛ لا وكيل الظالم؛ بمنزلة الذي يقرضه أو الذي يتوكل في حمل المال له إلى الظالم. مثال ذلك ولي اليتيم والوقف إذا طلب ظالم منه مالا فاجتهد في دفع ذلك بمال أقل منه إليه أو إلى غيره بعد الاجتهاد التام في الدفع؛ فهو محسن وما على المحسنين من سبيل. انتهى.
وقد أفتى أهل العلم المعاصرون بجواز دخول المجالس النيابية والحال فيها أشد وأشنع من الجيش ونحوه، إذ هي التي تتولى كبر التشريع من دون الله، وكانت فتاواهم هذه انطلاقا من هذه القواعد واستنادا لتلك المقاصد المذكورة، وممن أفتى بذلك العلامة أحمد شاكر والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وغيرهم من أهل العلم الثقات، بل قد جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في موضوع: مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية ما يلي:
مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية من مسائل السياسة الشرعية التي يتقرر الحكم فيها في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، والفتوى فيها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال. انتهى
وعلى ذلك فالأعمال بالنيات والأمور بمقاصدها فإن كان أخوك قد دخل إلى هذه المؤسسة ابتغاء زينة الحياة الدنيا، وطلبا للجاه والعلو في الأرض وغير ذلك من عرض الدنيا وهو مع ذلك حالق للحيته متعاون معهم في الظلم والعدوان فعمله محرم وراتبه كذلك.
أما إذا كان دخوله ابتغاء رضوان الله ونصرة لدينه قاصدا جلب بعض المصالح أو دفع بعض المفاسد من الظلم والعدوان ونحو ذلك فله نيته وأجره إن شاء الله، وعمله مشروع وماله حلال.
ولو اضطر إلى حلق لحيته أو تحية العلم عليه عند تحية العلم ألا ينوي بقلبه تعظيم العلم، وراجع الفتوى رقم: 103506.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1430(7/44)
الإسلام ليس دينا لسفك الدماء
[السُّؤَالُ]
ـ[في برنامج يبث على قناة فضائية في دولة عربية، واجهته المصورة تحوي عددا من الأسلحة الرشاشة يتوسطها كتاب الله، إنها تصور دين الاسلام على أنه دين سفك للدماء. فالعنوان غير متلائم أصلا مع الصورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نتابع هذا البرنامج لنحكم على ما فيه. أما عن واجهته المصورة التي ذكرت في السؤال، وهل توحي بأن الإسلام دين سفك للدماء؟ فهذا غير لازم، وإن كان محتملا، لكن يتعين إحسان الظن بالمسلم، ما لم يقم ما يدل على خلافه، وفي هذه الحال المسؤول عنها قد تعني الصورة أن الإسلام محارب، وقد تكالب عليه أعداؤه، وقد تعني أن الإسلام ـ وهو الدين الحق الوحيد على الأرض ـ لابد له من قوة تدافع عنه وتحوطه، كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {الحديد: 25}
قال السعدي: قرن تعالى في هذا الموضع بين الكتاب والحديد، لأن بهذين الأمرين ينصر الله دينه ويعلي كلمته، بالكتاب الذي فيه الحجة والبرهان، والسيف الناصر بإذن الله، وكلاهما قيامه بالعدل والقسط. انتهى.
ولا يعني هذا إن الإسلام انتشر بحد السيف، كما يفترون، بل معناه أن السيف كان من أهم أسباب إزاحة العوائق التي تحول بين الناس وبين الدين الحق، فلم يكن ملوك الأرض في زمان الصحابة ومن بعدهم ليتركوا هذا الدين الجديد يهدد عروشهم وشهواتهم، ويزاحمهم حكمهم وتسلطهم. وراجع للتوسع في هذا المعنى الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73832، 116779، 3584.
وانظر في أخلاق وسلوكيات المسلمين في حربهم مع الكفار، الفتوى رقم: 56284.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(7/45)
الاعتصام بالله تعالى والولاء للإسلام ونبذ العصبية
[السُّؤَالُ]
ـ[رأينا في الأيام الأخيرة أثناء حرب غزة الكثير من التعصب في الانتماء لبلد معين، فمثلا تجد كل حاكم مسلم لجأ للدفاع عن موقف بلده، وكذلك عامة المسلمين، كل أخذ يقول أنا مصري وليس لي علاقة بغزة ولقد حاربنا كثيرا من أجلهم وقدمنا العديد من الشهداء في سبيل قضيتهم، وهذا الكلام أيضا يعني خرج بعض الشيوخ ليقوله
فنحن نريد من حضراتكم أن توضحوا لنا حدود الانتماء لبلد معين في الإسلام، فالأصل أننا كلنا مسلمون
ولكن يظهر من ينمي التعصب للوطن داخل أنفسنا فهل هذا صحيح؟
فنريد من حضراتكم أن توضحوا لنا حدود الانتماء لبلد معين.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمرنا الله تعالى بالاعتصام بحبله جميعا ونهانا الله عن التفرق والاختلاف، فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ... وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {آل عمران: 103 – 10 5} .
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {الأنعام: 159} .
فكل اجتماع على شعار معين ـ غير الإسلام ـ يعقد عليه الولاء والبراء والحب والبغض والتعاون والتنافر والسلم والحرب، فهو مما نهى عنه الشرع الحنيف.
والحق أن يكون ولاء المسلم لدينه، ومحبته ونصرته لأهل ملته، دون نظر لوطنية أو قومية، أما إذا كان الانتساب للقبيلة أو الجماعة أو الوطن لمجرد التعارف والتعاون، لا التفاخر والتشاجر، فلا مانع من ذلك. كما سبق بيانه في الفتويين: 27966، 50056.
قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: اعلم أنه لا خلاف بين العلماء في منع النداء برابطة غير الإسلام، كالقوميات والعصبيات النسبية، ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يقصد من ورائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية، فإن النداء بها حينئذ معناه الحقيقي: أنه نداء إلى التخلي عن دين الإسلام، ورفض الرابطة السماوية رفضا باتا، على أن يعتاض من ذلك روابط عصبية قومية ... وقد بين الله جل وعلا في محكم كتابه: أن الحكمة في جعله بني آدم شعوبا وقبائل هي التعارف فيما بينهم. وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره، وكل قبيلة على غيرها. قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. اهـ.
فالمذموم من انتماء المسلم لبلده أو قومه أو جنسه إنما هو الانتماء الذي يراد منه التعاضد والتناصر لا باعتبار الحق والباطل، وإنما باعتبار القومية أو العرقية فقط. فكل دعوة إلى العصبية المذمومة، سواء كانت دعوة إلى قومية أو قبلية أو غيرها، من دعاوى الجاهلية، فالتعصب للعرق أو للجنس أو للوطن أو لأي شيء من العصبية المذمومة هو من دعوى الجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني.
وقد سبق لنا بيان المقصود بالولاء والبراء في الفتوى رقم: 32852.
ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين: 114434، 35576.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1430(7/46)
مصير قتلى العدو الذين قاتلوا طاعة لرؤسائهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإجابة على سؤال يحيرني: في الغزوات والفتوحات الإسلامية، يرسل قائد المسلمين الكتب إلى القادة والرؤساء وهؤلاء هم الذين يقررون ما يفعلون: أن يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية أو يحاربوا، فإذا اختاروا الحرب يحارب معهم جنودهم، ومن هؤلاء الجنود من لا يعلم شيئا حتى أنه لا يعلم لماذا أتى المسلمون، فيحارب ويموت، هل مصيره إلى النار رغم أنه لم يكن يعلم شيئا؟ أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى لا يعذب إلا من يستحق العذاب، قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 40}
ولذلك لا يعذب أحداً من خلقه إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسل ووصول الدعوة إليه كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء: 15} وقال: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء: 165} .
فمن لم تبلغه دعوة الإسلام ولم يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فالراجح من أقوال أهل العلم أنهم يمتحنون في عرصات القيامة، كسائر أهل الفترة حيث قال صلى الله عليه وسلم: أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا. وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر. وأما الهرم فيقول: ربي لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا. وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار. قال: فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها. رواه أحمد وصححه ابن حبان والألباني.
وأما من بلغته دعوة الإسلام وسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به، ومات على ذلك فإنه مخلد في النار في الآخرة، ويكفي في إقامة الحجة عليه أن يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يلزمه البحث عن حقيقة هذا الرسول، ولذلك علق النبي صلى الله عليه وسلم دخول النار لليهود والنصارى على مجرد سماعهم به، فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم. وراجع في ذلك الفتاوى: 68324، 59524، 49293.
وهؤلاء لا عذر لهم إن هم أطاعوا سادتهم على الكفر، فقد قال الله تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ {القصص: 8}
فذكر الجنود هنا فيه تنبيه واضح على أن حكمهم تابع لحكم قادتهم، فلولا هؤلاء الجنود لما استطاع القادة فعل شيء.
ولذلك قال العلامةالسعدي: {وَجُنُودَهُمَا} التي بها صالوا وجالوا وعلوا وبغوا. انتهى.
وروى البخاري عن ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا {النساء: 97}
فمجرد تكثير السواد ترتب عليه هذا الوعيد الشديد، فما بالك بمن تابع على الكفر وباشر القتال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(7/47)
كيفية التعامل مع الكفار المسالمين والمحاربين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو ألأصل في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين من أهل الكتاب والمشركين. هل هي السلم أم الحرب. وما معنى قوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكفار إما أن يكونوا مسالمين للمسلمين أو محاربين لهم، وقد جعل الإسلام ضوابط معينة للتعامل مع كل منهما وقد سبق بالفتويين: 19652، 47321، بيان شيء من هذه الضوابط.
ولم يشرع الجهاد من أجل أن يجبر أحد على الدخول في الإسلام، فالقاعدة الشرعية أنه لا إكراه في الدين، ولكن من أراد أن يحول بين المسلمين وبين تبليغ دعوتهم وإقامة سلطان الله في الأرض يقاتل حتى تتحقق حرية الاعتقاد للناس فلا يحول أحد بينهم وبين سماع الحق ثم بعد ذلك من شاء آمن ومن شاء بقي على كفره، وبهذا يتبين أن من الفهم الخاطئ ما قد يتبادر إلى أذهان بعض الناس في الحديث المذكور أن المسلمين يقاتلون الناس من أجل أن يدخلوهم في الإسلام، ولمزيد الفائدة انظر الفتوى رقم: 112625.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1430(7/48)
حكم من يحب انتصار معسكر الكفر على الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم شخص يرغب في انتصار الصهاينة في معركتهم في غزة على المسلمين وماذا يجب علي اتجاهه وماذا ينبغي لي أن أفعل له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن محبة انتصار معسكر الكفر على معسكر الإيمان أمر لا يجوز، وهو من صفات أهل النفاق، وفيه نوع موالاة لمن حاد الله ورسوله، وقد يؤدي هذا الأمر بصاحبه إلى الكفر والخروج من ملة الإسلام، فلا يجتمع في قلب المؤمن إيمان بالله وحب أعداء الله كما بينا بالفتوى رقم: 15087.
فالواجب نصح هذا الشخص وتذكيره بالله تعالى وإبداء الشفقة عليه، فإن تاب وأناب فالحمد لله، وإن أصر على هذا الأمر فينبغي أن يهجر إن رجي أن ينفعه الهجر.
ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 18611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1430(7/49)
حكم اللجوء للحيلة للتخلص من ظلم القانون
[السُّؤَالُ]
ـ[باختصار شديد أسألكم عن رجل يعيش في فرنسا التي لا تعطي الطلاق الإداري للرجل إلا بموافقة المرأة التي كانت زوجته.
ولأن هذا الزوج لا يستطيع الزواج مرة ثانية سواء في فرنسا أو في بلده العربي تونس إلا بالحصول على الطلاق الإداري ولأن زوجته تستغل هذا الوضع منذ سنين وتعرضه للفتن فقد التجأ إلي لسرقة رسائلها الخاصة بموضوع الطلاق فقط حتى تتغيب عن المحكمة لمدة معينة لعلّ الله يجبر خاطره ويتحصّل على حريته, فما حكم الشرع فيما يقوم به هذا الزوج. وبالله عليكم ادعوا له حتى يفكّ الله كربه ويزيل همّه.
أرجو الإجابة بسرعة لتهدأ النفس وتطمئن, وبارك الله فيكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تعدد الزوجات مباح إذا كان الرجل قادراً على الزواج ومراعياً للعدل بين زوجاته، ولا يجوز لأحد منع ذلك، وإذا كان هناك قانون يمنع ذلك فهو قانون ظالم، ويجوز لك فعل ما تتخلص به من هذا القانون الظالم مما لا ضرر فيه، ولا مانع من فعل ما ذكرته من سرقة الرسائل الخاصة بذلك من زوجته، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 113174، والفتوى رقم: 115191.
ونسأل الله أن يفرج كربك وييسر لك أمرك.
وننبه السائل إلى أنه ينبغي للمسلم أن يحرص على الإقامة في بلاد المسلمين ويترك الإقامة في بلاد الكفار، ولمعرفة حكم الإقامة في بلاد الكفار يمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 2007، والفتوى رقم: 23168.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1430(7/50)
الصلاة في المساجد المهددة بالقصف هل يعد انتحارا
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب لكم من غزة وأنتم تعلمون ما يحصل في غزة، تقوم المخابرات الإسرائيلية بالاتصال على أئمة المساجد وتخبرهم أن المسجد سيتم قصفه وتدميره، وقد قصف أكثر من مسجد، ولكن الناس تصر على الصلاة في تلك المساجد المهددة بالقصف، فهل الصلاة في المسجد المهدد هو نوع من الجهاد والرباط والثبات أم هو ضرب من إلقاء النفس إلى التهلكة؟
وأيضاً يتصل اليهود على بعض المنازل ويطلبون من أهلها تركها لأنهم سيدمرونها، وقد دمر الكثير ولكن بعض الناس لا يترك منزله وقد دمر المنزل عليه، فهل البقاء في المنزل المهدد جهاد أم ضرب من الانتحار؟ بالله عليكم أن تعجلوا في الإجابة لخطورة المسألة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي التنبه أولا إلى أن الأولى أن يرجع في هذه المسألة إلى أهل العلم الموثوقين في بلادكم، فهم أعرف بالواقع هنالك، وأجدر بتحديد ما إذا كان في هذا الأمر مصلحة أم لا؟ ومدى اعتبار هذه المصلحة من عدمه.
والذي يظهر لنا – والله أعلم - أنه إن كانت هنالك مصلحة مرجوة من عدم ترك الصلاة في المسجد أو عدم مغادرة البيوت فلا حرج إن شاء الله في البقاء في هذه البيوت، وأداء الصلاة في المساجد، وليس هذا من الانتحار في شيء، ولا من إلقاء النفس إلى التهلكة.
قال القاضي أبوبكر ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن" عند تفسير قول الله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. {البقرة:195}
وبعد أن نقل أقوال العلماء في المراد بالتهلكة قال رحمه الله: قال الطبري: هو عام في جميعها لا تناقض فيه , وقد أصاب إلا في اقتحام العساكر، فإن العلماء اختلفوا في ذلك. فقال القاسم بن مخيمرة , والقاسم بن محمد , وعبد الملك من علمائنا: لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان لله بنية خالصة، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة. وقيل: إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل؛ لأن مقصده واحد منهم , وذلك بين في قوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله {البقرة:207} . والصحيح عندي جوازه ; لأن فيه أربعة أوجه: الأول: طلب الشهادة. الثاني: وجود النكاية. الثالث: تجرئة المسلمين عليهم. الرابع: ضعف نفوسهم ليروا أن هذا صنع واحد، فما ظنك بالجميع. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1430(7/51)
تسلط الكافرين على المسلمين.. الأسباب.. وسبل دفعهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما سبب تسلط الكافرين على المسلمين بالقتل والتدمير، وما دور المسلمين في الدفاع عن إخوانهم المستضعفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما تسلط الكافرين على المسلمين بالقتل والتدمير، فنقول أولاً: إن الله عز وجل قد تفضل على هذه الأمة بأن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم، وإنما يقع التسلط على بعض المسلمين لا على جميعهم، قال الله عز وجل: وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {النساء:141} ، قال الشنقيطي في أضواء البيان: في معنى هذه الآية أوجه للعلماء: منها أن المراد بأنه لا يجعل لهم على المؤمنين سبيلاً يمحو به دولة المسلمين ويستأصلهم ويستبيح بيضتهم؛ كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان أنه قال: وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن الله قد أعطاني لأمتي ذلك حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً. ويدل لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ. وقوله: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين َ. وكقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا. انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى معلقاً على حديث ثوبان: سأل ربه لأمته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطاه ذلك لكون ثبوت هذا الحكم في حق آحاد الأمة قد لا يحصل إلا بطاعة الله ورسوله، فإذا عصى الله ذلك الشخص العاصي عوقب عن ذلك بسلب هذه النعمة وإن كانت الشريعة لم تنسخ، يبين هذا أن في هذا الدعاء -يعني الوارد في آخر سورة البقرة- سؤال الله بالعفو والمغفرة والرحمة والنصر على الكفار، ومعلوم أن هذا ليس حاصلاً لكل واحد من أفراد الأمة، بل منهم من يدخل النار، ومنهم من ينصر عليه الكفار، ومنهم من يسلب الرزق لكونهم فرطوا في طاعة الله ورسوله، فيسلبون ذلك بقدر ما فرطوا أو قصروا. انتهى.
أما سبب تسلط الكافرين على بعض المسلمين فإن هذا التسلط من الابتلاء الذي يبتلي الله عز وجل به عباده، والابتلاء قد يكون اختباراً وامتحاناً من الله تعالى لعباده، قال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة:155} ، وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ {محمد:31} ، وقد يكون بسبب الذنوب والمعاصي، قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، ومن تأمل في أحوال المسلمين اليوم وما وقع فيه أكثرهم من الشركيات والانحرافات العقائدية والبدع، ومن التفريط في أركان الإسلام من الصلاة والصيام والزكاة، ومن ترك فروض الأعيان والكفايات التي بها قوام الدين كالجهاد وإقامة الحدود وتحكيم الشريعة والأمر المعروف والنهي عن المنكر، وتركهم الأخذ بأسباب القوة الدنيوية، من تأمل في ذلك علم أن هذا من أعظم الأسباب التي أدت لما يعانيه كثير من المسلمين من ذل وهوان، فقد تكالب على المسلمين الأعداء، وأذاقوا المسلمين من القتل والتدمير ما هو مشاهد، وقد ورد في بعض الأحاديث بيان لأسباب تسلط الكافرين على بعض المسلمين، فمن ذلك ما رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ، قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.
وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. قال المناوي في فيض القدير: (وأخذتم أذناب البقر) كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث (ورضيتم بالزرع) أي بكونه همتكم ونهمتكم (وتركتم الجهاد) أي غزو أعداء الرحمن ومصارعة الهوى والشيطان (سلط الله) أي أرسل بقهره وقوته (عليكم ذلا) بضم الذال المعجمة وكسرها ضعفاً استهانة (لا ينزعه) لا يزيله ويكشفه عنكم (حتى ترجعوا إلى دينكم) أي الاشتغال بأمور دينكم وأظهر ذلك في هذا القالب البديع لمزيد الزجر والتقريع حيث جعل ذلك بمنزلة الردة والخروج عن الدين. انتهى.
وأما دور المسلمين في الدفاع عن إخوانهم المستضعفين فيجب على جميع المسلمين أولاً: العودة إلى دينهم والالتزام بأوامر الشرع ونواهيه، كما يجب عليهم نصرة إخوانهم بكل ما يستطيعون بالنفس أو المال أو الكلمة، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5843، 15964، 16515، 112880، 106748.
علماً بأن هذا الموضوع شديد الأهمية وهو موضوع كبير يحتاج إلى بسط وتفصيل، فيمكنك مراجعة المقالات الموجودة على موقعنا المندرجة ضمن موضوع فلسطين على الصفحة الرئيسة.
نسأل الله عز وجل أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، وأن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، ويذل الكفر والكافرين، ويدمر أعداء الدين، وأن ينصر إخواننا المستضعفين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1430(7/52)
سبل تحقيق النصر وهل هناك صلاة للاستغاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل لماذا لا نصلي صلاة استغاثة إلى الله ندعو فيها لفلسطين وأنتم بصفتكم علماء هذه الأمة فيجب الدعوة إلى هذه الصلاة قياساً لصلاة الاستسقاء وتحددون موعداً لها عبر وسائل الإعلام جامعة لكل الدول الإسلامية وأرجو من العلماء السعوديين مزيد من الضغط على حكام المملكة إنه من الواجب حسن الظن في الله وواجب على كل مسلم الدفاع عن فلسطين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فليس في الشرع صلاة تسمى صلاة الاستغاثة، ومن المعلوم أن العبادات مبناها على التوقيف، فلا يعبد الله تعالى إلا بما شرع، والمشروع في مثل حال فلسطين هو دعاء القنوت، وقد بيناه في الفتوى رقم: 3038.
فيشرع للمصلي سواء كان إماماً أو منفرداً أن يدعو في الركعة الأخيرة -بعد الرفع من الركوع أو قبله- بالنصر للمسلمين في فلسطين وتفريج الكرب عنهم وكبت اليهود المعتدين، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكون عوناً ونصيراً للمجاهدين في سبيله في فلسطين وفي كل مكان، وأن يفرق جمع اليهود ويشتت شملهم ويمزقهم كل ممزق، ولا شك أن نصرة المسلمين في فلسطين أمر واجب، والمسلم أخو المسلم، لا يخذله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن ينبغي أن يعلم أنه ما تسلط علينا الأعداء إلا بسبب ذنوبنا وبعدنا عن شريعة ربنا، فقد أضاع أكثر المسلمين الصلاة، وشربت الخمور، وأكل الربا، وخلعت النساء الحجاب، واستمع الناس إلى ألحان الخنا، وغير ذلك من المعاصي التي عمت وطمت إلا من رحم الله تعالى، فإذا أراد المسلمون النصر حقيقة فليسلكوا طريقه، وهي العودة إلى الله والبعد عن المعاصي، ورحم الله الإمام مالكاً فقد قال: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقال قبله عمر رضي الله عنه: كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
وانظري للأهمية الفتوى رقم: 27638.. وننبه السائلة أخيراً إلى أن هذا الموقع تابع لوزارة الأوقاف القطرية وليس موقعاً سعودياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1430(7/53)
جواب شبهة حول كيفية انتشار الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إشارة إلى الفتوى رقم 100226 والمتضمنة كلاما حول نشر الإسلام وإنني أفهم من هذه الفتوى أن الإسلام انتشر بحد السيف وليس كما نشرت المسيحية بدون حروب ولا إكراه ولا إلغاء ما جاء قبلها حيث كتب عندهم على لسان عيسى بن مريم عليه السلام إني جئت لأكمل وليس لأنقض وذلك كما جاء في الفتوى رقم 73832 والفتوى رقم 76362 والفتوى رقم 7636 والفتوى رقم 39284 والآيات التالية من سورة البقرة 256 وسورة أهل الكهف 29 وأني أفهم من هذا كله أن الإسلام شطب كل ما جاء قبله ماعدا الديانات الوثنية لأنه لا يوجد أي شيء يدل على ذلك وأبادت كل من يؤمن بها. أرجو التعليق على هذا وأرشدني إلى الطريق الصحيح وبكل صراحة، ولكم مني كل شكر واحترام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل على تصفحه لموقعنا والاطلاع على الفتاوى المنشورة عليه، ونرجو منه المواصلة ونوصيه بتقوى الله تعالى والتثبت في النقل والتفهم لما يقرأ؛ فإن بعض الفتاوى التي استشهد بها لا علاقة لها باستشكاله بل ولا بالموضوع كله مثل: 7636 وبعضها حمله على غير محمله أو لم يفهمه على حقيقته.
وبخصوص السؤال؛ فإن الفكرة التي عند السائل عن الإسلام وحقيقته غير صحيحة، فنرجو منه أن يفهم أن دين الإسلام هو دين الله- عز وجل الذي تعبد به عباده وبعث به أنبياءه وتوالت رسل الله للدعوة إليه بداية بأبي البشرية (آدم عليه السلام) وانتهاء بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ {آل عمران:19} ، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ {الأنبياء:25} ، وقال تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ {الشورى:13} وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياء أبناء علات.. الحديث رواه مسلم وغيره.
فكل الأنبياء جاءوا بالدعوة إلى توحيد الله والمحافظة على الدين والنفس والعقل والمال والعرض والأخلاق.. وإنما اختلفوا في المسائل الفرعية والتفاصيل الجزئية بما يتلاءم ويصلح لزمان كل واحد منهم أو مكانه وطبيعة قومه، كما قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة:48} .
فلما بلغت البشرية رشدها بتوالي الرسالات السماوية، وتراكم التجارب البشرية على مر التاريخ ختم الله تعالى رسالات الأنبياء ووحي السماء ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن بدعا من الرسل، وإنما جاء مجددا ومكملا لرسالة الإسلام الخالدة التي بعث بها الأنبياء قبله، وجاءت شريعته ناسخة للشرائع قبله فهي الشريعة الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا نبي بعده كما قال صلى الله عليه وسلم: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين.
ومن هنا كان لا بد من تبليغ دين الله تعالى لعباده، وإقامة الحجة عليهم دون إكراه عليه من أحد أو منع من أحد؛ فمن شاء منهم بعد ذلك آمن به، ومن شاء كفر به، حتى لا تكون لهم بعد ذلك حجة على الله ولا على رسله وأتباعهم كما قال تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء:165}
ومن هذا المنطلق كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يرسل الرسائل إلى الملوك والأمراء، ويقول لهم: تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ {آل عمران:64} وقد حمل صحابته الكرام ومن تبعهم هذا الدين إلى شعوب الأرض لنفس الغرض، فكانوا يقولون لهم: جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، فمن استجاب لهم فله ما لهم وعليه ما عليهم، ومن سالمهم وخلى سبيلهم لتبليغ رسالة الله تركوه وشأنه، ومن وقف في طريقهم ومنعهم من تبليغ رسالتهم قاتلوه حتى يوصلوا رسالتهم إلى عباد الله.
وبما أن الإسلام دين الفطرة الذي يلبي حاجات النفس البشرية الظاهرة والباطنة، المادية والروحية، وقد حمله رجال مخلصون صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وطبقوه على أنفسهم وفي واقع حياتهم، فقد انجذب الناس إليه بمختلف طبقاتهم وأجناسهم وألوانهم انجذاب السيل إلى المنحدر، فدخلوا في دين الله أفواجا.
فهذا هو السر في انتشار الإسلام حقيقة، وليس حد السيف كما يزعم أعداؤه.
وأما كون الإسلام شطب كل ما جاء قبله ما عدا الديانات الوثنية فغير صحيح، ويبدو من خلاله أن المعلومات التي عند السائل عن الإسلام مشوهة، فالوثنيون هم أبعد الناس عن الإسلام وأهله، بخلاف أهل الكتاب (اليهود والنصارى) فإنهم أقرب إلى المسلمين من غيرهم، وقد خصهم الإسلام بجملة من الأحكام دون غيرهم من أصحاب الملل والنحل الأخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1430(7/54)
مسائل حول القتال في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[تحيه وبعد
إشارة إلى الفتوه رقم 113888 فان المقصود من السؤال هو:
1- الفتوى رقم 39284 أن ديننا الإسلامي لم ينشر بحد السيف ولكن ماذا يقصد بها إن رفض أن يدخل في الإسلام ودفع الجزية فعليهم القتال.
2-الفتوى رقم 76362 هل الإسلام نسخ جميع الديانات السابقة كما جاء في الفتوى وفي التحديد السطر الأخير
3- الفتوى رقم 73832 والمتضمن أن الفتوحات الإسلامية إنكم ذكرتم وفي التحديد وفي السطر الأخير أيضا أن فكرة انتشار الإسلام جاءت من أعداء الإسلام ولكن نرى بعكس ذلك حيث إن القرآن الكريم والأحاديث الشريفة تدعو إلى قتال غير المسلم كما تبين لنا من الفتوى رقم 39284 و73832 و76362
هذا هو المقصود أرجو الإيضاح ولكم مني كل شكر ومحبة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك أولا على دخولك على موقعنا واطلاعك على ما فيه ونسأل الله تعالى أن ينفعك بما فيه.
وأما بالنسبة للسؤال الأول فجوابه من خلال نفس الفتوى التي أشرت إليها وهو أنهم يقاتلون حتى يدخلوا تحت سلطان المسلمين حتى يتمكن المسلمون من الدعوة إلى الإسلام من غير عوائق تحول بينهم وبين القيام بذلك، فتبين بذلك أنهم لا يقاتلونهم من أجل إكراههم على الدخول في الإسلام.
وأما السؤال الثاني فجوابه أن الإسلام قد نسخ جميع الأديان السماوية السابقة، فبعد مجيء الإسلام لا يقبل الله تعالى من الناس دينا سواه، وانظر أدلة ذلك بالفتوى رقم: 7299.
وبخصوص السؤال الثالث: فجوابه مضمن في الإجابة على السؤالين السابقين وهو أن القتال لم يشرع في الإسلام من أجل القتال أو تشوفا إلى سفك الدماء كما قد يحصل من بعض الطغاة والجبابرة، وإنما شرع القتال في الإسلام من أجل أهداف سامية وغايات نبيلة فيها خدمة للبشرية ورحمة بالإنسانية، ولهذا وضع الإسلام للقتال من الأسس والآداب ما لا يوجد في غيره من الشرائع، ولمزيد الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 112625.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1429(7/55)
انتماء المسلم للبلد الذي نشأ فيه وحبه له
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر فى هذه الأيام كره الأفراد لبلادها بسبب ما يرونه من فساد وأحوال لا تسر أحدا, جاءتني فكرة أن أبحث عن مواقف انتماء في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشرها, فلا أعتقد أن أحداً لاقى من أهله مثل ما لاقى الحبيب المصطفى ومع هذا لم يفقد انتماءه, فأسأل الله أن تساعدوني في ذكر مواقف تدلل على انتماء رسولنا الكريم؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما ينبغي التنبه له أولاً أن ديار المسلمين كلها ديار للمسلم، فينبغي أن يكون ولاؤه لها ولأهلها من المسلمين، كما سبق وبينا ذلك في الفتوى رقم: 38887.
وأما الشر والفساد فيجب على المسلم أن يبغضه ويبغض أهله في أي مكان كان وأي زمان كان، لأن هذا من مقتضى الإيمان، فمن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، ومع ذلك يبقى حبه لبلاد المسلمين يدافع عنها وعن أهلها ضد أعدائها.. ومما يدل على انتماء النبي صلى الله عليه وسلم لبلده المسلم ما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته وإن كانت دابة حركها.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه هذا الحديث: وفي الحديث دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه. انتهى.
وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد وانقل حماها.
وقد يحب المرء البلد الذي نشأ فيه، وهذا مركوز في أصل فطرة الإنسان، روى الحاكم في المستدرك والطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمكة: ما أطيبك وأحبك إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك.
وروى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم.
قال ابن عبد البر في التمهيد ونقله عنه الحافظ في الفتح: وفيه دليل على قطع الذرائع في المحرمات لأن سعداً وإن كان مريضاً فربما حمل غيره حب الوطن على دعوة المرض فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم. انتهى..
هذا ما تيسر لنا كتابته لك وبمزيد من البحث في كتب السنة وشروحها قد تجدين كثيراً من النصوص بهذا الشأن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(7/56)
الالتزام بأحكام الشرع لا يتنافى مع يسر الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[فيه بعض الناس يقولون إن حلق اللحية حرام، وأن من لا يصلي لا فائدة من صومه في رمضان، وأن من لا يقصر قميصه هو في النار، ومن ناحية أخرى يقولون إن هذا الدين يسر, فماهو ردكم على هذه الأقاويل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن المرجع الأساسي الذي تستمد منه أحكام الشرع بالتحليل أو التحريم هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالهدى في هذين المصدرين.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء:59} .
والرد إلى الله تعالى هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إلى سنته.
وقد ثبت بأدلة من السنة أن حلق اللحية محرم، وقد ذكرنا جملة من هذه الأدلة بالفتوى رقم: 2711. وكذلك الحال في تحريم إسبال الإزار، وقد بينا أدلته بالفتوى رقم: 15431.
وأما القول بأن من ترك الصلاة لا فائدة من صومه فهذا مبني على القول بأن من ترك الصلاة يكفر كفرا مخرجا من الملة، وقد ذهب إلى هذا جماعة من العلماء، وهو قول وجيه له اعتباره، ولكن أكثر العلماء على أنه لا يكفر، وعلى قول هؤلاء يكون صومه صحيحا، وراجع فتوانا رقم: 6839.
ومما يهم أكثر هنا أن تعلم أن الذهاب إلى هذه الأقوال التي ذكرت لا يتنافى مع القول بيسر الدين، فإن هذا الدين يسر في أصل أحكامه، وييسر للناس في الأحكام إذا طرأت مشقة، ولكن قد يظن بعض الناس أن في الحكم المعين تشددا، والسبب في ذلك أنه قد أتى بما يخالف هواه، أو يخالف ما عليه مجتمعه وبيئته فيصعب عليه تطبيقه، ولكنه إذا أقدم بصدق وإخلاص على الالتزام به وجد فيه يسرا وتسهيلا، وصدق الله تعالى حيث قال: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {الليل: 7،6،5} .
وما الضرر على المرء في إعفاء لحيته أو تجنب إسبال إزاره والالتزام بصلاته حتى نقول إن هذا يتنافى مع يسر الدين، إن من يقول بمثل ذلك إنما يريد إسقاط التكاليف بالكلية وذلك معناه الخروج من الدين والعياذ بالله، ولمعرفة مفهوم التشدد المذموم راجع الفتوى رقم: 21149.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1429(7/57)
البطالة تضر بالفرد والمجتمع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح قول الإمام الغزالي: البطالة جريمة خلقية واجتماعية تصاب الأمم من جرائها بشر مستطير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن البطالة وهي ترك العمل والتكسب من القادر على ذلك مرض خطير، تترتب عليها كثير من الأضرار على الفرد في نفسه وفي مجتمعه، فإن بطالته تكسبه كثيرا من السلوك السيئ، فربما سرق أو نهب أو احتال على الناس من أجل أن يحصل على ما يريد من مال فيسوء بذلك خلقه ويتضرر منه مجتمعه.
ومن هنا فقد جعل الإسلام سبلا للقضاء على البطالة فحث على الكسب وذم الجلوس عن العمل وسؤال الناس ويمكنك أن تراجع في هذا الفتويين: 58722، 61995.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(7/58)
أول من أسس بيت المال في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول من أنشا بيت مال في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أول من أقام بيت المال في الإسلام هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي وغيره..
ففي بداية الدولة الإسلامية لم يكن هناك بيت مال بالمعنى الذي عرفه المسلمون في عهد عمر رضي الله عنه فكانت سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقوم على تقسيم الأموال وإنفاقها في وجوهها نظراً لقلتها وحاجة الناس إليها وعلى هذا النهج سار أبو بكر وعمر في صدر من خلافته حتى اتسعت الدولة شرقاً وغرباً وتشعبت أمورها وكثرت إيراداتها ... فأنشأ لذلك بيت المال ودون الدواوين وكان ذلك في السنة الخامسة عشر وقيل سنة عشرين، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 95339.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(7/59)
الحكمة من ختم الرسالات برسالة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أسئلة أرجو من حضرتكم الإجابة عليها بسرعة وأنا الحمد الله أؤمن بالله ولكن لا أستطيع أن أجيب أحد أقاربي الأعزاء وعنده مشكلة عقائدية وعنده بعض الأسئلة 1.لماذا سبق نزول القراّن التوراة والإنجيل ولم ينزل القران فورا لوحده.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال لم يتضح لنا المقصود منه حتى يتسنى لنا الجواب عنه كما ينبغي، لكن نقول: إن لله تعالى الحكمة البالغة في تدبيره لأمور خلقه، وقد قدر الله تعالى أن يكون رسوله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأن ينزل عليه القرآن الكريم.
ففي الحديث: إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم عليه السلام لمنجدل في طينته. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقد ذكر أهل العلم أن البشرية مرت بمراحل من التطور حتى وصلت إلى النضج في الأخير، فناسب أن تكون الرسالة الخاتمة في هذه الفترة التي بلغت فيها البشرية مرحلة النضج، وكانت الرسالات السابقة مناسبة للفترات التي جاءت فيها، وراجع الفتوى رقم: 65890، والفتوى رقم: 25449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1429(7/60)
السبيل إلى بناء مجتمع محافظ على هويته الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن كيفية بناء مجتمع مسلم خال من جميع المعتقدات الغربية والتي أصبح تأثيرها واضحا على معظم أبناء الأمة الإسلامية وكيفية توجيه هؤلاء الناس إلى الفكر المستنير والطريق المستقيم لبناء مجتمع مسلم قادر على مواجهة الكفر بأساليبه وأفكاره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا فتوى مهمة عن وسائل الحفاظ على الهوية الإسلامية، بينَّا فيها بعض الأمور العملية التي تحفظ الشخصية الإسلامية، وتعين إخواننا في فلسطين بالذات على عدم التأثر باليهود الذين يعيشون معهم. وهي برقم 27185.
كما سبق أن بينَّا أن قضية الهوية من مقومات التميز والبقاء للأفراد والأمم، وذلك في الفتوى رقم: 55038.
وسبق لنا كذلك الحديث عن الغزو الفكري ومعناه وأهدافه ووسائله وكيفية مواجهته، وبعض مؤلفاته، في الفتويين: 27156، 75910.
وسبق أيضا بيان أسباب الانحراف ومظاهره، وعلاجه الذي يكمن في شيء واحد، وهو التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة، منهجا وأخلاقا، علما وعملا. دعوةً وفكرا، وذلك في الفتوى رقم: 17114.
وكذلك سبق لنا بيان مقومات غرس العقيدة الإسلامية الصحيحة، والدلائل التي سلكها القرآن في غرسها، في الفتويين: 97627، 56067.
ولا يخفي ما لوسائل الإعلام من دور فعال في إصلاح أو إفساد المجتمعات المعاصرة حيث أصبحت في الأعم الأغلب هي وسيلة المعرفة والثقافة والعلم والتربية والتعليم، وقد سبق لنا بيان ضرورة وفرضية توجيه هذه الوسائل نحو الفضيلة والإصلاح قدر المستطاع، وذلك في الفتوى رقم: 7113.
فإذا طالع السائل الكريم مجموع هذه الإحالات السابقة اتضح له المنهج الذي يقوم عليه بناء مجتمع مسلم خال من جميع الانحرافات العقدية والفكرية، وإن كان لابد من تلخيص هذه المقومات فما علينا إلا أن نقرأ هذه السورة الفذة الوجيزة: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) فلابد من قيام طائفة من هذه الأمة بحمل هذا الواجب من تعلُّم دين الله كما أنزل، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على ذلك، كما قال تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ {التوبة: 122} وقال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران: 104} .
وأما صياغة ذلك في شكل خطوات عملية فهذا يختلف بحسب الأشخاص والظروف المحيطة والإمكانيات المتاحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(7/61)
التمسك بالإسلام ولغته وثقافته ونبذ التعصب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقف الإسلام مما تتعرض له بعض الشعوب من محو وطمس لهويتها وقتل لغاتها التي ميزها الله بها وتحريف تاريخ أجدادها؟ وما موقف الإسلام من نظام لا يحكم بما أنزل رب الكون-والعياذ بالله-.نظام تعمد قتل لسان شعب بريء لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟ أليست اللغات آيات من آيات العليم الحكيم؟ لمادا قتلها عمدا بغير حق؟
ولا أخفي عليكم أني أمازيغي مسلم وأغار على ثقافتي وعلى هويتي الأمازيغية، كما أغار كثيرا على ديني الحنيف الذي أكرمني الله به وجميع المسلمين، وأحافظ على صلاتي في المسجد، وأعتقد أن هذا أمر طبيعي وفطري, وكل واحد منا يغار بل يجب عليه أن يغار على دينه وأصله.
كما أعتقد أن ديننا الكامل والمتسامح لا يفضل لغة على أخرى ولا لونا على آخر ولا جنسا على آخر، فالكل متساو عند الرحمن, وكلنا عباد الله سبحانه وتعالى، وقد خلقنا مختلفين وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف، وجعل الفرق بيننا في التقوى كما جاء في كتاب الله، كما أن اختلاف الألسنة والألوان آية من آيات الله، والأحاديث والآيات كثيرة في هذا الاتجاه.
ولكم مني جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا تعريف الظلم وبيان عقوبته في الفتوى رقم: 11885، كما سبق أيضا بيان أن الحكم بغير ما أنزل الله يتردد بين أن يكون كفرا أصغر أو كفرا أكبر بحسب حال الحاكم ـ في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35130، 1808، 32864.
وكذلك سبق أن تناولنا قضية الأمازيغيين والظلم الواقع عليهم، في الفتوى رقم: 8244.
وأما قضية اللغة والثقافة والتراث، فلا يظهر فيها الإشكال إلا مع ضعف الانتماء للإسلام بمنهجه الكامل، الذي يملأ على المسلم حياته ظاهرا وباطنا، عقيدة وشريعة، ولاء وبراء.... فدين الله تعالى ينبغي أن يكون عندنا بكل مقوماته ومقتضياته هو الأساس الذي نقدم به ونؤخر، نحب به ونبغض، نقبل به ونرفض، وعندئذ تتحقق الألفة بين المسلمين كما تحققت بينهم في صدر الإسلام، قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {الأنفال: 62-63} وقال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {ل عمران: 103} .
ولا ريب أن اللغة العربية من أهم عوامل الوحدة بين المسلمين، ويكفي في ذلك أن نتذكر كيف تعامل المسلمون الجدد في عصر الفتوحات الإسلامية مع اللغة العربية، وكيف كان دخولهم في الإسلام قرينا لإقبالهم عليها، تعلما وتعليما، وتحدثا وكتابة، ولا غرابة في ذلك إذ أصبحت هي لغة دينهم الذي لا يمكن فهمه ولا تطبيقه إلا بهذه اللغة التي اصطفاها الله للرسالة الخاتمة، فالمسلم يحتاج إليها في فهم القرآن والسنة، وأداء العبادات كالصلاة والأذان وغير ذلك. فهي اللغة التي اختارها الله لأعظم كتبه وأفضل رسله، وقد قال الله تعالى في كتابه: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ {النحل:103} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية، عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه. وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب عليه. واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، كمعرفة معنى الشهادتين وما لا يتم العبادة الواجبة إلا بمعرفته ومنها ما هو واجب على الكفاية، وهو ما زاد على ذلك وهذا معنى ما رواه ابن أبي شيبة أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي.
وفي حديث آخر عن عمر أنه قال: تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم.
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله. انتهى باختصار يسير من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم ص 207.
فالاعتزاز بالإسلام وتاريخه ولغته وثقافته مطلب مهم لبقاء هذا الدين ووحدة أتباعه، ولا يعني هذا أنه يحرم على المسلم أن يحب وطنه وقومه، ويتعرف على تاريخهم، ولكنه يعني أن ذلك كله ينبغي أن يصهر في قالب الإسلام بحيث لا يتعارض معه، ثم لا حرج على المسلم في أن يتحدث باللغة الأمازيغية أو غيرها من اللغات إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أما إذا لم تكن هناك حاجة، كأن يكون المسلم يعيش بين عرب وهو قادر على الحديث بالعربية، فيكره له كراهة شديدة. وقد سبق ذكر هذا في الفتوى رقم: 33344.
فقول السائل الكريم: أعتقد أن ديننا الكامل والمتسامح لا يفضل لغة على أخرى، ولا لونا على آخر ولا جنسا على آخر. لا يصح إطلاقه في مسألة اللغة كما تقدم، ويمكن أن تراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28432، 25876، 27842.
وأما كون الإسلام لا يفضل لونا على لون، ولا جنسا على جنس، فهذا حق صرف، فَعنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، قَالَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم أيضا فِي أوسط أيام التشريق فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى. رواه أحمد وأبو نعيم والبيهقي، وصححه الألباني.
ويجدر بنا أن ننتبه إلى أنه يجب الحذر من أي دعوة إلى العصبية المذمومة، سواء كانت دعوة إلى قومية أو قبلية أو غيرها من دعاوى الجاهلية، فالتعصب للعرق أو للجنس أو للوطن أو لأي شيء من العصبية المذمومة هو من دعوى الجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني.
وفي الصحيحين أن غلاما من المهاجرين وغلاما من الأنصار اقتتلا، فنادى المهاجر: يا للمهاجرين. ونادى الأنصاري: يا للأنصار. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟!! دعوى أهل الجاهلية!! وفي رواية: دعوها فإنها منتنة. فرغم أن كلا من مسمى المهاجرين ومسمى الأنصار مسمى شرعي فإن النبي صلى الله عليه وسلم عد ذلك دعوى الجاهلية؛ لأنه دعوى إلى التعاضد والتناصر باعتبار هذا الانتماء لا باعتبار الحق والباطل.
أما إذا كان الانتساب للقبيلة أو الجماعة أو الوطن لمجرد التعارف والتعاون، لا التفاخر والتشاجر، فلا مانع من ذلك. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 27966.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(7/62)
المقاصد العامة للشرائع السماوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المقاصد العامة للشرائع السماوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
المقاصد العامة للشرائع السماوية خمسة هي:
1- حفظ الدين.
2- حفظ النفس.
3- حفظ النسل.
4- حفظ العقل.
5- حفظ المال.
وهذه المقاصد محفوظة ومشروعة في كل ملة كما قال علماء الإسلام. قال الشاطبي في الموافقات وشيخ الإسلام في الفتاوى وغيرهما. وقد فصلنا القول فيها في الفتاوى التالية: 49522، ورقم: 27000، ورقم: 55970.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1429(7/63)
ماهية الحرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا القول: نحن كمسلمين لا يجوز استخدام مصطلح الحريات أبدا حتى لو كان المقصود ما هو مبني على العقيدة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ الحرية قد يطلق ويراد به الحرية الإنسانية والتي تحفظ للإنسان كرامته وتصون له عرضه وتحفظ له ماله، فمثل هذه الحرية قد اهتم بها الإسلام ووضع أسسها وقواعدها فهو السابق إليها نهجا وعملا، فعاش الناس في ظلالها، ولا سيما في عصور الإسلام الأولى والتاريخ خير شاهد على هذا فلا حرج في استخدام لفظ الحرية مرادا به هذا المعنى.
وقد يطلق لفظ الحرية ويراد الحرية البهيمية والتي حقيقتها الانسلاخ عما جاء به الشرع وسلب الإنسان كرامته وجعله يعيش حياة حيوانية يشبع بها نزواته ويرضي بها ميوله ورغباته، فهذه الحرية قد يتشدق كثير من الناس بالدعوة إليها وترغيب الناس فيها، وهذا لا يقره الشرع بل يأباه وينفر منه أشد التنفير.
ولمزيد الفائدة يمكنك مطالعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3642، 29373، 36616.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1429(7/64)
التعاون مع الكفار فيما فيه مصلحة تعود على المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ {التمويل الأوروبي لمؤسسات إسرائيلية وفلسطينية لحل المشاكل البيئية}
أنا موظفة في مؤسسة فلسطينية تعمل في مجال البيئة، حيث إنه يوجد تعاون مشترك بين مؤسستنا وبين مؤسسة إسرائيلية في التقليل من المخاطر البيئية لأن التلوث لا يعرف حدودا، وقد سمعت أن هذا يدخل في الحرام من ناحية الشريعة الإسلامية تحت اسم التطبيع، مع أننا نخدم أبناء شعبنا في إظهار المشاكل البيئة والتلوث ... الخ ووضع الحلول وكيفية حماية أطفالنا ومجتمعنا، وخاصة من المستوطنات الإسرائيلية التي تتخلص من المياه العادمة في الأراضي الفلسطينية، حيث نقوم بإبلاغ الجهات المعنية من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي (وزارة البيئة) يعني بالمختصر المفيد نعمل أبحاثا ودراسات ونظهرها لهم وذلك لا يتم إلا بالتنسيق مع مؤسسات ووزارة البيئة الإسرائيلية وبالتالي الممول الأوروبي يشترط علينا التعامل مع المؤسسة البيئية الإسرائيلية للتعاون وحل جميع القضايا التي تخص البيئة، هل يجب عدم التعامل مع الجانب الآخر؟ وإذا كان حراما فيكف لنا كمؤسسة بيئية غير ربحية تعتمد على التمويل الأوروبي في حل القضايا البيئية ولا يوجد بديل عنهم في حل مشاكلنا، من سيدعمنا في حقنا بالوجود والدفاع عن مطالبنا وحمايتنا من الناحية البيئية (لا بديل) الرجاء الرد ولكم جزيل الشكر والعرفان، وبارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتعامل مع العدو الصهيوني ـ كبته الله وكفى المسلمين شره ـ إذا كان جلبا لمصلحة ظاهرة تعود على المسلمين، فلا بأس به إن شاء الله، ولا يكون هذا إقرارا بحق العدو في البقاء، ولا تطبيعا للعلاقات معه، وإنما هو من باب دفع شيء من المفسدة أو جلب شيء من المصلحة للمسلمين، دون أي تنازل ولا تعاون على بغي ولا إثم ولا عدوان.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق المشركين المحاربين يوم الحديبية: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا. رواه البخاري.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فوائد قصة الحديبية: جواز بعض المسامحة في أمر الدين واحتمال الضيم فيه، ما لم يكن قادحا في أصله، إذا تعين ذلك طريقا للسلامة في الحال والصلاح في المآل، سواء كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم. انتهى.
وقال السعدي في فوائد قصة نبي الله شعيب عليه السلام: هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها بل ربما تعين ذلك؛ لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان. فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية وتحرص على إبادتها وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم. نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1429(7/65)
حكم كتابة شعارات إسلامية على الملابس بالعربية أو الإنجليزية
[السُّؤَالُ]
ـ[في حملة الدفاع عن رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام , بالمقاطعة للمنتجات ونشر دعوته, فهل طباعة الكلمات أو الشعارات المدافعة عن الرسول على ظهر بعض الملابس بالإنجليزيه أو العربية.. كما رأيت في بعض الألبسة الرياضية من جاكيتات وغيرها ,, يكتب خلفها كلمات دفاعية عن حجاب المرآه كـ "مؤيد الحجاب" "إلا رسول الله" "قراءة القرآن طريقك إلى الإيمان" وعادة ما تكتب بالإنجليزيه ".
فهل يعتبر هذا العمل من المناصرة لدين الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
اعتزاز المسلم بدينه ورفع شعاره في المحافل والمناسبات.. يعتبر من مناصرة دين الله والدفاع عن نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يتمسك بدينه في كل زمان وكل مكان وأن يكون معتزا به، وينبغي أن يكون رافعا شعاره في كل مناسبة وداعيا إليه بكل وسيلة مشروعة وفي كل فرصة مواتية.. ويعتبر نفسه مرابطا على ثغر من ثغور الإسلام؛ فلا يؤتين الإسلام من قبله.
فإذا كان الآخرون يعتزون بباطلهم ويدافعون عنه ويرفعون شعاره؛ فلا شك أن المسلم أولى بالدفاع عن دينه ونبيه ومقدساته ورفع شعاره؛ وقديما تعجب الإمام علي كرم الله وجهه من اجتماع أهل الباطل وقوتهم في باطلهم، وتفرق أهل الحق وضعفهم عن حقهم.
ولذك؛ فلا شك أن ما ذكره السائل الكريم يعتبر من نصرة الدين والاعتزاز به؛ فهو من الوسائل التي لها حكم المقاصد كما هو مقرر عند أهل العلم. ولكنه يتعين الحرص على حماية ما فيه اسم الله من الامتهان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1429(7/66)
حكم الهروب من دوريات الأمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الهروب من دوريات الأمن وتعريض الضرورات الخمس للخطر ... وما هو التعريف الجنائي في الشريعة.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا الهروب دفعا لظلم يخشى وقوعه كمطالبته بغرامة بغير وجه حق أو تهديده بسجن بغير موجب شرعي ونحو ذلك فلا حرج في ذلك، وإن كان دفعا لحق مترتب عليه أو كان خوفا من مساءلة على منكر أو جريمة أو خطأ معتبر شرعا فيحرم، وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 34484، حكم فرض غرامة من قبل الدولة على من يخالف قوانين السير وأن ذلك من باب التعزير بالمال، وقد منع من ذلك جماهير أهل العلم وأجازه بعض أهل العلم، وراجع أيضا الفتوى رقم: 67414، والفتوى رقم: 19490، والفتوى رقم: 1961
وأما التعريف الجنائي فلم يتضح لنا ماذا تقصد فإن كنت تقصد الجناية فتعريفها كما جاء في الفتاوى الهندية: هي في الشرع اسم لفعل محرم سواء كان في مال أو نفس، لكن في عرف الفقهاء يراد بإطلاق اسم الجناية الفعل في النفس والأطراف والأول يسمى قتلا وهو فعل من العبادة تزول به الحياة والثاني يسمى قطعا وجرحا. اهـ.
وإذا كنت تقصد شيئا آخر فنرجو موافاتنا بمقصودك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1429(7/67)
حكم استيلاء الدولة على الأرض المتنازع عليها بين الورثة
[السُّؤَالُ]
ـ[قطعة أرض متنازع عليها من قبل الورثة قامت الدولة بأخذها فهل كون الأرض متنازعا عليها يبيح للدولة أخذها أم أن ذلك ليس من الشروط المبيحة لذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى حرم الأموال المعصومة إلا بالحق، فقال: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ {البقرة:188} ، وفي الحديث: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ... رواه مسلم.
وفي الحديث أيضاً: من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين. رواه البخاري ومسلم.
وهذه النصوص تتناول الدولة والأفراد فلا يحل للدولة أن تستولي على أرض أحد إلا بوجه شرعي، وليس في تنازع الورثة على أرض سبب يبيح للدولة أن تنزعها منهم، بل الواجب على الدولة الحكم بين المتنازعين بالحق وقسمة هذه الأرض بينهم حسب أنصبتهم الشرعية في الميراث، قال تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ {النساء:58} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1429(7/68)
التمييز العنصري في منظار الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نأمر بالمعروف وننهى عن المنكرعندما نقابل أناسا يعاملون الناس بالتمييز العنصري، كيف نمنع التمييز العنصري ببينا وبين الناس وكيف نمنع أيضا هؤلاء الأشخاص الذين يعاملون فئة من البشر بالتمييز العنصري، أفيدوننا أفادكم الله من السيرة النبوية والقرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات:53} ، فهذا حكم من له الحكم وقضاء من لا معقب لقضائه ولا نقض لأمره، وخلاف هذا من التمييز العنصري لونا وجنسا ونسبا وبلدا كله باطل جاهلي جاءت شريعة الإسلام بدفنه وإنهاء مظاهره المسلحة بسلاح الجاهلية، والأدلة من القران والسنة على إذابة الفروق العنصرية كثيرة جدا، منها قوله صلى الله عليه وسلم: والناس بنو آدم وآدم من تراب
وقال: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم.
وقال: يا فاطمة انقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا. أخرجه مسلم.
وقال لأهل بيته: لا تأتيني لناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم. أخرجه أحمد.
والواجب بيان هذه النصوص وغيرها الموضحة لذلك بالموعظة الحسنة والحكمة البليغة، ومنع هؤلاء الذين يعاملون الناس بكبر وعنصرية يكون ببيان قول الله ورسوله في ذلك، فلعلهم يرعوون عن هذه الأمور المخالفة.
ويكون أيضا بتوعية المجتمع وتعليمه الإخاء الذي أمرنا به في ملتنا المعصومة، وبتكرار ذلك ومعاينته ببصيرة بالغة وحجة ظاهرة وأسلوب حسن وسيكون هناك أثر مملوس إن شاء الله تعالى.
هذا وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قواعد منها.
1ـ أن يكون أمر متفق على تحريمه.
2ـ أن يكون بالحسنى.
3ـ ألا يؤدي إلى أنكر منه.
4ـ ألا يكون مما اختص به ولي الأمر.
5- وأن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1429(7/69)
التعاون مع بعض اليهود ضد بعض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك من حرج في التعاون بين المسلمين واليهود ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن هؤلاء اليهود مناهضون للحركة الصهيونية وغير محاربين للمسلمين، فهل يجوز هذا التعاون من وجهة نظر الإسلام، وما حدود هذا التعاون بين المسلمين واليهود؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز التعامل بين المسلمين وبين اليهود في سبيل تحقيق أمر تتعلق به مصلحة للمسلمين أو مصلحة لكلا الطرفين كما جاءت بذلك السيرة النبوية في الوثيقة التي وادع فيها النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بالمدينة والتي ذكرها ابن إسحاق في مغازيه ونقلها عنه ابن كثير في البداية والنهاية، ومما جاء في هذه الصحيفة: وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة. انتهى.
وعلى هذا فالأصل أنه لا حرج في التعاون مع اليهود، ولكن بما أن الأمر الوارد في السؤال يتعلق بالتعامل مع بعض اليهود ضد البعض الآخر منهم فينبغي الحذر من أن يكون الهدف جر المسلمين إلى ما قد يكون فيه ضرر عليهم، والمؤمن كيس فطن، فلا ينبغي أن يخدع.
وهذا التعامل يكون في كل أمر تتعلق به مصلحة للمسلمين ولا يلحقهم منه ضرر، وراجع الفتوى رقم: 56454.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(7/70)
الأحق بأرض فلسطين في منظار الشرع والدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أرض فلسطين حسب ما ورد في سورة البقرة أنها تعود إلى بنى اسرائيل اليهود وهي من حقهم لأن الله أمر موسى ومن بعده يوشع بن نون بدخولها ومحاربة أهلها الكنعانين أجداد الفلسطينين..
أفيدونا من الناحية الشرعية والتاريخية.... وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دعا موسى قومه للذهاب للأرض المقدسة فقال: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ. {المائدة:21} .
وليس معنى هذا أنها لهم على التأبيد باعتبارهم بني إسرائيل بل إن الأرض لله يورثها من شاء من عباده المؤمنين المتقين ويستخلفهم فيها ليعبدوه ويقيموا دينه عليها، كما قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55} .
ولذلك مكن الله لليهود فيها فترة فلما عصوا وكفروا وقتلوا الأنبياء والآمرين بالقسط سلط عليهم بختنصر، ثم كانت الأيام دولا بين عدة أقوام حتى مكن الله للمسلمين فيها أيام خلافة عمر، فالحق فيها لمن آمن بالله وأطاعه واتبع الرسل، وليس لمجرد كونه من بني إسرائيل، هذا مع العلم أن اليهود الموجودين حاليا أكثرهم ليسوا من بني إسرائيل.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76492، 56503، 28089، 13679، 94143، 32949، 106746.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1429(7/71)
حق المرء في اتخاذ القرار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوقي في اتخاذ القرار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبما أن هذا السؤال مجمل فسنجيب عليه بالإجمال، فمن الحقوق الشرعية التي كفلها هذا الدين العظيم للإنسان العاقل الرشيد هي الحرية التامة في اتخاذ القرارات والتصرفات ... في نفسه وماله.. بما لا يخالف الشرع أو يضر بالآخرين، فإن الله تعالى يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36} .
وقال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ.
