إذا أذنت المؤسسة الحكومية لك فلا حرج
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم أما بعد:
السؤال:-
أعمل في وظيفة حكومية في مجال الكمبيوتر وعندما أكون غير مكلف بعمل ولا يوجد عمل لدي أقوم بعمل دعوة على الإنترنت من خلال إرسال الإيميلات الإسلاميه ومن خلال نشر المواقع الإسلاميه والإخباريه مثل موقعك الكريم وأيضا أقوم بسماع القرآن من الجهاز فعندما عرفت من زوجتى (العقد عليها) أن الجهاز والكهرباء....إلى آخره ليس من حقي استعماله إلا في العمل فهل هذا صحيح؟ وما أقوم به أخذ حق ليس لي وإذا كان كذلك فكيف أكفر عن ما مضى حيث إن ذلك من حوالي ثلاث سنوات
وجزاك الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت المؤسسة الحكومية التي تعمل فيها لا تدفع مقابلاً على استخدامك الإنترنت، إنما تدفع مبلغاً ثابتاً لا يتأثر بكثرة الاستخدام أو قلته، وأذنت لك في استخدام الجهاز وما يتبع ذلك من تحملها تكاليف الكهرباء فترة استخدام الجهاز في الدعوة، وكان ذلك لا يترتب عليه ضرر بالمراجعين وأصحاب الحوائج، فلا حرج عليك في ذلك، بل أنت مثاب مأجور -إن شاء الله- على جهدك في الدعوة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من دعا إلى هدي كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. رواه مسلم.
وإذا كانت المؤسسة لا تسمح بذلك أو تتكلف مقابل ذلك مالاً لا تسمح به فلا يجوز لك استغلال وقتك بما ذكرت من الدعوة على الإنترنت.
واعلم أن الدعوة إلى الله من أشرف الغايات، وأعلى المقاصد، ومثل ذلك لا يتوصل إليه بوسيلة محرمة، فكون الغاية نبيلة لا يكفي حتى تكون الوسيلة أيضاً نبيلة.
وفي حالة كون استخدامك للإنترنت والكمبيوتر كان دون إذن فيمكنك عرض الأمر على المسؤولين، فإن سمحوا وطابت نفوسهم فالحمد لله، وإلا وجب عليك دفع التكاليف التي ترتبت على هذا الاستخدام، وإذا لم يمكن تحديد تلك التكاليف، فيكفي في ذلك غلبة الظن.
وتتميماً للفائدة انظر الفتوى رقم: 1553 والفتوى رقم:
23562 والفتوى رقم: 414
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1424(5/386)
من طرق دعوة الرجل للفتيات
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبحت ملتزماً ولكن لي علاقات ببعض الفتيات المحترمات وأريد أن أدلهم على طريق الفلاح ولكني أخاف أنني قد أغضب الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر لك حرصك على دعوة هؤلاء الفتيات وإرشادهن إلى طريق الفلاح، ولكن ينبغي أن تعلم أنه يحرم على المسلم أن يقيم علاقات أو صداقات مع الأجنبيات، لأن ذلك بريد الزنا والوقوع في ما حرم الله، ولو كانت هؤلاء الأجنبيات عفيفات، فليحذر المسلم من ذلك، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:....فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وقد قال تعالى: لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر [النور: 21] .
ومن رأى مقدار الفتنة والفساد الحاصل بسبب مخالطة الرجال للنساء وإقامة صدقات معهن، علم كمال شفقة ورحمة النبي صلى الله عليه وسلم في منع أمته من ذلك، وتمكن دعوة هؤلاء الفتيات بإهدائهن بعض الكتب أو الأشرطة، أو إرشادهن إلى رفقة صالحة من النساء، دون وجود علاقات معهن تجر إلى ما حرم الله.
وراجع الفتوى رقم:
10708 للأهمية، والفتوى رقم: 23350
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1424(5/387)
الأولى أن يتولى دعوة الرجال الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
شيخي الفاضل لن أطيل عليك بأذن الله ولكني أرجو من الله أن تردوا على سؤالي لأنه محيرني جداً أنا فتاة ملتزمة والحمد لله وأمارس الدعوة لله وأخيراً اكتشفت ما يسمى الشات على الإنترنت فسألت نفسي لماذا لا نستفيد من هذا المجال في الدعوة إلى الله بحيث يتواجد كم هائل من الشباب الذين قد يكونون غافلين، والحمد لله استطعت بجهد بسيط أن أجعل من لا يصلي أن يصلي ولكني توقفت مع نفسي وقلت هل يا ترى ما أفعله حلال أم حرام لأنى في بعض الأحيان أتكلم بالكتابة مع شباب أولاد فى مختلف الأعمار على الرغم من حسن نيتي أنا خفت أن أسبب فتنة لنفسي أو لغيري أفتوني رحمكم الله أنا خائفة أن أفعل مكروها مع العلم بأن كلامنا كله فى الدين والنصيحة وهم يعتبروني أختا لهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج على المرأة أن تكلم الرجل كفاحاً إذا كانت متحجبة غير خاضعة بالقول، قال الله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32] .
غير أن النفوس البشرية قد جبلت على حب من كثرت مخالطته ومحادثته ومباسطته، وإن كثرة الإمساس تفقد الأحساس، فنخشى أن يكون ما يحدث بين الشباب والشابات من محادثة عبر الإنترنت تحت غطاء الدعوة إلى الله طريقاً إلى الحرام وبريداً إلى ما لا يرضي الله تعالى، ولذا فالذي ننصح به هو أن يتولى دعوة الرجال الرجال ودعوة النساء النساء، أو أن تضعي لنفسك رمزاً عاماً تدخلين به لا يتميز به جنسك، (كالدعوة) أو (الدال على الخير كفاعله) أو (لأن يهدي الله بك رجلاً) أو (المعتز بدينه) ونحو ذلك من الرموز، وانظري الفتوى رقم: 23350، والفتوى رقم: 28328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1424(5/388)
لا تيأس من نصح العصاة ونوع أساليب الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أنا أسكن في عمارة مكونة من سبع عشرة شقة وهؤلاء الجيران لا يصلي منهم في المسجد سوى ثلاثة إلى أربعة فقط علماً بأنني وزعت عليهم أشرطة عن الصلاة وأهميتها وعقوبة تاركها وحدثت بعضهم لماذا لا يصلي في المسجد ولكن دون جدوى سؤالي: ماذا أعمل معهم؟
وجزاكم الله كل خير وشكرا لكم بعد شكر الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي لك أن تستمر في نصحهم وتذكيرهم، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس، وخير لك من أن يكون لك حُمُر النَّعَم، قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
واجتهد في أن تنوع أساليب الدعوة، كمنحهم الأشرطة المختلفة لمشايخ متعددين عن حكم الصلاة، وحكم تاركها، وعن وصف الجنة والنار، وبذل المطويات والمجلات الهادفة، ثم إن بذلت ما في وسعك فلا يضرك إعراضهم، والهداية بيد الله سبحانه، قال الله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56] .
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1424(5/389)
كيف تصبح داعية موفقا ناجحا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطريقة الصحيحة لدعوة الفتيات للتدين؟ لأن بعضهن يقبل وبعضهن لا تعجبهن طريقتي؟ مع العلم أني أريد أن أصبح داعية جيدة.
وجزاك الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالطريقة الصحيحة للدعوة إلى الله تعالى -سواء أكانت للرجال أم كانت للنساء- هي أن تكون على ضوء كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبالحكمة والموعظة الحسنة،
قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] ،
والبصيرة هي اليقين والمعرفة، ولا يحصل اليقين والمعرفة إلا على ضوء كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على وفق فهم سلف هذه الأمة.
وقال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. [النحل:125] ،
فالحكمة تقتضي تقديم الأوليات والبدء بالأهم فالأهم، ومراعاة أحوال المدعوين ومستوياتهم وثقافاتهم واهتماماتهم.. إلى غير ذلك، ومن الحكمة أن لا يخالف قول الداعية عمله بل يصدقه ويترجمه ليكون أسوة للمدعوين.
والموعظة الحسنة تقتضي خطابهم بالأسلوب الرفيع المشوق، والتركيز على شحن الخطاب الدعوي بالآيات البينات والسنن النبوية النيرات، وضرب الأمثال البليغة والقصص المؤثر.
وأما المجادلة بالتي هي أحسن فتقتضي إلانة القول والرفق في الخطاب، وإحساس المخاطب بدافع محبة الخير له العاجل منه والآجل، مع التدعيم بالحجة القاطعة والبراهين الساطعة.
فهذا هو الإطار العام للدعوة إلى الله تعالى على الطريقة الصحيحة، وهنالك أمور وآداب كثيرة تتفرع عن هذا وتنبني عليه، ولا شك أن فتوى يفترض لها أن تكون مختصرة لا يمكن أن تستوعب تفاصيل ذلك وتفاريعه، ولكن هذا هو الإطار العام كما أسلفنا.
وقد ألفت كتب كثيرة -ولله الحمد- في أصول الدعوة ومنهجها الصحيح فمن أراد التوسع فليراجعها.
وننبه إلى أن من سنة الله تعالى في خلقه عدم استجابة الكثير منهم لدعاة الحق من الأنبياء وغيرهم، ولا يعني ذلك بالضرورة عيباً في الداعية، فهذا نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى صباحاً ومساء وبكل أسلوب ولم يستجب له إلا قليل، كما قال سبحانه وتعالى عنه: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40]
فعلى الداعية أن يصبر ويصابر ويحتسب الأجر عند الله تعالى، ويقوم بما أوجب الله عليه من الدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإخلاص التام لله تعالى، ويكل أمر هداية الناس إلى بارئهم ومالك قلوبهم فهو الهادي وحده لا شريك له، وليحذر أن يثبطه عدم استجابة الناس إليه أو تثبطه معارضتهم له أو سخريتهم منه، ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 8580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/390)
كل يجد في أساليب الدعوة ما يناسب إمكاناته
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أدعو الناس إلى الله ولكن ليس لدي أسلوب ولا أحد يشجعني من زميلاتي ولكن لدي حرقة وللعلم فإنني خجولة جداً وقليلة الكلام أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم هي مهمة أتباعهم عبر القرون، فما بعث الله نبياً لقومه إلا لدعوتهم وهدايتهم، وأتباع الأنبياء وخلفاء الرسل هم الذين حققوا هذه الغاية النبيلة والعظيمة التي ابتعث الله لها الرسل، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] .
قال ابن القيم رحمه الله: (فالآية تدل على أن أتباعه هم أهل البصائر الداعين إلى الله على بصيرة، فمن ليس منهم فليس من اتباعه على الحقيقة والموافقة وإن كان من اتباعه على الانتساب والدعوى.) انتهى.
وما ذكرته من الحرقة على الدعوة، فهذا علامة على الإيمان، نسأل الله أن يزيدك خيراً وهدى وهذه صفة المؤمن؛ كما قال الله عن صاحب يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يّس:20] .
فهذا الرجل حينما استشعر قلبه حقيقة الإيمان تحركت هذه الحقيقة في قلبه فلم يطق عليها سكوتاً، ولم يقبع في داره بعقيدته وهو يرى الضلال والفجور حوله، وجاء من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الله، وقد سبق لنا تفصيل كيف يكون الإنسان داعية تحت الفتوى رقم: 8580 فانظريها للأهمية.
ونضيف أن وسائل الدعوة متعددة، فمن كان لا يستطيع أن يدعو بلسانه فيمكنه أن يدعو عن طريق رسالة يكتبها أو كتيب أو شريط يوزعه أو إرسال رسائل عبر البريد الإلكتروني أوتنظيم محاضرة يدعى لها أحد الدعاة أو إحدى الداعيات، فوسائل الدعوة بحمد الله كثيرة، لا يعدم الحريص أن يجد فيها ما يناسب طبيعته وإمكاناته، وما ذكرته من أنك لا تجدين من يشجعك من زميلاتك فلا يفت هذا في عضدك، فإن من آمن بشرف الغاية التي يسعى لها لا يضره من تخاذل عنها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة:105] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضُلاّل.) انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(5/391)
تكتسب الدعوة بالممارسة والتدريب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أدعو زميلاتي وأحبب الدين إليهن ولكن ليس لدي أسلوب وينتابني الخجل ويقولون عني معقدة أفيدوني أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحرصك على دعوة زميلاتك للدين أمر طيب تشكرين عليه، وتؤجرين على هذه النية الصالحة إن شاء الله، فنسأل الله أن يوفقك لما تريدين من عمل الخير.
واعلمي أن الشيطان يوسوس للإنسان حتى يصرفه عن عمل الخير، فلا تدعي له مجالاً، واحرصي على الدعوة إلى الله، فإنها أشرف مهنة، فقد قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
أما الأسلوب فإنك تستطيعين أن تكتسبيه من الممارسة العلمية للدعوة، والقراءة في الكتب التي تتحدث عن الدعوة وأساليبها ومنها كتاب "التربية الإسلامية في المدرسة والبيت والمجتمع" لعبد الرحمن النحلاوي، وكتاب "أصول الدعوة" للدكتور عبد الكريم زيدان, وكل شيء من ذلك يمكن اكتسابه بإذن الله،: فإنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. أخرجه الطبراني في الأوسط وغيره وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير والسلسلة الصحيحة.
ومع الإخلاص لله تعالى والاجتهاد في اختيار الأسلوب المناسب وسؤال الله التوفيق سوف يوفقك الله تعالى لما تحبين، وسيزول عنك ما تشعرين به من الخجل إذا أقدمت، فإنما هي البداية ثم يفتح الله عليك، واحرصي على مخالطة زميلاتك في الخير واعلمي: أن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وهو حديث صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1424(5/392)
تخير من أساليب النصح أحسنها، ومن الوسائل أنفعها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أعيش في أمريكا ويعيش في نفس المدينة التي أعيش فيها خالي، خالي لا يصلي أبداً، وهو صاحب شخصية قوية، أي من الصعب إقناعه بالصلاة، فما هي الطريقة المناسبة التي تجعلني أنصحه؟
جمعناالله (عزوجل) وإياكم في جناته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يبذل النصح وليس عليه هداية المنصوح، فالهداية بيد الله تعالى، قال الله عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] .
وعلى الناصح أن يختار من أساليب النصح أحسنها، ومن الوسائل أنفعها، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] .
ولو أن الناس تركوا النصح بحجة عدم قبول المنصوح للنصح وإصراره على المعصية لبطل النصح، وتعطل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فلا تيأس أيها الأخ الكريم، بل كرر النصح وعددَّ الوسائل من النصيحة بالمشافهة إلى إهدائه كتاباً أو شريطاً، أو سلط عليه من يحترمهم، ويسمع لكلامهم، فوسائل الدعوة كثيرة.
نسأل الله لك الإعانة، ولخالك الهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1423(5/393)
وسائل الدعوة وأساليبها تختلف باختلاف الدعاة والمدعوين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أعرف كيف أدعو غير المسلمين إلى الإسلام؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى فرض على كل مسلم حسب وسعه واستطاعته على الراجح من أقوال أهل العلم، لقول الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] .
فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تعالى.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغ الشاهد منكم الغائب..
رواه البخاري ومسلم.
وأما وسائل الدعوة وأساليبها فتختلف باختلاف الدعاة والمدعوين والزمان والمكان والحال، ولكنها ـ على العموم- يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
والداعية يجب عليه أن يتخذ من الوسائل.. ما يؤدي به رسالته "فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، ومن ذلك كيفية مخاطبة المدعوين, وقد أرشدنا الله إلى الأسلوب الأمثل لذلك، فقال تعالى في شأن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت:46] .
فهذا أسلوب القرآن يذكر نقاط الاتفاق مع المدعوين أولاً، ثم بعد ذلك يناقش معهم نقاط الاختلاف بأسلوب أدبي رفيع، فيقول الله تعالى مخاطبا للنصارى الذين ألَّهو عيسى ابن مريم وأمه وجعلوه ابناص لله.. -تعالى عما يقولون علو كبيراـ يقول: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَه [النساء:171] .
ويقول في شأن معجزة خلق عيسى عليه السلام: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون [آل عمران:59] .
إلى آخر النماذج الكثيرة التي وردت في كيفية دعوة أهل الكتاب
أما إذا كان المدعوون وثنيين أو لا دين لهم فإن على الداعية أن يبين لهم بالحجج العقلية البسيطة أن الله تعالى هو الخالق لهم ولهذا الكون من حولهم.. وهو خالق الطبيعة وأن الطبيعة مخلوقه ولا تستطيع خلق شيء لهم, وأن آباءهم وأمهاتهم لم يخلقوهم ولم يستطيعو خلق أي شيء, وهذه الأمور من المسلمات البديهة عند أكثر الناس.. فعلى الداعية أن يبني عليها، وأن يوجه المدعو بعد ذلك وينبهه إلى تكريم الله تعالى للإنسان وأنه إنما خلقه لعبادته وحده لاشريك له، وفي مقابل ذلك جعل كثيرا من مخلوقاته في خدمته، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] .
وقال تعالى: وسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية:13] .
وهكذا يتدرج الداعية بالمدعو شيئاً فشيئاً حتى يقتنع في داخل نفسه بهذا الدين، هذا بالنسبة للداعية الذي يملك قدرا من الاستدلال والنظر..
أما بقية المسلمين وعامتهم فإن دعوتهم تكون حسب الوسع والاستطاعة.
وأقل ذلك الدعوة بالأخلاق الحسنة والسلوك المستقيم.. الذي يسميه بعضهم بالدعوة الصامتة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1423(5/394)
معنى الخروج في سبيل الله كما هو في جماعة التبليغ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الخروج في سبيل الله؟ حيث هنا جماعات تخرج في سبيل الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان السائل يقصد الخروج في سبيل الله بمعناه الحالي، والذي تقوم به جماعة التبليغ فهو جائز بالجملة.
وهو عبارة عن خروج مجموعة من الأشخاص إلى أحد المساجد لمدة معينة، يحرصون في هذه المدة على الإكثار من فضائل الأعمال، ويقومون ببعض الزيارات داخل الحي لترغيب أهله ووعظهم.
ومثل هذا العمل جائز إن لم تصاحبه بدعة أو يترتب عليه تضييع لحق واجب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1423(5/395)
قدم الهدية والمساعدة للعصاة مزينة بالنصح الرفيق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما حكم أن يساعد شخص موسر أختا له متبرجة ولكنها تصلي أو أخ لا يصلي تكاسلا؟ مع العلم بأني لا أستطيع إجبارهم على الالتزام علما بأنهم بحاجة لهذه المساعدة وأنا لا أملك إلا النصح
وهل لي أن أستخذم المساومة على الحجاب أو الصلاة مقابل المساعدة؟ خصوصاً أني أخشى من ردة الفعل
العكسية التي قد تؤدي إلى شرخ أكبر في العلاقة بيني وبينهم.
أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ترك الصلاة من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب، بل ذهب كثير من أهل العلم إلى أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً من الملة.
ولا شك أيضاً أن التبرج وترك الحجاب ذنب كبير ومعصية عظيمة، فقد قال الله عز وجل: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] .
وعلى ذلك، فعليك أن تنصح هذين الشخصين، وتبين لهما خطر المعاصي وشؤمها، ولا مانع من مساعدتهما إذا كانا محتاجين بشرط ألا يصرفا تلك المساعدة التي تقدمها لهما في الحرام.
ولا ننصحك بمساومتهما على الطاعة مقابل المساعدة التي تقدم إليهما، فربما يؤدي ذلك إلى النفور والعناد.
ولكن قدم لهما المساعدة والنصح بالرفق واللين، وقدم لهما الهدايا التي تؤلف قلوبهما، ويكون من ضمنها الشريط النافع والكتاب الصغير المفيد.
واعلم أن ماتفعله من ذلك كله ابتغاء مرضاة الله سيكون في ميزان حسناتك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعيم" رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1423(5/396)
مدى مسؤولية الأخ تجاه أخواته الفاسقات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخت متبرجة وهي مدمنة على مشاهدة التلفاز وسماع الموسيقى الماجنة وأنا الحمد لله التزمت منذ سنة واحدة فأصبحت أتكلم وأنصحها للإقلاع عن هذه الأعمال والمحرمات إلا أنها لا تصغي وغالباً يحصل الشجار بيننا فتتدخل أمي وتقول لي دعها وشأنها لأن الله هو الذي بعدي وليس أنت وأنت حديث العهد بالالتزام وقد كررت نصيحتي مراراً إلا أن الأمد ينتهي دائماً بالشجار وأنا ألم كثيراً خصوصاً أن هذا يحرجني كثيراً مع أصدائي في الحي لأن إخوانهم متحجبات ماذا يمكن لي أن أعمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56] .
ويقول تعالى لنبيه: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغ [الشورى:48] .
وقال الله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس:99] .
وغير ذلك من الآيات الدالة على أن المسلم مطالب بالنصح والدعوة إلى الله تعالى، وهداية الخلق بيد الله تعالى، فعليك أيها السائل الكريم أن تستمر في دعوة أختك إلى الالتزام بالشرع، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، والتودد إليها بالهدايا ولين الكلام، والإحسان إليها بكل ما تستطيع، فإن النفوس تميل إلى من يحسن إليها، وتنفر ممن يسيء إليها، وعليك بالتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لها، كما يمكنك الاستعانة بأخواتك الأخريات، ومحارمك الملتزمات كالعمة والخالة ليقمن بنصحها وتوجيهها، ولا تلتفت إلى ما يقع في نفسك من أصدقائك وجيرانك، لأن الأمر ليس بيدك، ورعاية الخالق مقدمة على رعاية المخلوق.
واعلم أيها الأخ الكريم، أن مسؤولية تقويم أختك تقع على وليها والمسؤول عنها وهو الأب، إذ يجب عليه أن يأخذ بزمام ابنته ويحد من تصرفاتها المخالفة للشرع، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] .
ويمكن للوالد أن يصل إلى ذلك بقطع صحبتها لغير الصالحات، ومراقبة أوقات الدخول والخروج، والحد من النفقة التي تؤدي إلى فسادها، وغير ذلك من طرق الإصلاح، ليعذر بذلك إلى الله تعالى.
والله يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(5/397)
فرص الخير والدعوة ميسرة لمن وفقه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[حياكم الله -- كيف لي أن أفعل للانضمام إلى شباب مسلم في الشرق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن فرص الخير وتنوير الفكر مفتوحة لمن وفقه الله للاهتداء إليها، ومكنه من الأسباب الموصلة إلى منابع السعادة التي لا يتوقف عطاؤها، فإن من فتح الله قلبه، وشرح صدره للإيمان يمده بحيوية ونشاط دائبين إلى أن يدرك مبتغاه لا تمنعه وعورة الطريق، ولا ضعف الوسائل، فحركته وجهده يسير به إلى حيث يروي ظمأه، ويستثمر مواهبه ومداركه فيما يحقق له راحة النفس والالتحاق بشركائه في التوجه والهدف، سواء كانوا في مغرب الشمس أو مشرقها، والأمر سهل فحيثما تيمم شطر بلد فهناك شباب نفوسهم طاهرة، وسيماهم ظاهرة.
فعليك أن تحدد وجهتك، ووسائل الاتصال كفيلة بإيصال ما حملتها فأنت الذي تستخدمها، وفقني الله وإياك لما ينفعنا في عاجل أمرنا وآجله، إنه حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1423(5/398)
حسن وسهولة الأسلوب وفصاحته هبة من الله لمن يشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[في ظل ما نحن فيه من إقبال الكثير على البرامج التافهة وما يقدمه الإعلام بأنواعه من أفكار سطحية بل تكاد تكون تافهة فأصبحنا نسأل في أمور الدين ولاة القائمين على شئون الدين نجده أنه يستخدم عبارات تحتاج إلى معاجم لفك رموزها أي بلغة النحو الصرف فلمادا لا يسلكون نفس طريق الشيخ رحمة الله عليه فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي حتى يأخدوا بأيدينا إلى بر الأمان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لكل مقام مقالا، وما يحسن في الدرس والموعظة قد لا يحسن في المحاضرة أو في الخطبة، وما يحسن في هذه جميعاً قد لا يحسن في الكتاب والمؤلف والفتوى التي تحتاج إلى تحرير وتدقيق.
ويبقى حسن الأسلوب وسهولته ويسره من النعم التي يمن الله بها على من يشاء من عباده.
ولا شك أن على الداعية أن يختار الأسلوب السهل الواضح الذي يستطيع عامة الناس فهمه واستيعابه، وبهذا يكتب له النجاح والتأثير.
وينبغي الحذر مما يعرض في وسائل الإعلام، واجتناب سماع أو رؤية ما حرم الله، من الغناء والموسيقى وعورات النساء وزينتهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1423(5/399)
طريقة دعوة المقصرين في تطبيق تعاليم الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يجب أن يتصرف المسلم تجاه الإخوة المسلمين غير الملتزمين ويرتكبون المعاصي التي سادت في هذا العصر مثل ارتداء الفتيات لملابس قصيرة جدا أو العلاقة بين رجل وامرأة متزوجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسبيل الأمثل والطريق الأقوم في معاملة الشخص الملتزم لغير الملتزمين هو دعوتهم إلى الالتزام بقوله وعمله وخلقه وسلوكه، وأن تكون دعوته لهم برفق وحكمة وشفقة، وينبغي له أن يظهر لهم حرصه على هدايتهم للإسلام، وسؤاله الله تبارك وتعالى أن يوفقهم لذلك.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم 8580
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1423(5/400)
الاجتماع الدوري بهدف تحفيز للدعوة جائز بشروطه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عمل اجتماع أسبوعي بين المسلمين في مسجد محددٍ وكذلك اجتماع سنوي أو اجتماعات لتحفيز المسلمين على الخروج للدعوة حرام أم حلال؟ وجزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العمل الجماعي لخدمة دين الإسلام، مشروع في الجملة لعموم الأدلة الدالة على فضيلة الجماعة والاتفاق والتعاون، لكن ننبه إلى أن ذلك لا ينبغي أن يكون ذريعة للتحزب والتفرق والتعصب، وقد ذكرنا ذلك في أجوبة سابقة فراجعها تحت الأرقام التالية:
5900
9565
10157
17978
18145
21072.
وللجماعة التي تجتمع لخدمة دين الإسلام اتخاذ الطرق والوسائل التي تتناسب مع العصر بشرط ألا يخالف ذلك نصاً، أو يطغى على غيره من الواجبات المقدمة عليه.
وبناءً على ذلك، فإننا لا نرى مانعاً من تحديد مواعيد للالتقاء، وتبادل الآراء والخبرات لأجل مصلحة الدعوة ونمائها ما لم يؤد ذلك إلى التقصير في واجبات مقدمة عليه كالحج مثلاً، أو اعتقاد أن ذلك سنة أو له فضيلة معينة.
والله تعالى يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1423(5/401)
هجر الأهل بحجة الدعوة ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم الشرع فيمن هجر أولاده وأهله من أجل الدعوة إلى الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاد المرء وأهله لهم عليه حقوق يجب أن تؤدى بقدر الاستطاعة، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...... متفق عليه
وقوله: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول. رواه أحمد وصححه النووي.
فإذا قام الشخص بالإنفاق على أهله بقدر الكفاية، فله أن ينصرف إلى الدعوة إلى الله تعالى والعمل من أجل دينه، والمسلم إذا كان على بصيرة وعلم فلن يضيع حقاً بسبب حق بل يعطي كل ذي حق حقه، متمثلاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه سلمان رضي الله عنه، والذي نسوقه مع قصته لمناسبتها لموضوع السؤال، روى البخاري بسنده عن أبي جحيفة عن أبيه قال: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه. ُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: َ صَدَقَ سَلْمَانُ
قال الحافظ ابن حجر: وفيه جواز النهي عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب المذكور. انتهى من فتح الباري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1423(5/402)
الدعوة في بلد المرء أكثر فاعلية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مغربية أعيش في فرنسا منذ 10سنوات ذهبت إلى فرنسا لأتم دراستي، وفقني الله فحصلت على شهادة في هندسة الاتصالات، وبعد ذلك عملت في شركة في فرنسا وأنا أعمل فيها منذ 4سنوات لقد أعانني الله فأرسلتني الشركة إلى المغرب في مشروع دام 3سنوات، وقد خلص العقد مع الشركة المغربية والآن علي أن أعود إلى عملي في فرنسا وأترك والدي وأسرتي في المغرب، علما أنني قد ذهبت إلى العمرة السنة الماضية في العشر الأواخر من رمضان وأعانني الله أن ألتزم بعدها وأتحجب، ولم يقل لي أي مسؤول شيئاً عن ارتدائي للحجاب لأنه لا ينزعج أحد ما دمت أعمل في بلد مسلم، وفي الشهر الماضي اتصلت بالشركة في فرنسا لأطلع على عملي المقبل قد علم المدير أنني لن أترك الحجاب في فرنسا وأراد أن يغريني بمنصب راق في الشركة ويشترط فيه أن لا أرتدي الحجاب، رفضت اقتراحه طبعاً فأنا أعلم أنهم سيحاولون التخلص مني بإعطائي عمل "المبتدئين" حتى أمل وأستقيل، وأنا حائرة لأنني كنت قد قررت العودة والعمل في معهم، وأن أحاول أن أقنع ولو القليل من زملائي أن الإسلام مختلف جداً عما يسمعون عنه في الإعلام، وأود أن أغير بمشيئة الله نظرية ولو شخص واحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الثبات والتوفيق.. ونقول لك بأن سفر المرأة بدون محرم لا يجوز شرعاً، وأن أي بلد لا يمكن للمسلم أن يؤدي فيه عبادته ويظهر فيه شعائر دينه لا تجوز له الإقامة فيه، وكذلك لا تجوز له الإقامة في بلد يخشى فيه على دينه، وإذا كنت تحتاجين إلى العمل، فبإمكانك الحصول عليه في بلدك مع أهلك وإخوانك دون الالتجاء إلى بلاد الغربة، والتي يحاول أهلها إهانتك بترك دينك، أو في أي بلد آخر من بلاد المسلمين التي تحتاج إلى تخصصك، هذا مع التزام بالضوابط الشرعية طبعاً، ولا شك أن الشخص في وطنه وبني جنسه أكثر تأثيراً وأقوى فاعلية، فعليك أن تمارسي الدعوة إلى الله تعالى في بلدك، وتحاولي أن تنوري عقول الفتيات اللاتي ضاع كثير منهن في متاهات الفساد، والبعد عن الدين، فهذا هو واجبك وواجب كل مسلم، (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)
ولمزيد من التفصيل والأدلة نحيلك إلى الجواب رقم:
23602
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1423(5/403)
كل من دعا إلى الله على بصيرة بإخلاص فهو مأجور
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
سؤالي يتمحور حول الجماعات الإسلامية والحكم في الانضمام إليها وما قولكم في جماعة التوحيد والإصلاح المغربية وأهل السنة والجماعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العمل لخدمة دين الله تعالى أمر جليل، امتدح الله القائمين به، ووعدهم بجميل الأجر والثواب، فقال عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
وقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] .
وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله على يدك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه.
فكل من قام بهذا الواجب وأعان غيره عليه سواء كان بصورة فردية أو جماعية فهو مأجور، ما دامت الدعوة تقوم على اتباع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين.
وإننا لا نستطيع أن نحكم على أي تجمع دعوي إلا بعد معرفة منهجه بالكامل سواء كانت الجماعات المذكورة أو غيرها، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، لكن بإمكاننا وضع قواعد عامة، وضوابط كلية لمن أراد التعامل مع الجماعات عموماً، وقد ذكرنا ذلك مفصلاً في الفتوى رقم:
10157 والفتوى رقم:
5900 والفتوى رقم:
2788.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1423(5/404)
لا تقطع إحسانك ولتكن نيتك تحبيب الخلق للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت دائما عندما أكون سائرا في الطريق بسيارتي أقل كل من يؤمىء لي بأن آخذه معي إلى حيث يريد وكنت لا أفرق بين مسلم وغير مسلم وذلك عملا بفضل الظهر وأن فى كل كبد رطب أجر إلا أنني وبعد ما حدث من مضايقات للمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر عزفت عن نقل من أتأكد من أنه غير مسلم وذلك من حقي عليهم بما يلقاه إخواننا المسلمون في شتى بقاع الأرض هل يمكن أن آثم في ذلك لأنني خالفت قول رسول الله من كان له فضل ظهر ليتصدق به على من لا ظهر له أفيدونى يرحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ننبه أولاً إلى الفرق بين مودة الكافر، وبين البر والإحسان إليه، فإن كثيراً من الناس يخلط بين المسألتين.
فمودة الكافر محرمة؟ لقوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُم [المجادلة:22] .
وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1] .
وأما البر والقسط والإحسان فجائز لغير المحاربين منهم، لقوله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] .
والتصدق على من لا ظهر له بحمله ليس واجباً، فلا تأثم بتركه، لكن يفوتك الفضل والأجر.
والذي نراه أن تواصل برك وإحسانك وأن تحتسب ذلك عند الله تعالى، وأن يكون من نيتك في ذلك: دعوة هؤلاء إلى الإسلام، وترغيبهم فيه، وإظهار كرم المسلم ورحمته وشفقته، ولعلك تستعين ببعض الجهات الدعوية لتزويدك بشيء من الأشرطة أو النشرات المرغبة في الإسلام، لتهديها لمن يركب معك سيارتك، ونسأل الله أن يأجرك، ويوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1423(5/405)
أسلوب مخاطبة الأب التارك للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي لا يصلي وبحكم أني أنا ابنته لم أستطع إيجاد الطريقة المناسبة لنصيحته. بالرغم من أنه يعرف أحكام الإسلام جيدا وإذا صلى فإنه يكون رياء أمام الناس فقط. أرجو منكم إفادتنا بالطريقةالتي أتبعها لنصح والدي.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الجواب عن حكم تارك الصلاة في الفتوى رقم:
6840 فلترجع إليها.
أما الطريقة المثلى في نصح الوالد فتتمثل فيما يلي:
أولاً: برك وطاعتك لوالدك، والإحسان إليه، يجعلك قريباً من قلبه، فيكون نصحك أوقع في نفسه.
ثانياً: استغلال المواقف والأحداث التي يكون أدعى فيها للاستجابة للنصح، كموت قريب أو حصول حادث ونحوها.
ثالثاً: الاستعانة بمن يرجى أن يكون نصحه مؤثراً عليه، كأصدقاء الوالد، أو إمام المسجد، أو داعية حسن الأسلوب والمنطق.
رابعاً: تجنب الإحراج، وجرح المشاعر، وأساليب الاستفزاز.
خامساً: الدعاء له بصدق وإخلاص، ورغبة فيمن يرجى منه الخلاص وهو الله عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1423(5/406)
إرشادات لمن أراد سلوك طريق الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[الطريق إلى الهداية أحاول أن أصل إليه جاهدة فساعدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطريق إلى الهداية سهل ميسور بإذن الله تعالى لمن قصدها، وسعى في تحقيق شروطها، وانتفاء موانعها، وليتم ذلك فإننا نرشد الأخت السائلة إلى عدة توجيهات من أهمها:
أولاً: الصدق في طلب الهداية، فإن من صدق مع الله تعالى صدقه الله.
ثانياً: البدء بالسير، ومن الله التيسير، قال الله تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى) [الليل:5-7]
ثالثاً: التزود بالعلم النافع ليكون السير على بصيرة، ولأن العلم عون على دفع الشبهات.
رابعاً: الحرص على زيادة الإيمان بالإكثار من الطاعات، بعد المحافظة على الفرائض.
خامساً: صحبة الصالحات، واجتناب من تعين على فعل السيئات.
سادساً: التوبة والندم على ما سلف، وسؤال الله تعالى الثبات والحفظ في المستقبل.
سادساً: اليقين بأن هذا هو سبيل السعادة في الدنيا والآخرة، وأن مفارقته سبب شقاء الدارين.
ثامناً: عدم الالتفات إلى سخط الخلق، وليكن المأمول رضى الخالق، فقد ثبت في صحيح ابن حبان بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من التمس رضى الله سبحانه بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ".
وفي الختام نسأل الله تعالى للأخت السائلة التوفيق والسداد، ولعلنا أن نسمع عنها خيراً في قريب الزمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1423(5/407)
كيف تكون داعية ناجحا ومؤثرا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو منكم مساعدتي في كيفية دعوة أخواتي وأخي الوحيد إلى الله إنهم أكبر مشكلة في حياتي فأنا متزوجة ولا أعيش معهم واثنتان من أخواتي متزوجتان والباقي الأربعة يعيشون مع أمي وأبي، المشكلة هي أنهم لا يصلون ولا يذكرون الله ويعيشون تقريبا كما يعيش الأوربيون ومع العلم فنحن نعيش في بلد أوربي كافر
إنهم يلبسون ويتعاملون ويتصرفون مثل الكفار وجميعهن يأخذن من حواجبهم أي النمص وإني أراهن يفعلن ذلك أمامي ولكن لا أقدر أن اقول شيئاً لأنني أعلم أنهن سوف يتشاجرن معي ولن يسمعوا كلامي
أرجو من الله ثم منكم أن تساعدونني وتعطوني نصائح في كيفية إنقاذهن من النار أرجو أن تعطوني الجواب قريبا فأنا ليس لي أحد أساله إلا الله ثم أنتم.
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا لنشكر للأخت السائلة غيرتها على الدين وحرصها على الخير والدعوة إليه، وشفقتها على أهلها، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] .
ونهدي إليها هذه التوجيهات لعلها تعينها على القيام بهذه المهمة العظيمة والتوجيهات هي:
أولاً: الإخلاص واحتساب الأجر في بذل النصح، لأن هذا يعينها على الصبر على أذاهم.
ثانياً: العلم النافع من الكتاب والسنة الذي يعينها على دفع الشبهات التي قد ترد منهم.
ثالثاً: أن تكون قدوة صالحة في سلوكها وأخلاقها، فلا ترد الإساءة بمثلها بل تعفو وتصفح، وتحسن إليهم وتظهر الشفقة عليهم.
رابعاً: استغلال الأحداث المؤثرة، وما أكثرها في الغرب، كحوادث الانتحار وغيرها، لأن ذلك قد يكون أبلغ في التأثير.
خامساً: عدم اليأس، وبعث الأمل في النفس، والتفاؤل بإمكان هدايتهم مع الإكثار من الدعاء لهم.
ولتعلم الأخت السائلة أن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا لضرورة، كالدعوة إلى الله تعالى ونحو ذلك، والعيش بين الكفار أصل كل بلية، والهجرة من ديارهم إلى بلد إسلامي واجبة، ولتراجع الفتوى رقم:
10334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1423(5/408)
طرائق الدعوة إلى الله متنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
تعرفت على مجموعة من الإخوان يدعون إلى الله في الشارع وطلبوا مني أن أشاركهم في الدعوة لكني لا أحس بأني مستعد فهل أنا مذنب إن رفضت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى تكون بالأقوال تارة، وبالأفعال تارة أخرى، ولها أساليب وطرائق متعددة لا يتعين على المسلم أسلوب منها بعينه، فمن قدر على أمر منها، ولم يقم به غيره، أو قام به غيره، ولم تحصل بقيامهم الكفاية، وجب عليه.
ومن أساليب الدعوة الندوة والمحاضرة والموعظة والخطبة والكتاب والشريط والمجلة وحسن الخلق وغير ذلك، وانظر الفتوى رقم:
17709 والفتوى رقم: 19193.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1423(5/409)
القواعد الناجعة للدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالطرق والوسائل التي تعين على التأثير الديني لطالبات المرحلة الإعدادية والثانوية في المدرسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أرسى الإسلام قواعد الدعوة إلى الله، ووضع لها الإطار العام الذي تسير فيه، ومن هذه القواعد:
1- أن يكون الداعية قدوة صالحة لمن يريد دعوتهم، قال تعالى عن شعيب عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88] . وراجع الفتوى رقم:
19186.
2- أن يتمسك الداعية بأصول الإسلام وثوابته، ولا يغيرها بحجة مصلحة الدعوة، ومسايرة الواقع، وراجعي في ذلك الفتوى رقم:
20397.
3- أن يصبر على دعوة الناس، وما يصيبه منهم من أذى، قال تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17] .
4- التسلح بالعلم الذي يمكنه من إيصال الحق إلى قلوب الخلق، ولطلب العلم آداب ذكرناها في الفتوى رقم: 20215 والفتوى رقم: 18328.
5- التلطف في دعوة الناس، باللين في القول، والهدوء في الرد، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] .
6- التركيز على استجلاب عاطفتهم بالقصص الشيقة والحكايات النافعة، وما أكثرها في صفة الصفوة لابن الجوزي وسير أعلام النبلاء للذهبي، وقد اختصر كثيراً منها أحد الإخوة الكرام في كتاب من مجلدين سماه "منجد الخطيب" وكذلك اختصر كثيراً منها الدكتور سيد العفاني في "علو الهمة" "ورهبان الليل" "والجزاء من جنس العمل" "وفرسان النهار" وغيرها. وراجع الفتوى رقم:
18815.
ولمزيد من الفائدة راجعي كتاب تربية الأولاد في الإسلام للدكتور عبد الله ناصح علوان، وكتاب الدعوة إلى الله للدكتور أبي الفتح البيانوني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(5/410)
الإنصاف في الحكم على الجماعات الإسلامية مطلب شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماهي الفئات الضالة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم) وهل جماعة التبليغ والدعوة منها ام لا؟ مع مع العلم بأنهم يخرجون للدعوة فى المساجد لفترات 3 ايام أو 40 يوم أو 4 شهور. جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن افتراق هذه الأمة إلى فرق مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد سبق الكلام عنه في الفتوى برقم 17713 فلترجع إليها، ففيها بيان لضابط هذا الافتراق، أما جماعة التبليغ فلا تعد من هذه الفرق الضالة، والواجب الحكم عليها بعين الإنصاف كما ورد في فتوى سابقة تحت الرقم 9565.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(5/411)
كل إنسان مكلف بتبليغ ما عنده من علم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدينا جماعة في المسجد يقومون كل يوم بقراءة من كتاب رياض الصالحين بعد صلاة العصر والذي يقرأ ليس بعالم ولا من طلاب العلم وإنما هو رجل له فصاحة في الكلام ويقول أنا أقرا من الأحاديث الواضحة التي لا تحتاج التفسير الصعب وعندما يذهب هذا الرجل يقوم أحدهم يقرأ ويتعتع في القراءة بدلا منه فما رأيكم في هذا؟ وما واجبي؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلم هو أساس دين الإسلام، وتبليغه للناس من أوجب الواجبات، وإنما يتم ذلك بالوسع والاستطاعة، وكل إنسان مكلف بقدر ما عنده من علم.
ففي سنن الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: نَضَّرَ الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع.
فما يقوم به من يقرؤون من كتاب رياض الصالحين بعد صلاة العصر في المسجد إنما هو اجتهاد منهم لتذكير الناس بكلام الله تعالى، وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم، ويؤجرون على ذلك إن شاء الله تعالى، هذا بالإضافة إلى أنهم لم يدَّعوا علماً، ولم يتكلفوا ما لا علم لهم به، ولم يقم هؤلاء وأمثالهم بما قاموا به إلا عندما أحجم العلماء، وطلاب العلم عن تبليغه للناس.
وإننا بهذه المناسبة ندعو هؤلاء الإخوة إلى الحرص على طلب العلم الشرعي، ليكون دورهم أتم، وأجرهم أعظم، ومن الجانب الآخر ندعو طلبة العلم للحرص على نشر العلم، وتعليم الأمة فإن الحمل ثقيل، والخطب جسيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1423(5/412)
لا مجال للمقارنة بين خروج جماعة التبليغ وخروج الصحابة للدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ما رأي فضيلتكم في جماعة الدعوة والتبليغ هل هي كما ترى نفسها بأنها هي الجماعة الوحيدة التي على الحق أم هي غير ذلك؟
وهل خروج الصحابة من بيوتهم للجهاد والفتوحات دليل على خروجهم بأنه من الدين وإذا كان من الدين لماذا لم يقم به أهل العلم وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما تقوم به جماعة التبليغ من الدعوة والخروج فهو وإن كان من الخير والبر لكنه ليس كفعل الصحابة، إذ الصحابة رضوان الله عليهم خرجوا للدعوة إلى الله، ونشر الدين، وإبلاغه إلى الناس، ومن لم يقبل ذلك من الكفار دعوه إلى دفع الجزية، والخضوع لسلطان الإسلام فإن أبوا قاتلوهم جهاداً في سبيل الله.
وجماعة التبليغ لها وعليها، والمنصف من وافقها في الحق، ونصحها فيما جانبت فيه الصواب، وانظر الفتوى رقم: 9565.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1423(5/413)
موقعنا مشغول بما يقرب الناس من ربهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدة نزول القرآن الكريم في مكة المكرمة بالسنين والأشهر والأيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الأمر الذي تسأل عنه ما لا يترتب عليه حكم شرعي، والموقع مشغول ببيان الأحكام الشرعية العملية، التي تقرب الناس من ربهم، وتبصرهم بدينهم.
وعلى كل، فيمكنك لمعرفة ما سألت عنه أن تراجع كتب التاريخ والسيرة، مثل: (البداية والنهاية) لابن كثير، (وسيرة ابن هشام) ، (والرحيق المختوم) للمباركفوري، وغيرها من كتب السيرة.
وجزاك الله خيراً على متابعة موقعنا مع تمنياتنا لك بدوام التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(5/414)
السفر بقصد الدعوة البصيرة اقتفاء بفعل الرسول
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم السفر للخارج بقصد نشرالخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السفر بقصد نشر الخير والنظر في الأرض والتأمل في عظيم خلق الله تعالى أمر مشروع، قال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ..... [النمل:69] ، وقال تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ...... [الروم:9] .
وقد مدح بعضهم السفر وذمه آخرون، والحقيقة أن السفر تعتريه أحكام الشرع الخمسة، وأن ذلك يختلف باختلاف المقاصد والأهداف، وتؤثر عليه كذلك الوسائل.
فالسفر للدعوة إلى الله تعالى وتبليغ دينه أمر مرغب فيه شرعاً قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] .
وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف مشياً على قدميه الشريفتين للدعوة إلى الله تعالى وتبليغ الدين.
فمن اقتفى هذا الأثر وقام بهذا الواجب العظيم فلا شك أنه قام بأمر عظيم، سينال عليه الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى - إن شاء الله تعالى - إذا أخلص نيته وتابع رسول الله صلى الله عليه.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى. عن عمر رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد.
وفي رواية: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1423(5/415)
أسلوب نصح الوالد الذي يشرب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يشرب الخمر ويبلغ من العمر سبعين عاما وهو يحاول إخفاء ذلك عني فما واجبي تجاهه علما بأنه لا يحافظ على الصلاة ماعدا صلاة الجمعة، أفيدوني حفظكم الله كيف أواجهه وأنصحه بالتي هي أحسن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب تقديم النصيحة لوالدك، وبيان خطورة شرب الخمر، وأنها من أكبر الكبائر، على أن تختار الأسلوب الحسن في تقديم هذه النصيحة، وكذلك نصحه في ترك الصلاة وأنه كفر.. وبين له كل ذلك بالأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة.
وأما الأسلوب الأحسن، فلعلك أدرى به، فإن كان النصح المباشر يؤثر فيه لمكانتك عنده وبرك به فلا شك أنه أولى وأبلغ أثراً، وإلا فيمكنك أن تستعين في نصحه بمن يثق به ويستمع لنصحه من شيخ أو قريب أو صديق أو بالمحاضرات والمواعظ من خلال أجهزة التسجيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(5/416)
تراعى في ترغيب حديث العهد بالإسلام هذه الأمور
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن مولدوفيا تزوجت من نفس الدولة من نصرانية أسلمت بفضل الله بعد ذلك على يدي كيف أتعامل معها؟ وكيف عليها أن تلبس؟ علماً بأن أهلها لا يعرفون بإسلامها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأبشر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والواجب في دعوة الناس إلى الإسلام اتباع منهج خير الأنام عليه الصلاة والسلام بمراعاة ما يلي:
أولاً: بيان أصول الإيمان وأركان الإسلام بصورة واضحة ومبسطة، كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس حين وفدوا إليه.
ثانياً: التدرج معها في أمور الحلال والحرام، لأن التدرج سنة كونية وأمر شرعي ثابت في الكتاب والسنة، وهو أدعى للثبات على الدين، كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) [الفرقان:32] .
ثالثاً: ترجمة معاني وأخلاق وآداب الإسلام من خلال التعامل معها، لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه رجل من وجوه الأعراب أعطاه عطاء، فذهب إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا، فإني قد جئتكم ممن يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
رابعاً: التأكيد على عقيدة الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكافرين، واختيار الصحبة الصالحة، لأن ذلك أنفع لها في الثبات والبعد عن الزيغ والانحراف.
وبالنسبة للباسها عند خروجها أمام الناس، فحاول جاهداً أن تلتزم بستر زينتها وجميع جسدها، وإن لم تغط وجهها وكفيها، فإذا رسخ الإيمان في قلبها وتعرفت على أحكامه وآدابه ألزمتها بعد ذلك بتغطية الوجه والكفين.
وأما أهلها فلا ضير أن يعرفوا بإسلامها، وعليك أن تحثها على الإحسان إليهم والبر بهم، حتى يعلموا سماحة وخلق الإسلام الذي اعتنقته ابنتهم، ولربما كان ذلك داعياً إلى قبولهم ودخولهم في الإسلام، وإن كانت معرفتهم بالأمر ستؤثر على إسلام زوجتك فعليكم بكتمان الأمر إلى أن يذهب ما تخشون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1423(5/417)
تقوية الروابط مع الأقارب غير الملتزمات من طرق الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة على وشك الزواج, وأنا ملتزمة ولله الحمد. سؤالي هو فضيلة الشيخ هل يجوز لي بعد الزواج زيارة أخوات زوجي؟ علما بأنهن لا يتبعن منهج الله تعالى فهن دائما يختلطن بالرجال على الرغم من أنهن متزوجات. إلى درجة أنهن لا يرتدين الحجاب أمام أصدقاء أو أقارب أزواجهن ويجالسنهم ويمازحنهم لساعات طويلة. علما بأن والديهما متوفيان. ولك جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في أن تزوري أخوات زوجك أو يزرنك في منزل أخيهم لأن فسق المسلم لا يبرر هجره وقطعه، إلا إذا كان في قطعه ردع له عن معصيته، ولأن زيارتك لهن تقوي العلاقة والروابط بين الأسرة جميعاً، الشيء الذي ينعكس إيجابياً على علاقتك بزوجك وبإخوانه، وحينئذ تجد دعوتك منهن آذانا صاغية وطريقاً مفتوحاً، الأمر الذي لا يتحقق لو هجرتيهن، ولكن لابد من مراعاة الضوابط الشرعية بحيث لا تخرجين إلا بعد أذن الزوج، وأن تكوني ملتزمة باللباس الشرعي، وأن تخلو الزيارة من وجود رجال أجانب، فإذا لم يتم تحقيق ما ذكرنا من ضوابط فالزيارة غير جائزة، لما يترتب عليها من المفاسد من مثل: الاختلاط وملاقات الرجال ومكالمتهم ونظر بعضكم إلى بعض وهذه أمور كلها محرمة قال الله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم، كما في البخاري من حديث عقبه بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال: رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
وحاصل الأمر أن الزيارة إذا خلت من محرمات جائزة وألا فحرام للأدلة التي سقنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1423(5/418)
من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله التي عليها خاتمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بالإجابة على السؤال التالي ولكم جزيل الثواب:
ما هي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم سواء في الإطار المالي أو المعنوي (توجيه الأمة) ؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى جعل هذا الدين خاتم الأديان، وجعل شريعته تمام الشرائع، ورضي الله ذلك للمؤمنين، فقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة:2] .
كما أنه جعل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، وكتابه آخر الكتب، فقال عز وجل: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب:40] .
ولذلك، فإننا نجد أن هذا الدين قد جاء بإصلاح الدنيا والآخرة معاً، شاملاً لكل مناحيهما دون إفراط أو تفريط في جانب على حساب جانب آخر، وقد دل على هذا التوازن العجيب كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فقد قال الله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص:77] .
ولكي تسير الدنيا على أحسن منهاج أحل الله الطيبات وحرم الخبائث وندب إلى محاسن الأخلاق، وحدَّ الحدود الزاجرة عن الكبائر والمهلكات، وأمر بالعدل ونهى عن الظلم.
فقال عز وجل: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157] .
وقال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) [الإسراء:53] .
وقال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة:38] .
وقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) [النور:2] .
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء:58] .
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91] .
وقال تعالى: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً) [الفرقان:19] .
وأحل الله البيع وحرم الربا لذلك، فقال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [البقرة:275] .
ونهى عن أكل أموال الناس بالباطل، فقال: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188] .
وقد جمع الله تعالى مجموعة من الوصايا في آيات جامعة من القرآن الكريم يوصي فيها عباده بمراعاة الدنيا والآخرة معاً، منها قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ... ) إلى قوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام:151-152] .
قال ابن كثير: قال داود الأودي عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات. ا. هـ
ومنها قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ... ) إلى قوله تعالى: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) [الإسراء:38] .
والتي يسميها العلماء آيات الوصايا العشر.
ولكي يحصل العبد ما ينفعه في آخرته أمر الله تعالى بالفرائض، ونهى عن المحرمات والفواحش، فقال عز وجل: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة:43] .
وقال عز وجل: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران:97] .
وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33] .
وبالجملة فإن أدق وصف لهذا القرآن هو ذلك الوصف الذي وصفه به منزله رب العزة جل جلاله، حيث قال: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء:9] .
ومن أجمع وصايا النبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى به أمته في حجة الوداع، والتي قال فيها: "فإن دماءكم واموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، فأعادها مراراً ثم رفع رأسه، فقال: اللهم هل بلغت" قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. رواه البخاري وهذا لفظه، ورواه مسلم أيضاً.
وجماع ما ذكرناه أن الإسلام أوصى بإصلاح الدنيا والدين معاً دون أن يطغى أحدهما على الآخر، وأمر بجلب المصالح ودفع المضار، وحث على بذل الجهد للحصول على كل مأمول، والتخلص من كل مرذول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(5/419)
مواقع دعوية في الأنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم في لله يتواصل عبر شبكة الإنترنت مع أناس في كافة بقاع الأرض وقد كونت بعض الصداقات الجيدة وكنت قد طرحت موضوع الدخول في الإسلام لبعض الأصدقاء الأجانب الذين يعيشون تائهين في الأرض بلا دين (يهديهم ويهدينا الله) وقد طلبوا مني أن يتعرفوا على هذا الدين والمشكلة التي أواجهها أنهم لا يعرفون العربية وأنا بحاجة لأي معلومة عن الدعوة باللغة الإنجليزية عسى الله أن يهدي بعضهم فأنا أطلب منكم تزويدي بأي معلومات ترونها مناسبة لما ذكرت أعلاه.
وجزاكم الله كل الخير عن الإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيمكنك أيها السائل الكريم - وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى - أن تدخل على هذه المواقع لمباشرة عملك الدعوي المبارك، وتدل عليها من تريد دعوته إلى الإسلام.
www.al-islam.com
www.qaradawi.net
www.al-shula.net
www.iiu.edu.my/deed
www.islam-guide.com
www.islamonline.com
www.bilalphilips.com
www.islamunveinced.com
www.islam-brief-guide.org
www.islam-qa.com
www.islaam.com
www.al-sunnah.com
www.beconviced.com
www.sahabh.com
www.wefound.org
www.it-is-truth.org
www.al-usrah.net
www.theislamicmail.com
www.sultan.org
www.islamasoft.co.uk
www.figh.net
كما أنه يمكنك أن تدلهم على عنوان الجالية الإسلامية والمراكز الدعوية التي توجد في بلادهم، فإن فيها دعاة نحسبهم من الصادقين، وتقبل الله منا ومنك سائر الأقوال والأعمال إنه جواد كريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1423(5/420)
واجبات الداعي إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي واجبات الداعي إلى الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على من أراد أن يتصدى لدعوة الناس إلى الله تعالى وإرشادهم إلى دينه أن يتحلى بالعلم والعمل معاً، ليكون من الداعين إلى الله على بصيرة، فقد قال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108] .
وعليه كذلك أن يعرف الأصول الثابتة للدعوة، لئلا ينحرف عنها نتيجة لما قد يقابله من عقبات أثناء دعوته.
وليعلم السائل أن الدعوة لا تؤتي ثمارها إلا إذا كان عارفاً بأحوال الناس خبيراً بما يدور في مجتمعه، لأن الدواء يُحدد بناءً على معرفة الداء.
ولا يجوز للداعية استخدام الوسائل الممنوعة في دعوته، لأنه لا يمكن أن يصل الداعي إلى الحق عن طريق الباطل مهما كان مزيناً ومزخرفاً، وقد كان بعض الناس ممن ينسب للدعاة في الزمن الماضي يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضعون عليه الأحاديث بقصد ترغيب الناس في العبادة، فإذا اعترض عليهم أحدٌ قالوا: نحن نكذب له لا عليه. والعلماء لم يجوزوا هذا النوع من الكذب بحال، مع ما فيه من ترغيب العوام في العمل بالسنة.
قال الإمام السيوطي في ألفيته:
الوضع في الترغيب ذو ابتداع ... جوزه مخالف الإجماع
وجزم الشيخ أبو محمد ... بكفره بوضعه إن يقصد
ولمعرفة المزيد عن الداعية ما ينبغي عليه راجع الفتاوى التالية أرقامها: 8580، 7583، 15169، 12803.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(5/421)
كن داعية خير وهدى مقابل ما فعلت سابقا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمةالله وبركاته.. وبعد
كنت أشاهد أفلاما إباحية وكنت أعطيتها لبعض أصدقائي.. ولكن منّ الله علي بالهداية والتوبة.. والسؤال هو أنني أعطيت أحد أصدقائي شريطاً إباحياً وعندما طلبت منه أن يرجع هذا الشريط حتى أتلفه وأتخلص منه رفض وحاولت معه أكثر من مرة ولكن للأسف رفض إعطائي إياه.. هل الآن علي ذنب وذلك كون صديقي يروج هذا الشريط على أصدقائه..وأنا بصراحه نادم على فعلتي هذه وعاهدت الله بأن لا أرجع إلى مشاهدة مثل هذه الافلام.. علماً بأني أتلفت جميع الأشرطة التي كانت بحوزتي.. أفيدوني بارك الله فيكم..
ولكم جزيل الشكر والعرفان.. وأسال الله عز وجل بأن يجمعنا في جناته إنه سميع الدعاء (آمين) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنهنؤك أولا: بتوبتك إلى الله تعالى، ونسأله سبحانه أن يتقبلها منك، وأن يعينك على الثبات على الاستقامة، وليكن دعاؤك دائماً في كل الأوقات وفي سجودك خاصة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي والحاكم عن أنس رضي الله عنه بإسناد صحيح.
ثانياً: إن للتوبة شروطاً حتى تكون صحيحة، من هذه الشروط أن تسعى إلى إصلاح ما أفسدت، مادام الذنب ضرره متعدياً إلى غيرك، كما قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 160] . وقال سبحانه: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً [النساء: 146] .
ولا شك أن ما قمت به من النصح لصديقك ومحاولة أخذ الشريط منه هو الواجب، وعليك أن تواصل في نصحه ولا تيأسن، فإن وفقت في أخذه منه فبها ونعمت، وإلا فقد أديت الذي عليك وبرئت ذمتك إن شاء الله، وعليك أن تذهب لكل من كنت سبباً في إفساده وتدعوه وتبين له الحق بأحسن الأساليب، ولتكن داعية إلى الخير والفضيلة، لتقابل فترة الدعوة إلى الشر والرذيلة، لتدخل في سلك أولياء الله تعالى الذين قال عنهم: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت: 33] .
قال الحسن البصري رحمه الله في هذه الآية: هذا ولي الله، هذا حبيب الله، هذا خيرة الله من خلقه، دعا إلى الله تعالى، وأجاب الله فيما دعاه. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وراجع الفتوى رقم:
17521.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(5/422)
الدعوة إلى الله ليست منحصرة في السفر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
قررت السفر مع جماعة التبليغ والدعوة إلى دولة بنجلاديش للدعوة في سبيل الله وأنا أقيم في دولة أخرى الآن غير بلدي علماً بأنني لم أسافر إلى أهلي منذ ثلاث سنوات وحاليا أعاني من بعض الأعراض المرضية ربما تتصل بالكبد ونصحني كثير من الناس بالسفر إلى بلدي للعلاج ورؤيه أهلي وبعض الأطباء قالوا إن الأمر ليس خطيرا فأيهما أفضل السفر إلى الأهل أم إلى الدعوة في سبيل الله علما بأنني علمت أن الدعوة الآن فرض عين على كل مسلم نتيجة انتشار الفساد وما رأيكم في الدعوة في سبيل الله مع جماعة التبليغ والدعوة وهل بسفري إلى أهلي والعلاج يناقض اليقين بأن الشافي هو الله
وجزاكم الله خيرا ارجوا الرد على البريد الالكتروني التالي:
omrmh hotmail.com ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك بالخروج في الدعوة إلى الله وتقديم ذلك على السفر إلى أهلك أو للعلاج إلا إذا كان ذلك سيؤدي إلى تمكن المرض أو زيادة أثره عليك، فيجب عليك السفر للعلاج أولاً، وكذلك إذا كان بعدك عن أهلك هذه الفترة وسفرك للدعوة سيؤدي إلى تقصير في حق لهم أو تفريط في القيام على شؤونهم فيلزمك السفر إليهم.
وكون الدعوة اليوم واجبة فإنها ليست محصورة في السفر إلى بلد بعينه أو مع جماعة محددة، فأنت في بلدك وعند أهلك يمكنك أن تقوم بالدعوة إلى الله وإرشاد ونصح الناس وحثهم على البر، فالمؤمن كالمطر حيث وقع نفع.
والتداوي وطلب العلاج لا ينافي الإيمان بأن الله هو الشافي لأن سبحانه هو الذي خلق الدواء وأسباب العلاج، ثم إنها لا تنفع ولا تؤثر إلا بإذنه، بل إن المستحب للإنسان أن يتداوى وذلك من التوكل على الله كما هو مبين في الفتوى رقم:
15012 وراجع لموضوع جماعة التبليغ الفتوى رقم:
9565 والفتوى رقم:
4321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(5/423)
جماعة التبليغ ... هدفها ... وحكم تحديد أيام بعينها للخروج
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد السؤال عما إذا كان تحديد أيام معينة للخروج في سبيل الله وعدم الخروج في أيام غيرها مع العلم أن من لا يذهب تضيع عليه الفرصة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جماعة التبليغ والدعوة، هي إحدى الجماعات الموجودة على الساحة منذ مدة غير بعيدة، وهي كغيرها من الجماعات تهدف إلى دعوة الناس إلى الله، وإرشادهم إلى الخير، ولها من الطرق الدعوية والوسائل الترغيبية ما لا ينكر، غير أنه ينبغي أن ينظر إلى اجتهادات الناس على أنها أقوال بشر غير معصوم لا يستحيل عليه الزلل والخطأ، وأن كل الناس يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الدارسون للجماعات الموجودة في عصرنا الحاضر، أنه ما من جماعة إلا وعندها أشياء قد خالفت فيها الصواب، لكن الغالب عليهم -والحمد لله- حسن القصد، وطيب السريرة، ولكل واحدة من هذه الجماعات جهد كبير وهي على ثغر من ثغور الإسلام تصد من خلاله كيد الأعداء، وتعالج أمراض الأمة، وراجع الفتوى رقم:
9565 والفتوى رقم:
8524.
أما بالنسبة لتحديد أيام معينة للخروج على سبيل الإلزام وعدم المخالفة بحيث تصير قانوناً أو سنة، فهذا ما لا دليل عليه، وإن كان العمل به على جهة الترتيب والتنظيم مع جواز المخالفة والزيادة والنقصان فلا مانع منه، لأنه سبيل للترتيب والتنظيم اللذين شهدت لهما قواعد الشريعة، والمعروف أن الجماعة لا تحدد أياماً بعينها للخروج فيها، ولكنها تحدد عدد الأيام في أي وقت شاء الفرد خرج، وهو المقصود في جوابنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1423(5/424)
يجوز تشجيع الأولاد للقيام بالقربات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تشجيع الأولاد الذين تبلغ أعمارهم 7 و11 على الصلاة بإعطائهم المال لأني وجدت ثمرة بهذا الأسلوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس هناك ما يمنع شرعاً من تشجيع الأولاد على الصلاة ونحوها بغض النظر عن أعمارهم، ففي الصحيحين عن الربيع بنت معوذ في حديث صوم يوم عاشوراء ... وفيه: ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.
وفي هذا الحديث دليل على جواز إرضاء الصبيان وتسليتهم بما يشجعهم على القيام بالقربات، وهذا ظاهر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(5/425)
الدعوة السلوكية أنجع طرق هداية الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطرق الجيدة التي يجب اتباعها لهداية الناس وإعادتهم لدينهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أعظم أساليب الدعوة إلى الله تعالى الدعوة السلوكية، وهي أن يطبق المسلم دين الله تعالى، فإذا رآه الناس اقتدوا به وساروا كسيره، وصدق السريرة وصحة القصد هما الأصل الأصيل الذي ينبني عليه قبول الدعوة إلى الله تعالى، لأن ما خرج من القلب يصل إلى القلب، وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان. والأخذ بأسباب قبول الدعوة مطلوب شرعاً، وذلك بأن يتبع الداعي الضوابط الشرعية في أمره ونهيه، وأن يستخدم الأسلوب المشوق في الدعوة إلى الله مع تنويعه، ومراعاة حال المدعو، وكل وسيلة صحيحة يمكن أن تكون عوناً للداعي، فإن الشرع لا يمنع من استخدامها كالزيارات والهدايا والتبسم في وجه المدعوين، إلى غير ذلك.
وقد سبقت أجوبة كثيرة تحتوي على تفصيل هذه الأمور نذكر منها ما هو تحت الأرقام التالية: 13288، 9358، 8524، 7475، 5197، 14389.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1423(5/426)
يراعى في أمر التربية البعد عن الابتداع في الوسائل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:
أنا من المتصفحين يومياً لموقعكم وجزاكم الله خيراً لجهودكم التي تبذلونها لنشر الإسلام وتعليمه.
سؤالي كالتالي:
هل يجوز في عصرنا هذا تنظيم جماعة تدعو إلى الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعمل أعمالا سياسية أخرى أن تشرع لنفسها قيام الليل مرة في الأسبوع جماعة وتقيم الرباطات: وهي الاعتكاف في بيت من البيوت لمدة ثلاثة أيام في كل ثلاثة أشهر لأن المساجد يمنع فيها ذلك ومن لم يحضر هذه الرباطات يعد من المتخلفين عن الجهاد هل يجوز هذا الاجتهاد في الدين أم لا؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر السائل لمتابعته لما ينشر في مركز الفتوى، ونسأل الله أن يوفق الجميع لنشر الإسلام وتعاليمه.
ونقول في الإجابة على السؤال: لا شك أن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض التي يجب على الأمة القيام بها، كما قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104] .
ومن المعلوم أيضاً أن من الوسائل المعينة على القيام بهذا الواجب قيام جماعة منظمة تربي أفرادها على قيم وآداب الإسلام من: صلاة، وصيام، وصدقة، ورباط، واعتكاف، وغير ذلك، لينشأ الشباب على منهج الإسلام وتعاليمه.
ولكن مما ينبغي أن ينتبه له القائمون على أمر التربية في هذه الجماعات هو الحرص على اتباع السنة، والبعد عن الابتداع في الوسائل التي يستخدمونها. والأصل في العبادات وكيفيتها التوقيف على صاحب الشرع، كما روى أحمد ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملاً ليس عيه أمرنا، فهو رد".
فاتخاذ مثل هذه الأعمال -وإن كانت في أصلها مشروعة بهذه الكيفية الثابتة والمستمرة- نوع من البدعة فيه مضاهاة للشرع باتخاذ ذلك سنة دائمة. والتخلف عن الاعتكاف أو قيام الليل لا يلام صاحبه، ولا يسمى متخلفاً عن الجهاد.
وهذا النوع من البدعة هو الذي يسميه الإمام الشاطبي في كتاب (الموافقات) بالبدعة الإضافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1423(5/427)
ما يجب على حديث العهد بالإسلام، وكيف ندعوه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا قرر نصراني معرفة الإسلام والدخول فيه بعد الاقتناع إن شاء الله هل يجوز له الزواج من مسلمة أم لا؟ وكيف أستطيع مساعدته؟ وكيف يكون مسلماً هل يجب عليه قراءة القرآن كله والاقتناع به أم إنه يكون مسلما فقط إذا قال لا إله الا الله؟
علما بأنه إسباني مما يجعل ثقافته الغربية تؤثر على ما يقرؤه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا أسلم الكافر صار منا، له ما لنا وعليه ما علينا، فلا يمنع من الزواج من مسلمة إذا توافرت في الزواج أركانه وشروطه المعتبرة، وإنما يدخل الكافر في الإسلام بالنطق بالشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاعتراف ببقية أركان الإسلام، كما جاء في حديث ابن عمر الذي أخرجه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله".
ولا يجب عليه أن يقرأ القرآن كاملاً، بل لا يجب عليه منه إلا ما يصحح صلاته كفاتحة القرآن، ولكن يجب عليه أن يؤمن به كله: بكل سورة من سوره، وكل آية من آياته، بل وكل حرف من حروفه، فلا يسعه إنكار حرف من حروفه، لأنه كله من عند الله.
أما ما ينبغي عليك حياله، فإن كنت رجلاً تستطيع أن تعلمه أركان الإسلام وفرائضه شيئاً فشيئاً، مبتدئاً بالأهم فالمهم بأسلوب سهل مبسط، تجمع فيه بين الحجة والإقناع والبيان الشافي الكافي الذي لا يخفى على مثله فافعل، وإلا فعليك أن تدله على ذي علم يتولى ذلك عنك، وفي كلتا الحالتين لن تحرم الأجر بإذن الله، والدال على خير كفاعله.
أما إذا كان السائل أنثى، فلتُحِلْ هذا الرجل إلى من يقوم بتعليمه أمر الدين، ولا تباشر هي شيئاً من ذلك معه خشية أن تؤدي مباشرتها لذلك إلى محظور شرعي من خلوة أو لين في القول أو غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(5/428)
الداعية يسعى بالوسائل المتاحة للارتقاء بأسرته ومجتمعه
[السُّؤَالُ]
ـ[يا سادة يا أفاضل أنا فتاة أعاني من مشاكل مع العائلة حيث إنهم لا يعطون اهتماما كبيرا - والله أعلم بما في القلوب- للناحية الدينية وأنا إذا أبديت أي نصيحة لهم (باللين) أجد التهكم والسخرية بأني لا أفهم شيئا وباقي إخوتي يشترون راحة بالهم ولا يناقشونهم في شيء والأخطاء التي أجدها كثيرة جدا حتى إذا أشرت عليهم أن يصلوا السنة مع الفرض لا يفعلون ويطلبون مني أن أذهب لحفلات أعراس الأقارب والتي تحتوي على كل أنواع الأخطاء وإذا رفضت أجد السب والشتم وبأنني أحرجهم أمام الناس وبأني يا ليتني مت قبل أن أولد وأمي تلطم على خدها وأبي يقاطعني بالأيام وأظل وحدي في غرفتي لا يكلمني أحد بالأيام. فماذا أفعل مع هذه العائلة؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لطاعته، وأن يعينك على فعل الخيرات. ونرشدك إلى الأمور التالية:
الأول: أن المسلم ينبغي له أن يكون صبوراً على ما يجد من البلاء في سبيل الله تعالى، وعاقبة الصبر دائماً إلى خير، وما أعطي المسلم عطاء خيراً من الصبر. وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر.
الثاني: أنه لا ينبغي للمسلم أن يضجر ويتسخط لأبسط المواقف، ويتشاءم من الواقع الذي يعيش فيه، وييأس من إصلاحه؛ بل عليه أن ينظر إلى الأمور من حوله نظرة تفاؤل، ويسعى بكل الوسائل المتاحة للارتقاء بأسرته ومجتمعه، متبعاً في ذلك أدب الإسلام من الرفق بالمدعوين واللين في القول وحسن العبارة، مع ثباته على الحق وكونه قدوة فيه.
الثالث: أن الله تعالى - ولحكمة يعلمها هو - قدر أن يكون الناس متفاوتين في تدينهم وعقولهم وإمكانياتهم، ولذا فعلى الداعية أن لا يطلب محالاً، بل عليه أن يرفق بالناس، ويعلم أن فيهم المحسن والمسيئ، وفيهم السابق بالخيرات والمقتصد والظالم لنفسه، وهو كالطبيب يعالج الجميع.
الرابع: عليك بطاعة والديك والتماس رضاهما فيما ليس فيه معصية لله، فإن في رضاهما في المعروف رضى الله سبحانه وتعالى، ففي الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضا الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد. وفي الترمذي أيضاً من حديث أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه، وتأكد أن محل وجوب طاعة الوالد هو ما إذا لم يأمر بما فيه معصية لله، فإن أمر بذلك فلا تجوز طاعته بحال؛ بل تجب مخالفته، وامتثال أمر الله.
فاحذري كل الحذر من أن تلبي طلبهم لك بالذهاب إلى الحفلات المختلطة أو المشتملة على أغانٍ بمعازف أو نحو ذلك من المنكرات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1423(5/429)
طريقة إعلان الإسلام ... والأمور المعينة على الثبات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما هي الخطوات التي يجب تتبعها لإشهار الإسلام؟ علماً بأنني لا أريد المواجهة مع أهلي علماً بأنني لا أعيش معهم الآن منذ أكثر من شهر؟ وهل يجوز إشهار الإسلام في السعودية ويعترف به قانونياً في مصر؟ علماً بأنني أعتنق الإسلام منذ شهرين ولكن سراً.
أفيدوني لأنني أعيش في أزمة وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نهنيء الأخت الكريمة باعتناق الدين الإسلامي، لأنه الدين الذي لا يقبل الله غيره، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85] .
ونسأل الله أن يتقبل منك إيمانك وعملك، ونقول:
إنه يمكنك إشهار الإسلام عن طريق المحاكم السعودية أو مراكز التعريف بالإسلام التابعة لدعوة الجاليات الوافدة على المملكة السعودية، وهذا الإشهار لا يمكن نقضه في أي مكان تذهبين إليه، لأنه من جهات رسمية في دولة معروفة، واعلمي أنه لا خوف عليك من الأذى، لأن الدولة التي تعيشين فيها ستوفر لك الحماية اللازمة، وكذلك الحال في مصر.
ومع هذا، فإننا ننصحك بأخذ الاحتياطات اللازمة لحماية النفس، لأن الله تعالى أمرنا أن نأخذ بالأسباب مع التوكل عليه.
وعليك في المرحلة المقبلة أن تبادري إلى تعلم أحكام الدين، والتعرف على قواعده وأصوله وأسسه، وذلك عن طريق ملازمة دروس العلم، والبحث عن الصحبة الصالحة التي تحض على الحق وتعين عليه.
قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:1-3] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1423(5/430)
هداية الإرشاد مهمة الرسل والدعاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يجوز الأخذ بالأسباب في هداية شخص مثلاً: أعطى رجلا موعظة فبكى بعدها فهل يجوز أن نقول لولا الله ثم فلان لم يهتد هذا الشخص هل يجوز هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالهداية على نوعين:
الأول: هداية توفيق وإلهام، وهذه لا يقدر عليها إلا الله تعالى، فقد نفاها عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأثبتها لنفسه. قال تعالى: (إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [لقصص:56] .
الثاني: هداية إرشاد وبيان، وهذا النوع ليس خاصاً بالله تعالى، فقد وصف به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى:52] .
ووصف به الأنبياء وأتباعهم من العلماء والدعاة في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلاً خيرا لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري ومسلم.
فالحاصل أنه لا حرج في أن يقال لولا الله ثم فلان لم يهتد هذا الشخص ما دام المراد من الهداية هو الإرشاد والبيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1423(5/431)
وسائل ناجعة لدعوة حديث العهد بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمان الرحيم
السلا م عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد فقد أسلمت خادمتنا وهي من الجنسية الفلبينية بعد أن أخبرتنا من قبل عن رغبتها في الإسلام. ولكن في المرة الأولى عندما أخبرتنا عن رغبتها في الإسلام أخبرناها بأن تكون مؤمنة بما تقول حتى لا ترتد عن الإسلام ومن ثم سألتنا مرة أخرى بأنها تريد الإسلام عن طيب خاطر وبأن قلبها وعقلها هم الدافعان إلى الإسلام (والحمد لله) . فسؤالي هو:
عند إسلامها بإذن الله ماذا علينا أن نفعل لإبقائها على دينها؟ بماذا ننصحها؟ وما هي الطريقة المثلى لإيصال الإسلام لها؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يسجل لكم حرصكم على الخير ودعوة الناس إلى دين الإسلام، وأبشروا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والواجب في دعوة الناس إلى الإسلام اتباع منهج خير الأنام عليه الصلاة والسلام بمراعاة ما يلي:
أولاً: بيان أصول الإيمان وأركان الإسلام بصورة واضحة ومبسطة، كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس حين وفدوا إليه.
ثانياً: التدرج معها في أمور الحلال والحرام، لأن التدرج سنة كونية وأمر شرعي ثابت في الكتاب والسنة، وهو أدعى للثبات على الدين، كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) [الفرقان:32] .
ثالثاً: ترجمة معاني وأخلاق وآداب الإسلام من خلال التعامل معها، لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه رجل من وجوه الأعراب فأعطاه عطاء، فذهب إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا، فإني قد جئتكم ممن يعطي عطاء من لا يخشى الفقر!!.
رابعاً: التأكيد على عقيدة الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكافرين، واختيار الصحبة الصالحة، لأن ذلك أنفع لها في الثبات والبعد عن الزيغ والانحراف.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1423(5/432)
واجبات الداعي إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد خدمة الإسلام ... فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن من أراد أن يخدم دين الإسلام، فعليه أن يقوم بالواجب عليه شرعاً، والواجب على المسلم أربعة أمور.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الأصول الثلاثة: اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلم أربعة مسائل:
الأولى: العلم، وهي معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
الثانية: العمل به.
الثالثة: الدعوة إليه.
الرابعة: الصبر على الأذى فيه، والدليل قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر] .
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لو ما لم ينزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم.
فإذا علمت ما يجب عليك تعلمه من دين الإسلام وعملت به، فعليك أن تدعو غيرك إليه بحكمة وبصيرة، وسر في هذا الطريق بصبر وثبات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1423(5/433)
الأمة الإسلامية واجبها السعي للتمكين للدين ولو قبل ظهور المهدي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأمة الإسلامية بانتظار الخلافة الراشدة وهل المهدي المنتظر يأتي إن شاء الله من بيت المقدس وأكناف بيت المقدس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على الأمة الإسلامية السعي لتحصيل النصر، والتمكين للدين، وقد دلنا الله تعالى على أسباب ذلك، وأمرنا بالأخذ بها، وأول ما أمر الله به الأمة هو السعي في تحصيل الإيمان الصادق، فإن المؤمن الصادق الإيمان لابد أن يكون هو الأعلى، كما قال عز وجل: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139] .
وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8] ، وقال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) [الصافات:171-172] .
وكذلك أمر الله تعالى بإعداد العدة العسكرية بعد العدة الإيمانية، كما في قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال:60] .
وأمر الله تعالى بموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، وجعل ذلك سبباً للنصر والتمكين، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة:56] .
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [آل عمران:100] .
وكذلك أمر الله تعالى بالصبر على كيدهم وأذاهم ومقابلة ذلك بعزيمة صلبة وإيمان قوي، ووعد بأن يصرف عنا كيدهم بذلك، فقال تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120] ، والصبر هنا يشمل الصبر على غزوهم الفكري كما يشمل الصبر على الغزو العسكري.
وجعل الله تعالى الاتحاد وعدم التفرق سبباً في النصر والظهور، كما جعل الفرقة سبباً في الهزيمة وذهاب الدولة، فقال تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46] ، والريح هنا بمعنى: الدولة.
وجماع ذلك كله العودة إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
وليعلم أن المهدي سيخرج من بلاد المشرق، كما صحَّ بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم".
قال الرواي: ثم ذكر شيئاً لا أحفظه، فقال: "فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي" رواه ابن حبان وغيره عن ثوبان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1423(5/434)
تتبع عورات الناس للغرض المذكور باب فساد لهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لأحد أن يخترق جهاز الكمبيوتر الخاص بالآخرين، ليطلع على أسرارهم وما يخزنونه في أجهزتهم أو على مراسلاتهم عبر البريد الإلكتروني بحجة أنه يريد دعوتهم وإصلاحهم؟ وعندما يكتشف أنهم يقومون بأعمال خاطئة أو محرمة يقوم بدعوتهم، ويبين لهم أنهم على خطأ، وقد يتراجع بعضهم ويرفض البعض، وهو لا يقوم بفضحهم مباشرة، أي إنه قد يقص على الناس شيئاً من تلك القصص وهو يقصد أن يوجههم ولا يذكر اسم من كشفه فهل هو على حق فيما يفعل؟
مع العلم أنه يدخل أحيانا على بعض المشاهير من الكتاب والمصلحين فيكتشف بعض أخطائهم ومخالفة أفعالهم لأقوالهم وما يدعون إليه، فينصحهم ويبين لهم زللهم، ولكن صورتهم تلك تهتز بالتأكيد، وقد يجر الأمر إلى تعميم ذلك على كل الدعاة أو المصلحين أو الكتاب، وقد يلمح أحيانا إلى ذلك دون ذكر أسماء بحجة التحذير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتتبع أخبار الناس والتجسس عليهم محرم،سواء كان في البحث عن عيوبهم أو للاطلاع على أخبارهم، لقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات:12] .
قال ابن حجر الهيتمي: ففي الآية النهي الأكيد عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تجسسوا ولا تحسسوا" رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
ومن شك في أحد أنه يرتكب معصية أو يخالف الشرع، فلا يجوز له التجسس عليه بمجرد الشك، لأن الأصل أن يحمل المسلمون على البراءة من الذنوب والمخالفات حتى يتبين خلاف ذلك، وحتى لو ظهرت له قرائن أو أمارات على المعصية أو المخالفة، فلا يجوز له أيضاً التجسس، إلا إن خشي فوات حرمة أو حق.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي في (الأحكام السلطانية) : إن كان في المنكر الذي غلب على ظنه الاستمرار به بإخبار ثقة عنه انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنا والقتل جاز التجسس عليه والإقدام على الكشف والبحث، حذراً من فوات ما لا يستدرك من إنتهاك المحارم، وإن كان دون ذلك في الريبة لم يجز التجسس عليه ولا الكشف عنه. انتهى.
وقال ابن مفلح في (الآداب الشرعية) : نص أحمد فيمن رأى إناءً يرى أن فيه مسكراً أنه يدعه، يعني لا يفتشه.
وما ذكرت في السؤال سوء ظن بالمسلمين وتتبع لعوراتهم، وتجسس على أخبارهم، وهمز ولمز لهم، وكلها محرمات في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل هي ظلمات بعضها فوق بعض، فعليه أن يقلع عن ذلك وإلا فضحه الله في بيته، فقد أخرج أبو داود عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته".
قال الألباني: حسن صحيح.
وتسويغ هذا الفعل المشين بأن القائم به إنما حمله عليه السعي في إصلاح أصحابه ودعوتهم إلى الخير، أقول: هذا التسويغ من تلبيس الشيطان، لأن الله لا يدعى إلى دينه إلا بما شرع وحلل، لا بما نهى عنه وحرم، هذا بالإضافة إلى ما في ذلك من مفاسد لمن يزعم أنه يريد اصلاحهم.
فقد أخرج أبو داود وابن حبان عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم".
والحاصل من فعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وسيتغفره، ويحلل ممن تجسس عليهم، أو همزهم أو اغتابهم قبل أن يأخذوا حقهم منه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1423(5/435)
دروس وعبر للدعاة في سورة المدثر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الدروس المستفادة للداعية من سورة المدثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي سورة المدثر دروس وعبر للدعاة إلى الله تعالى نجملها في الآتي:-
أولاً: - القيام بإنذار الناس ودعوتهم وترك الكسل والنوم والدعة ونحو ذلك، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر:1-2] .
ثانياً: - تعظيم الله تبارك وتعالى وإجلاله وبذل كل غال ورخيص في سبيل مرضاته، لأنه أكبر من كل شيء ورب كل شيء وخالقه، فلا يجوز للداعية أن يقدم على طاعته وخدمة دينه أحداً من المخلوقات مهما كانت قوته وجبروته؛ بل على الداعية أن لا يخاف من أحد في تبليغ رسالة الله سبحانه، كما قال الله تعالى في سورة الأحزاب (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) [الأحزاب:39] ، ودل عليه قوله تعالى في سورة المدثر (وربك فكبر) .
ثلاثاً: - تطهير النفس وتزكيتها من أدران الذنوب والمعاصي والغدر ونحو ذلك، وتطهير الثوب والبدن من النجاسات والمستقذرات ولبس المحرمات ليتوافق الظاهر مع الباطن، وهذا مأخوذ من قوله تعالى:
(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر:4] .
رابعاً: - هجر المعاصي والسيئات والبعد عن أهلهما إلا لتبليغهم رسالة الله ودعوتهم إليها، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [المدثر:5] .
خامساً: - عدم رؤية العمل الصالح والمن بكثرته فإن ذلك يحبطه ويذهب بركته ويورث الغرور، ومهما بلغ الداعية في الجهد وتحمل المشاق في سبيل الله تعالى ونصرة دينه فلا يساوي شيئاً مقابل نعم الله التي أنعم بها عليه في الدنيا، وما ادخره له في الآخرة من النعيم والمتعة، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر:6] ، وقيل في معنى قوله تعالى (ولا تمنن تستكثر) لا تعط العطية تلتمس أكثر منها.
سادساً:- الصبر والتحمل في سبيل الدعوة إلى الله تعالى وتحمل اتهامات الآخرين وكذبهم على الداعية ووصفه بما ليس فيه، وكذلك سعيهم لضربه أو سجنه أو قتله ونحو ذلك، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) [المدثر:7] .
سابعاً: - النظر في عواقب المكذبين وهلاكهم والنظر في عواقب المتقين وحسن جزائهم، وهذا يحمل الداعية إلى الزهد في الدنيا وشهواتها والإقبال على الآخرة ونعيمها، فلا يبالي بما يعترضه في طريقه من معوقات وحواجز لأن العاقبة له، وهذا مأخوذ من قوله تعالى (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُور* فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) [المدثر:8-9-10] ، ومن قوله تعالى عن الوليد بن المغيرة (سأصليه سقر ... ) ومن قوله تعالى (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ) [المدثر:39-40-41] ، فبين الله أن عاقبة الكافرين سقر، وعاقبة المتقين جنات النعيم.
ثامناً: - الثبات عند الابتلاءت والامتحانات، وهذا مأخوذ من قوله تعالى في بيان حكمة تحديد عدة خزنة نار جهنم بتسعة عشر (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [المدثر: من الآية31] ، وأعظم أسباب الثبات العلم والإيمان، فينبغي للداعية دائماً الارتقاء فيهما والتزود منهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(5/436)
الدعوة البصيرة لا تسلك أساليب غير مشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرت في الآونة الأخيرة أعمال غنائية لمجموعة تدعى (Soldiers of Allah)
وخلال الموقع الخاص بهم تبين أنهم ليسوا مجموعة من المجاهدين إنما هم يقومون بشرح الإسلام إلى من هم ليسوا على دين الإسلام بأسلوب مخاطبة مفهوم لديهم وهو الموسيقى
ومن خلال كلمات الأغاني يتضح أنهم لا يسيئون إلى الإسلام ولكن سؤالي هو هل تصح طريقة دعوتهم للإسلام لمخاطبة هذه الفئة من الناس؟
وما هو موقف علماء الإسلام من هذه الأعمال؟
جزاكم الله خيرا على الافادة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله أجمعين أما بعد:
فهذه الطريقة غير صحيحة في الدعوة إلى الله، لما فيها من المحاذير الشرعية من غناء وموسيقى وكل ذلك محرم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم 5282 ولما قمنا بالاطلاع على الموقع المذكور في السؤال وجدنا صور نساء متبرجات، وهذا منكر آخر.
والحاصل أن هذا ليس سبيلا للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والواجب الحذر من أعمال هؤلاء هداهم الله للرجوع إلى الحق وإلى سبيل النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى، ثم ينبغي لهم ولغيرهم أن يعلموا أن الغاية لا تبرر الوسيلة، وأن الله تعبدنا بالوسائل كما تعبدنا بالغايات.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1423(5/437)
تشرع الدعوة إلى الله بكل وسيلة صحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
يشيع في بلدنا استخدام صور لاسم الله موجودة في قلب إنسان أو داخل سمكة، أو لا إله إلا الله مكتوبة بأغصان الأشجار، أو صورة لمسجد في تركيا غير مدمر وحوله كل شيء مهدم بعد الزلزال الذي أصاب تركيا، أو أن رائد الفضاء سمع صوت الأذان فوق القمر....إلى غيرذلك يشيع استخدام ذلك للدعوة إلى الله فهل هذا مجد وجائز؟.
وجزاكم الله خيراّ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما كان من ذلك صحيحاً وواقعياً فهو من دلائل التوحيد، ومن براهين ربوبية الله سبحانه وتعالى، ولا بأس حينئذٍ في استخدام صور ذلك في الدعوة إلى الله، ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام، بل من يفعل ذلك فهو مأجور إن شاء الله.
وعندما يرى هذه الصور المسلمون فإن إيمانهم يزداد ويقوى، وعندما يراها غير المسلمين فعسى أن يكون سبباً في هدايتهم للإسلام.
أما إذا كانت هذه الشائعات غير صحيحة فلا يُلتفت إليها، وأدلة التوحيد العقلية والنقلية والمشاهدة تغنينا عن الترويج للدعوة الإسلامية بالكذب والخرافات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1422(5/438)
النصيحة المزينة بالآداب الشرعية تدخل شغاف القلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[1-أنا شاب من الله علي بالإستقامة ولله الحمد ولكن يوجد في بيتنا بعض المحرمات خاصة من قبل الأهل مثل: 1- والدتي تكشف على الكثير من أقاربنا ووالدي كذلك. وأخي لايغطي زوجته عني وعن إخواني وأنا ليست لدي الجراءة على نصحهم.
2-كما يوجد في البيت جهاز الدش الرقمي ولا أستطيع أن أنكر عليهم وإن حصل لا يستمعون لي.
3-والدي وإخواني مقصرون في الصلاة وفي بعض الواجبات الدينية. لا أدري كيف أنصحهم علماُ أني أعذر نفسي دائما بأني أحتاج إلى المزيد من العلم والجراءة والثبات.
عذرا اطلت عليكم في الأسئلة لكني محتاج هذه الإجابات جدا.
هذا والله يرعاكم ويحفظكم.
4-
5-]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكرته في سؤالك منكرات عظيمة حلت في كثير من بيوت المسلمين، واستهان بها كثير من الناس في زماننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والواجب عليك الآن هو إسداء النصح لهم مع الصبر والمصابرة في ذلك، ولا ينبغي أن يكون قلة العلم عائقاً لك عن إسداء النصح وإنكار المنكر، فهذا من تلبيس إبليس، ولكن عليك بالتلطف في ذلك، فإن معاملة الوالدين بالإحسان واجبة على كل حال، قال تعالى:
(وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [لقمان:15] ونوصيك بأن تكثر من الدعاء لأهلك جميعاً، خاصة في الثلث الأخير من الليل وفي سجودك، بصلاح الحال والاستقامة على طاعة الله عز وجل.
وأما عن كيفية النصيحة فاتبع الآداب الآتي:
أولا: املأ قلبك بالشفقة عليهم، وأخلص لله تعالى في إبداء النصيحة، واجعلها ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، فإن هذا عون لك على إصلاحهم.
ثانياً: تخير أحسن الطرق وأفضل الوسائل، كإهداء شريط أو كتيب يتحدث عن المنكر الذي ترغب في تغييره ويقع فيه الأهل.
أو الاتفاق مع خطيب الجمعة الذي يصلون معه على أن يتكلم عن ذلك الموضوع…وهكذا
ثالثا: تخير أفضل الأوقات، فالوقت المناسب عامل مهم في قبول النصيحة، فوقت الغضب لا يصلح لإسداء النصح، والمنهك في عمل عقله منشغل بما يعمل فيه.
رابعاً: انتقاء أفضل الكلمات، فانظر إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام كيف كان يخاطب أباه المشرك بألطف العبارات وأرق الكلمات، فيقول الله تعالى في سورة مريم (إذ قال لأبيه يا أبت لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً* يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعتني أهدك صراطاً سوياً* يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً* يا أبت أني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً) [مريم:42،45]
خامساً: تجنب النصح علانية فإن ذلك يأتي بنتيجة عكسية، فالنصيحة في السر أدعى للقبول، وفي ذلك يقول أحد السلف (من نصح أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فقد ذمه وشانه) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين أجمعين. وللسائل الكريم أن يستفيد من أجوبة سابقة فيها بيان للأحكام الشرعية للأسئلة التي ذكرها وهي تحت الأرقام التالية 3783 3819 3910 8975 1048 4827 7836 12851
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1422(5/439)
الدعوة إلى الله تحتاج إلى بصيرة وصبر وتدرج
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الجزاء وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم
يعمل معي بعض الخبراء الأجانب وقد عرضت عليهم الإسلام فوجدت واحداً منهم نصرانياً والآخر بوذياً وقد تقبلوا الكلام بصدر رحب ولكني أفتقر إلى الأسلوب والتدرج في الدعوة مع هؤلاء فأرجوأن تدلوني على الطريقة أو الأسلوب وجزاكم الله خيرا.
معذرة هل هناك مواقع على الإنترنت متخصصة في تعليم الدعوة الفردية والجماعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أراد أن يدعو غيره إلى الله فيلزمه أن تكون دعوته على بصيرة لأن الله يقول: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) [يوسف:108] والبصيرة هنا هي العلم بما تدعو إليه، والعلم بحال المدعو، والعلم بالطريقة التي توصل الحق إليه.
فعليك أن تتدرج في الدعوة إلى الله، وانظر في ذلك الجواب رقم:
7583
وقد يستغرق منك ذلك وقتاً، لكن عليك بالصبر في هذا الطريق، واحتساب الأجر عند الله، فإن الله سينقذك من النار بذلك إذا أخلصت فيه، وكل ما يعمله من هدي على يديك من خير فهو في ميزان حسناتك، واستعن على ذلك بالكتيبات الخاصة بالإسلام، والمترجمة إلى تلك اللغات، واستشر في ذلك من تعرف من طلبة العلم والدعاة إلى الله، وجزاك الله خيراً، وبإمكانك الدخول إلى المواقع الدعوية على الإنترنت لتستفيد منها، وستجد كثيراً منها في موقع: sultan.org/a/
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1422(5/440)
حكم إلقاء الدروس قبل الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل يجوز إلقاء الدروس قبل خطبة الجمعة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إلقاء الدروس من أجل تعليم الناس وإفادتهم في أمر دينهم أمر محمود، وهو من أهم وسائل الدعوة، فإذا كان لهذا الغرض فهو مشروع قبل خطبة الجمعة وبعدها، وفي كل وقت، ما لم يكن فيه تشويش على المصلين، أما إذا كان من أجل الجمعة بحيث يعتقد أنه من الأمور المطلوبة في يوم الجمعة، والخاصة بها، فهذا لا ينبغي لأنه لم يكن من عمل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من عمل أصحابه، بل ولا من عمل السلف الصالح، وتخصيص نوع من العبادة بوقت من الأوقات من الأمور التوقيفية التي لا بد فيها من إذن من الشارع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(5/441)
إرشادات لدعوة الزوجة للالتزام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، زوجتي على قدر من الدين لا بأس به ولكنها غير ملتزمة كليا وأنا لا أريد أن أجبرها على الالتزام فما الحل جزاكم الله، ولو سمحتم اذكروا بعضا من آيات القرآن أو الأحاديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي لك مناصحة زوجتك بالحسنى فيما عندها من أوجه التقصير في جنب الله جل وعلا، سيما إذا كان التقصير بترك الواجبات أو فعل المحرمات، كالتبرج أو استماع الأغاني الماجنة. واعلم أنك مسؤول عنها، فيجب عليك نصحها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وحملها على الالتزام بالدين، قال تعالى: (يا أيها الذين قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) [التحريم:6] وقال صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته" رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" رواه ابن حبان فهذه بعض الآيات والأحاديث التي تدل على وجوب القيام على الأهل تعليماً وإرشاداً وإنكاراً، فاحرص على ذلك، واستعن عليه بكثرة الدعاء والاستغفار، وكن حازماً - في بعض الأحيان- إذا اقتضى الأمر ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1422(5/442)
جماعة التبليغ ... ورأي أهل العلم فيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في جماعة التبليغ وما يقومون به من أعمال كالخروج والجولات؟
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجماعة التبليغ: جماعة دعوية لها أثرها الواضح والمشهود في مجال الدعوة، وقد اختلفت حولها كلمة العلماء والدعاة والنقاد بين مؤيد ومعارض، ومادح وقادح، فمنهم من ذمها وعارضها بإطلاق، ومنهم من مدحها وأيدها بإطلاق، والمحققون من أهل العلم سلكو معها سبيل الإنصاف، فقبلوا منها ما وافق الدليل، وردوا عليها ما لم يكن كذلك، وهذا هو الذي ينبغي فعله مع هذه الجماعة وغيرها من الجماعات التي تعمل للإسلام. وأما بخصوص الخروج للدعوة فهو جائز إجمالاً، لكن تحديده بأربعين يوماً، أو بثلاثة أيام… إلخ لم يرد عليه دليل معتبر شرعاً -فيما نعلم- وقد سبق جواب بخصوص الجولات والزيارات نحيلك عليه رغبة في عدم التكرار وهو برقم 8524 وجواب آخر بخصوص العمل مع جماعات الدعوة على مختلف أشكالها وهو برقم. 5900
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1422(5/443)
يهجر تارك الصلاة إذا لم ينتفع بالنصح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مصاحبة المسلمين الذين لا يصلون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تارك الصلاة تجب مناصحته ودعوته إلى الحق، وتحذيره من العقوبات المترتبة على ترك الصلاة في الدنيا والآخرة لعله يتوب إلى الله تعالى، فيتوب الله عليه.
فإن لم يفد فيه النصح وجب هجره والابتعاد عنه.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1422(5/444)
الآداب الشرعية لدعوة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نحن مجموعة من الشباب وفقنا الله سبحانه لارتياد المساجد في بلاد الغربة ثم أكرمنا بفكر دعوة الالمان فكوننا ولله الحمد لجنة بمسجدنا للقيام على ذلك وانتظمت لنا أنشطة في هذا الباب من جولات للتعريف بالاسلام وسط الشوارع ومحاضرات وموقع على الانترنت إلى تنظيم زيارات للمسجد وهنا تكمن استشارتنا ففي مثل هذه الزيارات لفت نظرنا كثرة إقبال النسوة على هذه الزيارات مما جعل بعض الاخوة يلومنا على سماحنا لنسوة بالدخول إلى المسجد دون حجاب بل إن بعضهم اعتبر زيارة المسجد لغير المسلمين غير مقبولة شرعا
فما هي الظوابط الشرعية في هذه الحالة؟
وهل صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أدخل مسجده كفارا لغرض دعوتهم
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبارك الله فيكم وفيما تقومون به من الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه وشرعه. أما ما سألتم عنه من حكم دخول الكافر المسجد فقد سبقت الفتوى بذلك برقم 4041 وملخصها أنه يجوز إدخال الكافر المساجد، إلا المسجد الحرام، إن دعت الحاجة إلى دخوله، لدعوته إلى الإسلام وترغيبه فيه، والذي ننصحكم به في دعوتكم مع النساء خاصة أن تلتزموا جانب الحذر، فالنساء حبائل الشيطان، والفتنة بهن عظيمة، فيقتصر الكلام معهن على الدعوة، وما تدعو إليه الحاجة مع غض البصر عنهن، وأن تحرصوا على أن يكون مع من يدعوهن زوجته أو إحدى محارمه لئلا يكون رجل مع امرأة بمفردهما، وألا يكون الباب مغلقاً، فإنه ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما.
ولا نرى مانعاً من دعوتهن بهذه الضوابط، ولعل في حسن التزامكم بآداب الإسلام أعظم وسيلة في الدعوة والتأثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1422(5/445)
كيف يكون الإنسان داعية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أكون داعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فنظراً لأهمية الدعوة إلى الله تعالى، حيث هي عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم، كان لا بد للقائم بها من التحلي بصفات وآداب أساسية ذكرها أهل العلم في مصنفاتهم، وإليك ملخصها فيما يلي:
1 - الإيمان العميق بما يدعو إليه: فإنه بقدر إيمان الداعية بدعوته، وتفهمه لضرورتها وحاجة الناس إليها ينجح في دعوته قال تعال: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) [مريم: 12] . وقال: (فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) [الأعراف: 145] . كما كان تصميم النبي صلى الله عليه وسلم على المضي في الدعوة تصميماً قوياً يقطع جميع أنواع التردد والمساومات.
2 - الاتصال الوثيق بمن يدعو إليه: فالداعية أحوج الناس إلى الاتصال الوثيق بالله عز وجل ليستمد منه العون والتوفيق، ومن مظاهر هذه الصلة الوثيقة بالله:
- إخلاص النية لله سبحانه في هذه الدعوة، فلا يرجو من ورائها إلا رضاه سبحانه، ولا يتطلع من ورائها إلى مكاسب شخصية، أو منافع دنيوية، وألا يتخللها شيء من الرياء. وحديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم جهنم معروف ومشهور رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم، وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار".
إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين ضرورة الإخلاص وأهميته، ولا يخفي أنه شرط لقبول العمل.
- محبة الله عز وجل، والإكثار من عبادته وذكره، والإكثار من النوافل وفي الحديث: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه" رواه البخاري.
فأي شيء أعظم من محبة الله سبحانه لعبده! وأي توفيق أعظم من هذا التوفيق، وأي تأييد أعظم من هذا التأييد الذي يكون لمن أحب الله، والداعية أحوج ما يكون إلى التوفيق والتسديد وإجابة الدعاء.
3 - العلم والبصيرة بما يدعو إليه: قال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) [يوسف: 108] . وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله: باب العلم قبل القول والعمل، والداعية الجاهل يضر بالدعوة ويشوهها، ويفقد الناس ثقتهم بصدقها وأهميتها، وكيف يأمر وينهى من لا يعرف الأمر والنهي؟! والكلام حول العلم وأهمية للداعية يطول.
4 - العمل بالعلم والاستقامة في السلوك: فلا خير في داعية لا يوافق عمله علمه، ولا يستقيم سلوكه، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [الصف: 2-3] ، والداعية الذي لا يعمل بعلمه يفقد المصداقية عند الناس، ويفضح يوم القيامة.
قال صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه" رواه البخاري ومسلم.
5 - الوعي الكامل: وهو إدارك ما يحيط بالدعوة، فلا يغني العلم عن الوعي، فلا بد للداعية من وعي شامل بعدة أمور:
- بواقع الدعوة ومتطلباتها في عصره.
- بواقع المدعوين من حوله.
- بواقع الداعية نفسه، وما يحيط به من ظروف وأحوال.
فإذا لم يع الداعية هذه الأمور تخبط في دعوته، وجرّ إليها النكبات والكوارث من حيث يريد الإصلاح، شعر بذلك أم لم يشعر، فعلى أساس هذا الوعي: توضع الخطط، وتحدد الأولويات، وتعقد الموازنات، وبالوعي تكتمل بصيرة الداعية بدعوته.
6 - الحكمة في الأسلوب: فعلى الداعية أن يكون حكيماً في أسلوب دعوته، يختار لمن يدعوهم الأسلوب الحسن المناسب، إذ الحكمة (وضع الشيء في موضعه) ، وما أحسن قوله تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) [البقرة: 269] . كما أمر الله باتباع الحكمة فقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125] . إذاً الحكمة اختيار الأسلوب المناسب في الوقت المناسب بحسب حال المخاطب.
7 - التخلق بالخلق الحسن: وهذه أهم صفة توثق صلة الداعية بالمدعوين، وقد مدح الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، ووصفه بحسن الخلق، فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم: 4] ، وبين سبحانه أهمية الخلق في باب الدعوة بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159] ، ولا شك أن حسن الخلق شأنه عظيم.
ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً" رواه الترمذي، وقال حسن صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء" رواه الترمذي، وقال حسن صحيح.
ومن هنا فلابد للداعية أن يجاهد نفسه، للتحلي بالأخلاق الحسنة، واجتناب الأخلاق السيئة.
8 - إحسان الظن بالمسلمين: فعلى الداعية أن يحسن الظن بالمسلمين، وأن يجري أحكامه فيهم على الظاهر، ويكل أمر السرائر إلى الله تعالى، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" رواه البخاري ومسلم، ولا يستلزم إحسان الظن بالناس الغفلة عن واقعهم، والسكوت عن أخطائهم، ولكنه قد يستلزم حمل أقوالهم وأحوالهم على الأصلح، كما لا يتعارض حسن الظن مع الحذر، فإن المؤمن كيس فطن.
9 - أن يستر على الناس عيوبهم: قال تعالى محذراً من إشاعة الفاحشة في المؤمنين: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [النور:19] .
ويكفي في فضيلة الستر قوله النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يستر عبد عبداً في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة" رواه مسلم.
10- أن يخالط الناس حيث تحسن الخلطة، ويعتزلهم حيث يحسن الاعتزال.
11- أن ينزل الناس منازلهم، وأن يعرف لأهل الفضل فضلهم. ففي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم" رواه مسلم تعليقاً في مقدمة صحيحه، وحسنه العجلوني، وصححه الحاكم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا" رواه أبو داود، والترمذي، وقال حسن صحيح.
12 - وأخيراً: أن يتعاون مع غيره من الدعاة ويتشاور ويتناصح معهم لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة: 2] .
فالعمل الدعوي من أعظم أوجه البر الذي يتطلب التعاون والتناصح والتشاور. قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) [الشورى: 38] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" رواه مسلم.
هذه مجموعة من الصفات والآداب اللازمة للمسلم، ليكون داعية موفقاً في دعوته، ولمن أراد المزيد الاطلاع على ما كتب في هذا الباب وهو كثير، ومن ذلك: أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان، ومدخل إلى علم الدعوة لمحمد أبي الفتح البيانوني. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1422(5/446)
زيارة الناس لدعوتهم إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[الدعاة إلى الله هنا تخرج تقريبا منهم جماعة تقوم بزيارات للناس تستأذنهم وتدخل عليهم هل هذا من السنة أم بدعة مع أنهم يستأذنون قبل أن يدخلوا فإن كان هناك رجال دخلوا ليذكروهم وإن كن نساء خرجوا وذهبوا بزيارات للناس في ديارهم أريد الجواب بالأدلة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في زيارة الناس من أجل تذكيرهم ودعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى، إذا روعي في ذلك التقيد بضوابط الشرع وآدابه في الزيارة، بل إن القيام بهذا العمل يعدُّ من أفضل القرب، والسعي فيه يدل على علو همة الساعي، وحبه الخير للجميع، مما يعني كمال إيمانه، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه.
وقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل ليؤمنوا به، ولينصروه، قال ابن اسحاق: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم إذا كانت على قبائل العرب، يدعوهم إلى الله، ويخبرهم أنه نبي مرسل، ويسألهم أن يصدقوه، ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به.
وقال أيضاً: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره، كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام، ويعرض عليهم نفسه، وما جاء به من الله من الهدى والرحمة، وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له، فدعاه إلى الله، وعرض عليه ما عنده. الروض الأنف للسهيلي (2/237) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1422(5/447)
الموعظة النافعة التقوى ومعايشة واقع الناس ومعالجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوا منكم كتابة موضوع عن موعظمة يكون بأسلوب مؤثر حتى أتمكن من إلقائه على عامة الناس في مجالسهم؟ وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من تمام فائدة الكلام وبلاغته مطابقته لمقتضى أحوال المخاطبين الموجه إليهم والمراعاة فيه لمستوياتهم الثقافية والاستعدادية، إذ الناس يتفاوتون ذكاء وغباوة، وفهماً وبلادة. وكل لا بد أن يخاطب بما يناسب مستواه ووعيه. ولهذا فقد يكون من غير المفيد الكتابة عن موضوع خاص وبأسلوب معين ليلقى فيما بعد على من لا يعرف الكاتب مستوياتهم العلمية، ولا حدود قدراتهم الذهنية، ولا المشكلة التي يعانون منها. فحبذا لو كتبت لنا - ولو أقل القليل- عن حال من تريد أن تعظهم. أو عن المشكلة التي تريد أن تعالجها حتى لا يكون الكلام في واد والمخاطبون في واد آخر، الأمر الذي قد يقلل أو يعدم الفائدة المرجوة منه لوقوعه في غير موقعه، فلو رجعت أيها السائل إلى المراجع الصحيحة واستخرجت منها من الفوائد ما يناسب جماعتك، ويتماشى مع واقعهم الذي يعيشونه لكان ذلك أكثر نفعاً وأتم فائدة. ولا بد من التأكد من صحة مضمون الفائدة التي ستلقيها، وذلك عن طريق عرضها على أهل العلم حتى لا تكون ممن يقول على الله بغير علم. ولا بد أيضاً من تصحيح النية وإخلاصها لله وحده امتثالاً، لقوله عز وجل: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) [النحل:125] وقوله صلى الله عليه وسلم: " بلغوا عني ولو آية" رواه البخاري. ومتى ما كان إرشاد الناس ووعظهم عن علم وصدق نية فلا بد أن يتأثروا به، ويستفيدوا منه في الغالب.
لا سيما إذا انضم إلى ذلك ما تقدم من مراعاة أحوالهم ومعايشه واقعهم.
وهناك أمر آخر لا يقل أهمية عما سبق ألا وهو التحلي بتقوى الله امتثالاً واجتناباً لكل أحد، لا سيما الداعية. فلا بد أن يطبق ما يدعو إليه في جميع حياته حتى لا يكون هناك تناقض بين ما يدعوا إليه وبين ما يطبقه هو في نفسه. ولذلك قالوا: إذا حدث الرجل القوم فإن حديثه يقع في قلوبهم موقعه من قلبه. وقال مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا. وقال الشاعر الحكيم:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويقتدي بالقول منك وينفع التعليم
وبهذا تعلم أن تأثر السامعين بالكلام واستفادتهم به أمر لا يحصل بحفظ المواعظ، ولا بسرد الخطب، وإنما هو أمر يهبه الله تعالى لمن شاء من عباده المتقين العاملين بعملهم.
نسأل الله لنا ولك التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1422(5/448)
حكم العمل مع الجماعات الإسلامية.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل مع جماعة التبليغ والدعوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن العمل الجماعي نوع من التعاون والتناصر والتآخي على الحق، ولذا فهو مشروع مرغب فيه لعموم الأدلة الدالة على فضيلة الجماعة والاتفاق والتعاون. ما لم يتخذ ذلك ذريعة إلى التحزب والتعصب للأسماء والشعارات، أو رفض الحق وإنكاره حين يأتي من خارج جماعته. وإذا كانت الجماعة المذكورة تتبنى منهج أهل السنة والجماعة في المعتقد والفكر والسلوك والمنهج جاز لك التعاون معها ومناصرتها وتأييدها في ما عندها من الحق. وينبغي أن يكون معلوماً أن الحق لا يعرف بالرجال، وأن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم. وأما غيره فإن طاعته مقيدة بطاعة الله ورسوله. كما ينبغي للمسلم أن يوطن نفسه على قبول الحق من كل من جاء به، مهما كان شأنه أو انتماؤه. وننصح كل من يتعاون مع هذه الجماعات أن يكون واضحاً صريحاً في منهجه، يبين لإخوانه أنّ ولاءه للحق، وأنّ عمله مع مجموعة ما، لا يعني براءته أو كرهه لغيرها، بل كل مؤمن يوالي، ويحب على قدر طاعته ودينه من أي طائفة كان. وأما عقد الولاء على اسم أو شعار أو شخص فهذا من فعل أهل البدع، ومن زعم أنه يجب مبايعته أو مبايعة طائفته، ونزّل أحاديث البيعة في ذلك فهو مبتدع مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، فإن البيعة المذكورة في الأحاديث إنما هي للإمام العام الذي يجتمع عليه الناس، وليكن معلوماً أيضاً أن هذه الجماعات وإن كان قصد أصحابها نصرة الحق والدعوة إلى الالتزام بالإسلام إلا أنها ليست على قدم سواء في سلامة المنهج وشموله لجوانب الإسلام المختلفة. والإسلام ليس محصوراً في شيء منها ... وقصارى أمرها أن تكون طرائق في الدعوة وفهم الإسلام، والإسلام حاكم عليها، وأكثر المسلمين لا يتبعون أياً من هذه الجماعات وفيهم العلماء والدعاة والمجاهدون. فيجب أن نفقه أسباب نشأة هذه الجماعات، وأن نضعها في إطارها الطبيعي، وألا تنقلب الوسائل إلى غايات تفضي إلى نقيض المقصود. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/449)
بذل النصيحة والدعوة بالحكمة تؤتي ثمارها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة فضيلة الشيخ سؤالي أنا شاب هداني الله وجعلني من المصلين بعد ما كنت لا أعرف الطريق إلى السجد ولكن عندي مشكلة وهي أنه يوجد في البيت من لا يحافظون على الصلاة في وقتهاالصحيح ويوجد الذي لا يصلي فبم تنصحونني في ذلك وأيضا هل يجب علي كلما ذهبت إلى الصلاة أن أدعوهم إليها وهل يكون ذلك بدعوتهم لها مرة واحدة أو أكثر وهل أصر عليهم وإن كان ذلك فكيف يكون ذلك وهل يجب علي أن أوقظهم كل صلاة فجر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أعظم نعم الله على العبد أن يوفقه لطريق الخير وأن يمن عليه بطاعته، وعلى من وفقه الله لطاعته أن يكون شفيقاً رحيماً بمن كانوا على مثل حاله، وأن يحب لهم الخير، قال تعالى: (كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم) [النساء: 94]
وعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم. وأحب من تبذل إليهم النصيحة هم أقرباؤك وأهلك ومن يجاورونك في البيت، فتبين لهم مكانة الصلاة في الإسلام، وأن الله جل وعلا وقَّتَ لها وقتاً معلوماً: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) [النساء: 103]
ومن تجب عليه في المسجد فإنه يأثم إذا صلاها في البيت إلا لعذر. ولا تمل النصيحة والدعوة إلى الله، بل عليك أن تقوم بهذا العمل كلما رأيتهم على شيء لا يرضي الله تعالى. فقد يستجيبون لنصحك ولو بعد حين، ولك في رسل الله أعظم أسوة. واعلم أن أجرك واقع على الله كلما دعوتهم، سواء استجابوا أو لم يستجيبوا، واعلم أيضا أن من أعظم البر أن يبتلى العبد بأقارب يفرطون في حق الله فيكون سبباً في طاعتهم لله جل وعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/450)
تنويع أساليب الدعوة قد تشوق المدعو وتلين قلبه.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نصيحتك لشخص يظلم الناس وخاصة الصالحين منهم ويشتمهم ويسبهم في أعراضهم، علما أنه متهاون في الصلاة ويشرب المسكر، خاصة أن أقاربه يئسوا من صلاحه لأنه لايستجيب للنصيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من كان متصفا بما ذكرت من الانحراف ينبغي أن تراعي في نصيحته حالته النفسية، فقد يكون من نصحه لم يراع ذلك فللدعوة أساليب متعددة، تقتضيها حالة المدعو فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته يراعي أحوال المدعوين، في منازلهم وطباعهم، وقربهم وبعدهم من الخير.
وقد أرشد القرآن إلى هذه الأساليب بقوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125] .
فقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل في بعض الحالات أسلوباً من الرفق لا يجارى، من ذلك حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فلما زجره بعض الصحابة بشدة قال صلى الله عليه وسلم "لا تزرموه"، أي لا تقطعوا عليه بوله وقال اتركوه حتى إذا انتهى من بوله دعاه فقال له: "إن هذه المساجد إنما بنيت للصلاة والذكر، ولا تصلح لشيء من القذر والبول". أخرجه البخاري.
ومن ذلك حديث الشاب الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يبيح له الزنا، فدعاه صلى الله عليه وسلم فجعل يسأله: أتحب الزنا لأمك؟ فيقول: لا والله. جعلني الله فداك فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ فيقول لا والله جعلني الله فداك فيقول صلى الله عليه وسلم ولا الناس يحبونه لبناتهم " رواه أحمد.
فبهذا الأسلوب اللطيف اللين تخلص هذا الشاب من الفاحشة، وأصبح الزنا هو أبغض شيء عنده.
واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في حكمته في الدعوة يمكننا أن ننصح هذا الرجل بأساليب تمليها علينا حالته النفسية، واتجاهه الفكري.
فتذكر له ما جاء من الوعيد في انتهاك أعراض الناس التي شبهها الله بأكل ميتة الآدمي، قال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً) [الحجرات: 12] .
ويبين له خطر التهاون بالصلاة التي هي عماد الدين، وخطر المسكر كذلك وضرره على الدين والنفس، ثم نوجه إليه النصح عن طريق أصدقائه الذين هم محل الثقة عنده، لعل الله أن يهديه فإن فشلت هذه الأساليب في تحقيق الهدف استعملنا له الأسلوب الآخر كالهجر، ومنعه بعض ما في أيدينا مما يحتاج إليه..و.. كتبليغ السلطات، إن كان ذلك مما يفيد في زجره.
ونستشير أهل العلم والرأي ممن يسكنون بالقرب من المنزل ويصلون في المسجد.. لعل الله أن يجعل في شيء من ذلك ما ينفع. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/451)
حكم الصلاة خلف الإمام المبتدع
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يكاد يخلو مسجد من مساجدنا من المحدثات وبدون مبالغة، لأننا نعيش ضمن الواقع في بلدنا سوريا، وخاصة من أئمة المساجد أو المؤذنين ـ والذين لا يملك أغلبهم مؤهلات لذلك ـ والله أعلم.
أما أصحاب المؤهلات فلا يحق لهم ذلك، لأنهم متمسكون بالسنة وقد أطلقوا عليهم مسميات كثيرة منها ـ سلفيون ـ وعند السؤال والنصح لهم بأدب والله, يقولون الشيخ فلان والعالم فلان أنت تعرف أكثر منهم ولا يتراجعون، وتراهم متمسكين بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وإن النفوس ـ والله ـ ضاقت، والأمة ـ إلا ما رحم الله ـ تسير إلى الذل وهي تعتقد أنها تعبد الله على الحق، وأنتم ترون ما يحدث للأمة الإسلامية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله على أن هداك للتمسك بالسنة، ونوصيك بالصبر ودعوة الناس إلى الخير برفق وتحفيزهم على التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع شؤونهم، وأن يجعلوا الإسلام منهجًا لحياتهم، وأن يلزموا طريق الاستقامة، وأن يوقنوا بأن العاقبة للتقوى.
وأما ما ذكرته من أن أئمة الصلاة الرسميين في بلادك غيرُ مؤهلين لتلك المهمة ـ فلا يخلو حالُهم من أن يكونوا صحيحي الاعتقاد ملتزمين بالسنة في الجملة، وهؤلاء تصح الصلاة خلفهم بلا خلاف.
أو يكونوا منتسبين للإسلام مع تمسكهم بشيء من العقائد الفاسدة التي توجب الخروج من الإسلام، كاعتقاد النفع والضر في الأموات، أو دعائهم والالتجاء إليهم، أو اعتقاد أن الله يَحِلُّ في مخلوقاته، أو أنه لا فرق بين الخالق والمخلوق، أو أن الأولياء يعلمون الغيب، أو أن الولي يصل إلى مرحلة يسقط عنه فيها التكليف، ونحو ذلك من موجبات الردة، فهؤلاء ـ إن أقيمت عليهم الحجة ـ لا تصح الصلاة خلفهم.
أو يكونون متلبسين ببعض البدع التي لا تخرجهم عن الإسلام، وهؤلاء إن كانوا يأتون للصلاة وقد استوفوا شروط صحتها، ويؤدونها دون الإخلال بأركانها وما يلزم فيها، ولا يأتون بما يبطلها ـ فتصح الصلاة خلفهم، وإن وُجد من هو خير منهم، لصحة اقتداء الفاضل بالمفضول، وانظر الشروط الواجب توفرها فيمن تصح له إمامة المصلين في الفتوى رقم: 9642.
وانظر الأدلة على صحة الصلاة خلف الإمام الفاسق المبتدع بدعة لا تخرجه من الملة في الفتوى رقم: 77308، وانظر الشروط الواجب توفرها في المؤذن في الفتوى رقم: 62281.
وبالنسبة لما تراه من تمسك بعض الناس بالعمل بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، فنقول: إن الأحاديث الموضوعة لا تجوز روايتها للعالم بحالها إلا لبيان وضعها والتحذير منها، وقريبة منها الأحاديثُ شديدة الضعف.
أما الأحاديث التي ضعفها يسير، وضعفها من جهة ضبط الرواة، وقابلة للتحسين ـ فهذه تجوز روايتها والاستئناس بها، بل والعمل بها في فضائل الأعمال، كما نص على ذلك أهل العلم، ولكن بشروط، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 15789، 41058، 74604.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(5/452)
مدى أثر مكر الأعداء ومخططاتهم على إضعاف المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[مجموعة من الناس كانوا في حوارعن أحوال المسلمين، فقال أحدهم: هذا ما أراده ـ سي ـ شارون وكررها عدة مرات يقصد أن اليهود هم الذين يخططون ونحن نيام، فما هو حكم الشرع في ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحسن بنا أن نجيب عن هذا السؤال في النقاط الآتية:
أولا: أن الإنسان له مشيئة وإرادة على الوجه الذي يليق بالمخلوق، ولكنها لا تخرج عن إرادة الله ومشيئته بمعنى: أنها تابعة لها، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:28، 29} . وقال تعالى: وَلَوْ شَاء اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ {النساء:90} . فلا يجوز أن يذكر أمر إرادته وكأنها إرادة مطلقة وفي مقام إرادة الرب تعالى.
ثانيا: أنه قد يكون صنف ما من أعداء الله له دور في إضعاف المسلمين والتأثيرعلى حياتهم في مختلف المجالات، ولكن لا يجوز أن يذكر الأمر وكأن هذا هو السبب الوحيد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن بعد المسلمين عن دينهم وتركهم لشرع ربهم هو السبب الحقيقي في تسليط الأعداء عليهم، ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا.
ولقد نصر الله عز وجل المسلمين وهم في قلة عدد وضعف عتاد، كما كان في غزوة بدر، قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {آل عمران:123} . قال ابن كثير في تفسيره: وأنتم أذلة أي قليل عددكم. هـ.
وهذا لنعلم أن الأمر كله لله لا لأحد من خلقه كائنا من كان.
ثالثا: أن لفظ ـ سي فلان ـ يعني السيد ولا يجوز أن يخاطب به الكافر والمنافق على سبيل التعظيم، لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل. رواه أبو داود.
قال شمس الحق أبادي في كتابه عون المعبود في شرح سنن أبي داود: قوله: فقد أسخطتم ربكم عز وجل، أي أغضبتموه، لأنه يكون تعظيماً له وهو ممن لا يستحق التعظيم. اهـ.
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 100849.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1430(5/453)
إذا تأكد الداعية من سلامة منهجه وحسن أسلوبه فلا يهتم لإرضاء الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم وجزاكم الله كل خير على هذا الموقع الرائع ... منذ أن تعرفت على هذا الموقع وأنا لا بد أنا أتصفحه يوميا مدة لا تقل عن ساعة وأكثر، وأصبحت أنشره بين كل واحدة تشتكي من أي مشكلة، فأخبرها أن تعود الى الله ورسوله عن طريق هذا الموقع الرائع..... لكنني كل ما أكتشف أمرا جديدا في الدين وفتاوى تنطبق على الجميع أي أن فيها آيات وأحاديث بشكل واضح كالزينة للمرأة والنمص وغيرها أنشره على كل من أعرف حتى أني أبعث بنفس الصيغة للفتوى لبعض ايميلات صديقاتي وذلك منذ شهرين تقريبا أو أكثر..... المشكلة هي أنني كل ما لجئت إلى تطبيق الحكم أرى أن المجتمع إما ينظر إلى كمتشددة في الدين، وذلك من قبل صديقاتي وحتى من زوجي عندما اخبره عن بعض أمور الدين، وعن حدود المعاملة بينه وبين مثلا بنات عمه وخاله وبعض قريباته، وأحيانا ينظرون إلي كأنني متساهلة في الدين من البعض الأخر، كأن ألبس البنطال النسائي تحت العباءة الساترة، وذلك لأنني في السعودية فكنت أخاف وأنا ذاهبة لمدرسة القران أن ترى إحداهن طرف البنطال من تحت العباءة الفضفاضة الساترة وتسمعني كلاما ... أشعر أنه يلزمني أن أعض على شجرة لأننا فعلا في العصر الذي أخبرنا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان ... أنا أستفتيتكم في كل أموري وما يحصل معي من أي إشكالات في كل أمر، فاصبروا علينا وتحملونا، لعل الله يكتب لي ولكم الخلود في الفردوس الأعلى إن شاء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على إعجابك بموقعنا هذا، وانتفاعك بما فيه، وحرصك على نشر الخير من خلاله فجزاك الله خيرا، ونسأله سبحانه أن يوفقنا وإياك إلى طاعته وخدمة دينه.
واعلمي أن إرضاء الخلق غاية لا يمكن إدراكها؛ لاختلاف طبائع الناس وأمزجتهم، وحسب المرء أن يسعى في مرضاة الله تعالى، ولا يلتفت إلى مدح من يمدح أو ذم من يذم، وعليه أن يتأكد من صدق المنهج الذي ينتهجه وسلامة الأسلوب الذي يسير عليه في التعامل مع الخلق. وهنالك أسس ينبغي مراعاتها في الدعوة إلى الله، وقد بينا جملة منها بالفتوى رقم: 38335، فراجعيها.
ولا يجوز أن يطلق على التمسك بالشرع أنه تشدد، فإن في هذا خلطا للمفاهيم، وقد بينا المقصود بالتشدد المذموم بالفتوى رقم: 58124، وأما التساهل المذموم فيكون بمخالفة أوامر الشرع ولبس المرأة البنطال تحت ثوب ساتر والخروج به أمر لا حرج فيه ولا يعتبر ذلك منها تفريطا وتساهلا. وراجعي الفتوى رقم: 3884، ولا شك أن الداعية يحتاج إلى الكثير من الصبر على المدعوين، روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1430(5/454)
دولة الحق قادمة ولكن.....
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يعد شباب المسلمين قادرين على تصور أن الحياة الإسلامية سترجع من جديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاستبعاد البعض لرجوع الحياة الإسلامية من جديد خطأ كبير، ويخشى على صاحبه أن يكون قد وقع في اليأس من رحمة الله، وهو عادة يرجع إلى عدة أسباب، منها:
تغلب الباطل في هذا الزمان: فكثير من الناس إذا رأى انتفاش الباطل وغلبته، ظن أنه لن تقوم للحق قائمة بعد ذلك، وهذا من الجهل بسنن الله الكونية، وعدم قراءة التاريخ: فإن النصر له سننه، فإذا تمسكت الأمة بدينها وأخذت بأسباب النصر، فإنه قادم لامحالة؛ لقوله تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ. {الروم: 47} .وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ. {المائدة: 56} . وقال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. {النور: 55} .
والمتأمل في التاريخ يجد فيه صفحات مظلمة مرت بها أمتنا ثم تجاوزتها والحمد لله، وذلك كسقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية في أيدي التتار، وكذلك تسلط الدولة الفاطمية ثم سقوطها وظهور أهل السنة، وكالحروب الصليبية، واحتلال بيت المقدس عشرات السنين إلى أن حرره صلاح الدين، وغير ذلك من المحن، ولكن دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.
ومن الأسباب أيضا:
ضعف الإيمان بوعد الله، والجهل بالنصوص المبشرة بنصر الإسلام، والتي منها:قوله عليه الصلاة والسلام: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. رواه أحمد والبيهقي في دلائل النبوة، وصححه الألباني.
ولقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحق لن يزال ظاهرًا حتى في زمن غربة الإسلام على يد طائفة منصورة، فقال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم.
وهناك مبشرات كثيرة سبق ذكرها في الفتوى رقم: 32949، فارجع إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1430(5/455)
مسؤولوا المسجد إذا وضعوا عقبات في طريق الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم المسؤولين في بيت الله. الذين يضعون العقبات في طريق برنامج الدعوة إلى الدين الإسلامي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن وضع العقبات في طريق الدعوة إلى الله نوع من أنواع الصد عن سبيل الله، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {البقرة: 114} .
والصد عن سبيل الله من العمل السيئ الذي يوجب أنواع العقوبات في الدنيا فضلا عن الآخرة، كما قال سبحانه: اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {التوبة:9} وقال عز وجل: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:94} .
ومن تسبب في منع خير أو نشر شر، تحمل وزر ذلك في عنقه يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا. رواه مسلم. وقال الله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ {النحل:25} وقال سبحانه: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {العنكبوت:13} .
