هديه عليه الصلاة والسلام في أيامه ولياليه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم وقته اليومي والأسبوعي بين العبادة والعمل والنوم والأكل وجميع تصرفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي يومه وليلته وشهره وسنته على نظام واحد بحيث لا يتغير ولا يتبدل، بل كان يقيم ويسافر، ويسالم ويقاتل، وتطرأ عليه أمور في يوم دون يوم وفي شهر دون شهر، وهكذا.
والذي نستطيع وصفه من حاله عليه الصلاة والسلام هو أنه كان يصلي بأصحابه الفجر، ويجلسون يذكرون الله، وإذا رأى أحدهم رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولَّها له، فإذا طلعت الشمس صلوا ركعتين، ثم انصرف كل إلى عمله والأمر الذي يهمه قضاءه في ذلك اليوم.
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وكان ربما ذهب إلى السوق فأمر الناس ونهاهم، وكان ينام القائلة وهي النوم في وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو من بعد، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن.. ويكون في خدمة أهله كما تقول عائشة، فإذا أذن المؤذن قام إلى المسجد كأنه لا يعرفهن.
وأما الليل، فكان في أول أمره يصلي في أوله، ثم يصلي في وسطه، واستقر أمره على الصلاة في آخره، وكان يقول: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً" متفق عليه.
وكان يجتهد في ليالي رمضان ما لا يجتهد في غيرها، ويحيي الليل كله في العشر الأواخر منها.
وعلى كل حال، فينبغي للمسلم أن يرتب وقته للعبادة والعمل وللراحة ولأهله وأولاده وغيرهم حسب ما يتناسب معه هو، حتى يعطي نفسه حقها، وكذا يعطي كل ذي حق حقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1423(4/655)
من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الآيات الكونية التي تبين صدق ما جاء به الوحي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعجزات التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم تعتبر من الآيات الكونية الدالة على صدق الوحي ومثل ذلك الآيات التي تحدث القرآن عنها واكتشفت حقائقها العلمية مؤخرا، ومن أعظم ذلك معجزة انشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام له، والبرزخ الحاجز بين الماء المالح والعذب، إلى غير ذلك من المعجزات التي ذكر أهل العلم أنها تزيد على الألف، كما قال النووي وابن حجر.
كما أن الإعجاز العلمي الذي يكتشف اليوم فيه مطابقة أخبار الوحي للحقائق العلمية في الكون، والتي لم تكن معلومة من قبل من أبين البراهين على صدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وانظر الكتب التي تتحدث عن دلائل النبوة وعن المعجزات وعن الإعجاز العلمي في القرآن.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31528، 60883، 99787، 112580، 64536.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1430(4/656)
استجابة الله لدعاء رسله بتأييدهم بمعجزة يعتبر معجزة
[السُّؤَالُ]
ـ[إشارة إلى الفتوى رقم:112303، والمتضمن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم بشق القمر وكما هو مبين في الفتوى وكما جاء في الآية 1 من سورة القمر أن الرسول الكريم لم يعمل هذه المعجزة ولم تعد معجزة لأنه في الآية تدل انشقاق القمر يحدث في نهاية العالم وليس قبل ذلك وإذا حدث هذا فعلا قبل نهاية العالم فهو مخالف لما جاء في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إنشقاق القمر قد حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما جزم بذلك أهل العلم من المفسرين والمحدثين انطلاقا من نص آية القمر وحديث الصحيحين، وهذا هو ما جزمنا به في الفتوى التي ذكر السائل رقمها، وما ذكر في الفتوى من كون انشقاق القمر حصل بقدرة الله تعالى ولم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يفيد عدم وقوع هذه المعجزة، كما أن المعجزة تأييد من الله تعالى لرسله بشيء من الخوارق يظهره تأييدا لهم، فاستجابة الله تعالى لدعاء رسله يعتبر معجزة لهم ولو لم يكونوا فعلوا شيئا بأيديهم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16869، 93368، 72419.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1429(4/657)
جاء يحمل المقطوعة فألصقها فلصقت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن سيدنا علي بن أبي طالب وهو أمير المؤمنين سمع عن رجل أقيمت فيه حد السرقة فقطعت يده فجاء وهو يحمل يده المقطوعة بيده الأخرى وهو يثني على سيدنا علي فقام سيدنا علي بتركيب يده المقطوعة وتفل عليها فرجعت كأنها لم تقطع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم لذلك أصلا في كتب التاريخ المعتمدة، والظن أن ذلك من الأكاذيب التي لا أصل لها، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة مشابهة في يد قطعت جهادا في سبيل الله، فقد قطع أبو جهل يوم بدر يد معاذ بن عفراء فجاء يحمل يده فبقص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصقها فلصقت. رواه ابن وهب في ما ذكره القاضي عياض في الشفاء، ونقله عنه الصالحي في سبل الهدى والرشاد.
وروى أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة عن محارب بن دثار قال: أخبرني رجل منا قال: أسلمنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا شيخ لنا كان سيدنا، قال: فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ناس من أصحابه ونحن في أخبية لنا فجاوز غير بعيد ثم نزل ونزل أصحابه فأقبل كل رجل منهم على راحلته فوضع عنها، وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته فوضع عنها ثم بعث راحلته برجله فقال: اللهم احمل وأنت الحامل، ومعنا غلام كسير قد انكسر يده بالأمس فجبرناها، فلما وضع الطعام مد الغلام يده اليسرى يتناول بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه، فكف. فقلنا: يا رسول الله؛ إن يده انكسرت أمس فجبرناها، فقال: تحول إلي فحول إليه، فحل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبائر عنه ثم مسح يده فاستوت يده ثم قال: كل بيمينك فأكل بها، فلما طعم القوم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبائر فاعطاها الغلام فقال: اذهب بها لعل أهل البيت يحتاجون إليها. قال: فأدبر الغلام أخذها بيده اليمنى، فرآه الشيخ الذي أبى أن يسلم فقال: يا فلان ما أمرك؟ فقال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي فهي كما ترى. قال: فقام الشيخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1429(4/658)
الإعلام بموت النجاشي من دلائل النبوة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يعد نعي النجاشي من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم دليلاً من دلائل النبوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه. متفق عليه. وفي رواية عند مسلم أنه قال: مات اليوم عبد لله صالح أصحمة، وهذا من دلائل النبوة لأن وسائل الاتصال العادية في ذلك الزمان لم يكن يمكن بها معرفة الأحداث الحاصلة في أرض الحبشة نفس اليوم بالنسبة لأهل المدينة، فعلم أن اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك كان بطريق الوحي فكان هذا دليلاً من دلائل النبوة، قال النووي رحمه الله في شرح حديث مسلم المذكور: وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1429(4/659)
انشقاق القمر حصل بقدرة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت أطلع على الفتاوى وجدت من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قسم القمر أي شطره ومستشهدا بآية من سوره القمر 1 (اقتربت الساعة وانشق القمر) ومع العلم لم يثبت علميا أن القمر حتى هذا التاريخ مقسوم أرجو تفسير هذه الآية وكيف تم انشقاق القمر مع العلم بأن كلمه اقتربت الساعة تدل على نهايه العالم هل أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يشق القمر في نهاية الكون أو ماذا؟ أرجو إرشادي إلى الصحيح ولكم مني كل شكر واحترام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ثبت ما يفيد العلم بأن القمر قد انشق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك هو النص من القرآن ومن رواية البخاري في صحيحه لشهادة الصحابة برؤيتهم لذلك، فقد روي من حديث ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه. فقال رسول الله صلى الله عليه سلم: اشهدوا.
ويذكر عن بعض الخبراء الذين صعدوا القمر أنهم لاحظوا أنه انشق في القرن السادس الميلادي.
وانشقاق القمر الذي حصل سابقا قد حصل بقدرة الله تعالى، ولم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المشركين طلبوا ذلك فسأل الله تعالى فاستجاب له.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16869، 93368، 43832، 53186، 69255.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1429(4/660)
حول حديث عبد الله بن سلام في رجم الزانيين في التوراة
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث عبد الله بن سلام: عندما أتى اليهود برجل وامرأة زنيا فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الزنا في التوراة الحديث، فلماذا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ أليس النبي يجب أن يكون عالما بقول التوراة فى ذلك؛ لأنه نبي حيث إنه صلى الله عليه وسلم في حديث آخر لأحد الصحابة قبل أن يسلم وكان على إحدى ديانات النصارى، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنه يعلم أكثر منه عن هذه الديانة وشريعتها فلماذا هنا النبي أخبره بأنه يعلم عن هذه الديانة وشريعتها ولم يخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول بحكم الزنا في التوراة، أنا آسف على الإطالة وآسف على عدم كتابتي للأحاديث بنصها ولكني ذكرت معناها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أميا لايقرأ ولايكتب كما قال الله تعالى عنه: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ {العنكبوت:48} .
وأما قصة رجم اليهوديين وسؤاله لهما عن حكم الزنى في التوراة لما تحاكموا إليه ليس سؤال استفهام بل هو سؤال تقرير وإلزام. وكان علمه بذلك إما بإخبار الله له أو بإخبار بعض الصحابة الذين أسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام.
قال النووي: قال العلماء هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم فإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولعله قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه أو أخبره من أسلم منهم.
فهو لايعلم عن الديانات السابقة والكتب القديمة إلا ما أخبره الله به في القرآن وقصه عليه أو أخبره به بعض من أسلم من أصحاب تلك الديانات، ومن ذلك ما ورد في قصة إسلام عدي بن حاتم كما في المسند قال: لما بلغني خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرهت خروجه كراهة شديدة، خرجت حتى وقعت ناحية الروم، وقال يعني يزيد ببغداد حتى قدمت على قيصر، قال فكرهت مكاني ذلك أشد من كراهيتي لخروجه، قال فقلت والله لولا أتيت هذا الرجل فإن كان كاذبا لم يضرني، وإن كان صادقا علمت، قال فقدمت فأتيته، فلما قدمت قال الناس عدي بن حاتم عدي بن حاتم، قال فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي يا عدي بن حاتم أسلم تسلم ثلاثا، قال قلت إني على دين، قال أنا أعلم بدينك منك، فقلت أنت أعلم بديني مني، قال نعم ألست من الركوسية وأنت تأكل مرباع قومك، قلت بلى، قال فإن هذا لا يحل لك في دينك، قال فلم يعد أن قالها فتواضعت لها، فقال أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام تقول إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب أتعرف الحيرة، قلت لم أرها وقد سمعت بها، قال: فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز، قال قلت كسرى بن هرمز، قال نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد، قال عدي بن حاتم فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها. قال شعيب الأرنؤوط: بعضه صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل أبي عبيدة.
فقوله صلى الله عليه وسلم لعدي أنه أعلم منه بدينه لايعني علمه بجزئياته وتفاصيله واطلاعه عليه، وإنما أخبره الله عزوجل عما يفحم به عديا، فكان تحديا لعدي وإفحاما له وإظهارا لنبوته صلى الله عليه وسلم في إخباره عن الغيب مما أطلعه الله عليه، سواء في الماضي كأكل عدي للمرباع، أو المستقبل كفتح كنوز كسرى ونحو ذلك مما أخبر به وقد كان.
إذن فلاتعارض بين سؤاله لليهوديين عن حكم الرجم تقريعا لهما وإلزاما وبين إفحامه لعدي بإخباره عن بعض ما في دينه، فأتى في كل من المقامين بما يناسبه.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 11425.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(4/661)
معجزات النبي متنوعة وكثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي لماذا لم يستعمل المعجزة أو إظهار البينة على دعوته صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه استعملها في كثير من الموارد والمواقع فهل أراد الله تعالى منه أن تجري الأمور بحسب الأسباب الطبيعية في نصرة دعوته؟ أجيبونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة وواضحة لمن فتح عينيه وفكر بعقله، ولكن المعاندين لا تنفعهم المعجزات ولا الأدلة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل قد أجرى على يد نبيه صلى الله عليه وسلم من المعجزات الحسية والمعنوية التي تثبت صدق نبوته وشمول رسالته أمورا كثيرة.
فمن ذلك المعجزات والإرهاصات الحسية التي شاهدها معاصروه ومن كانوا في زمانه منذ ولادته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، وهذه المعجزات والإرهاصات تشبه ما وقع من المعجزات لإخوانه من الأنبياء والمرسلين.
ومنها المعجزات المعنوية والعقلية في العلم والبلاغة والتشريع والتاريخ والاقتصاد والفلك والأجنة ... وغيرها من العلوم التي اشتمل عليها القرآن الكريم، وأقام الله به الحجة على الخلق أجمعين، وتحدى الثقلين بالإتيان بمثله فقال تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. {الإسراء:88}
وللمزيد عن معجزات النبي- صلى الله عليه وسلم- نرجو أن تطلع على الفتاوى: 16869، 100873، 37635، 14240، 20684، 31528.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(4/662)
تاريخ انشقاق القمر
[السُّؤَالُ]
ـ[متى حدث انشقاق القمر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن انشقاق القمر حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة، وقد نقل ابن كثير في البداية والنهاية الإجماع على ذلك، وذكر أنه تواترت به أحاديث تفيد القطع، وظاهر كلام ابن كثير أنه وقع بين حادثة الإسراء والمعراج وعام الحزن، فيكون قبل الهجرة بسنة وزيادة تقريبا.
وراجع الفتوى رقم: 43832، والفتوى رقم: 16869.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1428(4/663)
جواب شبهة حول انشقاق القمر
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا تعتبر حادثة انشقاق القمر من الأخبار المقطوع بكذبها، ونحن نؤمن بها، رغم روايتها من 3 صحابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم مثار الشك عندك حتى رغبت في القطع بكذب حادثة انشقاق القمر، فإن كان السبب عدم اطلاعك على ما يفيد ثبوتها فإنا نفيدك أنها ثبتت فيما يقطع بصحته ورواها كثير من الصحابة فقد جزم المفسرون بصحتها عند الكلام على قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ {القمر:1}
كما جزم المحدثون فقد رواها إمام المحدثين وأكثرهم اعتناء بالتصحيح ودقة فيه وهو الإمام البخاري فقد روى في الصحيح عن أنس بن مالك: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين. ووافقه الإمام مسلم في حديث ابن مسعود: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين. وقد ذكر ابن عبد البر أنه روى هذا الحديث جماعة كبيرة من الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا.
وأما إن كان السبب عدم تفهم العقل للمسألة وهذا ما ننزه السائل عنه فالجواب عليه: أن المسلم يتعين عليه التصديق بما ثبت عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجعل الوحي حكما على العقول ولا يحكم العقول فيما ثبت من الوحي، فقد ذكر زغلول النجار في موقعه وجريدة الرياض أنه اكتشف مؤخرا ما يؤيد انشقاقه حيث نقل ذلك عمن صعد القمر.
وقد ذكر ابن حجر في الفتح أنه أنكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر وأسهب في الرد عليهم فقال رحمه الله:
وقد أنكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر متمسكين بأن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الإسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلاء إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الإسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه وسلم وقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القران: أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا إنكار للعقل فيه لأن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه وأما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه أن ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يراصد السماء إلا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة أن ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الآحاد فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم وقال الخطابي: انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء وذلك انه ظهر في ملكوت السماء خارجا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان به أظهر وقد أنكر ذلك بعضهم فقال: لو وقع ذلك لم يجز أن يخفى أمره على عوام الناس لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التسيير والتنجيم إذ لا يجوز إطباقهم على تركه وإغفاله مع جلالة شأنه ووضوح أمره والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها لأنه شيء طلبه خاص من الناس فوقع ليلا لأن القمر لا سلطان له بالنهار ومن شأن الليل أن يكون أكثر الناس فيه نياما ومستكنين بالأبنية والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل انه كان في ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراصد مركز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه ولعل ذلك إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر ثم أبدى حكمة بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شيء منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع فيه إلا القرآن بما حاصله أن معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلاك من كذب به من قومه للاشتراك في إدراكها بالحس والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية فاختص بها القوم الذين بعث منهم لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الأفهام ولو كان إدراكها عاما لعوجل من كذب به كما عوجل من قبلهم وذكر أبو نعيم في الدلائل نحو ما ذكره الخطابي وزاد ولاسيما إذا وقعت الآية في بلدة كان عامة أهلها يومئذ الكفار الذين يعتقدون أنها سحر ويجتهدون في إطفاء نور الله قلت وهو جيد بالنسبة إلى من سأل عن الحكمة في قلة من نقل ذلك من الصحابة وأما من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه فجوابه أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه نفاه وهذا كاف فإن الحجة فيمن أثبت لا فيمن يوجد عنه صريح النفي حتى إن من وجد عنه صريح النفي يقدم عليه من وجد منه صريح الإثبات وقال ابن عبد البر: قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا ويؤيد ذلك بالآية الكريمة فلم يبق لاستبعاد من استبعد وقوعه عذر ثم أجاب بنحو جواب الخطابي وقال: وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين وأيضا فان زمن الانشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي على الاعتناء بالنظر إليه ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى آفاق مكة يسألون عن ذلك فجاءت السفار واخبروا بأنهم عاينوا ذلك وذلك لان المسافرين في الليل غالبا يكونون سائرين في ضوء القمر ولا يخفى عليهم ذلك وقال القرطبي الموانع من مشاهدة ذلك إذا لم يحصل القصد إليه غير منحصرة ويحتمل أن يكون الله صرف جميع أهل الأرض غير أهل مكة وما حولها عن الالتفات إلى القمر في تلك الساعة ليختص بمشاهدته أهل مكة كما اختصوا بمشاهدة أكثر الآيات ونقلوها إلى غيرهم. اهـ
وفي كلامه نظر لأن أحدا لم ينقل أن أحدا من أهل الآفاق غير أهل مكة ذكروا أنهم رصدوا القمر في تلك الليلة المعينة فلم يشاهدوا انشقاقه فلو نقل ذلك لكان الجواب الذي أبداه القرطبي جيدا ولكن لم ينقل عن أحد من أهل الأرض شيء من ذلك فالاقتصار حينئذ على الجواب الذي ذكره الخطابي ومن تبعه أوضح والله اعلم وأما الآية فالمراد بها قوله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ {القمر:1} لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء أن المراد بقوله وانشق القمر أي سينشق كما قال تعالى أتى أمر الله أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ {القمر:2}
فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله وانشق القمر وقوع انشقاقه لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر ووقع ذلك صريحا في حديث ابن مسعود كما بيناه قبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1428(4/664)
القيام من القبور بعد الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض الناس أن هنالك أشخاصا يقومون من القبور بعد موتهم قبل يوم القيامة ويبررون ذلك بقولهم أن امرأة تركت بنتاً لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وسافرت، وبعد رجوعها وجدت بنتها قد توفاها الله تعالى فأصرت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد لها ابنتها وبعد إلحاح وعدم اقتناع سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الله أن يحيي البنت فتم ذلك ويقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرأة إن ذرية هذه البنت سوف يحصل لها ما حصل لهذه البنت إلى يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا بعد البحث لم نجد أصلاً لهذه القصة في دواوين السنة ولا غيرها، وعلى ذلك فينبغي تجاهلها وعدم الالتفات إليها.
هذا وإن للنبي مح م د صلى الله عليه وآله وسلم معجزات كثيرة ثابته بالكتاب والسنة الصحيحة، وهي أعظم مما يفتريه الناس وينسبونه له، وانظر الفتوى رقم: 14240.
ونريد أن ننبه السائل إلى أمرين:
الأول: يجب على المسلم الحذر من رواية الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وانظر الفتوى رقم: 16192.
الثاني: لا ينبغي اختصار الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حرف (ص) ونحوه من الرموز الدالة على الصلاة عليه، وانظر الفتوى رقم: 7334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1426(4/665)
هل أحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم الموتى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد في سيرة رسولنا الكريم محمد بن عبد الله أنه أحي موتى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على نص من السيرة أو حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يصرح بأنه كان يحيي الموتى، ولكن ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم من ذلك من إحياء موتى القلوب وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
وقد أحيا الله تعالى له الجمادات وكلمته كما في تسبيح الحصا في كفه وتسليم الحجر والشجر عليه، وحنين الجذع له، وكلام ذراع الشاة المسمومة له.
وكل ذلك مذكور في كتب السنة والسيرة.
ولا شك أن هذه أبلغ وأعظم من إحياء الإنسان الميت من عدة وجوه لا تخفى على العاقل، ونقل ابن كثير في البداية والنهاية عن الإمام الشافعي أنه قال: ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال له عمرو بن سوار: أعطي عيسي إحياء الموتى؟ فقال: أعطي محمد الجذع الذي كان يخطب إلى جانبه حتى هيئ له المنبر، فلما هيئ له حن الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(4/666)
من معجزات سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد من سيادتكم توضيح مدى صحة المعجزات النبوية الآتية
1) عندما أصيبت عين قتادة يوم أحد
2) عندما رمدت عين علي يوم خيبر
3) عندما استشهد الرسول الشجرة أمام الأعرابي فشهدت له بالرسالة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معجزة رد عين قتادة رواها الحاكم في المستدرك، وابن سعد في الطبقات، والطبراني وأبو يعلى، وقد ذكر ابن هبة الله في تاريخ دمشق عدة روايات لها، وكذلك ابن كثير في البداية، فقد ذكرها من طرق كثيرة.
وأما قصة علي فقد رواها البخاري ومسلم.
وأما قصة شهادة الشجرة فقد رواها ابن حبان والدارمي وأبو يعلى والطبراني، وقال الهيثمي في المجمع: رجال الطبراني رجال الصحيح، وقد صحح الشيخ حسين أسد حديث الدارمي وراجع الفتوى رقم: 27062.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1426(4/667)
بشائر الفتوحات تبرق من تحت ضربات النبي بالمعول
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال:
جاء في سيرة ابن هشام عن سلمان الفارسي أنه قال ضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي صخرة ورسول الله قريب مني فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي نزل وأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة
ثم ضرب به ضربة فلمعت برقة أخرى ثم ضرب الثالثة فلمعت تحته برقة أخرى قال قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال أو قد رأيت ذلك يا سلمان؟ قال نعم قال أما الأولى فان الله فتح علي بها اليمن, وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق)
سؤالي: ما علاقة الصخرة بالفتوحات حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن الله فتح علي بها اليمن والمشرق ... ! أي ما العلاقة بين الفتح والصخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصخرة بذاتها ليست لها علاقة بالفتوح، ولكن الله سبحانه أكرم نبيه وأعطاه هذه البشائر الكبرى في وقت ظاهره تعسر الأمور وصعوبتها، وهو الوقت الذي تألبت فيه الأحزاب على المسلمين، وتكلفوا حفر الخندق في الأرض الجبلية الصلبة القاسية، وعرضت لهم هذه الصخرة الصلبة، فأظهر الله أن مع العسر يسرا، وأن مع الكرب فرجا، وأن مع تكالب الأعداء فتوحات وانتصارات كبرى، فكان ذلك من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم كما ذكر البيهقي في "دلائل النبوة" وأبو نعيم في دلائله، فقد ذكر البيهقي في روايته لهذا الحديث: أن جبريل أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمته ظاهرة على هؤلاء، فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعود صادق وعدنا النصر بعد الحصر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(4/668)
شرح حديث: أن رجلا أتى النبي يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير..........الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرح حديث سلمة \"أن رجلا أتى النبي صلي الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلي الله عليه وسلم فقال لو لم تاكله لأكلتم منه ولقام لكم \" وبيان الدروس المستفادة منه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث قد أخرجه الإمام مسلم وأحمد وهو صحيح، ويستفاد منه دروس كثيرة منها: أن على الإنسان أن لا ينظر إلى الأشياء بعين الحرص. ـ أن يقوي ثقته بالله ـ وأن المتعين على من رزق شيئا أو أكرم بكرامة هو أن يشكر الله ولا يحدث تغييرا. ـ ويستفاد منه بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الله أمده بالمعجزات. ـ وتستفاد منه قدرة الله تعالى على إيجاد ما هو مخالف لتصور الإنسان وغير ذلك مما يطول ذكره. وللحديث شواهد كثيرة، منها ما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني. قال أهل العلم: إن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله، والطعام غير المكيل فيه البركة لأنه غير معلوم مقدراه. وراجع للمزيد فتح الباري وغيره من كتب الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(4/669)
سبب عدم نزل العذاب على قريش بعدما رأوا آية انشقاق القمر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك تفسير لعدم نزول العذاب على قريش حين كذبوا بآية انشقاق القمر مع مقارنة موقف مماثل حين طلبوا من الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يحول أحد جبال مكة إلى ذهب وجاء جبريل إلى الرسول (صلى لله عليه وسلم) يخبره أنه إذا جاءتهم آية وكذبوا بها فإنه سينزل بهم عذاب فلماذا لم يحدث هذا لقريش حين كذبوا بآية انشقاق القمر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن القمر قد انشق معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما طلب منه كفار قريش آية تدل على صدقه. وقد سجل القرآن الكريم هذه الحادثة، كما صحت في السنة النبوية الشريفة كما في البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: سأل أهل مكة أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر. ولم يكن ذلك ـ أي انشقاق القمر بعينه ـ بطلب من قريش وإنما طلبوا دليلا يدل على صدقه صلى الله عليه وسلم، فأراهم الله تعالى تلك المعجزة ـ والتي ذكر رواد الفضاء أنهم أثبتوها كما جاء في محاضرات الأستاذ الدكتور زغلول النجار العالم المعروف.
أما المعجزات التي نص عليها الكفار وطلبوها من النبي صلى الله عليه وسلم بعينها فهي التي جاء عنها قول الله تبارك وتعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ {الإسراء: 59} ، قال ابن كثير: يقول تعالى: سنتي في خلقي إذا آتيتهم ما سألوا فإن آمنوا وإلا عاجلتهم بالعقوبة، مع أنهم شاهدوا من آياته أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إلى القمر فانشق فرقتين. ومثل هذا المعنى عند القرطبي، وهذا الطلب من المشركين لتلك المعجزات لم يكن رغبة في الحق وإظهارا للدليل عليه، وإنما هو للعناد والكفر والإمعان في الاستهزاء. ولو جاءتهم هذه الآيات التي طلبوا ثم كفروا بعد ذلك لنزل بهم العذاب. ولهذا خير الرسول صلى الله عليه وسلم بين إعطائهم ما سألوا فإن آمنوا وإلا عذبوا، وبين إنظارهم، فاختار إنظارهم كما حلم عنهم غير مرة. قاله ابن كثير، ولهذا قال الله تعالى عنهم: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ*لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ {الحجر: 14ـ15} . ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 49312.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1425(4/670)
لا تعارض بين معجزة انشقاق القمر وآية وما منعنا أن نرسل بالآيات
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستطيع أن نوفق بين معجزة انشقاق القمر في الحديث التالي \"روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أهل مكه سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما\" وبين قوله تعالى في سورة الإسراء {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} ، فالآية تدل على أن الله لن يجيب على طلب المشركين أن يأتي محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزات مادية وأن القرآن هو المعجزة الوحيدة التي تحدى النبي صلى الله عليه وسلم فيها المشركين فكيف التوفيق بينهما؟ رحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين معجزة انشقاق القمر ومضمون الآية الكريمة، ولله الحمد والمنة، وذلك لأن الآيات التي لم يرسلها الله تعالى وعلق الهلاك على التكذيب بها هي التي طلبها المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعيانها، وأما انشقاق القمر فلم تطلب منه عليه الصلاة والسلام، قال القرطبي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [الإسراء:59] : في الكلام حذف، والتقدير: وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحوها إلا أن يكذبوا بها فيهلكوا كما فعل بمن كان قبلهم، قال معناه قتادة وابن جريج وغيرهما، فأخر الله تعالى العذاب عن كفار قريش لعلمه أن فيهم من يؤمن وفيهم من يولد مؤمنا، وقد تقدم في الأنعام وغيرها أنهم طلبوا أن يحول الله لهم الصفا ذهبا وتتنحى الجبال عنهم، فنزل جبريل وقال: إن شئت كان ما سأل قومك ولكنهم إن لم يؤمنوا لم يمهلوا، وإن شئت استأنيت بهم، فقال: لا بل استأن بهم.
وأما انشقاق القمر فإنه آية لم يطلبها المشركون بعينها وإنما طلبوا آية دون تحديد فانشق القمر، كما في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: سأل أهل مكة أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر.
وبهذا تبين أنه لا تعارض يبن انشقاق القمر ومضمون الآية الكريمة ولله الحمد والمنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(4/671)
حول انشقاق القمر
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد انشق القمر في عام من الأعوام قبل 200 أو 300 عام وكان في موسم الحج، فهل تفضلتم علينا بذكر العام الذي انشق فيه القمر، الإجابة خلال يوم أثابكم الله عسى الله أن يهدي من أحاورها لكي تؤمن بالله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد انشق القمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وسجل القرآن ذلك في قوله الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] .
وثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين.
وبلغنا أن رواد الفضاء وجدوا خطاً يقسم القمر قسمين، وقالوا: إن ذلك يدل على أن القمر قد انشق نصفين قبل فترة من الزمن ثم التحم الشق، وأما موضوع انشقاقه قبل مائتي سنة في موسم الحج فلا نعلم شيئاً بهذا الخصوص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1424(4/672)
انشقاق القمر من آيات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤال ثالث: لقد انشق القمر فى عام من الأعوام قبل 200 أو 300 عام وكان فى موسم الحج، فهل تفضلتم علينا بذكر العام الذي انشق فيه القمر، الإجابة خلال يوم أثابكم الله عسى الله أن يهدي من أحاورها لكي تؤمن بالله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد انشق القمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وسجل ذلك القرآن في قوله الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] .
وثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك: أنه أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر.
وبلغنا أن رواد الفضاء وجدوا خطاً يقسم القمر قسمين وقالوا إن ذلك يدل على أن القمر قد انشق نصفين قبل فترة من الزمن ثم التحم الشق، وأما موضوع انشقاقه قبل مائتي سنة في موسم الحج فلا نعلم شيئاً بهذا الخصوص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1424(4/673)
مؤلفات في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت منذ فترة أبحث عن كتيب أو كتاب يبحث في معجزات الرسول (صلى الله عليه وسلم) الحسية غير القرآن الكريم، والتي قد يكون رآها كثير من الصحابة وغيرهم، فلم أعقل على ذلك، فهل لديكم الإفادة في ذلك، وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيمكن للسائل الكريم الرجوع إلى كتاب دلائل النبوة للبيهقي، وكتاب البداية والنهاية لابن كثير المجلد السادس، وكتاب الرسل والرسالات للأشقر، ففي هذه الكتب ما يغني في هذا الباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1424(4/674)
الأسئلة التي سألها اليهود للنبي لاختبار صدقه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن بعث الله سبحانه وتعالى محمدا عليه الصلاة والسلام حقد اليهود على العرب وعلى المسلمين وكانوا لايتوانون عن التشكيك في بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وصد الناس عن اتباعه وكان من بين أفعالهم أن طلبوا من قريش سؤال الرسول عن أشياء فما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما سأل عنه اليهود جاء ذكره في صحيح البخاري ومسند أحمد وغيرهما، ونحن نورد لك الحديثين:
ففي صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ، قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا، قَالَ ابْنُ سَلَامٍ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَجَاءَتْ الْيَهُودُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: َ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، قَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وفي مسند أحمد عن شهر قال ابن عباس: حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خِلالٍ نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي. قال: سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب عليه السلام على بنيه، لئن حدثتكم شيئًا فعرفتموه لتتابعني على الإسلام. قالوا: فذلك لك. قال: فسلوني عما شئتم. قالوا: أخبرنا عن أربع خِلالٍ نسألك عنهن: أخبرنا أي الطعام حَرَّمَ إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل كيف يكون الذكر منه؟ وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ قال: فعليكم عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم لتتابعني. قال: فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق. قال: فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى صلى الله عليه وسلم هل تعلمون أن إسرائيل - يعقوب عليه السلام - مرض مرضًا شديدًا وطال سقمه، فنذر لله نذرًا لئن شفاه الله تعالى من سُقْمِهِ ليحرمنَّ أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها. قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد عليهم. فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، إن علا ماء الرجل على ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة على ماء الرجل كان أنثى بإذن الله. قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد عليهم. فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد. قالوا: وأنت الآن فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك. قال: فإن وليي جبريل - عليه السلام - ولم يبعث الله نبيًا قط إلا وهو وليه. قالوا: فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة لتابعناك وصدقناك. قال: فما يمنعكم أن تصدقوه. قالوا: إنه عدونا. قال: فعند ذلك قال الله عز وجل: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:97] إلى قوله عز وجل: كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:101] فعند ذلك فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ [البقرة:90] الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1424(4/675)
لم يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قرأت فى كتاب معجزات الرسول للشيخ إبراهيم جلهوم أن النبى صلى الله عليه وسلم حين ولادته خر ساجداً ورفع رأسه شاخصا ببصره إلى السماء وقد تكلم فى المهد فقال جلال ربي الرفيع، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا، هل هذا صحيح أفيدوني؟ جزاكم الله عني خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نجد بعد البحث والتتبع ما ورد في السؤال في أحاديث صحيحة، وظاهر الأحاديث الصحيحة ترد ما ورد في السؤال من تكلم النبي صلى الله عليه وسلم في المهد، حيث ذكرت عدداً من الذين تكلموا في المهد وليس من بينهم النبي صلى الله عليه وسلم، وراجع لمعرفة هذه الأحاديث الفتوى رقم: 21340.
وإنما ذكر ذلك الواقدي وقد رُمي بالوضع، ونقل غير واحد من أهل العلم اتفاق العلماء على عدم الاحتجاج به، قال أبو حاتم والنسائي يضع الحديث، وقال ابن عدي أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه، وقال ابن المدني الواقدي يضع الحديث، وقال ابن راهويه هو عندي ممن يضع الحديث، وقال الذهبي في آخر ترجمته: استقر الإجماع على وهن الواقدي.
ولمعرفة شيء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي صح بها الحديث راجع صحيح البخاري باب علامات النبوة في الإسلام، وراجع صحيح مسلم باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1424(4/676)
أمية النبي عليه الصلاة والسلام بين النافين والمثبتين
[السُّؤَالُ]
ـ[الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أميا في بداية نزول الوحي عليه ثم تعلم القراءة والكتابة فلماذا نقول دائما إن الرسول أمي ونفخر بذلك، فهل تخشون أن نقول إنه ربما نشك أنه كتب القرآن أنا لا أظن إطلاقا أن الرسول أمي لا يعرف القراءة أو الكتابة لقد علم الرسل الأنبياء فهل وقف الأمر عند الرسول محمد عليه أفضل السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لقد بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أمِّيًّا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، لقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] .
وكونه عليه الصلاة والسلام أمِّيًّا يعد معجزة من معجزاته الدالة على صدقه، وأن ما جاء به من عند الله تعالى لا من عند نفسه، قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] .
وقال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164] .
ولو كان عليه الصلاة والسلام قارئاً كاتبًا لادَّعى المشركون أن ما جاء به من اختراعه ومن بنيات أفكاره.
وقد اختلف أهل العلم - رحمهم الله - هل تعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة والكتابة بعد نزول الوحي أو لا؟ فمنهم من قال: إنه تعلَّم ذلك، فذكر القرطبي في تفسيره نقلاً عن النقاش في تفسيره عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صلى عليه وسلم حتى كتب.، وأسند أيضا حديث أبي كبشة السلولي مضمنه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ صحيفة لـ عيينه بن حصن وأخبر بمعناها، وضعَّف ذلك ابن عطية.
واستدلوا أيضا بما رواه مسلم من حديث البراء في صلح الحديبية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عليٍّ: اكْتُبِ الشّرْطَ بَيْنَنَا. بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. هَذَا مَا قَاضَىَ عَلَيْهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ" فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنّكَ رَسُولُ اللهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. فَأَمَرَ عَلِيّاً أَنْ يَمْحَاهَا. فَقَالَ عَلِيّ: لاَ، وَاللهِ! لاَ أَمْحَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرِنِي مَكَانَهَا" فَأَرَاهُ مَكَانَهَا، فَمَحَاهَا.
وَكَتَبَ "ابْنُ عَبْدِ اللهِ.