وقال بعض الحكماء: أنت حر ما لم تضر، وحريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1429(7/72)
إغاثة غزة ونصرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فإني اسألكم ما هو حسب نظركم السديد الطريقة الأحسن والأمثل في عصرنا هذا التي تأتي بنتيجة محسوسة وملموسة للدفاع عن رسولنا صلى الله عليه وسلم ولنغيث غزة التي تستغيث التي هي جزء من فلسطين منذ ستين سنة وعلى من يحق هذا الدفاع ومن هو المسؤول والأولى به حسب نظامنا العصري الحالي هل هم الضعفاء منا مثلاً إني لا أفهم شيئا لقد دخل العرب وخرجوا للمرة الألف بعد اجتماعهم كل واحد منهم تحت إبطه خفى حنين وباقي المسلمين أليسوا بمسؤولين عن القضية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذين الموضوعين موضوعان هامان كبيران.. وكل الأمة مسؤولة عن بذل أقصى ما يمكنها بذله من الطاقة، فليجد كل بنفسه وماله وعبقريته وذكائه ومهارته وقلمه مع الإكثار من الدعاء وتحريض المسلمين على التمسك بدينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعلى إعانة ونصر إخوتهم المسلمين المستنصرين لهم بلسان الحال والمقال وعلى معاداة ومقاطعة الظالمين وأعوانهم سياسياً واقتصادياً وغير ذلك، ولا شك أن كل من كان ذا طاقة وفعالية أكبر من غيره تقع المسؤولية عليه أكثر فكل مكلف بما في وسعه.
فالخطيب المفوه وصاحب القلم السيال أكثر مسؤولية من غيره وذو المكانة المطاع والمسموع الكلمة أكثر مسؤولية من غيره، وليست المسألة خاصة بالعرب ولا بالسلاطين -وإن كان الدور المناط بهم أكبر- بل إن المسألة مسألة جميع الأمة الإسلامية، وقد كتبنا في الموضوع كثيراً من الفتاوى والمقالات فنرجو التكرم بتصفح الموضوعات والمقالات المندرجة ضمن موضوع (إلا رسول الله) وموضوع فلسطين وهما موجودان على الصفحة الرئيسية، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47694، 32949، 71157، 8509، 74500، 71469، 75447، 3671، 16428، 41227، 57997، 7334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(7/73)
موقف المسلم من القوانين الوضعية المخالفة للشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن اسأل ما حكم الشرع في من يطيع القوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية وهو يعيش فى بلاد الإسلام ولا يريد إلا أن يتحاكم إليها، وإن كان يعلم أن شرع الله أفضل وأحكم؟
أ- وما حكم من يطيعها اعتقادا أنها زيادة للخير له واتباعا لهواه؟
ب - وما حكم من يطيعها للانتصار لرأيه فقط رغم خسارته المادية لذلك؟ وما حكم من يطيعها من أجل رضاء عشيرته؟ وما معنى كفر دون كفر – فهل الإنسان المتصف بذلك ما زال موحدا بالألوهية؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من يطيع القوانين الوضعية استحلالاً لها، أو جحوداً لأفضلية الشريعة الإسلامية عليها، فإنه كافر كفراً أكبر، ومن يطيعها معتقداً وجوب الحكم بما أنزل الله ولكن غلبه هواه فهو فاسق، وهذا هو الكفر الذي دون الكفر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من يطيع القوانين الوضعية له حالان:
1- أن يطيع تلك القوانين استحلالاً لها، أو جحوداً لأفضلية الشريعة الإسلامية عليها، فهذا كافر كفراً أكبر والعياذ بالله.
2- أن يطيعها معتقداً وجوب الحكم بما أنزل الله، ولكن غلبه هواه فأطاع تلك القوانين في قضية أو قضايا معينة، مع اعترافه بخطئه وإثمه، فهذا كافر كفراً أصغر لا يخرج عن الملة، وهذا هو المقصود بقول ابن عباس رضي الله عنهما: إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه إنه ليس كفراً ينقل عن ملة: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} كفر دون كفر.
وعليه، فمن يطيع القوانين الوضعية ولا يريد إلا أن يتحاكم إليها، وهو يعلم أن شرع الله أفضل وأحكم، أو يطيعها للانتصار لرأيه فقط، أو من أجل إرضاء عشيرته أو تبعاً لهواه ... وهو في كل ذلك يعتقد أن شرع الله أفضل منها، فإنه لا يعد كافراً، ولكنه فاسق تجب عليه المبادرة إلى التوبة.. ومن يطيع هذه القوانين معتقداً أنها أفضل له وأكثر خيراً، فإنه كافر خارج عن الملة، والعياذ بالله من كل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1429(7/74)
موقف الإسلام من مشكلة الغلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[مشايخنا الكرام: رسالة الإسلام هي الرسالة الخاتمة، ودين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده إلي يوم الدين. هذه الرسالة صالحةُ لكل زمان ومكان ولمخاطبة الجميع وفق أحوالهم المختلفة، وحينما يقف الدين مكتوف الأيدي أمام قضية ما، فهذا لا يعني أبداً نقصا في الدين، ولكنه ينم عن سوء فهمٍ لهذا الدين وعجز علي استخلاص الأحكام منه. وإن كانت المصيبة الكبرى التي ابتليت بها الأمة في الوقت الحالي هي الضعف الشديد والاستضعاف في الأرض، إلا أن هناك أزمات أخرى يتعرض لها المسلمون، بالفعل هي أقل في الأهمية من الأزمة الكبرى إلا أنها أزمات........ ومن هذه الأزمات أزمة الغلاء. هذه الأزمة ربما لا تشعر بها شريحة كبيرة من أبناء المجتمع -- نظراً لظهور هوة طبقية شاسعة بين أفراد المجتمع الواحد - إلا أن تأثيرها يظهر جلياً بين أبناء قطاع كبير من المسلمين (في مصر علي سبيل المثال) ، خاصةً في المجتمعات الريفية البسيطة. وقد ظهرت بوادر هذه الأزمة بالفعل فقد انتشرت السرقات، زاد انحراف الشباب لعدم القدرة علي تكاليف الزواج الباهظة، سادت حالة من التوجس والقلق وعدم الاطمئنان عما سوف يحدث في المستقبل، أصبح التطاحن من أجل الحصول علي لقمة العيش هو الشغل الشاغل وهم الناس الأكبر، وأصبح الغلاء حديث الرجال والنساء والشباب بل والأطفال، لدرجة أن الناس لم يعد لهم حديث إلا على ذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يستطيع الدين أن يعالج مثل هذه الأزمة، وما الذي ينبغي أن يكون عليه الخطاب الديني في مثل هذا الوقت؟ فمشكلة الخطاب الديني مشكلة كبيرة وتحتاج إلي توجيهٍ دقيق حتى يستطيع إقناع الجماهير؟ فلا يعقل أن يكون الخطاب الديني في ناحيةٍ أخري بعيدة عن الواقع الذي يعيشه الناس، فهذا بلا شك سيؤدي بهم إلى حالةٍ من فقدان الثقة في هذا الخطاب، ولا أكون مبالغاً إن قلت، بل وفي الدين كله.
أرجوا من مشياخنا الرد مع ذكر مراجع تفيد في هذا الصدد؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لم يهمل الإسلام مشكلات الغلاء، وإنما عالجها بالحكمة والتوجيه الحسن. فأمر بإنظار المعسر وحث على التصدق عليه، ورغب في السماحة في البيع والشراء والاقتضاء، ونهى عن الاحتكار، وأكد على حب الخير للمسلمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدين الإسلامي قد عالج مشكلة الغلاء، وتنوعت في علاجها أساليبه وخطاباته. من ذلك وجوب إنظار المعسرين والترغيب في التصدق عليهم. قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280} .
ومنه حث الشارع الحكيم على السماحة في البيع والاشتراء والاقتضاء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ". والحديث في صحيح البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
ومنه النهي عن الاحتكار وتربص أوقات الغلاء، فقد جاء في صحيح مسلم: أن معمرا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر فهو خاطئ. قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم (من احتكر فهو خاطئ) وفي رواية (لا يحتكر إلا خاطئ) قال أهل اللغة الخاطئ بالهمز هو العاصي الآثم. وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار. قال أصحابنا الاحتكار المحرم هو الاحتكار في الأقوات خاصة، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة ولا يبيعه في الحال بل يدخره ليغلو ثمنه. اهـ
وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن إيمان المرء لا يكمل إلا بحبه للمسلمين ما يحبه لنفسه. قال صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يجب لنفسه ". متفق عليه عن أنس رضي الله عنه.
وليس الترغيب في السماحة مقتصرا على البائع والدائن فحسب، بل هو للمدين أيضا. روى الشيخان عن أبي هريرة: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ، فهم به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، ثم قال: أعطوه سنا مثل سنه، قالوا: يا رسول الله إنا لا نجد إلا أمثل من سنه، فقال: أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء.
فإذا أحسن الدعاة في توجيه الناس إلى مثل هذه الدروس، فإنه لا يستبعد أن يكون في ذلك مساهمة إلى تذليل أزمات الغلاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1429(7/75)
التحاكم إلى القوانين الوضعية عند الضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع باختصار، نحن نعيش فى بلد أوروبي وقد قامت منذ أسبوعين مرشحة الحزب الجمهورى بسبب الانتخابات بسب الرسول الكريم والطعن فى شرفه الشريف، وأردنا أن نفعل شيئا للرد على هذه المرأة وكان من ضمن الاقتراحات من أحد أفراد الجالية الإسلامية من الذين يعرفون قانون البلد ويفهمونه جيداً وهو بأن نرفع دعوى قضائية ضد هذه المرأة لدى النائب العام كل شخص باسمه وصفته وتشجع كثير من المسلمين لهذه الفكرة وأبدوا تحمسهم واستعدادهم لهذا الأمر لأنهم يريدون أن يفعلوا شيئاً للدفاع عن رسولهم ونبيهم، وعرضنا هذه الفكرة على إمام المسجد وطلبنا منه أن يبلغ المصلين يعد صلاة الجمعة بهذا الأمر، وما إن قام الإمام بتبليغ هذا الأمر إلا أن قام بعض الأشخاص بإنكار هذا الأمر على الإمام واعتبروه من مسائل التحاكم إلى الطاغوت وسارت هناك مشادات ومناقشات حتى إنهم حكموا على الإمام أنه مشرك ومن يصلي خلفه مشرك أيضا، ونحن منذ ذلك الوقت نعيش داخل المسجد فى فرقة وفتنة، والسؤال هو: هل يجوز التحاكم إلى الطاغوت وقت الضرورة وهل تعتبر هذه الحالة ضرورة، وهل يجوز الاستعانة بكافر على كافر، مع مراعاة إننا نعيش تحت حكم بلد غير إسلامي ونحن نريد أن نتحرى الحق ونتبعه ولا نتشدد لأي رأي مخالف لحكم الله ولا لشرع الله اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباظل باطلا وارزقنا اجتنابه. وفقنا الله وإياكم إلى الحق؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأصل أنه لا يجوز التحاكم إلى القوانين الوضعية، لما فيها من مخالفة واضحة ومنابذة شديدة لأحكام الله تعالى التي أنزلها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأوجب التحاكم إليها، هذا هو الأصل. ولكن إذا لم يتمكن المرء من الحصول على حقه إلا بهذا الطريق فقد أفتى بعض العلماء في العصر الحاضر، ومنهم الشيخ ابن العثيمين رحمه الله تعالى بجواز التحاكم إلى هذه القوانين للضرورة، وإذا كان هذا في حق مالي، فأولى إن كان الأمر متعلقاً بعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه.
وبناء على هذا فلا نرى مانعاً من التحاكم إلى هذه القوانين (في مثل هذه الحالة) إن كان من الممكن أن توقف هذه المرأة أو غيرها عند حدها وتحول بينها وبين التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنيل منه، وننبه إلى أن هذه المسألة -نعني مسألة التحاكم إلى القوانين الوضعية في مثل هذه الظروف الخاصة- لا تعدو أن تكون من مسائل الاجتهاد فلا يجوز أن يكفر فيها المسلم أخاه المسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1429(7/76)
خطوات عملية في سبيل ظهور الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[يعني في دولة في المشرق تفرض على النساء الالتزام بالحجاب وفي تقرير في وسائل الاعلام رأيت أن شابة من شابات ذلك البلد تقول لهم وتعني حكومتها إنهم لا يستطعون أن يدخلوها بالقوة إلى الجنة وأن الدين الاسلامي لا يحمل الانسان على ما لا يريده ولكن أنا في ذلك الوقت نفسه تذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كل راع مسؤول عن رعيته ... يعني أن كل حكومة وكل رئيس وحاكم شعب مسؤول عن شعبه وعليه أن يحترم شريعة الإسلام مما يؤدي به إلى فرض كل الفرائض والنقط التي تتعلق بالإسلام وخصوصا في الشرع لكي تنقص الفتن التي تجتاح العالم الإسلامي.
لأني بالفعل تألمت كثيرا عندما ذهبت إلى بلد عربي وعندما أخذت سيارة كان هنالك رجال يشربون الخمر بكل حرية ويقول واحد منهم إنه قرأ القرآن كله ولم يجد ما يحرم الخمر والعياذ بالله أما الثاني فكان يتحدث في شهوة النساء بدون أن يحترموني وأن يحترموا سائق السيارة أمر محزن وخطير يقع في بلد عربي وأنا لم أستطع أن أقول شيئا لأنني كنت خائفا ولم أر مثل ذلك من قبل ولو عرفت أنهم سيشربون لم آخذ تلك السيارة ولكن أؤمن بالقدر خيره وشره وهذه فقط نقطة صغيرة من الفساد الذي رأيته.
السؤال هو ماذا على الدول الإسلامية العربية فعله للتقليل من تلك الفواحش والفتن التي تضربها والتي تزداد كل يوم بعد يوم وأنا اتكلم على كل الدول العربية لأنها في نفس القطار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
في البداية نشكر لك غيرتك على الدين، وبغضك للمنكرات، وحرصك على هداية المسلمين وحب الخير لهم.
ثم اعلم أن الله مظهر دينه ولا شك، ومعل كلمته ولو كره الكارهون، لكن قد جعل الله لكل شيء سببا، ومن أهم أسباب ذلك تكاتف جهود المسلمين حكاما ومحكومين. وأهم ما يجب على الدول الإسلامية والشعوب فعله في سبيل ظهور الدين وعودته ليحكم في واقعنا يتمثل فيما يلي:
1- العودة إلى دينهم عودا صادقا، وذلك بالكف عن المعاصي والإقبال على تعلم أحكام الدين، ومعرفة الحلال والحرام.
2- الالتفاف حول علماء الأمة الثقات الذين عرفوا بصحة المعتقد وسلامة المنهج.
3- الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ونشر الوعي الإسلامي بين جماهير المسلمين وكافة شرائحهم وإظهار وتوضيح محاسن الدين الإسلامي.
4 - تبيين حاجة البشرية الماسة إليه وإلى دولة الإسلام التي تهدي إلى الحق وبه تعدل وتقيم القسط وترفع الظ لم.
5- جمع كلمة العاملين للإسلام وتوحيد صفوفهم ونبذ الخلافات التي بينهم ولمَّ الشمل، ثم التنسيق فيما بينهم في العمل حتى تتكوَّن بإذن الله تعالى قاعدة عريضة مقتنعة بهذا التوجه تكون راسخة القدم، واعية لما تقول وتفعل، ومتحلية بالحكمة والانضباط؛ تستطيع أن توجه وأن تؤثر في المجتمع من حولها وتقوده إلى الإصلاح.
6- الدعاء الصادق بنصر المسلمين وكف شر أعدائهم وإبطال كيدهم وجعل الدائرة عليهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم.
7- أن يتقن كل واحد عمله ويحسن أداء وظيفته وأن يعتبر نفسه على ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتى من قبله، وسينتج عن ذلك ولاشك استغناء المسلمين عن غيرهم من الكفار، ومن ثم يسدون عليهم أكبر أبواب التحكم فيهم وتوجيه سياساتهم بما يريدون.
8- تعود البذل والتضحية وتربية النشء على ذلك مع الصبر وطول النفس واليقين بوعد الله.
فإذا قام كل أحد بما يستطيع القيام به من هذه المسؤولية وبما تتيح له إمكانياته في موقعه بصدق وإخلاص لله تعالى وجد واجتهاد ومثابرة، فسيجعل الله بعد عسر يسرا وسينصر دينه ويعز جنده وأولياءه إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1429(7/77)
لا اعتبار لإعلان المعتوه دخوله في الإسلام ولا لرجوعه عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: فتاة يهودية الديانة أعلنت إسلامها في محكمة شرعية وصدر قرار شرعي بذلك, بعد ذلك رجعت إلى بيت أهلها واستمرت في نمط حياتها اليهودية, بعد ذلك تزوجت مع شاب يهودي وكأنها يهودية, لقد تبين بعد ذلك أن هذه الفتاة تعاني من تخلف عقلي كما قرر الطبيب النفساني وتحمل تقريرا طبيا رسميا وهي الآن تريد ووالدها إلغاء قرار إسلامها بحجة أنها مريضة ومتخلفة عقليا ولا تميز ما تفعل, فهل يجوز للمحكمة التي أصدرت قرار الإسلام أن تصدر قرار إلغاء قرار الإسلام بناء على ما ذكر؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إذا كان تخلف الفتاة العقلي يبلغ درجة العته فإنه ساقط عنها التكليف، وإن لم يكن يبلغ ذلك اعتبرت مسلمة ارتدت عن الإسلام، وليس للمحكمة أن تصدر قراراً بإلغاء إسلامها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إذا كان التخلف العقلي الذي وصفت به تلك الفتاة يبلغ درجة العته أو الجنون فإن صاحبته ساقط عنها التكليف، أخرج أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق.
وفي مسند إسحاق بن راهويه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة كلهم يدلي على الله يوم القيامة بحجة وعذر: رجل مات في الفترة ورجل أدركه الإسلام هرماً ورجل أصم أبكم ورجل معتوه. صححه الشيخ الألباني.
وعليه فإن إعلانها للإسلام ورجوعها عنه لا اعتبار لهما.
وأما إذا كان لها من العقل ما تميز به الصواب من الخطأ فإنها تعتبر مسلمة منذ اليوم الذي نطقت فيه بالإسلام، وإذا رجعت إلى اليهودية بعد ذلك فإنها تكون مرتدة، تستتاب ثلاثة أيام، وإن لم تتب كانت مستحقة للقتل، لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري.
والذي يقوم بإقامة الحد هو السلطان أو نائبه ولا يحق لأفراد الناس إقامته، وعلى أية حال فإنه لا دخل للمحكمة الشرعية في هذا الموضوع إلا من حيث الحكم عليها بالردة أو عدمها، فإصدارها لقرار شرعي بإسلامها لا يغير من الحال شيئاً، وليس لها أن تصدر قراراً بإلغاء الإسلام أبداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1429(7/78)
الرد على الكفار السابين لدين الله في ضوء الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيوخي الكرام أرجو أن تفتوني في أمر مهم أتناقش حوله مع بعض إخواني المسلمين وهو حول طريقة الحوار مع النصارى الذين يسبون الرسول والمقدسات الإسلامية. يقول الله سبحانه: "وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ." [الأنعام: 108] .. ويقول أيضا: " لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" [آل عمران: 186] ... لكنه يقول من جهة أخرى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ" [العنكبوت 46] ويقول: "الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [البقرة 194] ويقول:"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " [التوبة 73 والتحريم 9]
وهكذا نرى يا يا شيوخي الكرام أن الله يأمرنا من جهة أن لا نسب غير المسلمين فيسبوا الله ورسوله ومن جهة أخرى يأمرنا بأن نعتدي عليهم بمثل ما اعتدوا علينا وأن نغلظ عليهم!!
فكيف علينا أن نتعامل في حواراتنا مع النصارى الذين يسبون رسول الله.. إن رددنا على اعتدائهم باعتداء مثله فإن هذا لن يوقف اعتداءاتهم بل سيجدون منها حجة لمزيد من سب النبي ومقدساتنا.. وإن تجاهلنا سبابهم وشتائمهم على أمل أن يتوقفوا عنها نخشى أن نقع في محظور بما أننا لم نرد الاعتداء باعتداء مثله.. فرجاء يا سادتي الكرام توضيح كيف نتعامل مع السبابين منهم.. هل نرد بالسب والشتم أم نتجاهل شتائمهم ونحاورهم بأدب واحترام على أمل أن يستحيووا من أنفسهم ويحترموا مقدساتنا أيضا..
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الدعوة إلى الله الرفق واللين والموعظة الحسنة، لأن هذا أدعى للتأثير على المدعو وتأليف قلبه، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125} . وروى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه، ولا عزل عن شيء إلا شانه.
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم التلطف بالمدعو ولو كان كافرا، وفي سيرته كثير من الأمثلة التي تدل على هذا، ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 69817.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يجد من المشركين كثيرا من الأذى والسب والشتم فيصبر على ذلك، ولا يخفى ما حدث له من أهل الطائف حين ذهب إليهم يدعوهم إلى الله، ولعل من المناسب أن نذكر هنا كلاما نفيسا ذكره ابن العربي في كتابه أحكام القرآن عند تفسير الآية التي ذكرها السائل وهي قول الله تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {العنكبوت: 46} ، فقد قال رحمه الله: قال قتادة: وهي منسوخة بآية القتال فإنه رفع الجدال، وقد بينا في القسم الثاني أنها ليست منسوخة وإنما هي مخصوصة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث باللسان يقاتل به في الله، ثم أمره الله بالسيف واللسان حتى قامت الحجة على الخلق لله وتبين العناد وبلغت القدرة غايتها عشرة أعوام متصلة، فمن قدر عليه قتل ومن امتنع بقي الجدال في حقه ولكن بما يحسن من الأدلة ويجمل من الكلام بأن يكون منك للخصم تمكين وفي خطابك له لين وأن تستعمل من الأدلة أظهرها وأنورها وإذا لم يفهم المجادل أعاد عليه الحجة وكررها كما فعل الخليل مع الكافر حين قال له إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فقال له الكافر أنا أحيي وأميت، فحسن الجدال ونقل إلى أبين منه بالاستدلال، وقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، وهو انتقال من حق إلى حق أظهر منه ومن دليل إلى دليل أبين منه وأنور. اهـ.
وأما مجاراة أعداء الله فيما قد يقع منهم من سب وشتم فيترتب عليه في غالب الأحيان منكر أكبر، ولذا قال الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام: 108} .
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين معلقا على هذه الآية: فحرم الله سب آلهة المشركين مع كون السب غيظا وحمية وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم، وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز. اهـ.
وهذا أصل ينبغي الوقوف عنده فالجهل به قد يوقع الأمة في كثير من الحرج والمشقة والعنت.
وأما قول الله تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ {التوبة: 73} فقد أشار ابن العربي إلى أن المراد الجزم والجد في التعامل معهم لا الإغلاظ في القول حيث قال: الغلظة نقيض الرأفة وهي شدة القلب وقوته على إحلال الأمر بصاحبه وليس ذلك في اللسان فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب. اهـ، والحديث الذي ذكره متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما آيات رد الاعتداد بالمثل فإنها أولا نزلت بشأن الجهاد ثم إنها ليست على إطلاقها، بل لها قيودها، ففي الأمور العظيمة التي قد تخص عموم الأمة كالجهاد والقصاص مثلا فالمرجع في ذلك إلى الحاكم لا إلى عامة الناس وإلا كانت الفوضى، ومن اعتدى بمعصية لا يعتدى عليه بمعصية مثلها فإذا كان هو قد سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يسب المسلم عيسى عليه السلام، فكما أن سب محمد صلى الله عليه وسلم كفر فكذلك سب عيسى عليه السلام كفر، وفي حالة ما إذا جاز رد الاعتداء بالمثل كما في مسألة الظفر بالحق فإن هذا مقيد بأن لا يترتب على ذلك مفسدة كأن يعد المرء بذلك سارقا.
قال ابن العربي: أما من أباح دمك فمباح دمه لك لكن بحكم الحاكم لا باستطالتك وأخذ لثأرك بيدك ولا خلاف فيه، وأما من أخذ مالك فخذ ماله إذا تمكنت منه إذا كان من جنس مالك طعاما بطعام وذهبا بذهب، وقد آمنت من أن تعد سارقا. اهـ.
والراجح في مسألة الظفر بالحق أنه يجوز للمظلوم أن يأخذ من مال الظالم ولو لم يكن من جنس ماله، وراجع الفتوى رقم: 8780، ولمزيد الفائدة فيما يتعلق بأسس دعوة النصارى إلى الإسلام راجع الفتاوى: 20818، 94521، 10326، 30506. .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1429(7/79)
حكم المشاركة في انتخابات رابطة الطلاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب ولدينا رابطة للطلاب يقام لها انتخابات كل سنة ما حكم هذه الانتخابات، مع العلم بأن من ينزل فيها من الطلاب ذووا توجه إسلامي وغير إسلامي وأتمنى أيضا تفصيلا مرضيا لحكم الانتخابات؟ جزاكم الله كل خير وجعلكم نوراً وسببا لهداية البشرية.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
حكم المشاركة في الانتخابات محل اختلاف بين أهل العلم، والأقرب إلى الصواب أن المشاركة فيها تباح بشروط.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لقد اختلف أهل العلم في حكم المشاركة في الانتخابات، فمنهم من قطع بالمنع، ومنهم من رأى الإباحة، ومنهم من فصل القول فيها، وقد بينا من قبلُ حكم الدخول في الانتخابات، وانتخاب غير المسلم مع وجود مرشح مسلم، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 5141.
وما قيل في الانتخابات بشكل عام يقال مثله في انتخابات رابطة الطلاب، لأنه لا فرق في المسألة، طالما أن الغاية من الانتخابات هي اختيار مسؤولين لتولي مصالح معينة والقيام بأدوار محددة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1429(7/80)
من فتاوى العلماء حول تحية العلم في المدارس
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم الطلاب فى المدارس بأداء ما يسمى (تحية العلم) وهي الوقوف أمام علم الدولة ثم قول بعض الجمل التي تحمل مضموناً وطنياً، فهل هذا العمل مقبولاً شرعاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يسمى بـ (تحية العلم) عادة دخيلة على المجتمع المسلم، فلا يجوز للمسلمين فعلها، وقد جاء في الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم 2123ج1/235 برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: لا يجوز للمسلم القيام إعظاماً لأي علم وطني، أو سلام وطني، بل هو من البدع المنكرة التي لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وهي منافية لكمال التوحيد الواجب وإخلاص التعظيم لله وحده، وذريعة إلى الشرك، وفيها مشابهة للكفار وتقليد لهم في عاداتهم القبيحة، ومجاراة لهم في غلوهم في رؤسائهم ومراسيمهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم أو التشبه بهم. انتهى.
وجاء في الجواب عن السؤال الثالث من الفتوى رقم: 5963ج1/236 برئاسة سماحته أيضاً: لا تجوز تحية العلم، بل هي بدعة محدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. رواه البخاري ومسلم ... انتهى. وقد صدر بمثلها فتوى للشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1429(7/81)
انتماء المسلم يجب أن يكون للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من الإسكندرية عمرى 23 عاما ملتزم والحمد لله أعرف شبابا من الخليج يدرسون هنا بالإسكنرية ومن كثر جلساتى معهم تعلمت منهم أمورا فاضلة كثيرة تعلمت منهم الحق والصدق والهمة والجود فصار انتمائي لهم ولكل دول الخليج أكثر من انتمائي لمصر والمصريين ولو أن أهل الخليج خاضوا البحر لأكون أول من يخوضه، معهم فهل يجوز هذا أمر عدم انتمائي لبلدي أم لا أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم مطالب بحب المسلمين وحب البلاد الإسلامية كلها والدفاع عنها، سواء كان ذلك البلد موطنه الذي ولد فيه أو لم يكن، وانتماء المسلم يجب أن يكون إلى الإسلام أينما كان، فلا نسب ولا وطن ولا جنسية ولا قومية ولا فضل للمسلم إلا في الإسلام، قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13} ، وروى أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهين أقوام عن فخرهم برجال، أو ليكونُن أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النت. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
وقد تداعى بعض الأنصار والمهاجرين ذات يوم بدعوى الجاهلية، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة. وفي رواية: دعوها فإنها خبيثة. رواهما البخاري. مع أن الإسلام لا يرفض الانتماء إلى بلد معين أو قبيلة أو عشيرة من باب التعريف والتمييز، لا من باب الفخر والتميز، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13} ، والضابط في اختيار الصحبة ليس هو كونهم من هذا البلد أو ذاك، وإنما المعيار لذلك هو كونهم صلحاء يذكرون بالخير ويدلون عليه.
وعليه فحبك للشباب المذكورين لسبب كونك قد تعلمت منهم الحق والصدق والهمة والجود ... ونحو ذلك من الأخلاق الفاضلة يعتبر صواباً، ولكن انتماءك يجب أن يبقى دائماً إلى من كان فيه مثل تلك الصفات، لا من كان من هذا البلد أو ذاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1428(7/82)
حكم البناء في الأراضي الزراعية
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن فى مدينه لا يوجد بها كردون مباني مطلقا والناس مضطرون للبناء في أراضي زراعية قريبة من المباني فأنا أقوم بشراء قطعة أرض زراعية (فدان أو أكثر) ثم أقوم بتبويرها وتقسيمها وبيعها كأرض مباني، مع العلم بأن قوانين الدولة تمنع التبوير، فما حكم الشرع في شراء الأرض الزراعية وتبويرها لبناء بيت لعائلتي أو للاتجار بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يلتزم بالقوانين التي تفرضها الدولة ما دامت تصب في مصلحة الناس.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يوجد في الشرع ما يمنع من البناء في الأراضي الزراعية، كما لا يوجد ما يمنع من بيعها لمن يبني فيها ما لم يعد ذلك بالضرر على الناس فيمنع في هذه الحالة من باب منع الضرر لحديث: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه.
كما أن للدولة إذا رأت المصلحة في منع البناء في الأراضي الزراعية أن تصدر قوانين تمنع ذلك، وعلى الناس أن يلتزموا بهذه القوانين ما دامت قائمة على مصلحة حقيقية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(7/83)
أمر الإسلام بالإحسان في معاملة أهل الذمة
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما نسمع عن الأحداث الطائفية بين المسلمين والمسيحين في أرض العرب، وما يحدث عادةً من غلبة المسلمين في أي حدث من تلك الأحداث، لأنهم الأغلبية والذي أعرفه أن الإسلام قد كرّه إلينا الظلم، فما حكم ظلم أهل الكتاب، وما هي حقوقهم التي لا بد أن يكفلها المسلمون لهم إذا عاشوا سوياً في بلد واحد مثل مصر أو لبنان أو المغرب أو غيرهم وفي نفس الوقت هل هذا من الموالاة إذا منع الظلم عنهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام هو دين العدل، فقد أمر بالقيام به مع كل أحد، مسلما أو كافراً، قريباً أو غريباً، عدوا أم صديقاً، وقد جاءت بذلك نصوص الكتاب والسنة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 35122، والفتوى رقم: 72836.
وأمر الإسلام بالإحسان في معاملة أهل الذمة أبين من الشمس في رابعة النهار، وتاريخ المسلمين مليء بالنماذج الحية في تطبيق هذا النهج، فلا يجوز في الإسلام ظلم أحد من أهل الذمة، أو الاعتداء عليه في نفسه أو ماله أو عرضه بغير وجه حق.
وقد ترجم البخاري في صحيحه باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم، وأورد تحته حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين يوماً. وفي سنن أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة.
والعدل مع أهل الذمة والإحسان إليهم لا يعتبر بمجرده موالاة لهم ما دام لم يصحبه ميل قلبي إليهم أو مودة لهم، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 25510.
وحقوق أهل الذمة وواجباتهم في ظل الدولة الإسلامية لا يتسع المقام لذكرها هنا، وقد ذكرنا شيئاً منها في الفتوى رقم: 44962، والفتوى رقم: 7497 وإذا أردت المزيد فيمكنك مراجعة كتب الفقه في أبواب الجزية، أو كتاب ابن القيم (أحكام أهل الذمة) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1428(7/84)
المسلم لا يرضى بالدنية في دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقبل المسلمون أن يتم تطبيق نفس أحكام أهل الذمة عليهم في الغرب، بمعنى هل يرضون مثلا أن يتم تحريم الولاية عليهم في الدول الغربية وهل يرضون أن تكون شهادة المسلم ضد اللاديني أو المسيحي غير مقبولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم المتمسك بدينه لا يرضى بالسكن في مكان لا يقيم فيه دينه، ولا يرضى بأن يذل نفسه وهو خاضع ومستسلم بقلبه لشرع الله تعالى، فلا يرضى بترك شرعه، بل يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً، ولا يقبل الدنية في دينه، والله تعالى لم يشرع له أن يعيش في مكان يدفع فيه الجزية، كما أنه لم يشرع ولاية الكافر على المسلم، فقال الله تعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {النساء:141} ، ولم يشرع سبحانه وتعالى أيضاً قبول شهادة الكافر على المسلم في كثير من الأمور، بل شرط في الشاهد العدالة، والعدل هو المسلم البالغ العاقل المجتنب الكبائر ... والكافر ليس عدلاً، وهذه الأمور لو أراد الكفار تطبيقها على المسلم ليس عليه أن يقبلها، بل يهاجر إلى مكان آخر يعطيه الله فيه سعة وخيراً كثيراً، قال الله تعالى: وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً {النساء:100} ، قال ابن كثير: هذا تحريض على الهجرة وترغيب في مفارقة المشركين وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(7/85)
حكم الإضراب عن الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم وجزاكم خيرا، هل يمكنكم أن تفيدوني بحكم الإضراب عن الطعام في الإسلام وهل له في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم أثر أو في تاريخ سلفنا الصالح؟ وفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإضراب عن الطعام إذا أدى إلى موت أو إتلاف عضو لم يجز شرعا، وصاحبه يعتبر قاتل نفسه.
وأما ما لا ضرر فيه فلا مانع منه شرعا؛ لأنه امتناع عن المباح، ويجوز للمسلم أن يمتنع عن بعض المباحات وخاصة إن كان ذلك يحقق هدفا مشروعا. وللمزيد من الفائدة والتفصيل والأدلة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8020.
وأما عن وجود أثر للإضراب عن الطعام في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم أو في تاريخ سلفنا الصالح، فذلك ما لم نقف له على دليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(7/86)
سقوط الجزية عن الذمي بإسلامه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا إسلم الذمي تسقط عنه الجزية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذاكنت تسأل عما إذا كان الذمي تسقط عنه الجزية إذا أسلم، فالجواب أن نعم، بل ويسقط عنه ما تجمع في ذمته منها عند كثير من أهل العلم، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى: وسقطتا بالإسلام. جاء في التاج والإكليل: ابن رشد: اختلف فيمن أسلم بعد وجوب الجزية عليه، ومذهب مالك وجميع أصحابه أنها تسقط عنه بإسلامه. وفيها لابن القاسم: وإذا لم يؤخذ من الذمي الجزية سنة حتى أسلم فلا يؤخذ منه شيء، لأن مالكا قال في أهل حصن هودنوا ثلاث سنين على أن يعطوا المسلمين شيئاً معلوماً فأعطوهم سنة واحدة ثم أسلموا إنه يوضع عنهم ما بقي عليهم ولا يؤخذ منهم شيء.
وجاء في الموسوعة الفقهية ما يلي: ... فقد اتفق الفقهاء على أن الجزية تسقط عمن دخل في الإسلام من أهل الذمة، فلا يطالب بها فيما يستقبل من الزمان، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس على المسلم جزية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1428(7/87)
مما يعلم للمهتدين الجدد
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الفاضل وسيدي الشيخ، خادمتي أثيوبية مسيحية تريد أن تسلم رغبة منها، وأريد المساعدة من رغبتها الكبيرة في الدخول في الإسلام طلبت مني مساعدتها وأنا أريد المساعدة منكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدخول للإسلام يجب التعجيل به قبل مباغتة الموت، فعليكم أن تلقنوها الشهادتين وتبينوا لها معناها، وتعلموها الغسل والصلاة وتحضوها على القيام بالغسل وصلاة الفريضة الحاضرة، وعلموها ماتيسر من أحكام الدين، فإن لم يمكنكم تعليمها فاذهبوا بها إلى مركز قطر للتعريف بالإسلام أو إلى مركز ضيوف الرحمن فإن فيها دعاة خبراء باللغات، وسيساعدونكم إن شاء الله تعالى في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1428(7/88)
من أراد الإسلام بشرط ألا يترك شرب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص غير مسلم يريد اعتناق الإسلام، لكن لا ينوي الابتعاد عن الخمر هل إسلامه صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أراد الإسلام يتعين أن نرحب به وأن نشجعه، وأن نحرص على أن يبادر بالدخول في الإسلام قبل أن يموت على الكفر ويخلد في النار، فإن مآل من مات موحدا دخول الجنة ومآل من مات على الكفر هو الخلود الأبدي في النار.
فإذا دخل هذا الرجل في الإسلام تعين علينا أن نعلمه تعاليم الشرع ونبين معالم الحلال والحرام، ونبين له حرمة الخمر وخطرها ولعنة شاربها، فإن أصر على شربها فإنه لا يكفر بذلك ما دام غير مستحل لها بعد العلم بالحرمة، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53341، 72035، 8735.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(7/89)
شبهات وجوابها حول بعض الأحكام والشعائر الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت هذا الكلام في تلخيص ندوة للشيخ على جمعة مفتي مصر ,, وسؤالي هل هذا الكلام صحيحا:-
فائدة البنوك ليست ربا ولا يمكن تصنيفها علي أنها ربا مشيراً إلي أن حجاب المرأة فرض لكن هناك خلاف علي النقاب وهو بدعة عند الإمام مالك.. كما أن إطلاق اللحية ليس ضرورة عند الإمام الشافعي.. ويجوز للزوجة أن تطلق نفسها من خلال ما جاء في عقد الزواج أو أن يفوضها زوجها في ذلك.. وقال إن هناك 50 امرأة تولت ولاية المسلمين عبر التاريخ وهناك سيدتان تولتا القضاء منهما أم الخليفة المقتدر.
كما أننا في عصر شبهة لذلك لا يتم تطبيق الحدود الشرعية مثل قطع يد السارق وجلد ورجم الزاني.. وفي عصر كهذا تفقد الحدود شروط تطبيقها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما قول هذا القائل: إن فائدة البنوك ليست ربا ولا يمكن تصنيفها علي أنها ربا، هو –في الحقيقة- قول خال من الدليل، وأين يكون الربا إذا لم تكن فائدة البنوك ربا؟
ثم إشارته إلي أن النقاب بدعة عند الإمام مالك، هو أيضا قول يحتاج إلى الدقة؛ فالإمام مالك قد كره انتقاب المرأة في الصلاة فقط. جاء في التاج والإكليل عند قول خليل: (وانتقاب امرأة) ، من المدونة قال مالك: إن صلت الحرة منتقبة لم تعد. ابن القاسم: وكذا المتلثمة. اللخمي: يكرهان وتسدل على وجهها إن خشيت رؤية رجل ... اهـ
وهذا ليس خاصا بالمالكية، وإنما قال به كثير من أهل العلم؛ لأن الانتقاب يخل بتمكين الجبهة من الأرض في السجود. قال الخطيب الشربيني: (وأن يصلي الرجل متلثما والمرأة منتقبة) -أي يكره ذلك-، ونص النووي في المجموع: أنها كراهة تنزيهية لا تمنع صحة الصلاة. وقال البهوتي في كشاف القناع: (ويكره أن تصلي في نقاب وبرقع بلا حاجة. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام، ولأن ستر الوجه يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف ويغطي الفم ...
وإذا كان بعض المالكية قد رأوا كراهة الانتقاب خارج الصلاة لما فيه من الغلو في الدين، فإنه لم يختلف قولهم بأن كشف الوجه متى خشيت منه الفتنة محرم.
وأما قوله بأن إطلاق اللحية ليس ضرورة عند الإمام الشافعي، فهو أبعد ما يكون عن الصحة، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 1491.
وقوله بأنه يجوز للزوجة أن تطلق نفسها من خلال ما جاء في عقد الزواج أو أن يفوضها زوجها في ذلك، فهذا ليس فيه دليل على أن الطلاق من حق المرأة، وإنما معناه أن الطلاق من حق الزوج في الأصل، ولكنه إذا ملكه للزوجة أو لغيرها تمليكا ناجزا أو معلقا وحصل المعلق عليه كان لها أو لمن مُلِّكه أن يوقعه من باب النيابة عنه هو.
ثم قوله: إن هناك 50 امرأة تولت ولاية المسلمين عبر التاريخ وهناك سيدتان تولتا القضاء منهما أم الخليفة المقتدر، -على افتراض صحته- ليس دليلا على أن الولاية والقضاء من المناصب التي يحق للمرأة توليهما.
فهذا إنما يكون حجة لو كان وقع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أو خلفائه الراشدين، أو أجمعت الأمة الإسلامية على قبوله، ولا أعتقد أنه يدعي شيئا من ذلك.
وقوله: إننا في عصر شبهة، لذلك لا يتم تطبيق الحدود الشرعية مثل قطع يد السارق وجلد ورجم الزاني، وأن في عصر كهذا تفقد الحدود شروط تطبيقها! فمن أين له هذا القول؟ وأي دليل عليه؟
ونسأل الله أن يهدينا ويهدي جميع المسلمين، ويعيدهم إلى التمسك بشريعتهم ودينهم، وإنهم –في الحقيقة- لم يصبهم ما أصابهم من الوهن والضعف إلا حين تركوا تحكيم شرع الله، واتبعوا سنن من كان قبلهم حذو القذة بالقذة. وهذا –لعمري- علم من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم-.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1428(7/90)
هل يطوع الدين لتطورات الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتغير الدين مع العصر؟ وكيف يمكن التوفيق بين متطلبات الحياة المعاصرة والدين، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدين دين الله الذي شرعه لتسير على منهاجه البشرية وهو سبحانه خالقهم جميعاً والعليم بما يصلحهم، وقد جعل رسالة الإسلام خاتمة الرسالات وأوجب العمل بها إلى يوم القيامة، فما فيها من الثوابت كالحدود وتحريم الربا والفرائض لا يتغير بتغير الأعصار.
وأما ما يحصل في العصر من تطورات فإنه يجب على المسلم أن يبرمج حياته حسب الشرع، ولا يجوز أن يطوع الدين لتطورات الحياة، مع العلم بأن ما يحدث في الحياة من تطورات لا تخلو من حكم شرعي وبيان علماء الإسلام لما ينبغي أن يعمل به حينئذ، وراجعي كتاب التطور والثبات في الحياة البشرية لمحمد قطب، وكتاب الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي للدكتور صلاح الصاوي، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51863، 29077، 25069، 14485، 37815.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1428(7/91)
الخير كل الخير في ثبات المسلم على دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الأيام يقوم المسلم في مملكة تايلاند في مهمات (حصل الوظيفة) ، في حكومة لا سيما سياسيين ودبلوماسيين ولا شك ان عادات وتقليد هذا البلد تختلف عن الدول الإسلامية كل شيء عندهم متعلق بالديانات كمثل عيد الميلاد جلالة ملك تايلاند، إن حكومة مملكة تايلاند تدعو مندوبا لكل الأديان ليشاركوا في دعوة لجلالة الملك حسب الأديان، وهذه جزء من، السؤال الأول: هل يجوز أم لا وكيف تصلح هذه الحالة حيث كل الأديان في هذ البلد يشتركون وكيف نحن، إن الدبلوماسيين التايلانديين غير المسلمين حياتهم شرب للخمر والخلوة المحرمة في كل الحفلات لا بد أن يكون فيها الخمر والنساء، فكيف للمسلم أن يشارك معهم في هذه الحالة، وما رأيكم ليكون نصيحة لنا يا أخي الفاضل، قد رأيت معظم الدبلوماسيين العرب (المسلمين) لا يبالون بالحلال والحرام وهذ الجزء من مشكلتنا لأنهم (البوذيون) ، يسألوننا لماذا هؤلاء العرب يشربون ويأكلون المأكولات في فنادق خمس النجوم (حيث الطباخ غير مسلم) ، ولماذا أنتم المسلمون في تايلاند لا تأكلون حيث إن العرب ملتزمون بالإسلام أكثر من المسلمين في تايلاند، وأحيانأ البوذيون يسألوننا عن مذاهب السنة والشيعة وعن كيفية العبادات لأن حياتنا اليومية مختلطة معهم، ورأي علماء الدين عندنا يختلفون ويقولون بعضهم يجوز وذلك لمصلحة المسلم في المستقبل وبعضهم يقول لا يجوز لكم دينكم ولي دين، فما رأيكم في بلادنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم أن يحفظ لكم دينكم، وأن يجعلكم هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، وأن يرزقنا وإياكم الثبات وحسن الممات، واعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يشهد شيئاً من أعياد المشركين، وقد سبق أن بينا هذا الأمر في الفتوى رقم: 4586، والفتوى رقم: 8327.
ومشاركة الآخرين في هذه الأعياد لا تسوغ للمسلم المشاركة فيها، والخير كل الخير في ثبات المسلم على مبادئ دينه، فهي التي قد تكسبه احترام الآخرين له، ولكم أسوة حسنة في المسلمين الذين هاجروا إلى أرض الحبشة، إذ لم يمنعهم كونهم في ضيافة النجاشي أن يظهروا الحق عندما تطلب الأمر ذلك، فقد قال جعفر بن أبي طالب كلمة الحق أمام النجاشي بشأن عيسى عليه السلام، وكانت العاقبة أن أمنهم النجاشي ورفض تسليمهم لوفد مشركي مكة، وتفاصيل هذه الأحداث متوفرة في كتب السيرة، وهذا فيما يتعلق بالسؤال الأول، وراجع فيه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57997، 54640، 68557.
وأما السؤال الثاني فجوابه أنه ينبغي أن تَعلموا وأن تُعلموا من يثير معكم مثل هذه التساؤلات أن المرجع في دين الإسلام هو الوحي المتمثل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما الحكم على تصرفات المسلمين، فمن ارتكب محرماً فهو آثم عربياً كان أم غيره، وماذا يكون العربي بغير التمسك بدين الله تعالى؟ وإذا انحرفت بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام عن جادة الصراط المستقيم فهي التي يتوجه إليها الذم لا إلى أصل الإسلام الحق، فالحاصل أنه يحكم بالإسلام على أقوال الناس وأفعالهم، ولا يحكم بأقوال الناس وأفعالهم على الإسلام، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 25438، والفتوى رقم: 19338.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1428(7/92)
أكل الدجاج وإهدء الهدية للزوجة إذا وافق يوم عيد للمشركين
[السُّؤَالُ]
ـ[إننا نعلم الحكم الشرعي للأعياد والمناسبات الغربية والمسيحية، ولكن سؤالي: إذا قمت مثلاً بأكل الدجاج التركي في عيد الشكر.. أو أني قمت باعطاء وردة أو هدية لزوجتي في يوم عيد الحب واعتبرته كأنه يوم عادي كباقي الأيام، حيث إني أعطيها الهدايا وغيرها، فهل بذلك ارتكبت إثما، أو أني بذلك خالفت الحكم الشرعي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج على المسلم في أكل الدجاج أو غيره أو إهداء هدية لزوجته في يوم ما، ولو صادف ذلك اليوم يوم عيد لأهل الشرك، إذا كان غير فاعل ذلك احتفاء واحتفالاً واعتناء وتذكرا ليوم العيد الذي يحتفل به المشركون، فمثله في هذا مثل من أكل أو أكرم زوجه وهو غير عالم بأمر هؤلاء ولا باحتفالهم بهذا اليوم، وراجع في حكم الاحتفال بعيد الشكر وعيد الحب الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6786، 41447، 6735، 60157.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1428(7/93)
أنواع المقاطعة وأحكامها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القاطعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتبين لنا ما تعني بهذا السؤال، ولكن إن كنت تعني به حكم المقاطعة الاقتصادية للدول أو المؤسسات التي قد يحدث منها نوع من التطاول على الإسلام والمسلمين، فراجع الفتوى رقم: 71469، وإن كنت تعني قطيعة الرحم، فراجع الفتوى رقم: 4417، والفتوى رقم: 31617.
وإن كنت تعني التهاجر بين المسلمين فراجع في ذلك الفتوى رقم: 7119، والفتوى رقم: 25074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1428(7/94)
العرب والأكراد في ظل الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في البلاد التي أعيش فيها هنالك قوميون وبعض أئمة السلطة المضلين، دائما يهاجمون الإسلام والعرب بقولهم إنه لاتجوز الخلافة إلا بعربي قرشي ويقولون بأنه دين عنصري لأنه لا يجيز زواج العربية إلا من عربي ويستشهدون بقول الشافعية في التكافؤ, وأيضا يقولون إن العرب والإسلاميين لا يقبلون أن يكون للأكراد وطن مستقل ولم يساند العرب والمسلمون هذا الشعب المظلوم عندما ضربهم البعثيون القوميون بالأسلحة الكيمياوية ودفنوهم أحياء في مقابر جماعية, أرجوا أن تبينوا لي موقف الشرع من هذه ألأمور الثلاثة؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام دين الله الذي ارتضاه للبشر ولا يحق لأي عاقل إلا أن يرضى به دينا ويستسلم لحكمه ويخالف غيره ويكفر به، فقد قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا {المائدة: 3} وفي الحديث: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. رواه مسلم.
وأما فضل العرب وفضل قريش وأحقية القرشيين بالخلافة إن وجد منهم كفؤ أهل لها فهو حق، ويشهد له كثير من الأدلة وقد بينا ذلك بالتفصيل، كما بينا جواز نقل الخلافة إلى غيرهم إن لم يوجد منهم من هو أهل لها، وليراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 40070، 66916، 47559، 26262، 26062، 8696.
وأما الزواج من غير العربي فهو جائز على الراجح، ويدل له عمل الصحابة، فقد تزوج بلال بن رباح وهو حبشي أخت عبد الرحمن بن عوف وهي قرشية، وتزوج سلمان الفارسي في بني كندة، وقد ورد حديث ضعيف في اعتبار الكفاءة بالنسب رواه البيهقي بلفظ: العرب للعرب أكفاء والموالي أكفاء للموالي. وقد ضعفه البيهقي وقال إنه منقطع، وقال ابن عبد البر إنه منكر أوموضوع، وقد جزم الألباني بوضعه.
وأما الظلم لأي شعب مسلم فإنه لايقره الإسلام ولا يقبله، بل إن الإسلام يحض على نصر المظلوم وعونه والدفع عنه والأخذ على يد الظالم، ففي الحديث: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه. رواه الترمذي وصححه، وفي حديث البخاري: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما، قال: تأخذ على يديه. وفي الحديث: ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يجب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته. رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني.
والدارس لتاريخ الإسلام يجد أن الأكراد كانوا محل اعتبار عند علماء المسلمين، وقد خدموا الإسلام وقام أئمتهم بالجهاد وشهد لهم العلماء بتلك القيادة والفضيلة، فهذا ابن كثير وهو قرشي النسب يثني على نور الدين زنكي وأثنى كذلك عليه الذهبي، كما أثنى على صلاح الدين ونوه بجهاده للنصارى في الشام وبإزالته دولة المبتدعة في مصر، وأما ما حصل لهم أخيرا فهو من نتائج الاتفاقيات بين الكفار فإنهم لحقدهم على الأكراد وتذكرهم حربهم للصلبيين في الشام ومصر لم يفسحوا المجال في اتفاقيات سايكس بيكو وما بعدها للأكراد في إقامة وطن لهم فجعلوهم مقسمين بين أربع دول، ولم يكن الإسلام ولا المتمسكون به مقرين لما حصل ولا قابلين له، ولا يحق أن يحمل الإسلام والمسلمون جرائم القوميين من عرب أو فرس أو أتراك، وعلى جميع المسلمين التمسك بالإسلام واتباع من تمسكوا به من الصحابة ومن تابعهم بإحسان من سلف الأمة، وأن يعتقدوا أن الإسلام هو سبب عزهم ونصرهم وأمنهم وأن يوالوا أهله، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 46469، 53728، 71170، 70485، 35576، 998، 32402، 27156.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(7/95)
حكم احتفال المسلم بعيد رأس السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا العام تزامن عيد الأضحى المبارك مع أعياد الميلاد المسيحية مما جعل بعضا من إخواننا المسلمين في الدول العربية وفي المغرب خصوصا لقربه من أوربا يحتفلون بأعياد الميلاد. وعندما أبارك العيد للأصدقاء وأفراد العائلة يردون بالقول سنة سعيدة وعيد مبارك سعيد. وهناك أيضا من يقتني الحلوى وأشياء أخرى من أجل الاحتفال. وأرى شخصيا أن متل هذه الأشياء تؤثر على الأبناء مما يجعلهم متعودين على مثل هذه الاحتفالات لأنهم يرون أنها واجبة.
السؤال هل يجوز الاحتفال بأعياد رأس السنة؟ وكيف يمكن إقناع الدين يحتفلون بهذه الأعياد بعدم جوازها؟ والمرجو جزاكم الله خيرا مصاحبة الجواب ببعض الأدلة؟
ونسأل الله أن يلهم الجميع الرشد والصواب، وأن يكتب لكم الأجر والثواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 26883. عدم جواز الاحتفال بعيد رأس السنة، وأما إقناع الناس بها فمن وسائله بيان الحكم الشرعي والحض على اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم من السلف الصالح، وبيان عقيدة الإسلام، والتوضيح لأحكام الولاء والبراء، وخطورة التشبه بالكفار وسلوك طريقتهم، وتحريض المسلمين على الاعتزاز بدينهم والتمسك به، والتنبيه على أن أعظم مظاهر الاهتداء للصراط المستقيم هو اتباع المنعم عليهم والبعد عن اتباع اليهود والنصارى، فقد تعبدنا الله في كل ركعة من الصلاة بسؤاله الهداية لطريق المنعم عليهم والبعد عن طريق المغضوب عليهم والضالين، وذلك في دعائها في الفتاتحة حيث نقرأ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(7/96)
هل يصح الإسلام مع الشرط الفاسد
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الدكتور علي الشعيبي على القناة الفضائية السورية حديثا شريفا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه صلى الله عليه وسلم قبل من أعرابي أن يصلي وقتين فقط. فهل لهذا الحديث أصل؟ وماهو رأيكم؟
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور ورد عن نصر بن عاصم عن رجل أنه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على أنه لا يصلي إلا صلاتين فقبل ذلك منه. رواه أحمد وغيره وفي لفظ آخر له " على أن لا يصلي إلا صلاة فقبل منه "
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: رجاله ثقات رجال الصحيح غير الرجل المبهم الذي روى عنه نصر بن عاصم.
وأما معناه فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك منه تأليفا له في الدخول في الإسلام، ويؤمر بالقيام بكل الصلوات بعد ذلك ويلقي الله في قلبه القبول، ولهذا نظائر في هدي النبي صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك ما أورده صاحب منتقى الأخبار مع الحديث المذكور تحت باب (صحة الإسلام مع الشرط الفاسد)
وعن وهب قال: سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت، فقال اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: سيتصدقون ويجاهدون. رواه أبو داود.
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أسلم، قال: أجدني كارها، قال: أسلم وإن كنت كارها. رواه أحمد.
وروى أحمد والنسائي عن حكيم قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخر إلا قائما. أي أنه لا يركع في الصلاة، بل يقرأ ثم يسجد من غير ركوع. وهذه الأحاديث كلها تدل على ما قلناه سابقا إن هذا كان من النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الترغيب لهم في الإسلام، وعدم اعتبار شروطهم هذه الفاسدة بل لو دخلوا في الإسلام يوفقهم الله تعالى للتسليم للدين كله.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم بعد ذكر هذه الأحاديث: وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث وقال يصح الإسلام على الشرط الفاسد، ثم يلزم شرائع الإسلام كلها، ولا يخفى أن هذا فيمن يراد تأليفه على الإسلام من غير المسلمين. اهـ
أما المسلمون فلا يكفي فيهم بأقل مما افترضه الله تعالى عليهم، ولا يجوز أن يستدل بها على إسقاط بعض التكاليف الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1427(7/97)
اتباع فهم الصحابة به النجاة من الانحراف
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوا منكم أن تقرؤوا بتمعن قضيتي وأن تصححوا لي كل المفاهيم الخاطئة وتجيبوني بسرعة ومباشرة.
لدينا في الجامعة في المغرب فتيات متحجبات يقمن بالدعوة وكلهن يرددن نفس الكلام ويقضين معظم وقتهن في مسجد الجامعة كما أنهن يقلن بأنه يجب تفريغ الوقت لله والتضحية بأغلى ما عندنا وهو الوقت والدراسة لذا يخصصون دائما وقتا ما بين 10 صباحا إلى 12 زوالا يقمن فيه مجلس الذكر يقرأن فيه من رياض الصالحين وسيرة الصحابة ويدعوننا إلى التضحية بالدراسة والحضور. ومن جملة كلامهن أن تقوية الإيمان وزيادة اليقين لا يمكن أن يتم لا بالقران أو بالصلاة أو بأي عبادة أخرى من غير الدعوة حيث إن القلب يتأثر ب 4 مصبات هي الفكر الكلام السمع والبصر ولا يمكن التحكم بهم جميعا إلا أثناء المذاكرة وإن صلحت هذه المصبات صلح القلب. كما أنهن يقلن بأن هناك 18000 أمر و18000سنة وفي النار 36000 من الكلاليب إن لم تفعل واحدا منهم فسوف يتخطفك أحدهم يوم القيامة كأنهن يقصدن بأنا محاسبون على ترك السنة. وأيضا من أقوالهن أن رزقنا على الله حتى أننا إن لم نبذل جهدا فسوف يأتينا ما كتب لنا فمن أجل ذلك ليس علينا أن نبذل جهدا كبيرا في الدراسة والتضحية بالعبادات فرزقنا آت آت فساعتان في اليوم كافيتان وعلينا بصلاة الحاجة حتى يفهمنا الله ويرزقنا علما كما أنهن يقلن بأنهن يحضرن المحاضرة ويدخلن للصف فقط من أجل الدعوة إلى الله فأغلبيتهن يكررن السنوات ويقلن ليس هناك شيء في ذلك لأنه لا يجب علينا أن نطور هذه الحياة الفانية وبذل الجهد فيها وأن نبين للغرب أن المسلمين ليسوا متخلفين كما يزعمون ولكن يجب أن نبين لهم فقط أن الإسلام يأمرنا بحسن الخلق وفيما يخص الوقت فيقلن بأنه لما يزداد يقيننا سوف نفهم بأن الوقت كله يجب أن يكون لله يذكرن على سبيل المثال عمر أوعليا رضي الله عنهما كان قد خصص نصف وقته للتجارة والنصف الآخر لله لكن رأى بأن الآخرين يسبقونه فزاد من وقته لله إلى أن ضحى بوقته كله لله وهذا ما يجب علينا أن نفعل. وعندما أسألهن عن المصادر التي يعتمدن عليها يقلن القرآن والسنة أي رياض الصالحين مع العلم أنه ليس فيه شرح فهن يقلن إن الأحاديث لا تفهم إلا بنور القلب فان كان مليئا بالذنوب والمعاصي فطبيعي أننا لا نفهم مع العلم أن مستوانا في اللغة العربية هنا في المغرب ليس جيدا فكيف سنفهم إن لم نعتمد على الشرح ويقلن لماذا كان الصحابة يفهمون كذلك يعتمدون على سيرة الصحابة فقط وفي ما يخص المصدر فيقلن هل الطبيب لا يعرف مهنته وكذلك المسلم. ومن أقوالهن أن في المسجد النبوي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانت تقام 4 أعمال: الدعوة، تعليم وتعلم، فضائل الأعمال، وخدمة الناس. لذا فالمسجد الذي تقام فيه هذه الأعمال تنزل فيه الهداية والرحمات، والغريب من الأمر أن لهن نفس الكلام ويحفظننا إياه. وبعضهن تركن الدراسة للتفرغ للدعوة ويضربن مثالا أنه إن تزوجت إحدانا هل لن تضحي بالدراسة إن أمرها زوجها. ويقلن لنا أن لا ننصت للشيوخ الأفاضل في التلفاز أو قراءة الكتب لأنهم يزينون لنا الدين بالدنيا ولا يقولون كل شيء خوفا على مناصبهم بل هن سوف يعلمننا ويحفظننا كل شيء. ولكن الذي يؤثر فينا خوفهم من الله والبكاء من خشيته. أرجوكم أفيدونا هل نصاحبهن ونستمع لكلامهن فنحن في حيرة لأن الناس ينصحوننا بالابتعاد عنهن ولكن معاملتهن وتقواهن لله تحيرنا فنخاف أن نظلمهن. أرجو أن ثقرؤوا الموضوع جيدا وإن لم تفهموا شيئا أن تنبهونا. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحكم على نشاط جماعة ما حكما مفصلا دقيقا يتطلب الوقوف على منهجها العلمي والعملي، وربما احتاج إلى مخالطتها؛ لأنه ما كل سائل عن مجموعة من الناس استوعب ما عندها، وقد قرر الفقهاء أن القاضي لا يحق له الحكم على خصم ما لم يسمع منه، إلا أنا ننبه على بعض الأمور التي جاءت في السؤال مؤكدين على ضرورة الإنصاف والعدل والتحري في الحكم على الآخرين، ونرجو أن تراجعن القائمين على المراكز والمؤسسات الدعوية في المغرب ليتفهموا وليناصحوا طالبات الجامعة، ويصححوا لهن ويرشدوهن ويسددوا سيرهن.