ولا شك أن وجود أمثال هؤلاء أو غير ذلك من المعوقات في طريق الدعوة إلى الله يستلزم من كل الصادقين المخلصين مضاعفة الجهد ومواصلة العمل. كم أن مخالطة أمثال هؤلاء يتطلب صبرا وبصيرة، ويقينا وحكمة، وفي ذلك أجر عظيم ورفعة في الدارين، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ {السجدة:24} وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22163، 45802.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(5/456)
من أسباب تفريط المسلمين في أمور دينهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نحن المسلمات لم نصل ولم نطع أوامر الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك تشيرين إلى واقع بعض المسلمات من التفريط في بعض أمور دينهن، ولا شك أن هذا لا يليق بامرأة تنتسب إلى أعظم دين ومقتضى الإيمان الطاعة، قال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا {النور:51}
وإن من أعظم دواعي الوقوع في مثل هذا التفريط هو الغفلة عن الله تعالى وعن ذكره، والغفلة عما ينتظر المرء من أهوال القبر وأحوال يوم القيامة من الشدة والكرب والجزاء والحساب والصراط والميزان والجنة والنار. قال سبحانه: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ {الأنبياء: 1-3}
وأما سبل النجاة وطرق تغيير هذا الواقع فتكمن في عدة أمور، ومن أهمها نشر العلم النافع، وقيام الأخوات الصالحات بدورهن وسط هؤلاء النساء وتشجيعهن على الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن وحضور الدروس في المساجد وفي دور المؤمنات ونحو ذلك، ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتاوى الآتية: 70129، 10943، 10800.
وننبه إلى أنه مع هذا الواقع المؤلم من قبل بعض نساء المسلمين فهنالك الكثير من الخير والإقبال على الالتزام ولله الحمد، ونسأله سبحانه وتعالى أن يبارك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1429(5/457)
الداعية إلى الله لا بد أن يتعرض للمصاعب والاتهامات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أواجه مشكلة أنا أعيش في الغرب وبعض النصارى يقولون إنني عنصري فقط لأني أدافع عن الإسلام ولأني قلت لهم إن "فعلة قوم لوط حرام في الإسلام" وإن أولئك الناس فقدوا توازن الحياة ولكن أبو أن يصغوا إلي وقالو لي إنني عنصري بل إن هنالك أيضا عربا الذين أخدوا هذا الموقف وعندما أتحدث لهم عن المرأة في الإسلام وفريضة الحجاب كلهم يهربون مني، ولكن لا أنسى أنهم رغم هذا يقولون إنني إنسان طيب الأخلاق، فما هو الموقف الذي سآخذه في هذه القضية فالحياة في الغرب شاقة والفتن كثيرة، ولكن رغم هذا على الإنسان أن يحافظ على دينه وثقافته؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
قد أحسنت بقيامك بالدعوة وعليك بالحرص على العلم النافع والتعاون مع إخوانك، ووصفك بالعنصرية أو نفور الناس عنك أمر طبيعي في سبيل الدعوة، فعليك بالصبر والحكمة والتأسي بالأنبياء عليهم السلام، ومن خشي الفتنة بالإقامة في بلاد الكفر فعليه بالهجرة إلى بلد مسلم طلباً للسلامة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت صنعاً بقيامك بواجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك البلاد، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم، ونوصيك بالحرص على العلم النافع لتستطيع رد ما قد يرد عليك من شبهات، كما نوصيك أيضاً بالتعاون مع إخوانك المسلمين في هذا المجال، وحسن الخلق من الأمور المحمودة، وهو في الدعوة إلى الله أنفع لكونه قد يكون سبباً في التأثير على المدعوين.
وههنا أمر آخر مهم وهو أن الأولى في دعوة غير المسلمين التركيز على الأساس وهو جانب الإيمان، واجتناب إثارة القضايا الفرعية، فمن آمن سهل عليه أن يستوعب أمور الحلال والحرام، كما أنه ينبغي الاهتمام بالمسلمين هناك والصبر عليهم والاجتهاد في ردهم إلى جادة الصواب، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20818، 62022، 100164.
ووصفك بالعنصرية أو النفور عنك من الأمور العادية التي تواجه الداعية من قبل المدعوين، فما عليك إلا الصبر ومواصلة الجهد، ولك أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخوانه الأنبياء، فقد سبهم قومهم ووصفوهم بأبشع الألقاب وآذوهم، قال الله تعالى: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ {الذاريات:52} ، وقال سبحانه: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ {الأنعام:34} ، والإقامة في بلاد الكفر تنطوي على كثير من أسباب الفتنة، ومن هنا فمن كان يخشى على نفسه الفتنة بالإقامة هنالك فيجب أن يهاجر إلى بلد مسلم يقيم فيه فيقي نفسه تلك الفتن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1428(5/458)
من سنن الله الكونية كثرة أهل الباطل وقلة أهل الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا من بين 5 مليار نسمة هم تعداد العالم لا يوجد سوى 1 مليار مسلم حتى من 1 مليار مسلم منهم من لا يعرف عن الإسلام سوى اسمه والموحدون العابدون لله قلة مستضعفون متى يعز دين الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن سنن الله تعالى في هذا الكون كثرة أهل الباطل والكفر وقلة أهل الحق والإيمان، قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ {يوسف:103} .
قال ابن كثير في تفسيره: وإن كثيراً من الناس لفاسقون أي إن أكثر الناس خارجون عن طاعة ربهم مخالفون للحق ناكبون عنه، كما قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ. وقال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وقال أيضا: يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض، من بني آدم أنه الضلال، كما قال تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ، وقال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ. وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم، وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل. انتهى
ولكن كثرة أهل الكفر والباطل لا تعني أن يستسلم أهل الحق للإحباط واليأس ويتقاعسوا عن نشر دينهم والدعوة إليه، فهناك من المبشرات ما يدعو للتفاؤل والأمل بكون المستقبل لهذا الدين، فعدد المسلمين في ازدياد مستمر والناس يدخلون في دين الله أفواجا من مختلف دول الكفر، وعلى المسلمين السعي في تحقيق وسائل نشر الإسلام والتمكين له في الأرض، ومن بين هذه الوسائل التزامهم بأوامر الله تعالى وتطبيقها في أنفسهم قبل دعوة غيرهم إليها، إضافة إلى القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى دين الله تعالى بحكمة كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125}
وقال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْ أُمُورِ. {الحج:41}
كما أن السبيل لنصر المسلمين على أعدائهم واتصافهم بالعزة هو نصرة دينهم والذب عنه حتى يتحقق لهم وعد الله تعالى بنصرهم والتمكين لهم في الأرض، كما قال تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {الحج: 40} . وقال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {المجادلة:21}
وللمزيد راجع الفتاوى التالية أرقامها: 32949، 96536، 71265، 63373.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1428(5/459)
لا تعارض بين أحاديث الفتن والاعتزال وبين القيام بواجب الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[حديثان لرسول الله، الأول: كيف أنت إذا كثر الهرج والمرج واختلط الناس وصاروا هكذا -وشبك بين يديه- فقلت فبم تنصحني يا رسول الله، قال: الزم بيتك وأملك عليك لسانك وعليك بخاصة أمرك ودع عنك أمر العامة.
الثاني: (نسيت بعض ألفاظه) "يأتي على الناس زمان.... ويشهق البنيان ويكثر الحلف ويفشو الزنا.... فالنجاة النجاة فقلنا وكيف يكون ذلك يا رسول الله قال كن حلسا من أحلاس بيتك حتى يأتيك الموت. هل الحديثان ينطبقان على عصرنا أم العقود الماضية لأن اليوم هناك ظاهرة جديدة لم تكن توجد من قبل فإلى جانب الحثالة هناك جيل من الصحوة الإسلامية بالتوازي معهم ألا نستثمر فيهم إن كان الحديثان ينطبقان على عصرنا فهما يعطيان صورة قاتمة وكفيلان بتثبيط عزيمة أي كان يريد أن يفعل شيئا لنصرة الدين نعم فإن كان رسول الله أمرنا بلزوم بيتنا وانتظار الموت فمعناه أن أي استثمار في جيل الصحوة الإسلامية مآله الفشل فلا داعي لا للدعوة لله ولا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا في إنشاء الفضائيات الإسلامية ولا في عقد الأمل في الأجيال القادمة أليس كذلك، كيف توفقون بين الشيوخ الذين يقولون إننا سنسأل كلنا يوم القيامة ماذا قدمنا للإسلام وبين الحديثين الذين يأمراننا بالقعود في بيوتنا وانتظار الموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الأول رواه أحمد في المسند وأبو داود والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ قريب من هذا قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فقال: إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا -وشبك بين أصابعه- قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، وأملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة.
وأما الحديث الثاني فروى مسلم بعضه بلفظ: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا ويشرب الخمر ويذهب الرجال وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد. وفي كنز العمال عن ابن مسعود موقوفاً ومرفوعاً قال: إنه سيأتي على الناس زمان تمات فيه الصلوات وتشرف فيه البنيان ويكثر فيه الحلف والتلاعن ويفشو فيه الرشا والزنا وتباع الآخرة بالدنيا، فإذا رأيت ذلك فالنجاء النجاء. قيل: وكيف النجاء؟ قال: كن حلسا من أحلاس بيتك، وكف لسانك ويدك.
هذه الأحاديث والآثار وما أشبهها لا تنطبق على هذا العصر قطعاً بصفة عامة؛ وإن كانت قد تنطبق على بعض بيئاته أو بعض الأزمنة السابقة أو اللاحقة.
أما هذا العصر الذي انتشرت فيه الصحوة الإسلامية وأصبح الإسلام موضع اهتمام من كل العالم واقتنع به علماء وقادة ومفكرون وساسة ... وأثبت جدارته وقوة منطقه وتلبيته لحاجات الناس المادية والروحية في كل زمان ومكان، فإن واجب المسلم الآن هو أن ينهض ويقوم بواجبه الذي فرضه الله تعالى عليه في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: فقال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
فعلى المسلم اليوم أن ينضم إلى ركب دعاة الإسلام بل عليه أن يكون في طليعتهم، شعاره قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ، ولا يجوز له أن يكون حيادياً أو سلبياً في هذا العصر الذي توفرت فيه أنواع من الحريات النسبية وتمايز فيه الناس بين الحق والباطل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط، وقال: رجاله رجال الشيخين. وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز ... رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل. أخرجه أحمد في المسند وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
وفي هذا العصر الذي توفرت فيه كل الوسائل التي يمكن لكل واحد منا استخدامها بطريقته الخاصة يمكن للمسلم أن يوصل الإسلام ويبلغه لكل بيت مدر أو وبر عبر وسائل الاتصال المختلفة.
والحاصل أنه لا تعارض بين الأحاديث المذكورة وبين ما يحث عليه الشيوخ من القيام بالواجب من دعوة الناس إلى الخير وحثهم على التمسك بدينهم امتثالاً لأمر الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104} ، وأما الأحاديث فقد جاءت لإرشاد المسلم في حالة استثنائية خاصة -أشرنا إلى بعضها- ولا ينبغي تعميمها، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة والتفصيل والأدلة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 62938، 22163، 71265 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1428(5/460)
لا تعارض بين حفظ الذكر وغربة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث الذي يقول إن الإسلام بعث غريبا وسينتهي غريبا، هل هو حديث صحيح أم ضعيف، وما المقصود منه بالضبط، لا أدري أحس بأننا نجهل مغزاه، فقد قال تعالى في كتابه بأنه هو منزل الذكر وهو له حافظ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح، ولفظه كما في صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء. ومعناه كما قال شراح الحديث: بدأ الإسلام غريباً.. أي في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر، وسيعود كما بدأ.. أي وسيلحقه النقص والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضاً كما بدأ.
وقد أرشدنا نبيناً صلى الله عليه وسلم إلى وسائل لدفع غربة الإسلام الثانية، منها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وبذل الوسع في سبيل نصرة دينه، وغير ذلك من الوسائل التي تزيل الغربة وتعيد العزة، كما بشرنا صلى الله عليه وسلم بأن الحق لن يزال ظاهراً حتى في زمن غربة الإسلام الثانية على يد طائفة منصورة، فقال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر. رواه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه الشيخ الألباني..
وأما الآية التي أشرت إليها فهي قول الله تبارك وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} ، ولا تعارض بين الآية والحديث كما رأيت، وغربة الإسلام الأولى معروفة وهي بدايته. وأما الثانية فلعها ما نشاهده هذه الأيام من بعد كثير من المسلمين عن الدين وغربة الإسلام وتعاليمه في وطنه. وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70956، 32949، 58011.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1428(5/461)
الصراع بين الحق والباطل منذ خلق الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإسلام في حرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد ما إذا كان الإسلام في حرب مستمرة، فالجواب أن الإسلام حق وكل ما سواه باطل، والحق والباطل بينهما صراع منذ أن خلق الله الإنسان، قال عز وجل: فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {طه:117} ، ومنذ تلك اللحظة ابتلي الإنسان بكيد الشيطان وصراعه معه، وما زال الشيطان يكيد لآدم حتى أهبط لهذه الدنيا، وهنا انتقل ميدان الصراع إلى هذه الأرض، يقول الله عز وجل: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ {البقرة:36} ، وبعد بعثة الرسل عليهم السلام صارت الخصومة بين الرسل وأتباعهم، وبين أعداء الرسل من الشياطين وأتباعهم، ولذلك يقول الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ {الفرقان:31} ، ويقول الله جل وعلا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ* وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ {الأنعام:112-113} .
وبعد بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم انحصرت الخصومة بين أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان له أعداء كثيرون من المجرمين، ومن الأكابر: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ {الأنعام:123} ، وبالمقابل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أصبح أولياؤه هم العلماء الذين ورثوا هديه وتراثه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن العلماء ورثة الأنبياء. رواه أبو داود، والترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد.
وبين الله عز وجل أن هذه الأمة سيوجد فيها من يحمل الرسالة، فكلما جاء جيل قيض الله تعالى منهم من يحمل الراية، ويقيم الحجة على أهل ذلك العصر، يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ {الأعراف:181} ، وعن جابر بن عبد ال له قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة.
ويقابلهم أعداء الرسل يحاربونهم ويضعون في طريقهم الأذى والشوك، ولا يضرونهم إلا بالتعب والجهد، قال الله تعالى: لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ {آل عمران:111} ، فكل تلك الآيات توضح الجهد الذي يبذله أهل الباطل في تزيين باطلهم، وفي تشويه الحق: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا {الأنعام:112} ، ولذلك نجد الحملة الإعلامية العالمية اليوم ضد الإسلام تسمى المسلمين: بالأصوليين -مثلاً- أو المتشددين أو المتطرفين ... أو غير ذلك من العبارات التي تبثها وكالات الإعلام العالمية، وتتناقلها، مع الأسف بعض وسائل الإعلام في البلاد الإسلامية، ومن الأمثلة على هذا الصراع أيضاً قضية الأدب والشعر وغيرهما من الوسائل المهمة في كثير من البلاد الإسلامية أصبحت وسائل للهدم والتخريب، وتهييج الغريزة والجنس والإثارة، فأضافت ألواناً كثيرة من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، وأعداداً هائلة من الدواوين الشعرية التي تسير في اتجاه زخرفة الباطل وتلبيسه بالحق.
ولا نستطيع حصر مجالات الصراع بين الحق والباطل.. إلا أننا على يقين من أن النصر والغلبة في نهاية المطاف ستكون للحق على الباطل، قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ {الأنبياء:105} ، وقال تعالى: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ {القصص:5} ، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55} ، وقال تعالى: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {الأعراف:128} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1428(5/462)
سبل العصمة من الفتن الضلالات
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الإرشادات التي تبقينا على صواب في مجتمع جارح وغير متخلق ومنافق.. أفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً إخواني المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حل كل المشكلات هو في الاعتصام بكتاب الله تعالى واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطريق السلف الصالح من هذه الأمة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي. أخرجه مالك في الموطأ.
واعلمي أن المتمسك بدينه في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن والأهواء له أجر عظيم عند الله تعالى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله. وهذا جزء من حديث رواه أصحاب السنن، وقد صحح الألباني هذه الفقرة منه. ونسأل الله أن يعصمنا جميعاً من الفتن والنفاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1428(5/463)
فتاوى في تجاوز عقبات الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أقبلت على هذا الدين وأنا متفائل جداً بما يمكن أن أفعله في سبيل نصرته، وبعد أن وضعت لنفسي هدفا غاليا علي فوجئت باتساع هوة الخلافات بين المسلمين ما بين متشدد ومبتدع وما إلى ذلك من مذاهب، كلما أفكر في هذا يصيبني الإحباط فقد كان حلمي الدعوة إلى الله في بلاد الغرب حيث أملك أملاً كبيراً في الذهاب إلى إحدى الدول الأوروبية، ولكن أحبط جداً عندما أسمع عن خلافات المسلمين أنفسهم أرجو منكم مساعدتي في هذا الأمر فكيف يمكنني التعامل مع من يخالفني الرأي ومع غيرهم، أرجو أن أكون قد أوصلت قصدي من السؤال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23201، 52100، 66092، 46936، 65955، 8675، 57719، 69507، 10157، 31871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1427(5/464)
الغرباء الممدوحون المغبوطون
[السُّؤَالُ]
ـ[أحس بالغربة أنا وأخوات لي في الله (نقصد بالغربة التي ذكرت في حديث طوبى للغرباء) ، وأحيانا نشعر أو نشك في أنفسنا أننا قد نكون سائرين في طريق خاطئ، ولكننا لا نفعل غير ما يرضي الله ونحاول إرضاءه سبحانه وتعالى، ولكن نجد في نفس الوقت أن من حولنا من الملتزمين لم يعودوا كما كنا نعرفهم من قبل ملتزمين قلبا وقالبا، وأصبح الالتزام ظاهريا والله أعلم. أرشدونا إلى الطريق الصواب، وكيف لنا أن نثبت في هذا الوسط ونكون فعلا بحق من قيل: لهم طوبى للغرباء.. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا فطوبى للغرباء.
وهذه بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم للغرباء في وقت الغربة، فإنهم يشبهون في تمسكهم بالإسلام السابقين من الصحابة الذين ثبتوا على الدين في غربته الأولى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبًا – أي الإسلام – أن المتمسك به يكون في شر، بل هو أسعد الناس؛ كما قال في تمام الحديث: فطوبى للغرباء. وطوبى من الطيب؛ قال تعالى: طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنَ مَآبٍ {الرعد:29} . فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوه لما كان غريبًا وهم أسعد الناس. أما في الآخرة فهم أعلى الناس درجة بعد الأنبياء عليهم السلام. وأما في الدنيا فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {الأنفال:64} . أي أن الله حسبك وحسب متبعك. وقال تعالى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ {الأعراف: 196} . وقال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ {الزمر: 36} . وقال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق: 2، 3} . فالمسلم المتبع للرسول، الله تعالى حسبه وكافيه وهو وليه حيث كان ومتى كان.
ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصفات هؤلاء الغرباء فقال: بدأ الإسلام غريبًا ثم يعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس. رواه أحمد وصححه الألباني.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: طوبى للغرباء. فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير. من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم. رواه أحمد وصححه الألباني، وقال شعيب الأرناؤوط: حسن لغيره.
وللتوسع أكثر في معرفة صفات الغرباء يمكنك الرجوع إلى كتاب "كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة" للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله.
هذا ولقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحق لن يزال ظاهرًا حتى في زمن غربة الإسلام على يد طائفة منصورة، فقال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم.
ولا شك أن ما أشرت إليه من تغير الناس المستقيمين ومن اقتصارهم على استقامة الظاهر دون الباطن هو من مظاهر غربة الدين. لكن عليك بقول بعض السلف الصالح: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.
وننقل لك كلامًا جميلاً لابن القيم في مدارج السالكين، فبعد أن ذكر صفات الغرباء قال:
فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جدًّا سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة – الذين يميزونها من الأهواء والبدع – فهم الغرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقًّا، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين، الذين قال الله عز وجل فيهم: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ. {الأنعام:116} . فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة، وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم.
فننصحك أيتها الأخت السائلة أن تفتشي عن الغرباء من محارمك أو من أخواتك المسلمات بصفاتهم السابقة فيمن حولك، فإذا وجدتِهم فالزميهم وتعاوني معهم على الخير والهدى، وأكثري من الدعاء أن يريك الله الحق حقًّا وأن يرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلاً وأن يرزقك اجتنابه.
وراجعي في وسائل الثبات وطرق تقوية الدين الفتوى رقم: 24082، والفتوى رقم: 28309، والفتوى رقم: 38289، والفتوى رقم: 5904.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(5/465)
ماهية التشدد المذموم والعزيمة المحمودة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: من جديد عن اللحية, فأنا أعتز بها وبمظهري الإسلامي, ولكن تصوروا أنه لا يوجد في جامعتي كلها التي تضم حوالي 50 ألف شخص لا يوجد ولا واحد منهم مطيل للحيته, فتخيلوا موقفي الصعب, لا يمر يوم واحد, يوم واحد فقط, إلا وأسمع تعلقيا من الناس الذين أعرفهم على لحيتي, الناس ينظرون إلي بغرابة في الشارع, أمي عادت للصلاة بعد تركها لأكثر من عشرين عاما بعدما قرأت فتاويكم عن تارك الصلاة, ولكن عندما علمت بأني أطلت لحيتي لقراءتي تحريم حلقها في نفس الموقع, تركت الصلاة، وقالت إنكم أشخاص متتشدون, وهانت الصلاة في عينها من جديد, وهي غاضبة علي دائما بسبب اللحية, ودائما تطلب مني حلقها هي وأبي، فماذا أفعل، وأكرر أنا غير منزعج من اللحية أبداً ولا أبحث عن طريقة أو منفذ في الشرع كي أحلقها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تحريم حلق اللحية أمره واضح لك كما ذكرت، ولكن بقي علاج موضوع الوالدة ونحن ننبهك إلى بعض الأمور، منها: أنه ليس عليك إثم في عدم طاعتها في معصية الله، بل يجب عليك عدم طاعتها في ذلك، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما في حديث الصحيحين: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وعليك بالدعاء لها ومحاورتها بالحسنى ووصية من ترجى منهم استجابة الدعاء أن يسألوا الله لها الهداية، ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت يا رسول الله: إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة، فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من شدة الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيراً.... إلى آخر الحديث.
ويتعين أن توضح لها أن الذي يتخوفه الناس على بنيهم إذا استقاموا على الدين إنما هو من تخويف الشيطان، وأن الاستقامة على الإيمان والعمل الصالح هو مصدر عز الأمة وفلاحها ونصرها، وأمنها والدفع عنها والتمكين لها، ومحبة الله لها، وفتح أبواب البركات والحياة الطيبة، إلى غير ذلك من الوعود الصادقة المهمة، كما قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {المؤمنون:1} ، وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ {المنافقون:8} ، وقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ {الروم:47} ، وقال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ {الأنعام:82} ، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55} ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا {مريم:96} ، وقال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {الأعراف:96} ، وقال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} .
وعليك أن تهتم بمظهرك وزيك وملبسك وعطرك وغير ذلك مما لا يخالف الدين، وأن تخالقها مخالقة طيبة، وأن تترفق بها وتبين لها أنك تؤمن بأن التشدد في الدين مذموم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا. رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية أخرى: إن الدين يسر، ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
وبين لها معنى التشدد المذموم، فقد بين العلماء معنى التشديد المنهي عنه في الحديث، فقال ابن حجر في شرح هذا الحديث: وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل. انتهى. وقال أيضاً: وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع، كمن ترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر. انتهى.
فعُلم بذلك أن التشدد هو: المبالغة في تنفيذ الأمر بما يشق على النفس، ويكون سبباً في نفورها ومللها، وعُلم كذلك أن التيسير هو: الأخذ بالرخصة عند الحاجة إليها، وتنفيذ الأوامر الشرعية بأسهل الطرق المشروعة، وليس معناه التفريط أو التساهل في أداء التكاليف الشرعية، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35314، 66069، 53321، 1454.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1426(5/466)
للمؤمن أسوة حسنه في الأنبياء والصالحين في مواجهة الابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[اللهم لك الحمد بأن وجدت من أبوح له بسري ويوجهني فيما أعمل ... وأرجو المعذرة لكثرة الأسئلة، ولكن لارتباط الموضوع ولتعقيده نوعا ما (لملازمته لي منذ الصغر) ، أنا ابن لعائلة من غير السنة ... ولكن ولله الحمد أنا سني، تقريبا منذ الصغر، والآن أنا أبلغ من العمر 28 سنة أهلي لا يعلمون عن ذلك وتقريبا لا أحد سوى الرحمن جل في علاه، ومدرس في الابتدائية ثم أنتم والله أعلم على كل حال، لديّ تقريبا ثلاث مشاكل بسبب هذا التوجه الصحيح ...
1- أعلم أن الواجب علي نصح أهلي ودعوتهم إلى السنية ولكن أواجه صعوبة في ذلك الأمر، حيث إني منذ صغري وأنا مزعج أهلي بكثرة مشاكلي ووقوفهم بجانبي بشكل صحيح أو غير صحيح لجهل منهم في هذا المجال لأنها قد تكون مشاكل جديدة بالنسبة لهم، ولدي إحساس قوي بأني إذا أعلنت لهم عن حقيقة الأمر قد يصاب أبي وأمي بمشاكل صحية كبيرة إن لم تصل إلى السكتة القلبية والعياذ بالله، اللهم احفظهم وعافهم في الدنيا والآخرة ولمن يقرأ هذه المقال، أو يبتعد عني أهلي وربعي وجميع قبيلتي يتجنبني إن لم يصل الأمر إلى إيذائي أو قتلي (وأتوقع أن الأمر لن يصل إلى هذا بإذن الله) ... مع أن أهلي وربعي هم أقرب الناس إلي والحياة بدونهم ستكون صعبة لأني تربيت وعشت معهم طول عمري (مع العلم بأن العائلات غير أهل السنة نوعا ما منعزلة بشكل كبير عن المجتمعات الأخرى لكي تكون التربية نوعا ما أقوى) ، أرجو التوجيه.
2- من ناحية الزواج أهلي يريدون مني الزواج من بنت عمي ويضغطون علي في ذلك، وهي جميلة ومهذبة وتنتمي إلى نفس القبيلة، أي تفهم العادات والتقاليد والأساليب التي تربيت عليها منذ صغري ... ولكني أخاف على أولادي حيث إني أحلم وأتخيل وأتمنى أطفالاً ملتزمين أقوياء في دينهم وطائعين لله ويبتغون مرضات الله في كل شيء في حياتهم وحافظين لكتاب الله وسنة نبيه من صغر سنهم ... لكن من بنت عمي أخاف أو لا أعلم ما قد يحدث، حيث ستكون صلتي بعائلتي أكبر وسيكون وقع الحدث أقوى وأكبر، فقلت لأهلي بطريقة غير مباشرة لخوفي عليهم أنني لا أستطيع الزواج من بنت عمي لسبب لا داعي لذكره ... فبدا الحزن والغضب إلى اليوم في العائلة ... وأفكر في الزواج من بلد آخر حيث إن زواجي من قبيلة أخرى لن يكون سهلا مع مشاكلي المذكورة وبدون وجود والدي ووالدتي أو أهلي على الأقل، أرجو الإفادة ما العمل.
3- أنا أنتمي إلى عائلة أو قبيلة مشهورة ولله الحمد بالكرم والمروءة وكل الصفات الحميدة ولكن عيبها الوحيد المذهب الذي ينتمون إليه (ويا ليته عيب فقط من وجهة نظري) ولكي لا أفقد أصدقائي ولتكوين علاقات جديدة جيدة، لا أبلغهم عن اسم قبيلتي ولا إلى اسم المنطقة التي أنتمي إليها لكي لا يعلموا أن أهلي من غير أهل السنة أو ظنهم أني من غير أهل السنة ويفرون مني أو يتجنبوني وإلى غير ذلك ... وهذه الطريقة التي اتبعتها لها تاثير على ظهوري في المجتمع أيضا حيث عدم إحساسي بالانتماء له تأثير واضح على أسلوب تفكيري وحياتي ... أرجو التوجيه على ذلك، أرجو المعذرة على هذه الأسئلة المعقدة والغريبة ... مع العلم بأني اختصرت فيها بشكل كبير ولم أذكر بعض الأحداث لتوقعي عدم تأثيرها الكبير على الإجابات بشكل واضح أو جذري، ولكن هذه القصة حدثت لي منذ صغري وهي متراكمة الأحداث ومعقدة في التفاصيل وحلولي المؤقته الخاطئة لصغر سني أو لجهلي عقدة الموضوع أكثر ... وكذلك أسلوبي في الكتابة (زاد الطين بله!!!) ؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك نعمة الهداية إلى الحق وهي نعمة تستوجب الشكر، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه.
ولا شك أنك في ابتلاء عظيم، ومن شأن المؤمن الصبر على البلاء، روى مسلم عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. فنوصيك بالصبر، فعاقبة الصبر خير الدنيا والآخرة.
واعلم أن هذه الحياة الدنيا دار فانية، وأن الآخرة هي الدار الباقية، ومن شأن المؤمن أن يؤثر الباقية على الفانية، وأن يؤثر الحق على الخلق، ولك أسوة حسنه في الأنبياء والمرسلين والفضلاء الصالحين، والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فنوصيك بقراءة سيرتهم، لمعرفة ما بذلوه من جهد مع قومهم، وما واجهوا من مصاعب في دعوتهم، وصبرهم على أذاهم، ونصر الله تعالى إياهم وجعله العاقبة لهم، قال الله تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا {الأنعام:34} ، بل ومنهم من ترك الديار والأوطان والأموال وخرج مهاجراً فراراً بدينه، قال الله تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {الحشر:8} .
ومن أهم ما نرشدك إليه في هذا الصدد أن تتعلم العلم النافع المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتسلم من غوائل الشبهات، وأن تحرص على مصاحبة من هم على المنهج الحق الذي أنت عليه ليكونوا عوناً لك في سبيل الحق والسلامة من فتن الشهوات، ونوصيك بالتعاون معهم في القيام بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر على ما قد تجد من أذى في هذا السبيل، وإذا تعينت الهجرة سبيلاً للنجاة من الفتنة وجبت عليك الهجرة إلى بلد تأمن فيه على دينك ونفسك، ولك في رسول الله الأسوة الحسنة، فقد خرج من مكه مهاجراً وهي أحب البلاد إليه، روى أبو يعلى في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال: أما والله لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي، وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت.
وأما الزواج فاعلم أولاً أن رفضك الزواج ممن لا ترغب في الزواج منها ليس فيه عقوق لوالديك، ثم إن لك الحق في أن تتزوج من قبيلة أخرى أو بلد آخر، ولا شك أن موافقة والديك وأهلك وحضورهم هذا الزواج لو تم لكان أمراً حسناً، ولكن لا تترك الزواج لأجل عدم حضورهم أو عدم موافقتهم.
وأما عدم إظهارك الانتماء لهذه القبيلة لئلا تعير من قبل أصدقائك فلا حرج عليك فيه، وإذا سئلت عن شيء من ذلك فيمكنك الانتماء إلى القبيلة الأم والتي هي أصل لقبيلتك أو أن تستخدم شيئاً من التورية، دون أن تقع في الكذب الصريح أو الانتماء إلى قبيلة أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1426(5/467)
أولئك الغرباء فعليك بهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد اطلعت على محاضرة (غربة الإسلام) وما أراه هو أن هناك غربة أخرى هي غربة الذين ليس لهم من الفقه ما يمكنهم من معرفة أهل الحق من غيرهم؟ وأي الغرباء أتبع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نستمع للمحاضرة المشار إليها، ولقد زالت غربة الإسلام الأولى بظهور الدين وقيام دولة الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغربة الإسلام الثانية، فقال: بدأ الإسلام غريباً ثم يعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس. رواه أحمد.
ولقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى وسائل لدفع غربة الإسلام الثانية، منها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها: الجهاد، وغير ذلك، وانظر تفصيلها في كتاب: وسائل دفع الغربة. لسلمان العودة.
هذا، ولقد بشرنا نبينا بأن الحق لن يزال ظاهراً حتى في زمن غربة الإسلام الثانية على يد طائفة منصورة، فقال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم.
وقال أيضاً: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. رواه مسلم.
ولقد أخبرنا عن صفة هؤلاء الغرباء الذين يظهر الله الدين على أيديهم في أحاديث كثيرة، ومن ذلك قوله: الذين يُصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي.
وفي رواية: الذين يصلحون إذا فسد الناس!!.
وفي رواية: ناس صالحون قليل في ناس كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.
وفي رواية أنهم: الفرارون بدينهم.
وفي رواية أخرى أنهم: النزاع من القبائل. أي: الذين نزعوا عن أهلهم وعشيرتهم، وهم الذين قبلوا الحق من كل قبيلة، فيحيون سنة نبينا ويعملون بها، ويعلمونها الناس، ويظهرونها على قدر طاقتهم، فيصبح الرجل منهم في قومه معتزلاً مهجوراً كالغريب، ولكن الله يعينهم، فإن العاقبة للمتقين، قال سبحانه: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ {الصافات: 171-173} .
وقد قال بعض السلف: لا تستوحش من الحق لقلة الساكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.
وقال بعضهم: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جداً: سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- فهم الغرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين، الذين قال الله عز وجل فيهم: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ {الأنعام: 116} . فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة، وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم، كما قيل: فليس غريباً من تناءت دياره ولكن من تنأين عنه غريب. ولما خرج موسى عليه السلام هارباً من قوم فرعون انتهى إلى مدين على الحال التي ذكر الله، وهو وحيد غريب خائف جائع، فقال: يا رب وحيد مريض غريب، فقيل له: يا موسى، الوحيد من ليس له مثلي أنيس. والمريض: من ليس له مثلي طبيب. والغريب: من ليس بيني وبينه معاملة.
وانظر كتاب: كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة. للحافظ ابن رجب الحنبلي.
وانظر كذلك فصل: غربة الإسلام وغربة أهله في مدارج السالكين لابن القيم 3/ 196 وما بعدها.
ولاشك أن ما أشرت إليه من التباس الأمر على الناس واختلاط المفاهيم عليهم وانمحاء الهوية عندهم وعدم المقدرة على تمييز الصديق من العدو هو من مظاهر غربة الدين.
هذا، وننصحك أن تفتش عن أولئك الغرباء بصفتهم السابقة في مجتمعك وفيمن حولك، فإذا وجدتهم فالزمهم وانتظم في سلكهم، وادع الله كثيراً أن يريك الحق حقاً وأن يرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلاً وأن يرزقك اجتنابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1425(5/468)
لا يستطيع أحد أن ينال من هذا الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وقعت بين يدي مقالة ماجنة لكافر علماني ماجن، يشبه الإسلام فيها بالسرطان، ويدعو إلى مكافحته - قاتله الله ما أكذبه - ولكن لست أهلا لكي أرد عليه الرد المناسب، فأرجو ممن لديه غيرة على هذا الدين الحنيف منكم أن يقوم بالرد على هذا الفاسق بما يستحقه، وإن استطعتم أن تغلقوا ذلك الموقع القذر؛ فأرجو أن تفعلوا جهدكم! كما أرجو إبلاغي بما تردون عليه؛ لكي يطمئن قلبي بأنه لا يزال هناك من يدافع عن هذا الدين الحنيف، ويدعو إلى الله (إلا تنصروه فقد نصره الله) أما المقالة، فيمكنكم أن تصلوا إليها من خلال هذه الوصلة http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=0&aid=22422]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اطلعنا على المقال المنشور في الصفحة المشار إليها، فوجدنا صاحبه ينطق بالكفر ولا يبالي، ثم تصفحنا بعض مقالاته، فوجدنا أن هذه طريقته دائماً، استهزاء بالدين وثوابته، وسخرية بالمتمسكين به، حتى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وصحابته لم يسلموا من وقاحة كاتب المقالات.
ثم إن الموقع المنشور عليه المقال هو مجلة الحوار المتمدن، وهي مجلة تنعت نفسها بأنها: يسارية علمانية ديمقراطية. أي أنها راعية للكفر وتنضح به، والكتاب فيها على شاكلة صاحب المقال المشار إليه وكلهم مجهولون.
وعلى كل حالٍ، فما كتبه هؤلاء وما كتبه غيرهم وما فعلوه مما يقصدون به إطفاء نور الله تعالى وتشويه دينه، وصد الناس عنه لن يحقق بإذن الله تعالى مقصودهم، ولن يكون إلا وبالاً عليهم فلتثق بذلك تمام الثقة، ومن شك في ذلك فهو شاك في قول المولى جل جلاله: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {التوبة: 32} ،هذا وإن الرد على هؤلاء العلمانيين فيه شغل للدعاة وإهدار لأوقاتهم وصرف لجهودهم في غير الأولى، وجزاك الله كل خير على غيرتك، جعلنا الله وإياك ممن يعمل على إعلاء كلمته ونصرة شريعته وحراساً لدينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(5/469)
علاج الفتور عن القيام بواجب الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العقار والعلاج المحدد للكسل الدعوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سؤالك غير مفهوم بما فيه الكفاية، ونحن نجيبك حسبما غلب على ظننا أنه مرادك، فلعلك تقصد بالكسل الدعوي الكسل عن القيام بواجب الدعوة. وعلاج ذلك يكون بتقوية الإيمان ومجاهدة النفس وصحبة الدعاة والصالحين، والتمعن والتدبر في الآيات والأحاديث التي فيها الحث على الدعوة إلى الله تعالى والدلالة على الخير، والنظر في سيرة الأنبياء عموما، وسيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتاريخ سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين في الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ الدين إلى مشارق الأرض ومغاربها، مع الاستهانة بكل ما يلقونه من متاعب ومشاق في سبيل ذلك، حيث يقول قائلهم وينشد لسان حالهم:
هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت
ويقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلما * على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع
ومثل هذا وأعظم منه في سيرتهم العطرة كثير. ولمعرفة ما يقوى به الإيمان وتشحذ به الهمم إلى طاعة الله تعالى يجب مراجعة الفتاوى التالية: 10800 و 6342 و 17666.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(5/470)
الفرار بالدين للنجاة من الفتن عين السلامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم ملتزم دينيا وتعلقي بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن والاهم من المؤمنين كبير وأنامتزوج وأعيش في بيت والدي مع إخوتي ولكن أعيش في منطقة مليئة بالفساد من المتبرجات والزواني والكافرين والمبتدعين في الدين والفاجرين وبيوت الدعارة الذين يأتون من الخليج ظانين بأنه بأموالهم سوف يشترون نساء العالم فأحسست بأن قلبي يذوب في صدري فتيقنت بأني على طريق الإيمان مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يأتي على أمتي زمان يذوب قلب المؤمن في جوفه من كثر المعاصي والفجور ولأنه لا يستطيع أن يغير شياً ولكن أخذ نظري يزيغ إلى المتبرجات رغم أني أستغفر الله بعد ذلك لكن عبادتي أخذت بالتراجع رغم حبي لله سبحانه وتعالى وشغلتني الدنيا بالعمل من الصباح حتى المساء ((اعذروني لأني أطلت عليكم)) ولكني قررت مايلي عملاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يأتي زمان على أمتي يهرب المرء بدينه في شعب الجبال يرعى الغنم خوفاً على دينه فتعرفت على منطقة ريفية في حوران عرف عن أهلها الدين والأخلاق والحياء وفيها مسجد مصلوه قلة رغم أنهم يصلون ولكن في البيوت فقررت أن أنتقل إلى تلك المنطقة بعد صلاة الإستخارة فيسرالله لي عملي في هذا المسجد وأمل أن أكون داعية ومقيما في ذلك المسجد عابداً متهجداً وأنا أعمل صباحاً في وظيفتي لكسب الرزق وهروباً من الفجور والكفر والفساد ولكن أمي وأبي وزوجتي لا ولن يوافقوا وقالت لي زوجتي اذهب لوحدك فهل:
... 1 - يحق لي أن أغضب أهلي وأن اترك زوجتي وإن كان لا يحق لي ذلك فهل يحق لي ظلم نفسي فأنا أخاف على نفسي من الفساد وعلى ولدي الذي اسمه جهاد وأنا أربيه على الجهاد والدين الصحيح وليس على البدع والفساد فأنا على يقين أني في تلك البلدة المحافظة سأحفظ ديني ودين أهلي وولدي في المستقبل أرجوكم أفتوني ماذا أفعل هل أرد على أهلي أم على نفسي بالهرب بديني
2 - أرجو إعطائي نبذة عن من هم المفتون في المجلة وهل الشيخ محمد حسان منهم
جزاكم الله خيراً وأدامكم للمسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك الثبات والتوفيق وحب الله تعالى وحب رسله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
ولتعلم أن أغلى ما يملك المسلم وما يجب أن يحافظ عليه هو دينه، فإذا كان في مكان لا يستطيع فيه إقامته أو يخشى من الفتنة والانحراف فإن عليه الفرار بدينه إلى مكان ينجو فيه من الفتن، فالسلامة لا يعدلها شيء، والفرار إلى الله تعالى هو عين السلامة.
وعلى ذلك، فما دام انتقالك من مكان الفساد لا يؤدي إلى خروجك من البلد بالكلية، وبالإمكان أن تصل والديك وأرحامك في كل وقت، فإن عليك أن تنتقل عن مكان الفساد إلى مكان تقيم فيه دينك ولا تخشى من الفتنة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند شرح حديث: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية. والمعنى أن الهجرة هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت، إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن، والنية في جميع ذلك.
ولقد أحسن من قال:
إذا شاع في أرض فساد ومنكر ... وليس بها ناه مطاع وزاجر
ففر ولا تصبح مقيما ببلدة ... يقل بها عرف وتفشو المناكر
فإن عقاب الذنب عند خفائه ... يخص وإن يظهر يعم المجاور
وهذا المعنى مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: وما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن فيه أسلافهم. رواه الحاكم والبيهقي.
وأما عن المفتين فهم لجنة من طلاب العلم الشرعي ممن تمرس على الفتيا والبحث العلمي المؤصل، وتتبنى منهج أهل السنة والجماعة في النظر والاستدلال، وفي التعامل مع المخالف من غير تعصب.. ويرأس اللجنة أحد العلماء المعروفين بدولة قطر هو الدكتور عبد الله الفقيه.
وأما عن فضيلة الشيخ محمد حسان حفظه الله فليس من ضمن أعضاء اللجنة، ولعلمكم الكريم فهذا الموقع موقع الشبكة الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف بدولة قطر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1425(5/471)
أزمات الأمة تحل بالطرق الشرعية لا بنشر الأحاديث الموضوعة أو المنامات
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي أخ عن كتاب للشيخ محمد جمال وفيه بعض الأحاديث الشريفة والله أعلم، أريد أن أسأل عن صحتها:
1- يخرج من عبس رجل اسمه من الصدم ينتصر مرتين ويخسر الثالثة هذا بمعنى الحديث وطبعاً \"المقصود به صدام حسين، فهل هذا الحديث صحيح؟
2- في أحد الأمصار العربية رجل اسمه من النصر ولا ينتصر (والمقصود هنا جمال عبد الناصر) ويليه أزور بن ساده يحارب وينتصر ثم يعقد السلام طبعا\" ليست الرواية التي كتبت بنفس الصيغة الموجودة في الكتاب، فارجو الإيضاح هل هذه الأحاديث صحيحة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث لا يخفى على أسلوبه أنه موضوع وليس له أصل في كتب الحديث، وإنما ظهرت مثل هذه الأحاديث في بداية التسعينات من القرن الماضي، هذا وليعلم أن الأزمات التي تمر بها الأمة لا يجدي فيها إلا الإنابة والتوبة الصادقة إلى الله، والسعي في حل الأزمات بالطرق الشرعية، ووفق سنن الله في الكون ببذل أسباب الحل والتخلص من أسباب الفشل، لا بنشر الأحاديث الموضوعة والقصص والمنامات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1425(5/472)
الدعوة تحتاج إلى صبر ومصابرة وأمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة وللأسف أرى كل يوم أمام عيني ما لا تطيقه من تصرفات الطالبات من تبرج وأمور مخلة بالدين وكلما أحاول النصح 99./. يسخرن مني ولم يعد يشغل الطالبة سوى المسلسلات والأفلام والبرامج المخلة بالدين والاستخدام الخاطئ للإنترنت طبيعة عملي فيها احتكاك مباشر بالطالبات ولكن للأسف كلما أتحدث مع أي طالبة بخصوص أمر معين مثل النمص تقول كيف أقتنع وأمي تعمل كذلك وأنا والله حائرة في أمري أفكر كثيراً بترك المدرسة من كثرة الضغوط النفسية التي أواجهها بسبب هذا الموضوع أرجو الإفادة في هذا الموضوع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته في سؤالك هو واقع كثير من الفتيات للأسف الشديد، ولكن أيضا هناك فتيات خيرات وصالحات، ويكثرن ولله الحمد، وعلى الفتاة التي منَّ الله عليها بالهداية أن تكون داعية لأخواتها، سواء كانت في المدرسة أو العمل أو غير ذلك، وتستعين بغيرها في ذلك، ولا تضعف وتيأس، فالدعوة تحتاج إلى صبر ومصابرة، فنوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه، كما قال الله تعالى عنه: [قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً] (نوح:5-9) .
واعلمي أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فرب كلمة تهديها لفتاة تؤثر في نفسها وتكون سببا لهدايتها عاجلا أو آجلا، ولذا، فإننا نوصيك بالصبر والدعوة وتذكير أولئك الفتيات بالعفاف والحياء والطهر وعدم تقليد أمهاتهن أو قريباتهن في المنكر، فقد أهلك الله قوما بسبب تقليدهم لآبائهم في الباطل.
قال الله تعالى: [قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ] (الزخرف:24-25) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(5/473)
سبيل عودة الأمة لدينها وربها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن للمسلمين الخروج من مأزقهم. إن العداواة تأتي حتى من الشعوب العربية المسلمة الأصل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلن يخرج المسلمون من الوضع الذي هم عليه إلا بعلاج الأسباب التي أوصتلهم إليه، وهذه الأسباب كثيرة ومتشعبة، وقد سبق لنا أجوبة متعددة فيها، يرجى مراجعتها في الفتاوى التالية: 15869، 18595، 27638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1424(5/474)
الأسباب الداعية لتخلف نصر الله عن الأمة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يبطئ النصر؟ اذكر خمسا من مبطئات النصر
أرجو الإجابة بأسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننبه السائل الكريم إلى أن مثل هذه الأسئلة التي تشبه أسئلة المسابقات ما ينبغي طرحها على جهات الفتوى مع أنها تشتمل على فوائد، وذلك لأن هذا الموقع مختص بالإجابة عن الاستفتاءات الشرعية فيما تمس إليه الحاجة فعلا، ولأن الموقع في شغل شاغل من الأسئلة الملحة عن الإجابة عن أسئلة المسابقات، إذ هي مهمة من يريد المشاركة فيبحث وينقب، ولا بأس أن يستشير أصحاب المعرفة والخبرة.
ونظرا لأهمية سؤالك، نجيبك ذاكرين لك بعض الأسباب الداعية لتخلف نصر الله عن الأمة الإسلامية.
اعلم أنه ما حل بالأمة ما حل بها من الهزائم المتلاحقة والمتنوعة إلا بسبب أساسي تتفرع منه أسباب، ألا وهو الابتعاد عن شرع الله سبحانه.
قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
وقال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165] .
وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال:53] .
ويتفرع من هذا الأصل ما يأتي:
1- الانحراف العقدي والسلوكي وضعف الإيمان وقلة الأعمال الصالحة.
قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] .
2- التفرق والاختلاف والتنازع: قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] .
3- عدم الإعداد الكافي للعدو ماديا ومعنويا وعسكريا وإعلاميا واقتصاديا وتكنولوجيا، وهذه من مقومات النصر، وقد أمر الله تعالى بالإعداد للعدو بقوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُون [الأنفال:60] .
4- عدم إخلاص القتال لله، وإنما القتال الذي يكون غالبا ما يكون لأهداف غير شرعية وتحت رايات غير شرعية، كالوطنية والقومية، والله إنما تكفل بالنصر لمن قاتل من أجله ونصره، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] .
ويقول تعالى: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [لأعراف: 128] .
فنسأل الله جل وعلا أن يعز الإسلام وينصر المسلمين، إنه عزيز حكيم، عليم قدير.
ولمزيد من الفائدة، راجع الفتوى رقم: 9225، ورقم: 27638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(5/475)
الاختلاف في الرأي لا يعني التفرق والتنابذ
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
أعمل لدى إحدى الجماعات الإسلامية الشهيرة في العالم، لكن المشكلة أنه أحيانا تحدث نزاعات بيني وبين الإخوة؛ بسبب الاختلاف في الرأي، فهل هذا يفسد العمل؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الجماعات الإسلامية وحكم الانتساب إليها، وحكم العمل للدين من خلالها، وذلك في الفتاوى التالية: 4321، 2788، 10157، 6512.
والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ما دام الخلاف فيما يجوز الخلاف فيه، فقد اختلف الصحابة والسلف والأئمة، إلا أنهم لم يفترقوا. وراجع الفتوى رقم: 25757.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1424(5/476)
الطريق إلى وحدة المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لكل العرب والمسلمين أن يتحدوا ويكونوا يداً واحدة في سبيل الله وفي سبيل الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالناظر إلى أحوال المسلمين اليوم يصيبه الأسى والألم والحسرة لما وصلوا إليه من تفرق وذلٍّ وتأخر، وما ذلك إلا بسبب بعدهم عن الدين واتباعهم لسنن اليهود والنصارى. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، فقد روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. وقد صححه الألباني.
فالواجب على المسلمين اليوم أن يتحدوا وأن يرجعوا إلى دينهم، ويجاهدوا في سبيل الله وفي سبيل نشر الإسلام وعزته، وإعلان كلمة الله.
ومما يعين على ذلك:
- علمهم بأن الاختلاف سبب للذل والفشل. قال تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] . ومن ذلك: تناسيهم للخلافات المذهبية والفرعية والانطلاق من نقاط الاتفاق الكثيرة.
- ومنها: القيام بالفروض الكفائية، ومن ذلك: العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإغاثة الملهوفين، ونصرة المظلومين.
- ومنها: إقامة المؤتمرات التي تناقش وحدة المسلمين والسبل الكفيلة بتحقيق ذلك.
- ومنها: الاهتمام بالنشء لأنهم جيل المستقبل.
والوسائل التي تعين على ذلك كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، فلتراجع في مظانها من كتب الفكر والتربية والدعوة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(5/477)
الاقتصاد والرفق في الأعمال بلا إفراط ولا تفريط
[السُّؤَالُ]
ـ[والله إنني أتمنى أن أعبده كما يريد، ولكن تمر علي أحيانا فترات من الكسل والبعد عنه والتقصير، وألوم نفسي على ذلك، وكأنني أقوم بها رغما عني، فماذا أفعل؟ وهل هذا البعد عن الله يذهب حسناتي السابقة؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النفس لها إقبال وإدبار، فتارة يكون المرء في لذة وطمأنينة في عبادته، وأحيانًا يقل ذلك ويضعف نشاط العبد، وقلما يوجد شخص يعيش على وتيرة واحدة. وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك. أخرجه البيهقي.
وعليه.. فإن كنت إبان فترتك وضعفك عن العبادة تحافظ على أساس الدين كالصلوات الخمس والصيام ونحو ذلك، مع الابتعاد عن المعاصي فأنت على خير. وإن كنت تنقطع عن الطاعة بالكلية، فذاك هو الهلاك الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانظر عوامل الفتور وطرق علاجه في الفتوى رقم:
17666.
ثم إن الذي يذهب الحسنات السابقة ويحبط العمل هو الشرك وما في معناه، قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] . فإذا كنت في فترات كسلك لا تمارس شيئًا مما يعد كفرًا، فعسى أن لا تذهب حسناتك السابقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(5/478)
كيف يفعل من يخشى إعلان إسلامه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميلة كانت نصرانية منذ أكثر من سنة وبعد اقتناع تام بالإسلام أرادت أن تسلم.
وبالفعل قامت بتعلم الصلاة وبدأت بالفعل تصلي وتقرأ في كتاب الله.
والمشكلة أنها تخشى من أهلها خصوصاً أنه إذا تمت معرفة هذا الأمر فإنهم سوف يستحلون قتلها.
وكل ما تريده الآن أن تسلم رسمياً لكي يكون هناك إثبات مادي على إسلامها وبالطبع دون تعريضها لاي إشهار الآن على الأقل خوفاً من الأذى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت تخشى من أهلها أن يؤذوها فالأفضل بلاغ السلطات المختصة حتى تتم حمايتها من أي أذى، ولتذهب إلى المحكمة لإعلان إسلامها أو إلى الجهة المسؤولة عن ذلك لتحصل على إثبات بذلك حتى تتمكن من أداء الحج والعمرة.
ونحيل السائل لمزيد من الفائدة على السؤال رقم: 19093 20555 في الموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(5/479)
تذليل شبهات وعقبات من أمام حديثي عهد بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الكرام إخوتي أصحاب الفضيلة في إسلام ويب: أتمنى أن يتسع صدركم لأسئلتي.. لي أخت أحبها في الله وعمرها 20 عاما وأخاف عليها كثيرا، هي لا تزال حديثة الالتزام، ولديها الكثير من الأسئلة التي تجعلها في حيرة من أمرها، فهي تقول إن هناك أسئلة في الدين لا تستطيع أن تفهمها ولا تجد من يجيبها عليها، حتى إنها إذا سألت أحداً تلك الأسئلة يوبخها ولا يجيبها بشكل مقنع، وهي تقول: إن الدين يجب أن يتفق مع العقل ويجب أن نفهم كل شيء حتى نكون مسلمين عن اقتناع وفهم، لا عن مجرد التسليم دون الفهم، لأن المسلم الفاهم والمقتنع يستطيع أن يدافع عن دينه بشكل قوي ولا يهتز إيمانه بأي شكل، وهي تسأل لماذا مثلا فرض الله بعض الفروض علينا دون أن يذكر الحكمة فيها، وتسأل مثلا إنه صحيح لا إكراه في الدين ولكن هناك عقاب يوم القيامة للعصاة، فهذا يجعلنا مضطرين أن نطيع الله لا عن اقتناع في بعض الأحيان ولكن عن خوف، وهي تقول: أنا لا أريد أن أعبد الله فقط عن خوف، بل أريد أن أعبده عن حب، فكيف يمكن الوصول إلى هذه الدرجة؟ وتسأل أيضا: إن الله خلق الملائكة طائعين له ولا يعصونه فلماذا خلقنا وهو ليس بحاجة لنا والملائكة يفعلون ما يأمرهم الله مسيرين غير مخيرين؟ وتقول: إن الإسلام يقول كذا وكذا لكننا لا نجد من يطبق الدين بالشكل الصحيح، مما يجعلنا في حيرة هل الدين الإسلامي لم يعد مناسبا لهذا الوقت، ونحن نلاحظ أن معظم الملتزمين دائما يشعرون بالحزن وغير ناجحين في حياتهم العملية ومكتئبون، بينما غير الملتزمين ناجحون في حياتهم ومتفوقون، ولا يشعرون بالكآبة، وتقول: إنها من يوم بدأت في الالتزام بدأت المصائب تنزل عليها بشكل كبير، وكأن الله يعاقبها ... وتقول: إن كثيرا من علماء هذا الزمان والدعاة هم الذين يبعدون الناس عن الدين والله لأنهم لا يوضحون للناس الدين بشكل عملي مناسب للوقت الذي نعيشه، وإذا سألهم المسلم عن سؤال وبخوه وأجابوه: عليك أن تأخذ الدين والفرائض وتطبقها كما هي بدون أن تفهم كل شيء، لأن الله لم يوضح لنا الحكمة في كل شيء فرضه، ونحن عندما أعلنا إسلامنا أعلنا معه الاستسلام لله، فيجب أن لا نسأل عن كل شيء، لذلك، فإن صديقتي هذه تقول لي: إن هذا معناه أن نوقف العقل وأن نستسلم دون فهم، وهكذا إذا سألنا أحد لماذا هكذا دينكم لن نستطيع الإجابة بشكل منطقي، خصوصا أن الغرب الآن لا يأخذ شيئا دون فهم، ويريد أن يفهم ويقتنع حتى يقبل، أما إذا أجبنا بلا نعلم لماذا والله أمرنا بها، فسيضحكون علينا، وبما أننا نعيش في الغرب، فإننا نواجه تلك المشكلة.. وتقول أيضا: إنها في حيرة كبيرة من أمرها، فهي تشعر أحيانا أنها في قمة السعادة والقرب من الله وفجأة يتغير حالها وتشعر بالكآبة، أرجو أن أكون قد استطعت توضيح ما يراود صديقتي من أفكار تقلقها، وأنا كما قلت لكم إني أحبها وأخاف عليها، وأريد مساعدتها كي تصل إلى درب النجاة، وأنا واثقة أن هناك الكثير من الشباب والشابات ممن هم في مثل عمرها يشعرون بما تشعر به صديقتي، فأحببت أن أرسل لكم سؤالي، ربما يكون فيه بعض النصائح لمن هم في بداية الطريق، وأتمنى الإجابة على سؤالي وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا على ما تفعلونه وتقدمونه من أجل الإسلام، وإني في انتظار ردكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله للجميع الهداية والثبات.
واعلمي أختي الكريمة أن الله سبحانه حكيم في خلقه وأمره، فلا يخلق سبحانه شيئا ولا يأمر بشيء إلا لحكمة وعلة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فهو سبحانه لا يخلق ولا يأمر عبثا ولا لعبا.
ومن الجميل أن يبحث المسلم عن الحكمة من كل خلق وأمر حتى يطمئن قلبه ويزداد يقينه ورغبته، لكن هناك أشياء من الخلق والأمر قد لا يستطيع العبد أن يعرف علتها، فما عليه حينئذ إلا أن يقول "آمنا به كل من عند ربنا" " سمعنا وأطعنا" ويجعل نصب عينيه قوله تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] .
وهناك كتب تحدثت عن موضوع الحكمة من الأحكام الشرعية، ومنها كتاب حجة الله البالغة للكندهلوي.
وفي الختام، نريد أن نتطرق إلى بعض الإشكالات الواردة في السؤال والجواب عنها باختصار:
قولها: الدين يجب أن يتفق مع العقل، هذا كلام صحيح، لكن قد يظهر للبعض شيء من التعارض بينهما، فالمقدم حينئذ الدين، لأنه من عند الله العليم الخبير، والعقل قاصر عن معرفة كل شيء.
قولها: يجب أن نفهم كل شيء حتى نكون مسلمين عن اقتناع وفهم لا عن مجرد التسليم دون الفهم: جوابه أنه قد تقدم أنه من الجميل أن يبحث المسلم عن الحكمة من كل خلق وأمر، لكن قد تواجهه أحيانا أشياء لا يعرف حكمتها، فليس أمامه حينئذ إلا التسليم.
قولها: لماذا فرض الله علينا بعض الفرائض دون بيان الحكمة؟ جوابه أن الله يبتلي العباد ليعلم من يستسلم له ومن يتلكأ، وكذلك ليفتح المجال للعقول في البحث عن ذلك.
قولها: لا أريد أن أعبد الله عن خوف فقط، بل أريد أن أعبده عن حب مع خوف، فهذا كلام جيد وهو يتفق مع المنهج القرآني السليم: وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً [الأنبياء: 90] .
فالخوف والرجاء والمحبة ثلاثة محاور متوازية في علاقة العبد بالله.
ولكن ليس من شرط ذلك معرفة العلة والحكمة من كل شيء، حيث يمكن تنمية الخوف بتذكر الموت والقبر والحساب والعقاب والنار ... ويمكن تنمية الرجاء بتذكر الثواب والجنة والمغفرة والعفو ... ويمكن تنمية المحبة بالتفكر في المخلوقات وتذكر النعم واستحضار عظمة الله و ...
قولها: فلماذا خلقنا وهو غير محتاج لنا؟ جوابه: قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك: 2] .
قولها: الملائكة مسيرون غير مخيرين، هذا غير صحيح، فهم مخيرون إلا أن طبيعتهم لا تقبل الاعتراض لأن الله فطرهم على الطاعة ولم يخلق لهم الشهوات التي خلقها للبشر.
قولها: لا نجد من يطبق الدين بالشكل الصحيح ... هذا التعميم خطأ بيِّن، لأن هناك من المسلمين من يطبقون الإسلام، وهناك في المقابل مقصرون، وقصور كثير من المسلمين لا يعني أبدا أن هذا الدين لا يصلح لهذا الوقت، لأن هذ الدين قد طبق على فترات من قبل أهله، وحينها سادوا وعزوا وفتحوا البلاد وقلوب العباد.
قولها: معظم الملتزمين يشعرون بالحزن، وغير ناجحين ... ومكتئبون، وغير الملتزمين ناجحون ومتفوقون ولا يشعرون بالكآبة ...
هذا التعميم غير صحيح إطلاقا، بل إن أغلب الملتزمين يشعرون بالسعادة ويعملون بنشاط وأمانة و....، وعلى العكس، نجد أكثر غير الملتزمين يشعرون بالكآبة ولا يتصفون بأمانة و ...
لكن قد يكون البعد عن مجالسة فريق معين لا تجعل الشخص يفهم كما ينبغي.
قولها: إنها منذ أن التزمت بدأت المصائب تنزل عليها ... : جوابه أن هذه المصائب إنما هي ابتلاء من الله لها حتى يرى صدق التزمها، وحتى يمحصها ويهذبها ويكفر عنها الذنوب، والعبد يبتلى على قدر دينه.
قولها: إن كثيرا من االعلماء والدعاة يبعدون الناس عن الدين ... جوابه أن هذا التعميم أيضا غير صحيح، لكن قد يوجد من بين العلماء والدعاة من هو كذلك، فلا بد حينئذ أن ينصح ويرشد للطريق الأسلم في التعامل، ولا يجوز أن يكون هذا عذرا للبعض في ترك الدين أو تعميم الحكم على الجميع.
وفي الأخير ننصح الأخت السائلة وصديقتها وأمثالهم بأن يتعرفن على الصحبة الصالحة من الأخوات والداعيات، ويعرضن عليهن أي إشكالات قد ترد عليهن.
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(5/480)
طريق الدعوة محفوف بالأذى والأشواك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنني فتاة محجبة داركة الدين والدنيا عملت جاهدة من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله والآن نتيجة لتصرفاتي هذه الإسلامية يدعونني بالمجنونة فماذا أفعل يا ترى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أعظم نعم الله تعالى على المسلم في هذا العصر أن يلهمه رشده، ويفقهه في الدين، ويبصره بشئون الحياة في هذا الوقت الذي تعقدت فيه الأمور، وكثر فيه الجهل بدين الله تعالى، وأهمل كثير من المسلمين واجبهم نحو الدعوة إلى الله تعالى التي هي فرض على المسلمين.
والدعوة إلى الله هي عمل الأنبياء والدعاة وعلى رأسهم نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ـ الذي صبر وصابر حتى أظهر الله دينه على يديه وترك المسلمين على المحجة البيضاء، فقام أصحابه من بعده بأعباء الدعوة إلى الله خير قيام، وتبعهم على ذلك أجيال المسلمين من بعدهم فحملوا الإسلام إلى كل مكان، وصححوا المفاهيم وعلموا الناس دين الله تعالى متمثلين قول الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] .
ولقد أوذوا في سبيل هذه الدعوة أشد الأذية، فكان الواحد منهم يتحمل ذلك كله في سبيل الله. ويكفي الداعية شرفا أنه يقتدي بأ ولئك الأخيار من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وأن يكون ممن وصفهم الله تعالى بأنهم أوذوا في سبيله، حيث يقول جل وعلا: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [آل عمران:195] .
فلتعلمي أختي الكريمة أن هذا هو طريق الدعوة إلى الله تعالى فينبغي أن تصبري وتصابري وتتحملي كل أذى تجدينه في هذا الطريق، فالجزاء عظيم والثواب جزيل ألا وهو الجنة, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات. رواه مسلم.
نسأل الله تعالى لنا ولك الثبات والتوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(5/481)
الوئام قوة والتفرق ضعف
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الشباب نقوم بواجب الدعوة إلى الله وحدث بيننا خلاف ما فانقسم الناس إلى فريقين. بعض الشباب لا يلقي السلام علينا وعندما نلقي نحن السلام عليهم يتكبرون في أنفسهم ويظنون أننا بذلك نعظمهم وأننا مخطئون في حقهم والدليل أننا نحن الذين نلقي عليهم السلام فما واجبنا نحوهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي لشباب الدعوة إلى الله تجنب أسباب الفرقة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فبالفرقة يضعف الصف وتتفرق الجهود وتذهب القوة فيحصل الفشل، كما قال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] .
ولا بد للشباب العاملين في حقل الدعوة إلى الله من الإكثار من القراءة في أدب الخلاف، إذ لا مطمع أبدًا في أن يتفق مجموعة من الناس في كل شيء، فلا بد من نوع اختلاف لتفاوت الأفهام والعقول، ولكن ينبغي أن يوضع الخلاف في موضعه ولا يتجاوز به حده ليصير سببًا للقطيعة والهجر، ولو فعل الناس هذا لما بقي اثنان على مودة وإخاءٍ، فالعلماء والأئمة خلافاتهم لا تحصى، ومع ذلك لم يكن ذلك سببًا في بغض بعضهم بعضًا، بل سيرهم ناطقة بدعاء بعضهم لبعض، وثناء بعضهم على بعض.
وعند حصول الخلاف كان من يسعى إلى رأب الصدع، وإنهاء الفرقة أعظم أجرًا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
ولا يضر هذا الساعي قول من يقول إنه كان مخطأً، وتراجعه وسلامه يدل على ذلك، لا يضره ذلك كله، إذا لم يتضمن ذلك مفسدة شرعية كإقرارهم على بدعة أو خطأ لا يحتمل الصواب.
ولا ينبغي أن يثنيه عن سعيه ذلك قبل تلك الكلمات والظنون فإنه إن احتسب في عمله ذلك كان أجره عند الله.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(5/482)
المعوقات في طريق الدعوة تستلزم مضاعفة الجهود
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤال حيرني كثيراً وهو: لماذا مع كثرة الدعاة والعلماء نجد أن أكثر بلدان العالم يسودها الجهل والشرك والتبرك بالقبور. هل لأن العلماء غيروا من نوعية الدعوة؟ هل العلماء لم تخلص دعواتهم؟
هل أثرت فيهم عوامل الاستعمار، وغيرت منهجهم كما غير اليهود النصرانية؟
لماذا لم ينهج العلماء نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة - أمثال: الأئمة الأربعة، ومن بعدهم كأحمد والبخاري وأصحاب السنن و ... سمعت أحدهم يقول: تلك طرق قديمة بالية ونحن الآن في عصر الحضارة، عصر السياسة فقط أما العلم الرباني فقد ذهب؟؟؟
أنا آسف أطلت في الأسئلة ولكنها بالفعل أسئلة كثيرة تحتاج لإجابة، أتوقع أن الموضوع واحد. ولكم جزيل الشكر.
والسلام عليكم،،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن الدعوة إلى الله تعالى فريضة عظيمة، وفضيلة وقربة إلى الله تعالى، قال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] .
وقد حرم الله تعالى كتمان العلم، وأمر بالنصح والبيان، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159-160] .
فالواجب على العلماء القيام بهذه الفريضة حق القيام، ولهم في ذلك من الله الأجر العظيم، لما في الدعوة إلى الله من النفع والخير للبلاد والعباد.
كما أن الواجب أيضاً الأخذ بالدين كله، فلا يؤخذ بجزء منه على حساب جزء آخر.
هذا ومع اعتبار الشمولية في الدعوة، لا بد من مراعاة الأولويات، بالأخذ بالأهم فالمهم، إذ أن التدرج أصل أصيل في منهج الدعوة، لاسيما الدعوة إلى تصحيح المعتقد عند وقوع الخلل فيه، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن معاذاً رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة....... الحديث.
فأولى ما ينبغي أن يهتم به الدعاة هو تصحيح العقيدة، ونشر السنة، وإماتة البدعة، وتحذير الناس من صور الشرك المنتشرة لما في ذلك من الخطر العظيم على عقائدهم، كما قال الله: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] .
ولا شك أننا نرى جهوداً طيبة لأهل العلم وطلبته في النصح والبيان، والدعوة والتبيان، وهي جهود مشكورة إلا أنها دون المطلوب بكثير مقارنة بما عم وانتشر من الجهل والفساد، مما يستوجب مضاعفة الجهود.
هذا هو شأن الدعوة إلى الله، وأما السياسة، فهي جزء من الدين ووسيلة من وسائله، إذا كانت تستند إلى نصوص الشرع وقواعده، فالعلم الرباني هو مصدرها، فلا تثبت دعوى التعارض بينهما، كما أن الإسلام لم يحجر على الناس في باب الوسائل، إذ الأصل فيها الجواز ما لم تشتمل على محظور شرعي. ولا شك أن الوسائل متجددة، فيؤخذ منها ما يخدم هذا الدين، ويعمل على تبليغه للخلق كما أمر الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1423(5/483)
خطوة نحو الهدى والنور تتلوها خطوات بإذن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسيحية وعند تصفحي للإنترنت تصفحت بعض المواقع عن الإسلام وأحس أني أريد الدخول إلى هذا الدين لكن لا أستطيع القراءة عنه في منزلي كما أريد أن أعرف إذا أسلمت فأين أسكن وأنا غير متزوجة وشكرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن دين الإسلام هو الدين الحق الذي يتميز بعقيدته الصافية وتشريعاته الواقعية، وموازنته بين حاجة الروح بتزويدها بالإيمان، وتطهيرها بالعبادة والطاعة، وإبعادها عن رجس الذنوب والمعاصي، وبين حاجة الجسد، من غذاء حتى لا يضعف، ومن وقاية حتى لا يمرض، ومن دواء إذا أصابه الداء، ومن استجابة للغرائز في حدود وضوابط.
فمن تشريعات الإسلام الأساسية: إن لربك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه.
بهذا المنهج الصافي، الموافق للفطرة، يتأثر من يطلع عليه، ويجد نفسه منجذباً إليه، حين ينظر إليه بعين البصيرة، بعيداً عن الشائعات حوله، فيجد أنه دين رحمة وخير وسلام للإنسانية كلها، يحمل إليها مشعل النور والهداية، لذلك ليس من المستغرب أن يتتابع خاصة الناس وعامتهم إلى الدخول فيه، فأصبح من كان زعيماً في ديانته المنتسب إليها، يدعو إلى الإسلام ويدافع عنه بعد دخوله فيه.
وإن السائلة قد بدأت السير في الطريق الصحيح، متجهة إلى النور الذي أمامها، بل قد وصلت إليه، وما ذكرت من عقبات فهي متيسرة الحل إن شاء الله، فالقراءة عن الإسلام إن لم تكن ميسرة في منزلها، فيمكنها الذهاب إلى أي مكان للإنترنت للاطلاع على هذه المواقع الإسلامية، أو البحث عن وسيلة أخرى كمراجعة المراكز أو الجمعيات الإسلامية في البلد الذي تعيش فيه، فإنها ستكون بإذن الله خير عون لها في حل مشاكلها بما في ذلك أمر السكن والزواج بعد الدخول في الإسلام.
فلتبادر السائلة إلى الدخول في الإسلام وليكن ذلك عن قناعة وصدق رغبة، وستجد فيه بإذن الله ما يحقق لها سعادتها في الدنيا والآخرة، ولعلنا أن نسمع ما يسرنا في القريب العاجل، وإنا منتظرون، سائلين الله تعالى لها التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1423(5/484)
علاج الكبر والغرور في سلوكيات بعض المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نعالج داء الكبر والغرور داخل الحركة الإسلامية؟ أرجو الإجابة وذكر بعض المراجع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن علاج الكبر والغرور داخل الحركة الإسلامية أو غيرها يكون بتذكر عدة أمور:
أولاً: تذكر عظمة الله تعالى، وأن الكبرياء من صفاته، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار.
ثانياً: تذكرالإنسان أصله وضعفه، قال تعالى: خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [النحل:4] .
ثالثاً: تذكر عاقبة التكبر والغرور: ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر.
رابعاً: أن التكبر سبب في الهزيمة والفشل، قال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ [الأنفال:47] .
وهذا في شأن قريش في غزوة بدر.
خامساً: أن التواضع سبب في العزة والرفعة والسيادة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
المراجع: كتاب الأخلاق الإسلامية وأسسها عبد الرحمن الميداني.
مختصر منهاج القاصدين ابن قدامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(5/485)
مهما ابتغينا العزة بغير الدين أذلنا الله.
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا أحلام الشعب العربي كثيرة وفعالة في المجتمع لكنه عاجز عن تحقيقها رغم امتلاكه المال وإرادته القوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان العرب فعلاً يريدون أن يصلح حالهم فعليهم بالعودة إلى دينهم الذي هو مصدر عزتهم وسر قوتهم، فسنة الله تعالى أنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وما انتصر المسلمون الأوائل إلا بهذا الدين، ولن ينتصروا في المستقبل إلا بالعودة إليه، وقديماً قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. وصدق عمر رضي الله عنه.
هذا ما شهد به التاريخ فكان العرب قبل الإسلام موزعين ومستغلين من الأمم التي تجاورهم، فكان الفرس يستغلون من جاورهم، وكان الروم يستغلون كذلك من حولهم من العرب، وحتى الحبشة كانوا يستغلون من بجوارهم من العرب.
وحتى أولئك الذين كانوا في وسط الجزيرة العربية محتمين بصحرائهم لم يكونوا أحسن حالاً من أولئك المستغلين في الأطرافـ، فكانوا يتقاتلون على أتفه الأسباب، ويعيشون في جاهلية جهلاء يعبدون الأصنام ويئدون البنات..
فلما جاءهم هذا الدين العظيم أخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة والإيمان، فسادوا به الدنيا، وعلموه للبشرية، وسعد به من اتبعه ...
فلما تهاونوا بدينهم وغفلوا عنه سلط عليهم الأعداء فاحتلوا البلاد وأذلوا العباد.... فقلدوهم في كل شيء ظنا منهم وجهلاً أن ذلك سيحل مشكلتهم ... وتوجهوا إلى الشرق (الاتحاد السوفيتي في وقتها) يريدون المساعدة فوجدوهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
فولوا وجوههم شطر الغرب النصراني فوجدوهم أشد عداوة وأخبث طوية من سابقيهم، بل هم السبب لكثير من أدواء العرب المعضلة، ولا منجى لنا من هذه الدوامة إلا بالرجوع إلى الله تعالى وإلى هذا الدين الذي أخرجنا الله تعالى به من الظلمات والجهل والفقر إلى السيادة والقيادة والعلم.....
ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، فإذا غيرنا ما بأنفسنا فإن الله سيغير ما بنا: سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الفتح:23] .: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1423(5/486)
طريق الدعوة محفوف بالإيذاء والتكذيب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أنا أقوم بالهداية والموعظة والتذكير والترهيب والترغيب للشباب المسلم عن طريق الشات والحمد لله استجاب لي الكثيرون ممن غفلوا عن دينهم ونسوا ربهم وهذا كله لمدة 4 أو 5 شهور لكن قبل مدة تعرض لي أحد الشباب بالسب والكلام البذيء والإيذاء وأنا صابرة وأقابل الشتيمة بالشكر والموعظة والكلام اللين السهل والله يشهد علي أنني ما أذيته ولا بكلمة واحدة لكنه بدأ بالكفر من كلام بذيء على سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنا أحاول ردعه لكن دون فائدة فاضطررت لتذكيره بوعيد الله للمرة الأخيرة وإنهاء المحادثة معه فهل علي إثم بكفره هل أشاركه بالذنب علماً أنني والله لم أغضبه ولم أعتد عليه لكنه فجأة انهال علي بكل أنواع الكلام البذيء والإيذاء.
أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقول لك أولاً: جزاك الله خيراً على حرصك على الدعوة إلى الله، وهداية الناس، فهذا من أحسن الأعمال التي على المسلم أن يشغل حياته بها، قال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]
لكن عليك أن تحذري من مخاطر ومزالق المحادثة في الإنترنت، لا سيما مع الرجال، فعليك بالالتزام بشروط الحوار والمحادثة المبنية في الفتوى رقم: 1759.
ولو اقتصرت في دعوتك على النساء لكان خيراً وأفضل، لأن بعد المرأة المسلمة عن محادثة الرجال هو الأليق بها.
وأما ما بدر من المذكور من كفر وبذاءة، فعليه وزره، ولا تحملين من وزره شيئاً ما دمت لم تتسببي في ذلك، كما ذكرت.
واعلمي أن الإنسان في طريق دعوته معرض لمثل هؤلاء الذين طمس الشيطان على بصيرتهم فلا يرون هدى ولا يميزون بين حق وباطل، فعليك بالصبر والاحتساب، فهذا من ضريبة الدعوة إلى الله، فالله سبحانه يقول: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان:17] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1423(5/487)
صلاح الأمة بما صلح به أولها
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى الشبكة الرجاء الإجابة وكأنكم ترون الله.
ما هو الحل بالنسبة لهذه الأمة التي تداعت كل الأمم على قصعتها الحل الذي يعيد مجد الأمة وكأنها على الأقل بزمن صلاح الدين رحمه الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا توجد طريقة لخروج المسلمين مما هم فيه من الذل والهوان والضعف إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإقامة دين الله وتحكيم شرعه، فإذا فعلوا ذلك واتحدوا دانت لهم الدنيا.
ولهذا جعل الله التمكين للمسلمين في الأرض مشروطاً بطاعة الله ورسوله، وإقامة شعائر الدين، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) [النور:55] .
فلن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها من الاستقامة والالتزام بأمور الدين والثبات على منهج الله، فبهذا وحده يمكن للأمة أن تنهض من كبوتها وتعود إلى سابق عهدها من العز والمجد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1423(5/488)
الإيمان الصادق شرط حتمي للعلو والنصر
[السُّؤَالُ]
ـ[قالوا أصلحوا أنفسكم قالوا اتحدوا قالوا الصحوة مهمة وقالوا توكلوا على العلي الحي القدير وقالوا وقالوا والحمد لله بدأنا بإصلاح أنفسنا وندعو كل يوم للمسلمين والشهداء والمجاهدين. سؤالي هو: نريد أن نجاهد ولكن كيف وأين الطريق لذلك؟
أفيدونا رحمكم الله وإيانا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليعلم السائل الكريم أن للنصر أسبابه التي لا يحصل إلا بها، ولن يتخلف وعد الله تعالى للمؤمنين بالنصر إذا هم أخذوا بأسبابه، قال تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم:6] ، وقد قال تعالى: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139] .
فجعل الله تعالى الإيمان شرطاً للعلو، فإذا وُجد الإيمان الصادق وُجد العلو ولابد، ولمعرفة الأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً للتمكين والنصر راجع الفتوى رقم: 16286.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1423(5/489)
تداعت عليكم الأمم، وبخاصة الشباب
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي المشاكل التي يعاني منها الشباب المسلم في هذا العصر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمشاكل التي يعاني منها الشباب المسلم في هذا العصر زيادة على غيره من العصور كثيرة نجملها في الآتي: ـ
1- السعي الحثيث من أعداء الله عز وجل وأعوانهم لإفساد الشباب بشتى الوسائل والأساليب، كتوفير المخدرات والمسكرات ونشر الأفلام الإباحية وتسهيل سبل الوصول إلى الفاحشة ونحو ذلك.
2- تعليق الشباب باللهو واللعب، وإغراؤهم على ذلك بالمال.
3- إفساد مناهج التربية والتعليم الصحيحة، وإبدالها بمناهج تحمل أفكاراً ومبادئ هدامة لا تمت إلى الإسلام بصلة؛ بل تعتبره تخلفاً وإرهاباً ونحو ذلك.
4- متابعة المستقيمين والمتحمسين منهم للدعوة والإصلاح وإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ثم كبتهم بل وسجنهم في بعض الأحيان، نسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام وأهله إنه على كل شيء قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1423(5/490)
عوامل الفتور عن الالتزام بالدين وسبيل الإصلاح والعودة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أسباب الفتور الديني، وكيف نعالجه؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفتور لغةهو: الانقطاع بعد الاستمرار أو السكون بعد الحركة.
وللفتور أسباب ذكرها الدكتور سيد نوح في كتابه"آفات على الطريق" ومن أهم هذه الأسباب:
1) الغلو والتشدد في الدين: فإنه طريق إلى الفتور والقعود عن الطاعة، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من التشدد والغلو، ففي سنن النسائي وابن ماجه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: دخل عليها وعندها امرأة قال: من هذه؟ قالت: فلانة. تذكر من صلاتها. قال: مه! عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا. وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه.
2) الإكثار من المباحات فيؤدي ذلك إلى السمنة وضخامة البدن وسيطرة الشهوات، والتكاسل عن الطاعات. والله تعالى يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن. رواه الترمذي وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم والبطنة والشراب فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة.
3) ترك مصاحبة الصالحين والجلوس معهم، ولذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كدر الجماعة خير من صفو الفرد. وقال عبد الله بن المبارك
لولا الجماعة ما كانت لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
4) قلة تذكر الموت والدار الآخرة، فإن من شغل بعمل الدنيا انصرف عن هم الآخرة، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على تذكر الآخرة وزيارة القبور، ففي سنن الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء. قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله. قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا. فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
5) التقصير في عمل اليوم والليلة، كالتقصير في بعض الواجبات أو ارتكاب بعض المحرمات فإن ذلك يورث الكسل والفتور. وقد أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه فقال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام، بكل عقدة يضرب عليك ليلاً طويلاً، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان فإذا صلى انحلت العقد فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان.
6) أكل الحرام.
7) الوقوع في المعاصي والسيئات.
ولعلاج الفتور عليك بما يلي:
1- البعد عن المعاصي والسيئات كبيرها وصغيرها.
2- المواظبة على عمل اليوم والليلة من صلاة وذكر وعبادة.
3- استغلال الأوقات الفاضلة، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
4- صحبة الصالحين.
5- معرفة سنن الله في الكون وأن الله يبتلي عباده المؤمنين ليظهر إيمانهم وصبرهم وصدقهم ويرفع درجتهم.
6- معرفة مداخل الشيطان وأنه واقف لعباد الله في الطريق يريد أن يصدهم عن طريق الله المستقيم.
7- إعطاء النفس مقداراً من الراحة بالمباح حتى لا تمل وتفتر وتنقطع.
8- مداومة النظر في كتب السيرة والتاريخ والتراجم لمعرفة كيف كان الرعيل الأول من السلف، والسعي إلى الإقتداء بهم.
9- تذكر الموت وما بعده من سؤال الملكين في القبر ومن ظلمته، والميزان والصراط والجنة والنار، فمن تذكر ذلك جعله في شغل بالآخرة عن الدنيا.
10- التزود من العلم النافع.
11- محاسبة النفس بصورة مستمرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1423(5/491)
هل يصح الخروج للدعوة دون إذن الوالد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد اطلعت على فتواكم لجماعة التبليغ، ولكن أنا عندي مشكلة: وهي أن والدي من المعارضين لهذه الجماعة، وأنا أريد أن أخرج وهو يعارضني ولكن أحيانا يوافق بعد الضغط حتى أني أقوم بالجولات دون علمه، رغم أني أشعر بجو إيماني عندما أكون معهم وأنا لا أحد يعينني على ذكرالله من أهلي رغم أني أقوم بدعوتهم. فهل إذا لم أطع والدي وخرجت للدعوة إلى الله علي إثم.
أرجو التوضيح وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك في الخروج للدعوة إلى الله سبحانه دون علم والدك ما لم يؤد ذلك إلى تقصير في حقه أو تفريط في القيام على شؤونه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1423(5/492)
أزمة العقل المسلم المعاصر ... الأسباب والحلول
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الرجاء تحديد ماهية أزمة عقل المسلم المعاصر والأسباب والحلول؟ وما هو دور التربية في الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقل منحة إلهية أيد الله بها الإنسان وامتن عليه بها، وبالعقل ميز الله الإنسان عن الجماد والحيوان، وبه كلف الله الإنسان، فالمكلف هو البالغ عاقلاً، وبالعقل يميز الإنسان بين الخير والشر، وبين الهدى والضلالة، فإذا استعمله كان سبباً في سلوك طريق الهدى والبعد عن موارد الردى، وما أكثر الآيات التي يدعو الله فيها عباده أن يعملوا عقولهم ويتفكروا فيما حولهم ويعتبروا بالأمم البائدة، ويوم أعمل المسلمون عقولهم آمنوا فحسن إيمانهم، وجادوا بأنفسهم نصرة لدين الله، فدانت لهم الدنيا وفتحوا البلاد وقلوب العباد.
والمتأمل في حال المسلمين اليوم يلمس بجلاء تلكم الأزمة التي أشرتم إليها في سؤالكم، فأكثرهم -مع الأسف الشديد - تركوا كتاب الله وجعلوه وراءهم ظهرياً، وهجروا السنة النبوية التي هي - كما قال الإمام مالك رحمه الله: كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وفقد جلهم هويتهم، وأصبحوا يلتمسون الهدى عند من لا خلاق له ولا دين له، وطوفت بهم الأهواء، وقادتهم الشياطين إلى الوقوع في شراك الشهوات والشبهات التي نصبها لهم أعداء الله الذين أيقنوا أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولذلك فقد جندوا جنودهم وخططوا مخططاتهم التي بها غيبوا كثيراً من العقول عن نور الإيمان، وهم بذلك لا همَّ لهم إلا أن يطفئوا نور الله، ولكن هيهات هيهات، فالله متم نوره ولو كره الكافرون. والواجب على المسلمين أن يفيقوا من غفلتهم، وينتبهوا لهذه المؤامرات التي تحاق بهم، وأن تكون منهم طائفة كما أمر الله (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104] .
ومما لا شك فيه أن التربية لها دور رئيس في نصر الإسلام وعز المسلمين، فإذا تربى الناس على ما ربى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام رضي الله عنهم، وإذا تربوا على الإسلام الصحيح الخالي من الاعتقادات الباطلة والبدع المنكرة والاجتهادات المخالفة للنصوص، وإذا تربوا على الفكر الإسلامي الصحيح القائم على إخضاع العقل للنقل، والنظر العقلي للنص الشرعي، وإذا تربوا على الأخلاق النبوية والشيم المصطفوية، وعلى محبة الله والشوق إلى لقاء الله، إذا تربوا على ذلك كله انقشع الظلام وعاد الصبح بنوره، وهبت رياح النصر بإذن الله.
ونسأل الله أن يعيد للمسلمين عزتهم ودولتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1423(5/493)
الافتراق من مظاهر أهل الشرك والكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليك يا شيخنا وبارك الله لنا في عمرك وعلمك.
أما بعد ياشيخنا أشهد الله أني أحبك فيه.
عندي سؤال أود أن تجيب عنه. جزاك الله خيرا
وقع عندنا في المغرب انشقاق فيمن ينتسبون إلى المنهج السلفي بسبب الشيخ المغراوي وأنا ممن وقع في حيرة عظيمة حتى كدت أن أتعرض لأزمة دينية، أرشدونا جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقول لك: أحبك الله الذي أحببتنا فيه. ورغم أنه لا علم لنا بحقيقة وأسباب وأشخاص الخلاف المذكور، لكن نقول لكم إن ديننا دين وحدة واجتماع لا دين فرقة واختلاف، بل إن الافتراق من مظاهر أهل الشرك والكفر قال سبحانه (ولا تكونوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً) [الروم:31-32] ، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تذم الاختلاف وتلزم بالاجتماع والاعتصام بحبل الله كثيرة جداً.
لذا يجب على المسلمين في بلدكم وفي غيره أن يبتعدوا عن جميع مظاهر الخلاف والفرقة ويجتمعوا على الهدى والحق، فالله جلا وعلا يقول (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103] ، ولذلك سمي أهل الحق بأهل السنة والجماعة لأنهم اجتمعوا على السنة والحق ولم يتفرقوا عنه.
وننصحكم بالسعي في رأب الصدع وجمع الكلمة والتعاون مع كل من كان من أهل السنة والنصح لهم بالتي هي أحسن، ولا يجوز لكم عقد الولاء والبراء إلا على أساس الإسلام والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1423(5/494)
الدعوة البصيرة والتشاور وتقاسم الأدوار..تذلل العقبات
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بإلقاء المحاضرات في محيط الجيران، فأنا أعمل في مجال الدعوة00 ومعنا امرأة كبيرة في السن، درست في محو الأمية، وكانت تقوم بإلقاء المحاضرات، قبل أن أتعرف عليهم، وبعد اشتراكي معهن سعدن كثيراً من إلقائي وطريقتي لأنني ولله الحمد متعلمة، وأقرأ كثيراً ولي كتابات في بعض المجلات 00
السؤال: هذه السيدة الكبيرة، قليلة التعلم، وقراءتها ركيكة، وإلقاؤها ليس جيداً، وجميع الأخوات يردن مني أن أستمر أنا بإلقاء المحاضرات، ومعنا أيضاً واحدة من الأخوات، أيضاً تشارك في الإلقاء 00 ومشكلتي أن الأخوات يسببن إحراجاً لي لأنهن لا يردن غيري، ويقلن أنت لك تأثير أكثر منها، ماذا أفعل؟ فأنا لا أريد أن يحمل علي أحد في صدره غلاً باعتقادهم أني أريد الصدارة 00 أفتوني مأجورين 0سائلة المولى أن يخلص نياتنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيرا على ما تقومين به من الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس الخير، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك، وأن يزيدنا وإياك من فضله.
ونذكرك بقول الله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين) [فصلت:33] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " من دعا إلى خير كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً" رواه مسلم.
كما ننصحك بمواصلة طلب العلم والإكثار من القراءة وسؤال أهل العلم فيما أشكل، فإن العلم هو أساس الدعوة، قال تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108] ، فمن كان متبعا للنبي صلى الله عليه وسلم لابد أن يدعو إلى الله، ولا بد أن يكون في دعوته على بصيرة ولا بصيرة لمن لا علم عنده.
أما بالنسبة لما سألت عنه فاعلمي أن الشيطان حريص على إفساد ذات البين وخاصة فيما بين الصالحين، فعليك أن تتعاملي مع الأمر بحكمة ولا تقدمي على أمر يؤدي إلى فساد ذات البين، وعليك أن تجلسي مع أخواتك المحاضرات في مجالس لتنسيق الدعوة وتقاسم الأدوار، والتشاور والتناصح وعليك أن تشرحي للأخوات المتلقيات أن الأمر فيه ترتيب، وأنه ينبغي لهن الاستفادة من الجميع.
هذا كله إذا لم تكن الأخوات المحاضرات الأخر يقلن على الله بغير علم ويعلمن الأخوات غير الصواب، فعندئذ لا بد من نصحهن ونصح غيرهن بعدم الحضور لهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1423(5/495)
الفرقة والاختلاف من مظاهر الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[.بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.
في كل سنة يفترق المسلمون في بلجيكا إلى عدة فرق وبالضبط في شهر ماي ويونيو ويوليو , وذلك حينما تتأخر صلاة العشاء حيث تكون في بعض الأحايين ليس بينها وبين صلاة العشاء إلا نصف ساعة أوأقل , وهنا تبدأ بوادر الافتراق , فبعض المساجد تجمع صلاة العشاء مع صلاة المغرب , والبعض الآخر يقدر صلاة العشاء بساعة ونصف , والبعض الآخر ينتظر حتى يحين وقت العشاء ,والبعض الآخر يفضل أن يصلي منفردا عن الجماعة. ومن خلال ماسبق نطلب من العلماء الغيورين عن الإسلام والمسلمين أن يبينوا ما يجب فعله إزاء هذه القضية الحساسة. ثم هل يجوز جمع العشاء مع المغرب لفترة طويلة؟ ثم هل يجوز أن نقدر وقت العشاء بساعة ونصف؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء. والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فإن ديننا هو الدين الذي يحث على الوحدة والائتلاف، ويحذر من الفرقة والاختلاف ويجعل ذلك من مظاهر الشرك، فيقول الله عز وجل: (ولا تكونوا من المشركين* من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً) [الروم:31-32] .
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تذم الاختلاف وتحث على توحيد الجماعة كثيرة جداً. لذا فلا ينبغي للجماعة إلا أن تبتعد عن جميع مظاهر الخلاف ولو كان في الفروع. ولعل من أهم مظاهر الاجتماع هو تلكم الجماعة التي تقف صفاً واحداً في وقت واحد خلف إمام واحد مستقبلة قبلة واحدة تعبد ربا واحداً بدين واحد على منهج واحد، كما أن أداء الصلاة الواحدة على هيئات مختلفة في البلد الواحد هي أيضاً من مظاهر الاختلاف، وتشتيت الكلمة، فيجب على الجماعة نبذه والرجوع إلى ما يراه أهل العلم منهم أقرب للصواب في المسألة المطروحة أما بخصوص الحكم فيها فقد سبق أن أجبنا على ما نراه في مثل هذه المسألة في الجواب رقم: 13228
فليرجع إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1423(5/496)
أحوج شيء للمسلمين كونهم صفا واحدا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يتم توحيد جميع الجماعات الإسلامية لقوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لمُّ شمل الدعاة إلى الله، وتوحيد جهودهم، ورص صفوفهم هو السبيل الأمثل للوصول إلى هدفهم المنشود، والطريق الأوحد لمقاومة الخطر الذي يهدد كيان المسلمين، ويستهدف عقائدهم وأخلاقهم، كما أنه هو الدرب الذي سار عليه سلف هذه الأمة حتى أوصلهم إلى قمة العزة والكرامة، وهو أيضاً المنهج الذي يدعو إليه القرآن الكريم، ويحث عليه، فيقول المولى عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] .
ويقول تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] .
ويقول: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه [الشورى:13] .
فهذه الآيات القرآنية تحث على اتحاد الكلمة، وتألف القلوب، وتنهى عن التفرق واختلاف الكلمة، وكفى بهذا زجرا عن الاختلاف والتفرق الذي لا يخدم مصلحة المسلمين، ولا يجنون من ورائه إلا ضعفاً وتخاذلاً، في وقتٍ هم أحوج ما يكونون فيه إلى أن يكونوا صفاً واحداً، وكياناً متماسكاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1422(5/497)
المجددون على رأس كل مائة سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[نص الرسالة: أريد أسماء المجددين على رأس كل مائة سنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 35667، أقوال العلماء في أنه لا يلزم أن يكون المجدد على رأس كل مائة سنة شخصاً واحداً، بل قد تكون طائفة، وقد ذكر علماء كل مذهب عالماً من علمائهم ينزلون الحديث عليه، فلا يمكن لنا تحديد علماء معينين والجزم بأنهم المعنيون بالحديث، فانظر الفتوى المشار إليها وفيها ذكر بعض الأسماء التي يظن ويرجى أنه ممن يشملها الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1428(5/498)
مركز الدعوة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو هل مركز الدعوة الإسلامية هو المدينة المنورة أو مكة المكرمة؟ وجزاكم الله كل خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمركز الدعوة الإسلامية هو المدينة على اعتبار أنه انتشر منها, وهي أول دولة إسلامية أنشئت, ومنطلق رسل الإسلام ودعاته الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبائل العرب وملوك الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(5/499)
العلماء المجددون.. شروطهم.. صفاتهم.. ونماذج منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه (أنه سيأتي كل مائة عام عالم) ما نص هذا الحديث؟ ومن هم العلماء الذين ظهروا ومن هو آخر عالم أتى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.
قال السيوطي رحمه الله في مرقاة الصعود: اتفق الحفاظ على تصحيحه، منهم الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل، وممن نص على صحته من المتأخرين الحافظ ابن حجر. اهـ
وللمجدد شروط ذكرها السيوطي في أرجوزة له سماها: تحفة المهتدين بأخبار المجددين، وفي بعضها نظر كما سيأتي. قال رحمه الله:
والشرط في ذلك أن تمضي المائة ... وهو على حياته بين الفئة
يشار بالعلم إلى مقامه ... وينشر السنة في كلامه
وأن يكون جامعًا لكل فن ... وأن يعم علمه أهل الزمن
وأن يكون في حديث قد روى ... من أهل بيت المصطفى وقد قوى
وكونه فردًا هو المشهور ... قد نطق الحديث والجمهور
واشترط فيه أيضًا الاجتهاد، حيث قال:
... عالماً يجدد ... دين الهدى لأنه مجتهد
والذي يظهر عدم اشتراط جمعه لكل فن ولا كونه من أهل البيت؛ لأن العلماء قد اتفقوا كما حكاه السيوطي نفسه على أن عمر بن عبد العزيز مجدد وهو ليس من أهل البيت، ولا يشترط أيضًا أن يكون فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها في مجال من المجالات، وهو نظير الطائفة المنصورة التي قال عنها الإمام النووي رحمه الله تعالى، في شرحه على مسلم: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين: منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ونظير ما نبَّه عليه - أي النووي - ما حمل عليه بعض الأئمة حديث: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها. أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة وهو متجه، فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير، وتقدمه فيها، ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعي وإن كان متصفًا بالصفات الجميلة، إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل، فعلى هذا كل من كان متصفًا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد سواء تعدد أم لا. اهـ
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية، بعد إيراد الحديث: وقد ذكر كل طائفة من العلماء في رأس كل مائة سنة عالمًا من علمائهم ينزلون هذا الحديث عليه، وقالت طائفة من العلماء: هل الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار، ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف، كما جاء في الحديث من طرق مرسلة وغير مرسلة: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين. وهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا، ونحن في القرن الثامن والله المسؤول أن يختم لنا بخير، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، ومن ورثة جنة النعيم، آمين آمين يا رب العالمين. اهـ
وقد عد في المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وفي المائة الثانية الشافعي، وهكذا في رأس كل مائة سنة إلى المائة الرابعة عشرة، وفيها علماء ومجددون مشهود لهم بسلامة المعتقد والعمل، ومنهم محمد الأمين الشنقيطي، والألباني وابن باز والعثيمين وغيرهم، وكلٌ جدد في جانب من الجوانب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(5/500)
سيد قطب.. خادم الإسلام من خلال القرآن والسنة والسيرة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[قال أحد الدعاة إن سيد قطب لم يكن عالما، وإنما كان كاتبا إسلاميا. فهل سيد قطب من العلماء أم أنه كان كاتبا فحسب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أجمل وأنفع ما قاله العلامة ابن عثيمين رحمه الله في لقاء الباب المفتوح عندما سئل عن سيد قطب رحمه الله، ومما جاء في كلامه: سيد قطب انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، والله تعالى حسيبه، وكذلك غيره من أهل العلم. أما الحق فيجب قبوله سواء جاء من سيد قطب أو من غيره، والباطل يجب رده سواء كان من سيد قطب أو من غيره، ويجب التحذير من أي باطل كُتِب أو سُمِع سواء من هذا أو من هذا، من أي إنسان. هذه نصيحتي لإخواننا، ولا ينبغي أن يكون الحديث والمخاصمة والأخذ والرد في شخص بعينه. أما سيد قطب فرأيي في آثاره أنه مثل غيره، فيه حق وباطل، ليس أحد معصوماً، ولكن ليست آثاره مثلاً كآثار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، فبينهما كما بين السماء والأرض، فآثار الرجل الأول هي عبارة عن أشياء أدبية وثقافية عامة، وليس عنده كما عند الشيخ الألباني في التحقيق والعلم. ولذلك أنا أرى أن الحق يؤخذ من كل إنسان، والباطل يُرَد من كل إنسان، وأنه لا ينبغي لنا بل ولا يجوز لنا أن نجعل مدار الخصومة والنزاع والتفرق والائتلاف هو أسماء الرجال. اهـ.
وقال الشيخ بكر أبو زيد عن كتابات سيد قطب رحمه الله: وجدت في كتبه خيرًا كثيرًا وإيمانًا مشرفًا وحقًا أبلج، وتشريحًا فاضحًا لمخططات العداء للإسلام، على عثرات في سياقاته واسترسال بعبرات ليته لم يفه بها، وكثير منها ينقضها قوله الحق في مكان آخر والكمال عزيز، والرجل كان أديبًا نقادة، ثم اتجه إلى خدمة الإسلام من خلال القرآن العظيم والسنة المشرفة، والسيرة النبوية العطرة ... فالواجب على الجميع الدعاء له بالمغفرة والاستفادة من علمه، وبيان ما تحققنا خطأه فيه، وأن خطأه لا يوجب حرماننا من علمه ولا هجر كتبه. اهـ.
وقد سبقت لنا عدة فتاوى عن سيد قطب وكتبه، منها الفتويان: 11552، 14528.
كما سبق بيان حقيقة موقف سيد قطب في موضوع الحاكمية في الفتوى رقم: 6572،
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(5/501)
من الدعاة الهداة
[السُّؤَالُ]
ـ[1 ــ يُشاع عندنا عنكم أنكم حذّرتم من الاستماع لعدد من الدعاة منهم الشيخ محمد العريفي، والشيخ خالد الراشد، والشيخ إبراهيم الدويش، والشيخ خالد عاشور، والشيخ محمد حسان المصري، والشيخ عبد السلام وحيد بالي من دولة مصر، فما صحة هذا الكلام؟ وإذا كان غير صحيح فهل نستمع لهؤلاء ِ المشايخ أم لا؟ ، علما ً بأن أشرطتهم نستعملها في الأسلوب الدعوي للشباب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
1- فنعوذ بالله من أن نحذر من الاستماع إلى جماعة من أبرز الدعاة والمرشدين، ولك أن تراجع ما كنا أفتينا به في شأنهم في الفتوى رقم: 11430، والفتوى رقم: 12212.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(5/502)
هل يمنع المبتدئ من الاستفادة من كتب سيد قطب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنتم تقولون إنكم منصفون في ما يخصّ سيد قطب -رحمه الله-، لكنّكم لا ترون أي مشكل في أن يطالع المبتدئون كتبه، وهذا ما لم يذهب إليه العلماء -اللهم إلا الأشاعرة-، وكيف يقرأ المبتدئ الكتب التي فيها انحرافات عقائدية أو ما لم يثبت عن الصحابة -رضوان الله عنهم-؟ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يتبع سبيل المؤمنين وأن يهدينا الصراط المستقيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح السائل بمراجعة الفتوى رقم: 11552، فسيجد فيها إن شاء الله تعالى جواباً لسؤاله، وليعلم أن أخطاء سيد قطب رحمه الله ليست من الكثرة بحيث يُمنع المبتدئ من الاستفادة من كتبه، ويمكن تنبيهه إلى هذه الأخطاء وبيان وجه الصواب فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(5/503)
المشهور عن ابن باز إنصافه لسيد قطب
[السُّؤَالُ]
ـ[بين يدى كتاب عنوانه (براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدع والمذمة) وهو يطعن فى الشيخ سيد قطب وقد أثار الفتنة للأسف الشديد لدرجة أن بعضهم أراد تكفيره والعياذ بالله لولا لم تقم عليه الحجة حسب زعمهم, ومما يثير الجدل أن في هذا الكتاب فتوى لابن باز رحمه الله بحرق كتب سيد قطب رحمهلله ,فهل هذا من منهج السلف الصالح]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسيد قطب من الدعاة الذين ظهر صدقهم للدعوة ونصرتهم للدين وغيرتهم على محارمه.. ونحسبه مات شهيداً في سبيل كلمة الحق.
وإن كان له أخطاء في بعض كتبه فهذا لا يقلد فيه ولا يشنع عليه به، وإنما يبين الحق من الباطل، والصواب من الخطأ بالحجة والبرهان. مع الانتباه إلى أن مثل هذه الأخطاء مغمورة في حسنات الرجل.
ولا نعلم فتوى عن الشيخ عبد العزيز بن باز محررة تفيد بإحراق كتب سيد قطب؛ بل المعروف عنه إنصافه للسيد -رحمهما الله- وذكره لمحاسنه مع بيان ما أخطأ فيه، وننصحك بمراجعة الفتاوى التالية أرقامها:
6506
6572
11552.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(5/504)
سيد قطب ... كلمة إنصاف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأيكم في السيد قطب وكتابه في ظلال القرآن ومعالم في الطريق؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأستاذ (سيد قطب) رحمه الله كاتب إسلامي وداعية معروف، ولد بمصر 1906 من الميلاد، وأعدم 1966 من الميلاد، عاش حياة حافلة مليئة بالأحداث والمتغيرات، وأخرج للمكتبة الإسلامية نماذج فريدة من الكتب الإسلامية بداية بكتابه: (التصوير الفني في القرآن، والعدالة الاجتماعية في الإسلام…ونهاية بـ في ظلال القرآن الذي لم يؤلف مثله في بابه، وكذا معالم في الطريق، ومقومات التصور الإسلامي) كما عانى (سيد قطب) من السجن فترة طويلة من الزمن بسبب صدعه بالحق،
ومحاولته الإصلاح، كما عني بالأدب والكتابات الأدبية في بداياته، كما تخرج من كلية دار العلوم سنة 1933م ليسانس اللغة العربية وآدابها، وكتب في الصحف منذ صباه، وتميزت كتاباته بالجرأة والنقد، كما تعرف على أدباء كثيرين واتصل بهم، ومن الذين توثقت صلة بهم عباس العقاد، كما كانت له علاقة وصلة بـ طه حسين، وأحمد حسن الزيات، وإبراهيم المازني…إلخ. ويحسن هنا أن نذكر كلاماً لبعض الباحثين حول موقف (سيد قطب) من العقاد بعد توجهه إلى الكتابات الإسلامية حيث يقول: (وكان في تفسيره (الظلال) يصوب أفكاراً خاطئة وقع بها كاتبون مسلمون معاصرون، حول الإسلام والإيمان والقرآن، ومنهم أستاذه العقاد! لقد وقف "سيد" مع العقاد وقفة مطولة في الظلال، ناقشه في أفكاره الخاطئة، ونقضها وأبطلها وردها، وبين سبب خطأ العقاد فيها، كان ذلك في تعقيبه على قصة نوح في سورة هود…إلخ) انظر كتاب (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) لصلاح عبد الفتاح الخالدي صـ162.
وعلى أية حال فقد نال (سيد قطب) شهرة واسعة، ولقيت كتبه صدى واسعاً، وتتلمذ عليها الكثيرون وتأثروا بها تأثراً بالغاً، مما جعل بعض الناس يغالي في مدحه ويقدس أقواله ويجعلها بمثابة النصوص الشرعية، بينما رد البعض جميع كتاباته واتهمه بأشنع التهم، والحق واسطة بين الإفراط والتفريط، فيقبل من كلامه ما وافق الدليل ويرد ما عداه، وهذا هو الإنصاف الذي ينبغي أن يتبع معه ومع غيره، ولعل من المفيد أن نذكر بعض أقوال الفضلاء فيه، حيث يقول الشيخ سلمان العودة: (والذي أدين الله به أن الأستاذ (سيد قطب) من أئمة الهدى والدين، ومن دعاة الإصلاح ومن رواد الفكر الإسلامي…سخَّر فكره وقلمه في الدفاع عن الإسلام، وشرح معانيه، ورد شبهات أعدائه، وتقرير عقائده وأحكامه، على وجه قلّ من يباريه أو يجاريه في هذا الزمان، وكان حديث المعايش الذي لا بس همُّ الإسلام قلبه، وملك عليه نفسه، قد شغله الحزن على الإسلام والغضب له، حتى عن ذاته وهمومه الخاصة، وكتابه " الظلال" يعتبر إضافة كبيرة لدارسة التفسير، استطاع فيه أن يستوعب كثيراً مما كتبه المتقدمون، وأن يبني عليه رؤيته الخاصة المتميزة، وفهمه الثاقب، ودرسه الغزير، وأن يقرن آي الكتاب بحياة الناس المعاصرة، حتى يشعر قارئه أن القرآن ليس كتاباً نزل لبيئة خاصة في المكان والزمان، ولكنه هداية للناس أجمعين أياً كان زمانهم أو مكانهم. ولقد استفاد الأستاذ سيد من تفسير ابن كثير فائدة غنية، ونقل عنه، وربما اعتمد عليه خصوصاً في باب المرويات والأقاويل، بل وفي أوجه الاختيار والترجيح، كما انتفع بما كتبه الشيخ محمد رشيد رضا في " المنار" فيما يتعلق بربط هداية القرآن بنتائج العلم والبحث الإنساني، والاجتماعي، والعمراني، وفيما يتعلق بالتجرد عن التعصب والتقليد. ولكن يبقى " الظلال" شيئاً آخر، غير هذا وذلك. نعم. ليس الكتاب تفسيراً لآيات الأحكام، ولهذا فهو لا يغني عن مثل كتاب القرطبي، أو ابن العربي، أو الجصاص…أو غيرهم خصوصاً للمهتمين بمعرفة المذاهب الفقهية، والترجيح بينها. وليس تقريراً مفصلاً، أو تعليمياً، لكليات العقيدة وجزئياتها، فهو لا يغني عن قراءة ما كتبه الإمام الفذ" ابن تيمية" أو تلميذه العلم: (ابن القيم) في تقرير العقيدة والذب عنها، ومناظرة خصومها. بل ووقع في (الظلال) عثرات في هذا الباب وفي غيره، ولكنها يسيرة إلى جنب ما فيه من الخير والعلم والإيمان، ومن ذلك -تمثيلاً- اضطرابه في باب الاستواء، كما يعرفه من راجع تفسير هذه الآية في مواضعها السبعة المعروفة…ومن أفضل ما كتبه سيد قطب كتاب (خصائص التصور الإسلامي) وهو كتاب عظيم القدر في تقرير جملة من أصول الاعتقاد، معتمداً على نصوص الكتاب الكريم بالمقام الأول، مؤيداً لها لحجج العقل الظاهرة، وفيه رد صريح ومباشر على أصحاب مدرسة " وحدة الوجود" و "الحلولية" وأضرابهم، وحديث واضح عن الفروق العظيمة بين الخالق والمخلوق، وبيان أن هذا من أعظم خصائص عقيدة التوحيد، كما بينها الإسلام. فلا مجال مع هذا لأن يحمل أحد الفيض الأدبي الذي سطره سيد في تفسير سورة الإخلاص على تلك المعاني المرذولة، التي كان هو -رحمه الله- من أبلغ من رد عليها وفند شبهاتها…ومن المعلوم المستفيض أن سيداً -رحمه الله- مر في فكره وحياته بمراحل مختلفة…ثم في مرحلة النضج كتب (الخصائص) (والمعالم) (والظلال) (وهذا الدين) و (المستقبل لهذا الدين) ، (والإسلام ومشكلات الحضارة) …ومع ذلك كان يتعاهد كتبه بالتصحيح والمراجعة والتعديل، كما هو ظاهر في (الظلال) خاصة، إذ كان يعمل فيه قلمه بين طبعة وأخرى، وهذا دأب المخلصين المتجردين) بتصرف يسير من موقع الإسلام اليوم للشيخ سلمان العودة.
وممن نحسب أنه أنصف سيداً العلامة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية، حيث رد رداً مطولاً على أحد الذين تهجموا على سيد واتهموه بأشنع التهم، فكان مما قال: (وأعتذر عن تأخر الجواب، لأني من قبل ليس لي عناية بقراءة كتب هذا الرجل، وإن تداولها الناس. لكن هول ما ذكرتم دفعني إلى قراءات متعددة في عامة كتبه، فوجدت في كتبه خيراً كثيراً، وإيماناً مشرقاً، وحقاً أبلج، وتشريحاً فاضحاً لمخططات أعداء الإسلام، على عثرات في سياقاته، واسترسل بعباراته ليته لم يفه بها، وكثير منها ينقضها قوله الحق في مكان آخر، والكمال عزيز! والرجل كان أديباً نقادة، ثم اتجه إلى خدمة الإسلام، من خلال القرآن العظيم، والسنة المشرفة، وسخر قلمه ووقته، ودمه في سبيلها، فشرق بها طغاة عصره! وأصر على موقفه في سبيل الله تعالى، وكشف عن سالفته، وطلب منه أن يسطر بقلمه كلمات اعتذار! وقال كلمته المشهورة: إن أصبعاً أرفعه للشهادة، لن أكتب به كلمة تضارها! أو كلمة نحو ذلك. والواجب على الجميع الدعاء له بالمغفرة، والاستفادة من علمه، وبيان ما تحققنا خطأه فيه. وإن خطأه لا يوجب حرماننا من علمه، ولا هجر كتبه. واعتبر -رعاك الله - حاله بحال أسلاف مضوا، أمثال أبي إسماعيل الهروي، والجيلاني، وكيف دافع عنهما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع ما لديهما من الطوام، لأن الأصل في مسلكهما: نصرة الإسلام والسنة. وانظر (منازل السائرين) للهروي - رحمه الله تعالى- تر عجائب لا يمكن قبولها! ومع ذلك فابن القيم - رحمه الله تعالى- يعتذر عنه أشد الاعتذار، ولا يجرمه فيها، وذلك في شرحه (مدارج السالكين) وقد بسطت في كتاب (تصنيف الناس بين الظن واليقين) ما تيسر لي من قواعد
ضابطة في ذلك. وفي الختام فإني أنصح فضيلة الأخ في الله بالعدول عن طبع هذا الكتاب (أضواء إسلامية) وإنه لا يجوز نشره، ولا طبعه، لما فيه من التحامل الشديد، والتدريب القوي لشباب الأمة على الوقعية في العلماء، وتشذيبهم والحط من أقدارهم، والانصراف عن فضائلهم! أخوكم بكر بن عبد الله أبو زيد 20/1/ 1414هـ.
والحق أن ما كتبنا عن (سيد قطب) في هذا الجواب كان لمحة خاطفة، ومن أراد الاستزادة فليراجع الكتب المتخصصة في دراسة حياته وكتبه مثل: (ظلال القرآن في الميزان) و (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) وكلاهما لصلاح عبد الفتاح الخالدي. وأما كتاب (معالم في الطريق) فقد قال فيه الخالدي: (هذا هو آخر كتاب صدر في حياة سيد. وقد أصدرته مكتبة (وهبة) عام 1964م، وألف سيد كتابه ليكون بياناً لمنهج عمل الحركة الإٍسلامية، وتوضيحاً لمعالم طريقها في الدعوة إلى الله. وأساس الكتاب فصول كتبها سيد من سجنه في "طرة".
والحاصل أن سيد قد وهب نفسه للصدع بالحق في سبيل الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وقد دفع حياته ثمناً لذلك غير متوان ولا متردد وذلك في وقت عز فيه وجود من يقوم بما قام هو به، بل ظل وجوده عزيزاً إلى الآن، فعلى من وقعوا فيه أن يتأملوا قول القائل:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم *من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1422(5/505)
الخالدات
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد المسلمات الخالدات وما هي أسماؤهن؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد وصف الحور العين بأنهن خالدات، ففي الترمذي وأحمد وغيرهما عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الحور العين: يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد ...
وأما غيرهن فلم نطلع على وصفهن بالخالدات، ولعل السائل قرأ لبعض الكُتَّاب وهو يتحدث عن مواقف معينة لبعض النساء المسلمات، ووصفهن بالخالدات لما قمن به من أفعال حسنة تخلد ذكرهن والثناء عليهن بذلك، ولكن ليس معنى هذا أنه لا يوصف غيرهن بهذا الوصف.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1424(5/506)
هل يجب الإنكارعلى من قطع رنة الهاتف إذا كانت قرآنا للرد على المتصل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت جالسا مع شخص فرّن هاتفه النقال على أنشودة: إلهي وخلاقي وحرزي، فلم أُنكر عليه: أن ذلك قد يكون فيه امتهان لأسماء الله الإله والخلّاق وأنه قد يرد على الهاتف قبل انتهاء المنشد من قول الاسم فيقطع اسم الله، وقد حصل ذلك في الاتصال الثاني ولم أنكر عليه كذلك ولكن قلبي غير راض بهذا المنكر.
فهل أكفر بعدم إنكاري عليه؟ وهل تقاس المسألة على من وجد مصحفا في مكان مستقذر ولم يُخرجه منه فإنه يكفر بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي استخدام رنات الهاتف المشتملة على القرآن أو الأدعية أو شيء من الذكر، إذ لا يخلو استخدامها من محاذير في الغالب، ومن ذلك أنه إذا قطعها للرد على كلام الناس أشبه ذلك حال المعرض عن ذكر الله تعالى إلى ذكر الناس، وراجع الفتوى رقم: 64774. وذكرنا بهذه الفتوى أن الأولى بالمسلم استخدام شيء من الحكمة ونحو ذلك.
ومجرد قطع الرنة المشتملة على التلاوة أو الدعاء أو الذكر لا يعتبر منكرا، أو يترتب عليه شيء من الكفر إلا إذا قصد الشخص بذلك الامتهان أو الإعراض أو الاستهزاء بالله تعالى أو باسم من أسمائه ونحو ذلك. إذن فلا يعتبر هذا الشخص قد أتى منكرا حتى تنكره عليه أو تعتبر نفسك آثما بعدم الإنكار عليه فهون على نفسك.
وأما إلقاء المصحف في مكان مستقذر فهذا الفعل من الكفر الصريح، وانظر الفتوى رقم: 58800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(5/507)
لا يعاقب من أمر غيره بمستحب مع تقصيره فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قولي لأحد من المسلمين أكثر من قيام الليل وهي من باب النصيحة وأنا ـ في الأصل ـ قليل قيام الليل؟ وهل أعاقب على ذلك؟.
أفيدونا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعلوم أن قيام الليل مستحب وليس بواجب، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 311، 53582.
فلا يأثم أو يعاقب من تركه ولو بغير عذر، وعلى ذلك فمن أمر به غيره ونصحه وحثه عليه، ثم لم يقم هو، فلا يدخل في نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه. متفق عليه.
فهذا الحديث ونحوه في الأمر بالواجبات والنهي عن المحرمات، لأنه لا يدخل الله العبد النار ويعذبه على ترك المستحبات، فمن أمر بالمستحبات ولم يأتها فهو مأجور من جهة الأمر بها والدعوة إليها والحث عليها، ولا يأثم إن لم يفعلها، لأنها مستحبات لا يؤاخذ تاركها في الجملة، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 113900.
ومما يفيد الأخ السائل حين يأمر بقيام الليل ونحوه مما لا يواظب عليه أن يحتسب أجر النصيحة، وينوي إعانة أخيه المسلم على تلك الفضيلة استجلابا لمعونة الله له، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.
ثم ننبه الأخ السائل على أنه لا يصح أن يترك المرء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للمسلمين ودعوتهم للخير، بحجة أنه مقصر، حيث يقول الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {البقرة: 44} .
فقد قال ابن كثير: ليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنهم، كما قال شعيب، عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ {هود: 88} .
فَكُلٌّ من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. هـ.
فالمقصر ينبغي أن يظل ناصحا لإخوانه محتسبا لأجر نصيحته، وفي الوقت نفسه يجتهد في إصلاح حال نفسه وإقامتها على الجادة، وراجع الفتوى رقم: 53105.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(5/508)
حكم إزالة الزوجة للصور السيئة من جوال زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يضع في الجهاز الخلوي مقاطع بلوتوث سيئة وأنا أقوم بحذف المقاطع مع أنه ينهاني أن أقوم بحذفها. فهل أكون آثمه أم علي أن أقوم بحذف المقاطع بدون رضاه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابتداء ننبهك إلى حرمة التجسس وتتبع عورات المسلمين وعيوبهم، قال الله سبحانه: وَلَا تَجَسَّسُوا. {الحجرات:12} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وكونوا إخواناً. وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي وقال الألباني: حسن صحيح. وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
فلا يجوز لك أن تتجسسي على زوجك لتعلمي ما يخفيه بهاتفه، لكن إن اطلعت على هذه الأمور المحرمة دون تجسس كأن يعلن زوجك بها ويجاهر بمشاهدتها أو يعاينها بطرق أخرى، فعليك حينئذ بنصحه وتذكيره بالله بأسلوب لين رفيق، اطلبي منه إزالتها فإن لم يستجب فلا حرج عليك في حذف هذه المنكرات وإتلافها، بل هذا واجب عند القدرة عليه وأمن المفسدة لأنه من إنكار المنكر وتغييره، وهو واجب لمن قدر عليه، قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
جاء في شرح كتاب غاية البيان شرح ابن رسلان: ولا يختص الأمر والنهي بأرباب الولايات والمراتب بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين واجب عليهم، وعلى المكلف تغيير المنكر بأي وجه أمكنه، ولا يكفي الوعظ لمن أمكنه إزالته باليد، ولا تكفي كراهة القلب لمن قدر على النهي باللسان. انتهى.
ولكن هذا كله مقيد -كما سبق- بالقدرة وغلبة المصلحة.
جاء في البهجة في شرح التحفة: لأن تغيير المنكر إن أدى إلى منكر أعظم منه سقط الأمر عنه. انتهى.
فإن خفت أن يؤدي ذلك إلى فتنة عظيمة كتطاول زوجك عليك بالإيذاء أو فساد العلاقة بينك وبينه فهنا يسقط التغيير باليد، ويبقى باللسان والقلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(5/509)
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والالتزام بضوابطه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في مصر تكثر المنكرات، فلا يكاد الانسان يخرج في شوارع المسلمين في أي وقت من الأوقات إلا وإذا بها فيها من المنكرات ما فيها، فهل يجب علي الإنكار على تلك المنكرات جميعها إذا استطعت، سواء كان ذلك بالكلمه أو بالمطوية أو غير ذلك. طبعا لا بد من إنكار القلب وهو أدنى الحالات، ولكنني أخشى من ارتكابي للحرام بعد الإنكار، وهذا الأمر يشغلني، وياترى هل يجب علي الإنكار لو أنني كنت راكبا لدراجتي والله المستعان.
شيخي العزيز المجيب على سؤالي أنت تعلم أحوال المسلمين والمنكرات في زماننا، فأرجو من الله ثم منكم إجابة وافية شافية كافية واقعيه موضحة بالأمثلة بها إسقاطات على الواقع. والله المستعان، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين، كما يقول الغزالي، وهو واجب في الجملة، وحكى النووي وابن حزم الإجماع على ذلك. فالسكوت عند رؤية ارتكاب المنكر المتفق على تحريمه حرام، والنهي عنه واجب، وذلك حين توفر شروطه والمراتب والوسائل المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وهذا في الجملة. انتهى من (الموسوعة الفقهية) .
ومما هو واضح في الحديث السابق مراعاة قدرة العبد، فإن الاستطاعة هي مناط التكليف.
قال المناوى: إن لم يستطع الإنكار بيده بأن ظن لحوق ضرر به (فلبسانه) أي بالقول كاستغاثة أو توبيخ أو إغلاظ بشرطه (فإن لم يستطع) ذلك بلسانه لجود مانع كخوف فتنة أو خوف على نفس أو عضو أو مال (فبقلبه) ينكره وجوبا بأن يكرهه به ويعزم أنه لو قدر فعل اهـ.
وقال ابن العربي: القدرة أصل، وتكون في النفس وتكون في البدن، إن احتاج إلى النهي عن المنكر بيده اهـ.
ويؤكد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. رواه مسلم.
وقد سبق لنا بيان وسائل ومراتب وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فراجع في ذلك الفتويين: 36372، 17092.
ولذلك فإننا ننصح الأخ السائل أن يجتهد في الأمر والنهي كلما رأى ما يستدعي ذلك، وأن يلتزم بالضوابط الموضحة في الفتويين أعلاه، فإن خاف على نفسه الضرر وسعه أن ينكر بقلبه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة أنكرها- كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود، وحسنه الألباني. وراجع في ذلك الفتويين: 18122، 1048.
وأما قول السائل الكريم: (ولكنني أخشى من ارتكابي للحرام بعد الإنكار) فالمقرر عند أهل العلم أن وقوع الإنسان في المنكر لا يسقط عنه وجوب الإنكار، لأن تقصيره في أحد الواجبين لا يبيح له التقصير فيهما معا، وراجع لزاما في هذا المعنى الفتويين: 9329، 26549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(5/510)
هل يقطع الابن القنوات ذات الموسيقى عن والدته
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي والخادمة تشاهدان برامج ومسلسلات على التلفاز، وذلك بعد إنهاء أعمالهما اليومية، وهذه برامج ثقافية وكوميدية، ولايجدان ما يسهران عليه غير ذلك، ولكن تتخلل تلك البرامج موسيقى ومؤثرات صوتية، وقد سمعت بأن الموسيقى حرام ما عدا الدف، فهل يجوز لي أن أقطع تلك القنوات عنهما وأحرمهما منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستماع إلى الموسيقى محرم، سواء كانت الموسيقى خالصة أو متخللة لبعض البرامج. وانظر الفتوى رقم: 71065، وما أحيل عليه فيها.
وعليك نصحهما بأن يستغلا أوقاتهما في الأعمال الصالحة التي تقربهما إلى الله وتثقل موازينهما، فإن عمر الإنسان هو رأس ماله. وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وفي البرامج النافعة السالمة من المخالفات الشرعية غنية، وفيها ما يشغل وقتهما بالنافع المفيد.
وعلى كل فإن استجابا للنصيحة وامتنعا عن سماع الموسيقى فهذا ما نبغي، وإن لم يستجيبا لك، وأمكن قطع هذه القنوات بدون مفسدة أعظم فاقطع عنهما تلك القنوات وأبدلها بقنوات تافعة مباحة.
أما إن كان سينتج من جراء ذلك مفاسد أكبر من مفسدة الموسيقى فلا تفعل، واستمر في النصيحة، فمن المقرر عند أهل العلم أن إنكار المنكر إذا أدى إلى منكر أعظم منه كان إنكاره محرماً. وانظر الفتوى رقم: 7836.
وراجع بخصوص وجود الخادمة في البيت الفتوى رقم: 18210، والفتوى رقم: 96333، وما أحيل عليه فيها.
كما ننبه إلى أن السهر بلا حاجة مكروه، بل قد يكون حراما إذا أدى إلى فوات وقت الصلاة المفروضة. وانظر الفتوى رقم: 12156، والفتوى رقم: 55000.
ونسأل الله سبحانه أن يهدي أهل بيتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(5/511)
حكم الجلوس في مقهى للنت فيه من يدخل على المواقع الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يجلس فى مقهى نت وبعض المراهقين يدخلون على مواقع إباحية. فهل يجوز له المكوث أم يجب أن يخرج مع جلوسه لطلب العلم من المواقع الإسلامية؟ نرجو الرد بسرعة لأنه أمر يشغلني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على هذا الرجل أن ينكر على هؤلاء المراهقين ما يفعلونه من الدخول على المواقع الماجنة، فإذا لم يكن قادراً على الإنكار عليهم فلا يجوز له الجلوس معهم حال مشاهدتهم لتلك المنكرات، قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ. {النساء:140} .
قال القرطبي: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، ... فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. الجامع لأحكام القرآن.
وقال السعدي: والحاصل أن من حضر مجلساً يعصي الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة أو القيام مع عدمها. تفسير السعدي.
ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه إن علم بالمنكر وكان لا يراه ولا يسمعه فله الجلوس لأنه لا يلزمه الإنكار حينئذ وهذا مذهب الحنابلة، ولكن أكثر العلماء على خلافه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1430(5/512)
واجب الرجل نحو من يعولهم إذا ارتكبوا منكرا
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي أبي وأنا متزوج ولي أم وأخت وأرادت أختي السفر إلى بلاد الغرب للدراسة بدون محرم ولقيت في ذلك تشجيعا من أمي, فبينت لهما أن هذا الأمر لا يجوز شرعا, فأبت أمي وامتنعت وأصرت، حيث إنها حاولت السفر مع أختي إلى تلك البلاد ـ ومن ثم تركها في تلك البلاد والعودة خلسة من غير علمي ـ ولكنني اعترضت على هذه المحاولة ومن ثم شددت التبيان على عدم جواز هذا العمل حتى أخذت عهدا من أمي على تركه, وكلفت من تثق به من أهلها بمزيد التبيان لها، ولكنها رغم كل هذا أخلت بعهدها وأبت وامتنعت وأصرت على معصية ربها فذهبت من دون علمي إلى بلاد الغرب.
والسؤال ـ1:ماذا يجب ـ مما يرضي الله ـ علي فعله؟ خصوصا وقد تبين أن أمي مصرة على المعصية ولا تبالي بنصحي أو نصح غيري لها، مع العلم أنني قادر على السفر إلى تلك البلاد، ولكنني ـ لأسباب قاهرة ـ أخشى على نفسي الهلاك، فهل يجب علي أن أتبرأ منهما؟ لقوله صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهرالمشركين، أوغيره من النصوص, وكيف يكون إن وجب؟.
سؤال ـ2: إلى أي حد يجب على الرجل المسلم نهي من يعول عن المنكر؟ وهل يجب هجرهم إن أبوا إلا الإصرار على المعصية؟ وكيف يكون هذا الهجر إن وجب؟ وماذا يجب ـ مما يرضي الله فعله ـ إن لم يجب؟.
أفتونا جازاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك نصح أمّك وأختك، ولا يجب عليك أن تتبرأ منهما، وإنما الواجب إنكارما تقومان به من المنكرات، مع مراعاة أنّ حقّ الأمّ عظيم، ومهما كان من حالها ومخالفتها للشرع، فإنّ ذلك لا يبيح لك مقاطعتها أوالإساءة إليها والإغلاظ لها في القول، وإنّما تنصح برفق وأدب.