قالوا: وقد رواه البخاري بأظهر من هذا فقال: فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب.، وزاد في طريق أخرى: ولا يحسن أن يكتب. فقال جماعة من العلماء: بجواز ذلك عليه وأنه كتب بيده. منهم السمناني والباجي ورأوا أن ذلك غير قادح في كونه أمِّيًّا ولا معارضاً لقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] ، ولا بقوله ": إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. بل رأوه زيادة في معجزاته واستظهارا على صدقه وصحة رسالته، وذلك أنه كتب من غير تعلم لكتابة ولا تعاطٍ لأسبابها، وإنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها ابن عبد الله لمن قرأها، فكان ذلك خارقاً للعادة، كما أنه عليه السلام عَلِمَ عِلْمَ الأولين والآخرين من غير اكتساب ولا تعلُّم، فكان ذلك أبلغ في معجزاته وأعظم في فضائله ولا يزول عنه اسم الأمي بذلك، ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة: ولا يحسن أن يكتب. فبقي عليه اسم الأمي مع كونه قال: كتب.
وقال بعض أهل العلم: إنه صلى الله عليه وسلم ما كتب ولا حرفاً واحداً، وإنما أمر من يكتب، وكذلك ما قرأ ولا تهجَّى.
قالوا: وكتابته مناقضه لكونه أمِّيًّا لا يكتب، ونكونه أمِّيًّا في أمة أمية قامت الحجة وأفحم الجاحدون وانحسمت الشبهة، فكيف يُطلِقُ الله تعالى يده فيكتب وتكون آية؟ وإنما الآية ألاَّ يكتب، والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضاً، وإنما معنى كتب وأخذ القلم: أي أمر من يكتب به من كتابه، وكان من كتبة الوحي بين يديه صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون كاتباً.
ورجَّح هذا القول القرطبي في تفسيره. وعلى كلا القولين فوصفه بالأمِّيِّ لكونه من معجزاته عليه الصلاة والسلام، فإن لم يكن كتب فالأمِّيَّة وصف ملازم له عليه الصلاة والسلام حتى مات، وإن كان كتب فوصفه بالأمِّيِّ باعتبار ما كان ويبقى متصفاً بهذا الوصف لكونه من معجزاته الباهرة، ولكونه بُعثَ في أمةٍ أميةٍ لا تقرأُ ولا تكتبُ، فناسب أن يكون أمِّيًّا مثلهم لتقطع الشبهة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1423(4/677)
الدلائل والبراهين على صحة دين الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الأدلة على دين الإسلام بالآيات والبراهين أفيدونا أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الخاتم الذي ارتضاه الله تعالى للإنس والجن، فقال عز وجل: (ورضيت لكم الإسلام ديناً) [المائدة:] ، وقد أقام الله تعالى من البراهين على صحة هذا الدين ما لا يدع مجالاً للشك في صدقه وصحته، وتتمثل هذه البراهين في:
1-المعجزات الحسية للرسول صلى الله عليه وسلم مثل: كثرة الطعام بين يديه، ونبوع الماء من تحت أصابعه، وانشقاق القمر حتى رآه أهل مكة بأعينهم، وغير ذلك مما هو مبثوث في كتب العقيدة والحديث وغيرها.
2-المعجزة المعنوية الكبرى: وهي القرآن الكريم، والذي دل على إعجازه النظم المحكم، والمعاني السامية، حتى عجز العرب أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله، أو بآية من مثله، وهم أهل الفصاحة والبلاغة، مع قيام المقتضي لذلك، وهو إرادة تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم.
ودل على إعجازه إخباره بأمور الغيب التي لا يستطيع أي ساحر أو كاهن أن يصل إليها، ولو استعان على ذلك بعلم الثقلين.
ودل على إعجازه، موافقة كثير من النظريات العلمية، لما ورد فيه واحتوى عليه، ويمكن الاطلاع على هذه الموافقات من خلال كتب الشيخ الزنداني -حفظه الله- التي تتصل بالإعجاز العلمي في القرآن، وكذلك كتاب (الإسلام يتحدى) للأستاذ/ وحيد الدين خان وكذلك كتاب (الإسلام) للأستاذ/ سعيد حوى وغير ذلك من الكتب والأشرطة المسموعة والمرئية التي تُعنى بهذا الشأن.
ويمكنك الاطلاع على فتاوى عديدة في موقعنا تجمع شتات ما سألت عنه، ومنها الأجوبة التالية أرقامها:
511 813 18674 16595 10326 5490 2672 3642 9263 17066
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1423(4/678)
ما من نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر
[السُّؤَالُ]
ـ[معجزات الأنبياء جميعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعجزة هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم من المعارضة. وكل نبي أوتي معجزة.
وأعظم معجزة أوتيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم الذي تحدى الإنس والجن جميعاً أن يأتوا بسورة من مثله. وهو معجزة خالدة باقية بخلاف معجزات الأنبياء الآخرين فإنها تنتهي بعد مشاهدتها ورؤيتها. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أتيت وحياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة. متفق عليه
ولم يذكر لنا القرآن والسنة معجزة كل نبي وإنما ذكرا لنا معجزة بعض الأنبياء، كمعجزة إبراهيم عليه السلام حينما ألقي في النار فلم تؤثر فيه بل كانت برداً وسلاماً، ومعجزة موسى عليه السلام وهي متعددة: أعظمها انقلاب عصاه حية تسعى وبلعها ما صنعه السحرة، وإضاءة يده له، ومعجزة عيسى عليه السلام وهي أنه كان يبرئ الأكمه - الأعمى- والأبرص ويحي الموتى بإذن الله إلى غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1423(4/679)
أعظم دليل وأقوى حجة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن التأكد من نبوة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل أيد رسله بالحجج والبينات الدالة على صدقهم فيما يدعون الناس إليه من الإيمان والتصديق بنبوتهم، فقال سبحانه وتعالى: (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) [الحديد:25] .
وكان من حكمته سبحانه وتعالى أن جعل معجزات كل رسول مما يتناسب مع عصره الذي بعث فيه، والقوم الذي بعث فيهم.
فكانت العصا معجزة سيدنا موسى عليه السلام، لأن السحر كان انتشر في ذلك الوقت في أولئك القوم.
وكان إحياء الموتى معجزة لسيدنا عيسى عليه السلام، لانتشار الطب في زمنه وهكذا.
ولما بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أيده الله بمعجزات كثيرة تفوق معجزات من سبقه من إخوانه رآها من رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لما كانت رسالته صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة الباقية حتى قيام الساعة آتاه الله عز وجل معجزة تبقى بعده لتكون حجة على كل من جاء بعده، وتلك المعجزة والبينة هي: القرآن الكريم كتاب الله الذي بين أيدينا، فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم في قوم فصحاء بلغاء يتبارى فصحاؤهم في نثر الكلام ونظمه في مجامعهم وأسواقهم، فجاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن يدعوهم إلى الله عز وجل فكذبوه فتحداهم أن يأتوا بمثله، فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، فتنزل معهم فتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، ولم يكن شيء أحب إليهم من أن يثبتوا كذب محمد صلى الله عليه وسلم، ولو وجدوا أي طريق يستطيعون تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم من خلاله لسلكوه لشدة عداوتهم له وبغضهم لما جاء به، فإنه يسفه أحلامهم ويسب آلهتهم ويبطل أديانهم، ومع ذلك كله يقول لهم: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:23] .
ثم يخبرهم بأنهم لن يستطيعوا ذلك مهما طال بهم الزمن، فيقول سبحانه وتعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:24] . فيقف العرب الفصحاء عاجزين عن الرد على هذا التحدي ويضطرون لحمل السلاح للدفاع عن دينهم وآلهتهم ويضحون برجالهم وأموالهم وينزلون ساحة الحرب، وقد طلب منهم ما هو أيسر عليهم من ذلك لو كان باستطاعتهم، ولكن هيهات.
وبعجز العرب الفصحاء عن الإتيان بمثل القرآن مع تحديه لهم قامت الحجة على غيرهم من الناس.
وبلاغة القرآن وفصاحته وجه واحد من أوجه إعجازه للبشر، وهناك وجوه أخرى للإعجاز في القرآن منها:
إخبار القرآن عن الغيوب المستقبلية، فقد أخبرهم عن أمور ستقع فوقعت كما أخبرهم، مثل قوله تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم:1-4] . فانتصرت كما أخبر الله عز وجل.
ومن وجوه إعجاز القرآن الكريم إخباره عن الأمم الماضية، وتفصيل ما جرى لهم مع أن الرسول الذي جاء بالقرآن كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب يرعى الغنم بمكة.
ومن وجوه إعجازه الجدة فلا يُسأم مع كثرة الرد والتكرار، فالمسلم يقرأ سورة الفاتحة في اليوم الواحد سبع عشرة مرة على أقل تقدير، وفي كل مرة يقرؤها فكأنما يقرؤها لأول مرة.
ومن وجوه إعجازه إعجازه في التشريع، فقد جاء بما لم تقدر عليه عقول البشر من الأحكام والشرائع، والأعجب من ذلك أن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يرعى الغنم بمكة.
ومن وجوه إعجازه إخباره عن دقائق وأسرار في هذا الكون الفسيح لا يزال العلم الحديث يكشف لنا شيئاً منها يوماً بعد يوم.
ومن وجوه إعجازه حفظه عن التغيير والتبديل، فلا يستطيع أحد أن يزيد فيه حرفاً، أو ينقص منه حرفاً مهما تطاولت الآماد.
والخلاصة أن الحجة والبرهان على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن الذي بين أيدينا، فمن كذب فليأتنا بمثله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة"ّّ رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1423(4/680)
رؤيته من خلفه، وتحويل الماء المالح، ورؤيته في الظلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت حاضراً لخطبة الجمعة منذ قليل وتكلم الإمام عن بعض صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها أنه كان يرى خلفه ويحول ريقه الماء من مالح إلى عذب ويرى في الظلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه، فهذا حق وثابت وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، روى البخاري (1/182) ومسلم (1/319) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ترون قبلتي هاهنا، فوالله لا يخفى عليَّ ركوعكم ولا سجودكم، إني لأراكم من وراء ظهري.
وروى مسلم (1/320) عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إني أمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، فإني أراكم من أمامي ومن خلفي.
وأما أنه حول الماء المالح إلى عذب:
فلا نعلم في ذلك إلا ما رواه ابن السكن عن همام بن نقيد السعدي قال:" قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: حفرنا لنا بئراً فخرجت مالحةً، فدفع إليَّ إداوةً فيها ماء، فقال: "صبه"، فصببته فيها، فعذبت، فهي أعذب ماء بئر باليمن"
ذكر هذا الأثر الإمام الصالحي في كتابه "سبل الهدى والرشاد"9/463، والله أعلم بمدى صحة هذا الأثر.
وأما أنه كان يرى في الظلام:
فقد روى ابن عدي والبيهقي وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها، وروى البيهقي وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما، قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء.
أورد هذا الأثر الإمام الصالحي أيضاً في المصدر المتقدم2/24
غير أن أهل العلم والتحقيق لم يذكروا من معجزاته: تحويل الماء المالح إلى عذب، ولا رؤيته صلى الله عليه وسلم بالليل في الظلمة، في الوقت الذي أجمعوا على أنه كان صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(4/681)
معجزات ولادته صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المعجزات التي حدثت عند ولادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيذكر أهل السير أنه حدثت إرهاصات دالة على عظم شأنه ومكانته عند ولادته صلى الله عليه وسلم منها ما رواه أحمد: أن أبليس -لعنه الله- رن أربع رنات، رنة حين لعن، ورنة حين أهبط، ورنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم..... وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن فاطمة بنت عبد الله قالت: حضرت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نوراً، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علي. وتذكر أمه آمنة أنها لم تجد حين حملت به صلى الله عليه وسلم ما تجد النساء من شدة الحمل والطلق وقد ولدته مختونا مسروراً، ولما وضعته وقع على الأرض مقبوضة أصابع يديه مشيراً بالسبابة كالمسبح بها.
وعلى كل، فقد دلت هذه الخوارق وغيرها على علو مكانة نبينا صلى الله عليه وسلم عند ربه سبحانه وعظيم شأنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1423(4/682)
معجزة انشقاق القمر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل انشقاق القمر من معجزات الرسول يوم طلب منه قومه ذلك وفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بعث الله رسله مبشرين ومنذرين، وأيدهم بالمعجزات لتكون برهاناً على صدق ما أخبروا به عن الله عز وجل. وقد كانت المعجزات التي أعطيت الرسل كلها تنتهي بموت من ظهرت على يده من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وكان لنبينا الحظ الوافر من هذا النوع، ثم خص بالمعجزة العظيمة الخالدة معجزة القرآن الكريم. ومن بين تلك المعجزات سماعه تسليم الحجر عليه، وحنين الجذع الذي كان يتوكأ عليه، وإشفاؤه للمرضى بإذن الله تعالى وغيرها.
وقد سجل القرآن منها معجزة الإسراء والمعراج سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1] ، وكذلك معجزة انشقاق القمر -وهي ما سألتم عنها- حيث يقول الحق سبحانه: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] ، وذكر المفسرون أن سببها طلب المشركين منه صلى الله عليه وسلم معجزة جلية تدل على صدقه، وخصصوا بالذكر أن يشق لهم القمر، ووعدوه بالإيمان إن فعل، وكانت ليلة بدر أي الليلة الرابعة عشر وهي التي يكون القمر فيها على أتم صورة وأوضحها، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ربه أن يعطيه ما طلبوا، فانشق القمر نصفين: نصف على جبل الصفا، ونصف على جبل قيقعان المقابل له.
وثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما.
وبعد حصول هذه الآية العظيمة فإن قريشا لم يصدقوا بها وإنما اعتبروها سحرا، وهذه سنة المعرضين عن دين الله عندما يهدم الحق سلطانهم ويطمس نوره ضلالهم، عندئذٍ لا يتورعون عن محاولة الكيد له والوقوف في وجهه: إما بتشويه المبادئ، وإما بقلب الحقائق. وذلك ظنا منهم أن هذا كفيل بالقضاء عليه، ولكن هيهات يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1423(4/683)
معجزة النبي صلى الله عليه وسلم تمتاز عن معجزات كل الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[1-إن المولى عز وجل أعطى لكل نبي معجزة لتكون دليلا لقومه على وحدانية ووجود الله عز وجل؛
ولكننا نجد الله قد حبى نبيه عيسى بكثير من المعجزات كإحياء الموتى وإبراء البرص (بإذن الله) وغيرها من المعجزات الكبيرة التي ليس لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مثلها مع أنه النبي الخاتم فأرجو من سيادتكم أن توضحوا لي سوء فهمي؟
ولسيادتكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى أجرى على أيدي الأنبياء السابقين خوارق العادات لتكون معجزة لهم، وبرهاناً على صدقهم، وسبيلاً لإقامة الحجة على أقوامهم، وكانت معجزة كل نبي من جنس ما برع فيه قومه الذين أرسله الله إليهم، فكانت معجزة موسى عليه السلام مناسبة لما غلب على قومه وبرعوا فيه، وهو السحر، فأبطل الله سحرهم، بما أجرى على يديه، كما قال تعالى: (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) [الأعراف:118] وعجزوا عن معارضته مع خبرتهم وتفننهم في أنواع السحر. وكان قوم سيدنا عيسى عليه السلام ممن برعوا في فنون الطب والتداوي، فشفى الله على يديه ما استعصى عليهم من الأمراض، حتى أحيى الله على يديه الموتى.
ويلاحظ أن معجزات الأنبياء السابقين كانت مقيدة بقيدين:
الأول: أنها معجزات حسية، كانقلاب العصا حية، وانفلاق البحر لسيدنا موسى عليه السلام، وكون النار برداً وسلاماً على سيدنا إبراهيم عليه السلام، وإحياء الموتى وإبراء السقمى لسيدنا عيسى.
الثاني: أنها محدودة الزمان والمكان، فليست لها صفة العالمية والخلود، إذ كان النبي سابقاً يُرسل إلى قومه خاصة. ولما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، ورسالته خاتم الرسالات، أعطاه الله تعالى نوعين من المعجزات:
الأولى: معجزات حسية شهدها من عاصروه وصاحبوه، كانشقاق القمر، ونبع الماء من تحت أصابعه، وغير ذلك مما تواترت به الروايات. وهذا يشبه ما سبق من معجزات إخوانه من الأنبياء والمرسلين.
الثانية: معجزة معنوية عقلية، وهي القرآن الكريم، الذي خلده الله بخلود الزمان، وأقام الله به الحجة على الخلق بتعاقب الدهور والأعوام، إذ عجز عن الإتيان بمثله جميع الإنس والجان، كما قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) [الإسراء:88] واستمر عجزهم وسيستمر إلى يوم القيامة، بدليل أنهم يريدون تكذيبه، وأبلغ وسيلة لتكذيبه أن تأتي بمثله أو بمثل سورة واحدة منه، خصوصاً أنه قد اشتمل على التحدي الصريح لمن أراد أن يأتي بذلك، وعدم الإتيان بالشيء مع الإصرار على التكذيب عجز فادح.
وبهذا يظهر لنا أن معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم امتازت عن معجزات إخوانه من الأنبياء بعظمتها وعالميتها وخلودها، ويؤيد ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبي، إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" قال ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث: (أي معجزتي التي تحديت بها [هي] الوحي الذي أنزل علي، وهو القرآن، وراجع الفتوى رقم:
3183
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1422(4/684)
أمية الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة وكمال
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم هل الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم عاش أمياً وتوفي أمياً أي لا يعرف القراءة والكتابة؟ أرجو من حضراتكم أن تفيدوني في هذا الأمر مع الأحاديث والآيات القرآنية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن النبي الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم قد ولد أمياً، وظل على ذلك إلى أن بعث وهو أمي، وهذا كمال في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته الشريفة، قال الله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) [الجمعة:2] .
وفي وصف الرسول الأمي بأنه يتلو على الأميين آيات الله أي وحيه، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب أي يلقنهم إياه، كما كانت الرسل تلقن الأمم الكتاب بالكتابة، ويعلمهم الحكمة التي علمتها الرسل السابقون أممهم، في كل هذه الأوصاف تحد بمعجزة الأمية في هذا الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مع كونه أمياً قد أتى أمته بجميع الفوائد التي أتى بها الرسل غير الأميين أممهم لا ينقص عنهم شيئاً، فتمحضت الأمية للكون معجزة حصل من صاحبها أفضل مما حصل من الرسل الكاتبين مثل موسى. وفي وصف الأمي بالتلاوة، وتعليم الكتاب والحكمة، وتزكية النفوس، ضرب من محسن الطباق، لأن المتعارف عليه أن هذه مضادة للأمية. أفاده العلامة بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير (13/209) .
ولا شك أن إبقاء الله لنبيه على الأمية كان لحكمة عظيمة، قال الفخر الرازي عند قوله تعالى: (رسولاً منهم) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم نسبه من نسبهم، وهو من جنسهم، كما قال تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) [التوبة:128] قال أهل المعاني: وكان هو صلى الله عليه وسلم أيضاً أمياً مثل الأمة التي بعث فيهم، وكانت البشارة به في الكتب قد تقدمت بأنه النبي الأمي، وكونه بهذه الصفة أبعد من توهم الاستعانة على ما أتى به من الحكمة بالكتابة، فكانت حاله مشاكلة لحال الذين بعث فيهم، وذلك أقرب إلى صدقه. التفسير الكبير (10538) للرازي.
ومن الآيات التي تشير إلى الحكمة من كونه أمياً قوله تعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) [العنكبوت:48] قال ابن عاشور: (هذا استدلال بصفة الأمية المعروف بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ودلالتها على أنه موحى إليه من الله أعظم دلالة، وقد ورد الاستدلال بها في مواضع كقوله: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) [الشورى:52] وقوله: (فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون) [يونس:16] . ومعنى: (ما كنت تتلو من قبله من كتاب) إنك لم تكن تقرأ كتاباً حتى يقول أحد: هذا القرآن الذي جاء به هو مما كان يتلوه من قبل.
(ولا تخطه) أي لا تكتب كتاباً، ولو كنت لا تتلوه، فالمقصود نفي حالتي التعلم، وهما: التعلم بالقراءة، والتعلم بالكتابة، استقصاء في تحقيق وصف الأمية ... (بل هو آيات بينات في صدور الذي أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) [العنكبوت:49] .. أي بل القرآن آيات ليست مما كان يتلى قبل نزوله، بل هو آيات في صدر النبي صلى الله عليه وسلم. فالمراد من (صدور الذين أوتوا العلم) صدر النبي صلى الله عليه وسلم عبر عنه بالجمع تعظيماً له، والعلم الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم هو النبوة) التحرير والتنوير (10/12) .
ويحسن بنا هنا أن نشير إلى جواب سؤال مهم وهو: هل ظل الرسول صلى الله عليه وسلم على أميته إلى أن توفي؟ أم تعلم القراءة والكتابة بعد أن بعث بفترة؟ وهل قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم كتاباً؟ وهل كتب بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم؟
وللجوابعن هذا السؤال نقول: نقل الإمام النووي عن القاضي عياض الخلاف في ذلك، وعزى إليه أن الباجي وغيره ذهبوا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كتب، كما في قصة صلح الحديبية من رواية البخاري وفيه: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، فكتب" وزاد عنه في طريق آخر" ولا يحسن أن يكتب فكتب" قالوا: وهذا لا يقدح في أميته. بينما ذهب الأكثرون إلى منع ذلك كله. وقالوا: قوله "كتب" أي: أمر بالكتابة.. إلخ. انظر صحيح مسلم كتاب الجهاد، باب صلح الحديبية في الحديبية بشرح النووي (6/381)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1422(4/685)
قدرة النبي عليه الصلاة والسلام على كثرة الجماع من خوارق العادة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الرسول (علية الصلاة والسلام) وهب من القوة ماتساوي قوة 40 رجلا لأنه مؤمن أم لأنه مكتوب عليه النبوة
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، قال -الرواي عن أنس- قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: "كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين" وفي رواية الإسماعيلي: قوة أربعين.
وجاء في جامع الأصول 2/255: " فإن الأنبياء عليهم السلام زيدوا في النكاح بسبب نبوتهم، فإنه إذا امتلأ الصدر بالنور، وفاض في العروق، التذت النفس والعروق، فأثارت الشهوة وقواها، وريح الشهوة إذا قويت، فإنما تقوي من القلب والنفس فعندها القوة".
هذا وقد وجه العلامة المناوي في فيض القدير ذلك فقال: "فإن قلت: هل للتمدح بكثرة الجماع للنبي صلى الله عليه وسلم من فائدة دينية، أو عقلية لا يشاركه فيها غير الأنبياء من البرية؟ -قلت: نعم- بل هي معجزة من معجزاته السنية، إذ قد تواتر تواتراً معنوياً، أنه كان قليل الأكل، وكان إذا تعشَّى لم يتغذّ وعكسه، وربما طوى أياماً، والعقل يقضي بأن كثرة الجماع إنما تنشأ عن كثرة الأكل، إذ الرحم يجذب قوة الرجل، ولا يجبر ذلك النقص إلا كثرة الغذاء، فكثرة الجماع لا تجامع قلة الغذاء عقلاً ولا طباً ولا عرفاً، إلا أن يقع على وجه خرق العادة، فكان من قبيل الجمع بين الضدين، وذلك من أعظم المعجزات فتدبر" والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1422(4/686)
أبوة النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم. إ ذاً معنى ذلك أن النبى أبو المؤمنين وكان صلى الله عليه وسلم يزوج المسلمات باعتبار أنه وليهم وعبد الله بن عباس قال هو أبو المؤمنين لأن زوجاته أمهاتهم حسب ما سمعت. كيف نرفع الخلاف مع الآية ما كان محمد أبا أحد من رجالكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أبوة النبي صلى الله عليه وسلم للأمة أبوة دينية، وأما الأبوة المنفية في قوله تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ. {الأحزاب:40} ، فهي أبوة النسب، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 108046 للاطلاع على البسط في الموضوع وكلام أهل العلم فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1430(4/687)
هل تزوج أحد بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الزوجة الأولى التي تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل تزوجت إحدى زوجاته بعد وفاته؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأول زوجة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي: خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ وراجع الفتوى رقم: 26774.
أما زوجاته اللواتي توفي وهن في عصمته فلم تتزوج بعده أي واحدة منهن، لأن ذلك محرم بإجماع أهل العلم وهو من خصائصه صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير فى تفسيره: ولهذا اجتمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده، لأنهن أزواجه في الدنيا والأخرة وأمهات المؤمنين كما تقدم. انتهى.
وقال القرطبي فى تفسيره: فحرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات، وهذا من خصائصه تمييزًا لشرفه وتنبيهًا على مرتبته صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي ـرحمه الله: وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي مات عنهن لا يحل لأحد نكاحهن، ومن استحل ذلك كان كافرًا، لقوله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا.
وقد قيل: إنما منع من التزوج بزوجاته لأنهن أزواجه في الجنة، وأن المرأة في الجنة لآخر أزواجها. انتهى.
أما من فارقها من أزواجه فى حياته فقد اختلف في جواز نكاحها لغيره، وقد قيل إن كلا من زوجتيه: الكندية والكلبية قد تزوجتا بعد أن طلقهما وضعف ذلك بعض أهل العلم.
قال القرطبي في تفسيره أيضا: فأما زوجاته عليه السلام اللاتي فارقهن في حياته مثل الكلبية وغيرها، فهل كان يحل لغيره نكاحهن؟ فيه خلاف، والصحيح جواز ذلك، لما روي أن الكلبية التي فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها عكرمة بن أبي جهل على ما تقدم.
وقيل: إن الذي تزوجها الأشعث بن قيس الكندي، قال القاضي أبو الطيب: الذي تزوجها مهاجر بن أبي أمية، ولم ينكر ذلك أحد فدل على أنه إجماع. انتهى.
وقال ابن عاشور فى التحرير والتنوير: واعلم أنه لم يتبين، هل التحريم الذي في الآية يختص بالنساء اللاتي بنى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو هو يعم كل امرأة عقد عليها مثل الكندية التي استعاذت منه، فقال لها: الحقي بأهلك، فتزوجها الأشعث بن قيس في زمن عمر بن الخطاب، ومثل قتيلة بنت قيس الكلبية التي زوجها أخوها الأشعث بن قيس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حملها معه إلى حضرموت فتوفي رسول الله قبل قفولهما، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل، وأن أبا بكر هم بعقابه، فقال له عمر: إن رسول الله لم يدخل بها والمرويات في هذا الباب ضعيفة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1430(4/688)
حكم الصلاة على الرسول وبقية الأنيياء في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أكون مع الإمام أصلي ويقرأ آية ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل تجوز لي الصلاة عليه سراً، وهل الأنبياء والرسل الآخرون عليهم الصلاة والسلام كذلك؟ وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيندب للمصلي إذا سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه، كما بيناه في الفتوى رقم: 30357.
ولم نجد نصاً عن العلماء في الصلاة على بقية الأنبياء في الصلاة إلا أن القياس يقتضي مشروعية الصلاة عليهم أيضاً في الصلاة، وذلك لعموم الأمر الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: صلوا على أنبياء الله ورسله فإن الله بعثهم كما بعثني. رواه عبد الرزاق في المصنف وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1430(4/689)
حكم الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بغير الصيغ المأثورة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي سماحتكم في هذا الدعاء المخترع من طرف أحد شيوخ الطرق الصوفية: اللهم صلّ أكمل صلواتك وسلّم أتمّ سلامك على سيدنا محمّد بحر الجود وكنز الوجود ومحور الشهود وإنسان عين الوجود والسّرّ السّاري في جميع الوجود بعدد تجلّيات الله في الوجود، صلاة تفتح لنا بها في ميادين المعرفة كلّ باب وتزيل بها عن قلوبنا كلّ حجاب وتسهّل بها عنّا فيك السّير وتقلع بها من قلوبنا جذور الغير، حتى لا يبقى لدينا في الوجود إلاّ وجودك وفي الشهود إلاّ شهودك وتعلي لنا بها الدّرجات وتطيّب بها لنا الأوقات وتسعدنا بها في الحياة وبعد الوفاة وتهدي بها منّا القلب وتفيض عليه من مكنون علم الغيب فيزداد بها يقينا ورسوخا وتمكينا وتكسونا بها أعظم حلّة من التوفيق للعمل بشرعك المقدّس وأعلى خلعة من نور بهائك الأقدس، وتتوّجنا بها بتاج محبّتك السنية ودوام الشوق إلى حضرتك العلية حتى نستوجب منك في الدّارين الإكرام والوفاة على الإيمان في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. والحمد لله ربّ العالمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصيغة المذكورة فيها عبارات قد يحتمل معنى باطلا كقوله ـ السّرّ السّاري في جميع الوجود بعدد تجلّيات الله في الوجود ـ وقوله ـ حتى لا يبقى لدينا في الوجود إلاّ وجودك ـ فهذه العبارات قد يفهم منها القول بوحدة الوجود، وإن كنا نظن أن الداعي يقصد منها معنى صحيحا، لأن المتعين هو حمل كلامه على أحسن المحامل مادام يمكن حمله على وجه صحيح، ولكن لما كانت تحتمل معنى باطلا كان الأولى هو اجتنابها فإن من هدي شرعنا الحنيف إبعاد أتباعه عن قول ما يوهم ظاهره معنى باطلا.
وأما إن كان الداعي يؤمن بوحدة الوجود، فقد سبق الكلام عنها في الفتوى رقم: 11542.
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تقاس بالعبارات المنمقة المتكلفة، وإنما تقاس بمدى اتباعه، فإن أكثر الناس حبا للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له هم الصحابة رضوان الله عليهم، ومع ذلك لم يؤثر عنهم مثل ذلك التفنن والتصنع، وإنما لما نزل الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا منه أن يعلمهم كيفية الصلاة عليه، فعلمهم أفضل الكيفيات في الصلاة عليه، وقد سبق بيانها في الفتوى رقم: 5733.
وبناء عليه، فإن الأولى بالمسلم اتباع السلف والالتزام بالمأثور وعدم الإحداث في مجال العبادات، ثم إنه قد جوز أهل العلم الإتيان بغير الصيغة التي علمها الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، واستدلوا لذلك بإقراره للصحابة الذين كانوا يلبون بألفاظ أخرى غير التلبية التي لبى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن محل هذا إذا صلى بما لا محذور فيه، ولم يعتقد أن ما أتى به سنة أو التزمها ودوام عليها فصيرها سنة، وبهذا يعلم أنه لا بأس بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة المذكورة في السؤال بالشروط التي ذكرت، وإن كان الأولى اجتنابها والتزام ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(4/690)
لم يرث أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من قرابته ولا أصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الصحابة الذين ورثوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أشياءه بعد موته؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم- لم يرثه أحد من أصحابه ولا غيرهم من قرابته، لأن الأنبياء لا يورثون، ففي الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة. فلم ترث منه أزواجه ولا ابنته ولا غيرهن، وما تركه كان صدقة.
وللمزيد انظر الفتوى رقم: 105219 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1430(4/691)
أمية النبي صلى الله عليه وسلم من دلائل معجزاته
[السُّؤَالُ]
ـ[في دروس من غزوة بدر في موقعكم كتب التالي: منهم حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطى امرأةً كتاباً بخروج النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في ضفيرتها يخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل جبريل عليه السلام يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب، فأرسل علي بن أبي طالب والمقداد بن الأسود وقال: اذهبوا إلى روضة خاخ، حيث تجدون ظعينة، في ضفيرتها كتاب، ائتوني به. فذهبوا إلى هناك، فوجدوا المرأة، فقال لها علي بن أبي طالب: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي من كتاب، قال: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، ففكت المرأة ضفائرها وأخرجت الكتاب، فأخذه علي بن أبي طالب، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حاطب في المجلس لا يعلم شيئاً، ففتح الكتاب وقرأ: من حاطب بن أبي بلتعة إلى نفر من المشركين يخبرهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قرئ الكتاب استشاط عمر غيظاً وقال: يا رسول الله، دعني أقطع عنق هذا المنافق، فمن قام بقراءة الكتاب؟ وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل كان يعرف القراءة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القصة المذكورة صحيحة جاءت في الصحيحين وغيرهما كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 100840، 60910، وبخصوص قراءة الكتاب فإنه لا يهم من قام بها، فكل الذين كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتبة وقراء، ومع أن رسول صلى الله عليه وسلم كان أميا، فإنه لا يحتاج إلى قراءة هذا الكتاب ولا غيره، فهو الذي أخبر به وبما فيه، وأرسل في طلبه، وعلم بما تضمنه قبل قدومه عليه.
وأمية الرسول- صلى الله عليه وسلم- من معجزاته وهي دليل على صدقه، وأن الله تعالى هو الذي يعلمه وليس لأحد منة عليه في تعليم، فقد قال الله تعالى: ومَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ {العنكبوت:48} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1430(4/692)
تفنيد أربع شبهات حول تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سعيدة جدا بالتواصل معكم، وقد أرسلت أكثر من سؤال وأجبتم عليهم إجابة شافية ومنطقية، مما جعلني أثق في موقعكم، سؤالي هو عن شبهة اطلعت عليها بالصدفة من خلال موقع غير مسلم مضمونها التالي:
1-لماذا رخص لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالزواج بأكثر من 4 إلى 12 مع التسري إلى جانب من تهب نفسها له وذلك دون باقي المسلمين؟.
2-كيف كان لديه الوقت الكافي لنشر الدعوة مع كل هذا الكم من النساء؟.
3- أليس من طبيعة المرأة أنها لا تتحمل أن تكون بدون زوج خصوصا وإن كانت صغيرة؟ وقد حث الشرع على زواج الأرامل، فلماذا حرم ذلك على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟ أليس هذا ظلما لهن؟ وخصوصا أن معظمهن كن صغيرات، فالسيدة عائشة كانت وقتها في الثامنة عشرة، وإذا كان الزواج من الأرملة تعد على الزوج الميت، فلماذا يسمح بذلك في حق المؤمنين، ولا يسمح به في حق النبي عليه الصلاة والسلام؟.
4- لماذا الذكر الكثير في القرآن لمشكلات النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة مع أزواجه، مثل حديث الإفك وكذلك الآيات الخاصة بالحديث الذي أسره صلى الله عليه وسلم إلى إحدى زوجاته ونشرته الأخرى؟.
أنا أعتذر عن طريقة السرد ولكنى أردت أن تكون كما قرأتها حتى لا يختلف المعنى، وأ رجو التوضيح والشرح المفصل وعدم إحالتي على فتوى أخرى، فالأمر أثارني وضايقني لا لشكي في ديني ـ والعياذ بالله ـ بل لجهلي به وبسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فأنا كمسلمة ليس لدي أي رد على هذه الشبهات وكذلك أريد اسم موقع موثوق به أو كتاب يتناول سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وحياته. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
وأخيرا أشكركم شكرا جزيلا وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نقل السيوطي في باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بنكاح أكثر من أربع نسوة بعض الفوائد، منها:
نقل محاسنه الباطنة فإنه صلى الله عليه وسلم مكمل الظاهر والباطن.
ومنها: نقل الشريعة التي لم يطلع عليها الرجال.
ومنها: تشريف القبائل بمصاهرته.
ومنها: شرح صدره بكثرتهن عما يقاسيه من أعدائه.
ومنها:زيادة التكليف في القيام بهن مع تحمل أعباء الرسالة فيكون ذلك أعظم لمشاقه وأكثر لأجره.
ومنها: أن النكاح في حقه عبادة.
قالوا: وقد تزوج أم حبيبة وأبوها في ذلك الوقت عدوه، وصفية وقد قتل أباها وعمها وزوجها، فلو لم يطلعن من باطن أحواله على أنه أكمل الخلق لكانت الطباع البشرية تقتضي ميلهن إلى آبائهن وقرابتهن، وكان في كثرة النساء عنده بيان لمعجزاته وكماله باطنا كما عرفه الرجال منه ظاهرا صلى الله عليه وسلم. (الخصائص الكبرى2 / 367) .
وقال الدكتور/ القرضاوي في كتاب فتاوى معاصرة: خص الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بشيء دون المؤمنين، وهو أن أباح له ما عنده من الزوجات اللاتي تزوجهن، ولم يوجب عليه أن يطلقهن ولا أن يستبدل بهن من أزواج يبقين في ذمته، ولا يزيد عليهن، ولا يبدل واحدة بأخرى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا {الأحزاب: 52} . والسر في ذلك أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لهن مكانة خاصة وحرمة متميزة فقد اعتبرهن القرآن أمهات للمؤمنين جميعًا، قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ {الأحزاب: 6} . ومن فروع هذه الأمومة الروحية للمؤمنين أن الله حرم عليهن الزواج بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا. {الأحزاب: 53} . ومعنى هذا أن التي طلقها النبي صلى الله عليه وسلم ستظل محرومة طول حياتها من الزواج بغيره، مع حرمانها من الانتساب إلى بيت النبوة، وهذا يعتبر عقوبة لها على ذنب لم تجنه يداها، ثم لو تصورنا أنه أمر باختيار أربع من نسائه التسع وتطليق الباقي لكان اختيار الأربع منهن لأمومة المؤمنين وحرمت الخمس الأخريات من هذا الشرف أمرًا في غاية الصعوبة والحرج.