وأما الأمور التي ننبه عليها فمنها التنبيه على أن الدعوة إلى الله تعالى واجبة على عموم الأمة وجوبا كفائيا، وواجبة وجوبا عينيا على كل فرد من المسلمين بحسب استطاعته وقدر علمه، فيتعين على الرجال والنساء القيام بها كما قام بها أبو بكر وخديجة وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري، هذا هو القول الراجح أن الدعوة واجبة على كل فرد بحسبه.
وذلك لقول الله تعالى آمرا هذه الأمة بالدعوة إليه سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ {آل عمران:104} .
واختلف أهل التفسير في "منكم" هذه هل هي للتبعيض أم لبيان الجنس، ورجح الطبري والقرطبي أنها للتبعيض، ورجح ابن جزي أنها لبيان الجنس، وفصل الحافظ ابن كثير في المسألة فقال في تفسيره:
والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وفي رواية: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. انتهى
وبناء عليه فيمكن الجمع بين القولين بأن انتصاب طائفة من المسلمين وتفرغهم للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على الأمة، وأن قيام كل فرد بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب قدرته فرض عين، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122] .
ولكنه يتعين على من يدعو إلى الله أن يدعو بعلم وبصيرة، فالله جل وعلا يقول: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ {يوسف:108} .
وليس معنى ذلك أن لا يدعو حتى يصبح عالما، ولكن المطلوب منه العلم بما يدعو إليه ولو كان آية واحدة، أو حديثا واحدا، لما في حديث البخاري: بلغوا عني ولو آية. وفي حديث الترمذي: نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه. ويتعين على الداعي أن يحرص على الزيادة من العلم دائما، وأن يكون عاملا بما يعلم ويدعو إليه، وانظري الفتوى رقم: 7583.
وليعلم أن الإيمان يحصل بتعلم الوحي كتابا وسنة ثابتة، والعمل بهما والدعوة لما فيهما وحب المتمسكين بهما والإحسان إليهم، فالدعوة من أعظم أسباب الهداية وليست هي السبب الوحيد للهداية، والدعوة الناجحة هي الدعوة بالقرآن لأن القرآن هو زاد الداعي ووسيلته للإنذار والهداية؛ لقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ {الأنبياء:45} ، ولقوله تعالى: قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي {سبأ:50} ، ولقوله تعالى: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً {الفرقان:52} .
ومن نظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فسيلاحظ كثرة ذكر الرواة أنه دعا قوما وقرأ عليهم القرآن.
فقد ثبت ذلك في الصحيحين وفي غيرهما.
وقد ذكر العلماء أسبابا للهداية من أهمها:
1- الإيمان بالله، قال تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ {التغابن:11}
2- المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {لأعراف: 158} ، وقال: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا {النور: 54} .
3- الحرص على تعلم الوحي والعمل بما علم منه، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً* وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا {النساء: 66-68} .
4- المواظبة على العبادات من صلاة وزكاة وصوم وغيرها، قال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ {التوبة:18} وعسى من الله واجبة كما قال ابن عباس.
5- وجود العاطفة الربانية التي تجعل المسلم يحب ويبغض ويعطي ويمنع لله ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار.
وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان. والحديث صححه الألباني.
إلى غير ذلك من الأسباب التي ذكر بعضها في الفتوى رقم: 16610، مع المحافظة على البعد عن أسباب ضعف الإيمان، وقد ذكر بعضها في الفتوى رقم: 10800.
وينبغي للدعاة وللمسلمين عموما أن يتحلوا بالشمولية والواقعية، وأن يكون لديهم التوازن الذي يمنع من طغيان جانب على حساب الآخر، فلا تطغى حياتهم الدعوية والتعبدية على حياتهم البشرية والاستجابة لحاجتهم وحاجة أمتهم المادية، فلا تترك الأسباب الشرعية بالكلية بدعوى التوكل، ولا يعتمد على الأسباب فان الاتكال على الله تعالى لا ينافي بذل الأسباب المشروعة
فهذا التوازن الذي يضع كل شيء في محله، ويعطي كل ذي حق حقه، من أعظم محاسن دين الله الذي لم يحرف ولم يبدل.. وهو دين الإسلام.
ولهذا نلاحظ طغيان الجانب الروحي على الديانة المسيحية بسبب ما أصابها من التحريف مما جعلهم يرفضونها، ويتمردون عليها لأنها تصطدم بالفطرة الإنسانية، ونرى الفلسفة المادية الغربية تهمل الجانب الروحي مما أدى بكثير منهم إلى الفرار منها لإشباع خوائهم الروحي ... بل ربما أدى بهم ذلك إلى الانتحار -والعياذ بالله- وذلك للتخلص من الهموم.
وليعلم أن الله قد تكفل للعباد برزقهم فقد قال الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا {هود: 4} .
وقال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ {العنكبوت: 60} .
وقال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وإياهم {الأنعام: 151} .
وفي الحديث: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. رواه مسلم.
وليعلم أن الأعمال الصالحة والصلاة والدعاء هي أكبر عون على قضاء الحاجات وقد قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل:97} .
وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق:4} .
وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2، 3} .
وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة:189} .
وقال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ {البقرة: 45}
وفي الحديث: إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء. رواه أحمد والترمذي والحاكم وحسنه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل. رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ولكن هذا لا ينافي أن يباشر العبد الأسباب المشروعة ويتكسب ولا أن يحرص على التحصيل الدراسي طلبا للحصول على وظيفة تساعد في التكسب المشروع، لأن التكسب لا ينافي التوكل، بل هو من التوكل لأنه من باب اتخاذ الأسباب التي أمر الشارع بها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " قيدها وتوكل ". رواه الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر وصححه الألباني.
فالمسلم ينبغي أن يكون قوي العزيمة، ماضي الإرادة، نشيطا في تحقيق مصالحه مستعينا في كل أموره بالله سبحانه وتعالى، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في التكسب والسعي والتحرك واستغناء المرء عن الآخرين وأكله من كسب يده، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطط للحروب والغزوات كما خطط للهجرة من مكة إلى المدينة، وأمر الله المؤمنين بأن يأخذوا حذرهم إلى آخر ذلك من الأمور الدالة على ما ذكرنا.
وهذا هو هدي الأنبياء والصحابة والعلماء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على عمل اليد: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني.
وقال: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. رواه الترمذي وقال فيه: حسن صحيح.
وقال: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا. رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم
وقال: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه. رواه البخاري.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وروى كعب بن عجرة أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان. رواه الطبراني وقال المنذري والهيثمي رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني.
وقد كان أصحاب النبي يتاجرون ويزرعون ويؤجرون أنفسهم، وكان من سلف هذه الأمة من يمتهن المهن ويتكسب بها حتى اشتهر بعضهم بنسبته لمهنته أو مكان عمله كالبزار والخواص والدارقطني والدباغ والحداد والبقال، وكان من الصحابة من يؤجر نفسه عند الحاجة بشيء من التمر ثم يرجع بعدما يحقق مهمته.
فقد روى الطبراني في الأوسط عن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيرا فقلت: بأبي أنت ما لي أراك متغيرا؟ قال: ما دخل في جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث. قال: فذهبت، فإذا بيهودي يسقي إبلا له، فسقيت له على كل دلو بتمرة فجمعت تمرا، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين لك يا كعب؟ فأخبرته ... الحديث. والحديث حسنه الألباني في صحيح الترغيب.
فهذا الحديث يدل على عدم استنكاف الصحابة عما تيسر من الأعمال مهما قل إنتاجها، وعلى أخذهم ما يحتاجونه عن طريق التكسب.
فعلى المسلم أن يتابعهم في إيمانهم ودعوتهم، وفي هديهم في التكسب، وفي توظيف أوقاتهم. وبالاقتداء بالصحابة ومن تابعهم بإحسان في فهمهم للوحي وتطبيقهم له؛ يسلم العبد من الانحراف والغلو والتقصير لأنهم أزكى هذه الأمة نفوسا وأطهرها قلوبا وأكثرها علما وأقلها تكلفا، كما وصفهم ابن مسعود، وقد زكاهم الله عز وجل وأكثر من الثناء عليهم في القرآن فوعدهم بالجنة وأخبر برضوانه عنهم وبأنهم صدقوا في إيمانهم.
ولأنهم قوم نزل القرآن بلسانهم وشاهدوا مواقع التنزيل، فكانوا بلا شك أعلم هذه الأمة بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأدراهم بمقاصدها، ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بأنهم خير الأمة، فقال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. رواه البخاري.
ولإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا نجاة إذا حصل الافتراق في هذه الأمة، إلا باتباع ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد روى الترمذي في جامعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. حسنه الألباني.
ولا نعلم من ترك التكسب من الصحابة إلا أهل الصفة والسبب كونهم فقراء لا أهل لهم ولا مال.
ففي تحفة الأحوذي للمباركفورى قال: هم زهاد من الصحابة فقراء غرباء وكانوا سبعين ويقلون حينا ويكثرون حينا يسكنون صفة المسجد لا مسكن لهم ولا مال ولا ولد وكانوا متوكلين ينتظرون من يتصدق عليهم بشيء يأكلونه ويلبسونه. اهـ
وقد كان أفضل من هؤلاء منهجا الصحابة الذين جمعوا بين الجهاد والتعلم والتكسب، وكانوا ينفقون على أهل الصفة، فقد روى الشيخان واللفظ لمسلم عن أنس بن مالك قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، قال وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا.
وأما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقد أنفقا وبذلا في نصر الدين نفيس ما يملكانه من مال ووقت، ولكنا لم نعثر على ما يفيد تركهما للتجارة تركا كليا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولما ولي أبو بكر الخلافة وضع له خيار الصحابة مرتبا ليتفرغ لمهام الخلافة، ولما توفي أوصى عائشة أن ترد لعمر ما أعطي له.
وقد كان عند عمر رضي الله برنامجا يوازن بين حاجته لحضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وحاجته للكسب فقد روى البخاري عن عمر قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضربا شديدا فقال: أثم هو ففزعت فخرجت إليه فقال: قد حدث أمر عظيم قال: فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لا أدري. ثم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا قائم أطلقت نساءك قال: لا فقلت: الله أكبر.
وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم حال من شكوا إليه من الصحابة تأثير اشتغالهم بعيالهم وكسبهم على ما كان عندهم من مستوى إيماني رفيع بسبب مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن حنظلة الأسيدي قال: لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت: نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات.
وأما التخلف عن الدروس الجامعية وإهمال الدراسة حتى يرسب الطالب فليس من خلق المسلم لما فيه من إخلاف الوعد الذي هو مستحب عند جمهور الفقهاء، كما بيناه في الفتوى رقم: 17057.
ولكنه لو سجلت بعض الفتيات في الجامعة بنية دعوة الطالبات وكن متطوعات للدعوة فنرجو لهن المثوبة من الله إذ يتعين على الأمة أن يتفرغ منها من يقوم بهذه المهمة، ولكنه لا يلزم جميع الطالبات ان يضحين بدراستهن بل الأولى أن يبرمجن فيعطين من أوقاتهن للدعوة بعض الوقت ويشتغلن بدراستهن بعض الوقت عملا بالحديث: ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
وأما الجلوس مع هؤلاء النسوة والاستفادة منهن فيما هو حق فلا حرج فيه، فإن الحق يؤخذ ممن جاء به من صغير أو كبير، فإن الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها، وقد ثبت في البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قبل الإفادة من شخص جرب فيه الكذب والسرقة ثلاث مرات.
ففي البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم وكله بحفظ زكاة رمضان، فأتاه آت، فجعل يحثو من الطعام، فأمسكه، وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني محتاج، وعلي عيال، ولي حاجة شديدة، فتركه أبو هريرة على أنه لن يعود، وفعل معه ذلك ثلاث مرات، وفي آخر الحديث يقول أبو هريرة: قلت: يا رسول الله: زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ {البقرة: 255} . وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال: لا. قال: ذاك شيطان.
وأما زعم أن هناك عددا محدودا للأوامر والسنن فلا نعلم دليلا عليه والمعروف عند الأصوليين أن السنة لا عقاب في تركها، وان الواجب هو ما أمر به الشارع أو طلبه على وجه الحتم والإلزام، فهو الذي يثاب فاعله ويستحق تاركه العقاب، فالمؤمن يحرص على الانقياد الكامل لله تعالى والإيمان بالكتاب كله والدخول في السلم كافة ويطرق جميع أبواب الخير عملا بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً {البقرة: 208} وبقوله تعالى: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ {آل عمران: 119} ولا يلزم من ذلك عقابه على ترك السنن ولا الفروض التي لم تجب في حقه كالزكاة والحج للفقير وغير ذلك.
وأما التزهيد في العلماء الذين يوثق بعلمهم والاستعانة بهم في فهم نصوص الوحي وسؤالهم عما يشكل فهو خلاف الصواب فكيف يستغني المسلم عن العلماء والله سبحانه وتعالى يقول: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما شفاء العي السؤال ". رواه أبو داود.
ولا شك أن التقوى من أسباب الإعانة على العلم وترسيخه، وبها يفتح الله على العبد من الفهم ما لم يخطر بالبال، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {الحديد:28} وقال تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ {البقرة: 282}
ولكنه لا بد من الاستعانة بالعلماء في فهم نصوص الوحي، وسؤالهم عما يشكل إذ لا يؤمن على من استغنى بفهمه الخاص أن ينحرف ويقع في البدعة.
هذا، وننصحكن بدراسة الشرع دراسة مرتبطة بالدليل، وسؤال العلماء عما أشكل عليكن مما اختلف فيه، وبقيام الليل، والدعاء في استفتاح القيام بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح به دائما، كما في حديث عائشة أنه كان إذا قام من الليل افتتح صلاته " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " أخرجه مسلم.
وراجعن الفتاوى التالية أرقامها للمزيد فيما ذكرنا، ولمعرفة خطر المعاصي على القلوب وحسن الظن بالعلماء: 22072، 4812، 7583، 19193، 33433، 8280، 25309، 58013، 8580، 53998، 57017، 71473، 10262، 33346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1427(7/98)
حكم تولي الولايات والقضاء في بلاد ذات أغلبية غير مسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من دولة الجبل الأسود - بلقان, ونسبة المسلمين فيها 25%.
س1: هل يجوز لمسلمي البلقان أعني الجبل الأسود أن يتحركوا سياسيا؟ وهل يجوز لهم أن يشاركوا في الوزارات, والجيش, والشرطة, والبرلمان الدولي, والمحافظات المحلية, والانتخابات -أم لا؟
س2: إذا جاز فهل يجوز لمسلم أن يكون قاضيا في دولة لا تحكم بشرع الله؟
وفقكم الله لكل خير!!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حق أهل كل بلد أن يشاركوا في إدارة شؤونهم، وعلى المسلمين في كل مكان أن يتمسكوا بدينهم ويحافظوا على هويتهم، وإذا كان ذلك لا يتم إلا بالمشاركة فيما ذكر فإن ذلك يعتبر واجبا شرعيا فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا من قواعد الشرع المعروفة عند أهل العلم، ومن القواعد المسلمة أن الشريعة الإسلامية جاءت لجلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، والسياسة الشرعية باب واسع مبناه على الموازنة بين المصالح والمفاسد، فمتى غلب خير الدخول في السياسة رجح دخولها، ومتى غلب شرها رجح تركها، وعلى هذا، فإذا كانت المصلحة من المحافظة على الدين والنفس والمال والعرض.. تقتضي مشاركة المسلمين في تلك البلاد فيما ذكر فإن عليهم أن يشاركوا، وكذلك إذا كانت المشاركة تدفع عنهم المفاسد أو تقلل عنهم الشر.
وأما تولي القضاء وغيره من المناصب فإنه خاضع لتلك القواعد التي أشرنا إليها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين وإقامة ما يمكنه فيها من الواجبات واجتناب ما يقدر عليه من المحرمات لا يؤخذ بما يعجز عنه فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار ومن فعل ما يقدر عليه من الخير لم يكلف ما يعجز عنه.
وسبق بيان حكم تولي القضاء في البلاد التي لا تحكم بشرع الله تعالى في الفتوى رقم: 18505، نرجو أن تطلع عليها، كما نرجو أن تطلع على الفتاوى: 30626، 9542، 35198، للمزيد من الفائدة والتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1427(7/99)
ترشيح المسلم نفسه إذا أدى إلى مخالفة الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[يستلم بعض المتسلطين وأصحاب الأهواء لبعض المناصب في بلدنا، إلا أنه بإمكاني ترشيح نفسي أو ترشيح أحد المسلمين الذين أثق بنزاهتهم إلى منصب معين وذلك لمحاولة الحفاظ على هذا المنصب من عبث أصحاب الأهواء، هل تنصحون بأن يرشح المسلم نفسه للمناصب السياسية في بلده بحجة أنه يحاول الإصلاح وأنه يخشى من فساد الآخرين إن استلموا هذا المنصب..... علما بأن ترشيح المسلم نفسه لمثل هذه المناصب سيعرضه لبعض الضغوطات والمضايقات التي من أقلها حلق اللحية مثلا واللجوء إلى المجاملة ولو بشكل بسيط على حساب الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت لنا إجابات عن الحكم الشرعي للمشاركة في الانتخابات، ويمكن مراجعتها في الفتوى رقم: 18315، والفتوى رقم: 18151، والفتوى رقم: 5141.
وما ذكرناه من خلاف أهل العلم في إباحتها، وفصلناه فيها من أقوالهم، إنما هو بحسب ما يرجى فيها من جلب المصالح ودفع المفاسد.
وأما إذا كان ترشيح المسلم نفسه لمثل هذه المناصب سيعرضه لبعض الضغوطات والمضايقات التي قلت إن من أقلها حلق اللحية، واللجوء إلى المجاملة على حساب الشرع، فهذا ما لا ينبغي أن يُختلف في منعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1427(7/100)
حكم تجاهل القوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تجاهل الالتزام بالقوانين الوضعية التي لا تستند إلى شرع الله خاصة إذا ظلم الإنسان في رزقه جراء تطبيق هذه القوانين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن القوانين الوضعية ليست على حالة واحدة من جهة الالتزام بها وعدم الالتزام بها، فمنها ما يجب الالتزام به ولا تجوز مخالفته وهو ما تتحقق به مصلحة، ولا يناقض شرع الله تعالى كقوانين المرور ونحو ذلك، ومنها ما لا يلزم الالتزام به بل وتجوز مخالفته، ولكن إن خاف المسلم أن توقعه هذه المخالفة في الحرج فلا ينبغي له أن يذل نفسه. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 17605، 19490.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1427(7/101)
العزة في التمسك بالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[يا علماء يا من وضعتم في رقابكم هذه المسؤولية، ماذا فعلتم من أجل هذا ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا. وماذا فعلتم حتى لا يصيبكم هذا ... (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَِ) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نتبين - بالتحديد - ما الذي تسأل عنه في إيرادك لهذا الحديث الشريف، والآية الكريمة التي أوردتها بعده، فإن كنت تسأل عما على المسلمين أن يفعلوه لتفادي ما أنذر به هذا الحديث، فالجواب: أن هذه الأمور قد تحققت منذ زمن بعيد، وقد ظهر فيها صدق نبوته صلى الله عليه وسلم، ففي شرح النووي لصحيح مسلم عند الكلام على هذا الحديث قال: وهذا الحديث فيه معجزات ظاهرة وقد وقعت كلها بحمد الله كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، قال العلماء المراد بالكنزين الذهب والفضة والمراد كنزي كسرى وقيصر ملكي العراق والشام، وفيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب وهكذا وقع، وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب ...
وإن كنت تسأل عما على المسلمين أن يفعلوه لتعود لهم الدولة، فالجواب: أن المسلمين ما ضاعوا يوم ضاعوا إلا عندما تخلوا عن مهمتهم الرئيسية وقيادتهم للبشرية ببعدهم عن دينهم الذي يفرض عليهم العمل والسبق في كل مجالات الحياة، ولن تقوم لهم قائمة إلا بالعودة إلى الله تعالى والتمسك بهذا الدين الذي أعزهم الله به، ومهما ابتغوا العزة بغيره أذلهم الله كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذه مسؤولية الجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1427(7/102)
أمور لا تغفل عند محاورة غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت الدعوة الإسلامية حقا شرعيا لنا، وأنه من دوافع الجهاد في الإسلام هو حماية الدعوة الإسلامية التي يحاربها غير المسلمين، فلماذا علينا محاربة الدعوات الدينية والغربية الأخرى إذا وصلت للمسلمين باعتبارها بمنظورهم حقا لهم؟ إذا كانت الإجابة أن ديننا هو الحق وأن الدعوات الأخرى باطلة، فكيف سنقنع غير المسلمين بذلك؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن يعلم أولا أنه لا يجوز للمسلم محاورة أعداء الإسلام إلا إذا كان على قدم راسخة في العلم يدحض بها شبهاتهم، وعلى إيمان ثابت يدفع به شهواتهم ومغرياتهم، وتراجع الفتوى رقم: 29347.
ثانيا: ينبغي للمسلم أن يكون هو على قناعة بأن هذا الدين الذي يتبعه هو الحق، وأن ما فيه من أحكام هي الصواب وإن لم تبد له حكمة تشريعها، لأنه آمن بالرب الذي شرعها، وأنه عليم حكيم فلا يشرع شيئا إلا لحكمة، علمت أم جهلت.
ثالثا: إن أولى ما ينبغي أن يركز عليه في محاورة غير المسلمين هو قضايا الإيمان والتعريف برب العالمين، فإنه إذا آمن بالله ربا سهل عليه أن يتقبل أحكامه وإن لم تتبين له عللها، وانظر إلى القرآن وهو ينبهنا إلى هذا النهج في قول الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ {الأنعام:121} وتراجع الفتوى رقم: 19284.
رابعا: أنه إذا تبين لهذا الكافر أن الإسلام هو الدين الحق وأن غيره دين باطل سهل عليه أن يفهم لماذا لا يجوز أن يمكن لهذه الأفكار الأخرى، إذ الأمر لا يتعلق بمجرد مصلحة دنيوية بل بمصير أخروي، فإما جنة أو نار، إذا كان هؤلاء القوم قد يصدرون من القوانين ما قد يقيد حرية بعض الجهات لما قد يظنون أن ذلك يحققون به مصلحة دنيوية أو يدفعون به مفسدة دنيوية فكيف لا يجوز للمسلمين منع مثل هذه الأفكار التي قد تفوت بها أعظم مصلحة وهي الحفاظ على الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1427(7/103)
واجب القيام بنصرة الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد انخرطت مع مجموعة من الشباب في جهد متكامل لنصرة هذا الدين وفق رؤية منضبطة للشرع الحنيف وعلى منهج أهل السنة والجماعة في بلد أصبح فيها الاسلام غريبا تحارب وتحاصر فيه كل شعائره، وتقاعس أهله عن واجب نصرة دينهم فهل يجوز لي أن أنسحب من هذا العمل دون عذر شرعي أم أني آثم إن فعلت ذلك؟
أفيدوني رحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العمل في نصر الدين على منهج أهل السنة والجماعة أمر متعين على المسلمين القيام به والتعاون عليه عملا بقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة: 2} وبقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران: 104} ويتأكد هذا الأمر عند تقاعس أغلب الناس عنه، وليستعن العبد بالله وليستعذ به من شر من يخاف شره، ولا يسوغ ترك هذا الأمر إلا بعذر قاهر، وراجع الفتوى رقم: 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(7/104)
السعي إلى نصرة سيد المرسلين ونصرة سنته
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل بضع شهور وصلني إيميل من إحدى صديقاتي عن فيلم سيعرض قريبا يشوه شخص الرسول الكريم ويصفه بأنه شاذ جنسيا, وقبل أيام استلمت ايميل بأسماء المعترضين عن نشر الفيلم, وطلب من كل من يستلم الرسالة أن يكتب اسمه ضمن المعارضين للفيلم, وكان معظم الموقعين في الرساله ذوي أسماء غربية. وتعجبت كيف أن غير المسلمين هم الذين بادروا بالاحتجاج. سؤالي هو عما إذا كان هذا صحيحا فعلا ولماذا لا نتحرك من الآن لنوقف مثل هذا العمل. والله أنا راسلتكم لأنني أعلم أن فيكم من هو قادر على رد مثل هذا الشيء وخصوصا أن فيكم الدكتور يوسف القرضاوي والذي تصغي له الشعوب الاسلاميه ويستمع لرأيه في الدول الغربية. أرجوكم دعونا هذه المرة نبرهن لكل من يستهزئ بحبيبنا أننا مستيقظون وأننا نعلم ما يدور من مؤامرات علينا. لو سمحتم ردوا علي لأعرف أنكم أستلمتم الرسالة اليوم؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وصلتنا رسالتكم الكريمة ونشكرك على اتصالك بنا، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك أنصارا لدينه ولرسوله، ونفيدك أنه لا يبعد معارضة كثير من الغربيين لهذا الأمر ولو لم يكونوا مسلمين، ويتعين على المسلمين القيام بما يمكنهم من الدعوة لله والذب عن رسوله صلى الله عليه وسلم والسعي في نصر سنته ونشرها وإقناع الناس بالعمل، واعلمي أن الموقع ليس تابعا لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى، وإنما يتبع وزارة الأوقاف بدولة قطر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(7/105)
حكم من تناول جاهلا منتجات الدول المقاطعة اقتصاديا
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: اشتريت بدون دراية كرتون زبدة دنماركية وأكلنا منها جزءا، فهل هذا أكل للحرام بدون علم، فأرجو إفادتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما تملكه المسلم من أموال الكفار يباح له استعماله ما لم يكن محرماً لذاته، وعليه.. فإنه لا إثم عليكم في الأكل من تلك الزبدة، إن كانت مصنوعة من مادة مباحة، ولا إثم عليكم في شرائها في الأصل ما دمتم اشتريتموها دون علم بأنها من منتجات الدول التي دعا العلماء لمقاطعة اقتصادها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1427(7/106)
ما يفعله من خير بين الكذب والتأمين التجاري والربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكلت علي مسألة الحاجة للتأمين في أمريكا، أي الحالات أخف إذا لم يوجد التأمين التعاوني فالمسلم مخير بين أن يكذب عليهم ويقول إن دخله قليل جداً بحيث تعالجه الدولة مجانا أو أنه يشترك مع شركة تأمين فيقع في الميسر أو أنه بعد العلاج يدفع لهم التكلفة بعقد ربوي، وأنا لا أدري بما أفتي الناس في هذه المسألة حيث إني إمام مسجد هنا؟ وجزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يفعل شيئاً من هذه الأمور الثلاثة في حالة سعة واختيار، لأنها من المحرمات سواء في ذلك الكذب أو التأمين التجاري أو الربا، لكن إذا كان محتاجاً أو مضطراً إلى العلاج ولا يمكنه أن يدفع مصاريفه إلى المستشفى دون الاشتراك في التأمين الصحي، فلا حرج عليه حينئذ في الاشتراك فيه، والأصل في ذلك عموم قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78} ، وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16} ، وما جاءت به الشريعة من درء المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: مدار الشريعة على قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. أخرجاه في الصحيحين، وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع. انتهى.
ومعلوم أن التأمين الصحي في هذه الحالة أهون من الكذب الذي يؤدي مع أكل مال الآخرين بغير حق إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين وإظهارهم في مظهر الكاذب المخادع، وفي ذلك من التنفير عن الدين والصد عنه ما فيه، وأهون كذلك من الربا الذي آذن الله مرتكبه بحرب، فقال الله تعالى: ي َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:279} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1427(7/107)
الدولة المدنية في ميزان الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تعريف الدولة المدنية في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصطلح الدولة المدنية مصطلح حادث، ويطلق في مقابل الدولة العسكرية أي التي يحكمها العسكر، وهي على هذا تطلق عند من يستعملها على الدولة التي يحكمها غير العسكر، ويغلب إطلاقها على الدولة التي تحكمها فئة منتخبة من قبل الشعب أي بالنظام الديمقراطي.
ومن المعلوم أن الدولة في الإسلام تقوم على أسس ومبادئ خاصة تختلف فيها تماما عن النظام الديمقراطي وإن كان كل من النظامين الإسلامي والديمقراطي قد يجتمعان في بعض الأمور، وبسبب هذا الاختلاف ينبغي الحذر من إطلاق مثل هذه الألفاظ لئلا يلتبس الحق بالباطل. ونرجو أن تراجع الفتوى رقم: 54665، وهي عن ميزات التشريع الإسلامي، وتراجع الفتوى رقم: 10238، والفتوى رقم: 64323، وهما عن الديمقراطية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1427(7/108)
من أسس التعامل مع الناس على اختلاف أحوالهم
[السُّؤَالُ]
ـ[1- كيف عامل العرب الآخر من غير العرب (الموالي) من العصر الإسلامي حتى العصر العباسي؟
2- شرح التصور الإسلامي للآخر بالأدلة الشرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كيفية تعامل العرب (المسلمين) مع غيرهم في الحقيقة المذكورة يُرجَع فيها إلى المراجع التاريخية الموثوقة.
والمولى يطلق على القريب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد.
ويطلق على من حالف قوما ووالاهم سواء كان من العرب أو من غيرهم، كما يطلق على من سبق عليه الرق، ويطلقها بعضهم على غير العرب مقابلة بالعرب، ولذلك فنحن نحيلك إلى مراجع التاريخ وكتب السير.
وعلى العموم فإن الإسلام كرم جنس الإنسان وأمر باحترام إنسانيته وآدميته بغض النظر عن جهته أو لونه أو عرقه، فقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا {الإسراء:70} وأمر بالعدل مع العدو والإحسان إلى كل ذي روح فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {المائدة:8}
وجعل ميزان التفاضل بينهم بتقوى الله تعالى وطاعته، فلا فضل لعربي على عجمي ولا العكس إلا بالتقوى. قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات:13}
وهذا ما ينبغي أن يتصوره كل مسلم ويعمل لتحقيقه كما جسده النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن تبعهم من صالح الأمة.
وللمزيد من حقوق الموالي والأرقاء وحقوق الإنسان بصفة عامة نرجو أن تطلع على الفتاوى التالية أرقامها: 45324، 3642، 5730، 27120، 29817.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1427(7/109)
يصلح المجتمع بصلاح الأسرة ويفسد بفسادها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أهمية الأسرة في المجتمع والإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمجتمع ما هو إلا مجموع الأسر، فمن مجموع الأسر يتكون المجتمع، فكل أسرة لبنة في المجتمع يصلح المجتمع بصلاحها ويفسد بفسادها، ويقوى بقوتها ويضعف بضعفها، ولهذا اهتم الإسلام بالأسرة غاية الاهتمام، ولا يسمح المقام باستعراض أوجه ذلك الاهتمام، ونكتفي بالإحالة على ركن الأسرة في موقعنا، ويمكن الاطلاع تحديداً على هذا الرابط
http//:www.islamweb.net/ver2/archive/readart.php?lang=a&id=30527
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1427(7/110)
هل يقبل الله توبة المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسألكم يا شيخ عن ما يلي وأرجو أن يتسع صدرك لي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله وعد بالجنة الذين لم يظلموا أنفسهم بشق ظلم وقصد بذلك الذين لم يشركوا. فهل يا شيخ هذا يعني أن الله لم يتعهد بأن يدخل الجنة المسلمين الذين وقعوا في الشرك الأكبر وتابوا منه أو ارتدوا عن الاسلام وتابوا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دخول المرتد النار وخلوده فيها مقيد بموته على الردة لقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 217} , وأما من تاب من الردة فإن الله يغفر له ويدخله الجنة كما يدخل المؤمنين كلهم ويدل لغفران ما حصل له من الارتداد قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران: 86 ـ 89} , وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية أنها نزلت فيمن ارتد ثم رجع للإيمان فقبل الله توبته وغفر له. قال ابن كثير في التفسير: قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع البصري، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا لي رسول الله هل لي من توبة؟ فنزل قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران: 86 ـ 89} فأرسل إليه قومه فأسلم. وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان من طريق داود بن أبي هند به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال عبد الرزاق: أنبأنا جعفر بن سليمان حدثنا حدثنا حميد الأعرج عن مجاهد قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث: إنك والله ما علمت لصدوق, وإن رسول الله لأصدق منك, وإن الله لأصدق الثلاثة، قال: فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه، فقوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ: أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعدما تلبسوا به من العماية، ولهذا قال تعالى: وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، ثم قال تعالى: أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ: أي يلعنهم الله ويلعنهم خلقه، خَالِدِينَ فِيهَا: أي في اللعنة، لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ: أي لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ساعة واحدة ثم قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه أن من تاب إليه تاب عليه. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 37185، هذا وننبه إلى أنا لم نطلع بعد البحث على حديث بهذا اللفظ المذكور في السؤال، وراجع حديثا في الموضوع في الفتوى رقم: 68100.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(7/111)
الوحدة الإسلامية في نصوص الوحي
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن ترشدوني إلى الآيات القرآنية الكريمة، وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة الداعية إلى التضامن الإسلامي والوحدة الإسلامية والأخوة الإسلامية، لأني أكتب في بحث لنيل الدكتوراة عن إنشاء اتحاد إسلامي بين الدول الإسلامية، أو على الأقل أين أجدها بيسر لأن في بحثي مطلبا بعنوان المبادئ الإسلامية للتضامن الإسلامي في القرآن الكريم والسنة النبوية، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أهداف الإسلام الكبرى تحقيق الموالاة بين أتباعه, وتجسد الوحدة لأبنائه على كلمة سواء هي كلمة التوحيد.
فنلاحظ أن تعاليمه وتوجيهاته وشعائره التعبدية كل ذلك يصب في هذا القالب فكلمة التوحيد التي هي الركن الأول من أركانه الأساسية دعوة واضحة إلى توحيد العقيدة والأفكار.
وإقام الصلاة في أوقات محددة والأمر بأدائها جماعة مظهر من مظاهر الوحدة الحسية والمعنوية، ودعوة بلسان الحال إلى تحقيقها عمليا.
وكذلك إيتاء الزكاة والدعوة إلى التكافل الاجتماعي لتقوية الصلات والروابط بين الأفراد وبالتالي تتحقق الوحدة بين المجتمع ثم الأمة.
وركن الصيام مظهر كذلك من مظاهر الوحدة وتجسيد لها في الواقع فالإمساك من الجميع عن المفطرات في وقت واحد وإفطارهم في وقت واحد.. تجسيد فعلي لما دعا إليه الإسلام من الوحدة والتضامن، وتتجلى مظاهر الوحدة بصورة أوضح ومظهر أروع في فريضة الحج من بدايته إلى نهايته.
أما من الناحية النظرية فإن نصوص الوحي من القرآن والسنة مليئة بالأوامر الربانية والتوجيهات النبوية التي تحث على الوحدة والتضامن..
فمن ذلك قول الله تعالى: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الانبياء:92)
وقوله تعالى: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ {المؤمنون:52}
وقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا {آل عمران: 103}
وقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ {التوبة: 71} وقوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا {المائدة: 55}
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون تتكافؤ دماؤهم وهم يد على من سواهم. رواه أبو داود ... إلى غير ذلك.
وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون بتطبيق هذه التعليمات فوحدوا هذه الامة بعد الشتات حتى قال عمر رضي الله عنه: كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. رواه الحاكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(7/112)
المبلغ المستفاد بسبب الانتماء إلى حزب علماني
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل من شمال العراق كان منتميا إلى حزب علماني لا ديني، وقد شارك معهم في بعض الثورات والنشاطات التي قام بها بدافع الدفاع عن الحقوق القومية. وبعد ذلك تبين له حقيقة هذا الحزب، فندم على ما سبق، والآن وبعد مضي سنين عدة يقوم هذا الحزب بصرف راتب شهري للمنتمين إليه قديما. فما حكم أخذ هذا الراتب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرتب الذي يأخذه العضو في هذا الحزب العلماني يعتبر أجرة مقابل منفعة محرمة لأن الأساس الذي استحق به الراتب هو الولاء والمناصرة لمبادئ هذا الحزب، ولا ريب أنه يحرم على المسلم موالاة ومناصرة العلمانية وأهلها، وبالتالي لا يجوز له الانخراط في مثل هذه الأحزاب ولا أخذ المال الذي يدفع له على هذا الأساس، لكن ينبغي التفريق بين أن يكون هذا الحزب يرأس الدولة ويتحكم في أموال المسلمين وبين أن يكون حزبا خارج الدولة، فإذا كان من النوع الأول فإن الأموال التي بين يديه إنما هي أموال المسلمين، فمن استطاع أن يصل إلى حقه منها فله ذلك، وإن لم يكن له فيها حق صرفه إلى المستحقين ولا يرده إلى ذلك الحزب الذي سيصرفه في الباطل.
ولعلنا هنا نستأنس بقول الإمام أبي حامد الغزالي إذ يقول: لو لم يدفع السلطان إلى كل المستحقين حقوقهم من بيت المال فهل يجوز لأحدهم أخذ شيء من بيت المال، ثم ذكر فيه أربعة أقوال:
أحدها: لا يجوز.
الثاني: يأخذ كل يوم قوت يومه فقط.
الثالث: يأخذ كفايته سنة.
الرابع: يأخذ ما يعطى وهو حصته والباقون يظلمون وهو القياس، والقياس الصحيح أن يأخذ ما يعطى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1427(7/113)
أيهما أولى بالتقديم حفظ الدين أم حفظ البدن
[السُّؤَالُ]
ـ[تحياتنا واحترامنا وتقديرنا لما تقدمونه من معارف مشكورين عليها، وبعد:
أرجو من حضرتكم تفسير مقولة " حفظ الأبدان مقدّم على حفظ الأديان " ومن قائلها؟ وهل هي سليمة شرعا وما الحكمة من ذلك؟
ولكم جزيل الشكر..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدين مقدم في الشرع على حفظ البدن كما قال الشاطبي وشيخ الإسلام والصنعاني، ويدل لذلك أن الله شرع الجهاد لإقامة الدين وهو قد يودي بحياة صاحبه، وأوجب التمسك بالإيمان مهما لاقى صاحبه من العقبات، ففي حديث البخاري: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه.
ولكن الله تعالى لطيف بعباده ورحيم بهم، فقد رخص في ترك بعض العبادات التي توقع الضرر بصاحبها فشرع التيمم لمن يمرضه التطهر بالماء، وشرع الفطر لمن يمرضه الصوم حتى يقضي في أيام أخرى، وشرع النطق بكلمة الكفر عند الإكراه بالقتل مع اشتراط أن يبقى القلب مطمئنا بالإيمان، وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 35101، 52105، 64166، 64120، 44005.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(7/114)
توحيد الجهود في مواجهة انتهاك المقدسات الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلني على البريد الألكتروني خبر بأن هناك مبنى على شكل الكعبة المشرفة أطلق عليه اسم تفاحة مكة يضم مجموعه من البارات وهذا المبنى يقع بالقرب من برج مركز التجارة العالمي في نيويورك وهذا الرابط http://news.com.com/2061-10793_3-6061531.html أردت أن آخذ رأي العلماء في هذا الأمر ومالواجب علينا نحن كمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي التثبت من هذا الفعل أولا وأنه قصد به مضاهاة الكعبة وسمي بذاك الاسم, فإن كان فهو منكر من الفعل وانتهاك لمقدسات المسلمين وحرماتهم وجرح لمشاعرهم, وهو جزء من حملة كبيرة تستهدف الإسلام وأهله, وهذا يوجب علينا معشر المسلمين أن نوحد كلمتنا, وأن نقبل على ديننا, ونعض عليه بالنواجذ, فنتعلمه ونعمل به فما أصابنا ما أصابنا إلا لأنا خذلناه فانخذلنا ونحن أمة أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله كما كان يقول عمربن الخطاب رضي الله عنه, ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال مالك بن أنس رحمه الله. فنسأل المولى جلا وعلا أن يعيد لهذه الأمة سالف مجدها وتالد عزتها, وأن يرد كيد أعدائها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(7/115)
مقاطعة المتعنت في عدم المقاطعة لها وجه مقبول
[السُّؤَالُ]
ـ[من بعد حملة مقاطعة الدنمارك فوجئت بحملة أخرى تقول: قاطع من لا يقاطع
إذا كانت المقاطعة ليست بالواجب فكيف نقطع الأرحام وإخواننا المسلمين بحجة أنهم لا يقاطعون البضائع الدنماركية! أليس هذا بحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مقاطعة بضائع المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر دعا إليه أهل العلم، وهو يشمل عدم شراء منتجات من حمى أهل تلك الاستهزاءات. فلا يشتريها المسلم سواء وجدها عند تاجر مسلم أو غيره، وأما شراء بضاعة أخرى من تاجر مسلم أو من أحد الأقارب والجيران الذين لم يقاطعوا فلا حرج فيه عند الحاجة إليه. اللهم إلا إذا علمنا أن مؤسسات اقتصادية أرادت كسر الحصار الذي عمله المسلمون بشراء المنتجات وتوزيعها, ورأى علماء المسلمين المصلحة في مقاطعة تلك المؤمسسات حتى تترك استيراد وتوزيع منتجات حماة المستهزئين والتعنت في عدم المقاطعة فذلك له وجه مقبول. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 71673 / 71469 / 71536 / 71811.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427(7/116)
لا سمع ولا طاعة لمن يأمر باقتراف المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بسلك الشرطة ويصادف أن يأمرني رئيسي بأشياء ما أتى الله بها من سلطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرء أن يعمل في مهنة يمكن أن يؤمر فيها بارتكاب المحرمات، وإذا قدر للشخص أن عمل في إدارة أو مؤسسة فإن طاعة ولاة الأمر إنما تجب إذا لم يأمروا بمعصية، أما إذا أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء:59} ، وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً، فأوقد ناراً وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين قولا حسناً. وقال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وعليه, فننصحك بترك هذه المهنة والبحث عن مهنة تأمن فيها من الوقوع في المحرمات. واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن اتقى مولاه وقاه، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427(7/117)
هل الغاية تبرر الوسيلة وحكم دفع الأذى بالحيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الغاية تبرر الوسيلة؟ ما تفسيركم للآية فى سورة يوسف التى تبين كيف استرد يوسف لأخيه بالحيلة عندما وضع صواع الملك فى رحل أخيه وأذن مؤذن أنهم سارقون؟ وإذا آذانا شخص هل لنا الحق أن نرد الأذى بالحيلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقاعدة التي تقول الغاية تبرر الوسيلة غير صحيحة بإطلاق، بل لا بد لصحتها من قيدين:
القيد الأول: أن تكون الغاية مشروعة لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
القيد الثاني: أن يكون ضرر الوسيلة المحرمة التي توصل إلى تلك الغاية المشروعة أقل من مصلحة الغاية المتحققة بها لا أكثر ولا مساويا، فإذا تحقق هذان القيدان في هذه القاعدة صارت مساوية لقاعدة: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما.
أما إذا كانت الغاية والوسيلة متساويتين في المفسدة؛ فهنا تأتي قاعدة أخرى وهي: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. أو قاعدة: الضرر لا يزال بمثله أو بأعظم منه، مثال ذلك حرمة الإقدام على قتل شخص لحفظ النفس؛ لأنه ليست نفسه بأولى من نفس أخيه المسلم، وهذه المسائل دقيقة، والذين يحددونها هم الراسخون في العلم، ولذلك قيل: ليس الفقه معرفة الحلال من الحرام فقط، ولكن الفقه هو معرفة خير الخيرين فيرتكب أعلاهما وشر الشرين فيرتكب أخفهما.
وأما الآية المذكورة في قصة يوسف فتدل على جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل؛ إذا لم تخالف الشريعة ولا هدمت أصلا كما قال ابن العربي في الاحكام عند قوله تعالى: كذلك كدنا ليوسف، وهذا موافق لما قررناه سابقا.
وقال الجصاص عند تفسير هذه الآية:
فيه دلالة على إجازة الحيلة في التوصل إلى المباح واستخراج الحقوق وذلك لأن الله تعالى رضي ذلك من فعله ولم ينكره وقال في آخر القصة كذلك كدنا ليوسف ومن نحو ذلك قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث وكان حلف أن يضربها عددا فأمره الله تعالى بأخذ الضغث وضربها به ليبر في يمينه من غير إيصال ألم كبير إليها ومن نحوه النهي عن التصريح بالخطبة وإباحة التوصل إلى إعلامها رغبته بالتعريض ومن جهة السنة حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمل رجلا على خيبر فأتاه بتمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا فقال لا والله إنما نأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة قال فلا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم تمرا كذا روى ذلك مالك بن أنس عن عبد المجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وأبي هريرة فحظر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاضل في التمر وعلمه كيف يحتال في التوصل إلى أخذ هذا التمر ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لهند خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف فأمرها بالتوصل إلى أخذ حقها وحق ولدها وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا ورى بغيره اهـ
وأما دفع أذى الظالم بالحيلة فهو جائز مع الانضباط بالشرع وبما ذكرنا سابقا، وقد احتج له بقصة نعيم بن مسعود الغطفاني رضي الله عنه في تخذيل الاحزاب، وقد أورد قصته ابن إسحاق في السير فقال:
ثم ان نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوه بن أشجع ابن ريث بن غطفان أتى رسول الله فقال يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره فليسوا كأنتم فان رأوا نهزة أصابوها وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه قالوا لقد أشرت بالرأي ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني قالوا نفعل قال تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه إنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم فأرسل إليهم أن نعم فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال فاكتموا عني قالوا نفعل ثم قال لهم ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان من صنيع الله تعالى لرسوله أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقال لهم إنا لسنا بدار مقام هلك الخف والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة إنا ولله لا ندفع اليكم رجلا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم.
وراجع للمزيد في شأن المظلوم الفتوى رقم: 54580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1427(7/118)
موقف الإسلام من التقنيات الحديثة
[السُّؤَالُ]
ـ[لطالما سمعنا خطباء صلاة الجمعة يضربون عرض الحائط كل أشكال المنتوجات الحديثة وخاصة التكنولوجية منها (جهاز التقاط القنوات الفضائية, الهاتف المحمول, الانترنيت ... ويعتبرونها مهدمة للأخلاق والأنفس وأن الأساس العلمي الذي اعتمد في إنتاجها يمتلكه الكفار وبالتالي فهو لا يرقى إلى مرتبة العلم كما هو معروف عند المسلمين (علم الفقه والدين.) وبالمقابل يمتطي هؤلاء الفقهاء سيارات فاخرة4+4 والهواتف النقالة المتطورة غيرها من منتوجات الكفار حسب تعبيرهم. ألا يعارض هذا فلسفة الإسلام وحثه على البحث العلمي والاكتشاف لخدمة الإنسانية ألا يحمل هذا الخطاب نوعا من الكراهية للآخر المتقدم أليس اعتمادنا كليا على هذا الكافر أرجو أن تحيطوا الموضوع بنوع من التوضيح كما عهدناه فيكم؟
وشكرا جزيلا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام لم يعارض التكنولوجيا الحديثة, وإنما نهى عن كل ما يفضي إلى الرذيلة ويجلب الفتنة ويدمر الأخلاق، والأجهزة التي التي أنتجت حديثا كجهاز التقاط القنوات الفضائية والهاتف المحمول والانترنت وغيرها مما امتلأت به ساحة العصر لم ينه الإسلام عن استخدام ما كان منها يجلب للمرء نفعا في دينه أو دنياه.
وامتلاك الكفار لهذه الأجهزة لم يكن يوما من الأيام علة لتحريمها عند المسلمين، ولا نرى أن الموضوع يحتاج إلى كل ما أراده السائل من الإحاطة والتوضيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1427(7/119)
المشاركة في انتخابات تشكيل مجلس طلبة الجامعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة بجامعة من جامعات فلسطين وأريد أن أسأل عن حكم الانتخابات والمشاركة فيها، أي انتخابات الجامعة التي تعمل لتشكيل مجلس للطلبة ويكون فيها أطراف كثر لانتخابهم وكما تعلمون عندنا في فلسطين كثير من الحركات منها حماس وفتح والجبهة. فأود معرفة الحكم في المشاركة فيها وانتخاب أي منهم وما حكم مقاطعتها؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعا من المشاركة في انتخابات تشكيل مجالس الطلبة أو غيرها من الهيئات والمجالس إذا انضبطت بالضوابط الشرعية, ومن أهمها انتخاب من يستحق المسؤولية دون محاباة أو غش أو تزوير فلا يجوز للمسلم أن ينتخب مسؤولا أقل كفاءة وهو يجد الأكفاء ومن فعل ذلك فقد خان الأمانة وشهد شهادة الزور، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى الله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين. رواه الحاكم.
وقد بينا أحكام الانتخابات بالتفصيل في عدة فتاوى منها: 24252، 62944، 60876، 51188، نرجو الاطلاع عليها وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1427(7/120)
تشريعات الإسلام للرجل والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا اختلفت التشريعات بين الرجل والمرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل مساواة الرجال والنساء في التشريع والتكليف والجزاء، وفي التكريم والحقوق والواجبات، كما قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ {الأنعام: 98} وقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ {الإسراء: 70} وقال تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ {آل عمران: 195} وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل: 97}
وقال صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
فإذا وجدنا بعض الاختلاف في التشريعات الإسلامية بين الرجل والمرأة فإن ذلك عائد إلى اختلاف خصائص كل منهما النفسية والجسمية، فالشارع الحكيم جعل لكل منهما وظيفة تناسب طبيعته الفطرية وشرع لهما الأحكام التي تضمن سعادتهما الأبدية.
والحقيقة التي لا يمتري فيها عاقل منصف أن تشريعات الإسلام ملائمة ومنسجمة مع طبيعة كل من الرجال والنساء سواء منها ما كان عاما أو ما كان خاصا بأحدهما دون الآخر لأنها تنزيل من حكيم حميد: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك: 14}
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين برقم: 16826، 21412، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(7/121)
التسامح سمة الإسلام البارزة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التسامح وما موقف الإسلام منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التسامح يقتضي التنازل عن الحقوق والإنصاف من النفس والعدل مع الآخرين والإحسان إليهم. وهذه الأمور من أبرز سمات الإسلام وأخص مميزاته، فقد قال الله عز وجل: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {المائدة:8} ، وقال تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء ... الحديث. رواه مسلم وغيره، ويترتب على هذه الأمور التراحم والمودة والتناصح ...
وبذلك يعيش الناس في تعاون وسعادة ووئام.. وهذا ما يهدف إليه الإسلام وقد جسد المسلمون الأوائل هذا التسامح حتى قال قائلهم: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. وعدم التسامح تترتب عليه كثير من المحاذير الشرعية التي حذر منها الإسلام، فإذا لم يكن هناك تسامح فإن الكراهية والبغضاء والشحناء والتنافر والشح والظلم والبغي والتناحر والتقاتل ستسود وتنتشر بين الناس.
فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يجعل التسامح سمته البارزة ويعطي كل ذي حق حقه، ويسمح لأصحاب الديانات الأخرى بالتمسك بدينهم وحرية التعامل به في ظل دولته وتحت سلطانه، يقول الله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... {البقرة:256} ، ويقول الله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8} ، ولا يتوقف الإسلام في تسامحه مع الآخرين ورحمته بهم على الإنسان فقط بل يمتد ليشمل الحيوان والنبات والكون كله، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 54914، والفتوى رقم: 45846 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1427(7/122)
ومضات حول الصراع بين الأديان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو صراع الأديان الذي كانوا يتحدثون عنه من فترة قريبة في نشرات الأخبار بعد حادثة الإساءة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الدنماركيين الخنازير قبحهم الله؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصراع بين الأديان مظهر من مظاهر الصراع بين الحق والباطل، والصراع بين الأنبياء وأتباعهم الناهجين منهجهم وبين الشياطين والأبالسة ومن يتبع خطواتهم, وهو صراع قديم وإنما تظهر آثاره في كل حين فقديما أخبرنا الله أن الشيطان عدو لنا ويجب علينا اتخاذه عدوا, وأخبر عن عداء المجرمين للأنبياء وأنه سبحانه وتعالى ناصرهم قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا {الفرقان: 31}
وأخبر كذلك عن حرص أهل الضلال على صد المسلمين عن دينهم فقال: حَتَّى وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ {البقرة: 120} وقال تعالى: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا {البقرة: 217} وقال تعالى: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا {النساء: 27} ولكنه أخبرنا كذلك أن الالتزام بالدين هو السبب الوحيد لسلامتنا من كيدهم وأذاهم فقال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا {آل عمران: 120} وقال تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا {النساء: 141} فواجب المسلم في كل حال الالتزام بمنهج الله واتباع رسله وموالاة أهل الإيمان والتعاون معهم على البر والتقوى, والالتجاء إلى الله تعالى والتوكل عليه والعمل بشرعه في كل مشكلة تحصل. فقد هجم المشركون واليهود على أهل المدينة في غزوة الاحزاب يريدون التعاون على إبادتهم فأرشد الله نبيه إلى الالتزام بالتقوى وعدم طاعة الكفار وبالتوكل واتباع الوحي فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا {الأحزاب: 1-3}
ثم إن من التقوى والتوكل بذل الوسع والأسباب الممكنة في صد الهجوم والسلامة منه. ولذلك خندق صلى الله عليه وسلم وعسكر بجيشه ليصد المشركين, ولكن الله كفى المؤمنين القتال, وأرسل على الكفار جندا من جنوده وهو الريح والملائكة. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 6069، 3642، 3584، 57285، 71469.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1427(7/123)
الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف ندافع عن النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71753، 71157، 71673، 71469، 71536، 6417، 41439.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(7/124)
الرد على من نال من رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[omri 14sana askono fi mantikatin naiaa (el-kharoob chaeboha maiit mada afaaloo kaifa arodo aala men dalama rasoolo alah
أسكن في منطقة نائية، ماذا أفعل وكيف أرد على من ظلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 71753 // 71157 // 71673 // 71469 // 71536 // 6417.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1427(7/125)
المقاطعة الاقتصادية والامتناع عن الدعاية الإعلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل في شركة تصنع البرامج الإعلامية وتبيعها وقد كلفت منذ شهرين بإعداد برنامج لمغازة أغذية أجنبية لها فرع في بلدي ومن بين معروضاتها بعض المنتجات الدانماركية كالشكلاطة و ... فهل ما أفعله حرام ?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أباح الله تعالى للمسلمين أن يتعاملوا مع الكفار بيعا وشراء بشرط أن لا يكون في أمر محرم كالتعامل بالربا وشراء أو بيع الخمر أو الميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو نحو ذلك.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل معهم، وقد توفي صلوات الله وسلامه عليه ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير كما في البخاري وغيره، وكان الصحابة في عصره وبعده يتعاملون معهم، ولكن إذا رأى المسلمون أن في مقاطعة بضاعتهم مقاطعة اقتصادية مصلحة شرعية فعليهم أن يفعلوا ذلك وأن يلتزموا به.
وعليه، فإذا كان البرنامج الذي كلفت به يروج أو يعين على ترويج البضائع التي رأى علماء المسلمين في مقاطعتها مصلحة فلا يجوز لك العمل فيها، أما إذا كان البرنامج لا علاقة له بما قرر المسلمون وجوب مقاطعته ولم يكن فيه إعانة لهم على الإثم والعدوان فلا مانع من العمل فيه بناء على ما ذكرناه في صدر السؤال.
وراجع الفتوى رقم: 3545، والفتوى رقم: 64523، والفتوى رقم: 62932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1427(7/126)
دلالة حديث ثمامة على شرعية المقاطعة الاقتصادية
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرتم في الفتوى رقم 71423 أن ثمامة منع عن أهل مكة وقاطعهم اقتصاديا.. ولكن بالرجوع إلى قصته نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد كتب له بأن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم.. إذا كان هناك دليل آخر أرجو تزويدي به لمحاججة بعض المشككين بجواز المقاطعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أن الأصل الجواز في مثل هذه الأمور التي تتعلق بالسياسة الشرعية في التعامل مع الكفار، فيرجع فيها إلى المصلحة الشرعية، فإذا وجدت المصلحة فيها فثم شرع الله، ولا يمنع منها إلا إذا ترتبت عليها مفسدة راجحة، والغالب في المقاطعة الاقتصادية تحصيل مصلحة راجحة ولذا أفتى بها العلماء، والمرجع في تحديد المصلحة من غيرها إلى العلماء.
وأما الاستدلال بحديث ثمامة رضي الله عنه على المقاطعة الاقتصادية فاستدلال صحيح وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ثمامة أصل مبدأ المقاطعة بل أقره عليها، ولما أرجع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستجديه أن يأذن بحمل الطعام إليهم، فتحقق المقصود من المقاطعة وهو إذلال العدو، وإعزاز الإسلام، وربما بدا للنبي صلى الله عليه وسلم مصالح أخر كتاليف قلوبهم ونحو ذلك من مصالح، وقد ذكرنا جملة من الأدلة على جواز هذا النوع من التضييق عند حصول المقتضي لذلك، فراجعها في الفتوى رقم: 71469.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1427(7/127)
كتمان المسلم إسلامه خشية الوقوع في الضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الشيخ: أنا مسيحي وقد هداني الله إلى طريق الحق (طريق الاسلام) إلا أني لا أستطيع إعلان إسلامي والقيام بالعبادات المفروضة بسبب محيطي الاجتماعي فهل يمكنني السفر إلى بلد آخر مثل السعودية لإعلان إسلامي ومن ثم أعود إلى بلدي، هل هناك جهات تقدم المساعدة في ذلك، وما هي هذه المساعدة؟ أرجو منكم التكرم بالإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحمداً لله تعالى أن هداك للإسلام، ونسأله سبحانه أن يعيننا وإياك على الثبات على الإسلام حتى نلقاه.
واعلم أن الدخول في الإسلام يتحقق بنطق المرء بالشهادتين، ولا يشترط لصحة الإسلام إعلان ذلك على الملأ أو أمام قاض ونحوه، فالذي نوصيك به أولاً: هو المبادرة إلى النطق بالشهادتين ـ إن لم تكن قد فعلت ـ، ثم إن الإسلام بقتضي الالتزام بشعائر الدين الظاهرة كالصلاة والصيام ونحوهما، ولا بأس إن خشيت الضرر أن تكتم إيمانك وتخفي العمل بهذه الشعائر لا أن تتركها بالكلية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين أسلم: اكتم هذا الأمر. رواه البخاري
ولو قدر أن تم الاطلاع على أمرك من قبل أهلك أو غيرهم وتعرضت لشيء من الأذى فلتصبر ولتحتسب الأجر عند الله، ولك أسوة حسنة في الأنبياء عليهم السلام، فقد أوذوا فصبروا، قال تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا {الأنعام: 34} وكذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد كان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما وضعوا القذر على ظهره وهو ساجد عند الكعبة، وروى البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما اشتد عليهم الأذى: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه.