وأمّا عن واجب الرجل نحو من يعولهم إذا ارتكبوا منكراً، فإزالة المنكر إلّا أن يترتب على إزالته مفسدة أكبر منه، قال النووي في كلامه على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أولا يتمكن من إزالته إلا هو وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف. شرح النووي على مسلم - 2 ـ23.
وانظر مراتب تغييرالمنكر في الفتوى رقم: 22063.
وأمّا عن هجرالقريب العاصي غير الوالدين فذلك يرجع إلى المصلحة فحيث كان الهجر ينفع في ردعه وردّه إلى الصواب فهو مشروع وحيث كانت صلته أنفع في ذلك فهي الأولى، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 14139.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1430(5/513)
يجب على الزوج نصح زوجته إذا وقعت في مخالفات شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الزوجة التي أفطرت أياما في رمضان؟ ما الذي يتوجب على الزوج فعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه الزوجة تفطر هذه الأيام حيث يجوز لها الفطر لعذر كالحيض أو لمرض أو نحو ذلك، فعلى زوجها أن يبين لها أن قضاء تلك الأيام لازم لها، وأنها دين في ذمتها فعليها أن تقضيها قبل دخول رمضان الآخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه. إن كانت تجهل ذلك.
وأما إن كانت تفطر لغير عذر يبيح لها الفطر فعلى زوجها أن يبين لها خطورة الفطر في نهار رمضان، وأنه من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب على ما بيناه في الفتوى رقم: 111650. وعليه أن يبالغ في نصحها وزجرها ونهيها عن هذا المنكر الفظيع لقوله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. ثم عليه أن يبين لها أن قضاء تلك الأيام لازم لها، وأنها دين في ذمتها لا تبرأ إلا بقضائها مع لزوم التوبة النصوح والندم على هذه الكبيرة العظيمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1430(5/514)
موقف المسلم من المخالفات والمنكرات التي يراها بالمحلات
[السُّؤَالُ]
ـ[كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع إلى آخر الحديث، المهم أنني ـ جزيتم خيرا ـ عندما أرى أي رقم مكتوب على الجدار أو كلام بذيء، أو مهين لله، أوالحكومة إلخ، أقوم بطمس ذلك الكلام درءا للمفاسد، فهل ما أفعله صحيح؟ أوهناك ما هو أهم منه، لطالما رأيت في المحلات والمتاجر شعارات وإكسسوارات ذات دلالة دينية مسيحية، وفي معظم الأحيان أنصحهم، ولكن لا حياة لمن تنادي, فماذا علي فعله تجاههم؟ وهل لو أبلغت عنهم الجهات المختصة يعتبر ذلك عملا صحيحا أم خاطئا؟ وخاصة أنني ـ ربما ـ بإخباري للجهات المختصة يقطع رزقه بسببي؟ أم علي أن أسكت وأستر عليهم استنادا إلى ـ من ستر مؤمنا في الدنيا ـ إلخ وغير ذلك؟.
ف هنالك مطعم أصحابه لا يهتمون بنظافته، بل أشكالهم وقذارة ملابسهم تشعر بالغثيان, فهل لو أبلغت عنهم البلدية ـ حماية للزبائن من قذارة العمال بهذا المطعم ـ يعد تصرفا صحيحا أم لا؟ وخاصة أنني أخاف أن أقطع عنهم رزقهم، فما رأيكم بما قلته؟ وما رأيكم أيضا في الموضوع بشكل عام؟ ومتى يتوجب علي أن أستر على من هو أمامي؟ ومتى يجب علي الإبلاغ عنه للجهات المختصة؟
ورأيكم يهمني جدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الشعائرالعظيمة ومن أسباب خيرية هذه الأمة، كما قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {آل عمران:110} .
وهما كذلك مما أمر المسلمون بالقيام به، كما في قوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104} .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ويتعين في بعض الأحوال بحسب القدرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، ومما قاله في ذلك: وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن، إلخ كلامه في مجموع الفتاوى.
وما تقومين به من طمس للكلام البذيء ونحوه مما ذكر في السؤال مما تحمدين عليه، ومن امتثال أمرالله ورسوله صلى الله عليه وسلم في تغيير المنكر.
وأما المخالفات التي يقع فيها أصحاب المحلات وهي من المنكرات أومما يؤذي الناس في دينهم أو دنياهم فالواجب تغييرها بقدر الإمكان، فتبدئين فيها بالنصيحة لهم وبيان وجه هذا المنكر، فإن لم يستجيبوا وكان بإمكانك إبلاغ الجهات المختصة من غير ضرر يقع عليك، فهذا واجب في حقك ما دمت تستطيعين، بل ويتعين عليك ذلك، قال النووي في شرح قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلْيُغَيِّرْهُ: هُوَ أَمْر إِيجَابٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة وهو فَرْض كِفَايَة إِذَا قَامَ بِهِ بَعْض النَّاس سَقَطَ الْحَرَج عَنْ الْبَاقِينَ, وَإِذَا تَرَكَهُ الْجَمِيع أَثِمَ كُلّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَلَا خَوْف. هـ.
وما يترتب على إبلاغك للمسئولين من إغلاق لهذه المحلات أو وقف العامل فيها عن العمل فهذا ما تسبب به صاحب العمل لنفسه وليس أنت.
وأما الستر ومتى يشرع، فنقول: الأصل أنه ينبغي للمسلم الستر على أخيه المسلم إذا رآه يرتكب معصية ما هذا من حيث العموم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. رواه مسلم.
ولكن مع الستر تجب النصيحة لصاحب هذه المعصية، فإن تاب فبها ونعمت، وإلا، جاز رفع أمره إلى المسئولين لردعه عن معصيته، قال النووي في شرح الحديث السابق: وَأَمَّا السَّتْر الْمَنْدُوب إِلَيْهِ هُنَا فَالْمُرَاد بِهِ السَّتْرعَلَى ذَوِي الْهَيْئَات وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفًا بِالْأَذَى وَالْفَسَاد، فَأَمَّا الْمَعْرُوف بِذَلِكَ فَيُسْتَحَبّ أَلَّا يُسْتَر عَلَيْهِ, بَلْ تُرْفَع قَضِيَّته إِلَى وَلِيّ الْأَمْر إِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَة، لِأَنَّ السَّتْر عَلَى هَذَا يُطْمِعهُ فِي الْإِيذَاء وَالْفَسَاد وَانْتَهَاك الْحُرُمَات وَجَسَارَة غَيْره عَلَى مِثْل فِعْله، هَذَا كُلّه فِي سَتْر مَعْصِيَة وَقَعَتْ وَانْقَضَتْ, وَأَمَّا مَعْصِيَة رَآهُ عَلَيْهَا, وَهُوَ بَعْد مُتَلَبِّس بِهَا, فَتَجِب الْمُبَادَرَة بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ, وَمَنْعه مِنْهَا عَلَى مَنْ قَدَرَعَلَى ذَلِكَ, وَلَا يَحِلّ تَأْخِيرهَا، فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ رَفْعهَا إِلَى وَلِيّ الْأَمْر إِذَا لَمْ تَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَة. انتهى.
وقال ابن حجر في الفتح: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّتْرَ مَحَلّه فِي مَعْصِيَةٍ قَدْ اِنْقَضَتْ, وَالْإِنْكَارَ فِي مَعْصِيَةٍ قَدْ حَصَلَ التَّلَبُّس بِهَا فَيَجِبُ الْإِنْكَارُعَلَيْهِ وَإِلَّا رَفَعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ, وَلَيْسَ مِنْ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، بَلْ مِنْ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ.
وقد بينا في فتاوى سابقة متى يشرع الستر ومتى لا يشرع، فراجعي منها الفتويين رقم: 51587، ورقم: 69689.
وراجعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضوابطه وشروطه الفتويين رقم: 9358، ورقم: 12916.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1430(5/515)
على من يجب تعليم الصماء البكماء الواجبات الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى عمة صماء بكماء جاهلة بأمور الدين، وأردت أن أعلمها الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، ولكن أبى وأعمامي غير موافقين، ويقولون إنهم المحاسبون عليها أمام الله. سؤالي: هل علي وزر إن تركتها أم أعلمها ولا أهتم بكلام أبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجزيك خيرا على حرصك على عمتك، وعلى اهتمامك بتعليمها أمور دينها، ولا يجوز لأبيك أو أعمامك أن يتركوا عمتك جاهلة بما يجب عليها من أمور الدين فضلا عن أن ينهوا من يريد أن يقوم بتعليمها، هذا إذا كانت تستطيع التعلم، ونقول لك: احرصي على تعليمها، وتلطفي مع أبيك وأعمامك في الكلام، وبيني لهم أهمية أن يعلم المسلم ما يجب عليه من أمور دينه، وأنهم أولياء أختهم وسيسألون عن تقصيرهم هذا يوم القيامة، وأن الأمانة تقتضي أن يهتموا بدين أختهم أعظم من اهتمامهم بمأكلها ومشربها، وذكريهم بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. {التحريم:6} .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: أي: يا من من الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه. فـ {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالا ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه. ووصف الله النار بهذه الأوصاف، ليزجر عباده عن التهاون بأمره. انتهى.
وذكريهم بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ. أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. رواه البخاري ومسلم.
فإن أصروا على عدم تعليمك لها، فلا تطيعيهم في ذلك وعلميها واصبري واحتسبي الأجر عند الله، لأن هذا التعليم لعمتك أصبح في حقك واجبا إذا لم يوجد من يعلمها غيرك، وترك عمتك جاهلة بالضروري من أمور الدين من المنكرات التي يتعين إزالتها وقد قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ. رواه مسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلْيُغَيِّرْهُ. فَهُوَ أَمْر إِيجَابٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة. وَقَدْ تَطَابَقَ عَلَى وُجُوب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَإِجْمَاعُ الْأُمَّة وَهُوَ أَيْضًا مِنْ النَّصِيحَة الَّتِي هِيَ الدِّين. .. ثُمَّ إِنَّ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فَرْض كِفَايَة إِذَا قَامَ بِهِ بَعْض النَّاس سَقَطَ الْحَرَج عَنْ الْبَاقِينَ , وَإِذَا تَرَكَهُ الْجَمِيع أَثِمَ كُلّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَلَا خَوْف. ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَتَعَيَّن كَمَا إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَم بِهِ إِلَّا هُوَ أَوْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَته إِلَّا هُوَ، وَكَمَنْ يَرَى زَوْجَته أَوْ وَلَده أَوْ غُلَامه عَلَى مُنْكَر أَوْ تَقْصِير فِي الْمَعْرُوف. اهـ
ونسأل الله لك التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(5/516)
الابتعاد عن أصحاب السوء نجاة في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 16سنة وكنت بعيدا عن الله ـ عز وجل ـ ولكن الآن الحمد لله، المهم ليس عندي أصحاب كثيرون، وعندما ألعب كرة القدم مع أصحابي ينطقون بألفاظ لا ترضي الله ـ عز وجل ـ يسبون ويشتمون بعضهم على وجه الضحك والمرح، وهم جيدون فى لعب الكرة، فهل هذا مجلس سوء للشياطين؟ مع العلم أنني لا أسب ولا أشتم أحدا منهم، فهل أترك اللعب معهم؟ وبذلك أصبح لا أصدقاء لي إلا القليل، وبصراحة لم يبق لي إلا 4أصحاب فقط ولا ألعب معهم ولا أهتم بكلامهم، ولو تركتهم سأبقى متشددا من وجهة نظرهم، فلو سمحتم قولوا لي فقط، كيف أكون وسطا في هذا الموضوع؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يفعله أصحابك من السب والشتم والتلفظ بما يسخط الله سبحانه حرام ولو كان بقصد المزاح والمرح، فإن المزاح لا يحل حراما، وكلامهم هذا من حصائد الألسنة التي تكب الناس على وجوههم في النار, فقد قال معاذ: يا نبي الله: وإنا مؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ . رواه الترمذي وصححه الألباني. .
فاحذر ـ رحمك الله ـ مصاحبة أمثال هؤلاء الغافلين، فإن صحبتهم تجرك إلى أفعالهم وتكسبك أخلاقهم، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْينظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وصححه النووي.
قال المناوي في فيض القدير: خَلِيلِهِ أي صاحبه أي فليتأمل أحدكم بعين بصيرته إلى امرئ يريد صداقته فمن رضي دينه وخلقه صادقه وإلا تجنبه. اهـ.
واعلم أن الابتعاد عن أصحاب السوء نجاة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67} .
قال ابن كثير في تفسير الآية أي: كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عزوجل، فإنه دائم بدوامه. اهـ.
واعلم أن وجودك معهم على حال المعصية حرام حتى ولو لم تشاركهم فيها، لأن بقاءك معهم على هذه الحال كالرضا بأفعالهم والإقرار لها، وأهل المعاصي لا يجوز إقرارهم على أفعالهم، بل لا بد من إنكارها عليهم, فإن نصحتهم وذكرتهم ولم يستجيبوا لك فانصرف أنت عنهم ولا تجالسهم في مجالسهم هذه.
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكرعليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدرعلى النكيرعليهم فينبغي أن يقوم عنهم. انتهى.
واعلم أنك بفعلك هذا لا تكون متشددا ولا متنطعا، بل تكون سالكا الطريق الوسط، لأن الوسطية المحمودة هي ما وافق الحق والشرع، وكل ما خالف الشرع فهو ضلال.
واعلم أن تحديد الوسطية لا يرجع فيه إلى ما تستحسنه العقول والأذواق ولا إلى ما ترتضيه الأعراف والعادات وإنما يرجع فيه إلى نصوص الشرع وكلام أهل العلم الثقات الذين تلقتهم الأمة بالقبول، وراجع كلامنا في بيان وسطية الدين في الفتاوى التالية أرقامها: 25075 , 69083، 26673.
وننبهك في النهاية على أن لعب الكرة الأصل فيه الجواز بشروط معينة وهي:
1- ألا تشغل صاحبها عن فرض أو واجب.
2- ألا يصحبها فعل محرم من كشف عورة أو تلفظ بما لا يجوز من السب والشتم.
3- ألا تتحول إلى ملهاة ينقطع لها الشخص ويضيع فيها أوقات دهره.
وراجع المزيد من هذه الضوابط في الفتوى رقم: 453.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(5/517)
لا حرج بعد أن تؤدي ما عليك من حقوق أن تطالب بحقوقك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في هذا الكلام: يجب علينا أداء الحقوق التي علينا أي حقوق العباد وأن نسأل حقنا من الله، لأننا لن نسأل يوم القيامة هل أخذنا حقنا أم لا؟ بل نسأل عن حقوق الناس. وهل يتناقض هذا مع معنى هذا الحديث الساكت عن حقه شيطان أخرس؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن يؤدي ما عليه من الحقوق لله تعالى ولعباده، فالإسلام يريد من أبنائه جميعاً أن يؤدوا ما عليهم من حقوق، ويكون ذلك بقناعة منهم ووازع ديني من داخلهم لا خوفاً من قوة حاكم أو سلطة قانون. فإذا رسخت هذه الفكرة وسادت عند الناس أدى الجميع ما عليهم من حقوق برضاهم وطيب أنفسهم فلم يحتج أحد منهم إلى المطالبة بحقه، ومع ذلك فإن من حق المسلم الشرعي والطبيعي أن يطالب الآخرين بما له عليهم من حقوق إذا قصروا في أدائها أو يتنازل لهم عنها، ولا تعارض بين مطالبته للآخرين بحقه وسؤال الله تعالى تيسير الوصول إلى ذلك الحق والرضا بقضاء الله تعالى والتوكل عليه، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 124303. ولا شك أن من لم يحصل على حقه في الدنيا سيحصل عليه في الآخرة.
وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأداء الذي علينا والصبر عن ما لنا في أوقات الفتن وجور الحكام. ففي الصحيحين وغيرهما واللفظ لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم. وفي رواية لهما: إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. وفي رواية أحمد: إنكم سترون بعدي أثرة وفتنا وأموراً تنكرونها، قلنا: يا رسول الله فما تأمر لمن أدرك ذلك منا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم.
وسكوت المسلم عن حقه أو التنازل عنه لا يتعارض مع قول بعض أهل العلم: الساكت عن الحق شيطان أخرس، وهو ليس بحديث كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 58360 لأن ذلك وارد عنهم في السكوت على المنكر وعدم إنكاره كما سبق بيان ذلك في الفتوى المشار إليها، ولا علاقة له بسكوت الشخص عن حقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1430(5/518)
لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تم التمكين للمسلمين. فهل ينتظرون أن يعلموا الناس ثم يهدموا مظاهر الشرك أم يباشروا في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أنه: لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا، فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة، وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته....اهـ.
ويدل لهدم مظاهر الشرك ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بالقوس ويقول: جاء الحق وزهق الباطل. والقصة مبسوطة في الصحيحين.
وفي صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته.
وفي الحديث أنه قال لجرير بن عبد الله البجلي: ألا تريحني من ذى الخلصة؟ قال جرير: فانطلقت إليه في خمسين ومائة فارس من أحمس حتى حرقتها.
وبعث خالد بن الوليد إلى نخلة فهدم العزى، وبعث أبا سفيان والمغيرة لهدم اللات، وأرسل سرية أخرى لكسر مناة، وأخرى إلى سواع. كما هو مبسوط في كتب السير.
وأما تعليم الناس العقيدة الصحيحة فهو واجب شرعي لا بد منه، فهو أساس دعوة المرسلين وأتباعهم، فلا يغني إزالة رموز الشرك ومظاهره عن إزالتها من قلوب الناس ومحو تعظيمها والغلو فيها من أذهانهم.
بقي أن ننبه على أمر مهم وهو أن هدم هذه الأشياء والقضاء عليها يظل من واجب السلطان المسلم القادر عليه، ولا ينبغي للأفراد العاديين القيام به، لما قد ينجر عنه من أحداث ونعرات، بل قد ينجر عنه سفك دماء واستباحة محرمات، ولا يجوز لأحد أن يغير منكرا إذا كان سيترتب على تغيره منكر أكبر منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(5/519)
امنعها من المنكر ولا تطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي جميلة واكتشفت أنها خانتني هاتفيا ولي منها ولد وأريد أن أطلقها ولكن لا أستطيع لجمالها ولرحمتي بها، حيث هي يتيمة الأم وصغيرة العمر ولحبي المبالغ لها؟ ف ما الحل؟.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت قد تيقنت من قيام زوجتك بمهاتفة الرجال الأجانب على وجه محرم، فلا شك أن ذلك منكر لا يجوز لك السكوت عنه، لكن لا يجب عليك طلاقها لذلك وإنما يجب عليك منعها من هذا المنكر وقطع الأسباب المؤدية إليه، ولا يجوز أن يمنعك من ذلك محبتك لزوجتك أو شفقتك عليها، فإن الرحمة الحقة أن يحفظ الرجل من يحبه من الوقوع في المحرمات، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} .
واعلم أن محبة الرجل لزوجته أمر محمود ولا يجوز أن يؤدي ذلك إلى محرم أو يمنع من واجب، والذي ننصحك به هو أن تمسك زوجتك، ولا تقصر في القوامة التي جعلها الله لك، وأن تتعاون مع زوجتك على طاعة الله وتسد عليها أبواب الفتن وتقطع عليها سبل الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1430(5/520)
هل يكفي العمل في مجال الدعوة عن إنكار منكر معين صدر من شخص بعينه
[السُّؤَالُ]
ـ[إنكار المنكر حال انتشاره: شيوخنا الأفاضل كثر في وقتنا الحالي كثير من المنكرات، وواجب على المسلم إنكارها لكن لو كان الشخص له مجالات في الدعوة كالدعوة في إلقاء المحاضرات التي تحذر من هذه المنكرات أو المحاضرات التي ترغب الناس في الجنة وتخوفهم من النار بشكل مستمر وله عدة مجالات دعوية، هل يجب عليه إذا رأى شخصا معينا على منكر يذهب إليه وينصحه بعينه؟ أم يكفيه ما يقدمه من محاضرات دعوية يستفيد منها الكثير؟ وهل يأثم لو ترك نصح هذا الشخص بعينه؟ خصوصا أنه في عصرنا هذا توفرت مجالات عديدة للدعوة: كالانترنت والندوات والملتقيات الخيرية، مما جعل الداعية يستطيع الوصول إلى أصحاب المنكرات ونصيحتهم بكل سهوله ومرونة.
أفيدونا مشكورين مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله سبحانه من أحسن أعمال المسلم، كما قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} .
ودليل على إرادة الخير به وأنه من المفلحين الذين اصطفاهم الله للقيام بهذه العبادات العظيمة، كما قال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104} . وقال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {آل عمران: 110} .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن، ولما كان الجهاد من تمام ذلك كان الجهاد أيضاً كذلك، فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه أثم كل قادر بحسب قدرته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه. اهـ من مجموع الفتاوى.
وانتشار المنكرات لا يعني سقوط النهي عنها، بل تزداد بسببه أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن رحمة المولى سبحانه ورفعه للحرج عنا أنه قيد ذلك بضوابط ومنها الاستطاعة، فمن توفرت فيه الضوابط الشرعية وكان مستطيعا وجب عليه النهي عن المنكر، ومن لم يستطع بلسانه ولا بيده، كان عليه الإنكار بالقلب، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ. رواه مسلم.
وراجع الفتوى رقم: 75007، ففيها بيان أن تغيير المنكر يكون بقدر الطاقة والوسع.
وما يقوم به الشخص من جهود مشكورة في الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير فهو مما يحمد عليه ومن أفضل الأعمال، ولكنه لا يغني عن النهي عن المنكر ولا يسوغ له ترك إنكار المنكر إذا وجب عليه وجوبا عينيا، وذلك إذا توفرت شروط الوجوب وانتفت موانعه، وفق الضوابط الشرعية التي ذكرناها في الفتويين رقم: 36372، ورقم: 9358، فراجعهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1430(5/521)
مفهوم الإيجابية كما قررته سورة العصر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون المسلم إيجابيا مع نفسه والناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من قبيل
الإيجابية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمهما اختلف الناس في تحديد مفهوم الإيجابية فيبقى المفهوم المستفاد من الوحي هو المعول عليه، ويمكن إجمال ذلك في قراءة سطر واحد من القرآن، وهو سورة العصر: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) .
فقد بينت هذه السورة أن الإنسان محكوم عليه بالخسارة إلا من كان متصفا بخصال أربعة، وهي في الحقيقة سمات الشخصية المسلمة الإيجابية.
قال السعدي: عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
ـ الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
ـ والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة.
ـ والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
ـ والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 7952، 71262.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من جملة التواصي بالحق، فلا يستحق العبد النجاة التامة من الخسران إلا إذا فعل في هذا الباب ما يقدر عليه، وراجع لتمام الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 93213، 105390، 96754، 12916.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(5/522)
تغيير المنكر واجب بشروط
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بأن من رأى إنسانا على منكر ولم ينصحه سيسأل عن ذلك يوم القيامة ونحن سنعاقب لأننا لم ننصحه، في البداية أنا فتاة لا أستطيع نصح كل من هب ودب، وخاصة أنني إذافعلت ذلك سأجلس أنصح خلق الله ولم ولن أنتهي؟؟؟ .
فهل صحيح أنني آثمة؟ الرجاء توضيح الأمر جدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد. (إحياء علوم الدين) .
ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم.
وتغيير المنكر واجب على الكفاية بمعنى أنه إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه ولم يؤده بلا عذر ولا خوف.
ويشترط لوجوب تغيير المنكر شروط هي:
· ... القدرة على ذلك.
· ... ألا يغلب على الظن نزول ضرر غير محتمل بمن يقوم بالإنكار.
· ... ألا يؤدي إلى منكر أكبر منه، فإن كان إنكار المنكر يؤدي إلى منكرأكبر منه فحينئذ لا يجب الإنكار،، ... ... بل ولا يشرع.
· ... كما يشترط في الشيء المنكر أن يكون ظاهرا من غير تجسس، وأن يكون قائما في الحال، وألا يكون من الأمور المختلف في حرمتها اختلافا سائغا.
· ... ولا يشترط لوجوب تغيير المنكر أن يغلب على الظن استجابة من ينكر عليه.
وإذا قمت بما يجب عليك من الأمر والنهي، فقد برئت ذمتك بذلك، سواء استجاب من تنكرين عليه أم لا.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف. قال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول.
ولا يختص تغيير المنكر بالرجال فقط، بل يعم كل البالغين من الرجال والنساء، كل بحسب قدرته، إلا أن هناك ضوابط لذلك بالنسبة للمرأة سبق بيانها في الفتوى رقم: 44541.
فاستعيني بالله وانشطي وابذلي وسعك في نصح الغافلين من حولك بقدر طاقتك، وابدئي بالأقربين منك، واستعملي في ذلك الشريط الإسلامي والرسائل والمطويات بحسب طاقتك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 75007، والفتوى رقم: 36372.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1430(5/523)
هل يسكت عن الغش إن هدد بسبب إنكاره له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل معلما في إحدى المدارس الحكومية في السعودية، وأنا حضري، وأعمل في مدرسة تقع في أحياء البدو، وكما تعلمون لابد من السكن بجانب المدرسة، وأنا أيضا أسكن في أحيائهم، وكما تعلمون أيضا الآن وقت امتحانات، وأنا أراقب في بعض اللجان، وأحيانا يقع غش أمامي وأنكره بجميع الطرق، وتأتيني تهديدات دائما إذا قمت بمنع الغش، وينفذ أحدها أحيانا، فمثلا: فى العام الماضي كسرت سيارتي، وإذا حصل لك مكروه أو لسيارتك فليس هناك من يدافع عنك ـ لا إدارة المدرسة ولا التعليم ولا الوزارة ـ فإذا كان هناك خطر علي، هل يجوزلي أن أتغاضى عن التدقيق في الغش؟ مع العلم أن الشرطة جاءت للمدرسة في الفصل الأول مرتين لاعتداءات حصلت على معلمين، لكن شيئا لم يحصل للطلاب أبدا والمتضرر هوالمعلم، ف ما رأيكم؟. ... ...
أرجو من فضيلتكم أن تفتوني فتوى توجيه، وأن لا تنصحوني، فأنا أخاف الله ولا أحتاج إلى نصح ولكني أخاف على نفسي وعلى أولادي لأنهم معي في نفس الحي، ومهما تكن إجابتكم فماذا أفعل تجاه امتحان اليوم الذي أنكرت فيه الغش، ولكني لم أستطع منع الفصل كله حيث إنني رأيت أحدهم يغش ولا أستطيع الإبلاغ عنه لأنه شرير ويعرف بيتي وهو صاحب سوابق ويدخل السجن دائما؟.
أرجو الإفادة. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسن السائل الكريم في إنكاره الغش بجميع الطرق؛ فإنه حرام كما هو معلوم، وأما ما ذكره من أمر التهديدات التي تقع عليه بسبب منعه الغش، فإن وصلت لحد الإكراه فهو معذور، فإن الضرورات تبيح المحظورات، وحد الضرورة أن يغلب على الظن وقوع المرء بسببها في الهلكة، أو أن تلحقه بسببها مشقة لا تحتمل. قال ابن العربي في أحكام القرآن: اختلف الناس في التهديد هل هو إكراه أم لا؟ والصحيح أنه إكراه؛ فإن القادر الظالم إذا قال لرجل: إن لم تفعل كذا وإلا قتلتك أو ضربتك أو أخذت مالك أو سجنتك، ولم يكن له من يحميه إلا الله، فله أن يقدم على الفعل ويسقط عنه الإثم في الجملة. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1430(5/524)
إضفاء الشرعية على ارتكاب المنكرات من الكذب على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن شخص أعرفه لديه علاقة مع قريبة له ويقول إنها علاقة خدمية أي: أنه يقدم لها خدمات فقط وهو معها علي هذه العلاقة منذ أكثر من 10 سنوات ولكن هنالك شيء غير طبيعي في هذه العلاقة حيث يقوم بالاتصال بها أكثر من 10 مرات في اليوم، وكل هذه الاتصالات في السر حيث إنه يخفي هذه العلاقة وهذه الاتصالات عن زوجته وزوج قريبته وعن كل شخص يعرفهم كذلك، أحيانا يقوم بالاتصال بها في أوقات متأخرة من الليل، وإذا سافر خارج البلاد يقوم بالاتصال بها أيضا من الخارج وأحيانا يقوم بتوصيلها في مهمات خاصة بها في سيارته أيضا دون علم أحد، تحدثت معه بخصوص هذه العلاقة كثيرا لما فيها من شبهة ولكنه يرفض الإصغاء ودائما يقول إنه لايفعل شيئا خطأ وأن الله يعلم أنه لا يفعل شيئا خطأ، بل يقوم بعمل خير وأنه يقدم المساعدة لها فقط.فأنا أريدأن أعرف ما هو حكم مايقوم به؟ وهل هو جائز شرعا؟ أم هل ما يقوم به يدخل في المحرمات؟ أريد ردا علي كلامه من حيث أن ما يقوم به ليس فيه أي خطإ لأنني سوف أعرض عليه ردكم علي سؤالي حتي يقتنع ويوقن بخطإ ما يفعله حتي لا تكون لديه حجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يفعله هذا الرجل مع هذه المرأة من اتصاله بها اتصالا متكررا آناء الليل وأطراف النهار , وما يقوم به من لقائها والخلوة بها في السيارة ونحوها , كل هذا محرم لا خلاف في حرمته وهو ذريعة عظيمة للوقوع فيما حرم الله سبحانه , وقد بينا هذا في الفتاوى التالية أرقامها: 10271 , 24854 , 30425 , وبينا في الفتوى رقم: 118226 , أن ركوب المرأة بمفردها مع رجل أجنبي عنها في سيارة يعتبر من الخلوة المحرمة.
وليت هذا الرجل إذ فعل ما فعل من انتهاك حرمات الله بهذه الجرأة وقف عند هذا الحد، ولكنه وبشؤم معصيته وقع فيما هو أعظم من ذلك وافترى على الله الكذب عندما قال إنه لا يفعل خطأ، وادعى - كذبا - أن الله يعلم أنه يفعل الخير والصواب , وهذا إثم عظيم لأن القول على الله بغير علم من أكبر الكبائر. قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33} .
قال ابن القيم عند تفسيره لهذه الآية: فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه.
وقال تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم. انتهى.
وهذه والعياذ بالله هي عادة أصحاب الشهوات المحرمة الذين يتبعون أهواءهم بغير هدى من الله، فإنهم في غالب أحوالهم يحاولون إضفاء شرعية على منكراتهم , فيفترون على الله الكذب ويقولون عليه بغير علم.
فالواجب على هذا الشخص أن يتوب إلى الله سبحانه فورا وأن يقطع علاقته بهذه المرأة , والواجب عليك أن تنصحه بذلك بل وأن تغلظ له القول في ذلك حتى ينتهي عن باطله، فإن أصر على فعله فهدده بإظهار أمره لزوج هذه المرأة وأقاربها حتى ينتهي عن فعله هذا , فإن لم يستجب فلك أن تتخير من تثق في عقله ودينه من أرحامه أو من أرحامها وتخبرهم بما يجري حتى يكفونهما عن غيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1430(5/525)
لا إثم على من بذل جهده في تغيير المنكر فلم يتغير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 20 سنة، أدرس في الجامعة، توفي والدي وترك متجرا تشتغل فيه والدتي، وأختي تشتغل ممرضة في مصحة، وكلا العملين يتم فيه اختلاط بالغرباء، كما أن توقيت العمل ينتهي في 9 مساء، طلبت من أمي أن تبقى بالبيت وأعمل أنا بالمتجر فرفضت، وطلبت مني إكمال دراستي. فما العمل يا شيخ مع العلم أن لي 3 إخوة، واحد متزوج، والآخر يعمل في أوروبا، والآخر يعمل أحيانا في أعمال موسمية وأحيانا عاطل عن العمل. وهذا المتجر هو مصدر الرزق الوحيد لنا. فإخوتي كل يعاني مشاكله الخاصة.
فما العمل؟ فأنا أخاف أن ينطبق علي لقب ديوث، والله أعلم بغيرتي على محارمي، ولكن أنا الأصغر بالبيت وليس لي كلمة مسموعة. أرجوكم أفتوني في مسألتي هذه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل هو جواز عمل المرأة في مجالي التجارة والتمريض إذا التزمت الضوابط الشرعية من لبس الحجاب، وغض البصر، وترك الخلوة بالأجانب، والاقتصار في محادثتهم على قدر الحاجة، وترك الاختلاط المحرم بهم، وإنما قيدنا الاختلاط بكونه محرما لأنه ليس كل اختلاط محرم كما بيناه في الفتوى رقم: 35079.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم المرأة أن تكون تاجرة سواء كانت مسافرة أو مقيمة؟
فأجابوا: الأصل إباحة الاكتساب والاتجار للرجال والنساء معا في السفر والحضر؛ لعموم قوله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الكسب أطيب؟ قال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) ولما هو ثابت أن النساء في صدر الإسلام كن يبعن ويشترين باحتشام وتحفظ من إبداء زينتهن، لكن إذا كان اتجار المرأة يعرضها لكشف زينتها التي نهاها الله عن كشفها، كالوجه، أو لسفرها بدون محرم، أو لاختلاطها بالرجال الأجانب منها على وجه تخشى فيه فتنة، فلا يجوز لها تعاطي ذلك، بل الواجب منعها؛ لتعاطيها محرما في سبيل تحصيل مباح. انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة.
وسئلت أيضاً: عندي زوجة وترغب أنها تزاول البيع والشراء يوم الخميس في سوق يجمع الرجال والنساء، وهي محتشمة فهل يجوز لي ذلك؟
فأجابوا: يجوز لها أن تذهب إلى السوق لتبيع وتشتري إذا كانت في حاجة إلى ذلك، وكانت ساترة لجميع بدنها بملابس لا تحدد أعضاءها ولم تختلط بالرجال اختلاط ريبة. وإن لم تكن في حاجة إلى ذلك البيع والشراء فالخير لها أن تترك ذلك. انتهى.
وقد بينا في الفتوى رقم: 123665، والفتوى رقم: 55271. حكم عمل المرأة في مجال التمريض.
وعلى ذلك فإن التزم كل من أمك وأختك بالضوابط الشرعية في عملهما فلا بأس بذلك، ولا يكون عليك من عملهما إثم ولا حرج، وإن أخلت واحدة منهما بهذه الضوابط فإن عليك أن تنصحها بلطف ولين، مع تكلف مزيد من التبجيل والاحترام لأمك، حتى وإن وقع منها مخالفة، فإن لم يجد ذلك وقدرت على منع أختك من هذا العمل فافعل، وإلا فعليك أن تستعين على ذلك بأحد أرحامك كالأعمام أو الأخوال ليكفهما عن معصيتهما ويردهما إلى الجادة.
مع التنبيه على أن الأولى لأمك أن تكل هذا العمل إلى أحد أبنائها إن كان قادرا على القيام بهذا العمل، ولم يترتب على القيام به مفسدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1430(5/526)
أحسن في أمره بالمعروف وأخطأ في أسلوبه
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد شيخ في منطقتنا إذا رأى أي رجل يمشي مع امرأة غير متحجبة يقوم بسبه وبضربه، وإذا رأى امرأة غير متحجبة يمسك شعرها ويقول (ده طريقك لجهنم يا سافرة) وهو يقول أنا لا أفعل شيئا حراما. أنا آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. فهل ما يفعله من الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آدابا ينبغي مراعاتها، وقد ذكرنا جملة من هذه الآداب بالفتويين: 52338، 53349، ومن هذه الآداب الرفق، وهو الأصل في الدعوة إلى الله، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
وإذا كان واقع الحال من هذا الرجل على ما ذكر، فإن أمره بالمعروف ليس بمعروف، ونهيه عن المنكر منكر. فليس من شأن الداعية أن يسب المدعو ويشتمه، وأما الضرب فإن التغيير باليد من شأن من له سلطان على المدعو كما هو مبين بالفتوى رقم: 80926، وإن كانت هذه المرأة أجنبية عنه فلا يجوز له أن يمس شيئا من جسدها شعرا كان أم غيره. وراجع الفتوى رقم: 28788، ثم إن هذا الأسلوب الذي يخاطبها به ليس من الحكمة في شيء، وقد يكون سببا في صد الناس عن التوبة والرجوع إلى الله، فينبغي أن يبين لهذا الرجل أنه قد أحسن في قصده القيام بهذه الفريضة وأخطأ في الأسلوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1430(5/527)
يضمن الأب ما أحدثه من تلف إذا تعدى في تأديبه لولده
[السُّؤَالُ]
ـ[قام شاب صغير بشراء آلة الجيتار الموسيقية ليلهو بها وقت فراغه، وتكون له شيئا مسليا، وعندما علم الأب ذلك قام بتكسير الآلة على رأس هذا الشاب، وأدى إلى إحداث ارتجاج في المخ، وإحداث إصابات جسيمة به، وبالرغم من أنه يتعالج الآن في المشفى، فإن أباه يرفض أن يدفع ثمن علاجه، ويرفض أن يرجع الشاب مرة أخرى إلى البيت. وكل ذلك بسبب أن الابن قال له أنا لم أفعل معصية أو كبيرة، وأنا متأكد أن هذا الشيء ليس حراما ومصر على رأيي. أما الوالد فأصر على رأيه بأن الابن فعل كبيرة من الكبائر، وقال له لو كان بيدي لقتلتك.. ماذا يفعل الولد في هذه الحالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاستعمال الجيتار غير جائز، لأنه من المعازف المحرمة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. أخرجه البخاري.
وجه الدلالة من الحديث: أن المعازف هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، كما نقله ابن القيم في إغاثة اللهفان، وقوله صلى الله عليه وسلم: يستحلون.. معناه أنها كانت حراماً فأباحوها واستحلوها.
وقد بينا مزيدا من الفائدة حول هذا الموضوع في الفتوى رقم: 108600.
ولكن مع كون هذا الشاب قد أخطأ، فإن الأب قد أخطأ أيضا بفعله هذا؛ لأن ما فعله مع ولده اعتداء واضح لا مسوغ له، سواء قصد به تغيير المنكر أو قصد به تأديب الولد، وخطأ الأب أكبر من خطأ الولد بمراحل، فإن النهي عن المنكر له مراتب بينها الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين فقال: وشرح القول في هذا أن الحسبة لها خمس مراتب كما سيأتي أولها: التعريف. والثاني: الوعظ بالكلام اللطيف. والثالث: السب والتعنيف. ولست أعنى بالسب الفحش بل أن يقول يا جاهل يا أحمق ألا تخاف الله وما يجري هذا المجرى. والرابع: المنع بالقهر بطريق المباشرة ككسر الملاهي وإراقة الخمر واختطاف الثوب الحرير من لابسه واستلاب الثوب المغصوب منه ورده على صاحبه. والخامس: التخويف والتهديد بالضرب ومباشرة الضرب له حتى يمتنع عما هو عليه. انتهى.
فكان على الأب أولا أن يعلم ابنه حرمة هذا، إذ من الواضح أن الولد يجهل كون هذا الفعل من المحرمات، ثم يتدرج معه بعد ذلك، فإن رأى إصرار الابن على فعل المنكر فعلى الأب أن يكسر هذه الآلة فقط دون أن يضرب ابنه بها فيصيبه بما أصابه من تلك الإصابة الكبيرة.
وله بعد ذلك أن يؤدب ابنه على عدم استجابته لأن الأب له ولاية التأديب على ولده، وإن كان الولد كبيرا على رأي بعض أهل العلم، قال ابن مفلح في الفروع: وظاهر كلامهم يؤدب الولد ولو كان كبيرا مزوجا منفردا في بيت. انتهى. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 119808.
ولكن لا يجوز له بحال أن يلحق به مثل هذه الإصابات الخطيرة، لأن التأديب مشروط بسلامة العاقبة وعدم التعدي، فلو تعدى الأب فإنه ضامن لما يحدث لابنه من تلف.
جاء في فقه السنة: ولا ضمان على الأب إذا أدب ولده ولا على الزوج إذا أدب زوجته، ولا على الحاكم إذا أدب المحكوم بشرط ألا يسرف واحد منهم، ويزيد على ما يحصل به المقصود. فإذا أسرف واحد منهم في التأديب كان متعديا، وضمن بسبب تعديه ما أتلفه. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: واختلف أبو حنيفة وصاحباه في تضمين الأب والجد والوصي ونحوهم: فذهب أبو حنيفة إلى أنه يضمن الجميع إذا ترتب على تأديبهم التلف؛ لأن الولي مأذون له بالتأديب لا بالإتلاف، فإذا أدى إلى التلف تبين أنه جاوز الحد. انتهى. وعلى ذلك فإن الأب ملزم بعلاج ابنه ورعايته حتى ينهض من محنته.
مع التنبيه على أن اعتداء الوالد على ولده لا يسوغ للولد مقابلة ذلك بمثله لما لوالده عليه من عظيم الحق، بل عليه أن يتقي ربه ويحسن لوالده، ويحتسب ما أصابه عن الله سبحانه. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 46062.
ثم إنا ننبه إلى شيء مهم في تغيير المنكر وهو أنه لا يجوز تغيير منكر بوسيلة قد تؤدي إلى حدوث منكر أكبر، فمن علم يقينا أو ظنا غالبا أن تغيره سينجر عنه منكر أكبر منع من التغيير بتلك الوسيلة، وانتقل إلى المرحلة التي دونها وهي مرحلة اللسان أو القلب مثلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1430(5/528)
طرق تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أربعة من البنات وهن يصلين ويصمن، ولكن يلبسن البنطلون والبلوزة الطويلة إلى عند الركبة، وكم أحاول معهن لتغيير اللباس ولكن دون جدوى، ماذا علي يا شيخ وأنا مخنوقه عليهن من اللباس، وهن طالبات في الجامعة، ولكن ملتزمات، فيهن كل الصفات الحسنة، ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحجاب الشرعي للمرأة له شروط وصفات سبق ذكرها بالتفصيل في الفتاوى رقم: 6745، 9428، 13914.
من هنا يتبين أن ما يلبسه بناتك ليس من اللباس الشرعي الذي أوجبه الله على النساء المؤمنات، ولمزيد من البيان تراجع الفتوى رقم: 24318، وما أحيل عليه فيها.
فالواجب عليك أولا أن تعلميهن بحرمة هذا، وأن الحجاب فرض متحتم على المرأة المسلمة، لا يجوز لها أن تفرط فيه بحال، ثم عليك أن تعلميهن أن مثل هذه الطاعات العظيمة التي يأتين بها من صيام وصلاة وغير ذلك قد تحبط ويبطل ثوابها بسبب تفريطهن في الحجاب الشرعي، وقد ذكرنا كلاما مفيدا بخصوص حبوط الأعمال بفعل السيئات في الفتوى رقم: 115378.
ثم عليك أن تديمي النصح لهن بأسلوب طيب رفيق، ويمكنك أن تهديهن بعض الأشرطة النافعة التي تتحدث عن فرضية الحجاب وخطورة التبرج والسفور، ولا حرج أن تصطحبيهن لبعض أهل العلم والخير من الداعيات إلى الله جل وعلا، فلربما كان كلامهن أكثر تأثيرا عليهن من كلامك.
وإن كنت تقدرين على منعهن من الخروج بهذه الملابس ولو بالقوة فافعلي؛ لأن تغيير المنكر باليد جائز لآحاد المسلمين بشرط ألا يؤدي إلى فتنة عظيمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
جاء في الموسوعة الكويتية: وليس لغير هؤلاء ولاية التأديب عند جمهور الفقهاء غير أن الحنفية قالوا: يقيم التأديب إذا كان حقا لله كل مسلم في حال مباشرة المعصية لأنه من باب إزالة المنكر، والشارع ولي كل مسلم، ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فلغيره بيده. أما بعد الفراغ من المعصية فليس بنهي، لأن النهي عما مضى لا يتصور فيتمحض تعزيرا وذلك إلى الإمام. انتهى.
وجاء في شرح كتاب غاية البيان شرح ابن رسلان: ولا يختص الأمر والنهي بأرباب الولايات والمراتب بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين واجب عليهم وعلى المكلف تغيير المنكر بأى وجه أمكنه ولا يكفي الوعظ لمن أمكنه إزالته باليد ولا تكفي كراهة القلب لمن قدر على النهي باللسان. انتهى
وجاء في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك: قال الخرشي ومنها أي القوادح في العدالة سكناه مع ولده الذي يكثر شرب الخمر والحال أنه قادر على منعه أو إزالته فلم يغيره وغير الولد أولى ولا مفهوم للشرب بل غيره من المعاصي كذلك. اهـ.
قال العدوي قوله: والحال أنه قادر على منعه أي منع ولده من شرب الخمر وقوله أو إزالة أي إزالة ذلك المنكر هذا أعم مما قبله كأن يخرجه من الدار إذا لم ينزجر وعبارة غيره أوضح ونصه وهذا إذا علم به ولم ينكر عليه مع القدرة، وأما إن لم يعلم أو أنكر جهده ولم ينزجر أو لم يقدر على التغيير ولا على الانتقال عنه لم تسقط شهادته إذا هجره طاقته وغير الولد مثله في ذلك. انتهى.
ولكن مع التنبيه على أن هذا كله مقيد بالقدرة وغلبة المصلحة جاء في البهجة في شرح التحفة: لأن تغيير المنكر إن أدى إلى منكر أعظم منه سقط الأمر عنه. انتهى
فإن خفت أن يؤدي ذلك إلى فتنة عظيمة كتطاولهن عليك، أو نفورهن من الدين، وترك ما هن عليه من الطاعات العظيمة من الصلاة ونحوها، فهنا لا يجوز لك منعهن بالقوة. جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه؛ بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات. انتهى
ويجوز لك أن تنتقلي بعد ذلك إلى الهجر، فإن الهجر كثيرا ما يستصلح العصاة ويردهم عن غيهم، وقد بينا مشروعية هجر العصاة - ولو كانوا من الأرحام - بالتفصيل والدليل وذكر أقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 119581
لكن إ ن غلب على ظنك أن الهجر ربما يأتي بعكس المقصود منه، فعند ذلك لا يشرع الهجر، ولكن اكتفي بتذكيرهن بالله والدعاء لهن بظهر الغيب أن يوفقهن الله لطاعته، وأن يصرف عنهن كيد الشيطان ومكره. وراجعي ضوابط الزجر بالهجر في الفتوى رقم: 7119.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1430(5/529)
تغيير هذا المنكر مسئولية كل من يراه ويقدر على تغييره
[السُّؤَالُ]
ـ[تعلمون سيادتكم في زمامنا هذا كثرة الاختلاط والفساد والفتن والانحلال الأخلاقي، وخاصة في بلاد الغرب، وهو ما أصبح عاديا عند بعض المسلمين هنا، هذه قصة فتاة مسلمة في العمل وهي متزوجة، والغريب في الأمر أن زوجها زميلنا أيضا في العمل، وهي كثيرة الاختلاط، والمعلوم أن زميلا آخر وهو مسلم ومتزوج وهو يتحدث معها كثيرا، ويجلس معها ويشربان فنجان قهوة، ويضحكا وبعض الأحيان في الخلوة، والغريب في الأمر أن زوجها لا يتكلم وهو مسلم ولا يغير المنكر. والمعلوم أن زميلنا هذا نصحناه كثيرا بالابتعاد، وبأنه حرام وهو لا يحب، وتجادلنا معه، ومصر على فعلته. وسؤالي فضيلتكم هو هل زوجها هو المسؤول الوحيد عن تغيير هذا المنكر؟ أم نحن كذلك؟ وهل إذا كان زوجها ليس على علم بما نراه هل نخبره. وماذا يجب علينا فعله أفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإقامة في بلاد الكفار، خطر على دين المسلم وخلقه، فلا تباح إلا بضوابط سبق بيانها في الفتوى رقم: 23168، والفتوى رقم: 2007.
ولا يخفى أنّ الاختلاط في أماكن العمل أمر منكر يجرّ إلى المجتمع كثيراً من البلايا ويفتح أبواب الفساد والفتن.
فما يحدث من محادثة وضحك وخلوة بين هذه المرأة والرجل الأجنبي، هو منكر يجب تغييره على من قدر على ذلك، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ.
وليس من شك أن الزوج هو المسؤول الأول عن تغيير هذا المنكر فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} وقال صلى الله عليه وسلم: ... والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته. متفق عليه.
وكون هذا المنكر يقع أحيانا بحضرة الزوج ولا يتكلم هو من الدياثة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن خمر، والعاق لوالديه، والديوث الذي يقر في أهله الخبث. رواه أحمد من حديث ابن عمر.
ورغم كون زوج هذه المرأة هو المسؤول عنها، إلّا أنّ تغيير هذا المنكر مسئولية كل من يراه ويقدر على تغييره، فعليكم بنصحهما وبيان حرمة ما يفعلانه وتهديدهما بإخبار الزوج (أو غيره ممّن يقدر على منع هذا المنكر) بما يحدث، فإن لم يكفّا عن ذلك فيمكنكم إخبار الزوج -إن كان لا يعلم - بشرط ألّا يترتب على إخباره مفسدة أكبر من هذا المنكر. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 122409.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(5/530)
وقع في منكر كان ينهى عنه فهل يستمر في النهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[في مدرستنا أحد المدرسين وهو شاذ جنسيا، وهو ليس مسلما، وقد فكرت أن أشكوه لإدارة المدرسة، لكنهم يعرفون ويغطون عليه لأنهم أمريكيون ونصارى مثله، وفي يوم من الأيام شجعني أحد المدرسين لأن أقدم فيه شكوى إلى مجلس إدارة المدرسة، ففعلت، لكن اتضح أن المدرس الذي نصحني متآمر ضدي، فأخبر الإدارة بأنني من قدم الشكوى لمجلس الإدارة، ولما قدموني للتحقيق أنكرت-حاولت أن أستخدم التورية- لكن لم أفلح. وعندما سألوني بشكل مباشر قلت: لا. وأنا أشعر بالحزن لأنني أدل الطلاب دائماً على الصدق وعدم الكذب، واجتناب الكذب مهما كان الأمر، لكن وجدت نفسي الآن أكذب. فهل يتوجب علي أن أخبر الإدارة بأنني من اشتكى المدرس لمجلس الإدارة؟ وهل هناك من كفارة لكذبي؟ وهل هناك من جزاء أنني أدل الناس على المعروف-الصدق- ثم لا آتيه؟
أرجوكم دلوني ماذا أفعل فأنا متضايق جداً ومستاء من نفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شكّ أنّ الكذب محرّم وهو من أقبح الأخلاق، والتمادي فيه يؤدي إلى فساد الدين والدنيا.
أمّا عن سؤالك، فإذا كان سيلحقك ضرر من الإدارة إذا علموا أنك أنت صاحب الشكوى فلا داعي لإخبارهم، إذ ليس من شرط التوبة أن تخبر بحقيقة الأمر، وإن لم يكن عليك ضرر في ذلك فلا مانع من إخبارهم بأنك صاحب الشكوى، وأنّ هذا المدرس قد حرضّك على ذلك، فقد يكون في هذا ردع لذلك المدرس ذي الوجهين، ثم إن كفارة الكذب هي التوبة الصادقة، وذلك بالإقلاع عن الكذب والندم على فعله والعزم على عدم العود له.
وأمّا عن أمرك للناس بالصدق ووقوعك في الكذب، فلا شكّ أنّ أمر الناس بالمعروف مع ترك فعله ونهيهم عن المنكر مع فعله، خطأ عظيم، فعن أسامة بن زيد أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ. رواه مسلم.
فالواجب على المسلم أن يوافق قوله فعله.
لكن ليس معنى هذا أن يترك الإنسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لوقوعه في مخالفة شرعية، وإنما المطلوب أن يجتهد الإنسان في إصلاح نفسه ويداوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصدق وإخلاص، يقول القرطبي في قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. {البقرة: 44} :
اعلم وفقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر. الجامع لأحكام القرآن.
فإياك أن تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما دمت صادقاً ومخلصاً لله في أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر، فلا يصدّك عن ذلك ما يكون منك من تفريط وزلل، فإنّ ذلك من مداخل الشيطان ومكائده، كما قال الحسن البصري: ودّ الشيطان أنه قد ظفر بهذا.
وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول:
لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء. الجامع لأحكام القرآن.
واحذر أن يخذّلك الشيطان ويوقع اليأس في قلبك ويصرفك عن الخير ويستزلّك بسبب ما وقعت فيه.
واعلم أنّ ما أنت فيه من الحزن والندم هو دليل صدق وعلامة خير، فينبغي عليك أن تُقبل على الله وتعلم أنّ الإنسان لا حول له ولا قوة إلا بالله، فلا يوفق العبد للطاعة ولا يصرف عن المعصية إلا بتوفيق الله ومعونته، واعلم أنّ الله يقبل التوبة ويحب التوابين ويفرح بتوبتهم، وأن التوبة تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(5/531)
لا تتحمل وزر الآخرين بعد قيامك بواجب النصح
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال وأنا فتاة، إن أبي يشاهد أشياء محرمة، وأمي دائمة على النصح لأبي بدون نتيجة (هل أمي محاسبة ونحن البنات أمام الله يوم الحساب) ؟ أريد إجابة واضحة (نعم أو لا) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الشرع أن أحداً لا يحمل ذنب أحد، قال تعالى: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164} .
لكنّ الشرع أوجب على المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قدر استطاعته، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ. رواه مسلم.
فإذا قام المسلم بما يقدر عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يضرّه ضلال غيره، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {المائدة:105} .
فإذا قمتم بما تقدرون عليه من الإنكار على والدك في مشاهدته للمحرمات، فلا يضركم تماديه في ذلك، لكن ننصحكم بعدم اليأس، ومداومة النصح له بحكمة ورفق والاستعانة بالله، وتشجيعه على حضور مجالس العلم، ومصاحبة الصالحين، وإسماعه الأشرطة النافعة للدعاة المصلحين، والاستعانة ببعض الصلحاء من الأقارب لنصحه، مع التنبيه على عدم التقصير في برّه والإحسان إليه، كما أنّ على أمّك عدم التقصير في حقّه فإن حقّ الزوج في الشرع عظيم، كما أن حسن التبعّل له، مما يعين على قبوله للنصح، وعليكم بالإلحاح في الدعاء له بالهداية فإنّ الله قريب مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1430(5/532)
المسلم يؤدي واجبه في الدعوة ثم لا يضره تماديهم في المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الفرد منا مسؤول عن نفسه فقط أم عن إخوته؟ لأن ياشيخ إخوتي يتفرجون على أشياء حرام، سواء أفلام عربية أو أجنبية وغيرها من الأشياء الأخرى، وأنا أختهم ما يستمعون لكلامي. أريد الجواب بنعم أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الشرع أن أحداً لا يحمل ذنب أحد، قال تعالى: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الانعام: 164}
لكنّ الشرع أوجب على المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قدر استطاعته، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أنّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ.
فإذا قام المسلم بما يقدر عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يضرّه ضلال غيره، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {المائدة:105}
قال السعدي: ولا يدل هذا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضر العبدَ تركُهما وإهمالُهما، فإنه لا يتم هداه إلا بالإتيان بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نعم، إذا كان عاجزا عن إنكار المنكر بيده ولسانه وأنكره بقلبه، فإنه لا يضره ضلال غيره. اهـ
فإذا قمت بما تقدرين عليه من الإنكار على إخوتك في مشاهدتهم للمحرمات، فلا يضرك تماديهم في ذلك، لكن ننصحك بعدم اليأس، ومداومة النصح بحكمة ورفق والاستعانة بالله، ويمكنك إهداء بعض الأشرطة أو الكتب النافعة لهم، والاستعانة ببعض الصلحاء من الأقارب لنصحهم، ويمكنك بالصبر وحسن الخلق وصدق النية أن تأخذي بأيديهم إلى طريق الهداية بالتعاون معهم على الطاعات وسماع المواعظ النافعة، مع الإلحاح في الدعاء لهم بالهداية فإنّ الله قريب مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(5/533)
إنكار الموظفة على زميلتها التي تجالس أجنبيا عنها وتحادثه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 26 عاما، أعمل في أحد المناطق الأثرية التابعة لهيئة الآثار، ومعي زميلات لي في العمل في سن مقارب لسني، من شهرين انضم إلينا شاب يصغرنا ب 3 سنوات وهو خاطب، كنت أتعامل معه بحرص شديد لطبيعتي الخجولة جدا ولخوفي العام من الرجال والتعامل معهم، وبعد فترة قصيرة وجدت أن إحدى زميلاتي اعتادت أن تتحدث معه بشكل ملحوظ جدا، بل أصبحت تجلس معه في فترات العمل الخاصة به حيث إن ساعات العمل مقسمة إلى فترتين، بل ويمكنها أن تجلس من الصباح الباكر حتى طيلة اليوم لتنتظره وتجلس معه، الأمر الذي لم تفعله معنا نحن بنات جنسها، في البداية اعتقدنا أنها صداقة زائدة فحسب، ولكن الفتاة لم تبتعد عن الشبهات والخلوات بينها وبينه رغم نصائحي المتتالية لها بكل طريقة، ولكنها ترى أنها لا تفعل شيئا خاطئا، ووصل الأمر لكل الموظفين الكبار في المكان، بل وبدأوا يتحدثون عليهم ويخوضون في سيرتهم هي والشاب، ولماذا لا تعود إلى البيت معنا كما نذهب جميعا وتجلس لتنتظره وتخرج وتأتى معه، فليس من المعقول أن كل هذا صداقة فحسب بل لابد أن هناك شيئا آخر، ولقد خفت عليها أكثر من نفسها، وحاولت تنبيهها وتحدثت معها ومعه وجها لوجه حتى يفيق الشاب، ولأنه أيضا مرتبط بفتاة طيبة وحسنة الخلق كما يتحدث عنها فلماذا كل ذلك؟
استجاب لي الشاب ولكنها لم تكترث أيضا بل وهاجمتني أنا وظلمتني، رفيقة سنتين معها في العمل بحجة أنني أصدق ما يقال عليهم وأنني أصبحت مع الكبار عليها، ولكن الشاب يجد أن ما أقوله صحيح وأنه أخطأ ولم ينتبه لدخول الشيطان بينهما فلقد لعب لعبته.
المشكلة الآن في أنني تعبت كثيرا من التحدث معهم، حتى الكبار هناك أحرجوها كثيرا أمامنا أكثر من مرة وتحدثوا معها، ولكنها تجد نفسها مظلومة وكل الناس عليها وتنسى أن كل ذلك يراه الله ومهما أخفت عنا فالله يرى ويسمع، حتى أن الجميع بدأ يبتعد عنها ويتجاهلونها حتى تشعر بخطئها ولكن دون جدوى، وحتى لا يتحدث أحد عليهم كنت أتعمد أنا وزميلاتي أن نجلس معهم حينما يجلسون وحدهم حتى لا يثيرا الشبهات ولا يتكلم عليهم أحد، حاولنا كثيرا بكل الطرق ولكنها مازالت على عنادها وعدم الاعتراف بالخطأ، والآن الموظفون الكبار بدأوا ينتقلون إلينا وزميلاتي، لأننا نجلس معهم ونعلم ما يدور بينهم ونسكت على الخطأ ولا نتجاهلهم، وقالوا لنا إن عقابنا أكبر منهم لأننا كالمتسترين عليهم وأعطونا مثال أخافنا كثيرا، ة قالوا إن الله يغفر للزاني والزانية ولكن عقاب المتستر عليهم أشد، ولكنى حاولت أن أمنع المنكر بلساني كثيرا جدا، وليس بيدي الآن إلا أنا أمنعه بقلبي فلا حيلة لي. وأريد من سيادتكم رأي وحكم الدين في ذلك؟ وهل فعلا لأننا نخاف عليها ولا نريد أن يتكلم عليها أحد بسوء مع أنها عاقلة وتستطيع أن تتحمل مسؤولية أفعالها أصبحنا بنيتنا هذه متسترين عليهم؟ هل نتحمل وزرا على ذلك؟ وما الحل برأيكم؟ ماذا نفعل معهم ولكي نرضى الله أيضا ونبتعد عن أي شبهات تربطنا بهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعمل المرأة إذا اشتمل على خلوة بالرجال الأجانب أو اختلاط لا تؤمن معه الفتنة فهو غير جائز، وانظري الفتويين رقم: 522، 37294.
أمّا عن سؤالك، فما تفعله هذه الفتاة من الجلوس مع الشاب والكلام معه دون حاجة فهو أمر منكر مخالف للشرع، وسلوك يتنافى مع أخلاق الإسلام وآدابه.
وننبهك إلى أنّ قولك عن علاقتها به: اعتقدنا أنها صداقة، يفهم منه أنّه لا حرج في الصداقة بين الرجال والنساء الأجانب، وهو خطأ، فإن الشرع لا يقر صداقة بين رجل وامرأة أجنبية، وانظري الفتوى رقم: 54149.
كما أنّ مشاركتك لها بالجلوس مع الشاب لدرء الشبهات عنهما، هو خطأ بلا شك، وإنما الصواب هو تقديم النصح لها وبيان حكم الشرع بعدم جواز إقامة علاقة بين رجل وامرأة أجنبية والكلام معه بدون حاجة، فإذا لم تستجب فعليك هجرها ومقاطعتها إذا رأيت أنّ ذلك قد يردها إلى الصواب.
واعلمي أن الستر على المسلمين مطلوب شرعاً، لكن إذا كان الإنسان يتمادى في الخطأ فالصواب حينئذ إبلاغ من يقدر على تغيير المنكر ومنع هذا الخطأ.
وأمّا ما قاله بعض الناس، إن الله يغفر للزاني والزانية وعقاب المتستر عليهم أشد، فهو غير صحيح، فإنّه وإن كان التستّر على المنكر والفواحش أمر شنيع إلا أنه لا يصل لدرجة الزنى.
والذي نوصيك به هو ترك هذا العمل الذي يختلط فيه الرجال والنساء، وإذا كنت بحاجة للعمل فعليك أن تبحثي عن عمل لا يكون فيه مخالطة للرجال، فإن تعذّر ذلك وكنت بحاجة شديدة للعمل، فالواجب عليك التزام حدود الله والتأدب بآداب الشرع، فإذا احتجت للتعامل مع الرجال الأجانب فالواجب أن يكون ذلك بدون خلوة مع الالتزام بالحجاب الشرعي والحرص على غض البصر، وأن يكون الكلام بجدٍ واحتشام بعيداً عن الليونة والتبسط وإزالة الكلفة وأن يقتصر على قدر الحاجة، وعليك بالحرص على مصاحبة الصالحات وتعلّم ما يلزمك من أحكام الشرع.
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 78716.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1430(5/534)
وجوب نصيحة من يعرض الصحف للامتهان
[السُّؤَالُ]
ـ[سبق أن ذكرتم أن من يرى الكتب الدينية ملقاة في القاذورات ولا يرفعها فإنه يكفر، ومعلوم أن الصحف العربية لا تخلو من الألفاظ المقدسة، فاذا رأيت أحد العمال المساكين يحمل طعاما ملفوفا بورقة جريدة واحدة فقط وربما يكون فيها ألفاظ مقدسة فهل علي أن أنزعها منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا وجوب احترام الأوراق والجرائد التي تشتمل على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأسماء الله الحسنى ... وحرمة استعمالها في الفرش للطعام ولفه، وغير ذلك في الفتوى رقم: 22913، والفتوى رقم: 25895.
ولذلك فإن على من رأى من يفعل ذلك من العمال أو غيرهم أن ينصحه، ويبين له حرمة ما يفعل، وهذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لكل مسلم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة.... رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1430(5/535)
الإنكار بالقلب ... محله وصفته
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت منكراً يحصل كل يوم، وعلى أيدي ناس لا داعي للذكر، أعرف جيداً يجب على أن أمنعه وأصد هذا المنكر، بيدي، بلساني، ولكن إذا شرعت في منع هذا المنكر تحدث لي المشاكل من كل مكان، وعاده تكون من أقسام الشرطه في محافظتي، ولثالث مرة أكون في القسم لمجرد محاولتي منع هذا المنكر. ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الشعائر العظيمة، ومن أسباب خيرية هذه الأمة، كما قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ {آل عمران:110} ، ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ويتعين في بعض الأحوال بحسب القدرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، ومما قاله في ذلك: وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن.. إلخ كلامه في مجموع الفتاوى.
ومن محاسن الشرع أنه جعل إنكار المنكر مراتب، وعلق ذلك بالاستطاعة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. فإذا عجز المسلم عن إنكار المنكر بيده ولسانه لعدم استطاعته ذلك أو لما ينزل به من ضرر غير محتمل، أو لما قد يترتب على ذلك من مفسدة أكبر من المنكر الذي ينكره فهو معذور في ترك ذلك الإنكار، ولينتقل إلى المرتبة الثالثة المذكورة في الحديث السابق وهي الإنكار بالقلب، وصفته: أن يشعر المؤمن في قلبه بكراهة هذا المنكر وبغضه له، وأن يتمنى أن لو قدر على تغييره، وأن يناله حزن وهم لعدم قدرته على تغيير هذا المنكر، وهذا الأخير هو من أمارات صدق الإنكار بالقلب، وينبغي أن ينضم إلى ذلك سؤال الله الإعانة على تغيير هذا البلاء وإزالته حقيقة، ومما ينبغي أن يشار إليه أنه إن كان الإنسان عاجزاً عن تغيير المنكر إلا أنه بوسعه مفارقة المكان الذي يعصى الله به، فيجب عليه مفارقته، ولا يكتفي في هذه الحالة بإنكار القلب فقط، وقد سبق بيان هذا بأدلته في الفتوى رقم: 1048.. وأيضاً ذكرنا فضل وضوابط وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفتوى رقم: 9358 فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(5/536)
قول الحق إذا كان سيؤدى إلى إلحاق الأذى بالمسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قول الحق للرئيس في العمل مهما كان عاقبة ذلك أمر واجب على المسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يبذل نصحه وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب استطاعته، كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16} ، وقال صلى الله عليه وسلم: وإذ أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.
فإن كان يقع عليك ضرر واضح لا تطيقه، أو يلحقك أذى كبير لا تستطيع تحمله، من جراء صدعك بالحق سقط عنك الوجوب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه. قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه الترمذي وحسنه.. وابن ماجه وصححه الألباني.. والذي يلزمك عندئذ أن تكون كارهاً لما تعلمه من منكر، لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11421، 5870، 44618.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(5/537)
الحفلات المشتملة على المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف أعيش في دولة عربية مسلمة، وأعمل في شركة أجنبية. ولدي سؤال عن وضعي في الشركة: تقيم الشركة حفلا سنويا تقدم فيه الخمور وتعزف الموسيقى ويرقص الناس. وتدعو الشركة جميع الموظفين لحضور هذا الحفل بمن فيهم المسلمين. فهل يجوز لنا نحن المسلمين أن نحضر هذا الحفل وولو لفترة قصيرة من باب مراعاة شعور زملائنا غير المسلمين علماً بأنه يتم تخصيص مجموعة من الطاولات في مؤخرة الحفل للمسلمين حيث لاتقدم الخمور على هذه الطاولات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لكم حضور هذه الحفلات المشتملة على المنكرات المذكورة من الخمر والموسيقى والرقص، ولو كان ذلك لفترة قصيرة، ولا يجوز للمسلم أن يقع في المحرمات مراعاة لشعور غيره من غير المسلمين، فإن الحضور في الأماكن التي يجهر فيها بالمعاصي لا يجوز إلا لمن كان قادراً على إزالة تلك المنكرات. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان:72} .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: وهذه أيضا من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور، قيل هو الشرك وعبادة الأصنام، وقيل الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل، وقال محمد ابن الحنفية: هو اللغو والغناء، وقال عمرو بن قيس: هي المجالس السوء والخنا، وقال مالك عن الزهري: شرب الخمر لا يحضرونه ولا يرغبون فيه، كما جاء في الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر. انتهى.
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فيها تَصَاوِيرُ، فلما رَآهَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قام على الْبَابِ فلم يَدْخُلْ ... الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال ابن بطال: فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك من إظهار الرضا بها، ونقل مذاهب القدماء في ذلك، وحاصله إن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس، وإن لم يقدر فليرجع، وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع.... وقد فصل العلماء ذلك على ما أشرت إليه قالوا: إن كان لهوا مما اختلف فيه فيجوز الحضور والأولى الترك، وإن كان حراما كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لأجله فليحضر وإن لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان؛ أحدهما: يحضر وينكر بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر ... والوجه الثاني للشافعية: تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر ... فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج إلا إن خاف على نفسه من ذلك، وعلى ذلك جرى الحنابلة، وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر، وإذا كان من أهل الهيئة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا، حكاه ابن بطال وغيره عن مالك ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين. أخرجه الطبراني في الأوسط. ويؤيده مع وجود الأمر المحرم ما أخرجه النسائي من حديث جابر مرفوعا: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر. وإسناده جيد. انتهى.
وكلام الحافظ ابن حجر على الدعوة التي تلزم إجابتها وهي إذا دعا المسلم أخاه المسلم بعينه إلى وليمة لا يوجد فيها معصية فإجابته واجبة عند الجمهور، أما الدعوة التي لا تجب إجابتها كدعوة غير المسلم – كما هو الحال في السؤال – فالذي يؤخذ من كلام الحافظ ابن حجر أنه يجوز حضورها بشرط الإنكار، كما أنه يجوز عدم حضورها ابتداءً. ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 66760، 102825، 116975.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(5/538)
سمح لزوجته بإقامة عيد ميلاد ابنها مكرها
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أن إقامة حفل بمناسبة ميلاد الطفل من المحدثات المذمومة عند أهل العلم، ولي طفلة بلغت سنة من عمرها. فأصرت أمها على الاحتفال بهذه المناسبة رغم نصحي لها، وتبيان الحكم الشرعي بمجموعة من الفتاوى. فأقامت الحفل في بيت أهلها.
فهل علي شيء حيث كنت أعلم مسبقا أنها ستقيمه في بيت أهلها وسمحت بذلك مكرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت ببيان حكم الاحتفال بأعياد الميلاد لزوجتك وأنه محرم، وفي رفضك إقامته، وأما إقامتها هي لهذا الاحتفال في بيت أهلها فقد تضمن زيادة على مفسدة الاحتفال عصيان زوجتك لأمرك وهو محرم، فطاعة الزوجة لزوجها واجبة ما لم يأمر بمعصية، فكيف وأنت تأمرها بطاعة وتنهاها عن منكر؟!
ولاشيء عليك فيما فعلته زوجتك ما دمت فعلت ما باستطاعتك فعله، ولم تستطع منعها، أو كان سيترتب على منعها مفسدة أكبر من مفسدة الاحتفال، وتغيير المنكر منوط بالاستطاعة كما قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ. رواه مسلم.
قال النووي- رحمه الله- في شرح صحيح مسلم: فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيديه أو بلسانه، فإن عجز فليكرهه بقلبه. ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضى به أو بأن لا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه. اهـ
ولا بأس بأن تكلم أهل زوجتك بالحسنى وتبين لهم عدم جواز إعانتهم لابنتهم على معصية زوجها، وكذلك يستحسن أن تبين لزوجتك أهمية طاعة الزوج وحدود ذلك، وأن معصيته إذا لم يأمر بمحرم محرمة، وراجع في هذا هذه الفتوى: 67005.
وقد بينا حكم الاحتفال بأعياد الميلاد في فتاوى سابقة، ومنها الفتويان التاليتان أرقامهما: 1319، 3930.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(5/539)
حكم ترك تغيير المنكر باليد والاكتفاء بالإنكار القلبي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الرد على من يقدم إزالة المنكر بالقلب على اليد، وهذا منهج تتبعه الطريقة البرهانية، ثم ما تأثير ذلك على أهمية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. فمن رأى منكرا وكان قادرا على إزالته دون أن يترتب على ذلك منكر أعظم منه وجب عليه الإنكار، لكنه لا يسارع إلى الإنكار باليد إلا إذا كان الإنكار باللسان غير مجد. قال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن تعليقا على الحديث السابق: في هذا الحديث من غريب الفقه أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ في البيان بالأخير في الفعل وهو تغيير المنكر باليد، وإنما يبدأ باللسان، فإن لم يكن فباليد. اهـ وعلى هذا فإذا لم يزل المنكر بمجرد النصح باللسان وجب على القادر أن يزيله باليد ما لم يترتب على ذلك منكر أعظم منه كما مر. قال الإمام النووي رحمه الله: ثم إنه قد يتعين أي تغيير المنكر كما إذا كان أي المنكر في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، كمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في معروف. اهـ.
وأما أن يترك القادر على التغيير باليد المنكر باقيا مستعليا منتفشا، ثم يحول رأسه إلى الجهة الأخرى، مكتفيا بالإنكار بالقلب، فهذا صنيع بارد القلب الذي لم يستضئ بالإيمان قلبه، وهو مخالف لأمر الله، وآثم على كل حال. وانظر الفتوى رقم: 1048، 62001.
وأما عن الطريقة البرهانية الصوفية فقد سبق لنا الكلام عن مؤسسها، وبينا انحراف منهجها عن الكتاب والسنة، ونقلنا تحذير علماء الأزهر من الانتساب إليها، والتعبد لله وفق تعاليمها، وذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17107، 79043، 80064.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1430(5/540)
العاصي يوعظ ولا يوافق على معاصيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعتذر لأن سؤالي سيكون طويلا بعض الشيء ولكن لمعرفة كافة المعطيات عن الموضوع.
لدي أخي يبلغ من العمر26 سنة لم يتم دراسته الجامعية فلتقصيره ولهثه وراء المظاهر والعديد من المفاسد تم طرده من الجامعة لرسوبه المتكرر وذلك في 02 /2007
بقي بعدها في المنزل إلى 11/ 2007 حصل وقتها على عمل في أحد المصانع بعد جهود بذلها أبي، ومنذ تسلمه العمل وحصوله على المال عاد إلى نفس السيرة، فأصبح لا يدخن إلا أرقى أنواع السجائر، ودائم الغياب عن المنزل، هذا عدا الديون التي تتراكم، وهو لا يصرف حتى على نفسه، فكل ما يتعلق بالنظافة وتكاليف الحياة اليومية على حساب والدي، وفي المرات القليلة التي ألحت فيها أمي كثيرا عليه ليساهم بقسط في مصروف المنزل رفض ذلك بعلة أن كل العائلات لا تفعل ما نفعله نحن معه، ولم يستجب إلا 3 مرات بمبالغ بسيطة، ثم أغلق الباب نهائيا كما قال هو وفي 07/ 2008 ورغم المشاكل التي تلاحقه مع العديد من الناس بسبب الديون وصل فيها الحال إلى أن جاؤوا يشتكون إلى والدي.
قال بأنه يريد أن يخطب إحدى الفتيات التي تعمل معه، والتي هو على علاقة بها تقريبا منذ بداية عمله طبعا، الكل رفض الموضوع خصوصا أنه لا يملك قرشا ومدين إلى العديد من الناس، ثم أخبرته أنا بأن الزواج لديه أصول وقواعد من الناحية الدينية والاجتماعية، ولكنه رفض كل ذلك وظل يصر ويلح خاصة على أمي، وعندما استشارتني أمي أخبرتها بما قاله عليه الصلاة والسلام: من استطاع الباءة، وأن أخي لا تتوفر فيه هذه الشروط ولذلك لا يمكن مجاراته في الموضوع، واتفق أبي وأمي برفض الموضوع إلى حين يتغير، ويثبت أنه جدير بمثل هذه المسؤولية.
ولكنه ظل يصر ويخاصم بدعوى أن الفتاة قالت له هي وأختها الكبرى بأنه يجب أن يخطبها، وإلا فهناك غيره سيتقدم لها قلنا له دعها لرغبتها ولتختر من هو أفضل بالنسبة لها خصوصا أنك لا تنوي بأي حال من الأحوال الزواج إلا بعد 4 أو 5 سنوات، ولكنه قال بأنه لا يريدها أن تضيع من يده، ويجب أن يحجزها لنفسه ورغم محاولاتنا إقناعه بأن هذا هراء، وكم من شخص خطب ثم فسخت الخطبة، وحتى هناك العديد ممن تزوجوا ثم طلقوا إلا أنه رفض وظل {يزن على أمي ويعاركها بصفة يومية} إلى أن تنازلت أمي وأثرت على أبي وذهب أبي وقابل أبا الفتاة، وأخبره بأن أخي ليس جاهزا للخطبة في الوقت الراهن وبأنه أرعن ولا يحسن التصرف، وأنه لا يملك مليما واحدا، وأنه غارق بالديون التي لا يعلم أحد لماذا استدانها، وما إلى ذلك وأن أبي لا يقبل على نفسه أن يرتكب خطئا مثل هذا، فعاد الأب وأخبر ابنته بما قاله أبي فقالت له أعلم ذلك وأنا موافقة، واتصلت بأخي هاتفيا وأخبرته بما دار بينها وبين أبيها وقالت: أحضر أهلك وكل شيء تمام، وأنها تقدم جميع التنازلات من الهدايا في الأعياد والمناسبات وما إلى ذلك، وكالعادة حدد الموعد معها دون استشارة أبي وأمي، وعندما اعترضت أمي قال لها ما شأنكما بالموضوع، أنتما ليس لديكما أي دخل سوى إذا قلت تذهبوا توافقوا قلت لا فلا، ومارس جميع الضغوطات إلى أن وافق أبي وأمي فقط، ورفضت أنا وأخواي الآخران المشاركة في هذا الموضوع، وذهبوا [وطبعا المصاريف مستدانة] وقرؤوا الفاتحة {وطبعا هذه بدعة} والعجيب أنه رغم تكرار أبي وأمي لما قاله أبي لوالدها إلا أنهم قبلوا والأمر عادي بالنسبة لهم. الوضع الآن كالآتي: لقد تم تسريحه من العمل منذ نوفمبر الماضي، وكالعادة فهو على الحديدة كما يقال، وهو إلى الآن بلا عمل، وفي عيد الأضحى ألغيت كل التنازلات وطالبته بالمجيء، وهو الآن يريد زيارتهم باستمرار لأنهم يريدون ذلك {وهذا شائع عندنا فالخاطب يذهب لبيت الخطيبة ويأكل ويشرب وينام حتى عندهم} وهو يريد أن يصطحب إما أمي أو أنا سواء لمنزل الفتاة أو للتفسح في المدن، وعندما رفضنا غضب وبدأ بممارسة الضغوطات بالاستعانة بأهلها الذين يلحون باستمرار لأزورهم العجيب أيضا [الفتاة محجبة] ولم أقتنع إلى الآن بكينونة هذا الحجاب، وكيف تقبل أن تفعل كل هذا وهو لا يمت إلى الإسلام بصلة، ولا إلى كرامة الفتاة في الإسلام، فأنا أخوض معارك شرسة مع العائلة والبيئة الموسعة حولنا لإقناعهم بمبادئي الإسلامية على كافة الأصعدة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، والآن الأسئلة وسامحوني على الإطالة:
1- هل موقفي صحيح من المسألة ومن عدم ذهابي إلا إذا أخذت المسألة الإطار الرسمي كعقد القران وما بعده طبعا إذا كان بما يرضي الله خصوصا أني حاولت معه بالنصح كما هي العادة في كافة قرارته الخاطئة ورغم هزيمته الدائمة إن صحت العبارة فهو لا يتعظ مطلقا؟
2- أبي وأمي نادمان على التنازل والذهاب معه خاصة أنه لم يغير سلوكه إلى حد الآن ويريد أن يعتمد عليهما في كل شيء من الناحية المادية فقط رغم ظروفنا المتوسطة فما حكم ما قاما به من الناحية الشرعية وما الذي يتوجب عليهما فعله الآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في الامتناع عن الذهاب مع أخيك طالما أنه عاص لربه مخالف لشرعه.
بل يجب عليك الامتناع عن مصاحبته فيما هو مخالف للشرع، ذلك حتى لا تكوني عونا له على معصيته، وقد بينا في الفتوى رقم: 116397، حكم هجر الأرحام إذا كانوا مصرين على المعاصي.
أما إذا طلب منك طلبا مباحا كأن تذهبي لزيارة أهل خطيبته، فإن الأولى أن تجيبيه لذلك بقصد تأليف قلبه واستمالته فربما كان هذا سببا في استجابته لنصحك وتأثره بوعظك.
أما بخصوص موقف والديك منه، فإنه لا تجب عليهما نفقته طالما أنه قادر على الكسب ولا يعمل، بل لا يجوز لهما أن يعطياه شيئا من المال إذا كان سيستعين بهذا المال على معصية الله.
والواجب عليكم جميعا هو أن تقوموا تجاهه بالنصح والتذكير والوعظ، وأن تدعوا له بظهر الغيب لعل الله أن يستجيب له، فإن أصر على معاصيه فليس عليكم من أوزاره شيئا، طالما أنكم قد أديتم ما عليكم من نصحه وزجره. واحذروا كل الحذر أن تكونوا عونا له على المعاصي، أو أن توافقوه عليها بدافع الشفقة والرحمة، بل عليكم أن تأخذوا منه موقف الكاره لما يفعل المنكر له، لعل هذا يكون رادعا له عن معصيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1430(5/541)
هل يستحسن تكرار النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نصحت أحدا بنصيحة ولم يأبه لي، فهل أبقى ملحة عليه أم أتركه، وبذلك أكون قد قمت بواجبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنصيحة واجبة على المسلم لأخيه المسلم، لا يجوز له أن يقصر فيها ولا أن يضيعها, فعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
ولكن يراعى في النصيحة أن تكون بأسلوب لطيف رقيق، وألا تكون على الملأ، لأن ذلك أدعى لقبولها والانتفاع بها.
أما بخصوص تكرارها والإلحاح فيها فهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فرب شخص ينتفع بهذا ولا يضيق به فالأفضل حينئذ تذكيره دائما, ورب شخص يغلب عليه الضجر وضيق الصدر، وربما أدى تكرار النصيحة له إلى زيادة تمرده وطغيانه، بل وإلى رد الحق والنفور منه ومن أصحابه, فهذا ينبغي تجنب الإلحاح عليه في النصح درءا للمفسدة, فإن من أهم مقاصد التذكير نفع الغافل وإفادته، فإذا آل الأمر إلى عكس هذا المقصود فينبغي تركه, وقد قال الله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى {الأعلى: 9} جاء في تفسير السعدي: فَذَكِّرْ بشرع الله وآياته إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه, ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1430(5/542)
يعظ الناس بما لا يفعله وهو ينوي القيام به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا حدثت بما لا أفعل رجاء أن أفعله بكثرة تكلمي فيه أكون من الذين أخبر عنهم جل وعلا أنهم يقولون ما لا يفعلون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يسأل عن شخص يعظ الناس ويحدثهم بأمور هو مقصر فيها، لعله أن يلتزم بها بسبب كثرة تكلمه فيها، فهل يكون من الذين قال الله فيهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ {الصف:2،3} .
والجواب: أن هذه النية في حد ذاتها خير عظيم، وكأنه يقصد أن يذكِّر نفسه ويعظها مع تذكيره للناس ووعظهم، وهذا ينفعه بإذن الله، ولا سيما ونصحه للناس ووعظه إياهم يعتبر من أكبر العون وأنفعه لهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.
لكن هذه النية لا تكفي وحدها، إذا كان يأمر الناس بواجب أو ينهاهم عن محرم، ثم يخالف هو ولا يقوم بالواجب ولا يجتنب المحرم، فهذا مذموم لمخالفة فعله لقوله، بل المتحتم أن يلزم نفسه بما يعلمه من حدود الله تعالى فلا يتعداها، قال السعدي: لم تقولون الخير وتحثون عليه، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به. فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟ ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه، قال تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} اهـ.
ومع هذا فلا يسع المسلم أن يترك بذل النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى وإن خالفه هو، وقد سبق تفصيل ذلك في الفتويين رقم: 18468، 9329.
أما إذا كان تذكيره ووعظه في دائرة المستحبات والمكروهات فالأمر فيها أوسع، والتبعة فيها أخف، ونيته السابقة تنفعه دون ضرر بإذن الله. وعلى كل حال فلا يليق ولا يحسن أن يرى المسلم بابا من أبواب الخير أو يعلم فضيلة من الفضائل، ثم لا ينافس فيها، ولا يسعى ليكون أول من يسبق إليها: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ {المطففين:26} .
ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين: 111852، 57038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1430(5/543)
حكم من يقع على البهائم والإنكار عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل: والدتي كل يوم بعد ذهابنا إلى العمل تقول إنها تشاهد أحد الشباب يقوم بممارسة الجنس مع بعض الحيوانات الموجودة حولنا، وهي أغنام وتقول إنها شاهدته يمارس الجنس ممارسة كاملة مع هذه الحيوانات، علما بأنه لم يترك أيا منها الذكر أو الأنثى كل يوم تقريبا، وصاحب الأغنام لا يعلم ولا يراه؛ لأنه يقفز من الحديقة الخلفية للحظيرة. سؤالي هو: هل علينا واجب إخبار صاحب الأغنام؟ وما هي الطريقة الأفضل لأخباره بدون أن يعرفنا. علما بأن الشاب لم ير والدتي وهي تراقبه؛ ولأننا أنا وأخواتي نعيش لوحدنا بدون وجود رجال في البيت؛ لأن إخوتي مسافرون، فنحن نخاف أن يتعرض لنا الشاب أو أهله إذا علموا، فما هي النصيحة؟ وما هي الطريقة؟ وهل علينا واجب ديني بإخبار الرجل صاحب الأغنام؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت والدتك، فإن هذا الشاب يأتي فعلاً منكراً مخالفاً للفطرة، ومعصية من أقبح المعاصي، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. ملعون من وقع على بهيمة،.. رواه أحمد. وصححه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم: من وقع على بهيمة فاقتلوه، واقتلوا البهيمة. رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني، وتراجع الفتوى رقم: 39982.
ولا يجوز السكوت على هذا المنكر مع القدرة على تغييره، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ. رواه مسلم، وتراجع الفتوى رقم: 15554.
إلا أن يكون في الإنكار ضرر عليكم، فيكتفى حينئذ بالإنكار القلبي، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 78716.
فعليكم إبلاغ صاحب الأغنام أو غيره ممن يستطيع منع هذا المنكر وزجر هذا الفاجر عن فجوره، وذلك عن طريق أحد محارمكم إن تيسر ذلك، أو الاتصال بصاحب الأغنام أو إرسال رسالة إليه دون إعلامه بهوية المرسل أو المتصل، فإن تعذر كل ذلك، أو كان فيه ضرر معتبر متيقن أو مظنون، فالإنكار بالقلب أقل ما يجب،
مع التنبيه على عدم جواز النظر لهذا الفعل المنكر، فإن مشاهدته حرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(5/544)
الرئيس في العمل أقدر من غيره على إنكار المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[زميلي في العمل يشاهد صورا خليعة في الكمبيوتر في العمل مع أن صفحات الكمبيوتر قد تحتوي على كلام محترم، وأنا أعلى منه رتبة فهل سكوتي عليه يعتبر تعاونا على الاستهزاء بالدين والكفر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمشاهدة الصور الخليعة محرمة لما تجر إليه من الفتن والفواحش، وقد ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 30454.
وهذا المنكر يجب تغييره على من علم به بقدر استطاعته، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
فإن كان في مقدور أحد أن يغير هذا المنكر وجب عليه وجوباعينيا أن يغيره، إذا كان منفردا بهذه القدرة، قال النووي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. اهـ.
ولا شك أن الرئيس في العمل له نوع ولاية ونفوذ يجعله أقدر من غيره على إنكار المنكر، فبادر أخي الكريم بإنكار هذا المنكر بادئا بالقول اللين والوعظ الحسن، ومتدرجا في لهجة الإنكار. وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 99064، 39662، 66533.
وأما بالنسبة لكون هذه المشاهدة تعد استهزاء بالدين، لأجل احتواء الكمبيوتر على كلام محترم، فالأصل أنها معصية وحسب، ولا تعد استهزاء إلا إذا قارنها ما يدل على ذلك صراحة، فليس كل عاص مستهزئ بالدين، بل الأصل أن ذلك لغلبة الشهوة وأثر النفس الأمارة بالسوء، وضعف الإيمان والمراقبة.
وقد سبق لنا بيان خطورة الاستهزاء بشعائر الإسلام في الفتوى رقم: 42714. وأنواع الاستهزاء وحكم كل نوع في الفتوى رقم: 2093. والفرق بين الاستهزاء بالدين والمعصية في الفتوى رقم: 5088.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1430(5/545)
مراحل الإنكار وهل كان السلف يضربون أهل البدع والأهواء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السلف الصالح من كان يضرب أهل البدع والأهواء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنكار المنكر له ثلاث مراتب، بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. ولا شك أن البدع من جملة المنكرات التي يجب إنكارها وبيان زيفها، ولهذا الإنكار لمنع البدعة خمس مراحل، جاء ذكرها في الموسوعة الفقهية وهي:
أ- التعريف ببيان الصواب من الخطأ بالدليل.
ب- الوعظ بالكلام الحسن مصداقاً لقوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.
ج- التعنيف والتخويف من العقاب الدنيوي والأخروي، بيان أحكام ذلك في أمر بدعته.
د- المنع بالقهر، مثل كسر الملاهي وتمزيق الأوراق وفض المجالس.
هـ- التخويف والتهديد بالضرب الذي يصل إلى التعزير، وهذه المرتبة لا تنبغي إلا للإمام أو بإذنه، لئلا يترتب عليها ضرر أكبر منها ... وصرح العلماء بجواز إهانة المبتدع بعدم الصلاة خلفه، أو الصلاة على جنازته، وكذلك لا يعاد إذا مرض على خلاف في ذلك. انتهى.
ولا نعلم عن السلف أنهم كانوا يضربون أهل البدع، إلا ولاة الأمر منهم كالأمراء والقضاة، ومن ذلك ما رواه الدارمي عن سليمان بن يسار: أن رجلاً يقال له صبيغ قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر، وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه، وقال: أنا عبد الله عمر. فجعل له ضرباً حتى دمي رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين حسبك، قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.
وقد سبق ذكر فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضوابطه وشروطه ومراتبه. وذلك في الفتوى رقم: 9358، والفتوى رقم: 36372.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1430(5/546)
نصح المقصر في عمله قبل رفعه للمسؤولين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي زميلة في العمل لا تؤدي عملها بالوجه المطلوب بمعنى أنها تتجاهل أوامر المدير تعمدا وإذا أدت العمل تؤخر إجازه لأيام أو لا تتقنه، المشكلة أنها تعلم أنها بفعلتها هذه لن يحاسبها المدير على التقصير وإن حاسبها لا يتخذ أي إجراء تأديبي ضدها ويوكل أعمالها إلي رغم أن شغلي مخالف تماما لشغلها وفي نهاية السنة تحصل على تقدير جيد جدا.
هي سكرتيرة ولا تعرف أبسط الأمور عن السكرتارية وفن التعامل مع الموظفين والعملاء وكل ما يهمها هو التحدث لساعات طويلة بالتليفون والتكشخ والحسد على الموظفين والبحث المستمر عن عيوب الموظفين وأدق أسرارهم الشخصية ومحاولة دس أنفها في كل كبيرة وصغيرة
السؤال: ما لحكم الشرعي في ما تفعله خاصة وأن الكثيرين منا لا يحبونها ولا يطيقونها وأذاها مستمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتقصير في أداء العمل وإهماله، وحسد الزملاء وأذيتهم وتتبع عوراتهم وتحسس أسرارهم، إلى غير ذلك مما ذكر في السؤال، هو بلا شك من المحرمات التي نهى عنها الشرع، لما يترتب عليها من المفاسد والمضار، في الدين والدنيا معا، ويجب عليك نصح هذه الزميلة ونهيها عن هذه المنكرات، وتذكيرها بالله والدار الآخرة والحساب والجزاء، فإن أصرت على تقصيرها في العمل وإهمالها بما يؤدي إلى الإضرار بالآخرين وإضاعة أموالهم فعليك رفع أمرها للمسؤولين؛ إبراء للذمة وأداء للأمانة وزجرا لها عن منكراتها. وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48979، 57550، 116636.
وعليك أيضا اجتنابها بطريقة لا تزيد من مفاسدها، فإن في مصاحبة أمثالها ضرر عظيم، كما سبقت الإشارة إليه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 72546، 58252، 29790.
ثم ننبه السائلة الكريمة على أن الأصل في عمل المرأة في مجال فيه اختلاط بين الرجال والنساء الحرمة، إلا في حالات وبضوابط معينة، وقد تقدم بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8528، 3539، 3859، 20388.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1430(5/547)
حكم الاطلاع على الصور المسيئة للرسول
[السُّؤَالُ]
ـ[فتحت منذ عدة أيام بحثا عن الصور المسيئة للرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم ورأيتها كلها، لا حول ولا قوة إلا بالله. ولكني خفت بأني إذا رأيت هذه الصور بأني مذنب، ولقد فعلت ذنبا، فهل فيها حرج إذا اطلعت عليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن هذه الصور المسؤول عنها من أعظم المنكرات وأقبحها، والمنكر لابد من تغييره، فإن عجز العبد عن تغييره بيده أو بلسانه، فأضعف الإيمان أن يغيره بقلبه، غضبا لله تعالى وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن عجز عن تغيير المنكر ووسعه مفارقة مكانه، وجب عليه مفارقته، ولا يكتفي في هذه الحالة بإنكار القلب فقط. فقد قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الأنعام:68- 69} وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في الفتوى رقم: 1048.
وعلى ذلك فتعمد مشاهدة مثل هذه الصور الأصل فيه الحظر والمنع، إلا أن يكون في الاطلاع عليها مصلحة شرعية، كحال من يتصدى للرد على أهلها ويتولى تفنيد باطلهم والرد عليهم، فشهود هؤلاء المنكر يكون على وجه التقوى التي تخلصهم من الذم، وقد قال السعدي في تفسير الآية السابقة: هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم أو يسكت عنهم وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. اهـ.
أما من يحاول الاطلاع على هذه الصور من أجل الفضول فقط فيبقى على أصل الحظر، ومما لا يخفى أن تعوُّد النظر لمثل هذه الصور يهون نكارتها في القلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1430(5/548)
الغضب المحمود والغضب المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغضب..إذ جاء في حديث لأبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال لرجل لما قال له أوصني..قال له لا تغضب..
لكن إذا ما انتهكت محارم الله.. ألا يحق للمسلم أن يغضب لله تعالى؟ .. وما هي الصور المشروعة للتعبير عن هذا الغضب؟..وما حدود ذلك؟ أفيدوني بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الغضب ما هو محمود مثاب فاعله، كالغضب الذي ذكره السائل: إذا انتهكت حرمات الله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، فإذا انتهك شيء من حرمات الله تعالى لم يقم لغضبه شيء. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل. متفق عليه. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 68332.
فمن الإثم أن يرى المسلم حرمات الله تنتهك وهو قادر على الإنكار، ويغلب على ظنه عدم حدوث منكر أكبر من جراء إنكاره، ثم يسكت ولا ينكر ولا يغضب لله تعالى؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وقال أيضا صلوات الله وسلامه عليه: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. رواه مسلم. وراجع الفتوى رقم: 52888.
ومن فوائد هذا الغضب أنه يقلل المنكرات وتُحفظ به حدود الله، وتحصل به النجاة من العقوبات الإلهية لأهل الفساد، كما قال تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ {البقرة: 251} .
وقال عز وجل: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ {الأعراف: 165} .
وقال سبحانه: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ {هود: 116-117} .
وقال صلى الله عليه وسلم: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا. رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني.
ومن المعروف أن المنكر لا يستشري في الأمة إلا بسبب غياب الذين يغضبون لله وفي الله، المنكرين الصادعين بالحق والصابرين على ما يلقونه في سبيل ذلك. ولذلك لم يختلف أهل العلم في وجوب تغيير المنكر، فهو من فروض الكفاية وقد يتعين في أحوال، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 60434،. والفتوى رقم: 43762.
وأما الصور المشروعة للتعبير عن هذا الغضب فهي ما يعرف بمراتب تغيير المنكر، وقد سبق بيان ذلك مع ذكر ضوابطه، في الفتاوى التالية أرقامها: 22063، 26058، 9358، 36372، 63316.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(5/549)
الزوجة الصالحة تعين زوجها على المعروف وترغبه فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السيدة التي تلوم زوجها للإنفاق على أهله رغم علمها بحاجتهم وأنه والحمد لله ميسور الحال ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للزوجة أن تلوم زوجها على فعل الخير وعمل البر. قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى.. {المائدة:2} . وقال تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا.. {النساء:85} .
والزوجة الصالحة هي التي تكون عونا لزوجها على المعروف تدعوه إليه وترغبه فيه، لا تنهاه عنه وتلومه عليه.
وقد بينا حكم نفقة الزوج على أهله المحتاجين في الفتويين: 108245، 98344.
وننبه الزوج إلى أنه يفعل ما يلزمه فعله وما يستحب له ولو نهته زوجته عن ذلك فلا طاعة لها، فيه كما لا ينبغي أن يخبرها بما يفعل من ذلك إن كانت تلومه عليه وربما تصده عنه.
وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36577، 54291، 67977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(5/550)
حكم السماح بنشر الشر والفساد على النت
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي مهم وأطرحه بعد ما بحثت في الفتاوى ولم أجد جوابا واضحا عليه.. في موقع فيسبوك الشهير يوجد مجموعات متنوعة الأهداف يشرف على المجموعة واحد أو أكثر لديهم صلاحيات واسعة من مسح مداخلات أو مواضيع وطرد من لا يلتزم وما إلى ذلك ولكنهم يمتنعون بدعوى الحرية واعتقاد بأنهم غير مسؤولين عما يكتبه غيرهم حتي وإن كان كفرا أو إلحادا أو تبشيرا أو تشكيكا في ديننا أو ألفاظا تخدش الحياء أو مجاهرة بالمعاصي أو هتكا لأعراض المحصنات من النساء والرجال على السواء، المجموعات يشارك فيها أعضاء بعض المجموعات تنتهج نهج الحرية بلا قيود وعليه يتم تداول الكثير من المحرمات مثل الدعوة إلى الزنا والفجور والعياذ بالله وبعضها تصل إلى حد فتح المجال للدعوات التبشيرية أو التشكيك في ديننا الحنيف ناهيك عن الألفاظ النابية والتفاخر بالمحرمات، كما أن بعض هذه المجموعات يعد مجالا خصبا لدعوات الإلحاد أو غيرها من الأفكار الهدامة، سؤالي واحد متعدد الأوجه وأتمنى الرد بوضوح لأن الفتوى ستستخدم في حملة لتصحيح المفاهيم في مثل تلك المجموعات إن شاء الله واهتمامكم فيه مساهمة في هذا الخير إن شاء الله.
1- القائمون على هذه المجموعة هل يأثمون على ما يقترف في مجموعتهم دون أن يمنعوه (وهم قادرون على ذلك بفضل سلطاتهم الممنوحة لهم) .
2- المشاركون في الموضوعات المطروحة للنقاش سواء كانت موضوعات مخالفة للضوابط الشرعية أو غير مخالفة ولكنها ضمن نطاق المجموعة (ما حكمهم) .
3- المشاركون في مثل هذه المجموعات وإن لم يشاركوا في النقاشات (هل يجوز أن يشتركوا في مثل هذه المجموعات) ، حيث إن اشتراكهم يزيد عدد الأعضاء وهذا يعطي للمجموعة مزيدا من القوة.
4- أليس المسلم منهيا عن التواجد في محفل يخاض فيه في آيات الله وتتخذ هزؤا؟ هل الاشتراك في مثل هذه المجموعات التي تنتهج نهج حرية مزعومة يعد من باب المشاركة في هذا الخوض؟ علما بأن المشتركين ليسوا أهلا للرد بالحجج الشرعية على أي مشكك.
ختاماً أرجو أن يتسع صدركم للمشاركة بالرد علي الموضوع كاملاً حتي يتسني لنا الاستفادة من رأيكم الشرعي في تدعيم الحملة التي نزعم القيام بها على الموقع لمحاولة توعية الشباب القائم على المجموعات عموماً وهذه المجموعات المتحررة خاصة، وكذلك المشاركين بها لتغيير سلوكهم للأفضل باذن الله. آملً من الله أن تتسع صدوركم لما فيه خيرنا وخير ديننا وعاقبة أمرنا، وأستميحكم عذراً إن أمكن أن تتكرموا بإمدادنا باسم المفتي مع الرد حتى يتسنى لنا تأكيد مصدر الفتوى التي سنعتمد عليها في حملتنا أثابكم الله. أستودعكم الله بما هو أهل له.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نود أن نوضح أولاً حقيقة مهمة وهي أن هذا الإنترنت إن استغل في الخير ونشر الحق والفضيلة كان نعمة من نعم الله عز وجل على الناس، ولا يجوز بحال أن يكون مجالاً لنشر شيء من الشر والفساد، فمن فعل ذلك كانت عاقبته وخيمة؛ لأن ما ينشر قد يطلع عليه الملايين من البشر، وربما كان سبباً لإفسادهم فمن تسبب في إضلالهم اجتمع عليه مثل أوزارهم، كما أن من نشر الخير من خلاله كان له مثل أجور من تسبب في هدايتهم، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.
ومن كان قادراً على أن يحول دون نشر الفساد لا يجوز له أن يسمح بنشره وإلا أثم، روى مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. والأصل المنع من تواجد المسلم في مكان يعصى فيه الله تعالى، للآية التي أشرت إليها وهي قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ {الأنعام:68} .
ولكن إن كان هذا التواجد لغرض صحيح كإنكار المنكر وإقامة الحجة على المخالفين فإنه يجوز بل قد يستحب أو يجب، فلا يترك المجال لأهل الباطل يصولون ويجولون وينشرون باطلهم دون أن يتصدى لهم، ولا يضر كون عدد المجموعة سيزيد ما دامت هذه الأغراض الشرعية يمكن تحقيقها، ولا شك أنه لا ينبغي أن يتصدى لمحاورة أهل الباطل إلا من كان لهم إلمام بقدر كبير من العلم الشرعي، يتمكنون به من رد الباطل وإلا ضعفت حجة المسلم وقويت شبهة الملحد والمبطل، وفي هذا من أسباب الفساد ما لا يخفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1430(5/551)
ضوابط التشهير بمن يستدرج النساء ويأخذ الرشوة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من المتطوعين نعمل على كشف تلاعب وفساد البنوك السعودية المحلية في منتدى خاص الغرض الرئيسي منه هو السعي للإصلاح والمحاولة الجديّة والحثيثة للحد من الفساد المستشري في البنوك وذلك تماشياً مع مطلب خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لتطبيق الاستراتجية الوطنيّة لحماية النزاهة ومكافحة الفساد. ومن هذا المنطلق نقوم بنشر وكشف أي مخالفة سواء كانت اختلاسا أو رشوة أو استغلالا للنفوذ بالتوظيف، أيضاً مكافحة المحسوبية بالتوظيف من قبل كبار التنفيذيين في البنوك بتوظيف أقاربهم ممن لا يحملون من العلم ما يؤهلهم وذلك على حساب الكثير ممن هم أهل للوظيفة ومحرومون منها. كذلك نعمل على كشف الفساد الأخلاقي واستغلال البعض من النساء المحتاجات للوظيفة والتحرش بهن من قبل كبار المدراء التنفيذيين واستغلال حاجة النساء للوظيفة بإغرائهن بوظائف ورواتب أعلى وإغوائهن وإغرائهن بالمال والهدايا العينية وعرض الزواج المسيار مستغلين حاجتهن وضعفهن.
في المنتدى نتطرق لكافة أنواع الفساد سواء كان فسادا إداريا أو فسادا ماليا أو فسادا أخلاقيا ونذكرها كوقائع بمسمياتهم الوظيفية وليست بأسمائهم الصريحة، مثال على ذلك لا نذكر فلان بن فلان ولكن نذكر مدير عام الفروع، ولا نذكر إلا ما نحن متثبتون منه تماماً إن شاء الله ولا نبتغي من عملنا هذا سوى إعانة إخوان وأخوات لنا جميعاً ولا نسعى لأجر من هذا كله إلا من رب العباد سبحانه وتعالى وإرضاء الله بغية الأجر والثواب والسعي للإصلاح والله حسبنا ويشهد سبحانه وتعالى على نوايانا ونحتسب الأجر بهم والله حسيبنا جميعا، وكذلك نريد تكاتف أبناء الوطن لإعانة بعضهم البعض وطلب المشورة فيما بينهم قبل الإقدام على عمل ليس لهم به علم أو لا يعلمون عواقبه. وأيضاً نعمل على توعية العملاء من تغرير البنوك بهم وإيقاعهم بشراك القروض وهي ديون تتراكم عليهم من حيث لا يعلمون.
ونصرّح بالتحذير للنساء من تحايل مرضى القلوب كذلك نذكر في المنتدى جميع حفلات البنوك والتي يكون فيها اختلاط وأيضاً هناك من يعملون على التغرير بالمحتاجات مادياً للزواج منهن مسيار وزواجهم هذا فيه إكراه لأن الموظفة عند عدم تلبية رغباتهم يعملون على فصلها أو التضييق عليها لتستقيل. وننبه على طريقتهم بإغوائهن وإغرائهن ونذكر مسمى وظائف من يقوم بهذا العمل الدنيء. للأسف لا نستطيع التبليغ عنهم في البنك لأن هذا سيجرنا إلى حرماننا من وظائفنا خاصة إذا ما علمنا بأننا نرفع الشكوى على من نريد أن نشتكي عليه. أيضاً لا نستطيع رفع ذلك للجهات الحكوميّة وذلك لعدم استطاعتنا الحصول على مستمسك يدينهم وذلك لحرصهم الشديد لحماية أنفسهم، ولكن نحن نعلم يقيناً عن تجاوزاتهم وتؤرقنا حد القهر بقصر اليد لرفع تجاوزاتهم للأجهزة الحكوميّة، ومن خلال المنتدى نطلب من الجهات المختصة عمل تحقيق بأي خبر نكتبه. هناك العديد من التجاوزات التي أرهقت اقتصاد البلد والرشاوى وتشغيل شركات أعضاء مجالس الإدارات والتحرش الجنسي والإرغام على زواج المسيار والإغراء المادي للمحتاجات والتغرير بهن، فوا لله العظيم بأننا نموت من الداخل لعدم قدرتنا على ردعهم وإيصال صوتنا للمسؤولين عن تجاوزاتهم تلك.
سؤالي هنا أثابكم الله هل بعملنا هذا أي شبهات بالوقوع بالمحظور سواء تشهير أو نميمة أو ما شابه ذلك، وماذا تنصحوننا به جزاكم الله خيرا لردع هؤلاء والحفاظ على شرف بناتنا ونبذ كل ما هو دخيل على مجتمعنا المحافظ كحفلات الاختلاط والتبرج السافر في هذه الحفلات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشركم أولا على غيرتكم على الدين وحرصكم على الإصلاح ونشر الخير والحيلولة دون وقوع الشر والفساد.
ومن المعلوم أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضوابط تجب مراعاتها، فإن المقصود من هذه الفريضة الإصلاح واستقامة أمر الحياة على ما يرضي الله ورسوله، ومخالفة مثل هذه الضوابط قد لا يتحقق بها هذا المقصد الشرعي، بل قد يؤدي ذلك إلى عكس هذا المقصد فتكون الفوضى.
ويمكنكم القيام بما تتحقق به بعض المقاصد الحسنة ولا تترتب عليه مفسدة؛ كتنبيه العملاء على ما يحول بينهم وبين تغرير البنوك بهم، وتحذير النساء من تحايل مرضى القلوب، وأساليبهم في استدراج النساء لإيقاعهن في شراكهم، ونحو ذلك دون تسمية أحد من الناس.
ومن ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون المنكر ظاهرا ويكون منكره على بينة منه، فلا يجوز اتهام أحد من غير بينة خاصة وأن الأصل في المسلم السلامة، وإن كانت هنالك بينة فينبغي نصح فاعل هذا المنكر برفق ولين، فإن انتهى فبها ونعمت، وإن أصر على فعله فينبغي تهديده برفع أمره إلى الجهات المسؤولة، بل ورفع الأمر إليهم حقيقة إن اقتضى الأمر ذلك، لا سيما وقد ذكرت أن ولي الأمر قد رفع شعار حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
فإذا لم تكن على بينة من حدوث الشيء فالزم الصمت، وإن كنت على بينة ولم يكن بإمكانك التغيير، أو رفع الأمر إلى الجهات المسؤولة خوفا من أن يلحقك من الضرر ما لا يحتمل، فيمكنك أن تكتفي بالإنكار بالقلب.
وأما هذا النهج الذي تريدون السير عليه فلا يخلو من محاذير كالتشهير بالناس واتهامهم من غير بينة، وذكر الموظف بأوصافه ككونه مدير عام الفروع في حكم ذكره باسمه.
ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 26164، 76522، 9358.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1430(5/552)
الزوجة أحق من يصبر عليها الزوج ويرفق في تعليمها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي لا تقوم بأداء واجباتها الدينية المفروضة على أكمل وجه ورغم من نصحي لها كثيرا جدا ألا أنها تقصر أيضا وأكثر شيء في تأخير الصلاة بسبب شغل البيت أو انشغالها بأشياء تافهة حتى أني كدت أكرهها وأكره العيش معها ولكن عذري لها أن مستوى تعليمها متوسط غير مدركة بخطورة الأمر رغم نصحي لها. سؤالي هو هل إذا تركتها على حالها بسبب عدم الرغبة في تكدر العيش معها يكون علي ذنب أم تتحمل عقوبة ذلك لوحدها وأكون أنا بريء الذمة أمام الله سبحانه وتعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الله للزوج حق القوامة على زوجته، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء: 34} .
والقوامة تعني رعاية المصالح الدنيوية والدينية، فمن القوامة أن يحملها على أداء الفرائض واجتناب المحرمات.
لكن ذلك ينبغي أن يكون بالرفق والحكمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا. متفق عليه.
وننبه إلى أن مستوى التعليم لا دخل له في هذا الأمر، فرب امرأة لم تنل شيئاً من الشهادات العلمية وهي أحرص ما تكون على طاعة ربها، فالعبرة بقوة الإيمان واليقين.
فعليك بوعظ زوجتك بالرفق والصبر عليها والاجتهاد في إعانتها على تقوية صلتها بربها، بسماع المواعظ النافعة، والاجتماع على الذكر وتلاوة القرآن، ونحو ذلك.
ولا يجوز لك أن تترك نصحها وتعليمها، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ... متفق عليه.
كما أنه لا ينبغي أن تكرهها، فينبغي للمؤمن أن يتسع قلبه رحمة ورأفة للعصاة، ويرجو لهم الهداية والتوبة، ولا ينافي ذلك إنكاره للمنكر وبغضه للمعصية، فإنه لا يكره العاصي لذاته، وإنما يكرهه لما تلبس به من المعصية.
قال ابن القيم في مشاهد الناس في المعاصي: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم. اهـ من طريق الهجرتين.
فإذا كان ذلك مع عامة الناس فهو بلا شك مع الزوجة أولى، لقوله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1429(5/553)
بقاؤك بين غير المحجبات مع وعظهم وتذكيرهم مصلحة كبرى
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مدرسة لأطفال تتراوح أعمارهم بين12و15سنة وأنا ملتزمة بالحجاب الشرعي، والحمدلله البنات غير محجبات ونادرا جدا ما أجد فرصة لأعظهم لأني أدرس فرنسية فهل علي ذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا من سؤالك ما إذا كان هناك ذكور ضمن من تدرسين لهم أم لا, فلو كان هناك ذكور فإنه لا يجوز لك التدريس في هذا المكان، ولو كنت تلبسين الحجاب الشرعي لأن هؤلاء الدارسين - في هذه السن التي ذكرت - بالغون أو مراهقون, والمراهق هو من قارب البلوغ وحكمه حكم البالغ.
وقد بين العلامة القليوبي رحمه الله في حاشيته من هو المراهق بقوله: هو من قارب زمن البلوغ، والمراد به من يظهر على العورات، أي الذي قدر على أن يحكي ما يراه من النساء. انتهى.
وقال النووي رحمه الله في المنهاج: المراهق كالبالغ.
ومعلوم أن دراستهم مع البنات وهم في هذه الحال تعتبر من الاختلاط المحرم – خصوصا مع ما ذكرت من كون البنات غير متحجبات – فإن ضابط الاختلاط المحرم هو: اجتماع الرجال مع النساء في مكان واحد مع عدم التزام الضوابط الشرعية كأن تكون هناك مماسة بين الجنسين، أو تبرج من النساء، أو خضوع منهن بالقول، ونحو ذلك. وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 35079.
فالحاصل أنه لا يجوز لك التدريس في هذا المكان لأنه لا يجوز لك الاختلاط بالرجال في مثل هذا الجو المليء بالتبرج والمنكرات، كما أن بقاءك فيه ترك لإنكار المنكر وهو لا يجوز بحال , فإن الحكم الشرعي في المنكر إما أن يزال أو يزول الإنسان عنه عند عدم القدرة على إنكاره وإزالته.
أما لو كنت تدرسين للبنات فقط فإنه يسعك في هذا الحال أن تدرسي بشرط أن تقومي بواجبك تجاههن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأمرهن بالحجاب والحشمة، وألا تقصري في هذا، وأن تجعلي نيتك هي الإصلاح, فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها، فعند حصول تعارض بين تحصيل مصلحة ودفع مفسدة وتقليلها، فإذا تعارض جلب مصلحة مع دفع مفسدة فينظر إلى الأهم منهما، وتراعى بالتقديم, ولا شك أن اختلاطك بهؤلاء العاصيات مفسدة, ولكن بقاؤك بينهم مع وعظهم وتذكيرهم بأوامر الله مصلحة كبرى.
ولو أن كل مكان به معصية تركه أهل الصلاح والخير وهربوا منه لعم البلاء وطم، وأما بالنسبة لحكم تدريس اللغات الأجنبية فراجعي فيه الفتويين رقم: 69941 , 69919.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1429(5/554)
من آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المسلمين المتشددين الذين يتخذون الإسلام عذراً ليرموا النساء بماء النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما تعني بهذه العبارة: (يرمون النساء بماء النار) فهل تعني بها حقيقتها وهذا أمر مستبعد فيما نظن، وعلى كل فإذا كان الأمر كذلك ويحدث مثل هذا ممن أسميتهم بعض المسلمين المتشددين فهم بذلك مخطئون، ومثل هذا الفعل إن كان المقصود به الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه ينافي ما جاء به الشرع من آداب في ذلك كله، ومن أهم آداب الداعي الرفق بالمدعو، وراجعي الفتويين 52338، 53349.
ثم إن تغيير المنكر من شأن من له سلطان على المدعو كما هو مبين بالفتوى رقم: 80926، هذا بالإضافة إلى أن رمي هؤلاء النساء بماء النار إن قصدت حقيقته فيه إيذاء وفيه شبه بالتعذيب بعذاب الله تعالى، وهو قد ورد النهي عنه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى البخاري في صحيحه عن عكرمة أن عليا رضي الله عنه حرق قوما فبلغ ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله.
واعلم أن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والتشدد مذموم لأن فيه نوعا من الغلو والتنطع ومجاوزة ما جاء به الشرع الحكيم، ولمعرفة تفصيل ما أجملناه هنا راجع الفتوى رقم: 26673، وننبه إلى أن من الناس من قد يطلق لفظ التشدد على أصل التمسك بالدين، وهذا خطأ وينبغي أن توضع مصطلحات الشرع فيما أراد الشرع منها حتى لا تضطرب الأمور ويساء الفهم، فيؤدي ذلك إلى شيء من البلاء الوبيل والشر المستطير.
وننبه أيضا إلى أن الإسلام قد عرف للمرأة مكانتها فأكرمها أما وبنتا وزوجة، وقد أوضحنا ذلك بالفتويين رقم: 47955، وإذا أتت المرأة منكرا فإنها ينكر عليها، وفقا لما جاء به الشرع بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد أشرنا إلى ذلك ببعض الفتاوى التي أحلنا عليها سابقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(5/555)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب وإن كرهه الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في المرحلة الجامعية ملتزمة بالحجاب الديني والحمد لله وأسأل الله الثبات ولكن المشكلة أن البنات في الجامعة يرتدين لباسا يتنافى واللباس الإسلامي من بديهيات وما إلى ذلك على الرغم بأنه يوجد هنالك والحمد لله مجموعة من البنات الملتزمات..
المشكلة أنني أتأسف لحالهن عندما أراهن وأتذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام عن الكاسيات العاريات وأتمنى أن أنصحهن ولكني لا أستطيع ذلك لآني أخاف أن يكرهنني وأخاف أيضا أن يكون علي إثم في ذلك إن لم أفعل؟ على الرغم من أنني أتعامل معهن بكل الود والاحترام.
وهنالك مجموعة منهن هن من أعز صديقاتي وأحبهن جدا حاولت أن أنصحهن لكن لا فائدة ولكني دوما أدعو لهن أما اللاتي لا أعرفهن لا أحاول أن انصحهن خوفا من أن يكرهنني أو يتضايقن من كلامي وخاصة أن بعضهن ينتقد المتدينات يحقد عليهن ولكني الحمد لله لا أغضب لنفسي ولكني آسفة لحالهن وأخاف أن يسألني الله عنهن يوم القيامة أرجو منكم أن تفيدوني ماذا أفعل؟
وأن تسألوا الله لي الثبات على دينه والزيادة في هداه وأن يهدي صديقاتي وسائر فتيات المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على التزامك بالحجاب وغيرتك على الدين وشفقتك على أخواتك المسلمات، وهكذا ينبغي أن تكون المسلمة.
ونسأل الله لك الهداية والثبات على الدين، وأن يهدي صديقاتك وسائر نساء المسلمين.
ومن الأمور المهمة قيامك بالدعاء لهن بالهداية، ومعاملتك لهن بالود والاحترام فإن هذا مما يعين على كسب ودهن، وبالتالي التأثير عليهن في الدعوة إلى الله، فإن الدعوة بالقدوة من أهم أساليب الدعوة إلى الله تعالى، وراجعي الفتويين: 19186، 21186.
والواجب القيام بالإنكار عليهن وبيان الحق لهن، وينبغي اختيار الوقت المناسب لذلك وتنويع الأساليب، فإن هذا أجدى وأنفع كما بينا بالفتويين: 13288، 5197.
ولا تمنعك مهابة الناس من قول كلمة الحق، ولا تلتفتي إلى وساوس الشيطان وتخويفه لك من القيام بذلك، أو تسويله لك أن هؤلاء الفتيات قد يكرهنك بسبب ذلك، روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمنعن رجلا مهابة الناس أن يقوم بحق إذا علمه. قال: ثم بكى أبو سعيد وقال: قد والله شهدناه فما قمنا به.
ثم إنهن قد يكرهنك اليوم ويرضين غدا، روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس.
وننبه إلى أهمية التعاون بين الأخوات المستقيمات في القيام بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1429(5/556)
الشخص يجب عليه الأمر بالمعروف ولو لم يفعله
[السُّؤَالُ]
ـ[في العام الماضي كنت لازلت مخطوبة إلى زوجي الآن -وكان عاقدا علي_ وكان مسافرا حينها وكنت بطبيعة عملي أخرج وأتكلم_ ربنا يهديني الى تقليل ذلك_ وحينها صادفني أحد أقرباء والدي رجل في الأربعينات ومع أنى والله كان لدي القليل من الالتزام على ما كنت أظن، وقعت فريسة لهذا الرجل فقد كان يمدني بكل ما أطلبه منه من أدوية أو ألبان يطلبها مني أقربائي وكان يعطيني شخصيا ما أريده من مستلزمات وكريمات بدون مقابل وكان مطلق البصر لا يغضه ولا يتحرج من التحدث عن مفاتني ونظرا لغفلتي حينها انسقت وراء ذلك ووالله ما كنت أريد إلا الحصول على ما يطلبه أقربائي, نظرا لمعرفتي الكثير ممن هم في هذا الوسط الطبي, أن أوفره لهم ولم أكن أستمتع بذلك ولا غير هذا فكنت أركب معه سيارته وأختلي به كثيرا وحدنا وكنت لكرهي له في البداية أبعده عني عند اقترابه لكن بعد ذلك كنت أتركه يقبلني ويتحسس جسدي من فوق ملابسي ولربما أريته الجزء العلوي من جسدي كنت أبكى شديدا بعد تركي إياه وكنت أمقته بشدة لجرفي إلى ذلك وأستغفر الله لكني كنت أعود مرة أخرى إليه اعتقادا في نفسي أنى سأنتقم منه بجعله يتعلق بي ثم أتركه وكنت كلما حدثته أن هذا حرام ولا يرضى الله يقول لى الناس كلها هكذاا وقد نفعل بعض الأشياء غصبا عنا حتى لما قلت له أفسخ عقدي ويتزوجني رغم أنه متزوج وأنا كنت أقترح ذلك لأعرف ما يريد ولا أرغب به أصلا فرفض وتعلل بأن المجتمع لن يقبل ذلك للفارق الكبير في السن ولكونه متزوج أو لعلو مستواي الثقافي عنه، وظللت مدة غارقة في تلك الذنوب إلى أن هداني الله والتحقت بأحد الدورات فانشغلت وبعدت عنه خصوصا عندما كان لا يريد أن يراني إلا لذلك وليتحدث بفاحشة وعندما أعامله بجدية يسيء المعاملة ولا يعطيني مثلما كنت في البداية ما أريد من أدوية نادرة في السوق رغم أني أعطيه ثمنها.
أعلم أن خطئي كبير في حق نفسي وخطيبي الذي كان عاقدا علي وأسرتي التي وثقت أبي وكل الناس التي تنظر إلي على أنى ممن يعرفون الدين لا يقترفون مثل تلك الذنوب البشعة.
كنت فيما مضى في الكلية اخشى الله كثيرا وأحبه والآن الحمد لله انتقبت بعد زواجي ولكن زوجي تغير سلوكه فقد كان أكثر التزاما في الخطوبة أصبح لا يميل للصلاة في المسجد ولا يقوم كثيرا لصلاة الفجر أخشى أن يكون ذلك من أثر فعلتي الفحشاء.
فأفتوني يرحمكم الله هل علي أن أرد قيمة ما أخذت إلى هذا الرجل علما أني عرضت عليه ذلك أكثر من مرة فقال لي إنه أعطاني إياها على سبيل الهدية وأنا ما أراه إلا كان للأغراض الدنيئة التي كان يريدها وليتمكن من الاقتراب مني. فأخشى أن يكون داخل نفسه يريد ثمن هداياه ويتحرج من قول ذلك أم أعتمد على رفضه وقوله أنها هدية فماذا أفعل؟
وكيف أكفر عما فعله معي وأنا لا أرمى اللوم عليه أعلم أني أنا التي كنت أذهب إليه ولكني والله أريد التوبة من ذلك فكلما أتذكر ذلك أشعر أن الله لن يغفر لي لعظم ذنبي وأريد أن أعود إلى الله عودة تطهرني مما سبق دلوني كيف فأخشى أن أقابله وأنا هكذا؟
كنت قد حكيت لأحد مدرسي في الدورة عن هذا الموضوع لكنى لم أفصح له عن كل شيء حيث كنت محتاجة إلى من يسمعني فكتبت له ذلك عندما كنت أحادثه على الشات ولأني لم أكن أريد أن يسيء النظر في كنت أقول له إنها واقعة حدثت لأحد زميلاتي ولكني أعتقد انه يعرف أنها حادثتي أنا فهل هذا كان خطأ مني وهل هو من باب فضح النفس بعد ستر الله لها في المعصية؟
وكيف أحبب زوجي للمسجد وأنا أشعر أن نفسي سيئة ولست ملتزمة بجد؟ وهل علي أن أحكي له ما حدث ليقرر هل يكمل معي أم يتركني أم أسكت وأحاول أن أتقي الله فيه؟ فأشعر أن هذا الرجل ينظر إليه وكأنه زوج مخدوع في امرأته؟
وهل ما فعلت يعتبر من الزنا وكيف أكفر عنه؟ دلوني يرحمكم الله، فأنا في امتحانات ولا أستطيع المذاكرة كلما تذكرت ذلك وما هي الأسباب المعينة على المذاكرة وعدم الكسل فأنا أنام كثيرا وأضيع الوقت وأخشى أني ممن لا يتقنون عملهم.
وجزاكم الله خيرا كثيرا ووفقكم الله لما يحب ويرضى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى عليك أيتها السائلة أن هذا الرجل – مع فجوره وإجرامه وانتهاكه لحرمات ربه – ما كان ليفعل ما فعله معك إلا بمساعدتك له وتمكينك له من هذه الأفعال الشائنة المقيتة, ولا ندري أي أدوية أو مستلزمات تلك التي تدفعك للتفريط في دينك وعرضك وشرفك, خصوصا مع ما ذكرت أن كثيرا من هذه الأشياء لم تكوني تنتفعين بها, وإنما غيرك من أقاربك من كانوا ينتفعون بها فكنت والعياذ بالله ممن يبيع دينه بدنيا غيره, وما أعظمها من خسارة.
ولقد زين لك الشيطان سوء عملك فأراكه حسنا, وخدعك بأنك بهذا تجعلينه يتعلق بك ثم بعد ذلك تتركينه فتعظم حسراته, وهذا لا شك من خطوات الشيطان التي أمرنا الله سبحانه بالحذر منها في غير موضع من كتابه الحكيم, لكن هذا الفعل مع بشاعته لا يعتبر من الزنا الموجب للحد بل هو من مقدمات الزنا التي توجب التعزيز والتأديب, وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 5779.
ثم لم يزل بك الشيطان إلى أن أوقعك في زلة أخرى كان من الممكن أن تفتح الباب أمام فتنة أخرى بعد انتهاء الفتنة الأولى, ألا وهي ما قمت به من الحديث مع مدرس الدورة المذكور, ولا ندري كيف تتحدثين مع رجل أجنبي عنك في مثل هذه الأمور الحساسة, وهلا إذ ضاق صدرك بفعلك وأردت أن تنفسي عن نفسك أقول: هلا اخترت لذلك الغرض امرأة مثلك فاستنصحتيها؟
فعليك أيتها السائلة بالتوبة النصوح إلى الله جل وعلا, والاستغفار لذنبك, وترك معاملة الرجال الأجانب إلا بالقدر الذي تتطلبه الضرورة وتقتضيه الحاجة وبالضوابط الشرعية المبينة في الفتوى رقم: 24854.
وعليك بالاستكثار من الأعمال الصالحة المكفرة عسى الله أن يغفر زلتك ويقيل عثرتك.
وما أخذت من مال أو هدايا من هذا الرجل إن غلب على ظنك أنها كانت من أجل تلك العلاقة المحرمة، فإنه أخذ بباطل وبغير وجه شرعي لا يحل لك أكله والانتفاع به، لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ {النساء: 29} .
وفي هذه الحالة تتخلصين منه بصرفه على الفقراء والمساكين ووجوه الخير ومصالح المسلمين العامة.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: ومن باع خمراً لم يملك ثمنه، فإذا كان المشتري قد أخذ الخمر فشربها لم يجمع له بين العوض والمعوض، بل يؤخذ هذا المال ويصرف في مصالح المسلمين، كما قيل في مهر البغي وحلوان الكاهن وأمثال ذلك مما هو عوض عن عيب أو منفعة محرمة إذا كان العاصي قد استوفى العوض.
أما قولك:إنك تخافين ألا يتقبل الله توبتك فهذا لا يجوز؛ لأنه من سوء الظن بالله, وهو من الكبائر إذ الواجب على العبد أن يحسن الظن بمولاه وأن يظن بعد التوبة والاستقامة أن الله سيتقبل منه ويغفر له. قال تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195}
جاء في تفسير ابن كثير: عن النعمان بن بشير في قوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أن يذنب الرجل الذنب، فيقول: لا يغفر لي، فأنزل الله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} رواه ابن مَرْدويه.
وجاء فيه أيضا عن جماعة من السلف: إنها في الرجل يذنب الذنب فيعتقد أنه لا يغفر له، فيلقي بيده إلى التهلكة، أي: يستكثر من الذنوب فيهلك. انتهى.
أما بخصوص دعوة زوجك إلى الصلاة وشعائر الإسلام فإنها تجب عليك, ولو كنت مقصرة في بعض أوامر الله, لأنه لا يشترط في الناصح ولا في الآمر بالمعروف أن يكون كامل الاستقامة, جاء في تفسير ابن كثير عند قوله سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ {البقرة: 44} قال: وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها.
والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، قال مالك عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول له: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. وقال مالك: وصدق؛ من ذا الذي ليس فيه شيء؟ قلت: ولكنه -والحالة هذه- مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك. انتهى.
ولا يجوز لك أن تحدثي زوجك بما حدث معك؛ فإن فعلت فقد ارتكبت إثما ينضاف إلى جملة الآثام, وليس هذا من شروط التوبة ولا من مستحباتها بل هذا منهي عنه بصريح الأحاديث الصحيحة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
فيجب عليك أن تستري نفسك ولا تحدثي أحدا كائنا من كان بما ستر الله عليك.
أما بالنسبة للأسباب التي تعين على المذاكرة فأعظمها بعد الاستعانة بالله سبحانه التوبة والاستغفار فإن الذنوب لها تأثير عجيب في جلب الكسل والخمول وضعف الأبدان والأرواح.
جاء في كتاب الداء والدواء لابن القيم: قال عبد الله بن عباس: إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق. ومنها أن المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لاتزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية. وأما وهنها للبدن فان المؤمن قوته من قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه. وأما الفاجر فانه وإن كان قوي البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه. انتهى.
وللفائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 73289، 108152، 57809، 29410، 106635.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(5/557)
سرقت من أختها رسالة كانت تريد أن ترسلها إلى شاب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال: أنا سرقت من أختي رسالة كانت تريد أن ترسلها إلى شاب وهي لا تدري بأنني أخذتها، فماذا أفعل هل هذا حرام لأنني سرقتها فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت قد تجسست على أختك حتى قرأت هذه الرسالة وأخذتها فقد ارتكبت فعلاً محرماً، لأن التجسس حرام حتى في حق الأقارب، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12} ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات المسلمين، فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي وقال الألباني: حسن صحيح.. وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
فما كان لك أن تتبعي عورات أختك، ولا أن تتجسسي على رسائلها بدون إذن منها، والواجب عليك هو المسارعة بالتوبة إلى الله جل وعلا من هذا الذنب، ثم استسماح أختك مما حدث منك من اطلاع على خصوصياتها، إلا إذا خفت أن تفسد العلاقة بينكما إن هي علمت ذلك، عند ذلك لا يلزمك استسماحها واكتفي بالتوبة النصوح إلى الله سبحانه..
وأما إن كانت هذه الرسالة قد وقعت في يدك قدراً دون تجسس منك ولا تحسس فعلمت ما فيها فأخذتها بناء على ذلك، فنرجو ألا يلحقك حرج من هذا، لأن هذا داخل في إنكار المنكر، وقد نص العلماء على أن من إنكار المنكر إتلاف أعيان المنكرات، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعاً لها مثل الأصنام المعبودة من دون الله لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها، فإذا كانت حجراً أو خشباً ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها، وكذلك آلات الملاهي مثل الطنبور يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء وهو مذهب مالك وأشهر الروايتين عن أحمد، ومثل ذلك أوعية الخمر يجوز تكسيرها وتخريقها والحانوت الذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه وقد نص أحمد على ذلك هو وغيره من المالكية وغيرهم واتبعوا ما ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أمر بتحريق حانوت كان يباع فيه الخمر لرويشد الثقفي وقال إنما أنت فويسق لا رويشد. وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أمر بتحريق قرية كان يباع فيه الخمر رواه أبو عبيدة وغيره وذلك لأن مكان البيع مثل الأوعية وهذا أيضاً على المشهور من مذهب أحمد ومالك وغيرهما، ومما يشبه ذلك ما فعله عمر بن الخطاب حيث رأى رجلاً قد شاب اللبن بالماء المبيع فأراقه عليه وهذا ثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبذلك أفتى طائفة من الفقهاء القائلين بهذا الأصل وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشاب اللبن بالماء للبيع وذلك بخلاف شوبه للشرب لأنه إذا خلط لم يعرف المشتري مقدار اللبن من الماء فأتلفه عمر. ونظيره ما أفتى به طائفة من الفقهاء القائلين بهذا الأصل في جواز إتلاف المغشوشات في الصناعات مثل الثياب التي نسجت نسجاً رديئاً أنه يجوز تمزيقها وتحريقها، ولذلك لما رأى عمر بن الخطاب على ابن الزبير ثوباً من حرير مزقه عليه فقال الزبير: أفزعت الصبي، فقال: لا تكسوهم الحرير. وكذلك تحريق عبد الله بن عمر لثوبه المعصفر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وعليك في كل الأحوال بذل النصيحة لأختك بأن مثل هذه العلاقات مع الأجانب محرمة، وأن عواقبها وخيمة، وأنها ذريعة للشرور التي تفسد الدين وتضيع الدنيا وتجلب الفضيحة والعار.. وللفائدة تراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 93853، 5450، 61242، 5707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1429(5/558)
لا يضر الآمر بالمعروف صدود المأمورين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدرس في مدرسة أجنبية بكندا ويوجد معي الكثير من المسلمين نساء ورجالاً متهاونين في أمور الدين كالصلاة والحجاب والتعامل مع الرجال الأجانب، ما هي الطريقة المثلى لإنكار المنكر على هؤلاء وهل علي إثم مع أنني أدعو لهم والكثير منهم لا يحب الحديث مني ولا الجلوس بقربي لأنني متحجبة الحجاب الكامل ومنقبة وقد استنكروا علي ذلك وحاربوني بشدة واتهموني بالتخلف وتشويه صورة الإسلام، أثابكم الله على مجهوداتكم مع أنني تعبت كثيراً من استنكاري لوضع المسلمين المحزن ههنا لكن دائماً الله أسأل أن يهديهم في كل مكان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على غيرتك للدين وتمسكك به وشفقتك على إخوانك المسلمين وحرصك على إيصال الخير لهم ... فجزاك الله خيراً.. ويجب أن ينكر على هؤلاء وأن يذكروا بالله تعالى، وينبغي أن يكون الإنكار بعلم، وأن يراعى الرفق واللين والأسلوب الحسن، فقد قال بعض السلف: ليكن أمرك بالمعروف معروفاً ونهيك عن المنكر غير منكر. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 99257.
وإذا قمت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه الذي ينبغي فقد أديت الذي عليك، ولا يضرك صدودهم، وعليك بالاستمرار في مناصحتهم، فإذا غلب على ظنك عدم انتفاعهم بذلك، أو خشيت أن يترتب على ذلك مفسدة أعظم فلا حرج عليك في ترك مناصحتهم، ويجب عليك الحذر من مخالطتهم، فإن مخالطة أمثال هؤلاء مفسدة للقلوب، وههنا أمر وهو أن القدوة الحسنة قد تكون في بعض الحالات أبلغ تأثيراً على المدعو فليروا منك كل معاملة حسنة وأخلاق كريمة، وللمزيد الفائدة بهذا الخصوص يمكن مطالعة الفتوى رقم: 19186، والفتوى رقم: 21186.
ونوصيك بالصبر على ما قد تجدين من أذى بسبب تمسكك بالدين، ولا تلتفتي إلى أقوال المرجفين، فيعظم الأجر بإذن الله بالتمسك بالشرع عند فساد الزمان، وراجعي الفتوى رقم: 58011.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1429(5/559)
ما يلزم الشاب إذا وجد فتاة يعرفها تفعل المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[قد يكون سؤالي ليس دينيا فقط، فمن الممكن اعتباره دينيا إنسانيا، كانت لي علاقه بفتاة، أحببتها حبا جما وما زلت- لكني تركتها لله ولكي لا أستمر في ما لا يرضاه الله عسى أن يكرمني الله بها بعد ذلك، وكان بمقدوري استغلال بعض الفرص والرجوع إليها بعد ذلك، لكن الحمد لله، ثبتني الله ولم أفعل، ولكن في الفترة الأخيرة علمت أنها قد حادت عن طريق الله وصارت لها علاقات مع بعض الشباب في كليتها، كما أنها قد عادت لبعض الأشياء التي كانت قد تركتها لله مثل الملابس والأغاني وغيرها.. أنا في حيرة من أمري، فلا أعرف ماذا أفعل،
هل أحدثها وأنصحها، ولكن أعتقد أن هذا لا يرضي الله، أم أحدث والدها وأحذره، ولكني لا أضمن رد فعل والدها معها قد يؤذيها أو يمنعها من الدراسه، الرجاء سرعة إفادتي بما يسمح لي الشرع أن أفعل في هذا المقام؟ جزاكم الله خيراً. وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد أحسنت حين قطعت علاقتك بتلك الفتاة، فهذه العلاقات التي تعرف بعلاقة الحب بين الشباب والفتيات، من الأمور المحرمة التي لا يقرها الشرع.. نسأل الله لنا ولك الثبات والعصمة، أما عن تلك الفتاة وما يصدر منها من أفعال محرمة، فإن الذي ينبغي عليك أن تتخير امرأة صالحة من محارمك أو محارم أصحابك، لتقوم بنصحها وتأخذ بيدها إلى طريق العفة والصلاح، فإذا لم ينفع معها النصح، فينبغي أن تخبر والدها بذلك، إذا غلب على ظنك أنه سيغير من حالها، أما إذا غلب على ظنك أنه لن يغير من حالها أو سيترتب على إخباره مفسدة كبيرة فلا تخبره، وتراجع لذلك الفتوى رقم: 9358.
مع التنبيه على أن منعها من الدراسة إذا تعين لمنعها من المنكرات فهو واجب عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1429(5/560)
موقف المسلم من المرأة العاهرة المصرة على الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان في بلدتنا عاهرة قد عاثت في الأرض الفساد، فهل أبلغ عنها الشرطة وأنا أعلم أن الشرطة ستحاكم هذه المرأة إلى القوانين الوضعية وليس إلى شرع الله، فأنا في حيرة من أمري فهل أترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم أبلغ الشرطة وأكون عونا لهم على تطبيق قوانينهم الوضعية وبذلك أكون قد ظلمت العاهرة أولاً بالحكم عليها بغير حكم الله وظلمت المسلمين أيضا وعصيت الله في الإعانة على تطبيق القوانين الظالمة المبدلة لشرع الله على هذه المسلمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشهادة أمرها في الإسلام عظيم، نظراً لما يترتب عليها من الحقوق والواجبات، ولذلك لا يحل لمسلم أن يشهد إلا بما يتيقن صحته ويعلم حقيقته، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 73735.
فإن كنت متيقناً من كون هذه المرأة على ما وصفت، ولم تبن حكمك على الإشاعات ونحوها فابذل ما في وسعك لمنع هذا المنكر الشنيع، متدرجاً من الوعظ والنصيحة، إلى الزجر والتهديد، وليكن ذلك منك بحكمة وكياسة ومشورة لأهل الرأي من بلدك، بحيث تتجنب إحداث أنواع أخرى من الفساد تفوق هذا المنكر الذي تحاول تغييره ... فإذا لم ينفع ذلك كله وكان في إبلاغ الشرطة منع لهذا المنكر فعليك أن تبلغهم ولو كنت في بلد يتحاكم إلى القوانين الوضعية وأنت كاره للحكم بغير ما أنزل الله، وهذا من باب الضرورة وليس رضا ولا إقراراً بحكم الطاغوت، لأنك تصف هذه المرأة بأنها عاثت في الأرض فساداً، فضررها متعد وفتنتها شديدة.
ويمكنك أن تراجع في البعد عن التحاكم إلى القوانين الوضعية، وشروط جواز اللجوء إليها لتحصيل حق ما الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34618، 68149، 38757.
وكذلك قد سبق بيان مدى مسؤولية الفرد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشروط ذلك وضوابطه في الفتوى رقم: 32233، والفتوى رقم: 9358.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1429(5/561)
يغير المنكر حسب الاستطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت في فتاوي شبكتكم الموقرة فيما يخص سب الصحابة لكني لم أجد ما يشفي غليلي.. أنتم تعرفون ما يمر بالعراق الجريح من احتلال والمشكلة ليس فيهم بل فينا ... فأهل البدع يسبون الصحابة ونحن لا نستطيع أن نردهم خاصة أولادنا ... يسبون السنة بسبب وبغير سبب ... يحلف أحد جيراننا أنه يسمع على أبواب الجامعات التي يسيطر عليها أهل البدع يسبون سيدنا عمر كل دقيقة يقول: فار الدم في جسمي لكني لا أستطيع أن أردهم.. وهو ليس وحده في هذا.. كلنا نسمع ولا نستطيع أن نرد ... أيحاسبنا الله على هذا.. كيف نريد أن نكون مع النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته رضوان الله عليهم ونحن لا نرد هؤلاء ... تصوروا لا نستطيع أن ندافع عن الحق.. يسبون سيدنا عمر وسيدنا أبا بكر وسيدنا عثمان.. ويهزئون بأمنا عائشة (رضي الله عنهم أجمعين) ... عدا أنهم عند كل شربة ماء أو مناسبة يسبون آل أمية ... ويلعنونهم ... فأرشدوني بالله عليكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت لنا كثير من الفتاوى فيما يخص سب الصحابة وحكم من يفعل ذلك، نحيلك منها على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 96197، 76955، 102548.
ولا شك أن الواجب على من سمع من يسب أحداً من الصحابة أن ينكر عليه حسب استطاعته، وإن لم يستطع الإنكار بلسانه فلا أقل من أن ينكر بقلبه، وهذا يستوجب ترك هذا المكان ومفارقته إن أمكن ذلك، وإلا اكتفى بالإنكار بالقلب، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 18122.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1429(5/562)
يأمر بالمستحبات ولا يأتيها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص أقوم بالواجبات التي فرضها الله علي وأنتهي عن المحرمات إلا ما كان من الزلات، وأنشر في الإنترنت مقالات عن فضل قيام الليل وفضل الصلاة وغيرها من الأعمال المستحبة والتي ليست واجبة ولكن لا أفعلها، ويتلخص السؤال كتالي: آمر بالأعمال الواجبة وأفعلها، أنهى عن المنكر وأجتنبه، آمر بالأعمال المستحبة ولا أفعلها، فهل أكون من أهل هذه الآية والتي قرن
الله فاعلها بالفلاح (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) {آل عمران:104} ، أو من أهل هذا الحديث: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه) . رواه البخاري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت كما ذكرت فنرجو أن تكون من جملة المشمولين بهذه الآية، وعليك أن تجتهد في المحافظة على الأعمال الصالحة التي تأمر الناس بها حتى تكون لهم قدوة حسنة، فإن ذلك من وسائل الدعوة النافعة بإذن الله تعالى.
وأما الحديث الذي ذكرته (كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ... ) فهو في الواجبات، وفي النهي عن المحرمات لأنه لا يدخل الله العبد النار ويعذب على ترك المستحبات، فلو كنت تأمر بالمستحبات ولا تأتيها فأنت مأجور من جهة الأمر بها والدعوة إليها والحث عليها، ولست آثماً إن لم تفعل ما تأمر به من ذلك لأنها مستحبات لا يؤاخذ تاركها في الجملة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1429(5/563)
الواجب تجاه مواقع الرذيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تخريب موقع امرأة مشهورة فإن الموقع لا فائدة له بل هو تجمع كبير لعشاقها (وجميع الكلام الذي بالموقع هو أحبكي يا ... أعشقك) ، وهكذاً وهل يستجيب الله إذا دعوا علي عندما يتم تخريب الموقع؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تخريب وإتلاف هذه المواقع المحرمة من باب تغيير المنكر، وفي الحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. . رواه مسلم ... ولا ريب أن مثل هذه المواقع من المنكرات الظاهرة، وتراجع الفتوى رفم: 22063.
وإذا دعا عليك أحد لهذا السبب لم يستجب له لأنه ظالم معتد في دعائه، وفي الحديث: يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم ... رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1429(5/564)
العمل في حجب مواقع الشرك والسحر والرذيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تحميل البرامج التي تدمر المواقع والتي قد تكون غير مجانية لاستخدامها في سبيل الله في ضرب مواقع الجنسية, ومواقع السحر والشعوذة, والمواقع التي تسيء للإسلام علما بأن هذه المواقع كثرت وجذبت خلقا كثيرا، وأن الإسلام قد ضعف شأنه وقل احترامه مع العلم لوا رأوا منا الجد بحيث ندمر مواقعهم ونتربص بهم لارتفع شأن الإسلام والمسلمين، أما إذا انسقنا إلى ما تفرضه علينا الحكومة من عدم التعرض لهذه المواقع وعدم تدميرها لهان الإسلام ولضعف المسلمون، نريد جوابا صريحا في شأن هذه المواقع, وعلما أن هذه البرامج غالبا تكون من غير سريال ولاكراك بمجرد تحميلها تشتغل وقد يدل هذا على أنها مجانية ونحن نحتج بهذه الأحاديث: قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. وهذا منكر فكيف بمواقع السحر والشعوذة التي تنشر الكفر والشرك وتعلم السحر وتنشر الفساد, فنحن نجد أنفسنا مضطرين الى أخذ هذه البرامج ولو كانت غير مجانية وهي قليلة جدا لدفاع عن الإسلام، فهناك أناس ضعفاء الإيمان قد ينسحبون خلف هذه المواقع ويقعوا في حبال الشرك فنريد جوابا كافيا شافيا ملغما بالأحاديث وأقول أهل العلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن استطاع أن يحجب أو يمحو مواقع الشرك والسحر والرذيلة دون أن يترتب على ذلك مفسدة أعظم من وجود هذه المواقع فهذا هو المتعين عليه فعله لحديث: من رأى منكم منكر فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه فإن لم يستطع بقلبه وذلك أضعف الإيمان، رواه مسلم. وأي منكر أعظم من نشر السحر وإشاعة الرذيلة.
وإذا أمكن أن يتم ذلك بدون استعمال برامج محمية فهذا هو المطلوب، وإن كان لا يمكن ذلك إلا باستعمال هذه البرامج فلا بأس من باب ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1429(5/565)
حكم قيام الرجل بنصح ودعوة المتبرجات
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك العديد من الزميلات في الدراسة يغطين رؤوسهن ويلبسن السراويل وحتى أن كن يلبسن تنورة فإنها إما ضيقة قصيرة أو ملونة وتجد إحداهن تنتقي ألونا متجانسة فإن كان غطاء الرأس أخضر فإن هناك عقد أو حقيبة خضراء وحذاء أخضر (على سبيل المثال) مع العلم أنهن منعن من دخول المعهد ما لم تكن ألوان الخمار زاهية فأطنبن في الألون ناهيك عن اللاتي ترققن حواجبهن وتنتعلن أحذية تصدر طقطقة تجلب الانتباه. أسئلة: هل علي شيء إن لم أكلمهن أو أنصحهن في حال أمنت أنهن لسن واشيات. (لن تبلغن عني) .
في حال كانت الإجابة بوجوب نصحهن وهذا ما أعتقده هل لكم أن تمدوني ببعض الأدلة الشرعية والنصائح التي تمكنني من إبلاغهن دون تجريح أو استفزاز، هناك بنتان متبرجتان تدرسان معي وقد ماتت أم إحداهن ومات أبو الأخرى فهل إذا ما قلت لهن إنهن إن لم تلتزمن فإنهن تحرمن من توفي لهن أجرا عظيما وتحملنه ذنوبا ما لم تلتزما فهل أكون كاذبا؟ وهل أكون آثما لكون الالتزام يكون طاعة لله لا خوفا على الموتى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحجاب له شروط معينة سبق بيانها بالتفصيل في الفتوى رقم: 6745.
وأما بالنسبة لترقيق الحواجب وهو ما يعرف بالنمص فهو من الكبائر، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله. ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله. رواه البخاري ومسلم.
وأما انتعال الأحذية التي تصدر صوتا عند المشي فهذا لا يجوز للنساء ولا للرجال، أما بالنسبة للنساء فلأن سماع هذا يثير شهوة الرجال ويحرك غرائزهم، وقد نهى الله سبحانه المؤمنات أن يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، والعلة هي ما ذكرنا من كون ذلك يثير الشهوات الكامنة ويفتح أبواب الشيطان قال سبحانه:
وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ {النور:31}
قال القرطبي: أي لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت لتسمع صوت خلخالها، فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشد.
وقال في موطن آخر: من فعل ذلك منهن فرحا بحليهن فهو مكروه. ومن فعل ذلك منهن تبرجا وتعرضا للرجال فهو حرام مذموم.
وأما بالنسبة للرجال فإنه يفتح أبواب الكبر والعجب. قال القرطبي رحمه الله: وكذلك من ضرب بنعله من الرجال، إن فعل ذلك تعجبا حرم، فإن العجب كبيرة. وإن فعل ذلك تبرجا لم يجز.انتهى.
ولا يجوز لك نصح هؤلاء النسوة، وخاصة مع ما هن عليه من التبرج وإبداء الزينة، فإن حديثك معهن ذريعة للفتنة، وسيصحبه غالبا النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، وقد جاء الشرع بسد ذرائع الشر وإغلاق أبواب الشر.
ويمكنك أن تكل أمر النصيحة هذا إلى زوجتك إن كنت متزوجا أو إلى امرأة من محارمك، أو تطلب من أحد أصدقائك أن يأمر زوجته أو بعض محارمه بذلك. وعلى العموم فلن تعدم امرأة تقوم لهن بواجب النصيحة بدلا منك.
وأما بخصوص الأدلة الشرعية على وجوب الحجاب وحرمة التبرج وخطره ففي الفتاوى رقم: 3350، 8569، 18119.
أما بالنسبة لهاتين البنتين فنقول: الأصل أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، كما قال سبحانه: ولا تَزر وازرة وزر أخْرَى وَإِنْ تدْعُ مثقَلَةٌ إِلى حمْلهَا لا يحْمَل مِنْهُ شيْء ولَوْ كَانَ ذَا قرْبَى. {فاطر:18} ...
ولكن إن قصر الآباء في تربية الأبناء ونصحهم وإقامتهم على أمر الله فلا شك أنهم يتحملون من أوزار الأبناء لأنهم تسببوا في هذه المعاصي بتقصيرهم، وخالفوا أمر الله سبحانه إذ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6} .
وعليه؛ فلا مانع من تذكيرهما بما سوف يتسببانه من أذى لآبائهم بهذه الذنوب. وليكن من يذكرهما امرأة أو أحد محارمهما.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 28482.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1429(5/566)
حكم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أحبتي أحببت أن أسأل هل ورد حديث صحيح في أن من رأى منكرا ولم ينكره جاء العاصي يوم القيامة متعلق في رقبته يقول رب اسأله لِمَ لَمْ ينصحني؟
فهل هناك حديث بهذا المعنى أو ما شابهه وما هي درجة صحته؟
وهل ترك النهي والنصح يعتبر من المظالم التي ترد يوم القيامة بالحسنات والسيئات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين من فرائض الإسلام العظيمة، وأن تركها من كبائر الذنوب التي يؤاخذ بها صاحبها يوم القيامة إذا لم يتب منها أو يغفر الله له إن كان قد تعين عليه الأمر بواجب متروك أو النهي عن حرام يفعل، وكان قادرا على الأمر والنهي دون ترتب مفسدة على ذلك.
وقد بينا ذلك بالتفصيل وأقوال أهل العلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28638، 104903، 43762.
وأما ورود حديث في المعنى المسؤول عنه فلم نقف عليه فيما تيسر لنا من المراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1429(5/567)
أنجع الطرق لنصح الوالد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي أب لا يحترم قضاء الحاجة في الحمام ولديه عادات مثلاً سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام وغيرها، والآن عمره في أواخر الأربعين ... السؤال هو: هل أكلمه على هذه الصفات وأنصحه أم لا؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي عليك أن تنصح والدك فيما يقوم به من منكرات، وأن تحاول الأخذ بيديه إلى طريق الله جل وعلا، ولكن عليك بالتلطف في ذلك، فإن معاملة الوالدين بالإحسان واجبة على كل حال، قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون َ {لقمان:15} ، وعليك أن تراعي ما يلي:
1- أن تتخير أحسن الطرق وأفضل الوسائل، كإهداء شريط أو كتيب يتحدث عن المنكر الذي ترغب في تغييره ويقع فيه الوالد.
2- أن تتخير أفضل الأوقات، فالوقت المناسب عامل مهم في قبول النصيحة، فوقت الغضب لا يصلح لإسداء النصح، والمنهمك في عمل عقله منشغل بما يعمل فيه.
3- أن تتجنب النصح علانية فإن ذلك يأتي بنتيجة عكسية، فالنصيحة في السر أدعى للقبول، وفي ذلك يقول أحد السلف: من نصح أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فقد ذمه وشانه.
4- أن تنتقي أفضل الكلمات وألطفها وألينها، وانظر إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام كيف كان يخاطب أباه المشرك بألطف العبارات وأرق الكلمات، فيقول الله تعالى في سورة مريم: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا* يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا {مريم: 42-43-44-45} ، فإن استجاب لك وإلا فيمكنك أن تكل أمر نصيحته إلى بعض أصدقائه أو أقاربه من أهل الخير ممن لهم وجاهة عنده، ويمكن أيضاً الاتفاق مع خطيب الجمعة الذي يصلي معه على أن يتكلم عن ذلك الموضوع ... وهكذا.. ونوصيك بأن تكثر من الدعاء له بظهر الغيب لعل دعوة توافق ساعة إجابة يغير الله سبحانه بها حاله، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 13288.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(5/568)
حكم المشاركة في تنظيم مهرجان يشتمل على محرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما شرعية المشاركة في تنظيم مهرجان يضم في بعض فقراته معازف وأغاني من دون إشراف مباشر على تلك الفقرات، وفي نهاية المهرجان يكرم ويمدح من شارك في الدعم مثل: فندق يبيع الخمور, وشركات إنتاج فني محرم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يشارك بصفة مباشرة أو غير مباشرة في المهرجانات التي تشتمل على الحرام من المعازف وغيرها لما في ذلك التعاون على الإثم والعدوان؛ فقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ {المائدة:2}
وسبق بيان ذلك بتفصيل أكثر مع أقوال أهل العلم في الفتاوى: 59921، 36390، 50293، 60390.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1429(5/569)
حكم قيام المحتسب بضرب صاحب المنكر باليد
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي صديق من القرى المحافظة سليم الفطرة و (ذو بنية ضخمة) ذهب ذات مرة إلى المدينة وبالتحديد إلى الجامعة (حيث الاختلاط ولا يخفى عليكم حال أغلب الجامعات العربية) لقضاء شغله, فمر على شاب وشابة فوجدهما متلاصقين (يقبلها و....) إلى بعضهم البعض في ممر الناس, فهذا الصديق أخذته الحمية والغيرة فضرب الشاب برجله (كانشو) وضرب الشابه أيضاُ فهربا ,ثم أنكر عليه بعض الإخوان وقال له: تصرفك غير سليم كان الأفضل لك أن تحاورهما وتنهاهما بلسانك.
مع العلم نحن في بلاد عربية توجد رجال آداب ولكن غير موجودين فعلاً (غير قائمين بدورهم البتة) فالجامعة مختلطة وتشمل عرض أزياء وفحش وغير ذلك.
هل فعله هذا يشمله الحديث: من استطاع منكم أن يغير منكرا فلغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الدين العظيمة، وأعماله الظاهرة التي امتاز بها عن سائر الأديان، وله ضوابطه وشرائطه التي لابد من تحققها عند القيام بالأمر والنهي.
فجزا الله صديقك هذا خيراً على غيرته على دينه، ولكن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب ولكل مرتبة شروط.
الأولى: التغيير باليد وهي أقوى مراتب الحسبة، ومن أهم شروطها: القدرة وعدم ترتب مفسدة أكبر من الاحتساب.
المرتبة الثانية: التغيير باللسان، وإنما ينتقل إليها إذا عجز عن اليد.
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب، وهذا لا رخصة لأحد في تركه، بل يجب أن يكون بُغض المنكر وكراهيته في قلب كل مسلم، فآخر حدود الإيمان هو الإنكار بالقلب.
وحقيقة الإنكار بالقلب، عدم الرضا بالمنكر ومفارقته والنفور منه.
وعلى ذلك يشرع الإنكار باليد إذا لم تترتب مفسدة أكبر من الإنكار باليد.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فإنكار المنكر أربع درجات: الأولى: أن يزول ويخلفه ضده،
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته،
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله،
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه، فالدرجتان الأوليان مشروعتان والثالثة موضع اجتهاد والرابعة محرمة ... ...اهـ
وإن كان الأولى بصديقك أن يعظهما ويخوفهما بالله، أو أن يزيل المنكر بدون ضرب فلعل الله أن يهديهما على يده.
وعلى ذلك أيضاً ننبه الأخ السائل إلى أن الإنكار باليد إذا لم تخش منه مفسدة راجحة غير مختص بالسلطان وهو قول جمهور العلماء بل ادعى عيه الإجماع ابن عبد البر والجويني , وقد دلَّ على ذلك الكتابُ، والسُّنَّةُ: فقد قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: المقصودُ مِنْ هذه الآية أنْ تكونَ فِرْقةٌ من هذه الأمَّةِ مُتَصدِّيةً لهذا الشأنِ، وإن كان ذلك واجباً على كلِّ فردٍ من الأمَّةِ بحسبِه، كما ثبتَ في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيدِه ... " ثم ساق الحديث.
وقال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.
قال أبو بكرٍ الجصَّاصُ بعد أن ذكرَ طائفةً من الآياتِ في هذا الصَّددِ: فهذه الآي ونظائرُها مُقتضيةٌ لإيجابِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنكر، وهي على منازلَ أوَّلها تغييرُه باليدَّ ـ إذا أمكن ـ فإذا لم يمكن وكان في نفسِه خائفاً على نفسِه إذا أنكرَ بيدِه، فعليه إنكارُه بلسانِه، فإن تعذَّرَ ذلك لما وصفنا فعليه إنكاره بقلبِه. اهـ.
إلى غيرِ ذلك من الآيات القرآنية
أمَّا السُّنَّةُ: فقد روى مسلمٌ عن طارقِ بنِ شِهابٍ قال: أوَّلُ من بدأ الخُطبةَ قبلَ الصَّلاةِ مَروانُ، فقامَ إليه رجلٌ فقال: الصَّلاةُ قبل الخُطبةِ. فقال: قد تُرك ما هُنالك، فقال أبو سعيدٍ الخُدْري - رضي الله عنه -: أمَّا هذا فقد قضى ما عليه، سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانِه، فإن لم يستطع فبقلبِه وذلك أضعفُ الإيمان. رواه مسلم. وقد دلَّ هذا الحديثُ على أنَّ لآحادِ الرَّعيَّةِ تغييرَ المُنكرِ بأيديهم من وجوهٍ.
منها: الوجه الأول: قولُه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ) وهي مِنْ صِيَغِ العُمُومِ، وذلك يعني أنَّ الخطابَ مُوَجَّهٌ إلى كُلِّ فردٍ من الأمَّةِ، وليس إلى طائفةٍ مُعَينةٍ منهم، ومن ادَّعى التَّخصيص فعليه الدَّليل!.
الوجهُ الثاني: قولُه صلى الله عليه وسلم: (منكم) والقائلُ هو النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو الحاكمُ، والمُخَاطَبُون بذلك هم الرَّعيَّةُ؛ فلو كان الذي يُغيِّرُ بيدِه هو الحاكمُ وحدَه لما عمَّمَ الحُكْمَ، بل خاطب صلى الله عليه وسلم الرَّعيَّةَ أجمع دون تخصيصٍ.
الوجهُ الثالث: قولُه صلى الله عليه وسلم: (فإن لم يستطعْ) وذلك يقتضي أنَّ المُخَاطبَ بالأمرِ الأوَّلِ هو عينُه المُخاطبُ بالأمرِ الثاني وهو عينُه المخاطبُ بالأمرِ الثالث؛ فهو شَخْصٌ واحدٌ إن لم يستطعْ أن يُغَيِّرَ بيدِه فله أن ينتقل إلى البدلِ، وهو التَّغييرُ باللِّسانِ، فإن لم يستطعْ فله الانتقالُ إلى البدلِ وهو التَّغييرُ بالقلبِ، ويوضِّحُه أيضاً.
وفي شرح هذا الحديث يقول ابنُ رجبٍ - رحمه الله -: وهذا يدلُّ على جهادِ الأمراءِ باليدِ ... وقد نصَّ على ذلك أحمدُ أيضاً في رواية صالح، فقال: التَّغييرُ باليدِ أنْ يُزِيلَ بيدِه ما فعلُه مِنِ المُنكراتِ، مثل أن يُريقَ خُمُورَهم، أو يَكْسِرَ آلاتِ الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يُبْطِلَ بيدِه ما أُمِرُوا بِه من الظُّلْمِ إن كان له قُدرَةٌ على ذلك، وكلُّ هذا جائزٌ، وليس هو من بابِ قِتالِهم، ولا من الخُرُوجِ عليهم الذي وَرَدَ النَّهيُّ عنه، فإنَّ هذا أكْثَرُ ما يُخشى منه أن يَقْتُلَ الآمرَ وحدَه.
ونقل الإجماع ابنُ عبد البرِّ - رحمه الله - بقوله: وأجمع المسلمون على أنَّ تغيير المنكر واجبٌ على من قَدِرَ عليه، وإنَّه إذا لم يلحقه بتغييرِه إلاَّ اللَّوم الذي لا يتعدَّى إلى الأذى فإنَّ ذلك لا يجب أن يمنعه، فإن لم يقدرْ فبلسانِه، فإن لم يقدرْ فبقلبِه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكر بقلبِه فقد أدَّى ما عليه إذا لم يسْتَطِعْ سوى ذلك.
وتراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 68944، 9358، 17092، 26058.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1429(5/570)
أيهما أشد سماع الغناء أم شرب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يشرب المسكرات، ويوجد رجل آخر ينكر على الرجل الأول ويفضحه في المجالس، والرجل الثاني يسمع الغناء، فهل يجوز أن نقول للرجل الثاني أن حكم سماع الغناء مثل حكم شارب الخمر من حيث التحريم , أنا أعرف حكم الغناء ولا أريد حكمه، إنما أريد الجواب على ما سبق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم الذي يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون صبوراً، وأن يرتقي بمن يدعوهم إلى المعالي ويصعد بهم في مدارج الصلاح من خلال النصيحة المستمرة عن طريق التذكير الدائم بالله والترغيب والترهيب، ولا يجوز لهذا الرجل أن يفضح الرجل الذي يشرب الخمر، فقد حثنا الإسلام على التستر على أهل المعاصي في حالة ما لم يجهروا بمعصيتهم، وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فينبغي لمن قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون متصفاً بصفات الرسول صلى الله عليه وسلم من الرفق واللين، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير كله، وقالت عائشة رضي الله عنها قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق يجب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه. رواه مسلم.
بل قد أمر الله سبحانه وتعالى موسى وهارون عليهما السلام أن يقولا لأطغى الطغاة فرعون لعنه الله قولا لينا، قال تعالى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى. {طه:44،43} .
فعلى ذلك ينبغي على الشخص الذي يقوم بالإنكار على من يشرب الخمر أن يستخدم معه الرفق وأن يعظه بالترغيب والترهيب ويذكره بالله.
وأما الرجل الذي يسمع الغناء فهو أيضاً ينبغي أن ينصح ويعلًم أن الغناء حرام.
وأما قول السائل: أن يقال لمن سمع الغناء أنه حكمه حكم شرب الخمر فهذا لا يجوز؛ لأنه قول على الله بغير علم، فلا شك أن الغناء حرام وأن الخمر حرام ولكن المحرمات درجات وأنواع، فمنها الصغائر ومنها الكبائر، وكذلك الكبائر أنواع, فمنها أكبر الكبائر، ولا شك أن الخمر كبيرة من الكبائر بلا خلاف بين أهل العلم، وكذا الأغاني المشتملة على آلات عزف حرام، وقد عده ابن حجر الهيثمي من الكبائر في كتابه الزواجر. ولكنها لا تصل لدرحة الخمر التي هي أم الخبائث، وقد لعن شاربها وبائعها.
فعلى ذلك يستخدم مع هذا الرجل الترهيب بحرمة الغناء ولا يقال له: إن حكمه حكم الخمر.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21557 16844، 66001، 35460.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1429(5/571)
احرص على تقويم اعوجاج أختك الرفق واللين
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي استفسار حول معاملة الأخت، أبلغ من العمر 19 سنة وأختي أكبر مني سناََََََ فأحيانا لا تعجبني بعض تصرفاتها مثل مشاهدة الأفلام المدبلجة التي نعرف أن محتواها سلبي، وهي تستعمل كمبيوتري أحيانا في مشاهدة بعض الحلقات التي فاتتها، فهل لي أن أتدخل وأن أمنعها من مشاهدة هذه الأفلام ومنعها من أمور أخرى كالذهاب إلى ألأسواق أو امتلاك رخصة سياقة خوفا من أن يختلي بها معلم السياقة، مع العلم بأن لي أباَ وأماَ وإخوة ذكورا أكبر مني ومنها، فهل أتجاهل هذا وأتركه إلى الأبوين، وما هي حدودي اتجاه أختي، فأفيدوني أفادكم الله..؟ أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على اهتمامك بشأن أختك وحرصك على صلاحها واستقامتها، وهكذا ينبغي أن يكون الأخ مع إخوانه يحب لهم من الخير والهداية والصلاح ما يحب لنفسه، ويمنعهم من ظلم أنفسهم بما استطاع، فاحرص على هداية أختك وغيرها من إخوانك وادعها بالتي هي أحسن وعظها للإقلاع عن مشاهدة المسلسلات التي تعرض ما لا يجوز، وتربي على الانحلال الخلقي وتدعو إلى الرذيلة والتعلق بالفجرة الواجب بغضهم شرعاً لفسوقهم وعصيانهم، وليكن ذلك بحكمة وموعظة حسنة، ولا تسمح لها بمتابعة تلك المسلسلات أو غيرها مما لا يجوز في جهازك الخاص لأن ذلك من التعاون على الإثم، وانظر الفتوى رقم: 13288.
وكذا تنصحها وتأمرها بالالتزام بالضوابط الشرعية في خروجها وولوجها ولباسها وحديثها وجميع شأنها، ولا يعفيك من ذلك وجود الأبوين ومن هو أسن منك من إخوانك، لكن استعمال القوة وتغيير المنكر باليد في ذلك ليس لك وإنما هو للأبوين ومن يملك السلطة، فأمر بالمعروف وانه عن المنكر ورغب في الخير والاستقامة بالحكمة واللين ولعل الله يجعل صلاحها واستقامتها على يديك، وما عجزت عنه فنبه عليه أبويك وإخوانك لمساعدتك فيه وتوجيه الأخت إليه.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54736، 21557، 23713، 94052.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1429(5/572)
حكم الكلام في الدين مع وجود مخدرات في الجلسة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكلام في الدين مع وجود مخدرات في الجلسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد الشرع بتحريم ارتياد المسلم الأماكن التي يعصى فيها الله تعالى إلا إذا كان ما ذكر من الكلام في الدين متعلقا بإنكار هذا المنكر فلا حرج في ذلك، وأما إن كان الكلام بعيدا عن أمر هذا المنكر فلا يجوز البقاء فيه ما دام المنكر قائما؛ لأن في البقاء والحالة هذه إقرارا للمنكر، ووقوع مثل هذا من أهل العلم أو طلبته أشد قبحا وأسوأ تأثيرا.
وهذا فيما إذا كان هذا المنكر ظاهرا بحيث يراه الناس، وأما إن كان مستترا لا يرى فلا حرج في البقاء في ذلك المكان، والكلام في الدين أو غيره مما هو مشروع في أصله.
وانظر الفتوى رقم: 7179.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1429(5/573)
واجب الأخ تجاه أخته الواقعة في بعض المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي أن أتدخل في الأمور التي تقوم بها أختي مثل: الخروج إلى مكان ما ومحاولة منعها من شيء ما مثل: مشاهدة الأفلام المدبلجة, أو العمل أو سياقة السيارة, مع أن لها أبا وأما.
وهي تقوم بمشاهدة بعض الحلقات لأفلام مدبلجة في كمبيوتري ونحن نعلم أن هذه الأفلام فيها بعض النساء شبه العاريات مع رجال.
فهل هنا أستطيع منعها من تشغيل كمبيوتري مع معارضة الأولياء لقراري والسماح لها بتشغيله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة في الإسلام، بل هي القطب الأعظم في الدين، وهي الشعيرة المميزة للأمة المسلمة، كما قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ {آل عمران:110} وهي أيضا الشعيرة الفارقة بين المؤمنين والمنافقين، قال الله تعالى: المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ {التوبة:67}
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
فينبغي على المسلم ألا يقصر في هذا الواجب العظيم بحسب طاقته وقدرته، وبضوابطه الشرعية التي بينها العلماء رحمهم الله، والتي من أهمها: ألا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أشد منه، وأن يكون المنكِر لديه القدرة على التغيير, وألا يعرِّض نفسه بسبب الإنكار إلى بلاء عظيم لا يطيقه، وأن يدفع المنكر بأيسر ما يندفع به.
وأما ما ذكرته أخي السائل من خروج أختك إلى أماكن معينة ومشاهدتها لأفلام خليعة، فيها من العري والمعاصي لله سبحانه ما فيها.
فاعلم أخي أن الأصل هو قرار المرأة في بيتها، كما قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى {الأحزاب:33} .
قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال, فذلك تبرج الجاهلية،.
وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله – في استفتاء ورد إليه عن حكم عمل المرأة: فأمر سبحانه النساء في الآية بلزوم البيوت، لأن خروجهن غالبا من أسباب الفتنة، وقد دلت الأدلة الشرعية على جواز الخروج للحاجة مع الحجاب والبعد عن أسباب الزينة، ولكن لزومهن للبيوت هو الأصل وهو خير لهن وأصلح وأبعد عن الفتنة.
ثم قال رحمه الله: وأما عمل المرأة مع زوجها في الحقل والمصنع والبيت فلا حرج في ذلك وهكذا مع محارمها إذا لم يكن معهم أجنبي منها، وهكذا مع النساء، وإنما المحرم عملها مع الرجال غير محارمها، لأن ذلك يفضي إلى فساد كبير وفتنة عظيمة. انتهى.
وأنت خبير بأن خروج المرأة إلى الشوارع متبرجة ومزاحمتها للرجال, قد فتح على الأمة أبواب البلاء والشر.
وأما مشاهدة الأفلام الخليعة التي بها مشاهد الاختلاط والعري، فهذا من المحرمات التي تذهب بدين الشخص ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهي طريق الوصول إلى الفاحشة، وسبب من أسباب دمار الأسر وخراب المجتمعات، ووسيلة من وسائل انتشار الفساد الخلقي وتفشي الموبقات، من زنا ولواط وسحاق وغير ذلك.
وعلى ذلك فينبغي على راعي الأسرة وهو الوالد أن يقوم بواجبه الشرعي تجاه الأمانة التي حمله الله إياها، وهي حفظ أولاده من كيد الشيطان ومهاوي العصيان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته.
فيجب على الأب أن يحول بين أختك وبين مشاهدتها لهذه المنكرات، وإن لم يفعل فهو آثم ولا شك، بل هو مضيع للأمانة، وأما أنت أيها السائل فواجبك تجاه أختك هو النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأسلوب رفيق بعيد عن الغلظة والعنف والشدة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه. صححه الألباني.
فما عليك إلا البلاغ والنصح لأنك لست القائم على أمرها خصوصا في حياة والدك، ولكن لا يجوز لك أن تسمح لها بمشاهدة هذه المنكرات على جهازك وإلا كنت معينا لها على ذلك والله تعالى يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ {المائدة:2} ، ولا طاعة في ذلك لوالديك ولا لغيرهما إذ لا طاعة في معصية.
وننصحك أيضا- وفقك الله – أن تقوم بواجبك تجاه أبيك وأمك، وذلك بالنصح لهما وإرشادهما إلى تعلم أمور الدين، وتوجيههما إلى الاعتناء بأمر أختك وإقامتها على شرع الله في سلوكها وملبسها وسائر أمورها, واحرص كل الحرص على أن يكون أسلوبك معهما في غاية الرفق واللين والرحمة، واحذر تعنيفهما أو تسفيههما فحق الوالدين عظيم ولهما من الاحترام والتوقير ما ليس لغيرهما، وللفائدة راجع الفتوى 22063 والفتوى 17092 وفقنا الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(5/574)
الإنكار على العصاة.. خطوات وآداب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال أتمنى أن يسع صدركم للإجابة عليه ولكم جزيل الشكر
عمتي كانت تعيش مع أختها في إحدى المدن القريبة منا لم تتزوج بسبب عاهة وراثيه منعتها من الزواج وعاشت مع أختها وزوج أختها أكثر من 10 سنوات تربي الأبناء تقوم بإعداد الطعام وبعد فترة حدث خلاف بينها وبين زوج أختها فقام بطردها من المنزل لأسباب سأذكرها فيما بعد.
وعادت إلى قريتنا وعاشت معنا أسرة أخيها ومعنا أمها الكفيفة التي نحبها أكثر من أنفسنا وبعد فترة ظهرت حقيقة عمتي بداية من إهانة أمها وسبها بألعن الشتائم، وأخيرا من سوء سمعتها وخروجها يوميا لمقابلة الرجال أمام أعيننا والتي كانت السبب في طردها من زوج أختها لأنه يخاف على بناته منها وزادت المشاكل وكلما حاول والدي أن ينصحها بأن تعود إلى ربها ولاتسيء لأمها تقوم بمحاوله انتحار ويصبح والدي هو المخطئ،
أما أخواتها فاهملوا الموضوع كأن هذه السيدة ليست أمهم وينصحوا والدي بأن لا يثير المشاكل لأن جدتي مريضة وإذا حدثت أي مشاكل فمن الممكن أن تموت فيها ويكون والدي السبب ويعيش في ندم طوال حياته ...
ساعدونا ماذا نفعل هل نتركها تسب أمها وتضربها وتمشي في الحرام مع الرجال أمام أعيننا حتى لا نكون سببا في وفاه جدتي، أم نقوم بما أمر به الله ولا نسكت على المنكر ونحن نحمل ذنوب سكوتنا كل يوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة في الإسلام، بل هي الشعيرة المميزة للأمة المسلمة، كما قال الله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ {آل عمران:110} .
وهي الشعيرة الفارقة بين المؤمنين والمنافقين: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ {التوبة:67} .
ف على المسلم ألا يقصر في هذا الواجب العظيم بحسب طاقته وإمكاناته, وبضوابطه الشرعية التي بينها العلماء رحمهم الله, والتي من أهمها: ألا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أشد منه, وأن يكون المنكِر لديه القدرة على التغيير, وألا يعرِّض نفسه بسبب الإنكار إلى بلاء عظيم لا يطيقه, وأن يدفع المنكر بأيسر ما يندفع به.
وما ذكرته أخي السائل من حال عمتك, فإنا ندعوكم أولا إلى كثرة الدعاء لها بظهر الغيب وخصوصا في الأوقات التي هي مظنة إجابة الدعاء, لأن الله سبحانه بيده نواصي العباد وهو قادر على هدايتها وردها إلى الطريق المستقيم , ثم بعد ذلك ننصحكم أن تديموا نصحها بالرفق واللين, وأن تقدروا في ذلك ظروفها النفسية بسبب ما ذكرته من أمر إعاقتها الخَلقية, وأيضا بسبب عدم الزواج فهذا أمر شديد على النفس، وإن كان بكل حال ليس مبررا للفساد والانحراف, ثم بعد ذلك إن أمكنكم أن تغيروا المكان الذي تعيشون فيه حتى تقطعوا علاقاتها بالرجال الذين ارتبطت بهم, وتفرقوا بينها وبينهم, فهذا أمر طيب, ثم إن لم ترتدع عما هي فيه وأصرت على تلك الأخلاق التي ستلحق الضرر بالعائلة كلها, عند ذلك ننصحكم بأن يجتمع كل أفراد العائلة ويأخذوا منها موقفا موحدا لتمنعوها عن غيها, وذلك بأن تمنعوها من الخروج إلى الشارع ومن مقابلة الأجانب, ولو تحتّم خروجها لمصلحة معتبرة ولأمر ضروري فلا بد أن يخرج معها أحد من محارمها إلى أن تنقضي حاجتها ثم ترجع معه إلى البيت، مع العلم بأنه إذا لم يحدث شيء مما ذكر فإنكم تكونون قد أديتم واجبكم ولا إثم عليكم بعد فيما ترتكبه هي، ولا يترك إنكار المنكر لمجرد توهم أن أمها قد تتأذى بذلك، لكن إن تحقق أو غلب على الظن أن ذلك قد يؤدي إلى تأثر أمها بما يؤدي إلى تلفها فهذا ضرر أكبر. نسأل الله سبحانه أن يهديها إلى الصراط المستقيم وأن يوفقها للتوبة والرجوع إليه إنه سبحانه تواب رحيم.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 22063 , والفتوى رقم: 17092.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1429(5/575)
تغيير المنكر عن طريق الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم على هذا الموقع الأفضل من رائع وجعله الله فى ميزان حسناتكم ... عندي خادمة مسيحية تدير المنزل وهي متبرجة ولا تراعي اللبس الإسلامي وتتصرف بتصرف غير لائق مع زوجي، ومع أنني فى بلاد مسلمة ويوجد غيرها من الخادمات المسلمات ولكن زوجي رفض استبدالها بأخرى إذا لم يثبت عليها أي خطأ أو إدانة، فهل يجوز لي الكذب عليها لدى زوجي لكي يقوم باستبدالها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما ذكرت من حال تلك الخادمة من المنكر العظيم الذي يجب تغييره وتنبيه الزوج إليه ووعظه ونصحه لاستبدالها بغيرها من المسلمات العفيفات، لكن تغيير ذلك المنكر لا يبيح لك ارتكاب منكراً آخر وهو الكذب على تلك الخادمة ورميها بما لم يكن منها ظلماً وعدواناً..
فعليك بنصح زوجك باستبدال تلك الخادمة بسبب تبرجها وخشية إفسادها لبيتك، وأمر الخادمة نفسها بالالتزام بآداب الإسلام في اللباس وغيره ما دامت في بيتك على الأقل، كما ينبغي دعوتها إلى الإسلام وتحبيبه إليها بالمعاملة الجميلة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأما الكذب عليها واتهامها عند زوجك بما لم يكن منها فلا يجوز، وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39695، 37669، 1126، 1824.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(5/576)
كيف تحاور المبتدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكنني الرد على أهل الصوفية عندما يتهموني بالتشدد وعدم حبي للنبي صلى الله عليه وسلم لأني أتبع أهل السنة ولله الحمد وقد صرح لي بعضهم بكرههم لي لأني أرى ما يفعلون خطأ من مبالغة في مدح النبي لدرجة الشرك إلى البدع التي لا تحصى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكنك أيتها السائلة أن تردي على الصوفية وغيرهم من المبتدعة بذكر الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وأن علامة حبه ودليله القاطع هو اتباع سنته وامتثال أمره واجتناب نهيه، وبيني لهم تحريم الابتداع في الدين وأن كل بدعة ضلالة، وإذا اتهموك بالتشدد فاذكري لهم الأدلة على مشروعية التشدد في مثل هذه الأمور إن كان مشروعا وأنه ليس من التشدد المذموم، وتصريحهم لك بالبغض لا يضرك إن شاء الله ما دمت مستقيمة على الطاعة ومتبعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وبغض المبتدعة لأهل السنة قديم، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجد في الغالب من يبغضه ويحاربه ولذا جاء في القران الأمر بالصبر بعد الأمر بالمعروف، فقال تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان:17} .
ومن سار على طريق الأنبياء في الدعوة إلى الله فسيجد من يعارضه ويبغضه، وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ. {فصلت:43} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1429(5/577)
تنبيه الأم على بداية انحراف سلوك بنتها من أساليب درء الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة رأيت بنتا من عائلتي خارجة عن الطريق قليلا واتصلت بوالدتها بدون أن تعرف أني أنا المتصلة وقلت لها بأن بنتها تمشي مع الشباب مع ذا ومع آخر، سؤالي هل هذا الذي عملته حرام أم ماذا، وضحوا لي. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت من أنها تمشي مع الشباب فما قمت به صواب بل هو الواجب لأنه من السعي في تغيير المنكر لا سيما وأنك قد اتخذت طريقة ذكية سليمة تم فيها تنبيه الأم على ما تقوم به ابنتها لتقوم هي بما يجب عليها من الأخذ على ابنتها وإلزامها الطريقة الصحيحة.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 78716، والفتوى رقم: 99257.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1429(5/578)
النصح لابن تارك للصلاة ويرتاد المقاهي ويرفض الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[ملخص سؤالي: ابني عمره 32 سنة يصلي أحيانا ثم يقطع الصلاة مدعيا أنه إذا رجع إلى الصلاة تقع له مشاكل وإن لم يصل يكون مرتاحا، هذا الابن ليس متزوجا هو يجلس في المقاهي ويرافق المراهقين، وموظف في شركة ويحصل على أجر لا بأس به يكفي لزواجه وإيجار مسكن والعيش بكرامة، لكن لا يريد ذلك، يريد فقط أن يبقى في حاله إنه لا يقتصد شيئا من ماله ويقول إن راتبه لا يكفيه ... خلاصة الأمر: أنه سيطرت عليه نفسه وأهواؤه، وضع حياته في دنياه والآخرة، سؤالي: أرجو منكم أن تنصحه ليتمكن من الخروج من المأزق الذي هو فيه؟ جزاكم الله خيراً وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنصيحتنا هي أن تدعو له كثيراً لأن دعاء الوالد مستجاب، وأن تصحبه معك وتشغله بأمور نافعة عن الجلوس في المقاهي وأماكن الفراغ واللهو، أما كونه لا يرغب في الزواج مع تيسر حاله فلا تجبره على ذلك فقد يكون ولدك ليس عنده رغبة الرجل وميله إلى النساء، لأن الزواج وطلبه أمر جبلي طبيعي في النفس خاصة مع يسر الحال، وإن كان لديه الرغبة في النساء فاحرص على حثه على الزواج وبيان منافعه من تحصيل الولد وتكوين الأسرة والبيت الذي فيه سكن الإنسان وطمأنينته.
أما الصلاة فأدم له النصح والمتابعة والدعاء وتذكيره بالله واصطحابه إلى مجالس الوعظ وأعطه كتباً وأشرطة عن الصلاة وحكم تاركها ليقرأ وليسمع ما يذكره أهل العلم في أمر الصلاة وتعظيمها والحرص عليها، وأن الإيمان معلق عليها، وبينه وبين الكفر تركها، كما في الحديث الصحيح، ويكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة.. وحاول أن تستعين بمن قد يؤثر عليه من أهل الصلاح من الأقارب أو غيرهم كإمام المسجد وخطيب الجمعة ونحوهما.. وبالله التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1429(5/579)
امتناع الشخص عن كتابة الباطل هو الصواب
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا اليوم عندما دخلنا إلى مادة النشاط العلمي وخصوصا أنني مع خلاف مع المعلم في مسألة علمية وقد أغلقنا ملفها ولكن هذا اليوم في آخر الدرس قال لنا إننا سنكتب نهاية الدرس الذي نكتبه وأنه هنالك بعض التلاميذ الذين لن يعجبهم الذي سنكتبه ونظر إلي ونريد أن نكتب ومن بعد قال إن البشر والحيوانات كلهم أتوا من شخص واحد يعني من كائن واحد ولكن بعد مر العصور كل حيوان أو شخص أخد كونه وأنا توقفت عن كتابة تلك الجملة لأنني قلت له إن الإنسان لا علاقة له مع الحيوانات وأن الله هو الذي خلقه وخلق كل ما في الأرض والسماء وأن الحيوانات والإنسان لم يكن لهم كائن مشترك أبدا وأن تلك النظرية العلمية غير صحيحة وقال لي إذن ائتي لي بالدليل على ما تقوله ولا أريد دليلا يتعلق بالدين وقلت له إن تلك المسألة لا يتقبلها العقل ولا الفكر الصحيح والإنسان العاقل الذي يميز بين الطيب والخبيث وقال لي إنني آخذ موقفا من الدين وقلت له أن لا علاقة بالدين بما أقوله فقط لا أريد أن أكتب تلك الجملة لأنها غير صحيحة أبدا وأن لكل واحد معتقداته وعلى كل شخص أن يحترم الآخر وأن لا أريد أن أكتبها فلدي أسبابي الخاصة وهذا شأني وقال لي إنها نظرية علمية ولا يقول إنها صحيحة أو كاذبة ولكن يمكن الأخذ بها وقال لي إن علي أن أخرج من الجحر الذي أنا فيه وقلت له إننا في دولة علمانية وديمقراطية رغم أن مفهوم الديمقراطية هي كل القوانين التي فيها مصلحة الناس وأننا لدينا الحق في الاختلاف وعندما خرجت من القسم قلت لزميل لي جزائري أن كتبها وقال لي لا ولكن المعلم لم يقل له أي شيء وهاجمني أنا لأنني أن الذي كنت دائما أقول له لا ذلك غير صحيح وقال لي زميل آخر من أصل أمريكي هل رأيت يا محمد الإنسان أتى من القرد حتى المعلم يقول ذلك أنت وحدك الذي لا تقبل تلك النظرة العلمية وأجبته بأن المعلم هو أيضا مسيحي أو ملحد وأنا أكثرية التلاميذ في القسم مسيحيون ولا يعرفون شيئا عن الإسلام وقال لي إنني إنسان متطرف وأن المسلمين حتى هم يعتقدون بتلك النظرية وأجبته أنه عليه أن يسكت وأنه لا يعرف أي شيء عن الإسلام سوى الصورة المسيئة التي تنشرها وسائل الإعلام الأوربية والأمريكية وإن كنت متطرفا كما يقول وما دخله في الموضوع وأنا لست متطرفا أبدا بل أتبع الحق أهل السنة والجماعة والسلف الصالح وقلت له إن عليه أن يغير نظرته إلى الإسلام وأن لا يمسه أبدا بكلام سيء وكل الزملاء الآخرين ينظرون إلي بنفس النظرة وقال أحدهم أنا لا أحب مواقف محمد وخصوصا في ما يقوله عن الإسلام وللمزيد عن المعلومات أنا صاحب السؤال رقم:2161794 والرقم 2161801 فإذن هل ما فعلته صواب إنني لم أرد أن أكتب تلك الجملة لأن الإنسان عندما يكتب شيئا فهو يعني موافق على ذلك الشيء الذي يكتبه وكيف أتعامل مع زملائي وخصوصا أنهم من الأمريكيين والانجليز والدنمارك والفرنسيين والأسبان كما إنني أوجد في بلاد الغرب ولا داعي أن تشيروا لي إلى الفتاوى عن العيش في الغرب لأنني تفحصتها وأيضا لماذا ليس هنالك علماء يأتون إلى أوروبا من أجل التعريف بالإسلام علماء مشهورون وأن يطلبوا من القنوات الأوربية استضافتهم لكي يشرحوا للغرب ما هو الإسلام لأن هنا الكثير لا يعرف عنه سوى ما يراه في التلفاز.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الرد على سؤالك، نريد أولا أن نزيدك معرفة بنظرية دارون المعروفة بنظرية النشوء والارتقاء أو بنظرية الانتخاب الطبيعي، ولك أن تراجع فيها فيما قيل عنها فتوانا رقم: 4755.
وما فعلته من الامتناع عن كتابة الجملة المذكورة هو الصواب، لأنها تشتمل على منكر يجب إنكاره حسب الاستطاعة.
وفيما يخص تعاملك مع زملائك المذكورين، فينبغي أن تحرص في تعاملك على دعوتهم إلى الإسلام وتعريفهم به، ويمكنك أن تنتهز الكلام عن بطلان نظرية النشوء والارتقاء ضمن الدعوة إلى الله.
ولتكن دعوتك لهم بتوخي الحكمة والجدال بالتي هي أحسن واختيار الكلمات المؤثرة، كما قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125}
واعلم أنك إن وفقك الله إلى أن تكون سببا لهداية بعض هؤلاء فإنه يكون لك بذلك خير كثير، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه.
واصبر واحتسب فيما يصيبك من أذى فإنك مأجور بكل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1429(5/580)
واجب من اطلع على من يفعل المنكرات من المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث.. قال رسول صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعرف شبابا إخوة من شباب المساجد كانو يعملون أعمالا منكرة والتي لا يقبل الإنسان المسلم بأن يعملها وهي من الأفعال المنكرة والخبيثة، السؤال: هل أقول بسرهم، أم أنني أبقى ساترا لأفعالهم وأعمالهم وأتلبس أنا بالذي كانو يعملونه؟
بارك الله فيكم، فأرجو الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فالذي ينبغي هو الستر على مرتكب المعصية إذا لم يكن مجاهراً بها، ويجب نصحه بالتوبة والابتعاد عنها، وليس معنى ذلك أن يمارس الناصح نفس الأفعال التي ينهى عنها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننقل لك ما جاء في تحفة الأحوذي في شرح الحديث المسؤول عنه، قال: من ستر على مسلم. وفي حديث ابن عمر: من ستر مسلماً أي بدنه أو عيبه بعدم الغيبة له والذب عنه معائبه، وهذا بالنسبة إلى من ليس معروفاً بالفساد؛ وإلا فيستحب أن ترفع قصته إلى الوالي، فإذا رأى في معصية فينكرها بحسب القدرة، وإن عجز يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتب عليه مفسدة، كذا في شرح مسلم للنووي. ستره الله في الدنيا والآخرة. أي لم يفضحه بإظهار عيوبه وذنوبه.. انتهى.
ومن اطلع على من يفعل المنكرات من الإخوة المسلمين فإن عليه أن ينصحهم بتجنبها وبالتوبة منها، لعل الله أن يهديهم، ففي الحديث الشريف: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه.. وعليه أن يستر عليهم إذا لم يكونوا مجاهرين، لما ورد من صحيح السنة في ذلك، وليس معنى الستر عليهم أن يمارس هو ما كانوا هم يمارسونه، بل الواجب أن يبتعد هو أيضاً عن ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1429(5/581)
أم زوجها ترتكب المنكر في بيتها فماذا تفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة وأم زوجي سبب مشاكلي، فهي تغضب ربها ودائما أنا وهي في مشاكل، وزوجي يريدني أعتذر لها وأنا لا أريد أن أعتذر لأنه لا علم له بالموضوع، أمه تأتي إلى بيتي هي وعشيقها على فراشي وحياتي صارت جحيما مع هؤلاء الناس، ولا أستطيع أن أقول لزوجي عن أمه وأخواته، أريد نصيحتكم فأنا متعبة ولا يمكنني أن أتحمل سبع سنين لأن المسألة قد وصلت لبيتي، وقد أصبحت أتعذب لأني أخشى أن أكون شريكة لهن أو معينة لهن على الإثم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أمر هذه المرأة فعلا كما ذكرت فلا يجوز لك السكوت على ما تفعله من منكر داخل بيتك ولا السماح لها بذلك، وإن لامك زوجك فينبغي أن تبيني له سبب منعك لها من دخول بيتك، وينبغي لك نصحها ووعظها وتخويفها من عاقبة فعلها، ويمكنك أيضا عرض الأمر على ابنها ليعلم حقيقة فعلها وينصحها ويمنعها من ذلك الفعل بما استطاع،ولا تسكتي على ذلك المنكر أو ترضي بفعله في بيتك وإلا كنت شريكة لها في الإثم.
وللمزيد انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25032، 95109، 79001، 46294، 2383، 97086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(5/582)
وسائل تغيير الألفاظ الكفرية الشائعة في زمننا
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد الأيام كنت أنا وبعض الإخوة عائدين من المسجد وعندما وصلنا قرب منزلي وقفنا، وفجأة خرج أحد الجيران بسكين وهو يسب الله سبحانه ورسوله بألفاظ خبيثة جدا. السؤال هو: إذا تكرر مثل هذا ماذا يجب علينا أن نفعل؟ مع العلم أن إذا أخبرنا السلطة ستكون ضدنا لأنها تحاربنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
سب الله ورسوله كفر، وتغيير منكر السب واجب مع القدرة، فعليكم بالتكلم مع هذا الرجل حتى تقنعوه بوجوب البعد عن هذا الأمر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على من رأى بعينه المنكرات أن يسعى جاهدا في تغييرها بحسب الاستطاعة، فإن كان له ولاية غيره بيده، وإلا غيره بلسانه إن استطاع، فإن لم يستطع غير ذلك بقلبه بأن يبغض المنكر وفاعله، ولا شك أن سب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المناكر فهو يعد من الكفر بالله تعالى؛ كما نص عليه شيخ الإسلام في الصارم المسلول، وابن قدامة في المغني، ولا شك أن من أخطر الظواهر الموجودة في بعض المجتمعات أن يكون بعض الناس كلما غضب في أمر ما بدأ يسب الله ورسوله، فهذه الظاهرة يتعين على عقلاء الأمة السعي الحثيث بجد في إقناع الناس بالبعد عنها واجتنابها عن طريق الحوار وبيان خطورتها على العقيدة، وأنها ناقضة للإسلام، وأن صاحبها يحكم عليه بالقتل، ولكنه لا يقتله إلا السلطان أو نائبه، كما نص عليه النووي في المجموع.
فاسعوا إلى الاتصال بهذا الرجل في وقت هدوئه ورهبوه مما وقع وحاوروه بالتي هي أحسن حتى تقنعوه بالإقلاع عن هذه العادة الخبيثة، وأعيروه بعض الرسائل والأشرطة المبينة لخطورة الردة ولأنواعها وعقوبتها، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 68385، 1845، 23340، 59146.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1429(5/583)
طرائق هادية لحمل الزوجة على ترك المخالفات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقبل على الزواج بمشيئة الله تعالى وقد خطبت فتاة وهي فتاة تصلى صلاتها، ولكن حالها كحال العديد من الفتيات في هذا العصر وفي مجتمعنا خاصة، ولكنها ممن يحبون الغناء والمسلسلات والأفلام مع أني قد بحث مدة طويلة وأوصيت العديد من أهل الخير لكي أرزق بفتاة ملتزمة، ولكن لم يقدر الله ذلك، وقد دعوت الله واستخرت الله في ذلك، وهى من أسرة طيبة وذات خلق بشكل عام والسؤال أن تنصحوني في كيفية التعامل معها من أجل أن يسخر الله لها بترك هذه الأمور، فهل الشدة والقطع النهائي أفضل أم بالصبر والنصح باللين
فأفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحيث لم تجد فتاة أفضل من هذه في جانب الدين، فلا بأس بالزواج بها، فكونها من المصليات وعلى خلق ومن أسرة طيبة يبعث على اختيارها زوجة ويعد أساساً يمكن أن تبني عليه ما تريد لها من الالتزام والتدين، ومسألة استماعها للغناء ومشاهدتها للأفلام ونحو ذلك تأثراً بمن حولها، سيزول إن شاء الله بانتقالها إلى بيئة صالحة وجو جديد، لا سيما إذا وجدت البدائل لهذه الأمور.
وعن كيفية التعامل معها لحملها على ترك تلك المخالفات فالأمر يختلف بحسب طبيعتها، فمن الناس من يحتاج إلى مرونة وتدرج وإقناع حتى يترك العادات السيئة، ومنهم من ينفع معه الحزم والفطام، فانتظر حتى تفهم طبيعتها وتعرف الطريقة المناسبة للتعامل معها، واعلم أنك قبل أن تعقد عليها تعتبر أجنبية عليك فيجب أن يكون تعاملك معها من هذا المنطلق، فلا تخلو بها ولا تتحدث معها من غير حاجة معتبرة ... وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(5/584)
حكم المقصر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا رأيت طالبة تغش في الامتحان ولم أخبرها أنه حرام لأنها سوف تقول إنها تعلم ذلك
وما الحكم إذا رأيت طالبة تلعن معلمة لها ولكني لم أخبرها أن اللعن حرام وكبيرة.
أستغفر الله إنني ندمت على عدم نهيي عن المنكر فما حكم الذي فعلته، وهل لي أن أتوب؟ وكيف؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
على من قصر في واجب النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يتوب إلى الله تعالى، ويعقد العزم على أن يؤدي الواجب في ما بقي من عمره، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الغش من الأعمال القبيحة التي لا يقتصر ضررها على صاحبها ولذلك حرمه الشرع فقال صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا. رواه مسلم وغيره.
ولذلك فإن عليك أن تنصحي من يمارسه بتركه، وتبيني له حكمه بالحكمة وطريق النصح أداء لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لكل مسلم، فبذلك تنالين الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى بغض النظر عن قبول الفاعل أو رفضه وعلمه أو جهله.
وهكذا الأمر بالنسبة لمن يلعن أو يسب ...
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.
وعلى من قصر في واجب النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يتوب إلى الله تعالى، ويعقد العزم على أن يؤدي الواجب في ما بقي من عمره، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وللمزيد انظري الفتاوى التالية أرقامها: 49844، 70912، 45354. .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1429(5/585)
قراءة الفنجان منكر ينهى عنه بالحكمة والموعظة الحسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت في مشادة كلامية مع خالتي منذ عدة أيام عن مدى حرمة قراءة الفنجان وما إلى ذلك من أعمال الدجل والجهل البين، وللعلم فإن خالتي ممن يرفعون صوتهم في المناقشات ويفقدون السيطرة على أنفسهم مما يجعلني أشعر بالغضب الشديد فطالت المناقشة وزاد غضبي فقمت بوصفها بالجاهلة، فما رأي حضراتكم في ذلك وماذا كان يجب علي فعله أو فعله في مثل هذه المواقف؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
قراءة الفنجان نوع من الكهانة، ولكن تغيير هذا النوع من المنكر يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، لا بالغضب ونحوه..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة الفنجان هي نوع من أنواع الكهانة، وقد حرم الشارع الإتيان إلى الكهان والعرافين والمشعوذين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي وأبو داود.
ولا شك في أن خالتك إذا كانت تريد برفع صوتها تأكيد أن قراءة الفنجان ليست محرمة ونحو ذلك ... فإنها بذلك تكون مخطئة خطأ إضافياً.
ولكن على الداعية أن يكون حكيماً في أسلوب دعوته، يختار لمن يدعوهم الأسلوب الحسن المناسب، فقد قال جل من قائل: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} .
كما أن الغضب مذموم في الشرع، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه الوصية فقال له: لا تغضب فردد مراراً قال: لا تغضب. رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فكان من واجبك أن لا تغضب، وأن تكون حكيماً في تغييرك للمنكر، كما أن من واجبك أيضاً أن تراعي في تلك المرأة حق القرابة، فإن الخالة من الرحم القريب جداً، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الخالة والدة من حديث علي الذي رواه أحمد في المسند وسماها أماً في حديث آخر رواه أبو داود، ولا يخفى أن هذا يعطيها مزيداً من الاحترام والتبجيل.
أما الآن وقد حدث ما ذكرته فالذي نراه عليك هو أن تعاود خالتك وتعتذر لها عما صدر منك، ثم تبين لها بلطف وأدب أن الذي حملك على ما قلته لها هو شدة حرصك على هدايتها، فإن الكهانة والشعوذة هما من الأمور الخطيرة ... ونسأل الله أن يعيننا وإياك على تغيير المنكر، وعلى السداد في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(5/586)
حكم حضور الاحتفالات بغرض التقليل من المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في كلية الهندسة، في السنة الأخيرة والحمد لله
ومن المعروف عندنا أنه كل دفعة عندما تصل إلى السنة الأخيرة، تقيم ما يسمى بـ"حفل التخرج" وهو حفل يجتمع فيه الطلبة ويكون فيه بعض الفقرات، وتكريم بعض الطلبة وهكذا
والمشكلة أنه في هذه الاحتفالات يكون هناك العديد من الأمور المنكرة مثل الأغاني أو الاختلاط..
وأنا بفضل الله رئيس لفريق خيري عندنا في الدفعة، أعني أنني ولله الحمد لي كلمة مسموعة في الدفعة
وقد اختلط علي الأمر..فلا أدري هل أشارك في تنظيم هذا الحفل لكي أحاول أن أقلل من المنكر فيه قدر الاستطاعة ... أم أبتعد عن الأمر تماما وأترك كل هذا برمته؟
وسبب حيرتي أنني إذا شاركت في التنظيم محاولا تقليل المنكر، فلن نستطيع أن نصل إلى الدرجة المثالية (أقصد أنه ربما قللنا المنكر لكن لن نمنعه كلية) أما إذا لم أشارك في الأمر من الأساس فستحدث كوارث والعياذ بالله بلغني من أحد المسؤولين أن هناك فتيات وفتيان يريدون فقرة رقص في الحفل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الأصل أنه لا يجوز للمسلم حضور المنكر؛ لقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعً ا {النساء:140} .
وروى الترمذي والنسائي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها بالخمر.
هذا هو الأصل.. ولكن إن كان هنالك غرض مشروع من حضور المسلم إلى مكان المنكر كإنكار المنكر والسعي في تقليله فلا حرج في حضوره، ومن مقاصد الشرع في إنكار المنكر التقليل منه وإن لم يزل بالكلية.
قال ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين: إنكار المنكرات أربع درجات: الأولى: أن يزول ويخلفه ضده، الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته، الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله، الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه، فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة. اهـ.
وعلى هذا؛ فإن غلب على ظنك أنك بحضورك يمكن التقليل من المنكرات في هذا الحفل وأمنت الفتنة، فلا حرج عليك في الحضور والمشاركة في تنظيم هذا الحفل، وعليك أن تحترس قدر الإمكان من المشاركة في تنظيم ما له علاقة مباشرة بالمنكر المعين، وإن أمكنك المراقبة بعيدا عن مكان المنكر فلا يجوز لك الحضور في نفس مكان المنكر، إذ إن مشاركتك للحاجة، والحاجة تقدر بقدرها.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1429(5/587)
واجب من اطلع على شخص يدخن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يستتر على شخص يدخن ولم يبلغ والديه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الستر على المسلم مرغب فيه شرعا، والنصح له واجب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على من اطلع على شخص يدخن أو يرتكب غير ذلك من المحرمات والمخالفات الشرعية أن ينصحه لله تعالى، ويبين له أضرار التدخين وحرمته والأدلة الشرعية على ذلك إن كان يعلمها لعل الله تعالى يهديه على يديه فينال بذلك ما جاء في الحديث: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
وأما الستر عليه- إذا لم يكن مجاهرا- فمأمور به شرعا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم وغيره.
فإذا لم يستجب وكان صغيرا ما زال تحت رعاية والديه فعليه أن يبلغهما بدون تشهير به- وهذا من النصيحة للدين للشخص نفسه ولوالديه- حتى يمنعاه من هذه المخالفة الشرعية والعادة السيئة قبل أن تستحكم فيه.
وللمزيد انظر الفتاوى: 93737، 21816، 65614.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(5/588)
وجوب تضافر جهود العلماء والمنظمات الإسلامية لفضح فتن الضالين
[السُّؤَالُ]
ـ[يبث حاليا على القمر الصناعي المصري النايل سات قناة الأحمدية تلك الطائفة التي تدعي أن غلام أحمد هو المسيح الموعود والمهدي المنتظر كما يزعمون لعنة الله عليهم، بل إن بعض المسيحيين الحديثي الدخول في الإسلام يتبعون هذه الطائفة الضالة ظنا منهم بإنه الإسلام الحقيقي خصوصا وأنهم يعتمدون على القرآن الكريم ويدعون التوحيد واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا فأنا أسأل عن دور العلماء في مثل هذه الحالات.. أين علماء الأمة ولماذا لا يضغطون على الحكومة المصرية لمنع بث هذه القناة المضلة، وما هو دور المنظمات والهيئات الإسلامية إن لم تتمكن من وقف بث هذه القناة، يا شيخ جزاك الله كل خير كلي أمل أن تحاول أنت وكل المشايخ الأفاضل من أجل وقف بثها فهي قد تضل أي شخص يجهل حقيقة الدين الإسلامي فهي وإن كانت سابقا تدعي أن الحج لا يكون إلا لقديان وإن كتابهم أفضل من القرآن وأن مدينة قديان خير من مكة المكرمة والمدينة المنورة فهم يبثون حاليا على قناتهم يبثون تلاوات للقرآن الكريم وصور لمكة المكرمة والمدينة المنورة حتى يضلوا عامة المسلمين أرجو التحرك بسرعة؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكر لك غيرتك على الدين وحرصك على بذل ما أمكن في إيقاف الشر جعلنا الله وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر، وعلى علماء الأمة أن يهتموا بواجبهم وقيامهم بوراثة النبوة، فعليهم أن يقوموا بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، فلا بد أنهم ينصحون الناس ويعلمونهم الخير، ويجاهدون خلوف الشر، وينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ففي الحديث: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. رواه البيهقي وصححه الألباني.
وفي حديث مسلم: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
فعلى العلماء والمنظمات والهيئات الإسلامية أن يبذلوا قصارى جهدهم في إيقاف الشر، ويكثروا من سؤال الله تحقيق ذلك. وعلى الحكومات أن تمنع الدعاية للضلال في بلادها.
وراجعي للمزيد في الموضوع وللاطلاع على بعض ما كتبناه سابقاً في القاديانية وفي هذه القناة وأمثالها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74833، 98176، 95424، 5419.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(5/589)
واقعك يبعث على الخوف ويبعث على الأمل
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن القرب من الله، أنا شاب عاصٍ ووالله ما أعلم أحداً أكثر مني معصية، وآتاني الله علماً قليلاً وذلك بفضله ومنّه. والمشكلة هي أن الناس من حولي يحسنون الظن بي، ويقدمونني للصلاة (فقد درست أحكام التجويد على يد مشايخ ووهبني الله صوتاً حسناً) ، بل ويقدمونني لإعطاء الدروس والمحاضرات وهذه هي المصيبة فأنا أنصح الناس وأحاضر فيهم، بل وأستفتى في كثير من الأمور، المصيبة أنني في هذه السنة طلب مني أن أخطب صلاة العيد، وكثيراً ما يمدحني كثير من الأناس المقربين في المسجد الذي أدرس فيه، ولكن الخطبة في العيد فهذه مصيبة كبرى، فسيحسن الظن بي خلق كثير، وأنا والله لا أعلم أحداً أجهل مني ولا أكثر معاصي مني ولو علم الناس سريرتي لما نظروا في وجهي والله، وأريد أن أعرف هل هذا استدراج من الله أم هي عاجل بشرى، وماذا يجب عليّ أن أفعل حتى أكون خيراً مما يظن الناس بي وأن أكون عند الله خيرا ًمني عند الناس ... يا شيخنا والله إن الأمر يؤرقني وأخشى أن أكون أول من تسعر بهم النار أو أن أهلك وينجو الناس كلهم. فأرجو أن تشفوا غليلي. بارك الله فيكم ونفع بعلمكم وفتح الله علينا وعليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرء إذا كان مقيما على المعصية فإن عطاء الله عز وجل له ما يحبه ويتمناه هو من باب الاستدراج، نسأل الله السلامة والعافية. روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما نسوا ما ذكروا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ.
كما أنه قد ورد وعيد شديد فيمن يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. رواه البخاري ومسلم.
فقولك إنك عاص، وحلفك أنك لا تعلم أحدا أكثر منك معصية، وأن الناس لو علموا سريرتك لما نظروا في وجهك ...
ومع كل هذا فالناس من حولك يحسنون الظن بك ويقدمونك للصلاة وإعطاء الدروس، وتُستفتى في كثير من الأمور، وتخطب في صلاة العيد ... وتُمدح كثيرا من طرف الناس المقربين من المسجد الذي تدَرِّس فيه ...
نقول: إن هذا الواقع الذي وصفته يبعث على الخوف، فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ. {سورة الصف:3،2} .
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن شعورك بالذنب، وخشيتك من أن يكون ما أنت فيه استدراجا، وحرصك على معرفة الفعل الذي تكون به خيرا مما يظن الناس بك، وعلى أن تكون عند الله خيرا منك عند الناس ... وخوفك وأرقك من أن تكون أول من تسعر بهم النار ... هو في المقابل مما يدل على الإيمان، وحسن السريرة.
فننصحك بالتوبة مما ذكرته من المعاصي، وبالإخلاص في عبادتك، والعمل على تقوية الإيمان وبالدعاء بالأدعية التي أرشد إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن خشي من الرياء، والتي منها: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. ومنها: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، ودعاء لا يسمع. رواه أحمد.
ونحو ذلك من الأدعية ... ويحسن أن تفعل ذلك في أوقات السحر، مع الإكثار من الاستغفار.
ونسأل الله أن يسلك بنا وبك سبل النجاة، ويهدينا إلى صراطه المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1428(5/590)
حكم حضور العرس المشتمل على منكر
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت لحضور عرس إحدى قريباتي من باب صلة الرحم، ولكن العرس للأسف كان مختلطا، النساء مع الرجال
فهل أنا آثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن دعي إلى وليمة مشتملة على منكر من المنكرات فلا يخلو الأمر من أحوال:
الأولى: أن يعلم قبل ذهابه أن ثم منكراً في الوليمة وكان قادراً على تغييره، فهذا يلبي الدعوة ويغير المنكر، قال صاحب الزاد ممزوجاً بشرحه الروض: وإن علم المدعو أن ثم أي في الوليمة منكراً كزمر، وخمر، وآلات لهو، وفرش حرير ونحوها، فإن كان يقدر على تغييره حضر وغير؛ لأنه يؤدي بذلك فرضين إجابة الدعوة، وإزالة المنكر.. انتهى.
الثانية: أن يعلم أن ثم منكراً قبل ذهابه وعلم من نفسه عدم المقدرة على تغييره، فهذا يحرم عليه تلبية الدعوة وحضورها للأدلة الدالة على عدم جواز حضور أماكن المعصية وشهودها ووجوب مفارقتها.
قال في الروض تتميماً للكلام السابق: وإلا يقدر على تغييره أبى الحضور، لحديث عمر مرفوعاً: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر. رواه الترمذي.. انتهى.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ. فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ... فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. انتهى.
الثالثة: أن يحضر من غير علم بوجود منكر ثم يعلم به بعد حضوره، فيجب عليه الإنكار حينئذ، فإن زال المنكر جلس وإن لم يزل انصرف، قال في الروض: وإن حضر من غير علم بالمنكر ثم علم به، أزاله لوجوبه عليه، ويجلس بعد ذلك فإن دام المنكر لعجزه أي المدعو عنه انصرف لئلا يكون قاصداً لرؤيته وسماعه.
الرابعة: أن يعلم بوجود منكر ولكنه لا يراه ولا يسمعه فهو مخير حينئذ بين البقاء وبين الانصراف، قال في الروض: وإن علم المدعو به أي بالمنكر ولم يره، ولم يسمعه خير بين الجلوس والأكل والانصراف لعدم وجوب الإنكار حينئذ.
وبهذا يعلم الأخ السائل أنه كان يجب عليه الإنكار عند ذهابه للعرس وعلمه بالمنكر -الاختلاط- وأنه إن لم يزل ذلك المنكر تعين عليه الانصراف.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 23476، والفتوى رقم: 23428، والفتوى رقم: 3539، والفتوى رقم: 49422.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1428(5/591)
من وسائل تقويم الأب الذي يقترف الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي بلغ 67 والحمد لله يتمتع بصحة جيدة وبشكل أصغر من شكله، وأمي متوفاة منذ 17 عاما، وتزوج بعدها مرتين وطلق، ولكنه الآن يدخل فى كثير من العلاقات المحرمة شرعا، حيث يصطحب نساء إلى المنزل وأكثر من مرة يرجع أخي من الخارج يجده فى أوضاع مخلة، وكل مرة مع امرأة شكل، هذا بالإضافة إلى وجود البيرة والفيجرا فى الثلاجة بشكل دائم، كل هذا بدأ من بعد زواجي، فأنا البنت الوحيدة وبعدما تزوجت وسافرت بدأ أبي في هذه العلاقات، ولقد رأيت بنفسي عندما نزلت زيارة، ولا ندري ماذا نفعل معه، لقد تحدثنا معه بالحسنى، واقترحنا عليه الزواج لكنه يتحجج بأنه لا يريد أن يتزوج ويفشل، نحن نخاف عليه من انتقام ربنا، وخصوصا أنه يحرض أصدقاءه على الزواج العرفي والخروج مع النساء،،، بالرغم من أنه يصلي ويقرأ القرآن وحج بيت الله أكثر من مرة، نخاف أن يفضحه الله بسوء الخاتمة، وفي نفس الوقت لا يوجد لدينا أحد كبير فى العائلة لكي يكلمه، لقد أصبحت سيرتنا على كل لسان في المنطقة بعد ما كان يضرب بنا المثل في الأخلاق والسمعة الطيبة، أخاف أن زوجي يعرف وتنكشف القناع وخصوصا أنني أرسم لأبي صورة مثالية أمامه، الموضوع بجد زاد عن حده فأبي على علاقة بامرأة متزوجة، وأخرى وأخرى حتى التي تمسح السلم، وجدها أخي عندنا في المنزل مرة عندما رجع البيت فجأة من الشغل ليأخذ أوراق نسيها. أخي قرر ترك البيت لأنه لم يعد يتحمل نظرات الناس والجيران ولم يعد يتحمل أن يرى أباه في أوضاع مخلة مع نساء عاريات، كلما يرجع البيت على حين غرة، ولكني أقول لأخي أقعد حتى لا نتركه لوحده وخصوصا أني أخاف أن يمرض ليلا ولا يجد أحدا بجانبه وخصوصا أني خارج مصر، وبالرغم من هذا فلم أسلم، فأمس اتصلت بي زوجة صاحب أبي وكانت صاحبة أمي الله يرحمها ونحن على علاقة بهم منذ أكثر من 26 عاما نعتبرهم من أقربائنا، وقالت لي إنها اتصلت بأبي تعاتبه لأنه شجع زوجها على الزواج العرفي وأنه شاهد على العقد، فقال لها أبي اتركي لزوجك البيت وتعالي اقعدى معي، اتصلت بي وهي منهارة، لأنها هي أيضا كانت ترى أبي بصورته المثالية التي يظهرها أمام الناس، فأبي أمام الناس والعائلة رجل مثالي في كل شيء ولكننا اكتشفنا أنه غير ذلك تماما، خائفين عليه ولا ندري ماذا نعمل معه، وطبعا غير قادرين على أن نقاطعه لأنه أبونا وبره واجب علينا، ولكننا عندما تحدثنا معه بكل حسنى قال لنا أنا هكذا ولو غير عاجبكم اعتبروني مت، فطبعا أصبحنا نغلق عيوننا أمام أفعاله، ونسكت ولكن ضميرنا غير مرتاح، بالله عليكم أفتونا ماذا نفعل معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن ما ذكرته عن أبيك من علاقات محرمة، كاصطحاب النساء إلى المنزل، ووجود البيرة والفياجرا في ثلاجته بشكل دائم، وتحريض أصدقائه على الخروج مع النساء، وغير ذلك مما بينته، يعتبر أخطاء فاحشة وابتعادا عن الدين، والواجب على من كان أبوه في مثل هذه الحال، أن ينكر عليه بحسب استطاعته، عملا بما في صحيح مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وعليه.. فاسعي مع إخوتك في إصلاح أبيكم، فإذا لم تستطيعوا الحيلولة بينه وبين المعصية وتخليصه منها بالطرق المتاحة لديكم، والتي لا تخل ببره، فلا أقل من أن تنكروها عليه، وتظهروا له عدم الرضا بمعصيته، وتذكروه بما أعده الله للعصاة، وترهبوه بالآيات الواردة في شأن الذين يخالفون أمر الله عزو جل، مع الدعاء له في أوقات الإجابة، ويكون التذكير بالقول اللين والموعظة الحسنة، لعله ينتفع ويقلع عن معصيته، ومع هذا فلا بد من بره، ومصاحبته بالمعروف، وطاعته في غير معصية. ونسأل الله أن يعينكم ويكلل مساعيكم بالنجاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1428(5/592)
الموقف من الديوث
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الديوث؟
وما موقفي أنا تجاه الديوث وما حسابي إذا لم يأخذ بكلامى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق تعريف الديوث في الفتوى رقم: 56653، والموقف منه هو الإنكار عليه وعلى من يقره على المعصية من أهله ومحارمه، ويختلف نوع الإنكار باختلاف قدرة المنكر، فإن كان قادرا على الإنكار باليد فعليه تغيير المنكر بيده، وإن لم يكن كذلك فليس أمامه سوى النصح والتذكير، وله إبلاغ من له القدرة على التغيير، ما لم تترتب على ذلك مفسدة أعظم، فإذا قام من ذلك بما يلزمه فلا يؤاخذ بعد ذلك بما يفعله الديوث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1428(5/593)
الزوجة قد تحاسب على عدم نصحها لزوجها المتهاون في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة وهل عليها أن تنصح زوجها بالصلاة في أوقاتها، علما بأن الزوج في التقاعد ويبلغ الستين وماذا عن المرأة التي تنصح وتتشاجر مع زوجها لكي يحافظ على الصلاة في أوقاتها وهو (مر سن) اللهو والمقاهي، وماذا تفعل عندما يجيبها أنه لن يشترك معها قبره وأن الله وحده هو الذي سيحاسبه وليس هي، فهل يجوز للزوجة أن تكرر عليه النصح رغم هذا الجواب القاسي الذي قاله لها؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على الزوجة أن تنصح زوجها بالحكمة واللين إذا رأت منه التهاون في أداء الصلاة قياماً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ينبغي لها أن تيأس من صلاحه ونصحه إذا رأت منه الصد عن قبول النصيحة والعمل بها، بل ينبغي لها أن تكرر النصح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم.
وأما قوله لها بأنه لن تحاسب معه في القبر فهذا قول يدل على جهل قائله، فالزوجة لا تحاسب على تقصير زوجها في الصلاة، ولكنها قد تحاسب على ترك نصحها له أو تهاونها في ذلك، وانظري للأهمية في ذلك الفتوى رقم: 70904، والفتوى رقم: 99398.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(5/594)
كل واحد مسؤول عمن استرعاه الله عليه، وسيسأل يوم القيامة عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت منذ شهور حديثاً نبوياً فحواه أن هناك أربعة يُسألون عن حجاب المرأة: أبوها، وأخوها، وزوجها، وابنها". فما مدى صحة هذا الحديث، وماذا يقول المرء في حال ثبوت صحة الحديث لقريباته اللاتي يواجهونه بالسؤال التالي: "فماذا يفعل الابن الذي ترفض أمه أن تتحجّب ... أيُعقل أن يضربها أو يحبسها في المنزل"؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على حديث بهذا المعنى، لكن دلت نصوص أخرى على أن كل واحد مسؤول عمن استرعاه الله عليه، وسيسأل يوم القيامة عنه.
من هذه النصوص قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6} .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته ... الحديث متفق عليه.
فالوالد راع في بيته وسيسأل عن أهل بيته ومنهم بناته، فسوف يسأل عن تقصيره في أمرهم بالمعروف ومنه الحجاب ومثله غيره من الواجبات، كذلك الزوج راع في بيته وسيسأل عن زوجته وهل ألزمها بالحجاب وبما افترض الله، ومثله الأخ سيسأل عن أهل بيته ومن ضمنهم أخته إذا كان له عليها ولاية، أو كان يتمكن من نهيها عن المنكر ولم يفعل، وقل مثل ذلك في الابن إذا رأى أمه ترتكب منكراً ولم يقم بما يجب عليه تجاهها من نهيها عن ذلك المنكر بما يناسب مقامها، وأمر الوالدة بالمعروف يكون بالنصيحة والتعليم والتربية والتوجيه، وليس معناه الضرب أو الحبس أو نحوهما، فلا يجوز إغضابها؛ بل ينهاها عن المنكر بالحسنى، فإذا غضبت سكت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1428(5/595)
الأدلة على حرية التعبير والنصح والنقد
[السُّؤَالُ]
ـ[الدليل من القرآن على حرية التعبير وحق إبداء الرأي والنصح والنقد والاعتراض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن الكريم يؤكد على آفاق واسعة من الاختيار والتصرف المربوط بالمسؤولية، والقرآن الكريم يقرّ بتعددية الآراء وتنويعها، حيث يقول تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {هود:118} ، ففي كل الأحوال يجب أن تكون آراء متعددة في المجتمع الإسلامي تعكس تنوعه وتياراته الفكرية، قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ {التوبة:71} ، أي أن المجتمع الإسلامي بشقيه الرجولي والنسوي (المؤمنون والمؤمنات) يتمتع بحرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لا يقتصر على الأمور الدينية والعبادات والعقائد، بل كل نشاط إنساني في التفكير، والنقد والمعارضة وتقييم الأمور السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
ومع هذا فينبغي معرفة أن الإسلام منهج وسط ومعتدل بين الإفراط والتفريط، والحرية فيه مقيدة بموافقة الشرع، حتى لا تختلط الأمور، وحتى لا يفسد نظام الكون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1428(5/596)
هل يجب أمر النساء بتغطية أقدامهن في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عرفت من موقعكم الطيب أن مسألة قدم المرأة قد اختلف فيها بين الحنفية وبقية المذاهب الفقهية في كونها عورة أم لا، فهل واجب علي أن آمر أهلي بالحسنى أن يغطوا أقدامهم في الصلاة وغيرها أم أن هذا الخلاف الفقهي يعطي فسحة ولا إثم إن لم آمرهم بذلك؟ شكراً.. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى مذهب الجمهور يجب عليك أن تأمر زوجتك وقريباتك بستر أقدامهن في الصلاة، أما خارجها فيجب عليهن ستر الأقدام أمام الأجانب.
أما على القول الثاني فلا يجب عليك ذلك وهذا كله فيما إذا كانت المرأة التي تفعل ذلك تفعله جاهلة، أما إن كانت تفعله تقليداً لمن قال به من أهل العلم فإنها لا إثم عليها في فعله ولا إثم عليك في ترك أمرها بمقتضى المذهب الآخر.
وعموماً فلا شك أن الأولى أمرهن بذلك احتياطاً للدين وخروجاً من الخلاف، وانظر الفتوى رقم: 4523، والفتوى رقم: 5777.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(5/597)
التواصل مع خال الزوجة المنكر للسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[خال زوجتي من الذين ينكرون صحة السنة ولا يفطر إلا بعد المغرب بكثير قرب العشاء ويقول إن الإفطار بعد دخول الليل والليل يبدأ من العشاء وليس المغرب وزوجتي تريد أن تصل خالها كأن تدعوه للإفطار أو تقوم بزيارته ... فهل يجوز لي أن أدعوه إلى بيتي أو آكل معه أو أقوم بزيارته؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إنكار السنة كفر والعياذ بالله تعالى، وصلة رحم الكافر غير واجبة، وتباح فيما يتعلق بأمور الدنيا مثل الزيارات ونحوها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إنكار السنة وحجيتها كفر والعياذ بالله تعالى، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 25570.
ولكن تكفير الشخص المعين لا بد أن يسبقه إقامة الحجة بحيث ينقطع العذر، وفي حال ثبوت حكم الكفر فإن صلة رحم الكافر غير واجبة، لكنها تباح فيما يتعلق بأمور الدنيا، كما سبق أن أوضحنا ذلك بأدلته في الفتوى رقم: 53586.
وعلى هذا، فلا مانع من أن تدعو زوجتك خالها للإفطار، وتبادل الزيارة معه والأكل معه ليس على وجه الموالاة والمحبة، بل لأجل الرحم والتأليف وبيان الحق له ما أمكن ذلك، فلعله يتوب إلى الله تعالى. وانظر لذلك الفتوى رقم: 99388، للفائدة فيما يتعلق بهذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1428(5/598)
هل ينكر على قريباته كشف أقدامهن في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أن قدم المرأة اختلف فيه من حيث كونه عورة أم لا والإجماع على كونه عورة من قول الحنابلة والشافعية والمالكية وأما الحنفية فقولهم بخلاف ذلك، والسؤال هو: هل يحق لي أن آمر الأقارب بتغطية الأقدام في الصلاة وغيرها مع وجود هذا الخلاف الفقهي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا حرج على السائل في أمر نسائه بتغطية أقدامهن في الصلاة ويكون ذلك على وجه التعليم والإرشاد لا على وجه الإلزام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب على سؤال السائل ينبني على معرفة حكم الإنكار في مسائل الخلاف، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا ينكر المختلف فيه، ولكن ينكر المجمع عليه وأن هذه قاعدة من القواعد العامة إلا أن المتتبع يجد أن هذا لا يستقيم، ولذا اختلف العلماء في تطبيق هذه القاعدة اختلافاً كثيراً وأنها لا يمكن أن تنضبط، ولهذا استثنوا بعض الصور وقالوا ينكر فيها على المخالف ولو كانت من مسائل الخلاف ومن تلك الصور أن يكون ذلك المذهب بعيد المأخذ والخلاف غير معتبر ومنها أن يكون المنكر للأمر المختلف فيه له حق على المنكر عليه كالزوج ينكر على زوجته ونحو ذلك.
وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم إلى أن هذه القاعدة غير صحيحة بإطلاق وإنما تصح في المسائل التي ليس فيها دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ، قال ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين: وقولهم: إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل، أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً شائعاً وجب إنكاره اتفاقاً، وإن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار، وكيف يقول فقيه لا إنكار في المسائل المختلف فيها والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً أو سنة وإن قد وافق فيه بعض العلماء؟ وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلدا ... ومثل هذا الكلام لشيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (6/92) .
والذي نفتي به الأخ السائل هو أنه لا حرج عليه إن شاء الله تعالى في أمر النساء من أقاربه بتغطية أقدامهن في الصلاة، وأن يكون أمره لهن من باب التعليم والإرشاد وبالحكمة لا على وجه الإلزام، وانظر لذلك الفتوى رقم: 4523، والفتوى رقم: 433.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1428(5/599)
حكم كون الضرب وسيلة لتغيير المنكر أو التأديب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة وهي: أبي تعرض للسب من طرف أختي فقلت لها عار عليك أن تكلمي أباك بهذه الطريقة فهو مهما كان أبوك وأبي أيضا ولن أسمح لك بأن تسبي أبي أمامي وأنا أسمع فتمادت في طغيانها فصفعتها مدافعا عن أبي وبرا به فانطلقت إلى أمي مسرعة لتشتكي إليها وأمي لم تكن في المنزل فجاءت إلى البيت وسألتني أمي ماذا جرى فشرحت لها ما وقع فكذبتني وبدأت تسب أبي أمامي وأبي لم ينطق بكلمة فقلت لأمي ناصحا لا تسبي أبي فابنتك تلك هي سبب المشكلة وكان من المفروض أن تقفي مع الحق أن تطيعي زوجك ولا تكفريه وأنا أشهد أن أبي لم يقل شيئا يغضب الله ورسوله فقد قال لابنته خفضي صوت المذياع فقط فبدأت تسبه فلم أرض لمعزة أبي في قلبي فقمت وصفعتها حتى تعلم بأن الحق يعلو ولا يعلى عليه وطاعة البنت لأبويها واجبة شرعا كما أن طاعة الزوجة لزوجها واجبة شرعا، ومن هذا المنطلق هل صفعي لأختي فيه إثم؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
شكر الله لك غيرتك على حرمة أبيك، ونرجو أن يكون فعلك من تغيير المنكر؛ لكن ينبغي تحاشي الضرب فلا يلجأ إليه إلا إذا تعين وسيلة للتغيير ورجي منه الفائدة ولم يترتب عليه ما هو أشد ضررا منه، وأما فعل أختك فهو عقوق محرم، وكذا سب أمها لأبيك فهو نشوز محرم أيضا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعلته أختك من سب أبيها وشتمه من أشد العقوق وأكبر الإثم والعياذ بالله، ونصحك لها وصفعك إياها من تغيير المنكر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 14123.
وكان الأولى تولي الأب ذلك إلا إذا كان عاجزا أو ضعيفا.
كما ننبهك إلى أن الضرب لا يجوز وسيلة لتغيير المنكر أو التأديب إلا إذا اجتنب فيه الوجه وما قد يشين ويترك أثرا ولم يترتب عليه ضرر أكبر منه وغلب على الظن تحقق الفائدة به واقتصر على موضع الحاجة منه.
قال الإمام ابن الجوزي: الضرب باليد والرجل وغير ذلك مما ليس فيه إشهار سلاح أو سيف يجوز للآحاد بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة.
وفي غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني رحمه الله يقول الناظم:
وبالأسهل ابدأ ثم زد قدر حاجة * فإن لم يزل بالنافذ الأمر فاصدد.
فينبغي للمغير باليد أن يكون ذا هيبة أو سلطة أو قوة ونفوذ ليتحقق له ذلك، فإن لم يكن له هو فليستعن بمن له ذلك.
وأما أم البنت فلا يجوز لها إعانتها على فعلها ولا سب زوجها لأن ذلك من النشوز المحرم كما بينا في الفتوى رقم: 4373، لكن ذلك لا يبيح لك رفع الصوت عليها أو التصرف نحوها بما لا يليق، فيجب بر الوالدين مهما صدر منهما ولو كان ظلما، وانظر الفتوى رقم: 3459.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(5/600)
الإنكار على العصاة بقدر الوسع والطاقة واللين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن ترى زوجها يعصي الله دون نصحه، مع العلم بأنها استمرت في نصحه عامين بدون جدوى وبعد العامين تركته لنفسه لعله يعود ولأنه أيضا لا يرضى أن تنصحه أو توجهه ويقول إنه يعرف كل شيء وهو متعلم حقا، مع التوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز للزوجة أن ترى زوجها يعصي الله ثم تتركه بغير إنكار، فعليها أن تنكر عليه بقدر وسعها وطاقتها، ولن تعجز على كل حال عن الإنكار بالقلب وذلك أضعف الإيمان؛ كما في الحديث.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن ترى زوجها يعصي الله تعالى ولا تنكر عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري.
وإذا ترك العاصي بغير إنكار فسيتمادى في غيه وضلاله، ولن يعود إلا أن يشاء الله، ولهذا فعليك أن تواصلي الإنكار عليه ونصحه، وعليك أن تتحلي بالحكمة، فقد قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} ، فإن عجزت عن الإنكار بالقول أو ترتب عليه ضرر عليك فلا أقل من أن تنكري بقلبك فذلك أضعف الإيمان، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 19861.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(5/601)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أخلاقيات وآداب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكثرة وإلحاح الذي يجعل الأقارب ينفضٌون عن الشخص غير مرغوب فيه -فأفيدونا جزاكم الله خيراً- لأني خسرت معظم الذين من حولي بسبب ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ينبغي على المرء أن يراعي ابتداء ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا قام المرء بذلك على وجهه المطلوب وانفض الناس من حوله فلا يضره ذلك شيئاً، ولا يقال إن الأمر بالمعروف حينئذ غير مرغب فيه شرعاً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت فيما تقوم به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين أقاربك، فهذا من أعظم البر والصلة، وإذا قام المرء بذلك على وجهه المطلوب وانفض الناس من حوله فلا يضره ذلك شيئاً، ولا يقال إن الأمر بالمعروف حينئذ غير مرغب فيه شرعاً، فقد حدث مثل هذا الانفضاض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قام داعياً إلى الله، قال الله تعالى: وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ {ص:6} ، فنرجو أن تراجع ضوابط وآداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13288، 36372، 21557.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(5/602)
مخالطة الناس أم العزلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العزلة عن الناس في هذا الزمن أفضل أرجو ذكر أقوال العلماء متى تصبح أفضل من المخالطة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الخلطة في هذا الزمان أفضل من العزلة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خلطة الناس في هذا الزمن للاستفادة مما عندهم من الخير ولإفادتهم والتناصح معهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر مع الصبر على أذاهم أفضل؛ كما نص عليه النووي وذكر أنه هو هدي الأنبياء والخلفاء الراشدين، وأما متى تكون العزلة أفضل فراجع فيه وفي المزيد عما تقدم الفتاوى ذات الأرقام التالية: 62938، 97233، 65335.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1428(5/603)
تغيير المنكر واجب على حسب الاستطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الإنسان إذا رأى شخصا يفعل بدعة ما أن ينصحه أم يستحب ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من حق المسلم على المسلم أن ينصحه إذا رآه مقترفا معصية أو متلبسا ببدعة كما أن تغيير المنكر واجب حسب الاستطاعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يجب على المسلم إذا رأى من يرتكب معصية أو مخالفة شرعية سواء كانت بدعة أو غيرها أن ينصحه ويبين له الصواب من الخطأ، ويسعى بما تيسر من وسائل الإنكار والسعي في هدايته وتحذير الناس من الوقوع في تلك البدعة وغيرها من البدع، هذا بشرط أن يكون الشخص عالما بأن هذه المسألة بدعة مثلا وبشرط أن يكون آمنا من شر مرتكبها، فإن لم يكن آمنا من شره أنكر عليه بقلبه إذ لا يستطيع غير ذلك، وقد سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 19998، ضوابط الإنكار على المبتدع، وبينا كلام أهل العلم في الفرق بين المبتدع الذي يدعو إلى بدعته وبين من يرتكب البدعة من العوام عن جهل.
ولمزيد الفائدة في هذا المعنى يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 45292، 64693، 76522.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1428(5/604)
وجوب تغيير المنكر في حدود الاستطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد من فضيلتكم الدعاء لي بالتوبة النصوح والمغفرة لوالدي.
وبعد: أعرف شابا يتكلم مع فتاة في الهاتف كلاما قبيحا يخجل الرجل أن يقوله لزوجته وأنا أعرف رقم هذه الفتاة، فماذا أفعل هل أهدد أم أسكت وأسمع بأذني المهزلة، أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
محادثة الأجنبية بكلام فاحش من المنكر الذي يجب تغييره حسب الإمكان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. أخرجه الإمام مسلم وغيره. فمن اطلع على نحو ما ذكر السائل وجب عليه تغييره بما يستطيع، وأقل ذلك الإنكار بالقلب.
وقال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. قالها ثلاثا، والحديث ثابت في الصحيحين من رواية تميم الداري رضي الله عنه، ومعناه أن قوام ديننا بالنصيحة، وفي الصحيحين كذلك عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، فانظر كيف كان من بنود بيعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم النصح لكل مسلم.
وبهذا تعلم أخي السائل أنه يجب عليك ألا تتقاعس، بل عليك أن تقوم بواجب النصيحة، فإن لم تجد معه النصيحة نفعا فلا بأس بتهديده بفضح أمره لعله يرتدع، أما الفتاة فابحث لها عن امرأة صالحة تذكرها بالله، فإن تابت وأنابت فهو المطلوب، وإلا فلا بأس كذلك بتهديدها بفضيحة أمرها علها تخاف وترتدع، وراجع الفتوى رقم: 73511.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1428(5/605)
هل عدم الإنكار على من سب الله تعالى يحبط العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[يوم من الأيام شخص سب الله وأنا لم أنكر عليه ذلك فهل حبط عملي، وإذا كان هو لا يصلي أصلا فهل أنكر أم لا، وهل حبط عملي أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإذا كنت تستطيع إنكار المنكر -بأي درجة من درجاته- ولم تنكره فإن عليك إثماً عظيماً، وعليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولا يلزم من ذلك إحباط عملك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم فرائض الإسلام الكفائية، قال الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104} ، وقال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
فأدنى درجات إنكار المنكر الإنكار بالقلب، وضابطه بغض المنكر ومفارقة مكانه وأهله، كما هو مبين في الفتوى رقم: 1048.
ومن أشد أنواع المنكر سب الله تعالى، فهو جريمة من أعظم الجرائم وكبيرة من أكبر الكبائر، ولا يتجرأ عليه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ولذلك كان جزاء صاحبه القتل -يقيمه عليه ولي أمر المسلمين-، وراجع لذلك الفتوى رقم: 75332.
ثم إن إنكار المنكر -بضوابطه الشرعية- يكون على من ارتكبه من مسلم وكافر ومستقيم وفاجر لعموم الأمر بذلك في الحديث السابق، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 45802 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1428(5/606)
درجات تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفتي فيما أفعل عند الوقوع في مثل هذا الموقف، فقد كنت أسير بالليل مع أصدقائي وكان الوقت متأخراً بعد منتصف الليل، فوجدنا شاباً يسير مع فتاة يظهر عليها أنها من المجانين (أعزكم الله) ، ولم أرتح لهذا الشخص وكانت يده على كتفها وأمر غريب أن تقبل به فتاة عاقلة في مثل هذا الوقت، فكنت شبه متأكد بنسبة كبيرة أنه يريد أن يغوي تلك الفتاة بما أنها غير مدركة ماذا تفعل، فأردت أن أتبعهم إلى حيث يذهبون لكي أتأكد من ظني هذا، ولكي أحاول أن أوقف هذه المهزلة التي من الممكن أن تحدث، فأوقفني أصدقائي الذين كنت معهم وقالوا لي إنه ليس من حقنا أن نتدخل في هذا فلندعهم وشأنهم، فما رأي الشرع في هذا، وهل يعتبر ظناً وليس من حقنا التدخل، أم يدخل هذا في النهي عن المنكر واستطاعة تغيير المنكر، وهل يختلف تدخلنا إن وجدنا هذا بإرادة الفتاة أو بغير إرادتها وما هي حدود الرجل المسلم العادي في التدخل في مثل هذه الأمور؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت تلك الفتاة أجنبية من الشاب المذكور فتحرم الخلوة بها أحرى ملامستها، وبالتالي فما شاهدتموه إذا كان حاصلاً بين الفتاة وشاب أجنبي منها فهو منكر محقق، وكان عليكم أن تقوموا بتغيير هذا المنكر حسب استطاعتكم، عن طريق نصح الشاب وبيان خطورة ما هو عليه من منكر قد يؤدي إلى ما هو أعظم، وخوفوه من نقمة الله تعالى وعقوبته، وكذلك الفتاة إن كانت تعقل وتعي ما تخاطب به، فإن لم يمتثلا وكان تغييركم للمنكر باليد عن طريق إبعاد أحدهما عن الآخر سيترتب عليه مفسدة أكبر فلا حرج عليكم في تركهما بعد إنكاركما لهذا المنكر حسب الاستطاعة مع إبلاغ ولي الأمر أو السلطة الموجودة في البلد، فوجود تلك الحالة منكر محقق يجب تغييره حسب الاستطاعة، وليس من التدخل في شؤون الآخرين، وموقف المسلم دائماً من مشاهدة المنكرات هو تغييرها باليد إن أمكن ولم تترتب عليه مفسدة أعظم، فإن عجز فباللسان، فإن عجز فبالقلب. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28788، 18062، 43762، 32233.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1428(5/607)
نصائح لهداية العصاة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أخرج أختي من المعاصي وأردها إلى البيت؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يوفق أختك للاستقامة على طريق الحق، وأن يثبتها عليه، وأن يجنبها المعاصي ما ظهر منها وما بطن، ومن الوسائل المعينة على استقامتها:
1- كثرة الدعاء لها خصوصاً في الأوقات التي يظن فيها استجابة الدعاء كثلث الليل الأخير وأثناء السجود ونحو ذلك.
2- المواظبة على نصحها برفق وحكمة مع تخويفها من خطورة المعاصي وما يترتب عليها من سخط الله تعالى ونقمته.
3- رفع الأمر إلى أبيها إن وجد أو أحد قرابتها كالجد أو الأخوال أو الأعمام من كل من يمكن أن يؤثر في سلوكها.
4- هجرانها إن ظهرت فائدته، وللمزيد راجعي الفتوى رقم: 52483، والفتوى رقم: 63611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1428(5/608)
حكم استمرار العلاقة مع المنحرفين بدون إنكار
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت أختي من شاب أمريكي بعد أن ذهبا إلى أحد المراكز الإسلامية وأشهر إسلامه؟ هو شاب على خلق ولكني لم أطمئن لإسلامه إلا أن الأهل وكل من حولي أكدوا أن نيته بينه وبين الله وأنا بالظاهر؟ حتى ولم يكن يعرف كيف يتطهر أو يتوضأ أو يصلي أو أي شيء عن الإسلام؟ ولا أمل فيها لتعليمه لأن فاقد الشيء لا يعطيه؟ لم تركع لله (تكاسلا) منذ سنوات؟
اشترى كلبا في شقتهم غرفة وصالة؟؟ ذهبا إلى حفل تعميد ابن أخيه في الكنيسة؟ لا تقيم أي فرض من الفروض؟ بعد فترة عرضت عليه أن أعرفهم على أحد الدعاة الأمريكيين المشهور بأسلوبه المحبب إلى ذوي هذه الثقافة وإذا لم يرتح إلى هذا اللقاء فلا يكرره؟ فرفضا رفضا باتا؟ بحجة أنهم غير جاهزين؟ وقد اعترفت مرتين أنه قد أشهر إسلامه فقط من أجل الزواج والمظهر الاجتماعي؟ هنا حاولت أن أقنع والدي وإخوتي بمقاطعتها كنوع من الضعط النفسي وهو آخر أمل حيث إني أظن والله أعلم أنها بذلك قد ارتدت عن الإسلام ويجب أن تستتاب أو تقطع رحمها؟ فكان هذا الرد..
إنها بالنسبة للصلاة فهي ليست كافره لأن بعض شيوخ اليوم لم يكفروها لأنها متكاسلة عنها وليس جحودا بها (منقطعة عن الصلاة منذ سنوات ولا تعلم حتى اتجاه القبلة في بيتها والسجادة التي تملكها معلقه على الحائط للزينة؟ أرسلت والدتي إلى بيتها عده أيام فلم تفلح في دعوتها للصلاة؟) أختي قالت إنه يجب عدم قطعها تماما حتى إذا أرادت الرجوع وتعللت بأن أفتيت فتاة مغربية في فرنسا بأن زواحها صحيح وأنها يجب أن تهدي زوجها وأن تظل وراءه حتى يسلم تماما؟؟؟؟؟؟؟
إذا لم نقاطعها فما هو الفرق الذي سيغير حياتها مهما فعلت؟ الجميع أمام الأمر الواقع ولا رد فعل سوى محاولات دفعها للصلاة وأن يفتحا قلبهم لأحد ليعلمهم الدين ولهم الخيار بعد ذلك في الرفض أو القبول؟ فقط تعرف علي الشيء حتى تحكم عليه؟
أظن أن استمرار العلاقة بينها وبين أسرتها وأصدقائها بحجة حلم العودة إلى الإسلام (شرطها ألا يتكلم معها احد في هذا الموضوع تماما) هو تشجيع على الردة وصاحبه آثم والله أعلم؟
ما حكم من يحضر ويقم بالتصوير ويقدم التهاني في حفل تعميد طفل بالكنيسة؟؟؟
ما حكم أكل أمي لطعامها عندما زارتها أو إذا أهدت لنا طعاما بعد أن جهرت مرتين بان إشهار الإسلام فقط حتى يتم زواج إسلامي وليس من قبيل الدخول في الإسلام حبا أو اقتناعا؟؟؟
أرجوا التوسع في الرد حيث إن هذا هو حال الكثير من المسلمين بسبب اختصار الرد على الفتوى.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولا نقول للسائل: إن الأصل أن من أشهر إسلامه ولم يظهر منه ما يناقض ذلك يحكم بإسلامه.
وعليه، فالحكم على ذلك الرجل الذي أشهر إسلامه بالكفر لا يمكن لمجرد أنه لا يعرف كيف يتطهر أو كيف يصلي، ولا شراؤه كلبا أو ذهابه لحفل تعميد في الكنيسة أو نحو ذلك، ولا بإقرار غيره أيضا عليه أنه لم يقتنع بالإسلام.
أما أخت السائل فالذي يظهر من حالها هوأنها بلغت أقصى حد في الفسق؛ إن لم نقل بكفرها.
وعليه، فيجب أن تؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيبين لها حكم تارك الصلاة وحكم الذهاب إلى الكنائس والتعميد المذكور، وأن الأدلة الصريحة الصحيحة تدل على كفر تارك الصلاة تكاسلا، فإن لم تستجب فيجب على أمها وأختها وكذا غيرهم من المسلمين مقاطعتها إن كان في ذلك مصلحة كارتداعها بذلك عن ممارستها، ولا شك أن استمرار العلاقة بينها وبين أسرتها مع إصرارها على ما هي عليه -وكأنها لم تقم بما تقوم به من المنكرات- هو من باب السكوت على المنكر، فلا بد على الأقل من الإنكار عليها وإظهار عدم الرضا بما هي فيه.
وتراجع الفتوى رقم: 8327، في حكم الذهاب إلى الكنائس ومشاركة الكفار في احتفالاتهم والفتوى رقم: 66880، عن حكم الزواج بمن نطق بالشهادتين غير مقتنع بهما، والفتوى رقم: 10280، عن حكم الزواج من كافر نطق بالشهادتين دون أن يعمل، كما نرجو أيضا مراجعة الفتوى رقم: 24833، عن حكم هجر الفاسق، والفتوى رقم: 11768، عن حكم صلة القريب الكافر، ولا حرج في الأكل من طعام تلك البنت أو قبول الهدية منها ما لم تعلم أن طعامها أو هديتها التي قدمتها من حرام حتى على القول بأنها كافرة، وتراجع الفتوى رقم: 14656، والفتوى رقم: 18995.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(5/609)
الإعانة على المنكر لا يقتصر على الأمور الكبيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت أخت زوجي ذاهبة إلى حفلة عرس مختلط، فطلبت مني أن أقرضها حذائي الذي أذهب به إلى الأعراس، فرفضت قائلة إن هذا العرس منكر وإذا أعطيتك حذائي سأكون أعينك على المنكر، فاعتبرتني أم زوجي متشددة وقالت إن الإعانة على المنكر تكون في الأمور الكبيرة. مع العلم أن أم زوجي لا تذهب إلى الأعراس المختلطة فهي مقتنعة أنها حرام، ولكن إذا كان عرس أحد قريب تطلب من ابنتها أن تذهب. فهل ما قمت به صائب؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البنت لا يجوز لها الذهاب لحفلة العرس الذي يختلط فيه الأجانب لما يستلزم ذلك من الوقوع في المحظور أو مشاهدة ومجالسة العصاة.
وبناء عليه، فقد أصبت في عدم مساعدتها بإعطائها نعليك، وعليك أن تسعي في هدايتها وحضها على الاستقامة على الطاعة والبعد عن ارتياد أماكن المعاصي.
واحرصي أن تجبري ما قد يقع من قلبها أو قلب والدتها من اتهامك بالبخل عليهم، فأهدي لهم من المطعومات وغيرها مما لا يستعمل في الحرام، وأكثري من الدعاء لهم، واستعيني بزوجك وببعض الأخوات الفاضلات الداعيات في تحقيق ذلك، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 23476، 18456، 22806، 39752، 49422، 41016، 60660.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1428(5/610)
حاول نصح زوجتك بالحكمة وبكل وسيلة ممكنة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن أنعم الله جل جلاله علي بالعودة إلى الالتزام بديني الإسلامي الحنيف بدأت المشاكل مع زوجتي التي ترفض أداء الصلاة ولبس الحجاب الإسلامي وعليه عصتني وسافرت إلى بيت أبيها ما يقارب الثلاثة أشهر ومعها بنتنا الوحيدة والبالغة من العمر (أكثر من سنة واحدة) .
وتشترط للعودة أن لا أنصحها بأداء الصلاة ولبس الحجاب الإسلامي لأن ذلك يزعجها, وعدم التدحل في لبسها لأنها حرة في ذلك, وعدم التدخل في تربية الطفلة ونوعية ملابسها. وأن لا أنظر إلى البرامج الدينية في التلفزيون حتى أنها مسحت قناة اقرأ من القائمة كي لا أتابعها قبل تركها البيت , وأن لا أذهب إلى المسجد لتلقي المحاضرات الإسلامية والتي أعتبرها ضرورية للتعرف على ديني وتشترط بدلا من ذلك أن نتمتع بحياتنا بالذهاب إلى الحفلات, وأن لا أقرأ الكتب الإسلامية حيث لا تطيق رؤيتها، عليه يجب أن أخبئها. وكذلك تشترط السفر الى أهلها كل 2-4 أسابيع إضافة إلى المناسبات والحفلات لمعارفها التي تحصل في مدينة أهلها.
في حالة التوصية بالطلاق هل يجب علي دفع المؤخر إليها مع العلم بأنها هي العاصية ولا تريد العودة إلا بتنفيذ شروطها التعجيزية والمعادية لله ورسوله.
أرجو أن ترشدوني ماذا أفعل وكيف أتصرف كي لا أبيع الآخرة بالدنيا الفانية.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يصبرك ويثبتك ويهدي زوجتك لما فيه سعادتها في دنياها وأخراها.
ونقول: من حق الزوجة على زوجها أن يعلمها ويرشدها في أمور دينها وعبادتها لربها، فلو أبت الامتثال كان قد أدى ما عليه، وليس لها الحق في إجباره على التخلي عن عبادته وارتياد مواضعها كالمساجد وجلب الكتب الدينية والقراءة فيها.
وعليه، فإننا نرى أن تحاول إصلاح زوجتك بدعوتها بالأسلوب الأمثل في معاملتها ودعوتها إلى الحق عسى الله أن يهديها فإن المرأة رقيقة وتتأثر، والقلوب بيد الله تعالى، وإن طلقتها فلا شيء عليك.
وإن أصرت على الوضع الذي شرحته في سؤالك فهي ناشز ولك إجبارها على الرجوع عبر القضاء أو مطالبتها بالمهر الذي دفعته لها ومخالعتها أو طلاقها مع العفو عن المهر الذي دفعته لها، أما إذا طلقتها بدون ذلك فيلزمك دفع بقية المهر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1428(5/611)
لا إثم على من حجز الظالم عن التمادي في ظلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة لخدمات المعلومات كتقني، وقد أوكلت إلي في الفترة الأخيرة عملية بيع هذه التقنيات على أن يكون لي نسبة من المبيعات، بدأت فعلا بزيارة الشركات وحصل أن اتفقت شفهيا مع إحدى الشركات التي تربطني علاقة صداقة مع كثير من موظفيها على أن نأخذ أغلب المشاريع التي نستطيع تنفيذها.. وبدأنا بأول مشروع وثاني مشروع.. المشكلة بدأت من هنا حيث وفي أثناء زيارة الزبون لشركتنا تعرفوا على الشخص المنفذ لهذه المشاريع وبعد الانتهاء من المشروع الثاني كان لا بد من تطوير المشروع الأول بعقد جديد ... فاتصل الزبون مع الشخص المنفذ لهذا النوع من المشاريع الموظف لدينا وتم الاتفاق معه على تنفيذ المشاريع الباقية دون علم الشركة وعلمت أنه أخذ باقي المشاريع التي من المفترض أن تكون للشركة.. أنا علمت بهذا الأمر ومنطقيا لم أحصل على أي نسبة لأن المشاريع لم تعد عن طريق الشركة، هذا الشخص هو صديقي ولكن اعتبرته خائنا لي وللشركة التي نعمل بها ... فكرت بإخبار صاحب العمل لكن اعتقدت أني قد أكون سببا في قطع رزق هذا الشخص (الرازق هو الله) .. تعوذت بالله من الشيطان ولكن أحسست أني مشترك معه في الخيانة ... (الساكت عن الحق شيطان أخرس) .. مع إيماني المطلق بالعدل الحكم جل جلاله....فهل أخبر صاحب العمل وأشعر بذنب قطع رزق صديقي.. أم أتركه وأشعر بذنب الخيانة لصاحب العمل
ملاحظه.. الزبون في هذه الفترة مضطر للتعامل مع شركتنا لأنها تقريبا المتميزة في عمل مثل هذا النوع من الأعمال.
أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموظف الذي قام بالاتفاق مع زبون الشركة على أن ينفذ له بقية المشاريع دون علم شركته يعد خائنا للشركة التي يعمل بها، والواجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، ويرد هذا الاتفاق إلى الشركة، ويرد كذلك النسبة التي حصل عليها من وراء هذا العمل إلى الشركة إلا أن تعفو عنه، فإذا لم يفعل فإن مقتضى النصيحة الواجبة على الأخ السائل أن يخبر الشركة بهذه الخيانة؛ لحديث: الدين النصيحة. رواه مسلم.
وإذا تضرر الشخص المذكور من إخبار الشركة بحقيقة الأمر فليس على السائل من حرج ولا ذنب لأنه لم يظلمه؛ وإنما حجزه عن الظلم والتمادي فيه وقام بواجب النصيحة لمن اعتدي على حقه وهو هنا صاحب العمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1428(5/612)
حكم جلوس الولد على مائدة فيها امرأة متبرجة محرمة على أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي الجلوس في مائدة الطعام وحولها أبي وأمي وخالتي، علما بأن هذه ا?خيرة متبرجة ولا تستتر أمام أبي (كشف بعض الشعر والعنق ومقدمة الذراعين) بدعوى أنها اعتادت هذا منذ سنين وقد نصحتها مراراً دون تغيير شيء با?ضافة أنها تصافحه عند المجيء وتقول لا أستطيع ترك تلك للعادة في المجتمع، وأبي يتعامل بشكل طبيعي مع هذا وكأنه لا شيء، فأظن أنه لو كان أبي متدينا لاضطرت لستر نفسها! فهل علي إثم في تناول الطعام معهم؟ وجزاكم الله خيراً على خدماتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخالتك محرم لك يجوز لك الجلوس معها ونظر ما يجوز نظره منها، وهو ما بيناه في الفتوى رقم: 1265، والفتوى رقم: 20445.
وأما والدك فليست من محارمه فلا يجوز لها مصافحته أو التبرج أمامه، وإن فعلت فهي آثمة، وهو آثم كذلك إن أقرها على ذلك؛ إلا إذا كانت بينهما محرمية من الرضاع، وإلا فهذا منكر يجب عليك تغييره بما تستطيع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
فيجب عليك إذاً بيان الحق لهم ووعظهم وتذكيرهم، وليكن ذلك بالأسلوب اللين والحكمة، وليس في الإنكار على الأب وبيان الحق له دون جدال أو رفع صوت عليه عقوق له، وإن كنت لا تستطيع تغيير ذلك المنكر أو نصحت ووعظت ولم يستجب لك فقد أديت ما عليك، ولا تجالس هؤلاء على مائدتهم ما داموا مصرين على تلك العادة السيئة، إلا إذا كنت محتاجاً إلى مائدتهم فعندئذ تجلس معهم لحاجتك للطعام، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 49422، والفتوى رقم: 18355 ففيهما كلام مفصل لأهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1428(5/613)
إغلاق موقع يقذف المؤمنات واجب على المستطيع
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل مشايخنا الكرام حول شرعية مهاجمة موقع شخصي لأحد الأشخاص الذي يكتب فيه كلاما يهتك فيه عرض فتاة صالحة مما يسبب لها آثاراً نفسية عميقة، أرسلت له العديد من الرسائل أحذره من هذا والأحاديث النبوية وبعض الآيات القرآنية التي تبين خطورة ما يقول لكنه لم يرتدع، لذلك أردت أن أهاجم هذا الموقع وإغلاقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حذر الله من قذف المحصنات المؤمنات الغافلات تحذيراً شديدا، وبين أنه من الكبائر الموبقات، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:4-5} ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
وعليه، فما ذكرته عن الموقع الشخصي الذي قلت إن صاحبه يكتب فيه كلاماً يهتك فيه عرض فتاة صالحة مما يسبب لها آثاراً نفسية عميقة ... نقول: إن ما يقدم عليه صاحب ذلك الموقع يعتبراً أمراً منكراً، وواجب على كل مسلم أن يغيره ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. أخرجه الإمام مسلم.
وبما أنك قد أرسلت إلى صاحب الموقع العديد من الرسائل تحذره فيها، وقلت إنك ضمنت رسائلك الأحاديث النبوية وبعض الآيات القرآنية ... فإنك بما أرسلت إليه وحذرته منه تكون قد أنذرته، ولم يبق إلا أن تهاجم موقعه وتغلقه إن كنت تستطيع ذلك، لأن من استطاع تغيير المنكر بيده كان متعيناً عليه إذا لم يخش الوقوع فيما هو أشد منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1428(5/614)
الحض على إعانة المسلمة عن التعلق بالكافر بالطرق المشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل خير. إحدى الفتيات في مجال عملي طلبت مني المساعدة وحجتها بأنها تعرفت على شاب غير مسلم وتريد الابتعاد عنه والتقرب من دينها والتعمق به. فما واجبي أن أفعل دون ارتكاب ذنب وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الابتعاد عن الأجانب أمر واجب شرعي، ويتأكد الأمر إذا كانوا كفارا؛ لأن تعلق الفتاة بالكافر مشكلة لا حل لها إلا الاتبعاد عنه؛ إذ إنه لا يجوز لها الزواج به، ولا مخالطته من غير زواج، فالإعانة لها على الابتعاد عنه وعلى التمسك بدينها من أعظم أنواع الإعانة على البر والتقوى، وعليك أن تستخدم في ذلك ما أمكن من الوسائل المشروعة، فاستخدم زوجتك أو إحدى محارمك في الاتصال بها، وأعرها ما تيسر من الأشرطة والرسائل والكتب المفيدة في هذا المجال، وحرضها على صحبة بعض الزميلات الملتزمات بالشرع، فإن مخالطة أهل الخير أعظم ما يساعد على الاستقامة، وحرضها على السعي في الزواج ممن يرتضى دينه وخلقه، ولتستعن في ذلك بالدعاء أوقات الإجابة. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 54360، 66725، 39722، 65134، 35021، 53349، 50811، 47286.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1428(5/615)
ضرورة إعلام المسئولين بوجود مواد محرمة في الأطعمة
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت بعض الحلويات مصنوعة من الخنزير تباع في عدة أماكن في السعودية، خاصة قرب الحرم حاولت أن أقنع البائع وأنا متأكد مما أقول بشهادة الشركة المصنعة وعدوني بأنهم سيتحرون، وعدت بعد سنة ولكن لم يتغير شيء ماذا علي أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في الحرص على إقناع الباعة ونصحهم، والواجب عليك هو إعلامهم وبيان حقيقة هذه الحلوى وما صنعت منه، إن كنت متأكداً من الأمر، فإن لم يقتنعوا بالأمر فننصحك بالإتيان بأدلة تثبت ما ذكرت وتُعلم الجهات المسؤولة بالبلد كالغرفة التجارية والمحاكم الشرعية وأئمة المساجد. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على التفصيل في بعض أمور إنكار المنكر: 5870، 73123، 53013، 53206، 74833، 75507.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1428(5/616)
موقف المسلم من شاربي الخمر ومروجي المخدرات
[السُّؤَالُ]
ـ[تعلمون أن من يوزع المخدرات كم يوزع الفساد أيضا وتعلمون من يصبح سكرانا ماذا يفعل
هنا في بلدنا يوجد الكثيرون الذين يوزعون المخدرات والشراب بين الناس وهم يزنون والشرطة تشتري منهم المخدرات وتشاركهم في زناهم وإذا بلغت عنهم أدانوك ولم يقولوا للمفسد شيئا فهل قتل الموزعين والمفسدين حلال أم حرام فماذا الحل وأنا أرى المسلمين يدمرون ولا أستطيع أن أصبر وأخاف من يوم يحاسبني ربي؟
وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت فيما أبديت من غيرة على محارم الله تعالى أن تنتهك، وهذا من صميم الإيمان، فنسأل الله أن ينور بصيرتك وأن يجزيك خيرا.