فمن من هؤلاء الفضليات يحكم عليها بالإبعاد من الأسرة النبوية ويسحب منها هذا الشرف الذي اكتسبته؟.
لهذا اقتضت الحكمة الإلهية أن يبقين جميعًا زوجات له خصوصية للرسول الكريم واستثناء من القاعدة: إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.
أما الزواج من هؤلاء التسع من الأصل، لماذا كان؟ فسر ذلك معلوم وحكمته لم تعد خافية ولو بحثنا وراء زواجه منهن، لوجدنا أن هناك حكمة هدف إليها النبي صلى الله عليه وسلم من زواجه بكل واحدة منهن جميعًا، فلم يتزوج لشهوة ولا للذة ولا لرغبة دنيوية، ولكن لحكم ولمصالح وليربط الناس بهذا الدين، وبخاصة أن للمصاهرة والعصبية قيمة كبيرة في بلاد العرب ولها تأثير وأهمية، ولذا أراد عليه الصلاة والسلام أن يجمع هؤلاء ويرغبهم في الإسلام ويربطهم بهذا الدين ويحل مشكلات اجتماعية وإنسانية كثيرة بهذا الزواج، ثم لتكون نساؤه عليه الصلاة والسلام أمهات المؤمنين ومعلمات الأمة في الأمور الأسرية والنسائية من بعده يروين عنه حياته البيتية للناس حتى أخص الخصائص، إذ إنه ليس في حياته أسرار تخفى عن الناس.
ليس في التاريخ واحد إلا له أسرار يخفيها، ولكن النبي عليه صلاة الله وسلامه يقول: حدثوا عني.
تعليما للأمة وإرشادًا لها.
وهناك حكم لا يتسع المقام لشرحها وتفصيلها من أبرزها وأهمها: أنه عليه الصلاة والسلام قدوة حسنة للمسلمين في كل ما يتصل بهذه الحياة، سواء كان من أمور الدين أو الدنيا ومن جملة ذلك معاملة الرجل لزوجه وأهل بيته.
فالمسلم يرى قدوته الصالحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان زوجًا لامرأة ثيب، أو بكر، أو تكبره في السن أو تصغره، أو كانت جميلة أو غير جميلة، أو كانت عربية أو غير عربية، أو بنت صديقه أو بنت عدوه.
كل هذه الصور من العلائق الزوجية يجدها الإنسان في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل وأفضل وأجمل صورة، فهو قدوة لكل زوج في حسن العشرة والتعامل بالمعروف مع زوجته الواحدة أو مع أكثر من واحدة، ومهما كانت تلك الزوجة، فلن يعدم زوجها الإرشاد القويم إلى حسن معاشرتها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم الزوجية. ولعل هذه الحكمة من أجل الحكم التي تتجلى في تعدد زوجات نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه. اهـ.
وجاء في مشاركة في منتديات حراس العقيدة على هذا الرابط:
وقد سبق لنا ذكر بعض حكم تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1570، 6828، 29993.
وأما السؤال الثاني عن الجمع بين هذا العدد من الزوجات والقيام بنشر الدعوة، وكيف يجد لذلك الوقت الكافي؟.
فالأمر أكبر من هذا بكثير، فلم تكن مجرد دعوة بل هذا كان إلى جانب إنشاء دولة وسياسة أمة عسكريا واجتماعيا واقتصاديا وتربويا في وقت تكالبت عليه الأعداء في جزيرة العرب من داخل المدينة حيث اليهود والمنافقون، ومن خارجها حيث قبائل العرب مجتمعة، بل لقد واجهت هذه الدولة الوليدة الدول التي كانت تحكم العالم في ذلك الوقت:الفرس والروم نقول هذا لنبين أن هذا المطعن إنما هو في الحقيقة مظهر من مظاهر العظمة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو في الحقيقة معجزة من المعجزات التي أيده الله تعالى بها.
ومن جانب آخر فإن في هذا الملمح بيانا ظاهرا لما سبق من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع بين النساء لتحصيل شهوة أو لذة، وإنما لمصالح عليا وغايات كبرى تصب في النهاية لمصلحة نشر هذه الدعوة الجديدة ونصرة هذا الدين القويم.
وأما السؤال الثالث عن العلة من تحريم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم على غيره، كما قال تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً {الأحزاب: 53} . فقد أشار القرآن إلى علة ذلك فقال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ {الأحزاب: 6} . قال السعدي: ترتب على أن زوجات الرسول أمهات المؤمنين، أنهن لا يحللن لأحد من بعده. اهـ.
وفي هذا من التشريف لهن شيء عظيم لم تشاركهن فيه امرأة، وفي هذا التحريم أيضا منفعة لهن لا تدانيها منفعة، وهي كونهن أزواجه صلى الله عليه وسلم في الجنة، فإن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا، قال الشيخ الجزائري: حرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات، وقال صلى الله عليه وسلم: زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة. وهذه علة من علل التحريم أيضا. اهـ.
وقال القرطبي: حرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات، وهذا من خصائصه تمييزا لشرفه وتنبيها على مرتبته صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي رحمه الله: وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي مات عنهن لا يحل لأحد نكاحهن، ومن استحل ذلك كان كافرا، لقوله تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا.
وقد قيل: إنما منع من التزوج بزوجاته، لأنهن أزواجه في الجنة، وأن المرأة في الجنة لآخر أزواجها. اهـ.
وقال الشيخ الشعراوي: الرجال الذين يختلفون على امرأة توجد بينهم دائماً ضغائن وأحقاد، فالرجل يُطلِّق زوجته ويكون كارهاً لها، لكن حين يتزوجها آخر تحلو في عينه مرة أخرى فيكره مَنْ يتزوجها، وهذه كلها أمور لا تنبغي مع شخص رسول الله، ولا يصح لمن كانت زوجة لرسول الله أن تكون فراشاً لغيره أبداً، لذلك جعلهن الله أمهات للمؤمنين جميعاً. اهـ.
فإذا دققنا النظر لم نجد في هذا التحريم ظلما لهن، بل فيه إنعام كبير وإكرام شهير، وأي امرأة من المؤمنات تغبطهن على هذه المكانة والمنزلة العظيمة، ولذلك لما خيرهن النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الدنيا وزينتها، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) {الأحزاب:28-29} . اخترنه جميعا رضي الله عنهن.
ثم لا يخفى أن أي امرأة تعاشر النبي صلى الله عليه وسلم وتتطلع على مكارم أخلاقه وكريم عشرته وكمالاته التي خصه الله تعالى بها لا يمكن أن ترضى زوجا بعده ولا أن تسعد معه في الدنيا، فكيف وهي تعلم أن ذلك يحرمها من مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في درجته في الجنة.
وأما السؤال الرابع ففيه مغالطة ظاهرة، فحديث الإفك لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لأزواجه دخل في حصوله، بل كان ابتلاء من الله تعالى رفع به درجاتهم، ونوَّه فيه بمكانتهم، وصيَّره خيرا لهم، وكبت به أعداءهم، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النور:11} .
وأما الآيات في سورة التحريم وفي سورة الأحزاب ففيها من بيان الأحكام الفقهية والآداب الشرعية ما هو ضروري للأمة، ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو محل القدوة كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {الأحزاب:21} . فبيان أحواله في بيته هو في الحقيقة بيان لمحل القدوة والأسوة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1430(4/693)
آية الإحلال ناسخة لآية التحريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فعلا آية تحديد أقصى عدد للزوجات بأربع قد نزلت والنبي - عليه الصلاة والسلام - معه زوجاته التسع؟ وما الدليل على ذلك من الكتب الإسلامية؟
وبخصوص آية تحريم الزواج على النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحِل لك النساء مِن بعد ولا أن تبدل بهِن من أزواجٍ ولو أَعجبك حسنهن. {الأحزاب:52} . هذه الآية نزلت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بكم سنة؟ أرجو الرد، جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزيادة على أربع نسوة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فهو مخصوص من عموم الآية، ويدل لذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب50} .
والظاهر أن سورة النساء لم تنزل في وقت واحد، ولكن بعض هؤلاء النسوة لم يتزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في آخر حياته، فمنهن صفية وميمونة تزوجهما في السنة السابعة من الهجرة.
فيحتمل أن آية النساء تقدمت هذا التاريخ؛ لأن السورة تضمنت بعض أحكام الطهارة التي نزلت في السنة الخامسة من الهجرة.
وأما آية الأحزاب فيحتمل نزولها قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين؛ لأن سورة الأحزاب نزلت عام غزوة الأحزاب، وهذه الغزوة حدثت في السنة الخامسة من الهجرة، وهذه الآية يرى كثير من العلماء نسخها بآية الإحلال السابقة، ورجحه الشيخ الشنقيطي، وراجع تفسير ابن جرير وتفسير الشوكاني وتفسير القرطبي، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 14075، 16483، 1570، 12207.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1430(4/694)
اختصاصه صلى الله عليه وسلم بتحريم نكاح الكتابية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز زواج أو وجود علاقة بين مسلمة وكتابي؟ وإذا اكتشف مسلم هذه العلاقة هل يتستر عليهم وهل يحاسب عليهم؟ وهل العكس يجوز مثل زواج سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فأنا كمسلمة أود أن أعلم الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم. قال ابن قدامة: لا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال، لقول الله تعالى: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ.
وأما وجود علاقة بدون زواج بين المرأة المسلمة ورجل أجنبي فلا يجوز، سواء كان الرجل مسلماً أو غير مسلم، ولا يجوز لمن علم بمثل هذه العلاقة أن يقر ذلك، وإنما عليه أن يزيل هذا المنكر على حسب استطاعته، فإذا رجعت المرأة عن هذا المنكر فينبغي أن يستر عليها، وأما إذا تمادت ولم ترجع فيرفع أمرها إلى من يستطيع منع هذا المنكر.
وأما عن زواج المسلم من كتابية فهو جائز بشرط أن تكون عفيفة، وانظري لذلك الفتوى رقم: 3731.
وقولك مثل زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم غير صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج كتابية بل ذكر من خصائصه صلى الله عليه وسلم منع التزوج بالكتابيات.
جاء في الخصائص الكبرى للسيوطي: باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بتحريم نكاح الكتابية: أخرج أبو داود في ناسخه عن مجاهد في قوله تعالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ. قال: نساء أهل الكتاب. وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد في قوله تعالى: لا يحل لك النساء من بعد. قال: يهوديات ولا نصرانيات لا ينبغي أن يكن أمهات المؤمنين. انتهى الخصائص الكبرى للسيوطي.
وإذا كنت تقصدين بذلك مارية القبطية رضي الله عنها، فاعلمي أنها أسلمت قبل قدومها على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتزوجها وإنما كانت أمة فوطئها بملك اليمين، وولدت له إبراهيم فكانت أم ولد له، وانظري لذلك الفتوى رقم: 12668.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1430(4/695)
زوجات الرسول في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم زوجات الرسول في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة هن زوجاته في الدنيا، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 34511.
وقد رويت بعض الأحاديث فيها النص على بعض النساء يتزوجه ن النبي صلى الله عليه وسلم في ال جنة، منهن: مريم ابن ة عمران وآسية امرأة فرعون وكلثم أخت موسى، ومن ذلك حديث أبي أمامة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: أشعرت أن الله قد زوجني في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى وامرأة فرعون. قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه خالد بن يوسف السمتي وهو ضعيف اهـ. وض ع ف هـ الألباني.
وذكر هـ الحافظ ابن كثير في تفسير سورة التحريم (4 / 391) وكذلك في (البداية والنهاية 2 / 62) مع غيره من الأحاديث وضعفها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1430(4/696)
حكم الجمع بين إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان بإمكان أزواج بنات الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج والجمع بينهن وبين أخريات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجمع بين إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها تحت رجل واحد جائز في أصله، ولكن إن كان ذلك قد يؤذيها ويتأذى لذلك رسول صلى الله عليه وسلم فلا يجوز هذا الجمع، وقد دل على هذا حديث علي رضي الله عنه عندما أراد الزواج من فاطمة بنت أبي جهل رضي الله عنها وهو حديث ثابت. وقد أوردنا نصه بالفتوى رقم: 108672.
قال النووي في شرحه لهذا الحديث: قال العلماء: في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل حال، وعلى كل وجه، وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا، وهو حي، وهذا بخلاف غيره. قالوا: وقد أعلم صلى الله عليه وسلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله صلى الله عليه وسلم: لست أحرم حلالا. ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين: إحداهما أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة، فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم، فيهلك من آذاه، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي، وعلى فاطمة. والثانية خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة. وقيل: ليس المراد به النهي عن جمعهما، بل معناه أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان، كما قال أنس بن النضر: والله لا تكسر ثنية الربيع. ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما، وتكون معنى لا أحرم حلالا أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله، فإذا أحل شيئا لم أحرمه، وإذا حرمه لم أحلله، ولم أسكت عن تحريمه، لأن سكوتي تحليل له، ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1430(4/697)
حرمة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وموته سواء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تقول أتمنى أن أرى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامي وأن أضمه وأقبله، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح النساء، وهل سنصافحه صلى الله عليه وسلم في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تقول هذا ولا أن تتمناه وذلك لأن هذا حكم مخالف للشريعة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح النساء ولا مست يده الشريفة يد امرأة أجنبية قط، ومعلوم أنه لا يجوز تمني الحرام لا في نوم ولا في يقظة، وأيضاً فإن هذا ليس من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن رؤيا الرسول حق لقوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي.
فلا يجوز أن يتمنى الإنسان فيها ما لا يليق، لأنه صلى الله عليه وسلم له من التوقير والتعظيم ما ليس لغيره حتى بعد موته، وحرمته ميتاً كحرمته حياً، قال القاضي عياض في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى": واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته. ثم ذكر القاضي رحمه الله ما كان من الإمام مالك رحمه الله عندما قال لأمير المؤمنين أبي جعفر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوماً فقال: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ. ومدح قوماً فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ ... وذم قوماً، فقال: إن الذين ينادونك. وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً فاستكان لها أبو جعفر.
وذكر القاضي رحمه الله أيضاً أنه: لما كثر على مالك الناس قيل له: لو جعلت مستملياً يسمعهم؟ فقال: قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ. وحرمته حياً وميتاً سواء. وكان ابن سيرين ربما يضحك فإذا ذكر عنده حديث النبي خشع. وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي أمرهم بالسكوت، وقال: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ. ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله.
فهذه أخبار السلف -رضوان الله عليهم- وما كانوا عليه من تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، فكيف بعد هذا يتمنى الإنسان ما لا يقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يليق بمكانته المقدسة، ولا يوافق شريعته المطهرة، بل وكيف يطمع مع هذا أن يراه؟ فإن رؤيته -صلى الله عليه وسلم- لا تتيسر لكل أحد، بل كلما كان الإنسان أتقى لله وأكثر اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان توقع رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر احتمالاً من غيره، ولكن لا يلزم من عدم الرؤية له عدم صلاح الشخص، ولا يلزم أيضاً من شدة التقوى والمتابعة رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم فالأمر في النهاية توفيق من الله تعالى، وفضل من الله يؤتيه من يشاء.
وأما مصافحة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة فعلم ذلك عند علام الغيوب جل جلاله، لأن أمور الآخرة لا يدرك تفاصيلها على الحقيقة إلا رب العالمين، وينبغي ألا نشتغل بهذا بل على المرء أن يشتغل بما يبلغه الجنة فإذا بلغها فإن له فيها ما تشتهيه نفسه، وتقر به عينه، وللفائدة في ذلك تراجع الفتوى رقم: 71874، والفتوى رقم: 31854.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1429(4/698)
قصة ابنة الجون وهل ينسجب الحكم على غير النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على هذا الموقع وأسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناتكم ... سؤالي هو: قرأت في بعض الكتب أن النبي عليه الصلاة والسلام لما تزوج امرأة، فلما أراد الدخول بها قالت أعوذ بالله منك، فقال لقد عذت بعظيم، ألحقي بأهلك. فهل يستفاد من هذه القصة: أن الرجل لو قالت له زوجته أعوذ بالله منك، فهل يجوز له أن يطلقها ويفارقها؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقصة المشار إليها هي قصة ابنة الجون التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أدخلت عليه ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك. وهي قصة صحيحة في البخاري وغيره.
ومعنى قولها أعوذ بالله منك أي ألتجئ وأعتصم وأتحرز كما قال الزرعي في بدائع الفوائد، فطلقها صلى الله عليه وسلم لأن قولها لذلك يدل على كرهها له، وقد أخذ أهل العلم منه أن من خصائصه حرمة نكاح من كرهت صحبته، قال أبو حفص الأنصاري في غاية السول في خصائص الرسول: وجدير أن يكون الأمر كذلك لما فيه من الإيذاء، وقيل إنما كان يفارقها تكرماً.
وعلى أن هذا كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز له نكاح من تكره صحبته وترغب عنه فهو خاص به، وأما إن كان تكرما فهو له ولغيره..
وعلى كل فيجوز للرجل أن يطلق زوجته إذا كرهته ورغبت عنه واستعاذت بالله منه وله أن يمسكها ويحاول إزالة ما بها، وهو الأولى..
وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24930، 96756، 64210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1429(4/699)
حكم نداء الرسول صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأناشيد الإسلامية ينادون على رسول الله باسمه مجردا وهذا جزء من الأنشودة
فينك يا محمد
فينك يا رسول الله
علشان تشوف أمتك
إيمانهم انكسرت خطاه
هل نداء الرسول باسمه مجردا سوء أدب مع الرسول أم يجوز لنا ذلك كما نقول في التشهد.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا {النور:63} ، قال الألوسي: لا تجعلوا نداءه عليه الصلاة والسلام وتسميته كنداء بعضكم بعضا باسمه ورفع الصوت به والنداء وراء الحجرات، ولكن بلقبه المعظم مثل يا نبي الله ويا رسول الله مع التوقير والتواضع وخفض الجناح، قال ابن عباس: كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله تعالى عن ذلك بقوله سبحانه: لا تجعلوا الآية. إعظاما لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا نبي الله يا رسول الله، وروي نحو هذا عن قتادة والحسن وسعيد ومجاهد والظاهر استمرار ذلك بعد وفاته إلى الآن. اهـ
ونحو ما تقدم تجده في ابن عطية والزمخشري، فهذا الحكم الذي ذكره هذا الإمام وذكر استمراره إلى الآن يؤخذ منه أنه لا يقال ذلك بل ينادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، أما ذكره في الحديث والتشهد ونحوه فإنه ليس نداء بل شهادة وإقرارا، والنداء مسألته غير ذلك وحكمه لا يستدل عليه بالتشهد بل بالآية لاختلاف الموضعين.
ولمزيد من معرفة ما يجوز وما لا يجوز من مناداته صلى الله عليه وسلم راجع فتوانا رقم: 51062، والفتوى رقم: 14616.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1429(4/700)
أحوال وأحكام زواجه صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بشرح الآية 50-52 من سورة الأحزاب وما هو الهدف منه أن الله سبحانه وتعالى كرم الرسول عليه الإسلام بمجامعة ما يطيب له من النساء حيث إن النساء قسمت إلى أربعة أنواع
1- زوجات الرسول.
2- بنات عمه وعماته وخالته وخاله.
3- المؤمنة التي تطلب من الرسول أن يجامعها.
4- وما ملكت يمينك.
وأن هذا العطاء لم نسمعه من قبل إلى أي من الأنبياء من قبل ولماذا لم يكرمه بشيء آخر غير
مجامعة النساء (يستنكحهم) أفيدوني أفادكم الله ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أباح الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن يتزوج من يشاء من النساء بعقد النكاح المعروف، وأن يطأ إماءه بملك اليمين لحكم أرادها سبحانه وتعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآيات جمعت تقرير ما كان مشروعا للنبي- صلى الله عليه وسلم- الزواج منهن وتشريع ما لم يكن مشروعا له قبل ذلك، لتكون جامعة لأحوال وأحكام زواجه – صلى الله عليه وسلم- الخاص به والذي يشترك فيه معه عامة المسلمين فذلك أوعب وأقطع للتردد والاحتمال.. وذلك لمّا خاض المنافقون في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وقالوا: تزوج من كانت حليلة متبناه أراد الله أن يجمع في هذه الآية من يحل للنبي تزوجهن حتى لا يقع الناس في تردد ولا يفتنهم المرجفون.
فأما تقرير ما كان مشروعا له ولغيره فذلك من قوله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ {الأحزاب:50} فهؤلاء حلال للجميع.
وأما تشريع ما لم يكن مشروعا وخص به صلى الله عليه وسلم فذلك من قوله تعالى: اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ. . الآية
فلا يجوز له أن يتزوج من بنات عمه وبنات خاله إلا من هاجرت إلى المدينة، ولا يجوز لغيره أن يتزوج من وهبت له نفسها بدون صداق.. فذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم. فهو الذي أباح الله له أن يتزوجها بدون مهر.. إذا شاء.
وقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم في الأخذ بهذه التوسعات التي رفع الله بها قدره مسلك الكمال من عباده وهو أكملهم فلم ينتفع لنفسه بشيء منها، فكان عبدا شكورا كما قال في حديث استغفاره ربه في اليوم استغفارا كثيرا. ملخصا من التحرير والتنوير.
وننبه السائل إلى أن العبارات الواردة في سؤاله لا تليق بمقام أفضل خلق الله فعليه أن ينتبه لذلك ويحذر منه إن كان مسلما.
وأما قولك "هذا العطاء لم نسمعه.. فيبدو منه أنكم لم تسمعوا شيئا عن الأنبياء فكتب التاريخ والسير والأخبار تذكر أن داود عليه السلام كانت له تسع وتسعون زوجة وأكملها مائة، وأما سليمان فكانت عنده ثلاث مائة زوجة، وسبع مائة جارية.
وفي الصحيحين أن سليمان- عليه السلام- قال: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كل تلد غلاما يقاتل في سبيل الله فقال له صاحبه (الملك) قل إن شاء الله فنسي فطاف بهن فلم تأت امرأة منهن بولد إلا واحدة بشق غلام "
وإباحة التعدد للنبي- صلى الله عليه وسلم- لها من الحكم ما لا يخفى على عاقل، وقد أجملها بعضهم في أنها تعليمية، وتشريعية، واجتماعية، وسياسية ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1429(4/701)
أول من يدخل الجنة في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في أكثر من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى إبراهيم عليه السلام في الجنة، كما رأى جعفر في الجنة يطير بجناحين، فهل هذا ينافي الحديث الذي معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من يدخل الجنة يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ... صحيح جامع الترمذي ومجمع الزوائد. كما روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة. وقد صححه الشيخ الألباني.
وأما إبراهيم عليه السلام فلم نقف على خبر يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في الجنة اللهم إلا ما كان من رؤياه صلى الله عليه وسلم التي رأى فيها أنه أسرى به والتي فيها: ... وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة.. الحديث أخرجه البخاري وغيره.
وعلى أية حال فإنه ليس في هذا شيء من التناقض، لأن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لإبراهيم عليه السلام في الروضة، ورؤيته لجعفر رضي الله عنه في الجنة، إنما كان كل ذلك في الحياة البرزخية، ومعلوم أن القبر أما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وأما كونه صلى الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة فإن ذلك يكون في الحياة الأخروية، أي بعد بعث الخلائق من القبور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1428(4/702)
تدارس جبريل القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مرة كان يتدارس فيها جبريل القرآن مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومتى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الصحيحين عن فاطمة رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها قالت: أسرَّ إلي -تعني أن أباها حدثها سراً فقال لها- إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب. ففي هذا الحديث أن المعارضة كانت تتم مرة واحدة في السنة وفي آخر حياته عارضه به مرتين، وفي حديث آخر أن ذلك كان في رمضان وفي كل ليلة منه، ففي مسند أحمد عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، يلقاه كل ليلة يدارسه القرآن، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود من الريح المرسلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(4/703)
جواز شرب الدم خاص بدم النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[حرم الإسلام الدم المسفوح على بني آدم، وعند مطالعتك لبعض الكتب تجدها تقول إن الرسول-صلى الله عليه وسلم- لما احتجم أمر ابن الزبير أن يواري دم حجامته فإذا بابن الزبير يشرب دمه ولما سأله الرسول – صلى الله عليه وسلم- ماذا فعلت به (الدم) ؟ قال: وضعته في مكان لا تصل إليه يد أحد. ففهم الرسول – صلى الله عليه وسلم- ذلك ولم يعنفه قائلا: والله لن تمس جسدَك النارُ. الآن كيف نوفق بين هذا الفعل وبين تحريم الدم أصلا؟ بارك الله فيكم ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة شرب ابن الزبير رضي الله عنه دم النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة كما بيناه في الفتوى رقم: 3034.
والجمع بينها وبين القول بتحريم شرب الدم أن جواز شرب الدم خاص بدم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز شرب دم غيره.
ولذا عد العلماء هذا الأمر خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر زكريا الأنصاري الشافعي رحمه الله أن من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستشفى بشرب دمه صلى الله عليه وسلم وبوله، واستدل على ذلك بالأحاديث التي ذكرناها في الفتوى المشار إليها آنفا، ثم قال: قال شيخنا شيخ الإسلام ابن حجر: وكان السر في ذلك ما صنعه الملكان من غسلهما جوفه ... اهـ.
وهذا إشارة إلى قصة شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وغسل الملكين لجوفه لما كان مسترضعا في بني سعد وانظر لها الفتوى رقم: 7714.
ويمكن أن يقال أيضا إن شرب ابن الزبير للدم لم يكن بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ولو علم قبل ذلك لنهاه، ومما يدل عليه أنه في رواية الحاكم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ومن أمرك أن تشرب الدم؟، وعند أبي نعيم في معرفة الصحابة أن أبا هند الحجام حجم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ شرب دمه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا سالم أما علمت أن الدم حرام لا تعد. اهـ. قال الحافظ في التلخيص: وفي إسناده أبو الجحاف وفيه مقال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1427(4/704)
الصلوات التي اختص بها النبي دون أمته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الصلاة التي فرضت على النبي خاصة، وكانت نفلا على الأمة.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في وجوب قيام الليل والوتر وصلاة الضحى وركعتي الفجر على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون الأمة، فمنهم من يرى اختصاصه بوجوب بعضها، ومنهم من يرى اختصاصه بوجوبها كلها، فقد عد المالكية من خصائصه صلى الله عليه وسلم وجوب الضحى والتهجد وكذلك الوتر في الحضر لا في السفر، وهو قول لبعض علماء الشافعية، قال خليل بن إسحاق في مختصره في الفقه المالكي: خص النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الضحى والأضحى والتهجد والوتر بحضر. انتهى.
وفي المذهب الشافعي أيضا يختص صلى الله عليه وسلم بوجوب الضحى والوتر والتهجد على خلاف في الأخير وهو التهجد فقد قيل بنسخه.
ق ال الشربيني في مغني المحتاج وهو يذكر خصائص النبي صلى الله عليه وسلم: وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: الْوَاجِبَاتُ، وَهِيَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ. مِنْهَا: الضُّحَى، وَالْوَتْرُ، وَالْأُضْحِيَّةُ، وَالسِّوَاكُ، انتهى. وقال الشيخ زكريا الأنصاري في الغرر البهية شرح البهجة الوردية: (وَ) خُصَّ بِوُجُوبِ (نَفْلِ لَيْلٍ) وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ التَّهَجُّدُ؛ لقوله تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك} وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ. ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ نُسِخَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّهِ كَمَا نُسِخَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ.. انتهى.
كما ذهب الحنابلة إلى القول بوجوب الوتر والتهجد على أنه غير الوتر وركعتا الضحى والرغيبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون الأمة على خلاف عندهم في وجوب قيام الليل وصلاة الضحى، قال في كشاف القناع ممزوجا بمتن الإقناع في الفقه الحنبلي: خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَاجِبَاتٍ وَمَحْظُورَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ وَكَرَاهَاتٍ قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) وَقَدْ بَدَأَ مِنْهَا بِالْوَاجِبَاتِ فَقَالَ (فَالْوَاجِبَاتُ الْوِتْرُ) لِخَبَرِ {ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَقَلُّ الضُّحَى لَا أَكْثَرُهُ، وَقِيَاسُهُ فِي الْوِتْرِ كَذَلِكَ. قِيلَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ (وَهَلْ هُوَ) أَيْ الْوِتْرُ (قِيَامُ اللَّيْلِ أَوْ غَيْرُهُ احْتِمَالَانِ الْأَظْهَرُ الثَّانِي) أَيْ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ لِحَدِيثٍ سَاقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ {الْوِتْرُ وَالتَّهَجُّدُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ} قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَرَّقَ أَصْحَابُنَا هُنَا بَيْنَ الْوِتْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ ... انْتَهَى، إلى أن قال: (وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ الْوِتْرُ وَالنَّحْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَفِي الرِّعَايَةِ وَالضُّحَى) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَرَدَّ بِضَعْفِ الْخَبَرِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ {أَنَّهُ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى} (وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ) قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ يُوَاظِبُ عَلَى الضُّحَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِسُنَّتِهِ. إلى أن قال (وَقِيَامُ اللَّيْلِ لَمْ يُنْسَخْ) وُجُوبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ نُسِخَ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعَبِ، قَالَهُ فِي الْإِنْصَاف انتهى.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1427(4/705)
حكاية النبي صلى الله عليه وسلم للشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد عن المعصوم عليه الصلاة والسلام أنه كان يكسر أبياتا من الشعر ويقلب بعض أماكن الكلمات في أبيات الشعر، فهل هذا الكسر كان متعمداً منه عليه الصلاة والسلام أم كان من الله عز وجل، مع العلم بأنه كان يصلح بعض الآبيات دون أن يخل بالوزن، فنرجو الإجابة لأهمية السؤال في مجال دراستي؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من أهل الشعر وما ينبغي له أن يكون من أهله، كما ورد في الكتاب العزيز، قال الله تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ {يس:69} ، وقال الألوسي في روح المعاني: روي أنه عليه الصلاة والسلام أنشد: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزود بالأخبار. فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليس هكذا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: إني والله ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي. وفي خبر أخرجه أحمد وابن أبي شيبة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفة ويأتيك من لم تزود بالأخبار.
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا. فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله ما علمك الشعر وما ينبغي لك. انتهى.
وقال السخاوي في المقاصد الحسنة: في تمثيله صلى الله عليه وسلم به (يعني ببيت طرفة) رواه معمر عن قتادة، قال: بلغني أن عائشة سئلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر، فقالت: لا إلا بيت طرفة وذكرته، قالت: فجعل صلى الله عليه وسلم يقول (من لم تزود بالأخبار) ، فقال أبو بكر: ليس هذا هكذا. فقال صلى الله عليه وسلم: إني لست بشاعر ولا ينبغي لي.
وفي عمدة القاري للعيني: قال قال: (ويأتيك من لم تزود بالأخبار) ، فقال أبو بكر يا رسول الله لم يقل هكذا وإنما قال: (ويأتيك بالأخبار من لم تزود) ، فقال كلاهما سواء فقال أشهد أنك لست بشاعر ولا تحسنه.
هذه الأخبار بمجملها تدل بوضوح على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحسن الشعر، والظاهر منها أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتعمد تكسيره، وحكايته له على النحو المذكور هي مبلغ علمه به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(4/706)
بطاقة التعريف هل تناسب مقام النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي جزاكم الله خير هو:
قرأت موضوعا بكذا موقع وهو بعنوان البطاقة الشخصية لرسولنا الكريم، وذكر فيه الآتي:
الاسم: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب
تاريخ الميلاد: 12 ربيع الأول،،، 2 / 4 / 571 ميلادية
ألديانة: أول المسلمين
ألوظيفة: نبي الله عز وجل ورسوله اللهم صل عليه وآله
محل العمل: مكة المكرمة وما حولها من بقاع الأرض
محل الإقامة: حي بني هاشم عند سفح أبو قبيس من قريش
فصيلة الدم: {ن، و، ر} من الله عز وجل.
- الجنسية: عربي عدناني (بلسان عربي مبين) .
- التعليم: أمي {علمه شديد القوى} .
رقم البطاقة: (25) خاتم الأنبياء والمرسلين {25} عدد الأنبياء
فهل ما ذكر جائز أم لا؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعريف الناس به وحبه ودعوتهم لاتباعه والتمسك بهديه واجب من آكد الواجبات الشرعية على المؤمنين، وهو من أمارات صدق الإيمان، ومن أعظم حقوقه صلى الله عليه وسلم على أمته.
فقد قال تعالى: إنا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ {الفتح: 8-9} ، ويقول الله تعالى: فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الأعراف: 157}
قال شيخ الإسلام: التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار.
ووضع تعريف له بهذه الصيغة لا يكفي في التعريف ولا يناسب مقامه ولا عظمته صلى الله عليه وسلم، وليعلم أن وصفه صلى الله عليه وسلم بالأمية حق إذا عني به أنه لا يكتب ولا يقرأ، أما إذا كان الحديث عن مستوى التعليم كما هو الشائع عند الناس فالنبي أعلم الخلق كما في الحديث: إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا. رواه البخاري. وقال تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ {النساء: 113}
وليعلم أن عدد 25 هو عدد الأنبياء المذكورين في القرآن وليس هو عدد الأنبياء والمرسلين في الحقيقة، وراجع الفتوى رقم: 71163، والفتوى رقم: 69963، وأما تاريخ مولده فليس محققا أنه في الثاني عشر من ربيع الأول، فهناك أقوال آخرى تفيد غير ذلك ذكرها أصحاب السير، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 34615، 17914، 46931، 51979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1427(4/707)
ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وهل كانت في الشهر الثامن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولد في الشهر الثامن من الحمل، وأن أي شخص يولد في الشهر الثامن لا يعيش، أرجو إجابتي في أقرب فرصة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه خرافة من الخرافات وضرب من الخرص والافتيات لا يعضدها شرع ولا عقل ولا واقع. والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه دخل في شهره التاسع كما ذكر القرطبي نقلا عن أبي جعفر الطبري قال: وقد قيل: إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم، وولد يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فكانت مدة حمله ثمانية أشهر كملاً ويومين من التاسع.
ومهما يكن من أمر، وسواء أكان صلى الله عليه وسلم ولد في شهره الثامن أو التاسع أو غيره، فكل مولود يولد بعد مضي أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر قد يعيش سواء في السابع أو الثامن أو التاسع أو غيره، وهو الواقع. ولو كانت للنبي صلى الله عليه وسلم كرامة في ذلك لكان المناسب لها أن من ولد في مثل مولده يكون له البقاء والصحة والسلامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1427(4/708)
نسب رسول الله لا ينقطع يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اسأل عن الجمع بين الآية، قال الله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ {المؤمنون:101} ، وبين الحديث الشريف عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. أخرجه الحاكم والطبراني والبيهقي، فكيف يجمع بين الآية والحديث؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجمع بين الآية والحديث هو أن الحديث مخصص لعموم الآية، فالأنساب والأسباب تنقطع يوم القيامة غير نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسببه تكريماً له وتشريفاً، وهذا دل عليه الحديث وله روايات كثيرة جداً، وقد أخرج أحمد أيضاً في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: ما بال أقوام تقول إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع يوم القيامة, والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة, وإني أيها الناس فرط لكم على الحوض.
قال المناوي في فيض القدير معلقاً على تلك الأحاديث وغيرها: وهذا لا يعارضه حثه في أخبار أُخر لأهل بيته على خوف الله واتقائه, وتحذيرهم الدنيا وغرورها, وإعلامهم بأنه لا يغني عنهم من الله شيئاً؛ لأن معناه أنه لا يملك لهم نفعاً؛ لكن الله يملكه نفعهم بالشفاعة العامة والخاصة, فهو لا يملك إلا ما ملكه ربه. فقوله: لا أغني عنكم أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله تعالى به, أو كان قبل علمه بأنه يشفع, ولما خفي طريق الجمع على بعضهم تأوله بأن معناه أن أمته تنسب له يوم القيامة بخلاف أمم الأنبياء.