ونوصيك بالتعرف على إخوانك المسلمين في بلدك وحضور الندوات والمحاضرات التي تعقد في المراكز الإسلامية ونحوها، فإن طلب العلم والصلة بالإخوان من خير ما يعين المرء في دينه.
وأما السفر إلى بلد مسلم تستطيع فيه عبادة ربك دون خوف أو وجل، فأمر واجب عليك شرعاً ما دمت لا تستطيع القيام بشعائر دينك في بلدك، فاجتهد في البحث عن سبيل لذلك، واستشر في هذا الأمر إخوانك المسلمين الموجودين في بلدك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1427(7/128)
موقف المسلم أمام الاستهزاء بسيد المرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الدنمارك رسمت صورا مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم؟ نحن تعلمنا في دين الإسلام أن لا نسيئ للديانات الأخرى. هل نقدر أن نسيئ الى رئيس دولة الدنمارك؟ ... ... ... ... ... ... ... ... ... أرجو منكم أن تراسلوني دوما على بريدي الالكتروني.
بالتوفيق يا أفضل المواقع. وأنا إن شاء الله دوما سوف أواصل الدخول على موقعكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نستطيع الجزم في تحديد ما الذي دفع تلك الجهات التي سخرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيامها بهذا الفعل، ولكن ما نستطيع الجزم به هو أن الغالب في أهل الكفر الحقد على المسلمين وسعيهم إلى النيل منهم، قال الله تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ {البقرة:217} ، وقال سبحانه وتعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ {البقرة:109} ، وقال تعالى: وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ {الممتحنة:2} .
ولذا فلا يستغرب ما قام به هؤلاء الناس من رسم هذه الصور التي تستهزئ بنبي الرحمة ورسول الهداية الذي بعثه الله تعالى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهو محل تقدير الملايين من البشر، ونحيلك على بعض الفتاوى المهمة والتي تبين ما ينبغي أن يكون عليه المسلم عند حدوث مثل هذه الأحداث وأمثالها، وهي بالأرقام التالية: 71536، 71469، 71673.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1427(7/129)
المقاطعة الاقتصادية ولا يؤاخذ إلا من أساء
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأعزاء
تحية طيبة لمن نحبهم في الله تعالى سائلا الله تعالى لكم التوفيق
لدي سؤالان حول الأحداث الجارية الآن والخاصة بنشر الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم والمقاطعة بصورة عامة
أما السؤال الأول:فهو ما يتبادر إلى أن ما نشرته الصحيفة هو خطأ وجريمة ينبغي أن تتحمله هي وحدها ومن تولى كبره فهل أخطانا إن حملنا غالب أفرادهم بجريرة بعضهم.
السؤال الثاني: وهو أن دعوات المقاطعة بصورة عامة لا أقصد هذا الأمر فحسب، كثيرا ما تمس أفرادا أو وكلاء قد لا يكون لهم مباشرة في كثير من السياسات أو غيرها وإنما هم أصحاب تجارات بل إن الكثير منهم يكون قد اشترى هذه المنتجات من أصلها ودفع مالها فيلحق الضرر به لا بأصول المنتج والجهة المنتجة له
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الفعل أن يؤاخذ به من قام به دون من لم تكن له علاقة به، ويدخل في المؤاخذة من تبنى هذا الفعل أو دافع عنه أو عمل على إعادة نشره بقصد سيئ، وأما الإطلاق بحيث تتناول المؤاخذة من ليس له علاقة بالأمر أصلا فلا يجوز لأن هذا ينافي العدل الذي هو أساس دين الإسلام، قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {المائدة: 7}
وأما المقاطعة الاقتصادية لمن يسيء للإسلام ورسوله ونحو ذلك من تصرفات سيئة فقد سبقت لنا فيها الفتوى رقم: 71469، ومن كان مجرد وكيل في البيع للشركة المعينة فيمكنه المقاطعة إذ قد لا يترتب عليه كبير ضرر في ذلك، وأما من اشترى هذه البضائع فلا يطالب بإتلافها لأن في هذا تضييعا للمال على وجه لا تترتب عليه مصلحة شرعية، بل يترتب عليه ضرر على المسلم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال. رواه البخاري ومسلم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1427(7/130)
مقاطعة أدوية الدول التي تهجمت على سيد المرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى أما بعد:
أنا صيدلاني من فلسطين ونقابة الصيادلة لدينا لم تتخذ موقفا من مقاطعة منتجات الدول التي تهجمت على سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله أجمعين فقمت بموقف فردي بمقاطعة الأدوية والمنتجات من الدول التي تطاولت على أكرم الخلق ولكني فوجئت أني الوحيد الذي قاطعتها فهل أستمر أم ماذا؟ وسؤال حول الأدوية التي ليس لها بدائل لدينا في سوق الدواء في فلسطين والتي تصنع في الدول المذكورة هل أقاطعها أم ماذا؟؟؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب كل مسلم أن يدافع عن دينه ونبيه -صلى الله عليه وسلم-، لأن حب النبي صلى الله عليه وسلم من مرتكزات الإيمان وأساسياته لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ". والحديث في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وإذا رأى المسلمون أن في مقاطعة بضاعة الكفار أو بعض منهم، مصلحة شرعية، كأن تكون وسيلة للدفاع عن المقدسات، فعليهم أن يفعلوا ذلك وأن يلتزموا به.
فكان على نقابة الصيادلة في بلدكم أن تحذو حذو العالم الإسلامي وتقاطع منتجات الدول التي تهجمت على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
واعلم أنك أنت ستكون مأجورا إن شاء الله بما فعلته من المقاطعة. لأن استيرادك للأدوية من غير الدول المعنية سيكون فيه إضرار باقتصاد تلك الدول.
وعليه، فاستمرارك في مقاطعتها –ولو انفردت بذلك من بين جميع الصيادلة- خير لك من الرجوع عنه.
ثم إنه من المستبعد جدا –وأنت أدرى بشأن الصيدلة- أن توجد أدوية من بعض الدول، ولا يمكن إيجاد بدائل لها. ومع ذلك، فإذا افترضنا وجودها فإنه ينظر في مصلحة استيرادها ومفسدتها، ويعمل بما ترجح من ذلك. لأن الشرع حقيقة مبناه على جلب المصالح وتكبيرها ودرء المفاسد وتقليلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1427(7/131)
الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم أولا أن الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فريضة على أمة الإسلام، لا يجوز التساهل والتفريط فيها، فإن الدفاع عنه من دلالة الإيمان وبرهان الإحسان ودليل الإسلام، وكيفية الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم تختلف باختلاف الأحوال، إلا أن هنالك أمورا مهمة في الدفاع عنه وهي مطلوبة في كل لحظة وحين ومنها:
أولا: كشف زيف ما اتهم به صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: نشر سيرته العطرة وتعريف الناس بها.
ثالثا: التمسك بسنته وإظهار هديه في الأقوال والأفعال.
وأما بخصوص ما قامت به بعض الصحف الدنماركية من رسم صور تسخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وجه علماء الأمة المسلمين ببعض التوجيهات ومنها:
التوجيه الأول: مقاطعة منتجات الدول التي تتبنى مثل هذه الأفكار.
التوجيه الثاني: قطع العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول وغير ذلك مما تتحقق به المصلحة.
التوجيه الثالث: إظهار الغضب بأسلوب حكيم تتحقق به المصلحة ولا تترتب عليه مفاسد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1427(7/132)
المقاطعة الاقتصادية للمستهزئين بسيد المرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة على رسول الله....
فبعد الحملة المباركة الداعية لمقاطعة بضائع من سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يضعف اقتصادهم المدعوم بأموال مسلمة ظهر من يقول ببدعية مقاطعة بضائعهم وأنها من تحريم ما أحل الله بينما المقاطعة ليست تحريم الجبن من أصله ولا الزبد من أصله ولا الحليب من أصله وهكذا البضائع الأخرى فغيرها من مثيلاتها من البضائع التي من دول لم تشارك في سب الرسول موجودة.
السؤال: كيف نرد على مثل هؤلاء المثبطين؟
حفظكم الله وسدد خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد أن يعلم أولا أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم بآبائنا هو وأمهاتنا ممن سبه وآذاه واجب شرعي فقد قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {الفتح: 8 ـ 9} فالإيمان بالله والرسول والتعزير والتوقير للرسول صلى الله عليه وسلم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار. وقال أيضاً: أما انتهاك عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه مناف لدين الله بالكلية، العرض متى انتُهك سقط الاحترام والتعظيم، فسقط ما جاء به من الرسالة، فبطل الدين، فقيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله، وإذا كان كذلك وجب علينا أن ننتصر له ممن انتهك عرضه.
وإذا تقرر هذا فالمقاطعة لبضائع هؤلاء الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزؤا به ـ بآبائنا هو وأمهاتنا ـ نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى تنكسر شوكتهم ويضعف اقتصادهم وينزجروا عن هذا السب والاستهزاء، ليس بدعة أو تحريما للحلال كما يزعم هؤلاء، بل إنه أسلوب مشروع، وقد يكون واجبا إذا تعين طريقا لكسر شوكتهم ومنع تطاولهم، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما هو مقرر شرعا.
ومن الأدلة على جوازه، ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ثمامة بن أثال لما أسلم سافر إلى مكة للعمرة وقال لأهل مكة: والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
وغير خاف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل التضييق والضغط الاقتصادي كأسلوب من أساليب الجهاد المشروع وذلك بتلك السرايا والبعوث التي سيرها لمهاجمة قوافل قريش التجارية، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص فقال: اخرج يا سعد حتى تبلغ الخرّار، فإن عيراً لقريش ستمر بك. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه يعترض عيراً لقريش في غزوة بواط، وخرج أيضاً لغزوة العشيرة لاعتراض قافلة لقريش في طريقها إلى الشام، روى ذلك كله ابن سعد في الطبقات، وابن هشام في السيرة، ومعلوم أن غزوة بدر إنما كان سببها طلبه صلى الله عليه وسلم عير أبي سفيان، بل وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش أن تضيق عليهم معيشتهم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشاً كذبوه واستعصوا عليه فقال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف. فأصابتهم سنة حصدت كل شيء حتى كانوا يأكلون الميتة، وكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع، فأتاه أبو سفيان فقال: أيْ محمد! إن قومك هلكوا، فادع الله أن يكشف عنهم. متفق عليه إلى غير ذلك من شواهد كثيرة.
والاقتصاد في زماننا هذا ذو تأثير كبير وفعال على مواقف الدول والشعوب واتجاهاتها، وقد يكون هو الأسلوب الأنجع في أيدي المسلمين اليوم للضغط على هؤلاء ليوقفوا أو يخففوا من حملتهم ضد النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين. وراجع الفتوى رقم: 3545.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1427(7/133)
المقاطعة الاقتصادية للمتطاولين على الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المقاطعة الاقتصادية لأعداء الله والمتطاولين على الدين والرسول (صلى الله عليه وسلم) جائزة، وهل هنالك من دليل على ذلك من السيرة النبوية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقاطعة الاقتصادية لأعداء الله وللمتطاولين على الدين والرسول صلى الله عليه وسلم جائزة، بل قد تكون واجبة إذا تعينت سبباً لكسر شوكتهم ومنع تطاولهم، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ومن الأدلة على جواز المقاطعة الاقتصادية ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن ثمامة بن أثال لما أسلم سافر إلى مكة للعمرة وقال لأهل مكة: والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 32633، والفتوى رقم: 3545.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1427(7/134)
جرائم الرجال والإناث في نظر الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[رأي جرائم الإناث في نظر الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام نظر إلى كل من الرجل والمرأة نظرة متساوية، ولم يميز بينهما إلا فيما يتعلق بالخصائص البيولوجية والفيزيولوجية لكل منهما.
فالتكاليف الشرعية فعلا وتركا تستوي فيها النساء مع الرجال، إلا ما ثبت في الشرع تخصيص أحدهما به.
ويستويان كذلك في المثوبة والعقوبة. ويدل لهذا قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل: 97} وقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا {المائدة: 38} . وقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ {النور: 2} .
وعليه، فجرائم الإناث في نظر الإسلام قبيحة قبح جرائم الرجال، ويعاقبن عليها مثلما يعاقب الرجال على جرائمهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1427(7/135)
الإسلام هو دين الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ, ماذا أجيب إذا سألني أحد, خصوصا الأساتذة غير المسلمين: من اكتشف الإسلام؟ وأرجو التفصيل.. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام هو دين الله تعالى، وقد أمر الله رسله بتبليغه إلى عباده، فقام الرسل عليهم السلام بذلك خير قيام، فليس هو من اكتشاف أو اختراع أحد من المخلوقين.
وللإسلام معنيان معنى عام وهذا ما كان عليه جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومعنى خاص وهو ما أرسل به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نسب الله تعالى في كتابه الإسلام بمعناه العام إلى كثير من الأنبياء، كقوله تعالى على لسان نوح: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {يونس: 72} وقوله تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {آل عمران: 67} وقوله سبحانه: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة: 132- 133} . وقوله عز وجل: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {البقرة: 127-128}
وقال تعالى على لسان يوسف: رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ {يوسف: 101} .
وقال سبحانه على لسان السحرة مخاطبين فرعون: وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ {الأعراف: 126} وقال تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل عمران: 52} ، والإسلام بالمعنى الخاص هو علم على الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه يسمون مسلمين
والله تعالى هو من سمى المسلمين بهذا الاسم والدليل على ذلك قوله سبحانه: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ {الحج: 78} .
وفي تفسير ابن كثير: قال الله تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا قال مجاهد: الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر، وفي هذا يعني القرآن ".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1426(7/136)
المرشح مسؤول أمام الله تعالى عن شهادته
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام مسجد يطلب من الناس انتخاب قائمة معينة والناس يعرفون بأنها غير شرعية علما\"بأن أصحاب هذه القائمة هددوه بأن يطردوه من المسجد إذا لم يحدث الناس على المنبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من يشارك في الانتخابات يعتبر شاهدا ومزكيا لمن يرشحه وينتخبه وهو مسؤول أمام الله عن تلك الشهادة فيتعين أن لا ينتخب إلا من هو أصلح وأكثر كفاءة لما يقوم به وأما إن رشح من لا يصلح فإنه يعتبر شاهد زور وهي كبيرة من الكبائر، قال الله تعالى: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {الحج: 30}
وقال تعالى في وصف عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ {الفرقان: 71}
وفي حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا: قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئا فقال: ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 5141، 30350، 36071.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(7/137)
فقه الأولويات في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل هنالك ما يسمى بـ (فقه الأولويات) في الإسلام؟ بمعنى أن بعض الأعمال الحسنة أفضل من بعض وبعض الأعمال القبيحة أهون من بعض؟
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في الإسلام أولويات يعني أمورا بعضها أولى من بعض، فبعض الأعمال آكد من بعض كأركان الإسلام فالحج مثلا آكد من العمرة، وصلاة الفرض آكد من الوتر، والوتر آكد من النوافل الأخرى، وبعض الأعمال أحب إلى الله من بعض كالصلاة في وقتها وبر الوالدين والجهاد وبعض النفقات أعظم أجرا من بعض كالنفقة على النفس والأهل، وبعض الأمور التي يدعى إليها أقدم من بعض، والمحرمات بعضها أعظم من بعض فالشرك أخطرها ويليه قتل النفس والزنى، والفقه في هذه الأمور ضروري حتى يقدم الإنسان أهم الأمرين عند التعارض أو تعذر القيام بهما معا، وحتى يرتكب أخف الضررين وأهون الشرين إذا كان لا بد من ارتكاب أحدهما.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للزيادة من التفصيل في الموضوع: 4014، 12178، 6400، 47422، 10648، 54907، 10637، 17835، 19001، 27000.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1426(7/138)
دخول مجلس الشعب وإدلاء الناخبين بأصواتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كل عام وأنتم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات، سؤالي شيخنا الجليل هو: فى هذه الأيام تمر بلادنا بانتخابات مجلس الشعب، فأريد من فضيلتكم بيان التالي:
1- حكم دخول المرشحين.
2- حكم إدلائي بصوتي فى هذه الانتخابات.
3- هل فى طريقة الانتخاب خطأ شرعى (صناديق الاقتراع) ، مع العلم بأننا من شباب التيار الإسلامى وأخواننا سيرشحون أنفسهم فى هذه الانتخابات وشعارهم (الإسلام هو الحل) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد انقسم العلماء في العصر الحاضر حول موضوع الانتخابات واختلفت آراؤهم فيه، فمنهم من يقطع بعدم جوازها وأن الدخول فيها لا يصح في ظل الوضع الراهن، ومنهم من يقول إنه يتعين على المسلمين دخولها وأن لا يضيعوا ذلك، ومنهم من يقول بجوازها بشروط، ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 5141، والفتوى رقم: 18315.
وملخص الفتويين أنه لا حرج في الالتحاق بمجلس الشعب، إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق وعدم الموافقة على الباطل، كما أنه لا حرج في إدلاء الشخص بصوته في الانتخابات لنفس الغرض، ولا في الطريقة التي لا تتم بها الانتخابات، ما لم يؤد شيء من ذلك إلى محذور شرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1426(7/139)
اشتراك النساء في مجلس شورى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[لى أخ يعيش بأمريكا وقد قام مع عدد من المسلمين من جنسيات مختلفه بإيجار مكان لأداء صلاة الجمعة ويقوم كل منهم بدفع نصيبه من الإيجار ولما زاد عدد المصلين زادت بالتالى حصيلة المبالغ التى يدفعها المصلون فأتفقوا على تكوين مجلس للشورى لبحث مصادر صرف المبالغ الزائدة عن قيمة الإيجار ولما كان من بين المصلين أخوات مسلمات فقد رأى البعض مشاركتهن فى مجلس الشورى هذا بينما رأى البعض الأخر أن هذا لايجوز من الناحية الدينية.
برجاء إرسال رأيكم عن مدى صلاحية اشتراك المرأه في مجلس الشورى هذا من الناحية الدينية؟
ولكم جزيل الشكر ...
السلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من استشارة النساء العاقلات ذوات الرأي السديد فيما يمكن أن يفدن فيه من أمور المسلمين والأخذ برأيهن الموافق للصواب مع الالتزام بالضوابط الشرعية في التعامل مع الرجال ومخالطتهم. فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أم سلمة رضي الله عنها في الحديبية وقد صار هذا دليلاً لجواز استشارة المرأة الفاضلة، وقد أخذ الرجل الصالح برأي بنته لما أشارت عليه باستئجار موسى عليه السلام فقالت: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ. وفي الصحيحين من حديث أم عطية رضي الله عنها عندما غسلت بنته زينب قال لهن النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر. فقد اعتبر رأيهن في ذلك.
وقد استشار عبد الرحمن بن عوف الرجال والنساء في موضوع اختيار الخليفة بعد عمر كما ذكره ابن كثير في البداية، واستشار عمر حفصة في شأن تحديد مدة غيبة الرجل عن زوجته، ولكنا ننبه إلى أن الأولى للنساء أن يصلين في بيوتهن إذ صلاتهن في البيوت أفضل من الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده كما في حديث أم حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: صلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي. رواه الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان وحسنه الألباني والأرناؤوط. كما ننبه إلى ضرورة الالتزام بالشرع عند استشارة النساء والبعد عما يؤدي للريبة والسوء والخلوة بالأجانب والنظر المحرم. فالأصل هو قرار المرأة في البيت والكلام معها من وراء حجاب بشرط عدم الخضوع بالقول لقوله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ {الأحزاب 32 ــ 33} ولقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب: 53}
ويجوز أن يجلس مجموعة من النساء مع الرجال في قاعة واحدة للتشاور ويكون كل منهما في ناحية ويلتزم النساء بالستر والرجال بغض البصر عن الحرام، كما كان الصحابة يجتمعون في المسجد النبوي ويكون النساء خلف الرجال، وأولى من هذا أن يسأل النساء عن آرائهن بواسطة أزواجهن أو محارمهن. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 22064 // 48092 // 40566.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1426(7/140)
قيام الدولة بالفروض الكفائية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.... والصلاة والسلام على خير الأنام وعلى آله وصحبه.
هل توفير التعليم الدنيوي واجب على الدولة، وهل هي التي تتكلف بكل المصاريف (للأساتذة والمعدات) ، مع ذكر الأدلة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التعليم الدنيوي يعتبر فرضاً من فروض الكفاية كالتعليم الديني الذي ليس بفرض عين على المكلف، والمسؤول الأول عن القيام بفروض الكفاية هم القائمون على أمر المسلمين (الدولة) أولاً، فإذا أهملوا هذا الواجب وجب على جماعة المسلمين القيام به، فإن لم يقم به من تحصل بهم الكفاية أثم جميع من كان.
وقد كان القائمون على أمر المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن سار على منهجهم هم القائمون على فروض الكفاية وأمور المسلمين العامة حتى أثر عن عمر رضي الله عنه قوله: لو عثرت بغلة بالعراق لظننت أن الله تعالى سيسألني عنها. يعني أنه يعتبر ولي أمر المسلمين مسؤولاً عن كل الأمور العامة بما في ذلك تعبيد الطرق.
ولأهمية فروض الكفاية في الإسلام فقد جعلها بعض أهل العلم أفضل من فروض العين، قال صاحب المراقي:
وهو مفضل على ذي العين * في رأي الأستاذ مع الجويني
ذلك لأن نفعه عام، ومن أمثلة فروض الكفاية الدينية: صلاة الجنازة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... وطلب علوم الشرع من تفسير وحديث وفقه.... وتول للقضاء والإفتاء.
كما مثلوا لفروض الكفاية الدنيوية بالحرف المهنية والصنائع المختلفة التي تقوم عليها بنية المجتمع والمؤسسات الاقتصادية التي تحمي اقتصاد المسلمين وتقوم على أساس التعامل بالشريعة.
ومن المعلوم أن هذه الأمور لا يمكن القيام بها إلا على أيدي من تعلموا أصولها، ولا يمكن تحصيل الكفاية منهم إلا إذا قام أولياء الأمور بواجبهم من إقامة المؤسسات التعليمية التي تخرج الأكفاء، فمن القواعد المسلمة: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ونرجو أن تطلع على المزيد في الفتوى رقم: 21999.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1426(7/141)
حكم المشاركة في المظاهرات السلمية
[السُّؤَالُ]
ـ[كان سؤالكم \"ما حكم المظاهرات السلمية؟ الجماعات السلفية تقول حديث حمزة وعمر والخروج في صفين حديث ضعيف. أرجو فتوى الشيخ سلمان العودة والدكتور القرضاوي.\"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا القول في حكم المظاهرات السلمية التي تهدف إلى نصرة المسلمين في الفتوى رقم: 5843.
هذا وننبه الأخ الكريم إلى أن الشيخ سلمان العودة والشيخ يوسف القرضاوي ليسا أعضاء في مركز الفتوى بالشبكة الإسلامية. ولكل منهما موقع خاص به يمكنك مراسلتهما ومعرفة فتواهما في هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1426(7/142)
رأي الأغلبية في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف حدد الإسلام ونظم مجموعات العمل عند وقوع اعتراض فرد من المجموعة على قرار ما وباقي المجموعة تؤيد القرار بالأغلبية فهل يصر على رأية أو ينصاع لرغبة الأغلبية ويدافع عن هذا القرار باسم المجموعة، أو يرفض الانصياع والدفاع عن القرار، أيضا نود معرفة القاعد المتبعة لتنظيم مجموعات العمل كما أقرها الإسلام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام يحترم رأي الأغلبية في الأمور التي لا نص فيها، فإذا حصل تشاور بين أهل الشأن أو الحل أو العقد في أمر اجتهادي لا نص فيه فإن الإسلام في هذه الحالة يعتبر الأكثرية.
وكان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يشاور أصحابه كما أمره الله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ {آل عمران:159} ، فإذا اتفقوا على شيء أو حصلت الأكثرية لم يخالفهم ولو كان رأيه خلاف الأكثرية، وقد نقلت كتب السنة والسيرة أمثله على ذلك منها ما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره في غزوة أحد أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى عدم الخروج من المدينة بل يقيم فيها حتى إذا جاء العدو قاتله المسلمون داخل المدينة وعلى أطرافها.... فلما رأى الأكثرية تريد الخروج ترك رأيه ونزل على رأي الأغلبية واستقر الأمر على الخروج إلى العدو في أحد.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي بكر وعمر: لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما. رواه أحمد مع أنه ضعفه بعض أهل العلم، فالقاعدة أنه إذا حصل تشاور فإن رأي الأغلبية هو المعتبر وأن على الأقلية أن ترضى بذلك فإن الشورى ملزمة على الراجح من قولي أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1426(7/143)
لماذا وصل المسلمون لما هم عليه اليوم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا وصل المسلمون إلي هذه الدرجة من التخلف والإنهيار الأخلاقي وقلة الإيمان والتقليد الأعمى للغرب، لماذا تخلينا عن القرآن والسنة وعدنا إلي عصر الجاهلية ونحن بهذا الذل فرحين ونعتقد بأننا متحضرون، أجيبوني بالتفصيل أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وأما لماذا وصل المسلمون إلى ما هم عليه اليوم، فالجواب عنه سهل وهو بعدهم عن مصدر عزتهم وسبيل كرامتهم ألا وهو الإسلام، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل نحوألف وأربعمائة سنة: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32754، 27185، 57997.
وعلينا جميعاً معاشر المسلمين الغيورين على دينهم وهويتهم وكرامتهم أن نعمل ونجد ونجتهد لتغيير ذلك الواقع وألا ننهزم ونستسلم فإن الله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولا ينبغي أن نحتقر أي جهد ولو قل فالسيل من قطرة والجبال من ذرة والنار من شرارة، فليعمل كل في مجاله بحسب قدرته وطاقته وليبدأ بنفسه وبيته وعشيرته الأقربين ثم محيطه وهكذا ويأتي النصر والعزة والكرامة بإذن الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1426(7/144)
تمسك المسلمين بدينهم سبب نصرهم وعزهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا هو زمان نصرة المسلمين أم لا؟ وهل هذا هو الذي سيبلغ المسلمين الأرض مشارقها ومغاربها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 32949، والفتوى رقم: 31768 أن تمسك المسلمين بدينهم سبب لنصرهم وعزهم وعلوهم وصلاح أحوالهم وحل مشاكلهم، ولا شك أن الله قادر على فعل ما شاء وتحقيق وعده متى شاء، فهو الفعال لما يريد والعزيز الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض.
وليس ذلك محدودا بزمان ولا مكان، فإذا غير المسلمون أحوالهم وأنابوا إلى ربهم، فإن الله سيحقق لهم ما وعدهم ويغير أحوالهم، ومن أعظم الوعود ما وعد الله به من انتصار الدين وبلوغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها.
وقد ثبت ذلك في حديث مسلم: إ ن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وأن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها.
وفي حديث المستدرك: لا يبقى على ظهر الأرض من بيت مدر ولا وبر إلا أدخل الله عليهم كلمة الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ويذلهم فلا يدينوا لها. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وستكون روما دار إسلام وسيضرب الإسلام بعطن في بيت المقدس، ولكن لا ندري عن هذا الزمان وهل سيحصل قبل مجيء المهدي وعيسى أم أيام مجيئهما.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 11047، 19338، 39642، 53967.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1426(7/145)
العمل بالإسلام يحقق الأمن والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[الإسلام يدعو إلى الأمن والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نفهم مراد السائل على وجه التحديد، ولكن نقول: إن الإسلام يدعو الناس لما يجلب لهم ويحقق لهم جميع الطموحات والمبتغيات في الدنيا والآخرة، ومن ضمن ذلك الأمن والسلام، فهو يحقق للمؤمنين الأمان في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الأنعام: 82} . وقال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {يونس: 62-63}
وقد شرع للعباد في حياتهم اليومية كثيرا من العبادات والأذكار والأدعية توفر لهم الأمن، وأما من لم يؤمن بالله تعالى ولم يدخل في دين الإسلام فإن الإسلام يوفر له الأمن والمسالمة إذا قبل الخضوع لدولة الإسلام أو سالمها، ومن درس تاريخ المسلمين في عهد الخلافة الراشدة وما بعدها فسيجد أن دولة الإسلام كانت توفر الأمن للذميين والمعاهدين والمسالمين حتى إنه روي أن بعض الذميين حاكم عليا رضي الله عنه في خلافته إلى القاضي في درع، وحكم القاضي على علي فكان ذلك سببا لتأثر الذمي وإسلامه، والقصة مبسوطة في سنن البيهقي وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي والكامل في التاريخ لابن الأثير، وحلية الأولياء وتاريخ دمشق.
وأما من حارب فإن من وسطية الإسلام معاملته بالمثل ورد ظلم الظالم وعدوانه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 31768، 14614، 38814، 57129، 39136، 1672.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(7/146)
تكريم الإسلام للمرأة وإدلاؤها بصوتها
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول بعض النساء إن التكريم الذي منحه الإسلام للمرأة كان يعتبر عظيما في الأزمنة الماضية أي قبل انتشار حركات الحرية النسائية في العالم فالحريات التي منحت لها في العديد من بلدان العالم تتجاوز تلك التي منحها الإسلام! فكيف الرد على هذا القول وهل للمرأة الحق في الانتخاب إذ إني سمعت أنها بمثابة الشهادة التي أقر الله فيها شهادة المرأتين مقابل الرجل الواحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجواب عن تكريم الإسلام للمرأة وصيانته لها، والمقارنة بينما منحه الإسلام للمرأة من شرف ومكانة وبينما تتبجح به حركات الحرية النسائية والحضارة الغربية، سبق الجواب عن ذلك مفصلاً في الفتوى رقم: 5729، والفتوى رقم: 16441.
وأما حكم انتخاب المرأة وإدلاؤها بصوتها وضوابط ذلك فقد بيناه في الفتوى رقم: 57979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1426(7/147)
أساس الاختيار في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من فلسطين ونمر حاليا في مرحلة انتخابات لرؤساء البلدية (المدينة) حيث يتكون المجلس من11 عضوا وقد تقدم للترشيح ما يعادل 50 شخصا، ويجب علينا انتخاب 11 شخصا فما هي المواصفات التي يجب توفرها في الشخص التي من خلالها نستطيع تقييمها، كما أنه يجوز للمنتخب اختيار 6 أشخاص كحد أدنى، وهل يجوز المفاضلة بين الأشخاص المرشحين بناء على أكثرهم كفاءة وخدمة لبلدنا (أي اختيار الأفضل من بين خمسين مرشحا) حسب ما يمليه ضميري ومخافتي من الله؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أساس الاختيار في الإسلام للمرشح هو الأمانة والقوة وتحمل المسؤولية والقيام بالعمل على أكمل وجه، وقد لخص القرآن الكريم مواصفات المسؤول بقول الله تعالى حكاية عن بنت الرجل الصالح (شعيب) : إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {القصص:26} ، فالقوة هي القدرة على تحمل المسؤولية والأمانة هي وازع الضمير الإيماني، ولا يجوز للمسلم أن يختار مرشحا أقل كفاءة، وهو يجد الكفء الصالح، ومن فعل ذلك فقد خان الأمانة وشهد شهادة الزور لأن انتخابه يعتبر تزكية وشهادة للمنتخب.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استعمل رجلا من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين. رواه الحاكم.
ولهذا فالواجب عليكم أن تنتخبوا من هو أهل للمسؤولية وهو الأكثر كفاءة واستعدادا لخدمة بلدكم وفق منهج الله بغض النظر عن قرابته أو جهته أو مكانته الاجتماعية ... وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 18151، والفتوى رقم: 24252.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(7/148)
موقف المسلم ممن يسبون الإسلام والمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو واجب المسلم عندما يسمع من غير المسلم سب الإسلام والمسلمين وقد يتمادون لعنهم الله إلى ما هو أبعد من ذلك ولا أحب ذكر ذلك لأنه يثير في نفسي الاشمئزاز ولكن لتكونوا على بصيرة فإنهم يتعدون على الله سبحانه وتعالى عما يشركون فما هو واجب المسلم اتجاه أولئك الشرذمة الضالة؟
أفيدونا، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نحمد لك غيرتك على دين الله وغضبك له، وذلك من مقتضيات الإيمان ولوازمه، واعلم أن من كان له سلطان عليهم ـ فإن الواجب عليه أن يصدهم، وإلا فليرفع أمرهم إلى الجهات الرسمية المختصة التي تضرب على يد هؤلاء وتكفهم عن غيهم، وانظر الفتوى رقم: 1048، كما يجب على من سمعهم يسبون عدم استعدائهم بسبهم أو سب ما هم عليه من الكفر فيردون بسب الله والإسلام، وانظر الفتاوى التالية: 16884، 20895، 8028. هذا، واجتهد في أن تتمسك بالدين الإسلامي وتلتزم شعائره وسلوكياته، فكم من تائه ضال رجع عن غيه لما رأى أخلاق المسلمين وسلوكياتهم وتمسكهم بشعائر دينهم، وقد قال الإمام الشافعي: من وعظ أخاه بفعله كان هادياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(7/149)
الإسلام أمر بالتوسط والاعتدال
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ما هي المدرسة الوسطية؟ ولكم مني جزيل الشكر، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتبين لنا قصدك بالمدرسة الوسطية، ولكن الإسلام أمر بالتوسط والاعتدال، ونهى عن الجفاء والغلو، وعن الإفراط والتفريط، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. متفق عليه، فمن تمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم كان من أهل التوسط والاعتدال، ومن رغب عنها كان من أهل الإجحاف أو الغلو.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1426(7/150)
التمسك بالقرآن وتحقيق النصر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتناقش مع أحد الأصدقاء في أن من يتخذ القرآن منهجاً لابد وأن يقود
العالم.
فلم يقتنع وقال لي أعطني أمثلة على ذلك غير عصر الخلفاء الراشدين؛ لأن تلك
النهضة في عصرهم قد تكون نظراً لشخصياتهم الفريدة وليس لاتخاذهم القرآن
منهجاً.
فلم أستطع الرد نظراً لضعف المعلومات.
فالرجاء إرشادي إلى الرد المقنع في هذا الموضوع
وجزاكم الله كل خير،
أنس العطار]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعتقاد أن انتصار الإسلام أول مرة على يد جيل الصحابة كان بسبب طبيعة شخصياتهم الفريدة هو محض افتراء مفتقر إلى برهان، وعلى صاحبك أن يدلل على دعواه وليس أنت.
فمن المعروف تاريخيا أن العرب قبل الإسلام لم يكونوا شيئا يذكر، كانوا بدوا يعيشون في الصحراء يعبدون الأحجار، ولا هم لهم إلا شرب الخمر وقرض الشعر والزنا وإقراض الناس بالربا ونحو ذلك، ولا يستحون من أي معرة!!
وكانوا يستخدمون قوتهم الحربية في الغدر بمن جاورهم من القبائل، وكانوا أذل أمة، فكانوا يرهبون الفرس في اليمن والعراق ويرهبون الروم في الشام، ولم يدر بخلدهم أن قوتهم ستضارع قوة الفرس والروم يوما فضلا عن أن تتفوق عليهم!!
فلما جاء الإسلام انقلبت حالهم من رعاة غنم إلى ساسة أمم، ومن قطاع طرق إلى قادة جيوش الفتح الإسلامي، ومن زناة إلى حماة أعراض، وفي ذلك يقول جعفر بن أبي طالب في حواره مع النجاشي: كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان.. وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاءه من ربه، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
وعلى هذا، فإن نهضة المسلمين في زمن الخلفاء الراشدين كانت بسبب تمسكهم بهذا الدين واستقامتهم عليه واعتزازهم به، وبإرخاص حياتهم في سبيل إعزازه، وإن ما نحن فيه من ذلة وهوان ليس راجعا إلى الإسلام، وإنما راجع لضعف إيمان المسلمين وقلة يقينهم وعدم تمسكهم بشرائعه.
هذا، ونبشرك بأن وعد الله لا يتخلف بتمكين المسلمين كما مكن الرعيل الأول من الخلفاء الراشدين والصحابة الطاهرين، ولكن باستيفاء شروط حققها المسلمون الأوائل. قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور: 55} .
والمسلمون الآن وقع فيهم من صنوف الشرك وعبادة غير الله ما حرموا بسببه نصر الله الذي آتاه للرعيل الأول
وقال الله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {الحج: 40-41} .
ففي هذه الآية علق الله النصر على أربعة أمور بعد توحيده وعبادته وحده المذكور في الآية السابقة، وهذه الأمور هي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأمور غير متحققة في واقعنا، فإذا تحققت انتصرنا ونهضنا كما انتصروا ونهضوا.
ولمزيد من التفصيل في الموضوع نحيل السائل على الكتب التالية: هل نحن مسلمون، وواقعنا المعاصر، وكلاهما للأستاذ محمد قطب. وكتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، وهو للشيخ أبي الحسن الندوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1425(7/151)
حقوق الأرامل في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي الأرملة ... الأرامل. حقوق المجتمع الإسلامي اتجاههم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأرملة هي المرأة التي مات عنها زوجها، سميت أرملة لأنها فقدت كاسبها ومن كان عيشها صالحا به، كما قال أهل اللغة؛ ويجب على المجتمع المسلم والدولة المسلمة أن توفر للأرامل والأيتام سبل العيش الكريم حتى يستطيعوا النهوض والقيام بأنفسهم.
فهذا حق من حقوقهم على المجتمع والدولة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة. رواه أحمد وأبو داود، ويكون ذلك أشد توكيداً وأعظم حرجاً إذا كانت المرأة أرملة ولها أيتام؛ وقال صلى الله عليه وسلم: ترى المسلمين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى رواه البخاري.
والتكافل الاجتماعي في الإسلام لا يقتصر على الجانب المادي فقط، وإنما يشمل كل المجالات، فعلى المجتمع المسلم والدولة أن تعلم هؤلاء وترشدهم وتصلحهم وتدعولهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1425(7/152)
المضاربة في المال العام وهل يزكى
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت حرب أهلية في إحدى البلدان ولثقة المسؤولين بي في تلك الدولة أعطونى مبلغاً من المال كوديعة ترد بعد انتهاء الحرب. وإلى الآن لم تنته. وأنا بمجرد أن أخذت المال استثمرته حتى لا تأكله الزكاة وينتهي المبلغ، وهو الحمد لله الآن قد تضاعف المبلغ عدة مرات، وأنا أعيش خارج تلك الدولة التي فيها الحرب الأهلية أي أصرف من ناتج استثمارات الوديعة. السؤال:1- ماحكم ما أصرفه على نفسي من ناتج استثمار تلك الوديعة؟ وما حده الوسط المقبول؟ 2- إذا انتهت الحرب هل أرجع أصل المبلغ فقط أومعه كامل أرباحه؟ مع العلم أنه تضاعف عدة مرات.3- وهل زكاتي منه صحيحة؟ أجيبوني جزاكم الله خيرا مع الاهتمام الشديد. فإنني أخشى يوم القيامة أن تأتي أجيال -وليس مجموعة-تحاسبني على المال فهو مال عام، ولا طاقة لي يوم القيامة بتسديد حساب أجيال من الناس، لأنه ليس من المعروف متى تنتهي تلك الحرب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما فعلته من التجارة والاستمثار لهذا المال هو الصواب إن شاء الله تعالى، ذلك أن هذا المال الذي هو مال المسلمين لا ينبغي أن يحبس بدون مصلحة فإما أن يصرف إلى المستحقين وهذا متعذر بالنسبة للمسألة المعروضة، وأما أن يستثمر وينمى. ولعل ما أشار إليه الإمام الشافعي في تعليله لموقف عمر بن الخطاب في قصة تجارة ولديه بمال المسلمين دليل على ما ذكرنا. جاء في كتاب الأم للشافعي ما يلي: قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل وهو أمير البصرة، وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان متاعاً من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح، فقالا: وددنا ففعل، وكتب لهما إلى عمر أن يأخذ منهما المال، فلما قدما المدينة باعا فربحا فلما دفعا إلى عمر، قال: لهما أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ فقالا لا، فقال عمر: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما فأديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك هذا يا أمير المؤمنين لو هلك المال أو نقص لضمناه، فقال أدياه. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير الؤمنين لو جعلته قراضاً فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح ذلك المال. اهـ. قال الشافعي: ألا ترى عمر يقول: أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ كأنه، والله أعلم، يرى أن المال لا يحمل إليه مع رجل يسلفه فيبتاع ويبيع إلا وفي ذلك حبس للمال بلا منفعة للمسلمين، وكان عمر ـ والله أعلم ـ يرى أن المال يُبعث به أو يرسل به مع ثقه يسرع به المسير ويدفعه عند مقدمة لا حبس فيه ولا منفعة للرسول.. أويدفع قراضاً فيكون فيه الحبس بلا ضرر على المسلمين. اهـ. ونستشف من هذا الكلام الرائع للإمام الشافعي أن استثمار أموال المسلمين خير من حبسها وتجميدها، وعليه فليس الخطأ في استثمار هذا المال ولكن الخطأ الذي وقع فيه الأخ الكريم هو أنه لم يستأذن ولم يتفق مع المسؤولين الذين أودعوا عنده المال على المتاجرة فيه. وعلى كل فلك من أرباح هذه التجارة النصف فيما مضى، ولعل هذا هو العدل وعليه يدل فعل عمر مع ولديه. جاء في منح الجليل: فإن قيل كيف جعله قراضاً وقد دخلا على القرض وغاية الأمر كان لعمر إما إجازة فعل أبي موسى وترك جميع الربح لهما أو رده وأخذ جميع الربح، فجوابه ما في سراج الملوك للطرطوشي وهو أن عمر جعل لا نتفاعهما بمال المسلمين نصف الربح للمسلمين، كأن المسلمين ساعدوهما في العمل وهو مستنده في تشطير عُماله في أموالهم فهو كالقراض. اهـ. وعليك الاتصال بالمسؤولين والاتفاق معهم على قسمه الارباح مستقبلاً. وأما الزكاة في هذا المال فليس عليه زكاة لإنه لا مالك له معين. جاء في مطالب أولي النهي: ولا تجب الزكاة في مال فيء ولا في خمس غنيمة لأنه يرجع إلى الصرف في مصالح المسلمين. ويجب عليك أن تزكي نصيبك من الأرباح إذا بلغ نصاباً بنفسه أوبما انضم إليه من نقود أخرى أو عروض تجارة هي ملك لك وحال عليه والحول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1425(7/153)
يجب على المسلم أن يقاوم الردة بكل صورها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الأفاضل أرجو الإفاضة عن حكم الارتداد عن الدين الإسلامي في أيامنا هذه، وهل يحل دم المرتد عن الإسلام، حتى وإن لم يقم بنشر أي أفكار ضد الدين، وهل حقيقي أنه يحدث أو حدث فعلاً في مصر أن ارتد أو تحول بعض المسلمين إلى الديانة المسيحية، وما موقف الشرع منهم وماذا أتخذ حيالهم؟ وجزاكم الله عنا كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أشد ما يواجه المسلمين من الأخطار ما يهدد عقيدتهم ووجودهم المعنوي فالرجوع عن الإسلام والردة إلى الكفر بعد الإيمان هي أعظم ما يكيد به الأعداء لهذا الدين، فهم يحاولون من قديم أن يفتنوا المسلمين ويردوهم عن دينهم بمختلف الوسائل تارة بالقوة، وتارة بالحيلة، والكيد والمكر، كما قال الله تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] ، وفي هذا العصر تعرض المسلمون لغزوات عنيفة تهدف إلى اقتلاع الإسلام من نفوس المسلمين وردهم عنه ولو بقوا تائهين بدون دين، وقد تمثل ذلك في الغزو الفكري والثقافي والغزو التنصيري الذي جاء مع الاستعمار الغربي، والذي لازال يمارس نشاطه في العالم الإسلامي وفي الجاليات والأقليات المسلمة.
كما تمثل في الغزو الشيوعي الذي اجتاح كثيرا من بلاد المسلمين آسيا وأوروبا وبعض دول إفريقيا، وعمل بكل وسيلة لإخراج الإسلام من نفوس المسلمين وتنشئة أجيال لا تعرف شيئاً عن الإسلام، كما تمثل في الفكر العلماني اللاديني الذي يعادي الإسلام الحق (إسلام الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح) ويطارده، ويشجع إسلام البدع والخرفات والمحدثات....
وواجب المسلم أن يحافظ على دينه ويقاوم الردة بكل صورها ولا يدع لها المجال حتى لا تتمدد في المجتمع المسلم، ويكون ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وفيما يخص إقامة الحد على المرتد والحكم عليه بذلك فإن ذلك من خصائص ولي الأمر وليس للأفراد، فإذا حكم الحاكم بردة شخص بعد إقامة الحجة وتوفر الشروط وانتفاء الموانع، أقام عليه حد الردة بعد الاستتابة ثلاثة أيام بلا جوع وعطش....
يستوي في ذلك من دعا إلى ردته ومن لم يدع إليها، ولكن من يدعو إلى ردته وينشر أفكاره لا شك أنه أغلظ كفرا وأشد ردة لأنه محارب لله ولرسوله وللمؤمنين، وبإمكانك أن تطلع على المزيد عن أحكام الردة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8520، 17707، 14927.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(7/154)
حكم الله اقتضت وجود معسكر الإيمان والكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء
أنا أعلم أن دين الله حق وأن دين الله غالب ولكن لدي سؤال: أستغفر الله العظيم (لماذا لم يجعل الله دينه هو الدين الأعم والأغلب حتى ينتهي الفساد من الأرض والكفر ثم تقوم القيامة والدنيا كلها مسلمة ولم ينته الإسلام ولكن يكون هو الدين الغالب السائد لأنه آخر رسالة من الله للعباد) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل ما خلق شيئاً إلا بحكمة، وقدره سبحانه حكمة كله، فهو العليم الحكيم، وقد قدر الله تعالى أن يعود الإسلام غريباً كما بدأ، وأن ينقسم الناس إلى حزبين: حزب الرحمن وحزب الشيطان، قال عز وجل: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، وقال مبيناً بعض الحكمة من ذلك: وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (محمد:4) ، فبين عز وجل أن من حكمة بقاء خندق الكفر في مقابل خندق الإيمان، إقامة الجهاد ونيل فضل درجاته، وابتلاء المؤمنين بذلك، قال تعالى:
الم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (العنكبوت:1-2)
وفي هذا يقول ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: فإنه سبحانه لا يخلق شراً محضاً من جميع الوجوه والاعتبارات، فإن حكمته تأبى ذلك، بل قد يكون ذلك المخلوق شراً ومفسدة ببعض الاعتبارات، وفي خلقه مصالح وحكم باعتبارات أُخر أرجح من اعتبارات مفاسده، بل الواقع منحصر في ذلك. ا. هـ
وما ذكرناه هنا حكمة من الحكم، وإلا فالحكم من ذلك كثيرة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2847 / 5492 / 17639.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(7/155)
الدفاع عن الإسلام واجب كل مسلم على قدر وسعه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قناه فضائية اسمها الحياة تبث على القمر الأوروبي هوت بيرد خصصت برامج يستدعى إليها قساوسة ويقومون بالضحك والاستهزاء والسخرية من كتاب الله القرآن الكريم، بل يقوم هؤلاء القساوسة بذكر آيات من كتاب الله لتبرير أكاذيبهم وتقولهم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ففى حلقة الخميس 8 يناير 2004 تطاول القسيس ويدعى القمص بطرس على القرآن الكريم قال إن به نسخاً لبعض آياته وأنه كيف يكون فى لوح محفوظ ومنزل من عند الله وبه نسخ، ويقصد طبعاً أنه مكتوب وليس منزلاً من عند الله، وضحكت مقدمة البرنامج كثيرا وقالت النسخ فى القرآن فقط وليس عندنا، الشيء المقزز أن القسيس ومقدمة البرنامج مصريان قبطيان ويسجلان من إحدى قلاعهم (كنائسهم) فى مصر، المشكلة أنه لو أن أحد المسلمين قام بالشيء ذاته لقامت الدنيا وحوكم لازدزائه بالأديان، ألسؤال: كيف نقوم بحملة لإيقاف تسجبل هذه الحملات المجرمة من قلاعهم (كنائسهم) فى مصر، وأيضا محاكمتهم على جرائمهم فى حق الله ورسوله والإسلام والمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على كل مسلم أن يحارب هذا المنكر حسب قدرته وإمكانياته، وبذلك تتكامل الجهود ضد هذا الكفر الصراح والسفاهة المثناهية في القبح والجرأة، وعليه فإننا نناشد أصحاب المناصب بالقيام بواجبهم، كما نناشد العلماء والدعاة بالتحذير من هذه القناة عبر الإذاعة والإنترنت والمجلات وسائر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وعلى الخطباء والوعاظ توعية الناس في المساجد -على وجه الإجمال- من مشاهدة أو استماع البرامج المحاربة للإسلام والتي تحاول التشكيك في قطعياته وثوابته، وكل إنسان أعرف بنفسه وقدراته فليتق الله ولينصر دين الله، وليعلم أن دين الله تعالى قائم محفوظ بحفظه سبحانه، وأنه لا يجني هؤلاء من تشكيكهم فيه إلا الخيبة والخسران لأنفسهم، إلا أن يتوبوا، ونسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم وأن يقي المسلمين من شرورهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1424(7/156)
حقوق الإنسان مصطلح ظاهره حسن وباطنه يقصد به عكس ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: إن مما عمت به البلوى في هذه الأيام هو انتشار ما يسمى ببرنامج حقوق الإنسان الذي أنتجه الغرب، وأصبح هذا البرنامج يدخل معظم مؤسسات المجتمع التعليمية والصحية عن طريق التثقيف المدني وإقامة المخيمات، حيث يتم من خلال ذلك نشر أفكار مسمومة تتعارض مع الإسلام، وأنا أعلم أن الإجابة على هذا السؤال بحاجة إلى كثير من النقاط، أفيدونا بإختصار –بارك الله فيكم.
ملاحظة: ارفقوا لنا- إذا تكرمتم- مع الإجابة بعض المواقع التي تحتوي على ردود حول الموضوع المطروح أعلاه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما سألت عنه أمر شائك وخطير، ويجب على كل مسلم أن يُلم ولو بصورة مجملة بهذا المصطلح الذي يخفى وراءهُ كثيرٌ من الباطل والزور، وإن ظهر بصورة حسنة جميلة، فإن المرء حينما يسمع كلمة (حقوق الإنسان) يخيل إليه العدل والقسط والإحسان والبر، ونحو ذلك من المعاني الجميلة والأهداف النبيلة، لكنه حينما يعرف أن حقوق الإنسان في الغرب تعني:
أولاً: التخلص من التكاليف الشرعية، والخضوع للعادات والتقاليد والقوانين الوضعية.
ثانياً: إباحة المحرمات كالزنا واللواط والشذوذ الجنسي باسم الحرية.
ثالثاً: إقرار أهل الباطل على باطلهم وترك دعوتهم للإسلام حتى يصل الناس إلى القول بوحدة الأديان، مما يؤدي إلى عدم إظهار الفرق بين الدين الحق والأديان الباطلة.
وغير ذلك من معاني هذا المصطلح الخادع، فإن المرء حينما يعرف ذلك لا بد أن يقف منها موقف المسلم الموالي لدينه وأهله، المعادي لأهل الباطل وما هم عليه.
وقد سبق وبينا بعض هذه المعاني مع ذكر المراجع التي تدل المرء على ذلك في الفتوى رقم:
3642، والفتوى رقم: 2297.
ونعتذر عن الإحالة على مواقع الإنترنت لعدم علمنا بهوية أصحابها واتجاهاتهم، وما أحلناك عليه من مراجع في الفتويين المشار إليها كافٍ إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1423(7/157)
الفارق بين الشريعة الإسلامية والقانون
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الفوارق الموجودة بين الشريعة الإسلامية والقانون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفارق بين الشريعة الإسلامية والقانون: أن الشريعة وحي من الله، والقانون من وضع البشر.
لكن قد يكون هناك بعض القوانين أخذت أحكامها من الشريعة وهي مطابقة لها أو توافقها في أمور وتخالفها في أخرى ولكي يُعلم مدى موافقة أو مخالفة قانون ما للشريعة الإسلامية فلا بد من الاطلاع على مواد القانون كاملة حتى يُحكم عليه بما يناسبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1423(7/158)
لا حضارة بدون المنهج الرباني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن إقامة حضارة إسلامية بمعزل عن القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن إقامة حضارة إسلامية بمعزل عن القرآن الكريم ضرب من المحال ونوع من الخيال، وهل الإسلام إلا القرآن؟! وهل الحضارة الحقة إلا الإسلام؟! قال تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ {الأنبياء:10} قال السعدي: {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي: شرفكم وفخركم وارتفاعكم، إن تذكرتم به ما فيه من الأخبار الصادقة فاعتقدتموها، وامتثلتم ما فيه من الأوامر، واجتنبتم ما فيه من النواهي، ارتفع قدركم، وعظم أمركم، {أَفَلا تَعْقِلُونَ} ما ينفعكم وما يضركم؟ كيف لا ترضون ولا تعملون على ما فيه ذكركم وشرفكم في الدنيا والآخرة، فلو كان لكم عقل، لسلكتم هذا السبيل، فلما لم تسلكوه، وسلكتم غيره من الطرق التي فيها ضعتكم وخستكم في الدنيا والآخرة وشقاوتكم فيهما، علم أنه ليس لكم معقول صحيح، ولا رأى رجيح. وهذه الآية، مصداقها ما وقع، فإن المؤمنين بالرسول الذين تذكروا بالقرآن من الصحابة فمن بعدهم، حصل لهم من الرفعة والعلو الباهر، والصيت العظيم، والشرف على الملوك، ما هو أمر معلوم لكل أحد، كما أنه معلوم ما حصل لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا، ولم يهتد به ويتزك به، من المقت والضعة، والتدسية، والشقاوة، فلا سبيل إلى سعادة الدنيا والآخرة إلا بالتذكر بهذا الكتاب اهـ.
فحضارةٌ على غير منهج القرآن المجيد إنما هي حضارة الموت والظلم والظلمات؛ إذ القرآن هو الروح الذي تنبعث به الحياة، والنور الذي يبصِّر من العمى وينجي من التيه، والرحمة التي تنشرح بها الصدور وتستقيم بها الأمور، كما قال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {المائدة: 15-16} وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا {174-175} وقال عز من قائل: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأنعام:122} .
وتأمل ما خاطب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الشورى:52} قال السعدي: هو هذا القرآن الكريم، سماه روحا، لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير. وهو محض منة الله على رسوله وعباده المؤمنين، من غير سبب منهم، ولهذا قال: {مَا كُنْتَ تَدْرِي} أي: قبل نزوله عليك {مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ} أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية، بل كنت أميا لا تخط ولا تقرأ، فجاءك هذا الكتاب الذي {جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} يستضيؤون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم. اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة الفتويين: 60242، 19338.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(7/159)
ربانية الإسلام وشموليته
[السُّؤَالُ]
ـ[المرجو منكم يا علماء الأمة الإسلامية الكرام مظاهر الشمولية والربانية في الدين الاسلامي الحنيف مع آيات دالة على ذلك ومظاهر الشمول أو الربانية فيه.
وأشكركم نيابة عن الفصل الدراسي. والمرجو الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فربانية الإسلام وشموليته قد علمهما القاصي والداني، وشهد بهما الصديق والعدو. فهو يشمل كل جانب من جوانب التكوين والبناء والإصلاح، وكل ناحية من نواحي المجتمع والحياة. سواء ما يتعلق بالعقائد والعبادات والأخلاق، أو ما يتعلق بالقوانين العامة من مسائل مدنية وأمور جنائية وأحوال شخصية ونظم اجتماعية وعلاقات دولية…، أو ما يتعلق بأسس الحكم ومبادىء الاقتصاد وأصول المعاملات وركائز المجتمع الفاضل ...
جاء كل ذلك في مبادىء دقيقة محكمة، وفي تشريعات ربانية خالدة، تجمع ولا تفرق، وتؤلف ولا تبدد، وتبني ولا تهدم، تنزيل من حكيم حميد.
ونوضح خاصية الشمول والربانية بالأمثلة، ونقتصر على المسائل المدنية والاقتصادية والدستورية والقوانين الجنائية، والعلاقات الدولية؛ باعتبار أن هذه الأمور تأخذ اهتمام المقننين في العصر الحديث، ويعتبرونها أساس أنظمة الحياة:
ففي القضايا المدنية والاقتصادية يقول الله تعالى في سورة البقرة: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل… واستشهدوا شهيدين من رجالكم … ولا تكتموا الشهادة.
وفي القضايا الدستورية يقول الله تعالى في سورة الشورى:
وأمرهم شورى بينهم.
وفي المسائل القضائية يقول جل جلاله في سورة النساء: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.
وفي العقوبات الجنائية يقول عز من قائل في سورة البقرة: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر.
وفي الإعداد الحربي يقول القرآن الكريم في سورة الأنفال: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة.
وفي العلاقات الدولية يقول جل من قائل في سورة الممتحنة: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين.
يقول العلامة الكبير "ساتيلانا": (إن في الفقه الإسلامي ما يكفي المسلمين في تشريعهم إن لم نقل ما يكفي الإنسانية كلها) .
ويقول الدكتور "هوكنج" أستاذ الفلسفة في جامعة "هارفارد": (إن في نظام الإسلام استعدادا داخليا للنمو، وإني أشعر بأني على حق حين أقرر أن الشريعة الإسلامية تحتوي بوفرة على جميع المبادىء اللازمة للنهوض) .
ويقول القانوني الكبير "فمبري": (إن فقه الإسلام واسع إلى درجة أنني أعجب كل العجب كلما فكرت في أنكم لم تستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لزمانكم ومكانكم..) .
وهذه الشهادة على شمولية الإسلام، ومبادئه الحية الباقية هي شهادة أساطين الفقه والقانون في العالم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1428(7/160)
مدى وجوب تعلم السياسة والتخصص فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعلم السياسة جائز أو متابعتها أو التخصص فيها لأن العالم الاسلامي أشعر بأنه بحاجة إلى سياسيين إسلاميين؟ لكن السلفيين يقولون بأنها محرمة فما هو القول الفصل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعلم ما فيه نفع للمسلمين ومتابعته ومعرفة أخباره مباح لا حرج فيه شرعا إن لم يترتب على الاشتغال به محظور شرعي، بل قد يكون واجبا كفائيا. فالسياسة التي يعنى بها القيام على الشيء بما يصلحه تعتبر من الأمور المهمة، فقد قام الأنبياء بإصلاح أممهم في أمورهم الدينية والدنيوية، وكذا الخلفاء الراشدون، ويدل لذلك ما في الحديث: كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء. رواه البخاري ومسلم.
قال ابن حجر: فيه إشارة إلى أنه لا بد للرعية من قائم بأمورها يجمعها على الطريقة الحسنة، وينصف المظلوم من الظالم. انتهى.
وقد ألف أهل العلم فيها قديما، وراجع بعض الفتاوى التالية أرقامها: 34878، 25438، 26772، 15739، 100226، 66284، 43375، 53659.
والله أعلم ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(7/161)
الحكمة من اختصاص العرب برسالة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا اختص الله العرب برسالة الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن الله عز وجل إنما يختار من يختار لحكمة، وهو عندما اختص العرب برسالة الإسلام فلعلمه أن فيهم من الصفات ما يؤهلهم لحمل هذه الرسالة، ومما ذكر أهل العلم من حكمة هذا الاختيار أنهم اختصوا بما في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم من الكمال، وهذا التشريف يقابله مزيد تكليف.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما ينبغي أن يعلم أولاً أن الله عز وجل إنما يختار من يختار لحكمة، قال سبحانه: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ {القصص:68} ، وهو عندما اختص العرب برسالة الإسلام فلعلمه أن فيهم من الصفات ما يؤهلهم لحمل هذه الرسالة، قال سبحانه: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ {الأنعام:124} ، وقد يدرك الناس حقيقة حكمة هذا الاختيار وقد لا يدركون.