ولا شك أن شرب المسكرات والمخدرات والترويج لها من المنكرات العظيمة والتي يترتب عليها من الفساد ما لا يعلمه إلا الله، ويجب على المسلم أن يقوم بإنكار مثل هذه الأفعال حسب إمكانه فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. فأما التغيير باليد الذي تخشى أن يترتب عليه مفسدة من قتل أو غيره فهو إلى السلطات وليس لعامة الناس وإلا كانت الفوضى كما بينا بالفتويين: 23376، 49683.
وعليه فلا يجوز لك التعرض لأحد من هؤلاء الذين يروجون المخدرات لا بقتل ولا بغيره، فإن استطعت الإنكار عليهم بلسانك فافعل، وإلا فبإنكارك بقلبك تبرأ ذمتك بإذن الله. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 1048.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1428(5/617)
هل يترك الإنكار من باب من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل فى شركه أجنبية ويقوم بعض الموظفين من أهل بلدي فى هذه الشركة بتسهيل عمل الشركة عن طريق دفع الرشاوي وشراء معلومات هامة جدا وسرية جداً بطرق غير مشروعة (معلومات يجب ألا تصل للشركة) ، فهل يجب علي أن أخبر السلطات الرقابية فى بلدي بما يتم من هؤلاء الموظفين وإخبارهم عن أسمائهم من باب إخبار أولي الأمر -أم يجب الستر عليهم من باب من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه- حاولت نصحهم وهم مقتنعون أن هكذا يجب أن يتم العمل والحصول على المعلومات، ومسؤولو الشركة على دراية بذلك، وكذلك مسؤولو الحكومة بالجهة التي يتم الحصول علي بيانات منها على علم بما يحدث، ولكن لا يتم إتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة نظراً لشيوع الفساد وحاجة الناس للحصول على المال؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه المعلومات التي قلت إن بعض الموظفين من أهل بلدك يقومون بنقلها للشركة هي مما يمكن أن يترتب على نقله جلب مفسدة أو دفع منفعة، كان ما يقوم به أولئك الموظفون حراماً، وإذا كانوا يفعلون ذلك استجلاباً لرشاوى من الشركة كان ذلك إثماً آخر، لما صح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وفي هذه الحال يكون من واجبك أن تنهى الذين يقومون بهذا الفعل، وتهددهم بالإبلاغ عنهم إن لم ينتهوا، وإذا لم يفد شيء من ذلك كان من واجبك الإبلاغ عنهم.
وإبلاغك عن هؤلاء هو من باب تغيير المنكر الذي ورد فيه قول الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104} ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أولويات ما يعني كل امرئٍ مسلم، وليس هو مما لا يعنيه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. لا يقتضي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يقتضي ترك ما لا يهمه ولا يليق به من خصوصيات غيره، وما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1428(5/618)
تغيير المنكر بالرفق لا بالتهديد والعنف
[السُّؤَالُ]
ـ[كل عام وأنتم بخير.....أنا شاب ملتح وملتزم على قدر جهدي واستطاعتي ولكن لي أخت تصغرني بعامين ترتدي الملابس الضيقة والملفتة حاولت نصحها باللين والرفق كثيرا كثيرا ولم تستجب استمرت محاولاتي معها لأكثر من عامين ولكن بعد أن نفد صبري قررت التحول للأسلوب الآخر أسلوب التعنيف. منذ شهر تقريبا رأيتها ترتدي جيبة ضيقه تحدد تفاصيل جسمها فثار الدم في عروقي وغضبت ثم هدأت قليلا وقلت لها أقسم بالله العظيم إن رأيتك تلبسينها مرة أخري سوف أقطعها بالمقص. ظننتها سوف ترتدع من التهديد ولكن خاب ظني.في خلال هذا الشهر لبست نفس الجيبة 3 مرات في المرتين الأولين ذكرتها فلم أجد إلا العناد واليوم كانت المرة الثالثة وقمت بتمزيق هذه الجيبة اللعينة تبرئة لقسمي وإظهارا مني لها أن زمن اللين والحكمة قد ولى وهي التي اضطرتني لذلك بعنادها وإصرارها على المعصية.............والسؤال........هل ما قمت به يوافق الشرع وهل يعطي الشرع لي كأخ أكبر سلطة الردع هذه، وما الدليل من القرآن والسنة؟ وماذا أفعل إذا كانت أمي وهي التي تتحدث في كل مكان عن بري لها تناصرها وتؤيدها وأبي رجل مريض ليس بوسعه فعل الكثير؟ وجزاكم الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن أختك من ارتداء الملابس الضيقة والملفتة، والتي ذكرت أنها تحدد تفاصيل جسمها هو من التبرج الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحبته من أشد الناس عذابا يوم القيامة، والعياذ بالله. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
فأختك بما ذكرته عنها قد أخطأت خطأ كبيرا، وكان على والديها أن لا يقراها عليه.
ولكن تغيير ما قامت به من المنكر ينبغي أن لا يكون بالغلظة والعنف؛ فإن ذلك سيؤدي بها إلى التمادي والتمرد، وعدم الاكتراث بما تأمرها به في المستقبل. فقد قال الحكماء: إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع.
وينبغي أن لا تمل من نصحها ونصح أمها ودعوتهما، وليكن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تكن فظا غليظ القلب، فإنه يدرك بالرفق ما لا يدرك بالشدة والعنف، وربنا سبحانه قال لموسى وهارون وهما يخاطبان فرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه:44} وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] .
ونسأل الله أن يعينك وييسر لك إصلاح أهلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(5/619)
حكم التذكير بآيات الله في المواقع السيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا: جزاكم الله عنا كل خير، سؤالي هو أني دخلت إلى ما يعرف بغرف دردشة عربية ببلد مسلم ووجدت الشباب يكتبون ألفاظ بذيئة فذكرتهم بقول الله تعالي (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتديد) فإذا بأحدهم يخبرني بأنه يطلب مني عدم كتابه آية قرآنية بوجود ألفاظ قبيحة بالدردشة ولكني أخبرته أن تذكيري لهم بالقرآن سوف يصحح ألفاظهم ويمنعهم من الخوض في القول السيئ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في وجوب تعظيم حرمات الله تعالى، فقد قال جل من قائل: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ {الحج:30} . ومن تعظيم حرمات الله تعظيم كتابه، والنأي به عن الأماكن التي لا تليق به.
ومع ذلك فقد دلت النصوص على إباحة إرسال الآية واللفظ الذي يشتمل على اسم الله إلى الكفار. فقد كتب سليمان عليه السلام في رسالته لسبأ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {النمل:30}
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم. وقال الشيخ خليل بن إسحاق -رحمه الله تعالى-: واحتجاج عليهم بقرآن وبعث كتاب فيه كالآية ...
وإذا جاز هذا في حق الكفار، فهو أحرى بأن يجوز فيما يكتب للمسلمين.
وعليه، فلا حرج عليك –إن شاء الله- فيما كتبته من قول الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق:18} ، في الموقع المذكور، تذكيرا لأصحاب الموقع وموعظة لهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1427(5/620)
هل يجوز الإخبار عن العاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق تزوج حديثا وفي إحدى زيارتي له وجدت عنده فتاة أعرفها جيدا مسلكها ليس جيدا وهم في غرفة النوم لوحدهما، لم أتكلم كثيرا سلمت عليها وجلست لكن هذا الأمر لم يعجبني، بعد خروجه سألته أين زوجتك قال لي عند أمها في زيارة، بدأ يبرر لي زيارتها لكن لم أرد عليه حتى ودعته وذهبت بالأمس إلى صديق يعرفه جيدا قلت له أريد أن أشكو لك صديقك وحكيت له ما حصل فغضب جدا وقال لي إن فلانا لا يريد أن يتغير أبدا وأنا في حيرة من نفسي بأني لم أستره لكن هذا الصديق نحن الاثنان نحترمه جدا، أرجو إخراجي من حيرتي؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان حريا بك أن تستر أخاك وأن تنصحه سرا وتبين له عدم جواز الخلوة بامرأة أجنبية، وأن ذلك خطوة من خطوات الشيطان في طريق مؤدية إلى الزنا، بئس طريقا وساء سبيلا، قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32} وأما إخبارك لصديقك بما رأيت من صاحبك فإن كان لغرض الإعانة على تغيير هذا المنكر -إن فهمت منه إصرار عليه وعلمت أن صاحبك هذا يفيد في الموضوع- فلا بأس، بل هو حينئذ يدخل في تغيير المنكر المأمور به، وأما إن كان لا يفيد فيه ولا يسمع نصحه فلا داعي لإخباره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1427(5/621)
كيفية نصيحة المدمن على الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أرد مدمناً على الخمر إلى الطريق المستقيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن نصيحة المسلم لأخيه المسلم وزجره عند اقتراف المعاصي واجب شرعي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم، وقال أيضاً: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. والطريقة التي ينصح بها مدمن الخمر وينقذ بها من المعصية نلخصها فيما يلي:
أولاً: النصيحة له ببيان أن شرب الخمر كبيرة من الكبائر وأنه يجب البعد عنها واجتنابها لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90} ، وتذكر له بعض الأحاديث التي جاء فيها الوعيد الشديد لشارب الخمر مثل قوله صلى الله عليه وسلم: وإن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟! قال: عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار. رواه مسلم والنسائي.
وأن شارب الخمر لا تقبل له صلاة أربعين يوماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً..... فإن عاد في الرابعة لم يقبل الله صلاة أربعين صباحاً فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال. أخرجه الترمذي.
ثانياً: تحذيره من رفقاء السوء فإنهم السبب الرئيس في إضلال العبد وإغوائه وإيقاعه في المحرمات، فهم أبالسة في صورة الإنس.
ثالثاً: تذكيره بالموت وأن الموت قد يأتي بغتة، بل قد يأتيه وهو في حالة سكره والعياذ بالله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من مات على شيء بعثه الله عليه. رواه أحمد، فكيف يكون مصيره لو لقي ربه على سوء خاتمة.
رابعاً: الدعاء له بالهداية لعل الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدره ويتوب عليه.
خامساً: الاستعانة على نصحه بمن له تأثير عليه من أقاربه أو أصدقائه.
سادساً: إعطاؤه بعض الأشرطة الإسلامية التي تتحدث عن شرب الخمر وفيها مواعظ زاجرة، وكذلك إعطاؤه بعض الكتب أو المطويات التي تتناول موضوع الخمر وسبل الوقاية أو التوبة منه ومضارها الدنيوية والأخروية، وليكن ذلك كله بحكمة ورفق، وبعد ذلك كله فليعلم الناصح أن الهداية بيد الله تعالى، يهدي من يشاء فضلاً، ويضل من يشاء عدلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1427(5/622)
متى يكتفى الإنكار بالقلب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبفضل الله أوفق أحيانا في ذلك وأحيانا أفقد الشجاعة وأكون عاجزة عن الكلام، فهل أأثم على السكوت؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخري فبحكم سكني بالقرب من معهد ومدرسة مختلطة فعند خروجي يصادفني في بعض الأحيان شباب وشابات في مواضع محرجة ومخجلة، فهل يجوز لي أن أخاطبهم وأذكرهم بالله وأنهاهم عن المنكر أم أنكر الأمر بقلبي نظرا لما يمكن أن أتعرض له من عنف لفظي أو جسدي؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك، وأن يعينك على أداء هذه الفريضة العظيمة، ولتعلمي أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض الإسلام العظام، والراجح من أقوال أهل العلم أنها من فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركها الجميع أثم القادرون عليها من غير عذر، وهي من مميزات هذه الأمة وأسباب اختيارها فقد قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {آل عمران: 110} فإذا عجز المسلم عن القيام بها بأي وجه من وجوه العجز فإنها تسقط عنه، ويكتفي حينئذ بالإنكار بالقلب الذي هو آخر مراحل تغيير المنكر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وفي حديث آخر من روايته: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
ولذلك فإذا كنت تخشين خشية مستندة إلى سبب موجود واقعا وليس وهما أن يصيبك ضرر أو أذى أو عنف فإنك تكتفين بالإنكار بالقلب وبذلك يسقط عنك إثم السكوت عن المنكر، وهذه المرحلة من الإنكار لا تسقط بحال من الأحوال لأن القلب لا سلطان لأحد عليه. ويجوز لك مخاطبة أهل المنكر ونهيهم إذا كان ذلك لا يؤدي إلى منكر أكبر منه، ولو أدى ذلك إلى تعرضك للأذى إذا كنت تستطيعين الصبر عليه، فقد قال الله تعالى على لسان لقمان عليه السلام: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان: 17} وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتاوى التالية: 25032، 43762، 46652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1427(5/623)
الواجب فعله تجاه من يبرر المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في إحدى ديار القوات المسلحة، وهناك أشخاص كثيرون يقومون بسرقة هذه الدار عن طريق اللعب في فواتير الحساب الخاصة بالدار فهل هذا حلال، وما واجبي تجاه هؤلاء الأشخاص الذين يبررون ذلك بأنهم يقومون بأخذ حقهم من البلد، مع العلم بأن الدار تمنع دخول المنقبات وتمنع تربية الذقن فهل العمل بها حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن مجرد كون الدار المذكورة تمنع دخول المتنقبات وتوجب حلق اللحية، لا يبيح السرقة منها.
والسرقة تعتبر من كبائر الذنوب والآثام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة واللفظ للبخاري.
ثم اعلم أنه لا يجوز الالتحاق بهذه الكلية إذا كان سيترتب على ذلك إجبارك على حلق لحيتك، لأن حلق اللحية معصية، ولا يجوز للمسلم أن يرتكب معصية إلا لضرورة ملجئة. وقد بينا ذلك في فتاوى كثيرة سابقة فلك أن تراجع منها الفتوى رقم: 3198.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإن واجب كل مسلم مكلف إذا رأى منكرا أن يسعى لتغييره حسب استطاعته، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وعليه، فواجبك اتجاه أولئك الذين قلت إنهم يقومون بالسرقة من تلك الدار أن تمنعهم من ذلك بأية وسيلة تستطيعها.
وإذا لم تستطع منعهم فهددهم أولا بأنك ستبلغ عنهم، وإذا لم يفد شيء من ذلك فأبلغ عنهم الجهة المختصة.
ومما تجدر ملاحظته أنك إذا علمت أنهم –حقا- يملكون حقوقا عند تلك الدار، وهم عاجزون عن استيفائها بالطرق العادية، فإن من حقهم أن يستوفوها بالطرق الأخرى. ويمكنك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 28871. وحينئذ، فليس لك أن تمنعهم إلا إذا أرادوا أخذ أكثر من حقهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1427(5/624)
إنكار المرء المنكر الحاصل في بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان هناك شخص يقوم بمعصية الله في بيتي، فماذا أفعل معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على من رأى منكرا أن يغيره حسب استطاعته في أي مكان كان هذا المنكر، على وفق ما جاء به الشرع كما بينا بالفتوى رقم: 9358.
وعليه، فالواجب عليك الإنكار على من فعل هذه المعصية عندك ونصحه وتذكيره بالله، فإن انتهى فالحمد لله، وإن لم ينته وأمكنك طرده من البيت دون أن يترتب على ذلك منكر أكبر فافعلي، وإن لم يمكن فعل شيء من ذلك فالواجب عليك إنكار ذلك بالقلب وعدم مساعدته، وراجعي الفتوى رقم: 1048.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(5/625)
هل يلزم أخته بالحجاب مع أن أبويه ينهيانه عن ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت أصغر مني وهي لا تلبس الحجاب وعندها بعص التصرفات التى أنا غير راض عنها، مثل أنها تعمل في شركة فيها اختلاط وتكلم صديقا لها وتقول إنه يريد أن يخطبها وتستعمل الهاتف الخلوي كثيرا من غير حاجة. المشكلة يا سيدي أنني دائما أدعو أهلي أن يغيروا أسلوبهم معها وأخي الأكبر مني يعمل نفس الشيء ولكن أمي وأبي يقولان لنا لا تتدخلوا في شأنها، فنحن هم من سيربيها لا أنتم.
أيضا يطلبون مني المال لأعطيه لها وأنا أعلم أنها سوف تصرفه في شيء غير سليم مثل لباس فاضح أو ضيق أو على الهاتف الخلوي. وأنا دائما أدعو لها بعد كل صلاة. فما أفضل طريقة للتعامل مع هذا الموقف وهل أنا أحاسب لأنها أختي على تصرفاتها ولأنني لم أمنعها بالقوة مثلا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت أيها السائل الكريم قد أمرت أختك بالمعروف ونهيتها عن المنكر فلا إثم عليك، وليس لك إرغامها وثنيها بالقوة إذ لا سلطان لك عليها مع وجود أبويها وهما ينهيانك أن تعترض سبيلها، ولكن ينبغي أن لا تمل ولا تكل من نصحها ودعوتها، وليكن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تكن فظا غليظ القلب فتنفر منك ولا تستجيب لك، ويدرك بالرفق ما لا يدرك بالشدة والعنف، وربنا سبحانه يقول لموسى وهارون وهما يخاطبان فرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه: 44} ويقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ {آل عمران: 159} وللفائدة انظر الفتوى رقم: 21557، وينبغي أن لا تمل من مناصحة والديك بالحسنى ليقوموا بما أوجب الله عليهم من منع هذه البنت من المنكرات، ولمعرفة حكم العمل في الأماكن المختلطة ومصادقة الفتيان والتبرج وغيره مما ذكرته انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38475، 11945، 52483، 22101.
وأما إعطاؤك المال للأم وهي تريده لتلك البنت التي قد تشتري به ما لا يجوز، فإن كانت البنت ستصرفه قطعا فيما لا يجوز فلا يجوز لك أن تعطيها ذلك لما فيه من إعانتها على الإثم، ولا تجب طاعة الأم إن أمرت بمعصية، وإن كانت قد تستخدمه في المباح من حاجات نفسها فلا حرج عليك أن تعطي للأم ما تريد لأجل البنت، وفي ذلك بر بها وإرضاء لخاطرها، والذي ننصحك به أن لا تمنع أمك ما سألتك إن كان في استطاعتك، لكن بين لها أن ذلك مشروط بعدم صرفه في الأمور المحرمة، وبذلك تبرئ ذمتك وترضي أمك فتجمع بين الحسنيين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1427(5/626)
كتمان العلم بين المنع والإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية أحييكم وأشكركم على مجهوداتكم الرائعة في هذا الموقع,, وفقكم الله إلى ما فيه خير هذه الأمة وجزاكم الله عنا كل خير.
أنا طالب أدرس في إحدى الدول غير المسلمة, وفي المكان الذي أقيم عدد لابأس به من المسلمين من مختلف الجنسيات, تجمعهم الدراسة أو العمل أو الإقامة. ولا أخفيكم أمرا بأن معظم المسلمين هنا غافلون عن أمور دينهم والبدع بينهم كثيرة. بعد جهد قمنا بتأجير مكان صغير ولله الحمد والمنة لأداء صلاة الجمعة وبعض الصلوات الأخرى جماعة وإن كان العدد الذي يحضر قليلا. ورغم أني لست بعالم ولامتخصص بعلوم الشريعة فقد من علي الله وتفضل بأن أصبحت إماما غير راتب لصلاة الجمعة نظرا لأن معظم الموجودين من العجم ولا يتكلمون العربية ويلحنون في قراءة القرآن، الحمد لله وبتوفيق من الله وبالإستعانة بموقعكم هذا وبعلمائنا الإجلاء الثقات أمثال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وغيره كثير أقوم جاهدا بتوضيح ما أستطيعه من أمور الدين الضرورية. ولكن ياشيخ البدع والمنكرات كثيرة وأحيانا أقابل أناسا مصرين على رأيهم.
وحتى لا أنفر الناس من الدين دائما أتكلم عن الأمور الأساسية في الإسلام كالتوحيد والصلاة وأهمية اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, الحجاب..الخ.
الآن شارفت دراستي على الانتهاء وسأترك هذا البلد قريبا إن شاء الله, وكلما اقترب موعد رجوعي إلى بلدي أشعر بتأنيب الضمير لأنه يوجد هنا منكر كبير لم أستطع أن أتحدث عنه, ربما خوفا من أنعت بالمتعصب أو ربما لأن الحديث عنه سيجلب لي كثيرا من المشاكل. ولكن عندما أتذكر قول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ"
أشعر بالخوف الشديد. هنا يوجد كثير من الفتيات المسلمات يقمن وحدهن في هذا البلد بحكم الدراسة وبدون أي محرم,, وفترة إقامتهن تستمر غالبا لعدة سنوات..والغريب أن هذا الأمر طبيعي ولاينكر عليهن أحد. فهل بسكوتي عن هذا الأمر أكون آثما, مع العلم بأني حتى لو تكلمت فلن يستمع لي أحد..والسبب الرئيسي من وجهة نظري بأن جل اللاتي يدرسن هنا يحصلن على منحة مالية عالية نوعا ما ويتم اختيارهن من بين عدد كبير من المتقدمات. فوجودهن هنا يعتبر فرصة ذهبية بالنسبة لهن, كما أن هذه البلد آمنة جدا. والسبب الآخر هو أن وجود هؤلاء الفتيات هنا وبدون محرم يبدو أنه أمر طبيعي لدى أهلهن في بلدهن, وأحيانا أتعجب أن لا يوجد في بلدانهن علماء أو دعاة يبينون لهن حرمة السفر بدون محرم وخصوصا إلى بلاد الكفر! وبالتالي فإن كلامي عن هذا المنكرلن يكون له أي تأثير بل سيكون نشازا. عذرا على الإطالة وأرجو منكم أن ترشدوني إلى كيفية التصرف في مثل هذه المواضيع,,وما حكم سكوتي عن هذا المنكرفي مثل هذه الظروف. وهناك نقطة أخرى أود أن أستفسر عنها: قرأت في هذا الموقع (فتوى رقم: 30583) بأنه لايشترط أن يبقى محرم المرأة معها في البلد الذي ستسافر إليه. فهل معنى هذا بأن وجود هوءلاء الفتيات هنا جائز إذا أتين لهذا البلد مع محرم, ثم إن المحرم تركهن وبقين وحدهن للدراسة إذا أمنت على نفسها؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك ويرزقنا وإياك الاستقامة على طريق الخير، ولتعلم أن الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لكل مسلم فرض على كل مسلم حسب وسعه واستطاعته بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ثم إن قولك: وحتى لا أنفر الناس من الدين دائما أتكلم عن الأمور الأساسية في الإسلام كالتوحيد والصلاة وأهمية اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, والحجاب ... إلخ، قد يكون هو الصواب إذا كنت تعلم أو تظن أنك لو تكلمت عن غير ذلك لنفر الناس من الدين وتركوه. لأن القاعدة الشرعية: أنه إذا تعارضت مصلحتان قدمت أعظمهما، وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفاديا لأشدهما. ثم إن قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {البقرة:159} ، فقد نص العلماء على أن الكتم الملعون صاحبه على نوعين:
أ- تارة يكون بمجرد إخفاء المعلوم وستره مع مسيس الحاجة إليه وتوفر الداعي إلى إظهاره.
ب- وتارة يكون بإزالته ووضع شيء آخر موضعه.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم وكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة وغيره.
وبناء على ما ذكر، فلا نرى أنك داخل في الوعيد الذي جاءت به هذه الآية الكريمة، طالما أن المانع لك من تبيين ما تركت تبيينه هو خشية تنفير الناس من الدين، أو أنك لو تكلمت فلن يستمع إليك أحد.
ونريد أن ننبهك هنا إلى أن مجرد خشية أنك لو تكلمت فلن يستمع إليك أحد، لا ينبغي أن يكون مانعا لك من التبيين، فالهداية بيد الله، وإنما على المسلم أن يبلغ ما أمر بتيليغه ولذلك فإن عليك أن تبين للعامة هنالك والنساء خاصة هذا الحكم الشرعي بأدلته مع توخي الحكمة والأسلوب الأمثل، ولن تعدم بإذن الله تعالى من يستجيب لك.
وفيما يتعلق بسفر المرأة دون محرم، فإنه مما وردت السنة بالتحذير منه. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم ... رواه البخاري.
ولكن المرأة إذا سافرت صحبة محرم، ووصلت المحل الذي تقصده في سفرها، فلا يشترط أن يبقى معها ذلك المحرم إذا كان المكان والبيت الذي سوف تسكنه آمنين كما بينا في الفتوى التي أشرت إلى رقمها.
ولكن ما ذكرته عن البلد الذي أنت به من غفلة المسلمين عن أمور دينهم، وكثرة البدع بينهم، وكون البلد غير مسلم، وغير ذلك مما بينته وفصلته تفصيلا، لا يتصور معه أمن المكان والبيت الذي ستسكنه المرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(5/627)
كيف تنصح أخاها إذا اكتشفت أنه واقع في الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت بالصدفة عندما كنت أنظر في هاتف أخي أنه يقيم علاقة غرامية مع فتاة وأنهما يخرجان سوياً، سؤالي هو: هل ما فعلت يعتبر من التجسس المحرم، وكيف بإمكاني التدخل لتصحيح الوضع دون أن يعلم ودون أن أجرحه، لأني منذ أن علمت بالموضوع وأنا أشعر بأنه علي التدخل على الأقل من باب النصح في سبيل الله، ولكن لا أستطيع مواجهة أخي بالموضوع، فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التجسس على المسلمين وتتبع عوراتهم والبحث عن أخطائهم لا يجوز شرعاً، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم، ونرجو أن تطلعي عليه في الفتوى رقم: 60017 وما أحيل عليه فيها.
وإذا كنت قد اكتشفت خطأ أخيك دون تجسس عليه فإنه لا إثم عليك ولا حرج، والواجب عليك على كل حال أن تنصحيه لله تعالى من غير أن تصرحي له بما حصل، وتحذريه من غضب الله وعقابه، وتبيني له خطورة العلاقات المحرمة، وما يمكن أن تجر إليه من الفضيحة والعار في الدنيا والعقوبة في الآخرة، وبالإمكان أن تهدي له شريطاً أو كتاباً حول هذا الموضوع، وإذا لم يستجب لك فيمكن أن تستعيني عليه بمن ترينه مناسباً لنصحه من الأهل والأقارب من دون أن تصرحي لهم بتفاصيل ما اطلعت عليه من حاله وأمره، وتوخي في ذلك كله الحكمة والرفق في الخطاب، فإن ذلك أدعى بإذن الله تعالى أن ينفع النصح والتوجيه. ويمكن أن تطلعيه على الفتوى رقم: 35221، والفتوى رقم: 70771 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1427(5/628)
الذب عن أعراض العلماء وسائر المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إخباري عن كيفية الذب عن عرض السيد طنطاوي.. هناك من ينعته بالسيد قشطة!!
ما حكم مثل هذا الكلام؟
الرجاء سرعة التجاوب معي. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذب عن أعراض المسلمين مشروع في الجملة، والنيل منهم محرم في الأصل، ففي الحديث: من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وفي الحديث: ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته. رواه أبو داود وحسنه الألباني. وقد قال الله سبحانه في شأن الغيبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12} . وروى البخاري عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. وفي الترمذي وأحمد وابن ماجه عن معاذ في حديث طويل وقد ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ما يقربه إلى الجنة ويباعده من النار فقال له بعد ذلك: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ .
وأما كيفية الذب عن عرض شخص ما فإنما تتم برد ما يوجه إليه من التنقص، فإن كان عالما وكان الحق معه فيما انتقد عليه فيكون الذب عنه ببيان أصوبية كلامه مدعما بنصوص الوحي، أو بنفي ما وجه إليه إن لم يكن قاله. وأما إن كان الحق على خلاف ما عليه ذلك الشخص ولم يعرف عنه تماديه على الباطل فيمكن الذب عنه بالتماس أحسن المخارج له والاعتذار له عنه ما أمكن ذلك، وأما الرد عن شخص ما بغير دليل فيتعين تركه والاهتمام بالواجبات الشرعية التي كلفت بها المسلمة وهي كثيرة. فإذا ما طعن طاعن في رجل ينسب إلى العلم وخطأ أقواله والسامع لا يعرف الرد على ذلك فليفوض الأمر إلى أهل العلم، ولينصح القائل بذلك أيضا. وأما العبارات الواردة في السؤال فليست من هذا الباب في شيء، وهي غير لائقة بمن يحرص على سلامة دينه.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع ومعرفة ما يباح من الغيبة وما يمنع: 47694، 33346، 6506، 39949، 26119، 17373، 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1427(5/629)
من ضوابط النهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يأمراني كل يوم أن خرج معهم، ولكن هناك بعض المشاكل عند خروجي من البيت معهم
1.الشوارع مملوءة بالمتبرجات فلا أكاد أرى متحجبة حتى أرى ألف كاسية عارية
2. لوجود هذه المنكرات في الشوارع أكون مضطرا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن والدي يأمراني بأن أترك ذلك، ويقولان لي إذا نصحت فلانة فلن تخرج معنا أبدا علما أن خروجي معهم ليس للضرورة إنما هو للنزهة فقط
فما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طاعة الوالدين والإحسان إليهما آكد الفرائض بعد حق الله تعالى ما لم يكن في ذلك مخالفة شرعية فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولذلك ننصحك بالخروج مع والديك إذا أمراك بذلك لما فيه من تأليف القلوب.
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا شك أنه من فرائض الإسلام العظام، ولا بد من إنكار المنكر مهما كان الأمر، وأقل مراتب الإنكار الإنكار بالقلب إن لم يتمكن من غير ذلك، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم
وإذا كان يترتب على أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر منكر أكبر أو مساو له فإن عليك أن تتركه وتكتفي حينئذ بالإنكار بالقلب؛ كما جاء في الحديث، وبناء على ما تقدم فإذا لم تكن هنالك ضرورة أو حاجة ماسة للخروج فلا تخرج ما دام الأمر كما وصفت.
وللمزيد من اللفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى: 31277، 68215، 62001.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1427(5/630)
هل يجبر زوجته على ترك المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الإجابة على السؤال لو تكرمتم، هل تبرأ ذمة الزوج عند أمر زوجته أو نهيها في أي أمر يخص دينها سواء أطاعت أم لم تطع، أم أن عليه أن يلزمها إجباراً بما يأمرها به من باب من رأى منكراً فليغيره بيده إلى آخر مدلولات الحديث عن رسولنا صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يتعلق بحق الزوج من أمور الاستمتاع له أن يلزمها به اتفاقاً، وأما ما يتعلق بحق الله ففيه خلاف مذكور في الفتوى رقم: 58461، والفتوى رقم: 58787.
وعلى كل حال فأمر الزوجة بالمعروف أو نهيها عن المنكر واجب على زوجها حسب استطاعته، ويسقط ما لا يستطاع منه أو ما تترتب عليه مفسدة أعظم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1427(5/631)
كيفية إنكار الابن على أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 21 سنة في السنة النهائية بالجامعة.
من فضل الله أنني متدين وأقوم بجميع الفروض، مشكلتي أنني رأيت والدي الأرمل البالغ من العمر 50 عاما وهو بوضع مريب مع الخادمة. (يقبلها ومن ثم يضع ذكره في فيها) .
عرضت عليه الزواج حتى ولو من الخادمة لكنه رفض بشدة وذكر أنه لا يريد الزواج من بعد أمي.
لم أقو على أن أخبره بما رأيته منه لخوفي من التأثير على كبريائه أمامي وخلق مشكلة في البيت أمام أخواتي الخمسة.
سؤالي:
أرجو النصح بما علي أن أقوم به، ثم ما هو الجزاء الشرعي لأبي مقابل فعلته تلك، وكيف يمكنني بطريقة غير مباشرة أن أوصل فتواكم إليه؟ علما بأنه لا يستعمل البريد الالكتروني،
أفتوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الذنب المذكور من القبح بمكان، لا سيما ممن هو في سن والدك، ويجب عليه التوبة منه، وواجبك تجاه والدك أمران:
أولهما عام: وهو دعوته إلى الالتزام بدين الله، والتوبة إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي، دون الإشارة إلى هذا الذنب، وعليك أن تتلطف في دعوته ونصحه، وقدوتك في ذلك هو نبي الله الخليل عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه، فقد نقل القرآن أدبه في دعوة أبيه فقال سبحانه: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا {مريم 42-45) .
وحبذا لو قدمت لذلك بألوان من الإحسان والبر، وعرفت للوالد مكانته وفضله، وأثنيت عليه بما هو أهله، ومن الضروري أن يكون النصح بعيداً عن الأعين والآذان.
والثاني خاص بهذا الذنب: بأن تسعى في إقناعه بالزواج، ليحصن فرجه، ويغض بصره، ويسلم من غوائل الشهوة، فعليك أن تسعى في تغيير الخادمة بكلما في وسعك، أو الحيلولة دون خلوته بها، وتحذيرها من طاعته في مثل هذا العمل.
فإن نفعت تلك الوسائل وإلا فليس أمام الأخ إلا الدعاء له بصلاح الحال والاستقامة على الدين، قال صاحب رد المحتار: إذا رأى منكراً من والديه يأمرهما مرة، فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما، واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه من أمرهما. انتهى.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1427(5/632)
هل يشترط قبل الإنكار معرفة نية مقترف المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[إني لأحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن كيف أنهاهم عن منكر وأنا لا أعرف نواياهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي أوجبه الله تعالى فقال: وأمر بالمعروف وانه عن المنكر. وفي الحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره. رواه مسلم.
وقد ذكر أهل العلم شروط وجوبه ولم يعدوا فيها معرفة نية مقترف المنكر, وقد ثبت بأدلة القرآن والحديث أن موسى عليه السلام أنكر على الخضر أعمالا عملها لأن موسى يراها معصية, ولم يمنعه من ذلك ثقته بالخضر الذي هو نبي يوحى إليه. فالواجب هو نصح الناس وأمرهم ونهيهم برفق وحكمة. وراجع في قصة موسى والخضر, وفي شروط وبعض آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفتاوى التالية أرقامها: 38875، 36372، 29987.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1427(5/633)
هل يحق العذاب على من أمر بالمعروف وترك فعله
[السُّؤَالُ]
ـ[العالم بالدين الذي ينصح الناس بالخير ولا يقوم به له عذاب شديد في الآخرة ,السؤال هو فما حكم من اهتدوا على يده من فعل الطاعات مع علمهم بحقيقة عالم الدين بعد فترة من الزمن, وان كان سيعذب في الآخرة فما حكم الحسنات والخير الكثير الذي جناه من طاعة الناس ورجوعهم إلي الله , مع العلم كيف يتساوى فعل معاصي شخص مع فعل خيرات شعب اهتدوا بسببه. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يأمر بالمعروف ولا يأتيه, وينهى عن النكر ويأتيه قد جاء فيه الوعيد الشديد لقيام الحجة عليه من نفسه, ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان: ما شأنك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ".
ومحل هذا الوعيد في من لم يتب من تلك المعاصي التي فعلها قبل موته ورجحت سيئاته يوم القيامة بحسناته, فإن تاب واستقام قبل موته فإن الله تعالى يتوب عليه, وإذا رجحت حسناته بسيئاته دخل الجنة بفضل الله ورحمته, فالوعيد على المعاصي لا على الأمر بالمعروف كما قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في أضواء البيان.
وقد حمل بعض أهل العلم ذلك الوعيد في من أمر الناس بمعروف مجمع على وجوب العمل به أو نهاهم عن منكر مجمع على تحريمه, ثم خالف ذلك بفعله مستحلا له, فإنه يكفر بذلك فلا تنفعه طاعته ولا طاعة غيره ممن أمرهم بالمعروف أو نهاهم عن المنكر.
وقد بينا أنه يجب على المرء أن يأمر بالمعروف وإن كان لا يأتيه, وينهى عن المنكر وإن كان يأتيه؛ لأن فعل المعروف والأمر به واجبان فترك أحدهما لا يسقط الآخر, قال سعيد بن جبير رحمه الله: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر.
قال مالك رحمه الله: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء؟
وانظر تفصيل القول في ذلك في الفتويين رقم: 18468، 9329.
وأما من هداهم الله على يده بسبب دعوته فإن كان قصد بذلك وجه الله الدار الآخرة ومات وهو مسلم فله مثل أجورهم لما في أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه, لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا, ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم خيبر:.... فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم " قال النووي في شرحه للصحيح: ومن دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه.. سواء كان ذلك الهدي..هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه, وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدبا أو غير ذلك. انتهى منه مختصرا.
فمن دعا إلى الخير ونهى عن المنكر فله أجر دعوته وسيجد ذلك يوم القيامة: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ {آل عمران:30} ويوم: تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {البقرة:281} ويوم يضع الله الموازين للقسط بين الخلائق كما قال: وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ {الأنبياء:47}
فالذي يحاسب الخلائق هو العدل اللطيف الخبير: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. فإن رجحت حسنات من دعا الناس إلى معروف ولم يأته أو نهاهم عن منكر وأتاه, فقد أفلح, وإن خفت حسناته وثقلت سيئاته لكثرة ما ارتكب من المعاصي فقد حق عليه الوعيد: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ {الأعراف:9}
وللاستزادة انظر الفتوى رقم: 28171.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1427(5/634)
تغيير المنكر بقدر الطاقة والوسع
[السُّؤَالُ]
ـ[أرى مناظر تدمى لها العين في بلدنا في (الشارع) ، ولا أستطيع أن أنكر إلا بقلبي،هل أنا آثمة وبماذا تنصحونني، إنني أغلي من داخلي؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على غضبك لله وإنكارك بقلبك لتلك المنكرات، فقد قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32} ، وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم. رواه الترمذي وحسنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم.
ولست آثمة بل مأجورة بإذن الله إن لم تستطيعي غير ذلك، فإن استطعت غيره وجب عليك كما في الحديث، وللفائدة انظري الفتوى رقم: 1048.
والذي ننصحك به أيتها السائلة الكريمة أن تتقي الله تعالى في نفسك وفي أهلك، فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} ، فابذلي الوسع في نصح الغافلين عن عبادة رب العالمين، وابدئي بالأقربين منك من زوج وأبناء إن كانوا، ثم قرابتك وجيرانك ومعارفك وغيرهم، وبلغيهم دين الله بكافة الوسائل المتاحة بالكلام المباشر وبالشريط الإسلامي، بالرسائل والمطويات، وأظهري لهم الشفقة عليهم والنصح لهم. ولكن ينبغي أن تعلمي أن النساء لسن كالرجال في ذلك، فلأمرهن بالمعروف ونهيهن عن المنكر ضوابط بيناها في الفتوى رقم: 44541.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1427(5/635)
يتعين على العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أمور يأثم على فعلها أو أمور يأثم على تركها ولا يستطيع الفقيه الإفتاء فيها؟ لو نعم مثل ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بيان الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على العلماء بقدر استطاعتهم. وقد عاب الله على اليهود تقصيرهم في ذلك وذم صنيعهم فقال: وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ {المائدة:62-63-} وقال تعالى: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {المائدة:79} فكل أمر حكم الشارع فيه بحكم فأثم من تركه أو أثم من عمله يتعين على العلماء النصح للمقصر في أمر الله تعالى وبيان الحق في ذلك. ولا نعلم أحكاما خاصة لا يستطيع الفقهاء الكلام فيها. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 33346، 5870، 44618.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(5/636)
المسلم ينشط بقدر وسعه في رد الباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع عن جماعات في الفضائيات يتكلمون عن عقائدهم وما أحسبهم إلا أنهم مسلمون مرتدون عن الإسلام لأنهم يأخذون بعض النصوص القرآنية وينكرون البعض منه، كما سمعت عن شخص بهائي يقول بتحريم زواج الرجل لأكثر من واحدة وهذا إنكار لنص قرآني، ماذا نفعل نحن كمسلمين ونحن نسمع هذا وغيره، كما في حسن الترابي وأمثاله من المرتدين سنظل ساكتين سنبقى من الذين قال الرسول بهم وذلك أضعف الإيمان، وأن أردنا أن نخرج من جماعة الأضعف إيمان، فماذا علينا أن نفعل كمسلمين أقوياء ومن يتحمل إثم السكوت عن مثل هؤلاء بل وتسهيل الفضائيات لهم ليبثوا سمومهم للعالم؟ ولكم مني فائق الاحترام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون, فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن, ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن, ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن, وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. رواه مسلم.
فهذا الحديث وغيره من أدلة إنكار المنكر يفيد أنه لا يسوغ أن يبقى المسلم القادر على الإنكار ساكتاً أمام نشر أهل الباطل لباطلهم، بل ينبغي عليه أن ينشط بقدر وسعه في رد باطل هؤلاء واستخدام ما أمكنه من الوسائل المشروعة, فينشر مقالات توضح الحق وتبين الصواب عبر وسائل الإعلام وعبر شبكة الإنترنت، ويسأل العلماء عن الحق فيما أشكل عليه، ويكثر سؤال الله الهداية لنفسه ولأمته. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 33346، 62953، 71992، 20553، 73831.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1427(5/637)
مراعاة الحكمة والرفق عند النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جماعة من المصلين معنا أخ يسمع بطريقة مزعجة تفقد المصلي خشوعه كيف يمكن لي أن أنصحه بدون إحراج جزاكم الله خير وأجرا عظيما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أن أحد المأمومين يرفع صوته بالقراءة الشيء الذي يترتب عليه تشويش على المصلين فما أقدم عليه غير مشروع؛ كما سبق في الفتوى رقم: 49320 والفتوى رقم: 31389 وينبغي نصح الشخص المذكور بمفرده بعيدا عن الناس مع مراعاة الحكمة والرفق في ذلك ففي المنتقى للباجي: وكذلك يجب لمن أمر بمعروف ونهى عن منكر أن يرفق في أمره ونهيه. قال تعالى: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه:44}
وإن أخبرت الإمام بذلك ليتولى نصحه إذا كان ذلك أدعى لاستجابته فقد أحسنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1427(5/638)
ركوب الطائرة لغرض السياحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا يا شيخ أحب السفر للسياحة إلى البلاد الإسلامية (إلى قرية محافظة مثلاً) ، ولكن سؤالي يا شيخ أنهم في الحدود مثلاً يأخذون على المسافر بالسيارة تأمينا عليها، فهل دفعي لهم هذا التأمين يعتبر من التعاون على الإثم والعدوان ويكون فعلي مناقضا لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ... أم نقول إن المسألة ليست إجماعاً وهي خلافية وأن الحاكم إذا تبنى أحد الآراء الخلافية يزول الحرج في تطبيق ما أجبرنا عليه حاكم تلك البلاد.
ثانياً: أشعر بحرج في السفر بالطائرة إلى البلاد الإسلامية لغرض السياحة حيث قد أتعرض للمنكرات الموجودة في الطائرة وفي المطار حيث يقول الله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب إن إذا سمعتم ... على الرغم أني مخطط أني بمجرد أن أصل أتوجه للقرية أو ما أشبهها، مع العلم بأني أنا من السعودية وأصبح الآن تجد في مطار الرياض مثلاً بعض الأجنبيات اللاتي سيغادرن السعودية في المطار كاشفات شعورهن ولابسات الضيق فأقول في نفسي إن لو كنت مثلا أريد السفر من الرياض إلى جدة بالطائرة مثلا لغرض التنزه فلا أتوقع إن أحداً من المشايخ الأفاضل سيقول لي لا يجوز لك أن تذهب بالطائرة إنما تذهب بالسيارة, وعلى هذا فأشعر أن ذلك نفس الشيء، فمثلا إذا كان البلد الإسلامي الذي أود الذهاب إليه بعيدا عن بلدي جداً فلا أعتقد أن أحداً من المشايخ سيقول لي اذهب بالسيارة ولا تذهب بالطائرة, وأذكر أن ابن تيمية عندما تكلم عن مسألة الحمام سابقا في فتاويه قال: إذ شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه لا يجوز. فهل يا شيخ يعتبر ركوبي في الطائرة ووصولي للمطار حاجة تجيز لي ذلك لما في ذهابي بالسيارة من مشقة, وأن لم يكن في ذهابي بالسيارة مشقة، فهل يجوز لي أن أذهب بالطائرة، أرجو التفصيل المفيد، أرحني أراحك الله؟ وجزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك أربع نقاط هي:
1- مسألة التأمين.
2- تغيير المنكر.
3- موضوع السياحة.
4- شهود المنكر من غير حاجة.
فالتأمين التجاري بجميع أنواعه لا يجوز، وقد تقدم الكلام عن التأمين بالتفصيل والحكم الشرعي لكل نوع في الفتوى رقم: 472 فلتراجع.
فلا يجوز للمسلم تعاطي عقد التأمين التجاري إذا كان ذلك باختياره، أما إذا أجبر عليه، ولم يستطيع التخلص منه ولو بالحيلة فيسعه ما يسع المكره على الفعل أو الترك، وإثمه على من أكرهه.
ولا خلاف بين المسلمين في وجوب تغيير المنكر، ولكن التغيير يكون بحسب الطاقة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ثم إن الأصل في السفر بغرض السياحة أنه جائز إذا لم يصحبه محرم مثل شرب الخمر أو الزنا أو النظر إلى النساء الأجنبيات أو الاختلاط بهن، أو القمار أو غير ذلك..
وشهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه منهي عنه. كما قال شيخ الإسلام، ومع ذلك فكون الطائرة تمارس فيها بعض المنكرات فإن ذلك لا يُحَرم ركوبها لغرض مباح، وإنما يلزم المرء اتجاه من يمارس المنكرات في الطائرة إنكار ذلك المنكر بما يناسبه ويتماشى مع قدرته في تغييره حسبما جاء في الحديث السالف، مع وجوب غض البصر والابتعاد عن كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرام.
وعليه فلا نرى بأساً في ركوبك الطائرة للغرض الذي ذكرت إذا تقيدت بما بيناه من الضوابط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(5/639)
درجات تغيير المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تحطيم شرائط تحتوي على محرّمات وهي ليست لي، هي لأحد من أفراد عائلتي خاصّة وأنّ هذا الشخص تجرّأ وأخفى المصحف عليّ لكي لا أقرأ فيه وهو لديه الكثير من الأغاني والكليبات فى الحاسوب كما يوجد عندنا في البيت آلة موسيقى (قيتار)
فهل يجوز إتلافها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجود تلك الآلات المحرمة بالبيت لك أو لغيرك من المنكرات التي يجب تغييرها، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع المنكرات ودرجات تغييرها في قوله: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم
وهنا نقول: إن كنت تستطيع إتلافها وتغيير ذلك المنكر بيدك دون حصول ماهو أشد من ذلك فيجب عليك إتلافها دون ضمان، قال في الإقناع: ومن أتلف أو كسر مزمارا أو طنبورا أو صليبا، أو كسر إناء ذهب أو فضة، أو إناء فيه خمر مأمور بإراقتها ولو قدر على إراقتها بدونه، أو آلة لهو ولو مع صغير كعود وطبل ودف، لم يضمن في الجميع على المعتمد.
لكن إن ترتب على إتلافها ضرر أكبر أو مساو فلا تتلفها، وغيِّرالمنكر بلسانك إن استطعت بالنصح والإرشاد وذكر أدلة تحريم تلك الآلات والاستماع إليها، وليكن ذلك بحكمة وموعظة حسنة رحمة بمن يفعل ذلك، لا عنادا له وانتقاما منه، فشتان ما بين الغضب لله والغضب للنفس، وللاستزاده انظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 669 / 987 / 22063 / 50158.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1427(5/640)
نصح المرأة لمن يقعون في أخطاء أثناء الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أكرمني الله بالحج هده السنة عندما عدت كنت جد متألمة لما رأيته من أخطاء وعدم احترام حرمة البيت، فبدأت أناقش وأنبه الأشخاص المقدمين على الحج لهذه التجاوزات دون تحديد شخص بعينه لأن الذي أزعجني هو رمي الأوساخ والجلوس في أي مكان والضجيج والصراخ وإرهاب الناس لأي سبب بالإضافة للتجاوزات التي ترتكبها بعض الوكالات السياحية في المناسك-عدم الذهاب إلى منى يوم التروية-الرمي قبل الزوال....فهل أثمت وجزاكم الله خيرا.
فهل علي إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله جل وعلا أن يتقبل منك حجك ويجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا، وأما ما قمت به من نصح وإرشاد لمن يقع في أخطأ أثناء الحج وفي المشاعر المقدسة فأمر حسن تثابين عليه، وهو من التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وهو من النصيحة للمؤمنين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1427(5/641)
واجب المسلم تجاه شيوع بضائع ومحلات تحمل أسماء ما يعبد من دون الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرض عليكم مشكلتي التي أكاد أجن منها غيرة مني على ديني وعلى تمسكي بأن أظل في رضوان الله عز وجل.
منذ فترة وأنا بدأت أرى في بعض المحلات التجارية منتجات تحمل والعياذ بالله أسماء ما كان يعبده اليونانيون القدماء أو الرومانيون القدماء وعندما أدخل إلى أحد هذه الأسواق تنتابني ثورة من الغضب في داخلي غيرة لله سبحانه وتعالى وقد أخذت عهدا على نفسي بأنني لو دخلت أحد تلك الأسواق لشراء حاجة معينة ورأيت تلك المنتجات التي أشرت إليها أعلاه فإنني أغادر هذا المحل أو السوق على الفور ولا أشتري منه شيئا أبدا. لدرجة أنني أصبحت أخاف أن أدخل أي سوق أو محل أو حتى مجمع تجاري لكي لا أفاجأ بأن ذلك السوق يبيع تلك المنتجات أو لكي لا أرى أن أحد المحلات التجارية في مجمع كبير يحوي العديد من المحلات التجارية قد وضع لافتة كتب عليها نفس الأسماء - أسماء ما كان يعبده اليونانيون القدماء أو الرومان القدماء أو الذين كانوا يعيشيون في القدم قبل ظهور الإسلام. ماذا أفعل؟ لقد تحولت حياتي وحياة أهلي إلى جحيم فقد بدأت أثور على أهلي وأقول لهم لا تذهبوا إلى السوق الفلاني بسبب ما يبيعه كما أشرت أعلاه؟
أستغفر الله العظيم وأتوب إليه والله يعلم أن قلبي يتفطر عندما أشاهد ما ذكرت في رسالتي لأنني حريص كل الحرص على ألا أغضب الله عز وجل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك بداية على غيرتك وغضبك لدين الله تعالى، فجزاك الله خيرا على ذلك، ولا شك أن من المنكرات بيع المنتجات التي تحمل أسماء آلهة كانت تعبد من دون الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. أخرجه مسلم في صحيحه.
فإذا علم المسلم عجزه عن تغيير المنكر بيده أو بلسانه فلا أقل من عدم ذهابه إلى مكان المنكر، إلا أنه لا حرج عليك في دخول المجمعات الكبيرة إذا كان بعض المحلات فيها يبيع هذه المنتجات لأن الإثم لا يقع إلا على من يبيعها أو من رضي بها.
وينبغي نصح من يقوم ببيعها لأنه قد لا يكون على علم بها، وربما إذا نصح يتوقف عن بيعها فتكون قد تسببت بذلك في هدايته، وهذا بعد التأكد بأن هذه الأسماء هي فعلا أسماء للآلهة المعبودة من دون الله تعالى.
وننصحك بالرفق أثناء نصحك لهؤلاء، وكذلك في نصحك لأهلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيء إلا شانه. رواه مسلم.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 5828، والفتوى رقم: 5810.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1427(5/642)
وجوب السعي في رفع الظلم عن المظلوم وإقامة العدل
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل بمكان أحبه لأكفل أسرتي بحكم أني مطلقة ومضطرة للعمل ثم حدثت تغيرات بأوضاع العمل وحولت لمكان آخر الحمد لله، ولكني أفضل الأول لأنه يناسبني أكثر وتحسنت الأوضاع المالية به بشكل كبير ويناسب ظروفي، وبالفعل أخذت إجراءاتي ومحاولات الرجوع ولكن وقف (شخص أو أشخاص) وقالوا عني لمسؤول التعيين الكثير ظلماً وبهتاناً وللأسف لم يتحر عن الصدق ولم يسأل أناسا آخرين، ولم يكتف بهذا بل ونقله لمكاني الحالي ومكان ثالث كنت أسعى للعمل به بحكم اتصالهم ببعض -وللأسف أيضاً أن من يعرف الحقيقة ويملك أن يدافع عني لم يتكلم بحجة أنه لم يسأل؟ - وأنا حالياً أعاني من كل هذا الظلم وألجا إلى رب العالمين أن ينصفني، لكن ما حكم كل أولئك الناس، وهل في يدي شيء أفعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على من ولاه الله مسؤولية ما أن يتقي الله تعالى في هذه المسؤولية، وأن يسير بين مرؤوسيه بالعدل، قال الله تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ {النساء:58} ، وليعلم هذا المسؤول أنه واقف بين يدي الله غداً فما هو قائل له إذا سأله لماذا ظلم هؤلاء وجحد حقوقهم ولم يتحر العدل، ويجتهد في معرفة الحق حتى إذا حكم بين موظفيه يحكم بالعدل المأمور به؟! وفي الحديث: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. رواه البخاري ومسلم.
هذا.. ويجوز لمن ظُلِم من الموظفين أن يشتكي ويدعو على من ظلمه ويبذل جهده لدفع الظلم والضرر عن نفسه، قال الله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148} ، وقال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا {الشورى:40} ، فسأل لله للسائلة الكريمة أن يخفف عنها وأن يرفع عنها الظلم الواقع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(5/643)
وضع نطام مراقبة في مقاهي الإنترنت لمنع المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أملك مقهى إنترنت ,أسعى جاهدا أن يكون منارا تعليميا ودعويا ولكن لا يخلو من بعض الأخطاء من بعض الزبائن الذين يدخلون إلى بعض المواقع الإباحية ويمكنني التحكم في أجهزتهم وإغلاقها والدخول إليها ولكن أحيانا كثيرة ينتابني بعض الشك في هذا الأمر, وأحسبه من التجسس والتطفل على خصوصيات هؤلاء الزبائن فهل لي الحق في مثل هذا التصرف أم لا، أم أين الحل الشرعي تجاه هذه الحالات بما فيها شرعية مقهى الإنترنت؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فتح مقهى إنترنت جائز إذا أمكن التحكم فيه ومنع المنكرات المصاحبة لمثل هذه المقاهي، ولا يمكن الوصول إلى هذه النتيجة إلا بوضع نظام مراقبة وتحكم على أجهزة المستخدمين، ولا يخفى أن الوسائل لها حكم المقاصد، فالمقصود الحسن تكون وسيلته حسنة، ولهذا إذا كان الغرض من التجسس غرضا شرعيا محمودا فلا يمنع، ولا أدل على ذلك من عمل علماء الحديث في تتبع أخبار الرواة وأقوالهم حماية للحديث النبوي من الكذب والاختلاق، وبما أن نظام المراقبة والتحم في هذه المقاهي وضع لمنع المنكر المتفشي في غالب من يقصد هذه المقاهي فإن استعماله متعين على صاحب المقهى حتى يحول بين مريد المنكر وغرضه.
جاء في بريقة محمودية: من آفات اللسان السؤال والتفتيش عن عيوب الناس لا لغرض ديني، وهو التجسس وتتبع عورات المسلمين وقبائحهم. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(5/644)
نصح المنحرف وإلا فالسلامة لا يعدلها شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[معي بنت في الصف أشك أنها غير سوية فقد قالت لي كلاما وتصرفت تصرفات غريبة، فأنا بصراحة خفت منها وقررت ألا أتحدث معها فقد صدمت لأني أسمع قصصا كثيرة ولكني لم أتخيل أن أقابل بنتا هكذا، وأصبحت أشك في جميع البنات فهل صحيح أن أبتعد عنها تماما وأعاملها كالولد يعني أتحجب منها أم فقط أعاملها كزميلة مع العلم أني لم أكن صديقتها ولكني لا أعلم لماذا تجرأت للقول والتصرف هكذا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننصحك بالابتعاد عن هذه البنت وعن مثيلاتها، فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وفي رواية: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء.
وإن استطعت نصيحتها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وبيان هذه الأحاديث وما أشبهها فلا شك أن ذلك أفضل، ونرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 61019.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(5/645)
الساكت على المنكر شريك في الإثم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن حال شخص يعمل في المركز العمومي للأنترنت يدخل الناس عنده ويبحرون حيث شاءوا ولا يوقفهم إلا أن يرى صورا خليعة أو ما شابه لكن لو دخلوا إلى مواقع كفر (ويكون الكفر في هذه المواقع غير ظاهر) غالبا لا ينبه إلى ذلك. ما حكم هذا الشخص؟ وماذا لو جلست يوما في أحد مراكز الأنترنت وسمعت شخصا لا يظهر عليه التدين كفتاة متبرجة تقول لصاحب المركز أريد أن أنسخ ملفا ما فيقول له \"لديك الحق في ذلك\" وقد يكون هذا الملف فيه من الحرام ما لا يجوز نسخه فيكون قد أحق الباطل وأنا لا أدري محتوى الملف. السؤال هل هذا المجلس من المجالس التي يجب مغادرتها كما في قوله تعالى:\" وقد نزل عليكم في الكتاب.....\"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنترنت له جوانب إيجابية نافعة وله جوانب سيئة عديدة. وقد يستطيع الإنسان أن يضبط تعامله معه إذا كان الأمر مقصورا على خاصة نفسه وأهله.
وأما من يعمل في مركز عمومي للإنترنت حيث يدخل الصالح والطالح، والمستقيم والمنحرف، والباحث عن الفضيلة، والمبتلى بحب الرذيلة، فليس من شك في أن التحكم في ذلك أمر بالغ المشقة، عسير المنال.
ولو استطاع العامل في المركز أن يتحكم في رواده، وأن يحول بينهم وبين كل موقع فاسد، وصفحة هابطة، وحوار محرم، فالقول بالجواز حينئذ لا يستراب فيه.
وأما أن يكون العامل إذا دخل الناس عنده إلى مواقع كفر لا ينبه إلى ذلك ولا يمنعهم منه، فلا يشك عاقل في أن عمله فيه حينئذ يكون غير مباح، لأن الساكت على المنكر شريك في الإثم. فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وروى أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه.
كما أنه ليس من شك في أن الجلوس في مثل هذه الأماكن بالنسبة لمن لا يغير مناكرها حرام. فقد رفع إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قوم يشربون الخمر فأمر بضربهم، فقيل له: إن فيهم فلانا صائما، فقال: ابدؤوا به ثم قال: أما سمعت قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء: 140} .
نسأل الله أن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، وأن يثبتنا على صراطه المستقيم. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1427(5/646)
حكم الإبلاغ عن مروجي المخدرات للسلطات
[السُّؤَالُ]
ـ[لو قام أحد بالإبلاغ عن شخص يحمل مخدرات هل يعتبر ذلك أننا نقوم بأذيته مع العلم أن لديه أطفالا وقمنا بنصيحته ولم يستجب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأضرار المخدرات هي مما تواتر عند سائر الناس، وعلمها القاصي والداني، فلم تعد محل شك أو مجالا للنقاش. والشرع الإسلامي الحنيف إنما جاء لتحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد والمضار أو تقليلها، وراجعي في حكم المخدرات الفتوى رقم: 1994.
فمن كان يتعاطى المخدرات أو يعمل فيها، فواجب من علم به أن ينصحه أولاً، عملا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري: الدين النصيحة. فإذا لم تفد النصيحة فيه، فإنه يتعين حينئذ الإبلاغ عنه إلى الجهات المختصة. وذلك امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم وغيره.
ولا شك في أن ذلك سيكون إذاية له، ولكن إذايته على هذا الوجه مطلوبة شرعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1427(5/647)
التوبة من التقصير في النهي عن المنكر مقبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من توبة نصوح لمن لم ينه عن المنكر دون إدراك أن هذا من الكبائر مع الاعتراف لمن ارتكب المنكر بأن هذا حرام وغير صحيح بعد إدراك ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة إلى الله تعالى مفتوحة لكل أحد من كل ذنب؛ كما قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا {الزمر: 53}
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه أبو داود
ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الدين، والقيام بهما من أعظم الجهاد في سبيل الله ومن صفات عباد الله المتقين، ومن وجد تقصيرا في نفسه فبإمكانه المبادرة بإصلاح ذلك التقصير، ومن تاب إلى الله تاب الله عليه، والاعتراف لفاعل المنكر بخطأ السكوت عن منكره خطوة في سبيل الإصلاح، وانظر الفتوى رقم: 9358.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1426(5/648)
حكم إتلاف الأغاني التي تبث في شبكة العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أحد الناس يعرض بعض الأغاني في شبكة الكمبيوتر الخاصة بالعمل فهل يحق لي أن أتلف هذه الأغاني بدون علمه؟ أو أتركها ولا أتلفها؟ وإذا تركتها فهناك الكثير قد يستمع إليها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إتلاف مثل هذه الأغاني التي يتبرع البعض ببثها في شبكة العمل لديكم يعتبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وراجع الفتوى رقم: 22063.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1426(5/649)
مجالسة تاركي الصلاة السابين لربهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش حالياً في إحدى البلدان العربية بداعي الدراسة وبعض الأحيان أسمع عبارات من بعض الشباب هدانا الله وإياهم تصل إلى درجة سب الذات الإلهية وأصبحت هذه العبارات أسمعها بشكل متكرر وهي لا تطاق أضف ما إلى ذلك من ترك غالبية هؤلاء الشباب للصلاة، حيث يكونون عند باب المسجد ولا يبالون بالصلاة حتى أنها في ذلك البلد ظاهرة طبيعية وغير مستنكرة، فهل من توجيه لي في التعامل مع هذا الوضع حيث إني أحيانا أخاف أن يخسف الله بنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسب الذات الإلهية كفر مخرج من الملة والعياذ بالله، وكنا قد بينا ذلك من قبل، فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 44356.
والله عز وجل قد توعد الذين يتهاونون بأمر الصلاة بالعذاب الشديد، فقال جل شأنه: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا {مريم:59-60} , والغي: الهلاك عافانا الله من ذلك.
وقال سبحانه: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4-5} ، وهذا في الذين يؤخرونها عن أوقاتها فكيف بتاركها وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر.
والذي ننصحك به حيال هذا الوضع هو محاولة توجيه أولئك الشباب وإرشادهم بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ففي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الناس إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب.
وإذا عجز المسلم عن إنكار المنكر فلا يجوز له الجلوس مع أهله لغير ضرورة لأن حاضر المنكر باختياره لغير ضرورة مثل فاعله، كما دل عليه قول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ {النساء:140} ، ونسأل الله أن يهدي شباب المسلمين وشيوخهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1426(5/650)
ضرورة مراعاة ضوابط تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في أسرة صغيرة ولكن تنقصنا السعادة، وأنا بالذات أشكو من أسرتي، أبي يحب لنا -أنا وإخوتي- أن نكون أفضل الناس وذلك بأن تكون ثقافتنا عالية وأن نرقى بأنفسنا عن أن (نقول الناس تفعل كذا والناس تفعل كذا) ، فأكثر أفعال الناس تصب في خانة الخطأ، أبي يريدنا أن نقرأ نستمع ونرى العالَم المثقّف, العالم النّخبة.... أمي لا تلقي لهذه الأمور أدنى أهمية, بل إنها حتى لا تنصحنا بالأمور التي ذكرتها آنفاً، لا بل إنّ الأدهى من ذلك أنها تشجع إخوتي على مشاهدة التلفاز بما فيه من سموم (مسلسلات, وغيرها مما تعرفون ... ) وهذا الأمر يقلقني ووالدي، كذلك -هذا الأمر- هو مصدر خلاف في الأسرة، أنا حينما أرى منكرا لا أستطيع أن أسكت عليه -فكيف إذا كان المنكر في بيتي- لكن لا أستطيع أن أغير هذا المنكر فأخشى غضب أمي ... فأبي لن يسكت حيال تقصير أمي إذا عرف ... وكذلك أخشى أن يسألني الله تعالى عن تستري على ما يحصل في البيت ... لا أظن أن أبي آثم فهو يخرج باكراً ويعود مساء من عمله ... لكني أظن أن الذنب يقع على عاتق أمي ... وعلي أيضاً فأنا لا أخبر أبي خشية أن يغضب فيحدث ما لا تحمد عقباه في بيتنا الذي من المفترض أن يكون سعيداً، لو كان التفاهم موجودا بين أبي وأمي! أنا الآن واقع بين نارين: إرضاء أمي, أو إرضاء ضميري وأبي والله سبحانه، أرجو الرد السريع فبيتنا على حافّة الهاوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن المسلم مأمور بتغيير المنكر، إذا استطاع بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ كما ورد بذلك الحديث الصحيح، وعلى المسلم أن يراعي في تغييره المنكر ضوابط التغيير، ومنها أن لا يؤدي إلى منكر أعظم، فإذا كان إخبارك لوالدك بما يحصل في البيت سيؤدي إلى منكر أعظم فلا تخبره.
واجتهد في نصح أمك وإخوتك، وأنكر عليهم بلسانك، وبقلبك، مع مراعاة حسن الأدب ولين الكلام مع الأم عند الإنكار عليها باللسان، وحاول أن تقصرهم على القنوات الهادفة والمنضبطة بضوابط الشرع، وأن توفر لهم برامج ترفيهية وثقافية بأي وسيلة إعلامية متاحة كبديل لهم عن مشاهدة تلك (السموم) ، وكن قدوة لهم في الصلاح والاستقامة، رزقنا الله وإياك الاستقامة على دينه، وللمزيد من الفائدة حول نصح الوالدين تراجع الفتوى رقم: 18216.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1426(5/651)
الإنكار معناه وحكمه وكيفيته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تعريف الإنكار وكيف يكون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنكار مصدر أنكر ومعناه التغيير، وإنكار المنكر هو تغييره، قال ابن منظور في لسان العرب: والنكير: اسم الإنكار معناه التغيير، وفي التنزيل العزيز: فكيف كان نكير. أي إنكاري، وقد نكره فتنكر أي غيره فتغير إلى مجهول، والنكير والإنكار: تغيير المنكر ...
وإنكار المنكر فرض من فرائض الإسلام وشعائره التي تواترت بها نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104} ، وقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون َ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {المائدة:78-79} .
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وهذا الحديث قد بين كيفية تغيير المنكر، فالقادر على تغييره بيده لا يكفي أن يغيره بلسانه، والقادر على التغيير باللسان لا يكفي إنكاره بالقلب، ولك أن تراجع في تفصيل هذا الموضوع وضوابطه فتوانا رقم: 9358.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1426(5/652)
عالج الخطأ بخطأ فأغضب والديه.. فما الحل
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت أقيم أنا وهي مع والديّ ... ظهرت عليها علامات بلوغ الفتاة وبشكل ملفت للنظر.. وملابسها تبدي تفاصيل من جسدها ... سواء في المنزل أو خارجه ... والديّ يتجاهلان المسألة.... قمت بنصحها أولا وكلمت والدتي في موضوعها ... لما لم تستجب عنفت أختي وأحرقت ما بخزانتها من ملابس غير محتشمة.. ثار أبي وعنفني وطردني من البيت ولكنني رجعت وأصبحت أعيش كالغريب بينهم لا يكلمني أحد منهم وإن أطلقت عليهم السلام ولازالت أختي تلبس نفس الألبسة سبب المشكلة أنا أواظب على الدعاء لهم بالهداية، ولكن ما يزعجني هو مقاطعة أبي وأمي لي وأخشى على نفسي من غضبهم وسخط الله، علما بأنني حاولت التواصل معهم دون نتيجة، فبم تنصحون؟ جزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى نهى النساء عن التبرج فقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33} ، وأمر نساء المؤمنين بالحجاب فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ {الأحزاب:59} . ونهى سبحانه نساء المؤمنين أن يبدين زينتهن لغير أزواجهن ومحارمهن وإمائهن ونسائهن، إلا ما ظهر من الزينة، قال سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ {النور:31} .
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن المتبرجات من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وعليه؛ فما تفعله أختك هو في الحقيقة خطأ كبير، وعلى والديها أن لا يقروها عليه، ولكنك أنت أيضاً قد أخطأت في حرقك كل ما في خزانتها من ملابس غير محتشمة، وخصوصاً إذا كنت تعلم أن ذلك سيثير غضب أبويك، وكان من واجبك أن تنصحها برفق وتبين أمرها لوالديك دون تعنيف ولا تشدد، أما الآن وقد صار أمر والديك إلى ما ذكرت، فالواجب عليك هو الاعتذار لهما عما صدر منك، ومواعدتهما أنك لن تعود إلى مثله أبداً.
واعلم أن بر الوالدين من آكد الواجبات، وعقوقهما من أكبر المعاصي، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14-15} ، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ... الحديث متفق عليه.
ولو وسطت بينك وبين أبويك بعض الخيرين أو بعض الصالحين لإزالة ما بينك وبينهما وإصلاح العلاقة التي ساءت فإنه يرجى أن يحصل الوفاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1426(5/653)
الإنكار القلبي لا يجزئ ما دام الشخص قادرا على أكثر منه
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي يا شيخ أني أتضايق من كثرة العصاة في هذا الزمان، فعندما تجد الشوارع مليئة بالسيارات في أوقات الصلاه والناس نيام عن صلاة الفجر، حتى أنه يوجد ناس يتبعون سنة الرسول في إطلاق اللحية وتقصير الثياب لكن لا يصلون الفجر، بصراحة يا شيخ أصبحت أسيء الظن من كل ما أراه من هذا التقصير في أبناء المسلمين، لو تكرمتم أزيلوا عنا سوء الظن هذا؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على غضبك لله وإنكارك بقلبك لتلك المنكرات، فقد قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32} وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم. رواه الترمذي وحسنه. وقال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
والذي ننصحك به أن لا تكتفي بمجرد الإنكار القلبي لهذا التفريط في حق الله ما دمت قادراً على أكثر منه. فابذل الوسع في نصح الغافلين والمقصرين في عبادة رب العالمين، وابدأ بمن ولاك الله أمرهم من الزوجات والأبناء ثم قرابتك وجيرانك ومعارفك وغيرهم. وبلغهم دين الله بكافة الوسائل المتاحة، بالكلام المباشر وبالشريط الإسلامي، بالرسائل والمطويات. وأظهر لهم الشفقة عليهم، واعلم أنك في معركة مع الشيطان، وأنه لا يكف عن إغوائهم وتزيين المعاصي لهم. وأما سوء الظن بالمسلمين فهو محرم، ولدفعه عن نفسك أسباب منها معرفة تحريمه، وانظر الفتوى رقم: 10077.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1426(5/654)
كيف نتعامل مع الذين ينتقصون من قدر الدعاة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو ما جزاء وحكم بعض الناس الذين يستهزئون بالملتزمين وكل من يقوم بالدعوة؟ وكيف يمكن التعامل معهم؟ وهل شعورهم بالنقص هوالذي يدفعهم الى هذا التصرف؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما حكم وجزاء من يستهزئون بالملتزمين والدعاة إلى الله وطلبة العلم فقد بيناه في الفتاوى: 2093، 15399، 41385.
وأما كيفية التعامل معهم فينبغي أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة وبيان الحق لهم ودعوتهم إليه وتحذيرهم من خطورة ذلك فقد يصل بقائله إلى الكفر والعياذ بالله، فإذا لم يُجْدِ معهم ذلك شيئا فقد قال تعالى: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ. وقال: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان: 72}
وأما سبب تصرفهم ذلك فربما يكون شعورهم بالنقص فلا يحبون أن يروا من هو أكثر منهم التزاما فيتهكمون به لئلا يزدريهم الناس وينصرفون إليه، وليس لديهم الاستعداد لتغيير سلوكهم فيقلدونه أو يسيرون معه فيما هو فيه أو ينافسونه، فلم يبق أمامهم إلا السخرية منه والاستهزاء به.. إلى غير ذلك من الأسباب والدوافع الكثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1426(5/655)
كيف ينكر الأخ على أخته استماعها للأغاني المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديق له أخت دائما تستمع للأغاني وعندما يريد إطفاء المسجل يتشاجر معها فيرتفع صوتها فيأمره والده بأن يتركها تسمع ما تريد حتى لا يخرج صوتها بحجة أن صوت المرأة عورة، فماذا يفعل هل يستمع لوالده ويتركها تستمع إلى ما تشاء أم ماذا يفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم الأغاني والاستماع إليها وأنواعها.... بالتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 5282 نرجو من السائل الكريم الاطلاع عليها.
فإن كانت الأغاني التي تستمع إليها هذه الأخت من الأغاني المحرمة فإن عليه أن ينكر هذا المنكر بالطرق المشروعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وعليه أن يبين ذلك لوالده بالحكمة والاحترام.. فإذا خشي أن يؤدي ذلك إلى منكر أكبر منه فليترك الإنكار المباشر وليعالجه بطرق أخرى غير مباشرة، وأما رفع صوتها فليس من المنكر الذي يترك من أجله النهي عن هذا المنكر إلا إذا كان ذلك يؤدي إلى شجار أو فتنة ... فصوت المرأة ليس بعورة، ولكن يحرم عليها أن تخضع بالقول فيقع في الفتنة من في قلبه مرض.
والحاصل أن على هذا الأخ أن يتفاهم مع أبيه وأخته بطريقة ودية وخاصة الوالد فيبين له عدم جواز الأغاني.. ويتحرى لذلك الوقت والأسلوب المناسب فهذا من الحكمة التي أمر الله تعالى بها في الدعوة إلى سبيله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1426(5/656)
نصائح للحفاظ على العرض واستمساك الأهل بالفضيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي أنني أرى أن أمي لا تستطيع إعطاء تربية صالحة لأختي البالغة من العمر 13 سنة بحيث أنها دخلت الإعدادية وأن أمي تحرضها على الذهاب برفقة ولد من الحي, وأنا لا أحتمل ذلك, بعد أن علمتها الصلاة وأحثها على الخير, أريد أن أشير إلى أن أبي قد توفى عام 2004 وبحكم أني ترعرعت في بيت جدي فأنا أبيت معهم كل يومين مرة لكني أزورهم في كل وقت.,
المرجو إعطائي بعض النصائح لأني أتخيل فعل الكثير من الأشياء التي قد تكون سيئة ,فأنا لا أحتمل أن أرى بعض الشبان يضحكون على بنات المسلمين,
وشكرا لكم على إبداء النصائح لأخيكم في الله ,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك غيرتك على عرضك وحرصك على صيانة أختك، ولا شك أن هذا شان المؤمن، فجزاك الله خيرا.
وإن كانت أختك على ما ذكرت من خروجها مع هذا الشاب وأن أمك تقرها على ذلك بل وتدفعها إليه فقد أساءت كل منهما، فنوصيك بأن تبذل لهما النصح بأسلوب طيب مبديا لهما الحرص والشفقة على أختك، والحفاظ على سمعة عائلتك، ولا تنس أن تستعين بالله تعالى، فهو خير معين، ولا بأس بأن تستعين بالفضلاء من الناس وأقربائك أو غيرهم إن احتجت إلى ذلك، وإن أمكنك الانتقال للسكن مع أمك وأختك فافعل، فإن هذا قد يكون أدعى لتعاهدهما بالنصح والتوجيه، وينبغي أن تكون قدوة صالحة في تعاملك معهما فإن هذا خير معين لهما على الانتفاع بنصائحك وتوجيهاتك، فإن لم يجد كل ذلك النصح والتوجيه وغلب على ظنك أن يكون هجرك لأختك رادعا لها عن هذه التصرفات فالأولى أن تهجرها، وإن كانت لك الولاية عليها فيمكنك تهديدها وتخويفها بحرمانها من الدراسة والخروج من البيت لغير ضرورة، ويمكنك حرمانها من ذلك إن تعين هذا سبيلا لعلاج هذا الأمر.
والواجب عليك الحذر من معالجة المنكر بما هو أكبر منه، أو أن تدفعك إساءة أمك إلى الإساءة إليها فتقع في العقوق، وراجع الفتوى رقم: 9044، والفتوى رقم: 6675.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(5/657)
لا بأس ببيان الصواب للوالد بأسلوب حسن
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي دائم التأفف من ملاحظات أبي له في كيفية تربية ابننا يصب كل غضبه علي وحياتنا أصبحت لا تطاق فما العمل أأطلب من أبي عدم التدخل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للزوج أن يحملك مسئولية ملاحظات أبيك فلا تزر وازرة وزر أخرى، مع أن الأب قد تكون ملاحظته من باب النصح والشفقة، وذلك هو الغالب، ويجب عليك بره والإحسان إليه، ويحرم عليك إذايته بأي وجه كان ذلك، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 23-24} .
ويمكنك أن تبيني له ذلك بأسلوب لبق حسن دون أمر أو نهي، والأولى أن يكون ذلك عبر أمك أو أخواتك أو أحد من أقربائك، فيفهمه أن زوجك يضيق بكثرة ملاحظاته، وأن ذلك قد يؤثر على حياتك الزوجية ونحو ذلك من الأساليب الحسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(5/658)
شروط من يرد على شبهات المرجفين
[السُّؤَالُ]
ـ[في البالتوك وهو برنامج محادثة هناك غرف مسيحية تشتم النبي محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وآل بيته فهل يجب أن ندخل ونستنكر هذا الشيء أم عدم مجالستهم والدخول عليهم لقوله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أنه إذا سمعتم آيات الله يكفر ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) وهل الدخول إلى تلك الغرف التي تشتم حرام؟ وحتى لو كان بنية الإنكار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من كان يستطيع محاجة هؤلاء ومجادلتهم بالحسنى والرد على شبههم وإنكار منكرهم يشرع له الدخول عليهم للقيام بالواجب في هذا الأمر، والأحسن أن يبادرهم ويبين تهافت ما عندهم من عقيدة التثليث وصلب المسيح ويحرضهم على الإسلام، وأما من كان مستواه ضعيفاً في العلم ويخشى عليه من تأثر قلبه بشبههم، فلا يحق له الدخول عليهم، بل الواجب أن ينأى بنفسه حتى يتسلح بالعلم الشرعي الذي يمكنه من الدعوة إلى الله تعالى وإنكار منكر هؤلاء ورد شبهاتهم.
واعلم أن الله تعالى قد نهى عن مجالسة المشركين في وقت استهزائهم بآيات الله، ولم ينه من يستطيع محاجتهم والرد عليهم عن الكلام معهم في ذلك، وإنما المنهي عنه الجلوس معهم المفيد للرضى بحالهم الذي يجعل الإنسان مثلهم، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء: 140} .
وراجع الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 30506، 60891، 2105، 62022، 10326، 6828، 8210، 42977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(5/659)
حذف الأفلام الخليعة من تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم على جهودكم الطيبة وجعل مثواكم جنات الفردوس الأعلى.
شيخي الكريم لدي أخ أكبر مني ولكنه لا يصلي ويستمع إلى الغناء ويشاهد الأفلام الإباحيه وعنده الكثير من الأخطاء وهو مشترك في أحد المواقع التي تقوم بطرح البرامج التي عليها حقوق نسخ ويقوم هذا الموقع بطرح البرامج بالمجان فقام أحد الإخوة بمراسلته وإعطائه فتوى ولا أذكر من هو المفتي وفيها أنه لا يجوز توزيع البرامج التي عليها حقوق نسخ فقام أخي بمراسلة الرجل وسبه, وقال لي بالحرف الواحد: (يستاهل محد قاله يقلي أنا هالكلام) ، فقلت له جزاه الله خيرا فإنه ينصح وما أرسله إليك فتوى من أحد المشايخ وأنت أخذت إثماً عندما سببته, فقال الإثم من مثل هؤلاء الناس أنا أبي فوالله من شدة غضبي على ما قال كدت أن أدعو عليه ولكن خفت أن تكون ساعة استجابة فيستجيب الله لي فيصيبه شيء فقلت له الله يهديك وذهبت عنه ولكن أسأل الله أن لا يقرأ هذا الأخ الرسالة فيدعو عليه فيستجيب الله له.
وإن سؤالي شيخي الفاضل هو أن أخي يقوم بتحميل الأفلام السينمائية من الإنترنت ويشاهدها هو وإخواني ولدي إخوة صغار أخاف عليهم لأن الافلام السينمائية التي تعرض في صالات السينما خير من التي تكون على شبكة الإنترنت فإنه يتم إزالة اللقطات المشينه أما ما يوجد على الشبكة فإن فيها من الأشياء التي يقشعر لها الجسد ولأكون صريحا فلا فرق بينها وبين الأفلام الإباحية وهذا دون مبالغة ويوجد أيضا في جهازه أفلام إباحية فسؤالي هو إني ولله الحمد أعطاني الله علما في مجال الكمبيوتر وأستطيع إختراق جهازه دون علمه فهل يجوز لي أختراق جهازة وحذف الأفلام السينمائية والأفلام الإباحية؟ ولا أريد أن أستخدم جهازه وأحذف الأفلام لأنه سوف يعلم أنني من فعل هذا..
وفي الختام أرجو منكم إرشادي ما أفعل مع هذا الأخ مع العلم أنه لا يقبل النصيحة وهو سيء الخلق حتى مع والدي.
وبارك الله فيكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك التوفيق والسداد.
وننبهك إلى أن ما يقع فيه أخوك من المعاصي خطير جداً، وأشد ذلك ترك الصلاة، وانظر الفتوى رقم: 43325 في حكم تارك الصلاة، وكذلك سماع الغناء ومشاهدة الأفلام المحرمة، كما بينا في الفتوى رقم: 42693، 3605، 66.
فاحرص على هدايته ودعوته بالتي هي أحسن ونصيحته للإقلاع عن تلك المنكرات، وليكن ذلك بحكمة وموعظة حسنة، وانظر الفتوى رقم: 13288.
وإذا كنت تعلم يقينا أنه يحتفظ بما لا يجوز شرعاً في جهازه وتستطيع الدخول عليه وحذف ذلك من جهازه دون علمه بأنك من فعل ذلك فلا بأس، بل إن ذلك من تغيير المنكر الواجب، كما قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
فتغييرك لذلك وحذفك للأفلام الخليعة من جهازه يدخل في هذا الباب وهو دفع لشر كبير عليه هو وعلى من ذكرت من الأولاد ممن تخاف فسادهم وتأثرهم بتلك الأمور، مع التنبيه إلى أن ذلك يقدر بقدره ولا يجوز لك التمادي فيه والتجسس عليه، وانظر الفتوى رقم: 16126.
وأما حكم بيع ونسخ الأقراص الإلكترونية وبرامج الكمبيوتر الخاصة، فانظر في ذلك الفتوى رقم: 45619، 56116، 9852.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1426(5/660)
إبقاء الصديق تارك الصلاة في البيت أو طرده يخضع للمصلحة الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز مواساة المسيحيين في الوفاة، وهل يجوز اتباع جنازة المسيحي وما حكم من عمل ذلك؟ 2- يسكن معى بعض طلاب الجامعات بمنزلي ولكنهم لا يهتمون بالصلاة وعند إيقاظهم ينتظرون ذهابي المسجد ثم ينامون، وطوال عام اثنين منهم لم يذهبوا معي للمسجد لصلاة العشاء أو الصبح ولا مرة واحدة، ولما سألت أحدهم قال لي إنني لا أصلي رافضا توجيهي علما أنه في منزلي، وقد يئست منهم ولا يمنعني من طردهم من المنزل سوى غضب أهلهم فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمواساة النصارى غير المحاربين عند وفاة قريبهم جائزة، كما بيناه في الفتوى رقم: 23823، وأما اتباع جنازتهم فلا يجوز كما بيناه في الفتوى رقم: 61380. وأما إقامة الشباب الذين لا يصلون معك في بيتك ففيه تفصيل وهو أنه إن كان طردك لهم من البيت يزيد في طغيانهم وعنادهم وضياعهم فلا تطردهم، بل استمر في نصحهم وارشادهم بما ترى أنه أنفع لهم، وإن كان طردهم من البيت يدفعهم لأداء الصلاة والالتزام بها فاطردهم ولا تقبلهم مرة أخرى حتى يلتزموا بأداء الصلاة، ولا يضرك غضب أهلهم، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 21943.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1426(5/661)
لا طاعة للوالد إذا أمر بإعانته على المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحتم أفيدوني فأنا لي صاحبة والدها يدخن الشيشة وأحيانا يطلب منها أن تضع له الفحم أو تنظف له الشيشة أو ما إلى ذلك فهل هي إن أطاعته يكون عليها وزر؟ وهي قبل ذلك رفضت أن تضع له الفحم تقريبا فغضب عليها غضبا شديدا وقال لها إن أباك أوسط أبواب الجنة وأنه سيغضب عليها لو رفضت بعد ذلك وقال لها أنت هكذا ليس عليك وزر لأنك في حكم المضطر فهي في نفسها غير مرتاحة أن تطيعه وفي نفس الوقت غير مقتنعة بأنها بذلك تكون مضطرة ولكن لا تستطيع أن ترفض مرة ثانية لكي لا يغضب عليها فما الحل؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان تحريم شرب الشيشة في الفتاوى التالية: 1671، 29276، 1328.
وسبق لنا أن بينا أن الوالد لا يطاع في طلبه إحضار الشيشة في الفتوى رقم: 26465 وللمزيد من الفائدة راجعي الفتاوى التالية: 7136، 1893، 7154، 27866.
فلا طاعة للوالد في المعصية، سواء بإحضار الشيشة أو بوضع الفحم فيها أو بتنظيفها له، لأن في ذلك إعانة له على المنكر، والله تعالى قد نهانا عن ذلك بقوله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 2} .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف. رواه البخاري ومسلم.
لكن الذي يجب مراعاته هو الإحسان إلى الوالد ولو كان مرتكباً للمعاصي، فيجب على البنت أن تحسن صحبة والدها وأن تبره، وتتلطف معه، لقوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: 15} .
ولقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {العنكبوت: 8} .
ومن مصاحبة الوالد بالمعروف نصحه بالتي هي أحسن وبرفق ولين وتودد وحسن خطاب، وراجع في كيفية نصح الولد لوالده الأجوبة التالية: 23587، 19274، 13288، 65479، 21900.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1426(5/662)
لا يطلق لفظ (ديوث) على المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد أرسلت لفضيلتكم من قبل في شأن هل وصف الديوث ينطبق على المرأة إن وجدت من زوجها مظاهر الفحش واستنكرت عليه أرجو أن تجيبوا علي ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلمة ديوث معناها في اللغة كما في المصباح: الديوث هو الرجل الذي لا غيرة له على أهله، ومعناها الشرعي مطابق للمعنى اللغوي، فقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الديوث من الرجال ... الحديث. وقال في الموسوعة الفقهية: عرفت الدياثة بألفاظ متقاربة يجمعها معنى واحد لا تخرج عن المعنى اللغوي وهو عدم الغيرة على الأهل والمحارم.
وعليه فلا يطلق لفظ ديوث على المرأة وإن كانت مطالبة شرعا بإنكار المنكر إذا كانت قادرة على إنكاره وتغييره، فقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا ... الحديث عام يشمل الذكر والأنثى، لأن لفظ " من" من ألفاظ العموم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1426(5/663)
حكم اختراق وسرقة البريد المستخدم في الجنس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي موضوع وأريد رأي الدين في ذلك الموضوع أن في الياهو هناك جروب (group) لبناني يضم أكثر من 400 عضو معظمهم من المسلمين وصاحبة الجروب من لبنان والجروب هذا عبارة عن مكان يضم عددا كبيرا من المشتركين كل منهم بيعت للآخرين أفلاما وصورا جنسية ولا يرسلون لبعض إلا الجنس بمعنى أنه جروب للجنس فقط وفى الجروب إذا أرسل عضو رسالة تصل لكل المشتركين وطبعا الجروب كله بيبعت جنسا فقط، وطبعا الاشتراك يتم عن طريق أنه يعمل إيميل على الياهو وبعدين بالإميل هذا يشترك في الجروب، وأنا ولله الحمد شخص متدين وشخص وصلت لدرجة عالية في مجال الكمبيوتر لدرجه أني أستطيع أنا أعرف البسبورد (الرقم السري الذي يدخله العضو لاميله) لأي شخص على الياهو وقد أخذت (سرقت) عن طريق الاختراق بسوردات هذا الكم من الأعضاء وغيرت البسورد الذي هم يعنى الجروب كان 300 مثلا بقي 150 لأني عرفت أخذ 150 إميل
وسؤالي المطروح هل ال 150 إميل الذي أنا أخذتهم تعتبر سرقه سوف أحاسب عليها يعنى أنا أحاول أصفي الجروب يعنى أقضي عليه عن طريق أخذ إميلات الأعضاء وأخذ البسورد الخاص بالإميل الذي لهم وعن طريق ذلك العضو لن يمكنه الدخول على إميله مرة أخرى ولا الجروب الذي هو مشترك فيه فهل 150 بسورد الذي أنا أخذتهم من الأعضاء تعتبر سرقه؟ لو سمحتم أرجو الرد وجزاكم الله عنا خيرا
ملحوظة أعلم أن صاحبه هذا الجروب الجنسي،على حسب معرفتي أنها نصرانية من لبنان والمشتركون مسلمون
ملحوظة أخرى بعض الناس قالوا لي إن هذه سرقة سوف تحاسب عليها لأنك سرقت إميل شخص مسلم وأنت بهذا سرقت مسلما مع أنهم يستخدمون هذا الإميل للاشتراك في شيء يغضب الله وأنا لا أسرق الإميل لشيء إلا لمنعهم من هذا الفعل الحرام
أرجوكم الرد هل أكمل تصفية هذا الجروب الجنسي الذي يضم عددا كبيرا من الشباب المسلم أم أن هذه سرقه وأتوقف عن سرقه إميلات هؤلاء الأعضاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة عن السؤال لا بد من التنبيه إلى طريقة معرفتك بما يحصل من مراسلات جنسية بين من ذكرت من المسلمين:
ولذلك حالتان:
الأولى: أن يكون ذلك عن طريق التجسس وذلك لا شك حرام لأن الله تعالى يقول:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12} .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا تجسسوا ولا تحسسوا..
وروى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته.
والثانية: أن يكون ذلك من غير تجسس:
فلا حرج عليك حينئذ, وعلى كل يلزمك أن تنهى عن ذلك المنكر بما تستطيع عليه، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
وأول ذلك نصح أصحابها وحضهم على الكف عما يقومون به، فإن استجابوا فذلك المراد، وإن لم يستجيبوا وتمادوا فيما هم فيه فعليك أن تبذل وسعك في تغيير ما يقومون به من منكر، ولو أدى ذلك إلى تخريب مجموعة البريد المذكورة أو تغيير كلمات المرور.
لكن عليك التنبه إلى أنه لا يجوز لك أن تخترق بريد أحد لتنظر في محتوياته سواء كانت جنسية أو شخصية أو غيرها، لما فيه من الاعتداء على حقوق الغير واحتمال الاطلاع على أمور خاصة به لا يحب أن يعرفها غيره، وقد قال الله تعالى: وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {البقرة:190} . وقال صلى الله عليه وسلم: من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار. رواه أبو داود.
قال الخطابي: قيل إنه عام في كل كتاب؛ لأن صاحب الشيء أولى بماله وأحق بمنفعة ملكه، وإنما يأثم بكتمان العلم الذي يسأل عنه، فأما أن يأثم في منعه كتابا عنده وحبسه من غيره فلا وجه له. والله أعلم. انتهى من عون المعبود.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1426(5/664)
الصبر على أذى الأقارب ونصحهم برفق ولين
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعرف كيف أتصرف هو أني دائما أسمع الكلام الجارح وإن تكلمت دائما ينوون سوءا من خلال كلامي من خلال إخوتي ونسائهم ورجال أخواتي فلا أستطيع الدفاع عن نفسي، فبدأت إن سمعت الكلام أصمت مع أن قلبي يتقطع داخليا ولا أستطيع فعل شيء فأقول ربما مع الوقت تتحسن الأمور ولكن بدون جدوى، في بعض الأحيان أدعو عليهم ولكن في الأخير أندم، لا أعرف كيف أتصرف، ودائما يتكلمون على الناس بسوء وأذكرهم لا يجوز ذلك وأقول لهم بعض الأحاديث وبعض الآيات يصمتون ثم يبدأون بقول أنت لا تعرفين شيئا أنت ساذجة..... مع العلم بأنني في الثلاثين من عمري دعوت لهم بالهداية.... والله قلبي يؤلمني كثيرا، ماذا أفعل وكيف أقوي شخصيتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك الثبات على دينه والاستقامة على طريق الحق، وعليك بالصبر فإنه مفتاح كل مغلق فالاستقامة على هذا الدين العظيم والالتزام به والدعوة إليه هو طريق الأنبياء والصالحين والدعاة والمصلحين ... وما يجده المسلم من الأذى في هذا الطريق أمر طبيعي ... لقيه من سبقه ممن سلك هذا الطريق، وهو ضريبة الالتزام وخاصة في هذا العصر الذي ابتعد فيه الناس عن الدين حتى أصبحوا لا يفرقون بين المعروف المنكر.
والذي ننصحك به هو أنك إذا رأيت منكراً أو أمرا لا يجوز من أقاربك ... أن يكون نهيك عنه برفق ولين ... دون تجريح أو تعنيف للفاعل أو القائل، كما قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125} ، ولا ينبغي أن تدعي عليهم أو تسبيهم ... فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
بل ينبغي أن تقابلي إساءتهم بالإحسان كما علمنا الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ، وفي صحيح مسلم: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. فالله تعالى مع من يتحلى بهذه الأخلاق.... فعليك بالاعتماد على الله تعالى والصلة به بكثرة الطاعات ... فذلك مما يزيد ثقة الشخص بنفسه ويقوي إرادته ويشد من عزيمته ... ولهذا فينبغي أن تستعلي بإيمانك في تواضع ولا تشغلي نفسك بالرد على كل ما يقال، ولتحمدي الله تعالى على ما أولاك به من نعمة الهداية التي حرم منها كثير من الناس اليوم.
كما نذكرك بوصية لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {لقمان:17-18} ، ونرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 15450، والفتوى رقم: 50453.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1426(5/665)
وسائل متعددة في نصح المتبرجات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:
فقد مرت البارحة أمامي متبرجة تبرجا فاحشا حيث إن كتفيها كانا عاريين ولباسها كله ضيق حيث إن تفاصيل جسمها كلها ظاهرة فنظرت ثم التفت إليها وتفلت في الأرض أمامها تحقيرا وبغضا لها وبدأت أحرك رأسي يمينا وشمالا أي أن ما فعلتيه فظيع وكريه جدا وأنك ساقطة ليست لديك قيمة وعندما مضى وقت من الزمان ندمت على فعلتي لأنني أنا أيضا أقع في المعاصي فهل ما فعلت كان صائبا؟ فإن كان الجواب لا فما التصرف الشرعي الذي يجب أن أقوم به حيال هؤلاء المتبرجات لأنهن كثر في بلادي وفي مدينتي وعندما أرى مثل هذه المناظر أحس بغضب شديد وقد أسبهن وألعنهن وأتفل أمامهن؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
كما أسالكم الدعاء لي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن ينكر المنكر بقدر استطاعته، وأن يحرص على سلامته من التأثر بخطر المتبرجات، فليغض بصره وليبتعد عن الأماكن المثيرة للفتن.
وعليه أن يستخدم الوسائل الممكنة المشروعة التي يمكن أن تؤثر على العاصي وترده إلى الله، فلو أمكن أن يستخدم زوجته في إقناع جارتها بعدم التبرج فهو أولى من كلامه هو معهن مباشرة، ثم إن للشريط تأثيراً قوياً مجربا فلو أمكنه أن يوصل إليهن بعض الأشرطة النافعة في هذا المجال فهو مهم جداً ويتعين القيام به، وإن أمكنه الاتصال بأولياء أمور النساء ويذكرهم بضرورة رعايتهم لنسائهم ووقايتهن من النار فليفعل.
وأما التفل والسب فهو تصرف يحتمل أن يأتي بنتائج عكسية، فربما يكون عوناً للشيطان على هؤلاء النساء فيوهمهن أن أهل الدين أخلاقهم سيئة وأن على النساء عدم سماع كلامهم، وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فقال صلى الله عليه وسلم: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله، قال: لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للزيادة في هذا الموضوع: 24718، 46158، 36423، 41016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1426(5/666)
على الداعية الحذر من التسرع في الحكم على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تتم نصيحة شخص ما منافق؟ علما بأنك قد نصحته وتقبل النصيحة منك وطبقها ولكن فجأة اكتشفت أنه أصبح ينسحب من تطبيق نصيحتك له؟ كأداء الصلاة مع الجماعة؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أخي السائل أن تعيد نصح صاحبك هذا ولا تيأس من استجابته، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأنت على كل الأحوال مأجور على نصحك له، سواء استجاب أم لم يتسجب.
قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة: وظاهر الخبر وجوب النصح وإن علم أنه لا يفيد في المنصوح.
ولا بد مع النصحية من الصبر والمصابرة، كما قال تعالى على لسان لقمان الحكيم لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان: 17}
قال ابن كثير رحمه الله: علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر، وقوله إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور.
واحرص أن يكون نصحك دائما بالموعظة الحسنة والكلمة الطيبة اللينة فإن ذلك يؤثر في القلوب، وقد أمرنا الله تعالى بذلك في قوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل: 125}
ومن ذلك أن تظهر الشفقة على المدعو والرحمة به، وأنك ما تريد من نصحه إلا إيصال الخير والنفع له، وتجنب نصحه أمام غيره وتخير الأوقات المناسبة والوسائل المؤثرة كإهداء شريط مؤثر أو نحوه فلعل ذلك أن يكون أدعى للقبول.
ثم ننصحك أخي الكريم بعدم التسرع في الحكم على الناس بالنفاق فقد تكون له أعذار في التخلف عن صلاة الجماعة، أو قد يرى أنها ليست واجبة عليه على القول المرجوح من قولي العلماء، أو قد يكون ضعيف الإيمان فلا يحكم عليه بالنفاق لهذه الأعذار ونحوها.
ولمزيد من التفصيل حول حكم صلاة الجماعة راجع الفتوى رقم: 38639.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1426(5/667)
المنتديات النسائية أفضل للمرأة من المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني أيها الأكارم في هذه الحادثة! ... أنا مشاركة في منتدى مختلط وقد حدث هذا الموقف شاب طرح موضوعاً في قسم الشراء والبيع معلناً فيه عن بيع دراجات دخل آخر وقال ما يلي: (إنت بعدك ما بعتهم ... يا جماعة انتبهوا الدراجات مسروقة والحاضر يبلغ الغائب) ... قرأت الرد واستنكرت فعله ورددت عليه قائلة: بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... ومرحباً بعد أرق وأطيب تحية
أخي الكريم
ربك وربي قال في محكم كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (سورة الحجرات: 12) .
وليس أيها الكريم من أخلاق الإنسان أن يظن ظن السوء في الغير فما بالك إن كان هذا الانسان أخيك في الله يا مسلمـ!! ...
أَوَتحب يا أخي أن يُظن فيك ظن السوء؟ ... مؤكد لا ...
فأرجوا أن تتنزه عن مثل هذه الظنون السيئة التي لا تليق بمسلمـ أيها الفاضل! ...
واستغفر ربك وأحسن كما أحسن الله إليك ...
... ...
أخي الكريمـ (صاحب الموضوع)
تعاليْت يا أخي عن كل قبيح إن شاء الله! ... وأنا على ثقة إن شاء الله أنك متسامح ...
وكتذكرة لك ... قال الله سبحانه: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) (سورة الحجرات)
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) (سورة آل عمران)
فاشتري حب الله ... والذي هو أجمل من حب البشر أيها الكريمـ!
وشكراً لمجهودك الطيب يا أخي!
عذراً منكمـ ... راجية من الله الهداية لي ولكمـ
دمتمـ دائماً وأبداً في حفظ الله ورعايته ...
في اليومـ الثاني بعث لي على الخاص وقال: أشكركمـ على النصيحة والخط كان مرتبا وجميلا ... والأهمـ اهتمامكمـ بإخوتكمـ المسلمين ... ولكن أنا مستغرب منكمـ وأتيت كي أقول لكمـ هذا الكلامـ (يعني ردي عليه) ...
وقال إن هذا الرجل (صاحب الموضوع) صديقي وأعرفه وأعرف أحواله وهذا الكلامـ ليس من يومين بل من سنين ... وقال أن ليس كل ما تقرأه العين صحيحا ... وأنه متأكد أن سيضحك صاحبه من الرد ... ولمـ أشأ أن أضع هذا الكلامـ في موضوعه كي لا أخربه ...
رددت عليه قائلة: (أن الرسول صلى الله عليه وسلمـ قال: من كان منكمـ يؤمن بالله واليومـ الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ... وما قلته يا أخي ليس بخير ... وإن كنت تعرفه نحن لا نعرف ذلك
ثمـ لماذا تستغرب منّا ... تخطئ في حق نفسك وتقول أنك مستغرب منا ... ألمـ تفكر في نفسك وفي نظرة الأعضاء لك ... أنت لست لوحدك ...
وهذا الأمر سيسبب لك مشكلة أما نحن ففي خير ... أقصد إن كان كلامك في هذه الصورة فلن يتعامل معك أحد ... وهذا ما لا يحبه الإنسان لنفسه أو لغيره ...
وصحيح أن ليس كل ما تقرأه العين صحيحا ... ولكن هل الكل ظنه واحد؟
والله قال في سيده محمد صلى الله عليه وسلمـ: \"ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك \"
فإن كان هذا الكلامـ في نبي الرحمة.. فكيف بنا نحن أيها الطيب؟
أنا لمـ أفعل إلا ما يمليه علي ضميري ... والرسول صلى الله عليه وسلمـ قال: انصر أخاك ظالما أو مظلوما) ... ثمـ أرسلت له وألغيت خاصية الرسائل الخاصة
علما أني رأيت له ردودا لا أقول فيها إلا هداه الله
أرجوا أن تحكموا بيني وبينه هل أنا أخطأت في نصيحتي له في الموضوع؟ ...
شكرا لكمـ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نصائحك على وجهها ولم تخطئي بل أحسنت وجزاك الله كل خير.
ولكنك في ردودك على هؤلاء الشباب استخدمت عبارات لينة بعض الشيء مثل (أيها الطيب) ، (أيها الكريم) ، (أنا واثقة إن شاء الله أنك متسامح) ونحو ذلك، وكان بإمكانك أن تتجنبي هذه العبارات في الكلام مع هؤلاء الأجانب عنك حتى لا تطمعي فيك من في قلبه مرض.
والذي ننصحك به أن تقاطعي المنتديات المختلطة وأن تكتفي بالمنتديات والمواقع المخصصة للنساء فقط مثل: www.t-elm.com/ayman/
وللفائدة انظري هذه الفتاوى: 51603، 21582، 3054، 30695.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1426(5/668)
موقف المسلم من أهله الواقعين في الفواحش والمنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[.
إنني أواجه مشاكل كثيرة وكبيرة تكاد تفقدني صوابي حيث لا أستطيع عدها لذا سأقتصر على سرد أهمها:
- أبي لا يصلي جماعة ولا في الوقت بحجة المتجر.
- أختي لا تصلي.
- اكتشفت ولمدة ليست بالهينة أن أخي الأكبر يزور مواقع اللوطية (وهذه أكبر مشاكلي) حيث إنه يزورها كلما استعمل الجهاز في أي وقت ليل أو نهار ويدخل في محادثات معهم ويتبادلون الصور ولقد استطعت تسجيل بعض حواراته ورأيت ما بها من فحش ومنكر بالإضافة إلى كثرة خروجه وتأخره مما أدى بي إلى الشك إلى حد اليقين أنه لوطي ويمارس اللواط.
ولما واجهته صاح بوجهي أن ذلك ليس من شأني (ولكم تصور المشهد) مما اضطرني إلى البوح لأبي فعاتبه وخاصمه ولم يتكلم معه يوما أو يومين وفي اليوم الثالث رجع كل لسابق عهده كأن شيئا لم يحصل وبعد مرور مدة طلبت من أبي التدخل مرة ثانية لكن النتيجة كانت كسابقتها وبالتالي قاطعته وأصبحت أكره النظر إلى وجهه فهل المقاطعة في هذه الحالة تعد مقاطعة للرحم؟ والعياذ بالله.
بالإضافة إلى ما يعم البيت من ضوضاء الأغاني والتبرج ووووووووو..
ولكم تصور انعكاس ذلك على نفسيتي (علامات متردية، إنزواء، الوسواس ... ) كما كانت النتيجة أنهم يتهمونني بسبب المشاكل ...
أعتذر عن الإطالة ورداءة الأسلوب وأرجو فهم المشكلة ونصحي بما يجب القيام به وذلك في أقرب الآجال.
جزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا في الفتوى رقم: 11322 ذكر توجيهات مفيدة لمن أراد نصح أخيه الواقع في فاحشة الزنا أو اللواط، فراجعها لأهميتها.
وللمزيد من النصائح حول كيفية علاج الشذوذ الجنسي راجع الفتاوى التالية: 57110، 6872، 60129، 179، 57426، 62499.
وما تفرع عنها من فتاوى أخرى، وقد سبق لنا أيضاً أن فصلنا حكم صلة من يرتكب المعاصي من الأقارب في الفتوى رقم: 5640.
والمقصود من الهجر والمقاطعة هو التأديب والزجر عن ارتكاب المعصية، فإن كنت ترى في هجر أخيك ما يؤدي إلى رجوعه عن المعصية شرع لك هجره وإلا فلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 22420.
وأما بخصوص عدم محافظة أبيك على الصلاة في وقتها ومع الجماعة وترك أختك للصلاة، فالواجب عليك نصحهما، وتذكيرهما بالثواب الكبير لمن حافظ على الصلاة لاسيما في أول وقتها، ولمعرفة فضل ذلك وحكم تأخير الصلاة عن وقتها راجع الفتوى رقم: 29747 ولمعرفة مواقيت الصلاة التي حددها الشرع راجع الفتوى رقم: 4538.
ويجب أن يكون نصحك لأبيك برفق ولين، امتثالاً لقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان: 14-15} .
وللمزيد من الفائدة حول نصح الولد لوالده المرتكب لبعض المعاصي راجع الفتاوى التالية: 7154، 22420، 19274.
وقد سبق لنا بيان أن الراجح من كلام العلماء أن تارك الصلاة كافر فراجع الفتوى رقم: 1846، والفتوى رقم: 1145.
وراجع في كيفية معاملة الأخ لإخوانه التاركين للصلاة الفتوى رقم: 17419.
ثم ننصحك يا أخي الكريم بأن تنصح أهل بيتك وتؤدي ما يجب عليك نحوهم، ثم أن تعلم أن الهداية بيد الله عز وجل وليست بيد الداعي إلى الله تعالى، ولهذا فلا تهلك نفسك حزناً على عدم اهتدائهم، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {فاطر: 8} .
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي لا تأسف على ذلك، فإن الله حكيم في قدره، إنما يضل من يضل ويهدي من يهدي لما له في ذلك من الحجة البالغة والعلم التام، ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ..
وقال في موضع آخر: أي لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات.
وهذا كله لا يعني ترك دعوتهم ونصحهم، فإن ذلك واجب عليك نحوهم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1426(5/669)
كيف ينصح الأب المقصر في أداء الفرائض والنوافل
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يِؤخر الصلاة دائما ويصليها في آخر دقائق ولا يقرأ القرآن ويحفظ القليل فقط ونادرا ما يقول الأذكار. وقد نصحته وحذرته مرارا فهو إما أن ينهرني أو يقول لي اكتفي بشأنك ودعيني. أنا أخاف عليه أن يموت هكذا وأخاف أن يحاسبني ربي عليه يوم القيامة. ماذا أفعل بارك الله فيكم؟ أرجوكم أن تجدوا لي حلا عمليا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على خوفك على والدك، وحرصك على أن يتقرب إلى الله لينتفع بالثواب في الآخرة، وهذا لاشك من أعظم البر بالوالدين. ولكن الذي ننصحك به أن تبدئي بنصحه بفعل الواجبات وترك المحرمات قبل نصحه بأداء المستحبات وفضائل الأعمال، كما ننصحك أن تترفقي في نصحه وأن لا تواجهيه بعيوبه وتقصيره، واكتفي في نصحه بأقل الكلمات وانتقي أرق العبارات، والأفضل أن تهديه بعض الأشرطة النافعة أو الكتيبات والمطويات، فذلك أبلغ في نصح الآباء. وأكثري من الدعاء له أن يشرح الله صدره ويهديه وأن يختم له بالإيمان ويرزقه التوبة النصوح قبل الموت، وانظري الفتوى رقم: 21794، كما يجب عليك أن تصحبي والدك بالمعروف وأن تخفضي له الجناح وإن كان عاصياً، فإن منزلة الأب في الإسلام عظيمة، والوالد أوسط أبواب الجنة. واعلمي أنك إن أديت لوالدك واجب النصح وأصر هو على التفريط في جنب الله، فإن الله لا يسألك عن تقصيره يوم القيامة، وانظري الفتويين: 18839، 35359.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1426(5/670)
نصيحة العاصي والستر عليه أفضل من طرده وفضحه
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الحمد لله والصلاة والسلام على خير الأنام أما بعد أفتوني مشكورين في الآتي كان لأخ لنا حفلة زفاف ولسبب بعد المسافات اضطر بعض المعارف للمبيت عند الأخ فكان من بينهم شاب من أسرة محافظة ولا يعرفه الأخ إلا كشاب ملتزم ولكن أثناء المبيت اكتشف بأنه يشرب المخدرات فطلب منه مغادرة بيته فوراً هل كان الأخ على صواب في موقفه هذا أجيبونا من فضلكم هذه الواقعة حصلت في هولندا فاتح يوليو 2005.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان على صاحب البيت أن يعظ ذلك الشاب الذي يتعاطى المخدرات ويخوفه بالله العظيم ويذكره بحرمة ما يفعل ويأمره بالتوبة، فقد يرجع ذلك الشاب عن غيه ويثوب إلى رشده، فلا يخسر صاحب البيت ثواب هداية شاب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
وكان على صاحب البيت أيضاً أن يستره ولا يفضحه بإخبارك وغيرك عن تناوله المخدرات في بيته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1426(5/671)
لا يجوز تعريض اسم الله أو القرآن للامتهان بأية صورة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل حفظكم الله
هناك عمارة كبيرة مكتوب على بابها الخارجي وهو من الزجاج آية من القرآن مذكور فيها لفظ الجلالة (الله) وحين تميل الشمس بعد العصر للغروب يظهر على أرضية مدخل العمارة ظل الآية القرآنية التي بها لفظ الجلالة فيطؤها الداخلون والخارجون من باب العمارة بأقدامهم وأحذيتهم دون أن يلتفتوا لذلك ولفظ الجلالة واضح على الأرض وبالطبع يتكرر هذا المشهد يوميا لمدة تزيد عن الساعتين والسؤال لو ظل الحال على ما ذكرت هل يقع إثم على أحد أم لا؟ وإن كان هناك إثم فعلى من يقع؟ وما هو التصرف السليم برأيكم؟
أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما يؤدي إلى امتهان اسم من أسماء الله أو آية من كتابه أو حديث من أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يجوز، فتلك من حرمات الله التي يجب تعظيمها: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32} .
وكتابة لفظ الجلالة على الباب أو الجدار أمر لا حرج فيه إن لم يؤد إلى امتهانه، ومن ذلك ما ذكره السائل من وقوع ظل الاسم على الأرض فيقع وكأنه مكتوب على الأرض فيطأه الداخل والخارج وهذا أمر منكر يجب تغييره وطمس الاسم أو تظليله حتى لا يقع ذلك.
فإذا كان الباب بمنزلك أو متجرك أو ما يتصل بملكك فلتغيره، وإن كان لغيرك فلتنصحه ولتبين له حرمة ذلك، وما فيه من امتهان اسم الله.
وإذا لم يستجب، فالإثم عليه وعلى من رأى لفظ الجلالة ووطئه استخفافاً بحرمته وامتهانا لكرامته، وأما من مر ولم يره فلا إثم عليه، لأنه لم يقصد امتهانه ولا الاستخفاف به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1426(5/672)
لا يشترط في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر خلوه من المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لي أخ لا يصلي الفجر في وقته بحجة النوم، وإذا استيقظ فإنه يصليه في البيت لكنه يصلي باقي الصلوات في المسجد ويدخن فهل لي هجره علما أنه يعترف بأنه عاص لكن لا يريدني أن أتدخل لأنني لا أخلو من المعاصي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة لها مكانة عظيمة في الإسلام، فهي الركن الثاني منه بعد الشهادتين، وهي أول ما يسأل عنه العبد من أعماله. وقد ثبت الوعيد الشديد في حق من يتهاون بها أو يضعيها قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً {مريم:59} . ومن المحافظة على الصلاة أداؤها في الوقت المحدد لها شرعا بالإضافة إلى فعلها جماعة في المسجد في حق الرجل المستطيع الذي يسمع النداء، فالواجب على أخيك اتخاذ الأسباب المعينة على الانتباه لأداء صلاة الفجر في وقتها، فإذا قام بذلك ولم ينتبه فلا إثم عليه لأنه معذور بسبب النوم، وراجعي الفتوى رقم: 54565، والفتوى رقم: 62448، والفتوى رقم: 29015، والأسباب المعينة على الانتباه للصلاة سبق بيانها في الفتوى رقم: 23701 والفتوى رقم: 24613. وإن صلى بالبيت مع قدرته على أداء الصلاة في المسجد فقد فاته خير كثير، ولكن صلاته صحيحة، وراجعي الفتوى رقم: 5153. والتدخين محرم شرعا لما يشتمل عليه من أضرار كثيرة ومفاسد عظيمة، وقد سبق بيان حكمه في الفتوى رقم: 1819. فعليك أولا أن تبدئي بنصيحة أخيك بحكمة ورفق مبينة له خطورة التكاسل عن الصلاة وتضييعها، إضافة إلى توضيح أضرار التدخين ومضاره مع الدعاء له بالتوفيق والهداية إلى طريق الحق والصواب. فإن لم يمتثل وغلب على ظنك أن هجرانه قد تترتب عليه مصلحة كإقلاعه عما هو عليه فلا مانع من أن تهجريه بقدر ما يحقق تلك المصلحة. وراجعي الفتوى رقم: 53706. والفتوى رقم: 20400. وكونك تفعلين بعض المعاصي ليس بمبرر لترك نصح أخيك، لكن يجب عليك أن تبادري إلى الإقلاع عن تلك المعاصي وأن تتوبي إلى الله تعالى توبة صادقة فإن المعاصي لها عواقب وخيمة وأضرار جسيمة، وللتعرف على تلك الأضرار راجعي الفتوى رقم: 54604، والفتوى رقم: 61486. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1426(5/673)
وجوب النصح للمسلم مع الستر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أن ترشدوني جزاكم الله خيرا
في يوم كنت أتمشى في الشارع فرأيت زوج شقيقتي سامحه الله يعانق امرأة، لقد أحسست بغضب وكره كبيرين اتجاه زوج أختي وتلك المرأة ومن ذاك اليوم لا أدري ماذا أفعل أسكت ويكون لي الإحساس كأني أتستر عليه أم أقولها لكني لا أريد أن أتسبب لأختي وللعائلة بالمشاكل مع العلم أن زوج أختي هو ابن عمي أرجوكم أن تجيبوني ولكم الشكر الجزيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان الواجب عليك أن تنهريهما لما رأيتهما يفعلان هذا الفعل الفاضح المحرم، وتخوفيهما بالله العظيم الذي يراهما من حيث لا يرونه إن كنت تقدرين على ذلك، ولم تتوقعي أن يصيبك ضرر غير متحمل من جراء ذلك الإنكار.
والواجب عليك الآن أن تنصحي زوج أختك وتخوفيه بالله العظيم وتأمريه بالتوبة مما بدر منه، فقد ينتهي ويثوب إلى رشده، ولا تخبري أحدا بما رأيت، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة متفق عليه.
وللفائدة انظري الفتوى رقم: 8740.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1426(5/674)
كيف ينصح الابن أمه التي تقيم علاقة مع غير أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحمد من ليبيا وأرجو منكم الحل لأنى سأختنق، أعاني من مشكلة هي أن أمي تخون أبي في الهاتف وأنا سمعتها كثيرا، وأبي رجل محترم أبي يشتغل في مكان بعيد عنا من أجل أن يطعمنا وأنا الآن ماذا أفعل ناحية أمي أكرهها، هل أقول لأبي وأخرب البيت أم أسكت وأدسها في قلبي حتى ينفجر ماذا أفعل؟
أرجو الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت على يقين مما تقول وليس مجرد شك وظن، فيجب عليك نصح أمك برفق ولين، وأن تبين لها بأدب بأن ما تقوم به معصية كبيرة وذنب عظيم، وأن تحذرها من عقوبة وعاقبة ما تقوم به، وحاول أن تظهر لها حرصك على إنقاذها مما هي فيه، وأنك مشفق عليها، وليكن لك أسوة حسنة في نصيحة إبراهيم عليه السلام لأبيه وهو يحاول إنقاذه من الكفر، فقد كان معه في غاية الأدب واللين، وأظهر له خوفه عليه من عذاب الله تعالى، مكرراً لفظة: (يا أبت) مرات عديدة، وهي لفظة تدل على تأدب إبراهيم عليه السلام في خطابه لأبيه، وتذكر الأب بعلاقة الرحم التي بينه وبين ابنه، قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا {مريم: 41-45} .
ولما رفض أبوه الاستجابة له، وعنفه وهدده، ما كان منه إلا أن قال: قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا {مريم: 47} .
فإن لم تستجب لك أمك فكرر نصيحتك لها مرات ومرات، فإذا استجابت كان هذا هو المطلوب، وإن أصرت على معصيتها، فخوفها من وصول الخبر إلى أبيك، كأن تقول لها مثلاً بأن أباك لو علم بهذا الأمر فإن الأمور ستسوء بينهما، دون أن تصرح لها بأنك ستخبره أنت بذلك، فربما أفاد هذا الأسلوب في إعراضها عن هذه المعصية.
فإن لم ينفع شيء من تلك الأساليب فنبه أباك بما يفهم منه أن عليه أن يراقب بيته ويعرف ما يجري فيه، ذلك لارتكاب أخف الضررين ولدفع أعظم المفسدتين.
ولا تنسى الإكثار من الالتجاء إلى الله عز وجل ودعائه، والإلحاح في ذلك بأن يهدي أمك ويتوب عليها من هذا الذنب، وتخير أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، فإن الله تعالى ينزل فيه إلى السماء الدنيا فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(5/675)
لا تجوز مساكنة الفساق لغير ضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن مع شخص مسلم في كندا ولكن للأسف هذا الشخص يحضر صديقته إلى البيت ويجلسان في حجرته ولا ألقى منهما أي مضايقة ولقد أنكرت عليه ذلك ونصحته ولكنه لم ينته وكما تعلمون أنه من الصعب أن أجد أخا مسلما آخر لأسكن معه أرجو منكم ما هو الحكم الشرعي في السكن مع هذا الشخص وماذا علي أن فعل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأ هذا الشخص الذي تسكن معه خطأ كبيرا فيما ذكرت أنه يفعله من إحضار المرأة التي وصفتها بأنها صديقته إلى بيته.
فإن فتنة النساء من أعظم الفتن وأخطرها، وقد تخوف منها النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، فقال: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء. متفق عليه.
وقال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم.
وإذا كان ذاك الشخص لا يستمع لنصحك، ولا ينثني عن إحضار تلك المرأة، فواجبك هو أن تترك السكن معه لئلا يلحقك بعض ما يمكن أن يصيبه جراء معصيته، ولئلا تطمئن نفسك إلى هذا المنكر، فإن النفوس تطمئن وترضى بما تعودت عليه.
وإذا كنت مضطرا إلى السكن معه لعدم توفر سكن تأمن فيه على دينك، ولم يكن في إمكانك أن تنفرد بسكن خاص بك، فلا مانع من البقاء معه نظرا للضرورة، مع العزم على مفارقته متى أتيح لك ذلك، أو الهجرة من هذا البلد إلى حيث تنجو بدينك إذا لم تجد حلا آخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(5/676)
ضوابط مسايرة غير الملتزم من أجل دعوته
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي له أخ متزوج من أجنبية غير مسلمة، فهل يجوز لنا أن نخرج معهم للترفيه عنهم فى إجازاتهم أم أننا بذلك نشارك فى الإثم عندما ينظر إليها الرجال وهى غير ملتزمة بالزي الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقدم أن على الزوج أن يلزم زوجته غير المسلمة بالحجاب في الفتوى رقم: 20844.
وأما بالنسبة للخروج مع هذه المرأة في حال كونها لا تلتزم باللباس الإسلامي، فإذا كان لغرض دعوتها وتأليف قلبها على الإسلام، ولم تخش الأخت من التأثر بها، فلا بأس في ذلك، وليس عليها إثم بسبب نظر الرجال إليها، وما عدا ذلك فينبغي ترك الخروج معها ومصاحبتها، لما فيه من الرضا بفعلها وعدم الإنكار عليها، ولأن عادة الله جرت بأن المريض يعدي السليم، فيوشك أن يقع قرين صاحب المعصية فيما وقع فيه قرينه، فالفتن أخاذة، من استشرفها استشرفته، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: مثل الجليس الصالح، ومثل الجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تشم منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(5/677)
هل يبلغ عمن يفشي أسرار الشركة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا علمت بالمصادفة أن موظفا بشركة ما يسرب معلومات خاصة بشركته إلى شركة أخرى، ولكن لا أعلم إذا كان يفعل هذا بمقابل أم بدون مقابل.
ماذا أفعل؟ هل أطلع المدير التابع له هذا الشخص عن هذا الموضوع؟ وإذا كانت الإجابة بنعم هل هذا يعد فتنة؟ وإذا التزمت السكوت هل أكون شريكة معه في هذا الأمر وأحاسب على التستر عليه؟ أرجو الإفادة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل سؤالك على أمور:
الأمر الأول:
حكم ما يقوم به هذا الموظف من نقل معلومات شركته لشركة أخرى:
فإذا كانت تلك المعلومات من أسرار الشركة كما هو ظاهر السؤال فلا يجوز لهذا الموظف أن يفشي سرهم لأحد فقد روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة.
وقال الحسن: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك.
والأمر الثاني:
موقفك من هذا المنكر:
فما يفعله هذا الموظف يعد من المنكر والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم
فعليك بنصحه ونهيه عن ذلك المنكر وتذكيره بالله واليوم الآخر.
والأمر الثالث:
ما يتعلق بإخبار أصحاب الشركة بما يفعله هذا الموظف أو السكوت عنه:
وذلك راجع إلى نتيجة النصح فإن انتهى بعد نصحه فذاك، وإن لم ينته فيهدد برفع أمره للمسؤولين عن الشركة، فإن لم ينته فلا حرج عليك في رفع أمره إلى المسؤولين عن الشركة، ولا يعد ذلك من الفتنة بل من النصح , والسكوت عن ذلك هو الفتنة.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1426(5/678)
هل يطاع الوالد أو الزوج في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فرض على من عنده علوم الدين أن يعلم الآخرين؟ وهل النهي ع ن المنكر والأمر بالمعروف أيضا فرض على من عنده علوم الدين؟ وهل للأم أو الأب منع الولد أو البنت من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو لو كان عندهم علم أن يعلموا غيرهم وكذلك الزوج هل له الحق في منع الزوجة من هذه الأشياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن علم من دين الله شيئا، فإنه يجب عليه أن يعلمه لكل من كان محتاجا إليه، ولك أن تراجع في تفصيل ذلك فتوانا رقم: 2424.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الدين العظيمة، وأعماله الظاهرة التي امتاز بها عن سائر الأديان.
وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بأنهم: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {التوبة:71} .
كما أمر الله تعالى المؤمنين بقوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] .
وروى الإمام أحمد من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم ".
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية وقد يتعين في بعض الظروف، وليس خاصا بأهل العلم، وإنما يجب حسب الاستطاعة على كل من علم حكم المسألة التي يأمر بها أو ينهى عنها. والأصل في ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وإذا تعين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الابن أو البنت أو الزوجة، فليس من حق أي من الأبوين ولا الزوج أن يمنع منه. مع أن طاعة الوالدين والزوج بالمعروف واجبة، ولكنها إذا تعارضت مع طاعة الله، كانت طاعة الله أولى من طاعة غيره. وذلك لأن ترك طاعة الله معصية، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. [رواه أحمد وصححه السيوطي والهيتمي والألباني] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1426(5/679)
خطوات لردع من يزني مع قريبته
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أن صديقا لي يزني مع زوجة أخيه فماذا علي أن أفعل، مع العلم بأني متأكد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك أن تبذل غاية النصح لهذا الشخص، وتخوفه بالله تعالى، وتبين له قبح وشناعة ما يقوم به، وتُعلمه بأن الزنا بزوجة الأخ من أكبر الكبائر وأشد الجرائم، ولتفصيل ذلك راجع الفتوى رقم: 54015، والفتوى رقم: 3335.
فلعك إن بينت له ذلك، تاب إلى الله وأناب، وترك هذه المعصية المقيتة، فإن أصر على ذلك، ولم يقبل نصيحتك فهدده بإخبار أخيه بما يفعل وأظهر له الجدية في تهديدك فربما أفاد ذلك معه، فإن لم يُفد هذا التهديد أيضاً فيجب عليك نصح أخيه وتحذيره بكلام عام، ليس فيه الاتهام الصريح بالزنا، كأن تقول له: احذر من دخول أقاربك على زوجتك، أو نحوها من العبارات التي فيها نصح له ولا تشتمل على القذف الصريح بالزنا، لأن القذف بالزنا لا بد من توفر أربعة شهود عليه، وإلا لزم القاذف الحد، وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28080، 59997، 59417.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(5/680)
أدب النصح للوالد وضوابطه
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكر القائمين على هذا الموقع الرائع والمفيد ... سؤالي هو أبي ((الوالد)) اشترى لي ولأخي سيارتان في أحد الأيام لاحظت على سياراتي وجود ملح فسألت أخي ما هذا الملح فقال إن أبي وضع الملح وبالصدفة إذا أبي هو قادم فسألته لماذا وضعت الملح فقال لي بعدين أقول لك وكلما أسأله لا يجيبني وأنا أعرف أن هذه بدعة ولا تفيد ولا تضر ولكن أبي يتجاهلني كلما أردت أن أناقشة في هذه المسألة فما أعرف كيف أخاطبه وأنصحه والمشكلة أن أبي هو الذي ينصحني أنا وإخوتي بالمحافظة على الصلاة فلا أدري كيف بدر منه هذا الفعل أرجو إفادتي بما أفعله لأبي لكي أقنعه أن هذا الفعل لا يضر ولا ينفع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على اهتمامك بأمر دينك وعدم قبولك للبدع والخرافات، ولا حرج عليك أن تبين لأبيك أن ما فعله ليس من أمر الشرع وأنه من الأمور المبتدعة التي يجب على المسلم الحذر منها، فأمر النفع والضر يتوقف على ورود الخبر بذلك من الشارع.
ووضع الملح ورشه "والسبوع" ونحو ذلك لم يرد الشرع به ولم يأذن الله فيه، فهو من الأمور المبتدعة المحرمة، كما بينا في الفتوى رقم: 32494، وإن كان يقصد به دفع العين أو الرقية منها ونحو ذلك فإنه لا يجوز أيضا لأن الشارع بين ما تدفع به العين، وكيفية الرقية الشرعية منها، وقد بينا ذلك وأدلته في الفتوى رقم: 12505.
ولكن إذا أردت نصحه وبيان الحق له فيلزمك الأدب معه وخفض الجناح له، وعدم رفع الصوت عليه، وتجنب جداله وغير ذلك مما يتنافى والإكرام المأمور به في حق الوالدين كما في قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {الإسراء:23ـ24} . فانصحه وبين له الحق ولكن بلطف وحكمة كما فعل إبراهيم عليه السلام مع والده: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً {مريم:42ـ43} . إلى آخر تلك المحاجة اللطفية اللبقة مع أن أباه كافر معاند. فينبغي نهج مثل ذلك الأسلوب اللطيف في نصح الوالدين فتهديه كتابا يعالج ذلك الأمر أو تقرؤه بين بيديه أو تكلم إمام المسجد ليتحدث عن ذلك وهو حاضر إلى غير ذلك من الأساليب الحسنة الحكيمة في الدعوة والنصح. نسأل الله تعالى لنا ولك وله الهداية والتوفيق وفعل الخيرات وترك المنكرات إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(5/681)
من أقرت الفاحشة في بيتها، فقد وقعت في الإثم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في زوجة كانت تعلم أن زوجها يمارس الزنا مع الخادمة بالمنزل وكانت تغض الطرف عن هذا الموضوع ولم تسأل زوجها ولم تنهه عن هذا الفعل فتوفي زوجها والآن تسأل هل يترتب عليها إثم في عدم نصحها لزوجها؟ وما عقوبة زوجها نظير هذا الفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جريمة الزنا من كبائر الذنوب، قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32} . ولا يجوز للمسلم الوقوع في ذلك، ومن وقع فيه فقد ارتكب إثماً عظيماً، كما بينا في الفتوى رقم: 26237.