إذن فكل نسب ينقطع يوم القيامة للآية والأحاديث سوى نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينقطع، ولا تعارض بين الآية والحديث لأن الحديث نفسه قد دل على الجمع بينهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1427(4/709)
خصائص رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي خصائص رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودليلها من القرءان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن خصائص رسالته عليه الصلاة والسلام شمولها وعمومها لجميع الناس قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا {سبأ: 28} بل وحتى الجن كما قال تعالى حكاية عنهم: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا {الجن: 13} وقوله: فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا {الجن: 14 ــ 15}
ومن خصائص رسالته هيمنتها على ماقبلها من الرسالات ونسخها لما قبلها من الشرائع قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ {المائدة: 48} وقوله صلى الله عليه وسلم: والله لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاكان من أصحاب النار. رواه مسلم
وقد ذكر صلى الله عليه وسلم خصائص رسالته وما اختصه الله به على غيره من الأنبياء في قوله: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة. متفق عليه واللفظ للبخاري، قال ابن حجر: وأصرح الروايات في ذلك وأشملها رواية أبي هريرة عند مسلم وفيها: وفضلت على الأنبياء بست فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر إلا الشفاعة وزاد خصلتين وهما: وأعطيت جوامع الكلم وختم بي النبيون. قال: فتجعل منه ومن حديث جابر سبع خصال. ثم عدد في الروايات حتى أوصل الخصال إلى سبع عشرة خصلة قال: ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن عدد الذي اختص به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة.
ومن خصائص رسالته صلى الله عليه وسلم أن معجزته هي القرآن الذي جاء به خلاف ما كان عند غيره من الأنبياء فقد كانت معجزاتهم مستقلة مثل عصى موسى، ومعجزات عيسى، وأما معجزته صلى الله عليه وسلم فهي في القرآن الذي هو منهجه الذي جاء به، ولذا فهي باقية خالدة ليست خبرا من الأخبار كما قال الشيخ الشعراوي في كتابه (معجزة القرآن)
إذن فهذه بعض خصائص تلك الرسالة العظيمة بأدلتها من الكتاب أو السنة وللاستزادة يمكن مراجعة الكتب المؤلفة في ذلك، والموقع مشغول بالفتاوى الشرعية والنوازل الفقهية والاستشارات الدعوية ونحوها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1426(4/710)
نسبة كشف الغمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يقول الإمام في الخطبة: (وأشهد أن محمداً رسول الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة) ، وأنا أسأل بالتحديد عن جواز قوله (كشف الغمة) لأن بعض الناس يقولون إنها لا تجوز إلا لله؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا بأس بهذه العبارة، وقد درج كثير من العلماء على استعمالها، فقد جاء في خطبة كتاب مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، قال الشيخ الإمام العالم العلامة ... أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.. إلى أن قال ع ن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة إلى آخر الخطبة.
وما زال أجلاء العلماء يأتون بهذه العبارة في خطب كتبهم، فمنهم على سبيل المثال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في أخبار من ذهب، إضافة إلى شيخ الإسلام.
وخلاصة القول أن هذه العبارة لا بأس بها وليس فيها ما يتنافى مع العقيدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله سراجاً منيراً ومبشراً ونذيراً، ونسبة كشف الغمة إليه إنما هو باعتبار أن الله تعالى هو الذي كشف به الغمة وأزاح به ظلمة الشرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1426(4/711)
النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحتاج إلى15 حديثا قصيرا يتحدث النبي فيها عن نفسه مثل (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) أرجو أن ترسلوها على إميلي وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه بعض أحاديث تحدث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه، ومنها الصحيح ومنها الحسن:
1- آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد. رواه أبو يعلى وصححه الألباني
2- إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجوا أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة. رواه مسلم
3- إن لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحوا الله بي الكفر، وأنا العاقب. رواه البخاري ومسلم
4- أنا ابن العواتك من سليم. رواه الطبراني وحسنه الألباني.
5- أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة. رواه مسلم
6- أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الناس تبعا. رواه مسلم
7- أنا أول شفيع في الجنة لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت وإن من الأنبياء ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد. رواه مسلم.
8- أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني
9- أنا دعوة إبراهيم وكان آخر من بشر بي عيسى بن مريم. أخرجه ابن عساكر وصححه الألباني
10- أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع. رواه مسلم.
11- أنا فرطكم على الحوض. رواه البخاري ومسلم.
12- أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني
13- إني لست بملك إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد. رواه ابن ماجه وصححه الألباني
14- ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه وأنت، فقال نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة. رواه البخاري
15- إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1426(4/712)
إخبار النبي عن الشهداء الثلاثة في غزوة مؤتة وحي من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: سمعت بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم الشهداء الثلاثة في غزوة مؤتة حين استشهدوا وهو لم يكن موجودا في تلك الغزوة مثلا: حينما استشهد زيد كان يقول لأصحابه زيد استشهد وهكذا بقية الصحابة رضي الله عنهم هل هذا يدخل في علم الغيبيات، والغيب لا يعلمه إلا الله أم هناك وحي، أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم.
وعلم الغيب مختص بالله عز وجل كما قال الله تعالى: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ {النمل:65} ، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعلم شيئاً من الغيب إلا ما علمه الله وأطلعه عليه، وقد قال الله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا {الجن:26-27} .
وعليه فإخباره -صلى الله عليه وسلم- عن الشهداء الثلاثة في غزوة مؤتة هو من الغيب الذي أطلع الله عليه نبيه صلى الله عليه وسلم وهو من الوحي، والوحي أنواع، يمكنك أن تراجع فيها فتواناً رقم: 39836.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(4/713)
أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة من يقول إن للنبي عليه الصلاة والسلام201 اسما وصفة منها (كاشف الكرب, سيد الكونين) وأن هذه الأسماء والصفات موجودة في المسجد النبوي على جدرانه.
الرجاء من الإخوة الإسراع في الإجابة لأن هناك خلافا كبيرا حول ذلك.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته كثيرة جدا، من العلماء من أوصلها إلى مائتين ومنهم من أوصلها إلى الألف. قال ابن القيم رحمه الله: وأسماء النبي صلى الله عليه وسلم كلها نعوت وليست أعلاما تخصه لمجرد التعريف، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به توجب له الكمال والمدح، وأسماؤه نوعان: أحدهما خاص به لا يشاركه فيه غيره من الرسل. والثاني: ما يشاركه في معناه غيره من الرسل، وأما إن جعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين كالصادق والمصدوق إلى أمثال ذلك، وفي هذا قال من قال من الناس إن لله ألف اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم. قاله أبو الخطاب بن دحية ومقصوده الأوصاف، إذا فعلى هذا الاعتبار كما ذكر ابن القيم تبلغ أسماؤه المائتين فأكثر، وأما ما ذكرته بالمسجد النبوي فهو مما كتب في عهد الدولة العثمانية التي قامت بتشييد المسجد النبوي آن ذاك، ولكن إطلاق مثل تلك الأسماء عليه لا يخلو من مبالغة وغلو لأن كاشف الكرب في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى وهو سيد الكون والنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان سيد البشر وهو سبب لكشف الكرب كما في عرصات القيامة إلا أنه لا ينبغي إطلاق ذلك عليه لاختصاص الله سبحانه وتعالى بذلك في الحقيقة مع عدم ورود السنة فيما وقفنا عليه بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولا وصفه به. وقد قال كما في صحيح البخاري: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله.
وبناء على ما ذكر، فإن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة وصفاته كذلك قد تصل إلى مائتين فأكثر، وأما ما ذكر في السؤال من تسميته كاشف الكرب فهوغلو مذموم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(4/714)
مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[عدد مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل السير أربع نسوة أرضعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وأول هؤلاء النسوة أمه آمنة بنت وهب، وبعدها ثويبة مولاة عمه أبي لهب التي كانت أول من أرضعه بعد أمه، وبعدهما حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، كما أرضعته امرأة من بني سعد كانت مرضعاً لعمه حمزة فقد كان مسترضعاً في بني سعد، ولذلك فحمزة أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة من جهتين من جهة ثويبة ومن جهة السعدية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(4/715)
حقوق الرسول صلى الله عايه وسلم بين الغلو والجفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[يدور هذه الأيام جدل كبير بين أفراد من جماعة الدعوة والتبليغ حول مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم واتهام بعضهم البعض إما بانتقاص النبي عليه الصلاة والسلام أو بالترفيع بمكانة النبي إلى حد الألوهية من ذلك مثلا اختلفوا في القول أن الدين يحتاج إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أو القول بأن لولا رسول الله لما خلق الله الأرض وما عليها، الرجاء من حضرتكم إنارتنا حول هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل السنة هم الأمة الوسط بين أهل الإسلام، فهم وسط بين أهل الغلو والجفاء، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد النهي عن الغلو في إطرائه، فقال: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله. رواه البخاري.
واعتقاد أن الله ما خلق الأرض وما عليها إلا بسبب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذب وافتراء وغلو قبيح لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فلقد ذكر الله تعالى في كتابه أن الله خلق الخلق لأجل عبادته وتوحيده لا لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ، وانظر الفتوى رقم: 9650، والفتوى رقم: 7565.
وكذلك القول بأن الدين يحتاج إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه عبارة مجملة، فإن كان المراد أن الله بحكمته جعل الواسطة بينه وبين عباده في تبليغ الشرائع هي رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فإن هذا المعنى صحيح، قال الله تعالى: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً {النساء:79} ، وقال أيضاً: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ {المائدة:67} ، وقال تعالى: وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {النور:54} .
فالرسالة إذن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي تكليف وتشريف وليست تشريفاً فقط.
وأما اعتقاد أن الله مفتقر لعبد من عباده ومحتاج إليه في تبليغ دينه فهذا كفر بواح وإساءة أدب مع الله جل وعلا وتعالى، وهذا ولتعلم أن التحذير من الغلو لا يعني نفي الحقوق التي للرسول صلى الله عليه وسلم على أمته والتي يجب عليهم أداؤها، وانظر طائفة منها في الفتوى رقم: 36726، والفتوى رقم: 42977.
وطالع كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1426(4/716)
حراسة قبر سيد المرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما فعل بقبر النبي صلى الله عليه وسلم جائز من زخرفة وحراسة ووو؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجود الحرس حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم لازم لحراسة القبر الشريف من الاعتداء عليه، كما سبق أن حاول نصارى الأندلس الوصول إلى القبر ونقل جسد النبي صلى الله عليه وسلم فأخزاهم الله وقتلهم السلطان نور الدين محمود شر قتلة، وراجع الفتوى رقم: 56271.
أما الزخرفة فليست موجودة داخل الحجرة، وإنما هي موجودة على الجدار الخارجي وعلى السور الحديدي، فتدخل في النهي عن زخرفة المساجد، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى: 9320، 10687، 39978.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1425(4/717)
محمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله أجمعين
[السُّؤَالُ]
ـ[دائما نقول محمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله أجمعين، فهل هو أفضل من جبريل عليه السلام والخليل إبراهيم عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم عليه السلام، ويدل على ذلك الحديث: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر. رواه مسلم.
وهو أفضل من جبريل عليه السلام. قال ابن عباس: ما خلق الله خلقاً ولا برأه أحب إليه من محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: وانعقد الإجماع أن المصطفى * أفضل خلق الله والخلف انتفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(4/718)
بيان خطأ القول بأن الرسول محرم لكل نساء المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد المواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان محرما لجميع نساء المسلمين بعد نزول آية تحريم استبداله لزوجاته عليه السلام فما صحة هذا القول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال نريد أن نقول لك أولاً: إن الآية التي نهت عن تبدل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه وهي قول الله تعالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ {الأحزاب:52} .
قد صحح أهل العلم أن أولها وهو قوله تعالى " لا يحل لك النساء من بعد " قد نسخ بقوله: تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء ... الآية، وراجع في هذا فتوانا رقم: 14075.
وأما عن سؤالك، فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصافح الأجنبيات من النساء، ورد ذلك فيما رواه النسائي وابن ماجه وأحمد ومالك: أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لا أصافح النساء.
وفي شرح سنن ابن ماجه للسندي: أي الأجنبيات ... وفي سنن الترمذي وغيره عن طاوس قال: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة؛ إلا امرأة يملكها.
وفي أحاديث كثيرة أن عائشة رضي الله عنها وغيرها من أمهات المؤمنين كن يرفعن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجات النساء الأجنبيات اللاتي يأتين يستفتين في أمور دينهن. مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محرماً لجميع نساء المسلمين، وعليه فما قرأته في الموقع المذكور غير صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(4/719)
هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم الله سبحانه وتعالى في حادثة الإسراء والمعراج، مع الدليل من السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 2426، والفتوى رقم: 26506.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(4/720)
لم يقع منه صلى الله عليه وسلم أنه رغب في امرأة رجل وطلقها له
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت في تفسير القرطبي لتفسير الآيه 50 من سورة الأحزاب: مما أحل للنبي دون المسلمين \"صفي المغنم \"، وإذا وقع بصره على امرأة وجب على زوجها طلاقها وحل له نكاحها\" http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=33&nAya=50&taf=KORTOBY&tashkeel=0
وهذا هو اسم الموقع ومكان شرح الآية بالتفصيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم تفسير هذه الآية في الفتوى رقم: 14075.
وأما صفي المغنم فهو ما يصطفيه أي يختاره النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه من المغنم، ومنه اصطفاؤه صفية بنت حيي لنفسه.
وأما وجوب طلاق الزوج امرأته إذا وقع بصر النبي صلى الله عليه وسلم عليها فقد عزاه ابن العربي لأبي المعالي الجويني، ولعل المراد بذلك من حصلت منه رغبة في زواجها، فقد ذكر شراح خليل، والشيخ زكريا في أسنى المطالب أن ذلك من خصائصه، وذكر الدردير وغيره أنه لم يقع منه صلى الله عليه وسلم أنه رغب في امرأة رجل وطلقها زوجها له.
وأما وجوب تطليق الرجل امرأته إذا وقع بصر النبي صلى الله عليه وسلم عليها من غير رغبة في زواجه بها فإن الظاهر أنه لا يصح إطلاقه، إذ قد كان النساء يستفتينه وكان ينظر إليهن.
ولم نعلم أن أحدا طلق زوجته بسبب نظر النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وقد بين ابن العربي بقوة بطلان ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من كونه نظر إلى زينب بنت جحش وتعلق بها قلبه، فراجع كلامه في أحكام القرآن فهو موجود على الإنترنت، وراجع في شأن زواجه بزينب بنت جحش الفتوى رقم: 27512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1425(4/721)
من دعاوى المغرضين الباطلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام حاول الانتحار عند موت راهب؟؟؟؟ وإذا كان خطاً ماذا أقول للذي يقول هذا الكلام؟؟؟ لأن هناك نصارى يتكلمون بهذا الكلام ... وقالوا لي هل تعلم أن نبيكم محمدا اجتاز حدود الله وتزوج أكثر من أربعة؟؟؟
فارجوكم ساعدوني لاجابتهم لهذه المواضيع الباطلة ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دعوى محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم الانتحار عند موت راهب باطلة، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتقى الناس وأعلمهم بالله ومن المعلوم أن الشرع حرم قتل الإنسان نفسه فيكف يعقل أن يحاول صلى الله عليه وسلم فعل ما قد ثبتت حرمته بالكتاب والسنة.
قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}
(النساء: 29)
وفي الحديث: من قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم. رواه البخاري ومسلم، وراجع الفتوى رقم: 9240
وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع فإنه خصوصية خص الله بها نبيه، فأباح له ذلك، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} (الأحزاب: 50)
وهذا كما أباح لداود وسليمان عليهما الصلاة والسلام أن يتزوجا بالعشرات من النساء، وراجع الفتوى رقم: 6828.
هذا وننصحك بالرجوع للمواقع المهتمة بالرد على النصارى لإ فادتك أكثر في الرد على الشبه، ويمكنك الحصول على عناوين تلك المواقع في موقع www.sultan.orj.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1425(4/722)
لم يكن له صلى الله عليه وسلم ظل في الشمس والقمر
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الله بعث إلينا رسوله الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم وأيده بمعجزات كثيرة
فهل حقا كان من هذه المعجزات أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له ظل يعني أنه عندما كان يقف في الشمس لم ير له ظل
وهل نستطيع أن نعرف كل معجزاته صلى الله عليه وسلم
أثابكم الله وأبقاكم الله في خدمة الإسلام والمسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الله عز وجل أكرم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم كما أشار السائل الكريم بمعجزات كثيرة، وأهم هذه المعجزات وأعظمها المعجزة الخالدة التي تكفل الله عز وجل بحفظها من التحريف والتغيير والتبديل، معجزة القرآن الكريم الذي قال الله تعالى في شأنه: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] (الحجر: 9) . هذه المعجزة التي تحدى الله تعالى بها الثقلين الإنس والجن: [قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا] (الإسراء: 88)
وبخصوص معجزة عدم ظهور ظل له صلى الله عليه وسلم في الشمس أو القمر ذكرها بعض أصحاب السير والشمائل، وذكرها بعض العلماء في خصائصه صلى الله عليه وسلم من كتب الفقه.
قال البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع": لم يكن له صلى الله عليه وسلم فيء أي ظل في الشمس والقمر، لأنه نوراني، والظل نوع ظلمة.. ويشهد له أنه سأل الله تعالى أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورا، وختم بقوله: واجعلني نورا. وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا واجعل لي نورا.
وبخصوص معرفة كل معجزاته صلى الله عليه وسلم فإن المقام لا يتسع لذلك، وبإمكانك أن تطلع على بعضها فيما يتيسر لك من كتب السيرة النبوية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(4/723)
صلاة ركعتين بعد العصر.. سببهما.. وهل هما من خصوصيات الرسول
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتين بعد صلاة العصر ـ وهل كانتا خاصتين بالرسول صلى الله عليه وسلم، أم له ولأمته؟ وإذا كان كذلك فمتى تُصليان؟ هل بعد صلاة العصر ِ مباشرة ً؟ أم قبل الغروب؟ أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الصحيحين عن كريب أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنهم أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها، فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعاً وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر، وقل لها: إنا أخبرنا عنك أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، وقال ابن عباس: وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنها، فقال: كريب فدخلت على عائشة رضي الله عنها فبلغتها ما أرسلوني فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة، فقالت أم سلمة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر، ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري عنه، ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان.
وفي صحيح مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، قال يحيى بن أيوب: قال إسماعيل: تعني داوم عليها، فمداومته عليها خصوصية، قال الإمام النووي رحمه الله (قوله: فهما هاتان) فيه فوائد منها ... : أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها، وهو الصحيح عندنا، ومنها: أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي، وإنما يكره ما لا سبب لها، وهذا الحديث هو عمدة أصحابنا في المسألة وليس لنا أصح دلالة منه، ودلالته ظاهرة، فإن قيل: فقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ولا يقولون بهذا، قلنا: لأصحابنا في هذا وجهان حكاهما المتولي وغيره، أحدهما: القول به، فمن دأبه سنة راتبة فقضاها في وقت النهي كان له أن يداوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت.
والثاني: وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك، وهذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحصل الدلالة بفعله صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول، فإن قيل: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قلنا: الأصل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به، بل هنا دلالة ظاهرة على عدم التخصيص في أنه صلى الله عليه وسلم بين أنها سنة الظهر، ولم يقل هذا الفعل مختص بي، وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء. وبهذا تبين مشروعية قضاء الفائتة، ولو كانت نافلة في وقت الكراهة مطلقاً، وأما المداومة على ذلك فمن خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1425(4/724)
رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم عامة للعرب والعجم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الرسول أميا وإذا كان القرآن نزل عربيا فكيف انتشر الإسلام لدى الشعوب الأخرى وهل اقتصرت دعوة الرسول على الشعوب العربية أم خاطب شعوبا أخرى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون الرسول صلى الله عليه وسلم أميا فهو أمر لا شك فيه، إذ قد ورد به الكتاب العزيز، كما قال سبحانه: [فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيّ ِ] (لأعراف: 158) . الآية ووردت به السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال: إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب.
وكون رسالته للناس جميعا عربيهم وعجميهم، أبيضهم وأسودهم حق لا مرية فيه، جاء بذلك القرآن الكريم، حيث قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً] . (سبأ: 28) .
وجاءت بذلك السنة الصحيحة، فقد روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة.
وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون له رسائله، فكان يبعث بها إلى الملوك، ولعل أقرب مثال لذلك كتابه إلى هرقل عظيم الروم، والذي جاء فيه كما في الصحيحين: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. الحديث. وقد كان الواحد منهم يدعو بترجمانه ليترجم، كما في هذا الحديث في قصة هرقل مع أبي سفيان، وهنالك كثير من هذه الرسائل إلى مختلف الملوك وهي مضمنة في كتب السنة، وكتب السيرة، النبوية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بتعلم السريانية، كما ورد بذلك الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(4/725)
دم النبي صلى الله عليه وسلم وبوله طاهران
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا لما يحتجمون يمصون الدم ثم يقذفونه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأمر أمته بذلك، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 18622، ولا يوجد دليل يدل على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يشربون دم الحجامة، بل الذي نقطع به أنهم كانو يقذفون ذلك ولا يبتلعونه لأنه نجس لقول الله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً (الأنعام: من الآية145) .
ولا يعارض هذا ما روي أن بعض الصحابة شربوا دم النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن الزبير كما روى ذلك البيهقي، وذلك لأن دم النبي صلى الله عليه وسلم وبوله طاهران، كما صرح بذلك بعض أهل العلم ومنهم النووي في المجموع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(4/726)
سبب تسميته صلى الله عليه وسلم باسم محمد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سمي عبد المطلب النبي بمحمد اللهم صل على نبينا محمد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الصالحي في "سبل الهدى والرشاد": وروى البيهقي عن أبي الحسن التنوخي أنه لما كان يوم السابع من ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عنه جده ودعا قريشا، فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب: ما سميته؟ قال: سميته محمدا، قالوا: لم رغبت عن أسماء أهل بيته؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض.
وروى أبو عمر وأبو القاسم بن عساكر من طرق عن ابن عباس قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر نحوه.. ثم قال: وذكر السهيلي وأبو الربيع أن عبد المطلب إنما سماه محمدا لرؤيا رآها، زعموا أنه رأى في المنام كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره ولها طرف في السماء وطرف في الأرض، وطرف في المشرق وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها، فقصها، فعبرت له بمولود يكون من صلبه، يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمدا، مع ما حدثته به أمه صلى الله عليه وسلم. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(4/727)
بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين جميعا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجن جميعا؟ دلل على ما تقول ثم ما هي آراء العلماء في ثواب مؤمني الجن يوم القيامة مع الدليل؟ ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين الإنس والجن وذلك في الفتوى رقم: 9770 والفتوى رقم: 35394.
وتقدم الكلام عن أقوال العلماء في دخول مؤمني الجن الجنة، وذلك في الفتوى رقم: 18484، والفتوى رقم: 33733.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1424(4/728)
من طلقهن عليه الصلاة والسلام قبل الدخول بهن وبعده.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل طلق الرسول صلى الله عليه وسلم أيا من أمهات المؤمنين؟ إذا كان الجواب نعم فلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الصالحي في سبل الهدى والرشاد ستة وعشرين امرأة ممن عقد عليهن النبي صلى الله عليه وسلم وطلقهن ولم يدخل بهن، وبسط الكلام عن جميعهن طويلا، ولكن لا بأس بذكر شيء من ذلك:
- فمنهن ابنة الجون، وقصتها عند البخاري عن عائشة رضي الله عنها، أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك.
- ومنهن فاطمة بنت الضحاك، وقصتها عند أحمد عن زيد بن كعب، أن امرأة من غفار تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد بكشحها بياضا، فقال: الحقي بأهلك.
-ومنهن أميمة بنت شراحيل، وقصتها في البخاري عن سهل بن سعد قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل، فلما دخل عليها بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يكسوها ثوبين زارقيين.
فهؤلاء ممن طلقهن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدخول بهن.
وقد طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها، ثم راجعها، روى ذلك أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه قال الصالحي في سبل الهدى والرشاد: وروى ابن أبي خيثمة والطبراني برجال الصحيح عن قيس بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر رضي الله عنهما فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون فبكت وقالت: والله ما طلقني عن شبع، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فتجلببت، فقال لي: قال لي جبريل راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(4/729)
من خصائص نبينا أنه بعث إلى الثقلين.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقال إن الفرق ما بين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وباقي الأنبياء والرسل أنه بعث ليبشر الإنس والجن، كيف ذلك؟ وكيف قد تكون وصلت رسالته للجن؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ... وذكر منها: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة. قال الحافظ ابن حجر: في الفتح: وأما قوله: وبعثت إلى الناس عامة، فوقع في رواية مسلم: وبعثت إلى كل أحمر وأسود، الإنس والجن، وعلى الأول التنصيص على الإنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه مرسل إلى الجميع، وأصرح الروايات في ذلك وأشملها رواية أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم وأرسلت إلى الخلق كافة. انتهى. فهو على هذا مبعوث إلى الجن والإنس. وهذا من خصائصه.
قال النووي بعد أن ذكر الاختلاف في معنى الأحمر والأسود: وقيل الأحمر الإنس والأسود الجن، والجميع صحيح، فقد بعث إلى جميعهم. انتهى.
وأما كيفية وصول رسالته إلى الجن، فقد بينها القرآن، وذلك باستماع بعض الجن للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 3621.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(4/730)
التأسي بلباس الرسول فيه ثواب
[السُّؤَالُ]
ـ[نص السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم هل لبس البنطلون أي السراويل مثل الجين والتوب حرام؟ وهل من لم يلبس الجلباب أو مثل ماكان يلبس الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعل الحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 22943 جواز لبس الرجل للبنطال بشروط فراجعها.
وسبق بيان شروط لبس المرأة للبنطال في الفتوى رقم:
5521 والفتوى رقم: 651 وسبق أيضا معنى الجلباب ووجوب لبسه عل المرأة في الفتوى رقم:
22618.
وأما قولك "وهل من لم يلبس مثل ما كان يلبس الرسول وأصحابه يفعل الحرام" فغير صحيح، لأن اللباس من العادات ولكن لو لبس الرجل مثل ما كان يلبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم تأسيا به، فلا بأس بذلك، ونرجو الله تعالى أن يثيبه على ذلك.
ولمزيد الفائدة عن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم تراجع الفتوى رقم:
24214.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1424(4/731)
عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هن زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة هن زوجاته في الدنيا، وقد ذكرنا عددهنَّ وأسماءهنَّ في الفتوى رقم:
24581.
وله زوجات أخرى من الحور العين لا نعرف عن عددهنَّ شيئًا، ولكن نعرف أن رتبة الأنبياء تفوق رتبة الشهداء، وأن الشهيد يزوج في الجنة اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين. فقد أخرج الإمام أحمد والطبراني من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: إن للشهيد عند الله سبع خصال. فذكر الحديث. وفيه: ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين. إسناده حسن وأخرجه الترمذي من حديث المقداد بن معد يكرب وصححه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(4/732)
يحشر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبر كاته وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع وبعد:
فهل يحشر الناس يوم القيامة على قدم الرسول صلى الله عليه وسلم؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
نعم يحشر الناس يوم القيامة على قدم النبي صلى الله عليه وسلم، روى البخاري في صحيحه عند جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب.
قال الحافظ في الفتح (6/644) : قوله: وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي أي على أثري، أي أنه يُحشر قبل الناس، وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى: يحشر الناس على عقبي. ويحتمل أن يكون المراد بالقدم الزمان، أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر، إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(4/733)
الأدلة على وجوب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
نرجو من السادة العلماء توضيح كيف أن أهل الكتاب كفار جملة وتفصيلا، وبالذات النصارى الذين يدعون أنهم يؤمنون بالله وبالمسيح ولكن لا يؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام لأنه نبي إلى قومه فقط، لأن هذا المعتقد منتشر فى الناس مع ذكر دليل صريح يقنع العوام، ومع خالص التحيه؟ وجزاكم الله خيراً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الأدلة على كفر من لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم سواء كان من أهل الكتاب أو من غيرهم، في الفتوى رقم:
2924، والفتوى رقم: 6828.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1424(4/734)
الذين يروون الأحاديث المكذوبة عن سيد المرسلين ينبهون ويعلمون
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع وبعد فهنالكم من الناس من يقول إنه لولا الرسول صلى الله عليه وسلم لما خلقت شمس ولا قمر ولا لوح ولا قلم، وأن الناس خلقوا من بركته صلى الله عليه وسلم، فهل تجوز معاملة هذا النوع من البشر كمسلمين، وهل هذا شرك، وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل خلق الله على الإطلاق، وقد أثنى الله تعالى عليه في محكم كتابه، وثبت فضله في السنة الصحيحة بما يغني عن ذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والإطراءات الفاسدة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد قال الله عز وجل مخاطباً لنبيه - صلى الله عليه وسلم - (وإنك لعلى خلق عظيم) وقال صلى الله عليه وسلم " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ... إلخ الحديث الطويل.
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الدالة على فضله صلى الله عليه وسلم، وأما الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على الله ورسوله فلا يجوز ذكرها إلا لبيان زيفها ناهيك عن اعتقادها والعمل بها.
ومن أمثلة ذلك (لولاك ما خلقت الأفلاك) وحديث (لولاك ما خلقت الجنة ولولاك ما خلقت النار) إلخ، فهذه الأحاديث وأمثالها موضوعة ولمزيد من الفائدة عنها نحيلك إلى الفتوى رقم 9650
أما من يروي ذلك من عوام المسلمين فينبغي تعليمهم وتنبيههم إلى أن هذه أحاديث مكذوبة، ولا يجوز وصفهم بأنهم غير مسلمين، أو بأنهم مشركون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(4/735)
لا دليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له ظل
[السُّؤَالُ]
ـ[قال أحد الصحابة -رضوان الله عليه- ما رأيت للرسول صلى الله عليه وسلم- ظلا*
كيف تفسر هذا القول مع تدعيم الشرح بتفسير بعض العلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر صاحب سبل الهدى والرشاد نقلاً عن ابن سبع في خصائصه: إن ظله صلى الله عليه وسلم كان لا يقع على الأرض وأنه كان نوراً، وكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا يظهر له ظل.
وروى الحكيم الترمذي عن ذكوان رحمه الله تعالى قال: لم ير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظل في شمس ولا قمر. قال الراوي: معناه لئلا يطأ عليه كافر فيكون مذلة له.
وهذا القول لا نعلم دليلاً ثابتاً عليه من السنة وما دام كذلك فلا يلزم القطع به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1423(4/736)
الزواج بأكثر من أربع نسوة من خصوصياته عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا شرع الله تعدد الزوجات للرسول صلى الله عليه وسلم؟ وسؤالي هذا لأن بعض الرجال يفسرون هذه الرخصة حسب هواهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللرسول صلى الله عليه وسلم من الخصائص ما ليس لأمته، والزواج بأكثر من أربع نسوة أحد هذه الخصائص التي جعلها الله لنبيه دون بقية الأمة، وهذا بأمر الله تعالى، الذي هو منتهى العدل والحكمة، فالله تعالى مالك الملك، وصاحب الشرع، قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] .
كما أن الله تعالى خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم بخصائص انفرد بها عن بقية الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: أعطيت خمساً لم يعطهنَّ أحد قبلي: نصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحلُّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. رواه البخاري
وإذا أردنا أن نتتبع خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته، وفضائل بعض المخلوقات على بعض لضاق عن ذلك المجال.
وقد سبق بيان الحكمة من تعدد زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام في الفتوى رقم: 1570.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1423(4/737)
أفعاله عليه الصلاة والسلام من حيث التأسي وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالحكم الشرعي في الحجامة وهل كل فعل قام به الرسول الكريم يعتبر فعله سنة سواء كان هذا الفعل من العبادات أو من حياته وأفعاله الخاصة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتداوي بالحجامة مستحب، كما سبق في الفتوى رقم: 7756 والفتوى رقم: 3195 والفتوى رقم: 18622
وأما قول الأخ السائل: وهل كل فعل قام به الرسول الكريم يعتبر سنة، سواء كان هذا الفعل من العبادات أو من حياته وأفعاله الخاصة، فهو يستدعي بيان أقسام أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وهي خمسة أقسام:
القسم الأول: أفعاله الجِبِلِّيَّة، كالحركات والقيام والقعود والمشي ونحو ذلك، فهذه الأفعال لا يتعلق بها أمر ولا نهي ولا أسوة به فيها من حيث هي، أما ما يصحبها من صفات زائدة فالتأسي به فيها مندوب.
القسم الثاني: أفعاله الجارية على وفق العادات، كلباسه وطول شعره ونحو ذلك، وهذه الأفعال لا يقال إن متابعته فيها سنة، لأنه لم يقصد بفعلها التشريع، ولم يتعبد بها إلا في أوصاف تلحق بها، كلبس الأبيض ورفع الإزار إلى نصف الساق ونحو ذلك، ولكن لو تأسى به شخص فيها، فإنه يثاب، لأن العادة التي اعتادها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعتبر أحسن العادات وأكملها، فموافقته فيها بنية التأسي به يثاب عليها فاعلها.
القسم الثالث: أفعاله المطلقة التي لا يظهر فيها قصد القربة ولا عدمها، وقد اختلف العلماء في حكم التأسي به فيها على أربعة أقوال:
القول الأول: وجوب متابعته فيها.
القول الثاني: استحباب متابعته فيها.
القول الثالث: إباحة متابعته فيها.
القول الرابع: الوقف بمعنى عدم الحكم بمتابعته فيها ولا عدمه، واستدلوا بأن فعله لما كان محتملاً للوجوب والندب والإباحة مع احتمال أن يكون من خصائصه كان التوقف متعيناً، والذي يظهر استحباب متابعته والتأسي به فيها، ويجاب عما ذكره أصحاب القول بالوقف بمنع احتماله للإباحة، لأن إباحة الشيء بمعنى: استواء طرفيه موجودة قبل ورود الشرع به، فالقول بالإباحة إهمال للفعل الصادر منه صلى الله عليه وسلم، فهو تفريط كما أن حمل فعله المجرد على الوجوب إفراط، والحق بين المقصر والغالي وهو القول بالاستحباب، ويمنع حمل فعله هذا على الخصوصية، لأن الأصل في أفعاله أنها محمولة على التشريع ما لم يدل دليل على اختصاصها به، وحينئذ فلا وجه للوقف.
قال الدكتور محمد العروسي عبد القادر في كتابه (أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام) : وتحرير القول في هذه المسألة أن ما لم يظهر فيه معنى القربة، فيستبان فيه ارتفاع الحرج عن الأمة لا غير، وهذا قول جمهور الأصوليين، واختاره الجويني، وأصل الخلاف في دلالة هذا الفعل الذي لم نعلم صفته، ولم يظهر فيه معنى القربة أنه يتعارض بين أن يكون قربة، وهو الظاهر لأن الظاهر من أفعاله صلى الله عليه وسلم التشريع، لأنه مبعوث لبيان الشرعيات، وبين أن يكون عادة وجبلة، وهو الأصل لأن الأصل في مثل هذه الأفعال عدم التشريع، وأصَّلَ الفقهاء من هذا التعارض قاعدة وهي: إذا أمكن حمل فعله عليه الصلاة والسلام على العبادة أو العادة، فإنا نحمله على العبادة إلا لدليل.
وعللوا ذلك بأن الغالب على أفعاله قصد التعبد بها، ومن فروع هذه القاعدة:
1/ استحباب الذهاب إلى العيد من طريق، والرجوع منه في أخرى.
2/ تطيبه صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بالحج، وتطيبه قبل تحلله الثاني، فإنه سنة لكل حاج. ا. هـ كلامه.
ويدل على رجحان القول بالاستحباب في هذه الأفعال المجردة عموم قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... ) [الأحزاب:21] .
القسم الرابع: أفعاله التي وردت لتخصيص عام أو تقييد مطلق أو بيان مجمل، فحكمها حكمه إن كان واجباً فواجبة، وإن كان مندوباً فمندوبة، كأفعال الحج والعمرة وصلاة الفرض والكسوف وقطع يد السارق من الكوع، ونحو ذلك.
القسم الخامس: أفعاله الخاصة به، وهذه لا أسوة به فيها، كالوصال في الصيام، وجمعه بين أكثر من أربع نسوة، ونكاح الموهوبة بلا مهر، ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1423(4/738)
أزواجه عليه الصلاة والسلام اللاتي كن في الرق
[السُّؤَالُ]
ـ[جاريتان تزوجهما الرسول صلى الله عليه وسلم،فمن هما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان السائل يقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بجاريتين وهما على رقهما؟ فهذا لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ذلك في الإسلام لأحد إلا لمن لم يستطع زواج الحرة وخشي العنت على نفسه.