ومما قال أهل العلم بهذا الخصوص ما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) ، من قوله: وسبب هذا الفضل والله أعلم ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع وإما بالعمل الصالح. والعلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو الحفظ والفهم، وتمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة، والعرب هم أفهم من غيرهم وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة ولسانهم أتم الألسنة بياناً وتمييزاً للمعاني جمعاً وفرقاً يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع جمع ثم يميز بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر كما نجده في لغتهم من جنس الحيوان فإنهم مثل يعبرون عن القدر المشترك بين الحيوان بعبارات جامعة ثم يميزون بين أنواعه في أسماء كل أمر من أموره من الأصوات والأولاد والمساكن والأظفار إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي التي لا يستراب فيها.
وأما العمل فإن مبناه على الأخلاق وهي الغرائز المخلوقة في النفس وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطلة عن فعله ليس عندهم علم منزل من السماء، ولا شريعة موروثة عن نبي، ولاهم أيضاً مشتغلون ببعض العلوم العقلية المحضة كالطب والحساب ونحوهما، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب وما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، وما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم أو من الحروب، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي ما جعل الله في الأرض ولا يجعل منه أعظم قدراً وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم ومعالجتهم على نقلهم عن تلك العادات الجاهلية والظلمات الكفرية التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتهم، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى العظيم زالت تلك الريون عن قلوبهم، واستنارت بهدى الله الذي أنزل على عبده ورسوله، فأخذوا هذا الهدى العظيم بتلك الفطرة الجيدة فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم، والكمال الذي أنزل الله إليهم بمنزلة أرض جيدة في نفسها.... إلخ. انتهى. ومع أن في هذا تشريفاً للعرب إلا أن فيه مزيد تكليف لهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1428(7/162)
أنواع الخلافة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالي: ... إني جاعل في الأرض خليفة ... أين خليفة الله في الأرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الخليفة يشمل السلطان الذي يلي أمر الناس لقيامه بالخلافة وتنفيذ أمر الله وسياسة الناس به، كما تشمل جميع الناس باعتبار كونهم يخلف بعضهم بعضاً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى جعل بني آدم خلفاء في الأرض يخلف بعضهم بعضاً، يعمرونها جيلاً بعد جيل، وخلفاً بعد سلف، كما قال تعالى: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ {النمل:62} ، وقد وعد الله المؤمنين المتمسكين بشرعه وهدى أنبيائه بالتمكين لهم في الأرض واستخلافهم، كما قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55} ، والمراد بها كما قال ابن كثير: أن يكونوا أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد. وقد ذكر البيضاوي في تفسير قوله تعالى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً.. أن المراد بالخليفة آدم لأنه خليفة الله في أرضه، وكذلك كل الأنبياء استخلفهم الله في عمارة الأرض وسياسة الناس وتنفيذ أمر الله فيهم، وقيل المراد آدم وذريته لأنهم يخلفون من قبلهم، أو يخلف بعضهم بعضاً.
وبناء على هذا فالخلافة نوعان: خلافة عامة وهي خلافة البشر بعضهم بعضاً، وعليه فكل خلف من بني آدم خليفة لأنه خلف عن سلفه، وهذا ما تفيده آية جعلكم خلفاء الأرض، وهناك خلافة خاصة وهي خلافة أولياء الأمور المتمسكين بالشرع واتباع السنة مثل أبي بكر الصديق الذي اشتهر بلقب خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع معاصروه من الصحابة على خلافته وطاعته، ومثله بقية الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، وقد ذكر الفقهاء أن كل من ملك على الأمة باستخلاف أو اتفاق عليه أو بغصب أنه تجب طاعته وعدم الخروج عليه ما لم يكفر؛ إلا أن الآخذ لها بالغصب والحاكم بغير الشرع عاص بغصبه وخلافه للشرع. وراجع الفتويين التاليتين: 14678، 60360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1428(7/163)
الإسلام دين ودولة في حقيقته وتعاليمه
[السُّؤَالُ]
ـ[متى أصبح الإسلام دينا ودولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإسلام دين ودولة منذ ظهوره، ولن يزال كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام كان دينا ودولة منذ ظهوره، ولن يزال كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأنه محفوظ بكتابه وبسنة نبيه وبأمته.
فهذه حقيقته وطبيعته التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وقام عليها خلفاؤه الراشدون من بعده، فكان صلى الله عليه وسلم على رأس دولة الإسلام الأولى التي أقامها بالمدينة، وكان هو إمام الناس وقاضيهم ومفتيهم.. وهكذا كان خلفاؤه الراشدون.
ولم يشك أحد في هذه الحقيقة أو ينازع فيها على مر التاريخ حتى ظهرت العلمانية أو فصل الدين عن الحياة في الغرب، واللادينية في الشرق. وغزت أفكار بعض المسلمين ولوثت عقولهم، فنبتت هذه النابتة التي تسمى العلمانية في بلادنا ومن بني جلدتنا فأصبحوا يرددون ما يسمعون من الغرب أو الشرق دون وعي. ويقيسون الإسلام بغيره من الأديان الأرضية أو السماوية المحرفة وهو قياس فاسد- ولا شك- فشتان ما بين الثرى والثريا.
فالإسلام شامل لكل مجالات الحياة من العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق. وهذه أساس المرتكزات التي تقوم عليها الدولة.
ولذلك فهو دين ودولة ولاشك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1428(7/164)
ملاءمة الإسلام للفطرة وشموله للزمان والمكان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الشمول في الزمان والمكان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال غير واضح، ولعل السائل الكريم يسأل عن شمول الإسلام وقبوله للتطبيق في كل زمان ومكان.
وإذا كان الأمر كذلك.. فإن الإسلام هو دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده، وتوالت رسل الله للدعوة إليه من عهد آدم إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً {المائدة: 3} وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ {آل عمران:85} وقال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ {الشورى: من الآية13}
وشريعته هي المهيمنة على جميع الشرائع الناسخة لما قبلها، وما عداها مما هو موجود الآن فهو أهواء الناس وآراء البشر، وقد قال الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ {المائدة: من الآية48}
والإسلام ملائم لفطرة الإنسان السليمة لذلك فهو شامل لجميع مجالات حياة الإنسان من العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، فيلبي حاجة الإنسان الروحية والعقلية والمادية.. بعقائده الواضحة في الكون والحياة وما بعد الحياة.. وفي أحكامه العادلة وأخلاقه الفاضلة، وهو مع ذلك قابل للتطبيق في كل زمان وفي كل مكان لسهولة أحكامه ومرونتها وملاءمتها لطبيعة الإنسان لأنه من عند خالق الإنسان وخالق الأكوان الحكيم العليم، وقد قال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ {الملك:14}
لهذا فدعوة الإسلام شاملة للناس جميعا أبيضهم وأحمرهم ... قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1427(7/165)
موقف الإسلام من العنصرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى العنصرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعنصرية مصدر صناعي من العنصر الذي هو الأصل والنسب، والعنصرية هي التمييز بين الناس على أساس عنصرهم أو أصلهم أو لونهم ... أو جهتهم.. ومعاملتهم على ذلك الأساس.
والعنصري هو الذي يفضل عنصره على غيره من عناصر البشر ويتعصب له، وأول من نادى بها هو إبليس عليه لعنة الله تعالى حيث قال: أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {ص:76} .
وهي من آثار الجاهلية الأولى التي قضى عليها الإسلام وحذر من التفاخر بها والتعامل على أساسها، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أذهب عنكم عُبِيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء.... أنتم بنو آدم وآدم من تراب.. . رواه أبو داود وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(7/166)
الإسلام يفي بمتطلبات الإنسان في كل زمان ومكان
[السُّؤَالُ]
ـ[في كثير من الأحيان أتحاور مع ماركسيين أو ملاحدة من حركات أخرى، هم يفخرون بالفلاسفة ويقولون إن الإسلام في المسجد فقط وليس حلا لما آلت إليه أمتنا.
وأنا طبعا أدافع عن الدين وأقول إنه الحل الوحيد. جربنا الشيوعية لم تنجح. وجربنا الليبرالية لم تنجح. وخلطنا الاثنين معا في المغرب ولم تنجح ...
بل أكثر زاد الاقتصاد سوءا كغيره من الميادين. 50 مليار سنويا من الناتج الوطني المحلي وثلثه من السياحة المشبوهة الجنس. رقم صغير جدا ...
لهذا أريد العودة إلى الإسلام في جميع الميادين.
لكن قالوا الإسلام في المسجد فقط. يعني لا توجد قوانين اقتصادية إسلامية.
على أن أعرف منكم هل هناك قوانين اقتصادية في الإسلام وهل معلوماتي صحيحة أولا عن الاقتصاد الإسلامي. الذي ليس اختصاصي لأنني مختص في الجرافكس.
-بالنسبة لي الاقتصاد الإسلامي هو الزكاة ... توزيع عادل للأموال مع تخفيف الطبقية بفضل الزكاة. فمن ابتلاه الله بالمال يساعد به غيره. بأن يعطي عشر ربحه كل شهر - طبعا إن توفرت الشروط....
رد علي ملحد قال إن الدولة في المغرب تأخذ 20 % من أموال الناس كضرائب. قلت إن هاته الضرائب لم توزع عدلا. يسرقها الأغنياء وتزيد الهوة مع الفقراء بالإضافة إلى أن الزكاة أحسن من الضرائب حيث توزع عدلا وتكون في بيت المال تشجع مثلا الاستثمار للشباب العاطل ...
البنوك الإسلامية غير ربوية - حيث الربح يكون مقسم عدلا دون نسبة غير عادلة. ويشجع التعامل الاقتصادي بين الدول المسلمة مما يساعد في المستقبل على التخلص من قبضة الغرب لاقتصادنا. كما يمكن من الوحدة بين المسلمين ...
الثروات الإسلامية -غاز وبترول وسكر وقطن ... كلها لا تذهب إلى الغرب إلا بمفعول اتفاق شامل بين المسلمين لتفادي الخلافات الداخلية بين الدول نفسها وأيضا للحد من غش الغرب لنا.
في المغرب كانوا يأخذون المعدن المغربي تقريبا مجانا. ويعيدونه مصنعا بأثمان 10 مرات غالية. كما يضيقون الخناق على المغرب فيصعب للمغرب تنويع الزبائن.
كما أن تصدير المواد الحيوية قمح ذهب بترول يكون بحدود المعقول حتى لا تقوى شوكة إسرائيل وأمريكا. كي نحد من الحروب ضدنا. والكل يعرف ما آل إليه العراق وغيره....
كما على الدولة المسلمة أن تحاول الاختلاف في الإنتاج مع جاراتها المسلمة حتى لا تحدث منافسة غير عادلة بيننا ...
وتشجيع التعامل مع الدول المسلمة غير العربية نظرا لأهميتها الحيوية. رغم بعد المسافة ...
وخلق تكامل صناعي وهو بأن نساعد مثلا ماليزيا على بيع سيارتها الأولى إسلاميا التي صنعتها مند 3 سنوات ولا تجد سوقا مربحة. بالمقابل تتوسط لنا مع آسيا الغربية ...
كما أنه من الداخل الانتعاش الاقتصادي يساعد على تحسين وضعية المجتمع. مثلا المغرب هو الأول إفريقيا في إنتاج الأدوية. لكن هناك بعض التكنولوجيا الغالية جدا أو التي لم تسرب إليه لا تساعده على أن ينتج نوعا من الأدوية المهمة ما يدفع سكان إفريقيا الفقراء على الشراء بأثمنة غالية جدا من فرنسا.
أنا أبي كان يشتري حقنا خاصة للحد من مرض الربو من فرنسا.
تعاون البنوك الإسلامية على خلق مراكز البحث العلمي لتصنيع أدوية جيدة في متناول الجميع يساعد الفقراء اجتماعيا ...
كما أن التواصل الذي يخلق بالبنوك الإسلامية بين المسلمين يساعد على خلق برامج بعيدة المدى مكلفة للبحث عن الماء. السائل الأهم حاليا
كما أن الاقتصاد الإسلامي يدفع الدولة على ترشيد مصاريف الجيش. حيث لا يفوق عدد جنود المسلمين 20 % من السكان القادرين على العمل. يعني لن تكون هناك دولة عسكرية شاملة. لأنه سلبي يخلق عدم التوازن الاقتصادي..
سؤالي هل هاته المعلومات حقا إسلامية. هل هناك معلومات أخرى؟؟؟
هل ممكن أسلمة الاقتصاد؟؟؟؟؟
أتمنى أن تجيبوني والله العظيم هذا موضوع يهمني كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اعتقاد شمولية دين الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان ووفائه بكل متطلبات الإنسانية الدينية والدنيوية واجب ديني، ومن اعتقد خلاف ذلك وأن الإسلام يصلح لزمن دون زمن أو لطبقة دون أخرى أو أن غيره أصلح للناس منه وأوفى بمتطلباتهم فقد كفر، لأن اعتقاده هذا يتضمن تكذيب نصوص الوحي المصرحة بكمال الدين ووفائه بما يحتاج إليه الإنسان من أمر دينه وسياسة دنياه، كما أنه يتضمن تنقيص هذا الدين والحط من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء به، وكل ذلك يكفر صاحبه قطعا، وكل هذا معلوم من الدين بالضرورة.
وعلى هذا، فمن أنكر شمولية الدين بالمعنى الذي ذكرنا فهو كافر مرتد عن الإسلام.
وقد حكم على هؤلاء بالردة مفتي المالكية بتونس بسبب هذه الأطروحات الكفرية وأحكام الإسلام ثابتة صالحة لكل زمان ومكان.
قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا {المائدة: 3}
قال ابن كثير: هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا نبي غير نبيهم، ولهذا جعله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس الجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف، كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا. أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة، ورضيت لكم أي فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه ورضيه وبعث به أفضل الرسل الكرام وأنزل به أشرف كتبه. اهـ.
قال محمد بن حزم: واتفقوا أنه مذ مات النبي صلى الله عليه وسلم فقد انقطع الوحي وكمل الدين واستقر وأنه لا يحل لأحد أن يزيد شيئا من رأيه بغير استدلال منه ولا ينقص منه شيئا ولا أن يبدل شيئا مكان شيء ولا أن يحدث شريعة وأن من فعل ذلك كافر. اهـ
ولا يمكننا في هذه الفتوى استقصاء نظام الإسلام في الاقتصاد، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل ليس مجاله فتوى أو جواب لكننا نحيل السائل على موقع متخصص في بيان مكانة التشريع في الاقتصاد الإسلامي وما يتصل به من أمور وذلك في موقع فقه الاقتصاد الإسلامي، وذلك على الرابط التالي: http://www.kantakji.org/figh/Economics.htm
وستجد على هذا الموقع كتبا كثيرة منها كتاب بعنوان النظام الاقتصادي في الإسلام تأليف مسفر بن علي القحطاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(7/167)
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا سياسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا سياسيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قصد السائل بالسياسة توفر المؤهلات القيادية في شخصه صلى الله عليه وسلم وحصول السيادة والريادة له بالقيام على أمور الناس بما يصلحهم، فإن الله عز وجل جمع له من ذلك ما فاق به جميع الساسة والقادة قبله وبعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والمطالع لسيرته قبل النبوة وبعدها في سلمه وحربه ومعاملته للأصدقاء والأعداء يجد من ذلك العجب العجاب، وذلك لما اختاره الله تعالى له من النبوة واصطفاه له من الرسالة حتى يسوس الناس جميعا، ويقود البشرية إلى خيري الدنيا والآخرة.
فقد كان الأنبياء قبله يسوسون أقوامهم خاصة كما في الصحيحين وغيرهما، واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت بنوإسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي.
وقد خصه الله عز وجل بالرسالة إلى الناس كافة وقيادة البشرية جميعا وجعله قدوة لهم أجمعين فأخرجهم من الظلمات إلى النور وجمعهم به من الشتات، وقد شهد له الأعداء والخصوم بحسن السياسة والتدبير، والحق ما شهدت به الأعداء، وكل من اقتدى به وتعلم من سياسته كان أقرب لى النجاح في قيادته وسياسته.
ولهذا فإن على من يهتم بسياسة الناس وقيادتهم أن يقتدي به صلى الله عليه وسلم ويدرس سيرته ويتعلم من سياسته وقيادته، فهو صلى الله عليه وسلم خير معلم لكل من يريد الخير، كما قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {الأحزاب: 21}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(7/168)
الهوية من مقومات التميز والبقاء للأفراد والأمم
[السُّؤَالُ]
ـ[/هل يحتاج الإنسان إلى هوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد للإنسان من هوية تميزه عن غيره، وبها يعرف عقيدة وفكرا وثقافة ومنهجا في الحياة، كأن يقول مثلا أنا مسلم، أو يزيد: منهجي الإسلام، أو يزيد الأمر دقة فيقول: أنا مؤمن ملتزم بالإسلام، من أهل السنة والجماعة.
وكما ينبغي أن يكون للفرد هوية تميزه عن غيره ويعرف بها، كذلك ينبغي أن يكون للمجتمع والأمة هوية مستقلة تتميز بها عن غيرها، وإلا تشابهت الأمم كالأسماك في الماء.
هذا، وكلما توافقت هوية الفرد مع هوية المجتمع تعمق إحساسه بالانتماء لهذا المجتمع واعتزازه به وانتصاره له، أما إذا تصادمتا فهنا تكون أزمة (الاغتراب) قال صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. رواه مسلم. وفي بعض الروايات: أناس قليل في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم رواه أحمد وصححه الألباني.
ونظرا لأن للهوية علاقة أساسية بمعتقدات الفرد ومسلّماته الفكرية، فإنها هي الموجه لاختياره عند تعدد البدائل، وهي التي تجعل سلوكه ذا معنى وغاية، كما أنها تؤثر تأثيرا بليغا في تحديد سمات شخصيته وإضفاء صفة الثبات والاستمرار على هذه الشخصية، فلا يكون إمّعة ولا منافقا، ولا ذا وجهين.
وبالنسبة للمجتمع فإن الهوية هي التي تربط بين أفراده والتي إذا فقدت تشتت المجتمع وتنازعته التناقضات.
هذا، وإن أهم مقومات وأركان الهوية هي العقيدة وهويتنا الإسلامية تنبثق عن عقيدة صحيحة وأصول ثابتة تجمع تحت لوائها جميع المنتمين إليها فيحيون لهدف واحد هو إعلاء كلمة الله، وتعبيد العباد لربهم وتحريرهم من عبودية غيره.
وفي القرآن مدح وتعظيم لهذه الهوية، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت: 33} .
ولقد رسم القرآن مفهوم الهوية عند المسلمين، فجعل العقيدة هي معيار الولاء والبراء والحب والبغض، وهي المنظار الذي يرى المؤمن من خلاله القيم والأفكار والمبادئ ويحكم على الأشخاص وينزلهم منازلهم. وما أحسن ما قاله صاحب "الظلال" رحمه الله تعالى: عقيدة المؤمن هي وطنه، وهي قومه، وهي أهله.. ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها، لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج.
والمؤمن ذو نسب عريق، ضارب في شعاب الزمان، إنه واحد من ذلك الموكب الكريم الذي يقود خطا ذلك الرهط الكريم نوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام. وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى احتفاظ هذه الأمة بهويتها وخصائصها ويحذرمن التشبه بالمشركين فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" وذلك لتبقى أمة المسلمين نسيجا وحدها، حتى إن اليهود قالوا: "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه". رواه مسلم.
ومن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قام سلفنا الصالح فمن بعدهم بجهود رائعة في الحفاظ على هوية الأمة وحراستها، فكانوا فرسانا في الدفاع عنها: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ. ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ومن أراد أن يفهم قضية الهوية حق الفهم فليدرس كتابه الفذ "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" ومنهم أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي، والدكتور محمد محمد حسين، والعلامة الأديب محمود محمد شاكر، وغيرهم، كثير في الأمة، هذا، ونحيلك على كتاب "هويتنا أو الهاوية" للشيخ محمد إسماعيل، ففيه تفصيلات كثيرة في موضوع الهوية، وكذلك فإن له محاضرة بعنوان "الهوية الإسلامية" تجدينها في موقع طريق الإسلام.
www.islamway.com فإنها نافعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(7/169)
مسألة حول الانتخابات والمشاركة فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الانتخابات التي تحدث في الدول العربية وغيرها تحت مسمى الديمقراطية وهو فوز الحاصل على أغلبية الأصوات، مع العلم بأن العالم والجاهل والرجل والمرأة في الانتخابات سواء لكل منهم صوت، هل هذا متوافق مع الشرع أم يخالفه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18151، 18315، 18855، 10238، 47349، 5141، 24252.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1425(7/170)
الواجب على كافة المسلمين أن يوحدوا كلمتهم ويجمعوا أمرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الواجب على المسلم عندما يلتبس عليه الحق ولا يستطيع تمييزه من الباطل، لماذا يختلف المسلمون فيما بينهم رغم أنهم لديهم كتاب واحد ويصلون إلى قبلة واحدة، لماذا تتوالى الطعنات والإهانات والخيانات على الأمة ورغم ذلك لا زالت تغط في سبات عميق، سامحوني يا مشايخي وأساتذتي إن كنت أثقلت في أسئلتي وأسأل الله أن نرى بأعيننا راية الإسلام وهي ترفرف خفاقة عالية شامخة فوق ربوع العالمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحق والباطل لا يلتبسان، ولكن تمييز أحدهما عن الآخر يتطلب معرفة حكم الله تعالى في أي مسألة يريد المرء أن يعمل بها.
وقد قال الأخضري في كتابه: ولا يحل له (يعني المكلف) أن يفعل فعلاً حتى يعلم حكم الله فيه، أو يسأل العلماء العاملين.
فعلى المسلم أن يدرس كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويطلع على ما أتيح له أن يعرفه من أمر دينه، ثم إذا أشكل عليه بعد ذلك تمييز الحق من الباطل، فليسأل أهل العلم.
وتفرق المسلمين واختلافهم رغم اجتماعهم على كتاب واحد وقبلة واحدة هو أمر قدري محتوم، اقتضته الحكمة الإلهية، قال سبحانه وتعالى: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ [هود: 118-119] .
وواجب المسلم في حال الاختلاف أن يلتزم بمنهج السنة والسلف الصالح فلا يحيد عنه، بل يدعو إليه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، والاختلاف منه ما هو محمود وما هو مذموم، وراجع فيه الفتوى رقم: 8675.
وصمت الأمة وسباتها على رغم توالي الضربات عليها هو أيضاً مما قدره الله لها، وقد أخبر به الصادق المصدوق في حديث رواه الإمام أحمد وأبو داوود عن ثوبان مرفوعاً، قال: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء وكغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت.
وليس معنى الحديث أن على سائر أفراد الأمة أن يخضعوا ويستكينوا للضربات ولا يبدوا أي اعتراض على شيء، بل الواجب على كافة المسلمين أن يوحدوا كلمتهم ويجمعوا أمرهم، ويتطلعوا إلى أسباب التقدم والنهوض، ويتمسكوا بدينهم، ويرغبوا فيما هو باق أكثر من رغبتهم فيما هو زائل، فإنهم إن فعلوا ذلك عاد لهم ما كان لهم من مجد وعزت دولتهم كما كانت عزيزة قروناً طويلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1425(7/171)
واجب المسلمة تجاه إخوانها المضطهدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما واجبى نحو حال المسلمين المعذبين الآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من واجب الأخت اتجاه إخوانها المضطهدين عدة أمور من أهمها:
1-أن تكثر الدعاء لهم في أوقات الإجابة كآخر الليل وساعة الجمعة، وبين الأذان والإقامة، وعند الإفطار والانتهاء من صلاة الفرض، ففي الحديث دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل به كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل. رواه مسلم.
ويتعين الإكثار من الدعاء وعدم الملل منه لما في الحديث: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم.
2-نصرهم بما تيسر من مال أو غيره، ففي حديث الصحيحين: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، وفي الحديث: ما من امرئ يخذل امرءا مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته. رواه أحمد وأبو داود والضياء في المختارة. وحسنه الألباني في الجامع.
3-التعاطف معهم لما في الحديث: ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى. رواه البخاري.
4-بذل الطاقة في تفريج كربتهم وإعانتهم، ففي الحديث: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
5-كفالة يتاماهم وأراملهم، ففي الحديث: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة. رواه مسلم.
وفي الحديث: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. رواه مسلم.
6-بذل الوسع والطاقة في توبة واستقامة المتعاطفين معهم من المسلمين على الطاعات حتى تستجاب دعواتهم لهم، وحتى تتوقف أبواب البلاء المفتوحة بسبب معاصي بني آدم، قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (الروم: من الآية41) ، وقال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (لأنفال: من الآية25) .
7-حرص المرأة المسلمة على تنشئة رجال صالحين يهدون بالحق وبه يعملون وإليه يرشدون، وفي سبيله يحيون ويموتون، كما ربت صفية الزبير، وأسماء بنت أبي بكر عبد الله ابن الزبير، والخنساء أبناءها، وأمهات مالك والشافعي وأحمد وربيعة أبناءهن، فإن وراء كل عظيم امرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1425(7/172)
الحكم على المخيمات يختلف باختلافها
[السُّؤَالُ]
ـ[5- حكم المخيمات الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمخيمات التي تقام مختلفة، فلا تعطي حكماً واحداً، فمنها ما يقام للعلم وتلاقي الإخوان والشباب، ومنها ما يقام للترفيه الحلال، ومنها ما يقام للترفيه الحرام أو بث أفكار باطلة، فالحكم عليها يختلف باختلافها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(7/173)
العمل الإسلامي المنظم مطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[4- حكم التنظيم الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعمل الإسلامي المنظم مطلوب ولا شيء فيه ما دام منضبطاً بالضوابط الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(7/174)
حكم الحلف كذبا على الأعداء
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف أن الكذب على الأعداء كذب مباح، ولكن هل القسم في هذه الحالة مباح؟ والشكر الجزيل لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عنه في الفتوى رقم: 44846.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1425(7/175)
حقوق المواطن المسلم التي كفلها الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي حقوق المواطن الصالح؟ والشباب الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصيغة السؤال فيها غموض وتعميم، وليس فيها استفتاء عن حكم شرعي يهم المسلم، ولدينا قسم للبحوث الإسلامية، يمكنك الاتصال به لإفادتك في هذا الموضوع، ومع ذلك، فإننا نقول: الحقوق التي كفلها الإسلام للمواطن المسلم سواء أكان من الشباب أو كان من غيرهم كثيرة منها:
1- حق الحياة ومنع الاعتداء عليه في نفسه ودمه، وضمان ما يحفظ عليه حياته من غذاء ودواء وكساء ونحو ذلك، ومنع الاعتداء عليه في عرضه وشرفه وسمعته.
2- حق التملك للمال بكسبه من أوجهه المشروعة وإنفاقه في الأوجه المشروعة، ومنع الاعتداء على ماله وأخذه بغير حق، سواء من الحاكم أو من أفراد الرعية.
3- حق التعبد وإظهار شعائر الدين، وكفل لغير المسلم حق الاعتقاد وحق العبادة مع ضوابط معينة متعلقة بمنع إظهار شعائر الكفر في بلاد المسلمين.
4- حق الحرية، فيمنع تقييد حرية الشخص في القول والفعل والتصرف إلا ما عارض مبادئ الشرع.
5- حق التعليم والتثقيف بما هو واجب، وهذا الواجب تقوم به الدولة، ممثلا في التعليم الديني وغيره مما يفيد المجتمع.
6- حق اختيار الحاكم وعزله وفقا للضوابط الشرعية مع بذل النصح، ويجب على الحاكم العمل بالشورى والعمل وفق الشريعة الإسلامية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(7/176)
عوامل تأخر الأمة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف هو حا ل الإسلام الآن في العالم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحال الأمة الإسلامية لا يخفى على أحد، حيث تبدل حالها من أمة متبوعة إلى أمة تابعة، ومن أمة منتجة إلى أمة مستهلكة، ومن أمة مصدرة للحضارة والعلوم إلى أمة مستوردة لشتى صنوف الأفكار وعوامل الهدم، وصار حالهم كما قال الله تعالى لبني إسرائيل: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) [البقرة:61] ومعظم ذلك يعود إلى أمور أهمها:
1-البعد عن الدين والإعراض عن تطبيق أحكامه وتشريعاته.
2-عدم المنهجية في التعليم والتعلم.
3-الانكباب على الشهوات والملذات.
4-التفريط في أوامر الله تعالى وشريعته.
5-انتكاس أفكار المسلمين وبعدها عن المنهج الرباني القويم.
6-التفرق والتشرذم واختلاف الكلمة.
وغير ذلك من الأسباب نسأل الله زوالها، وعودة مجد الإسلام وعز المسلمين، وللفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 15869 / 32742 / 35219 / 21741
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(7/177)
أهم العوامل في عدم الاتحاد بين المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذ لا تتحد الدول مع بعضها البعض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الفرقة عذاب، وأن الجماعة رحمة، ولهذا حث القرآن الكريم والسنة النبوية على الاجتماع والائتلاف، وحذّرا من الفرقة والاختلاف.
قال الله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105] .
وقال تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] . قال المفسرون: قوتكم ودولتكم.
والأصل أن يكون المسلمون جميعًا في دولة واحدة وتحت قيادة عامة تجمعهم، هذا ما كان عليه المسلمون من قديم الزمان على اختلاف شعوبهم، فكانوا يجتمعون جميعًا تحت ظل الخلافة الإسلامية العامة، وإن كان لكل قُطر خصائصه ونظامه الداخلي.
ولأهمية الخلافة في الإسلام ألحق أهل العلم وجوب تنصيب الإمام العام بالعقائد، فعقدوا له أبواباً في كتبهم في العقائد وأحكام الإمامة في الفقه، وجعلوه من فروض الكفايات، وظل المسلمون طول تاريخهم من عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن جاء بعدهم تحت قيادة عامة واحدة - تقريبًا - هي الخلافة الإسلامية، حتى جاء الاستعمار الغربي واحتل بلاد المسلمين في غفلة الرقيب وغيبة الحارس وقسَّم بلادهم إلى دويلات وكيانات هزيلة، صنعها على عينه وربطها بمصلحته، وزرع بينها العداوات والنزاعات الحدودية الوهمية على حد قوله: "فرق تسد".
وعلى ذلك، فلا سبيل إلى اتحاد الدولة الإسلامية مادام الكفار يتحكمون فيهم ويهيمنون عليهم؛ لأنهم هم الذين فرقوا شمل العالم الإسلامي وقسَّموه ليسهل التحكم فيه.
واتفاقية سايكس بيكو بين الدول المستعمرة في فرنسا سنة 1916م ما هي إلا جزء يسير مما نعلم، وما خفي أدهى وأعظم، وهذه الاتفاقيات وما أشبهها هي التي تمنع الدول الإسلامية من أن تتحد؛ لأن الذين أقاموها أصبحوا يتحكمون في العالم وفي العالم الإسلامي خاصة أكثر من تحكمهم في ذلك الوقت.
فهذا أهم العوامل في عدم الاتحاد بين المسلمين، بالإضافة إلى عوامل أخرى شكلية.
وإذا أراد المسلمون حقيقة أن يتحدوا فالطريق إلى ذلك واضح وميسر - ولا طريق غيره، مهما رفع من شعارات الوطنية والقومية وغيرها - وهو الرجوع إلى الله تعالى، والتمسك بدينه الشامل. وبغير ذلك لن تقوم للمسلمين قائمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1424(7/178)
مؤلفات جليلة في مجال السياسة الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا توسع غير أهل السنة في التأليف في السياسة الشرعية وأقل أهل السنة في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد كتب علماء أهل السنة كتباً نافعة في مجال السياسة الشرعية منها: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومنها: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية للإمام ابن القيم، ومنها: غياث الأمم في التياث الظلم للإمام الجويني، ومنها الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى، والأحكام السلطانية للإمام الماوردي، ومنها: تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام لعز الدين ابن جماعة، ومنها: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام لابن فرحون، وغير ذلك من المصنفات الجليلة المعتمدة على الكتاب والسنة واجتهادات الصحابة رضي الله عنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(7/179)
المراحل السياسية للأمة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي البنية السياسية للقرن الأول الهجري؟ وهل هناك وجه شبه بين الجاهليتين- قبل الإسلام والقرن العشرين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المراحل السياسية التي تمر بها أمة الأسلام في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت.
فما كان في زمن النبوة والخلافة الراشدة فهو زمن التطبيق المتكامل لتعاليم الإسلام ومعالمه العظام، وما كان بعد ذلك فهو كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من الملك العاض والملك الجبري والدعاة على أبواب جهنم، كما في الحديث المتفق عليه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر، قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه، قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر، قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك، قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
ولا شك أننا في زمن كثرت فيه الفتن والمغريات، ورفع فيه دعاة الفساد عقيرتهم، وحكم في كثير من بلاد المسلمين بغير الشريعة، فحسبنا الله ونعم الوكيل، والواجب على المسلم أن يلتزم الشريعة في نفسه وأهل بيته، وأن يسعى في نشر الحق على قدر طاقته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1424(7/180)
التوفيق بين الأصالة والمعاصرة
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد سيدي الفاضل أن نعرف كيف أن ندمج بين الأصالة والعصرية؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصالة مصطلح يعنى به الرجوع إلى الأصول، والتي تعني عند أمة الإسلام الوحي المتمثل في الكتاب والسنة، لأنهما مصدرا التشريع الإسلامي، ويعنى بالمعاصرة مدى صلاحية التشريع لمواكبة مستجدات الأحداث، والتي يعبر عنها بـ"النوازل" بحيث يوجد فيه من الأسس ما يحكم به على هذه النوازل، فمضمون هذا السؤال هو: هل من سبيل إلى التوفيق بين الأصالة والمعاصرة؟
وقبل الجواب عن هذا السؤال نذكر مقدمة مختصرة تمثل مدخلاً لهذا الجواب، وهذه المقدمة هي أن من أبرز خصائص الإسلام الوسطية والتوازن في تشريعاته، وهذا الخاصية قلما تتوفر في أي نظام من النظم الوضعية، ذلك لأنها صادرة عن قصور في العلم والفهم، بخلاف التشريعات الإسلامية فإنها من عند الله الذي خلق ويعلم ما يصلح خلقه، وما يفسدهم، ولا يتسع المجال لبسط الأمثلة على ما ذكرنا، إلا أن ما نحن بصدده يكفي دليلاً على ذلك.
فبالنظر في رسالة الإسلام نجد أنها اشتملت على عنصر الثبات، وعنصر المرونة، وهذا من روائع الإعجاز في هذا الدين، ودليل على صلاحيته لكل زمان ومكان. وبيان ذلك: أن الأهداف والغايات، والأصول والكليات، والقيم الدينية والأخلاق تمثل ثوابت لا تتغير بتغير الزمان والمكان، فالإيمان بالله فضيلة، والشرك بالله قبح ورذيلة، والصدق فضيلة، والكذب قبح ورذيلة، وهذه أمور لا تتغير بتغير العصور.
ومن الجانب الآخر فإن معاملات الناس من بيع وشراء وحكم وسياسة، وغير ذلك مما يهم الناس في أمور حياتهم، تمثل جانياً يطرأ عليها كثير من المستجدات، فجعل لها الشارع ضوابط عامة يحكم بها على هذه المسائل الحادثة، ومن هنا كان الاجتهاد أصلاً من أصول التشريع في الإسلام، قال ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان: الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة كوجوب وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
النوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً ومكاناً وحالاً كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة. انتهى
ويظهر أمر مراعاة الثوابت والتغيرات في سيرة الخلفاء الراشدين وفتاوى الأئمة المهديين، فمن مراعاة الثوابت في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه موقفه من مانعي الزكاة وقوله في ذلك: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومن مراعاة المتغيرات في عهد الصديق رضي الله عنه جمعه للقرآن في مصحف واحد، وقصته في ذلك رواها البخاري في صحيحه.
أما الفاروق عمر رضي الله عنه فقد كثر في عهده النوازل والمستجدات لطول فترة خلافته، واتساع الفتوحات في عهده، فهو الذي توقف عند النص في قصة الفرار من الطاعون في قصة الطاعون بالشام لأنه لا مجال للاجتهاد مع وجود النص، وهذه القصة رواها البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وعمر رضي الله عنه هو الذي صالح نصارى بني تغلب على أن تُضعَّف عليهم الزكاة مرتين، كما روى ذلك ابن أبي شيبة في مصنفه.
وقد وردت كثير من الفتاوى عن أئمة المذاهب الأربعة، وغيرهم من الأئمة، والتي اعتبروا فيها العمل بالمصالح المرسلة، قال الزركشي في كتابه البحر المحيط -وهو في أصول الفقه الشافعي- وهو يتحدث عن أقسام المصالح قال: القسم الثالث: ألَّا يعلم اعتباره ولا إلغاؤه، وهو الذي لا يشهد له أصل معين من أصول الشريعة بالاعتبار، وهو المسمى بـ"المصالح المرسله" وسيأتي الكلام فيه، والمشهور اختصاص المالكية بها وليس كذلك، فإن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة، ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك. انتهى.
ثم إن علماء الأمة مازالوا في كل عصر من العصور يجتهدون في النوازل التي تستجد على الناس في أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والطب، وإن الناظر إلى قرارات مجمع الفقه الإسلامي يجد هذه الجهود واضحة وجلية، ونذكر على سبيل المثال القرارات بشأن التأمين بأنواعه، وتشريح الجثث، ونقل الأعضاء وغيرها من القرارات، ليبقى كل ذلك شاهداً على صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1423(7/181)
المشاركة في الأنشطة السياسية..رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدخول في نشاطات طلابية تتعلق بالسياسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع شرعاً من الدخول في النشاطات الطلابية أو غيرها من الأنشطة الاجتماعية والسياسية، إذا كان ذلك مضبوطاً بالضوابط الشرعية، ولم يترتب على المشاركة ضرر يفوق المصلحة الشرعية المرجوة من الدخول في تلك الأنشطة.
وفي مشاركة الشباب في تلك الأنشطة بيان لحقيقة هذا الدين، وأنه قد رسم لمتبعيه منهجاً متكاملاً من حيث العبادة والمعاملة والسياسة والاقتصاد ... وغير ذلك.
وفي مشاركتهم تدريب لهم على تحمل المسئولية، وتعويد لهم على القيام بواجب الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لكل مسلم، وعلى العمل العام وتحمل المسؤولية لخدمة دينهم وأمتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1423(7/182)
الإسلام جعل العرب قادة الدنيا يسير الناس خلفهم طوعا وكرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو أثر الإسلام على العرب من الناحية الدينية والسياسية والاجتماعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام هو دين الله الذي من تمسك به أعزه الله في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنه خسر في الدنيا والآخرة, ومن استقرأ حياة العرب خاصة والناس عامة قبل الإسلام وبعد الإسلام وجد التغير التام في كل الجوانب، وهذا أمر لا يخفى، تغير في المعتقدات والعادات والحكم والسياسة فتحولوا من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، ومن تحكيم الطاغوت إلى تحكيم الشريعة الربانية، ومن التقاطع والتدابر إلى التآلف والتآزر وقد كان العرب قبل الإسلام أذيالاً للأمم، فمنهم من كان ذيلاً للفرس وإن ظهر بمظهر الملك كالنعمان بن المنذر وآبائه وأجداده ومن دار في فلكهم من قبائل العرب، ومنهم من كان ذيلاً للحبشة في مراحل متطاولة كبعض قبائل اليمن، ومنهم من كان ذيلاً للروم كجبلة بن الأيهم وملوك بني جعبة.
ثم تحول العرب بالإسلام إلى أن أصبحوا قادة الدنيا يسير الجميع خلفهم طوعاً أو كرهاً.
يسوسون الدنيا بالدين فنعم أهل الأرض بظلال وارفة من العدل والطمأنينة -مسلمين كانوا أو كفاراً- فلما بدأ الإسلام في الانحسار عاد الظلم والقهر والاستبداد، ويمكنك مطالعة كتاب "ماذا خسرالعالم بانحطاط المسلمين" للعلامة أبي الحسن الندوي رحمه الله، فهو عظيم في بابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1423(7/183)
عوامل سقوط الخلافة ووسائل إعادتها
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو تسليط الضوء على العوامل التي ساعدت على هدم دولة الخلافة الإسلامية، وكذلك الظروف والأجواء التي من خلالها يمكن لهذه الدولة أن تعود إلى واقع الحياة؛ لما لها من أهمية قصوى في حياة أي مسلم. مع جزيل الشكر، والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أهم الأسباب التي أوصلت المسلمين إلى ما هم فيه من المذلة والهوان وسقوط دولة الخلافة، إعراض المسلمين عن تعاليم دينهم، وبعدهم عن أوامر ربهم، فتفرقت كلمتهم. والله ورسوله يأمرانهم بالاجتماع وتدابروا وتقاطعوا وتحاسدوا وقد نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وتركوا العمل والإنتاج والصناعة، والله تعالى يقول: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ) [التوبة: من الآية105] ، وجهلوا والله يأمرهم بالعلم، وركنوا إلى الدنيا والله يأمرهم بالجهاد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة: من الآية38] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا تبايعتم بالعينه وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" رواه أبو داود، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "من علم الرمي ثم تركه فليس منا" رواه مسلم، وترك المسلمون الأخذ بالأسباب، وتخلفوا صناعياً وتقنيا وثقافياً، وفي المقابل نشط أعداء الإسلام وتقدموا في الجوانب المادية، وطمعوا في ثروات المسلمين الكثيرة، وسعوا في طريق إفقار المسلمين وتجهيلهم، وإذكاء العداوات والثارات وإثارة النعرات العصبية والدعوات الجاهلية، وقاموا بتشويه وجه الخلافة الإسلامية في نفوس المسلمين، وكان لليهود الدور البارز في تأجيج العداوة بين العرب والأتراك، وإحياء الأفكار الهدامة.
وحتى تعود الخلافة الإسلامية لا بد من رجوع صادق إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع المنهج النبوي في بناء الفرد والأسرة والمجتمع، ومنهج التغيير الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، والتخلص من أسباب الضعف السابق ذكرها، وهذا مطلوب من كل مسلم فيه بما يطيق، وأهم شيء في ذلك هو السعي الجاد في أمرين، الأول: حمل الأفراد على التمسك بالدين وترغيبهم فيه،
الثاني: لم الشمل ونبذ الخلاف وقد بدا -ولله الحمد- بعض الصادقين في السعي في تحصيل كلا الأمرين. نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(7/184)
خيار الأئمة وشرارهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث صحيح مضمونه أن شر الناس عند الله إمام يبغضه الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت عدة أحاديث بهذا المعنى منها ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيار أئمتكم الذي تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم.. .الحديث. قال العلماء: ومعنى تصلون عليهم تدعون لهم.
ومنها مارواه الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون. حسنه الألباني.
قال العلماء: وهذه الأحاديث في أئمة الجور والفجور والظلم، وهي تعني بالدرجة الأولى الولاة والحكام، ويدخل معهم بالتبعية أئمة الصلاة ومن ولي شيئا من أمر المسلمين ولم يرفق بهم، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النوع من الأئمة فقال: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به. رواه مسلم.
ومما ورد في أئمة الجور والظلم ما رواه البخاري وغيره أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه فقال له معقل إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة.
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتاوى الآتية أرقامها: 43333، 55625، 26508. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(7/185)
حدود طاعة الأمير في السفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الذي يعصي الأمير في شيء وهو الذي يكون أميرا على مجموعة الدعوة الخارجة في سبيل الله، يكون أيضا عصى الله تعالى؟ وما هو حكم الأمير في الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم. رواه أبو داود، وحسنه النووي والألباني. وفي مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم.
فهل هذه الإمارة خاصة بالسفر. جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة) : هذا كما هو ظاهر الحديث في السفر، أما الحضر فإن الإمارة تكون لمن ولي أمر البلد بولاية شرعية، وكل أمير بحسبه. انتهى.
فإذا كانت هذه المجموعة الدعوية على سفر، فمن السنة أن يؤمروا أحدهم، ويطيعوه ما لم يأمر بمعصية.
قال الطحاوي في (مشكل الآثار) : في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل الأمير الذي يؤمره الناس عليهم حيث يبعدون من أمرائهم، كأمرائهم عليهم في وجوب السمع منهم والطاعة له فيما يأمرهم به أمراؤهم إذا كانوا بحضرتهم. انتهى.
وقال ابن تيمية في (الاستقامة) : بنو آدم لا يعيشون إلا باجتماع بعضهم مع بعض، وإذا اجتمع اثنان فصاعدا فلا بد أن يكون بينهما ائتمار بأمر وتناه عن أمر، ولهذا كان أقل الجماعة في الصلاة اثنين، كما قيل: الاثنان فما فوقهما جماعة. لكن لما كان ذلك اشتراكا في مجرد الصلاة حصل باثنين أحدهما إمام والآخر مأموم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وصاحبه: إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما. وكانا متقاربين في القراءة. وأما في الأمور العادية ففي السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لثلاثة يكونون في سفر إلا أمروا عليهم أحدهم. انتهى.
وقد سبق في الفتوى رقم: 8470 أن المقصود من الإمارة في هذا الحديث معناها الحقيقي من الأمر والنهي، ووجوب الطاعة ما لم يكن الأمر بمعصية، فإذا كان بمعصية، فلا سمع ولا طاعة، ولا فرق في وجوب الطاعة - بالقيد المذكور - بين الإمارة الكبرى والإمارة الصغرى.
ويرى بعض أهل العلم أن هذه الطاعة متعلقة بمصالح السفر فحسب.
قال ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين) : ظاهر الحديث أن هذا الأمير إذا رضوه وجبت طاعته فيما يتعلق بمصالح السفر؛ لأنه أمير، أما ما لا يتعلق بأمور السفر فلا تجب طاعته كالمسائل الخاصة بالإنسان انتهى.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد في (شرح سنن أبي داود) : الإمارة هنا المقصود منها أن يعرفوا مرجعهم، لا أن هذه ولاية يترتب عليها أحكام كإقامة حدود وجلد وما إلى ذلك، فليس هذا من شأنهم، وليست هذه مهمتهم، وإنما مهمتهم ما يتعلق بأحوال السفر والارتحال والنزول. انتهى.
ولا شك أن الطاعة في غير ما يتعلق بأمور السفر حتى وإن لم تكن واجبة، إلا أنها ضرورية في رفع الخلاف وحصول الائتلاف، الذي هو المقصود من هذا الحديث، قال البغوي في (شرح السنة) : إنما أمر بذلك لأنهم إذا صدروا عن رأي واحد يكون ذلك أبعد من وقوع الاختلاف بينهم. انتهى. وكذا قال الخطابي في (معالم السنن) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(7/186)
وجود السلطان ضرورة دينية دنيوية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن صحة هذا الحديث ونصه إذا كان موجوداً، قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم فيما معناه (أن تبيت أمتي في ظل حاكم جائر دهراً خير من أن تبيت ليلة بدون حاكم) ، ف هل هذا الحديث صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، ولكنه كلام لبعض السلف، ولا شك أن السلطان مع جوره خير من فقده، فقد قال شيخ الإسلام في الفتاوى: يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي: إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم. رواه أبو داود.
فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي (إن السلطان ظل الله في الأرض) ويقال (ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان) والتجربة تبين ذلك ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان..
فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال بها، وقد روى كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه. قال الترمذي حديث حسن صحيح. فأخبر أن حرص المرء على المال والرياسة يفسد دينه ... انتهى.
وقال في موضع آخر: والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، ورجحت خير الخيرين بتفويت أدناهما، وهذا من فوائد نصب ولاة الأمور ولو كان على ما يظنه الجاهل لكان وجود السلطان كعدمه، وهذا لا يقوله عاقل فضلاً عن أن يقوله مسلم، بل قد قال العقلاء: ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان. وما أحسن قول عبد الله بن المبارك:
لولا الأئمة لم يأمن لنا سبل * وكان أضعفنا نهبا لأقوانا. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1430(7/187)
(إذا صلح الراعي صلحت الرعية) . ليس حديثا نبويا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صلح الراعي صلحت الرعية، هل هو حديث نبوي أم مقولة مأثورة فقد كنت أتكلم مع أصدقاء واختلطت المعلومات برأسي وأرجو معرفة الحقيقة فهل هذا الحديث قوي أم ضعيف، وهل هذا الحديث يتعارض مع الحديث كيفما تكونوا يولى عليكم؟ فالتاريخ كان به حكام كعمر بن عبد العزيز الذي جاء وليا على نفس الرعية والتي تولاها من هم قبله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على أصل للحديث المذكور فيما اطلعنا عليه من المراجع، والحديث: كما تكونوا يولى عليكم. لا يتعارض معه بل يشبهه في المعنى، ولكنه حديث ضعيف كما بينا في الفتوى رقم: 18065.
وللمزيد من الفائدة عن حقوق الراعي والرعية والعلاقة بينهما انظر الفتوى رقم: 105743.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(7/188)
بيان معنى حديث: كيفما تكونوا يولى عليكم. وبيان ضعفه
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث النبوي الشريف: كيفما تكونوا يولى عليكم. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما هو تفسيره وهل تفسيره هو الذي أسمعه أنه على أساس تصرف وحياة الناس يولى عليهم حرفيا أم أنه مجاز أو أنه يشير لأمر آخر، وهل هو صحيح أو غير ذلك؟
فمثلا في عهد الدولة الأموية وبعد فترة ظلم وقهر لبعض خلفاء هذه الدولة كمروان بن عبد الملك جاء بعده عمر بن عبد العزيز الذي حكم المسلمين بكتاب الله وساد العدل بعده لمدة 30 شهرا ثم جاء بعده ملوك عادلون وطغاة فهل مثلا بهذه الفترة انصلح حال الناس فجأة وظلموا أنفسهم مرة أخرى فجأة، أم ما هو تفسير هذا الحديث أنا لا أجادل في كلام الله ولا حديث ولا ألغو، ولكن اود معرفة الحقيقة حتى أتبعها فعندما يكون لدي نص ديني وله أكثر من تفسير أفضل سؤال أهل العلم وأعرض عليهم كل ما لدي حتى يفيدوني بما هو صحيح منهم لأني لست أهلا أو مؤهلا في تفسير النصوص الدينية لأني متلق ولست مصدرا للمعلومة ولكن أود التأكد من صحتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الحديث كما هو واضح أن الوالي والأمير يكون من جنس المولى عليهم- رعيته- فإن كانوا صالحين كان مثلهم، وإن كانوا فاسدين كان مثلهم، والحالة التي يكونون عليها يكون عليها ولي أمرهم.
قال الألوسي في تفسيره عند قول الله تعالى: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون. إن الرعية إذا كانوا ظالمين سلط الله تعالى عليهم ظالما مثلهم. انتهى.
وفي تفسير القرطبي عند هذه الآية عن ابن عباس قال: إذا رضي الله عن قوم ولي أمرهم خيارهم، وإذا سخط الله على قوم ولي أمرهم شرارهم، وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أعان ظالما سلطه الله عليه. اهـ.
ولكن الحديث المذكور قد سبق تخريجه وحكم أهل العلم عليه بالضعف، وقول بعضهم إن الواقع يكذبه ولعله يشير بذلك إلى ما ذكرت في سؤالك. انظر تفاصيل ذلك في الفتوى رقم: 18065.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(7/189)
توضيح المقصود من حديث: "من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية"
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني في إمام يدعي أنه لا يكون المرء مسلما أبدا ولا يدخل الجنة حتى يبايع إماما أو ولي أمر, وبهذه القولة جمع حوله جمعا غفيرا ويأتي بأحاديث على ذلك وآيات قرآنية أفتوني في هذا الأمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليحذر المسلمون من أمثال هؤلاء فإنهم يأتون بآيات وأحاديث تحض على اجتماع المؤمنين على بيعة إمام واحد للأمة، ويسقطونها جهلا أو اتباعا للهوى على أحزاب يخترعونها، كحديث: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. رواه مسلم.
فيحملون ذلك على شخص منهم، وهذا وهم قبيح وخطأ فادح يتبين بالرجوع إلى كلام أهل العلم قال الخلال: وأخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق حدثهم أن أبا عبد الله يعني الإمام أحمد سئل عن حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ما معناه؟ قال أبو عبد الله تدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع المسلمون عليه. كلهم يقول: هذا إمام. فهذا معناه. أخرجه الخلال في كتاب السنة وابن هانئ في مسائله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1429(7/190)
اشتراط الذكورة في القاضي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المرأة في القضاء؟ وهل يجوز لها إصدار الحكم وهي حائض؟ ما حكم نيابة المرأة القاضي للولي في الزواج؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء لأن من شروط القاضي الذكورة في قول جمهور أهل العلم، فلا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء فإن المناصب القيادية والمسؤوليات الكبرى يجب أن تكون بيد الرجال الأكفاء.
ولهذا أجمع العلماء على اشتراط الذكورة في الإمامة الكبرى فلا تصح ولاية امرأة، ودليل ذلك عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة. رواه البخاري وغيره.
قال الحافظ في الفتح: وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلا عن الحنفية واستثنوا الحدود اهـ
فالإمام أبو حنيفة قال: يجوز أن تكون المرأة قاضية في الأموال. وراجع لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 3935، وإذا تقرر أن المرأة لا تكون قاضية فلا يصح أن تصدر حكما على أية حال.
وحول الشق الثاني من سؤالك فقد بينا من قبل أنه لا تصح ولاية الأنثى في النكاح عند جماهير أهل العلم ويمكنك أن تراجع فيه فتوانا رقم 76882، ولا يغير من هذا الحكم توليتها القضاء لأنها ولاية غير منعقدة على القول الصحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1429(7/191)
هل استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا من الصحابة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء من أهل السنة هل كانت خلافة أبي بكر بالنص أم بالشورى، وآراؤهم متقاربة في ذلك إذ هم متفقون على صحة خلافته رضي الله عنه، لإجماع الصحابة عليها وإجماعهم حجة.
وقد ثبتت الأحاديث المفيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يكتب الخلافة لأبي بكر كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى، ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر.
وفي صحيح البخاري عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، قالت عائشة واثكلاه والله إني لأظنك تحب موتي فلو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون.
وأما الذين يدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على خلافة علي، فقد ثبت عن علي رضي الله عنه في أيام خلافته ما يفند دعواهم فقد روى الذهبي وغيره بسنده عن الحسن قال: لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا والله، إن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا ولم يمت فجأة مكث في مرضه أياما وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر يصلي بالناس، فلما قبض الله نبيه نظرنا في أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام وهي أعظم الأمر وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر وكان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض ولاها عمر فأخذ بسنة صاحبه وما يعرف من أمره فبايعنا عمر لم يختلف عليه منا اثنان ولم يشهد بعضنا على بعض ولم نقطع البراءة منه، فأديت إلى عمر حقه وعرفت طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدل بي ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم، فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان فأديت له حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا إغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما أصيب نظرت في أمري فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا وهذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين. اهـ
وقد نقل البيهقي بسنده عن الحسن بن الحسن أنه سأله رجل: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال: أما والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان يعني بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم إن هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإن أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم.اهـ
وبالجملة فقد أوسع العلماء هذا الأمر شرحا وردا لما أثير حوله من شبه، وننصح في هذا الصدد بمراجعة كتاب الصواعق المحرقة للإمام ابن حجر الهيتمي ومنهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية وتاريخ الخلفاء للسيوطي وموسوعة السير للدكتور الصلابي فقد أجادوا وأفادوا في رد سائر الشبه المتعلقة بهذا الموضوع ورحم الله سفيان الثوري إذ يقول: من زعم أن عليا عليه السلام كان أحق بالولاية منهما فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء. رواه أبو داود بسند صحيح عنه كما قال الألباني في ظلال الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1429(7/192)
لم يوص النبي لأحد بالولاية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أوصى رسول الله للإمام علي بالولاية من بعده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يوص بالولاية من بعده لعلي رضي الله عنه ولا لغيره. ولك أن تراجعي في هذا فتوانا رقم: 2996.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1428(7/193)
مبايعة علي لأبي بكر بنفسه في المسجد النبوي وأبو بكر على المنبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أرسل خاتم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سقيفة بني ساعدة تثبيتا لبيعة أبي بكر رضي الله عنه حينما كان مشغولا بغسل النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نجد بعد البحث ما يثبت حجية هذا الخبر، وقد ثبت أن عليا رضي الله عنه بايع أبا بكر بنفسه في المسجد النبوي وأبو بكر على المنبر، كما في الأثر الذي رواه الحاكم والطبراني وصحح إسناده ابن كثير والهيثمي.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(7/194)
أولو الأمر الذين تجب طاعتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالي: أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منکم.. أين أولوا الأمر الذي تجب إطاعتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أولوا الأمر هم العلماء والأمراء الصالحون.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولو الأمر الذين تجب طاعتهم هم: الأمراء والعلماء المستقيمون على طاعة الله كما رجحه ابن العربي، وقد عزاه البغوي لأبي هريرة، فتجب طاعتهم في المعروف، وتحرم في المعصية ظاهراً وباطناً، لما في الحديث: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف. رواه مسلم.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا. انتهى ذكره البغوي في التفسير، وقد ذكر البيضاوي والألوسي أنه يندرج في أولي الأمر الخلفاء والسلاطين والقضاة وغيرهم،
وعليه؛ فتجب طاعة العلماء المتبعين لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في كل ما علموه للناس وأمروهم به من الشرع، وتجب كذلك طاعة السلاطين فيما أمروا به مما لا يحرمه الشرع، وراجع كتب التفسير وشروح الصحيحين، ويمكنك الاطلاع على المزيد في الموضوع في الفتويين التاليتين: 32949، 80609.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1428(7/195)
ثبوت عهد أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه بالخلافة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنتم تقولون لا اعتبار بعهد أبي بکر لتعيين عمر للخلافة بدون إجماع المسلمين علي هذا العهد، فکيف اجتمع المسلمون علي ذلك العهد ولم يحضر کثير من المسلمين في مدينة النبي صلي الله عليه وآله، والمخالف لهذا العهد في المدينة موجود مثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو مدع للخلافة من قول النبي صلي الله عليه وآله، وطلحة والزبير مخالفان لهذا العهد كذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
خلافة عمر رضي الله عنه ثابتة بإجماع المسلمين حيث أقروا عهد أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه بالخلافة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم هداك الله أن الذي ذكره الثقات من أهل السيرة والتاريخ كالطبري في تاريخه وابن كثير في البداية والنهاية وابن الأثير في الكامل أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استشار كلا من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف في عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين فأثنيا عليه خيرا، وأن أبا بكر رضي الله عنه قد أطلع الناس على أمر هذا الاستخلاف فقالوا: سمعنا وأطعنا، ولم يقف الأمر عند ذلك بل أمر عثمان بن عفان بكتابة هذا العهد، فقرأه عثمان على المسلمين بعد وفاة أبي بكر فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا.
وما ذكرت من مخالفة بعض الصحابة لهذا العهد فلا يصح، وغاية ما اطلعنا عليه في ذلك أن بعض الصحابة ومنهم طلحة رضي الله عنه قد قال لأبي بكر رضي الله عنه: ماذا تقول لربك إذا وليت علينا فظا غليظا؟ فقال: أبالله تخوفوني؟ أقول: وليت عليهم خير أهلك. فارتفع الخلاف بعد ذلك كما ذكر غير واحد من أهل العلم كالشهرستاني في الملل والنحل، وابن تيمية في مجموع الفتاوى.
ولعلك قد اطلعت على بعض الكتب غير الموثوق بها في هذا الشأن، ولو جاز لنا الاستدلال بما لم يصح من الاخبار لاستدللنا بما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما حضرت وفاة أبي بكر الصديق سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: المتفرسون في الناس أربعة امرأتان ورجلان ... وأما الرجل الآخر فأبو بكر الصديق لما حضرته الوفاة قال: إني قد تفرست أن أجعل الأمر من بعدي في عمر بن الخطاب، فقلت له: إن تجعلها في غيره لن نرضى به ... قال ابن عساكر بعد روايته له: قال الخطيب: هذا حديث موضوع من عمل القصاص، وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه. ومثل هذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي.