وقد كان الواجب على هذه المرأة أن تنكر على زوجها وتنصحه وتخوفه بالله. وأما حيث قد سكتت على ذلك ورضيت به وأقرت الفاحشة في بيتها، فقد وقعت في الإثم وأعانته على المعصية، قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} . ولكن من تاب تاب الله عليه، فعليها أن تتوب إلى ربها وتندم على فعلها، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 116} . ولتراجع الفتوى رقم: 3184.
وأما الفاعل نفسه، فإنه قد أفضى إلى ما قدم، فيجب الستر عليه والإمساك عن الحديث عنه: ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. متفق عليه. وهو إلى مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. وعلى هذه الزوجة أن تستغفر له، وتترحم عليه، وإن تصدقت بصدقة وجعلت ثوابها له فذلك أولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1426(5/682)
لا يلزم النهي عن الفساد الخروج على ولي الأمر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من ينتقد الوضع ويصفه بما يستحقه خارج على ولي الأمر؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن انتقاد الأوضاع الفاسدة وبيان الحقائق وإنكار المنكر الظاهر.. حسب المراتب المبينة في الحديث ليست خروجا على السلطان ولا بغيا على الإمام. فما فتئ السلف الصالح رضوان الله عليهم من عهد الصحابة ومن بعدهم ينكرون المنكر بالطرق الشرعية، ويأمرون بالمعروف وينصحون لولاة المسلمين وعامتهم لأن ذلك من لوازم المجتمع المسلم ومميزاته عن غيره كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ {التوبة: 71} . وقد تواترت نصوص الوحي من الكتاب والسنة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين.. وذم السكوت على المنكر والفساد.. ولا يلزم من ذلك الخروج على ولي الأمر.
وقد يخطئ بعض الناس فيظن أن كل من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دعا إلى إصلاح.. أنه خارج على ولي الأمر. فالخروج المنهي عنه شرعا لا يكون إلا بالعصيان وشق عصا الطاعة بالامتناع عن أداء الواجب أو حمل السلاح وخلع الإمام بالقوة. ولهذا عرف أهل العلم البغاة الخارجين بقولهم كما في المختصر للعلامة خليل المالكي: الباغية فرقة خالفت الإمام لمنع حق أو لخلعه. وقال الحطاب: الفئة الباغية هي فرقة من المسلمين خالفت الإمام لشيئين: إما لمنع حق وجب عليها من زكاة أو حكم من أحكام الشريعة، أو خالفته لخلعه. وجاء في الموسوعة الفقهية: والباغي هو الخارج عن طاعة الإمام العدل لامتناعه من أداء واجب.. والبغاة الخارجون على الإمام من المسلمين بتأويل ولهم شوكة.. والامتناع عن أداء الحق الواجب كالزكاة يعتبر خروجا، والفئة الباغية هي الخارجة عن طاعة الإمام العادل ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار:..تقتله الفئة الباغية.
وبهذا تعلم أن مجرد انتقاد الأوضاع الفاسدة والدعوة إلى الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين لا يعتبر خروجا على الإمام ما لم يشق أصحابها عصا الطاعة أويرفعوا السلاح أو يقصدوا خلع الإمام بالقوة.
بقي أن ننبه على أمر مهم وهو أن الناصح ينبغي أن يراعي آداب النصيحة، فالنصيحة في الملإ تشهير، والنصيحة بالأسلوب الفاسد قد تدفع المنصوح إلى أن تأخذه العزة بالإثم فلا يستجيب. وقد قال الله جل وعلا لموسى وهارون وهما يقدمان النصح لإمام الكفر والطغيان على مر العصور والأزمان: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى. كما أن على الحكام أن يصغوا إلى هذا النوع من الناصحين وأن يعلموا أن وجودهم صمام أمان من حصول عذاب شامل، قال تعالى: ف َلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ {هود: 116} . وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى: 26058، 17092، 9250.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1426(5/683)
التلاعب بعداد الكهرباء خيانة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد ماتور مياه مناصفة بيني وبين جاري ولكنه يعبث بعداد النور ويكثر من استخدام استهلاك الماتور ويعرضه للتلف هل الإبلاغ عنه حرام أم حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تنصح هذا الجار بالموعظة الحسنة وتبين له أن هذا الجهاز أمانة، وأن من مقتضى الأمانة المحافظة عليه وعدم العبث بعداده. فإذا لم يُجْدِ معه النصح فلا بأس برفع أمره إلى من يحجزه عن هذا العمل ولا يكون إبلاغك عنه حراماً لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد قيل شعراً:
القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر.
وراجع الفتوى رقم: 29617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(5/684)
اسع في إصلاح أسرتك لتنال شرف الخيرية
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي غير محجبة ومتبرجة وتسمع الأغاني، ولبسها غير محتشم وغير ملتزمة بصلاتها مع العلم أني نصحتها ولكن بدون فائدة وبدأت أبعد عنها أصبحت لا أشتهي رؤيتها أو الجلوس معها مع العلم أنها مراهقة في ال16 من عمرها وأغلبية أصدقائها وأقاربها غير ملتزمين وأنا في ال 17 من عمري وأبي وأخي الأكبر ((27 سنة)) غير ملتزمين بصلاة الجماعة ((غالبية صلواتهم في المنزل)) إلا يوم الجمعة مع العلم أنهما يصليان الفرائض في المنزل وأمي غير محجبة مع العلم أنها وعدتني بأنها ستتحجب في موسم الحج القادم.. وبيتنا فيه تماثيل وصور لفتيات إعلانات وهم في لبس غير محتشم.. وغيرها من المنكرات.. وعائلتي دائما يقولون لي لا تتشدد زيادة عن اللازم وأن في زمننا هذه الأفعال عادية وكل الناس يفعلون كذا وكذا.. مع العلم أني أقول لهم أن لا يقتدوا بالذين يفعلون المنكرات ويخدعهم الشيطان وأذكرهم بالموت ((أختي وأمي)) وأبي أنا متردد أن أصارحه في الأخطاء التي يعملها مع العلم أني أتوقع أنه سيفكر بأنني متشدد أو أن يقول لي هذا شأني وليس شأنك عليك من نفسك.. وأبي وأمي يضعون نقودهم في بنك ربوي.. ماذا علي أن أفعل اتجاه عائلتي.. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن أختك من ترك الحجاب، والتبرج، والاستماع إلى الأغاني، واللباس غير المحتشم وعدم الالتزام بالصلاة، وهي قد وصلت إلى سن البلوغ وليس سن المراهقة كما ذكرت، لأن جمهور أهل العلم على أن سن البلوغ هي خمس عشرة سنة، ولك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 18947.
وما ذكرته أيضا من أن أباك وأخاك الأكبر غير ملتزمين بصلاة الجماعة إلا الجمعة، وأن أمك غير متحجبة، وأن في بيتكم تماثيل وصورا لفتيات إعلانات، وهن في لباس غير محتشم، وأن أباك وأمك يضعان نقودهما في بنك ربوي، إلى غير ذلك من المنكرات ...
أقول: إن كل ما ذكرته من حال أسرتك يزيد عبء المسؤولية عليك، ويتضاعف لك به الأجر إن اهتديت إلى أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. فعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.
واعلم أن قولهم: إن كل الناس يفعلون كذا وكذا … ليس فيه تبرير لما يرتكبونه من الآثام، فإن كثرة أصحاب المعاصي لا تدفع ولا تخفف عن أمثالهم العذاب، كما قال سبحانه وتعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ {الزخرف: 39} .
واعلم كذلك أن ما تتوقعه من تفكير أبيك بأنك متشدد، أو أنه سيقول لك هذا شأني وليس شأنك … لا يبرر لك ترك نصحه ونهيه عما هو فيه من المنكر. لأنه لا ضرر عليك في أن يصفك بالتشدد أو يقول لك: إن هذا شأنه هو وليس شأنك أنت.
فعليك أن تشمر وتسعى في إصلاح أسرتك بأمرهم ونهيهم والدعاء لهم، ونسأل الله أن يعينك ويصلحك ويصلح بك، إنه على ذلك قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1426(5/685)
السبل الناجعة لتغيير جاهلية الأهل
[السُّؤَالُ]
ـ[أهلي يكرهونني ويحبون أخي، فأنا متدين وملتزم وأخي ملحد ويمارس كل الشهوات، وهم دائما يخبرونني بأنه أجمل مني وأذكى مني، وكل هذا لأني لا أدخن ولا أضحك كالمهرج ولا أصاحب فتيات ولا أعيش حياتي إرضاء للناس
فكيف أعاملهم؟؟؟
هل أتركهم؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدنيا دار ابتلاء، ولا يسلم من ذلك أحد، حتى أحب الخلق إلى الله، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنك طالعت سيرته من أولها إلى آخرها لوجدتها ملأى بشتى أنواع البلايا، وكذا الرسل والأنبياء قبله، ولكن نبشرك بأن عظم الأجر مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، وانظر الفتويين: 51946، 27082 وإذا كان ما تقول عن أخيك وأهلك حقا، فالذي ننصحك به هو أن تصبر على أذاهم، وأن تدفع بالتي هي أحسن، فإن عاقبة الصبر جميلة، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وانظر الفتوى رقم: 1764.
واعلم أنهم أتوا من قبل جهلهم بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله وما أعده لأوليائه وما توعد به أعداءه، ولذلك لم يروا قبح ما عليه أخوك، ولم يروا حسن ما أنت عليه.
فهم مرضى وأنت الطبيب، والطبيب لا يضجر من المريض، وإنما يتألم لحاله ويجتهد في علاجه.. فحاول أن تبصرهم بمعبودهم سبحانه وتذكرهم بعبوديتهم له وبافتقارهم إليه، وبالغاية التي خلقهم من أجلها، واستعمل الحكمة في دعوتك لهم وعظهم موعظة حسنة، كل ذلك بقدر المستطاع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وإذا أردت أن يتغير شكل العلاقة بينك وبين أهلك فابدأ أنت بالتغيير. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد: 11} فابذل الوسع في التقرب لوالديك والتودد لهما من بذل للمعروف وتقديم للهدايا التي تفرح قلبيهما، وألن الكلام لهما، وانظر إليهما بحب وإشفاق ورحمة. قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت: 34} قال ابن عباس في تفسير الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم. اهـ.
فكيف إذا كان هذا الإحسان للوالدين اللذين هما من أكثر الناس رحمة وشفقة بالإنسان، فلا شك أن هذا كفيل بإزالة ما في نفسيهما من شحناء قد تكون تسببت فيها دون أن تشعر.
واعلم أنك ستجد في البداية بعض الصعوبات في قهر نفسك وإذلالها لهما، وقد لا تجد استجابة سريعة منهما، بل قد يسخران منك فلا تبتئس وتترك هذه الطريقة في التعامل معهما، فهي مجربة وأكيدة، وإن كان تأثيرها يظهر بعد فترة قد تطول، وإن الذي يحفزك على هذا الخلق والأدب معهما علمك أن عملك هذا يرضي الرحمن جل وتعالى، ويرضي رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه وتعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا {الأحقاف: 15} ولقد أتى بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: ويحك أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ويحك الزم رجلها فثم الجنة. رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الألباني.
واسأل الله كثيرا بذل وإلحاح أن يهدي والديك، وأن يفتح بينك وبين أهلك إلى الحق وهو خير الفاتحين.
واستمر على ما أنت عليه من الإيمان والاستقامة وترك المحرمات، فإن في ذلك تحقيقا لعبوديتك لله وانقيادا لأمره ونهيه تعالى، وإن الدنيا وإن طالت أيامها فهي إلى فناء، وعند الموت سينفعك إيمانك واستقامتك، ومن اهتدى فلنفسه، كما ننصحك بأن تكون لك رفقة صالحة من المؤمنين تؤنسك وتتبادل معها النصح وتتعاون معها على الخير، فإن إخوان الصدق من أعظم أسباب الاستقامة على أمر الله والثبات على دينه، وإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(5/686)
مدى تحمل المسؤولية تجاه الآخرين أمام الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن المرأة عند دخولها النار تأخذ معها أربعة ابنها وزوجها وأباها وأخاها فهل هناك أي داعم ديني من حديث أو رواية تؤكد هذه المقولة أم أنها غير صحيحة؟
أرجو الرد وشكرا جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نر دليلاً يدعم هذه المقولة، والواجب على أولياء المرأة أن ينصحوها ويسعوا في وقايتها من النار، فإن لم تطعهم أو لم يكن عندهم علم بانحرافها فلا نعلم دليلاً أنهم مؤاخذون بذنبها إن لم يقصروا في تربيتها وتوجيهها ونهيها عن المنكر، لقول الله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164} .
وأما إن قصروا في رعايتها، فإنه يخاف على من كان منهم راعياً ووليها في الحال من العذاب، لما في الحديث: ما من عبد يسترعيه الله رعية ويموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 37729، 55875، 52751، 58787 52681.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(5/687)
الإنكار على من مس امرأة لا تحل له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا رأيت أخي يمسك زوجة خالي ليأخذ منها ابن خالي الصغير ولكنه لم ينتبه أبدا أنا متأكدة من ذلك وربما نسي وذهب هل عليه إثم؟ وهل انا أخذت إثما لأني رايته يمسكها ولم أحذره إلى أن ذهب، لأنها لا تحل له هل أخذت إثما؟
أرجو الرد في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن أخاك إن كان قد تعمد ملامسة هذه المرأة قد أتى معصية يجب عليه التوبة منها والاستغفار، وذلك لملامسة امرأة لا تحل له، وكنا قد بينا حكم ذلك في الفتوى رقم: 16271.
كما أنه يجب عليك أنت إنكار ذلك حسب استطاعتك، فتنصحي أخاك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواهما مسلم.
فإن كنت لم تفعلي ما تقدرين عليه من إنكار ذلك المنكر لغير عذر من نسيان أو نحوه فإنك تأثمين لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(5/688)
دحض أراجيف المشككين بالدين واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا ليس سؤالا ولكنه نداء ورجاء ... يوجد برنامج ذميم لرجل غير مهذب يدعى زكريا بطرس، على قناة الحياة التي تبث على القمر الأوروبي هوت بيرد يشكك بالدين الإسلامي بطريقة سيئة وبأسلوب غير لائق.. فنرجو منكم بعمل ما يتاح لكم للرد عل هذا الفاجر وتبيين الحقيقة لما يدعيه لعامة الناس، أعاننا الله على نصرة دينه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحسبنا الله ونعم الوكيل، واعلم أن كيد هؤلاء النصارى لن ينال من ديننا، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ {الأنفال:36} ، ومع ذلك فإن الواجب على المسلمين مقاطعة هذه القناة التي تعمل على تنصير المسلمين وتشكيكهم في دينهم وفي عصمة نبيهم، وذلك صيانة للدين، فإن الشبهة قد تعلق في قلب المسلم ولا يستطيع دفعها لضعف إيمانه أو قلة علمه أو للأمرين جميعاً.
وقد نص العلماء على حرمة النظر في كتب أهل الكتاب لما فيها من التحريف، فكيف بالاستماع إلى شبهات هؤلاء، فإن ذلك أشد تحريماً، وانظر الفتوى رقم: 14742، والفتوى رقم: 1886.
وللفائدة والتفصيل انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 63031، 56322، 39414.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1426(5/689)
ارتكاب المرء القبائح لا يبيح أخذ ماله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم الإخوة الأفاضل الكرام في موقع الشبكة الإسلامية الرائع، لي سؤال ألا وهو أنه في أحد الأيام وعبر برنامج الدردشة عبر الانترنت فوجئت بشخص يريني مؤخرته ويريد مني أن أفعل به هو وكما لعلكم تعلمون أن غرف الدردشة لا يستطيع الشخص تحديد الهوية الحقيقية للشخص عامه أنا والحمد لله رب العاملين لا أفعل اللواط ولا الزنا وهذا بتوفيق الله تعالى وإن كنت غصبا عني أشاهد مناظر ولكني أجاهد نفسي وشيطاني وهواي وأسأل الله أن يوفقني اللهم آمين ثم قمت بإعطاء إيحاء لهذا الشخص أن يحضر لبلدتي وذلك حيث قام عن طريق هاتفه المحمول بالاتصال بهاتفي المحمول ثم حضر لي في بلدتي طبعا خارج منزلي في مكان عام شبه خال تماما من الناس وقد أردت أن أعلمه درسا لن ينساه طيلة حياته حيث قلت له إني لن افعل به ما يريد وإنما سألقنه درسا لن ينساه أبدا حيث قمت بتهديده وأخذ هويته الشخصية ودليل ورقي لهاتفه يجمع به أرقام هواتف أشحاص غاليا بنسبة مائة في المائة لأشخاص عرفهم عبر الانترنت حيث وجدت رقمي في هذا الدليل وأخذت منه هاتفه المحمول ومعظم النقود التي معه وأركبته أقرب وسيلة مواصلات وبعد ذلك قمت بالاتصال من خلال هاتف عام بوالده شخصيا حيث وجدت رقم منزله بهذا الدليل قبل تدمير كل وسائل الاتصال وأعلمت والده بطبيعة ابنه الذي يطلب أن يفعل فيه الذكور وقد أقر لي هذا الشخص أن أناسا كثيرين فعلوا به فأردت نكاية به أن أعلمه درسا بأخذ كل متعلقاته الشخصية والآن هي معي ولا أعلم عنه أي شي ولا عن أهله لأني دمرت كل وسائل الاتصال ولا أعرف أين يقيم إلخ فما الموقف من هذه المتعلقات المتمثلة في هاتف محمول بدون خط حيث إني دمرت خط الهاتف المحمول فما العمل في هذا الهاتف ومبلغ بسيط حيث إن مجمل سعر الهاتف والمبلغ لا يزيد تقريبا عن مائتي دولار، فما الحل؟ وهل ما فعلت صحيح علما أنني أردت ردعه تماما نظرا لأنه لا توجد وسيلة أخرى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن نقول لك إن الدخول على المواقع الخبيثة عبر الإنترنت لا يجوز، وعلى من يفعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبة نصوحا صادقة.
وننصحك بأن تشغل نفسك بطاعة الله تعالى: من تلاوة القرآن، وتعلم العلم النافع، ومرافقة الصالحين الذين يدلونك على الخير، ويعينونك عليه، والبعد عن رفقاء السوء.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فلا بأس بما قمت به من تهديد هذا الشخص، وأخذ هويته الشخصية والدليل الورقي الذي كان يجمع به أرقام هواتف أشحاص عرفهم عبر الأنترنت. ولا بأس كذلك بما قمت به من الاتصال بوالده شخصيا وإعلامه بحال ابنه. فكل ذلك قد يساعد على إنقاذ هذا الفتى الضائع، وإرجاعه إلى الصواب.
ولكنك قد أخطأت في أخذ هاتفه المحمول، والنقود التي كانت معه، وتدميرك للوثائق التي كان بإمكانك أن تهتدي بها إلى أهله، فتوصل إليهم ممتلكاته.
فهو، وإن كان مرتكبا للمعاصي القبيحة الشنيعة، فإن ذلك لا يبيح أحذ ماله.
أما الآن وقد حدث ما حدث، فقد صارت هذه الممتلكات أمانة بيدك، والواجب عليك إذا، هو الاحتفاظ بها، وأن تجتهد في البحث عن وسيلة للاتصال بصاحبها، وإرسالها إليه. فإن عدمت السبل، وانقطع الأمل في إمكان إيصالها إليه، فلك أن تتصدق بها عنه، وتكتب ذلك في وصيتك، فإن جاء يوما من الدهر في حياتك، أو بعد وفاتك كان له الخيار في إمضاء الصدقة، أو أخذ مثل ما أخذت منه، ويكون لك أنت أجر ما تصدقت به.
وراجع في ما ينبغي أن يفعل من لديه أمانة ولم يجد صاحبها فتوانا رقم: 7390.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(5/690)
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن عرب مسلمون نعيش في دولة لا تحكم بالإسلام ونحن موجودون في مدينة كل سكانها مسلمون في خطبة الجمعة الأخيرة خطب إمام المسجد في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وخلاصة الموضوع أن الإمام قال إنه بعد الإنكار بالقلب والنصح باللسان وبما أنه لا يوجد حاكم مسلم فيقدر كل مسلم أن ينهى عن المنكر بيده، وجاء باستدلال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نزع خاتم ذهب من يد رجل, فهذا يدل على أنه يجوز النهي عن المنكر باليد؟
نرجو أن تكون الأدلة كثيرة وواضحة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الدين العظيمة، وأعماله الظاهرة التي امتاز بها عن سائر الأديان.
وهو من فروض الكفاية، ويتعين في بعض الأحوال بحسب القدرة.
والواجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبين الحق حسب الاستطاعة، فينكر بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، كما في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وما ذكرت عن الإمام الذي خطب بكم من أن التغيير باليد يكون بعد الإنكار بالقلب والنصح باللسان، وأنه نظراً لعدم وجود حاكم مسلم، فإن كل مسلم يقدر على أن ينهى عن المنكر بيده، وأنه استدل لذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نزع خاتم ذهب من يد رجل.
نقول في الجواب عليه: إن مراتب تغيير المنكر جاءت مرتبة في الحديث الذي تقدم ذكره، ولا يجوز أن يعكس ترتيبها.
وتغيير المنكر لا يتوقف على وجود الحاكم، كما قال أهل العلم، ففي مواهب الجليل للحطاب قال: وفي إرشاد أبي المعالي لا يكترث بقول الروافض: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الإمام. انتهى
ولا يحتاج للاستدلال على ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نزع خاتم ذهب من يد رجل، فهذا الحديث قد صححه أهل العلم، ولكنه ليس حجة في المحل الذي أورد فيه، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكم الأعلى والإمام الأول للدولة الإسلامية، ولا يوصف فعله بأنه فعل فرد من أفراد الأمة، في بلد ليس له حاكم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن تغيير المنكر فرض عين عليه صلى الله عليه وسلم لا يسقط عنه بشيء من الأمور التي تسقطه عن سائر الناس، وهي إحدى خصوصياته.
قال البهوتي في كشاف القناع: وإنكار المنكر إذا رآه على كل حال فلا يسقط عنه بالخوف لأن الله وعده بالعصمة بخلاف غيره، ولا إذا كان المرتكب يزيده الإنكار إغراء لئلا يتوهم إباحته بخلاف سائر الأمة ذكره السمعاني في القواطع.
والحاصل أن تغيير المنكر فرض كفاية على المستطيع باليد، ثم باللسان عند العجز عن التغيير باليد، ثم بالقلب عند العجز عن غيره، ولا يشترط لوجوبه وجود حاكم مسلم، وهو فرض عين في حق النبي صلى الله عليه وسلم لا يسقط عنه بحال من الأحوال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(5/691)
واجب الرجل تجاه امرأته المضيعة للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لزوج يصلي وزوجته وبناته لا يصلون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الله تعالى الرجل قيما على المرأة فقال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء {النساء:34} ، قال الجصاص في تفسير هذه الآية: تضمن قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء. قيامهم عليهن بالتأديب والحفظ والصيانة. انتهى.
وأمر الزوجة بالمعروف، وعلى رأسه الصلاة واجب، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم وهو يتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ثم إنه قد يتعين ... كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف.
وإذا بذل وسعه في النصيحة لها ثم أصرت على تضييع حق الله تعالى فله تأديبها ولو بالضرب عند الحنابلة في المعتمد والمالكية وجمع من الحنفية والشافعية، قال ابن عابدين الحنفي في رد المحتار: وله ضرب زوجته على ترك الصلاة ... قوله: على الأظهر، ومشى عليه في الكنز والملتقى، وفي رواية ليس له ذلك، وعليها مشى المصنف في التعزير تبعاً للدرر. انتهى.
وفي الشرح الصغير للدردير المالكي: ووعظ الزوج من نشزت: أي خرجت عن طاعته بمنعها التمتع بها، أو خروجها بلا إذن لمكان لا يجب خروجها له، أو تركت حقوق الله كالطهارة والصلاة، أو أغلقت الباب دونه، أو خانته في نفسها أو ماله ... ثم إن لم يفد فيها الوعظ هجرها في المضاجع فلا ينام معها في فرش ولا يباشرها لعلها ترجع عن نشوزها. ثم إن لم يفد الهجر ضربها ضرباً غير مبرح، ولا يجوز الضرب المبرح وهو الذي يكسر عظماً أو يشين لحما، لو علم أنها لا ترجع عما هي فيه إلا به، فإن وقع فهو جان فلها التطليق والقصاص. ومحل جواز الضرب إن ظن إفادته وإلا فلا يضرب، فهذا قيد في الضرب دون ما قبله لشدته. انتهى.
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى في المغني: فصل: وله تأديبها على ترك فرائض الله، وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة عليه؟ قال: على ترك فرائض الله، وقال في الرجل له امرأة لا تصلي: يضربها ضربا رفيقاً غير مبرح، وقال علي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا. قال: علموهم أدبوهم. انتهى.
والواجب على هذه المرأة أن تتقي الله تعالى، وأن تعلم أن خشية الله تعالى والخوف منه مقدمة على الحياء والخوف من المخلوقات، فعلى الزوج أن يهجرها في المضجع، ثم يضربها ضرباً غير مبرح، فإن لم ينفع شيء من ذلك فمفارقتها خير من معاشرتها، يقول ابن مسعود: لأن ألقى الله تعالى وصداقها (أي الزوجة) بذمتي خير من أعاشر امرأة لا تصلي.
وأما بناته فالواجب عليه وعلى أمهن تربيتهن بما يصلحهن، والمسؤولية الكبرى على الأب، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6} ، قال علي في تفسير هذه الآية: علموهم أدبوهم. ففي الصحيحين: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. وفي الصحيحين أيضاً: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(5/692)
واجب من رأى منكرا من والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي شكوى:
والدي يضع الموسيقى وهو رجل شرس (عصبي) متعصب بالباطل ولكنه يصلي يستمع للغناء والموسيقى ماذا افعل له / ملاحظة: لقد التزم بعد أن حج قبل سنة ونصف وبعدها بقليل بدأ يرجع للتخلف الذي كان فيه ويستمع للفتاوى التي تظهر بالتلفاز إلى أن وصل به الحال إلى أن حلق اللحية واستماع الغناء ويتأخر عن الصلاة ويتفوه اذا عصب بكلام لا يمكن لمسلم أن يقوله، مثلاَ: لماذا يا الله تفعل بي كذا وكذا، وينزع الرحمة من الله يقول إذا فلان يتوب عليه أنا كافر والعياذ بالله فهو رجل لا أستطيع أن أصفه ولكن فيه بالسابق كان رجل يعني بعض الشيء من الطيب ولكن كان لا يصلي، الآن ماذا هل أنصحه وإذا نصحته زجرني وأنا لا أستطيع أن أسمع شيئا يقال عن أحد من المشايخ مثلاَ آتيه بفتوى الشيخ ويقول عن الشيخ هذا كذا ويسبه فأنا لا أحتمل قد أرد عليه برد ويمكن أني أصل إلى ما لا تتحمله نفسي فهو: والدي: ماذا أفعل بالفتنة التي لدي وهو يرفع صوت الموسيقى حتى إخوتي الصغار يجلسهم ويسمعهم وينظر للأفلام العربية والأجنبية حتى اللقطات الساخنة قد ينظرون معه على أنهم نيام فالتلفاز بغرفة الأطفال وهم من البنات لأن البيت ضيق، هاكم خبري أفتونا يرحمكم الله أخوكم ابن الإسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على أبيك أن يتدارك نفسه بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، قبل أن يأتيه الأجل وهو على تلك الحال من المعاصي، وذلك لأن ما نسبت إليه أمور كلها توبق صاحبها في النار، بل إنه يُخشى على هذا الرجل من الردة وذلك لتلفظه بألفاظ تناقض معتقد المسلمين، هذا فيما يتعلق بأبيك.
أما أنت فعليك ببر هذا الأب ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأن تجتهد في النصح له واتخاذ الطرق المشروعة لذلك وتنويعها، لعل الله تعالى أن يهديه، ومن ذلك تخويفه عذاب الله تعالى، وإعطاؤه الكتيبات والأشرطة المشتملة على المواعظ المؤثرة، فإن أفاد ذلك فاحمد ربك على توفيقه، وإلا فليس لك إلا الدعاء له بالصلاح. قال صاحب رد المحتار: إذا رأى منكرا من والديه يأمرهما مرة فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإن الله تعالى يكفيه من أمرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1426(5/693)
واجب المسلم تجاه أقاربه وإخوانه المقصرين في جنب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس حاليا في فرنسا أريد أن أعرف كيف يجب أن يكون تعاملي مع أناس منا ولكن لا يصلون وربما يفعلون ذنوبا أخرى، هل أحسن إليهم وأستطيب قلوبهم رغم ذلك؟ وهل إن وجدت نفسي أكاد أفتن بهم، أدعهم وألتمس ما يحب الله لنفسي.
لدي بعض أفراد العائلة هنا في أوروبا أريد أن أصلهم ولكنني كلما فعلت ذلك وجدت نفسي في حرج إذ أنهم لا يبالون بتسليم الذكر باليد على المرأة غير المحرم. وأن هناك من مخالفات هدي الحبيب ما لا يحصى أفأصلهم ولو خفت من الفتنة ماذا أفعل مع العلم أنهم يدعونني لزيارتهم.
ما مدى تعامل المسلم مع الكافر ماذا علي لو أني دعوت بعضهم لطعام لعلهم يسمعون ويرون ما تستطاب به القلوب.
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على اهتمامك بالتبصر في أمور دينك وزادك حرصا على التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعاملك مع إخوانك وأقربائك.
وأما الواجب عليك تجاه إخوانك المقصرين هو أن تدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وترغبهم في فعل الطاعات وترك المعاصي، سيما التهاون في الصلاة وتركها، فهي عماد الدين، وقد بينا في الفتوى رقم: 6061 خطورة ذلك وأدلته فلتراجعه، ولتكن دعوتك إياهم بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر وعدم الاستعجال وتحن إليهم وتستطيب نفوسهم بما لا يصدك عن دينك أو يفتنك فيه أو يوقعك في المعاصي، فإن ترتب على مجالستهم بعض ذلك فالواجب هو الابتعاد عنهم وهجرهم إن لم يستجيبوا لما تدعوهم إليه من الحق ولا تجلس إليهم، فإن كثرة المساس تميت الإحساس كما يقولون، ولتختر من يعينك على الطاعة كما قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28}
وأما أرحامك فيجب أن تصلهم وتدعوهم بالتي هي أحسن وتبين لهم حرمة المصافحة؛ كما بينا في الفتوى رقم: 1025 وتحثهم على التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا تتركهم للشيطان، ولتبتعد عما يجرك إلى الفتنة، وقد فصلنا طرفا من ذلك في الفتوى رقم: 54486 كما بينا في الفتوى رقم: 9896 ضوابط تعامل المسلم مع الكافر فنرجو مراجعته والاطلاع عليه.
نسأله سبحانه أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، وأن يعصمنا من الغواية، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا للإيمان إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1426(5/694)
موقف الزوجة من زوجها الذي يحتفظ بصور خليعة في جهازه المحمول
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا علمت أن زوجي يحتفظ بصور عارية لنساء في جهازه المحمول وهو لا يعلم بأنني أعلم هل أشاركه الزور؟ وماذا علي أن أفعل؟ جزاكم الله عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن زوجك قد ارتكب إثما قبيحا بتصويره لتلك النساء واحتفاظه بصورهن، ولا شك أن الإثم أكبر إذا كان هؤلاء النسوة على ما ذكر من العري، ولمعرفة الحكم في هذا فنحيلك على الفتوى رقم: 52660، والفتوى رقم: 17891.
وعليه، فالواجب على زوجك التوبة من هذا الذنب والمسارعة إلى إتلاف تلك الصور الخليعة. وأما أنت فإن استطعت إتلاف تلك الصور من غير أن يلحقك ضرر من زوجك فافعلي، وإلا فعليك مواجهته بالنصح وتحذيره عقوبة الله تعالى إذا هو لم يتب، فإن استجاب إلى نصحك فاحمدي ربك على هداية الله تعالى لزوجك وعلى أنك السبب في ذلك، وفي الحديث الصحيح: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخار ي. أما إن لم يقبل النصح فلا يلحقك -إن شاء الله تعالى- إثم في ذلك لأنك أديت النصح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(5/695)
المقصود بأضعف الإيمان في حديث تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[توضيح من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ومن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ما المقصود بأضعف الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمنكر لا تقره الشريعة بحال، فلا بد من تغييره، ولكن تغييره على مراتب، ولما كان الناس يختلفون في قدراتهم على ذلك فإن الشارع الحكيم رتب إنكار المنكر على حسب قدرة الشخص، ولكن لا يعذر أحد من المكلفين بترك الإنكار مهما يكن من أمر، فيجب عليه أن يغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أقل الأحوال؛ لأن كل إنسان يستطيعه ولا يعجز عنه إلا من قد مرض قلبه وانتكس. لما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. ومعنى أضعف الإيمان -كما سألت- أي أقله ثمرة؛ كما قال النووي.
وفي تحفة الأحوذي على شرح الترمذي قال: وذلك أن الإنكار بالقلب وهو الكراهية" أضعف الإيمان" أي شعبه أو خصال أهله، والمعنى أنه أقلها ثمرة. فمن غير المراتب مع القدرة كان عاصيا، ومن تركها بلا قدرة أو لكون المفسدة أكبر وكان منكرا بقلبه فهو من المؤمنين. وقيل: معناه وذلك أضعف زمن الإيمان؛ إذ لو كان إيمان أهل الزمان قويا لقدر على الإنكار القولي والفعلي، ولما احتاج إلى الاقتصار على الإنكار القلبي؛ إذ ذلك الشخص المنكر بالقلب فقط أضعف أهل الإيمان، فإنه لو كان قويا صلبا في الدين لما اكتفى به.
وقال السندي: والاكتفاء بالكراهة بالقلب أضعف الإيمان أي أعماله المتعلقة بإنكار المنكر في ذاته لا بالنظر إلى غير المستطيع، فإنه بالنظر إليه هو تمام الوسع والطاقة وليس عليه غيره.
وقال العز بن عبد السلام: ولم يذكر ذلك للذم، وإنما ليعلم المكلف حقارة ما حصل في هذا القسم فيرتقي إلى غيره.
وقال ابن حزم في المحلى: وذلك أضعف الإيمان أي ليس وراء ذلك من الإيمان شيء.
ومهما يكن من أمر فهذا الحديث أصل في صفة تغيير المنكر، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به -فعلا كان أو قولا- وإلا فكراهة وبغضا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(5/696)
الانفتاح على العصر.. المحمود والمذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جماعة موجودون في ألمانيا في بلد صغير ولا يوجد لدينا شيخ أو إمام رغم ذلك بارك لنا الله في مسجد صغير نصلي فيه وكل الإخوة يطالبون بأن نكون منفتحين على العصر الذي نحن فيه، وأنا لست راضيا عن الانفتاح الذي يجمع النساء والرجال، ومثل حلق اللحية والأمثال الشعبية وكلام لا يضر ولا ينفع، أفيدونا بكلام طيب جزاكم الله كل الخير لكي يتسنى لي أن أقرأه عليهم سؤالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الانفتاح على العصر الذي يرخص فيه الشرع ويأمر به إنما يكون بالمشاركة في الخير والدعوة إلى الله والمساعدة على حل المشاكل بالطرق الشرعية ونحو ذلك، لا بالمشاركة فيما يتنافى مع أخلاقنا وآدابنا، مما قد تترتب عليه بعض المخالفات مع عدم القدرة على الإنكار، وذلك مثل حلق اللحية واختلاط النساء بالرجال، وخضوعهن بالقول وما يترتب على ذلك من الفتنة، وحلق اللحية من الحرام البين، وكنا قد بينا ذلك في فتاوى كثيرة، فراجع فيه فتوانا رقم: 2711.
واختلاط الرجال بالنساء سبب كبير لوقوع الفتنة، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وعليه، فنقول لهذه الجماعة التي منَّ الله عليها بهذا المسجد الصغير في تلك البلاد النائية عن الإسلام: إن عليها أن تتقي الله وتبتعد عن هذا النوع من الانفتاح المفسد للدين، فتعفو لحاها وتترك الاختلاط بالنساء، وتنأى عن الأمثال الشعبية التي لا تنفع، وأما ما ينفع فلا حرج في استماعه والاستفادة، ونسأل الله أن يعيننا وإياكم على التمسك بدينه وشرعه، وأن يعصمنا وإياكم من فعل المنكرات، إنه سميع مجيب
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1426(5/697)
أثر البرامج الساقطة على الدين والخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مصري أريد أن أعرف ماذا أفعل لإبعاد أخواتي الفتيات لإبعادهم عن التلفاز وخصوصا البرنامج المشبوه star academy وإني أحاول ذلك ,أرجو الإفادة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقر هذا البرنامج في بيته، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. وأخرج أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه. فبادر بإنقاذ أخواتك من هذا المنكر الشنيع بأي وسيلة مشروعة أمكنتك، وسيكون لك من الله الأجر الكثير في ذلك.
ويمكنك الاستعانة في هذا الصدد ببعض المحاضرات المسجلة على أشرطة كاسيت وبعض الكتب والرسائل التي تبين خطر التلفاز وأثر البرامج الساقطة على الدين والخلق، ونحو ذلك من الوسائل المشروعة للإنكار.
ونوصيك بالرفق، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 21557 والفتوى رقم: 29770.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(5/698)
كيفية التغلب على العادات السيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن التغلب على العادات السيئة داخل المجتمع?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إصلاح المجتمعات والتغلب على العادات السيئة فيها يكون بما أمر الله به وأرشد إليه رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران: 104} . وقال صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. كما في المسند وصحيح مسلم والسنن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1426(5/699)
الغضب لله إذا انتهكت محارمه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أسير أنا وأصحابي فوجدنا ولدا وبنتا على وشك أن يقبل كل منهما الآخر ... فلم يبال أصدقائي ولكني شعرت بغيرة شديدة وتذكرت أن من علامات الساعة افتراش الرجل المرأة في الطريق.. فوجدت ما يشابهها فنهرت هذا الولد وجرت بيننا مشادة كلامية وكان هو في منتهى الاهتزاز.. ولكن زاد غضبى وكنت أريد أن أضربه ... فنزعت من وجهه النظارة فشد يدي ولكني كنت مطبقا على النظارة إلى أن انكسرت بين يدي.. وقلت للبنت بالعامية (يالا روحي على بيتك أنتي كمان) ... ونهرت الولد مرة أخرى وقلت له أنت أساسا مهزأ! ... وانتهى الموضوع. فأسأل: أين إحساني في هذا الموقف وأين إساءتي؟
..
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت كل الإحسان عندما غضبت لله وأنكرت ذلك المنكر الذي ما استشرى في الأمة إلا بسبب غياب المنكرين الصادعين بالحق والصابرين على ما يلقونه في سبيل ذلك. فقد قال تعالى: وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:1ـ3} . وقال أيضا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.. {آل عمران: 110} . وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وليتك عند انتهارك لهما ذكرتهما بالله وبأليم عقابه وبأنه يراهما ولا يغفل عنهما، وأنهما إن ماتا وقت تلك المعصية فماذا سيقولان لله؟!. هذا، ولقد أخطأت عندما كسرت نظارة ذلك الشخص الطبية، فلا يجوز أن يشتمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إتلاف أموال الناس بغير حق شرعي، وعلى هذا، فالواجب عليك ضمان قيمة النظارة الطبية أو إصلاحها. فإن كنت تعرف ذلك الشخص فأوصل له تلك القيمة، وإن لم تكن تعرفه وعجزت عن الوصول إليه فتصدق بهذه القيمة عنه. وننصحك أن تكون رفقتك من الشباب الصالحين المهتدين المستقيمين على أمر الله الذين يغارون على دينه سبحانه، أما أولئك الذين يروا محارم الله تنتهك فلا يحركون ساكناً ولا يغضبون لله ـ فلا خير في صحبتهم، بل قد يقتلون فيك غيرتك المحمودة. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 43762.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(5/700)
تذكير المرأة لزوجها إذا وقع في الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو أن يتسع صدركم لمشكلتي وتوافوني بالحل الشافي لأني والله زهقت وأتمنى الانفصال عن زوجي لولا أني خائفة من كلام الناس.
متزوجة منذ 20سنة والحمد لله نحب أنا وزوجي بعضنا بعضا ولا يوجد لحبنا مثيل ولله الحمد إلا عندما ظهرت جوالات الكاميرا والنت فمنذ 3 سنوات اخذ زوجي يتصابى ويكلم البنات على النت وعرف بأني كشفته فأخذ يبرر ويقول لي هذا زميلي في العمل يسمي نفسه باسم أنثى, طبعا هو كذب علي ويحسبني جاهلة, مع العلم بأنه أحيانا يخبرني بأنه يدخل على الشات وعندما أقول له حرام عليك يقول لا تفهميني غلط أنا فقط أريد أن أعرف كيف يتصرف هؤلاء!!!! لا حول ولا قوة إلا بالله وأنت ماذا يعنيك فيهم لا أنت مصلح اجتماعي ولا أنت من الهيئة.ومرضت بسبب هذا الشيء مرضا شديدا لأني ما عهدته على هذه الحركات ولا على الكذب
وما زلت إلى الآن أعاني من هذا المرض الذي يرافقني ليل نهار وجعلني غير واثقة بزوجي أبدا مع العلم أن زوجي ترك النت فترة طويلة حاولت خلالها استعادة الثقة به ولكن تفاجأت مجددا أنه على علاقة بالنت مع واحدة ,ولله يا شيخ لولا الحياء لقلت لك عن الكلام الذي اكتشفته بينهما. ستقول لي واجهيه فأجيب وأقول كيف أواجهه وقد كبر أولادي ماذا سيقولون عن أبيهم القدوة الذي لم يدخل الدش إلى الآن بيتنا بسبب التزامه ,هل سيثقون به وماذا سيقول أهلي وأقاربي فالكل يعرف عنه التقوى والصلاح ,لا أريد أن ينزل من أعينهم كما نزل من عيني ,ولا أستطيع أن أفاتحه بيني وبينه حتى لا أخسره ولأني كما قلت لكم مريضة وأخاف أن أنهار كذلك , دائما يجدد ايميلاته حتى لا أكشفه ولكن هيهات فأنا معه على الخط وأعرف تحركاته وماذا يفكر ولكني صابرة من أجل أني أحبه وأيضا من أجل أولادي وخاصة بناتي ,فلا أدري كيف يرضى على نفسه مالا يرضاه لبناته! ألا يخشى أن تقع بناته فريسة الذئاب؟؟؟
أحيانا ألمح له بقصص وهمية فيقول هذا قليل أدب ولا يستحي!!
عجبا فكيف يكون متناقضا هكذا!!!؟
طبعا يا شيخ ستقول في نفسك ربما أنا زوجة لا تحسن التبعل لزوجها فأخذ يبحث عن البديل! فأقول لك هو دائما يعترف أني أنا من أسعدته ولو كان تزوج بغيري ربما لم يكن سعيدا هكذا.فأنا على مشارف الأربعين وهو كذلك ووالله أنا دائمة الزينة والاعتناء بنفسي حتى وأنا مشغولة أو مريضة ودائما في خدمته من غير أن يطلب مني لأني أعرف أن الله أمر بحسن التبعل للزوج وأن هذا يدعو إلى رضا الله علي
اعذرني يا شيخ على الإطالة وأرجو أن تخبرني بالتفصيل ماذا أعمل معه وهل أعترف له بأني كشفته أم أظل أكتم في نفسي وهمومي تكبر ولا أستطيع أن اشكو لأحد سواء قريب أو بعيد
وكذلك لا أستطيع أن أمنع نفسي من مراقبته والبحث وراءه لأني فقدت الثقة به
ملاحظة (هل أستطيع أن أطلب منك يا شيخ طلبا وهو أن تفتيني بهذه القصة دون اللجوء لفتاوى مشابهه حتى أتمكن من طباعتها كاملة) بنفس الصفحة وجزاكم الله خيرا على مجهودكم وسعة صدوركم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يكشف همك ويصلح زوجك ويهديه إلى الحق.
ثم إننا ننصحك بالتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لإصلاح زوجك وأن يبغض إليه المعاصي، ومما يساعد على ذلك مداومة نصحه بأسلوب هادئ لين تبينين له فيه حرمة هذا الأمر وقبحه شرعا وطبعا، إذ كيف يقوم بهذا السلوك مع بنات الناس ولا يرضاه لبناته ولا واحدة من قريباته، ولا بأس أن تذكري له قصة ذلك الشاب الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بالزنا لأن فيها ردعا لكل عاقل، والقصة جاءت في مسند أحم د عن أبي أمامة قال إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي في الزنا فأقبل القوم عليه، فزجروه، قالوا: مه مه، فقال: أدنه فدنا منه قريبا، قال: فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.. الحديث.
ثم نبهيه ماذا لو أن واحدة من بناته اكتشفت هذا السلوك منه فلا بد أنها ستحتقره لهذا، وهو الذي حرمهم من مشاهدة القنوات بحجة مخالفتها للشرع والأخلاق، بل ربما حاولت أن تجرب هي الأخرى هذا المسلك فتقع في حبائل الشيطان فيجرها ذلك إلى الوقوع في فاحشة الزنا، وعندها تكون الفضيحة والعار الذي لا يمحى أبد الدهر. نسأل الله العافية.
وتفاديا للوقوع في هذه الأمور حاولي ملأ فراغ زوجك بما هو نافع ومفيد من غير أن يشعر تعمدك لذلك حتى لا ينفر.
وما ذكرته من ملاحقة هذا الزوج وتتبع نزواته اعلمي أنه أمر لا ينبغي لك، فعله لأنه ربما عاد عليك بالضرر، وهذا ما بدأ يظهر عليك من خلال الهموم والأمراض والوساوس، بل عليك ترك ذلك وتجنبه، واعلمي أن الشرع حرم تتبع عورات الناس ومساوئهم، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي. وإذا كان هذا في جميع الناس فهو في الزوج أشد.
وإذا تحققت من ارتكابه لمنكر من مشاهدة صور خليعة أو مغازلة أجنبية عليه ونحو ذلك فذكريه بحكمه الشرعي وانصحيه ليتركه، فإن ارتدع وكف عنه فذلك المطلوب، وإن أصر على مواصلته فلا تؤاخذين أنت إن شاء الله تعالى به بعد نهيك له عنه وتبيين الحكم الشرعي له، وهذا هو غاية ما تستطيعين. نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(5/701)
لا تقاطع جدك لكونه لم يستجب لنهيك له عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[لي جد وجدة كنت أزورهما باستمرار، ولكن جاءت ظروف عندهما ورأيت منكرا عندهما ولم يكونا عالمين بهذا المنكر، فقلت لهما عن المنكر من قصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن للأسف فهما مني أني أريد تدمير المنزل وعكسوا كل المفهوم الذي كنت أقصده.. فهل يجوز لي أن أقاطعهما لأبتعد عن الكلام الذي يحكى عني والكره الذي شعرته منهما، وخاصة أني أشعر بأني لا أستطيع ذكر سيرتهما أو حبهما مثل الأول، وأحس أن ذهابي إليهم مجرد نفاق وليس حب، وأنا أشعر بالتأذي من كلام علي بالباطل وتحليل شخصيتي بعكس ما أنا عليه، وأنا حاولت أن أظهر لهما أني جيد ولكنهما بقيا على رأيهما في؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يجب على المسلمين القيام به امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم في صحيحه.
ولا فرق بين أن يكون المأمور بالمعروف أو المنهي عن المنكر أبا أو جداً أو غيرهما، وإن كان يجب في حال مخاطبة الآباء الحرص على الأدب وتخير الألفاظ اللينة تعظيماً لشأنهم ومكانتهم.
وعلى هذا، فإن كان قصدك بتغيير هذا المنكر الذي وجدت في بيت جدك مقصداً شرعياً فلا إثم عليك إن شاء الله تعالى في ردة الفعل الغاضبة من جديك.
لكن مع ذلك يجب عليك ألا تقابل ذلك بالهجر والقطيعة، بل حاول أن تشرح لهما قصدك، وأن تبذل جهداً في الاعتذار إليهما، وتوسيط كل من تراه مقبول الجاه عندهما حتى تفوز برضاهما عنك. ونوصيك بالصبر على أذيتهما، واحتساب الأجر في ذلك عند ربك سبحانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1426(5/702)
مدى واجب الابن تجاه أهله في نهيهم عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والد أسرة، وهي تتكون من ولد بالغ هو أصغر من في الأسرة وأخت أكبر منه وأم، فهل هذا الولد هو راعي الأسرة على الوجوب أم الاستحباب وهل إن لم يصلوا يحاسب هو، وهل يلزمه أن يفرض عليهم النقاب ويمنع التلفاز، خاصة أنه ملتزم جديد -أستغفر الله ملتزم أي ويتوب وينتكس وحالته تعبانة، ويقول لا تكلف إلا نفسك وانج بنفسك أولاً، فنرجو الإفادة؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على هذا الشخص أن يتوب إلى الله تعالى ويقوم بما أوجب الله عليه ويبتعد عما حرم الله، وأما رعايته لأمه وأخته فهي واجبة من حيث وجوب النفقة عليهما إذا كان قادراً على ذلك، ولا مال لهما، وأما إلزامهما بالواجبات ومنعهما من المحرمات فليس بواجب عليه، لأن هذا إنما يكون للوالد على ولده قبل البلوغ، وإنما رعايتهما في هذه الأمور ونحوها تكون بالنصيحة والإرشاد وجلب وسائل النفع وإبعاد وسائل الشر ونحو ذلك.
وأما تغيير المنكر فواجب عليه كغيره حسب قدرته، فإن استطاع بيده فليفعل، فإن عجز فبلسانه، فإن عجز فبقلبه، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(5/703)
نصح المسيء وردعه واجب حسب الاستطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد وفاة أمّي بثلاث سنوات تزوّج أبي مرّة أخرى بموافقتي أنا وإخوتي وعاملتنا زوجته أحسن معاملة لكن أختي لازمتها في حياتها هي وأولادها وزوجها فلم يكن لزوجة أبي ولو القليل من الحريّة في بيتها وكانت تتدخّل أختي في كلّ كبيرة وصغيرة في حياتها إلى أن طلبت زوجة أبي الطّلاق.. أبي لم يعارض هذا الطّلب ووافق على الطّلاق بحجّة محبّته لابنته وهو لم يقصّر أبدا معنا بعد موت أمنّا وخاصّة مع أختي لأنّ وضعها المّادي ضعيف فهل يأثم أبي بطلاقه لزوجته وهل تأثم أختي فيما فعلته.. أنا لم أستطع فعل شيء لأنني حاولت إصلاح الأمور لكن بعد رفض أبي فضّلت الانسحاب وعدم التّدخل فهل ينطبق عليّ القول \" السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس\".
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما حث عليه الإسلام وارتضاه العقلاء من الأخلاق أن يعامل الإنسان غيره بالحسنى، وفي الحديث الصحيح: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي. ويتأكد ذلك أكثر إذا كان الإنسان المعامل يقوم بذلك ويحسن إلى غيره، وذلك مصداقا لقول الحق سبحانه: هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ {الرحمن:60} .
وعلى هذا، فقد كان على أختك أن تقابل هذه الطيبة من زوجة أبيها بمثل ذلك أو أكثر، ولا يجوز لها أن تضيق عليها في ما أوجبه الله تعالى لها من نفقة وكسوة أو مسكن، ولا أن تطلع على ما لا تريد أن يطلع عليه. ولا أن تفعل بها أي شيء يسبب لها التفريق بينها وبين زوجها. فإن فعلت شيئا من ذلك أثمت.
أما أنت فكان عليك أن تنصحي أختك، وتكفيها حسب استطاعتك عن التدخل فيما لا يجوز لها أن تتدخل فيه امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم وغيره. فإن أنت قمت بما يجب عليك من تغيير أو إنكار حسب استطاعتك فلا إثم عليك. كما لا إثم على الأب بخصوص موافقته على الطلاق الذي طلبته زوجته، ولكنه يأثم إن كان قد قصر في واجباتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(5/704)
واجب من تيقن خيانة الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي زوجة أخ تخون زوجها بمكالمات هاتفية وأنا سمعت ذلك بأذني والله أعلم بالباقي وقد سمعت أنها تخونه بأكثر من ذلك فما علي أن أفعل؟ ولو علم ذلك أخي ماذا عليه أن يعمل؟ هل يجوز له مراقبتها ليتأكد من ذلك 0 ولو كان يعلم ويسكت هل عليه إثم أو له أجر؟ أفيدوني أفادكم الله 0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تيقنت من مكالمة هذه المرأة للرجال الأجانب عبر الهاتف وغيره مكالمة غرامية ونحوها، فالواجب عليك نصحها وتخويفها عقاب الله تعالى إذا لم تتب وتقلع عن هذا الذنب، فإن لم يفد ذلك فلا بأس أن تهدديها بإخبار أخيك بما يجري، وأظهري لها الجدية في ذلك.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 28080.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1426(5/705)
كيف تغير منكر العلاقة الآثمة بين الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو التصرف الواجب العمل به في حالة معرفة أن هناك علاقة غير شرعية بين مسلمة ونصراني؟ علما بأنه لا يمكن التصرف من خلالي لوقف تلك العلاقة أو حتى الحديث فيها مع المسلمة نفسها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك بذل النصحية لهذه الأخت إما عن طريق رسالة أو عن طريق أحد محارمك إن أمكن، فإن الدين النصيحة، وإذ لم تقبل النصيحة فيمكنك إبلاغ من له سلطة أو ولاية عليها، أو الجهات المختصة لمنع هذه المعصية. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وتغيير المنكر هنا بالنسبة لك هو التغيير باللسان ما دمت لا تستطيع التغيير باليد لأنك لست صاحب سلطة ولا قدرة لك على ذلك، وإذا لم تستطع التغيير باللسان، فيجب عليك إنكار المنكر بالقلب، وهو أضعف الإيمان، ولا يعفى منه مسلم، لأن من لم ينكر بقلبه لا إيمان عنده، كما جاء في الحديث: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1426(5/706)
يتم الإعذار بالنصح وتبليغ المسؤولين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ـ ولله الحمد ـ كثيرا ما أذهب للحرم المكي الشريف، وأشاهد كثيرا من البدع: كالتبرك بمقام إبراهيم، فهؤلاء أقوم بنصحهم؛ لأنهم يقومون بذلك عن جهل، أما بعض الطوائف الذين يقومون بسب الصحابة ولعنهم، وعند تبليغي عنهم يردون علي بقوله تعالى (لكم دينكم ولي دين) ، أو هذا الشيء لاحول لنا فيه ولا قوة! فماذا أفعل؟ وهل علي وزر في تركهم!؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم التبرك في الفتويين: 14693، 15830. وكذلك بينا حكم من يسب الصحابة رضي الله عنهم في الفتاوى: 2429، 36106، 56164.
واعلم أنه ليس عليك أكثر مما ذكرت في السؤال لأنك نصحت وأبلغت المسؤولين، قال الله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ {الغاشية:21ـ 22} . وقال تعالى: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ {الشورى: 48} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم عن أبي سعيد، ولمعرفة منهج أهل السنة في التعامل مع أهل البدع راجع الفتوى رقم: 14264.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(5/707)
مصدر عبارة (الساكت عن الحق شيطان أخرس)
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على كل حرف تكتبون - سماحة الشيخ – ما هو مصدر عبارة (الساكت عن الحق شيطان أخرس) هل للرسول صلى الله عليه وسلم أو أي من الصحابة رضي الله عنهم علاقة بها؟ هل مصدرها إسلامي؟ وإن صحت بصورة عامة فما ذلك الحق الذي بالسكوت عليه يصبح الإنسان شيطانا؟ - هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول المذكور أورده غير واحد من أهل العلم في سياق حديثه عن ذم السكوت على المنكر وعدم إنكاره. ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية يقول رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. ولوى لسانه: أخبر بالكذب، وأعرض: سكت وكتم الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس. ويقول ابن القيم رحمه الله: وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك! وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها! وهو بارد القلب ساكت اللسان، شيطان أخرس، كما أن من تكلم بالباطل شيطان ناطق.
وقال عبد الحي بن محمد العماد الحنبلي في "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" ومن كلامه يعني الحسن بن علي النيسابوري: من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس.
كما نسبه إليه النووي في شرح مسلم نقلا عن أبي القاسم القشيري قال: وسمعت أبا علي الدقاق يقول: من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس.
وعلى هذا، فلعل أبا علي الدقاق النيسابوري الشافعي المتوفى سنة ست وأربع مائة هو أول من تكلم بهذه الجملة.
والحق الذي لا يجوز السكوت عنه هو بإجمال: كل ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي والآداب.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 9358، 15554، 43762.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1425(5/708)
حكم استمرار صحبة من يمارس اللواط
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركا ته
تأكدت والله أعلم من أن صديقا لي (gay,homosexual) \"يمارس اللواط\" أنا محتار ومصدوم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تأكدت أن صديقك مبتلى بهذا الأمر ولا يزال مصرا عليه، فإن الواجب عليك نصحه وتخويفه بالله الذي يراه ولا يغفل عنه، وذكره بالموت وأنه يأتي فجأة، وأنه سيقف بين يدي الله فيسأله عن الصغير والكبير والنقير والقطمير. قال تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ {الصافات: 24} . وقال أيضا: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر: 92-93} .
وذكره بأن كل لذات الدنيا وما يحصله فيها الإنسان من شهوة ينساه مع أول غمسة يغمسها في النار.
كما ننصحك بسؤال الله أن يهديه، وأن يلهمه رشده، ويصرفه عن هذا البلاء.
واجتهد أن تدل عليه أهل الصلاح من الشباب الطيب المتمسك بالدين، فينظمونه في سلكهم، ويشركونه في أنشطتهم، ويتعهدون إيمانه.
واجعله يستمع للمحاضرات التالية: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله" للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي و" التوبة الصادقة" للشيخ سعد البريك. و" جلسة على الرصيف" للشيخ سلمان العودة. و" على الطريق" للشيخ علي القرني، وتجدها كلها على موقع ISLAMWAY.COM على الإنترنت، فإن باءت جميع محاولاتك في إصلاحه بالفشل، ولم يجد معه النصح، واستمرأ فعل الفاحشة فإياك وإياه، وانصرف عنه، ولا خير في صحبة رجل هذه صفته، واحذره، فإن المعاصي تعدي كالجرب، وانظر الفتوى رقم: 57110.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1425(5/709)
واجب من رأى منكرا من والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي جارة والدتها امرأة شديدة العداوة وتؤذي جيرانها بلسانها، ودائمة الإحراج لابنتها، مع العلم بأنها حاجة لبيت الله الحرام، ولكنها لا تؤدي صلواتها منتظمة ولا تعرف أن تتعامل مع الغير، وبخيله في حقها، وأيضا حق ابنتها مثلاً لا ترضى أبداً بأن تتصدق ابنتها على الجيران، السؤال هو: ابنتها دائماً في شجار معها وفي إحراجها مع الجيران وعدم أدائها للصلاة، مما يجعلها تدعو عليها، هل هناك إثم على ابنتها في زجرها ونهيها عن هذه الأعمال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بر الوالدين والإحسان إليهما من الحقوق الواجبة لهما على الأولاد لا فرق في ذلك بين أن يكونا طائعين لله تعالى أو عاصيين له، وانظري الفتوى رقم: 56766.
وعليه، فالواجب على هذه البنت بر أمها وحسن صحبتها بالمعروف، وأن تبذل جهداً في نصحها في أداء الواجبات وترك المحرمات، وليكن ذلك بخطاب طيب وأسلوب مؤدب مراعاة لمكانة الأم، فإن قبلت الأم ذلك منها فبها ونعمت، وإن أبت ألا التمادي في معصيتها فليس لهذه البنت إلا الدعاء لها بصلاح الحال والاستقامة على الدين، قال صاحب رد المحتار: إذا رأى منكراً من والديه يأمرهما مرة، فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما، واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه من أمرهما. انتهى.
ومن هنا تعلم هذه البنت أن زجرها لأمها لا يجوز، وتجب عليها التوبة منه لأنه عقوق، كما يجب عليها أن تعلم كذلك أن الصدقة والهبة من مال أمها وهي غير راضية لا تجوز ولا تقبل؛ لأنه تعد على مال الغير بغير رضاه.
هذا وننصح هذه الأم بتقوى الله تعالى وبالمحافظة على أداء الصلوات في وقتها وأن تكف عن أذية جيرانها، وذلك لأن من أسباب دخول النار ترك الصلاة وأذية الجار، أما الصلاة فلقول الله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59} ، والغي هو واد في جهنم.
وأما أذية الجار فلما روى أحمد وحسنه الأرناؤوط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله أن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار.... الحديث. فإذا كان هذا في حق المصلية الصائمة فما بالك بمن لا تصلي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1425(5/710)
أخوه يتصفح مواقع علمانية على جهازه الخاص فهل عليه إثم إذا لم يستطع منعه
[السُّؤَالُ]
ـ[شكرا لكم جزيلا على موقعكم في الحقيقة إن أخي علماني متشدد، وهو يستخدم كمبيوتري في تصفح مواقع علمانية متطرفة لدرجة الخروج عن الإسلام، مع العلم أن اشتراك الانترنت على حسابه هو، فماذا أفعل كي أمنعه بحيث لا يسبب ذلك خلافا قويا بيننا إذا أمكن؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أن تمكن أخاك من استخدام جهاز الكمبيوتر الخاص بك إذا تيقنت من أنه يستخدمه في تصفح المواقع العلمانية، وذلك لقوله تعالى: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} .واعلم أن تمكينك له من استخدام جهازك يجعلك شريكاً له في الإثم، فكما أن الدال على الخير كفاعله ـ فكذلك الدال على الشر كفاعله!! أما الطريقة التي تتبعها في التخلص من استخدامه لجهازك فهي الصراحة معه، بأن تطلعه على حقيقة موقفك ودوافعك التي أدت إلى استخدام هذا الإجراء معه، وأن المسألة مسألة عقيدة. ولكن عليك أن تلتزم الرفق معه، فلعل الله أن يهديه، فإن لم تقدر على ذلك فابحث عن وسيلة تتوصل بها إلى منعه من استخدام جهازك كما نوصيك بأمرين، الأول: أن تتعرف على حقيقة العلمانية وحكم الإسلام فيها حتى تكون على بينة من أمرك، وإن من أوسع من تكلم في ذلك الدكتور سفر الحوالي في كتابه " العلمانية"، وكذلك الشيخ محمد قطب في كتابه " مذاهب فكرية معاصرة". الأمر الثاني: أن تجتهد في دعوته إلى الاسلام والاستقامة عليه واعتباره عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وأن يكون حاملك على ذلك الشفقة على أخيك ورحمته والخوف على عاقبته إن مات علمانيا. فإن لم تستطع دعوته بنفسك ـ فعليك أن ترشد غيرك إلى الاجتهاد في دعوته إعذاراً إلى الله وقياماً بواجب الدعوة. ولا تترك الدعاء له أبداً أن يشرح الله صدره للإسلام ويرزقه الاستقامة عليه، فليس ذلك على الله بعزيز، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1425(5/711)
المقصر في العمل ينصح وإلا يرفع أمره للمسؤول
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن سلوك الموظف المسلم ... وقبل الإجابة يجب أن تعلم أني أخاف الله جداً وعمري ما ظلمت مسلما متعمدا لأن الظلم ظلمات يوم القيامة ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حاجز، سؤالي يتلخص في (ماذا يفعل الموظف المسلم إذا رأى ظلماً في العمل؟) سأحاول باختصار سرد قصتي: في العمل يوجد المدير العام سأرمز له بالرمز (1) وهناك من هو تحته ورمزه (2) وهناك من هو تحته (3) وعمرهم يتراوح بين ال45 و 52 عاما وتحتهم عدد سبعة من الشباب عمرهم من 25 إلى 34 عاما. والموضوع أن اثنين من الموظفين يسلكون سلوكا غير سوي بمعنى أصح أن أحدهما كذلك والآخر يقلده ويمشي وراءه، بمعنى أنهما يحضران العمل متأخران نصف ساعة أو ساعة وينصرفان في نصف اليوم أو قبل انتهاء العمل بساعتين أو ثلاثة ويذكرون العديد من الأعذار التي لا حصر لها وهذا يحدث يومين أسبوعياً تقريباً ويجعلون رقم (2) أن يحسبها لهم مأمورية رسمية حتى لا تحسب عليهم إجازة عارضة أو خروجا بدون إذن وهذا نتيجة أنهما يقدمان بعض الشغل والخدمات والمصالح الشخصية والهدايا ... إلخ خارج الشركة لرقم (2) وبالتالي يعوضها لهم رقم (2) داخل العمل!! ، أما بالنسبة لي ولباقي الشباب فإننا ملتزمون بالحضور والانصراف وأداء العمل وبذل الجهد والإتقان وحتى لا أكون ظالماً فالاثنان غيرالملتزمين أيضاً يعملون ولكن بدون تركيز وكل التفكير ذاهب إلى كيف سننزل اليوم وما هي الحجة الجديدة وبالتالي نضطر نحن الملتزمون آسفين إلى استكمال أعمالهم بدافع المصلحة العامة للعمل وأحياناً نتيجة إلحاحهم لنا (بعد إذنك اعمل لي كذا لأني نازل مشوار ضروري، أو زوجتي مريضة، أوأخي قادم من السفر....إلخ من الأعذار التي لا تنتهي) ... ومع الأسف هناك تساوي داخل العمل من حيث المكافآت أو المميزات الأخرى بل وأحياناً يتم تفضيلهم علينا في الحوافز وهذا ليس عدلا , وللأسف رقم (1) طيب جداً ولا يخجل أحد اويحاول الكثيرون نقل الصورة له ولكن رقم (2) قوي الشخصية بالإضافة إلى قوة الخدمات التي تقدم له..... ما دوري كمسلم؟ هل إذا نزلوا وسط اليوم ليذهبوا إلى المقهى لشرب الشيشة أو.... إلخ، هل إذا سأل أحد عنهما وقلت له الحقيقة يعتبر ذلك فتنة أم أسكت وأتستر عليهم؟ (هذا الوضع منذ 3 سنوات) .ومؤخراً أخذ أجازة ثلاثة شهور للسفر للخارج بدون مرتب ولكنني عن طريق الصدفة اكتشفت أنه تم تسجيله حضور وانصراف في العمل لمدة شهر من هذه الشهور الثلاثة!. لأنه أيضاً يقدم الكثير من الخدمات لبعض العاملين بالشئون الإدارية!. هذا فساد إداري وظلم واضح جداً. وأصبحت لا أستطيع الصمت، وأشعر أني أتستر على جرائم ترتكب! ففكرت أن أرسل العديد من الرسائل الإلكترونية لرئيس مجلس إدارة الشركة ولرقم (1) وأحكي لهم ما يحدث ولكن بصورة غير مباشرة وبدون ذكر اسمي أو أسمائهم ,,,, فهل هذا حل جيد؟ أم أن هناك شيئا آخر يمكن أن أفعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. ولاشك أن هذا الذي تذكره عن زميليك ـ إن صح عنهما ـ منكر، وأن الواجب عليك إذا اطلعت عليه تغييره، وذلك بنصح هذين الزميلين وتخوفيهما بالله عز وجل. فإن تابا وأقلعا عن فعلهما فالحمد لله، وإن لم يقلعا رفعت أمرهما إلى المسؤولين، وبذلك تبرئ ذمتك، وإذا تحقق هذا بدون ذكر اسمك أو أسمائهما لم يحتج إلى ذكر ذلك، وراجع الفتوى رقم: 52279.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1425(5/712)
الإنكارعلى الجدة
[السُّؤَالُ]
ـ[جدتي مريضة بالنسيان ودائما تشتم الناس وتتكلم فيهم من ورائهم وأنا أكرهها وأغضب عليها لأنها تشتم الناس من ورائهم وهي تغضب مني هل أكون مخطئة في ذلك؟ وهل علي ذنب تجاهها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما يحدث من جدتك من شتم وعراك في حق الناس ناتجا عن الخرف وفقدان العقل، فهي غير مسؤولة شرعاً عما يصدر منها، وراجعي الفتوى رقم: 37606.
وأما إذا كانت تعي ما تقول، فلاشك أنها قد أتت معاصي يجب عليها التوبة منها، لقول الحق سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا {الأحزاب: 58} .
وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر.
وعليه، فالواجب عليك نصحها وإرشادها إلى الحق، لكن لابد من مراعاة الحرص على اتخاذ الألفاظ اللينة، والأسلوب الطيب معها، وذلك لمالها من حق البر والمصاحبة بالمعروف.
فإن قبلت ذلك منك فبها ونعمت، وإن كرهت ذلك منك، فلا يلزمك إلا الدعاء لها، ولا بأس أن تأمري غيرك بنصحها لعلها تقبل منه ما لا تقبل منك.
قال صاحب رد المحتار: إذا رأى منكراً من والديه يأمرهما مرة، فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما، واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه من أمرهما. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1425(5/713)
الداعية المبتلى بالمعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان وبعد: لا أريد أن أطيل عليك بكلماتي ولكني مبتلى بالمعاصي وأشكو إلى الله ثم إليك حالي إنني شاب في الثالثة والعشرين من عمري متدين كما يبدو من مظهري وأحضر مجالس العلم (شيء قليل) وأستمع للأشرطة الدينية بكثرة وعندي كتب ونشرات دينية ولكن كل هذا وأنا أواقع معصية الاستمناء التي ابتليت بها مع النظر إلى الفتيات الكاسيات العاريات الاتي قد كثرنّ في بلادي وخصوصا في الجامعة وقد حاولت جاهدا التخلص من هاتين المعصيتين ولكن كل مرة أفشل ويكون حالي بعد الفشل أسوء من قبله فإنني أزيد في كمية المعصية إنني أعاني من هاتين المعصيتين التي تجر الواحدة منها الأخرى فإذا تبت من النظر جرّ إليه الشهوة والاستمناء الذي لا أستطيع تركه وإذا تبت من الاستمناء جر إليه النظر الذي لا أستطيع منعه فأنا أمام هاتين المعصيتين منهزم تماما حاولت التوبة مرارا ولكن بعد يومين أو عدة أيام لا تتجاوز الأسبوع أعود للمعصية
أكتب إليك ليس لشكوى لك وإنما لتنصحني وتبالغ في نصيحتي وأرجو منك أن تراعي ظرفي ولا تقل لي أين هذا التدين الذي تكلمت عنه في أول رسالتك فإني أحب الله ورسوله فلولا الله ما كتبت لك ولكن تغلبني نفسي وشهوتي فلا أقوى على ردهما فأقع في هذه المعصية أرجوك أن تنصحني وترشدني إلى طريقة أستطيع بعون الله وكرمه وباتباعها أن أتخلص من هذه المعاصي التي جعلتني من العصاة المصرين على معصيتهم وخصوصا وأنا أدعو إلى الله وإلى دينه فكيف أدعو وأنا على هذه الحال من المعاصي؟ وجزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بالهداية ولزوم طريق الحق، ونسأل الله أن يمن عليك بالتوبة النصوح مما أنت واقع فيه من النظر المحرم وما يجر إليه من ارتكاب العادة السرية، فجاهد نفسك وتوكل على الله ولا تيأس، وخذ بجميع الأسباب المؤدية إلى الإقلاع عن هذا الذنب من قبل أن يدهمك الموت وأنت مصر عليه، وانظر الفتوى رقم: 9195، والفتوى رقم: 7170 فإنهما بالغتا الأهمية.
ومن أهم أسباب العلاج دعاء الله عز وجل بذل وإلحاح أن يصرف عنك هذا البلاء، وأن يرزقك العفاف، وأن ييسر لك الزواج بامرأة صالحة، والتمس في دعائك أوقات الإجابة، والتزم آداب الدعاء، وانظر ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23599، 17449، 32655، 8581.
وكذلك من الأسباب: سرد الصيام، فإن له تأثيراً بالغاً في كسر الشهوة وتهدئتها، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
ومن أعظم أسباب العلاج عدم الذهاب إلى الأماكن التي توجد فيها النساء المتبرجات فإن في ذلك تعريض دينك للخطر، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53912، 5310، 4030، 2523.
ولتكن لك رفقة صالحة تتعاون معها على الخير، لأن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
كما ننصحك بالاستمرار في المجال الدعوي واحذر من تلبيس الشيطان، فإن الوقوع في المعصية ليس مسوغاً لترك الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان أولى الناس بالامتثال هو الداعية، ولقد أُتي بأبي محجن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شرب الخمر ليُحدّ يوم القادسية، وقبل أن يُحد طلب من امرأة سعد بن أبي وقاص أن تحل وثاقه ليجاهد في سبيل الله، فذهب وقاتل الفرس قتالاً شديداً ثم عاد ووضع القيد في يده، ولم تمنعه معصيته من بذل الجهد في خدمة هذا الدين.
وإن الذي يترك الدعوة إلى الله بحجة أنه واقع في المعصية، قد جمع على نفسه إثم المعصية والتفريط في واجب الدعوة وتفويت الأجر المترتب على دعوة الناس إلى التمسك بدين الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(5/714)
حدود تغيير المنكر للأخت مع إخوتها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي كمبيوتر وأنا أستعمله فيما يرضي الله ولكن خوفي من أن لا تزول هذه النعمة أمنع إخوتي الذين لا يرغبون في تعلمه من استخدامه لأنهم يستخدمونه في اللعب والأفلام والأغاني وخوفي والله عليهم من الانحراف بسببه يسبب لي الضرب والعقوبات، وقد حاولت مراراً أن أعلمهم لكن رغبتهم في عدم التعلم واللعب عليه سواء بالنت أو غيره جعلني أحرمهم من فتحه، وأنا الآن أواجه العقوبات والضرب بسبب ذلك، فماذا علي أن أفعل؟ وجزاكم الله خيراً، وأرجو الرد بسرعة وإفتائي ماذا أفعل هل أتركهم وأسكت على المنكر أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتغيير المنكر واجب حسب القدرة بلا خلاف بين أهل العلم، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
وعليه فواجبك هو النصح لإخوتك وإرشادهم وتوجيههم إلى ما فيه مصلحتهم، ومحاولة إبعادهم عما هو محرم كالغناء والأفلام الخليعة، وكل ما يؤدي إلى انحرافهم عن الطريق المستقيم، وإن كنت لا تتضررين بإخراج الجهاز من البيت فأخرجيه.
ولا يجوز السكوت على المنكر أبداً لمن هو قادر على إزالته بوسيلة من الوسائل لا تؤدي إلى الوقوع فيما هو أعظم منه، فإن عجزت عن كل ذلك، وحتى عن إخراج الجهاز عن المنزل، فلا حرج عليك فيما يرتكبه إخوتك لأن المرء لا يكلف من الأمور فوق طاقته، قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1425(5/715)
الخطوات الواجب فعلها تجاه المنكر حتى تبرأ الذمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل موظفاً في إحدى الشركات الخاصة، وعندما عملت في الشركة وجدت أنهم يقومون بأخذ أموال من أحد موردي الشركة عن طريق الغش والخداع، علماً بأن المورد هو شركة أمريكية الأصل واستمر الحال على ما هو عليه حتى الآن، أصحاب الشركة على علم بذلك، هل في هذه الحالة أعتبر آثماً، وماذا يجب علي فعله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً لغيرتك على مصالح الآخرين وبغضك للمنكرات وسعيك لتغييرها، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح حالك، وأن يصرف عنا وعنك كيد الكائدين.
أما عن سؤالك فإن الواجب عليك -عند رؤية ما ذكرته من إخلال ومنكرات- هو أن تنصح من يفعل ذلك وتنهاهم عن هذه المنكرات وتذكرهم بالله واليوم الآخر ما لم تخش على نفسك الضرر الذي لا يمكن تحمله، قال عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
فإن استجابوا فذاك؛ وإلا فارفع أمرهم إلى الجهات المختصة مع البيانات التي تدينهم حتى يمنعوهم من هذه المنكرات، أو يتخذوا ضدهم ما يستحقونه من عقاب، وإذا نصحت ونهيت من يفعل ذلك، ورفعت أمر من لم يستجب منهم إلى المسؤول عنهم فنرجو أن تكون ذمتك قد برئت عند الله تعالى، ولك على ذلك عظيم الأجر إن شاء الله، واعلم أنك قد تتعرض للأذى بسبب النصح والنهي عن المنكر فعليك بالصبر، قال الله تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان:17} ، وما تعرضت له من أذى في سبيل النهي عن المنكر فلن يضيع عند الله بل سيجزيك الله به خيراً في الدنيا والآخرة بإذنه تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1425(5/716)
واجب المسلم إذا رأى أو سمع ما لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ممرضة في أحد المستشفيات ومن خلال عملي أرى وأسمع العديد من الأمور التي لا يجوز للمرأة المسلمة أن تراها وتسمعها (يجب أن أذكر أن جميع الطاقم هن سيدات) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم إذا رأى أو سمع ما لا يجوز أن ينكر ذلك ويقوم بإزالته حسب وسعه واستطاعته.
فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
فإن كان المنكر الذي ترين أو تسمعين، ما يفعله بعض الممرضات من الاطلاع على عورات المرضى دون ضرورة فعليك أن تنصحينهن بأنه لا يجوز للمسلم الاطلاع على العورة إلا في حالة الضرورة.
ولمزيد من التفصيل نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36428 / 8972 / 4535.
وكذلك غير ذلك من المنكرات يجب على المسلم إنكاره والنصح لأهله ولا يجالسهم على منكراتهم.
قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ {النساء: من الآية140} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(5/717)
المطلوب استفراغ الوسع والطاقة في النصح والأمر بالمعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أقارب وجيران لا يصلون وهم كبار في السن ولا أعرف كيف أتكلم معهم ومرة خالتي قالت لها بنتها يوما من الأيام قومي صلي يا أمي قالت يكفي أنك أنت وأباك تصليان، ولا أعرف كيف أنصح الجميع فساعدوني بارك الله فيكم، مع العلم أن هؤلاء لا يقرءون ولا يكتبون وفقراء ومساكين فدلوني علي شيء أنفعهم به، مع العلم أني كلمت الإمام وأخبرته، فقال انصحهم وإن لم ينفع النصح فقد أخليت ذمتك منهم فهل هذا صحيح وأريد حلا في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يقوم بما أوجب الله من النصح للمسلمين، والتواصي معهم بالحق والصبر، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكمة، وتعليمهم ما يجهلون من أحكامهم الشرعية قدر استطاعته، وعليه أن يستعين في ذلك باستعمال الوعظ والترغيب والترهيب بنصوص الوحي. ومحاولة الاقناع وإعارتهم الأشرطة المؤثرة والرسائل والنشرات المفيدة التي تبين الأحكام باختصار ووضوح، وأن يدعو الله لهم بالهداية، وأن لا يمل من الدعاء لهم ودعوتهم ولا سيما إذا كانوا أرحاما أو أصهارا أو جيرانا، فإن لهؤلاء من الحق أكثر مما لغيرهم. فإذا انتفعوا بذلك، فذلك المطلوب وإن لم يستجيبوا وكان قد قام بواجبه فإنه لا حرج عليه، وليسل نفسه بمن سبقه من الأنبياء الذين قاموا بواجبهم من دعوة أممهم ولم يؤمن بهم إلا قليل كما حصل لنوح وغيره. وراجع في خطورة ترك الصلاة وعلاجه، موضوع وجوب الصلاة وحكم تارتكها في الفهرس الموضوعي لفقه العبادات بفتاوى الشبكة، وموضوع أساليب ووسائل الدعوة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(5/718)
واجب معلمة القرآن حيال البنات المتبرجات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معلمة القرآن تتحمل الإثم إذا كان البنات اللاتي يقرأن معها متبرجات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على معلمة القرآن من باب القيام بواجب النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تحذر طالباتها من التبرج وتبين لهن خطورته، وقد سبق بيان بعض ذلك في الفتوى رقم: 8569 والفتوى رقم: 17037 فإن استجبن فذلك المطلوب، وإلا، فإنه لا إثم عليها إذا قامت بواجبها من النصح لهن ونهيهن عن المنكر.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 30807، 5380 38794.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(5/719)
من أنكر فقد برئ
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الكريم أنا موظف في إحدى الدول وفي دائرة حكومية، ومن خلال عملي أستطيع أن أقف على الكثير من التجاوزات وعمليات الاستغلال لعموم الناس والتسبب بمفاسد عامة ورشاوي مقنعة وكل ذلك من رئيسي المباشر في العمل وقد قمت بتوضيح ذلك لزملائي ... في القسم وحتى لبعض المدراء وللشخص المسؤول عن رئيس القسم، ولكن وللأسف كل هؤلاء على معرفة بسيطة جداً في مجال العمل وهو يستغل هذا الشيء فهل أكون قد أخليت مسؤوليتي أمام الله خاصة وأنني قدمت كل ما أعرف وبعض البراهين الواضحة على صدقي ولم يحدث أي شيء وقد تعرضت نتيجة لذلك للمضايقة الشديدة والعداء من رئيس القسم وهو شخص لا يخاف الله وقد يتسبب في إنهاء عقدي، أرجو الإفادة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً لغيرتك على المصالح العامة وبغضك للمنكرات وسعيك لتغييرها، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح حالك وأن يصرف عنا وعنك كيد الكائدين.
أما عن سؤالك فإن الواجب عليك -عند رؤية ما ذكرته من إخلال ومنكرات من رئيسك في العمل- هو أن تنصحه وتنهاه عن هذه المنكرات وتذكره بالله واليوم الآخر ما لم تخش على نفسك الضرر، فإن استجاب فذاك وإلا فارفع أمره إلى الجهات المختصة مع البينات التي تدينه حتى يمنعوه من هذه المنكرات أو يتخذوا ضده ما يستحقه من عقاب، وذلك أيضاً ما لم تخش الضرر على نفسك فإن خشيت الضرر فلا يجب عليك ذلك.
وبما أنك قد نصحت هذا الشخص وأخبرت زملاءك بما يفعله، ورفعت أمره إلى المسؤول عنه، فلم يفد كل ذلك، وهذا هو كل ما في وسعك، فنرجو أن تكون ذمتك قد برئت عند الله تعالى، ولك على ذلك عظيم الأجر إن شاء الله، وما تعرضت له من مضايقات في سبيل النهي عن المنكر فلن يضيع عند الله بل سيجزيك الله به خيراً في الدنيا والآخرة إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(5/720)
مدى مسؤولية الرجل عن أخطاء أسرته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الرجل مسؤول عن أخطاء زوجته وأولاده حيث قال رسولنا عليه السلام: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. صدق رسول الله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرجل مسئول عن رعاية أسرته كما يفيده الحديث المذكور في السؤال، وحديث مسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة.
وعليه وقايتهم من النار، كما يفيده قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6} وبناء عليه، فإنه مسئول عن أخطائهم إذا أقرهم عليها، أو كان سبباً في قيامهم بها أو لم يعلمهم حتى حصل منهم ما لا يرضي الله من تفريط في طاعة الله أو تقصير في معصية، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9044، 18247، 31706، 12581، 17756.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(5/721)
الدعوة إلى الأفراح لا تكون على حساب الدين وانتهاك المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ سيتزوج قريباً، وسيقيم الفرح بإحدى الصالات، ويكثر بها اللهو والرقص، فهل يجوز أن أدعو الأهل والأصدقاء لمثل هذا الفرح، حيث إنهم قد يغضبون إن لم أدعهم، وما واجبي أثناء حضور هذا الفرح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك -إذا كان الأمر بيدك- أن تنقل الحفل من المكان الذي توجد فيه المنكرات إلى مكان خال منها، فلا يجوز القدوم على أماكن المنكر إذا لم يكن المسلم يستطيع تغييره، وكذلك لا يجوز لك دعوة الأهل والأصدقاء ... إلا إذا كانوا أو كنتم تستطيعون تغيير المنكر.
ولا شك أن دعوة الأهل والأصدقاء لحضور الأفراح والمناسبات مما يزيد المودة ويوثق عرى المحبة والصلة بين الأقارب.. وهذا أمر مطلوب شرعاً، ولكن لا يجوز أن يكون ذلك على حساب الدين وانتهاك المحرمات، والواجب عليك أن تتجنب الحرام وأماكنه، وألا تدعو الناس لأماكن المنكر والفساد ولو أدى ذلك لغضبهم فرضى الله تعالى أولى وأحق، قال الله تعالى: وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ {التوبة:62} ، ولمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 131، والفتوى رقم: 22806.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1425(5/722)
حكم الإنكار في المسجد على من يروي أحاديث مكذوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن في منطقة نائية، وأغلب الأئمة هنا مروا عبر ما نسميه بالزاوية (مدرسة قرانية) ، وكثيرا ما يعطي هؤلاء الأئمة عند تدريسهم في المساجد أحاديث ضعيفة وأخرى قد تكون موضوعة، وكثيرا ما يحدث جدال ونقاش حاد في المسجد (مصلى) ، فهل يجوز للمصلين النقاش والجدال في المسجد إذا أخطا الإمام في بعض الأحاديث، وما هو التصرف اللائق في مثل هذه الحالات؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأحاديث التي يحدث بها الإمام المذكور على سبيل الحث على الأخذ بها والاستفادة من مضمونها إما أن تكون موضوعة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ضعيفة ولكنها تتعلق بالعقائد أو الأحكام، ففي هذه الحالة لا يجوز له الإقدام على ذلك، وعلى من سمعه وكان يعلم أن ما حدث به هو من هذا النوع فإن عليه أن ينصحه ويبين له خطأه بالرفق واللين ولو كان ذلك في المسجد لكن لا بد من مراعاة آداب المسجد وتجنب ما يخل بها كرفع الصوت، وإما أن تكون ضعيفة وتتعلق بفضائل الأعمال، فلا حرج عليه في طرحها على الناس، لأن جماهير العلماء رخصوا في ذلك بشروط معينة، فصلناها في الفتوى رقم: 19826 ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 28065.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1425(5/723)
السعي لوضع حد لصلة الأخ بالأجنبيات من تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخي تتصل به الفتيات وعندما أقوم بالإجابة على الهاتف لا أدري ماذا أفعل، هل أتركه يتكلم معهم أم أقول إنه ليس في المنزل، مع العلم بأنه يمكن أن يكون في المنزل وهذا سيؤدي إلى الكذب في كل مرة، ماذا أفعل في هذه الحالة، مع العلم بأنني قمت بنصحه العديد من المرات ونصح الفتيات اللاتي يتصلن به، أفيدوني ما الحكم في الرجل الذي يقوم بمداعبة زوجته كلمس يدها أو معانقتها أمام الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للرجل أن يعقد علاقات بفتيات لا يحللن له لأن ذلك يؤدي إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات، فلا يجوز أن يتصلن به ولا أن يتصل بهن مباشرة أو عبر الهاتف إلا لحاجة معتبرة شرعاً، وراجع في مثل هذه العلاقات فتوانا رقم: 11945.
وعليك بالسعي في كل ما يمكن أن يضع حدا لتلك الصلات لأن ذلك من تغيير المنكر الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
ولا مانع من قولك إنه ليس في المنزل وتنوي بذلك منزلاً غير المنزل الذي هو فيه، لأن ذلك من التورية وفيها مندوحة عن الكذب.
فلا بأس بمداعبة الرجل زوجته كلمس يدها ونحوه لا على سبيل الاستمتاع أمام الناس، وأما ما يراد به الاستمتاع والتلذذ فالواجب أن لا يكون بحيث يراه الآخرون، وراجع في هذا الفتوى رقم: 1571.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1425(5/724)
الواجب تجاه أصحاب السوء والمنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو من حضرتكم الإجابة عن هذا السؤل وجزاكم الله خيرا؛
هل يجوز العمل مع زملاء يقولون الكلام البذيء ولهم أخلاق سيئة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من حيث الأصل في العمل مع أشخاص يتصفون بما ذُكر، وعلى الأخ السائل أن يقوم بواجب النصيحة تجاههم، ففي الحديث: الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
وينبغي له أن يصبر على هؤلاء لعل الله تعالى يهديهم على يديه، وفي الحديث: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه الترمذي.
هذا، وإذا لم تفلح النصيحة ولم يُجد الوعظ مع هؤلاء الأشخاص وخشي الأخ على نفسه أن يصيبه شيء من أخلاقهم فينبغي عليه أن يعتزلهم ويتحول عنهم إن أمكنه، فإن الصاحب ساحب، والجليس مؤثر في جليسه، وفي الحديث: مثل الجليس الصالح ومثل الجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تشتم منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرقك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة. رواه البخاري ومسلم. وإذا لم يمكنه الانتقال من المكان الذي يجمعه مع هؤلاء فلينصرف عنهم بقلبه، وينشغل عنهم بعمله وبما ينفعه حتى يفتح الله عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1425(5/725)
النصح قيام بالحق الواجب
[السُّؤَالُ]
ـ[إليكم الموقف التالي: دخلت المسجد اليوم فوجدت رجلاً نائما على بطنه فاستحييت أن أذكره بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما وجد رجلا في المسجد على هذه الصورة , لأنه يكبرني بأعوام عديدة, وانتظرت حتى دخل رجل آخر المسجد يكبر الأول وحكيت له الموقف, فذهب إليه وكلمه
أما لماذا استحييت أن أذكر الرجل فلظني أنه لن يقبل نصيحة من هو أصغر منه بكثير
فهل آثم لظني هذا, أم أن ما فعلته هو الصحيح ويدخل في باب احترام الكبير
أفيدونا جزاكم الله خبرا
ملحوظة: عمرى عشرون عاما]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحياء من الكبير لا يسوِّغ عدم نصحه، لأن النصح بالحكمة فيه إحسان إلى المنصوح، وقيام بالحق الواجب له، فقد نصح إبراهيم أباه، ونصح الرسول صلى الله عليه وسلم أبا طالب، كما في حديث البخاري.
ثم إن ظن قبول المنصوح نصح من أمره أو نهاه ليس شرطا في وجوب القيام بالنهي عن المنكر، لأن الناهي يقوم بما أوجب الله عليه من النهي عن المنكر معذرة إلى ربه أو ليهتدي المنهي، ويدل لهذا قول الله في شأن من نهوا عن الصيد يوم السبت: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الأعراف: 164} .
وأما في حالك هذه التي ذكرت فالظاهر -والله أعلم- أنه لا إثم عليك، لأن النوم على البطن مكروه عند أهل العلم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 5439.
وقد ذكر أهل العلم أن من شروط وجوب النهي عن المنكر الاتفاق على حرمته أو رجحانها، وراجع الفتوى رقم: 5870.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1425(5/726)
من سب الدين لا يستحق الكرامة ولا الاحترام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي ياشيخنا الفاضل حول موقف تعرضت له مع بعض الإخوة وأريد من فضيلتكم توضيحا لنا إذا كان ما قمنا به صحيح أم خطأ والموقف باختصار هو أننا في أثناء خروجنا من المسجد بعد صلاة العشاء وجدنا مشاجرة تدور بين أحد إخوانا وواحد من المارة فأسرعنا لفض المشكلة وكانت بسبب أن هذا الأخ تعرض من هذا الشخض للمعاكسة أثناء سيره في الطريق مع خطيبته وأختها ولكن حدث أننا أثناء فض المشكلة قام هذا الشخص بسب الدين لأخينا الذي يتشاجر معه فأخذ بعض منا الحمية على الدين وانهالوا على هذا الشخص بالضرب إلى أن جاء بعض الإخوة وأخذوه بعيدا.. فهل ما فعله هولاء الإخوة صحيح أم كان يجب معالجة الأمر بشكل مختلف؟ فقد قال لنا بعض الإخوة إنكم بفعلكم هذا غيرتم شعائر الله إذ أن سب الدين ليس فيه حكم شرعي بالضرب مع أن الحدود لا تطبق في بلادنا.. أفيدونا في هذا فإن سب الدين يتكرر أمام أعيننا في شوارع هذه البلاد كثيرا ولا حول ولا قوة إلا بالله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن سب الدين من أعظم الكبائر بل هو من أصرح وأشنع أنواع الكفر المخرج من الملة وإذا كان مجرد الاستهزاء كفرا فما بالك بالسب ... ؟ قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 65ـ66} ، ولا شك أيضا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس وفض النزاع من أعمال الخير التي أمر بها المسلم. وما قمتم به من ذلك ابتغاء مرضات الله فهو خير يحمد لكم وتؤجرون عليه عند الله تعالى إن شاء الله. وأما عما فعله بعضكم من ضرب الرجل المذكور فكان الأفضل أن تعالجوا الأمر بحكمة وهدوء ونصيحة، وما دام الأمر قد حصل فإن من سب الدين لا يستحق الكرامة ولا الاحترام، وما فعل به لا يعدّ إقامة حد عليه، وإنما هو ردة فعل ممن كانت له غيرة على دينه وحمية له، ولا علاقة له بالحدّ الشرعي، لأن الحد الشرعي لا يقيمه الأفراد وإنما هو من خصائص ولي أمر المسلمين أو نائبه. ومواجهة هذا النوع ومقاومته ليست بردة الفعل المتسرعة.. وإنما تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة لأن كثيرا من أبناء المسلمين لم يتربوا التربية الإسلامية الصحيحة فهان الدين في أعينهم. لهذا ننصح السائل الكريم وإخوانه بتقوى الله تعالى واستعمال الحكمة في هذه الأمور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1425(5/727)
الابتعاد عن مساعدة العاصي واجب لا تشدد
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني أن أقوم بإيصال استدعاء حضور زفاف يوجد فيه منكرات فرفضت لأنني أعتقد أن المساعدة في المعصية معصية، وقيل عني أنني متشدد، ما حكم الدين في هذا، أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإعانة على المعاصي والدلالة عليها محرمة، ويدل لذلك قول الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} ، وفي الحديث: ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً. رواه مسلم.
وعلى هذا؛ فإن ابتعادك عن المساعدة في المعاصي والدلالة عليها لا تعتبر تشدداً، وإنما تعتبر قياماً بما يجب عليك، ثم اعلم أن الفقهاء قد ذكروا أن من أعذار التخلف عن حضور الوليمة وجود منكر بها، وعلى هذا فإنه لا يجب على المدعوين الحضور إذا كان هناك منكر، بل يجب عليهم البعد عن الحضور إن لم يكونوا واثقين من قدرتهم على تغيير المنكر، ولا سيما إذا كان المنكر مزامير واختلاط الأجانب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1425(5/728)
من ألوان الدعوة والنصح والتوجيه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله وتوكلت على الله
فضيلة الشيخ أنا من هواة النت
وأحب وبصراحة أن أضحك على المغفلين بالنت من بنات وشواذ أحب أن أسخر منهم لأنني أحس في قرراه نفسي أن مثل هؤلاء الناس الذين يعصون الله لا بد من أن يعلمهم الواحد درسا في حياتهم
فهل هذا حرام أم ليس حراما أن أسخر منهم وأن أضحك عليهم
تحياتي وجزاكم الله ألف خير
ملاحظة أنا شاب مؤمن أؤدي فرائض الله جميعها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت تملك وسيلة الاتصال بالعصاة وأصحاب المنكرات فإن عليك أن تنصح لهم وتنكر عليهم ما يرتكبون من الإثم والمعاصي بالطرق الشرعية.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. ثلاثا. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
كما ينبغي أن يكون ذلك بالأسلوب الأحسن وبالرفق بهؤلاء المساكين الذين اجتالتهم شياطين الإنس والجن بسبب الهوى والغفلة والشهوات، لأنهم مرضى يحتاجون إلى العلاج برفق، فهذا لون من ألوان الدعوة والنصح والتوجيه التي يقول الله تعالى عنها: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125} .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. رواه مسلم. وفي رواية لغيره: ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه.
فإذا أمرت بمعروف فليكن أمرك بمعروف، وإذا نهيت عن منكر فلا يكن نهيك منكرا، ولتسر في ذلك على منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
أما الدخول مع هؤلاء في المهاترات والعناد والجدل الذي لا قيمة له فلا ينبغي، فربما يؤدي إلى النفرة والعناد فضلا عن كونه تضييعا للوقت فيما لا فائدة فيه.
هذا، ونشكرك على اهتمامك وغيرتك على دينك، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 28895، 46926.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(5/729)
لا إنكار في ترك مستحب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم الإنكار على أخيه في أمر مستحب لم يفعله، أي إذا ترك مسلم عمل شيء مستحب، فهل يجوز أن ينكر عليه أحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا إنكار في الأمور المستحبة، وإنما يستحب فيها النصح والتوجيه والترغيب في فعلها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من توضأ وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه. ومثل هذا كثير.
بل اشتهر بين أهل العلم قولهم: لا إنكار فيما اختلف فيه، وإن كان ذلك فيه تفصيل، ولكن العبارة مشتهرة بينهم وهي صحيحة على العموم، كما قال القرافي المالكي في الفروق: وقال الشيخ محي الدين النووي في منهاجه: أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، وليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نص القرآن أو السنة أو الإجماع، ونحو هذا في الذخيرة وفي قواعد عز الدين.
والحاصل أنه لا إنكار في ترك المستحب، ولا إنكار في مختلف فيه ما لم يكن في ذلك ما يصادم نصاً من كتاب أو سنة أو إجماع منعقد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1425(5/730)
الاستعانة بالغير لإنكار المنكر لا يعد فضيحة لمرتكبه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا خادمة أندونيسية تكشف جزءا من يديها، أنصحها ولا تستجيب لي، هل يجوز أن أستعين بأمي لتنصحها أم يعتبر أني فضح؟ أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فستر غير الوجه والكفين من المرأة أمام الرجال الأجانب بالنسبة لها هو محل اتفاق بين أهل العلم، واختلف العلماء في وجوب ستر الوجه والكفين، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 4470 والفتوى رقم: 5224.
ونصحك لهذه الخادمة بأن تستر يديها هو من تغيير المنكر الذي أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وإذا لم تستجب الخادمة لما تأمرينها به، فلا بأس بأن تستعيني بأمك في نصحها أو بغير أمك، وليس ذلك من فضحها ولكنه من باب طلب الإعانة في تغيير المنكر، والله يعلم المفسد من المصلح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1425(5/731)
هل يجوز الانتقام من شخص ارتكب قبائح مع فتاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حدثت لي واقعة عصيبة لا تنسى من الذاكرة لقد كنت مع حبيبتي في خلوة فأنا أعرف أنه حرام، فلقد طغى علينا الحب حتى تهجم علينا شابان وفعلا بها ما فعلا أمام عيني ولقد عشت أياماً مريرة وأردت الانتقام فهل يجوز الانتقام، أفيدوني رعاكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأول ما نوصيك به في موضوعك هذا هو التوبة مما أقدمت عليه من الخلوة بالأجنبية، واعلم أن علمك بحرمة ما مارسته أبلغ في الإثم وأشد في التحريم مما لو كنت تجهل عدم إباحة ذلك، فبادر إلى التوبة والإقلاع عما فعلته، وبالندم عليه، والعزم أن لا تعود إليه.
ثم ما فعله الشابان أمام عينيك من الأفاعيل بتلك الفتاة رغم أنه في منتهى القبح والهمجية، فإنه لا يعطيك أي حق في الانتقام، وأقصى ما فيه أن عليك تغيير المنكر حسب طاقتك استجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
فانظر إلى المرتبة التي تستطيعها من التغيير والزمها، ولتكن نيتك في ذلك امتثال ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا باعث الانتقام، واعلم أن العلماء قد نصوا على أن من أراد أن يغير منكراً وعلم أن هذا التغيير سيترتب عليه ارتكاب منكر آخر أكبر منه، فإن عليه أن يقتصر على التغيير بالقلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(5/732)
موقف المسلم من صاحب البدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علينا عند التحذير من صاحب بدعة كالطواف على القبور أن نكن له الكره ونبدي العداوة والبغضاء عند التحذير منه، وهل هناك تفصيل في هذه المسألة؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام عى رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الطواف بالقبور شرك، لأن الطواف عبادة لله، وكل ما كان عبادة لله فإنّ صرفه لغير الله شرك، والواجب نصح من استدرجه الشيطان فطاف بالقبور، وإعلامه أن المقبور لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن أن يملك ذلك لغيره، وإنما النفع والضر بيد الله.
وإن كان مجاهراً بفعله، فالواجب تحذير الناس منه وإبطال مذهبه بالحجة والبرهان، ويجب أن يمتلئ القلب غيظاً وبغضاً إذا صرفت العبادة لغير الله، فهذا من الغيرة على دينه ومن الإنكار الواجب بالقلب، ولكن ينبغي أن يكون الحامل على نصح ذلك المبتدع وغيره الشفقة عليه، والغيرة على دين الله فذلك أحرى في استجابته ورجوعه عن غيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1425(5/733)
امتثال الأمر الشرعي والنهي عن المنكر كل مستقل بنفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في إمام مسجد يخطب في الناس يوم الجمعة ويمنعهم عن الفساد، واليوم رأيته في حفلة عرس في البلدة حفلة دجي ماهو الحكم في هذا وشكرا\".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في السؤال نوعا من الغموض يحتاج لتوضيح
وأما حضور الإمام لحفلة العرس فإن كان في الحفل بعض الأمور المحرمة كالموسيقى واختلاط الجنسين على الوضع الشائع الآن فإنه يجب على الإمام إنكار المنكر، فإن لم يستجب له وجب عليه البعد عن مشاهدة المنكر ومجالسة أهله وهذا هو هدي السلف.
فقد روى الإمام أحمد في الورع وابن أبي شيبة في المصنف أن أبا أيوب الأنصاري: حضر عرسا لسالم بن عبد الله بن عمر فرأى الجدران مستورة فأنكر عليهم وخرج، وقال: لا أطعم لكم طعاما ولا أدخل لكم بيتا.
وقد صرح الفقهاء بأن من أعذار التخلف عن الحضور للوليمة وجود منكر بها
ثم إنه يتعين على الأئمة أن يعملوا بما علموه وما يدعون إليه، إلا أنا ننبه إلى أن خطأ الإنسان لا يسوغ له عدم النهي عن المنكر؛ بل يجب عليه النهي عن الفساد لأن امتثال الأمر الشرعي والنهي عن المنكر كلاهما مطلب شرعي مستقل بنفسه، ويجب على حاضري الخطبة أن يحرصوا على الاستفادة منها ولا يصدهم عن ذلك كون الإمام غير معصوم، فقد استفاد أبو هريرة فضل آية الكرسي من الشيطان بعد ما شاهد منه الكذب والتلصص عدة مرات كما في حديث البخاري.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 28171، 9329، 26549، 37885.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(5/734)
يعظم الأجر بمقدار الصبر على أذى المعرضين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لدي إخوة وأخوات يصغرونني ولأني أختهم الكبرى فأنا أقوم على توجيههم
فمثلا\\\" أختي الصغرى البالغة أرادت أن تشتري فيديو ولكني منعتها من ذلك فأصرت وبكت كثيرا\\\" وقالت أي شيء أشغله في الفيديو ذنبه علي وأنت ما عليك شيء فوافقت على إحضاره ولكن أن لا تشغل فيه الأفلام والأغاني وبعد فترة قالت لي أنها ستسجل فيه أغاني أطفال من التلفزيون فرفضت وحصلت مشكلة فوافقت وقلت لها الذنب عليك وأنت حرة وبعدها بفترة قالت أنها ستشتري فلم أطفال فرفضت خصوصا\\\" أن هذا الفلم عن السحر والسحرة فأصبحت تدعو علي وتلعنني وتقول بأنني أظلمها فما رأيكم هل أتدخل أم أتركها وشأنها وأنصحها فقط ولتحضر ما تحضره ولو كان إثما\\\" ونفس الشيء حصل مع أخي الصغير بشأن البلاي ستيشن
أرجوكم دلوني وهل أنا ظالمة إن كنت ظالمة فلن أتدخل أبدا\\\" بعدها في شأن أي\\\" منهم ولو فعل حراما\\\" فقط سأنصحه. وشكرا\\\" لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت فيما قمت به وتقومين به من النصح لإخوتك ونهيهم عن المحرمات ومحاولة جذبهم إلى الهداية، وهذا واجبك كمسلمة وكأخت كبرى، فلا تملي من فعل الخير والدعوة إليه، وعليك بالدعاء لإخوتك بصلاح الحال والاستقامة، فإن الدعاء هو خير علاج. قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [سورة غافر: 60] . وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [سورة البقرة: 186] .
ثم عليك باللين في دعوة إخوتك، وفي أمرهم ونهيهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، واعلمي أن أجرك يزداد ويعظم بازدياد عتوهم وعصيانهم لك ونفورهم منك، فاصبري على أذاهم، ولا تصغي إلى ما يحملونك ويدعونه من ظلمك لهم، فإنه غير صحيح، بل هم المخطئون بما ارتكبوه من آثام، وبما ألحقوه بك من الأذى.
ونرجو الله أن يعينك ويهدي بك، إنه نعم المولى ونعم النصير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(5/735)
كيف تكونين سببا في صلاح زوجك
[السُّؤَالُ]
ـ[انا فتاة تزوجت في بلاد عربية وانتقلت للعيش مع زوجي في بريطانيا وهو رجل ذو خلق جيد وهادئ لايتكلم كثيرا مشكلتي ان زوجي ضعيف الإيمان لأنه أمام مغريات الدنيا ومهما فعلت لأقربه من الدين الإسلامي يبعده الشيطان بجلوسه على الإنترنت لساعات طويلة أو على التلفزيون فهل تستطيع مساعدتي بإعطائي مواقع إسلامية بلغة الإنجليزية وبماذا تنصحني.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجزيك خيرا على حرصك على هداية زوجك، ونسأله سبحانه أن يهدي قلبه إلى الإيمان.
ونوصيك بأن تسعي في إصلاح زوجك بشتى السبل الشرعية، ومن ذلك حسن معاشرته، والتزين له لتصرفي نظره وتشغلي وقته عن النظر في الحرام، وكذلك يمكنك إخبار من له تأثير عليه من عالم أو خطيب مسجد أو صديق ناصح ليساعد كلٌ منهم في الإصلاح حسب استطاعته، فإن تاب زوجك وأناب فالحمد لله، وإن أصر على ما هو عليه فاصبري وأكثري من الدعاء له واستمري في نصحه وتذكيره، واستغلي الأحداث العظيمة كموت قريب، أو عزيز أو أي حدث مؤثر، وذكري زوجك بأن الوقت نعمة سيسأل عنها أمام الله تعالى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ. رواه البخاري.
وراجعي لمزيد من الفائدة الفتاوى: 1568، 1886، 8254.
وبخصوص ما طلبت من الدلالة على بعض المواقع باللغة الإنجليزية فيمكن الحصول على ذلك من خلال دليلين للمواقع الإسلامية هما:
WWW.ISLAMWORLD.NET
WWW.SULTAN.ORG
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1425(5/736)
تنويع أساليب مناصحة من تقيم علاقة مع شاب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة تعرفت على شاب من خلال الإنترنت وهي أخبرتني بأن لا أخبر أمها بذلك وحلفتني أيضاً ثم تطور الأمر وكلمته بالهاتف هل أخبر أمها خوفاً عليها أم ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تسعي في إبعاد صديقتك عن اتباع خطوات الشيطان قبل أن تقع فيما لا يحمد عقباه، فإن التناصح بين المسلمين والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر محتم، قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر] ، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] ، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] ، وفي الحديث: الدين النصيحة. رواه مسلم.
فإن تيسر لك إقناعها دون إفشاء سرها فهذا هو الأفضل، فقد ثبت في الحديث: من سترمسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم.
واستعيني على إقناعها بما تيسر من الحوار والإقناع العاطفي والترغيب والترهيب وإعارة الأشرطة والكتب المفيدة وبمن يؤثر عليها من الصديقات الأخريات، فإن لم تعد إلى رشدها فيمكنك أن تكلمي الأم في أهمية حضانة البنت ومراقبة هاتفها وحاسوبها، وللمزيد من الفائدة في حكم التعارف عن طريق الإنترنت راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16509، 1932، 210، 1072، 44101.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(5/737)
متى يجب الحضور إلى وليمة العرس ومتى لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تريد حضور زواج أحد أقاربها الذي يحتوي على بعض المنكرات مثل الأغاني التي يصاحبها موسيقى وغيره من المنكرات
هل يجب علي منعها من حضور ذلك الزواج
هل علي إثم إذا سمحت لها بحضور ذلك الزواج
ما هو التصرف الصحيح في مثل هذه الحالات مع الزوجة التي تصر على حضور مثل هذه المناسبات
ماهي الضوابط الشرعية لتأد ية واجب الدعوة لمثل هذه المناسبات
هل يجب على الزوجة حضور هذه المناسبات فقط للتبريك ثم الخروج منها بسرعة أو يجب عدم الحضور أصلا
شكرا جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الحضور إلى مكان المنكر وإن لم يمكث فيه إلا لضرورة لما في الحضور من سوء الظن بالمدعو؛ إلا إذا كان سيحضر وينكر المنكر فيجب أن يحضر، ويجب على الزوج منع زوجته من حضور مثل هذه الأعراس، ويأثم بتفريطه في ذلك، فإن أصرت وخرجت فهي ناشز، وقد سبق كيفية التعامل مع الناشز في الفتوى رقم: 6939.
وأما ضوابط القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكثيرة، منها ضوابط ينبغي توافرها في القائم بهذا الواجب، ومنها ضوابط في أدب القيام بهذا الواجب، ومنها ضوابط في الأمر الذي يرادإنكاره، ويمكنك مراجعة الفتوى رقم: 17092 والفتوى رقم: 36372 ففيهما كفاية.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في تحفة المحتاج وهو يبين متى يجب الحضور إلى وليمة العرس ومتى لا يجوز: أَمَّا مُحرَّم ونحوه مما مر بغير محل حضوره كبيت آخر من الدار فلا يمنع الوجوب كما صرح به بعضهم: ويوافقه قول الحاوي إذا لم يشاهد الملاهي لم يضر سماعها كالتي بجواره، ونقله الأذرعي عن قضية كلام كثيرين منهم الشيخان، ثم نقل عن قضية كلام آخرين أنه لا فرق بين محل الحضور وسائر بيوت الدار واعتمده، فقال: المختار أنه لا تجب الإجابة بل لا تجوز لما في الحضور من سوء الظن بالمدعو وبه يفارق الجار، وفرق السبكي أيضا بأن في مفارقة داره ضرراً عليه ولا فعل منه، بخلاف هذا فإنه تعمد الحضور لمحل المعصية بلا ضرورة وما قالاه هو الوجه الذي لا يسوغ غيره، وبتسليم أن قضية كلام الأولين الحِلُّ يتعين حمله على ما إذا كان ثم عذر يمنع من كونه مقرا على المعصية من غير ضرورة (فإن كان) المنكر (يزول (بحضوره) لنحو علم وجاه (فليحضر) وجوبا على المنقول المعتمد ليحصل فرضي الإجابة وإزالة المنكر، ووجود من يزيله غيره لا يمنع الوجوب عليه، لأنه ليس للإزالةة فقط كما تقرر، ولو لم يعلم به إلا بعد حضوره نهاهم فإن عجز خرج، فإن عجز لنحو خوف قعد كارها ولا يجلس معهم إن أمكن. اهـ
وانظر الفتوى رقم: 39752
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1425(5/738)
المبادرة إلى الإنكار على مستمع الغناء مطلوبة شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[ثم أما بعد: فإن لي سؤال من فضلكم يتمثل في ما يلي: هل صحيح أنه لا يؤتى العاصي حين معصيته مثلا: أن يكون شخص يستمع للغناء فهل تنهاه وهو يستمع، أم بعد انتهائه من السماع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستماع إلى الغناء من الأمور المحرمة التي يجب على المسلم إنكارها حسب طاقته امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم وأصحاب السنن.
وتغيير المنكر داخل في الدعوة إلى الله تعالى، وقد بين الله تعالى أن الدعوة تكون بأقرب الطرق إلى الوصول إلى مقصد الداعي وهو ترك المنكر والرجوع إلى الحق، حيث قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] .
وعليه فمن رأى من يستمع إلى الغناء المحرم ونحوه من المنكرات فليبادر إلى إنكار ذلك المنكر ما لم يخش حصول منكر آخر مساو أو أعظم، وإن رأى أن المصلحة في تأخير الإنكار من مجلس إلى آخر فلا بأس بتأخيره، وللمزيد من الفائدة في هذا الموضوع يرجع إلى الفتوى رقم: 36372، وللتعرف على خطورة الاستماع إلى الغناء راجع الفتوى رقم: 5282.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1425(5/739)
التقصير ببعض الواجبات لا يسوغ ترك النهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي،
أنا فتاة أبلغ من العمر 34 سنة، وأختي 32 سنة. وقد توفي والدي منذ عدة سنوات، وأقوم أنا وأختي بإعالة والدتي وأخت لنا عمرها 20 سنة.. وأخ عمره حوالي 27 سنة ... حيث لا يقوم أخي بتقديم أي شيء للمنزل أو إعالتنا بأي شكل من الأشكال. بل يعيش معنا في منزل تستأجره والدتي ونحن نصرف على كامل احتياجات المنزل.
ويدعي أخي أنه قوام علينا، وأنه يأثم إذا لم يقم (بتأديبنا) على حد قوله - حيث أننا غير محجبات، وبعض لباسنا قد يكون سراويل ضيقة نوعا ما وقمصان بأكمام قصيرة ... علماً بأنه يصلي، ولكنه لا يصل الرحم ولا يزور الأقارب ووالدتي غاضبة عليه لعدم طاعته لها ... وارتفاع صوته في وجهها وغير ذلك.
راجية منكم تزويدي بحكم الشرع في مسألة القوامة علينا وإثمه.. هل يسقط بعد أن يقوم بنصحنا؟؟ أم هل يجب عليه إعالتنا والتكفل بنا مادياً ومعنوياً أولاً ومن ثم يقع عليه إثم لباسنا؟؟
.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائلة على اهتمامها بأمر عائلتها المحتاجة إلى من يصرف عليها ويقوم بشؤونها، ثم ننبهها إلى أن الحجاب فرضه الله تعالى على المرأة فلا يجوز لها خلعه ولا لبس الثياب القصيرة الأكمام، فالمرأة كلها عورة، فننصح أختنا السائلة أن تضم إلى ما تقوم به من عمل خير تجاه أمها وعائلتها حجابها والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الفتنة، كما ننبهها أيضا إلى أن عمل المرأة له ضوابط لا بد أن تتوفر فيه وإلا كان محرما، وتراجع لهذه الضوابط الفتوى رقم: 8360، والفتوى رقم: 3859، وكان الأجدر بهذا الأخ أن يتولى العمل وإعالة البيت –أمه وأخواته- حتى لا تضطر الأخوات إلى عمل قد يسبب لهن التعرض لما لا ينبغي، علما بأن نفقة والدته والقيام بما تحتاجه واجب عليه وعلى من كانت موسرة من أخواته، أما الأخوات فلا تجب عليه نفقتهن، إلا أن مقتضى الرجولة والمروءة يدعو إلى القيام بشؤون الأخوات، أما موقف هذا الأخ من تبرج أخواته فهو كموقف غيره من المسلمين عند رؤية المنكر وهو النهي عنه وتغييره حسب الاستطاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ولا فرق في وجوب النهي عن المنكر بين من كان قائما بواجباته الأخرى وبين من كان مقصرا فيها، فإذا قام هذا الأخ بنصحكن وتوجيهكن إلى الصواب حسب استطاعته برئت ذمته من ذلك.
وفي الأخير نوصي السائلة بتقوى الله عز وجل وبالتحلي بأخلاق المسلمات الفاضلات والتخلي عن أخلاق الفاسقات، كما نوصي الأخ بالقيام بكامل مسؤوليته وبر والدته والإحسان إليها وإلى أخواته، ولمزيد الفائدة في الموضوع تراجع الفتوى رقم: 6925.
والله أعلم. ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1425(5/740)
قيام العاصي التائب العاصي بالدعوة دليل صدق التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن اسألكم عن أمر شرعي فأفيدوني فيه بارك الله فيكم وهو
أنه إذا كان شاب مارس اللواط والزنا منذ صغره حتى بلغ سن 18 عاماً ثم تاب توبة نصوحاً ولم يعد إلى ذلك العمل وأصبح من رواد المساجد ومؤذناً في جامعته لعل الله يقبل توبة من غير رياء أو نفاق إن شاء الله فأراد أن يكمل توبته بإلقاء الدروس والخطب في جامع بلدته مع العلم بأن الدروس قد تكون عن المعاصي مثل التي كان يرتكبها فهو يخشى أن يلقي هذه الدروس خوفا من شيء هو لا يعلمه مع العلم بأنه لا يعرف عنه إلا كل خير ولا أحد أيضا يعر ف عن ماضيه فهل يقوم بإلقاء الدروس ويفقه الناس ويدلهم على الخير أم ماذا تقولون وكيف يزيد من توبته وإيمانه أجيبوني بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاللواط والزنا من عظائم الذنوب وكبائر الفواحش، وعلى من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله ويستغفره، وتوجه العبد للعمل الصالح بعد التوبة يعد دليلا على صدق التوبة وقبولها، ولا يجوز أن يجعل الشخص ماضيه المظلم مانعاً من الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل لو كان مستمراً في الذنوب والآثام إلى الآن فينبغي له أن ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف.
كيف وقد تاب إلى الله من ذلك وحسن حاله، فنقول لهذا الأخ: اعلم أن قيامك بالدعوة إلى الله يعد دليلاً على قبول التوبة بإذن الله، وهو من أعظم الأعمال الصالحة، لأن نفعها متعد إلى الآخرين، وراجع الفتاوى التالية: 28171 / 18206 / 18468.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(5/741)
تغيير المنكر يكون حسب الاستطاعة والإمكان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم لله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين
السؤال الأول
امرأة مسلمة ودائما هي متبرجة ولقد نصحتها فلم تسمع لنصيحتي فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تبرج النساء وكشفهن لما لا يجوز لهن أن يكشفن عنه من المنكرات التي يجب على من رآها تغييرها حسب استطاعته، فمن كانت له سلطة التغيير باليد، وجب عليه ذلك، ومن لم يمكنه ذلك وجب عليه النصح وتبيين الحكم الشرعي، وليكن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا لم يفد ذلك أوكان لا يستطيعه وجب عليه الإنكار بالقلب، وهذا لا يسقط بحال من الأحوال، ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكر فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
لذا، فعلى السائل أن يغير هذا المنكر حسب استطاعته وإمكاناته، بالنصح الدائم بالحكمة والكلمة الطيبة، وإذا كانت المرأة أجنبية عليه فليكن نصحه لها عبر امرأة من محارمه أو أحد محارمها هي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(5/742)
كف يد الظالم من النهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في المرحلة الإعدادية، لدي مشكلة في صفي هي أنه يوجد واحد شبه ملتزم حسن المظهر كل مرة يأتيه واحد من أصدقاء السوء ودائما يقول للملتزم كلمات بذيئة، ويفعل له حركات غير ملائمة، وصاحب السوء يتعب الملتزم بقوله سأفعل لك شيئا ثقيلا وأنا فكرت في أن أكلم صاحب السوء وأقول له بأن يتوقف عن هذه الحركات، فهل عندكم طريقة أكلم بها صاحب السوء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت إذ فكرت في تكليم من يؤذي من وصفته بالالتزام، وعليك أن تسعى في كفه عن ظلم صاحبه. ففي الصحيحين من حديث أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: يا رسول الله: أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره.
وأما الكيفية التي تكلمه بها فهي باستعمال الحكمة والموعظة الحسنة، ولين الجانب وعدم التعنيف ومراعاة الوقت والمكان المناسبين، وتذكيره بالآخرة ونحو ذلك مما يقتضيه الموقف الذي أنتم فيه..
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(5/743)
أبوها يصادق امرأة بغير علم أمها فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والدي رجل حاج منذ 13 سنة وقد عرفت في هذه الأيام أن له صديقة تكلمه على الجوال دائماً دون علم والدتي المتحجبة والصالحة، لم أشأ إخبارها بالحقيقة خوفاً على مشاعرها الحساسة، هل أواجه أبي بذنبه وأحاول إصلاح الوضع أو أخبر والدتي، ما حكم الدين في هذا، مع العلم بأن والدي غير مقصر في تلبية حاجياتنا؟ وجزاكم الله خيراً، مدوني بمساعدتكم لأنني حائرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أن تصرحي لأحد بما رأيت من أبيك ولو إلى أمك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري.
لكن يجب عليك المبادرة إلى نصحه وتخويفه عقاب الله تعالى إذا هو لم يتب إلى ربه من هذه المعصية، وذلك لأن هذا من النصح له والنصرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم، وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
قال ابن حجر في الفتح نقلاً عن البيهقي: معناه أن الظالم مظلوم في نفسه فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حساً ومعنى.
لكن عليك بالرفق واللين في مخاطبته، وذلك لمكان أبوته، فإذا رأيت أن هذا أفاد معه فبها ونعمت، وإلا فلا مانع أن تهدديه بأنك ستطلعين أمك على الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(5/744)
تغيير المنكر باللسان ليس من النميمة
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على صديقة في مثل سني ولكنها خفيفة نوعا ما من حيث الطبع. حيث إنها لديها صديقات السوء اللاتي يصاحبن الكثير من بنات السوء والرجال كذلك ونبهتها كم من مرة لكن دون جدوى، فبعد أيام أصبحت صديقاتها تأتي للمحل الذي أعمل فيه وتعطي مواعيد لأصدقاء زميلاتها من الرجال ويحكين بالهاتف عدة مرات ويأتي صديق زميلتها ويحكي معها. فلم أتمالك نفسي لأني ليس من هذا الطبع فقلت لها ونبهتها على الفعل الذي تفعله ولم تسمع لكلامي وبقيت على حالها وخفت على سمعة المحل قلت لصاحب المحل فطردها وزعلت صديقتها مني فخرجت من العمل لأنها مثل صديقتها.
هل يعتبر ما فعلت أنا أي قولي لصاحب المحل نميمة أم لا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت قمت بنصح هذه الصديقة وتنبيهها على حرمة ما تقوم به ولم تستجب بل زادت من غيها ومنكرها وحولت مكان العمل إلى مكان لتلاقي السفهاء لارتكاب معاصيهم، فإن كان هذا هو واقع الحال فلا شك أن إبلاغك لصاحب المحل بما يجري هو الصواب، إذ لا سبيل إلى تغيير هذا المنكر إلا بهذه الوسيلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه..
كما أن فيه نصحاً لصاحب المحل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(5/745)
المنكر يجب تغييره حسب الاستطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[- ماذا تفعل إذا وجدت أختك مع شخص غريب في مكان
منعزل وهما يتحدثان ويقبلان بعضهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
2- والواجب على من رأى منكرا تغيير ما يستطيع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ولا شك أن ما قامت به أختك منكر يجب تغييره واتخاذ الوسائل اللازمة لمنعها من العودة مرة أخرى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1425(5/746)
بين نصح الأخ لأخواته المتفلتات ومعارضة الوالد
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب ينصح أخواته (بنات) بعدم المعاكسات والاتصال بالشباب لكن يتعرض له والده وبعد ذلك يرفع صوته في وجه أبيه من القهر، للعلم بأنه يحب أهله جميعا ولكن أسلوب أبيه يجعله يفعل ذلك فما الحكم في ذلك أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يقوم به هذا الشاب من نصح أخواته ومنعهن من الاتصال على الشباب وربط علاقة معهم أمر حسن، وهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونوصيه بالمواصلة، فإن كانت أخواته يفعلن ذلك فعليه الأخذ على أيديهن بقدر ما يستطيع، ولا يلتفت لنهي والده له عن ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن ينبغي له أن يضبط نفسه ولا يرفع صوته على والده حتى لا يقع في العقوق، ولو صدر منه أحياناً رفع صوت دون قصد منه نتيجة ما يدور بينه وبين والده حول هذا الموضوع، فنسأل الله جل وعلا ألا يؤاخذه على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(5/747)
النهي عن المنكر واجب على المكلف صغيرا أو كبيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[إن لي أختاً في العشرينيات مسلمة، ولكن تشاهد الأغاني والمسلسلات، ولي أخ صغير في الثامنة عشرة يجبرها على ترك المشاهدة بحجة إنكار المنكر، فهل يجوز له ذلك على الرغم من أنه أصغر منها، وربما هذا يقلل من احترامه لها وما موقفي من الاثنين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن الاستماع للأغاني ومشاهدة المسلسلات التي قلما تخلو من منكرات، أمر محرم شرعاً، وقد سبق بيان حكم كل منهما في الفتوى رقم: 5282، والفتوى رقم: 1791.
وأما قيام هذا الأخ بالإنكار على أخته فهو قيام بواجب شرعي، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا شك أنه ينبغي أن يكون ذلك بالرفق واللين، ولا يلجأ إلى غيره ما دام مجدياً، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله. رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.
فإن لم ينفع الرفق ينتقل إلى الزجر والشدة، بل ويجوز الهجر إذا غلب على الظن نفعه، وتراجع في هذا الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18611، 29770، 35221.
وأما كونه أصغر منها سناً فلا يعني أن لا يقوم بهذا الواجب لأنه مكلف به شرعاً، وأما موقف الأخت السائلة فهو أن تنصر أخاها وأن تكون عوناً له فيما يقوم به، وأن تنصحه إذا أفرط في ذلك، وأن تنصر أختها بنصحها بترك ما تفعل من منكرات، وراجعي الفتوى رقم: 9647.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1425(5/748)
الصدع بكلمة الحق هل هو إلقاء بالنفس إلى التهلكة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة بكالوريوس هندسة والحمد لله رب العالمين ... أتضايق جداً لما أراه يحدث للفتيات المنقبات والشباب الملتحي الذين أنعم الله عليهم وعليّ بالإيمان والهداية والحمد لله رب العالمين، ونحسبهم على كل الخير ولا نزكي على الله أحدا، على بوابات الكلية من تفتيش دقيق وأخذ ما معهم من كتب أو شرائط ومصادرتها وسماعها ثم إعادتها لهم مرة أخرى، رغم أنه والله نجد شاباً يدخل الكلية بالشورت وشعره على كتفيه وفتاة لا تلتزم بآداب اللباس ولا يعترض عليهم أحد على الإطلاق.. وأخذت مني موظفة الأمن كتابين وتدعي أنها تحبني وتتمنى أن تقرأهما، ثم سمعت بعض آرائي فأخبرتني بأنها ستأخذني لرجل سيقنعني بأن النقاب ليس فرضاً، وكان هذا الموضوع أحد الموضوعات التي ذكرتها سريعاً وكان هذا الرجل هو قائد الحرس وأخذت تخبره بكل كلمة دقيقة قلتها وهذا بمكر شديد لأنهم يخادعون ليعرفوا تفكيري 00 فعرضت رأيي بأننا لو حكمنا بشرع الله سننتصر ولن نذل أو نهان أبداً وأن حكمنا بالقانون الفرنسي لا يصح....... وطبعاً كلامي هذا لن يمر مرور الكرام ولكنهم كانوا يقولون كلاماً غريباً، وكنت أدافع عن ديني حتى ولو كانوا يخدعونني، ولكنني لم أستطع أن أسمع كلاماً يدل على أن الإسلام لا ينفع وأسكت.... فالناس يحذرونني بشدة من أن أفعل هذا ثانية فأنا بهذا ألقي بنفسي في التهلكة لأنني لي آرائي السياسية التي أعرضها بصراحة أحياناً على النت وهكذا..... ولكنني غضبت للدين والغضب للدين مطلوب ... أليس كذلك؟؟؟ فهل أصمت بعد هذا أم أدافع ولا أخاف في الله لومة لائم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وأعتذر بشدة عن الإطالة وجزاكم الله كل الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تخشين على نفسك الضرر بالقتل أو غيره فلا يلزمك أن تعرضي نفسك لذلك، واطرحي ما عندك من الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وإن واجهت هؤلاء بالتصريح بالحق وهيأت نفسك لما قد يلحقك من أذى فلا حرج عليك، ولا يعتبر هذا إلقاء بالنفس إلى التهلكة، فقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند إمام جائر. رواه أحمد وغيره، ولكن الذي ننصحك به هو الصبر والدعوة بالرفق والحكمة، والباطل ينتعش فترة فإذا جاء الحق زهق الباطل واختفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(5/749)
ما يفعله من رأى منكرا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من يرى منكراً ولا يغيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم في وجوب تغيير المنكر وهو من فروض الكفاية وقد يتعين، قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو.