وإن كان يقصد من تزوج بهن وهن حرائر بعد أن كن في الرق؟ فإن جويرية بنت الحارث المصطلقية كانت من سبي بني المصطلق، وهي بنت سيدهم، فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها. وكذلك صفية بنت حيي بن أخطب كانت من سبي خيبر فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوج بها.
وإن كان يقصد الإماء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسرى بهن أي يطأهن بملك اليمين؟ فقيل أربع: مارية القبطية، وريحانة من بني قريظة، وجارية ثالثة أصابها في السبي، وجارية رابعة وهبتها له زينب بنت جحش.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(4/739)
جواب شبهة حول حديث (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك، أبي الحكم بن هشام، وعمر بن الخطاب.
إذا كان هذا الحديث صحيحا فيترتب عليه الآتي:
- أن النبي يطلب العزة للإسلإم والمسلمين بمشرك. والله يقول:* ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين *
- أن الله يحب المشرك والظلم والظالم:* وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم * وهذا يناقض قول الله:* والله لا يحب الظالمين *
ـ أن الله ممكن أن يحب امرأ ونبيه يبغضه؛ لأن النبي كناه لاحقا بأبي جهل.
ـ أن الله إن أحب شخصا حبب الناس إليه، والقرآن يقول:* قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم *. فكيف كان أبو الحكم على شرك وقد أحبه الله؟
أرجو الإجابة بالمنطق وليس بذكر مصادر ومراجع. وأرجو عدم تحريف المشاركة إلى نقاش مذهبي.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أتي السائل برواية للحديث توضح بعض ما استشكله، فالرواية المشهورة لهذا الحديث بلفظ: اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك.. رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني. وأتى السائل الكريم برواية (أيد) بدل (أعز) وهي بمعناها وتفسرها، فالمراد بالعزة هنا: الظهور والتمكين والنصرة والتأييد. كما في قوله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، كلهم من قريش. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
قال المباركفوري: قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ أَيْ قَوِّهِ وَانْصُرْهُ وَاجْعَلْهُ غَالِبًا عَلَى الْكُفْرِ. اهـ.
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: هو من قبيل قوله تعالى: فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ أي قوينا الرسولين وما أتيا من الدين به.. اهـ.
فليس معنى هذا أن الإسلام ذليل؛ فإن الحق لا يَذِلُّ، وقد قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {التوبة: 33} وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 117884.
وليس في وصف المؤمنين بالذلة فضلا عن الدعاء بإعزازهم، مخالفة لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ {المنافقون: 8} فإن للذلة معان متعددة، وقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ {آل عمران: 123} قال البغوي: وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ جمع ذليل، وأراد به قلة العدد فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فنصرهم الله مع قلة عددهم. اهـ.
وبقلة العدد والعدة فسرها الطبري وابن الجوزي وابن كثير والسعدي وغيرهم، وقال الألوسي: المراد بها عدم العدة لا الذل المعروف، فلا يشكل دخول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخطاب إن قلنا به. وقيل: لا مانع من أن يراد المعنى المعروف ويكون المراد وأنتم أذلة في أعين غيركم وإن كنتم أعزة في أنفسكم. اهـ.
والنصرة والتأييد لهذا الدين ليست خاصة بالمؤمنين، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى قد يؤيد هذا الدين برجل فاجر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. رواه البخاري.
وليس في قوله صلى الله عليه وسلم: أحب الرجلين: أنه يحبهما جميعا فيختار أحبهما، وإنما المراد أفضلهما وخيرهما، فإن الكفر ليس درجة واحدة، وبعض الشر أهون من بعض، والناس معادن كمعادن الأرض، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. رواه البخاري ومسلم.
وقد جاء استعمال أفعل التفضيل في المحبة بين المؤمن والكافر، وولي الله وعدوه، كما في قصة أصحاب الأخدود لما أتى الغلام على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل، فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس.. الحديث، رواه مسلم. وليس معنى ذلك أن الله يحب الراهب والساحر كليهما وأن أحدهما أحب إليه من الآخر. وكذلك دعاء نبي الله يوسف عليه السلام: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ {يوسف: 33} لا يعني أنه يحب السجن ويحب مقارفة الفاحشة، وأن أحد الحبين أشد من الآخر، فليس هناك من شك في كراهته للسجن، ولكن الأمر نسبي.
والحاصل أن هذه الدعوة النبوية الكريمة لا تعني إلا أن يختار الله أفضل هذين الرجلين فيهديه للإسلام ويؤيده به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1430(4/740)
جواب شبهة حول إرادة النبي من صفية ما يريد الرجل من أهله في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكننا الرد على صاحب هذا التعليق مع العلم أننا لا نعرف هل هو مسلم أو غير مسلم:
طواف الإفاضة، 247 - الحديث الثامن. عن عائشة رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر. فحاضت صفية. فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله. فقلت: يا رسول الله , إنها حائض. قال: أحابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله, إنها قد أفاضت يوم النحر قال: اخرجوا. وفي لفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم عقري, حلقي. أطافت يوم النحر؟ قيل: نعم. قال: فانفري. ألا ترون في هذا الحديث حاجة الرجل الهائج الذي لا يستطيع التحكم في نفسه حتى وفى وقت حيض امرأته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الكلام لا يُتصور أن يصدر من مسلم رضي بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، بل هو كلامٌ لا يصدرُ إلا ممن خبثت طويته، وساءت سريرته، فهو أحقرُ وأهون من أن نشتغل بالرد عليه، فلا يضرُ السحاب نبح الكلاب.
ما يضر البحر أمسى زاخرا * ... أن رمى فيه غلامٌ بحجر
ولكننا نجيبُ عن هذا الكلام بما أجاب به أهل العلم، دفعاً لشبهةٍ، وإزالة للبسِ قد يعرض لأحد ممن يسمع هذا الهذيان، فنقول: قد اتفق أهل العلم على أن الحاج إذا طاف للإفاضة حل له كل شيء حتى النساء، فأي حرجٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يبتغي ما أحله الله له، والحديث المذكور ثابتٌ أخرجه البخاري في صحيحه ولفظه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت: يا رسول الله إنها حائض. قال حابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله أفاضت يوم النحر. قال اخرجوا.
ويذكر عن القاسم وعروة والأسود عن عائشة رضي الله عنها: أفاضت صفية يوم النحر.
ومن المقطوع والمجزوم به أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أن صفية قد حاضت، وإلا لما استفهم مستنكراً أنها تحبسهم عن الخروج من مكة حتى تطهر، بل كان صلى الله عليه وسلم، يظن أنها قد أفاضت مع نسائه، وحلت التحلل الثاني، وأنها باقية على طهرها، فلما علم بحيضها كفّ عما كان يريد، وكيف يُتصور أن من أنزل عليه قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ. {البقرة: 222} .
وغضبَ صلى الله عليه وسلم، وتغير وجهه حين استأذنه أسيد بن حضير وعباد بن بشر في جماع الحائض تحقيقا لمخالفة اليهود.أخرجه مسلم.
كيف يُتصور منه أن يهم بما حرمه الله، حاشاه صلى الله عليه وسلم، ولقد كان الذروة العليا في امتثال أوامر الله، كيف لا وهو القائل: أما إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية.أخرجه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله مزيلا الإشكال عن قول عائشة رضي الله عنها: فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله:
وهذا مشكل، لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف يقول أحابستنا هي؟ وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني؟ ويجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان بانيا على أنها قد حلت، فلما قيل له إنها حائض جوز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن فزال عنه ما خشيه من ذلك، والله أعلم. وقد سبق في كتاب الحيض من طريق عمرة عن عائشة أنه قال لهن: لعلها تحبسنا، ألم تكن طافت معكن؟ قالوا: بلى. انتهى.
والواجب على كل مسلم أن يعتقد طهارة النبي صلى الله عليه وسلم ونزاهته من كل سوء، وأن من أراد النيل منه، والحط من رتبته الشريفة فهو إنما يطلب مُحالا، وحاله كحال من يريد إطفاء نور الشمس بفيه، أو ستر شعاعها بيده، فلم يُستر ضوؤها إلا عن عينه العمياء، وتبقى الشمس على حالها تنفع الناس، وتغمرهم بضيائها، وتعمهم بسناها، فاللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1430(4/741)
جواب شبهة حول قتل دريد بن الصمة ومن أنبت من بني قريظة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشايخنا الكرام، كنت أود أن أستفسر من حضارتكم، هل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم نهانا عن قتل المدنيين من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ؟
إن كانت الإجابة بنعم، فكيف أمر بقتل من أنبت من بنى قريظة بجانب قتل المحاربين منهم (الحديث) والله تعالى يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى.
وأمر بقتل دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ ولم يثبت على قدر علمي أنه كان ذا رأي فى قومه أم لا حتى يقتل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان.
وفي الموطأ عن عبد الرحمن بن كعب أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان، قال فكان رجل منهم يقول برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح فأرفع السيف عليها ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكف ولولا ذلك استرحنا منها.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن راشد بن سعد قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والذرية والشيخ الكبير الذي لا حراك به.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن قتل الوصفاء والعسفاء.
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم: أرسل رجلا إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه وقال له: قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: 2701.
وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة.
فهذه الأحاديث تفيد النهي عن قتل كل من أمن المسلمون من ناحيته من امرأة أو شيخ فان أو أجير أو صبي، وأما من قاتل أو دعم المقاتلين برأي أو غير ذلك فيقتل كدريد بن الصمة والقرظية التي قتلت رجلا.
قال صاحب عون المعبود: (لا تقتلوا شيخا فانيا) أي إلا إذا كان مقاتلا أو ذا رأي، وقد صح أمره عليه السلام بقتل دريد بن الصمة وكان عمره مائة وعشرين عاما أو أكثر وقد جيء به في جيش هوازن للرأي قاله القارىء …. (ولا امرأة) أي إذا لم تكن مقاتلة أو ملكة. اهـ.
وقال الطحاوي في مشكل الآثار: فالنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الشيوخ في دار الحرب ثابت في الشيوخ الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب من قتال ولا رأي وحديث دريد على الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب كما كان لدريد فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتلون لأن تلك المعونة التي تكون منهم أشد من كثير من القتال ولعل القتال لا يلتئم لمن يقاتل إلا بها فإذا كان ذلك كذلك قتلوا والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رباح أخي حنظلة في المرأة المقتولة ما كانت هذه تقاتل أي فلا تقتل فإنها لا تقاتل فإذا قاتلت قتلت وارتفعت العلة التي لها منع من قتلها وفي قتلهم دريد بن الصمة للعلة التي ذكرنا دليل على أنه لا بأس بقتل المرأة إذا كانت أيضا ذات تدبير في الحرب كالشيخ الكبير ذي الرأي في أمور الحرب فهذا الذي ذكرنا هو الذي يوجبه تصحيح معاني هذه الآثار وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أصحاب الصوامع …. فلما جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك قتل أصحاب الصوامع الذين حبسوا أنفسهم عن الناس وانقطعوا عنهم وأمن المسلمون من ناحيتهم دل ذلك أيضا على أن كل من أمن المسلمون من ناحيته من أمرأة أو شيخ فان أو صبي كذلك أيضا لا يقتلون. اهـ.
وأما قريظة فقد ثبت في الحديث قتل مقاتلتهم وترك ما سواهم، فقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة، لكنهم نقضوا العهد وتمالؤوا مع المشركين في غزوة الخندق، فلما رد الله كيد الأحزاب ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته، ونزع عنه لباس الحرب، أتاه جبريل عليه السلام، وأمره أن يسير إلى بني قريظة ثم حكم فيهم سعد بن معاذ فقال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية والنساء، وتقسم الأموال، ففي الصحيحين -وهذا لفظ مسلم -: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح فاغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، اخرج إليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين؟ فأشار إلى بني قريظة، فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد (بن معاذ) قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية والنساء، وتقسم أموالهم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى ذات الرقم التالي: 13988.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(4/742)
رؤية الأفلام المسيئة للإسلام بين الجواز والمنع
[السُّؤَالُ]
ـ[في المدة الأخيرة قمت برؤية فليم الفتنة الذي قام النائب الهولندي بإخراجه، مع العلم رأيته عن طريق الفضول (فقط) الطلب هل هناك ذنب قمت به؟ مع جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاطلاع على مثل هذه الأفلام من باب الفضول لا يسوغ للمسلم العادي لما يُخاف عليه من انطلاء الشبه الواردة في الفيلم فيزيغ، ولذا كان السلف ينهون عن مجالسة أهل الزيغ والضلال والابتداع، وعن قراءة كتب أهل الكتاب.
وأما من كان متسلحاً بالعلم الشرعي ولا يُخاف عليه بإذن الله من التأثر بالباطل فإن اطلاعه من باب الفضول لا يليق، وأما إطلاعه بنية معرفة الشر ليرد على ناشره فهو مشروع لما فيه من نصر النبي صلى الله عليه وسلم ودينه، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75780، 75466، 14742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(4/743)
جواب شبهات حول مسائل من السيرة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[السيد الفاضل سمعنا كثيراً من بعض أعداء الدين عن الجدال حول مدة حمل السيدة آمنة بنت وهب بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن أن الأحاديث ذكرت أن سيدنا جعفر بن أبى طالب كان أكبر من النبى عليه الصلاة والسلام بالرغم من زواج عبد الله وأبي طالب بليلة واحدة وكثيراً من الحجج والخرافات، وحيث إن هذا الموضوع من الأهمية بمكان لأن نرد عليه الرد الوافي المثبت الصحيح فأرجو منكم وفقكم الله أن تفيدونا فى ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحمل آمنة بنت وهب بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيه أمر لافت سوى أنه كان حملاً خفيفاً، جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد: قال أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال حدثني علي بن يزيد بن الله بن وهب بن زمعة عن أبيه عن عمته قالت: كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به آمنة بنت وهب كانت تقول: ما شعرت أني حملت به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء، إلا أني قد أنكرت رفع حيضي وربما كانت ترفعني وتعود. وأتاني آت وأنا بين النائم واليقظان فقال هل شعرت أنك حملت فكأني أقول ما أدري، فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها وذلك يوم الإثنين، قالت: فكان مما يقن عندي الحمل. ثم أمهلني حتى إذا دنا ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد. قالت: فكنت أقول ذلك فذكرت ذلك لنسائي فقلن لي تعلقي حديداً في عضديك وفي عنقك، قالت: ففعلت: قالت: فلم يكن ترك علي إلا أياماً فأجده قد قطع، فكنت لا أتعلقه، قال وأخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: قالت آمنة: لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته. انتهى.
ولو كانت فترة حمله غير طبيعية لنقلت إلينا كما نقلت أخبار حمله وولادته وغيرها من أموره، وأما ما ذكرته من أن جعفر بن أبي طالب كان أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من زواج عبد الله وأبي طالب في ليلة واحدة، فهو غلط ولعلك تقصد ما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى من: أن آمنة بنت وهب.. (كانت) في حجر عمها وهيب بن عبد مناف بن زهرة فمشى إليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بابنه عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب عليه آمنة بنت وهب فزوجها عبد الله بن عبد المطلب وخطب إليه عبد المطلب بن هاشم في مجلسه ذلك ابنته هالة بنت وهيب على نفسه فزوجه إياها فكان تزوج عبد المطلب بن هاشم وتزوج عبد الله بن عبد المطلب في مجلس واحد.. انتهى.
والاحتجاج بتقدم سن حمزة على سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد عارضته روايات أخرى تفيد معاصرة حمزة للنبي صلى الله عليه وسلم ورضاعتهما معاً في ثويبة بلبن ابنها مسروح، ويدل لذلك ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من أنه: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين أنت يا رسول الله من ابنة حمزة أو قيل ألا تخطب بنت حمزة بن عبد المطلب قال إن حمزة أخي من الرضاعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1428(4/744)
جواب شبهتين حول أمية سيد المرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً لموقعكم الكريم في الإجابة على سؤالي السابق وأرجو منكم مرة أخرى الإجابة على هذا السؤال حيث يدعي بعض النصارى أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يكن أمياُ وذلك في بعض المناقشات التي خضتها مع بعضهم فأرجو توضيح ما يلي وذلك حسب أسئلتهم المشككة أن الله سبحانه وتعالى كان يعلم أن نبينا كان أمياً فعندما نزلت الآية الكريمة "اقرأ باسم ربك الذي خلق " ورد الرسول على جبريل عليه السلام بـ ما أنا بقارئ على حد قولهم إن هذا إنكار في الإسلام لمعرفة الله سبحانه وتعالى بأن نبينا أمي فكيف يقول له جبريل عليه السلام اقرأ وهو يعلم أنه أمي وقد جاءوا بهذا الحديث كحجة لهم "عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد.
فأرجو ردكم الكريم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوصف النبي صلى الله عليه وسلم بكونه أميا حقيقة ثابتة بنصوص محكمة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الحقيقة لا يمكن أن تنفيها أو تكدر صفوها دعاوى مغرضة أو شبهات زائفة تأتي من هنا أو هناك، ويشيعها بعض من أشربت قلوبهم بالباطل والضلال من النصارى أو غيرهم، وإننا ننصح هؤلاء بالتفكر فيما في كتبهم من الضلال البين والخطأ الواضح في كثير من عقائدهم ليرجعوا إلى الحق بدلا من توجيه جهدهم للطعن في الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام، وحالهم في هذه المحاولات كحال من قال فيه القائل:
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وأما بخصوص ما ورد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة فليس فيه نفي لعلم الله السابق بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب، وبيان ذلك أن بعض أهل العلم قد حمل الأمر بالقراءة على أنه ليس من باب الطلب، وإنما تنبيها للنبي صلى الله عليه وسلم للتيقظ لما سيلقى عليه من كلام الله عز وجل، وعلى هذا فالأمر واضح. وذهب آخرون إلى أن الأمر على بابه من الطلب، ووجه هذا الطلب ما قاله الطاهر ابن عاشور في تفسيره " التحرير والتنوير " حيث قال: والأمر بالقراءة مستعمل في حقيقته من الطلب لتحصيل فعل في الحال أو الاستقبال، فالمطلوب بقوله:" اقرأ" أن يفعل القراءة في الحال أو المستقبل القريب من الحال، أي أن يقول ما سيملى عليه، والقرينة على أنه أمر بقراءة في المستقبل القريب أنه لم يتقدم إملاء كلام عليه محفوظ فتطلب منه قراءته، ولا سلمت إليه صحيفة فتطلب منه قراءتها، فهو كما يقول المعلم للتلميذ: اكتب، فيتأهب لكتابة ما سيمليه عليه. اهـ.
وأما حديث عائشة المذكور فمحمول على أحد وجهين: الأول: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يأمر من يكتب، ونسبة الفعل إلى الآمر به ثابتة، ومن ذلك قول الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا {الزمر 42} هذا مع أن ملائكته هي التي تباشر الفعل. وعلى هذا الوجه فلا إشكال. والوجه الثاني: أنه أراد أن يكتب بنفسه، وهذا مما استدل به بعض العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم قد مكنه الله تعالى من تعلم الكتابة بعد أن بعث أميا. وهذا لا ينافي أصل بعثته أميا في أمة أمية. ويمكنك مراجعة تفصيل هذه المسألة بالفتويين: 28870، 78544.
وننبه إلى الحذر من التصدي لمحاورة أهل الباطل إلا من قبل من له قدم راسخة في العلم يستطيع بها دحض شبهاتهم. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 29347.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1428(4/745)
شبهات داحضة حول الإسلام وجوابها
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهدت مرة بقناة تلفزية برنامجا, كان يتهم فيه الرسول صلى الله عليه وسلم , كأن يقال عن أمه أنها كانت ربما متزوجة أكثر من رجل كما كان في الجاهلية, وأن تاريخ الإسلام ليس بصحيح, فمثلا لا يعرف أكان حمزة أكبر من محمد صلى الله عليه وسلم أم العكس. أرجو منكم تبيين هذا الأمر وإيقاف قناة الحياة عند حدها؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أنه ما من علم يتعلمه الإنسان إلا وحصلت به فائدة إلا العلم المشتمل على الإلحاد أو السحر والشعوذة فهما ضاران يضران قلب الإنسان ويوقعانه في الأمراض الفتاكة ومنها مرض الشبهات، وقد حذر أهل العلم العوام من الاطلاع على كتب أهل الكتاب لئلا تنطلي عليهم الشبهات الموجودة بها، وقاس المعاصرون على ذلك ما تبثه القنوات الإلحادية الفاجرة، فيتعين على العامة البعد عن نظرها وسماع ما ينشر فيها، ولا يجوز ذلك إلا للمختصين الذين يريدون الرد على تلك الشبه ومقارعة أهلها بالحجج الدامغة، وأما المسلم العامي فعليه أن يصرف من وقته في تلاوة كتاب الله ومطالعة كتب الترغيب والترهيب وكتب السيرة والأخلاق والرقائق، ولا يضيع وقته في فضول النظر للقنوات الفاسدة والمواقع المنحرفة.
وقناة الحياة هذه من أخطر القنوات فيتعين على المسلم حجبها لئلا تفسد عليه عقيدته وعقيدة عياله.
وأما ما ذكر عن أم النبي صلى الله عليه وسلم فهو من أعظم أباطيلهم وليس عندهم ما يفيد إثبات هذا الأمر أو يوهمه إلا عموم ما كان في بعض الجاهلية من أنواع النكاح، وأهل الجاهلية لم يكن عندهم تعدد الأزواج للمرأة الواحدة، وإنما كان عند بعض السفلة من النساء استقبال مجموعة من الرجال من دون زواج فإذا ولدت ألحقت ولدها بمن تختار منهم، ولم يكن هذا الأمر معروفا عند أشراف العرب ولا سيما نساء قريش، ويدل لعدم وجود الزنى في أشراف النساء من قريش ما ثبت عن هند بنت عتبة أنها قالت حين بايعها النبي صلى الله عليه وسلم بيعة النساء وشرط ألا يشركن ولا يزنين..الخ، قالت هند أو تعلم في نساء قومك من هذه الهنات والعاهات شيئا. والحديث رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي، وقد دل لبراءة أم النبي صلى الله عليه وسلم من السوء ما ثبت في الحديث: ولدت من نكاح لا من سفاح. فالمراد بالحديث هو النكاح الصحيح المعروف كما قال صاحب جواهر العقود عند كلامه على أنكحة الجاهلية.
وأما إطلاق القول بأن تاريخ الإسلام غير صحيح فهو إطلاق باطل بلا شك فإن أغلب من كتبوا في تاريخ الإسلام القديم علماء أجلاء ثقات منهم ابن الجوزي، وابن كثير، والطبري وغيرهم، وأما ما كتبه المستشرقون فلا يستغرب أن توجد به الأباطيل لأنهم يتعمدون الدس والتشوية للتاريخ الإسلامي.
وأما حمزة فهو أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم كما نص عليه ابن حبان في الثقات، ولا مانع في الأخوة في الرضاعة بين أن يكون الأخوان في غير سن واحدة، فثويبة قد تكون أرضعت حمزة مع أحد أولادها وأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم مع ولد آخر، وهذا لا ينفي كونهما أخوين من الرضاعة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 57436، 58813، 56322، 63031.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1427(4/746)
جواب شبهة حول قرابة خولة بنت حكيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أناشدكم الله أن تجيبوني:
هناك من يدّعي أنّ خولة بنت الحكيم خالة النبي، ويعتمد في قوله هذا على ما ورد في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة وحجاج قال حدثني شعبة قال سمعت عطاء الخراساني يحدث عن سعيد بن المسيب أن خولة بنت حكيم السلمية وهي إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتغتسل، وبعد هذا يأتون ويقولون إنّ النبي صلى الله عليه وسلّم تزوّج من خالته.
نريد تفنيد هذه الشبهة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخولة بنت حكيم السلمية كانت ممن وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم وأرجأها النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أرجأ، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم.. قال ابن حجر: قوله بنت حكيم أي ابن أمية بن الأوقص السلمية وكانت زوج عثمان بن مظعون وهي من السابقات إلى الإسلام وأمها من بني أمية.
ورواية أحمد في مسنده وفيها أنها من خالاته صلى الله عليه وسلم فيها وهم والصواب أنها خالة سعيد بن المسيب كما في الروايات الأخرى الصحيحة، ومنها ما أخرجه الدارمي في سننه قال: أخبرنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا شعبة عن عطاء الخرساني، قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: سألت خالتي خولة بنت حكيم السلمية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم فأمرها أن تغتسل، قال الشيخ حسين أسد: إسناده صحيح. قال إسحاق بن راهويه في مسنده: ما يروى عن خولة بنت حكيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو يعقوب فكانت إحدى خالات سعيد بن المسيب.
فليست خولة من خالاته صلى الله عليه وسلم، وعلى من زعم ذلك أن يثبت خؤولة خولة بنت حكيم السلمية له صلى الله عليه وسلم، فنسب خولة معلوم ونسب آمنة بنت وهب معلوم أيضا، كل ذلك مسطر في كتب السيرة والتاريخ، قال ابن حبان في الثقات: وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ولم يكن لها أخ فيكون خالا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا عبد يغوث بن وهب، ولكن بنو زهرة يقولون إنهم أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت منهم، وأم آمنة بنت وهب اسمها مرة بنت عبد العزى وأمها أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي وأمها برة بنت عوف هؤلاء جدات رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أم أمه.
وأما خولة بنت حكيم فأمها ضعيفة بنت العاص بن أمية بن عبد شمس، وهي خالة سعيد بن المسيب فأمه نسيبة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي أخت خولة وهو الذي روى عنها ذلك الحديث، فصرح بعض رواته بتلك الخؤولة كما في رواية الدارمي فحصل وهم من أحد الرواة فقال "إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم " فأدرج تلك العبارة خطأ. وعلى فرض صحتها وأن الراوي قصد معناها فتحمل الرواية على أنه قصد الخؤولة البعيدة، فخولة من أخواله صلى الله عليه وسلم لأبيه نسبا وحينئذ فلا إشكال، وقد رد بعض أهل العلم على هذه الشبهة فقال: اختلف أهل العلم في ذلك فجعل بعضهم أن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة أخرى ليست خولة بنت حكيم ولكن هذا مردود برواية البخاري وغيرها من الروايات التي تبين أن خولة هي بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون، وهي من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس القصد بأنها أخت لوالدته وإنما هي من أخواله لأبيه نسبا. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج7/ص83:
قوله: (وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم) أي لأن أمه آمنة منهم وأقارب الأم أخوال. انتهى
وعلى هذا فخولة ليست من خالات النبي صلى الله عليه وسلم أي أخوات أمه، وإنما هي من أخواله بني زهرة لكنها خالة سعيد بن المسيب الذي روى عنها الحديث. ولسنا بحاجة إلى الإطناب في ذلك لأن المسألة لا يتحاكم فيها إلى العقل وكثرة الحجج وإنما إلى التاريخ والأنساب وقد تبين ذلك.
ولكن ننبهك أيها السائل الكريم إلى أن الخوض مع المضلين في شبههم التي يتلمسونها من القرآن الكريم وكتب السنة المطهرة وشريعتنا الغراء لا ينبغي إلا لمن رسخت قدمه في العلم وقلبه في اليقين والفهم لأن الشبهة قد تقع موقعها منه فلا يستطيع دفعها لقلة علمه أو سوء فهمه وهي واهية تافهة هزيلة ساقطة أوهن من بيت العنكبوت لو عرضت على أهل العلم. قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا {النساء:83}
وقد بينا خطورة الخوض في الشبه ومجادلة أصحابها دون علم في الفتويين رقم: 6069، 56402.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1427(4/747)
شبهة في السيرة النبوية وجوابها
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت في قناة "الحياة" -لم أعرف وقتها أنها قناة تبشيرية مسيحية- هدفها الأول هو سب الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم. وكان الحديث في البرنامج عن كتاب سيرة "ابن هشام" الجزء الثالث ص 217، وورد فيه أن الرسول-صلى الله عليه وسلم- قد أمر الزبير بن العوام بأن يعذب رجلاً أو امرأة تعذيباً شديداً (لم أعرف السبب) . وبدأوا في سب الدين الإسلامي وقالوا إنه دين وحشي....إلخ. ما أريد أن أعرفه هو التالي: أولاً: ما هي تلك الواقعة الواردة في كتاب "سيرة ابن هشام". ثانياً: إلى متى سنظل صامتين على تلك التجاوزات المستفزة والتي تشوه الدين الإسلامي في نظر العالم أجمع؟ أرجو الرد. جزاكم الله خيراً على ما تقدموه من خدمات للدين الإسلامي والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على المسلمين أن ينصروا دين الله تعالى ويتعلموه وينشروه، ويتعلموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وينصروها ويذبوا عنها، وعليهم أن يدعوا الكفار إلى الله تعالى ويجادلوهم بالتي هي أحسن، ويردوا الشبه التي تمنعهم من اعتناق الإسلام، ويبينوا لهم بالأدلة النقلية والعقلية بطلان ما هم عليه من الأباطيل والاعتقادات الفاسدة.
وليعلم أن الاطلاع على القنوات الفاسدة التي يستخدمها أهل الباطل لنشر أباطيلهم وفجورهم لا يجوز للمسلم العامي لئلا تنطلي عليه شبه أهل الضلال، وإنما يسوغ الاطلاع عليها للمسلم الواعي العارف بدينه الآمن من التأثر بما ينشره هؤلاء إذا كان ينوي جدالهم ومقارعتهم بالحق والرد عليهم ودفع ما يوردونه من الشبه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 75466.
وأما قصة الزبير فلعلهم يريدون بها ما روى ابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم فغلب على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ويخرجون منها، فاشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبروا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عصمة، فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم حيي ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير فقال أذهبته النفقات والحروب، فقال صلى الله عليه وسلم العهد قريب والمال أكثر من ذلك فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير بن العوام فمسه بعذاب، وقد كان حيي قبل ذلك قد دخل خربة، فقال قد رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في خربة.
قال الشوكاني في النيل: قوله فمسه بعذاب فيه دليل على جواز تعذيب من امتنع من تسليم شيء يلزمه تسليمه وأنكر وجوده إذا غلب في ظن الإمام كذبه، وذلك نوع من السياسة. اهـ.
ومن المعلوم أن يهود خيبر كانوا يؤلبون على النبي صلى الله عليه وسلم وينفقون أموالهم في المحادة لله والرسول، وقد شرط عليهم في الصلح أن لا يكتموه ولا يغيبوا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عصمة فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير فسأل عنه عمه فكتمه، فلما كتمه أمر الزبير فمسه بالعذاب حتى أقر بالخبر ودله على مكانه.
وهذا من حسن معاملة الرسول للناس فهو نبي الرحمة ونبي الملحمة كما في حديث ابن حبان، وهذا من محاسن الدين الإسلامي فهو دين رحمة وتيسير وفيه حزم وصرامة مع العدل عند التعامل مع أهل الظلم والغدر، فإنه مع ما تقرر من فضيلة العفو عن المسيء والصفح عنه الذي عمله النبي صلى الله عليه وسلم مع كثير من الناس إلا أنه لا ينبغي أن يخرج ذلك عن حد الاعتدال حتى يدرج المتسامح في صف المغفلين والسذج، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لست بالخب والا الخب يخدعني، والخب هو المخادع الغادر.. وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: أنه كان في الأسارى يوم بدر أبو عزة الجمحي فمن عليه رسول الله بلا فدية واشترط عليه أن لا يقاتله، فلما أسر يوم أحد قال يا محمد امنن علي لبناتي وأعاهد أن لا أقاتلك، فقال رسول الله لا أدعك تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعت محمدا مرتين ثم أمر به فضربت عنقه، وذكر بعضهم أنه يومئذ قال رسول الله: لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين. اهـ
فلا شك أن عقوبة المجرم الغادر بكتمه لمال قد يستعمل في محادة الله ورسوله أولى من مسامحته فيغدر ويستعين به على قتال المسلمين، ويا عجبا من قوم يتطاولون على نبي الرحمة وواقعهم المعاصر والقديم يشهد بتعذيبهم البرآء ومطاردتهم لهم، وخبراؤهم ومفكروهم وقادتهم الدينيون ساكتون، فهل في المسلمين من معتبر وذي عقل سليم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1427(4/748)
الزعم بأن النبي أول خلق الله ظاهر البطلان
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال دائما عند ذكر رسول الله عليه الصلاة والسلام [الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله] فما المقصود بأول خلق الله إذا كان آدم عليه السلام هو أول خلق الله من البشر فكيف يكون الرسول عليه الصلاة والسلام هو أول خلق الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول خلق الله بمعنى أنه أول من خلق الله قول باطل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر من ذرية آدم عليه السلام، وقائلو هذا يستندون إلى حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، هو: أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر.
ويمكن الاطلاع على أقوال أهل العلم في هذا الحديث الموضوع في الفتوى رقم: 7389.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1423(4/749)
اليهود هم الذين يقولون بنجاسة الحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم..
بعد الدعاء لكم بالتوفيق لجهودكم فسؤالي عن عدة نقاط وأرجو الإجابة عليها بشكل واضح جزاكم الله خيرا:1 -قبل أيام دخلت في نقاش مع أحد النصارى والذي كان يتهم الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الرحمة وادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بعد حصار اليهود في موقعة خيبر قام بتعذيب الأسرى وقتلهم واستدل بحديث ادعى أنه من صحيح البخاري وقال إنه مذكور في الحديث أنه (أقامهم في الحرة وسمرت أعينهم)
وقد سمعت بهذا الحديث من قبل ولكن سؤالي هو هل هذا الحديث ورد في يهود خيبر وإذا كان كذلك فهل عذبهم الرسول فعلا وإن فعل فلماذا؟
وهل هو حديث صحيح أصلا أم لا وكيف نرد على من ادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس برحيم وأنه اتهم المرأة بأنها نجس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حاصر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر في السنة السابعة من الهجرة، وذلك لدورهم السيئ في تحريض الأحزاب ضد المسلمين، وإثارة بني قريظة على الغدر والخيانة، واتصالهم بالمنافقين المتآمرين. وما ذكر محاورك النصراني من أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بتعذيب الأسرى وقتلهم كذب، وإنما قتل النبي صلى الله عليه وسلم كنانة بن الربيع، حين خالف بنود الصلح وأخفى كنزاً عنده لبني النضير، فقال صلى الله عليه وسلم: " أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟ " قال: نعم. فلما وجد المسلمون الكنز أمر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بقتله. وأما حادثة سمل الأعين فليست في هذه الغزوة قطعاً، وإنما هي في العرنيين الذين قتلوا رعاة الإبل واستاقوها.
وحديثها صحيح أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا، فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فارتدوا وقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا" وقد فعل بهم صلى الله عليه وسلم هذا الفعل لأنهم كانوا قد فعلوا ذلك بالراعي، فكان قصاصا: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) .
وأما القول بنجاسة المرأة ونسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو من الكذب البين.
فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فمي. فهذا الحديث صريح في إباحة أكل الحائض وشربها مع زوجها، وأن لعابها طاهر، وأن الحيض لا يجعل الحائض ولا شيئاً منها نجساً. واليهود هم الذين يقولون بنجاسة المرأة في الحيض. روى مسلم عن أنس أنه قال: إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت (أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد) فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) فقال صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" فبين هذا الحديث الصحيح أن معنى الآية أي:اعتزلوا وطأهن ولا تقربوه. وما سوى ذلك من المؤاكلة والمجالسة والسكن في بيت واحد فكل ذلك مباح.
وأما القول بأنه صلى الله عليه وسلم ليس برحيم فهو من الافتراء والكذب للطعن فيه صلى الله عليه وسلم، وليست هذه القضية جديدة في ساحة العلاقات بين المسلمين وغيرهم، بل هي قضية متلازمة مع الحركة الإسلامية في كل زمان ومكان، فقد قام أعداء الدعوة الإسلامية في مهدها الأول -وهم مشركو قريش - بوسم الرسول صلى الله عليه وسلم بكل الصفات السلبية، وبعد انتقال الدعوة إلى المهد الثاني وهو: المدينة المنورة حمل لواء العداء لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيه الشبهات والمطاعن لها أعداء الدعوة الجدد وهم: اليهود والمنافقون.
وقد دافع الله تعالى عن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال آيات القرآن الكريم ورد كل الشبهات والافتراءات بأبلغ الردود، وفندها بأوضح البراهين والحجج.