وأما الزعم بأن عليا رضي الله عنه مدع للخلافة فكذب وافتراء، وراجع الفتوى رقم: 2996.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1428(7/196)
استعمال الإكره والتهديد في الانتخابات غش وخيانة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تم اختيار مندوبين للكتلة الإسلامية في 11 منطقة وعند اجتماعهم معا تم اختيار أمير ونائبه وأمين سر وأمين صندوق كل على حدة وبالترتيب وفوجئنا بأن كل واحد حصل على 7 أصوات من 11 وبعدها تبين أن هناك اتفاقا قد تم بين السبعة على اختيار هؤلاء 4 وقد مورس على البعض الآخر ضغط وتهديد (انتخب فلان أمير واحفظ ماء وجهك) ، وذلك من أحد الأشخاص القريبين منهم والذي تولى التنسيق ما بين السبعة، فما الحكم في ذلك علما بأن جميع الإخوة منتخبون من قبل مناطقهم، فهل يجوز الاتفاق على اختيار أشخاص قبل إجراء الشورى والانتخاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كال الحال على ما ذكر من تواطؤ هذه المجموعة على اختيار هؤلاء الأربعة دون غيرهم، ومن غير تفويض لهم من قبل الأعضاء الآخرين، فإنهم بهذا التصرف قد أساءوا، وكان ما حصل منهم غش وخداع، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غش فليس منا. وإن كان من هؤلاء المختارين من ليس أهلا للمنصب الذي اختير فيه كان في هذا الاختيار خيانة للأمانة، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال:27} ، وعليه، فلمن لهم حق الانتخاب إمضاء هذا الاختيار أو إلغاؤه، وإعادة الانتخاب على الوجه الصحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(7/197)
هل يشترط في الخليفة أن يكون قرشيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن أمير المسلمين أو الخليفة، يجب أن يكون قرشياً، وهل الخلفاء العثمانيون مذنبون لأنهم لم يولوا قرشياً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجماهير أهل العلم على أن خليفة المسلمين يجب أن يكون من قريش، بل حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش. رواه أحمد، وقوله صلى الله عليه وسلم: الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم. متفق عليه.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عند هذا الحديث: هذا الحديث وأشباهه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك من بعدهم. انتهى.
وقال الماوردي في الأحكام السلطانية في شروط الخليفة: (الشرط السابع) : النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه، ولا اعتبار بضرار حين شذ فجوزها في جميع الناس، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه احتج يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة لما بايعوا سعد بن عبادة عليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش. فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا منا أمير ومنكم أمير تسليما لروايته وتصديقاً لخبره ورضوا بقوله: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قدموا قريشاً ولا تَقدَّموها. وليس مع هذا النص المسلم شبهة لمنازع فيه ولا قول لمخالف له. انتهى.
أما أمراء المسلمين الذين ينوبون عن الخليفة فلا يشترط فيهم ذلك فقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده أمراء غير قرشيين كما هو مشهور معلوم، ولا يأثم العثمانيون بعدم نصبهم خليفة غير قرشي إذا كان قد منعهم من ذلك مانع معتبر شرعاً كخشية الفتنة والتقاتل بين المسلمين لعدم رضا فريق منهم به، ولعل المناسب هنا أن نتلمس الحكمة في اشتراط أن يكون الخليفة من قريش، فالحكمة في ذلك كما ذكرها الدكتور عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي في كتابه الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، حيث قال: الحكمة -فيما أرى والله أعلم- أن قريشاً هي أفضل قبائل العرب بنص الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله اصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. رواه مسلم.
فالعرب في الأجناس وقريش في العرب مظنة أن يكون فيهم الخير أعظم مما يوجد في غيرهم، ولهذا كان منهم أشرف خلق الله تعالى صلى الله عليه وسلم الذي لا يماثله أحد في قريش، فضلاً عن وجوده في سائر العرب وغير العرب، وكان منهم الخلفاء والراشدون، وسائر العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم، وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب، وكان في العرب السابقون الأولون ممن لا يوجد لهم نظير في سائر الأجناس، فلا بد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول، فمظنة وجود الفضلاء في قريش أكثر من مظنة وجودهم في غيرها، ولم يخص النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم دون غيرهم من قريش وهم أفضل بطون قريش، لأنها بطن من قبيلة فعددها محصور وقليل، فلا يلزم أن يكون الفضلاء فيها، كما أن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيهم، وإنما في بني تيم وهو أبو بكر، ثم عمر من بني عدي ثم عثمان من بني أمية ثم علي من بني هاشم.
ومما يدل على فضل العرب على غيرهم قول الإمام أحمد في رواية الإصطخري عند ذكر عقيدته: ويعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ويحبهم لحديث: حبهم إيمان، وبغضهم نفاق. ولا يقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضل، فإن لهم بدعاً ونفاقاً وخلافاً. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/30) .
ومن الحكمة أيضاً أن الله سبحانه وتعالى قد ميزهم عن غيرهم من سائر القبائل بقوة النبل وسداد الرأي، وهما صفتان هامتان وضروريتان للإمام، يدل على ذلك الحديث الذي رواه أحمد بسنده عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش. فقيل للزهري: ما عني بذلك؟ قال: نبل الرأي رواه أحمد في مسنده، قال عنه السبكي: إسناده صحيح. كما في طبقات الشافعية الكبرى (1/191) .
والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط البخاري ومسلم وأقره الذهبي قد يكون هذا السبب في تخصيص قريش بالإمامة وقد يكون غيره ولا أثر لعدم معرفتنا الحكمة من ذلك على الحكم العام والعمل به وهو اشتراط القرشية في المرشح للإمامة. انتهى بتصرف يسير جداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1428(7/198)
علي بايع أبا بكر مرتين
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً، أريد أن تشرحوا لي عن الأحداث التي جرت بعد وفاة الرسول لأمر الخلافة بين الصحابة ومنهم عمر وأبو بكر وعلي، وهل صحيح أن عليا لم يكن راضياً عن خلافة أبي بكر، وماذا جرى بالتفصيل؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يتسع المقام لسرد ما جرى بين الصحابة في أمر اختيار الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفاصيل هذه الأحداث مدونة في كتب السنة كصحيح البخاري ومسند الإمام أحمد، وليس صحيحاً ما ذكر من أن عليا رضي الله عنه لم يكن راضياً بخلافة أبي بكر رضي الله عنه، بل الثابت أنه قد بايعه مرتين، وراجع للمزيد في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2996، 21396، 26262.
ونود أن ننبه هنا على بعض الأمور المهمة، ومنها ما يلي:
أولاً: أن أمر الخلافة من الأمور العظيمة والتي لها شأن، ومن هنا كانت محل اهتمام الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع الخوض في أمرها والأخذ والرد بينهم رضي الله عنهم، ولم يكن ذلك عن هوى منهم وحب للرئاسة، وإنما كان عن اجتهاد وطلب للنصح، وما فيه مصلحة الأمة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 26062.
ثانياً: ليس كل ما في كتب التاريخ مما جرى في تلك القضية صحيحاً، بل منه ما هو ثابت ومنه ما هو باطل أو مكذوب، وذلك أن هذه الكتب لم يشترط أصحابها نقل ما صح فقط.
ثالثاً: أن الواجب علينا أن تسلم صدورنا تجاه الصحابة رضي الله عنهم وأن نحفظ ألسنتا عن الوقيعة فيهم، فلا نذكرهم إلا بخير، وأن نعتقد أنهم مجتهدون، فللمصيب منهم أجران، وللمخطئ أجر الاجتهاد.
رابعاً: أن يسأل المسلم نفسه، ما الفائدة التي تعود عليه إن هو خاض في أمر ما حصل بين الصحابة رضي الله عنهم، فإن ذلك قد يجر إليه البلاء، ويرجع إليه بالندم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1428(7/199)
حكم خلع الخليفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم خلع الخليفة في المذاهب الأربعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم بما فيهم أهل المذاهب الأربعة على وجوب طاعة خليفة المسلمين إذا كان عادلا وحرمة خلعه والخروج عليه؛ لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {النساء: 59} وفي الصحيحين وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله؛ إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان. والكفر البواح هو الظاهر الذي لا يحتمل تأويلا. وفي صحيح مسلم وغيره عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من الطاعة.
وجاء في الموسوعة الفقهية: أجمع العلماء على أن الإمام إذا كان عدلا تجب طاعته ويحرم الخروج عليه، وأما الإمام الجائر فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال........
وهذا الأقوال لا يتسع المقام لذكرها وتفصيلها، وبإمكانك مراجعتها في حكم دوام الإمامة وحكم البغاة والإمامة الكبرى في الموسوعة الفقهية وكتب المذاهب.
وإذا ثبت كفر الخليفة وبغيه وجوره فإن حكم الخروج عليه وخلعه يدور مع المصلحة وجودا وعدما، قال الدسوقي المالكي: يحرم الخروج على الإمام الجائر لأنه لا يُعزل السلطان بالظلم والفسق وتعطيل الحقوق بعد انعقاد إمامته، وإنما يجب وعظه. وعدم الخروج عليه إنما هو تقديم أخف المفسدتين إلا أن يقوم إمام عادل فيجوز الخروج عليه وإعانة ذلك القائم. ونقل الخرشي المالكي في شرحه للمختصر عند قول خليل: الباغية فرقة خالفت الإمام لمنع حق أو لخلعه فللعدل قتالهم. قال: سحنون روى ابن القاسم عن مالك إن كان الإمام مثل عمر بن عبد العزيز وجب على الناس الذب عنه والقتال معه، أما غيره فلا، دعه وما يراد منه، ينتقم الله من الظالم بالظالم ثم ينتقم من كليهما.
والحاصل أن خلع الخليفة لا يجوز في المذاهب الأربعة إذا كان عدلا، وأن خلعه إذا كفر أو ظلم لا يجوز إذا كانت تترتب عليه مفسدة أعظم، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وانظر للمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم الفتوى رقم: 29130، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(7/200)
الأساس الذي عليه اختير الخلفاء الراشدون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تم اختيار الخلفاء الراشدين طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية (الشورى) ، وهل صحيح أن علياً لم يبايع الخليفة أبا بكر، وإن كان كذلك فلماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحابة تشاوروا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه واتفقوا على تقديمه لعلمهم بفضله، وزاد ذلك تقديم الرسول صلى الله عليه وسلم له للصلاة، ولا يصح أن علياً لم يبايعه، بل الصحيح خلاف ذلك، وأما عمر فقد استشار أبو بكر الصحابة في استخلافه واستخلفه عليهم، ومن الوسائل الشرعية في الخلافة نص الخليفة السابق على استخلاف شخص معين.
وأما عثمان فقد استشار عبد الرحمن فيه الصحابة حتى شاور النساء في خدورهن، وأما علي فقد تشاور فيه الصحابة بعد استشهاد عثمان واتفق عليه أهل الحل والعقد بالمدينة، وراجعي للتفصيل في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39670، 8786، 2996، 59965، 58876.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1427(7/201)
الخلافة الخاصة والخلافة العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[الخلافة في الأرض هل للمؤمن وحده أم للإنسان بشكل عام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخلافة التي هي يعني السلطان والملك والقيادة والولاية على الناس هي في الأصل للمؤمنين العاملين بالحق الحاكمين بالعدل والإنصاف بين الناس؛ كما وصفهم الله تعالى في محكم كتابه بقوله: وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ {الحج:40-41} .
وفي قوله تعالى: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا {النور:55}
ونقل القرطبي وغيره عن ابن خويزمنداد المالكي قال: الظالم لا يكون خليفة ولا حاكما ولا مفتيا ولا شاهدا ولا راويا.
وأما ما جاء في قول الله تبارك وتعالى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً {البقرة: من الآية30} فقد قال أهل التفسير: جيلا بعد جيل يعمرونها, وقرنا بعد قرن, وخلفا بعد سلف.
وقال ابن كثير في التفسير: أي قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن؛ كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ {فاطر: 39} وقال: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ {النمل: 62} فهو شامل لآدم عليه السلام ومن جاء بعده وأخلفه من ذريته، فهؤلاء خلفاء يخلف بعضهم بعضا.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتاوى: 60360، 61329.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(7/202)
مبايعة عبد الله بن بسر للنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[حياكم الله وبياكم ... وبعد:
أرجو الإجابة على سؤالي التالي بدقة مع ذكر الأدلة والمراجع: (عن حسان بن نوح قال: سمعت عبد الله بن بسر المازني يقول ترون يدي هذه بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء الشجرة فليفطر عليها) ، هل المقصود بقول الصحابي (بايعت) في هذا الحديث أنها بيعة الإسلام، وما هي البيعة، وما هي أنواعها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده وأخرجه أيضاً بلفظ حدثنا عبد الل هـ حدثني أبي ثنا علي بن عياش قال ثنا حسان بن نوح حمصي قال: رأيت عبد الله بن بسر يقول: ترون كفي هذه فاشهد أني وضعتها على كف محمد صلى الله عليه وسلم ونهى عن صيام يوم السبت إلا في فريضة، وقال إن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليفطر عليه. قال شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات.
لكنه معل بالاضطراب والمعارضة، وذلك لأن في بعض الروايات عن أخته الصماء وفي بعضها عن أمه وفي بعضها عن أبيه، وقد ناقش الشيخ الألباني رحمه الله ما قيل حوله وخلص إلى أنه صحيح ثابت وقال: ومما سبق يتبين لمن تتبع تحقيقنا هذا أن للحديث عن عبد الله بن بسر ثلاثة طرق صحيحة، لا يشك من وقف عليها على هذا التحرير أوردنا أن الحديث ثابت صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن لم نقف فيما اطلعنا عليه على رواية تبين ما سألت عنه هل كانت تلك البيعة بيعة الإسلام أم غيرها، ولا يترتب على هذا كبير علم ولا جليل أثر، لأن مبايعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ومصافحتهم له عندها ثابتة قطعاً، وأما النساء منهن فكانت بيعتهن بالكلام دون المصافحة، ولمعرفة معنى البيعة وما يتعلق بها انظر الفتوى رقم: 6927، والفتوى رقم: 1837.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1427(7/203)
لا يجوز انتخاب من يتوقع منه ضرر على الدين والدنيا معا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقول إنه لا فرق بين المسجد والكنيسة، وإن الخمور والسفور حرية شخصية وإن الإسلام لا يصلح لقيادتنا في هذا القرن، وما حكم من يدعو إلى انتخاب من يقولون بهذه الأمور في الولايات العامة ولو مكرهاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القائلين بأنه لا فرق بين المسجد والكنيسة هم الذين يسمون في هذه الأيام بالقائلين بوحدة الأديان، وقد بينا حكمهم في الفتوى رقم: 33974.
وأما الذين يقولون إن الخمور والسفور حرية شخصية ونحو ذلك فهم دعاة العهر والفجور، وقد بينا حكم أمثال هؤلاء في الفتوى رقم: 3642.
ولا يجوز انتخاب أمثال هؤلاء لما في انتخابهم من ضرر على الدين والدنيا معاً، ولأن الانتخاب تزكية لمن ترشح له، وشهادة له من المنتخب بالعدالة، ولمعرفة المزيد من ذلك عن الانتخابات وبعض أحكامها راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 62944، 53659، 5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(7/204)
الخلافة لا تكتسب بالدعاوى
[السُّؤَالُ]
ـ[بالمغرب هناك من يدعي لنفسه الخلا فة عام 2006 ما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخلافة لا تكتسب بالدعاوى، وإنما تنال بإجماع أهل الحل والعقد، أو استخلاف الخليفة السابق، أو القهر والاستيلاء، مع التنبيه على عدم مشروعية اغتصابها، وما يحدث في العام القادم يعتبر من الغيب الذي لا يمكن لأحد الكلام فيه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 16658، 8696، 35051، 46949.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1426(7/205)
تحديد سنة معينة لعودة الخلافة على منهاج النبوة من ادعاء الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[جماعة بالمغرب تدعي الخلافة على منهاج النبوة في سنة 2006، فما هو رأيكم في هذا الادعاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فقال: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. رواه أحمد. وحسنة شعيب الأرناؤوط، وقال عنه الألباني: والحديث حسن على أقل الأحوال إن شاء الله تعالى.
وأما تحديد ذلك بسنة معينة 2006 أم غيرها من السنوات فهو من ادعاء علم الغيب، الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، والله تعالى قد نفى عن خلقه ذلك، فقال عز وجل: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65} ، كما أن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يدرك أن هذا الأمر ليس بقريب على النحو الذي تدعيه هذه الجماعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1426(7/206)
المشاركة في الانتخابات
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا الآن في فلسطين انتخابات لمجلس التشريع الفلسطيني فاتبعنا كما قلتم أن نرجع لعلماء البلد التي نحن فيها وبالفعل سألنا ولكن الشيخ الدكتور حسام الدين عفانة ((معلم الشريعة في جامعة القدس)) أجازها..وشيخ آخر اسمه إبراهيم بن عبد العزيز بركات حرمها ... فما نفعل في هذه الحالة؟؟
والرجاء قراءة مقالة الشيخ إبراهيم بن عد العزيز بركات والموقع هو:
http://www.asunnah.net/index.php?option=content&task=view&id=3388
والرجاء مساعدتي وإرشادي إلى ما تعتقدون أنه الأقرب إلى الحق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالانتخابات للمجالس التشريعية أوغيرها من المجالس قد انقسم العلماء حول المشاركة فيها، واختلفت آراؤهم، فمنهم من يرى عدم جوازها وأن الدخول فيها لا يصح في ظل الوضع الراهن، ومنهم من يقول إنه يتعين على المسلمين دخولها وأن لا يضيعوا ذلك، ومنهم من يقول إن ذلك جائز بشروط، وبما أن هذا يندرج فيما يعرف بالولاية العامة فإننا نذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: يجب أن يعلم أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا الدنيا إلا بها..إلى أن قال: فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله.
وقال رحمه الله: ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال والشرف، وصاروا بمعزل عن حقيقة الإيمان في ولايتهم رأى كثير من الناس أن الإمارة تنافي الإيمان وكمال الدين، ثم منهم من غلب الدين وأعرض عما لا يتم الدين إلا به، ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك فأخذه معرضا عن الدين لاعتقاده أنه مناف لذلك وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل لا في محل العلو والعز، وهاتان السبيلان الفاسدتان سبيل من انتسب إلى الدين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ولم يقصد بذلك إقامة الدين هما سبيل المغضوب عليهم والضالين.
وعليه، فالمشاركة في الانتخابات من مسائل السياسة الشرعية التي مبناها على فقه المصالح والمفاسد. فمتى غلب ظن الخير في الأشخاص المرشحين للمناصب رجح دخولها، ومتى غلب ظن الشر منهم رجح تركها.
فمرد المسألة إذا، هو حال البلد والمرشحين، ولا يمكن البت فيها والحكم عليها إلا انطلاقا من ذلك.
وإذا اختلفت آراء عالمين من علماء البلد، انتقل المستفتي إلى غيرهما، وإلى أهل الرأي وإلى الذين هم أدرى بالمصالح وبالأشخاص، حتى يترجح عنده ما تطمئن إليه نفسه في المسألة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(7/207)
حقيقة عهد أبي بكر لعمر بالخلافة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله عنا كل خير أود أن أتأكد من سند وصية أبي بكر رضي الله عنه للفاروق عمر وأين أجد سندها
(إني مستخلفك من بعدي وموصيك بتقوى الله....
إن لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار وإن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل ... وإنه لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبإمكانك أن تطلع على عهد أبي بكر لعمر رضي الله عنهما بالخلافة في أكثر مراجع التاريخ والسير وخاصة تاريخ الطبري، والبداية والنهاية لابن كثير.. وابن الجوزي والسيوطي في تاريخ الخلفاء ... ومع ذلك نقول: لم يكن اختيار أبي بكر لعمر عن محاباة وميل عاطفي أو علاقة شخصية، ولو كان شيء من ذلك لكان الأولى أن يكون لأبنائه أو أقاربه أو قبيلته، ولكن منبع ذلك الاختيار كان الحرص على الإسلام ومصلحة المسلمين العامة والخاصة.
ولم يعهد أبو بكر لعمر من تلقاء نفسه؛ وإنما كان ذلك بعد مشاورة طويلة وأخذ لآراء الأعيان من الصحابة وأهل الحل والعقد في المجتمع.
وخلاصة ما ذكر أهل العلم في ذلك أن أبا بكر خشي على المسلمين أن يختلفوا من بعده فدعاهم إلى أن يبحثوا لأنفسهم عن خليفة بعده- لما ثقل عليه المرض- ورغب أن يكون ذلك في حياته وبمعرفته وليشاركهم برأيه في ذلك، فلم يتقفوا في تلك الفترة على شخص فوضعوا الأمر بين يديه، وعندئذ أخذ يستشير أعيان الصحابة كلا منهم على انفراد، ولما رأى اتفاقهم على جدارة عمر وفضله طلع عليهم وأخبرهم أنه لم يأل جهدا في اختيار من هو أصلح لهذا الأمر من بعده، وأنه قد اختار لهم عمر فقالوا جميعا سمعنا وأطعنا، فكتب بذلك كتابا وأمر بقراءته على عامة الناس في المسجد فأجابوا بالسمع والطاعة وبايعوا جميعا عمر رضي الله عنهم أجمعين في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة
وليس في هذا دليل على ما يظن بعض الناس أن مجرد العهد والاستخلاف يعد طريقة من طرق ثبوت الإمامة والحكم، فثبوت الإمامة والحكم الشرعي لا يتم إلا بعرض الأمر على المسلمين ثم إعلانهم الرضا عن إمامة هذا الذي عهد إليه بها، فلا تتم الإمامة ولا تمضي إلا بالرضى، فلوا أن أبا بكر عهد بالخلافة إلى عمر ولم يرض الناس به فلا اعتبار لذلك العهد.
هذا خلاصة ما ذكروه حول عهد أبي بكر، وبإمكانك أن تطلع على أكثرمن هذا وعلى أقواله وشمائله.. رضي الله عنه في المراجع المشار إليها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1426(7/208)
حكم تولي المرأة القضاء والوزارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القضاء والوزارة في الإسلام أصلا من مهام الخليفة وله أن يوكل ويستعمل من ينوب عنه فيهما؟ أم هي منصب مستقل بذاته؟ أولا: هذا السؤال هدفه الأول إثبات إذا كان منع المرأة من الخلافة العظمى يجري حكمه على هذين المنصبين أيضا إذا تمسك المعارض بأن نص حديث أبي بكرة فقط في الخلافة العظمى وإثبات أن هذين المنصبين أصلا من مهام خليفة المسلمين ولكن لما اتسعت رقعة الأرض استناب عليهما في كل قطر أحدا من جهته. ثانيا: هل يجوز الاستدلال على ما قلنا خصوصا في منصب القضاء بقوله تعالى (إنا أنزلنا التوراة فيها هدي ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله) فقد بين هنا أن منصب القضاء من مهام أنبياء بني اسرائيل وأنه عندما انتهت فترتهم انتقل المنصب للأحبار يحكمون بما استحفظوا واستودعوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ومثيله قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) (إنا أنزلنا إليك الكتاب لتحكم بين الناس) فالقضاء من مهام الرسول أولا قوله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي قام نبي وأنه لا نبي بعدي ولكن خلفاء فيكثرون) فقد دل أن الخليفة يقوم مقام النبي في منصب القضاء في أمة الإسلام قوله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح (إنا نولي رجالا على أمور مما ولانا الله) الحديث. أولا دل أنه لا يولي إلا رجالا وهذا ثابت عنه يقينا أنه ما استعمل امرأة قط. ثانيا قوله (أمور مما ولانا الله) يدل أنه هذه الأمور هي من ولايته على أمور المسلمين ويستعمل ويستنيب عليها من يصلح من الرجال أخيرا أعلم أني أطلت عليكم ولكن أردت أن أعرف رأيكم وأن تزيدوني وتقرروا هل هو منصب مستقل أم فرع من الخلافة؟
بارك الله لكم وفيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز تولي المرأة القضاء والوزارة، وذهب أبو حنيفة إلى جواز توليها القضاء في الأموال دون القصاص والحدود. وقال محمد بن الحسن وابن جرير الطبري: يجوز أن تكون المرأة قاضية على كل حال. إلا أن ابن العربي: في " أحكام القرآن" نفى صحة ذلك عن ابن جرير الطبري، وتأول قول أبي حنيفة بأن مراده أن تقضي المرأة فيما تشهد فيه على سبيل الاستبانة في القضية الواحدة، لا أن تكون قاضية، قال: وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. واستدل الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وأهل الحديث على قولهم بأدلة عديدة، منها: 1ـ عدم تكليفها بهذه الولايات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ {النساء: 105} . قال ابن قدامة في " المغني": لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلد، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا. 2ـ قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء: 34} . قالوا: فهذه الولاية وهي ولاية الأسرة هي أصغر الولايات، وإذ منع الله المرأة من تولي هذه الولاية، فمن باب أولى منعها من تولي ما هو أكبر منها، كالقضاء والوزارة. 3ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. رواه البخاري. قال ابن حجر في "الفتح": قال ابن التين: استدل بحديث أبي بكرة من قال: لا يجوز أن تولى المرأة القضاء، وهو قول الجمهور. 4ـ حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار. رواه أصحاب السنن بإسناد صحيح. قال مجد الدين ابن تيمية في " منتقى الأخبار" عقبه: وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلا. 5ـ الأحاديث النبوية المستفيضة في شأن المرأة، لا تجعل للمرأة ولاية على غيرها، بل ولا على نفسها في أخص شأن من شؤونها وهو النكاح، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي ... .، وكذلك جاءت السنة بمنع المرأة من السفر وحدها دون محرم، ولا أن تخلو بغير محارمها. 6ـ آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم تؤكد أن حجب النساء على الرجال أطهر للقلوب وأصلح للمجتمع، قال الله تبارك وتعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً*وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 32ـ33} . وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب: 53} . قال ابن العربي في " أحكام القرآن": فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير.. تجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا ولا من اعتقده. 7ـ إجماع الأمة على منعها من تولي منصب الإمامة الكبرى، أي الخلافة على جميع المسلمين أو بعضهم، ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين في كل عصورهم، قالوا: والقضاء فرع عن الإمامة العظمى، فلا يجوز أن تتولاه امرأة. قال محمد بن أحمد الفاسي في" الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام" المعروف بشرح ميارة: واشترطت فيه ـ أي القضاء ـ الذكورة لأن القضاء فرع عن الإمامة العظمى، وولاية المرأة الإمامة ممتنع لقوله صلى الله عليه وسلم: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. فكذلك النائب عنه لا يكون امرأة. ويلاحظ من سرد هذه الأدلة أن الجمهور لم يستدلوا على عدم جواز تولي المرأة القضاء بحديث أبي بكرة فقط، بل ذكروا أدلة كثيرة، منها ما ذكره السائل من أن القضاء فرع من الإمامة العظمى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1426(7/209)
بيان رضا علي بإمامة أبي بكر
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الكريم تناقشت مع أحد وقال لي إن عليا رضي الله عنه كان يطمح للحكم وإلا بماذا تفسر غيابه عن مؤتمر السقيفة فقلت له إنه كان مشغولا بموت النبي فيقولون لنا كيف يعقد الصحابة مؤتمرا لتعيين الخليفة والنبي لا يزال لم يغسل بعد وهذا فيه إشارة منه لاستعجال بعض الصحابة للإمساك بدفة الحكم ثم يقولون إذا كان علي قد التهى بغسل الرسول فلماذا هم لم يشاركوه غسل الرسول أو يساندوه أو على الأقل يصبروا لهم يوما واحدا ولكنهم كانوا مستعجلين في تحديد حاكم جديد ولا سيما أن أبا بكر كان يطمح للحكم وغيره كثير ومنهم علي، هل هذا الكلام صحيح يا شيخ أنا دائماً أسمعه ممن أناقشهم فكيف أرد عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26062، 26262، 13989.
ففيها بيان رضا علي بإمامة أبي بكر، وأما التغسيل فإنه لا يحتاج إلى كثير من الناس، وقد شاركت فيه مجموعة من أهل النبي صلى الله عليه وسلم وكانت كافية، وراجع فيه الفتوى رقم: 34498.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1426(7/210)
كتب العقيدة مظنة لبحث مسألة الخلافة والإمامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الخلافة الإسلامية من أمور العقيدة ?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإمامة العظمى (منصب الخلافة) هي أرفع المناصب الدينية، إذ يحل القائم بها محل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفظ الدين وسياسة الدنيا به، ولذا كثرت واشتدت الشروط المطلوبة في الإمام الأعظم، وانظر الفتوى رقم: 8696. هذا، ولعظم شأن منصب الخليفة، فإن خلافاً كبيراً وقع بين فرق المسلمين في شروط نصبه، قال ابن تيمية في الاستقامة: وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب: الصفات والقدر والإمامة. انتهى. وتجد فصولاً طويلة في باب الإمامة في (الفصل) لابن حزم و (الملل والنحل) للشهرشاني. لهذين الأمرين فإن العلماء لما صار التأليف صنعة واصطلاحاً جعلوا بحوث الإمامة العظمى في كتب العقيدة وأصول الدين، ولم يجعلوها في كتب الفقه والفروع. ولمزيد بيان عن الإمامة العظمى ومنزلتها في الدين، راجع (الإمامة العظمى) للدكتور عبد الله بن عمر الدميجي و (الإمامة العظمى) للدكتور صلاح الصاوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1425(7/211)
مسائل حول خلافة بني أمية والحكم على الحجاج بن يوسف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن أسأل عن خلافة بني أمية وبالخصوص عن الحجاج بن يوسف الثقفي هل الخلافة كانت شرعية وضمن الشروط الصحيحة وهل الحجاج في الجنة أو هو من أهل النار وأريد أن أعرف عن عبد الله بن الزبير وهل خلافته صحيحة أم أنه كان من أهل الدنيا طامعا في الملك والخوارج ما هو وضعهم هل كان صحيحا؟ وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحجاج بن يوسف الثقفي لم يكن من خلفاء بني أمية، وإنما كان عاملا على العراق والمشرق كله من قِبَل أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.
قال الذهبي عن الحجاج: كان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء ... فنسبه ولا نحبه، بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله ...
والحجاب بن يوسف مع ظلمه وجوره لا يُعلم عنه أنه فعل ما يَكْفُر به، وأما الحكم عليه أنه من أهل الجنة أو من أهل النار، فليس ذلك إلينا، فأهل السنة لا يقطعون لأحد بجنة أو نار إلا من ثبت فيه دليل يخصه بذلك، كأبي جهل وأبي لهب وغيرهما، وإنما يرجون للمحسن ويخافون على المسيء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 38264 ففيها مزيد بيان.
وأما عبد الله بن الزبير فهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه هو حواري رسول الله وابن عمته، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من ثلاث وثلاثين حديثا، ذُكر ابن الزبير عند ابن عباس فقال: قارئ لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر.
قال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك.
وقال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: وكان يسمى حمامة المسجد. وعبد الله بن الزبير هو أحد الذين استخدمهم عثمان بن عفان في نسخ المصاحف. روى ابن سعد بإسناده أن ابن الزبير مشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي والي مكة فبايعه ليزيد، فلم يرض يزيد حتى يؤتى به في جامعة ووثاق.. وامتنع ابن الزبير أن يذل نفسه، وقال: اللهم إني عائذ بيتك، فقيل له عائذ البيت.
قال الذهبي: بويع بالخلافة عند موت يزيد سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وبعض الشام، ولم يستوثق له الأمر ومن ثم لم يعده بعض العلماء من أمراء المؤمنين وعد دولته زمن فُرقة، فإن مروان غلب على الشام ثم مصر، وقام عند مصرعه ابنه عبد الملك بن مروان وحارب ابن الزبير وقتل ابن الزبير رحمه الله، فاستقل بالخلافة عبد الملك وآله، واستوثق لهم الأمر، إلى أن قال: ليته لا التجأ إلى البيت ولا أحوج أولئك الظلمة والحجاج لا بارك الله فيه إلى انتهاك حرمة بيت الله وأمنه، فنعوذ بالله من الفتنة الصماء.
فعبد الله بن الزبير في عمله هذا (قبوله المبايعة بالخلافة ورفضه أن تكون الخلافة وراثة بين بني أمية) كان مجتهدا في ذلك، وتقدم في ترجمته أنه صحابي له سابقة وفضل، ومن يدرك شأوه ممن جاء بعده؟!
فإن كان مصيبا فله أجران، وإن كان مخطئا فله أجر الاجتهاد، ونحن نتعبد الله بحبه وموالاته والترضي عنه، ونمسك عن الكلام فيما ذكر في كتب التاريخ عن فتن وقعت في الأمة واشترك فيها الصحابة، فهم قد فازوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وأخطاؤهم مغفورة، فلا نزج بأنفسنا في أمر عصمنا الله منه، ومن نحن حتى نحكم على بعض الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. رواه أحمد وأبو يعلى بأسانيد صحيحة.
وأما خلافة بني أمية، فقد اعتبرها العلماء وأجمع الناس على أكثرهم، وإمامة المتغلب صحيحة، وإذا أردت أن تعرف شروط صحة الإمامة وفقه الإمامة عموما فهو مبثوث في ثنايا كتب العقيدة، وقد جمع الدكتور عبد الله بن عمر الدميجي ما تيسر له في بحث "الإمامة العظمى" ونال به درجة الماجيستير من جامعة أم القرى، والبحث مطبوع في دار طيبة بالرياض، فيمكنك مراجعته، وانظر الفتوى رقم: 4146 والفتوى رقم: 8696.
وأما الخوارج فهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولقد قاتلهم عند النهروان، ولم يكفرهم، وإنما كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا، وراجع الفتوى رقم: 36227 ولم يكن خروج الخوارج شرعيا، وإنما تأولوا بجهلهم.
وراجع الفتوى رقم: 25436.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1425(7/212)
حكم تولي المرأة الخلافة العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض الدارسين أنه يجوز للمرأة أن تتولى الخلافة العامة، مثال ذلك دراسة (المرأة والعمل السياسي: رؤية إسلامية) وغيرها من الدراسات، فهل استدلالاتها صحيحة في إطار الاجتهاد وهل المسألة خلافية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى والتالية إرقامها: 32047، 3935، 46488.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1425(7/213)
أهل الحل والعقد.. تعريفهم.. الشروط الواجب توفرها فيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت في كتاب جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي رحمه الله أن الخلافة لا تجوز إلا في قريش وأن الخليفة يختاره أهل الحل والعقد, فما المقصود بأهل الحل والعقد من المسلمين وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر فيهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن ابن حزم رحمه الله تعالى -ذكره غير واحد من أهل العلم، وهو ما ذهب إليه جمهور أهل السنة لوروده في أحاديث صحيحة مرفوعة، منها ما رواه الإمام أحمد في المسند عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال لأحد أصحابه: أحدثك حديثاً ما أحدثه كل أحد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب البيت وفي رواية: بيت رجل من الأنصار ونحن فيه فقال: الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقاً، ولكم عليهم حقاً مثل ذلك، ما إن استُرحموا فرحموا، وإن عاهدوا وفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وأهل الحل والعقد: هم أهل الشأن من الأمراء والعلماء والقادة والساسة ووجوه الناس.
والشروط التي يجب أن تتوافر فيهم ثلاثة كما قال المارودي في الأحكام السلطانية:
1- العدالة الجامعة لشروطها.
2- العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة في الإمام.
3-الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح، وبتدبير المصالح أقوم وأعرف.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 1837.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(7/214)
حكم ترشيح المرأة للمناصب العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن تترشح مسلمة أو مسلم في الانتخابات الحكومية لبلد غير إسلامي دستوره علماني، علما بأن نية المتقدم تكون لاستغلال المنصب للدفاع عن حقوق الأقلية المسلمة وحتى تؤخذ أكثر بعين الاعتبار ولإعطائها صوتا في قرارات الحكومة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً إن شاء الله تعالى أن يتولى المسلم منصباً في بلد غير إسلامي إذا كان ذلك بنية حسنة وبقصد الدفاع عن حقوق المسلمين ورفع الظلم عن المظلومين وإقامة ما استطاع من العدل وتقليل الشر وسد مكان عن الظلمة والأشرار..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين، وأقام فيها ما يمكنه من الواجبات واجتناب ما يمكن من المحرمات لا يؤاخذ بما عجز عنه، فإن توليه الأبرار خير من توليه الفجار.
وقد حكى لنا القرآن الكريم على لسان يوسف عليه السلام أنه قال لملك مصر وهو غير مسلم قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، وللمزيد من الفائدة والتفصيل عن هذا الموضوع نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 5141.
وأما ترشيح المرأة للمناصب العامة الكبرى فلا يجوز عند جمهور أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. رواه البخاري وغيره عن أبي بكرة رضي الله عنه وذلك لما يترتب عليها من تحمل الأعباء الشاقة التي تتنافى مع طبيعة المرأة ولما يترتب عليها من الخلوة ومخالطة الرجال الأجانب.
أما المناصب الصغرى التي تستطيع المرأة القيام بها ولا يترتب على تقلدها ارتكاب محرم فإنه لا مانع منها إن شاء الله تعالى، فقد ولى عمر رضي الله عنه الشفاء بنت عبد الله العدوية مهام الحسبة في سوق المدينة ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة الشفاء، وللمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال العلماء حول هذا الموضوع نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 32047.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1425(7/215)
تفريق جماعة المسلمين من الكيائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث التالي صحيح، لعن الله مفرق الجماعة ولو كان على الحق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم حديثاً بهذا اللفظ، ولكن تفريق جماعة المسلمين من الكبائر التي تبيح دم المفرق كما جاء في الصحيح: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه. رواه مسلم.
هذا ولا يتصور أن يجتمع المسلمون على شيء ثم يكون الحق مع المفارق لهم في ما لا يقبل التعدد، أما ما يقبل التعدد كمسائل الاجتهاد فلا يجوز تفريق جماعة المسلمين بسببها، ولو كان صاحبها على الصواب، فهذا عبد الله بن مسعود صلى في منى خلف عثمان الظهر أربعاً والعصر أربعاً، ثم قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر وعمر فما صليا إلا ركعتين، قال أحدهم له أفلا تقوم إليه؟ قال: اسكت، فإن الخلاف شر.
قال شيخ الإسلام:.. ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا ... ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(7/216)
لهذة الأسباب لا بد من إعادة الخلافة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل لإعادة الخلافة الإسلامية يعد من الفروض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلمين أن يسعوا لجمع كلمة المسلمين وإقامة الخلافة الإسلامية، إذ بإقامتها تستقيم الدنيا والدين، ويستعيد المسلمون مجدهم، وتقع الرهبة في قلوب أعدائهم، وقد بينا ذلك وغيره في الفتاوى التالية أرقامها: 1411، 16286، 16658، 2113، 15869، 18945، 35219، 35051.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(7/217)
الشروط اللازم توافرها في من يختار ليكون إماما للمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[من يعتبر الآن أمير المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمنصب الإمامة العظمى منصب رفيع تتعلق به مصالح الأمة في دنياها وأخراها، ولذلك اعتنت الشريعة الإسلامية ببيان صفات من يصلح لهذا المنصب ومن لا يصلح، فجاءت النصوص الشرعية مبينة الشروط اللازم توافرها في من يُختار ليكون إمامًا للمسلمين. ومن هذه الشروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورة، والعلم، والعدالة، والقرشية. ومن أهل العلم من زاد على هذه الشروط. وتفاصيل الكلام عن هذه الشروط تراجع له كتب العلماء في ذلك.
ولكن يتسامح في بعض هذه الشروط كالعلم والعدالة إذا وصل الحاكم إلى الحكم عن طريق الغلبة والقهر والاستيلاء حفظًا للدماء ودرءاً للفتن. يقول الإمام النووي رحمه الله في روضة الطالبين: أما الطريق الثالث فهو القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة وقهر الناس بشوكته وجنوده، انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين، فإن لم يكن جامعًا للشرائط بأن كان فاسقًا أو جاهلاً، فوجهان: أصحهما انعقادها لما ذكرنا؛ وإن كان عاصيًّا بفعله. اهـ
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة: فمتى صار قادرًا على سياستهم إما بطاعتهم أو بقهره، فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة الله. اهـ
ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري: وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، ولم يستثنوا من ذلك إلاَّ إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها. اهـ
ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين: لو تعذر وجود الورع والعلم فمن يتصدى للإمامة وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق، حكمنا بانعقاد إمامته؛ لأننا بين أن نحرك فتنة بالاستبدال، فما يلقى المسلمون منه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت لمزية المصلحة، فلا يهدم شغفًا بمزاياها، كالذي يبني قصرًا ويهدم مصرًا، وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الإمام وبفساد الأقضية، وذلك محال ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم، فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة. اهـ
وعلى هذا، فمن تغلب حتى وصل إلى الإمارة وجبت طاعته ما لم ير الناس منه كفراً بواحًا. لما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه. فقال: في ما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأَثَرَةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله؛ إلاَّ أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان.
وبقيت مسألة أخرى لا بد من ذكرها، وهي: هل يجوز تعدد الأئمة في زمن واحد أم لا؟
ذهب جماهير المسلمين إلى أنه لا يجوز تعدد الأئمة في زمن واحد، بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك.
قال الإمام النووي رحمه الله: اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد. اهـ
وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: إذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما؛ لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد، وإن شذ قوم فجوزوه. اهـ
وهؤلاء المانعون من تعدد الأئمة منهم من منع ذلك مطلقًا، سواء اتسعت رقعة الدولة الإسلامية أم لا، وهذا مذهب الأكثرين وصريح النصوص يشهد له، ومنهم من ذهب إلى جواز التعدد إذا وجد سبب مانع من الاتحاد على إمام واحد، وذكر إمام الحرمين الجويني أهم هذه الأسباب بقوله: منها اتساع الخطة وانسحاب الإسلام على أقطار متباينة، وجزائر في لجج متقاذفة، وقد يقع قوم من الناس نبذة من الدنيا لا ينتهي إليهم نظر الإمام، وقد يتولج خط من ديار الكفر بين خطة الإسلام، وينقطع بسبب ذلك نظر الإمام عن الذين وراءه من المسلمين ... قال: فإذا اتفق ما ذكرناه فقد صار صائرون عند ذلك إلى تجويز نصب إمام في القطر الذي لا يبلغه أثر نظر الإمام. انتهى من غياث الأمم.
وقال القرطبي في تفسيره: لكن إذا تباعدت الأقطار وتباينت كالأندلس وخرسان جاز ذلك. اهـ
وعلى المسلمين اليوم السعي الحثيث من أجل التوحد، فإن الأمم الآن تتسارع إليه في وقت لا يجمعها فيه دين ولا عرف، فكيف والمسلمون يجمعهم الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1424(7/218)
حكم تولي المرأة المناصب الصغرى والكبرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقلد المرأة المناصب القيادية في العمل كمديرة ورئيسة ومسؤولة في بيئة عمل مختلطة؟ وهل يصح أن نستشهد بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتاجر بأموال أم المؤمنين خديجة قبل البعثة ويلتزم بما تلزمه به باعتبارها صاحبة المال والتجارة على جواز ترؤس المرأة للرجل في العمل؟ وهل يصح أن نقول بعدم جواز عمل المرأة كرئيسة في مجالات العمل التي يعمل فيها رجال ونساء وإن مع عدم وجود خلوة كأن تلقي تعليماتها من خلال الهاتف أو وسائل التقنية الحديثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المناصب القيادية والمسؤوليات الكبرى يجب أن تكون بيد الرجال الأكفاء.
ولهذا أجمع العلماء على اشتراط الذكورة في الإمامة الكبرى فلا تصح ولاية امرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة رواه البخاري وغيره عن أبي بكرة رضي الله عنه.
وكذلك المناصب الكبرى -مثل القضاء- فمذهب الجمهور اشتراط الذكورة فيها.
قال الحافظ في الفتح: وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلا الحنفية واستثنوا الحدود، وأطلق ابن جرير.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: قال الجمهور الذكورة شرط في صحة الحكم.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضياً في الأموال.
وقال الطبري: يجوز أن تكون حاكماً على الإطلاق.
وقال الخليل المالكي في مختصره: أهل القضاء عدل ذكر.
قال صاحب منح الجليل عليش: فلا يصح تولية امرأة.
وعلى هذا، فلا يجوز تولي المرأة للمناصب الكبرى، وذلك لما يترتب عليها من مخالطة الرجال والخلوة وتحمل الأعباء الشاقة التي لا تلائم طبيعة المرأة.
أما المناصب الصغرى التي تستطيع المرأة تحملها وإدارتها بكفاءة، فلامانع من تقلدها -إن شاء الله تعالى- مثل: إدارة مستشفى أو مدرسة، فقد ولى عمر رضي الله الشفاء بنت عبد الله العدوية رضي الله عنها مهام الحسبة في سوق المدينة. ذكر ذلك الحافظ بن حجر في الإصابة في ترجمة الشفاء.
ولكن ذلك بشرط ألا تكون فيه خلوة أو اختلاط محرم.
وأما ما ذكره السائل الكريم من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة فلا يصلح حجة، ولا يستشهد به في هذا الموضوع لسببين:
الأول: أنه حدث قبل البعثة.
والثاني: أن التجارة في أموال المرأة لا تعني أن تكون المرأة مسؤولة على الرجل.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 3935.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1424(7/219)
" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
السؤال: مسؤول بلاد (أي إمام رعية) لديه قوانين وضعية (مواد) يسير عليها حيث إن القانون لا يسمح له بأن يخرج من أموال الدولة جزءاً ويعطيه للمحتاجين، ولكن والله جاءه أحد المواطنين أصيب بالفاقة والجوع وعليه ديون في المحلات التجارية لأنه لا يجد من أين يقتات. فطلب من المسؤول أن يعينه، فماذا فعل المسؤول لقد تحايل على القانون بأن جاءه وفد من الاطارات في الدولة ولا بد لهم من مأدبة عشاء زاخرة بالمأكولات، فكتب هذا المسؤول تقييم المأدبة بكذا، ولكنه بتحايله على القانون أعطى للوفد ثلثي قيمة المأدبة والثلث الآخر أخفاه عنهم وأعطاه لذلك المواطن الفقير الغارم دون علم أحد من أطراف الدولة، فما حكم الشرع في هذا العمل؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته....
ولا شك أن الدولة مسؤولة عن توفير الحياة الكريمة لرعيتها، وإذا كان هذا الإمام أو الوالي يرى أن للمواطن المذكور حقا، ولم يستطع توصيله إليه إلا بهذه الحيلة فإنه مشكور ومأجور إن شاء الله تعالى.
لكن ننبه إلى أنه يجب عليه السعي في تغيير هذه القوانين المخالفة لشرع الله والحائلة بينه وبين إيصال الحق إلى مستحقيه، فهذا داخل ضمن ما ولاه الله عليه وما هو مسؤول عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1424(7/220)
المقصود بولي أمر المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في الحديث (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) وما المقصود بالإمام هنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الحديث المسؤول عنه لم نعثر عليه بهذا اللفظ، ولكن هناك بعض الروايات القريبة منه، ومن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. رواه مسلم.
وفي رواية أخرى: من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية. رواه أبو يعلى في مسنده، المقصود بإمام المسلمين وإسناده حسن.
والإمام يقصد به ولي أمر المسلمين الذي يسعى في مصالحهم الدينية والدنيوية، وهو الذي جاء في حديث حذيفة في الفتن حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1424(7/221)
مدى مشروعية الخروج على الحاكم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى مشروعية المظاهرة إسلاميا في بلد إسلامي يحكم حكما جبرياً؟ وهل يجوز الخروج على الحاكم والصدام معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد مضى بيان حكم المظاهرات بضوابطها في الفتاوى التالية أرقامها:
5843، 5844، 15749.
أما الخروج على الحاكم، فمذهب أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا إذا بدا منه كفر بواح، ففي الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويُسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه برهان. رواه الشيخان.
ولا بد أن يثبت هذا الكفر عن طريق أهل العلم الذين يمتلكون الآلة الفقهية التي تمكنهم من إصدار مثل هذه الأحكام على الناس.
وليُعلم أن الحاكم إذا ارتد أو كان كافراً، فإن جواز الخروج عليه يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً، فإذا ترتب على الخروج عليه مفسدة أعظم من المصلحة المرجوة من إزالته، ترك الناس الخروج عليه، وكذلك العكس، وذلك بناءً على عدة قواعد شرعية بنيت عليها كثير من الأحكام الفرعية، كقاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" وقاعدة "يرتكب أخف الضررين" وقاعدة "تحصيل أعلى المصلحتين"، وإننا لنوجه نصيحتنا لشباب الأمة من هذا المنبر بأن يتمسكوا بدينهم، ويتركوا اتباع الأهواء، ويعملوا بجد ودأب، ويسلكوا طريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يحذروا من اتباع أنصاف المتعلمين، الذين لم يتمكنوا من العلوم الشرعية، ولم يهتدوا لأهدافها ومقاصدها، لما في ذلك من الضرر العاجل في الدنيا، والآجل في الآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1423(7/222)
الأدلة على كون الأئمة من قريش، والسر في ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في البداية والنهاية للحافظ ابن كثير النص التالي:
(اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش , واحتج الصديق بالحديث في ذلك , حتى أن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين فأبى عليهم الصديق ذلك)
السؤال الذي شغل بالي طويلاً إن تكرمتم بالإجابة عليه هو:
ما نص الحديث الشريف الذي احتج به الصديق رضوان الله عنه، وألا يعترض هذا المبدأ مع الحديث أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى فكيف يكون لزاما أن يكون الأمير قرشياً , وما هو فضل القرشي عدا قرابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , وهل هو نوع ما تفضيل واختيار من الله عز وجل كما كان اليهود في الماضي شعب الله المختار حتى كفروا وفرطوا في جنب الله.
ولكم جزيل الشكر أيها الإخوة الأفاضل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما حصل في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول صلى الله وسلم أشهر من أن يُذكر، وخلاصته أن الرأي قد استقر على مبايعة أبي بكر خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بايعه على ذلك المهاجرون والأنصار، وكان اختيارهم له مبنياً على الأدلة الشرعية، لا على الأهواء الشخصية، ومن أهم هذه الأدلة:
أن الصحابة رضي الله عنه لما وجدوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ليصلي بالناس مكانه في مرض موته، اعتبروا ذلك إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن أبا بكر خليفته، ولذلك قالوا:: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا. ذكره ابن عبد البر في التمهيد عن علي بن أبي طالب، وكذا ذكره غير واحد، ودليلهم هذا يُسمى عند جمهور الأصوليين: بقياس الأولى، وهي دلالة النص عند الحنفية.
أما عن استدلال أبي بكر رضي الله عنه على أن الخلافة في قريش، فهو ثابت بالإجماع وثابت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد لا يتطرق إليها شك.
أما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: " الأئمة من قريش." رواه أحمد وصححه الأرناؤوط وأصله في الصحيحين بغير هذا اللفظ، وهو ما استدل به أبو بكر رضي الله عنه كما نقله ابن العربي في العواصم من القواصم، كما روى مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم."
وأما الإجماع: فمستنده حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم." متفق عليه.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عند هذا الحديث: هذا الحديث وأشباهه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، فكذلك من بعدهم. انتهى.
ولا يتنافى تخصيص قريش بالخلافة مع قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات:13] لأن الآية تتصل ببيان تساوي الناس في أصل الخلقة مع تفاوتهم في القرب من الله تعالى بحسب أعمالهم. أما تخصيص قريش بالخلافة فهو اختيار من الله تعالى لهم، كما ورد في الأحاديث السابقة الذكر، وكما في قوله تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) [القصص:68] ومع هذا فقد ذكر بعض العلماء السبب في اشتراط القرشية في إمام المسلمين، وهو ما لقريش من العصبية التي تكون بها الحماية والغلبة، إذ هي قلب العرب، ومركز إدارتهم، وقد بين ذلك ابن خلدون في مقدمته بياناً شافياً، وليُعلم أن الإسلام لا يفرق بين الناس بسبب أجناسهم، ولا أعراقهم، بل أساس الإسلام هو القضاء على هذه العصبية ومحو آثارها، ومن أظهر العلامات على ذلك المؤاخاة التي تمت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القرشيين وغيرهم من العرب والعجم، كبلال الحبشي وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم، ومضى بيان بعض الشبه التي تتصل بهذه المسألة في الجواب رقم: 2996 ورقم: 6305
أما عن مقالة اليهود: إنهم شعب الله المختار، ففيها تفصيل تجده إن شاء الله في الجواب رقم:
17708 ولمزيد من الفائدة راجع الجواب رقم: 4419
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1423(7/223)
أحقية المهاجرين بالخلافة ... نظرة شرعية واقعية
[السُّؤَالُ]
ـ[استعرض المبررات التي اتبعها كل من المهاجرين والأنصار في تفسير أحقيتهم بالخلافة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً: لابد أن تعرف أن مسارعة الصحابة رضي الله عنهم إلى تعيين خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن حباً منهم في الولاية، ولا تنافساً فيها لغرض دنيوي، وإنما أهمهم أمر الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وخافوا على مستقبل الدعوة الإسلامية وإدراكاً منهم لخطورة الأوضاع المحيطة بالكيان الإسلامي الذي لم يمض عليه إلا عقد واحد من السنين، هذا كله جعلهم يتحركون في اتجاه اختيار الخليفة قبل أن ينتهوا من تشييع الجسد الشريف إلى مثواه.
فالأنصار اجتمعوا حول زعيمهم سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، ولما كانوا هم السكان الأصليين للمدينة عاصمة الإسلام، وهم الذين آووا المهاجرين، وهم الذين نصروا الإسلام بأرواحهم وأموالهم، رأوا أنهم أحق الناس برئاسة الدولة ورعاية الإسلام.
أما المهاجرون، والذين كانوا مجتمعين مع أبي بكر لنفس الغرض، فقد علموا باجتماع الأنصار، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى اخواننا من الأنصار فإن لهم في هذا الحق نصيباً، ولما وصلوا إليهم حدث نقاش طويل بينهم حول أحقية كل طرف بتولي الخلافة.
وقد تكلم أحد الأنصار فقال: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا (يخرجونا) مِنْ الْأَمْرِ.
أما المهاجرون، فقد تكلم بلسانهم أبوبكر فأبلغ وكان مما قال: ما ذكرتم فيكم من خير فأتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش.. هم أوسط العرب نسباً وداراً ... يا معشر الأنصار إنا والله ما ننكر فضلكم، ولا بلاءكم في الإسلام ولا حقكم الواجب علينا، ولكنكم عرفتم أن هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب ليس بها غيرهم، وأن العرب لن تجتمع إلا على رجل منهم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، فاتقوا الله ولا تصدعوا الإسلام.
ومن خلال هذه المناقشة نرى أن الأنصار نظروا إلى الخلافة من زاوية محدودة بظروف المجتمع المدني، والعلاقة التاريخية بين المهاجرين والأنصار، أما المهاجرون فنظروا نظرة واسعة على مستوى الدولة كلها، وما يترتب على خروج السلطة من قريش من عواقب كبيرة، لأن العرب يمكن أن ترضى بقيادتها لمكانتها فيهم، أما لو تولاها الأنصار، فقد تقع انشقاقات خطيرة تؤدي إلى تفكك الدولة الإسلامية. من كلام د. أكرم ضياء العمري
ولما كانت مصلحة الإسلام هي المقدمة عند الصحابة رضي الله عنهم، لم يجد الأنصار إلا التسليم للمهاجرين بأحقيتهم بالخلافة لمَّا ظهر لهم قوة حجتهم، وصواب رأيهم، فسارعوا إلى مبايعة أبي بكر.
وقال سادتهم لأبي بكر: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء.
وقال زيد بن ثابت الخزرجي: إن رسول الله كان من المهاجرين ونحن أنصارهم كما كنا أنصار رسول الله.
فقال أبو بكر: جزاكم الله خيراً من حيّ يا معشر الأنصار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1423(7/224)
موقف الشرع من ولاية المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك مرجع ديني بأن الله لعن قوماً إذا كان حكمهم في يد امرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اتفق أهل العلم على عدم جواز تولي المرأة المناصب إلا ما استثناه الأحناف من جواز توليها القضاء في المسائل التي تخص النساء، وذلك لأن المرأة في الأصل محلها البيت، وتربية الأولاد التربية الصالحة، وقد جاء أمر الله لهنَّ بالقرار في البيوت في قوله سبحانه: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] .
والأصل في منع تولي المرأة ما أخرجه البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة.
أما ما ذكره السائل من اللعن على من ولوا أمرهم امرأة، فهذا ما لم نطلع عليه في كتب أهل الحديث، ولا عند أحد من أهل العلم، وإن الذي ورد في شأن ذلك هو عدم الفلاح كما في الحديث الذي ذكرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1423(7/225)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم نكث البيعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن بايع الإمام لم يجز له نكث هذه البيعة إلا إذا رأى كفراً بواحاً، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر.
وجاء الوعيد الشديد لمن نكث بيعة أداها إلى الإمام، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم -وذكر منهم- ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفَّى له وإلا لم يف.
وعلى هذا جميع أهل السنة أنه لا يجوز نكث البيعة والخروج على الحاكم إلا عند رؤية كفر بواح فيه من الله برهان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1423(7/226)
تهافت الادعاء بالوصية في الخلافة
[السُّؤَالُ]
ـ[ألم يوص النبي (صلى الله عليه وسلم) عند عودته من حجة الوداع في غدير خم بالخليفة من بعده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص في هذا المكان، ولا في غيره بالخليفة من بعده، وإنما ترك الأمر للمسلمين شورى.
وإن كان صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر ليصلي بالناس في مرضه الذي توفي فيه، فاختاره المسلمون لدنياهم بما أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختاره لدينهم.
وخطبته صلى الله عليه وسلم في غدير خم "واد فيه نبع بين مكة والمدينة" محفوظة نقلها لنا العدول، كما نقلوا غيرها من أحاديثه صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يوماً بماء يدعى (خماً) بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد: ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله، وفيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ... فقال له حصين "أحد الرواة عنه" ومن أهل بيته يازيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم؟ قال: نعم.
وعلى هذا فلم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عين الخليفة من بعده، أو أوصى بالخلافة لأحد معين، ولمزيد من المعلومات عن غدير خم يمكن الاطلاع على الفتوى رقم:
7481.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1423(7/227)
الإشارة تغني عن العبارة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو: لوكنت صاحب مؤسسة كبرت مع الأيام وأصبحت عالمية بفضل جهودك الجبارة وسهرك الليالي لإنجاحها وفجأه مرضت وأدركت أنه الموت لا محاله هل ستتركها بدون أن تعين أحداً ليديرها من بعدك وقد أعطيتها كل حياتك إذا كان الجوب لا وأنك ستفكر في من يخلفك فيها وهذا هو الأمر الطبيعي ونحن بشر فكيف لم تخطر ببال النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم أن يعين أحداً بعده.... وكيف لم يخطر على باله هذا الأمر وهو الذي لا ينطق عن الهوى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف نصاً على الصحيح من أقوال العلماء، ولكنه صلى الله عليه وسلم دل المسلمين وأرشدهم إلى أبي بكر بعدة أمور ورضي به وعزم أن يكتب له بالخلافة عهداً ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك ذلك لهم، وقال صلى الله عليه وسلم: يأبى الله والمؤمنون إلاَّ أبا بكر.
فكان في اجتماع المؤمنين على بيعة أبي بكر بعد رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أقوى وأوكد من النص على خلافته.