وجدير بالذكر هنا أن تغيير المنكر له مراتب أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وذكر أهل العلم أن من شروط الناهي العلم بما يأمر به وينهى عنه وذلك يختلف باختلاف المنهي عنه، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام ونحوها، فعموم المسلمين يعلمونها فهم مشتركون في وجوب الإنكار، وإن كان المنهي عنه من دقائق الأفعال والأقوال فليس أمره للعوام وإنما هو لأهل العلم، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 17062، والفتوى رقم: 18122.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1424(5/750)
نصح أصحاب المنكر أو الانتهاء عن مجالستهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحيانا" لا أستطيع إنكار المنكر مع أنني أعمل جاهدة من أجل ذلك، فأنا أنكره كلما سنحت الفرصة وأنكره بقلبي حينما أجد مشقة في إنكاره خصوصا" أنني أعيش في وسط تكثر أخطاؤه ففي المجلس الواحد تصدر منهم أخطاء فأستحي أن أنكر كل عشر دقائق على أحدهم وهم للأسف أشعر بأنهم لا يستسيغون النصح أرجو ألا تطلب مني عدم مجالستهم فهم قريبون مني جدا" ويصعب الفرار منهم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الحقوق الواجبة لكل مسلم على أخيه المسلم، لما أخرج مسلم في صحيحه عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وهذا بحسب الحال، وانظري الفتوى رقم: 29987
وعلى هذا فالذي نقوله لهذه السائلة: إياك والتهاون في نصح أقربائك هؤلاء وإرشادهم إلى الحق، فإن قبلوا فهذا ما نرجو، وإن أصروا على معصيتهم فلا تجالسيهم ما داموا على تلك الحال، وليس في ذلك هجر وقطع للرحم، وانظري الفتوى رقم: 24833 وهذا ما لم تترتب على عدم مجالستك إياهم مفسدة أعظم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1424(5/751)
نصح الأهل بشأن النمص واجب حسب القدرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الأخذ من شعر الحاجب للنساء لأن هذا الأمر قد انتشر ويؤخذ بمقص خاص لهذا الأمر، وإن كان لا يجوز فما نصيحتكم لمن ينهى من هم في ولايته ولا يستجيبون له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسبق بيان حكم الأخذ من الحاجب في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15214، 1437، 1007.
وعلى المسلم نصح أهله وزجرهم عن المنكر، فإن لم يستجيبوا لنصحه وقدر على تغيير المنكر بيده ولم تترتب على ذلك مفسدة، وجب عليه التغيير، وانظر الفتوى رقم: 26058.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1424(5/752)
الإنكار على الكاذب ونصحه
[السُّؤَالُ]
ـ[خالتي في مقام أمي، تكذب في حديثها معي، هل أواجهها أم أبلع الكذبة وأستغفر الله لي ولها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكذب حرام، كما هو مبين في الفتوى رقم: 3809، والفتوى رقم: 26391.
ومن علم أن شخصاً يكذب فإن عليه أن ينصحه بترك الكذب، ويذكره بالله وعذابه ما لم يؤد إنكاره عليه إلى منكر أكبر، وإذا كان لا يستطيع ذلك بصفة مباشرة فيمكن أن يكون ذلك بإهداء شريط أو كتيب يتحدث عن الموضوع، ونحو ذلك من الوسائل غير المباشرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(5/753)
تدرج في تقويم اعوجاج الفتيان والفتيات
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت فتاة لمدة 3 سنوات وكنت سأصارحها، ولكن في هذا اليوم اكتشفت أنها على علاقة مع شاب آخر،
وكنت قد قطعت عهدا على نفسي (حلفت يميناً) أني إذا لم أرتبط بها فسوف أخبر والديها بأنها على علاقة مع شاب آخر عن طريق الاتصال بهم، ولن أكف عن الاتصال حتى يجبر ابنته على التدين؟ سؤالي هو: هل هذا جائز أم لا؟
ملاحظة: ليس فقط هي بل كل من له علاقة مع أي فتاة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن المصادقة بين الشباب والشابات أمر محرم لما تفضي إليه من الفجور والفساد، وقد تقدم الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 10271، والفتوى رقم: 11945، وراجع أيضاً الفتوى رقم: 13147.
إذا علم ذلك، فإن المنكر يجب إنكاره، كما قال الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ولكن ابدأ بنصح هؤلاء الشباب إما مباشرة أو بواسطة الكتيبات والأشرطة، فإن لم يستجيبوا وكان إخبار أهاليهم سيمنعهم ولا تترتب على ذلك مفسدة أكبر، فلا بأس في إخبار أهاليهم بذلك، لكننا نذكرك بأن يكون عملك خالصاً لوجه الله وليس انتقاماً من أحدهم.
وأما الفتيات فننصحك بالإعراض عنهن، وعدم الانشغال بمتابعة أخبارهن لما في ذلك من الفتنة والشر، ومن علمت أنها تسير في طريق الانحراف فابحث لها عن امرأة صالحة تذكرها وتعينها، فذلك خير لك وأولى من مباشرتها بالنصيحة.
وأما عن اليمين التي حلفتها فكفِّر عنها كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإذا لم تستطع فلتصم ثلاثة أيام.
وننبهك إلى أن التدين لا يكون عن إكراه وإجبار وإنما هو اختيار ورضا، نعم على الوالد أن يجبر ابنته على فعل الواجبات وترك المحرمات، ولكنها لا تؤجر على ذلك ما لم يكن عملها خالصاً لوجه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(5/754)
موقف الشرع من سرقة الخمر والمعازف لإتلافها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم:
هل تجوز سرقة الحرام (الخمر والمعازف) دون علم صاحب المحل بحجة إتلافه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم سرقة الخمر أو المعازف بحجة قصد إتلافها، وذلك لأن الإنكار باليد مِنْ شأن مَنْ له ولاية، لأن إنكاره باليد يتحقق به المقصود، وإنكار غيره باليد يغلب أن تترتب عليه مفسدة أعظم، ثم إن المسلم إذا أقدم على ذلك قد يؤدي إلى اتهامه في دينه، والواجب على المسلم الذي ليست له سلطة هو القيام بالإنكار باللسان إذا قدر على ذلك، فإن عجز فالواجب عليه الإنكار بقلبه، روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1424(5/755)
حكم استخدام برامج السطوعلى البريد الإلكتروني في تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في (نت كافيه) ومعي بعض برامج السطو على البريد، فهل يصح لي استخدامها في تغيير المنكر بمعنى آخر أخذ وسرقة كلمة المرور من أصدقائي وتغييرها وذلك لمنعهم من محادثة البنات عبر الشات، ولأن العلاقة تتطور في ما بعد ذلك، ويعلم الله أنه سوف يكون ذلك في سبيله؟ وفقكم الله وهداكم وسدد خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل في هذا العمل أنه لا يجوز، لما فيه من التجسس والإساءة إلى الآخرين والاطلاع على أسرارهم وخصوصياتهم، ولكن إذا كنت تعلم بدون تجسس أن شخصاً بعينه يستخدم الشات في الحرام، فلا بأس عليك في الإفساد عليه لئلا يفعل هذا الحرام، لأن ذلك من النهي عن المنكر باليد، وهذا بشرط ألا يترتب على فعل التغيير منكر أعظم، قال النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه مسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وينبغي عليك أيضاً أن تذكر أصدقاءك هؤلاء بالله واليوم الآخر والوقوف بين يدي الله، وإعداد الجواب لذلك الموقف العظيم، وإن استطعت أن تهدي لهم كتباً أو أشرطة عن ذلك أو تصطحبهم معك إلى محاضرة أو خطبة أو موعظة، فافعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(5/756)
ينبغي على شاربي الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يصلي إلا الجمعة هل يعد كافراً وما رأي ابن تيمية في ذلك؟ وجزاكم الله ألف خير.
ما حكم من ينصح الآخرين بترك ذنب وهو يعمله ويعرف أنه حرام ولكن لا يقدر على فراقه، هل يعتبر من الذين إذا خلوا إلى محارم الله انتهكوها؟ هل إطلاق البصر إلى ما حرم الله كبيرة من الكبائر؟ وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان مقصود السائل أن هذا الشخص يصلي الصلوات الخمس ويترك الجمعة، فإنه قد سبق الكلام على ترك الجمعة في الفتوى رقم:
18105، والفتوى رقم: 31502.
وإن كان يعني عكس ذلك، أي أنه لا يصلي إلا الجمعة فهذا تارك للصلاة، وقد تقدم بيان حكمه في الفتوى رقم: 17277، وفيها الجواب عن اختيار شيخ الإسلام في تارك الصلاة.
وأما من ينهي الناس عن المنكر ولا ينتهي عنه، فقد أحسن من جهة قيامه بمهمة النهي عن المنكر، فقد صرح أهل العلم أن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تسقط بعدم امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لأن العبد مكلف بالعمل بالأوامر والدعوة إليها والبعد عن المناهي ونهي الناس عنها، وقد صرحوا كذلك بوجوب نهي العصاة عن المنكر ولو كان الناهي مشاركاً لهم في الحال، فقالوا يجب على الجالسين على مائدة الخمر أن ينهى كل واحد منهم صاحبه، وقالوا: يجب على الواقع في الفاحشة أن يأمر المرأة بالحجاب.
ثم إن عليه أن يجاهد نفسه في العمل بما يدعو إليه والبعد عما ينهى عنه، تأسياً بنبي الله شعيب الذي قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88] .
وعليه أن يستعين على ذلك بكثرة المطالعة في الترغيب والترهيب، ومجالسة أهل الخير وصحبتهم، وسماع القرآن والأشرطة النافعة، والارتباط بالمساجد ومجالس العلم، والبعد عن أجواء الرذيلة، وشحنه وقته وطاقاته ببرامج نافعة من حفظ القرآن والحديث وتعلم أحكام الدين، وما تيسر من العلوم المساعدة واللغات المهمة، والرياضة وخدمة المسلمين، وراجع للزيادة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26549، 29331، 9329، وراجع في إطلاق النظر الفتوى رقم:
29324.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1424(5/757)
أنت بهذا العمل مأجور مثاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب دائما ما أعلق على كل شيء غير شرعي تمارسه الممرضات العاملات لدينا فهل علي أي وزر؟ وهل يجوز لي شرعا عمل هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما تقوم به أيها الأخ الكريم هو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وهو واجب على المستطيع، وفي الصحيح: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
وأنت بهذا العمل مأجور مثاب إن شاء الله تعالى، وليكن أسلوبك في النصح هو اللين والحكمة، فإن اللين ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، واستعن بالكتيبات والأشرطة التي تحذر من هذه المخالفات فقم بإهدائها لهؤلاء الممرضات، عسى الله عز وجل أن يصلح أحوالهن ويهديهن سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(5/758)
وسائل ومراتب وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- ما هي الوسائل المعينة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
- كيف تنكر في الحالات التالية:
1/ إذا كنت ذاهباً إلى الصلاة ولم يكن لديك وقت ورأيت منكرا فماذا تفعل؟
2/ إذا ركبت في سيارة أجرة وتعلم أنك سوف تنزل بعد قليل (كدقيقة أو دقيقتين) فكيف تنكر المنكر كالأغاني وغير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوسائل المعينة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة، منها: الصبر والتسلح بالعلم، والتشويق إلى ما أعد الله لعباده المتقين، والتنفير مما أوعد به العصاة والمذنبين، ومنها: الزيارات وطلاقا الوجه، ومنها: إهداء الأشرطة والكتب الدينية، ومنها: الاستعانة بالخير. وقد جاء كل ذلك ملخصا في أبلغ عبارة. قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] .
ومن الوسائل المعينة عليه كذلك: الدعوة السلوكية، أي أن يكون الآمر بالمعروف متحليًّا ومتخلقًا بما يأمر به. قال أحد العلماء: كلام القلب يقرع القلب، وكلام اللسان يضرب الآذان صفحًا.
وعن سؤالك الثاني فإن تغيير المنكر له ثلاث مراتب، هي: التغيير باليد لمن كانت له القدرة على ذلك، ثم التغيير باللسان، فإن عجز عنهما معًا، وجب الإنكار بالقلب. والأصل في ذلك ما رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ رأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَم يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ.
وقد حدد العلماء لوجوب النهي عن المنكر شروطًا، هي:
- كونه مما علم نهي الشارع عنه.
- كونه قائمًا في الحال.
- كونه ظاهرًا من غير تجسس.
- أن لا يكون من المسائل المختلف فيها اختلافًا معتبرًا سائغًا.
انظر في ذلك رسالة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في حفظ الأمة"، تأليف د. عبد العزيز بن أحمد المسعودي (1/211) .
فإذا توفرت فيك هذه الشروط، وكنت ممن يلزمه تغيير المنكر باليد أو اللسان، وكان الموضوع مخشي الفوات، وكان في فواته ضرر، وجبت عليك المبادرة إلى تغييره؛ لأن القاعدة: أن الفروض إذا تزاحمت قدم الذين يخشى فواته. قال الشيخ خليل: وقدم فرض خيف فواته.
وإذا انتفى شيء من ذلك، كان الأولى المبادرة إلى الصلاة؛ لأنه في حال عدم توفر شروط التغيير يسقط الوجوب. وإذا كنت ممن يلزمه التغيير بالقلب فقط، فإن ذلك لا يحتاج إلى وقت، فلا يتنافى إذن مع المبادرة إلى الصلاة. وإن كان الموضوع غير مخشي الفوات أو لم يكن في فواته ضرر، فالبداءة بالصلاة في كل ذلك أولى، لما روى الشيخان والترمذي والنسائي والدارمي وأحمد، عن أبي عمرو الشيباني، قال: حَدّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدّارِ - وَأَشَارَ إلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ - قَالَ: سَأَلْتُ النبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيّ الْعَمَلِ أَحَبّ إلَى اللهِ تَعَالَى؟ قَالَ: الصّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا. قال: ثُمَّ أيُّ؟.... الحديث.
ثم إن الشطر الثاني من سؤالك الثاني لا يخرج عمَّا ذكرناه؛ لأنك إذا كنت قادرًا على تغيير المنكر وجب عليك تغييره ولو كلفك ذلك مواصلة الرحلة أكثر من الوقت الذي حددته، وإن كنت عاجزًا عنه سقط عنك. قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1424(5/759)
حكم نصح فتاة لأستاذها عبر الإيميل
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك دكتور يدرسني وهو غير ملتزم، هل يجوز أن أرسل إليه عبر الإيميل نصائح دينية دون أن أذكر اسمي علما بأني فتاة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق حكم الدراسة في الأماكن المختلطة في الفتوى رقم: 5310 فراجعيها.
ثم ما سألت عنه من إرادة النصح لهذا الأستاذ، الأصل أنه مطلوب ما لم يؤدِّ إلى فتنة أو فساد، وهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] . وروى مسلم والنسائي وأبو داود وأحمد من حديث تميم الداري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة.
أما إذا كان يؤدي إلى الفساد فإنه لا يجوز لك؛ لأن اجتناب المنهيات مقدم على امتثال الأوامر. روى الشيخان والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبُوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتوا منه ما استطعتُم.
وليس من الضروري ذكر اسمك في الرسالة، بل إن عدم ذكره قد يكون أولى من ذكره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(5/760)
اللقاءات الآثمة بين الرجال والنساء منكر تنبغي إزالته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل موظف أمن داخل عمارة، ويتردد على المكان السكان العرب، ويجيئون معهم بالبنات، وهم إن أنزلتهم يعطونني الفلوس لأستر أمرهم، وإن منعتهم لا يعطوني أي شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سماحك للرجال والنساء باللقاءات الآثمة في العمارة المذكورة حرام وأخذ الفلوس على ذلك حرام ثانٍ. وهو تعاون مع العصاة على المعصية، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] .
وعليه فالواجب عليك أن تتوب إلى الله مما مضى مع الندم والعزم على ألاَّ تعود لمثله، وأن تنهى عن المنكر وتغيره ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. وأنفع ذلك أن تبلغ مالك العمارة والجهات الرسمية بحقيقة ما يجري.
روى مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1424(5/761)
من شروط تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله.
اعتاد الناس في بلدي على إقامة ما يسمى بالمولد النبوي كل مساء يوم خميس وفي مناسبات أخرى. في هذا المولد يقرءون في كتاب (المولد النبوي) للديبعي، حيث يصلون على النبي عليه الصلاة والسلام ويذكرون خصاله الحميدة وشيئًا من سيرته العطرة ويوردون روايات من سيرته ربما قد اختلف في صحتها جمهور المسلمين واعتبروها من الإسرائيليات. بعض الشباب الإسلامي يعترض بشده على إقامة هذه الموالد ويعتبرها بدعه، وقد وصل الأمر بين الشباب الرافض والآباء والأجداد الذين يقيمون هذه الموالد إلى حد الاشتباك وربما الشتم.
سؤالي: هل هذه الموالد جائزة، أقصد مباحة أم أنها بدعة ممنوعة. أفيدونا جزاكم الله خيرًا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاحتفال بالمولد النبوي من البدع التي انتشرت في كثير من بلاد المسلمين، وإنا الله وإنا إليه راجعون. وقد بينا حكمه في الفتوى: 1888 والفتوى رقم: 18765.
لكن إنكار البدع أو غيرها من المنكرات يجب أن يكون بحكمة ورفق، فتغيير المنكر بالاشتباك أو بالشتم لا يخفى أنه قد يجر إلى ما هو أعظم بكثير من الاحتفال بالمولد. ومن شروط تغيير المنكر ألاَّ يجر إلى ما هو أعظم منه. بالإضافة إلى أن الأباء والأجداد يجب برهم والإحسان إليهم وخطابهم بالقول اللين، أما الاشتباك معهم أو تبادل الشتائم فهو من العقوق الذي هو من أكبر الكبائر عند الله تعالى، لذا فإنا ننصح من يحتفل بالمولد النبوي بأن يكف عنه وأن يبدله بما هو أنفع له من اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والطاعة له والتمسك بهديه، وأن يسمعوا الحق ويقبلوه ممن أتى به ولو كان صغيرًا، كما ننصح الشباب بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يعلموا أن لإنكار المنكر شروطًا لا بد من الأخذ بها حتى يؤتي أكله وتظهر ثمرته. نسأل الله تعالى التوفيق للجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(5/762)
تغيير المنكر واجب حسب الاستطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة مختلطة، بها نساء ورجال كثيرون، منهم الصالح ومنهم من هو دون ذلك، والحمد لله من على الله بعدم مصافحة النساء أسوة بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهم يعلمون ذلك عني جميعا، لكن أحيانا يحدث أن تأتي إحداهن لتنبيهي من خلفي فتخبط خبطة أو خبطتين على كتفي، وأعلم أن هذا حرام وأنكره بقلبي، ولكن لأني أعلم أن هذه الفتاة ممن يعملون ذلك لا تتعامل معي إلا نادراً جداً فلم أكلمها ولم أنصحها حقيقة خوفاُ من إحراجها وسط الوقوف، فهل آثم بذلك؟ وأحياناً أخرى يقتربون مني جداً وأنا جالس على مكتبي، فهل أقوم أم ماذا أفعل؟ وإذا كان علي أن أكلمهم في هذا الأمر فماذا أقول؟ علماً بأن هذا الأمر منتشر ولا يعدونه محرماً ولا حتى عيباً في هذه الشركة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اختلاط الرجال والنساء على النحو الشائع اليوم والذي ذكرت أمر محرم يجب تجنبه، لأنه باب من أبواب الفساد والفتنة، فيجب على المسلمين سده، وقد سبق حكمه في الفتوى رقم: 9855.
وعليه، فأي مكان يوجد فيه هذا الاختلاط لا يجوز للمسلم العمل فيه، ولو كان هو غير مختلط ولا يصافح النساء، ولا ينظر إليهن، ولا يختلي بهن، وذلك لأن المسلم مطلوب منه إنكار المنكر وتغييره حسب استطاعته، فإذا لم يستطع تغييره، فلا أقل من أن يترك مكانه ويهجره، وخصوصا إذا لم يكن عند الشخص قوة إيمانية وجرأة دعوية يستطيع بهما إنكار ما يشاهد من المنكر ونصح الناس وإرشادهم.
أما الذي يسكت على المنكر أو يقره ولو في نفسه، فلا يجوز له العمل في هذه الأماكن، ويأثم إن لم ينكر ما يشاهده منها، وأولى إن كان يسكت عليه كمس النساء له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(5/763)
من كانت لديه قدرة على تغيير المنكر ما ليس لدى غيره وجب عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي لا يصلي فهل أنا سوف أحاسب على أنني لم أنصحه بالصلاة معتمدا على والدي أرجو الاستفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنصيحة وإنكار المنكر فرضا كفاية، إذا قام بهما البعض سقط الإثم عن الآخرين، وعليه فإذا كان أبوك قد قام بواجب النصح لأخيك، وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، ولم يستجب له، فلا إثم عليك إلا إذا كان لك من القدرة على أخيك ما ليس لأبيك، بحيث يمكنك أن تلزمه بالصلاة ولم تفعل، فإنك آثم؛ لأن المنكر في هذه الحالة لا يزول إلا بك.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 11160
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(5/764)
نزع الصور عن الحائط أمر مطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في أنني قد رفعت صورتي أنا وزوجتي عن حائط في شقة والدها دون رضاهم وطبعا أهلها غير موفقين..
هذا لأن هذه الصورة لي ولزوجتي أيام الخطبة وقبل ‘التزامنا لطريق الحق وللعلم أيضا فإن زوجتي الآن منتقبة وكانت عندئذ سافرة فهل يجوز ما عملت لأنني لا أحب أن ترى زوجتي عندما كانت سافرة؟
أجيبوني عن هذا خاصة أنه حدث في بيت والد زوجتي الذي ليس لي حكم عليه ولا على البيت وهم يعلمون كراهيتي لوضع الصورة ومع ذلك غير راضين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد أحسن الأخ السائل في نزعه لهذه الصورة، وعليه أن يجتهد في محاولة إقناع أهل زوجته بصحة ما فعله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة.
إضافة إلى ذلك، فإنه قد يرى هذه الصورة من لا تحل له رؤية المرأة وهذا محرم. وربما تسبب وجود هذه الصورة في أذية المرأة من قبل بعض من يريدها أن ترجع إلى ما كانت عليه من السفور.
والحاصل أنه لا إثم على هذا الزوج في ما فعل، بل إن ما فعله أمر مطلوب منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1424(5/765)
يتأكد إنكار المنكر في حق أهل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يضغط الأزهر الشريف على الدولة لكي تمنع بؤر الفساد المسماة "الملاهي الليلية"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الملاهي الليلية المشتملة على الاختلاط أو كشف العورات أو استماع المعازف واللهو الباطل، لا تجوز إقامتها، ولا حضورها، بل يجب إنكارها، والتحذير والتنفير منها، ويتأكد هذا في حق أهل العلم من المنتسبين إلى الأزهر وغيره. ووجود المنكر في بلد من البلدان لا يعني تقصير علمائه في البيان والإنكار، فقد يكونون أنكروا ولم يستجب لإنكارهم. وينبغي إحسان الظن بأهل العلم والفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(5/766)
الداعي إلى الضلال تضاعف عقوبته
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
كيف يحاسب ربي أطفال المسحيين واليهود وكافة الأديان من غير المسلمين وكذلك الذين لم تصلهم الدعوة الإسلامية أو غرر بهم من قبل علماء أديانهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تفصيل الحكم الشرعي بالنسبة لمصير أطفال المسيحيين واليهود وغيرهم من أمم الكفر قد مر في الفتوى رقم: 28581.
كما أن الحكم الشرعي بالنسبة لمن لم تصله الدعوة الإسلامية قد ذكر في الفتوى رقم: 3191.
أما من وقع في الضلال بسبب دعوة غيره له، فإنه يلقى عقوبة ما وقع فيه من ضلال مع مضاعفة العقوبة على من أضله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا. وفي تفسير ابن كثير قال تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ [العنكبوت:13] .
قال مجاهد: يحملون أثقالهم: ذنوبهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئًا. انتهى كلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(5/767)
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى
في الحقيقة أدرس بفرنسا، وما يحدث هو أنني كلما رأيت كافرا أو مسلما عاصيا لله أحسست بالذنب، فأظن أن من واجبي نصحهم كلهم، وهذا طبعا مستحيل، فأعاني من إحساس بالتقصير لأنني أيضا كنت مقصرا، والحمد لله اهتديت لأنني عرفت فأظن أن من واجبي تعريفهم، هل أحاسيسي في محلها وما العمل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إحساسك بالتقصير يدل على اهتمامك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فجزاك الله خيراً وزادك الله حرصاً.
وحاول أن تبذل وسعك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب استطاعتك ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
كما ننصحك بالإسراع بإتمام الدراسة وترك بلاد الكفر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تراءى نارهما. حديث حسن رواه أبو داود والترمذي والضياء عن جرير.
ومعنى لا تراءى نارهما، أن المسلم يبتعد عن المشركين ما استطاع، بحيث لو أوقد المشرك ناراً في الليل لم يرها المسلم، ولو أوقد المسلم ناراً في الليل لم يرها المشرك، وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1424(5/768)
واجب العلماء البيان، وقد بينوا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشهادات التي يعلن عنها في الجرائد وأجهزة الإعلام ذات الجوائز المرتفعة للآلاف والمليون والمسابقات بالهاتف هل هي حلال أم حرام مثل الربا؟ وإن كانت حراما لماذا يصرون للإعلان عنها وهم في دولة إسلامية أين علماء المسلمين أرجوكم الإفادة ولكم كل الخير من الله ونحن نشتكي إلى الله مما نراه في وسائل الإعلام ولله خير حافظا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الجوائز والمسابقات التي تروج لها وسائل الإعلام والإعلانات التجارية في الأسواق والشوارع العامة والهواتف.. يختلف حكمها باختلاف نوع المسابقة، فمنها الحرام المحض والميسر الواضح، ومنها ما فيه شبهة، ومنها ما فيه خلاف، ومنها ما هو جائز.
وقد سبقت الإجابة عنها بالتفصيل في عدة فتاوى نحيلك إليها، في الفتوى رقم: 7743، والفتوى رقم: 3817، والفتوى رقم: 4376، وستجد التفصيل مع الأدلة وأقوال العلماء.
أما هؤلاء الذين يروجون للحرام في وسائل الإعلام، فننصحهم بتقوى الله عز وجل، ونحذرهم مما توعد الله به من يسعون لإفساد الناس، فقد قال الله عز وجل في محكم كتابه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور: من الآية19] .
وأما ما يخص العلماء، فإنهم بينوا للناس حكم هذه المسابقات، وأعلنوا ذلك في المساجد وفي الدروس، وعبر وسائل الإعلام، وعلى مواقعهم في شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) فانتفع بذلك خلق كثير بحمد الله، فامتثلوا أوامر الله، وأعرض عنه آخرون. وواجب العلماء البيان، وقد بينوا.
نسأل الله تعالى للجميع التوفيق والهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1424(5/769)
رأى رجلا يختلس فهل يخبر صاحب الحق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
إنى أعمل فى مؤسسة تجارية وقد شاهدت أحد العاملين يقوم بإخراج كرتون مواد غذائية وإعطاء هذه الكرتون لأحد الأشخاص الذي كان يقوم بانتظاره في الخارج فهل أقوم بتبليغ صاحب العمل بالرغم من أني لا أملك شهودا ولكني شاهدته بعيوني والله سبحانه وتعالى قد شاهده، أنا فى حيرة أرجو الإجابة بسرعه؟ وشكراً وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على من رأى مال مسلم يسرق أو يتعرض لإتلاف بحرق أو غيره أن يخلصه، ولاسيما إذا كان مؤتمنا عليه، لذا كان الواجب عليك هو أن تنهى هذا الشخص عن هذا المنكر وتذكره بالله واليوم الآخر.
أما الآن وقد سرق المال فننصحك بأن تذهب إلى هذا الشخص وتأمره بأن يرد مثل ما أخذ أو قيمته أو يستأذن صاحب الحق، فإن أبى فأخبر صاحب الحق حتى يطالبه بحقه، وعدم وجود الشهود ليس مانعاً من إخباره إلا إذا غلب على ظنك إنكار الغاصب مع تصديق صاحب الحق له وتكذيبه لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1424(5/770)
مدى مسؤولية الفرد في النهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
ما حكم من بجانبه نساء يؤجرن فروجهن ويمكنه أن يغير المنكر مع العلم أنه في دولة تدعي الإسلام؟ وفي الأخير أطلب منكم الجواب والاتصال ببعض العلماء الموجودين في بلدي من أجل تغيير هذا المنكر وأنا وبعض الشباب مستعدون لمساعدتهم في نقلهم إلى ذلك المكان أو تغيير المنكر بأيدينا ولو متنا دون ذلك.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما عمت به البلوى من انتشار الفاحشة، وشيوع الرذيلة في بلاد المسلمين على مرأى ومسمع من ولاة أمورهم -إن لم يكن بتشجيع منهم- أمر تتشقق منه الأكباد حسرة، وتتقطع له القلوب غيرة.
وهو من أقبح أنواع المنكر الذي أوجب علينا شرعنا تغييره حسب استطاعتنا، ففي الحديث الذي في صحيح مسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
فهذا الحديث كما نرى يوجب على كل من رأى منكراً أن يغيره حسب استطاعته، فمن فضل ربنا علينا ورفقه بنا ورفعه الحرج عنا أنه لم يكلفنا بما هو فوق طاقتنا.
وعليه، فمن علم أن شخصاً ما يمارس معصية فعليه أن ينهاه عنها، ويبين له حكم الله تعالى، ويكون ذلك برفق وحكمة، فإن لم يرتدع فليبلغ عنه من له سلطة عليه، فإن لم يفد شيء من ذلك، فلا أقل من الإنكار بالقلب وعدم الرضا.
أما تغييركم للمنكر، فإنه يترتب عليه من المفاسد ما هو أعظم بكثير من المنكر نفسه.
لذا، فإنا نرى -والله أعلم- أن مسؤوليتك تجاه هذا المنكر هي النهي عنه، ثم إبلاغ الجهة التي تغيره، سواء كانت الشرطة أو العلماء في بلدك.
أما أن تكلف نفسك بتغييره باليد، فإن ذلك ليس من الحكمة، وقد تترتب عليه مفسدة أعظم دون فائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1424(5/771)
دفع أذى الخمر عن الناس فيه الأجر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل بأحد الفنادق السياحية واضطرني الأمر إلى حمل زجاجة خمر مملوءة كي ألقيها ولا يضر بها
أحد فهل آثم على حملها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانت نيتك هي التخلص من زجاجة الخمر دفعًا للأذى عن الناس فنرجو أن تكون مأجورًا، ولعل هذا من باب تقليل المنكر، أما إن كانت نيتك هي تنفيذ أوامر أصحاب العمل فلا يجوز؛ لأن فيه رضًا بهذا العمل الذي يشتمل على منكرات.
ثم إنه يجب عليك ترك العمل في هذا الفندق الذي يبيع الخمور ويقدمها لنزلائه، وإن لم تقدمها لهم أنت، لأن بقاءك معهم تكثير لسوداهم وفيه نوع إقرار لهم على باطلهم، وتعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عنه حيث قال: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] .
والإعانة على الخمر بأي وجه من الوجوه عمل محرم ملعون صاحبه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها. [أخرجه أبو داود والحاكم بسند صحيح] .
وإن اتقيت الله بتركك العمل بهذا الفندق جعل الله لك مخرجًا ورزقك من حيث لا تحتسب كما وعد سبحانه.
ولمزيد من الفائدة ترجى مراجعة الفتوى رقم: 29257 والفتوى رقم: 4182
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1424(5/772)
تخويف المتغازلين من الله من الأمر بالمعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت بالصدفة جاري وزوجة جار آخر لي يتبادلان النظرات والإشارات والقبلات على الهواء فماذا أعمل هل أسترهما؟ أم ماذا بالله عليكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب أن تذكِّر هذا الجار الذي يغازل زوجة جاره بالله، وتخوفه الفضيحة في الدنيا والآخرة والعقوبة، وذكره بالحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل أي الذنب أعظم عند الله تعالى؟ فقال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، فقيل له: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، فقيل له: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك.
وأما هذه الجارة فأرسل لها من النساء الثقات من يخوفها بالله ويخوفها الفضيحة وسوء العاقبة، فإن ارتدعا وأظهرا توبة فاستر عليهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. متفق عليه.
وإن لم تظهر منهما توبة، فأعلم زوجها ليتحقق من الأمر إن لم يلحقك بذلك ضرر، ولا يشترط أن تشافهه بالأمر، بل لو أرسلت له رسالة دون أن تعلمه بالمرسل لكفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1424(5/773)
النهي عن المعروف من صفات المنافقين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
ما حكم الشريعة الإسلامية في الكتاب والسنة على شخص مسلم يسكن بجوار المسجد ولا يصلي الفريضة فيه إلا قليلا وهذا الشخص أيضا يغصب ابن أخته على أن يسبل وأن يصافح النساء مع أن ابن أخته له من العمر 12 سنة وهو يطبق السنة الصحيحة فما حكم هذا الرجل هداه الله؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على هذا الرجل أن يكف عن أمر ابن اخته بالمنكر، لأن ذلك من صفات المنافقين، قال الله تعالى: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67] .
كما يجب عليه أن يحافظ على الصلاة في جماعة المسجد ما لم يكن معذوراً عذراً شرعياً، وعلى ابن اخت هذا الرجل أن يعامله بالحسنى، وأن يُسدي إليه النصيحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة.....
رواه البخاري وغيره.
ولأن القلوب دائماً تميل إلى من أحسن إليها، وتنفر ممن أساء إليها، فإن داعية الحق ينبغي عليه دائماً أن يُغَلِّب جانب اللين والمودة على جانب الشدة، قال الله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] .
وقال الله تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10] ، وراجع رقم: 20400.
ولمعرفة حكم صلاة الجماعة راجع الفتوى رقم: 5153، والفتوى رقم: 1798.
ولمعرفة حكم الإسبال راجع الفتوى رقم: 5943.
ولمعرفة حكم مصافحة النساء راجع الفتوى رقم: 1025، والفتوى رقم: 13279.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(5/774)
عليها أن تغيرالمنكر بقدر استطاعتها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صديقتي تعمل محاسبة في شركة وقد رأت بعض الاشخاص يقومون بعملية اختلاس أموال الشركة وقد تحدثت إليهم ونصحتهم بعدم القيام به لكن دون جدوى وحتى مديرها المباشر يقوم باختلاس الأموال وهي تتعرض لضغوط كبيرة حتى تسكت عن أفعالهم فما العمل؟ بم تنصحونها؟ وما رأي الشرع؟
ولكم مني جزيل الشكر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على هذه الفتاة أن تغير هذا المنكر الذي يمارسه مديرها وزملاؤه في الشركة، وهو اختلاس الأموال، ولكن بقدر استطاعتها فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وإذا استطاعت أن تتحول عن هذا العمل إلى عمل آخر أو إلى قسم آخر في الشركة فهو أفضل.
وعليها أن تذكر هؤلاء بقبح ما يصنعون وتستعين في ذلك بغيرها، أو ببعض الكتيبات والنشرات أو الأشرطة المسموعة بإهدائها لهم، عسى الله أن يتوب عليهم ويكتب لها الأجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1424(5/775)
من إنكار المنكر إبلاغ السلطات عن الأستاذ الشاذ
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته:
أنا طالب في المتوسط، وعندنا أستاذ دين قذر بالحركات ويعرفونه كل المتوسطة لكن إذا اشتكينا إلى المدير فإن أستاذ الدين يفصله من المدارس لأنه عنده واسطة ...
والحين أنا ماذا أعمل من أجل إزاحته من المدرسة؟
مع العلم انه قذر جدا وفعل مع الأولاد.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا ثبت أن هذا الأستاذ المذكور يقوم بممارسة هذه الفاحشة الخطيرة مع بعض تلاميذ المدرسة، فإنه يجب إبلاغ السلطات الرسمية بذلك، لأن هذا من باب إنكار المنكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره رواه مسلم.
وإذا لم تستطع السلطات التحقق من الأمر إلا بعد متابعته والتجسس عليه فلا حرج في ذلك، قال ابن الماجشون: اللصوص وقطاع الطريق أرى أن يطلبوا في مظانهم ويعان عليهم حتى يقتلوا وينفوا من الأرض بالهرب، وطلبهم لا يكون إلا بالتجسس عليهم وتتبع أخبارهم.
وروي عن أحمد أن من تحقق من وجود منكر ولم يره فهو كمن رآه، وعليه فإنه يكشف المغطى ويفتح المغلق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1424(5/776)
تنوع أساليب الأمر بالمعروف أدعى للقبول
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقا
لأن الناس قد يضجروا من ذلك وإن لم تفعل ذلك تأثم وما هي ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات العظيمة، قال الغزالي في الإحياء: أما بعد: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه فاستولت على القلوب مداهنة الخلق ... انتهى
إلا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يلزم أن يكون بطريقة واحدة وأسلوب واحد حتى يضجر المدعو ويعرض عن الحق، بل هناك الأساليب الكثيرة والطرائق المختلفة، وقد بينا ذلك في الفتاوى تحت الأرقام التالية: 9358 12916 28638 28894 25032 24634 21557 17092
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1424(5/777)
الأصل عدم جواز التجسس على المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أجيبوني جزاكم الله خيرا عن السؤال الآتي: إذا حامت الشبهات حول شخص ما أنه لص هل تجوز مراقبته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز لأحد أن يتجسس على أحد من المسلمين، فإن اطلع منه على ريبة وجب عليه أن يسترها ويحذره من عقوبة الله عز وجل لقول الله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] .
ولهذا نص أهل العلم على أنه لا يجوز للمحتسب ولا غيره التجسس ولا هتك الأستار على الناس لتحصيل المحظورات من المخالفين، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته. رواه أحمد.
ولكن إن وجدت أمارات تدل على وجود محظورات يخشى فوات استدراكها جاز للمحتسب حينئذ التجسس لتفادي ذلك وإلا فلا يجوز. قال في الموسوعة الفقهية: فإن غلب على الظن استتار قوم بها - يعني المحظورات - لأمارات دلت وآثار ظهرت فذلك على ضربين:
1- أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل أن يخبره من يثق به أن رجلاً خلا بامرأة ليزني بها أو رجل ليقتله فيجوز له في مثل هذه الحالة أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذراً من فوات ما لا يستدرك.
2- ما خرج عن هذا الحد وقصر عن هذه الرتبة فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الأستار عنه.
وبهذا يعلم السائل أنه لا تجوز له مراقبة شخص ولا التجسس عليه بمجرد الشك ونحوه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1424(5/778)
وسائل الأمر بالمعروف كثيرة ومتنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدى زوجتي بعض الأقارب -هداهم الله- كثيرو السب والشتم وهم كبار في السن ولا أستطيع نصحهم
لأنهم لا يتقبلون النصح من أحد؟
السلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يبذل النصح وليس عليه هداية المنصوح، فالهداية بيد الله تعالى، قال تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56] .
وقد أمر الله تعالى بالدعوة إلى سبيله ولم يشترط قبول المدعو للدعوة، فقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] .
ولو ترك الناس النصح بحجة عدم قبول النصيحة لما بقي ناصح، ولتعطل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعلى الناصح أن لا ييأس، بل يكرر النصح ويعدد الوسائل، فبإمكانه أن ينصح مشافهة، أو يهدي المنصوح كتاباً أو شريطاً، وبإمكانه أن يسلط عليه من ينصحه ممن يحترمهم، ويتقبل منهم نصحهم فوسائل الدعوة كثيرة لا تقف عند وسيلة واحدة بعينها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(5/779)
تغيير المنكر قد يكون واجبا عينيا
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب والدته تخرج من المنزل وتقضي معظم الوقت خارجه مما أثار الشبهات في خروجها ولم تقبل أي نصائح من أولادها رغم قدرتهم على منعها بالقوة ولكن يخافون غضب الله وتم تجريب جميع الطرق إلا اثنين القوة أو السحر فبرجاء الإفاده هل بالسحر منعا لعدم هلاك الأسرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: في هذا الحديث من غريب الفقه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ في البيان بالأخير في الفعل وهو تغيير المنكر باليد، وإنما يبدأ باللسان، فإن لم يكن فباليد. انتهى
وعلى هذا، فإذا كان أولاد هذه المرأة المسؤول عنها على يقين من أن خروج أمهم غير مشروع وجب عليهم نصحها وإرشادها حتى ترجع عما هي عليه، فإن أبت جاز لهم منعها من الخروج إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم من حبسها.
قال النووي عند شرحه للحديث السابق تقريره لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه على الكفاية، قال: ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو كمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في معروف. انتهى
ولمزيد الفائدة يراجع الفتوى رقم:
9647.
أما ما ذكر من اللجوء إلى السحر في هذا الأمر أو غيره فذلك أمر في غاية التحريم؛ لأن السحر معدود من الكبائر الموبقات.
وانظر الفتوى رقم:
13092.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1423(5/780)
خطورة ترك الأمر بالمعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجلب سخط الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نص عدد من الفقهاء رحمهم الله على أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعد من كبائر الذنوب.. ومن أولئك الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه البحر المحيط 6/155، والإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر، حيث يقول: الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والتسعون بعد الثلاثمائة: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة، بأن أمنَ على نفسه ونحو ماله ومخالفة القول الفعل. انتهى
ولا شك أن فعل المعاصي وخاصة كبائر الذنوب جالبة لغضب الله، وقد وصف الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71] .
قال الإمام الغزالي تعليقاً على الآية: أفهمت الآية أن من هجرهما خرج من المؤمنين.
وقال القرطبي: جعله الله تبارك وتعالى فرقاً بين المؤمنين والمنافقين.
فيجب على المسلمين أن يتعاونوا على الخير ونشره، وأن يتعاونوا على كف الشر، فإذا لم يفعلوا فهم على خطر عظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب. رواه أبو داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(5/781)
مراتب تغيير المنكر ومعنى التغيير باليد
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون التغير باليد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتغيير المنكر باليد يكون بإزالة المنكر عند الاستطاعة والقدرة على ذلك. وقد سبق الكلام على مراتب النهي عن المنكر وضوابط ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 22063 -
26058 -
9358.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1423(5/782)
حكم الحلاقة في أماكن المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم من يدخل عند الحلاق ويجد عنده الموسيقى بصوت مرتفع. هل يحلق عنده أو يغير المكان؟
مع العلم أن هذا الحلاق يدخل عنده النساء في بعض الأحيان. افيدونا افادكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المنكرات التي توجد في محلات الحلاقة أو غيرها إذا كنت تستطيع تغييرها فيجب عليك ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم وإن كنت لا تستطيع فلا يجوز لك دخولها مع وجود غيرها فإن لم تجده وكنت محتاجاً فلا حرج إن شاء الله تعالى في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(5/783)
الواجب تجاه المجاهر بالمعصية وغير المجاهر
[السُّؤَالُ]
ـ[- رجل يغيب عن أسرته كثيراً لضرورة عمله والجيران رأوا عدة مرات رجلا غريبا يدخل بيته، ويقولون إن امرأته تخونه فهل يجوز لهم أن يخبروا زوجها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المرء ألا يتتبع عورات الناس، وأن يكف نفسه عن الظنون التي لا تستند إلى دليل يعتمد عليه، ومن فعل ذك وجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره بترك الذنب، والندم عليه والعزم على عدم العودة إليه.
أما إذا حصل اليقين عند المرء بوقوع شخص ما في معصية من المعاصي، فلا يخلو ذلك من واحدة من صورتين:
الأولى: أن يكون مجاهراً بها، معلناً لها، فلا مانع في هذه الصورة من بيان أمره ليجتنبه الناس ويحذروا منه.
الثانية: أن يكون غير مجاهر بها، فالواجب في هذه الحالة ستر أمره، وتجنب فضيحته، لعموم الأدلة التي تحث على الستر، وعدم إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، ولا يمنع هذا من نصحه وتهديده إن أمكن رجاء صلاحه واستقامته، وراجع الجواب رقم: 17640.
وبناء على هذين القيدين، فلا يجوز لكم إخبار الزوج بما رأيتم إلا إذا وصل أمر هذه الزوجة إلى حد المجاهرة بالمعصية، وهذا لا ينفي محاولة تنبيهه بطريقة لا تؤدي إلى قذف زوجته بالزنى، وإحداث شقاق وخلاف بينهما، ومرجع كيفية تنبيهه يعود إليكم فأنتم أدرى بواقع الحال.
والله تعالى نسأل أن يستر عورات المسلمين، وأن يحفظ أعراضهم من كل سوء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/784)
مراتب تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة المشرفون على الفتاوى جزاكم الله عنا كل خير
سؤالي هو:
أنا من بلد عربي مسلم لاحظت في الأونة الأخيرة انتشار بيوت الدعارة والزنا بشكل ملفت للنظر جداً فقمت بواجبي بإبلاغ الجهات الأمنية المختصة بذلك فكان رده غريبا جداً بأن قال لي إذا أن الزانيات في هذه البيوت من نفس البلد لن نستطيع فعل شيء كما هي الأوامر لديهم بالرغم من أنني أعطيتهم عناوين هذه البيوت الفاسدة هل يجوز لي أن أزيل هذه البيوت بيدي؟ وأقيم حد الزنا وحد الحرابة والإفساد في الأرض على من يقومون على نشر الفساد في الناس؟
أفيدونا أفادكم الله فالأمر أخطر مما تتصورون.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على غيرتك على دينك، وقيامك بالواجب من إبلاغ الجهات المسؤولة.
وقبل ذلك وبعده، يجب عليك من باب النصيحة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها الدين" أن تنصح للقائمين على هذا المركز إن كانوا رجالاً، وتأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر برفق ولين وحكمة وموعظة حسنة.
لعل الله تعالى أن يهدي قلوبهم ويصلح حالهم على يديك، فإن كن نساء فسلط عليهن نساء صالحات يقمن بدعوتهن إلى الله بحكمة وموعظة حسنة، ولا تباشر أنت ذلك بنفسك بعداً عن مواطن الشبهات والفتن.
وبذلك تكون قد أديت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي عطلت وضيعت في كثير من مجتمعات المسلمين.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
وتغيير المنكر هنا بالنسبة لك هو التغيير باللسان ما دمت لا تستطيع التغيير باليد، لأنك لست صاحب سلطة ولا قدرة لك على ذلك، وإذا لم تستطع التغيير باللسان، فيجب عليك إنكار المنكر بالقلب، وهو أضعف الإيمان، ولا يعفى منه مسلم، لأن من لم ينكر بقلبه لا إيمان عنده، كما جاء في الحديث: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
وبخصوص إقامة الحد على من ارتكب جريمة الزنا أو غيرها من الحدود، فهذا لا يحق لأحد أن يقيمه إلا الحاكم أو نائبه.
قال في المغني: إذا لم يكن أمير الجيش الإمام أو أمير إقليم فليس له إقامة الحد ... ويؤخر حتى يأتي الإمام لأن إقامة الحدود إليه ...
والحاصل أن تغيير المنكر يتم باليد للمستطيع إذا لم يترتب على التغيير منكر أكبر منه، فإن خشي أن يترتب عليه ذلك كان التغيير باللسان ثم بالقلب، وهذا فرض عين لا يسقط عن المسلم.
وأما الحدود فلا يقيمها إلا ولي الأمر أو من يقوم مقامه، ولا يصح أن يقيمها الأفراد لما يمكن أن يترتب على ذلك من الفوضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1423(5/785)
لا تمكث في مكان المنكر إن استطعت
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت مع أي شخص في مكان يخصه مثل السيارة وكان يسمع الأغاني وقلت له أن يغلق ونصحته بذلك لكنه لم يستجب لي وليس من حقي أن أغلقه من دون رضاه لأنه مالك لهذه السيارة فأنا لم أرض عن ذلك في قلبي فهل علي شيء من الإثم وإن كان علي إثم فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن كان في سيارة أو غيرها ففتحت الأغاني الممنوعة فإنه يجب عليه أن ينكر هذا المنكر حسب استطاعته، وليحاول أن يكون النهي بالرفق واللين، وبالتي هي أحسن فإن استجاب الشخص لذلك، وإلا فلينزل من السيارة، وليركب غيرها إن أمكن ذلك، فإذا كان يشق عليه النزول، فإنه يكره ذلك بقلبه ولا شيء عليه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
20669 -
21461 -
13083.
ومن لم يغير المنكر مع استطاعته أو مكث في مكان المنكر مع قدرته على ترك المكان فقد أثم، ويجب عليه أن يتوب إلى الله من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1423(5/786)
السكوت على المنكر بحجة الإحراج غير سائغ
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
أملك جهاز كمبيوتر استخدمه بشكل كلي في الدراسة ولكن أخي الذي هو أكبر مني يضع به ملفات لا ترضي الله من أغاني وغير ذلك وأنا محرج منه قليلاً ليبعدها عن الجهاز هل بقاؤها في الجهاز الذي هو ملك لي سيجعلني أحاسب عند الله بسببها، والعلم عند الله طبعاً وأريد منكم إذا كان لا بد من إزالتها فدلوني على الطريقة المثلى لعمل ذلك علماً أني كنت أعمل أعمالا أسوأ منه ولكن والحمد لله هداني الله أخذ بيدي للبر والتقوى، وجزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تغيير هذا المنكر واجب عليك؛ لأن الجهاز ملك لك وخاص بك ولا يجوز لك بحال أن تعين غيرك على معصية الله بحجة أنك محرج منه.
فيلزمك أولاً أن تمحو هذه الملفات من الجهاز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وأنت تستطيع أن تغير بيدك؛ لأنه تحت تصرفك وسلطانك، وإذا لم تفعل فأنت شريك له في الإثم. قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] .
وحتى يكمل الإيمان في قلبك يجب عليك أن تحب الخير لأخيك كما تحبه لنفسك، فيكف ترضى لنفسك النجاة وترضى لأخيك الهلاك والتلف؟!
ثم عليك بعد ذلك أن تتلطف في دعوته إلى الخير وأن تبين له مضرة هذه الملفات وأن تتخذ كل وسيلة ممكنة ومشروعة لدعوته وهدايته بأن تدعو الله تعالى له بالهداية وأن تصحبه إلى مجالس العلم والخير حتى يصلح الله حاله.
ويمكنك الاستعانة بأهل الخبرة في إزالة هذه الملفات، وهو أمر سهل لمن يتعامل مع أجهزة الكمبيوتر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1423(5/787)
نصح الزانية أجدى من الطرد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كيف يتصرف أخ اتجاه أخت له ارتكبت فاحشة الزنا؟ هل يتركها تواصل فاحشتها أم يقاطعها ويطردها من المنزل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عيني على من قدر عليه إذا لم يقم به غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وهذه المرأة قد ارتكبت فاحشة عظيمة يجب نهيها عنها، وإقرار أخيها لها على ذلك دياثة، فالواجب الحيلولة بينها وبين هذا المنكر بحبسها في البيت، ومنعها من الخروج مع وعظها، وتذكيرها بعقاب الله عز وجل لمن وقع في مثل هذه الفاحشة، ولا يجوز أن يترك لها الأمر أو أن تطرد من البيت، فإن ذلك لا يزيد الفاحشة إلا انتشاراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1423(5/788)
مجالسة أهل الكبائر لا تحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدرس خارج مدينتي وأسكن مع شباب لم أتوقع منهم التصرفات غير الأخلاقية مع العلم أنه يسكن معي شابان نصرانيان واثنان مسلمان وأحد النصرانيين يجلب فتاة إلى البيت و0000 وأعاني من مشاكل معهم ولا أستطيع ترك البيت بسبب العقد المبرم لأنني دفعت نقودا مسبقا ما الحل؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحل هو أن تستعين بالله تعالى حتى يصرف عنك كيدهم وأذاهم، وعليك أن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وأن تصبر على ما يصيبك بعد ذلك من أذى قولي أو فعلي.
وليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر باليد ابتداء ما دمت قادراً على ذلك، ولا يترتب عليه مفسدة أكبر أو أذى لك، ومثال الأمر والنهي باليد أن تمنعهم من الدخول إذا جاءوا بامرأة أجنبية، وإن لم تستطع بيدك فبلسانك، فإن لم تستطع فبقلبك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ثم إن عجزت عن الإنكار باليد أو اللسان أو فعلت فلم يستجيبوا فلا تبق معهم حال منكرهم، ولقد قيل: إما أن تزيل المنكر وإما أن تزول، وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ... ) [الأنعام:68] .
قال ابن العربي: وهذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل.
قال ابن خويزمنداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمناً كان أو كافراً. انتهى
على أنا نقول لك: يجدر بك أخي السائل إذا أردت السلامة في دينك أن تحاول أن تسترد مالك، وتبحث عن سكن آخر، فإن لم يتيسر لك استرداده فسيعوضك الله خيراً منه، ولا تسكن مع هؤلاء بحال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1423(5/789)
لولا الأمر بالمعروف لما تعلم الجاهل
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يعلم أن صديقه يعمل عملاً محرماً حرمة شديدة عن جهل بحرمته فهل يخبره أم لا علما وأنه يخشى أن لا يصدقه صديقه أو أن يستخف بالأمر فيكون بذلك قد أضر بصديقه برفع عذر الجهل بالأمر عنه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن رأى صديقه أو غيره يرتكب محرماً بجهل أو بعلم وجب عليه نهيه عنه، وإعلامه بأن ما يفعله محرم، وإلا كان آثماً، لقوله الله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم.
ولو لم يقم المسلم بذلك لما تعلم الجاهل، ولا تغير المنكر. وكونه يخشى أن يكذبه صديقه أو يستخف بما قال له لا يمنعه من قول الحق وإبراء ذمته أمام الله تبارك وتعالى، وليس لصديقه تكذيبه، ولا الاستخفاف بما أمره به دون علمه بكذبه وخطأ ما أمر به، وإلا كان ممن شمله قول الله تعالى (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1423(5/790)
استخدام المال العام في أغراض دعوية ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استخدام المال العام غير الكثير لأغراض دعوية وغير خاصة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المال العام محمي بموجب الشرع مثل حماية المال الخاص؛ بل إن المال العام قد يكون أشد حرمة لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، ولذلك حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغلول "الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها" وعظم من شأنه، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الصحابة فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره.. قال: لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس لها حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك....... إلى آخر الحديث.
وفي المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:.... فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عاراً وناراً وشناراً....
وفي صحيح البخاري أنه كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها.
فهذه بعض النصوص التي تدل بجلاء على عظم حرمة المال العام عند الله تعالى، والمال العام ملك لجميع المسلمين مرصود لإقامة مصالحهم الدينية والدنيوية.
ومن أهم مصالحهم الدينية والدنيوية وأحوج ما يحتاجون إليه: إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليمهم أمور دينهم، ولم يزل في بيت مال المسلمين الذي تريده الدولة الإسلامية نصيب وافر لتحقيق هذه المصلحة، لشدة الحاجة إلى ذلك، وعظم المصالح المترتبة على تحقيقه، وفظاعة المفاسد المترتبة على تعطيله.
وبناءً على هذا.. فإن على القائمين على بيت مال المسلمين أن يبذلوا ذلك النصيب وافراً موفراً للقائمين على أمور الدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الناس الخير، وأمرهم بالمعروف، وتحذيرهم من الشر ونهيهم عنه.
فإن منع القائمون على بيت المال هذا النصيب كلا أو بعضاً، ولم تكن هنالك وسيلة أخرى للدعاة يمولون بها مشاريعهم الدعوية، ويقيمون بها تلك الشعيرة العظيمة، واستطاعوا أن يأخذوا من المال العام ما يسد حاجتهم بطريقة مشروعة فلا حرج في ذلك.
ونعني بالطرق المشروعة: أن يؤخذ المال بمسمى وظيفة أو عمل مقبول لدى الجهة القائمة على المال العام، ثم يصرف في شؤون الدعوة.
أما أخذه بغير تلك الطرق، فقد تترتب عليه مفاسد ومضار على الدعوة والدعاة عموماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/791)
إذا دعيت إلى عرس به منكر فلا تجيبي الدعوة ما لم تكوني قادرة على التغيير
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أريد أن أسالكم عن حكم سماع الأغاني في الأعراس
وماذاأفعل إن كان رغما عني؟
وهل أذهب إلى هذه الأعراس؟ أم أنها محرمة خاصة وإن كانت العروس أو العريس من أقاربي؟
مع العلم أني لا أسمع الإغاني ولا أتأثر بها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز الذهاب إلى الأعراس إذا كان فيها ما هو محرم شرعاً ولا يقدر الإنسان على تغييره، لما في ذلك من إقرار ظاهر لأهل الباطل على باطلهم.
والرضى بالمنكر منكر.. ولا شك أن كثيراً من أفراح أهل هذا الزمان لا يسلم في الغالب من محرم.
قال ابن قدامة في المغني: "إذا دعي إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزهر والعود ونحوه، وأمكنه الإنكار لزمه الحضور والإنكار، لأنه يؤدي فرضين إجابة أخيه المسلم، وإزالة المنكر، وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر". انتهى
وبناء على هذا فإن كانت السائلة لا تقدر على تغيير المنكر في تلك الأعراس التي تدعى إليها فإنه لا يجوز لها الحضور إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1423(5/792)
تشبه الرجال بالنساء من المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم..
ما رأي سيادتكم إن كنت بحفلة وجاء رجل يلبس ملابس نسائية وعامل لنفسه مكياج.. يعني شكله امرأة في كل شيء.. وتصرف على المسرح بتصرفات غير لائقة.. ما هو حكمي وأنا أشاهد هذا.. التشبه بالنساء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن دعي إلى وليمة وغيرها وهو يعلم أن فيها منكراً، فلا يجوز له الذهاب إليها، فإن لم يكن يعلم بالمنكر واستجاب، وجب عليه ترك الوليمة عند رؤية المنكر، إلا إذا استطاع إنكاره وتغييره.
قال أبو داود في سننه (باب إجابة الدعوة إذا حضرها مكروه) اهـ. وساق فيه حديثاً جليلاً وفيه ... أن رجلاً أضاف علي بن أبي طالب فصنع له طعاماً، فقالت: فاطمة رضي الله عنها لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا، فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي في الباب فرأى القرام قد ضرب به في ناحية البيت فرجع، فقالت فاطمة لعلي: الحقه فانظر ما رجعه، فتبعته فقلت: يا رسول الله ما ردك؟ قال: ما كان لي أو لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً " وحسنه الألباني.
والقرام هو: ثوب رقيق من صوف فيه ألوان من العهون ورقوم ونقوش.
قال في عون المعبود: قال الحافظ في الفتح: ويفهم من الحديث أن وجود المنكر في البيت مانع من الدخول فيه، قال ابن بطال: فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه، لما في ذلك من إظهار الرضى بها، ونقل مذاهب القدماء في ذلك، وحاصل ذلك أنه إن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله، فلا بأس، وإن لم يقدر فيرجع. ا. هـ ومعلوم أن التشبه بالنساء من المنكرات التي نهى عنها الشرع، وقد سبق بيانه في الجواب رقم 17864 والجواب رقم 9180
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1423(5/793)
تغيير المنكر يخضع لعدة اعتبارات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أساتذتي الأفاضل سؤالي هو:
إنني أعمل في مكتب لخدمات الكمبيوتر ومن ضمنها صيانة الأجهزة وفي بعض الأحيان يأتيني أجهزة لبعض الأشخاص فيها أفلام داعرة وهذه الأفلام تنتشر بشكل كبير بين أوساط الشباب في الحي عن طريق هؤلاء الأشخاص فهل يحق لي أن أحذفها من جهازهم أو أشيروا علي ماذا أفعل حيث قال لي أحد الأشخاص إنه لا يجوز حذف هذه الأفلام لأن حديث من رأى منكم منكرا فليغيره بيده خاص بمن لك سلطة عليهم وهؤلاء الأشخاص لا سلطة لي عليهم؟ وجزاكم الله خيراً.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه..... رواه مسلم.
فمن استطاع أن يغير المنكر بيده فهو الواجب، ولا يشترط لذلك أن يكون صاحب سلطان، ولا يشترط أيضاً إذن السلطان، ولكن الأمر راجع إلى القدرة، وكذا إلى المصلحة والمفسدة.
وعليه فإن حذف الأفلام الداعرة من هذا الجهاز يعد من باب النهي عن المنكر وأنت مأجور عليه إن شاء الله، لكن إذا كنت تعلم أن عملك هذا يترتب عليه مفاسد، أو مضار أكبر من مفسدة إبقاء هذه الأفلام، فلا تقدم عليه، وانتقل إلى الإنكار باللسان، وراجع الفتوى رقم:
17092 والفتوى رقم: 12161.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1423(5/794)
الموعظة اللينة أدعى للقبول
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أهلي غير ملتزمين فهم يمارسون بعض الكبائر كالغيبة. وأنا أكثر من نصحهم بشكل كبير وأحيانا بشكل مزعج كالصراخ فيهم ولكن بنية النصح لهم. ولدي عدة أسئلة-أعتذر ولكن الضرورة-هي:-
1-ماحكم الصراخ فيهم بنية النصح؟
2-هل اذا تركت نصحهم أعتبر آثما؟
3-هل يكفي السكوت عند سماع الغيبة مع نية تغيير المنكر بالقلب عملا بالحديث وكذا في كبيرة غير الغيبة؟
4-أرجو إرسال بعض النصائح لي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى الداعية أن يتصف بصفات الرسول صلى الله عليه وسلم من الرفق واللين، ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب الرفق في الأمر كله.
وأخرج مسلم في صحيحه عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير.
وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يعطي على ما سواه.
وقد أمر الله موسى وهارون عليهما السلام باللين في القول مع أعتى الطغاة وهو فرعون، فقال تعالى: اذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:43-44] .
فكيف إذا كان المنصوح مسلماً قريباً فضلاً عن أن يكون أباً أو أماً، فلا يجوز رفع الصوت عليهما مهما كانت المسوغات، وانظر الفتوى رقم:
16844 والفتوى رقم: 11167.
وأما ترك النصح، والسكوت على المنكرات فلا يجوز؛ إلا لمن خشي على نفسه أو عضو من أعضائه التلف بسبب النصح، فحينئذ يشرع له النصح بالقلب ويكفيه ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1423(5/795)
شعائر الله تعظم ولا تهان
[السُّؤَالُ]
ـ[أمس الجمعة في قناة فضائية لبنانية كان هناك سحب على جوائز قيمتها مليون ريال سعودي تابعة لجريدة المدينة وكان هناك ضيوف من بينهم مغنيات يرقصن ويتمايلن ثم تظهر صفحة جريدة المدينة وللأسف عليها مئذنة وقبة المسجد النبوي المكرم.
فأرجو الإفادة عن هذا هل يجوز ذلك وإذا لم يكن أرجو من عنايتكم التكرم بإرسال ذلك لهم لانه ربما صوتكم يكون مسموعاً عنا وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن هذا منكر عظيم واستهانة بالمسجد النبوي الشريف، وجزاك الله خيراً لحرصك وغيرتك على انتهاك حرمات الله، وجعل الله ذلك في ميزان حسناتك، والواجب على من يعلم بهذا المنكر أن ينكره، قدر استطاعته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم.
ونحن بدورنا نقول للقائمين على جريدة المدينة وكل القائمين على القنوات الفضائية، نقول لهم: اتقوا الله فيما تقدمونه وتعرضونه على المسلمين فإن الله سائلكم عن ذلك نسأل الله أن يصلح حال الجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(5/796)
محاولة إزالة شبهة فساد امرأة بطرق حكيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله تعالى:
هل يسمح للمرء أن يحتفظ بسر خيانة زنا تقوم بها جارة متزوجة مع صديق زوجها. ماهو المطلوب من المسلم؟ أن يحتفظ بهذا السر أم لا؟ أرجو الإجابة والله عليم بالقصد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزنا منكر عظيم وفاحشة قبيحة، والواجب على من علم بشيء منه أن ينكره حسب استطاعته، دون أن يقع في القذف، فإن من رمى غيره بالزنا، ولم يكن معه أربعة شهود حُدَّ حَدَّ القذف، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:4-5] .
ولهذا نقول: عليك أن تبدئي بنصح هذه الجارة، والإنكار عليها، وتهديدها بإعلام زوجها إن هي استمرت في علاقتها الآثمة.
وهذه النصيحة يمكن أن تكون بمباشرة منك، ويمكن أن تكون عن طريق رسالة تصل إليها، فإن رأيت استجابة فالحمد لله واستري الأمر ولا تطلعي عليه أحداً أبداً، وإلا فأبلغي زوجها دون أن تقعي في القذف وذلك أن تقولي: راقب أهلك، أو إن أهلك يدخل عليهم غيرك، أو يلتقون مع غيرك، ويكون هذا الكلام في رسالة لا يعرف مرسلها أولى وأفضل.
والحاصل أنه لا يجوز السكوت على هذا المنكر العظيم بحال، بل يجب الإنكار والسعي في إزالة الفساد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(5/797)
بيع اشرطة الغناء والأفلام الخليعة يجب إنكاره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من واجب رجال الحسبة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر التصدي لمحلات بيع الأغاني والأفلام الخليعة أو بعضاً منها ومنعهم من بيعها؟؟ إذاكان الجواب بنعم لماذا نراها مشرعة الأبواب؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن انتشار محلات الأغاني والأفلام الخليعة في الأسواق من المنكر الذي يجب على المسلمين إنكاره وتغييره. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل القربات إلى الله ومن أهم فرائض الإسلام، لكن يكون وفق الضوابط والمراتب المبينة في الفتوى رقم:
9358.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(5/798)
غض الطرف عمن يريد الانتحار مشاركة له في المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي مشكلة لا أعرف كيف أحلها.. باختصار أنا أعرف فتاة تبلغ من العمر 18 عاماً تمر بالعديد من المشاكل النفسية وهي ليس مسلمة المهم تريد أن تنتحر فماذا أفعل وأنا أعلم ذلك؟ هل أبلغ والديها ولكني أخشى العواقب والذي أريده أنا بالتالي أن أتحدث معها على انفراد لأنها ستقتل نفسها وأنا شهيد على ذلك فهل أترك الأمر فإن من يشهد جريمة ولا يبلغ عنها كأنه مشارك فيها ألم يقل المولى ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله.. وكيف أتزوج هذه الفتاة؟
أعيونني أعانكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك أن تجتهد في دعوة هذه الفتاة إلى الإسلام، وتبين لها أنها إذا دخلت فيه أحست براحة وسعادة، وذهب عنها بإذن الله ما تجده من الضيق والكرب والأمراض النفسية ونحو ذلك، لأن الله تعالى يقول: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:123-124] .
وتنهاها عن قتل نفسها، وتبين لها أن موتها كافرة يوجب لها دخول النار، وأن قتلها لنفسها يضاعف عذابها في البرزخ ويوم القيامة، كما أن عليك أن تُعْلِم وليها أو من له تأثير عليها لمنعها من قتل نفسها، فإذا سكت فإنك تكون مشاركاً لها في المنكر، ومعينا لها على الإثم والعدوان.
وأما زواجك بها، فجائز بشرط أن تكون من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) ، وأن تكون عفيفة.
هذا واعلم أن عليك خلال دعوتك لهذه الفتاة إلى الله أن تكون ملتزماً بالضوابط الشرعية، وبما أن المرأة كافرة فمن الصعب أن يتم الالتزام بالضوابط، وبالتالي فعليك أن تدعوها دعوة غير مباشرة بأن تكون الدعوة عبر امرأة أخرى هي إحدى محارمك أو زوجة أحد إخوانك في الله فتبلغه هو ليبلغ زوجته لتبلغ الفتاة المذكورة.
وأما إذا كانت مشركة، سواء كانت بوذية أو هندوسية أو غير ذلك، أو كانت غير عفيفة، فلا يحل لك الزواج بها إلا إذا أسلمت لله رب العالمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1423(5/799)
ثمرات قول الحق لا بد أن تنضج
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن لي قول الحق في وقت لا يقبل سوى النفاق وتصبح إذ ذاك شيطانا في نظرهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى الإنسان أن يقول الصدق وأن ينطق بالحق، ولو كره الناس ذلك، لقوله تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور [لقمان:17] . وقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] . وقوله عن المؤمنين: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] . وقوله تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152] .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على ذلك، ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
قال النووي -رحمه الله- في شرحه: معناه: نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان، الكبار والصغار، لا نداهن فيه أحدا، ولا نخافه إلا هو، ولا نلتفت إلى الأئمة، ففيه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره، سقط الإنكار بيده، ووجبت كراهته بقلبه، هذا مذهبنا ومذهب الجماهير، وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقاً في هذه الحالة وغيرها. انتهى
ولا تخلو الأرض من صالحين وأخيار، يحبون الحق، ويكرمون من جاء به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. متفق عليه.
فأحرص على أن تكون مع هؤلاء ومن هؤلاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1423(5/800)
دور العلماء وأتباعهم في الدعوة للبديل عن بنوك الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يقوم المشايخ وطلبة العلم أصحاب الأموال بفتح بنوك إسلامية بدلا من البنوك الربوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فموضوع البنوك الإسلامية وقيامها كبديل للبنوك الربوية لاشك أنه أمر مهم، والتفكير فيها يكون في اتجاهين:
الاتجاه الأول: حث المسلمين على دعم البنوك الإسلامية القائمة الآن، وتشجيعها لتقوم بدورها في منافسة وتحدي البنوك الربوية.
ومن ناحية أخرى العمل على ترشيد هذه البنوك فيما هو مثار لإحجام الناس عن التعامل معها.
الاتجاه الثاني: تشجيع أصحاب رؤوس الأموال من المسلمين المستقيمين للتعاون من أجل قيام بنوك إسلامية. ولا شك أن المشايخ وطلبة العلم لهم دور كبير في التوجيه والإرشاد وحفز الهمم، بالإضافة إلى المساهمة بأموالهم حسب إمكانياتهم.
وننبه الأخ إلى أن هنالك مجموعة من البنوك الإسلامية بعضها في الخليج وبعضها خارجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(5/801)
مراجع تتعلق بالحسبة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت اليوم في جريدة الوطن أن أحد فقهاء نجد كان يقوم بما يسمى بالحسبة أرجو مزيداً من المعلومات الفقهية عن الحسبة والمرجع الذي يمكن الرجوع إليها؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة عن هذا الموضوع في الفتوى رقم: 17092.
أما بخصوص المراجع التي تتحدث عن هذا الموضوع، فنرشدك إلى ما يلي:
1. الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية.
2. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للدكتور خالد السبت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(5/802)
الهجر من أساليب تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:
فقد تخاصمت مع أخي وأقسمت على أنني لن أكلمه حتى يستر لحم زوجته ويتوب إلى الله فهل ترون أن هذا الموقف صحيح؟
أرجو النصيحة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
فهذا الحديث أصل في وجوب تغيير المنكر، فيجب على المسلم أن يغير المنكر بما أمكنه، ما لم يؤد إلى منكر أعظم منه.
والغلظة في القول والخصومة في تغيير المنكر من مراتب التغيير التي أشار إليها الحديث السابق: "فإن لم يستطع فبلسانه".
إلا أنه لا ينبغي الإقدام عليها إلا عند الضرورة إذا علم أن أسلوب اللين لا ينفع مع المأمور، فينتقل معه إلى أسلوب الزجر والشدة، وهذا الأسلوب استعمله إبراهيم عليه السلام مع قومه كما قال تعالى: (أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء:67] .
وكذلك الهجر على وجه التأديب والعقوبة إذا رآه أقوى في نفسية المأمور، فإذا أصر على المعصية ولم تنفع معه المواعظ فيُهجر، والمهاجر مثاب عند الله تعالى إذا كان هجره لله لا لحظ في نفسه، والهجر أسلوب فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كما في خبر الثلاثة الذين خلَّفوا، وكذلك هَجر نساءه، وهجر أصحابه بعضهم بعضاً كما فعل ابن عمر مع ابن له، وعائشة مع ابن أختها عبد الله بن الزبير ... الخ.
والخلاصة: أن الهجر مشروع، لكنه يُراعى فيه مصلحة المهجور، أينفع معه الهجر أم يزيده إصراراً وعناداً؟ وتقدير هذا يرجع إلى الهاجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1423(5/803)
وعظ المتبرجات بأهمية الحجاب من المعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أمر النساء المتبرجات بالحجاب في الشارع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحجاب مما أمر الله به، والأمر به أمر بمعروف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر" رواه الترمذي، وقال: حسن غريب.
وفي الترمذي أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم". قال الترمذي: حديث حسن.
وانظر في وجوب الحجاب الفتاوى التالية أرقامها: 42، 13146، 8529، 6226، 15665.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(5/804)
المرء يأمر بالمعروف وإن لم يفعله
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإني أفيدكم بأني أعمل في حقل التدريس وحرصا منا نحن المدرسين على أبنائنا الطلاب فإننا نقوم أحيانا بنصح الطلاب بالابتعاد عن بعض المحرمات والتي نفعلها نحن أنفسنا هل نحن داخلون في قوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) وهل معنى هذا أن نمتنع عن نصح الطلاب بما نفعله نحن؟
أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلاشك أن واجب الداعية إلى الله أن لا ينهى عما يفعل، كما قال تعالى عن شعيب عليه السلام: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88] .
أما عدم الفعل والتطبيق هل يلزم منه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
فهذه المسألة ناقشها ابن كثير في تفسيره عند الحديث عن هذه الآية: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة:44] .
وملخص ما قاله يتمثل فيما يأتي:
أن في المسألة قولين للعلماء:
القول الأول: أنه لا يجوز له الدعوة إلى الله في هذه الحالة، واحتجوا بهذه الآية وغيرها من الآيات.
القول الثاني: أنه لا يلزم من ذلك ترك الدعوة إلى الله تعالى.
قال ابن كثير رحمه الله: والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله.
واستدل لهذا القول بعدة أدلة منها:
- قول سعيد بن جبير رحمه الله: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر.
قال مالك رحمه الله: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء؟
- أن كلاً من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر، أما استدلال الفريق الأول بالآية فرده ابن كثير رحمه الله بقوله: ليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أمرهم به ولا يتخلف عنهم.
وبهذا يتبين أن كون الأستاذ أو المربي غير ملتزم لا يسقط عنه وجوب الأمر بالمعروف والنهي من المنكر، لذا ننصح إخوتنا المعلمين وغيرهم بالاستقامة في أنفسهم، وامتثال أوامر الله تعالى، والكف عن نواهيه، ولا شك أنهم إذا فعلوا ذلك كان هذا وحده لونا من ألوان الدعوة والتوجيه، بل هو من أبلغها، فإذا وقع منهم زلل فلا يحملهم ذلك على ترك توجيه الأولاد وإرشادهم وتقديم النصح إليهم، لأن كل واحد من الأمرين واجب، فإذا قصر الشخص في أحدهما فلا يعني ذلك أنه غير مطالب بالثاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(5/805)
حكم من حضر وليمة فيها معصية لغرض الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الجلوس على مائدة يتناول عليها طعاماً محرماً بقصد استغلال الفرصة لدعوة الجالسين، مع العلم بأن ذلك هي الفرصة الوحيدة المتاحة للتحدث معهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر. رواه الترمذي.
وهذا الحديث دليل على وجوب اجتناب مكان المعصية إلا لمصلحة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا كان الشخص قادراً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمن على نفسه من الانجرار وراء المعصية فله أن يحضر ذلك المجلس ليقوم بهذا الواجب.
قال ابن قدامه -رحمه الله- في المغني 7/214: إذا دعي إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه وأمكنه الإنكار وإزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار لأنه يؤدي فرضين، إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر، وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر. ونحو هذا قال الشافعي. انتهى كلامه -رحمه الله-
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1423(5/806)
النصيحة للواقع في الحرام من الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أثناء ذهابي إلى المسجد ألتقي مع شخص جانب منزلهم وهذا الشخص لا يصلي ويتاجر في المخدرات وهو يقر لي بذلك ويقول لي أضطر لبيع المخدرات أفضل من أن أبقى بدون عمل والغريب في الأمر أنه يقول لي تعجبني فيك المحافظة على صلاتك وإنك لا تخالط أصحاب السوء وإياك أن تنحرف على الطريق الذي تسلكه
وإياك أن تنجر إلى طريق المخدرات وسؤالي هو لقد أحضر لي هذا الشخص حذاء بعد ما رجع من السفر ولم أستطع أن لا أقبله فهل يجوز لي ارتداء هذا الحذاء وجزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أولاً أن تقوم بنصيحة هذا الرجل لعله يتوب إلى الله مما هو فيه من معصية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: الدين النصيحة. فقال له أصحابه لمن؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وقوله فيما أخرجه البخاري من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: انصر أخاك ظالما أو مظلوماً! قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذ فوق يديه. ولمسلم من حديث جابر نحو الحديث وفيه: إن كان ظالماً فلينهه فإنه نصره.
وأما بخصوص الحذاء الذي أعطاك وقبولك إياه منه فإنه يدخل في قبول هدية صاحب المال الحرام. وقد ذكرنا حكم ذلك بالتفصيل في الجواب رقم:
7707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(5/807)
العاجز عن تغيير المنكر يسعه السكوت مع الإنكار بالقلب
[السُّؤَالُ]
ـ[مؤسسة تربوية في مطلع كل سبت ترفع العلم الوطني بحيث يجتمع الأساتذة والتلاميذ حول سارية العلم ثم يقوم التلاميذ ينشدون قصيدة تبدأ بكلمات شركية (قسما بالنازلات الماحقات ... ) وهكذا يوم الخميس هل يجوز لي بصفتي أستاذ في هذه المؤسسة أن أشاركهم في هذا العمل؟ مع العلم أنني في حالة الرفض قد أتعرض إلى عقوبات من بينها التخلي عن عملي.
أفتونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم وغيره.
ومن علم شيئاً مما يجب على العباد وجهلوه، فالواجب عليه إبلاغهم إياه، فالواجب أولاً على هذا الأخ محاولة تغيير هذا المنكر شريطة القدرة على ذلك، وأن لا يؤدي إلى منكر أكبر، وذلك بالنصح لهيئة التدريس إن أمكن، فإن لم يتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستطاع أن يعمل في مكان آخر فليبادر، فإن الله ورسوله قد أمرنا باجتناب مكان المعصية، وإن لم تجد عملاً آخر وكنت محتاجاً وتتضرر بالإنكار، فإنه يسعك السكوت مع الإنكار بالقلب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها -وقال مرة أنكرها- كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها" رواه أبو داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(5/808)
الدعوة البصيرة لإجهاض الفساد جهاد في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إذا كثر الفساد وانتشر وذلك بالإغراء على كفر النعم وإنكار الخالق والتنكر للدين والشريعة وتحسين الخلاعة والرذيلة والفجور وذهاب الغيرة والحياء إذا تفشى كل ذلك في المجتمع مثلما هو كائن حاليا في مجتمعنا التونسي
هل محاولة مقاومة كل ذلك يعتبر جهادا في سبيل الله؟ وهل هذا واجب؟ وما هي أنسب طريقة لذلك؟
دلوني دلكم الله إلى طريق الجنة وجزاكم عني أفضل الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم لا يجوز له أن يستسلم للباطل، ويرضى بالمنكرات والمعاصي، ويكون إمعة يسير مع القطيع لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.
ولا يجوز له كذلك أن ييأس ويقنط من الإصلاح، فاليأس والقنوط قرينا الكفر والضلال، قال تعالى: ( ... وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر:56] ، وقال: (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87] .
وقد علمنا ديننا الحنيف كيف نتعامل مع المشكلات، وكيف نواجه الأزمات، فما من خير إلا دلنا عليه، وما من شر إلا حذرنا منه، قال تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام:38] .
وقد أمرنا الله تعالى بالدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن على هدى وبصيرة.
وقد طبق صلى الله عليه وسلم هذا المنهج أكمل تطبيق، فقام صلى الله عليه وسلم وحده يدعو إلى الله تعالى في مجتمع الشرك والجاهلية الأولى، ولا شك أنه أشد فساداً من مجتمعاتنا اليوم، فكان يدعو بالحكمة متدرجاً في دعوته لا يدعو إلا إلى أساس العقيدة ومبادئ الإسلام، ولا يدعو إلا من يثق به حتى تكونت لديه مجموعة دار الأرقم، فكان يريبهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، حتى تخرجوا على يديه فكانوا النواة الأولى للمجتمع المسلم، والأساس الذي قام عليه بناؤه.
وإذا كنا اليوم قد فقدنا شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإننا لن نفقد المنهج الذي رباهم وكونهم عليه والمتمثل في الوحي من الكتاب والسنة المحفوظ بحفظ الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي" أخرجه مالك في الموطأ بلاغا، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
ويمكن أن تقول: إن الجاهلية الحديثة أكثر تعقيداً وأشد خطراً من الجاهلية الأولى وهذا صحيح، ولكن الدعوة اليوم تملك من الوسائل ما لم يكن متاحاً لها من قبل، وهذه الأمة كالغيث لا يدرى أوله خير أو آخره. على أننا غير مكلفين بالنتيجة، فالنتيجة أمرها إلى الله تعالى فنحن علينا العمل وبذل المستطاع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105] .
ولكن سنة الله تعالى ماضية، فمن جّد وجد ومن زرع حصد، وها هو التاريخ يعيد نفسه، وقد بدأت بشائر الخير تلوح، وعلامات النجاح تظهر نتيجة لجهود دعاة مخلصين قاموا هنا وهناك.
وما هذه الصحوة الإسلامية التي عمت أنحاء العالم الإسلامي، بل إنحاء المعمورة إلا بشرى من هذه البشائر، وعلامة من هذه العلامات.
وقد قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40] ، وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55] .
والخلاصة: أن أنسب طريق لمحاربة الفساد هي الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن على هدى وبصيرة، وهذا هو واجبك وواجب كل مسلم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108] .
وهذا لا شك أنه من الجهاد الذي أمرنا الله تعالى به، وهو منهج القرآن الذي قال الله تعالى عنه لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وجاهدهم به جهاد كبيراً) [الفرقان:52] .
وهو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أشرنا إلى بعض ملامحه في العرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1423(5/809)
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
[السُّؤَالُ]
ـ[لسلام عليكم أنا موظفه أعمل فى مجال اختلاط - عند عملي مع الطبيب أكون مرتديه العباية والطبيب لا يعترض على ذلك وحريص على مساعدتنا في ذلك ولكن لدينا فرقة متابعة نسائية من وزارة الصحه تخيل امرأة مثلي تمنعني من لبس العباية وإذا سألناها عن المانع حيث إن لبسنا لا يؤثر على سير العمل تقول بأمر من مدير الشؤن الصحية أرجو كتابة الرد والنصيحة له لكي أقوم بإيصال الرد له وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على المرأة أن تستر جميع بدنها إذا كانت في حضرة رجل أجنبي، لا فرق في ذلك بين الموظفة وغيرها، أما عدا الوجه والكفين فهذا باتفاق الفقهاء، وأما الوجه والكفان فعلى القول الراجح الذي دلت عليه الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز للمرأة أن تعمل عملا يستلزم كشفها عن حجابها، أو يوقعها في محذور شرعي كالخلوة بأحنبي عنها.
وعلى من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإنه مسئول عن ذلك أمام الله تعالى، والسماح للموظفة بإبداء زينتها أو كشف شيء من شعرها وصدرها أو قدميها منكر عظيم، وكذلك السماح لها بكشف وجهها على القول الراجح.
ومن أقر ذلك من مدير أو مسئول فهو شريك في الإثم، غاش لرعيته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
وعند البخاري: ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة.
ومدير الشئون الصحية إن كانت له سلطة على جميع الموظفات في دائرته فهو مسئول عن كل واحدة منهن، مطالب بحجزهن ومنعهن من ارتكاب ماحرم الله عليهن من التبرج وغيره.
وهذا يعني عظم المسئولية الملقاة على عاتقه، لاسيما في هذا الزمن الذي تساهل فيه كثير من النسوة في أمر الحجاب وغطاء الرأس والذراعين وغيرهما، مما يحتم عليه أن يكثر من فرق المراقبة والمتابعة، وأن يكون حازماً تجاه كل مخالفة شرعية، إبراء لذمته، وحذراً من الدخول في الوعيد المذكور في الحديث السابق.
ومن هذا يعلم أن التزام الموظفة بعباءتها وحجابها أمر ينبغي أن يكون مفرحاً وساراً لهذا المسؤل المستشعر لرقابة الله تعالى له، فإن هذه المؤمنة قد سهلت عليه مهمته، وخففت عنه شيئاً من أعباء الأمانة المنوطة به، فحقها أن تكافأ وأن تكرم.
وقد ربط الشرع بين الإيمان وبين الغيرة على محارم الله وإنكار المنكرات، فكلما قوي إيمان العبد كلما قويت غيرته، واشتد سعيه في إنكار المنكر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وقال: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه. رواه مسلم.
وليحذر المؤمن من أن ينهى عما أمر الله تعالى به، فإن هذا من المشاقة لله ورسوله: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرا [نساء:115] . وهذا من صفات المنافقين، كما قال الله: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67] .
ومن استدرجه الشيطان إلى هذا الخلق الشنيع لم ينفعه الاعتذار بشيء من أمور الدنيا ومتاعها الزائل، ولا بكونه متبعاً أو مقلدا أو مأموراً من قبل غيره، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يقينا شر أنفسنا وأن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1423(5/810)
حكم مخاطبة الرجل امرأة آمرا لها بالمعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الشرع في العمل مع المرأة في المجال الإداري والتحدث معها بحكم العمل وأمرها بالصلاة ولبس الحجاب والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ينبغي للرجل أن يعمل في مكان مختلط بين الرجال والنساء، وإذا قدر أنه عمل فيه فالواجب عليه هو أن يلتزم ما أوجب الله عليه من غض البصر وعدم الخلوة بالأجنبية ولا يتكلم مع النساء إلا بقدر الحاجة كالحديث فيما يتطلبه العمل، أو أمرها بمعروف أو نهيها عن منكر. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
16879 والفتوى رقم: 8360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1423(5/811)
رفع الظلم دون علم الظالم ... نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بمؤسسة وفي بعض الأحيان يقوم صاحب المؤسسة بخصم بعض الأيام من العمال ويكون هذا ظلماً بدون وجه حق وأنا في إمكاني أن أمنع هذا الخصم دون علم صاحب المؤسسة فهل يحق لي ذلك؟ ولو كان هناك ظلم وقع على أحد العاملين وأنا أستطيع أن أرفع هذا الظلم دون علم صاحب المؤسسة هل لي ذلك؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن قدر على رفع الظلم الذي لا يرفع إلا به، فالرفع في حقه حينئذ واجب عيني ما لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم، ويشترط لذلك معرفة أن هذا ظلم، فإذا كان كذلك فقد وجب عليه بذل الوسع في منعه من الوقوع ورفع ما وقع منه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذ فوق يده". رواه البخاري.
وفي حديث البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع، فذكر: نصرة المظلوم.
ورفع الظلم الواقع، أو الحيلولة دونه إن كان متوقعاً لا يشترط لواحد منهما إذن ولا علم الظالم إن كان هذا العلم أو الاستئذان قد يحول دون رفع الظلم وتحقيق العدل.
وكم من حقوق ومظالم تستوفى بدون إذن أصحابها، قال الله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة:194] ومعلوم أن المقتص منه لا يأذن بالقصاص.
وفي البخاري باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، وأورد الآية الكريمة: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل:126] وأورد كذلك حديث هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ مِسِّيك، فهل عليَّ حرج أن أُطعم من الذي له عيالنا؟ فقال: "لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف".
وفي هذا ما يدل على أنه يجوز استيفاء الحق، ورفع الظلم بدون علم أو إذن من عنده الحق والمظلمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1423(5/812)
الحسبة ... أركانها وآدابها ومراتبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من سيادتكم أن تشرحوا لنا ما معنى الحسبة في الإسلام..ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الحُسبة لغة: مشتقة من الاحتساب وهو طلب الأجر كما في الحديث: من صام رمضان إيماناً واحتساباً. أي طلب الأجر من الله تعالى.
أما في الاصطلاح فهي "أمر بالمعروف إذا ظهر تَرْكُه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله".
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعم من الحسبة، فيؤمر بالمعروف وإن لم يترك، وينهى عن المنكر وإن لم يرتكب، كما يفعل الخطباء والعلماء من الحث على فعل الخيرات وترك المنكرات، فتكون الحسبة أخص من حيث إنها تتعلق بالمعروف الذي ترك، والمنكر الذي فعل.
وأركان الحسبة هم:
1) مُحتسب ... 2) مُحتسَب عليه ... ... ... 3) مُحتسَب فيه 4) احتساب.
فالمحُتسب هو من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يشترط فيه إذن من ولي الأمر"السلطان" فكل مسلم مأمور بتغيير المنكر: من رأى منكم منكراً فليغيره. ونقل القرطبي الإجماع على أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، ثم إن من الحسبة، الحسبة على السلاطين، فكيف يُطلب منهم الإذن للاحتساب عليهم؟!
ولكون المحتسب يُرجى له الحصول على أجر الاحتساب شروط نذكر منها ما لا بد منه: وهو الإسلام وإخلاص النية والمتابعة..أي متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في الاحتساب. ومنها: العلم بما يأمر به وينهى عنه، وبأحوال المأمور والمنهي والملابسات وظروف المنكر. ومنها: القدرة على التغيير من اليد إلى اللسان إلى القلب الذي لا يُعفى منه أحد.
وهناك آداب للمحتسب من أهمها: الرفق في الاحتساب ووضعه في موضعه، ومن الآداب: البدء بالنفس، والبدء بالأهم، ومراعاة سنة التدرج، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والصبر واحتمال الأذى، والسعي لإيجاد البدائل الإسلامية للمنكرات المراد إزالتها.
المحتسب عليه: هو من يؤمر بالمعروف ويُنْهى عن المنكر، ومن شروطه، أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكراً؛ وإن لم يكن معصية يحاسب عليها ديانة، فكل من الصبي والمجنون والناسي والجاهل يمنع من المنكر، وإن لم يكن مؤاخذاً به شرعاً عند الله. والمحتسب عليهم يختلفون باختلاف حالهم في القرابة والبعد والقوة والشوكة ودخولهم في الإسلام وغير ذلك. ولكل واحد منهم أحكام ومباحث لا يتسع المجال لتفصيلها.
المحُتسب فيه: هو المنكر الموجود الظاهر للمحتسب بغير تجسس، ويكون مما يعلم أنه منكر بغير اجتهاد، ومن شروطه: أن يكون موجوداً في الحال هو أو مقدماته، أما ما فات فليس فيه إلا النصح، وأن يكون ظاهراً يراه المحُتسب أو يسمعه أو ينُقل له نقلاً موثوقاً، كل ذلك بدون تجسس، ومن شروطه: أن لا يكون مما اختلف فيه من مسائل الاجتهاد اختلافاً معتبراً، فلا إنكار في مسائل الاجتهاد.
الاحتساب: وهو القيام بالحسبة: وهو مراتب ولكل مرتبة شروط.
الأولى: التغيير باليد وهي أقوى مراتب الحسبة، ومن أهم شروطها: القدرة وعدم ترتب مفسدة أكبر من الاحتساب.
المرتبة الثانية: التغيير باللسان، وإنما ينتقل إليها إذا عجز عن اليد.
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب، وهذا لا رخصة لأحد في تركه، بل يجب أن يكون بعض المنكر وكراهيته في قلب كل مسلم، فآخر حدود الإيمان هو الإنكار بالقلب.
وحقيقة الإنكار بالقلب، عدم الرضا بالمنكر ومفارقته والنفور منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1423(5/813)
الابتعاد قد يتعين وسيلة لتغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإخوة الذين يتعاملون بالرشوة؟ هل يجوز أن ينسحب عنهم؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرشوة محرمة كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1713.
وإذا كان للشخص أصدقاء أو جيران يتعاملون بالرشوة، فالأولى ألا يقاطعهم ويبتعد عنهم، بل ينبغي له القرب منهم وتقديم النصح لهم، وبيان الحكم الشرعي في الرشوة؛ إلا إذا كان ابتعاده عنهم يجعلهم يتركون ما هم عليه من المنكر، فحينئذ عليه أن يبتعد عنهم، لأن الابتعاد قد يتعين وسيلة إلى تغيير هذا المنكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
وإذا وجب التغيير باليد على المستطيع مع ما يحتاجه من بذل جهد وتعرض لأذى عليه، فلأن يكون الابتعاد عن أصحاب المنكر أوجب إذا رجي أن يؤدي إلى إقلاعهم عن المنكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1423(5/814)
انصح والدك برفق وحاول بذكاء ألا يرى المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا عندي الوالد عمره48 سنة ركب له الدش نوعه ديجتال كلما أقعد معه يطردني لكي يرى الذي لا يفيد مثل الأشياء المفسدة ماذا أفعل معه مع العلم بأنني أعرف الرقم السري الذي يستخدمه لكي يرى الذي لا يفيد مع العلم أنه يصلي جميع الفروض في وقتها حتى الفجر في وقتها أرجو الإفادة والإسراع في الجواب وجزاكم الله جزاء الخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته في بركة الله نودعكم والله معكم مع السلامة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن النظر إلى ما ذكر أمر محرم، وقد يعود على والدك بعواقب وخيمة في الدنيا والآخرة؛ إن لم يبادر بالتوبة من ذلك والإقلاع عنه، ومما يعينه على الإقلاع ما ذكرته عنه من محافظته على الصلاة في الجماعة، فذكره بقول الله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت:45] .
فلا يليق بمن يحافظ على الصلوات أن يداوم على مثل هذه المنكرات.
أما أنت فالواجب عليك هو بر والدك والإحسان إليه، ومن البر به والإحسان إليه نصحه ووعظه وتذكيره بالله واليوم الآخر ونهيه عن المنكر، ولكن بالرفق واللين وبالتي هي أحسن، وإذا كنت تستطيع تغيير الرقم السري حتى لا يرى هذه الأشياء فافعل ما لم يؤد ذلك إلى شجار وخصام بينكما. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم:
12851 ونسأل الله أن يهدي والدك وأن يصلح حالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1423(5/815)
لست عليهم بمسيطر
[السُّؤَالُ]
ـ[أكلف من قبل العمل بالانتداب إلى مناطق بعيدة قد تبلغ ألفاً وخمسمائة كيلو ويكون ذلك عن طريق البر ويكون معي في السيارة من يدخن ولا أستطيع منعه وهذا التكليف يعرض علي وهو اختياري ولكن إن رفضته أفقد بدل انتداب مبلغ ألف ومائتي ريال وإجازة خمسة أيام فكيف العمل وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك أن تواصل عملك، والذي يلزمك هو النصيحة والإرشاد إلى الخير، ولا يعنيك بعد ذلك أستجاب الناس أم لا ما دمت قد بذلت الوسع في سبيل إقلاعهم عما لا يرضي الله، وانظر الفتوى رقم:
1671 لعلك تجد فيها أدلة تقنع بها من تنصحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1423(5/816)
مصاب الأمة يتحمل مسؤوليته الجميع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم علمائنا (علماء الدين) في ظل الموقف الراهن، هل يأثمون أو يحاسبون يوم القيامة على ما يدور في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وقد كنت قد قرأت من قبل أن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام يصله كل ما يفعله المسلمون فإن كان خيرا سعد به وإن كان شرا حزن له فهل هذا صحيح؟! أفيدونا أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يمر به المسلمون الآن من محن وابتلاءات أمر يدمي القلب ويدمع العين ويقض المضجع ويؤرق البال.
وهذا مما يوجب على العلماء أن يقوموا بحمل الأمانة، وإظهار الحق، وقيادة الأمة، ودعوتها إلى التصحيح والمراجعة والإعداد والاستعداد بكل ما تملكه من وسائل لمواجهة أعدائها.
وهذا هو مقتضى ما أخذه الله عليهم من الميثاق (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ... ) [آل عمران:187] .
ولا شك أن من تخاذل من هؤلاء العلماء فسكت عن بيان الحق وكتمه، أو لم يهتم بأمر المسلمين ولم يفزع لمصابهم فهو آثم، لتضييعه للأمانة، وتفريطه فيما أخذ عليه من الميثاق، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس" رواه أحمد بإسناد حسن.
وأما ما أشرت إليه من عرض الأعمال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في حديث ضعيف لفظه "حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت لكم" رواه البزار وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم: 975 وجاء بلفظ "تعرض علي أعمالكم كل خميس" وهو موضوع.
وقد روي بزيادة في أوله، وهي قوله "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام" وهذا حديث صحيح رواه أحمد، والنسائي، وابن حبان، والحاكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(5/817)
ترك الإنكار تعاون على الإثم
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مسافرا إلى إحدى الدول الأوروبية في العام الماضي ووقفت قرب محل للخضار ورأيت امرأة تسرق موزة في كمها، على الرغم من أنها غير محتاجة لأنني رأيتها تدخل محلا بعد ذلك وتشتري الطعام ولكني لم أتكلم خوفا من المشاكل، فهل أنا آثم؟ وما هي كفارتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض الإسلام وشعائره التي تواترت بها نصوص الكتاب والسنة، وذكر بعضها في الجواب رقم:
9358
فما كان يجوز لك السكوت عن سرقة تلك المرأة، بل كان يجب عليك الإنكار عليها إن أمنت الأذى على نفسك، وسكوتك وأنت قادر على الإنكار يخشى أن يكون من التعاون على الإثم.
قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [المائدة:2] فترك الإنكار تعاون على الإثم. انتهى. وإن كان هذا الإثم يتفاوت فقد يكون كبيرة؛ إن كان المنكر المسكوت عنه مع إمكان دفعه كبيرة، وإن كان صغيرة فالسكوت عليه صغيرة.
وقد نص العلماء على أن من رأى بهيمة تتلف مال غيره لزمه كفها إذا لم يخف الضرر.
فكان عليك أن تنكر على تلك المرأة بلسانك، وتحثها على إرجاع ما سرقته بلطف، فإن انزجرت فذلك المطلوب، وإلا أخبرت الذي سُرق منه ذلك، فتبرأ بذلك ذمتك، وهذا ما لم تخش على نفسك -كما تقدم- فإن خشيت كفاك الإنكار بالقلب.
وراجع الجواب رقم:
2007
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1423(5/818)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أنواع الجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[1-اذا انتشر الفساد في المجتمع بتحسين الخلاعة والرذيلة والفجور وذهاب الغيرة والحياء والتنكر للدين والشريعة، هل تعتبر مقاومة كل ذلك جهادا؟ وكيف يمكن ذلك؟ وهل ذلك واجب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن محاربة الرذائل ومقاومة الفساد من أفضل القربات إلى الله، وهو ما يعرف عند العلماء بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن يقومون بهذه الفريضة فإنهم يجاهدون في سبيل الله، وإن كان أعلى مراتب الجهاد هو جهاد الكفار بالسنان. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاد قائلاً "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقومون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه. ولمعرفة حكم هذه الفريضة وضوابطها راجع الجواب رقم: 9358
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1422(5/819)
الضرر المحقق يسقط وجوب الأمر بالمعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل عند طبيب الأسنان وهذاالطبيب سيئ الأخلاق والآداب في معاملته مع النساء ودائما أنصحه وعندما أنصحه يريد أن يطردني من العمل.
كيف يجب التعامل معه وهو يصلي ويصوم ويحج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي يلزمك هو أن تنصحه ما استطعت إلى ذلك سبيلا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم وأحمد.
وليكن ذلك برفق وحكمة، قال الله عز وجل: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) [النحل:125] لأنه ما دام يحافظ على دعائم الإسلام فإنه يرجى له الخير، فإن خشيت أن ينالك منه ضرر لا تطيقه سقط عنك وجوب أمره، ونهيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه" قالوا: وما إذلاله لنفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق" رواه الإمام أحمد، والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ولكن يلزمك أن تظل كارهاً لفعله، غير راض به، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: "فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان."
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1422(5/820)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... ضوابطه وشروطه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
سؤالي عن مسئولية العا لم في إنكار المنكر.
هل يجوز للعا لم أن يسكت عن هذه الأمور التي يراها تحدث في بلده مخافة من السلطان مثلا؟
هل يجوز للعالم أن يدافع عن حاكم بلده حتى لوكان علي باطل؟
لماذ يختلف العلماء في أمور لم يختلف فيها من قبل مثل توارث الحكم والسلطان وهل يجوز ذلك
وماحكم الشريعة الإسلامية في ذلك؟
وجذاكم الله خيرا عني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الدين العظيمة، وأعماله الظاهرة التي امتاز بها عن سائر الأديان، وله ضوابطه وشرائطه التي لابد من تحققها عند القيام بالأمر والنهي، كما أن المنكرات تختلف فمنها: الكفر البواح، ومنها: الظلم، والفسق، وكبائر الذنوب ... إلخ.
وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بأنهم: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71] .
كما أمر الله تعالى المؤمنين بقوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104] .
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: يقول تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
قال الضحاك: هم خاصة الصحابة، وخاصة الرواة يعني: المجاهدين والعلماء ... والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الأيمان حبة خردل".
وقد روى الإمام أحمد من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم".
ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ويتعين في بعض الأحوال بحسب القدرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، ومما قاله في ذلك: وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن، ولما كان الجهاد من تمام ذلك كان الجهاد أيضاً كذلك، فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه أثم كل قادر بحسب قدرته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه" مجموع الفتاوى (28/126) .
وبعد هذه المقدمة نقول: لا يجوز للعالم أن يدافع عن أحد، حاكم بلده ولا غيره إن كان على الباطل، بل الواجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان الحق حسب الاستطاعة، فينكر بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، كما في الحديث المتقدم.
وإذا سكت العالم على الأمور المنكرة التي لا يسع السكوت عنها، ولم ينكرها ينظر في السبب الذي حمله على السكوت، هل هو الخوف على نفسه من أذى يلحقه لا يحتمله من قتل أو تعذيب؟ أم الخوف على رزقه؟ أم الخوف على انقطاع الأعطيات التي يحصل عليها من الحاكم؟ أم هو الاستسلام للأمر الواقع واليأس من عدم التغيير؟ أو الرغبة في موافقة السلطان وعدم مخالفته؟ أو غير ذلك؟
ولا يخفى أن كل صورة من هذه الصور لها حكمها المستقل، ولا يعذر في هذه الصور إلا من يخاف على نفسه القتل، أو الأذى غير المحتمل، فيجوز له السكوت، واتباع الرخصة مع الإنكار التام بالقلب، وإن أخذ نفسه بالعزيمة فحسن، لقوله صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" رواه الحاكم وصححه.
وتعقبه الذهبي بأن حميد الصفار لا يدري من هو، لكن حسنه الألباني في صحيح الجامع، والسلسلة الصحيحة.
أما الاختلاف بين العلماء في مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلطان، أو الحاكم فهي قديمة ولا زالت، وكل جيل ينظر في الخلاف المعاصر له، فيظن أنه لم يسبق له نظير، ومن تأمل التاريخ وجد الأمر على ما ذكرنا.
وما اختلاف العلماء حول مشروعية تولي الحكم عن طريق الوراثة والملك، وهل يشترط فيمن يتولاها أن ينتخب من الشعب؟ وهل يشترط أن يكون قرشياً؟ وهل تقبل إمامته إذا وصل إليها عن طريق الملك والوراثة، وغيرها من مسائل الإمامة إلا أمثلة لما ذكرنا، ومحل هذه المسائل وتفصيلها كتب السياسة الشرعية، ويمكنك الرجوع إلى ما كتب في هذا الباب، مثل كتاب: الأحكام السلطانية للماوردي، وغياث الأمم في التياث الظلم للجويني، كما يمكنك مراجعة الفتاوى المحررة في موقعنا مركز الفتوى تحت باب: السياسة، والسياسة الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1422(5/821)
من يقع في بعض المنكرات.. هل يدعو إلى الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بعض المنكرات ولكن هل يجوز أن أمارس عملا دعويا وخاصة قضايا تتعلق بالنساء وهل يقع علي الوعيد" أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " أم هذا الوعيد له تأويل آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من عوامل نجاح الداعي إلى الله تعالى أن يوافق فعله قوله، وأن يكون أسرع الناس إلى تطبيق ما يدعو إليه، وأبعدهم عن اقتراف ما ينهى عنه، وإلا كان كلامه صرخة في واد، أو نفخة في رماد.
وقد عاب الله تعالى ووبخ من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، فقال: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة:44] .
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3] .
وقد أحسن الشاعر حين قال:
ابدأ بنفسك فانها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم
وإذا كان عملك الدعوي يخص النساء، فلتكن حذراً أشد الحذر من فتنتهن، وعليك أن تعتصم بالله تعالى، وتقوي صلتك به، وأن تتجنب كل سبب يبعث على الفتنة، أو يثير الشهوة.
وقد جاء في السنة وعيد من يأمر الناس بالمعروف ولا يأتيه، أو ينهى عن المنكر وهو يأتيه، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان: ما شأنك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".
قال أبو عبيد: الأقتاب: الأمعاء.
فالإنسان مطالب بأمرين: ترك المنكر، والنهي عنه، فيقبح منه أن يقع فيما يحذر الناس منه.
والمقرر عند أهل العلم أن وقوع الإنسان في المنكر لا يسقط عنه وجوب الإنكار، لأن تقصيره في أحد الواجبين لا يبيح له التقصير فيهما معاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1422(5/822)
شأن المسلمين في التعامل مع من حكم بغير الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أسال عن التعامل مع الحكام المحكمين لغير الشرع في بلاد المسلمين
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المنهج الذي ينبغي سلوكه مع الأمراء الذين يخالفون الشرع، فقال: "ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع" قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا" رواه الإمام مسلم.
قال الإمام النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع.." هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة بالإخبار بالمستقبل، ووقع ذلك كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن عرف فقد برئ" وفي الرواية التي بعدها: (فمن كره فقد برئ) ، فأما رواية من روى (فمن كره فقد برئ) فظاهره ومعناه: من كره ذلك المنكر، فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده، ولا لسانه، فليكرهه بقلبه وليبرأ.
وأما من روى (فمن عرف فقد برئ) فمعناه - والله أعلم - فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه، فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو بلسانه، فإن عجز فليكرهه بقلبه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من رضي وتابع" معناه: ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضى به، أو بأن لا يكرهه بقلبه، أو بالمتابعة عليه، وأما قوله: "أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا" ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم، أو الفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام. انظر شرح النووي على صحيح مسلم. كتاب الإمارة.
وفيما تقدم بيان للمنهج الذي ينبغي سلوكه، ولعله لا يحتاج منا إلى تعليق، وقد سبق جواب بخصوص حالات الحاكم نحيلك عليه برقم: 1808.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1422(5/823)
ضوابط في نصيحة ذوي المناصب.
[السُّؤَالُ]
ـ[كما يعلم الجميع تحريم حلق اللحية وقد وردت نصوص كثيرة في وجوب إعفاء اللحية.
وكما تعلمون ان الله امر المسلمين بالتناصح
فيما بينهم. فكيف يكون نصح أصحاب المناصب العالية والرؤساء. وذلك خوفا من بطشهم
أفيدونا مأجورين والله يحفظكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك) [النحل:125] وقال: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) [الذاريات:55] وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه… " الحديث. ففي الآيتين المتقدمتين الأمر بتذكير الناس ودعوتهم إلى الله عز وجل، وفي الحديث -أي حديث مسلم- المتقدم بيان لدرجات تغيير المنكر وأنها ثلاث: تغير باليد، أو باللسان، أو بالقلب.
فعلم من هذا أن الواجب على المسلم أن يذكر في الله تعالى، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسب استطاعته، قال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) [التغابن:19] وقال صلى الله عليه وسلم "وإذ أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" جزء من حديث متفق عليه، ثم إن التذكير والنصح في الله تعالى هو واجب المسلم نحو أخيه المسلم كيف كان - رئيساً أو مرؤوساً، ففي صحيح مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه: " الدين النصيحة" وفيه "لأئمة المسلمين وعامتهم". وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. ومن النصح لحكام المسلمين أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتذكيرهم وتنبيههم بلطف ورفق ولين، ومع هذا فإن لوجوب إنكار المنكر شروطاً منها. أن يكون الأمر المرتكب مجمعاً على تحريمه، أما ما كان مختلفاً فيه وارتكبه صاحبه مجتهداً أو مقلداً فلا يجب إنكاره إلا ما ضعف فيه الخلاف، والمسألة التي بين أيدينا هي حلق اللحية مما ضعف فيه الخلاف لمصادمة القول بإباحة حلقها لأمره صلى الله عليه وسلم بإعفائها وهو الأمر الصريح الثابت في الأحاديث الصحيحة التي لامطعن فيها، كما أن من شروط وجوب إنكار المنكر الأمن على النفس والأهل والمال. فمن خاف من ذي سلطة أن يبطش به بضرب أو بسجن أو قيد أو أخذ مال إن أمره بالمعروف أو نهاه عن المنكر سقط عنه وجوب الأمر والنهي نص على ذلك الأئمة، الإمام مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم، قال الإمام أحمد: لا يتعرض للسلطان فإن سيفه مسلول. وقال سعيد بن جبير قلت لابن عباس آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خفت أن يقتلك فلا، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، وقال: إن كنت لا بد فاعلاً ففي ما بينك وبينه. أما الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو قوله مرفوعاً: "ألا لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه" وما جاء في معناه فمحمول على أن يكون المانع من الإنكار مجرد الهيبة، أو خوف الكلام السيئ أو نحو ذلك، دون الخوف المسقط للإنكار، وهذا بالنسبة لمن لا يطيق الأذى ولا يصبر عليه لأن الإنسان منهي عن تعريض نفسه للمذلة، أما من علم من نفسه الصبر والجلد واحتمال الأذى الذي قد يتعرض له فالأفضل له إنكار المنكر ولو خشي الأذى، نص على ذلك الإمام أحمد، ويشهد له ما أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي سعيد "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" كما يشهد له ما قام به الرسول الكريم وأصحابه صلوات ربي وسلامه عليهم، وما تلقوه من الأذى بأنواعه جراء صدعهم بالحق أمام الجبابرة والكفرة.
وقد قال الإمام ابن القيم في نونيته:
فاصدع بأمر الله لا تخشن الورى في الله واخشاه تفز بجنان
قل لي متى سلم الرسول وصحبه والتابعون لهم على الإحسان
من جاهل ومعاند ومنافق ... ومحارب بالبغي والطغيان
فانظر أيها السائل الكريم أي بطش تخشاه لو قمت بواجبك الدعوي؟ أتخاف ممن ذكرت على نفسك أو أهلك أو مالك؟ أم تخاف مجرد تهديد أو سب أو نحو ذلك؟
ثم انظر في نفسك أنت من أي الفريقين؟ أمن الذين لهم قوة وجلد على تحمل الأذى ومواجهة كل الاحتمالات؟ أم ماذا؟ ثم احكم لنفسك من خلال ما تقدم، أو احكم عليها.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/824)
معنى إنكار المنكر بالقلب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بإنكار المنكر بالقلب؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم أمابعد: ...
الكلام على إنكار المنكر بالقلب يكون من وجهين: الوجه الأول: محله، والثاني: صفته. فأما محله: فهو فيما إذا عجز العبد المسلم عن إنكار المنكر بيده ولسانه مراعيا في ذلك شروط وضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والأصل في ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". فهذا محله. وأما صفته: فهو أن يشعر المؤمن في قلبه، بكراهة هذا المنكر وبغضه له، وأن يتمنى أن لو قدر على تغييره، وأن يناله حزن وهم لعدم قدرته على تغيير هذا المنكر، وهذا الأخير هو من أمارات صدق الإنكار بالقلب وينبغي أن ينضم إلى ذلك سؤال الله جل وعلا الإعانة على تغيير هذا البلاء وإزالته. نسأل الله جل وعلا ـ لنا ولجميع المؤمنين التخلق بهذا الخلق المبارك. . ومما ينبغي أن يشار إليه أنه إن كان الإنسان عاجزاً عن تغيير المنكر إلا أنه بوسعه مفارقة المكان الذي يعصى الله فيه، فيجب عليه مفارقته ولا يكتفي في هذه الحالة بإنكار القلب فقط. وقد قال جل وعلا: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) [الأنعام:68] وقال تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) [النساء:140] . وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/825)
الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[وهل حقا أن الإسلام دين الله الذي لا يقبل سواه؟ أرجو الدليل من حضراتكم لأني بدأت أشك في عقيدة الإسلام والعياذ بالله. ولماذا لم يسلم المسيحيون مثلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
2- وأما سؤالك عن كون الإسلام هو الدين الحق فهذا ممّا لا يجوز أن يرتاب فيه مسلم، ومما يؤسف له أن بعض المسلمين قد صار يسأل عن دليل كون الإسلام هو الدين الحق، وهذا أمر أوضح من الشمس في رابعة النهار، فحذار حذار أيها الأخ الكريم أن يساورك أدنى شك في هذه العقيدة وتلك الحقيقة الكبرى، وهي أن الله لا يقبل دينا غير الإسلام، وإلا كنت على خطر عظيم، ولو لم يكن دليلا إلا قول الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. {آل عمران:85} . لكفى بينة واضحة ودليلا مبينا على أن الإسلام هو دين الله الحق، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ. {آل عمران:19} .
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ويجب أن تعلم أن الإسلام هو دين جميع الرسل، فإن الله ما بعث نبيا إلا وهو يدعو إلى توحيده وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ. {الأنبياء: 25} . وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ. {النحل: 36} . وبين تعالى أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء عليهم السلام فقال عن إبراهيم عليه السلام: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. {البقرة: 131} . وقال عن نوح عليه السلام: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. {يونس: 72} . وقال يوسف عليه السلام: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ {يوسف101} . وقالت ملكة سبأ: وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. {النمل: 44} . وقال سحرة فرعون لما أسلموا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ. {الأعراف: 126} . وقال الحواريون للمسيح عليه السلام: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. {آل عمران: 52} . فدل على أنه عليه السلام كان يدعوهم إلى الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء.
وأما سؤالك عن سر عدم إسلام النصارى مثلا، فقد هدى الله تعالى كثيرا منهم ممّن علم فيهم الخير، وأما من بقي على الضلال منهم فقد أضله الله بحكمته البالغة لعلمه أنه لا يزكو بالإيمان ولا ينبت قلبه إلا الشر والضلال كما قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ. {الأنفال: 23} . والله تعالى هو المنفرد بالهداية والإضلال، كما قال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ. {الأنعام: 125} . وله الحجة على جميع خلقه وليس لهم الحجة عليه تعالى، فهو سبحانه لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، قال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ. {الأنعام: 149} .
فعليك أيها الأخ الكريم أن تعلم أن الله تعالى حكيم يهدي من يشاء ويضل من يشاء على مقتضى الحكمة. فنسأله تعالى الهداية، ونعوذ به من الضلال. وعليك أن تعلم أن الله عدل لا يعذب أحدا ولا يضله إلا بعد إقامة الحجة عليه، قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ. {التوبة: 115} .
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1430(5/826)
ابتلاء المسلم بالمرض تكفير للسيئات ورفع للدرجات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد:
فلقد أرسلت إليكم ـ بارك الله فيكم ـ من قبل وأخبرتكم أنني تعرضت للعديد من الشبهات التي أثرت سلبا على عقيدتي ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كان آخر هذه الشبهات يتعلق بالشيخ الراحل: أحمد ديدات، حيث علمت أنه خلال مناظرة أو أكثر له مع النصارى قال: فليشل الله لساني إن كنت أتكلم بالكذب: وبالفعل حدث هذا الأمر وشل الله لسان الشيخ مع جميع بدنه وظل هكذا لسنوات لا يستطيع فيها مناظرة النصارى حتى تُوفي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والنصارى فرحون بالطبع بتلك ـ العقوبة الإلهية ـ التي لم تكن متوقعة حتى إنهم يقولون: إن الله أمهله طيلة هذه السنوات لكي يتوب ويرجع إلي العقيدة الصحيحة والإيمان الصحيح بالله ـ يقصدون عقيدة النصارىـ حيث يزعمون أن الشيخ كان يعلم أن النصرانية هي الطريق الحق ولكنه أبى إلا أن يجادل بالباطل ليدحض به الحق علي حد قولهم.
صراحة هذا الموضوع أثر في نفسي كثيرا، حيث إنه إذا قلنا أن ما أصاب الشيخ كان ابتلاء من الله، حسنا، ولكن ألم يكن ممكنا أي بلاء غير الذي طلبه ليكون عقابه من الله أمام جموع الناس إن كان كاذبا؟ لماذا هذا النوع من الابتلاء بالتحديد؟.
أنقذوني من هذا يجزيكم الله خيرا.
أرجو عدم حذف البسملة في أول الرسالة عند النشر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ادعاه أولئك النصارى هو عكس ما استفاض من أخبار الداعية أحمد ديدات ـ رحمه الله تعالى ـ وإفحامه للنصارى في المناظرات العلنية التي عقدها مع كبار قساوستهم مما تجده مبثوثًا في المواقع الإلكترونية التي تعرض ملفات الفديو.
نعم لقد مرض الشيخ: أحمد ديدات وطال مرضه، ولعل الله يجعل ذلك كفارة لذنوبه ورفعة في درجاته، لكن ذلك لا يؤيد افتراءهم عليه، فإن المرض يصيب البر والفاجر، ولا يكون البلاء بالضرورة لغير المستقيمين فقد يبتلي الله أولياءه، ولتعتبر بنبي الله أيوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام. وانظر الفتوى رقم: 104788.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1430(5/827)
أعظم الفروق بين الإسلام وبين اليهودية والنصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الحقيقة فقط، أريد أن أعلم أين الحق وإلا سأنتحر، أريد حقيقة لماذا أدخل الإسلام؟ وما الشيء الذي عندكم وليس عند المسيح؟ لماذا الدين المسيحي ليس بالصحيح؟ وكيف أعرف أين الصحيح وأين الخطأ؟ لماذا لا يكون جميع البشر على دين واحد؟ ولماذا الاختلاف؟ لماذا خلق الله البشر الملائكة الشياطين الجنة النار؟ لماذا خلقني الله؟ كيف أصدق أن الدين الإسلامي هو الدين الصحيح؟ ماشأن القسيسين والرهبان إلى أين سيذهبون للجنة أو النار؟ هل من يولد مسيحيا محكوم عليه بالنار..والمسلم للجنة؟ من الله وما هي صفاته؟ مادام الله موجودا فلما الظلم، ولماذا الناس تؤذي بعضها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر للأخت السائلة بحثها عن الحق، واجتهادها في معرفة الحقيقة. وإن كنا ننبه على خطئها الشديدة في تفكيرها بالانتحار، فإنه لن يعينها على ما تريده من الحقيقة، ولن ينفعها عند لقاء ربها في الآخرة، وبديل ذلك أن تتذكر رحمة الله الواسعة، وأنه سبحانه وتعالى سيهديها للحق الناصع، إن هي جاهدت وثابرت وصدقت وأخلصت في طلب الحق.
ثم اعلمي ـ وفقك الله ـ أن دين الله واحد، ومبناه على معرفة الله وتوحيده وإفراده بالعبادة، ونبذ كل ما يعبد من دونه، والاستسلام والانقياد لأمره، فليس لأحد معه حكم، ولا يملك حق التحريم والتحليل إلا هو. ولا يوجد دين على وجه الأرض فيه هذه المعاني غير الإسلام، فاليهود والنصارى ينسبون لله الولد، وكفى بذلك طغيانا وظلما، يقول الله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {التوبة:31،30}
فانظري ـ يرحمك الله ـ كيف استوى اليهود والنصارى مع الكفار في شركهم وكفرهم، بنسبة الولد لله تعالى، وهذا من أعظم الظلم والكفر، بخلاف المسلمين الذين يعتقدون تفرد الله تعالى بالألوهية والربوبية والكمال المطلق، وأن كل ما السموات والأرض إنما هو عبد لله خلقه من العدم.
قال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا *لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا*إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا {مريم:93،92،91،90،89،88}
ولم يكتف اليهود والنصارى بذلك حتى جمعوا معه اتخاذ علمائهم وعبادهم أربابا من دون الله، يحلون لهم ما حرم الله، ويحرمون عليهم ما أحل الله، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها. فجاء الله بالإسلام ليهديهم صراطا مستقيما، ويبين لهم طريقا قويما، ويقيم عليهم بذلك الحجة، ويوضح لهم المحجة. كما قال عز وجل: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. {المائدة:16،15} وقال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {المائدة:19}
فما جاء الإسلام لأهل الكتاب إلا بالكلمة السواء التي تتفق عليها العقول المستقيمة والفطر السليمة. كما قال سبحانه: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل عمران: 64}
وهذه الكلمة هي التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، ولم يخالفها إلا المعاندون والضالون، ليست مختصة بأحدنا دون الآخر، بل مشتركة بيننا وبينكم، وهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال، ثم فسرها بقوله {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا} . فمن رحمة الله بأهل الكتاب أن أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، كما قال تبارك وتعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ*رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً* فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ {البينة:3،2،1}
فلم يكن أهل الكتاب منفكين عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين إلا كفرا {حتى تأتيهم البينة} الواضحة والبرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال: {رسول من الله} أي: أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتابا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا قال: {يتلو صحفا مطهرة} أي: محفوظة.
ثم إنه من أصول الإسلام أن أتباعه يؤمنون ويعظمون جميع الأنبياء والرسل، ويحكمون بكفر من جحد ولو نبوة نبي واحد، فهم يؤمنون بأن عيسى عبد الله ورسوله كغيره من الأنبياء: نوح وإبراهيم وموسى وخاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا* أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا* وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:152،151،150} وقال سبحانه: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ {البقرة: 285}
أما اليهود فيجحدون نبوة عيسى ومحمد، وأما النصارى فيجحدون نبوة محمد. فاستحق الفريقان بذلك الحكم السابق، فنحن إذاًعندنا الإيمان بالله وحده وبجميع أنبياءه ورسله.
فأعظم الفروق بين الإسلام وبين اليهودية والنصرانية، في قضية الإيمان بالرسل، وقبل ذلك في قضية التوحيد، فإنه لا يوجد ملة على وجه الأرض تعرف الله تعالى وتوحده وتمجده وتثني عليه بما هو أهله، وتثبت له جميع صفات الكمال وتنزهه عن كافة صفات النقص إلا الإسلام، وهذا مدخل للجواب على قول السائلة: من الله ومن صفاته؟ فنحن المسلمين نقول في جواب ذلك أوجز العبارات وأسهلها، فنتلو سورة قصيرة من كتاب ربنا تبارك وتعالى فنقول: قل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ {الإخلاص:4،3،2،1}
فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. {الله الصمد} أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي كمل في رحمته الذي وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه {لم يلد ولم يولد} لكمال غناه {ولم يكن له كفوا أحد} لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى.
أما سؤالك عن كيفية معرفة الصواب، وهل الإسلام هو الدين الصحيح أم النصرانية؟ فيكفي أن ترجعي إلى القرآن، وإلى الكتاب المقدس عند النصارى، وتقارني بينهما، فإن هذا سيؤدي قطعا مع البحث الجاد والقراءة المتأنية إلى معرفة الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، فإن من نظر في الأناجيل الأربعة المشهورة وجد كثيرا من الاختلافات الجوهرية والأغلاط التي يستحيل معها أن يكون هذا الموجود بين أيديهم موحى به من عند الله.
وقد بين العلامة رحمة الله الهندي في كتابه "إظهار الحق" وجود 125 اختلافا وتناقضا في كتابهم المقدس، ووجود 110 من الأغلاط التي لا تصح بحال، ووجود 45 شاهدا على التحريف اللفظي بالزيادة، وعشرين شاهدا على التحريف اللفظي بالنقصان، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 2105. هذا مع ما في الكتاب المقدس عند النصارى من نسبة العظائم والقبائح التي ينزهون عنها قساوستهم إلى أنبياء الله ورسله الكرام كالزنا وشرب الخمر. ناهيك عن كون الأناجيل لم تكتب في حياة المسيح ولا قريبا منه، وليس لها سند يمكن الاعتماد عليه. وقد سبق بيان ذلك مع بيان نقاط الضعف في الديانة النصرانية، في الفتوى رقم: 10326.
وأما القرآن فقد تحدى من قديم أن يقدر الإنس والجن ولو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله.
كما قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً ا {الإسراء: 88} .
وتحداهم على الإتيان ولو بسورة واحدة من سور القرآن بعد أن صرح بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون له مصدر غير الله الخلاق العليم، فقال تعالى: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {يونس:38،37}
ورغم ذلك فلم يستطع العرب وهم أرباب البيان والفصاحة، وكذلك كل الأمم من بعدهم إلى يومنا هذا. وهذا بلا شك من أعظم الحجج على أن القرآن كلام الله.
ومن الدلائل الواضحة أيضا على صدق القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيب الذي لا يعلمه الخلق، ولا يمكنهم افتراؤه، وما فيه من الإعجاز العلمي الذي لم يكتشف إلا مؤخرا، كأطوار الجنين في بطن أمه، ووجود الحاجز المائي بين العذب والمالح في البحر، وهذا موضوع يستحق الاهتمام ويأخذ بالقلب للإيمان، بإقامة الحجة والبرهان، وهناك من الكتب والمواقع ما يفصل هذه المسائل تفصيلا شافيا، وراجعي للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6828، 54711، 74500، 20458، 63050، 49129.
ومن معالم الحق الواضحة والقاضية بصدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأحقية الإسلام، وجود البشارات الواضحة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل رغم تحريفهما والمحاولة الحثيثة لإخفاء ذلك، وقد سبق أن سقنا بعضها في الفتويين: 77017، 111652.
وإننا نهيب بالسائلة ألا تملَّ من البحث، وأن تزيد من الجهد، حتى يهديها الله تعالى إلى صراطه المستقيم، فإن هذا الأمر أمر عظيم، يترتب عليه إما نجاة وإما هلاك، إما خلود في الجنة وإما خلود في النار. فإن الإنسان لو لقي الله بكل ذنب غير الشرك والكفر فيمكن أن يغفره الله ولن يخلد في النار، أما الشرك والكفر فهذا موجب للخلود في النار، وبهذا تعلمين مصير الرهبان والقسيسين الذين ماتوا على الكفر. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ {التوبة:35،34}
وكذلك من وُلد على ملة شركية كالنصرانية، ثم بلغ الحلم وسمع بالإسلام ونبي الإسلام، ثم قصَّر ولم يبحث عن الحق حتى مات مشركا بالله العظيم، فمصيره إلى النار والعياذ بالله. فإنه اعتقد ما لا تقبله فطرة ولا يتصوره عقل، ويكفي مثالا لذلك: عقيدة التثليث والصلب والفداء، فإنها تدعو على نفسها بالبطلان وعلى صاحبها بالخسران.
أما السؤال عن الغاية من الخلق، وعن سبب وجود الظلم والإيذاء برغم وجود الله تعالى؟ فهذه قضية في غاية الأهمية، وفهمها يفتح الطريق للمعاملة الصحيحة مع الكون من حولنا، فالله تعالى خلقنا لنعبده، كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56}
وهذه العبودية إنما تستخرج بما يعرف بالامتحان والاختبار، وهو ما يسمى في شريعة الإسلام بالابتلاء، كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ليبلوكم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً {الملك: 2} وقال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:3،2} وقال عز وجل: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ {آل عمران: 179} وهذا يكون بطريقين، إما بالأحكام الشرعية التي هي الأوامر والنواهي، وإما بالأحكام القدرية، سواء ما نكره منها كالمصائب والشدائد، أو ما نحب كالأموال والأولاد، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء: 35}
فالنوع الأول يظهر به الطائع من العاصي، والنوع الثاني يظهر به الشاكر الصابر من الجحود الجزوع. ومبنى ذلك على إيثار مراد الله ومرضاته على هوى النفوس وشهواتها، فإن الأحكام الشرعية والقدرية تأتي في كثير من الأحوال على خلاف هذا الهوى، فمن آثر طاعة الله انتفع في الدنيا والآخرة، وإلا خسر فيهما جميعا. ومن شكر الله على نعمه زاده الله خيرا، ومن صبر ورضي بقضائه وقدره أحسن عاقبته في الدارين، ومن سخط باء بالخسران فيهما، وبهذه الطريقة تستخرج عبودية الله من الناس، بحيث يدور العبد بين فعل المأمور وترك المحظور، وبين شكر لله على السراء وصبر لله على الضراء. فمن فعل ذلك أفلح كل الفلاح، وتكون عاقبته دائما إلى خير، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
وبناء على هذا الابتلاء والامتحان انقسم الناس إلى قسمين، كما قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات:41،40،39،38،37}
وهذا يوضح للسائلة استفسارها عن سبب الاختلاف بين الناس، بحسب إقبالهم على طاعة خالقهم ورازقهم، وإيثارهم لمرضاته على هوى النفوس وشهواتها.
والظلم الذي يقع على البشر هو من جملة الابتلاء، وإن لم يحصل فيه فصل القضاء في الدنيا فسيقضى فيه في الآخرة، كما قال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ {إبراهيم: 42}
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. ثم قرأ (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) رواه البخاري ومسلم. وراجعي في بيان هذه الحكمة من وراء الخلق الفتويين: 117638، 75978.
وننصح الأخت السائلة ـ وفقها الله ـ بقراءة كتاب (إظهار الحق) لرحمة الله الهندي. وكتاب (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان.