وللرد على أنه صلى الله عليه وسلم ليس برحيم، يقول تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء:107] وسيرته صلى الله عليه وسلم مع أهله والمسلمين من حوله، بل ومع خصومه من كفار قريش والمنافقين في المدينة دالة على اتصافه بالرحمة والرأفة والإحسان. وحسبه صلى الله عليه وسلم موقفه يوم الفتح، وقوله لصناديد قريش: " اذهبوا فأنتم الطلقاء".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1422(4/750)
الرد على من زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم غدر بكعب بن الأشرف اليهودي وأمثاله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقف الشرع من الغدر؟
وبما أن الجواب سيكون بأن الغدر حرام، فما قولكم في قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لرجلين من اليهود غدراً دون قتال مهما كانت الأسباب، فقد قتل أحدهم على فراشه أمام زوجته والآخر غيلةً من صاحب له من قبل؟ وهل يجوز هذا الفعل من رسول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدر، وهو سيد الأمناء الأوفياء.
وقتل من استحق القتل لا يسمى غدراً.
وبيان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل كعب بن الأشرف اليهودي، وذلك لنقضه العهد، فقد ضاق صدره بانتصار المسلمين في غزوة بدر، فانبعث يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ويمدح عدوهم، ويحرضهم عليهم، بل ركب إلى قريش، وجعل ينشد الأشعار، يبكي فيها على أصحاب القليب من قتلى المشركين، يثير حفائظهم، ويذكي حقدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعوهم إلى حربه. ولما سأله المشركون: أينا أهدى سبيلاً؟ فقال: أنتم أهدى منهم سبيلاً، وأفضل.
ثم رجع إلى المدينة، فجعل يُشبب في أشعاره بنساء الصحابة، ويؤذيهن بسلاطة لسانه أشد الإيذاء، وحينئذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله.
وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم مع أبي رافع سلام بن أبي الحقيق، فقد نقض أبو رافع العهد، وخرج إلى قريش يحرضهم على غزو النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدهم بالنصر، فخرجت قريش لغزوة الأحزاب، فلما نصر الله المؤمنين في الأحزاب، ورد كيد كفار قريش، كان لابد من معاقبة هذا اليهودي الخائن، وردع أمثاله من اليهود.
ولا شك أن كثيراً من اليهود لم ينقضوا العهد في ذلك الوقت، ومحاولة قتل ذينك اليهوديين علانية باستدعائهما، وإقامة حكم الله عليهما تعني وقوف اليهود معهما، واندلاع الحرب بينهم وبين المسلمين، فكان من الحكمة أن يقتلا منفردين.
ولقد أذعن اليهود لهذا الأمر، ولم يكن منهم مدافع عن القتيلين، لعلمهم بخيانتهما، ونقضهما للعهد، وأنهما لقيا جزاءهما.
وهذا العمل يعد من سياسة النبي صلى الله عليه وسلم وحكمته في التعامل مع من استحق القتل دون إثارة لقومه الباقين على العهد. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1422(4/751)
الرد على من زعم أن الرسول تزوج عائشة رضي الله عنها قبل البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر في حديث في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج أم المؤمنين عائشة وهي ابنة ست سنوات ودخل بها وهي ابنة تسع.. ويدعى أحد النصارى أنه من المشين على الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك باعتبار أن أم المؤمنين عائشة كانت طفلة حين دخل بها وقد رددت عليه بأنها كانت قد بلغت ونزل عليها دم الحيض حين دخل بها الرسول صلى الله عليه وسلم وما مدى صحة هذا القول..؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالثابت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، وزفت إليه أي: دخل بها، وهي بنت تسع سنين، وقد تواترت كتب السيرة على ذلك، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بعائشة رضي الله عنها إلا بعد أن بلغت الحلم، وصارت مهيأة للجماع والمعاشرة، ومما يدل على صحة ذلك انتظار النبي صلى الله عليه وسلم هذه الفترة بين العقد والبناء. انظر على سبيل المثال: فتح الباري شرح صحيح البخاري (7/281) للحافظ ابن حجر: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، والروض الأنف (4/427) للسهيلي، وسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي (11/164) .
كما ننصح السائل الكريم - بعدم مناقشة النصارى، أو غيرهم إلا في القضايا التي يحسنها ويتقنها، حتى لا يشوش ذهنه، أو تدخل عليه الشبهات، فيتأثر بها.
وقد تقدم جواب حول هذا الموضوع برقم: 3729
فليراجع. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1422(4/752)
الرد على من زعم أن النبي عليه الصلاة والسلام خلق من نور
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الرد على من يقول إن النبي خلق من نور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر من ذرية آدم، كما قال الله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) [الكهف: 110] .
وقال: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم ... وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين) [الأنبياء: 7، 8] .
وقال تعالى: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) [الفرقان: 20] .
وهذا في الجواب عن شبهة المشركين، وقولهم فيما حكاه الله عنهم: (مالهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) [الفرقان: 7] .
ومقتضى هذه البشرية أنه يصيبهم ما يصيب البشر من أعراض، فهم ينامون ويقومون، ويصحون ويمرضون، ويتعرضون للابتلاء كما يتعرض غيرهم من البشر، بل هم أشد الناس بلاء.
ومن مقتضى بشريتهم أنهم قد يقومون بالأعمال التي يمارسها البشر، فمن ذلك اشتغال الرسول صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة، ورعي الأنبياء للغنم، وكون نبي الله داود عليه السلام حداداً، ونبي الله زكريا عليه السلام نجاراً.
لكنهم أفضل البشر، اختارهم الله تعالى واصطفاهم وصنعهم على عينه.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة خلقت من نور، وأن الجن خلق من نار، وأن آدم خلق مما وُصف لنا، وهو: التراب، والحديث رواه مسلم. قال الله تعالى: (كمثل آدم خلقه من تراب) [آل عمران: 59] .
فمن زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خلق من نور، فقد زعم أنه ملك، وشابه المشركين الذين استبعدوا واستنكروا أن يكون بشر رسولاً. قال الله تعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا: أبعث الله بشراً رسولاً) [الإسراء: 94] .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم بشر لا ملك، وقد أمره الله أن يصرح بذلك: (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً) [الإسراء 93] .
وليس في القرآن ولا في السنة ما يوجب الخروج عن هذه الحقيقة: أنه بشر من ذرية آدم، وقد خلق آدم من التراب لا من النور.
وقد ذهب بعض أهل الغلو إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور، وأن من نوره خلق الله الأنبياء، والجنة والنار، والعرش والكرسي ... الخ.
وهذا من الكذب والافتراء الواضح البين، مع مصادمته لنصوص القرآن والسنة.
وقد اعتمدوا في ذلك على حديث مكذوب، وهو ما يروى عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال: يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره ... فلما أراد الله أن يخلق الخلق، قسم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الأول السموات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء....الخ.
وكثير من الناس يعرف أول الحديث ولا يعرف آخره، ولو اطلعوا على آخره لما شكوا في بطلانه.
قال الشيخ أبو الفيض أحمد الغماري في كتابه: المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير: (وهو حديث موضوع، لو ذكره بتمامه لما شك الواقف عليه في وضعه، وبقيته تقع في نحو ورقتين من القطع الكبير مشتملة على ألفاظ ركيكة ومعان منكرة) .
وبين السيد رشيد رضا في فتاواه 2/447:
أنه حديث لا أصل له، وقد سبق إلى ذلك السيوطي، فقد سئل عن هذا الحديث، كما في الحاوي للفتاوى جـ1 ص 323، فقال: الحديث المذكور في السؤال ليس له إسناد يعتمد عليه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1422(4/753)
الرد على النصارى الذين يزعمون أن دين الإسلام باطل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة اللة وبركاتة وبعد
فضيلة يوجد لدي بعض الأسئلة التي حصلت عليها من خلال مناقشة تمت بيني وبعض الأشخاص الذين لا يعتنقون الإسلام (من ديانات أخرى) وأريد أن أطرحها عليك وأرجو منكم إرسال الإجابة بأسرع وقت ممكن وجزاكم الله خيرا..
1- كيف يمكن لي أن أقنع غير المسلمين بأن الدين الإسلامي هوالدين الحق وأنهم على باطل؟ كيف يمكنيي ذلك مع العلم أنهم مسيحيون؟ وهل ترشدني إلى بعض أسماء الكتب لتساعدني على إقناعهم؟
2.هل صحيح بأن رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) قام بالزواج من نسائه لكي يشفق ويعطف عليهن ولماذا قام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالزواج من اكثر من اربع زوجات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن صدق الدين الإسلامي، وكونه من عند الله تعالى أرسل به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم خاتماً به الرسالات السماوية حقيقة لا تقبل التشكيك، ولا ينكرها بل لا يرتاب فيها ولا يشك من له أدنى ذوق سليم، وفكر خال من التعصب غير مغطى بحجب العناد والجحود، فالعاقل المفكر ذو البصيرة لا يحتاج في ذلك إلى دليل. (متى احتاج النهار إلى دليل) ؟.
ومن أبى من أعداء الإسلام من نصارى ويهود إلا الاستكبار وكتمان الحقائق، والتغطية عليها جريا على عادتهم، وتمشياً مع طبائعهم الملتوية، فليرجع إلى "الكتاب المقدس" كتابه الذي يثق فيه، ويزعم سلامته من التغيير والتبديل، وليبحث فيه فسيجد البشارات المتكررة بمحمد صلى الله عليه وسلم، جاء ذلك في سفر التثنية، وورد في سفر التكوين، وهذه البشارات يجيء بعضها مشيراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها مشيراً إلى الكتاب الذي أنزل إليه، وبعضها إلى الجهاد، وبعضها يشير إلى مكة المكرمة، وبعض هذه البشارات أورده المسيح عليه السلام بأمثال مضروبة كما نقلتها الأناجيل.
فإن لم يقتنع هذا الخصم المعاند بما في الكتاب المقدس، فليرجع إلى القرآن العظيم، وليتأمل فيما انطوى عليه من الإخبار عن الحوادث الآتية في المستقبل، ثم وجدت في الأيام اللاحقة كما أخبر، كقوله تعالى: (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين) [الفتح: 27] .
وقوله: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً) [النور: 55] .
وقوله تعالى: (الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) [الروم:1-4] .
فإذا لم يفد فيه ذلك شيئاً فليقل لنا: من أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار القرون السالفة، والأمم الهالكة؟ ومن أنبأه بما جرى بين الأنبياء وأممهم؟ وبين موسى عليه السلام وبني إسرائيل؟ ونوح وقومه؟ ويوسف وإخوته؟ ومن المعلوم أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، نشأ بين قوم أميين لا يعرفون إلا عبادة الأصنام، أو ركوب الخيل، ورعي الأغنام والإبل، ولم يشتغل بالمدارسة مع العلماء، ولا بالمجادلة والاحتكاك مع العلماء، ولم يغب عن قومه غيبة يمكن له فيها التعلم من غيرهم.
إن كل واحد من هذه الأمور سيكفي بمفرده في الدلالة على صدق الإسلام، وأنه من عند الله تعالى، وهذا قليل من كثير جداً، ومن أراد الإطلاع على المزيد من هذا الموضوع، والتوسع فيه، فليرجع إلى كتاب مختصر إظهار الحق للعلامة الشيخ رحمه الله ابن خليل الرحمن الكيرافوي الهندي، فقد أفاد وأجاد ـ رحمه الله- وذكر الأدلة الكافية الوافية لبطلان كل من خالف الإسلام، وأن جميع كتب أهل الكتاب مليئة بالاختلافات، والتناقضات، والأغلاط والتحريف ـ الشيء الذي يفقدها صفة الوحي والإلهام. وقد طبعت هذا الكتاب ونشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بولة قطر، والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية.
ثم إننا نحن المسلمين لو لم يكن عندنا من البراهين والأدلة على صدق ديننا، وبطلان ما خالفه، إلا اعتراف الخصم وإقراره ضمنا بصدقنا وكذبه هو، وانحرافه لكفانا ذلك.
وتوضيح ذلك أن النصارى يقولون: إن الحق والطريق المستقيم هو في اتباع عيسى عليه السلام والإيمان به، وكذلك يقول اليهود عن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ونحن نؤمن بموسى وبعيسى وبغيرهما من الأنبياء، ونشهد أن موسى رسول الله وكليمه، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، بذلك أمرنا ربنا عز وجل في كتابه الكريم فقال: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ... إلى قوله: لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) [البقرة: 136] .
ونعتقد أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وديننا خاتم الأديان السماوية، وأن كتابنا جاء مصدقاً للكتب السماوية قبله ومهيمنا عليها.
وأما السؤال: لماذا قام النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج بأكثر من أربعة؟
فالجواب: أن ذلك لأمور تشريعية وأسباب إنسانية، والعجب كل العجب من أقوام ينكرون على النبي صلى الله عليه وسلم تزوجه باثنتي عشرة امرأة كانت تحته منهن عندما توفي تسع نسوة، لم يكن منهن بكر غير عائشة رضي الله عنها.
ويكفي في الرد على مثل هذا ما ذكره أحد العلماء من أنه التقى بأحد المستشرقين فقال له المستشرق كيف تحترمون رجلا تزوج بتسع نسوة، فلم يشرح له العالم أسباب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدد، لأن هذا قد أعماه التعصب والحقد، فقال له وهل تحترمون أنبياء التوراة؟ قال: نعم. قال وهل تحترمون داود عليه السلام؟ قال: نعم. قال وهل تحترمون سليمان عليه السلام؟ قال: نعم. قال فإن داود كان له تسع وتسعون امرأة وأكملهن مائة، وسليمان كان له 300 زوجة و 700 جارية فلم يحر جوابا وسكت الحاقد.
وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة لزواجه ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: ما قبل الزواج.
فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ في بلاد حارة وهي بلاد العرب، والشباب والفتيان في هذه البلاد يبلغون الحلم مبكراً، وتكون عواطفهم فوارة وشهواتهم جامحة، فيبادرون إلى الزواج المبكر أو ينحرفون وراء شهواتهم المحرمة ينالون منها ما يطفئ ظمأهم.
ومع نشأة النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه البلاد وهذا المجتمع، فقد سلم صلى الله عليه وسلم من هذه الأوضاع، ومكث حتى الخامسة والعشرين من عمره دون زواج ولم يعرف عنه أي انحراف، كما يعترف المستشرق (موير) فيقول: "فإن جميع المراجع متفقة على أن النبي صلى الله عليه وسلم في شبابه كان مطبوعاً بالهدوء والدعة والابتعاد عن المعاصي التي كانت قريش تغترف منها".
المرحلة الثانية: مرحلة الزوجة الواحدة.
قبل زواجه صلى الله عليه وسلم عمل في التجارة للسيدة خديجة رضي الله عنها ذات الحسب والشرف، والتي كانت تكبره بخمسة عشر عاماً، ولمست منه الأمانة في التعامل، والعفة وطيب الشمائل، بعثت إليه تعرض الزواج منه، وتم هذا الزواج، وكان له منها الأولاد، إلا إبراهيم الذي كان من مارية المصرية. وعاش معها حتى توفيت رضي الله عنها، وقد تجاوز صلى الله عليه وسلم الخمسين من عمره، ولم يدر بخلده يوما أن يتزوج عليها وقد كان التعدد سائدا ومعروفاً، بل بقي وفيا لها ولذكراها يتحدث عنها وعن مكارمها، مما كانت تغار منه بعض نسائه.
المرحلة الثالثة:
حزن النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة لما توفيت حتى سمى هذا العام عام الحزن حتى أشفق عليه أصحابه، فبعثوا إليه خولة بنت حكيم زوج عبد الله بن مظعون تحثه على الزواج، فقال لها من بعد خديجة؟ قالت: عائشة بنت أبي بكر وهو أحب الناس إليك. قال: ولكنها صغيرة، قالت: الصغيرة تنضج، قال: ومن لبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تنضج قالت: سودة بنت زمعة أرملة السكران بن عمرو توفي عنها بعدما عاد من الهجرة إلى الحبشة وتركها بين أهله المشركين، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما سمع الناس بأمر هذا الزواج أيقنوا أنه إنما ضمها رفقا بحالها وشفقة عليها وحفظا لإسلامها، لأنها كانت مسنة غير ذات جمال ولا مطمع للرجال فيها، وأبقى عليها زوجة واحدة مدة أربع سنوات حتى كبرت عائشة، وهذا دليل على أن التعدد الذي حدث بعد الرابعة والخمسين من عمره صلى الله عليه وسلم لم يكن لشهوة ولا للذة وإنما لأسباب إنسانية وسياسة حكيمة ولأمور تشريعية، وأما حفصة بنت عمر رضي الله عنه، فقد استشهد زوجها خنيس بن خذافة السهمي في غزوة بدر وهي في الثامنة عشرة معرضها أبوها على أبي بكر فلم يجبه، فعرضها على عثمان وكانت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجة عثمان قد ماتت فأعرض عن عمر، فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو صاحبيه أن أحداً منهما لم يجبه بشيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مداويا جراحه ومطيبا خاطره يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عرض عمر رضي الله عنه حفصة دليل على حرص الصحابة على تزويج أرامل الشهداء جبرا لكسرهن وصونا لعفافهن.
والسيدة زينب بنت خزيمة الهلالية كانت أرملة عبيدة ابن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأم سلمة هند بنت زاد الركب أرملة عبد الله بن عبد الأسد ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد في أعقاب أحد، وقد خطبها أبو بكر وعمر فأبت، فلما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذرت أنها غيورة، وأنها امرأة ذات عيال، وأنها مسنة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنك مسنة فأنا أسن منك، وأما الغيرة فسيذهبها الله عنك، وأما عيالك فإلى الله ورسوله، وتم الزواج، وكونه تقدم إليها بعد رفض صاحبيه دليل على انتفاء الشهوة في هذا الزواج أي كان المقصود منه حماية أرامل الشهداء، ورعاية أولادهن.
وهكذا كان سائر زواج النبي صلى الله عليه وسلم مواساة لمن تزوج بهن، وترغيبا لعشائرهن في الإسلام، ولو كان للشهوة مكان في هذا الزواج لما رضي بالمسنات والأرامل، ولكان له في غيرهن طريق آخر، ولم يتزوج امرأة بكراً غير عائشة رضي الله عنها.
ولا يخفى أن قرب أبيها منه، وبذله نفسه وماله لله، وتعرضه في ذلك لكل أصناف المخاطر والتنكيل قد يكون هو السبب الأكبر في زواجه صلى الله عليه وسلم منها، وقد عاشت معه عيشة كريمة، ونقلت عنه كثيرا من أمور الدين لم يكن ليتسنى لها أن تنقل عنه ذلك لو لم تكن زوجة له صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها وعن أبيها وعن سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فتبين من هذا أن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم كان لحكم عديدة اجتماعية وتعليمية وإنسانية وغير ذلك، لا كما يزعمه الحاقدون الأفاكون ـ والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1421(4/754)
الرد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعفى لحيته لعدم وجود حلاقين.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي فيمن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعفى لحيته لعدم وجود حلاقين في زمنه، وبأن اللحية تجعل منظر الإنسان غير جميل؟ وهل هناك صورة للنبي عليه الصلاة والسلام تثبت أنه أعفى لحيته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعفى اللحية لعدم وجود الحلاق قول غير صحيح، لوجود الحلاقة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن أنس قال: رأيت رسول صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر" وفي الصحيحين عن كعب بن عجرة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم محرماً فقمل رأسه ولحيته، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فدعا الحلاق فحلق رأسه " الحديث.
وتأمل هذا الحديث فإنه حلق رأسه ولم يحلق لحيته.
وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحية وأكد ذلك، وهذا الأمر موجه إلى كل رجل إلى قيام الساعة،
ولا توجد صورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنهيه عن التصوير والإنكار الشديد على فاعله. لكن من أراد أن يقف على وصف دقيق له صلى الله عليه وسلم فهذا موجود في كتب السنة والسيرة.
أما قول القائل: لا فائدة من إعفاء اللحية لأنه يجعلك في منظر غير منظم، فهذا منكر من القول عظيم، فإعفاء اللحية واجب بدلائل الأحاديث الصحيحة، فكيف يقال عن أمر واجب إنه لا فائدة فيه، وهل تأتي الشريعة بإيجاب العبث؟! والاستهزاء باللحية أو التنقص منها استهزاء بشعيرة من شعائر الإسلام، وواجب من واجباته، فيخشى على صاحبه الانسلاخ من الإسلام والخروج منه.
والواجب على المسلم أن يمسك لسانه عن القدح في أي أمر من الدين، ولوكان سنة من السنن، فإن عجز عن التطبيق والعمل فليستغفر الله دون اعتراض أو سخرية
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(4/755)
أقسام اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين،
فقد أستوقفني أمر أرجو من حضرتكم التفضل في توضيحه لي إن شاء الله. فقد ذهب معظم علماء السنة إلى اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه كالشافعي والإمام أحمد ويوسف القاضي وأكثر الشافعية كما قال السبكي في الإبهام، بل وقال البعض أنه يخطئ في اجتهاده هذا كما قال أبو إسحاق في اللمع في أصول الفقه. أما السؤال فهو من شقين:
الأول: توضيح ما هية هذا الاجتهاد.
الثاني: وهل على هذا القول لا يمكن الاحتجاج إلا بالقرآن وتكون السنة شأنها شأن فتاوى بقية المجتهدين معرّضة للخطأ والصواب، وأين قوله تعالى: لا ينطق عن الهوى، وقول الرسول: عليكم بسنتي ... جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن الله جل وعلا افترض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما افترض طاعته سبحانه وتعالى، قال عز من قائل: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا) [المائدة: 92] . وجعل المولى تبارك وتعالى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من تمام طاعته فقال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً) . [النساء:80] . وتكون طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنته التي هي وحي من الله تعالى، قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) [النجم:3-5] . روى الإمام أحمد وأبو داود أن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتب فوا الذي نفسي بيده ما خرج مني إلاّ الحق".وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه". وروى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا أقول إلاّ الحق". قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله؟ قال: "إني لا أقول إلاّ حقاً". فإذا تقرر هذا فلنعد لخلاصة السؤال وهي: هل النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد كما يجتهد غيره من الأمة؟ وهل يجري على اجتهاده ما يجري على اجتهاد غيره؟ وللجواب على السؤال نقول: أجمعوا على أنه يجوز له أن يجتهد فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب ونحوها حكى هذا الإجماع سليم الرازي وابن حزم مثل عزمه صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم على ترك تلقيح ثمار المدينة وكذلك مصالحة غطفان على ثلث ثمار المدينة ومنزل الجيش يوم بدر ونحو ذلك. وأما اجتهاده في الأحكام الشرعية والأمور الدينية فقد اختلفوا في ذلك إلى ثلاثة أقوال: الأول: ليس له ذلك لقدرته على النص بنزول الوحي. والثاني: الوقف عن القطع بشيء في هذا وقد زعم الصيرفي في شرح الرسالة أنه مذهب الشافعي لأن الشافعي حكى الأقوال ولم يختر منها شيئاً، فدل ذلك على أنه متوقف وهو اختيار الباقلاني وأبي حامد الغزالي. الثالث: أنه يجوز له أن يجتهد في الأحكام الشرعية والأمور الدينية وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، واحتجوا بأن الله سبحانه خاطب نبيه كما خاطب عباده وضرب له الأمثال وأمره بالتدبر والاعتبار وهو أجلّ المتفكرين في آيات الله وأعظم المعتبرين بها. وإذا جاز لغيره من الأمة ممن هو أهل لذلك أن يجتهد - بالإجماع - مع كونه معرضاً للخطأ فلأن يجوز لمن هو مؤيد بالوحي ومعصوم عن الخطأ أولى. وإذا اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في حكم فإن كان صواباً أقر عليه، وإن كان خطأ لم يقر عليه ونزل الوحي مبيناً ذلك، والأمثلة على ذلك كثيرة منها اجتهاده صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر وأخذه الفداء منهم، فنزل قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض..) [الأنفال: 67] . ونحو اجتهاده صلى الله عليه وسلم في إذنه للمنافقين في التخلف عن عزوة تبوك، فنزل قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) . [التوبة: 43] . فعاتبه على ما وقع منه، ولو لم يكن عن اجتهاده وكان ذلك بالوحي لم يعاتبه. فالحاصل أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الأحكام الشرعية التي لا نص فيها، فإذا أقر على اجتهاده فالواجب اتباعه ولا يجوز العدول عنه بحال وعلى هذا فكل ما ثبت مما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا مرية فيه وهو منزل من عند الله، ومن فرق بينه وبين القرآن في الحجية واتخذ ذلك منهجاً فقد خرج من ملة الإسلام، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(4/756)
حكم الدعوة إلى العمل بالقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم تعليم العمل بالقرآن من قبل معلمي الدراسات الإسلامية وعلماء الدين هل هو واجب أم لا، والدليل الشرعي من المذاهب الفقهية الأربعة أو أحدها الذي يدعم ذلك بمعنى أن يكون مكتوبا ذلك ضمنا في كتب الفقه الشرعي من المذاهب الأربعة وخاصة المذهب الشافعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال غير تام الوضوح، ولعل المقصود منه السؤال عن حكم إرشاد الناس إلى العمل بالقرآن من قبل العلماء وطلاب العلم.
فإن كان هذا هو المقصود فنقول: إن القرآن يأمر بالواجبات وغيرها كالمندوبات والآداب ومحاسن العادات، وينهى عن المحرمات والمكروهات وغيرهما من المذمومات.
والدعوة إلى امتثال فعل ما في القرآن من الواجبات وامتثال ترك ما فيه من المحرمات واجب، ويتأكد ذلك في حق العلماء وطلاب العلم؛ لأن الله تعالى قد أخذ عليهم الميثاق ببيان ما في القرآن، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ. {آل عمران: 187} .
ويتأكد وجوب تعليم أهل العلم الناسَ ما يجب عليهم أن يتعلموه إذا لم يوجد من يسد مسدهم، أو أن يكونوا متفرغين لهذا الأمر ويتقاضون عليه أجرًا من بيت المال، أو أن يتوجه الناس إليهم بطلب بيان الحق، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. {البقرة: 159} . وقال صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار. رواه أحمد وأبو داود.
وأما الدعوة إلى غير ما أشرنا إليه آنفًا مما يشتمل عليه القرآن، فإنه مندوب إليه ولا يجب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1430(5/1)
موقف المسلم ممن ينشرون مواقع فيها إساءة للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من نشر موقعا يوجد فيه إساءات للإسلام، واستهزاء يآيات الله تعالى بإضافة ألحان للقرآن بغرض إلغائه وإيقافه، ف هل تنصحوني بنشر هذه المواقع بهدف الاشتراك، بها لإلغاء كل إساءة، فهل علي إثم في ذلك، ف أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من واجب المسلم النصح لله تعالى ولكتابه ولرسوله ... فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
والذي نراه مناسباً في مثل هذه الحالة النصح لأصحاب هذا الموقع بصفة خاصة إن أمكن ذلك، وإلا فإن الأولى تجاهلهم وعدم الاكتراث بهم أو الرد عليهم، فربما كان في الرد عليهم والتحذير منهم إشاعة لهم وترويج لمواقعهم، وقد قال بعض السلف: أميتوا الباطل بعدم ذكره.
ثم إن الرد على هؤلاء المسيئين -لكثرتهم- يضيع الوقت ويبدد الجهود ويشغل المسلم عن ما هو أهم، ولقد صدق من قال:
لو كل عاو عوى ألقمته حجراً * لأصبح الصخر مثقالاً بدينار.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 105664، 113109، 17797.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1429(5/2)
إنشاء موقع للقرآن وعلومه من الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت أنا وإخوان لي في الإسلام بفتح روم للقرآن الكريم وكل ما يتعلق به من تجويد وتفسير وتحفيظ لكتاب الله تعالى علما بأن الروم هذا قمنا بفتحه ولله الحمد في شات إسلامي بالكامل يعني كل غرف هذا الشات إسلامية وكل روم يختص بشيء فمنها ما يختص بالمحاضرات المباشرة للشيوخ وغيرها.
فهل هذا الروم أو الغرفة القران في الشات الإسلامي حرام؟ وهل يجوز أن نشغل القرآن وندرسه ونحفظ الناس لكتاب الله في هذا الروم الإسلامي.
أفيدونا بارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إذا لم يكن مع القرآن الكريم والأحاديث الدينية ما يشوش عليها أو يتنافى معها فإن هذا العمل مشروع وصاحبه مشكور ومأجور إن شاء الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وسائل التواصل نعمة عظيمة وفيها خير كثير لمن أحسن استخدامها، ولذلك فإن ما قمتم به من تخصيص موقع للقرآن الكريم وعلومه يعتبر من نشر الخير وتعليمه والدعوة إلى الله تعالى بوسائل العصر فنسأل الله تعالى أن يعينكم ويتقبل منكم ويجعلكم من الذين قال عنهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
هذا وننبه إلى أنه إذا كان يدخل على الموقع نساء فيجب أن يكون الكلام معهن مضبوطا بالضوابط الشرعية كما بينا في الفتوى: 30016، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1428(5/3)
التعاون على نشر الخير والدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت إلى صديقة وتعاونا كثيرا فى أعمال الخير واشترك معنا أخوها يبلغ من العمر 18 سنة وهو بالغ وعلى درجة عالية من التدين وهو فى هذه المرحلة يساعدني فى تقويمي دينيا مع حدود الدين التى نعلمها، على الرغم من محاولتي أنا وأصدقائي من فعل هذا التقويم وحدنا، ولكننا لم نعرف الطريق، فهل هذا يخالف الشريعة، أرجو الإفادة؟ أشكركم على الموقع الجيد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أرشد الشرع إلى التعاون على نشر الخير والدعوة إلى الله تعالى، فإن ذلك من أعظم أسباب العون على الثبات على الحق وبث الخير والفضيلة في المجتمع، والأفضل في دعوة النساء أن يقوم بها مثلهن من النساء، ولكن إن وجدت حاجة لأن يقوم الرجل بدعوة النساء وتعليمهن فلا حرج إن شاء الله في ذلك إذا روعيت ضوابط الشرع، من التزام الحجاب وعدم الخلوة، وسدت الذرائع إلى الفتنة، وراجعي للمزيد من الفائدة في ذلك الفتوى رقم: 30695، والفتوى رقم: 65021، ونسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق والتوفيق للخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1426(5/4)
وسائل الخطاب الدعوي والتكنولوجيا الحديثة
[السُّؤَالُ]
ـ[تلعب التكنولوجيا الحديثة وثورة المعلومات دورا مهما في برامج ومناهج التربية الإسلامية (الدعوة الإسلامية) .. كيف يستطيع القائمون على تدريس التربية الإسلامية الاستفادة من هذه الثورة التكنولوجية؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد من الاستفادة الجادة مما حولنا من وسائل مباحة للدعوة إلى الله تعالى، فإن وسائل الخطاب الدعوي ينبغي أن تتطور بتطور العلم التقني لتواكب متطلبات الأفراد، ولتتمكن من الوصول إلى قلوبهم، إذ الجمود على طريقة واحدة يؤدي إلى تأخير استجابة (المدعوين) واتهام الإسلام بالقصور والجمود، ومن أهم هذه الوسائل الإذاعة والتلفاز والمجلات والجرائد والانترنيت، وكل وسيلة من شأنها أن توصل ما في نفس المسلم الداعية إلى نفوس الناس، من برامج تربوية، ومناهج إصلاحية، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125} . وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} . وقد بينا أهمية ذلك في فتاوى كثيرة منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7113، 9584، 21186، 23885، 43622.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(5/5)
أمثل الطرق لدعوة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أارجو بيان كيفية دعوة الرجل المرأة إلى التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الداعي ينبغي له أن يتعرف على مستوى المدعو حتى يخاطبه على قدر مستواه الثقافي والعقلي وعلى قدر فهمه، كما قيل: خاطبوا الناس على قدر عقولهم، فقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم معاذا على حالة أهل اليمن، كما في حديث الصحيحين فقال: إنك تأتي قوماً أهل كتاب....
وفي صحيح مسلم أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
ثم إن النساء في الأغلب تغلب عواطفهن على عقولهن، فحاول استعطاف المدعوة عن طريق الترغيب والترهيب، وذكر مواقف الآخرة والقبور وما فيها من أهوال، وحدثها عن جبروت الله وانتقامه وإحاطة علمه بكل شيء حتى تتربى عندها خشية الله ومراقبته.
ثم حدثها عن نساء السلف وعن التائبات قديماً وحديثاً، وكتب السير والقصص المفيدة -مثل: العائدون إلى الله- مملوءة بهذا، ولا تهمل جانب الإقناع العقلي فإن النساء سريعات التأثر عاطفياً، ولكن الاستقامة قد لا تحصل دون حصول الإقناع العقلي.
هذا وننبهك إلى إن الأولى أن لم تكن المدعوة محرما لك أن تستخدم في دعوتها إحدى نسائك فتعطيها الفكرة، لأن النساء أحسن تفهيماً وإقناعاً للنساء من الرجال، ولأنه أسلم لدينك، ويمكنك استخدام زوج هذه المرأة أو أحد محارمها بعد إقناعه بالموضوع، ويمكنك استخدام الأشرطة والرسائل والكتب أيضاً، ولا مانع عند عدم تيسر ذلك أو كفايته بقيامك أنت بدعوتها مباشرة، مع الالتزام بالضوابط الشرعية وغض البصر والبعد عن الخلوة فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم النساء وأفتاهن.
والأحسن أن يكون ذلك في درس جماعي معلن يقام لنساء الحي ثم تتناول فيه أهمية التوبة، وتذكر مظاهر الانحراف التي تلاحظها على هذه المرأة وغيرها، بطريقة لا توجه فيها لأحد معين وإنما يكون بأسلوب "ما بال أقوام يفعلون كذا"؟
ومن الوسائل المهمة في دعوة النساء أن تحملهن مسؤولية تربية الأجيال كما ربى نساء السلف أبناءهن.
وأن تكلفهن إذا كن مثقفات ببحوث في التربية والاستقامة والتوبة وبعض الأحكام التي تهم النساء، وتكلف الباحثات بإلقاء البحوث في شكل دروس على أخواتهن، ولا بأس بأن تشركهن في دورات خفيفة، حتى يصطحبن في جو إيماني يتدارسن فيه أحكامهن وأمور دينهن، وتذكرهن بأهمية متابعة نساء السلف في التعليم، كما كانت عائشة وغيرها من نساء السلف يعلمن النساء، بل ويعلمن الرجال أحياناً، وراجع للزيادة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8580،
5271،
8657،
36174،
30484،
30695.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1424(5/6)
للدعوة وسائلها وطرقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزميلاتي نريد دعوة الآخرين فما الأعمال التي نفعلها؟ ونريد توزيع الأعمال فما الأعمال التي نعملها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعوة إلى الله من أعظم القربات، قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
وسبقت لنا إجابات عن وسائل الدعوة وطرقها تراجع تحت الأرقام التالية: 19186، 28335، 12803، 13288، 21186.
وفيها غنية وكفاية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(5/7)
لا أفضل من اللين والرفق في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أعيش في أمريكا ويعيش في نفس المدينة التي أعيش فيها خالي، وخالي لا يصلي أبداً وهو صاحب شخصية قوية أي من الصعب إقناعه بالصلاة فما هي الطريقة المناسبة التي تجعلني أنصحه؟
جمعنا الله (عزوجل) وإياكم في جناته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشكر الله لك حرصك على هداية خالك ودعوته لأداء الصلاة التي هي أعظم الأمور وأهمها في حياة المسلم، وهي دليل إيمانه وتقواه وخوفه من الله عز وجل، وفيها سعادته وسكينته في هذه الحياة الدنيا، فمن حرم من الصلاة، فقد حرم من الخير، وصار من الظالمين لأنفسهم، بل لا حظ له في الإسلام، كما قال عمر رضي الله عنه: أما إنه لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة رواه عبد الرزاق في المصنف.
ونقول للأخ الكريم إنه لا أفضل من اللين والرفق في الدعوة إلى الله، لاسيما في مثل البيئة التي تعيشون فيها، ولمثل حال خالك، فترفق به وذكره بالله والوقوف بين يديه في يوم لا ينفعه مال ولا بنون، واستعن بالأشرطة المؤثرة فأهدها إليه، وكذلك قم بزيارته مصطحباً معك من أهل الخير والدعوة من يدعونه إلى الله تعالى، ولا تيأس فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، نسأل الله لك الأعانة، ولخالك والهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1424(5/8)
"بصائر" عنوان جذاب لمجلة إسلامية هادفة
[السُّؤَالُ]
ـ[نقوم بعمل مشروع التخرج وهو عبارة عن مجلة إسلاميه أرجو اقتراح اسم لها يكون خفيفا وجذاباً؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقترح أن تسموها "بصائر" اقتباساً من قوله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [الأنعام:104] . وقوله تعالى: هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [الجاثية:20] .