وكان في ترك النص على الخليفة من بعده صلى الله عليه وسلم منافع، منها: تقرير حق المسلمين في اختيار من يحكمهم وغير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(7/228)
لا تقوم الخلافة بأمر خارق للعادة
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تقوم الخلافة الإسلامية التي وعد الرسول الكريم بها على غرار الخلافة الراشدة؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخلافة التي تكون على منهاج النبوة التي وعد النبي - صلى الله عليه وسلم- بأنها ستكون آتية لا محالة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ولكن متى وكيف تقدم وأين تبدأ؟ كل هذه التساؤلات لانملك جواباً عنها لأنها من أخبار الغيب، وأخبار الغيب لا تتلقى إلاَّ من الوحي.
ولم يجيء في القرآن ولا في السنة ما يبين ذلك، وعلى المسلمين السعي في ذلك والأخذ بالأسباب لإقامة هذه الخلافة، لا أن ينتظروا إقامتها بأسباب خارقة للعادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1423(7/229)
بيعة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي بيعة النساء أيام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن بيعة النساء هي المذكورة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة:12] .
وهذه البيعة أخذها النبي صلى الله عليه وسلم على النساء عندما كنَّ يبايعنه، وكذا أخذها على الصحابة الذين بايعهم في مواطن كثيرة.
ولا نعرف أن هذه البيعة كانت في أيام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه في أخذ البيعة من النساء في بعض المواطن، فلعل السائل اشتبه عليه الأمر لهذا التوكيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1423(7/230)
بيعة علي ومعاوية والحسن رضي الله عنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[من بايع أهل السنة بعد عثمان؟
ومن بايع أهل السنة بعد علي عليه السلام؟
ومن بايع أهل السنة بعد معاوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بايع أهل السنة الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد استشهاد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، وتمت البيعة من كبار الصحابة وأهل الحل والعقد، وامتنع عن البيعة جماعة من الصحابة منهم: معاوية رضي الله عنه، لكن المقرر عند أهل السنة أنه لا يشترط لصحة البيعة أن يبايع سائر الناس.
وبعد استشهاد علي رضي الله عنه بايع المسلمون الحسن بن علي رضي الله عنه، وهي كسابقتها بيعة بالأكثرية، إذ لم يشارك فيها معاوية رضي الله عنه ومن معه.
ثم تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه، فبايعه الناس جميعاً، وسمي ذلك العام بعام الجماعة، واستحق الحسن بذلك أن يكون سيداً، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن ابني هذا لسيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين". رواه البخاري
وفي تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية دليل على أن الخلافة للحسن لم تكن بنص من النبي صلى الله عليه وسلم كما يزعم بعض أهل الأهواء، ودليل على إسلام معاوية وفضله، وإلا لما سلطه الحسن على ولاية المسلمين.
وقد توفي الحسن رضي الله عنه في حياة معاوية.
وأخذ معاوية البيعة من الناس لابنه يزيد.
فبايعه أكثر الناس، وأبى البيعة عبد الله بن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1422(7/231)
شروط (الإمامة العظمى)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتفق أهل السنة والجماعة في شروطهم للإمام وما هي التفصيلات في هذا الموضوع، لاسيما أئمة المذاهب الأربعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإمامة العظمى (الخلافة) هي: أرفع المناصب الدينية، إذ يحل القائم بها محل الرسول صلى الله عليه وسلم في صيانة الدين، وسياسة الدنيا به، ولذا كثرت واشتدت الشروط المطلوبة في الإمام، لعظم الخطب، ونحن نذكر - إن شاء الله - ما اتفق الأئمة على شرطيته من هذه الشروط، ثم نثني بما اختلفوا فيه، فقد اتفقوا على:
- الإسلام: فلا تصح ولاية الكافر، قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء:141] . والإمامة كما يقول ابن حزم: (أعظم السبيل) فهي أولى بالنفي، وعدم الجواز.
- التكليف: ويشمل العقل والبلوغ، فلا تصح إمامة الصبي والمجنون، لأنهما في ولاية غيرهما، فلا يوليان على المسلمين.
- الذكورة: فلا تصح إمارة النساء، لحديث: "لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة" رواه البخاري من حديث أبي بكرة. ولأن هذا المنصب تناط به الأعمال الخطيرة، والأعباء الجسيمة مما يتنافى مع طبيعة المرأة وأنوثتها، فاقتضت حكمة الشرع صرفها عنه، وعدم تكليفها به رحمة بها، وشفقة عليها أولاً، وصوناً له هو ثانياً من أن يوكل إلى من لا يستطيع القيام به فيضيع.
- الكفاية ولو بغيره: والكفاية هي الجرأة والشجاعة والنجدة، بحيث يكون قيما بأمر الحرب والسياسة، والذبِّ عن الأمة، أو مستعيناً بأهل الكفاية في ذلك.
- الحرية: فلا يصح عقد الإمامة لمن فيه رق، لأنه مشغول بخدمة سيده. وهذا القدر من الشروط متفق عليه.
أما المختلف فيه من الشروط فهو:
- العدالة والاجتهاد: ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن العدالة والاجتهاد شرطا صحةٍ، فلا يجوز تقليد الإمامة لفاسق، أو مقلدٍ، إلا عند فقد العدل والمجتهد، وذهب الأحناف إلى أن كلا منهما شرط أولوية، فيصح تقليد الفاسق والعاصي، ولو عند وجود العدل والمجتهد، وإن كان الأولى والأفضل تقديم العدل المجتهد.
- سلامة اليدين والرجلين والسمع والبصر: فذهب جمهور الفقهاء إلى أنها شروط انعقاد، فلا تصح إمامة الأعمى والأصم، ومقطوع اليدين والرجلين ابتداءً، وينعزل إذا طرأت عليه، لأنه غير قادرٍ على القيام بمصالح المسلمين على وجه الكمال، ولأن مقصد الإمامة هو: القيام بمصالح المسلمين على ما تقتضيه قواعد الشرع، فكل ما يؤثر على هذا المقصد بالإبطال، أو النقص كان انتفاؤه شرطاً في صحة الإمامة، وقد قال تعالى: (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) [البقرة:247] ، فكانت الزيادة في العلم والجسم مرجحاً ومقدماً له على غيره، فدل ذلك على أن أصل العلم، وسلامة الجسم شرط في القيادة، ومن أعظمها الإمامة الكبرى.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يشترط ذلك، فلا يضر الإمام عندهم أن يكون في خلقه عيب جسدي، أو مرض منفر، كالعمى والصمم، وقطع اليدين والرجلين والجذام، إذ لم يمنع من ذلك قرآن ولا سنة ولا إجماع، وهذا تساهل لا ينبغي، والاحتياط في حق الأمة بتشديد شروط الإمامة مراعاة لمصلحة الأمة بتولية الأصلح - أولى من التساهل في شروط الإمامة - مراعاة لمصلحةٍ خاصة، وقد مضى الدليل. والحق أن اشتراط سلامة الأعضاء مما يمنع استيفاء الحركة للنهوض بمهام الإمامة لا ينبغي أن يكون محل خلاف.
- النسب: فقد اشترط الجمهور أن يكون الإمام قرشياً، لحديث: "الأئمة من قريش" متفق عليه، بل نقل الماوردي الإجماع على هذا الشرط، ومع ذلك فقد خالف فيه آخرون، ومما يحتجون به ما روي عن عمر أنه قال: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته. إلا أن هذا الأثر ضعيف، فقد عزاه العجلوني في كشف الخفاء لأبي نعيم وضعف سنده، ولو صح حمل قول عمر رضي الله عنه على عدم اطلاعه على الأحاديث القاضية بحصر الإمامة في قريش، وهو احتمال بعيد، والأثر لا يصح والحمد لله.
ولا يشترط أن يكون الإمام هاشمياً، ولا علوياً باتفاق المذاهب الأربعة، لأن الثلاثة الأول من الخلفاء لم يكونوا من بني هاشمٍ، ولم يطعن أحد من الصحابة في خلافتهم، فكان ذلك إجماعاً على عدم اشتراط الهاشمية، أو العلوية في الإمامة العظمى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1422(7/232)
إسناد القضاء والولاية العامة للمرأة لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ولاية المرأة؟ وهل يجوز للمرأة أن تعمل قاضية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أجمع العلماء قاطبة على اشتراط الذكورة في الإمامة (الولاية العامة) لقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخاري.
ولأن هذا المنصب له أعباء جسيمة، تتطلب قدرة كبيرة لا تتحملها المرأة عادة، ولا تتحمل المسئولية المترتبة على هذه الوظيفة في السلم والحرب والظروف الخطيرة.
وقد قال أبو بكرة رضي الله عنه راوي الحديث السابق: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما كدت ألحق بأصحاب الجمل … ثم ذكر الحديث، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا بعض فرق الخوارج ممن لا يعتد بخلافه. ولم يأت نص في القرآن والسنة يعارض هذا الحديث، بل جاءت النصوص مؤيدة لذلك الحكم، كقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) [النساء: 34] وقوله تعالى: (فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) [البقرة: 82] .
ونص حديث النبي صلى الله عليه وسلم عام يصلح لكل زمان ومكان، ولفظ قوم جاء نكرة في سياق النفي وهي تفيد العموم. .
ولا يجوز عند جمهور الفقهاء أن تكون المرأة قاضية لأن الذكورة شرط في القضاء لأن القضاء ولاية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخاري. وقال تعالى: (الرجال قوامون على النساء) [النساء: 34] .
وقال الحنفية بنفوذ قضائها في غير الحدود والقصاص، مع إثم من يوليها.
وأجاز ابن جرير الطبري قضاء المرأة في كل شيء لجواز إفتائها، وقد رد عليه الماوردي بقوله: "ولا اعتبار بقول يرده الإجماع مع قول الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1422(7/233)
اختيار النبي لأبي بكر للإمامة في الصلاة إشارة إلى رضاه بخلافته ومبايعة علي لأبي بكر
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول بعض الطوائف من المسلمين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم, قد ألمح بأن الخلافة بعده هي للإمام علي رضي الله عنه. وبعد وفاة المصطفى تولى الخلافة أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما) ولكن الإمام علي لم يكن راضيا عن ذلك لأنه كان يعتقد بأن الخلافة يجب أن تبقى في آل بيت رسول الله. ... فهل صحيح أن عليا عليه السلام رفض مبايعة أبي بكر رضي الله عنه. وإن كان تأ خر في مبايعته , فما هو سبب ذلك؟ ولكم منا جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ... ... ...
فإن ما أشيع ويعتقد من بعض الطوائف من أن النبي صلى الله عليه وسلم ألمح إلى أن الخلافة من بعده هي لعلي رضي الله عنه، أو أوصى بها له لهو محض اختراع وتلفيق. إذ إن الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم من الدين الذي يجب أن لا يحيد عنه أحد من المسلمين، فالحيدان عنه إنما هو اتهام للمسلمين كافة وطعن في إيمان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعهم. فكيف يقبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ترك هذه الوصية ويقود مباشرة تعطيلها، ثم كيف يقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالسكوت عن هذه الوصية مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وهو الذي لا يخشى في الله لومة لائم. ولئن ذكر بعضهم أنه بايع في الظاهر. فمتى كان علي رضى الله عنه والصحابة أجمعين يظهرون غير ما يبطنون وقد عرف منه ومن بقية الصحابة ما عرف من الشجاعة والقوة في الحق. وقد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه فقد ارتضاه النبي صلى الله عليه وسلم إماماً للمسلمين في مرض موته ولئن ارتضاه إماماً لهم في الصلاة التي هي عمود الدين ففي ذلك إشارة إلى ارتضائه إماماً لهم في الخلافة التي هي سياسة الدولة بالدين. ... وأما ما أشيع عن رفض علي رضي الله عنه مبايعة الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه فهو محض افتراء وكذب، فما كان علي ليفارق جماعة المسلمين والذي عرف بالإيمان ودعا إلى وحدة القلوب وأحس بأخوة الإسلام منذ نعومة أظافره، وقد حدثت فترة كان علي رضي الله عنه فيها معتزلا في البيت بسبب مرض فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد شغل بتمريضها حتى توفيت بعد ستة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم بايع علي رضي الله عنه أبا بكر ولعل مبعث اللبس هوما حدث بين فاطمة وعلي وأبي بكرم وذلك أن فاطمة رضي الله عنها قد جاءت مع العباس رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه يطلبان ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وفدك فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: "أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه إلا صنعته" فحدثت جفوة بعد ذلك بين علي وأبي بكر رضي الله عنهما. فلما توفيت فاطمة رضي الله عنها اجتمع عدد من بني هاشم عند علي رضى الله عنه وأرسلوا إلى أبي بكر ليأتيهم فجاءهم، فقام علي رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإنه لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكاراً لفضلك ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم به علينا ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقه ولم يزل علي يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر. فلما سكت علي تشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فوالله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصلهم من قرابتي وإني والله ما آلو بكم في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم على الخير ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث ما تركناه صدقة وإنما يأكل آل محمد في هذا المال" (يعني من بيت المال من غير الزكاة) وإني والله لا أذكر صنعة فيه إلا صنعته إن شاء الله. ثم قال علي رضي الله عنه: "موعدك للبيعة العشية فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر علياً ببعض ما اعتذر به ثم قام علي فعظم حق أبي بكر وذكر فضله وسابقته ثم مضى فبايعه وأقبل الناس على علي فقالوا: أصبت وأحسنت، وقد ثبت أن أصل هذه القصة في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها. والاعتذار كان عن الجفوة وعدم التردد على دار أبي بكر رضي الله عنه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(7/234)
الدولة الإسلامية وسبيل إقامتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم الإسلام في إقامة دولة إسلامية وما هي الطريقة التي تقام بها الدولة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على المسلمين أن يقيموا دولة إسلامية تطبق شرع الله في أرضه، ويقام بها العدل والقسط بين الناس، ويمكن في ظلها للدعاة إلى الله تعالى أن يدعوا الناس إلى الله تعالى، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. وفي غياب تلك الدولة يكون كل مسلم مطالباً حسب طاقته وما أتيح له من وسائل بأن يسعى لإقامتها ويبذل الوسع كله في سبيل ذلك.
ومن قصر في فعل ما يستطيع فعله من ذلك فهو آثم يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره.
أما الوسائل لإقامة الدولة الإسلامية فهي متعددة الجوانب وتختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فقد تصلح وسيلة ما في زمان أو مكان معينين وتكون غير صالحة في أزمنة أو أمكنة أخرى، وربما تتاح لشخص وسيلة غير متاحة لغيره، ولعل الوسيلة التي لا يعجز عنها أغلب المسلمين الآن هي الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة لكافة الناس، ونشر الوعي الإسلامي بين جماهير المسلمين وكافة شرائحهم، وإظهار محاسن الدين الإسلامي، وتبيين حاجة البشرية الماسة إليه وإلى دولة الإسلام التي تهدي إلى الحق وبه تعدل وتقيم القسط وترفع الظلم، وإبراز حقيقة واضحة وهي: أن البشرية لا مخلص لها مما تعيشه من اضطهاد بعضها لبعض، وتسلط ذوي السلطان والتفاوت الطبقي والجور في توزيع الثروات، لا مخلص لها من ذلك كله إلا بالدخول تحت ظل راية الدولة الإسلامية المنشودة.
لا شك أن عرضا موجزاً لحال البشرية في الزمن الذي كانت فيه راية الخلافة الراشدة ترفرف فوق الرؤوس كفيل بإثبات هذه الحقيقة إثباتاً لا يجادل فيه إلا مكابر. فإذا قام كل أحد بما يستطيع القيام به من هذه المسؤولية بصدق وإخلاص لله تعالى وجد واجتهاد ومثابرة، مع جمع الكلمة ولمَّ الشمل والتنسيق في العمل حتى تتكوَّن بإذن الله تعالى قاعدة عريضة مقتنعة بهذا التوجه تكون راسخة القدم، واعية لما تقول وتفعل، ومتحلية بالحكمة والانضباط. فتفرض ـ بعون الله تعالى ـ ما تريده بطريقة أو بأخرى.
نسأل الله تعالى أن يَرُدَّ هذه الأمة إلى دينها ردَّاً جميلاً وأن يعيد لها عزها وكرامتها ومجدها في ظل دولتها الراشدة.
وأن يهيئ لها أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ويقام فيه العدل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(7/235)
البيعة وما يتعلق بها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي البيعة وهل طبقت عبر العصور الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
1. البيعة هي: اختيار أهل الحل والعقد رجلاً ليتولى أمر الأمة لجلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار عنها، وقمع الفتن وإقامة الحدود ونشر العدل بينهم وردع الظالم ونصر المظلوم، ويشترط في المختار عشرة أوصاف: أن يكون ذكراً، حراً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، عدلاً، شجاعاً، قرشياً، عالماً، كافيا لما يتولاه من سياسة الأمة ومصالحها. فإذا اختاروه على هذه المواصفات، فقد تمت البيعة له من قبل الأمة، ولزمهم طاعته، وتنفيذ ما أمر به، وترك ما نهى عنه، إلاّ إذا أمر بمعصية الله، فلا يطاع. لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" [متفق عليه] .
2. والبيعة: هي بيعة أهل الحل والعقد، من الأمراء، والعلماء، والرؤساء، ووجوه الناس الذين يتيسر حضورهم ببلد الإمام.
3. وقد طبقت البيعة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تمت البيعة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه من قبل الصحابة، وأما عمر رضي الله عنه فكان قد نصبه وعينه أبوبكر وتمت له البيعة بعد ذلك، ولعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي رضي الله عنه ثم للحسن رضي الله عنه ويجب الوفاء بالبيعة ولو كان فاسقاً درءاً للفتنة حتى لا يؤدي إلى تفريق كلمة الأمة والاحتراب فيما بينها. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1422(7/236)
إعادة إقامة الخلافة واجب شرعي على المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في إقامة دولة الخلافة الإسلامية لتطبيق شرع الله في الأرض والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية وتطبيق الأحكام الشرعية ونشر الإسلام في كافة أرجاء المعمورة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أول ما تحتاج إليه الدعوة الإسلامية في هذا العصر أن تقيم ((دار الإسلام)) أو ((دولة للإسلام)) تتبنى رسالة الإسلام عقيدة ونظاماً، وحياة وحضارة. وتقيم حياتها كلها: المادية والأدبية، على أساسٍ من هذه الرسالة الشاملة، وتفتح بابها لكل مؤمن يريد الهجرة من ديار الكفر والظلم والابتداع. هذه الدولة المنشودة ضرورة إسلامية، وهي أيضاً ضرورة إنسانية، لأنها ستقدم للبشرية المثل الحيّ، لاجتماع الدين والدنيا، وامتزاج المادة بالروح، والتوفيق بين الرقي الحضاري، والسمو الأخلاقي، وتكون هي اللبنة الأولى لقيام دولة الإسلام الكبرى، التي توحد الأمة المسلمة تحت راية القرآن، وفي ظل خلافة الإسلام. لكن القوى المعادية للإسلام، تبذل جهوداً جبارة مستمرة دون قيام هذه الدولة في أي مكان وفي أي رقعة من الأرض، وإن صغرت مساحتها وقلّ سكانها. قد يسمح الغربيون بدولة ماركسية، أو دولة شيوعية، وقد يسمح الشيوعيون بدولة لبرالية، ولكن لا هؤلاء ولا أولئك يسمحون بدولة إسلامية تقيم الإسلام شريعة ونظاما للحياة. ولأجل ذلك لا تكاد تسمع باسم الإسلام في أي مكان إلا وتجد أنهم ينقضون عليه إنقضاض الباز على الفريسة. والله غالب على أمره، وليس ببعيد عليه جل جلاله أن يرد للمسلمين مجدهم في تكوين دولة إسلامية تحفظ لهم دينهم ودنياهم، وتجعلهم مرة أخرى سادة الأرض، وقادة الإنسانية إلى الخير، وما ذلك على الله بعزيز، وصلى الله على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(7/237)
يجب اتباع القوانين التي تنظم حياة الناس مالم تخالف الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص تم إيقافه من قبل شرطة المرور، وذلك لجولانه على دراجته النارية دون ارتدائه خوذة الحماية، فما كان منه إلا أن حلف بالله أنه لن يعيدها ـ التجول دون الخوذة ـ وذلك للتخلص من المخالفة، فتم له ذلك. وهو الآن يصعب عليه الالتزام بهذا اليمين، لمشقته عليه. فماذا يفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في مثل هذه القوانين - التي تنظم حياة الناس وتحقق مصالحهم، وليس فيها ما يخالف الشرع -وجوب الاتباع، كما سبق بيانه بالتفصيل في الفتوى: 19490، ولا يجوز للمسلم مخالفتها، لما قد يترتب على ذلك من الفساد، وما قد يتعرض له الشخص من الإذلال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وإذا لم يلتزم هذا الشخص بما حلف عليه من الالتزام بارتداء الخوذة أوغير ذلك، فإن عليه كفارة يمين وهي المذكورة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1430(7/238)
طاعة ولي الأمر بين وجوب الالتزام وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أريد إجابة: عندنا في الجزائر لا يسمح القانون بدخول السيارات التي يتجاوز عمرها 3 سنوات، وكنت أقوم بتهريب السيارات وإدخالها إلى الجزائر، مع إعطاء قليل من المال للسلطات لغض البصر عنها، واشتريت بهذا المال المكتسب منها آلة حفر لأشتغل بها، مع أنني تبت توبة نصوحا من التهريب، فما حكم المال المكتسب من هذه الآلة؟ وإذا أخرجت رأس المال الأول الذي اشتريت به الآلة من الأموال المكتسبة من عمل الآلة، فهل أصبح مالي حلالا؟ أم بقيت فيه شبهة؟ وهل رأس المال الأول فيه شبهة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في الانتفاع بما تكسبه من تلك الآلة التي اشتريتها من ثمن السيارات التي كنت تدخلها بطريقة غير قانونية، وما دمت قد تبت من عمليات التهريب ومخالفة نهي ولي الأمر في منعه من إدخال تلك السيارات فليس عليك غير ذلك، فإن ما يأمر به ولي الأمر إذا لم تكن فيه مصلحة، فإنه لا يجب التزامه إلا ظاهراً فقط، جاء في تحفة المحتاج من كتب الشافعية ما يلي: الذي يظهر أن ما أمر به ـ أي الحاكم ـ مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهراً ـ يعني خشية الضرر أو الفتنة فقط ـ بخلاف ما فيه ذلك يجب باطناً أيضاً. انتهى.
وأما رأس المال فهو حلال إلا إذا كان هنالك موجب غير ما ذكرت لحرمته، وأما ما ذكرت فلا تأثير له عليه لأنه مما يجب التزامه ظاهراً فقط كما نرى، ولذا لا يلزمك إخراج ثمن الآلة أو غيره لتطييب مالك، لكن عليك أن تؤدي الزكاة الواجبة، وينبغي أن تحسن كما أحسن الله إليك، قال الله تعالى مادحاً المتصفين بهذه الصفة: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {المعارج:24-25} .
فليكن في مالك حق للفقراء والمساكين ولا سيما ذوو القربى، فإن ذلك من أعمال البر التي يحبها الله ـ عز وجل ـ ويمحو بها خطيئة عبده، ففي الحديث الصحيح: والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 13164.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1430(7/239)
حكم السماح لغير المسلمين بإظهار الأكل والشرب في نهار رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نسمح لغير المسلمين بإظهار الأكل والشرب في نهار رمضان وذلك في دولة مسلمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لولاة الأمر في بلاد المسلمين أن يسمحوا لأحد بإظهار الأكل أو الشرب في نهار رمضان كائناً من كان ولو كان غير مسلم، لما في ذلك من هتك حرمة الشهر، وقد نص على هذا أهل العلم.
جاء في الإقناع للحجاوي: ويمنعون (غير المسلمين) من ... وأكل وشرب في نهار رمضان، ومن إظهار بيع مأكول فيه (رمضان) كشوي. انتهى.
بل قد نص بعض الفقهاء على أنه لا يجوز للمسلم أن يسقي الذمي في نهار رمضان سواء كان بأجرة أو بغير أجرة.
جاء في تحفة الحبيب على شرح الخطيب: ومن ثم أفتى شيخنا الرملي رحمه الله بأنه يحرم على المسلم أن يسقي الذمي في رمضان بعوض أو غيره لأن في ذلك إعانة على معصية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(7/240)
هل يطاع الإمام في منعه الجلوس في المسجد حتى شروق الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[فضل الجلوس بعد صلاة الفجر حتى الشروق وما به من فضل عظيم، ولكن إذا قال إمام المسجد بعدم الجلوس حتى الشروق، وذلك لطاعة ولي الأمر، فهل نجلس؟ أم طاعة ولي الأمر أولى؟ وأريد دليلا واضحا، والله المستعان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجلوس في المسجد بعد الفجر حتى الشروق مستحب، وينبغي الحرص عليه، لما فيه من عظيم الأجر، ففي الحديث: من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة. رواه الترمذي وحسنه.
فإذا لم يمكن التفاهم مع الإمام نظرا لخوفه من أن يقع في حرج أو خطر بسبب السماح لكم بالبقاء حتى الشروق، فينبغي أن تتركوا الجلوس وتحرصوا على المرابطة في المسجد في وقت آخر يمكن به ذلك.
وراجع الفتوى رقم: 113298.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1430(7/241)
طاعة ولي الأمر في تقييد المباح إنما تجب إذا تعينت فيه المصلحة أو غلبت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في الكسب من تجارة أصنافها حلال، ولكن من أجل التقنين منعتها الدولة؟ وبالتفصيل: سلمت لنا الدولة رخصا مؤقتة لهاتف عبر الإنترنت وقمنا باستثمار كبير لكن الدولة عدلت القانون ووضعت شروطا مادية تعجيزية، ونحن استمررنا بالعمل سراً بنية استرجاع أموالنا والديون المترتبة وعندها نتوقف، فما هو حكم الشرع؟ علما بأن الدولة لم ترد السماع إلينا ولا إلى معرفة الآثار المترتبة من خسائر وديون وتسريح عمال. جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان تدخل الدولة وإضافتها للشروط في أثناء المدة المتفق عليها بينكم وبينها فليس من حقها ذلك، لما فيه من إخلال بالعقد ونقض للشرط، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود.
ولكم أن تعملوا ما استطعتم سراً حتى تستكملوا المدة المتفق عليها بشرط أن لا تخشوا في ذلك ضرراً أو فساداً، وأما إن كان تدخلها بعد انقضاء المدة المتفق عليها بينكم وبينها، فمن حقها ذلك ويلزمكم الانقياد لما وضعت من شروط ما لم يكن فيه إجحاف بين وإضرار ظاهر وظلم باد، دون أن يقابل ذلك مصلحة معتبرة من وراء تقنين الدولة لذلك، فإن كان فلكم دفع ذلك الظلم بما استطعتم من حيل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد.
وقد قيل إن طاعة ولي الأمر في تقييد المباح إنما تجب إذا تعينت فيه المصلحة أو غلبت، عملاً بالقاعدة الفقهية التي تقول: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة. انتهى من المنثور في القواعد للزركشي، والأشباه والنظائر للسيوطي.
وهنا غلبت المفسدة إن كانت هنالك مصلحة أصلاً في ذلك الفعل، كما أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما هو مقرر في القواعد الفقهية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(7/242)
لا يقيم الحدود إلا السلطان أو نائبه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القصاص مسموح في هذا الزمن؟ أريد دليلا من فضلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القصاص للمظلوم من الظالم سمح الله به تعالى وشرعه في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ {البقرة:178} .
وفي قوله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا {البقرة:33} .
ولكن القصاص وغيره من الحدود لا يقيمه إلا السلطان أو نائبه كما نص عليه النووي في المجموع.
وراجع الفتوى رقم: 72397.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1430(7/243)
حكم مخالفة القوانين التي تنظم أمور الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد قوانين تنظم نقل الأشخاص والبضائع. فما حكم من يعمل بسيارته خارج هذه القوانين بدون ترخيص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتلك القوانين إنما توضع غالبا لمصلحة الناس وتنظيم حياتهم، فينبغي التقيد بها لما فيها من المصالح العامة، وقد يقال بوجوب التقيد بها إذا ترتب على مخالفتها ضرر يلحق بالناس.
وراجع في حكم مخالفة القوانين التي تقيد المباح الفتوى رقم: 116029. والفتاوى المحال عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1430(7/244)
أصدر له تأشيره لدخول البلد على كفالته دون توفير العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[استخرج كفيلي فيزا (تأشيرة) وقدم الأوراق الثبوتية والتعهدات لحاجته إلى عامل من الجهة المختصة، ولكن قصدة ونيته أن يستقدمني من بلدي مساعدة لي فقط دون توفير العمل حسب اتفاقه معي وأن يتركني أبحث عن عمل في أي مكان وهذا بدون أي مقابل وتظل كفالتي عليه فما الحكم الشرعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقوانين المنظمة للعمل ونحوه والتي يضعها ولي الأمر لمصلحة البلد وأهله يجب أن يُلتزم بها، وعلى المسلمين مراعاتها ما دامت كذلك، وإن كانت مصلحتها ليست عامة أو غير ظاهرة فيجب التزامها ظاهراً خشية الضرر والفتنة، وتجوز مخالفتها باطناً عند أمن ذلك، جاء في تحفة المحتاج من كتب الشافعية ما يلي: ... نعم الذي يظهر أن ما أمر به (أي الحاكم) مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهراً (يعني خشية الضرر أو الفتنة) فقط بخلاف ما فيه ذلك يجب باطناً أيضاً. انتهى.
والظاهر أن ما سئل عنه هو من النوع الثاني الذي يجب التزامه ظاهراً لا باطناً، ولذا فنرجو ألا يلحق من ساعدك على دخول ذلك البلد إثم في نيته ومقصده الحسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1430(7/245)
حكم من حج بدون تصريح دخول
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وأسرتي نعيش في دولة قطر تقدمت أنا وأسرتي للحج هذا العام ولكن لم نتمكن من الحصول على التأشيرة فقال لنا صديق أعمل تأشيرة مرور عبر السعودية إلى الأردن والسفر بسيارتنا مع ركب مكون من شيخ المسجد ومجموعة الأسر التي ستحج بنفس الطريقة علما بأن شيخ المسجد يحج كل عام بنفس الطريقة وهي اخذ تأشيرة مرور من قطر إلى الأردن عبر الأراضي السعودية وعند وقفة عرفات يتم إدخاله ومن معه على مسئوليته إلى عرفات وعمل مناسك الحج وذلك لعدم صرامة السلطات في هذه الليلة المباركة ونحن نعلم حجم المشقة والصعوبات الممكن مواجهتها خلال السفر وأيضا احتمال عدم الدخول إلى مكة لعدم صلاحية التأشيرة للحجز فهل الحج بهذه الطريقة يكون صحيحا وغير مخالف للشرع أو القانون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحج إذا أتى به الحاج على الوجه الشرعي صحيح، سواء كان مصرحا له بالدخول أو لم يكن كذلك، لكن لا تجوز مخالفة أوامر ولاة الأمر فيما أمروا به من تنظيم شؤون الحج، وذلك لأن النظام الذي يتخذ لتنظيم الناس وضبط سفرهم للحج معتبر شرعا لأنه فعل لمصلحة معتبرة.
وإذا أخذ من ذكر في السؤال تأشيرة للمرور إلى بلد آخر ثم مر وأذن له ولاة الأمر بالحج فلا إثم عليه.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 7560.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1430(7/246)
حكم مخالفة القوانين التي تقيد المباح
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الموظفين قررنا تكوين تعاونية سكنية والقوانين في المغرب تحتم على كل عضو في تعاونية سكنية الأداء بشهادة تتبث عدم ملكيته لسكن بالمنطقة التي ستتأسس فيها التعاونية. والحال أن معظم المنخرطين يملكون سكنا ويحصلون على هذه الشهادة بطرق ملتوية وهو نفس الأمر بالنسبة لي حيث أملك شقة مناصفة مع زوجتي وأرغب في تحسين وضعية سكني، أفتوني جزاكم الله خيرا من الوجهة الشرعية هل أستمر في هذه التعاونية أم أنسحب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر لنا أنه لا حرج عليك في مخالفة القوانين المذكورة إلا إذا كان فيها مصلحة ظاهرة؛ ولا شك أن الحصول على السكن المناسب من الحقوق التي لا يجوز المنع منها أو تقييدها إلا لمصلحة ظاهرة، فإن كان القانون المذكور لا مصلحة فيه ظاهرة -كما هو الغالب- وإنما يتم وضعه لجباية الأموال من الناس بغير حق أو غير ذلك مما ليس فيه مصلحة ظاهرة فلا يجب الالتزام بذلك، ويجوز التحايل على ذلك القانون إلا أن يتسبب ذلك في وقوع الضرر.
أما إن كان ثم مصلحة في مثل هذه القوانين التي تقيد المباح كأن تكون الأماكن السكنية تضيق بحاجة الناس فتشترط الدولة أن يكون لكل مواطن سكن واحد أو نحو ذلك مما فيه المصلحة، فيجب الالتزام بذلك، ويكون ذلك من باب تقييد ولي الأمر للمباح، وقد نص العلماء على أن لولي الأمر تقييد المباح كالبيع والشراء والإجارة، إذا كان في ذلك مصلحة عامة، فلا ينبغي مخالفة هذه الأنظمة إن كانت تصب في مصلحة البلاد.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 7560، 79060، 104396، 106555.
والله أعلم.
... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(7/247)
حكم تقييد الحاكم للطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن حكم تقييد الطلاق بمجلس القاضي , وهل هذا من قبيل المباح الذي يجوز لولي الأمر أن يقيده من باب السياسة الشرعية؟
ومن أجازه من الفقهاء سواء المعاصرين أو القدامى , ومن كتب عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعتبر في وقوع الطلاق إنما هو صدوره من الزوج أوحكم القاضي به، لكن للزوج أن يعلق وقوعه على صدور الحكم، وجلسة القضاء، وأما إن أوقعه مباشرة فهو لازم، ولا اعتبار لإجراءات إثباته من وقوعه أوعدمه من حيث الديانة.
ولو أن الحاكم قرر عدم إيقاع الطلاق إلا بعد جلسة القضاء فيلزم طاعته في ذلك إلا لضرر أو مشقة، ومن أوقع الطلاق قبل ذلك وقع طلاقه ويكون آثما لمخالفة ولي الأمر إلا لعذر، وهذا مما يصلح للحاكم تقييده للمصلحة والسياسة الشرعية، ولتشوف الشارع إلى استقرار العصمة وبقائها، وهذا من الوسائل لمنع التهور في الطلاق فلا يقع إلا عند ترو ودراية، ولكن إذا اضطر المرء إلى الطلاق أو دعته حاجة ملحة إليه قبل انتظار جلسة القضاء فلا حرج عليه للعذر.
قال الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله: إن الذي أعطاه الشارع لولي الأمر هو حق تقييد بعض المباحات لمصلحة راجحة في بعض الأوقات أو بعض الأحوال أو لبعض الناس، لا أن يمنعها منعا عاما مطلقا مؤبدا.
وقد منع عمر الزواج من الكتابية في خلافته، وأمضى طلاق الثلاث في مجلس واحد كطلقة بائنة بينونة كبرى.
وأما الشق الثاني من السؤال فيمكن الرجوع فيه إلى كتب أهل العلم في باب السياسة الشرعية للوقوف على كلام أهل العلم، وإن كنا لا نعلم مخالفا في تقييد الحاكم للمصلحة ما لم يكن التقييد مطلقا أو مؤبدا.
ومما ينصح بالرجوع إليه في ذلك ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقد كتب فصلا كاملا في نحو ثلاثين صفحة مما جعل الله للحاكم أن يحكم فيه وذلك في الفتاوى.
كما أن الدكتور الطريقي وهو معاصر قد كتب رسالة في طاعة أولي الأمر تطرق فيها إلى هذه المسألة، ويمكن الرجوع إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(7/248)
حكم فتح مركز علاج طبيعي بدون ترخيص
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز فتح مركز علاج طبيعي بدون ترخيص، علما بأن جواز الترخيص بعد خمس سنين من التخرج، غير أنه توجد مراكز كثيرة بدون تراخيص والعاملون بها غير مؤهلين فنيا وليسوا من أصحاب المهنة أساسا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقوانين واللوائح التي تنظم الأعمال والمهن بما يعود بالمصلحة على الناس يجب الالتزام بها، ويدخل هذا في حق ولي الأمر في تقييد المباح بما يعود بالمنفعة والمصلحة، وراجع للمزيد الفتوى رقم: 67717.
وما ذكره السائل من وجود مراكز غير مؤهلة لا يسوغ له فتح مركز بدون ترخيص، فليس من أخطا حجة على غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1429(7/249)
حكم من يأخذ الماء بدون علم الجهة المسئولة لكونها تمنع عنه الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نسكن في مكان بعيد عن موارد المياه ونلقى متاعب كثيرة في استجلاب المياه وتكبدنا خسائر جسيمة وذالك بشرائها بمبالغ طائلة وفي نفس الوقت يمر من أمام بيتنا ماسورة مياه مارة إلى منطقة أخرى ولكن ولاة الأمور يمنعوننا من الأخذ منها ففكرنا في أخذ مياه من هذه الماسورة لغرض الشرب والغسل فهل يجوز لنا بدون علم الدولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حقكم على ولاة الأمر أن يوصلوا إليكم المياه كغيركم من الناس إذا كان ذلك في مقدورهم واستطاعتهم وليس هناك ما يمنع من ذلك.
فإذا قصر ولاة الأمر في توصيل المياه إليكم ومنعوكم منه بدون مسوغ شرعي، فلا نرى مانعا من أخذكم من الماء بقدر حاجتكم بدون علمهم ما لم يعد هذا التصرف على الآخرين بالضرر أو عليكم، فإن الضرر لا يزال بالضرر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1429(7/250)
الأفضل الاتفاق مع الدولة لتحديد الامتيازات المقابلة لمنفعة أرضكم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من الجزائر قامت الدولة بحفر بئر ارتوازي في أرضنا ثم جهزته لنستفيد منه في الري الفلاحي لكن اشترطت علينا أن يكون شركاء معنا في هذا البئر من الفلاحين وتكون لنا امتيازات لكن لم يبينوها علما أننا تركنا مساحة مقدرة ب300م2 لفائدة هذا البئر وفي الفترة الأخيرة أعلمنا الفلاحين الشركاء أننا لن ندفع حقوق استهلاك الكهرباء ولا صيانة المضخة فلم يعجبهم هذا الأمر واتهمونا بالابتزاز علما أننا كنا نساهم في كل شيء، ولتوضيح الأمر جيدا فإن الدولة عندما تحفر بئرا ارتوازيا في أرض تابع لملكية خاصة من أجل منفعة عامة تعطي له حق السقي بدون تسديد حقوق الكهرباء+منصب عمل كحارس إضافة إلى امتيازات أخرى نريد رأيكم في هذه القضية. وشكرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الدولة لم تحدد الامتيازات المستحقة لكم مقابل تنازلكم عن الأرض لا نصا ولا عرفا فيكون في العقد غرر وجهالة تفضيان إلى النزاع، وما كان كذلك من العقود فإنه غير جائز شرعاً، فالواجب أن تكون هذه الامتيازات - التي أعطتكم إياها الدولة مقابل ما أخذته من منفعة أرضكم – معلومة، كما أن الدولة أوجبت تسديد جزء من هذه الامتيازات على شركائكم من الفلاحين حيث أوجبت عليهم تسديد حقوق الكهرباء، وهذه الحقوق تشمل حصتهم وحصتكم من الكهرباء، ولا شك في وجود جهالة في ذلك.
فإن أمكن الاتفاق مع الدولة على تحديد الامتيازات المقابلة لمنفعة أرضكم تحديداً ينافي الجهالة، مع مراعاة أن يكون الواجب على شركائكم معلوماً فإن في ذلك تصحيحاً للوضع بما لا يخالف الشرع، وإلا فالذي ننصحكم به أن تقوموا بعقد صلح بينكم وبين شركائكم وتستعينوا في ذلك بأهل العلم والخبرة في بلدكم مع نصيحتنا لكم بالسماحة مع شركائكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1429(7/251)
حكم إنشاء المباني في الأراضي التي تمنع الدولة من السكن فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن الأراضي التي تمنع الدولة من السكن فيها لكونها أراضي غير مجهزة أو أراضي فلاحية غير مخصصة للسكن.
ومع ذلك يلجأ بعض الناس إليها هروبا من غلاء السكن داخل المدن ويتمكنون بواسطة التحايل ودفع رشاوى لبعض المسؤولين من إنشاء مساكن بتلك الأراضي بعد شراء بقعة بها.
فما حكم السكن عموما بهذه الأمكنة؟
هل يجوز للمضطر ولو بدفع رشوة ما حكمه ما لم يتعلق بمحرم؟
هل تجوز المتاجرة بإنشاء المنازل وبيعها بالمكان المذكور؟
أفتونا في ذلك وجزاكم الله خيرا ولو أمكن استفتاء الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء والسؤال من المغرب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت القوانين التي تضعها الدولة موضوعة لأجل المصلحة العامة فلا يجوز إنشاء المساكن على الأراضي المذكورة ولا المتاجرة بها ولا دفع رشوة من أجل البناء عليها، كما لا يجوز السكن فيها إلا لمضطر، وإن كانت هذه القوانين بعيدة عن المصلحة وأمن الإنسان على نفسه وماله من مخالفتها فلا حرج في التحايل عليها، فيجوز لمن يملك هذه الأراضي إذا اضطر أن يدفع الرشوة ليتوصل إلى حقه بالبناء عليها، ويكون الإثم على المرتشي.
وقد سبق في الفتوى رقم: 1713، أن الرشوة من كبائر الذنوب. فيحرم طلب الرشوة وقبولها وبذلها، كما يحرم عمل الوسيط بين الراشي والمرتشي. وأما الرشوة التي يتوصل بها المرء إلى حقه أو لدفع ظلم أو ضرر، فإنها جائزة عند الجمهور ويكون الإثم على المرتشي دون الراشي.
وسبق في الفتوى رقم: 79060، بيان أن القوانين التي تضعها الدولة ليست على حالة واحدة من جهة الالتزام بها وعدم الالتزام بها، فمنها ما يجب الالتزام به ولا تجوز مخالفته وهو ما تتحقق به مصلحة، ولا يناقض شرع الله تعالى كقوانين المرور ونحو ذلك، ومنها ما لا يلزم الالتزام به وتجوز مخالفته، ولكن إن خاف المسلم أن توقعه هذه المخالفة في الحرج فلا ينبغي له أن يذل نفسه.
وسبق في الفتوى رقم: 99352، ما نصه: فإنه لا يوجد في الشرع ما يمنع من البناء في الأراضي الزراعية، كما لا يوجد ما يمنع من بيعها لمن يبني فيها ما لم يعد ذلك بالضرر على الناس فيمنع في هذه الحالة من باب منع الضرر؛ لحديث: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه. كما أن للدولة إذا رأت المصلحة في منع البناء في الأراضي الزراعية أن تصدر قوانين تمنع ذلك، وعلى الناس أن يلتزموا بهذه القوانين ما دامت قائمة على مصلحة حقيقية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1429(7/252)
مسائل في الأراضي الأميرية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في فلسطين ما يعرف بالأرض الميرية، وهي الأرض التي تملكتها الخلافة العثمانية، حيث قامت دولة الخلافة بتوزيع الأرض على الناس على سبيل الهبة للذكر مثل الأنثى، ولا زال العمل بهذا في المحاكم الشرعية عندنا، حيث إذا مات شخص وترك أرضا ميرية قامت المحكمة بتوزيع الأرض على أولاده للذكر مثل الأنثى، فما هو الحكم الشرعي فيما تفعله المحكمة الشرعية في الحالتين الآتيتين:
1- في حال ملكت الدولة العثمانية أصحاب هذه الأرض للأرض؟
2- في حال أن الدولة أعطتهم إياها على سبيل الإعارة ثم تعود لأملاك الدولة متى شاءت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأرض الأميرية هي التي تعود ملكيتها لبيت مال المسلمين ولم تقسم على الفاتحين المسلمين وبقيت رقبتها ملكا للدولة الإسلامية وأعطيت منفعتها لمن يقيمون عليها، وأصل ذلك يعود إلى عهد عمر بن الخطاب عندما فتح العراق ولم يقسم الأراضي المفتوحة على المقاتلين، وإنما أبقى رقبتها ملكا لبيت مال المسلمين، فالذي يملك التصرف في الأراضي الأميرية هو الحاكم المسلم، وليس له إقطاعها أو تمليكها عند المالكية والشافعية والحنابلة وخالفهم الأحناف في ذلك، وإذا صارت مواتا فهي لمن أحياها.
جاء في الموسوعة الفقهية: يجوز للإمام أن يدفع الأرض الأميرية للزراعة إما بإقامتهم مقام المالك في الزراعة وإعطاء الخراج، أو إجارتها للزارع بقدر الخراج، وعلى هذا اتفق الأئمة.
وأما إقطاعها أو تمليكها فمنعه المالكية والشافعية والحنابلة لأنه صار ملكا عاما للمسلمين، وأجازه الحنفية اعتمادا على أن للإمام أن يجيز من بيت المال من له غناء في الإسلام، كما أن له أن يعمل ما يراه خيرا للمسلمين وأصلح، والأرض عندهم بمنزلة المال. وعلى هذا، فمن يلغي إقطاعها لا يجيز تمليكها أو إرثها أو إرث اختصاصها وإنما منافعها هي التي تملك فقط، فله إيجارها وللإمام إخراجها عنه متى شاء.
وبناء على هذا.. فإن هذه الأرض في كلتا الحالتين المسؤول عنهما لا تورث، وإنما تنتقل منفعتها إلى ورثة الميت حسبما يقرره الحاكم المسلم، وله أن يسوي بين الذكر والأنثى إذا رأى المصلحة في ذلك لأن اجتهاد الحاكم مربوط بمصلحة الرعية. قال الدردير: والكلام فيها للسلطان أو نائبه، ولا تورث لأنها لا تملك ولو مات أحد الفلاحين وله ورثة وقد جرت العادة بأن الذكور تختص بالأرض دون الإناث -كما في بعض قرى الصعيد- فإنه يجب إجراؤهم على عادتهم على ما يظهر لأن هذه العادة والعرف صارت كالإذن من السلطان في ذلك.
وهذا عند الجمهور -كما تقدم- أما عند الحنفية فإذا مُلِّكت هذه الأرض لمن هي بيده صارت ملكا له ودخلت في الميراث الذي يقسم بعد وفاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1429(7/253)
تقييد الدولة للمباح جائز للمصلحة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد أناس لهم شاحنات يعملون بها لسرقة الرمل من البحر وهذا ممنوع من ناحية الدولة ومنهم من يربح 100000 الف دينار جزائري ليلا هل يجوز هذا في ديننا رغم أن الرمل يباع في أماكن أخرى كلويدان والمحجرات.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
على ولي الأمر أن يمنع تصرفات الآحاد التي تلحق الضرر بالعامة، وعلى الجميع التزام هذا الأمر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من واجبات ولي الأمر أن يمنع التصرفات الفردية وإن كانت مباحة في الأصل، إذا كان من شأن هذه التصرفات أن تلحق الضرر والأذى بالناس؛ لحديث: لا ضرر ولا ضرار. وهو حديث أخرجه مالك وأحمد والبيهقي والحاكم وغيرهم، ويعد قاعدة عظيمة تندرج تحتها صور كثيرة لا حصر لها. ومعناه لا يجوز الضرر ابتداء كما لا يجوز إيقاع الضرر مقابلة لضرر.
وعليه، فإذا منعت الدولة الناس من أخذ رمال البحر لما ينتج عن ذلك من ضرر وفساد فالواجب عليهم السمع والطاعة؛ لأن هذا من المعروف الذي يلزم طاعة ولي الأمر فيه. ومن خالف عوقب بالعقوبة المستحقة.
جاء في الفروع لابن مفلح: ومن أخذ مما حماه إمام عُزِّر لمخالفته. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1429(7/254)
حكم الدعاية والترويج لمنتجات بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنتم تضعون في موقعكم دعاية لشركة سيارات كافرة فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتجوز الدعاية لمثل هذه المنتجات والتي هي في أصلها مباحة، وكونها قد أنتجت في بلاد الكفر ليس بمانع شرعا من الدعاية لها، إذ من المقرر شرعا جواز التعامل مع الكفار بيعا وشراء وقرضا ونحو ذلك من المعاملات المباحة. روي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير.
ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 3545، 71811.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1429(7/255)
حكم الصيد من بحيرة تملكتها الدولة
[السُّؤَالُ]
ـ[بحيرة ملك للدولة وتقوم بكراء استغلالها للخواص هل يعتبر الصيد فيها سرقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه البحيرة من المباحات التي ليس للدولة أن تؤجرها ولا أن تفرض أجرة على من يصيد منها أو ينزل على شواطئها ما لم يكن ذلك لمصلحة عامة ظاهرة تعود على المسلمين بالنفع العام، وليس لمصلحة طائفة من الناس، وبشرط أن تراعى في ذلك الضوابط الشرعية، فلا يسمح بالتعري وممارسة الفاحشة على شواطئها.
وفي هذه الحالة لا يجوز لغير من أجرت له أن يصيد منها إلا بإذن المستأجر لها لأنه صاحب الحق في الانتفاع، وإذا خالف وصاد منها فإنه قد تعدى وأساء، لكن لا يعد ذلك سرقة، لأن السرقة لها شروط وضوابط، منها الأخذ من الحرز وهذا غير متحقق في هذه المسألة.
وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 7560، والفتوى رقم: 64343، والفتوى رقم: 14858، والفتوى رقم: 55277.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(7/256)
حكم استملاك الدولة العقارات وتعويض أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[لحلّ مشكلة عدد كبير من المواطنين قررت الدولة إقامة منطقة سكنية كبيرة في ضواحي المدينة مقابل تعويض أصحاب الأراضي، ولكن البعض منهم رفض هذا البيع لأنّ قيمة الأرض بعد تهيئتها سوف يرتفع حتما، فهل يجوز لهم الامتناع عن البيع وإعاقة إنجاز هذا المشروع الذي يمثّل مصلحة عامّة.........]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تصرف الدولة في شأن الناس منوط بالمصلحة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حق ولي الأمر أن يفعل من الإجراءات ما يعود بالمصلحة على الناس، فإذا كانت المصلحة المتحققة في إقامة هذه المنطقة مصلحة راجحة لا تتحقق إلا بما ذكر وبذلت الدولة لأصحاب الأراضي المراد إقامة المنطقة فيها تعويضا عادلا فليس لهم الامتناع عن قبول التعويض العادل وعليهم تسليم الأرض للدولة لتنفذ فيها المشروع المراد، هذا إذا كان الأمر صدر من الدولة على وجه الإلزام، أما إن كان الأمر اختياريا فلأصحاب الأراضي أن يمتنعوا عن بيع أراضيهم، فإنما البيع عن تراض، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء:29}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1428(7/257)
حكم التجارة فيما منعت الدولة التجارة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[شركة تتاجر في بعض الأصناف الملغية بنص القانون مع العلم بشرعية التجارة في هذه الأصناف في دول العالم، فهل عملي كمحاسب فيها حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل حل البيع والشراء في كل مباح لعموم قول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. رواه مسلم.
ولكن هذا الأصل قد يطرأ عليه ما يخرجه عن الإباحة، ومن ذلك أن يؤدي بيع هذه السلعة إلى ضرر يلحق بالناس، أو تكون هناك مصلحة معتبرة شرعاً في منع بيعها، عندئذ يجوز للحاكم منع المتاجرة فيها لأن للحاكم ولاية المنع فيما يعود ضرره على الرعية، وله الحق في تقييد المباح لمصلحة معتبرة، وبالتالي فلا ينبغي مخالفة أمره ما دام يصب في مصلحة الناس، وإذا لم يكن فيه مصلحة معتبرة فالأصل -كما سبق- هو الإباحة.
وأما عملك في هذه الشركة فهو مبني على حل بيعها لهذه السلع أو لا حسب ما ذكرناه سابقاً، والواجب عليك أن تنظر هل منع هذه الشركة من بيع السلع المذكورة فيه مصلحة فتمتنع عن العمل معها، أو أن الدولة متعسفة في منعها فيجوز لك ذلك، وراجع الفتوى رقم: 45480.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1428(7/258)
حكم الاحتيال على نظام البلد الذي يمنع إقامة المريض بمرض ما
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أنا أعمل مدرس لغة إنجليزية بإحدى الدول العربية ولقد دخلت هذه البلد عن طريق دفع مبلغ من المال لأحد الأشخاص لكي أمر من الكشف الطبي لأني مصاب بفيرس الكبد سي ولا بد من هذه الشهادة لعمل الإقامة فهل الراتب الذي أتقاضاة من وظيفتي فية شبهة وهل ما فعلت من دفع مبلغ لكي أمر من الكشف الطبي فيه شيء وما هو كفارة ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يشفيك ويعافيك، ونفيدك أنه يمنع الاحتيال على نظام البلد الذي يمنع إقامة المريض مرضاً يعدي لئلا يلحق أذى وضرراً بالآخرين، لأن هذا داخل في عموم تقييد المباح الذي يجوز للحاكم فعله، تحقيقاً للمصالح ومنعاً للضرر.
وبناء عليه فقد أخطأت في دفعك المال لمن يزور لك الكشف الطبي لأنه يعتبر رشوة وتعاوناً منكما على خلاف أمر الدولة، وأما الراتب الذي تتقاضاه فإن كنت قمت بعملك على الوجه المطلوب فإنه مباح لك، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7560، 64343، 45978.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1428(7/259)
حقوق الشباب على مجتمعاتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أين حق الشباب في هذا المجتمع وحق الخريجين والعاطلين عن العمل؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مرحلة الشباب من أهم مراحل عمر الإنسان، إذ يغلب أن يكون فيها الإنسان على أحسن حال من الصحة والفراغ، وبهاتين النعمتين يمكن للشاب أن يعبد ربه ويخدم دينه على أكمل وجه، فينبغي للشاب نفسه استغلال هذه الفترة من عمره أحسن استغلال، لينال خير الدنيا والآخرة، وينبغي للمجتمع المسلم والقائمين على أمر المسلمين الاستفادة من هذه الفئة، والاهتمام بها، وتوجيه طاقاتها لنهضة الأمة، وإيجاد فرص العمل لها، وقد ورد بخصوص العمل وترك البطالة كثير من نصوص الشرع، وسبق لنا ذكر جملة من هذه النصوص في الفتوى رقم: 58722. وذكرنا هناك خطوات عملية للقضاء على البطالة فراجع هذه الفتوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(7/260)
الأحق بالعمل من بين آلاف المتقدمين.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي فيما يخص دفع الرشوة من أجل إيجاد عمل لقد تفحصت الفتاوى التي وردت في هذا الشأن ووجدت أنه يجوز دفع المال إذا كنت أحق بهذا العمل وأنه لا يجوز إذا كان هناك شخص آخر أحق مني بهذا العمل
سؤالي هو: كيف أعرف بأنني أحق بهذا العمل؟ فهل حصولي على إجازة التخرج من الجامعة واختصاصي يسمح لي بالعمل بوظيفة ما والوظيفة تتطلب ذلك الاختصاص وأنني بإذن الله أحس بقدرتي على أداء العمل بكفاءة هل ذلك يعطيني صفة الأحقية بالعمل؟ هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى فإذا كان يوجد من هو أحق بالعمل فكيف أستطيع أن أعرف هذا والحال أن الآلاف من الناس يحملون نفس الاختصاص الذي بحوزتي
من منظور آخر أليس العمل بحق من حقوق أي رجل مهما كانت طبيعته وأن هذا الحق هو حق اجتماعي يولد مع الإنسان ولا أظن أن الدين يتعارض أيضا معه شريطة أن يكون العمل يتماشى وإمكانيات الرجل وبالتالي يصبح العمل حقا مكتسبا بطريقة آلية شريطة أن تكون هناك الكفاءة والأمانة؟
أرجوكم أجيبوني على أسئلتي هذه. وجزاكم الله خيرا يا أعزة الاسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره الأخ السائل في من هو الأحق بالعمل من بين آلاف المتخرجين من الجامعات المختلفة واستشكاله في أن هذا الحق مكفول للجميع وحق للجميع.. إلخ نقول: هذا حق لهم جميعا إن كان هؤلاء كلهم أكفاء؛ لكن إن عجزت الدوله عن استيعابهم جميعا ولم يتميز بعضهم بتقدم ونحوه.. فالعدل هو الاقتراع بيهم لأن الحق ثبت لبعضهم ولا يمكن تمييز هذا البعض إلا بالقرعة، كما جاء في قواعد ابن رجب: نستعمل القرعة في تمييز المستحق إذا ثبت الاستحقاق ابتداء لمبهم غير معين عند تساوي أهل الاستحقاق. اهـ.
فإذا لم يكن قرعة وخشي الطالب أن يضيع حقه في العمل أو نحوه فلا مانع من التوصل إلى هذا الحق بالواسطة ولو أدى إلى حرمان غيره ممن هو معه في الاستحقاق لأنه هنا لا يأخذ حق غيره ولكنه يأخذ حقه، وفي مثل هذا يقول الغزالي: لو لم يدفع السلطان إلى كل المسحقين حقوقهم من بيت المال فهل يجوز لأحدهم أخذ شيء من بيت المال، ثم ذكر أنه يأخذ ما يعطى وهو حصته، والباقون يظلمون وقال: هذا هو القياس. اهـ.
وبهذا يزول الاشكال الذي أورده الأخ في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1427(7/261)
الاحتيال على القانون.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ نصحني أحد المحامين أن أوقع عقد شراكة مع شريك تجاري باسم زوجتي بحكم أن القانون يمنعني من أن أمارس مهنة الطب والتجارة وعقد دين باسمي كي أحمي مالي من الضياع فهل هذا الأمر جائز.
جازاكم الله عني خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي الالتزام بالقوانين التي تصب في مصلحة الناس ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، ذلك أن للسلطات أن تسن من القوانين المنظمة للمعاملات ما يخدم مصالح الناس ويجنبهم الأضرار والمخاطر؛ هذا مع أن الأصل إباحة التجارة للطبيب ولغيره عملا بعموم قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275} ولكن إذا كان في ممارسة بعض فئات المجتمع التجارة في بعض المواد خطرا محققا أو غالبا على صحة الناس مثلا فإن منع هؤلاء من التجارة في هذا الباب متعين لأنه وسيلة إلى واجب وهو حفظ الأنفس من الهلاك، ووسيلة الواجب واجبة إذا تعينت طريقا لتحصيله.
والحال أن هذا القانون إذا كان مبنيا على مصلحة راجحة لا يمكن تحصيلها بدونه فيلزم التزامه وعدم الالتفاف عليه. أما إن كان قانونا لا يحقق هذه المصلحة فلا نرى مانعا من الاحتيال عليه لكن بحيلة سائغة. وعملك عقد دين إن كان مع زوجتك أو مع شريكك حيلة غير سائغة؛ لأن مالك عند شريكك ليس دينا عنده, فمال الشريك أمانة عند شريكه, وكذلك لا دين لك عند زوجتك التي تريد كتابة العقد باسمها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1427(7/262)
حمى الأرض في الشريعة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[تعريف حمى الأرض في الشريعة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمى لغة: ما منع الناس عنه، واصطلاحاً: أن يمنع الإمام موضعا لا يقع فيه التضييق على الناس للحاجة العامة لذلك، لماشية الصدقة، والخيل التي يحمل عليها.