ونسأل الله العظيم أن يشرح صدرك للحق الذي يرضيه، وأن يهديك إلى صراطه المستقيم. اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(5/828)
يتعين على الأمة التعاون لدحض شبه أعداء الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في موقع اليوتوب وجدت بعض الفيديو التي تتهم الإسلام بأنه كذب وافتراء ووجدت أنهم يكتبون بعض الآيات ويقولون إنها من القرآن ويسبون الرسول ويحرفون الكلام وذلك باللغة الإنجليزية لكي يخدعون الناس الذين لا يعرفون اللغة العربية وأريد أن أسأل ما حكم الشيخ الذي يسأل ولا يجيب، فأرجو أن يتم الرد على هؤلاء الناس رغم أنهم يعرفون العربية ولكن يجب عمل فيديو باللغة الإنجليزية؟ وتقبلوا خالص التحية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فعلى من عنده شيء من العلم أن يحرص على تعليمه كلما وجد فرصة لذلك، ومن أعظم الفرص أن يجد من يسأله عن شيء، وقد ذكر أهل العلم أن العالم إذا سأله مكلف في قضية نازلة ولم يخش من الإخبار به مفسدة راجحة أو ضرراً معتبراً شرعاً، فإنه يجب عليه أن يفتيه بما يعلم فيها من الحق، فإن لم يفعل عد ذلك من كتم العلم المحرم شرعاً الملعون فاعله، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {البقرة:159-160} ، وفي الحديث: من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
وقد نظم بعض أهل العلم شروط وجوب الفتوى فقال:
وعارف مكلف قد سأله * مكلف عن الذي يجب له
سائله خاف فوات النازلة * حتم عليه أن يجيب سائله
ثم إنه يتعين على الأمة أن تتعاون على دفع الشبه التي يوردها أعداء الإسلام وأن ترد عليهم وتبطل تلك الأكاذيب لعل الله أن يجعل ذلك سبباً لهداية الكفار المفترين على الإسلام، وسبباً في ثبات عوام المسلمين على الدين، ويتعين كذلك على العوام أن يبتعدوا عن الاطلاع على كلام المفترين على الإسلام لئلا تنطلي عليهم شبههم، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26934، 63350، 2424، 56402، 61074، 75780، 80250، 103203.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1429(5/829)
الطعن في الصحابو وترويج الشبهات بضاعة المفلسين
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن شباب مسلمون نعيش في إحدى الدول العربية الإسلامية، إلا أن أحد زملائنا وهو ذو شهادة عليا بدأ يذكر لنا أمورا عن الدين ما أنزل الله بها من سلطان، حتى كاد أن يزيغ قلوبنا عن هذا الدين الحنيف الذي ارتضاه الله لنا، فمثلا هو يشكك بأبي هريرة رضي الله عنه ويصفه بأوصاف لا تليق به من حيث كثرة روايته للحديث، وكذلك يصف كبار الصحابة بصفات يندى لها الجبين والآن استغربت منه هذا الكلام علما أنه من أهل السنة والجماعة أو هو محسوب عليهم، هذا ناهيك عن وصفه للفتوحات الإسلامية بالغزو العربي للبلدان غير العربية، ووصفه لزواج الرسول من عائشة رضوان الله عليها بالزواج المشين. وكذلك يقوم بتحكيم العقل في كل شيء حتى أنه يرفض رفضا قاطعا كل ما ينافي العقل حتى لو جاء في الصحيح من الأحاديث أو ورد في القرآن. باختصار قام بتشويه الدين والتاريخ الإسلامي، فسؤالي لكم سادتي هو كيف أتعامل مع هكذا أشخاص علما أنني حاورته كثيرا بالحكمة والموعظة الحسنة إلا أني لو سمعت هذا الكلام من غير المسلمين لكان لي رد فعل آخر، إلا أن هذا الرجل أرجو من الله أن يهديه للصراط المستقيم، لذا لست أدري ما أفعل، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى أنه ينشر هذه الأفكار المسمومة في المجتمع ولا وجود لرادع يردعه ولا حول ولا قوة إلا بالله.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يطعن في الصحابة ويروج للشبهات إلاَّ من غُمص في دينه وعقيدته، ورضي بأن يسلم عقله وفكره لأعداء الإسلام، معرضًا عن كلام الله وكلام رسوله وإجماع أئمة الإسلام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحفظكم من كل مكروه ويوفقكم لما يحبه ويرضاه..
ولتعلم أن كثيرا من الشباب أثر فيهم الغزو الفكري، وتأثروا بأفكار أساتذتهم من المستشرقين.. فحملهم للشهادات الجامعية وغيرها ليس دليلا على علمهم؛ فربما تكون أعطيت لهم لأداء غرض من أغراض أساتذتهم، ومن هذه الأغراض ترويج بعض الأفكار التي هي من مفتريات أهل الزيغ والضلال والفساد.. التي يروج لها المستشرقون وتلاميذهم ويلقنوها لبعض الشباب المساكين الذين لم يحالفهم الحظ في أخذ العلم إلا على أيدي هؤلاء وأذنابهم؛ فهم يجهلون كل شيء عن الإسلام إلا ما جاءهم من أساتذتهم، فلم يأخذوا العلم من مصادره الصحيحة ولا من أهله الأمناء الصادقين؛ فأصبحوا يجهلون حقيقة الإسلام ونبيه وحملته من الصحابة ومن بعدهم وتاريخهم، فلا يعرفون من ذلك إلا الشبهات التي يلقنها لهم الأسياد حتى يربوهم على أن يكونوا معاول لهدم الإسلام من داخله، ولن يتمكنوا من ذلك- بإذن الله تعالى- فقد تصدى لهم الجهابذة قديما وحديثا وردوا كيدهم في نحورهم، وممن رد مفتريات هؤلاء على أبي هريرة - رضي الله عنه- عجاج الخطيب في كتابه: راوية الإسلام أبوهريرة، والدكتور يوسف السباعي في كتابه: السنة ومكانتها في التشريع، وغيرهما، وقد سبقت الإشارة إلى شيء من رد هذه الشبهة في الفتوى: 38593.
ومن الشبه التي يثيرونها زواج النبي- صلى الله عليه وسلم- بعائشة - رضي الله عنها- ولم يدر هؤلاء الجهلة المغرضون أن عائشة في وقتها قد بلغت مبلغ النساء وكانت مخطوبة من رجل آخر، وأن فارق السن لا اعتبار له في الشرع ولا عند المجتمع القرشي أو العربي..في ذلك الوقت ولو كان فيه أدنى غضاضة لعابه أعداء الإسلام المتربصون من حوله، وبإمكانك أن تطلع على المزيد في الفتوى: 108347.
وأما تحكيم العقل فيما ليس له فيه مجال ورفض نصوص الوحي على ذلك الأساس؛ فخطأ بالغ وغلط بين؛ لأن العقل خلقه الله تعالى ليُتعقل به الوحي ويعرف به، فكيف يسوغ أن يُرفع من شأنه حتى يكون حاكما عليه؟ ولا يمكن أن يتعارض شيء من نصوص الوحي الصريحة مع شيء من معطيات العقل الصحيحة؛ لأن العقل والوحي كليهما من عند الله تعالى؛ فلا تعارض بينهما أبدا، وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 20458، 39932.
وأما تشويه الأعداء للفتوحات الإسلامية ووصفهم لها بالغزو العربي أو غير ذلك من المسميات فهي لا تخرج عن العداء لهذا الدين وتشويهه. وقد سبق بيان أهداف الفتوحات الإسلامية في عدة فتاوى منها: 39284، 98595، 73832.
والذي ننصحك به وننصح به إخواننا جميعا بعد تقوى الله تعالى هوالاستقامة ودعوة هؤلاء الأشخاص لهذا الدين العظيم بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن..
واعلم أن هذا الشخص إذا أصر على وصف زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة بالزواج المشين فهذه ردة، نسأل الله العافية.
وقد سبقت لنا عدة فتاوى في التعامل مع المرتد، انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15238، 17707، 59146.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1429(5/830)
دعوة الكافر الذي حضره الموت إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت لخطيب الجمعة ما يلي: (لا مانع ولا بأس للمسلم إذا سمع أن جاره غير المسلم يحتضر أن يسارع إليه ليذكّره بشهادة التوحيد ويدعوه إلى الله يقول الخطيب فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ويستدل أيضاً بما جاء في البخاري: (أن النبي كان له غلام يهودي يخدمه فلما سمع بمرضه ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أسلم قل لا إله إلا الله فنظر الغلام إلى أبيه (وكان يهودياً) فقال له والده: أطع أبا القاسم فأسلم الغلام ومات فلما انصرف النبي قال الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) ,سؤالي:1- هل هذا الأمر من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم فقط , أم لكل المسلمين؟
2- إذا كان هذا الأمر لكل مسلم كيف نوفق بين هذا الأمر وبين ما جاء في سورة النساء (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن....) , وبين حديث (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) وبين توبة فرعون الذي تاب وقت الاحتضار وقال آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل؟
3- وهل إذا ّذكّرنا غير مسلم وقت الاحتضار بالشهادة فقالها هل تنفعه تلك الشهادة عند الله باعتبار حديث (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة للإسلام ليست خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، بل يشرع لجميع أتباع النبي صلى الله عليه وسلم القيام بها حسب استطاعتهم، عملا بقوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} ولقوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125}
ويشرع دعوة الكافر عند احتضاره، وليس ذلك خاصا بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويدل لذلك أمره صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله. رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب عند موته: يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله. رواه البخاري ومسلم.
وقد روى أحمد وأبو يعلى عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من بني النجار يعوده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خال قل: لا إله إلا الله. صححه الأرناؤوط وحسين أسد.
وأما التوفيق بين الآيات والحديث فجوابه أن الغلام لم يبلغ درجة الغرغرة والله تعالى يقبل توبة كل من المسلم والكافر إذا تاب توبة صادقة قبل الغرغرة، ف في الحديث: إ ن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، رواه الترمذي. وقال الله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً {النساء:17} .
قال الحسن البصري: ما لم يغرغر، وقال عكرمة: الدنيا كلها قريب. وقال الضحاك: ما كان دون الموت فهو قريب.
ومما يدل على قبول صحة إسلام الكافر عند الموت قبل الغرغرة ما رواه البخاري وغيره عن أنس قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه يعوده فقعد عند رأسه فقال: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار.
وفرعون لم ينفعه النطق بالتوحيد في اللحظة التي قاله فيها، لأن إيمانه كان عند رؤية العذاب وحضور الموت والوقوع في النزع والغرغرة كما قال ابن الجوزي في تفسيره: قال ابن عباس لم يقبل الله إيمانه عند رؤية العذاب. قال ابن الأنباري جنح فرعون إلى التوبة حين أغلق بابها لحضور الموت ومعاينة الملائكة فقيل له (آلآن) أي الآن تتوب وقد أضعت التوبة في وقتها وكنت من المفسدين بالدعاء إلى عبادة غير الله عز وجل.. .اهـ
وقال ابن كثير في تفسيره:....تراكمت الأمواج فوق فرعون وغشيته سكرات الموت فقال وهو كذلك: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، فآمن حيث لا ينفعه الإيمان، فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون. اهـ
وقال الشوكاني في تفسيره: ولم ينفعه هذا الإيمان أنه وقع منه بعد إدراك الغرق كله كما تقدم في النساء، ولم يقل اللعين آمنت بالله أو برب العالمين، بل قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، لأنه بقي فيه عرق من دعوى الإلهية. قوله: وأنا من المسلمين: أي المستسلمين لأمر الله المنقادين له الذين يوحدونه وينفون ما سواه ... .اهـ
وقال البغوي في تفسيره: وليست التوبة للذين يعملون السيئات، يعني: المعاصي حتى إذا حضر أحدهم الموت، ووقع في النزع، قال إني تبت الآن وهي حالة السوق حين تساق روحه، ولا يقبل من كافر إيمان ولا من عاص توبة، قال الله تعالى: فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا (غافر - 85) ولذلك لم ينفع إيمان فرعون حين أدركه الغرق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1429(5/831)
الأمة الإسلامية متعبدة بالقيام بمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت هذه المقالة في منتدى للملحدين العرب، فهل بالامكان الرد عليها؟!
إليكم المقالة: الكاتب: فيلولوس:
في هذه المقالة سوف أعرض باختصار بعض الحقائق المتفق عليها تماما بين المسلمين:
أولا: أيها المسلم أنت تؤمن بأن الإله الحكيم "سبحانه وتعالى عز جلاله" عندما خلق الكون كان يعلم مسبقا كل ما سيحدث وأنه كتب كل ذلك في لوح محفوظ وأن ما يجد في هذا الكون من أحداث وقرارات إنما هو تفعيل للمشيئة الإلهية المُسبّقة والتي تم تقريرها كما سبق القول في " اللوح المحفوظ"..
ثانيا: أيها المسلم أنت تؤمن بعد ذلك أن الاله الحكيم قام بتفعيل قرار هام ألا وهو خلق "آدم" و "حواء" وكان يتعامل معهما بشكل مباشر دون وسطاء وكان يُسكنهما الجنة، ولكن الاله الحكيم قام "بتفعيل " قرار جديد ألا وهو أن يُخطئ آدم " عليه السلام " خطأً كبيرا ينتج عنه طرده هو وزوجه إلى الأرض.
ثالثا: بعد فترة ما غير موضحة تماما في الكتب السماوية (التي أخبرنا الاله الحكيم عن طريقها بذلك التاريخ المثير) قام الاله الحكيم" سبحانه وتعالى جلت حكمته " بتفعيل " قرار آخر في منتهى الخطورة ألا وهوعدم التعامل مباشرة مع البشر "ـ ولم يوضح تماما لماذا ومتى قام بتفعيل هذا القرار المُسبّق-وقرر التعامل معهم من خلال " وسطاء " وقام هذا الاله الحكيم بإرسال أعداد ضخمة من هؤلاء الوسطاء والذين أُصطلح على تسميتهم بـ" أنبياء ورسل" ومن غير الواضح تماما عدد أولئك الوسطاء ولكن واضح أنه كان يُرسلهم بكثافة حتى أنه كان النبي منهم يُعاصر زميله النبي مثل حالة النبي العظيم "داوود" وولده النبي الأكثر عظمة "سليمان الحكيم"، والحالة الأُخرى للنبي العظيم "يوحنا المعمدان" والرسول الأكثر عظمة "عيسى ابن مريم" عليهم كلهم أفضل السلام.
رابعا:وبعد قيام الاله الحكيم بإرسال أعداد غفيرة من الوسطاء للأمم المختلفة وفي فترات زمنية قصيرة قام الاله الحكيم "بتفعيل " قرار آخر- مصيري - يحمل في طياته حكمة بليغة (لايعلمها إلا هو طبعا) ،ألا وهو أنه سيرسل " الوسيط الأخير" وبعدها سيكف عن إرسال أولئك "الوسطاء" لآلاف السنوات التالية وحتى يوم سيُنهى فيه الاله الحكيم الحياة على الأرض.
خامسا: أيها المسلم انت تؤمن أن الاله الحكيم قرر تفعيل مجموعة من الملابسات الحكيمة بخصوص هذا الوسيط الأخير فهو:
1- سيعيش لمدة إثنتين وستين عاما فقط - رغم أنه مُرسل للبشرية كلها، كلها، كلها- وستُحرم البشرية بعده من الوسطاء للأبد.
2-أنه لن يقضى عمره كله في الدعوة وتبصير البشر بالحقائق الخالدة ولكن سيقضى الأربعين سنة الأولى في التدريب على هذه المهمة العظيمة (ولا نعرف بالضبط لماذا إحتاج هذا الوسيط الأخير كل هذا الوقت في التدريب مع ملاحظة أن هنالك وسيط آخر كان يسبقه بدأ الرسالة والكلام وهو في المهد صغيرا)
3-أن هذا الوسيط الأخير سيتكلم بلغة واحدة فقط من لغات البشر المُرسل إليهم جميعا والمتكلمون بهذه اللغة يُقدرعددهم بأقل من واحد على ألف من عدد سكان المعمورة حينئذ.
(يقدر عدد سكان الجزيرة العربية بحوالي مائتي ألف ويقدر عدد سكان البشر في هذا الزمن بأكثر من مئتي مليون) .
4-أن هذا الوسيط الأخير سيقضى الثلاث عشر سنة الأولى من سنين دعوته الثلاث والعشرين مع عشرة آلاف فرد فقط، من المئتي مليون الموجودين في الأرض في هذا الوقت وأن ينجح بعد ثلاثة عشر عاما بين ظهرانيهم في إقناع حوالي سبعين فردا بصحة رسالته (نسبة أقل من واحد في المائة) .
5-أن هذا الوسيط سيقضي السنوات العشر الأخيرة من سنين رسالته الاثنتين والعشرين في مدينة أخرى يقدر عدد أفرادها بحوالي خمسة آلاف شخص ويقوم فيها بعمليات إغارة على القبائل الأخرى تُمارس فيها عمليات قتل وتعذيب وإرهاب في منتهى العنف.
(أي أن المندوب الأخير قام بالتعامل مع حوالي خمسة عشر ألف شخص من المئتي مليون الموجودين في زمنه ومن عشرات المليارات المرسل إليهم بصفته خاتم الرسل، وعاش في مدينتين من مئات الألوف من المدن التي اُرسل إلى قاطنيها [والعدد في ازدياد كل يوم] ) .
سادسا: أيها المسلم انت تؤمن أن كل ما سبق هو بديهيات يجب أن يعتقد بها أي إنسان عاقل
في كل زمان ومكان، وأن من لا يؤمن بتلك البديهيات سيقوم الاله الحكيم بإهانته بضربه على وجهه ومؤخرته وسيقوم بتعذيبه جسديا بشيّه حيا وستدوم تلك الاهانة وذلك التعذيب المريع لأبد الآبدين:
"ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالملحدون لا ينبغي أن نناقشهم ونجادلهم في هذه الأمور التي ذكرت ما داموا لا يؤمنون بوجود الله تعالى، فالنقاش حينئذ غير ذي جدوى، ومن ثم فليكن موضوع البحث هو إثبات وجود الباري أولا، فإذا آمنوا بوجوده بحث معهم بعد ذلك صفاته وأفعاله سبحانه وتعالى، وعلى من جادلهم أن يكون بصيرا بدينه عالما بكيفية رد شبههم؛ وإلا وجب عليه أن يكف عن استماع ما يقولون حذرا من وقوع تلك الشبه في قلبه الخالي من العلم فتؤثر عليه، وقد يقع فيما يكون به خسار الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية.
وفي جواب سريع عن ختم الله عز وجل الرسالات بالنبي صلى الله عليه وسلم نقول: إن لله الحكمة البالغة فيما يدبره ويقضي به من الأمور وهو أعلم بمصلحة عباده وأرحم بهم من أنفسهم وأمهاتهم، وقد ختم الرسل بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه تعبد أمته بمهمة الرسل، فحضهم على تعلم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل العلماء ورثة الأنبياء، فكل من عنده علم بما جاء به الرسول الله صلى الله عليه وسلم يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم ما علم، عملا بما في حديث البخاري: بلغوا عني ولو آية. وبحديث الصحيحين: ليبلغ الشاهد منكم الغائب. وبما في حديث البخاري: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وبما في حديث السنن: نضر الله امرأ سمع منا حديث فحفظه حتى يبلغه. والحديث صححه الألباني.
وبهذا واصلت الأمة مهمة رسولها فنالت بذلك الخيرية على الأمم؛ كما قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا {البقرة:143} وقال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ {آل عمران:110}
وقد شارك الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته في مهمته فشاركه أبو بكر وخديجة رضي الله عنهما فأسلم على يديهما جمع من الصحابة، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على الالتقاء بالحجاج والمعتمرين فكان يأتي إليهم ويدعوهم إلى الله وإلى أن يناصروه في تبليغ رسالة الله.
وقد شارك في الدعوة إلى الله كثير من الصحابة خارج مكة قبل الهجرة منهم مصعب بن عمير والطفيل بن عمرو الدوسي وضماد الأزدي وغيرهم.
وانطلقت السرايا إلى كثير من المناطق بعد الهجرة وأسلم على يديهم كثيرون، وانطلق الرسل برسالاته إلى ملوك الأرض حاملين لهم رسائل تدعوهم للإسلام، فأسلم بعضهم، وقارب بعضهم، وكابر بعضهم.
وقد ذكر بعض أصحاب السير أنه صلى الله عليه وسلم دعا بنفسه يأجوج ومأجوج ليلة الإسراء.
وبهذا يعلم أنه صلى الله عليه وسلم دعا إلى الله كثيرا من المعاصرين له إما بنفسه وإما بواسطة سراياه ورسائله.
وقد قام خلفاؤه بالمهمة بعده فواصلوا الفتوحات حتى نعم أغلب الأراضي بنعمة الإسلام قبل انقراض الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يزال أمر الله لهذه الأمة بالقيام بمهمة الرسالة قائما، ولئن غاب شخص الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تزال رسالته خالدة، فالقرآن الذي أوحي إليه والأحاديث التي تكلم بها معروفة عند ورثته من أهل العلم، وعليهم أن يقوموا بتعليمها للناس وحضهم على التمسك بها، فعلى الأمة أن تنشط وتدعو العالم إلى دين الله لينالوا رضى الله وسعادة الدارين، وما ظهرت هذه التهجمات من أهل الباطل إلا بعد أن كسلت الأمة عن مهمتها فأصبحت في موقف الدفاع، وأصبح عوامها عرضة لتخلخل وزلزلة عقائدهم بسبب نشاط أهل الشر في نشر الإلحاد والفجور.
هذا وننبه إلى أن ما يذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من القتل والإرهاب ويحاول المشككون أن يشوهوا به صورة الإسلام يدل على جهلهم بالسيرة، فقد مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية صابرا آمرا الصحابة بالصبر وكف أيديهم، ثم أذن له بعد الهجرة في الرد على المعتدين وقتال من قاتله.
ثم شرع له أن يقاتل من يصدون الناس عن الدخول في الدين ويمنعون انتشار دين الله الذي جعل الله فيه صلاح البشر وسعادتهم الدنيوية والأخروية.
وهذا مقبول لدى العقول السليمة، فرد اعتداء المعتدي الجاهل إن لم ينفعه الحلم والتغاضي هو الأنسب في حقه، وإزاحة الممتنع عن الهدى الحائل بين الناس وبين سبيل الهدى هو المناسب لأن موت أشخاص قلة يحولون بين الناس وبين ما يرضي ربهم أهون وأقل شرا من موت أمم على الضلال ثم يصيرون إلى النار، ونحن في واقعنا المعاصر نرى القوانين تسمح لسيارة الإطفاء أن تدهس من حال بينها وبين الوصول لمحل الحريق لأنها بذلك تنقذ حيا كاملا فهذا أمر مبرر إذا قورن بقتل شخص معترض لها في الطريق، ثم إن أصحاب السير ذكروا أنه لم يقتل في الغزوات والسرايا خارج المدينة طيلة تلك السنوات إلا مئات قليلة، ومن تأمل حاله صلى الله عليه وسلم يجده كثير العفو عن المسيء، فقد عفا عن أهل مكة وهوزان بعد التمكن منهم، كما عفا عن الأعرابي الذي وقف عليه بالسيف ليقتله، وعن غيرهم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65890، 94415، 94683، 79540، 28335، 73029، 19193، 76473، 13988، 66139، 104183، 72152.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1429(5/832)
لا يسوغ للمسلم قبول اتهام الكفار للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[يتهم البعض من غير المسلمين الإسلام ببعض الزور في رأيي، ولكن أود معرفة رأيكم فيما يسمى بالمفاخذة للصغيرات والخطيبة، وما المقصود به وهل هذا مباح كما يدعون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام هو دين الله الذي ارتضاه للبشر، وهو سبحانه تعالى أحكم الحاكمين، وقد قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا {المائدة:3} ، فلا يسوغ للمسلم أن يقبل ولا يستسيغ اتهام فاسدي العقول من الكفار للإسلام.
وأما المفاخذة فلعل المقصود بها الاستمتاع بالفخذين، وهو جائز في المعقود عليها ولو كانت صغيرة ما لم يضر بها، ويحرم في غير المعقود عليها. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1151، 6263، 23672.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1427(5/833)
خفاء الحكمة من بعض الأوامر الربانية.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا لم أقتنع بأمر من أوامر الله ولكني أنفذه على أي حال فهل أكون عاصيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد بعدم اقتناعك بأمر من أمور الشرع عدم إدراك الحكمة منها مع التسليم والانقياد والامتثال فلا تعتبر عاصيا بذلك، واعلم أن بعض أوامر الشرع ونواهيه قد لا تظهر الحكمة فيه لكثير من الناس، وفي ذلك تتجلى حكمة الابتلاء والاختبار وهو ما يسميه الفقهاء بالعلة التعبدية.
وليس في الشريعة حكم إلا وله حكمة يعلمها من يعلمها، ويجهلها من يجهلها. ولكن قد يكون التعبد بما أمر الله من غير إدراك أوجه الحكمة فيه على التفصيل مقصودا في الشرع؛ لما فيه من زيادة الإيمان والتسليم لله تعالى، وقبول ما يعجز العقل عن إدراكه لأنه جاء من عند الله.
والعبد كما أنه يحتاج إلى إدراك أسرار التشريع ليزداد يقيناً بحكمة الشرع وعظمة هذا الدين فإنه محتاج إلى التسليم بما يعجز عن إدراكه ليختبر صدق إيمانه وصحة استسلامه لله عز وجل باعتباره عبداً ضعيفاً عاجزاً عن إدراك الكل، وهذا فرق مابين العابد والمكابر.
وأما إن كنت تقصد أن سبب عدم اقتناعك بذلك الأمر هو كونه خالياً من الحكمة أصلا أو عديم الفائدة فقد أعظمت القول، وظننت بالله ظن السوء، ولتبادر بالتوبة وقد قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ {صّ:27} . وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65} . فالواجب على المؤمن الرشيد العاقل أن يتلقى أحكام ربه بالقبول والانقياد والتسليم، فإنه سبحانه ما قدرها سدى ولا شرعها عبثاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1426(5/834)
أعطى الله الإنسان من البصيرة ما يؤهله لمعرفة الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن الإسلام هو الدين الصحيح، بماذا أنا كشاب مسلم تربيت في بيئة مسلمة واعتنقت الإسلام بدون عناء أفضل من الشاب اليهودي أو النصراني الذي يجب أن يبحث ويسعى ويحلل ويقارن بين الديانات حتى يصل إلى الإسلام إن يصل والذي في حال عدم اعتناقه الإسلام سيكون مصيره جهنم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن من سعادة المرء وفضل الله عليه أن يولد في بيئة مسلمة، فيبقى على الفطرة التي ولد عليها، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟
ومع هذا الفضل الكبير من الله تعالى، فإن الشاب المولود من أصل يهودي أو نصراني إذا بحث عن الحقيقة وتوصل إليها وآمن بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كان له أجر كبير من الله، وكان إيمانه -في الغالب- أقوى وأرسخ ممن ورث الإيمان من بيئته، ولم يبحث عن الحقيقة بنفسه.
والبحث والتطلع إلى اليقين هو الذي أمر الله به، وعاب على الكفار تقليدهم الأعمى لما وجدوا عليه آباءهم، قال الله تعالى عنهم: بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ {الزخرف: 22} .
وأما إذا لم يعتنق الإسلام فمصيره إلى النار، مثل الذي هو مولود في بيئة إسلامية، روى الإمام أحمد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة.
ولا غرابة في هذا الموضوع، لأن الله تعالى قد أعطى الإنسان من البصيرة ما يتيح له أن يتعرف على الحق والصواب، وقد أعذر الله إليه بإمهاله إلى سن التكليف وبإرسال الرسل، فإذا لم يأخذ بما أمره الله به، فقد استحق العذاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1425(5/835)
المحجة البيضاء منار الحيارى
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي التي تؤرقني كثيرا هي التالية.. تركت الإسلام نتيجة لقراءة كتب كثيرة تشكك في معتقداته وتشريعاته
ولكنني لم أجد السلام النفسي فبحكم تربيتي الإسلامية لم أستطع التلاؤم مع خياري الفكري كتارك للإسلام.. الآن تراودني بقوة فكرة العودة إلى الإسلام ولكنني لا أزعم بأنني مقتنع عقليا به كدين موحى به, فقط أرغب في العودة إليه لأنه دين آبائي وأجدادي وسائر أفراد عائلتي وأبناء وطني.. أريد العودة إليه لأستريح وأنسجم مع عواطفي ومحيطي العائلي والاجتماعي ولكن هل يتقبل الله مني عودة على هذا الأساس؟ أرجو منكم إغاثتي برد عاجل؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك لم تجد السلام في نفسك بعد تركك للإسلام لا بسبب تربيتك الإسلامية، ولكن بسبب نداء الفطرة التي خالفتها، فالإسلام هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، قال صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. رواه البخاري ومسلم.
وكونك غير مقتنع عقلياً بالإسلام أنه دين موحى به، فذلك بسبب كونك لم تطلع على عقائده وتشريعاته، وإلا فإنها متوافقة مع العقل والفطرة واحتياجات الجسد والروح والعاطفة.
ولذلك ننصحك بمطالعة خصائص الشريعة الإسلامية من خلال الكتب الآتية:
1- خصائص الشريعة الإسلامية للدكتور عمر الأشقر.
2- خصائص التصور الإسلامي لسيد قطب.
3- أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان.
هذا.. وإن إثبات أن دين الإسلام موحى به من الله فرع عن إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فنننصحك بقراءة دلائل نبوته من البشارات به، والمعجزات التي جرت على يديه، والسلوك النوعي له، وسلوكه الشخصي، وطريقة تربيته لصحابته، وطالع في ذلك كتاب: الرسل والرسالات للدكتور عمر الأشقر.
وقد ظهرت على يد نبينا عليه الصلاة والسلام معجزات كثيرة اهتمت بها بعض الكتب مثل: دلائل النبوة للبيهقي، ومن ذلك: انشقاق القمر، نبع الماء من بين أصابعه، تكليم الجمادات كتسبيح الحصى، وحنين الجذع، تكثير الطعام القليل حتى يكفي الفئام من الناس.
وأعظم معجزاته هي معجزة القرآن الكريم، فقد أعيا أساطين البلاغة إلى اليوم أن يأتوا ولو بسورة مثله: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرً ا {النساء:82} ، ومظاهر إعجازه متنوعة، ومن ذلك الإخبار عن الأمور المستقبلية ووقوعها كما أخبر القرآن مثل: انتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم منهم خلال بضع سنين، ومن ذلك أيضاً: الإعجاز العلمي، وهناك هيئات علمية متخصصة في تجلية هذا الجانب، ونحيلك على كتابات الدكتور زغلول النجار -حفظه الله- وكتابات الشيخ عبد المجيد الزنداني، فإن فيها توضيحاً لهذا الجانب.
كذلك ننصحك بقراءة كتاب في سيرة نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، مثل كتاب: الرحيق المختوم للمباركفوري، فإن النظر في حال النبي صلى الله عليه وسلم وكونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب ومع ذلك يأتي بأخبار علمية لم يعرفها العالم إلا في منتصف القرن العشرين!! فمن الذي علم محمداً صلى الله عليه وسلم هذه الحقائق العظيمة؟! إنه الله الذي يعلم ما كان وما سيكون، وصدق الله وهو القائل: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ٌ {فصلت:53} ، ومن جهة أخرى، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمور ستقع، وبالفعل وقعت كما أخبر بها، ومن ذلك إخباره بفتح القسطنطينية، وغير ذلك مما وقع كما أخبر.
ثم إن هرقل ملك الروم شهد شهادة عقلية بقوله لما أخبره أبو سفيان بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يكذب، فقال هرقل: وما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله.
كما أن قراءتك لسيرته صلى الله عليه وسلم ونظرك في مغازيه وتأييد الله له ونصره على أعدائه من أكبر الأدلة على أن محمداً نبي الله حقاً، وأن الإسلام شريعة موحى بها من عنده، فإن الله ما كان ينصر ويعز ويظهر دين من يفتري عليه!! وكذلك ننصحك بقراءة الكتب والمقالات التي يذكر مؤلفوها سبب إسلامهم، ومن ذلك كتاب: لماذا أسلم هؤلاء؟ فهؤلاء العلماء والأدباء والمفكرون لم يدخلوا الإسلام إلا عن اقتناع عقلي ملأ أفئدتهم.
فادخل الإسلام، وأسأل الله الهداية بصدق، فهي قضية مصير!! واقرأ كتاب الله كثيراً وتدبر معانيه، فستجد ضالتك المنشودة وطلبتك المفقودة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57} .
واعلم أن الله لا يقبل منك إلا اليقين التام والرضا الكامل عن الإسلام، فالإسلام ليس دين تقليد واتباع بالطاعة العمياء كما في النصرانية أو غيرها، فلا بد من الاقتناع التام، ولهذا تجد القرآن الكريم ينعى على الكفار المقلدين لآبائهم: بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ {الزخرف:22} ، ولهذا قال بعض أهل العلم: لا يصح إيمان المقلد.
واعلم أن باب التوبة مفتوح، ولا يرد عن بابه أحداً، ويفرح بتوبة عباده، قال صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة. رواه البخاري، وانظر الفتاوى: 17160، 17343، 31416.
هذا، وننصحك أن تنتهي عن القراءة من الكتب التي تثير الشبهات وتورث الشكوك وتضييع اليقين، وإن من ابتغى الهدى من غير كتاب الله أضله الله، وانظر الفتويين: 14742، 38299.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1425(5/836)
لا تعارض بين مصلحة الأمة ورضا الله سبحانه
[السُّؤَالُ]
ـ[أود استشارتكم في موضوع حساس، أنا تخرجت من كلية الفنون الجميلة بتخصص تصميم جرافيك (دعاية وإعلان) وأرغب بمتابعة دراستي العليا في مجال الـ MULTIMEDIA حتى يتسنى لي التدريس في إحدى الجامعات، الذي يؤرقني هو حاجة أمتنا الماسة لمسلمين ملتزمين مختصين في هذا المجال وإشكالية التعامل مع الطلبة الذين يقدمون أعمالهم الفنية ومشاريع تخرجهم التي قد تحتوي على صور للنساء أو رسومات لذوات الأرواح، والتي أود التأكد من حكمها لأنني سمعت من بعض أهل العلم أن فيها خلافاً، فهل من ناصح يرشدني إلى الطريقة التي أستطيع فيها التوفيق بين مصلحة الأمة ورضا الله سبحانه وتعالى؟ ولكم مني أطيب التمنيات بالتوفيق والسداد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإدراج صور للنساء أو رسوم لذوات الأرواح في المشاريع والأعمال الفنية لا يجوز، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 32166، والفتوى رقم: 33984.
وعليه، فعلى المدرس الذي تقدم له هذه الأعمال والمشاريع أن ينكر على الطلاب إدراج صور النساء أو رسوم ذوات الأرواح فيها، وأن يحث الطلاب على ترك ذلك، وألا يخصص درجات لهذه الصور أو الرسومات، بل يجعل الدرجات على غير ذلك من جودة العمل وحسن إخراجه ونحو ذلك.
وننبهك إلى أنه لا يوجد تعارض بين مصلحة الأمة ورضا الله سبحانه وتعالى حتى يحتاج إلى التوفيق بينهما، فإن عين مصلحة الأمة هو في تحريها رضا ربها سبحانه وامتثالها لشرعه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {محمد:7} ، وقال عز من قائل: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا {فاطر:10} ، وقال جل شأنه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ {المنافقون:8} ، وقال تعالى: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {الأعراف:128} ، وراجع الفتوى رقم: 41227، والفتوى رقم: 27638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(5/837)
ردود على عدة شبهات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا والحمد لله بسبب الشبكة الإسلامية الخادمة للإسلام والتي أسأل الله لرعاتها التوفيق، أعلم كيف أجيب على المعتقدين بأن الطبيعة هي التي خلقت البشر وكل شيء، لكني لا أعلم كيف أثبت لشخص يعتقد بأن الإنسان أصله من مراحل التطور وليس من خلق الله، ولا أستطيع إثبات بأن عيسى عليه السلام لم يصلب وأن أثبت بأن الإسلام على حق، فهل توجد برامج أو مقالات أو دروس عن هذه المواضيع عندكم في الشبكة، أو هل تعلمون عن صفحات أخرى من مواقع أخرى يوجد بها هذا الشيء، لأني محتاج جداً لها لكي أحاول إثبات أن الله هوالخالق، وأن الله ليس له ابن وما إلى ذلك من المواضيع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 4755 نظرية دارون التي تقول بأن الإنسان تطور، وليس هو خلق الله، وإنما بسبب الطبيعة، وبينا بطلانها ووجه الحق وهو أن الله خلق الإنسان وليس الطبيعة.
وبينا في الفتوى رقم: 9992، الأدلة على أن المسيح عيسى عليه السلام لم يصلب ولم يقتل، وبينا في الفتوى رقم: 38873 أن الإسلام هو دين الحق بالأدلة العقلية والنقلية.
وبينا أن الله هو الخالق المتصرف في الكون وحده لا شريك له في الفتوى رقم: 30404 وما فيها من الإحالات.
فراجع هذه الفتاوى وستجد فيها بغيتك إن شاء الله وننصحك ألا تدخل مع شخص في نقاش أمام الآخرين دون أن تكون ملماً بما تناقشه فيه لأنه قد يثير عليك بعض الشبهات فلا تستطيع الرد عليها فيؤتى الحق من قبلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1425(5/838)
مخالطة الناس والصبر على أذاهم خير للمرء
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ تعلم رحمك الله أن حالة الأمة هو أسوأ حال مرت به، وذلك منها عدم إنكار المنكر والأمر بالمعروف والسؤال المهم هو كالتالي.. الآن لما تكون في المسجد وتنظر يمينا وشمالا ترى هذا مسبلا.. وهذا حليقا.. وهذا لا يركع كما هو مأمور به.. وهذا يسجد سجودا منهيا عنه.. وهذا وهذا.. ولما تخرج من المسجد ترى هذا يرفع صوته ومنهم من يسخر بعضهم ببعض.. وهذا يشرب سجائر ولما تمشي وتصل إلى الشارع. وهذا معه سيارة مرسيدس بوش لا يملكها وهذا عنده شبح ... الأمة في مستنقع الذل وهذا تجلس معه امرأة وهذه المرأة تدرب النساء على السياقة وتمشي بالسيارة ترى الصور وترى رفع الأصوات بالأغاني.. طيب بعد هذه اللمحة أنا ماذا أفعل؟ هل أذهب لكهف من الكهوف وأعتزل الناس أم أجلس أضيع يومي كله بالإنكار والأمر بالمعروف طيب أنا أنكر على من بالمسجد إذ غالبية المسجد فيهم بدع أريد كلمة تكشف الحق على معاملة هذه المنكرات الكثيرة لا سيما لما تكون بالسيارة فهل تنزل لكل محل ولكل ضال تنصحه أم يكفي باليوم الواحد واحد وشكرا وآسف على الإطالة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، أوجبه الله على هذه الأمة، لما فيه من قوام الحياة وتحقق للمصالح وتعطيل للمفاسد، وإن المسلم مطالب بالقيام بهذا الواجب حسب استطاعته، ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. فأدنى درجات إنكار المنكر الإنكار بالقلب، وضابطه بغض المنكر ومفارقة مكانه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 1048.
إذا ثبت ما ذكرنا، فنقول لك –أخي السائل- قم بهذا الواجب ما استطعت إلى ذلك سبيلا، برفق ولين وموعظة حسنة، فلعل الله تعالى أن يجعلك سببا لهداية أحدهم، فإن تم ذلك، فالحمد لله، وإلا، فقد أعذرت، ثم اعلم أنه لا يزال في هذه الأمة خير، فخالط الناس واصبر على أذاهم، ولازم من يعينك في أمور دينك وفي الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، روى الترمذي في السنن عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. وراجع لمزيد من الفائدة الفتاوى رقم: 4160، 3716، 11421.
وننبهك إلى أن وصفك للقيام بإنكار المنكر بأنه ضياع للوقت خطأ تجب عليك التوبة منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1425(5/839)
الأدلة العقلية والنقلية على هيمنة الإسلام على كل الملل
[السُّؤَالُ]
ـ[حجة الإسلام على الديانات الأخرى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام دين الحق الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه.
قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .
وهو المهيمن على الكتب والشرائع قبله، المصدق لها، وما أقره من العقائد والشرائع، فهو الحق، وما أبطله وردّه، فهو الباطل.
قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة: 48]
وقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة: 33] .
وللإسلام في إقامة الحجة على الناس جميعا أدلته العقلية والنقلية، ومفردات هذه الأدلة تختلف باختلاف الدعاوى المراد إبطالها أو إثباتها.
فهو مع أهل الكتاب يقيم الأدلة العقلية على جواز نسخ الشرائع السابقة بشريعته، فيقول: إن لله أن يأمر بالشيء على قدر ما تقتضيه المصلحة، فقد يأمر به في وقت وينهى عنه في آخر، وله في ذلك الحكمة البالغة، وله كمال التصرف في ملكوته.
قال تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة:106- 107] .
وهو يبطل التثليث عند النصارى وألوهية عيسى وأمه بقوله: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَام [المائدة: 75] .
فالإله لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يلد ولا يولد، فيكف يكون عيسى وأمه إلهين؟!
وهو يبين كذب اليهود بقوله: قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الجمعة:6] .
ويقول لهم: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران: 93] .
ويدعوهم جميعا يهودا ونصارى إلى نبذ الشرك وعبادة الإله الواحد بأقوى حجة فيقول: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه [آل عمران: 64] .
وإذا كان الإسلام ظاهرا بحججه وبراهينه على أهل الكتاب، فما سواهم من الملل والنحل الأخرى أهون وأيسر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1424(5/840)
أمة الإسلام بين الماضي والحاضر والمستقبل
[السُّؤَالُ]
ـ[أين هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بعث الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في أمة أمية ضعيفة مستذلة جاهلة متناحرة تعبد الأصنام وتأكلها، وتئد البنات أحياء، وتتقاتل السنين لأتفه الأسباب، وتتعاطى الربا والزنا والخمر، وكثيرا من رذائل الأخلاق، ثم إن هذه الأمة لما دخلت في هذا الدين انقلب حالها، فبعد ما كانوا رعاة الغنم صاروا سادة الأمم، وبعد ما كان يستذلهم كسرى وقيصر، كسروا كسرى وقيصر، وبلغت الفتوحات من الحضارة الإسلامية مشرق أرض الله ومغربها، حتى وصلت إلى الصين شرقا وفرنسا غربا.
فلما ابتعدت هذه الأمة عن دينها واتبعت شهواتها واستجاب كثير من أبنائها لشبهات ألقاها الكفار عليهم، أصابها الذل والهوان، وعادت إلى ما كانت إليه قبل الإسلام من الضعف والمسكنة والتناحر والأخلاق المشينة.
أما عن المخرج مما هي فيه، فإنه يكمن في قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم [الرعد:11] .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم. رواه أحمد وأبو داود.
فكل واحد من أمة الإسلام مسؤول أن يصلح نفسه وذويه وما استطاع من الأمة، حتى نكون أهلا لنصر الله وفتحه.
قال تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40] .
وراجع الفتاوى التالية:
11616، 2113، 1411، 16286، 18945.
نسأل الله أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن ينصرنا على عدوه وعدونا، وقبل ذلك على أنفسنا الأمارة بالسوء. آمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1424(5/841)
أبهى صور العدل والسماحة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة الكثير حول التسامح في الإسلام؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام هو الدين الذي قامت الدلائل العقلية والنقلية على أنه دين الحق المنزل من عند الله القائم على توحيده، فهو منهج الحياة الذي ينظم علاقة الإنسان بربه وبأخيه الإنسان وبالحيوان وبالمادة وبالكون، وبالجملة فهو منهج يحكم تصرفات الإنسان من المهد إلى اللحد، منهج يربط كل الأنظمة والتشريعات التي تحكم الفرد والمجتمع بما يريده الله من خلقه ويرتب على ذلك الثواب والعقاب، ولو تعقل الناس هذا الدين وتدبروا هذا المنهج الإلهي لكان لهم معه شأن آخر، وهو الطاعة والاستسلام والرضا والقبول.
ولكن عندما يصطدم هذا المنهج بشهوات الناس وأهوائهم يصدون عن مبادئه؛ بل ربما أدى بهم ذلك إلى مهاجمته وإثارة الشبهات حوله ونشر الأكاذيب عنه لصد الناس عنه أو لزعزعة أصوله ومبادئه لدى معتنقيه، يفعلون ذلك بغياً وظلماً وحسداً من عند أنفسهم، ومن نظر بعين الإنصاف إلى أحكام الإسلام ومسيرة حكمه في التاريخ رأى أبهى صور العدل والإنصاف والسماحة واحترام آدمية الإنسان وكرامته، ورأى أنه منهج جاء بالطهارة والزكاة والبذل والإنفاق والتعاون والتكافل والتراحم والتناصح والمودة والإحسان والطهر والعفاف والسماحة والبشارة، وحارب الربا والشح والأثرة والفردية والتخاصم والتناحر والتباغض والتفاضح والظلم والبغي والدنس والقذارة.
وأنه المنهج الوحيد الذي سمح بقيام مجتمع عالمي تعيش فيه الديانات الأخرى تحت سلطان الإسلام مصونة الأنفس والأموال والأعراض.
ومن يثير الشبه حول الإسلام وسماحته اليوم مغالط للحقائق، يأتي إلى قضية معينة ويسلط الضوء على حكم الإسلام فيها متهماً له بالجور والحيف، وهذا من الظلم الذي لا يقبله عقلاء البشر في الحكم على القضايا والجهات، بل لا بد من تمحيص القضية والنظر في أطرافها وأبعادها وأسبابها ومؤثراتها حتى يخرج بحكم صادق فيها.
ولو أعطيت هذه القضايا حقها من النظر لظهر أن الإسلام مظلوم الظلم الواضح من قبل الآخرين، ولتجسدت عدالة كل قضية يتبناها الإسلام ويدعو إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1424(5/842)
سر تخلف المسلمين في العلوم المعاصرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تأخر المسلمون في التكنولوجيا المعاصرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهناك أسباب كثيرة أدت إلى تخلف المسلمين في التكنولوجيا الحديثة، ويأتي على رأسها وفي طليعتها الإعراض عن الكتاب والسنة، وليس أدل على ذلك من واقع المسلمين المشرق يوم كانوا متمسكين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم حين دانت لهم الدنيا، وفتحوا البلاد وقلوب العباد، فأخذوا بمفاتيح العلوم وسنن الله في الكون، وعملوا بالأسباب، ولذا تنوعت الكشوفات والاختراعات العلمية في شتى الفنون تلك التي كانت مرتكزاً بنى على أساسه الغرب صرح حضارتهم المدنية الحديثة، وإن أدَّعَوا كذباً وزوراً عكس ذلك.
ثم تخلف المسلمون حين تركوا تعاليم دينهم، ولم يأخذوا بعامل التقدم التي أخذ بها غيرهم، وهي سنن من سار عليها وصل، ورحم الله من قال:
إني تذكرت والذكرى مؤرقة ... مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلد ... تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها ... وبات يملكنا شعب ملكناه
وللدكتور ناصر بن سليمان العمر محاضرة قيمة مطبوعة بعنوان أسباب تخلف المسلمين ذكر فيها جملة أسباب أدت إلى تخلف المسلمين عن ركب الحضارة المعاصرة منها:
- سقوط الخلافة الإسلامية.
- فصل الدين عن الدولة.
- الهزيمة النفسية أمام الأعداء.
- الجهل والإفساد باسم الإصلاح والتطور.
- نشوء العصبيات والقبليات.
وذكر فيها بعض الآثار التي ترتبت على ذلك؛ ومنها: الانحراف الفكري، وفساد بعض مناهج التعليم، والخلل الاجتماعي، وقد ذكر كذلك عدة أمور لعلاج ذلك التخلف؛ ومنها: العودة الصادقة للإسلام، ومنها: العزة والاستقلال، والتخلص من الهزيمة النفسية، ومنها: عودة دور العلماء في المجتمع وتسلمهم دور القيادة.
ولمزيد من الفائدة نوصي بالرجوع إلى تلك المحاضرة على موقع المنبر www.alminbar.net وغيره من المواقع التي نشرت تلك المحاضرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1423(5/843)
مهما ابتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا الله.
[السُّؤَالُ]
ـ[الدين يقول إن المسلمين هم أعز أهل الأرض. لماذا إذن كل هذا الاحتقار واللا مبالاة التي تواجههم من لدن كل الدول الكافرة، وهل العرب حقا سيتحدون يوما؟ وشكراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] .
ويقول الله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] .
فعزة المسلمين مشروطة بتمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم وتطبيق تعاليم دينهم في واقع حياتهم.
فإذا حادوا عن منهج الله تعالى، وتركوا كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واستبدلوه بمناهج الشرق والغرب، وأصبحوا يبتغون العزة في غيره أضلهم الله تعالى وأذلهم وسلط عليهم شر خلقه.
فالله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب فإذا استقام الناس على منهجه أعزهم، وإذا انحرفوا عنه وتركوه لم يبال بهم.
فشرط نصر الله تعالى للمسلمين، وإعزازه لهم هو التمسك بالإيمان الصادق، والعمل الصالح ... كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] .
فقد جاء الإسلام والعرب أضعف أمم الأرض وأكثرها تخلفاً وتفرقاً وجهلاً.... ولكنهم عندما اتبعوا دين الإسلام توحدوا بعد التفرق، واجتمعوا بعد التمزق، وتعلموا بعد الجهل حتى أصبحوا قادة الدنيا وسادتها، ومعلمي البشرية وساستها ...
فتحقق لهم وعد الله الصادق: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] .
وهذه الحقيقة فهمها السلف الصالح رضوان الله عليهم وصاغوها بعبارات واضحة مؤثرة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
وقال الإمام مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
فإذا أراد العرب والمسلمون أن يرجعوا إلى سابق عهدهم وقديم عزهم فعليهم أن يرجعوا إلى دين ربهم، وهذا ما سيتحقق -إن شاء الله تعالى- عن قريب، وقد بدأت بشائره تلوح في الأفق بعودة المسلمين إلى دينهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1423(5/844)
الإسلام ينتشر ويتمدد في بلاد الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أسأل: إلى متى سيبقى انتشار الإسلام في البلاد الغربية بشكل مخفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام اليوم غير خفي في بلاد الغرب، فقد انتشر المسلمون هناك، فلا تكاد تجد دولة إلا وبها جالية مسلمة كبيرة أو صغيرة، كما يلاحظ انتشار المساجد والمراكز الإسلامية في جل البلاد الغربية مما يبشر بخير ومستقبل مشرق للإسلام في تلك البلاد التي أفسدها الكفر، وتعلق أهلها بالحضارة المادية، فأصبحت تحتاج إلى منقذ ينقذها مما هي فيه من الضلال والفساد الأخلاقي، والخواء الروحي، ولن تجد ذلك إلا في الإسلام الذي يلبي حاجات الإنسان الفطرية، ويجيب على أسئلته العويصة والمحيرة ...
وهذا ما جعل الناس هناك يلجأون إلى دين الله فلا يكاد يمر يوم -تقريباً- إلا ويدخل بعض الناس في الإسلام، ولا تكاد تمر فترة زمنية إلا ويكسب الإسلام موطىء قدم جديد هناك رغم جهود أعداء الله وتحذيرهم من الزحف الإسلامي القادم.
وهذا من عظمة هذا الدين وملاءمته لفطرة الإنسان، فهو يتمدد بنفسه وقوته الذاتية وسلطانه على النفوس، حيث وجد كثير من الغربيين فيه ضالتهم المنشودة وبغيتهم المفقودة، ولهذا يدخل فيه جميع طبقات الناس من المتعلمين وغيرهم.
وبناء على ما سبق نقول للسائل الكريم: إن الإسلام سيظهر على الدين كله في بلاد الغرب وغيرها في أرجاء الأرض، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لها منها. رواه مسلم عن ثوبان.
والله يقول: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1423(5/845)
تقدم الغربيين وتأخر المسلمين ... السبب والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نرى الدول الغربية متقدمة بفصل الدين عن الدولة؟ ولماذا جل الدول المسلمة قابعة في مكانها لا يطالها التقدم؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الدول الغربية تقدمت في العلوم المادية تقدماً كبيراً، لأخذ أبنائها بأسباب تلك العلوم، وهم لم يأخذوا بأسباب تلك العلوم إلا بعد أن فصلوا دينهم عن حياتهم، وأقاموا حياتهم على أسس علمانية.
ولكن لماذا حدث هذا؟
حدث كل ذلك، لأن الدين عندهم حينئذ لم يكن هو الدين الخالص الذي جاء به عيسى عليه السلام، وإنما كان الدين حينها محرفاً مبدلاً قد طالته أيدي التحريف والتبديل، فغيرت وبدلت وزادت ونقصت، فكان من نتائج ذلك أن تعارض الدين المبدل مع مصالح الناس في دنياهم ومعاملاتهم، بل زاد على ذلك بأن تعارض مع حقائق العلم الثابتة، ولم تكتف الكنيسة -وهي الممثلة للدين عندهم- لم تكتف بما عملته أيدي قسيسيها ورهبانها من التحريف والتبديل حتى جعلت ذلك ديناً يجب الالتزام به والتقيد به، وحاكمت إليه العلماء المكتشفين والمخترعين، وعاقبتهم على اكتشافاتهم العلمية المناقضة للدين المبدل، واتهمتهم بالزندقة والإلحاد، فقتلت من قتلت، وحرقت من حرقت، وسجنت من سجنت.
ومن جانب آخر، فإن الكنيسة الممثلة للدين عند النصارى أقامت تحالفاً غير شريف مع الحكام الظالمين، وأسبغت عليهم التقديس، وسوغت لهم كل ما يأتون من جرائم وفظائع في حق شعوبهم زاعمة أن هذا هو الدين الذي يجب على الجميع الرضوخ له، والرضا به، وفي تلك الظروف بدأ الناس في تلك البلاد يبحثون عن مهرب من سجن الكنيسة وطغيانها، ولم يكن مخرجهم الذي اختاروه إذ ذاك إلاّ الخروج على ذلك الدين الذي يحارب العلم، ويناصر المجرمين، ولم يجدوا بداً من التمرد عليه، وإبعاده وطرده عن كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والأخلاقية وغيرها.
تلك هي قصة فصل الدين عن الدولة في بلاد الغرب، ولم يكن ذلك غريباً بالنسبة لذلك الدين، وتلك الكنيسة.
أما الإسلام، فإن فصله عن الحياة غير ممكن فهو وحي الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه لا يطاله تحريف أو تبديل.
وهو الدين الذي لا يحابي أحداً، فالحاكم والمحكوم فيه سواء، وهو الدين الذي يرعى مصالح الخلق ويحافظ عليها فليس فيه تشريع يعارض مصلحة راجحة.
وهو الدين الذي يحض على العلم ويحث عليه، وهو الدين الذي ليس فيه نص شرعي صحيح يعارض حقيقة علمية ثابتة.
وأما ما تعانيه بلاد الإسلام من تأخر في العلوم المادية فليس لأن الإسلام حال بينهم وبين ذلك، بل لأنهم لم يأخذوا بالإسلام الذي أراده الله لهم على الوجه الذي ينبغي، فالإسلام يحثهم على القوة والقيادة ورياسة الأمم، وتقديم الخير للبشرية إلى غير ذلك من المعاني العظيمة، وهذا ما حصل بالفعل للمسلمين حين أخذوا بالإسلام كله، فسادوا وأنشأوا حضارة شهد لها القريب والبعيد، والعدو والصديق.
فالأمة بحاجة إلى أن ترجع إلى دينها رجوعاً حقيقياً فتحكمه في جميع مجالات الحياة، وتأخذ بتعاليمه وأخلاقه، وحينها سنرى العلماء من المسلمين يمضون قدماً، والإسلام يعدهم الأجر العظيم، والفضل الكبير على عملهم إن هم أحسنوه وأتقنوه.
نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1423(5/846)
الإسلام فيه مراتب ودرجات وليس فيه قشور
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فإني أحبك في الله
فضيله الشيخ لقد من الله علي بالمنهج السلفي ولكن أجد أهلي يعارضون هذا المنهج ويقولون إنكم تهتمون بالقشور
أفدني آجرك الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمنهج السلف الصالح وهم (الصحابة والتابعون لهم بإحسان) في العقيدة والسلوك والاستدلال هو خير المناهج وأفضلها، للحديث: " خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
ونوصيك بالثبات عليه، ولو لاقيت فيه ما لاقيت، أما قول أهلك: إن المنهج السلفي يهتم بالقشور.
فإن كان المقصود بقولهم: إن في الدين قشوراً بمعنى أن فيه ما يطرح ويرمى، كما ترمى القشور، فقولهم هذا قول باطل، وجهل بالدين، فالدين كله لُبَّ، كله نافع للعبد، كله يثاب عليه، كله ينتفع به، كله يقرب إلى الله إذا أخلص العبد نيته لله تعالى، وأحسن في اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما إن كانوا يقصدون أن في الإسلام مراتب للمأمورات منها الواجب ومنها المسنون، وأن المنهيات مراتب منها المكروه، ومنها المحرم، والمحرم نوعان: صغائر، وكبائر، والكبائر تتفاوت.
وأن فيه كليات عامة وجزئيات، والأخيرة تفهم في ضوء مقاصد الكليات، وأن فيه ظنياً وقطعياً، والظني يرد إلى القطعي، وأن هناك أحكاماً معلومة من الدين بالضرورة يستوي في العلم بها الخاص والعام، وهناك أحكام يعلمها الخاصة دون العامة.
فكل هذا حق، والفقه معرفة هذه الأعمال ومراتبها الشرعية، ووضعها في موضعها الذي وضعها فيه الشرع، فيقدم الفرض على الواجب، والواجب على السنة، والسنة المؤكدة على المستحب، ولا يُشتغل بمحاربة المكروهات أو الشبهات أكثر من المحرمات، أو بالمختلف فيه أكثر من المقطوع بتحريمه، أو تحارب الصغائر مع إغفال محاربة الكبائر.
هذا وينبغي أن يعلم الأخ السائل أنه كما أن للأعمال مراتب، فالناس كذلك مراتب ودرجات بالنسبة لهذه الأعمال، فمن الخطأ معاملة الناس على أنهم في مرتبة واحدة.
والله تعالى يقول: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ... ) [فاطر:32] . فهؤلاء ثلاثة أصناف: ظالم لنفسه مقصر في بعض الواجبات، ومرتكب لبعض المحرمات، وآخر مقتصد فيهما، وثالث سابق بالخيرات فلا يكتفي بفعل الواجبات بل يضيف إليها الحسن والمستحبات ويضيف إلى ترك المحرمات اتقاء الشبهات أو المكروهات، وكل هؤلاء ضمن الأمة المصطفاة، فمن الفقه أن لا تعامل جميع الناس على أنهم من السابقين إلى الخيرات، وتطالبهم بما تقتضيه هذه الدرجة، وهذا ظاهر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقبل من الأعراب وحديثي العهد بالإسلام ما لا يقبله من السابقين الأولين، وكذلك تختلف وصاياه من شخص إلى آخر نظراً لاختلاف قدرات الشخص وبيئته، وهذا مجال يطول بحثه، ونكتفي فيه بهذه النبذة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1423(5/847)
لا يمكن للدين الحق أن يخالف العقل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدين شيء منطقي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام دين الفطرة، كما قال تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30] .
وقال صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء؟. رواه البخاري عن أبي هريرة.
وإذا كان الدين فطرياً، فإنه لا يتعارض مع العقل بحال من الأحوال، لأن العقل السليم من الآفات والعيوب يُقِر كل ما كان من الفطرة، ويتبعه دون أدنى إنكار.
قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الروح: الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- لم يخبروا بما تحيله العقول، وتقطع باستحالته، بل أخبارهم قسمان:
1- ما تشهد به العقول والفطرة.
2- ما لا تدركه العقول بمجردها، كالغيوب التي أخبروا بها عن تفصيل البرزخ واليوم الآخر، وتفاصيل الثواب والعقاب، ولا يكون خبرهم محالاً في العقول أصلاً، وكل خبر يظن أن العقل يحيله، فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون الخبر كذباً عليهم، أو يكون ذلك العقل فاسداً. انتهى
وإذا تتبعنا الأحكام الشرعية، وجدنا أنها تتوافق مع العقول الصحيحة، ولا تتعارض معها أبداً، ومثال ذلك تشريع الله تعالى للقصاص، كما في قول الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] .
وقال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45] .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى [البقرة:178] .
فهذا حكم من الأحكام التي جاء بها الدين، ومع هذا فقد قرر المشركون في جزيرة العرب نفس الحكم قبل مجيء الإسلام، لأن عقولهم أملت عليهم أن قتل القاتل فيه من حفظ الأنفس ما فيه، فكانوا يقولون "القتل أنفى للقتل" وقد عبر القرآن عنها بأخصر عبارة وأحسن بيان في الآية السابق ذكرها.
وقد أثبت العلم الحديث عدداً من النظريات والفوائد، في كثير من الأمور، فإذا هي من شرعة الإسلام، التي جاء بها القرآن: تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء [النحل:89] .
وقد سبق بيان بعض المسائل من هذا القبيل في الفتوى رقم:
12479 والفتوى رقم: 13174 والفتوى رقم: 12276 والفتوى رقم: 14237 والفتوى رقم: 18220، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 8139 والفتوى رقم: 16595
والفتوى رقم: 12103.
فهذا وأمثاله أكبر دليل على أن الدين لا يخالف العقل الذي يبني أحكامه على الحقيقة والواقع، دون العقول المنتكسة التي ترى الحق باطلاً والباطل حقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1423(5/848)
شعائر الإسلام وشرائعه لا تصطدم مع الفطر السوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكننا اعتبار الإسلام ثورة على كل ما هو منطقي في الحياة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء الإسلام حرباً على كل ما هو غير منطقي، فجاء حرباً على الجاهلية والشرك والعادات البغيضة، ودل الناس على كل ما هو منطقي وخير ورحمة، وأرشدهم إلى صلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ودعا الناس إلى دين لا يختلف عقلاء الناس على كماله وشموله وقدرته التامة على قيادة البشرية إلى ما فيه سعادتها واستقامتها، وقد سمى الله تعالى هذا الدين بأنه: الدين القيم الذي فطر الناس عليه، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم:30] .
ومعنى أن الإسلام دين الفطرة هو أن شعائره وشرائعه لا تتعارض ولا تصطدم مع المنطق القويم والعقول السوية والفطر المستقيمة، ولو لم يكن أصحابها مسلمين.
ولا أدل على كون الإسلام دين الفطرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المعيار في التعرف على الإثم والخير هو انشراح الصدر وانقباضه، فما انشرحت له النفس ولم يكره صاحبه أن يطلع الناس عليه دل ذلك على حسنه، وما ترددت فيه وكره صاحبه اطلاع الناس عليه دل على قبحه، قال النواس بن سمعان رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس" رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1423(5/849)
نظرات حول علم البرمجة اللغوية العصبية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم البرمجة اللغوية العصبية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر موقع "طريق الإسلام" عدة فتاوى لجمع من العلماء تضمنت التحذير من هذا العلم المسمى بـ "علم البرمجة اللغوية العصبية". ويمكننا أن ننقل هنا خلاصة ما ذكروا عنه في العناصر التالية:
1. أنه علم ذو جذور فلسفية عقدية.
2. أن هذه البرمجة تغسل دماغ المسلم وتلقنه أفكارًا في اللاواعي ثم في عقله الواعي من بعد ذلك، مفاد هذه الأفكار أن هذا الوجود وجود واحد، ليس هناك رب ومربوب، وخالق ومخلوق، هناك وحدة وجود. إنها الأفكار القديمة التي قال بها دعاة وحدة الوجود.
3. أنها وسائل وهمية؛ وإن ترتب عليها أحياناً بعض النتائج الصحيحة، ويحرم الاعتماد عليها وممارستها سواء بالخيال أو الفعل.
4. أن هذه الوافدات العقدية جميعها واضحة الخطر، ولا بد من تحذير الناس منها.
5. أن هذا الذي يسمى (علم البرمجة اللغوية العصبية) مما يجب تحذير أهل الإسلام من الاغترار بما فيه من الإيجابيات المغمورة بكثير من السلبيات.
وقد أيد هذه الفتاوى جمع من العلماء المتخصصين في العقيدة والمذاهب المعاصرة، وكذلك نخبة من المختصين في العلوم النفسية والطب النفسي.
ومن أراد المزيد فعليه مراجعة الموقع المذكور، ليطلع على الفتاوى وأسماء العلماء القائلين بها وأسماء من وافقهم عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(6/1)
قراءة الإعلانات بين الحل والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة إعلانات تتضمن أشياء محرمة خالية من النساء أو حتى مع وجودهن بدون النظر إليهن حرام شرعا وما الدليل من القرآن والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الأشياء الإباحة. إلا ما ورد الدليل بحرمته. قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ {التوبة: 115} .
وقراءة الإعلانات ولو كانت متضمنة لأشياء محرمة، دون النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه –إن كان فيها ما لا يجوز النظر إليه- لا تخرج عن هذا الأصل.
لكنها إذا علم أو ظن أن قراءتها ستجعل القارئ يتأثر بما تحويه، أو أن خبرها سينتشر بسبب قراءته لها، أو أنه سيكون في قراءتها ترويج لما يعلن عنه فيها، أو غير ذلك من المحرمات ... فإنها تحرم أي أنه متى كانت قراءتها ستؤدي إلى شيء محرم فهي حرام، لأن الوسيلة إلى الحرام حرام.
ومتى خلت من جميع ذلك، كانت باقية على أصلها من الإباحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1426(6/2)
تعلم على نفقة الدولة ولم يرجع لخدمة وطنه.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأطباء الذين يذهبون على نفقة الدولة ومن ثم عدم العودة إلى بلادهم التي هو أحوج إليهم، مع العلم أن أسعار الدراسة في الخارج باهظة-طبعا المال مال الشعب- ومن ثم يستغل-في حال عودته- المريض ولو كان من بلده طبعا، في الداخل حجتهم الوضع المادي والتحصيل العلمي، هذا الحاصل الآن في معظم الدول العربية، ما حكم المال الذي يجنيه هذا الشخص بعد تخرجه في الداخل والخارج -للعلم أرخص فصل دارس في الخارج 15.000$ فهو بهذا يأكل أموالنا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الدولة تشترط عليهم أن يعودوا بعد إكمال دراستهم للعمل بها فيجب عليهم أن يعودوا للعمل في بلادهم، والأصل في ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة: 1} وقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم فيما أحل. رواه الطبراني.
وأما ما كسبوه من مهنتهم من أموال فهو ملك لهم سواء كسبوه في الخارج أو الداخل، لأنه أجرة مقابل عمل مباح، ولا يؤثر في ذلك عدم وفائهم بما اشترطت عليهم الدولة من العودة لانفكاك الجهتين جهة الوفاء بالشرط عن جهة تقاضي أجرة مقابل عمل مباح، ولكن يجوز للدولة أن تسترد منهم مقدار ما أنفقت على دراستهم عند عدم وفائهم بالشرط، كما يجوز لها في حالة تواطئهم على رفع أجرتهم أن تسعر لهم أجرة بالقدر الذي يحقق المصلحة ويدفع الظلم كما هو مذهب جماعة من أهل العلم، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم: 48391 والفتوى رقم: 55028.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(6/3)
الاستدرار الصناعي لإنزال المطر.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[تعتبر تقنية الاستدرار الصناعي للأمطار من الوسائل المستعملة لزيادة كمية الأمطار المتساقطة وذلك عن طريق زرع بعض المواد الكيميائية في السحب القابلة للزرع والتي تتوفر على كمية مهمة من الماء. هذه المواد الكيميائية تقوم بالرفع من تركيز حبات الثلج في السحب وبالتالي إجبارها على الإمطار بوتيرة أكبر مقارنة مع السحب غير المعالجة. وقد مكنت هده التقنية, حسب بعض الدراسات التي أجريت في بعض البلدان, من الزيادة في إنتاجية بعض المزروعات ومن الرفع من حقينة السدود. أريد أن أعرف ما موقف الإسلام من هذه العملية مع العلم أن غايتها نبيلة وهي التخفيف من آثار الجفاف والمساهمة في تحقيق الأمن الغدائي في بعض الأقطار التي تعاني من ندرة المياه. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم مانعا شرعيا يمنع من هذا، إلا أننا ننبه على أمرين:
الأول: أن أمر نزول المطر بيد الله يصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء، وما يحصل من أسباب البشر إنما حصل بإلهامه تعالى لهم، وإعطائهم الوسائل المساعدة، وإنجاح عملهم، فهو مثل إنجاب الأبناء إنما يحصل بفضله تعالى، وليس الزواج والتلقيح إلا سبب ألهمه الله البشر وأعانهم على تحقيق المقصود به، وكم من أزواج مكثوا أزمانا ولم يرزقوا أولادا، فهو سبحانه وتعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى: 49-50}
الأمر الثاني: أنه يتعين مراجعة أهل الخبرة في البيئة والصحة حتى يتأكد أنه لا يوجد إضرار بالناس يحصل بسبب ما يستخدم من المواد الكيماوية.
ثم إننا ننبه على أن أفضل وسائل حصول المطر وسعة الرزق تقوى الله تعالى والاستغفار من الذنوب. قال تعالى حكاية عن نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا {نوح: 10-11} . وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ {الأعراف: 96} .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(6/4)
حكم دخول المرأة المنتديات باسم رجل
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله لدي أسئلة حيرتني جدا، والله يعلم بأنني لا أستطيع كتابتها متفرقة لذا جمعتها هنا وآملة من الله ثم منكم الإجابة فأنا أخاف من أني آثمة. وأسئلتي هي:
سمعت كثيرا عن قضايا الفتيات وما حدث لهن من الذئاب البشرية من أذى وفضائح، وأنا من الناس الذين يعتبرون؛ لذا أصبحت أسجل بالمنتديات بأسماء لا أحد يعلم ما إذا كانت فتاة أو شاب، ولكن- سامحني الله- أكتب في الجنس أنني ذكر وأتحدث بأسلوب ذكوري في المنتديات المختلطه آمن لي وأسلم، ولكنني لا أريد أن أكذب، لذا حاولت التعريض، وتعريضي هو عندما أقول بأنني ذكر أقصد الشخصية التي دخلت بها وليس أنا أنا كذاتي، وغير ذلك بأن كل آدمي-علميا- يوجد به هرمونات أنوثية وذكورية، إذا أنا نسبت كلمة ذكر في السؤال عن الجنس إلى هرموناتي الذكورية وغير ذلك. في معظم الأحيان أكتب عند ما أحد يقول عني بأني أنثى- طبعا كل الكلام المقصود به في المنتديات - أقول له ألا ترى الشنبات؟ فربما من يقرؤها ظن أنني رجل ولكنني لم أكذب فأنا بالفعل أمتلك شنبات-خفيفه ليس مبالغا به- ويسمونني أهلي أم الشنبات. فما حكم عملي هذا والقصد منه 100% حماية نفسي من الذئاب البشريه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدخول للمنتديات بأسماء مستعارة تستعمل للذكر والأنثى لا بأس به كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 63879، كما أنّ المعاريض والتورية تجوز عند الحاجة، وانظري الفتوى رقم: 68919.
لكن الكذب في انتحال جنس الذكر غير جائز، وراجعي الفتوى رقم: 124173.
واعلمي أنّه ينبغي للمرأة أن تجتنب الدخول على المنتديات المختلطة وتقتصر على المنتديات النسائية النافعة، فإنّ ذلك أبعد عن الريبة وأسلم من الفتنة، ولا سيّما حيث كثرت الفتن وكثر الفساد، وانظري الفتوى رقم: 125378.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1430(6/5)
هل يجوز لموزع خط الإنترنت مراقبة أجهزة من يشك في استعماله في الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مستأجر لخط إنترنت من الاتصالات وأقوم بتوزيع الإنترنت لمجموعة من المنازل، ولكن ترتابني شكوك في أنهم يستعملونه في معصية وحاولت إزالة الشبكة نهائياً إلا أنهم يعارضون بشدة بدعوى أنهم يكلمون الأهل في الخارج وأنهم لا يستعملونه في معصية.
فما حكم ذلك؟ وماذا إذا راقبت أجهزتهم وهم لا يعلمون؟ وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعمال الخير التي ينبغي للمسلم أن يسعى فيها ويحرص عليها نفع الناس ومساعدتهم فيما يعينهم على دينهم ودنياهم وخاصة إذا كانوا أقارب أو جيران..
فقد قال الله تعالى:.. وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الحج:77} وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة:2} وقال صلى الله عليه وسلم:.. من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل. وفي رواية: فلينفعه. رواه مسلم.
ولذلك فنرجو أن يكون ما قمت به من توصيل هذه الخدمة المفيدة إلى إخوانك من أعمال الخير التي تؤجر عليها، ولكن خشيتك من استعمالها في الحرام واردة وفي محلها؛ لأن هذه الخدمة سلاح ذو حدين يستعمل في الخير ويستعمل في الشر.
ومن الواجب عليك أن تحذر المستخدمين من استعمالها في المعصية وتهددهم بقطعها إذا تبين أنهم يستعملونها في الحرام..
وما داموا لا يظهر منهم شيء من ذلك فلا حرج عليك في السماح لهم باستعمالها، ولا يجوز لك التجسس عليهم لاسيما وهم ينكرون استعمالها في الحرام، فإن تبين بعد التعاقد معهم أنهم يستعملونها في الحرام، ولم تكن اشترطت عليهم أن لا يستعملوها فيه فالعقد باق وليس لك قطعها عنهم، وتراجع الفتوى رقم: 108541 وليس لك التجسس عليهم على كل حال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(6/6)
تزويد غير المسلمين بخدمة الإنترنت بين الحل والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ، أنا أعمل في شركة تقوم بتزويد خدمة الإنترنت لمن يرغب بالاشتراك في هذه الخدمة بغض النظر عن دينه أو هدفه، وسؤالي يتكون من أمرين:
الأول: ما هو حكم تزويد غير المسلمين بخدمة الإنترنت، وهل هناك فرق بين أن يتم نصب منظومة الإنترنت في البيوت والمحلات التجارية وبين أن يتم نصب منظومة الإنترنت في بيوت عبادتهم (الكنائس مثلا) ، والمراكز التابعة لها إذ أن الشركة التي أعمل فيها قد زودت مركزاً ثقافيا تابعا للكنيسة، مع العلم بأن في هذا المركز تدرس بعض القضايا المتعلقة بديانة النصارى،
الثاني: ما حكم أخذ الأجور عن هذا العمل، مع بيان الدليل في المسألة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خدمة الإنترنت من الأمور التي يمكن أن تستخدم في أمور مباحة أو أمور محرمة، وما كان كذلك، فإنه يجوز العمل في تزويد الناس به إلا لمن يغلب على الظن أو يعلم أنه سيستعمله في الحرام، والأجر المأخوذ في مقابل التزويد بها -حيث يجوز- أجر حلال، وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 15432، والفتوى رقم: 60698.
ولا فرق في ذلك -من حيث الأصل- بين تزويد المسلمين بهذه الخدمة وبين تزويد غيرهم، لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، فمتى لم يعلم أو يغلب على الظن أنهم سيستعملونها في الحرام فلا بأس بتزويدهم بها وإلا حرم.
ومن هذا يتبين أن هناك فرقا بين تزويدهم بها في البيوت والمحلات التجارية التي تنشط في مجال مباح شرعاً، وبين تزويدهم بها في كنائسهم ومراكزهم الثقافية حيث إن تزويدهم بها في بيوتهم ومحالهم التجارية جائز -من حيث الأصل- إلا لمن يعلم أو يغلب على الظن أنه سيستعملها في الحرام كما تقدم، بينما لا يجوز تزويدهم بها في كنائسهم ويحرم الأجر المأخوذ مقابل ذلك، لأن الظاهر أنهم يستعملونها في نشر دينهم المحرف، ويستعينون بها على كفرهم وضلالهم، وراجع لزاما الفتوى رقم: 20813، والفتوى رقم: 53505.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1426(6/7)
حكم تعليق الهاتف المحمول
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز تعليق الهاتف المحمول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الأشياء الحل والإباحة، إلا ما قام الدليل على خلافه لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا {البقرة: 29} .
وتعليق الهاتف المحمول لا يخرج من هذا الأصل، إلا أن يكون ذلك يجلب ضرراً لصاحبه، فيحرم حينئذ لقاعدة رفع الضرر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1426(6/8)
حكم إرسال رسائل إلى أجنبية عبر الهاتف النقال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يرسل رسائل على الموبايل لشخص معين بعد ما عاهدت رب العالمين على التوبة وعدم استمرار العلاقة بيننا طالما لم نستطع الزواج علما بان الرسائل هي أذكار الله وتذكير بيوم عاشوراء وصيامه وما إلى ذلك من أذكار
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ارجو الرد بسرعة اذا امكن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن تمام التوبة بينكما قطع العلاقة كلية، وعدم إرسال أحدكما رسالة للآخر، ولو كانت ذكرا وموعظة، لما في ذلك من تذكر الماضي وتواصل الود بينكما بما قد يدعوكما للعودة إلى ما كنتما عليه قبل ذلك، وعليه، فننصحك أن تطلبي من هذا الشخص عدم إرسال أي رسالة أخرى، فإن أصر على ذلك فتجاهليه ولا تردي على رسائله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(6/9)
الهاتف النقال له حكم ما استعمل فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم حمل الخلوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود بالسؤال ما هو حكم حمل الخلوي أي الهاتف النقال فهو مباح كسائر المباحات، إن استعمل في الحرام صار حراماً، وإن استعمل في المباحات صار له حكم ما استعمل فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(6/10)
دور الإعلام في تطوير استغلال الوقف
[السُّؤَالُ]
ـ[دور الإعلام في تنمية المؤسسات الوقفية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللإعلام دور كبير في نشر الإسلام وتعليم الناس أحكامه، سواء أكانت أحكام عبادات أم كانت أحكام معاملات، ولكن وللأسف وجدنا أن الإعلام يسعى في الغالب لهدم الأخلاق، وتدمير الفضائل، ومحق تعاليم الدين القويم، ولو أن أهله استخدموه الاستخدام الموافق للشرع الحنيف لجنوا من وراء ذلك ثوابًا عظيمًا وأجرًا جزيلاً، لما في ذلك من نفع عموم الأمة.
أما بالنسبة للموضوع المذكور في السؤال فهو أحد الموضوعات المطروقة حديثًا لتطوير استغلال الوقف، وليس موقعنا معنيًا بمثل هذه البحوث؛ لأن الموقع مشغول ببيان الأحكام الشرعية العملية للمستفتين لا للباحثين.
ويمكنك الرجوع للمكتبات العامة فستجد فيها كثيرًا من الكتب التي عنيت بالوقف وسبل تطويره قديمًا وحديثًا.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 7113، والفتوى رقم: 18337.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1423(6/11)
ما يلزم من استعمل الصفر الدولي دون إذن
[السُّؤَالُ]
ـ[نسكن في بلد لا يوجد فيه من نستفتيه ولكي نستفتي لا بد من استخدام الصفر ولقد كنت أستفتي دون استئذان أبي فهل علي إثم وهل يجب علي استحلاله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجواب على هذه المسألة فيه تفصيل، إذا أن الأمر لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون هذا الأمر مأذوناً فيه من قبل الأب، فلا حرج عليك حينئذ في هذا الاتصال، ولا تأثم به، سواء كان الإذن قولياً أو عرفياً.
الحالة الثانية: أن يكون الأب قد منع من ذلك، فالواجب حينئذ طاعته وعدم الاتصال إلا بإذن منه، ومن فعله بدون إذنه فهو آثم، فتجب عليه التوبة ومن تمام التوبة رد تكلفة الاتصال إلى أبيه أو استحلاله وإخباره بحقيقة الأمر، فإن خشيت أن يترتب على ذلك ضرر كبير لو رددته له علنا فيمكنك أن ترده له بأي وسيلة أخرى.
هذا فيما إذا كان لديك مصدر للكسب، وإلا فهو في ذمتك حتى تقدر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1423(6/12)
العمل في وسائل الإعلام ... رؤية شرعية واقعية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
العمل بجهاز إعلامى مثل الإذاعة والتليفزيون مثلاً أو أحد القنوات المتخصصة مثلا في وظيفة إدارية كوظيفة محاسب مثلا ما الحكم في هذه الوظيفة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن وسائل الإعلام لها دور عظيم، وأنها سلاح ذو حدين، فالواجب على المسؤولين فيه أن لا يولوا في الإعلام إلا الثقات الذين عندهم علم وبصيرة وأمانة، لأنها بالفعل تحتاج إلى رجال يخافون الله ويتقونه، ويتحرون نفع المسلمين والمجتمع كله حتى لا يضل الناس بسببهم.
ومعلوم أن من نشر ما يضر الناس في عقيدتهم أو أخلاقهم سيكون عليه مثل آثام من ضل به، كما أن من نشر ما ينفع يكون له مثل أجور من انتفع بذلك.
ومن هنا ينبغي على كل مؤمن يرى في نفسه أهلية وقدرة على سد ثغرة من هذه الثغرات أن يفعل ذلك، ولا يدع هذه الوسائل بيد الجهال والفسقة وأهل الإلحاد يبثون سمومهم وإلحادهم، بل عليه أن يتولى هو وأمثاله من أهل الصلاح والإيمان هذا الأمر، وأن يوجهوه حتى يسير على الطريقة الإسلامية وحتى يسلم المسلمون من ضرره.
هذا إذا خولت لهم السلطة ومكنوا من التصرف في ما أنيط بهم من مسؤولية إعلامية.
أما إذا لم يكن لهم دور وكانوا لا يستطيعون تغيير أي منكر من المنكرات التي تمارس في الإعلام والتي قلما يخلو منها إذاعة أو تلفزة، فالأولى للمسلم أن يتجنبها وأن يبتعد عنها ولا يتخذها وسيلة لكسبه، وراجع الفتوى رقم:
1886.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1423(6/13)
حكم استخدام الموظف شبكة الإنترنت لمصلحته
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شخص أعمل في جمعية إسلامية متطوعاً - أرجو من الله أن يحتسبه لي أجراً - واقترحت على الجمعية أن تشتري جهاز حاسوب وتفتح شبكة (النت) وذلك على حساب الجمعية وأن يكون لي الحق في استخدامه استخداما خاصا.
مع العلم أن القسط الذي يدفع شهرياً هو قسط ثابت لا زيادة ولا نقصان فيه، وأنا الآن استعمل الجهاز في عمل الجمعية وعملي الخاص هل يجوز ذلك؟
وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في استخدامك للجهاز المذكور إذا أذنت لك الجهة المالكة له. أما إذا لم تأذن لك، فلا يجوز لك استخدامه.
أما اشتراطك على الجهة أن تعمل على أجهزتها عملاً خاصاً بك فلا يجوز، لأنه حينئذ يكون من باب الإجارة، والإجارة بمجهولٍ لا تجوز، اللهم إلا أن يكون عملك عملاً معلوماً، علماً ينفي عنه الجهالة والغرر، ففي هذه الحالة لا مانع من ذلك، ولكن لا يسمى عملك عملاً تطوعياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1423(6/14)
حكم توصيل شبكة الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أخي في الله معروض عليّ عمل في شركة تقوم بإمداد الإنترنت للمنازل وتصميم المواقع للشركات على الإنترنت وغيره وأخشى من أكون مرتكباً لوزر في حالة دخول أحد هؤلاء على أي مواقع إباحية أم أنه ليس عليّ حرج؟
أفيدوني أفادكم الله.
السلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإنترنت فيه الخير والشر، وفيه النافع والضار.
وعليه، فلا بأس في العمل في إيصاله إلى المنازل أو تصميم مواقع عليه إن كان لا يغلب على الظن استخدام من توصل إليهم هذه الخدمات في معصية الله عز وجل.
أما إن غلب على الظن أنه سيستخدم في معصية، فلا يجوز الإعانة على ذلك لقوله سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] .
وإذا جهل الحال، فالمنع أولى لأن أغلب الناس يستخدمونه فيما لا يرضي الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1423(6/15)
مؤلفات في تفسير القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسيرا للقرآن الكريم يكون مثل تفسير ابن كثير فهو يشرح الآيات فالتفاسير الأخرى كأنها عبارة عن
الكلمة ومعناها مثل: تفسير الجلالين، أيسر التفاسير، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؟
... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من التفاسير التي تهتم بالمعاني الإجمالية للآيات وبيان ما فيها من الأحكام والفوائد تفسير الطبري، والقرطبي، وا لألوسي، وابن حبان، وابن السعود، والبغوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1430(6/16)
كثير من معلومات البطاقة العائلية الأولى لرسول الله غير موثقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة ما ورد في كتاب البطاقة العائلية الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل يجوز اقتناؤها؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اطلعنا على نموذج للبطاقة العائلية المنسوبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمتضمة معلومات عنه وعن آل بيته الكرام رضي الله تعالى عنهم، والمنشور في مواقع كثيرة على الإنترنت، ووجدنا أن أكثر ما فيها من المعلومات غير موثق، وبدون عزو إلى مصدره، كما أن بها معلومات مبنية على أحاديث ضعيفة، وذلك مثل عدد الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى الثقلين، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن بها بعض الأخطاء العلمية مثل عد مصنفها مارية القبطية زوجة من زوجاته صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بصحيح؛ حيث إنها كانت ملك يمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صارت أم ولد له، وأما الصور المرافقة فهي مفتراة ولا دليل يثبتها إلا رغبة جامعها في الترويج لبضاعته.
وعلى هذا فلا نرى نشر مثل هذه البطاقة، ولا الترويج لها، ولا اعتمادها وسيلة للتعريف برسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1430(6/17)
جودة كتاب إعراب القرآن لابن سيده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي قوة إعراب القرآن لابن سيده؟ أرجو الإفادة حتى ولو كانت في كلمات قليلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب إعراب القرآن لابن سيده من أحسن الكتب المؤلفة في هذا المجال.
ومن أحسن الميزات فيه أنه يعتني بإعراب كلمات القرآن كلها ولا يقتصر على الكلمات التي يصعب إعرابها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1430(6/18)
مؤلفات في الرد على النصارى وشبهات الكافرين
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً.. أريد بعض الكتب أو المواقع التي تتحدث عن معجزة القرآن وأنه كلام الله والرد على شبهات الكافرين بأسلوب علمي منمق، وأرجو أن تكون هذه الكتب أو المواقع تتحدث عن معجزة الإسلام بصفة عامة وأنه دين الله الحق مع مقارنته بالشرائع السابقة وأنه لم يتغير بينما تلك الشرائع قد نسخها الإسلام بمجيئه وتدخل فيها البشر بالتحريف والتعديل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الكتب المفيدة في ذلك كتاب (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب (إظهار الحق) للشيخ رحمة الله الهندي، (ومحاضرات في النصرانية) للشيخ محمد أبو زهرة، ومجموعة مؤلفات الدكتور زغلول النجار، وكثير من كتب الشيخ أحمد ديدات، ويمكنك الاطلاع على كثير من المواقع المتخصصة في ذلك الشأن وغيره عن طريق الرابط التالي:
WWW.http;//raddadi.com/?action=dleel.showSection&secid=204
وقد سبق بيان كثير من الكتب والمواقع في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21599، 18220، 63082، 74500 فراجعها للأهمية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(6/19)
من الكتب المتعلقة بمهنة المحاماة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إفادتي بخصوص الكتب المناسبة لي كمحامية والتي تنفعني في ديني ودنيا وعملي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الكتب الجيدة التي تناولت ما يهم المرأة من كتب في جميع نواحي الحياة والعلوم مع عرض تفصيلي لكل كتاب وبيان فائدته ومنهجه، كتاب: دليل مكتبة المرأة المسلمة- كتاب للشيخ أحمد عبد العزيز الحمدان وقد قال المؤلف في مقدمته للكتاب: فكرة الكتاب تقدم للمرأة خلاصة علم واطلاع ودراسة تزيل عنها الحيرة في اختيار الكتب المناسبة، وتكفيها مؤنة التقويم والتفضيل، وتوجهها نحو حاجتها الفقهية أو الفكرية أو غيرها في الكتب المختلفة. انتهى.
وننصحك كذلك بالاستفادة من الانترنت في هذا المجال، وهذه الروابط تعينك على ما سألت عنه:
http://www.islamweb.net/newlibrary/index.php
http://www.saaid.net/book/list.php?cat=6
ومن الكتب المتعلقة بمهنة المحاماة كتاب: هل المحاماة حلال أم حرام د. مسلم اليوسف وبإمكانك تحميل نسخة الكترونية منه من هذا الرابط:
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=4&book=2169
وكتاب: تاريخ المحاماة بعض الدول الإسلامية د. مسلم اليوسف وبإمكانك تحميل نسخة الكترونية منه من هذا الرابط:
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=83&book=2110
وفي الفتوى رقم: 22036 كتب في فنون شتى ينصح باقتنائها وقراءتها، وفي الفتوى رقم: 29216 كتب نافعة حول الصلاة وحجاب المرأة.
وأما بالنسبة لحكم عمل المرأة محامية فراجعي فيه الفتوى رقم: 13104.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(6/20)
نقد كتاب المجهول في حياة الرسول
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقولون عما جاء في كتاب المجهول في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم للمقريزي، فأفيدوني؟ جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكتاب لا يزال الباحثون يبحثون عن اسم مؤلفه، وهو كتاب مملوء بالأباطيل والافتراءات، ولا ينبغي قراءته لمن كان غير متسلح بالعلم الشرعي، هذا من حيث العموم..
أما الكلام عما فيه بالتفصيل لبيان الرد على المؤلف فيه فإنه ليس من الممكن الإتيان به في فتوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1430(6/21)
حكم تأليف قصص هزلية حول الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في تداول قصص هزلية عن الشيطان؟ من باب الاستهزاء به؟
من مثل: إبليس يصف الوضع والحالة في البلاد، كان إبليس في غرفته، يلملم ملابسه في حقيبة إلى جانب باقي متعلّقاته.
على المنضدة القريبة كانت استقالته موقّعة ومختومة حسب الأصول، وبجوارها تقبع تيكيت إلى جزر القمر، كانت ملامح وجهه في تلك اللحظات تنطق بالحزن والكآبة والإحباط واليأس وقلّة الحيلة مع دهشة مزمنة ارتسمت عليه منذ فترة ليست بالقريبة. واعترافٍ بالعجز والفشل. إبليس راحلٌ عن بلادنا إلى غير رجعة ...
فليفرح المؤمنون.... وين يامسهّل؟ ليش عم بتضبّ غراضك، يازلمة ماضلّلي قعدة عندكم إلى سنين عاطل عن العمل، وقرّبت موت من الجوع.. ما بلاقي معك سيجارة يا أخي؟
ما رح أترك فيكم لاوسواس ولا خنّاس! كنت زمان أوسوس للواحدة تترك ابنها يبكي وهي عم تحكي مع جاراتها، هلا صاروا لحالهم.. يرموا اولادهم بالحاوية أوّل ما يجوا
كنت أوسوس للواحد ينسى يسمّي الله قبل ما يأكل، هلا بطّل حدا يلاقي شي ياكلو! يا زلمة..
إذا أنا إبليس ... تسمّمت بالشاورما كنت كمان بوسوس للشب يرميلو كلمة عالبنت وهي ماشية بالشارع,
صاروا البنات يرمو عالشباب كلام أنا نفسي بأستحي أحكيه، واحد بيسرق 100 مليون عينك عينك بيحبسوه 3 سنين بفيلاّ على الشط. واثنان عم بينبشوا بمكبّ الزبالة بتقوصهن الشرطة.
إنتو بدّكم إبليس إنتوا؟ صار عندكم فائض بالفساد بكفّي 30 سنة لقدّام. صرت أخاف على حالي منكم يا زلمة
صرت اتجبر مرّات وسوس بالمقلوب وقول للمسؤول ارحم، وللحرامي بيكفّي.. خلّي شويّ للحراميّة اللي رح ييجوا بعدك.. يعني إذا إنتو لحالكن ما شاء الله بتعملوا كل هالبلاوي.
أنا إبليس شو أعمل؟ أشتغل شوفير تكسي يعني ولاّ أفتح صالون حلاقة؟ ماضلّ غير أقدّم للأوقاف يعيّنوني إمام جامع!!!
فقد قرأت مرة عن فتوى حرمة الاستهزاء به عن طريق الرسوم والقصص وحتى عن طريق تصغير اسمه..
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الكلام على المثال المذكور في السؤال نقدم له بالآتي:
أولا: اختلف أهل العلم في حكم القصص الخيالية التي ليس فيها حرام أو دعوة إليه، فذهب بعضهم إلى كراهتها، ورجح بعضهم جوازها والترخيص فيها إذا كان الهدف منها نبيلا كتعليم علم أو دعوة إلى فضيلة، أو كانت تعالج قضايا اجتماعية وأخلاقية ونحو ذلك. وهذا هو ما نراه.
وقد سبقت فتاوى مفصلة في هذا الشأن بأرقام: 109936، 13278، 95430، 108286.
ثانيا: مجرد الاستهزاء بالشيطان لا نعلم دليلا على منعه لذاته، بل إن تحقير الشيطان وإغاظته ولعنه مطلب شرعي، فنحن نقول في الاستعاذة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" والرجيم بمعنى: المبعد والمطرود من رحمة الله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله ـ وفي رواية: يا ويلي ـ أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار. رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان.. .إلخ متفق عليه.
ثالثا: لا يجوز رسم الشيطان؛ لدخوله في عموم ذوات الأرواح، ورسم ذوات الأرواح محرم على الراجح كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 100299، ورقم: 28529، ولدخوله كذلك في اتباع الإنسان ما لا علم له به؛ لأن صورة الشيطان الحقيقية مجهولة لنا، وقد قال الله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم {الإسراء: 36}
وفي ضوء ما سبق من مقدمات لا نرى حرجا في وضع قصة افتراضية على لسان الشيطان، وإن تضمنت استهزاء به، طالما كانت تخدم هدفا نبيلا، وطالما كان القارئ يدرك أنها افتراضية.
أما بالنسبة للمثال المذكور في السؤال، فالظاهر أن المقصود منه بيان استشراء الفساد في المجتمع، وهذا لا حرج فيه، لكن لنا عليه تحفظ؛ إذ إن الشيطان لم ولن يكف عن إغواء بني آدم مهما كثرت معاصيهم، فهو لا يقنع منهم بدون الكفر بالله، بل يحاول يستدرج الإنسان شيئا فشيئا بدءا من إشغاله بالعمل الفاضل عن المفضول، ومرورا بإيقاعه في المعاصي، وانتهاء بإيقاعه في الكفر بالله تعالى.
وأيضا فإن الشيطان يحرص على إضلال العبد ويستمر في ذلك حتى عند الموت، ولذلك كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت. رواه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه الألباني.
فعلى ذلك يلزم تعديل مضمون القصة المذكورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(6/22)
مؤلفات حول بعض خلفاء الدولة العباسية
[السُّؤَالُ]
ـ[هلا ساعدتموني ... كيف أجد أسماء ذرية المستظهر بالله وذرية المسترشد وذرية الراشد
حيث لدي تحقيق سلسلة نسب عباسية من ذرية المستظهر والمتسلسلين منها ربما لم تكن أسماؤهم مشتهرة كالخلفاء ولا سيما من نزحوا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على الاتصال بنا بارك الله فيك، ونفيدك أنه ليس من عادتنا مساعدة الباحثين لانشغالنا بإجابة الناس في نوازلهم، ولكنا نساعدك ببيان بعض المراجع التي تكلمت عن هؤلاء.
فمن أهم ما كتب في هذا ما كتبه يوسف بن تغري بردي الأتابكي في كتابه مورد اللطافة فيمن ولي السلطنة والخلافة.
فقد تكلم على عدة خلفاء من ذرية المسترشد منهم المعتضد والمتوكل والمستكفي والحاكم كما ذكر السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء وكتابة نظم العقيان في أعيان الأعيان بعض حديثهم.
وتكلم على بعضهم الذهبي في السير وفي المختصر.
ومثله ابن كثير في البداية والنهاية وكذا ابن حجر في الدرر الكامنة.
ويمكنك الاستعانة بالمكتبة الشاملة أو بالإنترنت للحصول على معلومات لا بأس بها في هذا المجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(6/23)
ابن قدامة وكتابه المغني ومؤلفه في الأصول
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة جنس التعريف عند علماء الفقه، وهل كتاب المغني لابن قدامة يعتبر من كتب الأصول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا مقصود السائلة بجنس التعريف، ولعل هذه العبارة مقتطعة عن سياقها، فالرجاء أن ينقل لنا السياق الذي وردت فيه لنتبين مدلولها فيه.
وأما كتاب المغني للعلامة ابن قدامة المقدسي الحنبلي فليس من كتب الأصول وإنما هو من كتب الفقه وخاصة الفقه الحنبلي أو الفقه المقارن لأنه يذكر مذاهب أهل العلم وأدلتهم ويناقشها ويقارن بينها وربما رجح بعضها. وأما كتابه في أصول الفقه فهو روضة الناظر وجنة المناظر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1430(6/24)
كتاب حضارة العبيد في منظار الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أستفسر عن كتاب حضارة العبيد للكاتب عبد الرؤؤف عون وما ورد فيه عن طرح فكرة عورة الإماء في إزالة حرمة كشف بعض النساء للرؤؤس والتبرج بشكل عام فأنا مستغرب من الفكرة وفي طرحها بهذا الوقت فأرجو الإيضاح ولكم الشكر الجزيل وأنا لم أقرأ الكتاب ولكنني سمعته يتحدث عنه في بعض الفضائيات..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأساس هذا الكتاب قائم على طريقة منحرفة في تناول مسائل الشرع، وفيها محاولة شاذة لتقريب أحكام الشريعة من الواقع المنحرف الذي يحياه الآن كثير من المسلمين، من البعد عن الالتزام بأحكام الحلال والحرام، والانحلال الأخلاقي والتبعية للغرب.
ومؤلف الكتاب يخبر عن نفسه أنه لاحظ عند دخوله الجامعة عدم التقيُّد بالزي الإسلامي للمرأة عند الكثير من النساء، وبعضهن ينحدر من أسر عريقة وكبيرة، وبعضهن من أبناء مشايخ وأساتذة بالأزهر. وأنه صادفه العديد من الاعتراضات لكُتَّاب مشهورين مرموقين يعترضون على الشريعة الإسلامية ويصفونها بالقسوة؛ لما فيها من رجم للزاني، وقطع ليد السارق ... إلخ. ويرون أن شريعة الإسلام لا تصلح لزماننا.
ويُرجِع المؤلف ذلك للجهل بالدين وإغلاق باب الاجتهاد حتى أصبح الفقهاء يحفظون ولا يفقهون، ويفتون بآراء قديمة ولا يتدبَّرون!! والساسة منذ القديم تدخَّلوا عن جهل منهم وحمية وحماسة فألغوا أنظمة هي مباحة شرعًا فأصبحت محرمة قانونًا، وسهَّلوا أشياء هي محرمة شرعًا؛ فأصبحت مباحة قانونًا.
ثم يقول المؤلف: وقد منَّ الله عليَّ بعلم ورأفة وإحساس بالغير أيًا كان فكره أو مذهبه (!!!) لذا فكَّرت فيما كتب هؤلاء، وراجعت ما درست بالأزهر، فوجدت أن شريعة العبيد هي على النصف من شريعة الأحرار، أي أنها يمكن أن تناسب مثل هؤلاء. فما كان مني إلاَّ أن أمعنت النظر في حياة هؤلاء الكُتَّاب وطريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم فوجدتهم عبيدًا في صورة الأحرار، فبحثت في أسيادهم فما وجدت إلاَّ عبيدًا ويتحكَّمون في شعوب بأكملها إلاَّ ما رحم ربي، حتى وصلت إلى دولة عظمى تحكم العالم تقريبًا بأسره ... اهـ.
من العجيب أن يصف المؤلف فقهاء الإسلام بأنهم يحفظون ولا يفقهون، ويفتون بآراء قديمة ولا يتدبَّرون!! في حين أن موقفه من الكتَّاب الذين يعترضون على الشريعة الإسلامية ويصفونها بالقسوة - وهذه ردة عن الإسلام وتطاول على رب العالمين- يصفهم بأنهم مشهورون مرموقون!! ثم يقول عن نفسه: منَّ الله عليَّ بعلم ورأفة وإحساس بالغير أيًا كان فكره أو مذهبه (!!!) لذا فكَّرت فيما كتب هؤلاء..) .
فالمؤلف آلى على نفسه إلا أن يتدبر ويفكر في ما كتب هؤلاء المرتدون، ليجد لهم ما يليق بهم ويناسب عقولهم وأفكارهم، على حساب شريعة الإسلام وفقهائه!!.
فمحور الكتاب يدور على فكرة شاذة وممجوجة، وهي تنزيل أحكام العبيد والرقيق في الشريعة الإسلامية، على عموم الناس باعتبارهم عبيدا في الحقيقة. ولا يخفى ما في هذا من الخطأ والخطل، وما يترتب عليه من الشطط والخلل. ومن ثمرات ذلك عند المؤلف إجازة كشف المرأة لشعرها وذراعيها، وغنائها للأجانب غير المحارم. فماذا لو أعملنا بقية أحكام الرقيق وجوزنا للسيد أن يهب أو يبيع أمته، ويستبرئها المالك الجديد بحيضة واحدة!!.
ونقطة أخرى مهمة تظهر من عنوان الكتاب، فاسم الكتاب كاملا كما سماه مؤلفه: حضارة العبيد والنظام البديل للزواج، وهذا النظام البديل هو نكاح المتعة الذي كان مباحا في أول الإسلام، ثم نسخ بحكم الشرع لا بأمر الحكام والساسة! وقد سبق الكلام على نكاح المتعة وما يترتب عليه من المفاسد في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1123، 11583، 19835، 69660.
فأصل فكرة الكتاب على كونها مخالفة لإجماع المسلمين قديما وحديثا، مؤداها أن يعيش الناس مجتمعا يشبه إلى حد كبير مجتمع الجاهلية الأولى!
ومن العجيب أن يقول المؤلف: الكتاب يحوي اجتهادًا قابلاً للصواب، كما أنه قابل للخطأ. ولست مسؤولاً إطلاقًا أمام ربي ولا أمام مخلوقاته عمَنْ يتبع أحد هذه الاجتهادات بدون الرجوع إلى علماء الأمة وهيئات الفتوى المعتمدة بهذا الخصوص. اهـ.
ولا ندري ـ إن كان الأمر كذلك ـ لماذا ألف، ولماذا نشر. طالما أنه ليس من علماء الأمة ولا من هيئات الفتوى المعتمدة بهذا الخصوص!!.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة. رواه ابن ماجه وأحمد. وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(6/25)
نبذة حول كتاب الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأيكم فى كتاب الإسلام يتحدى للكاتب الهندى وحيد الدين خان؟ وهل يجوز قراءة هذا الكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتاب: الإسلام يتحدى. للكاتب الهندي وحيد الدين خان، من أفضل الكتب التي ألفت في العصر الحديث، والتي تتناول الدعوة إلى الإسلام وبيان أنه الدين الحق، بأسلوب يناسب ثقافة العصر، ويواجه أمواج الإلحاد والعلمانية، يتميز بعمق الفكرة وقوة الحجة، ويدل على رسوخ الكاتب في العلم، وسلامة منهجه وصحة معتقده وقوة إيمانه، وقراءة هذا الكتاب أمر نافع بإذن الله، لا سيما لمن يتصدى للدعوة إلى الله، ويجابه أصحاب العقائد الباطلة والأفكار المنحرفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1430(6/26)
بحوث وكتب ألفت في الاقتصاد الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[نتيجة ما يجري في العالم الشرقي والغربي من أزمة مالية نتيجة التعاملات الربوية. هل بالإمكان قيام علمائنا الأفاضل بإعداد بحث مفصل عن الاقتصاد الاسلامي الصحيح حسب الكتاب والسنة بالأسلوب المعاصر ولكافة المجالات التي يمكن تطبيقها في العالم لإنقاذ البشرية من التعاملات الربوية القاتلة وبشكل علمي ومقنع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبحوث والكتب التي ألفت وكتبت في الاقتصاد الإسلامي كثيرة، وهي من الكثرة والانتشار بحيث لا يخفى على مطلع، ومن هذه الكتب الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة للسالوس، وأحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة للدكتور مبارك بن سليمان، والمعاملات المعاصرة في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان ومعاملات البنوك للسالوس.
ومن البحوث التي صدرت في الاقتصاد الإسلامي بحث: أشكال وأساليب الاستثمار في الفكر الإسلامي للدكتور الضرير، والأسواق المالية في ميزان الفقه الإسلامي للدكتور القرة داغي، والأسواق المالية للدكتور محمد القري، وغيرها من البحوث المنشورة في مجلة مجمع الفقه الإسلامي ومجلة البنوك الإسلامية. وهناك مراكز متخصصة في أبحاث الاقتصاد الإسلامي كالمركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي.
والله أعلم. ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(6/27)
مؤلفات في الرد على الشيوعيين
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الكريم أنا أبحث عن كتاب لعالم إسلامي يرد فيه على الشيوعين ردا علميا كما هم يناقشونا فيه ولأنني أريد أن أبين لبعض الناس أن هذا المنهج غير صحيح كثيرا ما يناقشونني في أمور لا أستطيع الرد عليها فارجو منكم المساعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهناك مؤلفات كثيرة تفيدك في هذا الباب، منها: ثلاثة كتب لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني وهي: صراع مع الملاحدة حتى العظم، وكتاب الكيد الأحمر وكتاب كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة. طبعت كلها في دار القلم، ويمكن أيضا الاستفادة من كتب الشيخ عبد المجيد الزنداني.
ومن المراجع التي ذكرت للتوسع في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: السرطان الأحمر د. عبد الله عزام. الشيوعية والشيوعيون في ميزان الإسلام. د. عبد الجليل شلبي.
والسراب الأكبر. أسامة عبد الله الخياط.
والمذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها د. عبد الرحمن عميرة. وحوار مع الشيوعيين في أقبية السجون: عبد الحليم خفاجي. ويمكن للفائدة مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5893، 5888، 35638، 97509. كما يمكن الاستفادة من مناقشة نظرية دارون في الفتويين: 4755، 57722.
وهذا، وإننا ننبه إلى أنه لا تنبغي مناقشة أصحاب الأفكار المنحرفة إلا لمن كان ذا قدم راسخة في العلم بالكتاب والسنة، أما من لم يكن كذلك فإنه سيكون فريسة سهلة لأفكارهم الهدامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(6/28)
كتب حول أسئلة القرآن والآيات التي فيها شكر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد كتاب تكون فيه أماكن أسئلة القرآن أو الآيات التي فيها شكر، مثلاً في سورة التين (أليس الله بأحكم الحاكمين) ... بلى وأنا على ذلك من الشاهدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أحسن الكتب التي يمكن أن يبحث فيها عن أسئلة القرآن والآيات التي فيها شكر كتب المعاجم المفهرسة لألفاظ وموضوعات القرآن، فبالبحث عن كلمة شكر أو حمد تجد ألفاظ الشكر، كما تجد ألفاظ الاستفهام بالبحث عن أدوات الاستفهام في القرآن، كما أن الشيخ عبد الخالق عظيمة في كتابه دراسات لأسلوب القرآن الكريم تناول كثيراً من ألفاظ الاستفهام بالدراسة، ومثله في ذلك شيئاً ما ابن هشام في كتابه المغني، كما تكلم عليها الزركشي في البرهان في علوم القرآن، والسيوطي في الإتقان في علوم القرآن.
وقد تناول ابن القيم في كتابه مدارج السالكين موضوع الشكر بدراسة موضوعية ذكر فيها أغلب ألفاظه الواردة في القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1429(6/29)
حكم إلقاء ما فيه كلمة توافق لفظ القرآن أو اسما من أسماء الأنبياء في سلة المهملات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما وافق لفظ القرآن الكريم من كلمات, أو اسم شخص وافق اسما من أسماء الأنبياء, ما الحكم فيه من ناحية الدخول به إلى بيت الخلاء أو إلقائه في مكان غير محترم كسلة المهملات وغيرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمجرد موافقة اللفظ لكلمة من كلمات القرآن أو الاسم لاسم من أسماء الأنبياء لا يجعل لذلك حرمة الألفاظ والأسماء المعظمة في الشرع، قال ابن حجر في فتاواه: فإن القرآن وكل اسم معظم، كاسم الله أو اسم نبي له، يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه، والمقصود بأسماء الأنبياء ما يفهم من أنه لنبي، بحيث يقرن به من العبارات ما يفهم أنه لنبي، كمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عيسى عليه الصلاة والسلام، أو موسى كليم الله ونحو ذلك أما مجرد اسم محمد أو عيسى أو موسى، فلا يأخذ هذا الحكم. انتهى.
وإذا لم يكن المكتوب مما يعظمه الشرع فإن أهل العلم قد اختلفوا فيما إذا كان يجب تعظيمه أو لا يجب ... جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز الاستنجاء بمحترم كالكتب التي فيها ذكر الله تعالى ككتب الحديث والفقه، لحرمة الحروف ولما في ذلك من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها، واختلفوا في الكتب غير المحترمة ومثلوا لها بكتب السحر والفلسفة وبالتوراة والإنجيل إذا علم تبدلهما.. فذهب المالكية إلى أنه لا يجوز الاستنجاء بهذه الكتب لحرمة الحروف.. وذهب الشافعية إلى أن غير المحترم من الكتب ككتب الفلسفة وكذا التوراة والإنجيل إذا علم تبدلهما وخلوهما عن اسم معظم فإنه يجوز الاستنجاء به، وقال ابن عابدين من الحنفية: نقلوا عندنا أن للحروف حرمة ولو مقطعة.. انتهى.
وقال الدسوقي: قال الشيخ إبراهيم اللقاني: محل كون الحروف لها حرمة إذا كانت مكتوبة بالعربي، وإلا فلا حرمة لها إلا إذا كان المكتوب بها من أسماء الله، وقال عج: يعني عليا الأجهوري: الحروف لها حرمة، سواء كتبت بالعربي أو بغيره، وهو ما يفيده ح وفتوى الناصر، قال شيخنا وهو المعتمد.
وبناء على ذلك فالأحوط تجنب وضع تلك الكلمات والأسماء في سلة المهملات؛ مراعاة لمن يقول بحرمة الحروف، وأما مجرد دخول الخلاء بها فلا نرى فيه بأساً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1429(6/30)
كتب مهمة في العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً لكم على هذه الخدمة التي تقدمونها لنا فهذه والله نعمة من نعم الباري علينا ... أما بعد
فإني قمت بإرسال فتوى لكم ولم يحصل الرد ومر عليها أكثر من أسبوع فأريدكم أن ترسلوا لي على الإيميل رقم السؤال لأنكم لم تقوموا بإرسال الرقم ولكم جزيل الشكر.. أما الجزء الثاني: فأريدكم أن تزودوني بأسماء بعض الكتب في العقيدة التي توضح مسائل العقيدة توضيحا وتقوم بشرح، مثلا توضح وتشرح لا تعطي فقط مسائل الإيمان على شكل نقاط فإني أعاني من أفكار في العقيدة فأريد التوضيح عن طريق الكتب التي تخلو من الشبهات؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا عدداً من الكتب المهمة في دراسة العقيدة في الفتوى رقم: 4550.
وننصح أيضاً بمجموعة الشيخ عبد المجيد الزنداني في الإيمان والتوحيد فإنها تحتوي على فوائد كثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1429(6/31)
هل للطبري كتاب مفرد في قصص الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وقع بين يدي كتاب قصص الأنبياء لإبن جرير الطبري وعند تصفحه وجدت فيه كثيرا من الخرافات والأكاذيب والمغالطات وجل الروايات تبدأ بـ" روي أو زعم وقيل" ومن ضمن ما فيه رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تحدث إلى النملة، فما صحة هذه الرواية وهل ألف الطبري كتابا يحمل اسم قصص الأنبياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على كتاب مفرد لابن جرير الطبري في قصص الأنبياء، وقد تكلم على كثير من قصصهم في كتابه التفسير وكتابه التاريخ، وأما قصة النملة فنرجو أن تبعث لنا نصها لنساعدك في البحث عن صحتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1429(6/32)
الروحانيات وكتابات أبي حامد الغزالي
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو من سيادتكم التوضيح في موضوع منتشر ويضل به الكثير من المسلمين ألا وهو ما يسمى الروحانيات ونسبة بعض الكتب الروحانية إلى الإمام الغزالي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود بالروحانيات الاعتقاد بتأثير الأرواح وإمكان تحضيرها والالتقاء بها ونحو ذلك، فهذه خرافة من الخرافات التي يجب على المسلم الابتعاد عنها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 30698، والفتوى رقم: 69929.
وإذا كان المقصود بالروحانيات الرقائق والإيمانيات فينظر فيها فما وافق منها الكتاب والسنة فهو مقبول وما خالفهما فهو مردود، وفي ضوء ذلك ينظر إلى كتب أبي حامد الغزالي فقد حوت الغث والسمين وقد سبقت لنا فتوى حول كتبه برقم: 7667 ترجى مراجعتها للأهمية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1429(6/33)
توضيح حول كتاب السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر من فضيلتكم عن كتاب "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" هل ضعف فيه الشيخ أحاديث صحيحة في البخاري وهل على هذا الكتاب من مآخذ وهل ينصح به طالب العلم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيخ رحمه الله قد ضعف بعض أحاديث البخاري مثل حديث السماع الذي تابع ابن حزم في تضعيفه، وهو حديث صحيح كما بينه ابن الصلاح والعراقي وابن حجر وردوا على ابن حزم القول بتضعيفه، وهذا الكتاب فيه مسائل كثيرة انتقدها عليه بعض أهل العلم المعاصرين، والأولى لطالب العلم أن يستفيد من كتب القدماء المعتبرين التي خدمت ببيان أدلتها وتصويب ما فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1429(6/34)
توضيح حول كتاب (كتب حذر منها العلماء)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقولون عن هذا الكتاب لمشهور حسن آل سلمان وهو: ((كتب حذر منها العلماء)) وهو مجلدان. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكننا الحكم على هذا الكتاب على وجه الدقة لأن هذا يستلزم الاطلاع عليه كاملا ولكن مؤلفه وهو الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان معروف بعلمه وسلامة منهجه ومعتقده، وهو من تلاميذ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني والشيخ مصطفى الزرقاء رحمهما الله.
ويمكننا أن ننقل هنا جزءا من كلمة للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله وهو يقدم لهذا الكتاب، فكان مما قال: فإن التأليف في الكتب التي حذر منها العلماء باب عظيم من أبواب النصح للأمة وصيانتها مما يشوبها في دينها وتعبدها وسلوكها وتوحيدها لربها لكن لا يصلح أن يؤلف في هذا الباب الجهادي إلا من طاب مشربا ومسلكا، ومن اتبع في العلم سببا وبلغ فيه مبلغا حسنا، ومن أتي قدرا واسعا من سعة الاطلاع والجلد على جرد المطولات ورحلة النظر في عامة الفنون والمؤلفات مع التيقظ للتقييد وضم النظير إلى النظير، ثم التمحيص والتدقيق.
ولما قرأت مقدمة هذا الكتاب: كتب حذر منها العلماء ومواضع كثيرة منه رأيت أن مؤلفه الشيخ مشهور بن حسن آل سليمان له من هذه الأسباب الحظ الوافر. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1429(6/35)
التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على الاتصال بنا ونفيدك أن هذا الموضوع طويل وقد ألف فيه كتاب، ألفه الدكتور عثمان جمعة فحاول الاطلاع عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(6/36)
هل يوجد لتفسير ابن كثير نسختان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد لتفسير ابن كثير نسختان؟ إحداهما مطوله والثانية موجزة؟ علما بأني أرسلت هذا السؤال في رسالة سابقة ضمن سؤالين (في باب ـسؤال جديد برقم 2176971فى يوم 4/3/2008) وتم الإجابة عن سؤال ولم يتم الإجابة عن السؤال الثاني، لذلك أرسله اليوم في رسالة خاصة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم لابن كثير إلا تفسيرا واحدا ولكن تفسيره اختصره بعض أهل العلم منهم الشيخ أحمد شاكر، والشيخ محمد على الصابوني، والشيخ محمد نسيب الرفاعي، وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(6/37)
حكم بيع كتب الكهانة والعرافة ومجلات الفساد
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم العمل كبائع بمكتبة بها أصناف كثيرة من أنواع الكتب (دينية وغير دينية) وتتضمن كتبا عن (الأبراج والتوقعات المستقبلية) وأيضاً تتضمن بيع المجلات الأجنبية التي لا تخلو بالطبع من صور لنساء عاريات وأيضاً روايات ممنوعة أخلاقياً؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز بيع كتب السحر والشعوذة والكهانة، ولا بيع المجلات المشتملة على الصور الخليعة والصور التي هي لنساء متبرجات.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الشخص يقوم ببيع الكتب التي تحتوي على الكهانة والعرافة ككتب الأبراج والحظ ونحوها، أو يقوم ببيع المجلات التي تحتوي على صور محرمة ومواد فاسدة وأفكار منحرفة، فإن عمله هذا لا شك في تحريمه.. جاء في المجموع: ولا يجوز بيع كتب الكفر ... وهكذا كتب التنجيم والشعبذة.. وغيرها من العلوم الباطلة المحرمة فبيعها باطل لأنه ليس فيها منفعة مباحه. انتهى.
وجاء في تبصرة الحكام: ويؤدب من يبيع آلات اللهو.. وكذلك الصور المنهي عن اتخاذها إذا كان ما فيها تبعاً لها، فإن كانت تبعاً كالتي في الثياب والبسط جاز.
فالحاصل أن العامل في هذه المكتبة إن اقتصر بيعه على الكتب النافعة والمباحة فلا بأس بالعمل فيها، أما إن كان يبيع المباح وغير المباح فيجب عليه ترك العمل فوراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1429(6/38)
لا بد من معرفة مضمون الكتب التي يتم الترويج لها
[السُّؤَالُ]
ـ[لو قمت بالدلالة على كتاب معروض للبيع على الإنترنت عبر رابط في موقعي، وذلك الكتاب أعرف من العنوان فقط أنه لا يتناول الحرام غير أني لا أعرف محتواه فهل يجوز، وهل يكفي أن أطلع فقط على العنوان، وماذا لو كان عنوانه يتناول أمراً مشروعا ولكن بداخله صورة عارية مثلاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدلالة في الإنترنت أو غيره على كتاب معروض للبيع يعتبر ترويجاً لذلك الكتاب، والترويج لأي كتاب يترتب عليه من الخير أو الشر ما يدعو له ذلك الكتاب، فإن كان الكتاب يدعو إلى الخير كانت الدلالة عليه ترويجاً للخير، وفي الحديث: الدال على الخير كفاعله. رواه الترمذي. وفي حديث آخر: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. رواه مسلم.
وإن كان يدعو إلى شر كانت الدلالة عليه ترويجاً للشر، والدال على الشر كفاعله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص من آثامهم شيئاً. رواه مسلم. من هذا يتبين لك ما في هذا الأمر من الخطر العظيم.
وعليه؛ فلا يكفي للدلالة على الكتاب أن تقتصر على أن عنوانه لا يتناول الحرام، بل الواجب أن تتحقق أن الكتاب ليس فيه ترويج لأمر محرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(6/39)
كتاب منهاج المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي كتاب اسمه منهاج المؤمن وهذا الكتاب أحبه كثيرا إنه جيد جدا لفهم قوانين الإسلام.
ولكن لدي ثلاثة أسئلة تتعلق بهذا الكتاب:
أو لا: ماذا يعني منهاج المؤمن؟
ثانيا: هل مؤلفه مصطفي مراد هل هو أستاذ في جامعة الأزهر؟
وثالثا: كم استغرق هذا الدكتور لجمع هدا الكتاب؟
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمنهاج هو الطريق الواضح. جاء في مختار الصحاح: ... والمنهاج الطريق الواضح ...
ومنهاج المؤمن هو الطريق الذي يسلكه المؤمن بغية الوصول إلى مراد ربه.
فهو -إذاً- جميع ما يقوم به المؤمن امتثالا لأوامر الله واجتنابا لنواهيه.
والذي عرفناه عن مؤلف الكتاب: الدكتور مصطفى مراد، أنه أحد أعضاء جامعة الأزهر.
وفيما إذا كان يدرس حاليا في الأزهر، والمدة التي استغرقها جمع هذا الكتاب، فليس لنا علم بذلك، ونظن أن السائل الكريم لو توجه بسؤاله إلى جامعة الأزهر نفسها لوجد الجواب عن ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1428(6/40)
وجوب احترام ما فيه أسماء الله تعالى وأسماء الرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مدرس ومسألة الأوراق الملقاة في سلة المهملات التي قد تحتوى علي آية قرآنية أو حديث شريف أو اسم من أسماء الله تعالي مسألة مهمة جدا خاصة بعد أن قرأت قول بعض أهل العلم بأن من رأى ورقة تحتوى على آية قرآنية أو حديث في مكان مهين وتركها فقد خرج من الدين واستفساراتي في هذا الموضوع تتلخص في
1 ـ هل أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم مثل محمد ومصطفى ومحمود وأحمد....إلخ يحرم رميها في سلة المهملات وماذا عن أسماء باقي الأنبياء.
2 ـ الورقة التي بها اسم من أسماء الله هل يكفي تقطيع الاسم حرفا حرفا لرميها في سلة المهملات بالأحرف المتقطعة خاصة وقد قرأت بأن الأحرف العربية يحرم أيضا إهانتها.
3 ـ الورقة التي بها آية قرآنية أو حديث هل يكفي تقطيعها إلى كلمات مع التأكد من وجود لاسم من أسماء الله تعالي فيها.
4 ـ هناك بعض أسماء الله تعالى ولكن قد يقصد بها شئ آخر مثل الأول (فنكتب السؤال الأول والدرس الأول) والسلام (فنكتب مسيرة السلام ودار السلام) فهل هذه الأسماء تعامل كأنها أسماء الله تعالى.
5 ـ هل يكفي شطب الآية القرآنية من الورقة باستخدام القلم الحبر ـمثلاـ بحيث لا يظهر شيء من الآية القرآنية وبذلك يمكن رميها في سلة المهملات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوجوب احترام ما فيه أسماء الله تعالى وأسماء الرسل محل إجماع بين أهل العلم، لقول الله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ {الحج: 30} . وقوله: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32} . ويلحق بذلك كل شيء عظمه الشرع. وينبغي للمسلم أن يحترم كل مكتوب ولو لم يتضمن أسماء الله تعالى أو أسماء أنبيائه، لأن الحروف قد قال بعض أهل العلم بأن لها حرمة ثابتة، ففي الدسوقي قال الشيخ إبراهيم اللقاني: محل كون الحروف لها حرمة إذا كانت مكتوبة بالعربي، وإلا فلا حرمة لها إلا إذا كان المكتوب بها من أسماء الله، وقال عج (علي الأجهوري) لها حرمة سواء كتبت بالعربي أو بغيره، وهو ما يفيده ح (الحطاب) وفتوى الناصر. قال شيخنا: وهو المعتمد.
وفي هذا رد على أسئلتك الثلاثة الأولى.
وحول سؤالك الرابع فإن الأول في عبارة: السؤال الأول والدرس الأول، والسلام في عبارة: مسيرة السلام ودار السلام ... ليست من أسماء الله تعالى، ولا تعامل كأنها أسماء الله تعالى.
وعن سؤالك الأخير فلا مانع من أن يكتفى بشطب الآية القرآنية باستخدام قلم الحبر، إلا أن دفن الأوراق في محل يؤمَن فيه امتهانها أبلغ في احترامها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1428(6/41)
توضيح حول كتاب دليل الفالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في كتاب (دليل الفالحين بشرح طرق رياض الصالحين) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب دليل الفالحين من أحسن وأقدم شروح رياض الصالحين ومؤلفه وصفه الزركلي بأنه مفسر وعالم بالحديث، وهو جيد في بابه إلا أن مؤلفه متأثر بأهل علم الكلام فيتعين التنبه لذلك عند كلامه في أمور العقيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(6/42)
كتاب الفقه الواضح من الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في كتاب (الفقه الواضح) للدكتور محمد بكر إسماعيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفقه الواضح من الكتاب والسنة على المذاهب الأربعة هو كتاب قيم، ألفه الشيخ محمد بكر إسماعيل في ثلاثة مجلدات، يحتوي المجلد الأول على أحكام الزكاة وحقيقة الإحسان وأركانه، والمجلد الثاني يتناول أحكام النذور، أما المجلد الثالث فيتضمن أنواع الكفالة والوقف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(6/43)
كيفية التخلص من الكتب المحتوية على آيات وأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدرس في كلية الحقوق وكثيرا ما تتضمن كتبنا الآيات والأحاديث الشريفة كمادة الأحوال الشخصية وتكون كبيرة فيصعب حرقها بعد الانتهاء من دراستها فكيف أتخلص منها وهل أستطيع رميها؟ جزاكم الله خيراً أهل الذكر وأعتذر على إطالتي.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز رمي الأوراق التي فيها آيات أو أحاديث أو أسماء الله في مكان تمتهن فيه، ولا بد من حفظها أو التخلص منها بدفنها أو حرقها، أو تمزيقها بآلة لا يبقى معها أثر للكلمات والحروف.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما كان مكتوباً فيه آية أو حديث أو اسم من أسماء الله تعالى فالواجب أن يحترم وأن لا يبتذل، وأن يحفظ أو يتخلص منه بحرق أو دفن أو تقطيع بآلة تذهب معه ماهية الكلمات والحروف، يقول الله جل وعلا: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ {الحج:30} .
وقد نص بعض أهل العلم على أن من رأى ورقة كتب فيها آية من كتاب الله أو حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو اسم من أسماء الله تعالى، أقول: رآها في مكان مستقذر ولم يخرجها من ذلك المكان فإنه بتركه لها يخرج من ملة الإسلام، والأمر جد خطير.
ومن هذا تعلم أنه لا يجوز رمي الأوراق التي ذكرت أنه يكون فيها الآيات أو الأحاديث الشريفة، وإنما يتخلص منها بالحرق أو الدفن ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1428(6/44)
أحاديث كتاب أدب الدنيا والدين فيها الصحيح والضعيف والموضوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي علمائنا الأجلاء في الأحاديث الواردة في كتاب (آدب الدنيا والدين) للماوردي بحيث يشار إليها بصيغة المبني للمجهول بدون سند (روي عن النبي صلى الله عليه وسلم) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أحاديث كتاب أدب الدنيا والدين لا يعتمد عليها من ناحية صناعة الحديث وعلومه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب أدب الدنيا والدين كتاب مفيد في موضوعه، وهو الأخلاق والفضائل الدينية من الناحية العلمية ... وبعضه في الآداب الاجتماعية، واسمه الذي وضعه له المؤلف في الأصل (كتاب البغية العليا في أدب الدين والدنيا) وقد شاع بين الناس باسم أدب الدين والدنيا، ولذلك فهو ليس كتاب حديث، ولا يجوز لطالب العلم أن يأخذ منه الأحاديث أو يعتمد عليه من هذه الناحية لأنه لا يهتم بسند الحديث ولا برتبته من ناحية القبول أو الرد ولا يكلف نفسه حتى بنسبته إلى المصدر الذي أخذه منه بغض النظر عن هذا المصدر فيذكر الحديث بصيغة التمريض (روي مبني للمجهول) ، فإيراده لنص الحديث أو غيره من النصوص ليس لذاتها أو الاعتماد عليها وإنما لتقوية وتأييد المعنى أو الفكرة التي قررها أصلاً، ولذلك فالكتاب فيه الأحاديث الضعيفة والموضوعة وما لا أصل له، وفيه الأحاديث الصحيحة وما روي بالمعنى.
وعلى هذا فلا يجوز لطالب العلم أن يعتمد عليه أو على أمثاله في الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1428(6/45)
معلومات عن كتاب الفتح الرباني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كتاب الفتح الرباني شرح لمسند الإمام أحمد كله أو بعضه؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب الفتح الرباني قد تم فيه ترتيب وشرح مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وعدد أجزائه أربعة وعشرون، وقد ألف هذا الكتاب الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا رحمه الله، لكنه لم يكمله فوصل فيه إلى الجزء الثاني والعشرين ولم يتمه، ثم أكمل الجزء الثاني والعشرين العالم المحدث الشيخ محمد عبد الوهاب بحيري أحد علماء الأزهر، ثم أنشئت لجنة تضم أبناء الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، وبعض العلماء من بينهم الأستاذ حامد إبراهيم والأستاذ محمد الحسني والشيخ محمد الحافظ التيجاني، فأتمت الجزأين الثالث والعشرين والرابع والعشرين.
انتهى ملخصاً من مقدمة الجزء الثالث والعشرين من كتاب الفتح الرباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1428(6/46)
بعض مؤلفي كتب في الأحاديث القدسية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك من قام بشرح وتحقيق كتاب الأحاديث القدسية؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأحاديث القدسية قد اعتنى بجمعها بعض أهل العلم منهم المناوي في الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية وعبد السلام محمد علوش وابن بلبان والشيخ مصطفى العدوي وغيرهم، ولم تذكر لنا مؤلف الكتاب المذكور.
مع التنبيه على أننا لم نقف على تحقيق ولا شرح لبعض تلك المؤلفات، والمخرج من تلك الأحاديث في كتب السنة مشروح في محله من تلك الكتب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1428(6/47)
كتاب سير أعلام النبلاء من أهم كتب التراجم وأصحها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأحاديث الواردة في كتاب سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي كلها صحيحة أم فيها الضعيف وغير ذلك، وهل تنصحوني بقراءته أم بقراءة كتاب آخر في مجال تراجم الشخصيات الإسلامية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم على الأحاديث الموجودة في سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي يتطلب تتبعها كلها وهذا متعذر علينا، مع التنبيه على أن مؤلف هذا الكتاب معروف بسعة حفظه ودرايته في علوم الحديث، وهذا الكتاب من أهم كتب التراجم وأنفعها وأصحها، فننصحك بقراءته إضافة إلى كتب التراجم الأخرى الموثوق بها كصفوة الصفوة لابن الجوزي وحلية الأولياء لأبي نعيم ونحوها، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 63488.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1428(6/48)