ومعنى بصائر: أي بينات وحجج ظاهرة يعرف بها الهدى من الضلال والحق من الباطل.
ونوصيكم -وفقكم الله- أن تتحروا في هذه المجلة بيان العقيدة الإسلامية الصحيحة، وما يناقضها من العقائد الضالة والبدع الباطلة، وأن تحرصوا على بيان ما يحتاجه المسلم المعاصر من قضايا تربوية وفكرية وسلوكية، مع ضرورة التنبيه إلى ما يواجهه المسلمون اليوم من أخطار وتحديات، وسبل المواجهة المطلوبة، مع الاسترشاد بأقوال أهل العلم من أهل السنة والجماعة في عرض ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1424(5/9)
من الهداية الأمر بالمعروف واللنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في دولة أوروبية وتوجد جالية عربية ضخمة وأغلبها من الشباب المسلم الضائع وأحاول مع جمع من شباب الصحوة المسلم الإصلاح ونتجالس ونتدارس الكتب الموافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة أما الأمور التي قد نختلف فيها فنردها إلى أهل العلم ونحاول أن نتدارس بعض الكتب المختلفة والمشروحة في العبادات والعقيدة وقد أخبرني أخ لي في الله أن ما نفعله من مجالس من هذا القبيل وما يحدث من زلات في هذه المجالس التي لا بد منها ونحاول ملاحظتها دائما لا يجوز بدون عالم فهل هذا صحيح؟ لا سيما أن هناك آثاراً طيبة جدا ومباركة على شبابنا وقال لي أيضا إننا الآن يجب أن نهتم فقط بأنفسنا نعلمها جيدا لأننا في عصر الفتن مستندا إلى الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا إهتديتم) هل ينطبق علينا الآن معنى هذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاكم الله خيراً على ما تقومون به من الدعوة والاصلاح ونشر الخير، وهنيئاً لكم البشارات النبوية الواردة في حق الدعاة ومعلمي الناس الخير، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 23866، والفتوى رقم: 21061.
ولا يشترط وجود عالم معكم في كل أموركم الدعوية، ولكن يجب أن لا يفصل في أمر يتوقف على حكم شرعي إلا بعد معرفة حكم الله في تلك المسألة من خلال سؤال أهل العلم.
وأما الاستدلال بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105] . على ترك الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو من ضرب النصوص الشرعية بعضها ببعض، ووضع لهذه الآية في غير موضعها، فإن الله تعالى قال في الآية إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ومن الهداية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم، فإن فعل المسلم كل ذلك فلا يضره من ضل.
وانظر الفتوى رقم: 27530، والفتوى رقم: 5380.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1424(5/10)
على الداعي إلى الله أن يلتزم آداب الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق يعرف فتاة غير مسلمة ويريد أن تصبح مسلمة فما النصيحة له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى واجبة على كل مسلم يستطيع أن يقوم بها، لكن يجب على الداعي أن يلتزم آداب الإسلام، ويقف عند حدوده فلا يجوز أن يدعو إلى المعروف بارتكاب منكر، كأن يدعو النساء للإسلام ثم يختلط أو يخلو بهن أو ينظر إليهن، ونحو ذلك.
والأعم الأغلب في من يدعون النساء للإسلام أو الالتزام أن يحصل منهم تجاوز لحدود الله بالوقوع في كلام خارج نطاق الدعوة مما يدعو إلى الريبة والفحش، ولا ينجو أحد دخل هذا المضمار إلا نادراً.
ولذلك فإن نصيحتنا لصديقك أن يتوقى دعوة النساء، فإن السلامة لا يعدلها شيء، وليوكل بذلك أحد محارمه كأخته أو أمه أو عمته، ونحو ذلك.
فإن لم يجد، فليدل الأخت التي يريد دعوتها على مكاتب دعوة الجاليات غير المسلمة، فإن لم يجد فليستخدم معها الكتب والأشرطة وما أشبهها، فإن كان لابد من الكلام معها، فليكن ذلك بحضرة غيره معه ليحصن نفسه من الريب، فإن خشي على نفسه من الفتنة أو على المرأة التي يدعوها، فلأن ينفع المرء نفسه وحدها خير من أن ينفع غيره ويتضرر، ولتراجع الفتوى رقم: 8657.
وليُعلم أنه لا يجوز لأي رجل أن يقيم علاقة مع امرأة أجنبية عنه بصورة غير مشروعة لا يرضاها هو لأخواته ولا لأحد من محارمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1424(5/11)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
زوجة صديق حديثة الإسلام (حوالي 6 شهور) تقوم بالفرائض. ولكنها مازلت تقوم ببعض الأمور التي منعها الإسلام، وهي الاختلاط بصديق قديم بدون زوجها أو محادثته عبر الهاتف لقولها أنه مثل أخيها منذ زمن طويل لأن لا أخ لها. والذهاب للمسابح المختلطة وهذا يشيط الزوج غيظا. فهل يصبر عليها فترة أخرى رغم عنادها أم يطلقها ولا أولاد لهما؟
جزاكم الله كل خير على هذه الخدمة الرائدة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد يسلم الإنسان ولا يخلص الإيمان إلى قلبه؛ كما قال الله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:14)
فبعض من المسلمين حديثي الإسلام لا يكون الإيمان قد تمكن في قلبه.. ولكن مع مواصلة دعوته ومجادلته بالتي هي أحسن يزداد إيماناً وانشراحاً للإسلام وقد يحتاج في ذلك إلى بعض الوقت، فالأولى لصديقك أن يصبر على زوجته حديثة الإسلام - مادامت عفيفة - مع الجد في دعوتها ومنعها بالتي هي أحسن -مما ذكر في السؤال- وتفقيهها في أمور دينها. وله أن يستعين في ذلك بأهل الصلاح والاستقامة ممن لديهم القدرة على المحاورة والإقناع، إلا أن يجد لها خيانة مع هذا الرجل أو مع غيره فلا يجوز له حينئذ أن تبقى معه وهي على هذه الحالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(5/12)
جدير بالداعية إلى الله أن ييأس من دعوة الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريب يقوم بمشاهدة صور خليعة على الإنترنت، وهو من النوع الصعب في الإقناع والتحدث معه
لا يجدي نفعا علما بأننا حاولنا معه مرارا، وللعلم هو يدخن ماذا أفعل، أرجو الرد السريع أنا بحاجة للإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصحك بمواصلة نصح قريبك وإرشاده وتنويع الوسائل والأساليب لهدايته، وإقناعه بترك النظر إلى الصور الخليعة، وشرب الدخان المضر، واعلم أنه لا ينبغي للداعية إلى الله تعالى أن ييأس من هداية الناس، لأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فما عليك إلا الاستمرار في النصح، وتحمل ما يأتيك منه، ولن يضيع الله صبرك، ويمكن أن تطلع على الفتوى رقم: 1671 - والفتوى رقم: 3605.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1423(5/13)
وسائل الدعوة متنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطريقة الصحيحة للخروج في سبيل الله على طريقة الرسول-صلى الله عليه وسلم-؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخروج في سبيل الله عز وجل للدعوة إلى الله تعالى، وتبليغ الدين إلى الناس، وهدايتهم به ليس له طريقة محددة، لأنه وسيلة إلى تبليغ الناس رسالات الله تعالى، ولذا يمكن الداعية إلى الله أن يخرج للدعوة، ويلتقي بالناس في مساجدهم أو في أسواقهم أو في أماكن تجمعاتهم أو يزورهم في بيوتهم أو يقيم مركزاً تعليمياً في بلدهم ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1423(5/14)
كيف تدعو المرأة الكافر الأجنبي للإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زميلي في العمل هو بوذي (لا يعبد الله سبحانه وتعالى) وقد سألني أن أعلمه الإسلام فبماذا أبدأ برأيكم مع العلم أنه لا يتكلم اللغة العربية وهل ممكن أن أقرأ القرآن أمامه باعتباري امرأة وهو رجل أم ذلك لا يجوز أرجو إرسال شرح مفصل عن ما يمكن أن أشرح له؟؟ شكراً جزيلا مقدما]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على هذا الحرص الذي يدل على حبك للإسلام وعنايتك بأمر الدعوة إلى الله تعالى، ولكن يجب عليك أن تعلمى أن التخاطب بين النساء والرجال له ضوابط وحدود لا يجوز تعديها، ولو كان ذلك لأجل الدعوة إلى الله، ومن أهم هذه الضوابط، عدم الخلوة المحرمة بين الرجل والمرأة، وعدم الخضوع في القول، وعدم الظهور أمام الرجال بزينة لا يقرها الإسلام، ولو أنك أيتها الأخت الكريمة بحثت عن رجل من محارمك أو من المسلمين يقوم بدور دعوة هذا الرجل للإسلام لكان خيراً لك وله من مباشرة ذلك بنفسك، حفاظاً على دينك من الضعف، وتفادياً لما قد يحصل من شر لا تدرك عواقبه إلا بعد الوقوع فيها، فإن لم تجدي من يباشر ذلك معه من الرجال، فعليك باللجوء إلى الأشرطة الدينية المسجلة بلغته، وكذلك ترجمة القرآن الكريم والكتب التي تعطي تعريفاً عاماً بالإسلام، وذلك موفور والحمد الله في المكتبات, ومراكز دعوة الجاليات في مختلف البلاد، كما يمكنك الاستفادة من بعض مواقع الإنترنت التي تبث تعاليم الإسلام بلغته، والله نسأل له الهداية والتوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1423(5/15)
السبيل الأقوم لدعوة الأب ونصحه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أشكرك على إجابتك على سؤالي, الرقم (40337)
أبي شخص عصبي وإن كلمناه في موضوع عندما أقوم بنصحه بعدم مصاحبة أصدقائه, ولا نستطيع أن نكلم
أحداً من أهل الخير بشأن موضوعه, ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على متابعة موقعنا، وزادك الله حرصاً على الخير والتزاماً بالشرع، ولتعلمي أن المرء مأمور بفعل ما في وسعه، والهداية بيد الله سبحانه وتعالى، فقد قال عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56] .
والقاعدة الشرعية تقول:" الميسور لا يسقط بالمعسور" فإذا تعسر عليك نصح والدك أو تسليط أهل الخير عليه، فلن تعجزي عن الدعاء له، وإظهار الأعمال الصالحة أمامه بالسلوك عليها ليقتدي بك فيها، ويتحسر على حاله، فقد دعا إبراهيم لأبيه قبل أن ينهاه الله عن ذلك فقال: وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ [الشعراء:86] .
ودعا لذريته الموجودة، والتي لم توجد فقال: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم:40] .
ولعل الله تعالى يتيح لك فرصة طيبة يستجيب فيها والدك، ويشرح الله صدره للحق، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونوصيك بحسن الخلق مع والدك، والنصح له بالحكمة والموعظة الحسنة، فرب كلمة طيبة ألانت قلباً قاسياً، ورب كلمة فظة نفرت منها القلوب اللينة، ولابد من الاحتفاظ للوالد بحق بره وبرعاية مكانته، والله تعالى يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1423(5/16)
واجب المسلم تجاه دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[اذكروا لنا أول جماعة إسلامية ودورها في نشر الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمسلم عليه ألا يشغل نفسه بمثل هذا السؤال، لأنه لا يترتب عليه حكم شرعي، والواجب أن يهتم بمعرفة ما أوجبه الله وما حرمه عليه، وإن كان لا بد من السؤال عن الطوائف والجماعة، فليسأل عن أوصاف الطائفة المنصورة، لأن أوصاف أهل الضلال لا يمكن حصرها أو استيفاؤها، ومن أهم أوصاف أهل الحق:
1- اتباع الكتاب والسنة.
2- ترك الابتداع والابتعاد عن اتباع الأهواء.
3- الأخذ بما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم مما لا نص فيه من القرآن أو السنة.
4- الحرص على الجماعة ونبذ الخلاف والفرقة، حيث يرون الجماعة حقاً وصواباً والفرقة زيفاً وعذاباً.
5- الإيمان بصفات الله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
6- يؤمنون أن الصحابة أفضل الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم والكف عما شجر بينهم، فمن اتبع منهج أهل الحق وسعى في تبليغه للناس فهو داعية الحق المتبع لسلفه الصالحين.
ويمكنك الرجوع إلى كتاب "لزوم الجماعة" لبشير بادي، ونسأل الله لك الهداية والثبات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1423(5/17)
طريقة دعوة الكافر في خضم الخلاف المبني على الاجتهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لي صديق نصراني يريد أن يسلم وهو مقتنع بالإسلام ولكن هو مشتت بين المذاهب أنا أعرف أن السنة هي المنجية من النار ولكني لا أعرف كيف أشرح له ذلك أفيدوني أفادكم الله.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي أن تشرح الإسلام لهذا الرجل النصراني، وأن ترغبه فيه، وأن تعتمد في ذلك على ما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تبين له أن الله سبحانه قد حفظ كتابه، وحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بأن سخر الجهابذة لتمييز الصحيح منها من غيره، وأن على المسلمين أن يرجعوا إلى هذين النبعين الصافيين، وهذا هو سبيل النجاة والعصمة.
وينبغي أن يوجه إلى الدخول في الإسلام أولاً، والإقبال على الله تعالى، وعدم تشتيت ذهنه بالنظر في الاختلافات الموجودة بين المسلمين، أو النظر فيما عليه المسلمون من تقصير وتفريط، فهناك فرق بين الإسلام العظيم بمبادئه السامية وبين سلوك المسلمين وتقصيرهم.
وثمة خلافات بين المسلمين لا يضر وجودها، كالخلاف المبني على الاجتهاد والنظر في المسائل التي تقبل ذلك، مما لا نص فيه ولا إجماع، وهذا كالخلاف بين المذاهب الفقهية مع اتفاقها في أصول الدين.
وهناك خلاف غير سائغ، كمخالفة الفرق لما عليه أهل السنة والجماعة، وإن من سعادة غير المسلم أن يوفقه الله لدخول الدين على رجل من أهل الاعتقاد الصحيح، فاحرص على اقتناء بعض الكتب النافعة المختصرة التي تشرح عقيدة أهل السنة والجماعة، واستعن بها في دعوة هذا الرجل، واعلم أنه لا يجوز مصادقة الكافر ولا مودته، وإنما نحسن إليه ونعدل معه، وندعوه ونرغب في هدايته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1423(5/18)
توزيع المنشورات عن الصلاة دعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ... يؤلمني ما أراه الآن من أحوال المسلمين من التخاذل والتقاعس حتي عن أداء أجمل العبادات (الصلاة) فحاولت أن أفعل شيئا للإسلام فقمت بتصوير بعض أجزاء من الكتب التي أمتلكها والتي تتحدث عن عقوبة تارك الصلاة ونعيم القبر وعذابه وقمت بطبع بعض النسخ وتوزيعها على بعض جيراني ولكني أشعر بأن أحدا لم يهتم حتى بالنظر فيه فهل أحاول من جديد؟ وهل هناك خطأ إن كنت أعطيت نسخة من ذلك الورق لجار لنا في الأربعين من عمره أي هل يستحسن أن أقتصر على النساء فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً لحرصك على هداية الناس وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فنسأل الله أن يكتب لك الأجر والمثوبة، وأن يجعلنا وإياك من الهداة المهتدين.
وإياك واليأس من استجابة الناس للخير، فقد كان يقال قبل أن يسلم عمر: "لو أسلم حمار آل الخطاب لما أسلم عمر بن الخطاب. ولكن الله أراد هدايته وصار عمر الفاروق.
وأساليب الدعوة كثيرة منها المنشورات والكتيبات والأشرطة والدعوة المباشرة وغيرها كثير، ولا بأس أن يشمل توزيعك لهذه المنشورات الرجال والنساء إلا أن الأفضل ألا تباشري إعطاء الرجال هذه المنشورات، وليكن عبر محارمهم من النساء أو زوجك أو محارمك من الرجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1423(5/19)
التوازن والشمولية من مقومات أهل الحق للنهوض بالأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نود أن نشكركم على إجابتكم لنا على السؤال رقم 41325 وجزاكم الله عنا خيرا، وقد أشرتم إلينا بالرجوع إلى بعض الإجابات السابقة والخاصة بهذا السؤال، وقد قمنا بالفعل بالرجوع إليها ولكن لنا بعض الأسئلة الأخرى حول هذا الموضوع:
1 – بالنسبة إلى الفتوى رقم 17713 فهناك سؤال: فما هو الاختلاف بين جماعة الدعوة والتبليغ وبين أهل السنة والجماعة؟
2 – بالنسبة إلى الفتوى رقم 9565 فهناك سؤال: لماذ يؤيد البعض ولماذا يعارض البعض؟ كذلك ما هو الذي يوافق الدليل وما هو الذي لا يوافق؟
3 – بالنسبة للفتوى رقم 5900 فهناك سؤال: نود أن نعرف ما معنى الفقرة التي تقول " وليكن معلوما أيضا أن هذه الجماعات وإن كان قصد أصحابها نصرة الحق والدعوة إلى الالتزام بالإسلام إلا أنها ليست على قدم سواء في سلامة المنهج وشموله لجوانب الإسلام المختلفة والإسلام ليس محصورا في شيء منها.. "
ومن كل مما سبق نود أن نوضح لكم ما الذي تقوم به جماعات التبليغ والدعوة حتى توضحوا لنا ما هو موافق الدليل وما هو المعارض حتى نصل إلى طريق الحق والصواب.
1 – هذه الجماعة تقوم في المسجد الذي توجد به الجماعة بالأعمال الآتية:
أ –) القيام بالشورى (تتشاور في الزيارات لأهل المدينة، من يقوم بالتعليم في هذا اليوم في المسجد، كيف تخرج جماعات 3 أيام أو 40 يوماً أو 4 شهور للدعوة … إلخ من أي موقف أو مشكلة)
ب -) تقوم بالتعليم في المسجد وغالبا ما يكون من كتاب رياض الصالحين كذلك تعليم في البيت.
ج -) يخرجون ثلاثة ايام من كل شهر في أي مسجد من المساجد.
د -) يفرغون وقتاً لله للزيارات يوميا للدعوة يتراوح ما بين ساعتين ونصف أو أكثر أو أقل على حسب الوقت المتاح لدى الأحباب.
هـ –) يقومون بعمل جولة أسبوعية عامة في الطرقات أو المنازل لتذكير الناس بالله كذلك جولة انتقالية لمسجد مجاور وتكون أسبوعية أيضا.
2 – فى حالة الخروج 3 أيام أو 40 يوماً أو 4 شهور أو أي مدة أقل أو أكثر.
أ -) فهم يقومون بالخمسة أعمال المذكورة سابقا لهذه المدد المذكورة أعلاه.
ملحوظة: بالنسبة للمدد 3 أيام أو 40 يوماً أو 4 شهور أنا في اعتقادي وعلى ما قرأت أنا أريد توضيحكم عليه، الثلاثة أيام عندما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا علي رضى الله عنه أن يدعو الناس ثلاثة ثم بعد ذلك يحاربهم، أما الآن فيمكن أن تكون الدعوة أو الحرب كما تعلمون! كذلك يمكن لكونها مدة قليلة ولتكون لاستمرارية العمل والحث على الخروج، أما بالنسبة لمدة أربعين فيوجد حديث إن كان ضعيفا وهو كما يلي (أخرج عبد الرزاق عن يزيد بن أبي حبيب، قال جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أين كنت؟ قال كنت في الرباط، قال كم رابطت؟ قال ثلاثين (أي ثلاثين يوما) قال فهل أتممت أربعين) كذا في كنز العمال 2/288) أما الخروج أربعة شهور لحديث البيهقي عندما أمر سيدنا عمر رضي الله عنه أن ينزل الجيش في فترة لا تتراوح 4 شهور لزوجاتهم (هذا معنى الحديث) وهذا للعلم لتبريري وأنا أطلب التوضيح جزاكم الله خيرا
ب -) هناك آداب وأصول من الإسلام يلتزمون بها وهي:
طاعة الأمير – العمل الجماعي – الصبر والتحمل – آداب المسجد – دعوة الناس إلى الله – التعليم والتعلم – العبادة والذكر – الخدمة – قلة الطعام – قلة النوم – قلة كلام الدنيا – قلة الخروج من المسجد لغير حاجة – يتجنبون الإسراف، (الطمع) ، سؤال الناس , أخذ الشيء بدون إذن صاحبه –
ج -) يركزون على الصفات التي فقدت من المسلمين الآن والتي إذا كانت متوافرة لكان حالنا أفضل بكثير وهذه الصفات هي:
- اليقين بكلمة لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله – الصلاة ذات الخشوع والخضوع – العلم والذكر – إكرام المسلمين – إخلاص النية – دعوة الناس إلى الله والخروج فى سبيل الله.
وهذه بالطبع ليست صفات الإسلام التي يأخذونها ويتركون ما سواها ولكن يأخذون كل ما جاء به الإسلام.
وأود أن أوضح لكم أن هذه الجماعة سمعت عنهم أشياء كثيرة منها، كان هناك شخص لا يصلي الفجر ولا يصلي في المسجد ولا يعرف صلاة قيام الليل ولكن بفضل الله وبسبب الجماعة أصبحت لا تفوته صلاة إلا في الظروف القاسية.
كذلك كان هناك حافظ للقرآن ويعلم الحديث والفقه ولكنه ذهب إلى دولة أوروبية وأخذ يشرب الخمر ويضرب زوجته إلى أن زارته هذه الجماعة وبفضل الله رجع إلى الله وأصبح يدعو الناس إلى الله، وغيرها وغيرها من القصص التي حدثت بفضل هذه الجماعة وبفضل أن هذه الجماعة تتنقل من مسجد إلى مسجد تجتهد بمالها وأنفسها وتنام في المسجد بنية الاعتكاف وتأكل في المسجد وتترك الأولاد والزوجة والمتعة على الفراش وتنام على أرض المسجد لتحيا حياة الصحابة في الدعوة والجهاد في سبيل الله لتقول قال الله وقال الرسول وترد أي مسألة فقهية إلى العلماء ليفتوا فيها، مع العلم بأنني أرى أنه من يريد الحكم على هذه الجماعة أن يخرج معها على الأقل ثلاثة أيام أو أي مدة تناسبه حتى يحس ويشعر بحلاوة التجول على الناس ويتذكر كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتجول ويؤذى من الناس، لأن الكلام النظري والدراسة الأكاديمية جميلة ولكن الحياة العملية شيء آخر، أما الجلسة في المسجد في الراحة وفي النعيم فهذا…!
كذلك يكفي أن تدعو هذه الجماعة وتقول: " اللهم اهد الإنس والجان وخصوصا في صلاة التهجد "
أرجوا أن أكون قد أوضحت لكم الصورة واضحة عن هذه الجماعة حتى تساعدكم على الحكم عليها ونحن في انتظار ردكم الكريم.
مع العلم بأن الجماعة لا تخرج فقط إلى جميع الدول ولكن تركز على ذهاب الجماعات الجديدة إلى الهند وباكستان وبنجلادش لمن يرعب لكي تدربهم على الأعمال فى المساجد.
كذلك أريد أن أعرف من هم المجاهدون ومن هم الدعاة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر الأخ الكريم على تواصله مع مركز الفتوى، ونسعد بأسئلته واستفساراته.
وفيما يخص الكلام على جماعة التبليغ نحب أن نبين أن هذا الموقع ليس معنياً بالكلام على الجماعات والطوائف، وليس هذا مجال تخصصه، فإن الحكم على جماعة حكماً مفصلاً دقيقاً يتطلب الوقوف على منهجها العلمي والعملي، وربما احتاج إلى مخالطتها والسير معها زمناً –كما أشرت في سؤالك- وهذا كله لا يتسع له المجال هنا، كما لا يخفى.
ولهذا، فنحن نحرص على أن نقدم ضوابط عامة في الحكم على الجماعات والعمل بها، مؤكدين على ضرورة الإنصاف والعدل والتحري في الحكم على الآخرين.
ونعتقد أن ما ذكر في الأسئلة السابقة واف بهذا الغرض والحمد لله.
وأما المراد بقولنا: (وليكن معلوماً أيضاً أن هذه الجماعات وإن كان قصد أصحابها نصرة الحق والدعوة إلى الالتزام بالإسلام؛ إلا أنها ليست على قدم سواء في سلامة النهج، وشموله بجوانب الإسلام المختلفة، والإسلام ليس محصوراً في أي شيء منها) فبيانه كما يلي:
1-الأصل المعلوم من خلال الوقوف على مناهج الجماعات الدعوية أنها جميعاً تسعى لخدمة الإسلام، ونصر الحق.
2-هذه الجماعات ليست على درجة واحدة في سلامة المنهج، فمنها من يتبنى بعض الأفكار المخالفة لما عليه أهل السنة الجماعة، كتبني بعض مقالات الأشاعرة والماتريدية، أو بعض معتقدات الصوفية، أو انتهاج نهج الخوارج في استباحة الدماء وغيرها، أو سلوك طريق المرجئة في بعض مسائل الإيمان والكفر، أو اعتماد المنهج العقلاني القائم على تقديم العقل على النص، أو التعسف في تأويل النصوص استجابة لضغط الواقع، إلى غير ذلك من المخالفات التي تشوب مناهج بعض هذه الجماعات.
3- وهذه الجماعات أيضاً ليست على درجة واحدة فيما يتعلق بالشمولية التي عليها الإسلام، فمنهم من جعل همه هو العمل السياسي مغفلاً جانب التربية والتزكية، ومنهم من يهتم بالعمل على حساب الدعوة والعمل، ومنهم من يغفل الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك، ومنهم من يحصر منهجه في الجهاد والإعداد له، ولا شك أن الإسلام شامل لكل هذه الجوانب.
وأن أهل الحق ينبغي أن يتحلوا بهذه الشمولية، وأن يكون لديهم التوازن الذي يمنع من طغيان جانب على حساب الآخر، وليس في الدين جوانب أو مسائل يمكن أن تتخلى عنها أي جماعة من الجماعات إن هي أرادت إقامة الدين كما أمر الله تعالى.
4-وأما قولنا: (والإسلام ليس محصوراً في شيء منها) فهو واضح من خلال ما بعده، وهو قولنا: (وقصارى أمرها أن تكون طرائق في الدعوة وفهم الإسلام، والإسلام حاكم عليها، وأكثر المسلمين لا يتبعون أياً من هذه الجماعات، وفيهم العلماء والدعاة والمجاهدون ... الخ.
فليس الإسلام محصوراً في جماعة الجهاد، أو جماعة التبليغ، أو جماعة الإخوان، وإلا فما هو مصير الفئات الكثيرة التي لا تعرف هذه الجماعات، ولا تنتمي إليها؟!
هذه الجماعات إن هي إلا طرائق للدعوة وإقامة الدين، وفيها الخطأ والصواب، ولا يخلو كثير منها من التعصب المذموم، والتشرذم الممقوت الذي هو أحد عوامل ضعفها، وعدم وصولها إلى أهدافها رغم مرور أكثر من نصف قرن على ظهورها وتكونها.
هذا ما لزم التنبيه عليه، ونسأل الله أن يسلك بك طريق الحق والهدى عملاً بكتابه، وسنة نبيه، واتباعاً لما عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(5/20)
قواعد دعوة غير المسلمين للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة الآيات التي ترشدنا وتعلمنا التعامل مع الكفار ودعوتهم إلى الإسلام وأريد تفسيرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وضع الإسلام قواعد عامة لسبل الدعوة إليه، وطرق الدلالة عليه، وترك للناس بعد ذلك اختيار الوسائل التي توصلهم إلى هذه السبل، بما لا يتنافى مع القواعد التي أرساها، والأسس التي شرعها، ومن أهم هذه القواعد:
1- الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] .
2- الجدال بالتي هي أحسن، قال تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن [النحل:125] . وقال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46] .
3- الصبر على أذاهم، قال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10] . وقال تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17] .
4- استخدام الوسائل النافعة، التي ترغبهم في الإسلام، بشرط عدم مخالفة هذه الوسائل للشريعة، لأن مخالفة الشريعة معصية، والغاية لا تبرر الوسيلة، وراجع في هذا الفتوى رقم:
20397 والفتوى رقم: 19186.
5- عدم اليأس من إيمانهم وإسلامهم، والدعاء لهم بالهداية والصلاح، فقد كان هذا منهج الأنبياء، قال عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه، فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. رواه البخاري وغيره، وهذا لفظ البخاري.
6- التسلح بالعلم الشرعي الذي يجعل الداعي للكفار قادراً على دحض شبههم والتصدي لدعواهم، وقد مضى بيان حكم طلب العلم بشروطه من الفتوى رقم:
18328.
7- أن يظهر لغير المسلمين الإسلام ممثلاً في سلوكه وتعاملاته، فإن الدين المعاملة، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] .
وقد قالت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خلقه القرآن. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
16419.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1423(5/21)
الكتاب والسنة ميزان العمل الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[أي الجماعات الإسلاميه أكثر اقتراباً من الصواب وهل تنصحون بالانضمام إلى جماعة معينة؟
مع جزيل الشكر......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأي جماعة سارت على نهج النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد والقول والعمل والتلقي والاستدلال، ورجعت في تحديد أهدافها ووسائلها وبرامجها إلى الكتاب والسنة وأقوال أئمة وعلماء الأمة فهي الأقرب إلى الصواب.
وعلى المسلم أن يضم جهده إليها ولا يمنعه ذلك من التعاون مع الجماعات الأخرى على البر والتقوى، وأن يحفظ لهم حق الأخوة العامة للمسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(5/22)
كيف يدعو الشاب فتاة للالتزام بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد فتاة مقيمة بالطابق الذي يلينا مباشرة أي فوقنا مباشرة وأريد أن أتزوجها فيما بعد ولكنها غير ملتزمه فهل يجوز أن أكلمها وأدعوها وأعطيها أشرطة وإن كان يجوز ذلك فانصحوني كيف أدعوها وما هي الأشرطة التي يمكن أن تنفعها وتؤثر فيها إن شاء الله مع العلم أنني سوف أبلغ من العمر في الشهر القادم إن شاء الله 19 عاما وهي أصغر مني بعام واحد؟ وجزاكم الله خيرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن استطعت أن تسلط على هذه الفتاة بعض النساء من محارمك أو زوجات إخوانك أو زوجات أصدقائك أو أحد محارمها لدعوتها إلى الالتزام والاستقامة على أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فافعل ذلك، وهو أفضل لا شك وأسلم، ولا بأس بأن تبعث إليها بالكتيبات والأشرطة والمطويات المفيدة النافعة، وإياك ثم إياك من أن يستدرجك الشيطان إلى مباشرتها بالكلام، ولو بذريعة دعوتها إلى الله، فإن اللعين خبيث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1423(5/23)
مواقع جيدة للمسلمين الجدد
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة نصرانية وتريد أن تعتنق الدين الإسلامي فماذا تسمع أو تقرأ لتثبيت هذه الرغبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننبه الأخ السائل إلى أن الصداقة المعروفة اليوم بين الرجل والمرأة لا تجوز لما ينشأ عن تلك الصداقة من المفاسد التي جاءت الشريعة بدفعها، وسد الذرائع المفضية إليها، ولا يعني ذلك قطع الاتصال بهذه المرأة التي تريد أن تسلم.. لكن يكون في حدود ضوابط الشرع.. فلا خلوة بها ولا نظر إلى عورتها، ويكون الحديث معها بقدر الحاجة، وبما يفي بغرض دعوتها إلى الإسلام، والأولى والأسلم أن تعهد بذلك إلى إحدى الأخوات المسلمات، ونبشر الأخ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. رواه البخاري.
أما سؤالك عما تسمع أو تقرأ، فنحيلك على موقع تجد فيه الشيء الكبير الطيب من المسموعات والمقروآت في ذلك، والموقع هو:
www.islamword.net
www.islamway.com
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(5/24)
الخطاب الدعوي القرآني للنصارى خير نهج لدعوتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أدعو نصرانياً إلى الإسلام؟ وكيف أجادله؟
أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأسلوب الأمثل لدعوة النصراني إلى الإسلام هو أسلوب القرآن والسنة النبوية، والذي يتمثل فيما يلي:
أولاً: أن القرآن الكريم جاء مصدقاً لما جاء في الإنجيل ومهيمناً عليه، ومصححاً لما جاء فيه من التحريف. قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة:48] .
ثانياً: عرض القرآن الكريم لمعجزة ولادة المسيح عليه السلام، وأنه خلقه كخلق آدم عليه السلام بكلمة "كن" قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران:59] .
ثالثاً: حقيقة شخصية المسيح وأمه عليهما السلام، كما وردت في القرآن في قوله عز وجل: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَام) [المائدة:75] .
رابعاً: بيان التحريف الذي وقع في الإنجيل، وهو الذي نشأ عن وقوع كثير من الاختلاف بين القرآن والإنجيل في حقيقة المسيح وأمه عليهما السلام، وتأكيد هذا التحريف بما يقع من تناقضات بين الأناجيل المختلفة، للمزيد يمكن مراجعة كتاب: الحوار الإسلامي المسيحي تأليف بسام داود عجك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(5/25)
القدوة الحسنة والتحلي بخلق الإسلام أهم ما يمتلكه الداعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في جامعة فلسطينية كيف أستطيع أن أدعو الطلاب أثناء الدراسة إلى دين الله وما هي الوسائل التي تمكنني من ذلك؟
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم يتشرف بالدعوة إلى الله تعالى، وإلى هذا الدين العظيم الذي شرفه الله تعالى بالانتساب إليه والدعوة له. قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33] .
وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى الله تعالى على بصيرة، فقال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف:108] .
فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم يجب عليه أن يدعو إلى الله تعالى على بصيرة، فعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" رواه البخاري.
والدعوة إلى الله تعالى تكون بكل أسلوب شرعه الله تعالى: من تعليم الناس ما فرض الله عليهم من أمر دينهم، ومن توجيههم ونصحهم بما ينفع في دينهم ودنياهم، وبيان محاسن الإسلام وإصلاحه للفرد والمجتمع، وأنه سبب لسعادة المسلم في الدارين.
ومن أهم وسائل الدعوة أن يتحلى الداعية بأخلاق الإسلام، ويكون نموذجاً وقدوة لغيره فلسان الحال أصدق من لسان المقال.
وقد انتشر الإسلام في كثير من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية على أيدي الدعاة المخلصين من التجار والمهاجرين، كما حدث في شرق آسيا وأفريقيا.
والدعوة اليوم تحتاج إلى شباب مخلصين من الذين وهبوا أنفسهم لله تعالى، وضحوا في سبيلها بكل غال، وبذلوا جهدهم لبيان ما جاء الإسلام به لينقذوا الأمة مما تتخبط فيه من الجهل بالدين والتبعية لأعداء الله تعالى.
والحاصل أن عليك أن تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتجادل بالتي هي أحسن، وتعلم الشباب ما فرض الله عليهم تجاه دينهم وأمتهم، وتبين لهم محاسن الإسلام وما يسعدهم في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(5/26)
من أساليب الدعوة إلى الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي كيف يمكنني دعوة الطلاب للإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهنالك حقيقة كبرى لابد منها لكل من تصدى للدعوة، ترجع إلى الداعية نفسه وهي:
التسلح بسلاح العلم وسلاح الإيمان، علم يدفع به الشبهات، وإيمان يدفع به الشهوات ليكون قدوة في نفسه.
أما أسلوب الدعوة إلى الإسلام، فإنه يتمثل فيما يأتي:
أولاً: التركيز على قضايا الإيمان الكلية، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر.
ثانياً: التدرج بالبدء بالأهم ثم المهم وهكذا، لما ورد في حديث ابن عباس في صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن قال له: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ... " الحديث.
ثالثاً: إبراز محاسن الإسلام من خلال تشريعاته، كالربط بين هذه الحياة ودار الجزاء والحساب، والتكافل والرحمة بين المسلمين.
رابعاً: التركيز على جوانب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، على أن يتم ذلك بقدر دون تكلف.
خامساً: الاطلاع على الشبهات السائدة في تلك البيئة، والبحث عن الردود المناسبة لهذه الشبهات.