وقد كان للرسول صلى الله عليه وسلم أن يحمي لنفسه وللمسلمين، لقوله في الخبر: لا حمى إلا لله ولرسوله. لكنه لم يحم لنفسه شيئاً، وإنما حمى للمسلمين. فقد روى ابن عمر، قال: حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين. وأما سائر أئمة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئاً، ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ونعم الجزية وإبل الصدقة وضوال الناس على وجه لا يتضرر به من سواه من الناس، وهذا مذهب الأئمة أبي حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في صحيح قوليه. وقال في الآخر: ليس لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمي، لقوله عليه الصلاة والسلام: لا حمى إلا لله ورسوله. واستدل بأن عمر وعثمان حميا، واشتهر ذلك في الصحابة، فلم ينكر عليهما، فكان إجماعاً. ولك أن تراجع في هذا الموسوعة الفقهية الكويتية 2/246.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1427(7/263)
حكم دفع البدل النقدي مقابل الإعفاء من الخدمة العسكرية
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدي أتاحت السلطات للحاصلين على الخدمة الثابتة في العسكرية بدفع بدل نقدي مقابل الإعفاء من الخدمة, فهل يجوز لي دفع هذا البدل، مع العلم بأني قادر على القيام بالنشاطات العسكرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت السلطة التي أوجبت الخدمة العسكرية على المواطنين هي التي أذنت بدفع بدل نقدي مقابل الإعفاء منها فلا محذور في دفع المبلغ النقدي حتى تعفى من الخدمة العسكرية، ولو كنت قادراً على القيام بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1426(7/264)
جواز العمل بمهنة ما بما لا يتعارض مع المصلحة العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من خريجات السنة من كلية الصيدلة والقانون في العراق يسمح بفتح الصيدلية بعد 3 سنوات من التخرج ولكن لا وجود للسلطة الآن في العراق والذي يحصل الآن أنه أصبح فتح الصيدليات مجاناً ومن غير الصيادلة فما الحكم الشرعي لي إن أردت أن أفتح صيدلية خاصة بي الآن علما أني مؤهلة علميا لفتح صيدلية فهل يجبرني القانون السابق أن ألتزم به لأني مشوشة جداً من علاقة الشريعة والقانون في هذه المسألة فالجميع يقول لي أنت صيدلانية وأنت أحق بفتح الصيدلية من غيرك الذين لم يكملو كلية الصيدلة ولا أعرف ماذا أفعل؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعندما يكون ولي الأمر الشرعي موجوداً، فإنه يجوز له أن يسن بعض القوانين التي تنظم الأعمال وتعود بالمصلحة العامة على الناس، وذلك داخل فيما يذكره العلماء من أحقية ولي الأمر في تقييد المباح؛ كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 7560.
فإذا تقرر هذا، فإن قيامك بفتح صيدلية بالنسبة لك وأنت خريجة صيدلة ومؤهلة لهذا العمل أمر مباح شرعاً؛ إذ هو الأصل ما دام لا تمنع منه سلطة ولا شرط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1426(7/265)
مدى وجوب الالتزام بالقوانين والقواعد المرورية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يأثم من يخالف تعليمات المرور على اعتبار أنه لا يطيع أولي الأمر، بفرض أنه لم يضبطه رجال المرور لتوقيع المخالفة عليه، أمثلة: القيادة بسرعة أكبر قليلا من المسموح مما لا يسبب تعريض النفس والآخرين للخطر، أو القيادة لمن تجاهل تجديد رخصة قيادته المنتهية وهو لائق للقيادة، أو الانتظار في مكان ممنوع الانتظار فيه بدون إعاقة للسير، أفيدونا؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قرر العلماء وجوب الالتزام بالقوانين والقواعد المرورية لما فيها من المصلحة، وما تدرؤه من المفسدة غالباً، كما بينا في الفتوى رقم: 9161.
فتلك القوانين إنما هي من المصالح المرسلة التي يراعيها الإمام، فتجب طاعته فيها للمصلحة المظنونة في التزامها والمفسدة المتوقعة عند عدم ذلك، والعبرة في الشارع إنما هي بغلبة الظن، كما قال العلوي في مراقيه: بغالب الظن يدور المعتبر.
وتلك القوانين وإن لم يترتب على الالتزام بها مفاسد أحياناً فذلك نادر، والنادر لا حكم له، إنما الحكم للغالب، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة؛ كما هو مقرر في القواعد الفقهية، فيجب الالتزام بتلك القوانين والظاهر أنه قد يأثم من خالفها، ويضمن إن ترتب على ذلك جناية على الغير.
ولكن الأمور التي مثل بها السائل تختلف في ذلك حسب قوة المصلحة ومظنة المفسدة، فزيادة السرعة زيادة بالغة وقطع الإشارة ليس مثل القيادة بدون رخصة لمن كان يتقن ذلك أو القيادة برخصة منتهية الصلاحية أو الوقوف بمكان يمنع الوقوف فيه لضيق الشارع، ومصلحة العامة فهذه الأمور الأخيرة لا تصل إلى حكم قطع الإشارة، وإن كان الأولى للمسلم هو الالتزام بذلك كله وعدم تجاوزه حتى لا يذل نفسه ويهينها بالمساءلة، ودفع الغرامات وهو مسؤول عن حفظ ماله، فلا ينبغي أن يعرضه للإتلاف بذلك، وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 19490، والفتوى رقم: 59248، والفتوى رقم: 53382.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1426(7/266)
حكم مخالفة الحاكم في تقييد المباح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو هل تجوز المتاجرة بما تمنعه الدولة حتى ولو كان شرعا غير محرم؟.
وهل هدا خروج على الحاكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه ما دامت السلعة المراد المتاجرة بها مباحة شرعا أن لا تمنع؛ لعموم قول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة: 275} . ولقوله صلى الله عليه وسلم: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. رواه مسلم
ولكن هذا الأصل قد يطرأ عليه ما يخرجه عن الإباحة.. من ذلك أن يؤدي بيع هذه السلعة إلى ضرر يلحق بالناس، أو تكون المصلحة في منع بيعها، عندئذ يجوز للحاكم منع المتاجرة فيها لأن للحاكم ولاية المنع فيما يعود ضرره على الرعية، وله الحق في تقييد المباح لمصلحة معتبرة، وبالتالي، فلا ينبغي مخالفة أمره ما دام يصب في مصلحة الناس، وإذا لم يكن فيه مصلحة معتبرة فالأصل -كما سبق- هو الإباحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1426(7/267)
حكم العمل في وظيفة بخلاف المدون بالتأشيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل بتأشيرة مخالفة لنوع العمل في بلد مسلم يعد مخالفة شرعية يعني أن التأشيرة مثلا عامل والعمل مندوب مبيعات -محاسب- طبيب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقوانين المنظمة للعمل والتي يضعها ولي الأمر لمصلحة البلد وأهله يجب أن يُلتزم بها، وعلى المسلمين مراعاتها ما دامت كذلك، فإن من حق ولي الأمر أن يقيد المباح إذا رأى في ذلك مصلحة شرعية معتبرة.
جاء في تحفة المحتاج من كتب الشافعية ما يلي: ... نعم الذي يظهر أن ما أمر به (أي الحاكم) مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهراً (يعني خشية الضرر أو الفتنة) فقط بخلاف ما فيه ذلك يجب باطناً أيضاً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1425(7/268)
لا تنبغي مخالفة الأنظمة التي وضعها ولي الأمر لمصلحة البلد وأهله
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي محل تجاري (بقالة) وقمت بتجهيز المحل من ديكور وثلاجات واستخراج التصاريح اللازمة لذلك ودفع الرسوم المترتبة على ذلك ومن ثم قمت بتأجير المحل على شخص آخر من الجنسية الهندية وقالوا لي إن هذا حرام لأن فية مخالفة للأنظمة المتبعة في البلد، أرجو إفادتي هل هذا حرام أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتأجيرك المحل بديكوره ومعداته جائز في ذاته، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 13225.
ولكن يشكل عليه مخالفة ذلك للأنظمة التي وضعها ولي الأمر لمصلحة البلد وأهله، وقد نص العلماء على أن لولي الأمر تقييد المباح كالبيع والشراء والإجارة، إذا كان في ذلك مصلحة عامة، فلا ينبغي مخالفة هذه الأنظمة ما دامت تصب في مصلحة البلاد؛ وإلا فالأصل الإباحة، وراجع الفتوى رقم: 45480.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1425(7/269)
حكم العلاج على حساب الحاكم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة فلسطينية أعاني من عدم الإنجاب منذ15 عاما وحاليا أدرس في الجامعة وقد تركت موضوع العلاج منذ فترة طويلة بعد أن جربت كل الوسائل من ضمنها العلاج بالتخصيب الصناعي (أطفال الأنابيب) وفجأة يتصل بي أخي ليخبرني أنه جاء بكتاب من رئيس السلطة وكان قد قدم له منذ شهر ولم يخبرني بذلك, أنا حاليا في بداية الفصل الدراسي في الجامعة وأنا محتارة ماذا أفعل أسأل هل يحل لي هذا العلاج من السلطة وزوجي يقدر على دفع نفقات العلاج وأنا الآن أشعر أني غير مهيأة نفسيا لذلك خاصة أنا أدرس وأحب دراستي ولا أرغب في تأجيلها لأنه فاتني الكثير ... وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب النسل مما رغب الإسلام فيه وحث عليه. قال تعالى: فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ {البقرة: 187} . قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: معناه: وابتغوا الولد. وفي الحديث: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة. رواه النسائي.
هذا؛ وإذا قدر أن المسلم أو المسلمة لا ينجبان فيسن لهما التداوي، ولقد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم الباب واسعا أمام المرضى بقوله: ما أنزل الله عز وجل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله. رواه أحمد.
فلا ييأس المسلم من البحث عن دواء أو وسيلة مباحة تكون سببا بإذن الله عز وجل في حصوله على الذرية.
وأما حكم العلاج على حساب الحاكم فإن كان من ماله الخاص ولم يعلم الآخذ أن عين ما يأخذه حرام فلا حرج فيه، وعطايا السلطان يجوز أخذها للفقير والغني بالشرط المتقدم. أما إن كان هذا المبلغ من بيت مال المسلمين ومثله الخزينة العامة أو المال العام فيحق له الأخذ إن كان محتاجا، وهل تعتبر الزوجة محتاجة مع قدرة زوجها على علاجها؟ الجواب نعم، لأن الزوج غير ملزم بتحمل هذا النوع من العلاج، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 18627.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1425(7/270)
حكم تجريف الأرض الزراعية لغرض البناء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تجريف أرض زراعية لبنائها لارتفاع أسعار أراضي البناء جدا لدينا بمصر؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان تجريف الأراضي الزراعية يترتب عليه نقص الزروع والثمار بما يضر بعموم الناس، فيجب على ولي الأمر أن يمنعه، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك.
وإذا منعه فيجب طاعته في ذلك وتحرم مخالفته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(7/271)
هل يجوز للدولة تقييد بعض المباح
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد التحية
لي صديق سافر الى تونس في سيارته الخاصة وكان من المفترض أن يضعوا ختماً على جواز سفره يشير إلى سيارته لكي لا يبيعها في تونس، فلم يتم الختم على الجواز ليشير إلى السيارة فدخل تونس، ومصادفة التقى بشخص تونسي يريد شراء السيارة مع العلم بأن القانون لا يسمح ببيع السيارة خارج الحدود
أي أن بيع السيارة غير قانوني
ولكن الصدفة التي جعلت الختم الذي يخص السيارة يغيب عن جواز السفر جعلت فرصة بيع السيارة متاحة
محايلة على القانون
أسأل ما الحكم في بيع السيارة أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه السيارة ملك لصاحبها، ومن ملك شيئاً جاز له التصرف فيه بيعاً وشراء، وغير ذلك من أنواع التصرفات المشروعة، ولا يجوز لأحد منع الناس من البيع والشراء، إذا كان على الوجه الشرعي، قال تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا (البقرة: من الآية275) ، ومع ما تقدم، فإنه يجوز للدولة في بعض الأحوال أن تقيد بعض المباح، ومنه: البيع دفعاً لضرر يلحق بالاقتصاد الوطني، أو لمصلحة شرعية معتبرة، فإذا كان منع بيع السيارة خارج الحدود من هذا القبيل، فعلى الناس المعنيين أن يلتزموا بهذا الأمر، وإلا فالأصل الإباحة كما تقدم، ولصديقك في هذه الحالة أن يبيع سيارته خارج بلده، وراجع الفتوى رقم: 16517.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(7/272)
وجوب استخدام الأكفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الذنب الذي يقترفه ولي الأمر (رئيس مصلحة ما) الذي يفرق في المعاملة بين مرؤوسيه، والذي يميز اللصوص وهو يعلم بأنهم لصوص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تولى أمرا من أمور المسلمين صغيرًا أو كبيرًا وجب عليه أن يكل الأعمال التي تحت يده إلى من له الأهلية المناسبة لذلك العمل. وإن لم يفعل فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
ولمعرفة الأحاديث الواردة في ذلك انظر الفتوى رقم: 24252 والفتوى رقم: 33140.
فإذا كان العمل خاصًا بالشخص ملكًا له فله أن يكله لمن شاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1424(7/273)
حكم أخذ المسلم ما يستحقه من بيت المال بغير رضى ولي الأمر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل في عدن مدرساً منذ عشرين عاماً وزورت عقد زواج صورياً كي أرفع الراتب الشهري بعلاوة الزواج مدة ثلاث سنوات والآن بعد التوبة والندم أريد التحلل مما فعلته مع العلم أني فقير ولا أملك المال.
أفتونا وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أموال المسلمين العامة محرمة كحرمة أموالهم الخاصة بل أشد، وقد أوكلت الشريعة الإسلامية تنظيم أمور بيت المال لولاة الأمور يقومون عليه بما يحقق مصالح المسلمين، فيأخذون المال من حقه ويضعونه في مستحقه، فإذا انتظم بيت المال لم يجز لأحدٍ أن يأخذ شيئاً منه بغير إذن ولي الأمر.
أما إذا فسد بيت المال، فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في جواز أخذ المسلم ما يستحقه من بيت المال بغير رضى ولي الأمر، فمنهم من منع الأخذ مطلقاً، ومنهم من أجاز أن يأخذ قدر ما كان يعطيه الإمام، ومنهم من أجاز أن يأخذ كل يوم قدر قوته، ورابع الأقوال أنه تجوز له كفاية سنة، نقل هذه الأقوال أبو حامد الغزالي رحمه الله.
وعليه نقول للأخ السائل: إن كانت هذه الزيادة التي احتلت للحصول عليها بقدر حاجتك من مأكل ومشرب ومسكن، فنرجو -إن شاء الله- أن لا حرج عليك، مع عدم العود إلى مثل ذلك اتقاء للوقوع في أكل أموال المسلمين بغير حق.
أما إن كانت هذه الزيادة زائدة عن حاجتك، فليس لك فيها حق، والواجب صرفها في مصالح المسلمين إن كنت قادراً على ذلك الآن، وإلا فعلت ذلك متى تيسر لك، هذا في ما يتعلق بالمال الزائد الذي أخذته.
وأما قولك في السؤال: (عقد صوري) فلم ندر ما مقصودك بذلك، فإن كنت تقصد أنك زورت ورقة عقد زواج دون إيجاب وقبول، فالأمر ظاهر.
أما إن كنت تقصد أنه وقع إيجاب وقبول منك ومن ولي امرأة، فإن هذا عقد صحيح تترتب عليه آثاره، ولا يؤثر فيه عدم قصد الزواج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة. رواه الترمذي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1424(7/274)
المخول بإقامة الحدود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الشرع في أمرأة متزوجة منذ36 عاما وهي جدة لأربعه أطفال وسنها 52 عاما وزوجها لم يبخل عليها بشيء سوى العواطف التي لا يجيد إظهارها و (قامت بمصاحبه رجل يصغرها ب 5 سنوات وتقابله دون أن ترتكب الفحشاء) بالله يا أخي أسرع في ردك حتى تقام حدود الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما فعلته هذه المرأة حرام فإن الله عز وجل أمر المؤمنات بغض الأبصار، فقال سبحانه: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور: من الآية31) ونهى الله عز وجل نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن أطهر نساء الأمة وأمهات المؤمنين، نهاهن أن يتكلمن مع الرجال بكلام فيه لين وخضوع، فقال سبحانه ... (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (الأحزاب: من الآية32)
وحرم النبي صلى الله عليه وسلم خلوة المرأة برجل أجنبي عنها، فقال عليه الصلاة والسلام: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم "
وهذه المرأة هداها الله قد تجاوزت كل هذه الحدود وارتكبت كل هذه المحرمات، فالواجب عليها التوبة والمبادرة بها قبل أن يفجأها الموت وهي على هذه الحال.
وحري بها وقد بلغت هذه السن أن تقبل على الله عز وجل وتستعد للموت والرحيل من هذه الدار بأحسن عملها، وليس العكس فلما قاربت القبر سلكت سبيل الغواية. نسأل الله عز وجل العافية من طمس البصائر وموت القلوب.
والخلاصة أن عليها أن تتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة مستكملة شروطها وأركانها، وذلك بأن تندم على ما فات، وتقلع عن الذنب في الحال، وتعزم على أن لا تعود إليه في المستقبل.
وأما الحد فلا حد عليها لأنها لم تزن.
ومما ينبغي التنبه له أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان أو من ينوب عنه، وليست موكلة إلى آحاد الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1423(7/275)
قوانين السير ... وحكم التعدي عليها بناء على اجتهاد السائق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في من لا يحترم بعض قوانين السير عندما يتبين له أن ذالك لن يؤدي إلى حوادث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قوانين السير من الأمور التي وضعت من أجل ضبط المرور في الطرقات، وتنظيم السير فيها، حتى لا تعم الفوضى، وتكثر الحوادث، والغالب أن مخالفة السائق لهذه القوانين قد يحدث بسببها ضرر، إما عليه، وإما على غيره، كما أن الرجوع في ذلك إلى اجتهاد السائقين لا ينضبط، لاختلاف أحوالهم وتقديراتهم.
وعليه، فإن مراعاة المصلحة الغالبة العامة مقدمة على المصلحة المظنونة الخاصة، فالتزام قواعد السير حينئذ واجب، خصوصاً تجاوز الإشارات الضوئية، أو السرعة الزائدة، وما كان مثل ذلك مما هو مظنة الضرر، وإن كان أحياناً لا ضرر فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1422(7/276)
هل للدولة تقييد المباح أو منعه أو الإلزام به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تحديد سن الزواج وإجبار الأسر على ذلك؟
هل يمكن منع الوالدين من تشغيل الأطفال تحت سن معينة للمصلحة؟
مدى شرعية منع العقوبة البدنية للأطفال والزوجات للمصلحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه فيجوز لولي المرأة أن يزوجها وهي صغيرة بحسب ما يراه هو من مصلحتها.
ويجوز لولي الطفل أن يستعمله في عمل يناسبه، ولا يشق عليه.
ويجوز للرجل أن يؤدب زوجته بالضرب إذا تعين طريقاً إلى التخلص من نشوزها، بعد أخذه بالوسيلتين قبله، حسب الترتيب الوارد في قوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) [النساء: 34] .
ويجوز -كذلك- تأديب الولد بالضرب إذا تعين هو الآخر وسيلة إلى تقويمه، بشرط أن يكون الضرب في الكل غير مبرح، لا يكسر عظماً، ولا يشين جارحة، وأن يتقي فيه الوجه، وأن لا يكون في حال غضب من المؤدِّب، وألا يأخذ طابع التشفي والانتقام.
وأما أن تأتي جهة فتمنع هذه المباحات بتشريع عام، أو تقيدها متذرعة بما يسمى بالمصلحة العامة، فإن هذا أمر لا يجوز، بل هو منكر عظيم لما فيه من تحريم ما أحل الله ورسوله، وإيجاب ما لم يوجبه الله ورسوله، وإلزام الناس بذلك، وعقابهم على مخالفته.
ولقد أنكر الله سبحانه وتعالى على من حرم ما أحل الله، فقال: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون) [يونس: 59] .
وقال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) [الشورى: 21] .
فالحاصل أنه لا يجوز لجهة أن تحرم بعض المباح عموماً، أو أن تعلق فعله على إذنها وترخيصها، وإنما دلت الأدلة الشرعية التفصيلية على أنه يجوز لولي أمر المسلمين الإلزام بفرد من أفراد المباح مؤقتاً، أو المنع منه كذلك بشرط أن لا يكون عاماً لكل الناس، وأن يكون مخصوصاً بحال معينة وفق الضوابط التالية:
أولاً: أن يكون فعل المباح مؤدياً إلى ضرر أو حرام، فلمن له ولاية: منع حصول الضرر، أو المحرم، وذلك نحو أن يكون شخص مريضاً بالجذام، أو بالإيدز مثلاً، فيمنع من الزواج لمنع نقل العدوى إلى غيره، ومنع ضعيف البصر من قيادة المركبات في الطرق للضرر الحاصل من ذلك، وهذا كله يندرج تحت القاعدة الشرعية: منع الضرر والإضرار، وقاعدة: منع ما يوصل إلى الحرام، نحو المنع في أول الإسلام من سب آلهة المشركين إذا ظن أنهم يسبون الله عدواً بغير علم.
وموضوع الضرر أو المحرم أمر يمكن إدراكه والتحقق من واقعه، وليس أمراً مبهماً كالمصلحة العامة، ولهذا إذا تدخلت الدولة لمنع ضرر أو محرم يجب منعه شرعاً، فإنه يتحتم عليها إثبات الدليل على وجود الضرر أو الحرام، حتى يكون عملها وفق الشرع في ذلك.
ثانياً: أن يكون أمر المباح متعلقاً بشؤون الدولة الخاصة، كشؤون جيشها وموظفيها، فلها أن تلزم أو تمنع من يتعلق به ذلك من موظفيها وجنودها وعمالها لتحقيق مقصد شرعي، نحو إلزام الموظفين بدوام معلوم، وإلزام الجيش بلباس معين ونحوه، ولقد ثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين حيث منعوا عمالهم من قبول الهدايا، وإن كانت الهدايا في أصلها مباحة لهم.
ثالثاً: تنظيم المرافق والأموال العامة التي يشترك فيها المسلمون، حيث ثبت بالسنة أن ما كان من مرافق المسلمين فإنهم يشتركون فيه نحو الماء والكلأ والنار والطرق العامة، وما كان من الأموال العامة كالفيء والغنائم، فإن تنظيمه متروك للدولة لتحقيق المقصد الشرعي بعدم اختصاص أحد دون أحد فيه، وتحقيق صلاح المسلمين بتوزيعه، ولها عندئذ الإلزام أو المنع من بعض أفراد المباح على الوجه الشرعي، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع، واسترجع إقطاع أبيض بن جمال لمنجم الملح لحاجة الناس إليه، ووزع أموال حنين على المهاجرين لفقرهم، وعلى المؤلفة قلوبهم دون الأنصار رضي الله عنهم جميعاً، وأمر بجعل الطريق سبعة أذرع لتنظيم السير فيه، وقضى بحكمه في السيل بأن يرسل الأعلى على الأسفل. وحمى عمر رضي الله عنه الشرف والربذة. إلى غير ذلك من أمثلة تدل على أن للإمام أو الدولة التدخل لتنظيم المرافق والأموال العامة التي يشترك فيها المسلمون، لتحقيق مقصد الشرع في ذلك.
رابعاً: تنفيذ فروض الكفاية المنوطة بالدولة، حيث جعل الشرع تنفيذ بعض فروض الكفاية منوطاً بالدولة، كجمع الزكاة والجهاد ونحو ذلك، فللدولة حينئذ وضع تنظيم بالمنع والإلزام لمن يتعلق بهم ذلك، فقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم الاكتتاب للجهاد، وألزم من اكتتب بالحضور وعدم التغيب إلا أن يؤذن له. وكان عثمان رضي الله عنه يحدد شهراً معيناً لجمع الزكاة كما ورد بالموطأ. ولهذا ما كان من فروض الكفاية المنوطة بالدولة فلها تنظيمه بالإلزام أو المنع، لتحقيق إقامته وفق الشرع.
أما إذا كان فرض الكفاية لا يتعلق بالدولة، نحو الاجتهاد في استنباط الأحكام، فليس للدولة عند ذلك التدخل أو منع المجتهدين أو إلزامهم.
وعليه، فلا يجوز للدولة تحريم المباح، أو إيجاب فعله، أو تقييده بإذنها كتشريع عام، وإنما يجوز لها التدخل بالمنع، أو الإلزام في بعض أفراد المباح، وفي حالات مخصوصة بهدف تحقيق مقصد شرعي من ذلك وبالضوابط التي سبق بيانها، لأن الإباحة حكم من خالق العباد وربهم، ومتى ثبت بالدليل الشرعي إباحة الفعل، فليس لمخلوق المنع، أو الإلزام به على وجه العموم والإطلاق. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1422(7/277)
العلاقة بين الراعي والرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو دور الحاكم اتجاه شعبه وما هو دور الشعب اتجاه حاكمه أو ملكه أو رئيسه وولي أمره؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وضع الإسلام منهجا بينا ووافيا في العلاقة بين الراعي والرعية وبحث أهل العلم في كتب السياسة الشرعية ما يتعلق بهذه العلاقة وواجبات كل من الطرفين وحقوقه على وجه يبين أن الإسلام له نظامه الخاص كمنهج للحياة. فمن واجبات الراعي تجاه رعيته ما ذكره الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية حيث حصر ذلك في عشرة أمور فقال: والذي يلزمه من الأمور العامة عشرة أشياء: أحدها: حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدين محروسا من خلل والأمة ممنوعة من زلل.
الثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعم النصفة فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم.
الثالث: حماية البيضة والذب عن الحريم ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.
والرابع: إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.
والخامس: تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرما أو يسفكون فيما لمسلم أو معاهد دما.
والسادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على الدين كله.
والسابع جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير خوف ولا عسف.
والثامن: تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.
التاسع: استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال لتكون الاعمال بالكفاءة مضبوطة والأموال بالأمناء محفوظة.
العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغش الناصح. اهـ
وأما واجبات الرعية تجاه الراعي فمنها السمع والطاعة في المعروف وعدم الخروج عليه ما لم ير منه كفر بواح لهم فيه من الله برهان، وبذل النصح له من غير تشهير أو إثارة لفتنة روى ابن أبي عاصم في كتاب السنة عن عياض بن غنم أنه قال لهشام بن حكيم: أو لم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه. ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتويين: 29130، 80267.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1429(7/278)
أساليب إقامة الدولة الإسلامية متنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأنا في السيرة أن الرسول عندما أقام دولة المسلمين الأولى في المدينة أقامها على ثلاث مراحل آخرها طلب النصرة حيث طلبها من ثلاث عشرة قبيلة. هل إصراره على طلب النصرة ثلاث عشرة مرة تفيد الوجوب (حكم شرعي) ؟ أم هي طريقة كانت متوفرة في ذلك العصر لم يتوفر له غيرها فكررها لذلك؟ أم هي من مقتضيات العصر آنذاك؟ وهل كل شيء كرره الرسول يصح أن يكون حكما شرعيا بمعنى كان الرسول يسافر على ناقته القصواء مرات كثيرة كثيرة، إلا أن السفر على الناقة (حسب فهمي) ليس حكما شرعيا إذ لا يلزمنا أن نسافر على الإبل في عصر الطائرة (التطور الباهر) . وعليه هل طريقة الرسول –صلى الله عليه وسلم – في إقامة الدولة طريقة ملزمة؟ أم هي مختلفة باختلاف الظروف والتطورات كما هو الحال في السفر؟ (أرجو منكم إجابة مفصلة في هذا السؤال إجابة تطال كل صغيرة وكبيرة مدعمة بما يقنع من النقل والعقل) ؟
وبارك الله فيكم ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليست كلها تشريعا، بل قسمها أهل الأصول باعتبار التشريع والجبلة إلى ثلاثة أقسام: قسم متمحض للتشريع، وقسم متمحض للجبلة وهو ما اقتضته طبيعته البشرية، كالأكل والشرب والقيام والقعود.. وقسم محتمل للتشريع والجبلة وهذا مختلف فيه بين أهل العلم للاحتمالين.
قال صاحب المراقي في ألفية الأصول:
وفعله المركوز في الجبله * كالأكل والشرب فليس مله
من غير لمح الوصف والذي احتمل * شرعا ففيه قل تردد حصل
فالحج راكبا عليه يجري * كضجعة بعد صلاة الفجر.
ومن هذا تعلم أن الواجب على المسلمين هو أن يقيموا دولة إسلامية تطبق شرع الله في أرضه، ويقام بها العدل والقسط بين الناس، ويمكن في ظلها للدعاة إلى الله تعالى أن يدعوا الناس إلى الله تعالى، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر.
وأما الوسائل لإقامتها فإنها متعددة الجوانب، وتختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فقد تصلح وسيلة ما في زمان أو مكان معينين وتكون غير صالحة في أزمنة أو أمكنة أخرى، وربما تتاح لشخص وسيلة غير متاحة لغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1427(7/279)
آيات وأحاديث في وجوب الاتحاد والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي آيات وأحاديث وجوب الاتحاد والجماعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات والأحاديث الواردة في وجوب الاتحاد والجماعة كثيرة جداً لا يتسع المقام لذكرها كلها، ولكن لا بأس في ذكر شيء من ذلك:
قال تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا] (آل عمران: 103)
وقال سبحانه: [وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] (آل عمران:105)
وقال سبحانه: [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ] (الأنعام: 159)
وقال سبحانه: [وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ] (الروم:32)
وقال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. رواه البخاري
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1425(7/280)
الأكراد.. ومسألة الفدرالية والاستقلال
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا في مجلس ضم بعض الأصدقاء، ودار الحديث فيه على استقلال الأكراد ومنح الفدرالية القومية لهم، فمال بعضهم إلى أنه لا شيء في ذلك، إذ لا يوجد أي مانع شرعي من الفدرالية المذكورة، ثم إنه يمكن قياسه على الولايات الموجودة في دولة الخلافة، وأما الاستقلال فهو أيضا لا شيء فيه إذ هو لدفع الظلم عن الشعب المظلوم، وأيضا: فإنه يمكن قياسه على الدول الإسلامية الموجودة على الساحة، والتفريق بين الأمة سابق على استقلال الأكراد، فقد حدثت الفرقة منذ أمد بعيد، ولذا فإن استقلال الأكراد لا يضر.
وأما الطرف الآخر فكان يميل إلى أن هذا مما لا يمكن القول بجوازه؛ لأنه شعبة من العصبية القومية، وأيضا: فإنه زرع للفتنة بين الشعب الواحد، وتفريق بينه، وتوهين لقوته، وتحقيق لأغراض الكفار؛ إذ هم يريدون بهذا أن يستخدموا هذا الشعب لمصالحهم.
والسؤال: ما الحكم الشرعي في هاتين المسألتين: الفدرالية والاستقلال، نرجو توضيح ذلك بالدليل والتعليل، والتعليق على ما يمكن التعليق عليه من فقرات السؤال. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أخطر المؤامرات والنكبات التي تلقاها المسلمون في هذا العصر على يد أعدائهم تمزيق وحدتهم وتشتيت شملهم بعد مؤامرتهم الكبرى على إسقاط الخلافة الإسلامية التي كانت -على علاتها- تعتبر رمز الوحدة بين شعوب المسلمين.
ولقد جاءت هذه المؤامرة نتيجة لخطة صليبية ماكرة بعد انتهاء الحروب الصليبية التي عجز فيها الأعداء عن هزيمة المسلمين وردهم عن دينهم بالقوة نتيجة لتمسك المسلمين بدينهم ووحدتهم والقيام بفريضة الجهاد فلجأوا إلى إسقاط الخلافة بالدس والكيد والمكر..
فتحقق لهم ذلك عام: 1918 على يد أحد عملائهم من يهود الدونما هو مصطفى كمال أتا تورك، وما نشاهده من عداوة مزمنة، وعقدة نفسية عند الأوربيين للأتراك راجع إلى عداوة الصليبين للإسلام في القرون الماضية، ولأن الأتراك كانوا أصحاب الخلافة الإسلامية، وقادة المسلمين وحماة الإسلام في ذلك الوقت.
وكانت الدول الصليبية في ذلك الوقت تسمي الخلافة الإسلامية (الدولة العثمانية) بالرجل المريض إشارة إلى أنه سيموت وسيقسمون تركته.
فقد كانت اتفاقية (سايكس-بيكو) بين الدول الاستعمارية الصليبية سنة 1916م هي الاتفاقية المكملة للاتفاق الرئيسي بين الدول الغربية الصليبية وروسيا القيصرية الصليبية في ذلك الوقت، والتي تقضي بتقسيم تركة الدولة العثمانية بعد إسقاطها على الدول الصليبية، وما إن نجحت هذه الخطة حتى توالت حلقات التآمر الصليبي الأخرى فقسم الوطن الإسلامي على الدول الغربية الصليبية كما نشاهد اليوم، وجاء وعد بلفور بإقامة وطن لليهود في فلسطين بعد رفض الخلافة الإسلامية للهجرة اليهودية إلى فلسطين ... ثم بروز القوميات والنعرات الطائفية بين شعوب العالم الإسلامي وقيام الأحزاب القومية على أساس الماركسية أو الليبرالية الغربية يغذي ذلك الاستشراق ومكائد الغزو الفكري الذي يزيف التاريخ ويفرق بين الشعوب الإسلامية، والحديث في هذا الموضوع حديث متشعب طويل، وهو حديث ذو شجون فلا يتسع المقام لذكر أكثر مما أشرنا إليه.
والذي نريد أن نصل إليه هو أن هذه الدول والحدود الموجودة اليوم هي من صنع الاستعمار الغربي لا يقاس عليها وعلى مشروعيتها، فهي من صنع الاستعمار الصليبي، ولا دخل للشعوب الإسلامية في وجودها، وحتى أولئك الذين يتربعون على كراسي القيادة فيها ... فهي نتيجة للاتفاقية (سايكس-بيكو) -كما رأينا- وتقسيم تركة الرجل المريض، والأعداء هم الذين أحيوا النزعات القومية والدعوات الجاهلية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة. رواه البخاري ومسلم.
ثم نقول بعد ذلك: إذا صلح أمر المسلمين واتفقوا على قيام وحدة فلا مانع شرعاً -فيما نعلم- من وجود فدرالية أو استقلال داخلي لكل إمارة أو ولاية على أن يكون الولاء للإسلام والمسلمين وخلافتهم العامة التي تجمعهم جميعاً كما كانت الخلافة الإسلامية عبر التاريخ فهذا من باب السياسة الشرعية، وهي باب واسع يخضع للمصلحة ويحققها ما دامت الوسيلة غير محرمة، والذي لا يجوز ولا يقبل هو أن يستمر الظلم على الشعب الكردي المسلم أو غيره من شعوب المسلمين فهذا أمر مرفوض شرعاً وطبعاً، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تقوم دولة في الوطن الإسلامي على أساس قومي عنصري أو جاهلي أو يكون ولاؤها لغير الإسلام وأهله.
وعلى كل حال فالتفرقة لا خير فيها، فكلما اتحد المسلمون كان ذلك أقرب إلى شرع الله تعالى، وإلى طاعته وإلى تحقيق المصلحة لهم، هذا ما تدل عليه الأدلة العامة من الكتاب والسنة، فقد قال الله عز وجل: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَع ْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ (آل عمران: من الآية105) ، وقال تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال: من الآية46) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1425(7/281)
من أقام أحكام الإسلام فقد أقام العدل وحصلت له البركة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أحكام الدين الإسلامي ترقى بالمجتمع الإسلامي فقط أم أنها تصلح أن ترقى بغير المسلمين (أي إذا قامت دولة غير مسلمة بتطبيق أحكام الإسلام عن اقتناع بأحكامه وليس عن إيمان بهذا الدين فهل ترقى هذه الدولة) ؟ ... ... ... ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أحكام الإسلام عدل كلها، وحكمة كلها، وخير كلها، لأنها من عند الله الحكيم العليم، وإذا كان الله تعالى قد ذكر أن العمل بالتوراة والإنجيل من أسباب الرخاء والحياة الطيبة فقال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة:66]
فلأن يكون ذلك بإقامة أحكام القرآن من باب أولى، فهو الكتاب الذي أنزله الله "مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه"
فمن أقام أحكام الإسلام فقد أقام العدل وحصل له الخير والبركة، وكذلك لو أن المسلمين لم يقيموا دينهم، ويعملوا به، فسدت عليهم الدنيا، وعم فيهم الشر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم: أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة.
ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم " فالباغي يصرع في الدنيا وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة، وذلك أن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1423(7/282)
الشريعة تلبي جميع حاجات النفس البشرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى ملائمة أحكام الشريعة للطاقة البشرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أحكام الشريعة أثر من آثار صفات الله وأفعاله، فتجد فيها الإتقان والحكمة، والإحسان والرحمة، والعدل والإحاطة، ولا يدرك هذه الحقيقة على الوجه الأكمل إلا من عرف حكم الله ووقف على ما فيه من مصالح ومنافع للبشر، حيث يعلم أن السعادة الحقيقة والحياة الطيبة لا يمكن أن تتحقق إلا بالاستقامة على شرع الله تعالى، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {الأحقاف:13} وقال: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا {الجن:16} قال ال جلال السيوطي: أي طريقة الإِسلام. اهـ.
فالله تعالى هو كما وصف نفسه: أحكم الحاكمين وخير الحاكمين، وكذلك شريعته هي خير طريق وأحكم سبيل للإنسان في حياته، قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ {المائدة:50} قال السعدي: لا ثَمَّ إلا حكم الله ورسوله، أو حكم الجاهلية، فمن أعرض عن الأول ابتلي بالثاني المبني على الجهل والظلم والغي، ولهذا أضافه الله للجاهلية، وأما حكم الله تعالى فمبني على العلم، والعدل والقسط، والنور والهدى. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. فالموقن هو الذي يعرف الفرق بين الحكمين، ويميز بإيقانه ما في حكم الله من الحسن والبهاء، وأنه يتعين عقلا وشرعا اتباعه. واليقين هو العلم التام الموجب للعمل اهـ.
ومن عرف هذا أيقن أن الشريعة ليست فقط ملائمة للبشرية، بل لا يُصلح البشرية إلا هي، فما من أمر ولا نهي في الشريعة إلا وهو مصلحة كله، قال العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام: كل مأمور به ففيه مصلحة الدارين أو إحداهما، وكل منهي عنه ففيه مفسدة فيهما أو في إحداهما، فما كان من الاكتساب محصلا لأحسن المصالح فهو أفضل الأعمال، وما كان منها محصلا لأقبح المفاسد فهو أرذل الأعمال. فلا سعادة أصلح من العرفان والإيمان وطاعة الرحمن، ولا شقاوة أقبح من الجهل بالديان والكفر والفسوق والعصيان اهـ.
ولأن هذه الشريعة هي الشريعة الخاتمة، ونبيها هو آخر الأنبياء، جاءت أحكامها بفضل الله تعالى وكرمه مناسبة لكل زمان ومكان ولكل أمة، شاملة لجميع مجالات الحياة، فهي تلبي جميع حاجات النفس البشرية: العقلية والنفسية والعاطفية والمادية؛ وهي تشتمل على تنظيم محكم لما ينبغي أن يكون بين الناس من علاقات ومعاملات، وهذا لا يتأتى لغير شريعة علام الغيوب سبحانه وتعالى.
وكيف لا تكون الشريعة ملائمة للطاقة البشرية، والله تعالى يقول: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:6} ويقول: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78} .
ويكفينا أن نتذكر بابا واحدا من أبواب الشريعة وهو باب الرخص الذي يراعى فيه حال المكلف وطاقته، فقد قال سبحانه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286} .
ومن أمثلة ذلك في أحكام الصيام قوله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. حيث جاء التعقيب على هذا الحكم بقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة:185} .
وقد أجمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فقال: أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني. قال المناوي في فيض القدير: السمحة أي السهلة القابلة للاستقامة، المنقادة إلى الله المسلمة أمرها إليه، لا تتوجه إلى شيء من الكثافة والغلظة والجمود، التي يلزم منها العصيان والسماجة والطغيان. اهـ
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا. رواه البخاري. قال ابن حجر في الفتح: دين الإسلام ذو يسر، أو سمى الدين يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله؛ لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم. ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم اهـ.
وقد جعل أهل العلم من القواعد الكلية في الفقه الإسلامي قاعدة: المشقة تجلب التيسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1430(7/283)
لا بأس بالاستفادة من أي وسيلة تخدم الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الالتزام بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لإقامة الدولة الإسلامية، وهل يجوز الخروج عنها ضمن حدود الشرع، أفيدونا؟ جزاكم الله عنا خير جزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك في أهمية الالتزام بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، فباتباعه ينال به العبد الفلاح والسداد والرشاد، ومن أهم ما يتعين اتباعه فيه الاهتمام بإقامة الدين والتمكين له، والقيام بالخلافة في الأرض.
وأما الطريقة التي استخدمها فلا شك أنها أنجح الطرق، ولكن الالتزام بها ينبني حكمه على مسألة هل العمل الإسلامي توقيفي أم لا؟ والراجح أنه ليس توقيفياً، فأي وسيلة تخدم الإسلام وتحقق له مصلحة ما، يشرع الاستفادة منها ما لم يكن فيها محظور شرعي، ويدل له أن الخلفاء أحدثوا عدة وسائل لخدمة الدين لم تكن معروفة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبناء عليه؛ فلا حرج في استخدام بعض الوسائل إذا تؤكد من سلامتها مما يخالف الشرع، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 78214، 74255، 1411، 15869، 37699، 8696، 2113.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1428(7/284)
دراسة القوانين الوضعية تتوقف على المصلحة الشرعية.
[السُّؤَالُ]
ـ[لو مكن للمسليمن من تحكيم الشريعة، فهل يمكن الاستفادة من الدراسات القانونية بجامعاتها؟ أم يستغنى عنها فتقفل الجامعات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالأصل أن مرجع المسلمين في التحاكم هو الوحي المتمثل في الكتاب والسنة، لأنه منزل من الخالق العليم الخبير، الذي يعلم مصالح الناس في دنياهم ودينهم، وما يضرهم في معاشهم ومعادهم، فالحكم حكمه، والأمر أمره: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] . وقد سبق أن بينا هذه الحقيقة في الفتوى رقم: 6576. وإذا ثبت ما سبق من كون حكم المسلمين في شرع الله تعالى، فلا حاجة لهم حينئذ في غيره لا تعلمًا ولا تطبيقًا. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1424(7/285)
السياسة الشرعية.. نظرة تضامنية واقعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل محررا هل شغلي حرام لأنه في السياسة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
العمل في السياسة ليس بحرام؛ بل هو من فروض الكفاية التي يؤجر عليها من قام بها بصدق وإخلاص نية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العمل في السياسة ليس بحرام؛ بل هو من فروض الكفاية، وربما تعين على بعض الناس ممن يصلح له إذا لم يوجد من يقوم به ممن يصلح له، ومعناها سياسة الناس بالدين وتدبير أمورهم التي لا تستقيم إلا عليه ولا تستقر أحوالهم إلا به سواء كان ذلك في مجال التحرير.. أو أي مجال من مجالات الحياة؛ فقد نص أهل العلم على وجوب تنصيب إمام أو خليفة للمسلمين، وأن ذلك من أهم مصالح المسلمين وأعظم مقامات الدين؛ جاء في الأحكام السلطانية للماوردي.. والْإِمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَعَقْدُهَا لِمَنْ يَقُومُ بِهَا فِي الْأُمَّةِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وقال صاحب المراقي وهو يذكر فروض الكفاية:
فروضه القضا كنهي أمر * رد السلام وجهاد الكفر
إمامة منه ...
ولذلك؛ فإن العمل في السياسة يؤجر صاحبه إذا أخلص النية وقصد بعمله التقرب إلى الله تعالى والقيام بهذا الواجب العظيم الذي ذهب بعض أهل العلم إلى أنه أفضل من فرض العين كما قال صاحب المراقي:
وهو مفضل على ذي العين في زعم الأستاذ مع الجويني
ومع الأسف فقد شوهت هذه الفريضة العظيمة حتى أصبح كثير من أهل الدين والاستقامة يفر منها.. ويظن العامة أن الاشتغال بها لا يجوز، وأنها مرادفة للنفاق والخداع والغش والمكر.. وكل ذلك من جهل الناس بالدين وتلبيس العلمانيين والملحدين ومن تشربوا بثقافة الغرب النصراني التي تفرق بين الدين والسياسة وتقول: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، وما دروا أن الجميع لله كما قال- سبحانه وتعالى: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ. وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ. وقال تعالى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا.
وعلى هذا؛ فالدين شامل لجميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ...
وكل من عمل بإخلاص وصدق نية فهو مأجور إن شاء الله تعالى.
وتجدر الإشارة إلى أن كل ما ذكر إنما هو في السياسة الشرعية، وأما لو كان السائل يقصد سياسة الأحزاب أو التوجهات التي مبناها على الإلحاد في الدين أو المشتملة على شيء من البدع أو المحرمات فإن العمل فيها حينئذ لا يجوز، وكذا الانتماء إليها والإعانة عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1429(7/286)
الأخذ برأي المستشار.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[متزوج منذ 16 سنة، زوجتي في سني، غير متعلمة إطلاقا.
المشكلة: كلما استشرتها في أمر ما..أي أمر تجيب بالرفض.. وهذا منذ تزوجتها.. وأحيانا أستمع وأعمل برأيها وأحيانا أخرى أرفض، وكلما أرفض لا أحصل على نتائج مرضية.
هذه المرة بدر إلى ذهني مشروع تجاري فاستشرتها من باب الإعلام فرفضت، ولكن لدي رغبة كبيرة في إنجاز المشروع.
السؤال: بماذا تنصحونني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننصحك بتعليم زوجتك ومساعدتها على التعلم في البيت حسب الإمكان. ويمكنك أن تستعين في تعليمها بالكتب المناسبة لسنها ومستواها، وبأشرطة الكاسيت والفيديو المخصصة لتعليم الكبار، فإن العلم يرفع أصحابه درجات، كما قال جل وعلا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:11} .
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإنا نشير عليك بالاستخارة في أي أمر تريد الإقدام عليه، فإنه ما خاب من استخار، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستخارة في مثل هذه المواقف. فقد أخرج البخاري والترمذي وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، (أو قال: عاجل أمري وآجله) فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به. قال: ويسمي حاجته، أي يذكر حاجته عند قوله: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، فيقول مثلا: اللهم إن كنت تعلم أن إقدامي على هذا المشروع ... إلخ خير لي في ديني ... وإن كنت تعلم أن إقدامي على هذا المشروع ... إلخ شر لي في ديني ...
والاستخارة مستحبة للعبد إذا طرأ له أمر من أمور الدنيا مما يباح فعله، فلا استخارة في أمر واجب فعله، أو مندوب، لأنه مأمور بفعلهما بلا استخارة، ولا استخارة في المحرم والمكروه، لأنه مأمور بتركهما بلا استخارة.
ثم بعد الاستخارة ينبغي أن يستشير المرء أهل الرأي والخبرة، وإذا كانت الزوجة من أهل الرأي في الأمر المستشار فيه فهي أول من يستشار لما يظن بها من النصح لزوجها، بل إن استشارتها وإن لم تكن من أهل الرأي قد تحقق مصالح من تأليف قلبها وإحساسها بتقدير الزوج لها واحترامه لها.
وعلى كل، فلا يلزم الأخذ برأي المستشار أيا كان إذا تبين للمستشير وجه الصواب بعد الاستخارة، ولكن من باب حسن التعامل ينبغي إذا عمل بخلاف ما أشارت به الزوجة أن يبين لها السبب الذي جعله يخالف ما أشارت به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1427(7/287)
امتاز الإسلام بتشريع خاص
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تأثر النظام السياسي الإسلامي بالنظام العشائري القبائلي الذي كان موجودا في مكة والمدينة أم بالنظام الملكي الذي كان موجودا في دول عرب الشمال ودول الجنوب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام دين رب العالمين، المنزل من لدن حكيم عليم، وارتضاه للناس أجمعين، قال تعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {هود: 1} . وقال سبحانه: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين {النحل:102} . ولما كان هذا شأن هذا الدين فقد امتاز بتشريع خاص به، وهذا التشريع قائم على مبادئ عظيمة، وخصائص عامة، ونحن نذكر هنا شيئا من هذه المبادئ، وشيئا من تلك الخصائص يتضح بها ما ذكرنا. فمن المبادئ التي يقوم عليها النظام الإسلامي: العدل، الذي هو أساس الملك، وقد قرر القرآن الكريم هذا المبدأ في قول الله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ {النساء: 58} . وكثيرا ما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية المقولة المشهورة: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. انتهى. ومنها، الشورى: وقد أكد الله تعالى هذا المبدأ في قوله: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر {آل عمران: 159} . وقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ {الشورى: 38} . وأثر عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم. رواه ابن أبي شيبة. كما أن التشريع الإسلامي يمتاز بخصائص تميزه عن غيره، منها ما يلي: الربانية ونعني بها قصد الحصول على مرضاة الرب سبحانه في جميع تلك التشريعات، قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ {الزمر:2} . ثانيا: الشمولية: ويقصد بها أن تشريع الإسلام يحوي جميع مجالات حياة الإنسان، كما قال سبحانه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ {النحل: 89} . ثالثاً: الوسطية: ونعني بها التوازن والاعتدال، فليس بنظام ديمقراطي في سياسته تسوده الفوضى، ولا رأسمالي في اقتصاده تحكمه الأنانية، ولا هو بنظام شيوعي دكتاتوري يتسلط على الخلق أو اشتراكي ينشر الفقر، بل هو وسط في ذلك كله، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً {البقرة: 143} . رابعاً: الواقعية: فقد سلم هذاالتشريع من إفراط المثاليين الذين لا يوجد لما في أذهانهم تطبيق في عالم الواقع، وسلم من تفريط الواقعيين الذين لا يحكمهم في حياتهم إلا هوى أنفسهم. ومن أدلة واقعية الإسلام القاعدة العامة في قوله سبحانه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286} . فتلك المبادئ وهذه الخصائص جعلت من الإسلام نموذجاً مستقلاً في نظمه، فلا يقال بأنه استمد شيئاً من تشريعاته من النظام العشائري أو النظام الملكي السائدين في عصر ما قبل الإسلام، وهو في الوقت ذاته لم يتأثر بأي نظام من النظم الوضعية في العالم المعاصر، بل بقي وسيبقى على استقلاليته على مر العصور والأزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وهذا لا يعني جمود الإسلام وعدم قبوله ما لا يتعارض مع مبادئه، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدح حلفاً حضره وشارك فيه في الجاهلية ويقول عنه: شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي به حمر النعم وأني أنكثه. رواه أحمد، وإنما مدحه لأنه قائم على أساس التناصر على الحق وأخذ الحق للمظلوم من الظالم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(7/288)
ما تشاور قوم قط، إلا هدوا لأرشد أمورهم
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تشاور قوم قط، إلا هدوا لأرشد أمورهم
أريد أن أعرف إلى أي أساس من أسس الحكم في الإسلام يشير هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته السائلة ليس حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه أثر مقطوع عن الحسن البصري رحمه الله، رواه عنه ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد، وابن المنذر وغيرهم، وقوى إسناده الحافظ في الفتح.
والأساس الذي يشير إليه هذا الأثر هو مبدأ الشورى والذي هو شيء أساسي من أسس الحكم في الإسلام.
قال تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] (الشورى: 38) .
وقال: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر] (آل عمران: 159) . والأدلة الشرعية على ذلك كثيرة جدا، وراجع الفتوى رقم: 2153.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1425(7/289)
لا بأس بأخذ رأي المرأة الموافق للحق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم،،،،
سؤالي عن موضوع شورى النساء وعن سند الحديث شاورهن وخالفوهن وعن الشبهات حول هذا الحديث وما الرد عليها؟
شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس بأخذ رأي المرأة إذا كان سديداً موافقاً للحق، وذلك لأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رأي أم سلمة رضي الله عنها في الحديبية، وقد صار هذا دليلاً لجواز استشارة المرأة الفاضلة، وذلك لفضل أم سلمة ووفور عقلها، وقد أخذ نبي الله شعيب برأي ابنته حين قالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين.
وفي الصحيحين من حديث أم عطية رضي الله عنها عندما غسلت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلنها خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك.
فرد الرأي إليهن في ذلك.
وأما حديث: شاوروهن وخالفوهن. فحديث لا يصح، ضعفه السخاوي في المقاصد الحسنة، والشوكاني في الفوائد، وحكم عليه بعض العلماء بالوضع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1423(7/290)
الشورى ... والانتخابات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في الانتخابات وهل تخلف مبدأ الشورى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما حكم الانتخابات فمبين في الفتوى رقم: 5141.
وأما الشورى، فقد غابت في كثير من بلاد المسلمين وفي غالب أحوالهم، وهذا راجع إلى تقصيرهم وتفريطهم في أحكام الإسلام، وافتتانهم وتقليدهم الأعمى لما يأتِ من غير المسلمين، واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ونظام ومنهج الشورى الإسلامي كفيل بتنظيم العلاقة بين المسلمين حكامًا ومحكومين على الوجه الذي يسعدهم ويصلح حياتهم.
فعلى المسلمين أن يعملوا لإعادة هذا المنهج وغيره من أحكام الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1423(7/291)
الشورى ملزمة لأمير الجماعة في أمور دون أمور
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم هل الشورى ملزمة لأمير (الجماعة أو الدولة) وجزاكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم..... وبعد: الشورى: هي استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب الأمور للحق. ومشروعيتها ثابتة بالكتاب والسنة. قال تعالى: "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر". آل عمران: 159. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: (قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة ولكن أراد أن يستن به من بعده) . وقال تعالى: "والذي استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" الشورى:38. وقد ورد في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: (لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً) رواه أحمد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم) رواه الشافعي والبيهقي. وأما السؤال عن هل هي ملزمة للإمام وعليه الانقياد للغالبية أم لا؟ فإن لأهل العلم قولين في هذه المسألة: منهم من يرى أنها ملزمة وعلى الإمام أن يأخذ بها واستدلوا بالآيات السابقة وبما روى عن خالد بن معد أن رجلاً قال يا رسول الله ما الغرم؟ قال: (أن تشاور ذا الرأي تطيعه) ذكره الجصاص في أحكام القرآن. والمسألة محل خلاف بين أهل العلم. ولعلها تكون ملزمة في أمور وغير ملزمة في أخرى. فتكون ملزمة إذا كانت المشاورة في حكم شرعي لا يعرفه الإمام أو في قضايا فنية يختص بمعرفتها أهل الخبرة والاختصاص. وأما الأحكام والقضايا الاجتهادية التي لم يرد فيها دليل ولا شبه دليل وإنما هي مسائل اجتهادية فعلى الإمام أن يعمل رأيه ثم يعزم على ما يؤديه اجتهاده، وله كذلك في مثل هذه الحالة أن يستنير بآراء العلماء وذوي الخبرة. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1422(7/292)
التأشيرات وحقوق الإقامة في الدول لها أنظمتها الخاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا باعتباري مسلمة ليس لي الحق في الإقامة في الخليج والحصول على التأشيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أمور التأشيرات وحقوق الإقامة في الدول إنما تخضع لأنظمة تلك الدول، وليس ذلك يقع من ضمن اختصاصنا فالمعذرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1428(7/293)
حكم مشاركة النساء في المظاهرات
[السُّؤَالُ]
ـ[انا مقيم في فرنسا
س1: ما هو حكم مشاركة النساء في مظاهرة ضدا القانون الذي يمنع الفتيات الخمار في المرسة؟
س 2: هل يجوز الدعاء لأرواح المفقودين في تحطم الطاءرة المصرية؟
العفو على الأخطاء وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن حكم المظاهرات، وذلك في الفتوى رقم: 5843.
فإذا كانت المظاهرة مما يجوز، فلا بأس في مشاركة المرأة فيها، بشرط انضباطها بالضوابط الشرعية من الستر والحجاب وعدم الاختلاط بالرجال على وضع تمكن معه المماسّة، وغض البصر، وغير ذلك من الضوابط الشرعية المتعلقة بالمرأة عند خروجها.
وأما عن الدعاء للمفقودين في الطائرة المصرية المتحطمة، فإنه يجوز للمسلمين منهم فقط، لأن الكافر لا يدعى له بالمغفرة والرحمة.
قال تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة: 84] .
وقال تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى [التوبة: 113] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1424(7/294)
حكم التوظف في شركة أجنبية تعمل على أرض إسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في الشؤون الإدارية غير الفنية في شركة أجنبية تعمل في أرض إسلامية، كنائب للمدير العام مثلاً؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمؤسسات الأجنبية يجوز العمل فيها إذا كان العمل نفسه خالياً من المحاذير الشرعية، فإن الأصل جواز التعامل مع الكفار بيعاً وشراءً إذا كان ذلك في ما يباح شرعاً ولم تترتب على ذلك مضرة عامة ومفسدة على المسلمين.
جاء في الموسوعة الفقهية: تدل عبارات الفقهاء على جواز الاتجار مع الحربيين، فللمسلم أو الذمي دخول دار الحرب بأمان للتجارة، وللحربي دخول دارنا تاجراً بأمان، وتؤخذ العشور على التجارة العابرة عند اجتياز حدود دار الإسلام، ولكن لا يجوز إمداد المحاربين بما يقويهم من السلاح والآلات والمواد التي يصنع منها السلاح، كما لا يجوز السماح بالاتجار بالمحظورات الشرعية كالخمور والخنازير وسائر المنكرات، لأنها مفاسد ممنوعة شرعاً، وتجب مقاومتها، وليس للحربي المستأمن شراء الأسلحة من بلاد الإسلام، وفيما عدا هذه القيود يجوز أن تظل حرية التجارة قائمة. انتهى.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 112153، 122651، 1367، 26292.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(7/295)
التزام المسلم بقوانين البلد التي يقيم بها ودخلها بأمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش مع زوجي في بلد أجنبي وقد حاول اجتياز الكثير من الاختبارات الصعبة، لكي يحصل على ترخيص مزاولة مهنة تمكنه من العمل كطبيب وقد اجتاز كل الاختبارات ماعدا اختبار واحد، ـ وللأسف ـ هنا لا يسمحون لأي شخص من دخول أي اختبار أكثر من 5 مرات وبعدها يمحى اسمه من سجل الاختبارات ويقولون له حاول أن تبحث عن أي مجال آخر، وزوجي لا يستطيع القيام بأي عمل آخر، حيث إن ظروفه الصحية تدهورت جدا وعمره الآن 50 سنة وهو الآن بغير عمل ونحن نعيش من راتب خصصته لنا الحكومة بشكل مؤقت، لأننا لا نعمل، ولكن الراتب هذا لايكاد يكفى إيجار البيت ـ المكون من غرفة واحدة ـ وأكلنا، ولا يكفى أي شيء آخر، وأحيانا أقوم بتعليم أطفال المسلمين القرآن مقابل أجر وأدخر هذه النقود لشراء أي شيء مما قد أحتاجه أنا وزوجي، ولأن الحكومة أخبرتنا أن هذا الراتب الشهري مؤقت ومن الممكن قطعه في أي وقت، لهذا أقوم بتعليم الأطفال مقابل أجر وادخار هذا المال في حالة قطع المعونة الشهرية لأصرف منه، والسؤال: أنا لا أخبر الحكومة عن هذا المال، لأنه ـ كما ترى ـ عمل مؤقت ولو أخبرتهم عنه فسوف يقطعون المعونة ونكون غير قادرين على الحياة: فهل عدم إخباري الحكومة عن هذا المال يجعله حراما؟.
من فضلكم أفيدونا وشكرا، مع العلم أنني لا أستطيع العودة مرة أخرى إلى بلدي نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكم ويرزقكم من فضله، ثم لتعلموا أن المسلم إذا دخل بلاد غير المسلمين بعهد وأمان، فإنه يلزمه الالتزام بقوانين البلد وتجنب ما لا يسوغ له القانون أن يأخذه إلا ما دعت إليه الضرورة التي تبيح المحرم، فإذا كان هذا الراتب لا يعطى إلا لمن لا دخل له فيتعين عليكم عدم أخذه، كما قدمنا في الفتويين رقم: 74275، ورقم: 120726، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 2007، 23168، 114297.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(7/296)