وأهم من كل ما تقدم إخلاص النية لله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(5/27)
النصح المخلص وحضور دروس العلم وإهداء الأشرطة والكتب، وسائل للدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل يحق لأبي منعي من أداء صلاة الجماعة في المسجد؟
2-أنا أتعرض يوميا لرؤية الفتيات الغير محجبات وذلك خلال الدراسة فما حكم ذلك؟
3-معظم أصدقائي غير مصلين وذلك لوجود عدد قليل من المصلين في معهدي ولكبر سن المصلين الآخرين. مع العلم أني آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأدعو غير المصلين للدخول في الإسلام. فكيف يجب أن أتصرف معهم؟
4-خلال دراستي أضطر للتعامل مع غير المتحجبات. فهل تعاملي حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فراجع لما يتعلق بمنع الأب ابنه من صلاة الجماعة الفتوى رقم:
3880 والفتوى رقم: 3198 وراجع لما يتعلق بالدراسة المختلطة وحكم النظر إلى النساء والحديث معهن، وضوابط التعامل مع النساء الفتاوى التالية أرقامها:
والله أعلم. 2523 5776 3672 4030
أما بالنسبة لأصدقائك الذي لا يصلون فاجتهد في نصحهم وأمرهم ونهيهم ولا تيأس، وادع الله لهم بالهداية، واهد لهم ما استطعت من الكتيبات والأشرطة التي تذكرهم بالله واليوم الآخر، واصطحبهم معك لحضور المحاضرات وزيارة الصالحين، ووسائل الدعوة كثيرة، فحاول ما استطعت منها، والهداية بيد الله.
ولكن إيكاك من مجالستهم من غير نصح فإن ذلك قد يجعلك تضعف، وترجع إلى الوراء، نسأل الله الثبات لنا ولك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1423(5/28)
التعاون مع كل من يعمل للإسلام مع المناصحة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك فئتان في بلدنا (الجزائر) منها من تدعى بالسلفية والأخرى إخوانية، فما نصيحتكم لنا نحن الشبان؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح الشباب أن يتعاونوا على البر والتقوى مع كل الجماعات الإسلامية التي تنتمي إلى أهل السنة والجماعة، وتنهج منهجهم، وأن يناصحوهم فيما قد يحصل من خطأ، ولكن بالتي هي أحسن.
وأهل السنة والجماعة هم من كانوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم الذين يفهمون الوحي، ويعملون به وفق فهم السلف الصالح لهذه الأمة، فمن كان كذلك فهو منهم، ولا تقدم الادعاءات شيئاً ولا تؤخر، فليس كل من يدعي أنه سني يكون كذلك.
كما لا يجوز عقد الولاء والبراء على أساس المسميات، بل يكون الولاء والبراء على أساس الإسلام والسنة والطاعة.
وللاستزادة يمكن الرجوع إلى الفتاوى:
7881، 5608، 4321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1422(5/29)
تعدد الجماعات الإسلامية لا بأس به ما دامت ملتزمة بالكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تعدد الجماعات الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه أما بعد:
فكل من سعى لإقامة الدين ونشره والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ونشر السنة وتثقيف الأمة، فهو على خير وصلاح، وكل جماعة التزمت منهج أهل السنة والجماعة، وسعت لتحقيق تلك الأهداف فهي على خير وهدى.
وأما الجماعات الدعوية القائمة في هذا العصر فليعلم أن فيها الصواب والخطأ والحق والباطل، حسب قربها وبعدها عن منهج أهل السنة والجماعة. ولا بأس بتعدد هذه الجماعات حسب اختلاف البيئات وتعدد الاختصاصات، ما دامت في إطار أهل السنة والجماعة قولا وعملا، وما لم يؤد ذلك إلى الفرقة والاختلاف، والتحزب المذموم، والعصبية بغير الحق. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/30)
أفضلية العلم أو الجهاد أو الدعوة تحدده الظروف
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي العزيز أيهما الآن هو الواجب علينا أكثر: العلم أم الجهاد أم الدعوة مع بيان السبب إذا سمحتم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل الأمور التي ذكرها السائل - طلب العلم والجهاد والدعوة- هي واجبة على الأمة، ولكن يختلف وجوبها، فقد تكون واجبة وجوبا عينيا على بعض أفراد الأمة، وقد تكون واجبة وجوبا كفائيا على آخرين، وهذا يختلف باختلاف البلدان والأحوال، فإذا هجم العدو على بلاد المسلمين كان الجهاد فيها أكثر تحتما على أهلها، وإذا وجد فيهم من يندفع بقتاله العدو فيبقى وجوب الدعوة وجوبا عينيا على من لا يتحقق هذا الواجب إلا به، وكذا طلب العلم.
والبلاد التي لم يدهمها العدو لكن تكثر فيها المعاصي ويوجد فيها أهل العلم تكون الدعوة فيها أكثر تحتما على أهلها من الجهاد في بلاد أخرى، ومن يعيش في بلد يقل فيه العلم ويكثر فيه الجهل يكون طلب العلم فيه أكثر تحتما على أهله من البلاد التي يكثر فيها العلماء والدعاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1429(5/31)
ثواب من تسبب في هداية شخص ما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي أجر في كوني من أسباب تحجب البنت التي أنوي البناء بها؟ أواصل المحاولة أم أختار غيرها من المحجبات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن من دعا غيره إلى طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وكان مخلصا لله في دعوته فإن له الأجر والمثوبة من الله تعالى سواء استجاب الشخص المدعو أو لم يستجب لأن دعوته في ذاتها طاعة لله تعالى، ثم إن استجاب الشخص المدعو كتب للداعي أيضا أجر استجابته.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدال على الخير كفاعله. رواه الترمذي، وقال أيضا: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. رواه مسلم وأبو داود.
وأما هل تواصل المحاولة؟ فإن كان قصدك هل تستمر في دعوة تلك الفتاة للحجاب أم تبحث عن غيرها فإن علمت أنها مستعدة للاستقامة والاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فاستمر في دعوتها وفق الضوابط الشرعية من عدم الخلوة ونحوها، وإن علمت عنادها وإصرارها على عدم لبس الحجاب فابحث عن غيرها.
وانظر الفتوى رقم: 95155، وعن علاقة الخاطب بمخطوبته نحيلك على الفتوى رقم: 65784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1429(5/32)
نصحتها فأرسلت إليها ألا تكلمها ولا تسلم عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم وجزاكم الله ألف خير.. نصحت فتاة تمشي مع صديق لها تقول إنها تحبه ويحبها وسيتزوجها عندما تكبر، والله تكلمت معها باللين وبرفق وشكرت لها أخلاقها وذكرتها بالله وباليوم الآخر وقصصت لها قصة لفتاة في نفس الموقف وما كانت نتيجتها, في الأول أنصتت إلي وتجاوبت لكلامي لكن بعد يومين بعثت إلي صديقتها تقول إنها لا تريد أن أتكلم معها في هذا الموضوع فلبيت طلبها ثم بعد أيام بعثت فتاة أخرى تقول إنهما قد افترقا ولا تريد أن أتكلم معها بعد الآن ولا حتى أن ألقي عليها السلام, أظن أنني السبب في افتراقهما وهي لم ترد أن تبتعد عنه، هل يجوز لي أن لا أتكلم معها مع العلم أن هذا طلبها، ولا حتى أن ألقي عليها السلام،
وهل أستمر في نصح الفتيات مع العلم بأني استشرت والدتي فقالت لي أن لا أفعل ذلك لأني أدرس في مكان خال وخافت أن ينتقم مني الشبان (الذئاب البشرية) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فعلت ما هو مطلوب منك، ونسأل الله أن يثيبك على هذا، ولا بأس بترك الكلام مع هذه الفتاة حسب طلبها دون هجر، والهجر ينتفي بالسلام، فسلمي عليها إذا لقيتها ولو لم ترد عليك، حتى لا يلحقك إثم هجر المسلم.
ونشير عليك بالاستمرار في نصح زميلاتك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب استطاعتك ما لم يترتب عليه ضرر محقق عليك، فإن خشيت من أن يترتب على أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر ضرر أو مفسدة أعظم سقط عنك وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان، وبقى عليك الإنكار بالقلب، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وانظري للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 73395.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1429(5/33)
ثمرة الدعوة وأهمية عدم تعجلها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تؤتي الدعوة ثمارها؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ثمرة الدعوة على قسمين: ثمرة للداعية وهي أنه يعذر إلى الله بأداء الأمانة، وثمرة في المدعو باستجابته ويمكن للدعوة أن تؤتي ثمارها من هذه الجهة بإتباع الداعية لمنهج الأنبياء في الدعوة إلى الله بمراعاة الإخلاص والصدق والقدوة الحسنة والصبر وعدم تعجل النتائج والاستعانة بالله ... إلى غير ذلك، مع العلم بأن استجابة المدعوين أم عدم استجابتهم ليست من مسؤولية الداعية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن ثمرة الدعوة تكون من جهتين:
الأولى: من جهة الداعي نفسه، وذلك لأن الدعوة مسئولية وأمانة فإذا قام الداعي بهذه المسئولية فقد أبرأ ذمته.
الثانية: من جهة المدعوين: ويمكن للدعوة أن تؤثر في المدعوين وتؤتي ثمارها فيهم إذا اتبع الداعية الأسس المهمة في الدعوة إلى الله، وقد سبق ذكر جملة منها في الفتوى رقم: 21186.
ونذكر هنا بالصبر وعدم تعجل هذه الثمرة، أو ربط عمله في الدعوة بظهور هذه الثمرة فهذا قد تترتب عليه بعض المفاسد ومنها اليأس والانقطاع، وجماع هذه الأسس اتباع منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى، ثم إننا ننبه هنا إلى أمر مهم وهو أن الذي ينبغي على الداعية هو أن يقوم بالدعوة على الوجه الأكمل، وأما استجابة المدعوين أو عدم استجابتهم فليست إلى الداعية، إذ إن هداية القلوب إلى الله عز وجل، ومن هنا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص:56} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1428(5/34)
الحرمان من الترقية بحجة احتساب الأجر عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت في عمل مع جماعة وهذا العمل فيه مناصب وترقيات، لكن على رغم كل جهودي وتعبي لم أنل أي ترقية في حين تم ترقية من هم أقل مني، ولما اعترضت قيل لي احتسبي الأجر لله وهل تعملين للمناصب فإذاً أنت لا تعملين لوجه الله، وكل يوم يتم أكل حقي باسم أني أعمل لوجه الله!! فهل هذا جائز وهل عليهم إثم أكل حقي!! فالله شهيد على جهدي وتعبي نعم لوجه الله، لكن هل يجوز أن يهضم حق الإنسان بحجة أنك تعمل لوجهه سبحانه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الترقية يجب أن تعطى لمن يستحقها، ولا يصح حرمانه بدعوى أن عمله لوجه الله، بل إن من كان عمله لوجه الله أولى بالتقديم على غيره ممن يتساوون معه في الكفاءة والمهارة، ويفوقهم بإخلاصه لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالترقيات يجب أن تعطى لمن يستحقها وحسب قوانين العمل ولوائحه ودون نظر لمن عمله لوجه الله أو عمله لمصلحة ذاتية، فإن أمر النيات مستور في القلوب لا يعلمه إلا الله، وبهذا تعلمين أنه لا يجوز أن تحرمي من الترقية ما دمت تستحقينها بدعوى أن عملك لوجه الله، بل لو صحت هذه الدعوى لكانت أدعى لإعطائك ما تستحقين لا حرمانك منه، فإن من كان عمله لوجه الله أولى بالتقديم على غيره ممن يتساوون معه في الكفاءة والمهارة، ويزيد هو عليهم بإخلاصه لله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(5/35)
مركز الدعوة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو هل مركز الدعوة الإسلامية هو المدينة المنورة أو مكة المكرمة؟ وجزاكم الله كل خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمركز الدعوة الإسلامية هو المدينة على اعتبار أنه انتشر منها, وهي أول دولة إسلامية أنشئت, ومنطلق رسل الإسلام ودعاته الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبائل العرب وملوك الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(5/36)
بذل المرأة وسعها في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في الجامعة أسعى لأن أقدم شيئا للدعوة لكنني غير قادرة أو مؤهلة لهذا الشيء فلا أملك الجرأة المطلوبة ولا أمتلك الأسلوب المقنع،أستسلم بسرعة، حاولت أكثر من مرة من خلال أشياء متعددة ولكن لا فائدة لجأت للقراءة أكثر وأكثر ولا فائدة أحس دائما بالضيق لهذا الأمر أشعر بعدم التوفيق بالدراسة أو أي شيء آخر لأنني مقصرة في حق الله تعالى وفي حق الدعوة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسال الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه وأن يستعملنا في طاعته ويباعد بيننا وبين معصيته إنه سميع مجيب، ونقول لك أيتها الأخت الكريمة إن سعيك في الدعوة وحملك لهمومها دليل على رغبتك في الخير وإن نازعتك نفسك الأمارة بالسوء وثبطك عدوك المتربص بك الدوائر كما هو حاله مع كل من سلك الطريق الصحيح ونهج النهج السوي، قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6}
فلا تلتفتي إلى شيء من ذلك ما دمت تسلكين هذا السبيل إلا أننا ننبهك إلى أن للدعوة إلى الله شروطا وضوابط سيما إذا كانت من النساء بيناها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 40262، 46652، 8580، 17709، 30315. كما ننبهك إلى أن الدعوة إلى الله لا تنحصر في أسلوب أو طريقة معينة كالحديث وإلقاء المواعظ ونحوها، بل لها أساليب وطرق متعددة، من لم يستطع إحداها فإنه يستعمل غيرها وهكذا لأن المواهب مختلفة والقدرات متباينة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وانظري الفتويين: 56214، 18815.
وأما الضيق النفسي والاكتئاب ونحو ذلك مما تشعرين به أحيانا فهو من الشيطان، وعلاجه الذكر وقراءة القرآن كما بينا في الفتاوى التالية: 26806، 32068، 38127.
والفشل في الدراسة أو كثرة المصائب ليست دليلا على كره الله للمرء، كما أن النجاح في الدراسة ووفرة المال والولد ونحو ذلك من النعم الدنيوية ليس دليلا على حبه إياه، ولمعرفة المعيارالصحيح الذي يعرف المرء به محبة الله إياه أو عدمها انظري الفتوى رقم: 56202.
وإذا كنت مقصرة في حق الله فعلا فعليك التوبة والندم وإصلاح ما بينك وبينه بالتزام أوامره واجتناب نواهيه والإكثار من ذكره، وحينئذ ستجدين ثمرة جهدك ونفع عملك فقديما قيل:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
هناك يسمع ماتقول ويقتدى بالوعظ منك وينفع التعليم
وبكثرة قراءة القرآن وذكر الله يطمئن قلبك وينشرح صدرك، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1427(5/37)
فضل وثواب الدلالة على الهدى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من أمريكية وهي متلهفة أن تصبح مسلمة ولكني أجد صعوبة في ترجمة تعاليم الإسلام بالله عليكم ساعدوني بإرسال كتب مترجمة بالإنجليزية تخص الإسلام الصلاة الصوم والحجاب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على هداية زوجتك للإسلام، واعلم أن هدايتها على يدك خير لك من الدنيا وما فيها, فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. أو خير لك من الدنيا وما فيها. متفق عليه عن علي رضي الله عنه.
ويمكنك الدخول على الصفحة الإنجليزية بموقعنا وستجد فيها كل ما تحتاجه لتعريف زوجتك على أحكام الإسلام، في الصلاة والصيام والحجاب وغير ذلك على هذا الرابط
http://www.islamweb.net./ver2/MainPage/indexe.php
ونحثك على الاجتهاد في دعوة زوجتك والسعي في إقناعها بدخول الإسلام، وإحضار كل ما تستطيع من كتب ووسائل أخرى بلغتها، وإذا هداها الله للإسلام فقم بتلقينها الشهادتين ويمكنك تعليمها الطهارة والصلاة عمليا.
وننصحك بالدعاء لها بالهداية فإن الهداية بيده سبحانه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص:56)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1427(5/38)
واجب المسلم القلق من مصير الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال مهم جداً جداً
أريد أن أسأل سؤالا أرجوكم إجابتي عليه، يوجد في العالم ستة مليار من البشر تقريبا، فاذا فرضنا أن المسلمين منهم هم بحدود مليار شخص سيذهب معظمهم إلى الجنة إن شاء الله تعالى، فما هو مصير الآخرين، وهل سوف يدخلون جميعهم إلى النار، بموجب نص الآيات القرآنية باعتبارهم كفارا، وكيف سيحاسبون، أرجو منكم الإجابة على سؤالي الشبهة التي أرهقتني كثيرا وبشكل تفصيلي رجا، ً حيث إن الكثيرين يسألون نفس السؤال وخصوصا المسلمين الذين يسكنون في ديار الكفر ولا يلتزمون بالواجبات الشرعية ويقولون إذا ذهب هؤلاء (يقصد الكفار) جميعهم كما تقولون إلى جهنم فدعني أذهب معهم والعياذ بالله، علما بأنني سألت الكثير من العلماء الأجلاء بخصوص الموضوع وعندي إجابات إلا أنها غير متكاملة؟ مع الشكر الجزيل، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جميع من بلغتهم رسالة الإسلام ولم يؤمنوا بها حتى ماتوا على الكفر سيخلدون في نار جهنم، ويدل لهذا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا {البينة:6} ، وحديث مسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. وراجع فيمن يحتمل عدم سماعه شيئاً عن الإسلام الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3191، 29368، 48406.
وعلى المسلمين الذين عرفوا الإسلام وعرفوا مصير هؤلاء الكفار أن يحولوا قلقهم من مصير الكفار إلى عمل مثمر يفيدهم ويفيد الكفار، فينشطوا في دعوتهم إلى الله وبيان محاسن الإسلام لهم ويحدثوهم عن حياة الآخرة وأهوالها ونعيمها، وأن الإسلام هو الحل الوحيد للظفر بالسعادة بها والأمن من العذاب، وأن يبينوا مثل ذلك لضعاف الإيمان الذين يقولون إذا ذهب هؤلاء إلى جهنم فدعني أذهب معهم.
وعليهم أن يستخدموا في ذلك ما تيسر من وسائل الإقناع العقلي والتأثير العاطفي، فيرغبوهم ويرهبوهم ويحاوروهم ويجادلوهم بالتي هي أحسن، ويصبروا عليهم ويدعوا لهم، ويرسلوا لهم رسائل مسموعة ومقروءة عبر وسائل الاتصال حتى يقرأها الواحد وهو منفرد بنفسه ويراجع نفسه في محتواها.
فإن أعظم ما يكسبه المسلم هو اهتداء شخص على يديه، كما في حديث البخاري: لأن يهدي بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29369، 43329، 46212.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1426(5/39)
المدرس.. وتغيبه عن العمل لغرض الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يترك عمله (مدرس) يومين أو أكثر بحجة أنه يخرج إلى الدعوة وعندما يسأ له مديره عن سبب غيابه يقول إنه يخرج في سبيل الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى على رأس الأعمال الحسنة التي ينبغي أن تصرف فيها الجهود والأوقات. فقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت: 33} . وتختلف الأحكام التكليفية للدعوة باختلاف الأشخاص والبيئات والأحوال والأزمان، فقد تكون الدعوة إلى الله في حق البعض واجبة وجوبا عينيا، وذلك إذا لم يوجد من يقوم بها غيره، وقد تكون فرض كفاية، تسقط عند القيام بها، ممن يصلح لها ويسقط به فرض الكفاية، وذلك بحسب حال الداعي والمدعو، وما يكتنف الزمان من أحوال، وبالنسبة للأخ المسؤول عنه، فإننا لا نرى مانعا من ممارسته للدعوة إذا كان أهلا لها، بشرط أن يكون تركه للعمل في بعض الأيام خاضعا لشروط العقد المبرم بينه وبين جهة العمل، وأن لا يترتب على غيابه ضرر بالطلبة أو غيرهم، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم. رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم، وقوله: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه. وراجع الفتوى رقم: 11774.
ولمعرفة المزيد عن حكم الخروج للدعوة راجع الفتوى رقم: 9565.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(5/40)
الإقامة بديار الكفر بغرض الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أقول لبعض المقيمين هنا في أوروبا إن الإقامة في بلاد غير المسلمين لا تجوز إلا بشروط يعللون إقامتهم بالدعوة، فما هي الشروط الواجب توافرها فيمن يدعو غير المسلمين في بلادهم، وما هي القواعد التي تحدد مدة إقامته وكيفيتها، وهل يترك هذا النوع من الدعوة للمبادرات الفردية أم أن الأصل فيه أن يوكل للدول أو الحكومات أو الهيئات؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجوز الإقامة في بلاد المشركين إلا بشروط مذكورة في الفتوى رقم: 51334 وهذه الشروط في حق جميع الناس سواء كان داعياً إلى الله عز وجل أو تاجراً أو دارساً أو غير ذلك.
وهي في حق الداعي إلى الله عز وجل أوكد، فإنه إن لم يقدر على إقامة شعائر دينه أو كان لا يأمن على نفسه من الفتن فكيف يدعو؟! ولربما جاء ليصلح فيفسد، فتعليل من أشرت إليهم الإقامة بغرض الدعوة لا يسقط تلك الشروط.
ثم إن الدعوة إلى الله عز وجل هي أشرف الوظائف لأنها وظيفة المرسلين، وليس كل أحدٍ يصلح أن يتصدر للدعوة ويخاطر بدينه فيقيم في بلاد الكفر يزعم غرض الدعوة، بل لا بد للداعي أن تتوفر فيه مواصفات الدعاةِ إلى الله عز وجل من العلم بما يدعو إليه والعلم بحال المدعوين والعلم بطرق ووسائل الدعوة، قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ {يوسف:108} ، وقال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} .
فإذا توفرت فيه تلك المواصفات جاز له البقاء وكان ذلك جهاداً في سبيل الله عز وجل، وعمله من أفضل القربات، كما قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ، ولا تحدد إقامته هناك بمدة معينةٍ؛ بل له البقاء ما دام قائماً بهذه المهمة العظيمة وتوفرت فيه شروط الإقامة ومواصفات الدعاةِ إلى الله.
وأما من لم تتوفر فيه شروط الإقامة ومواصفات الدعاة فنقول له:
فدع عنك الكتابة لست منها * ولو سودت وجهك بالمداد.
ولا ينفعه تعلله بالبقاء لأجل الدعوة، وقول السائل "وهل يترك هذا النوع.... إلخ" نقول: لعله ليس من المصلحة الشرعية تقييد أمر الدعوة بالدول والحكومات التي كثير منها في حاجة إلى من يدعوها لتطبيق شرع الله ونصرة دينه؛ بل كل من كان أهلا ً للدعوة فهو مطالب بذلك سواء كان فرداً أو حكومة أو هيئة إسلامية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1425(5/41)
الدعوة إلى الله تعتبر جهادا في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[س1: أنا أنشر الإسلام في الإنترنت عن طريق الدردشات للتذكير فقط بحيث إن علمي قليل وأكتفي بذكر الله وأنواع الأذكار وتذكير الحاضرين. فهل هذا يعتبر جهادا؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن استغل الإنترنت في نشر الإسلام والدعوة إلى الله وبيان الحق فهو مأجور عند الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
والدعوة إلى الله عن طريق الذكر والتذكير للحاضرين تعتبر جهادا في سبيل الله، قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن القرآن: فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً [سورة الفرقان:52] . وفي تفسير فتح القدير: أي جاهدهم بالقرآن، واتل عليهم ما فيه من القوارع والزواجر والأوامر والنواهي ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1425(5/42)
ينصح صديقه لكن امرأته تحول بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق متزوج من كتابية وأنا اجتهدت عليه في الدين فأصبح يصلي ويرتقي في العبادات، ولكن زوجته تحاول أن توقع بيننا بحجة أنني أسعى لخراب بيتها، فهي تكره الدين، فماذا أفعل، هل أبتعد عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في ذلك النصح لصديقك وحملك إياه على الاستقامة، ولا شك أن ذلك من حقوق هذه الصحبة، ونبشرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
وننصحك بالاستمرار في نصحه، وبالقرب منه حتى لا يكون عرضة للفتن، ولا شك أنه ليس بلازم أن يكون ذلك بالإتيان إليه في بيته، بل يمكنك الالتقاء به في أي مكان آخر غير البيت، ما دامت زيارتك إياه في البيت قد يترتب عليها نوع من الضرر، وعليك أن تحذره من أن تفتنه تلك المرأة في دينه أو تؤثر عليه في استقامته، أو تؤثر على أولاده إن كان له أولاد وليعلم أنه المسؤول أمام الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(5/43)
مسائل في قيام المرأة بالدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيله الشيخ ... هل الدعوة إلى الدين فرض عين أم فرض كفايه؟
وهل هي مشروعة للمراة؟
لقد خطبت فتاة جامعية ترتدي الخمار ولها زميلات كذلك ولكنها مشتركة معهن
في ما يشبه الجماعة التي تدعو إلى الالتزام وأمور الدين.. قد تحدث بينهن وبين
حرس الجامعة مشاكل عديدة إلى جانب أنها قد تكذب على أمها بأنها ذاهبة إلى الجامعة
وهي في الحقيقة تذهب إلى أحد بيوت زميلاتها لتدارس أمورهن.
وقد قالت لي صراحة انها ستترك بيتي (بعد الزواج) كل يوم لمدة خمس ساعات
تقريبا كي تذهب إلى البيت الذي عليه الدور في اللقاء (أنا في بيت عائلة) .
كل هذه الأمور جعلتني متحيرا ... أتركها في طريقها هذا؟ أم ماذا أفعل؟
أنا والحمد لله متدين.
فضيله الشيخ.. هل ما تفعله خطيبتي بالأمر المحبب إلى الله فأتركها؟ أم هو
ليس واجباً على المرأة فأناقشها؟
أرجو الإفادة يا فضيلة الشيخ.. وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى واجبة على عموم الأمة، وتجب على كل فرد من المسلمين بحسب استطاعته، وسواء في ذلك الرجل والمرأة، وراجع لمزيد من الفائدة والتفصيل الفتوى رقم: 29987، والفتوى رقم: 23418.
وأما انتماؤها إلى مجموعة تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فهو جائز إذا توافرت في هذه المجموعة الضوابط التي ذكرناها في الفتوى رقم: 4321، والفتوى رقم: 10157.
وأما كونها تكذب على أمها لتذهب لتدارس أمور الدعوة مع النسوة المذكورات، فإن كان في ذهابها مصلحة شرعية، لا تتحقق إلا بالكذب على أمها مثل أن تكون لا تأذن لها إذا علمت الحقيقة، وكان ذهابها ضرورياً ولا تترتب عليه مفسدة، فلا بأس بالكذب عليها، وراجع الفتوى رقم: 39152
أما إذا كانت أمها إذا علمت الحقيقة لا تمنعها، أو كان يمكنها استعمال المعاريض بدلاً من الكذب فلا يجوز لها حينئذ الكذب، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 7758.
وأما اشتراطها ترك البيت كل يوم لمدة خمس ساعات فأمر مبالغ فيه ولا ننصح بالموافقة عليه، لأن ذلك قد يترتب عليه إخلال بما يجب عليها من واجبات زوجية، وقد يعرض حياتكما لكثير من المشاكل، وبإمكانها أن تكتفي بوقت أقل من ذلك بكثير.
علماً بأن هذا الشرط المذكور يلزمك الوفاء به إذا وافقت عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن من أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. متفق عليه.
وننصح بإطلاعها على هذه الفتوى، والفتوى رقم: 42، والفتوى رقم: 2523.
وننبهك إلى أن الخطيب أجنبي عن خطيبته حتى يعقد عليها، فلا يحل له النظر إليها أو الخلوة بها ونحو ذلك، راجع لمزيد من التفصيل الفتوى رقم: 23725.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1425(5/44)
الصبر على نصح المدعوين مع الدعاء لهم بالاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسكن مع شباب من أقربائي لا يصلون ولا يصومون ونصحتهم وهم لا ينصتون إلي، ونحن في بلاد غربه للدراسة، فماذا أفعل؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي لك مواصلة نصح إخوانك هؤلاء ودعوتهم إلى طريق الاستقامة، مع مراعاة الحكمة في ذلك.
ومن الأهمية بمكان التحلي بالصبر في هذا الأمر اقتداء بأولي العزم من الرسل، فقد قال الله تعالى مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35] ، كما بين الله تعالى ما قام به نوح عليه الصلاة والسلام من صبره على دعوة قومه إلى الحق مع عنادهم وابتعادهم عن قبول ما يدعوهم إليه من عبادة الله وتوحيده، حيث قال: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً [نوح] .
فعليك إذاً بالصبر على نصح إخوانك مع الاجتهاد في الدعاء لهم بالاستقامة، عسى الله تعالى أن يوفقهم للهداية فيكون ذلك في ميزان حسناتك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه، وراجع الفتوى رقم: 27688، والفتوى رقم: 5202.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1424(5/45)
الدعوة إلى الله من أفضل العبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي: هل الدعوة إلى الله تعتبر من العبادات، على اعتبار أن العبادة هي كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة؟ ولماذا يفصل بينها وبين العبادة عند وصف هذه الأمة أمة محمد عليه الصلاة والسلام بأنها أمة عبادة ودعوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى عبادة من أفضل العبادات التي يتقرب بها المتقربون إلى الله، ولذلك اصطفى الله تعالى لها من خلقه الأنبياء والرسل، وجعل أتباعهم ورثتهم، فقال عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: العلماء ورثة الأنبياء. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
ولعل الذي يجمع بين العبادة والدعوة فيعطف أحدهما على الآخر، يقصد التنبيه إليها من بين العبادات، فيقول ديننا دين عبادة ودعوة، فيكون من باب عطف الخاص على العام لبيان فضيلته أو مزيته أو تنبيه الناس إليه، كما قال الله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98] .
فقد ذكر جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة، مع أنهما من الملائكة قطعاً، لكنه لما أرادا لتنبيه عليهما خصوصاً ذكرهما منفردين عطفاً للخاص على العام.
وقد يقصد من يقول مثل هذا القول أن يبين لبعض من يعتقد أن الإسلام ينحصر في الشعائر الظاهرة كالصلاة والحج، فيريد أن يبين لهم أن الإسلام أعم من ذلك، فهو يشمل الدعوة وغيرها من شعب الإيمان الكثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(5/46)
فضل دعوة غير المسلمين للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد أسلم بفضل الله قبل كل شيء على يدي 8 فلبينيين، وذلك عند إهداء بعض الكتب لهم وأتيت بعد فترة من الزمن وإذ هم مسلمون، فهل لي أجر مع أني مقصر مع ربي؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأنت مأجور إن شاء الله، ولو كنت مقصرًا في جنب الله، فكلنا ذاك الرجل. قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] ، وقال صلى الله عليه وسلم: لَئَنْ يَهْدِي بَكَ اللهُ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ مِنْ حُمْرِ النعم متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله. رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجُورِ مَنْ تبعه، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، رواه مسلم.
فأبشر أخي الكريم، فإن الله سيكتب لك أجر كل خير سيعمله هؤلاء، واستمر أخي الكريم في دعوة الناس إلى دين الله، وفقك الله وسدد خطاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(5/47)
حكم اخذ الداعية أجرة السفر إلى البلد الذي يدعو فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
داعية يذهب للدعوة في بعض المناطق ويأخذ تكاليف السفر من الأموال الدعوية فهل يجوز له أن يؤدي بعض الأعمال الخاصة به في بعض المناطق التي يذهب للدعوة فيها والتي ذهب إليها على نفقة الدعوة؟ وهل إذا أخذ الداعية أو طالب العلم أجرة السفر إلى البلد الذي يذهب للدعوة أو التعلم فيها هل يعتبر بذلك يأخذ أجرا على الدعوة أو على تعليم العلم الشرعي أم لا يعتبر؟
جزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الداعية إذا ذهب على نفقة المؤسسة الدعوية فلا ضير في أن يؤدي بعض المهام الخاصة به هو، إذ الممنوع أن تنفق تلك الأموال في غير ما خصصت له، أو تكون البلدان التي يسافر إليها الداعية ليست هي الأولى بالدعوة، وإنما اختارها ليحقق أغراضه الخاصة فقط. فإذا انتفى كل ذلك فلا مانع من أن يقوم هو بتسوية بعض أموره التي لا تنافي مهمته، فالله تعالى أباح التجارة لمن ذهب لأداء فريضة الحج. قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] .
وعن السؤال الثاني: فإن الداعية وطالب العلم إذا أخذ أي منهما أجرة السفر إلى البلد الذي يدعو أو يتعلم فيه، فإن ذلك لا يعتبر أخذ أجر على الدعوة أو التعلم، وإنما هو من الاستعانة على البر والطاعة، وقد أمر الله بالتعاون على ذلك. قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1424(5/48)
دعوة الرجال للنساء جائزة.. ولكن..
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أكون داعيه بين زميلاتي الإناث في الكلية إلى جانب زملائي وذلك بسبب استجابتهن لي وكذلك عدم وجود إناث داعيات بينهن؟ مع العلم بأنني بدأت وأريد أن أعرف هل أستمر أم أنقطع؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى واجبة على الرجال والنساء لعموم النصوص العامة الآمرة بها، كقوله عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110] وغيرها من الآيات.
كما دلت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام على جواز دعوة الرجال للنساء، والنساء للرجال، وقد اتضح ذلك في طلب العلم عن أمنا عائشة رضي الله عنها، من كثير من الرجال، كما أخذ العلم كثير من النساء من الرجال، وكان هذا في القرون الفاضلة، لكن بالسبر والتتبع لأحوال المسلمين في زماننا هذا وجدنا أن الرجل إذا انهمك في دعوة النساء، أو أقبل عليها لا يرجع سالماً أبداً، بل لا بد أن يصيبه من غبار الفتنة ما يصيبه، بل قد يغرق فيها، وكذلك قل في دعوة النساء للرجال، ولذلك فإننا نقول للأخ السائل إن وجد من يقوم عنك بواجب دعوة النساء كأحد محارمهن أو امرأة أو كنت أنت تدعوهن بواسطة زوجتك أو إحدى محارمك كان ذلك خيراً لك، وأنفع لدينك، ولأن تنفع نفسك وحدها خير لك من أن تنفع غيرك وتتضرر، فإن لم تجد أحداً من محارمك يقوم بهذا الدور، فلا تُقبل على دعوة النساء إلا إذا رأيت من نفسك وثوقاً من عدم الفتنة، مع الأخذ بأسباب الحيطة والحذر، فلا تخلونّ بامرأة ولا تنظرنّ إليها ولا تُطل الحديث معها، ولتكن معهن كالماشي على أرض مليئة بالشوك، حذراً من الفتنة والمعصية، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5271، 6163، 3054.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1424(5/49)
الدعوة إلى الله واجبة على كل فرد بحسبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعوة إلى الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى واجبة على عموم الأمة وجوباً كفائيًا وواجبة وجوباً عينيًا على كل فرد من المسلمين بحسب استطاعته وقدر علمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري، هذا هو القول الراجح أن الدعوة واجبة على كل فرد بحسبه.
وذلك لقول الله تعالى آمرًا هذه الأمة بالدعوة إليه سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] .
واختلف أهل التفسير في "منكم" هذه هل هي للتبعيض أم لبيان الجنس، ورجح الطبري والقرطبي وابن كثير أنها للتبعيض، قال القرطبي 4/165: ومن في قوله "منكم" للتبعيض ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء وليس كل الناس علماء، وقيل: لبيان الجنس، والمعنى: لتكونوا كلكم كذلك، قلت: القول الأول أصح، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية. انتهى.
ويمكن الجمع بين القولين بأن انتصاب طائفة من المسلمين وتفرغهم للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على الأمة، وأن قيام كل فرد بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب قدرته فرض عين، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122] .
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية السابقة من سورة آل عمران 1/391: والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. وفي رواية: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(5/50)
شروط خروج المرأة للدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله.
سؤالي مهم جداً هوهل يجوز لامرأة أن تخرج مع زوجها للدعوة وكذلك لتلقي العلم وهل ثبت في السيرة أن أمهات المؤمنين قد خرجن للدعوة أو طلب العلم. والذي يفعل هذا هم جماعة الدعوة والتبليغ تخرج المرأة مع زوجها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى لا تقتصر على الرجال دون النساء، لدخول النساء في عموم الخطاب الآمر بالدعوة إلى الخير، فقد قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه [آل عمران:110] .
وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
وقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن [النحل:125] .
وبناءً على ذلك فلا نجد مانعاً من خروج المرأة مع زوجها إذا أمنت الفتنة، ولم يخش على المرأة من التعرض للأذى، وأما سؤالك عن خروج أمهات المؤمنين للدعوة أو طلب العلم؟ فالجواب: أنهن طلبن العلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يحتجن للخروج في طلبه إلى مكان أبعد من بيت النبوة أو المسجد النبوي.
أما بالنسبة لجماعة التبليغ فقد سبق بيان حكم العمل معها، ومع الجماعات عموماً بضوابطه في الفتاوى التالية أرقامها:
10157
20944
20772.
وعلى العموم فخروج المرأة مع زوجها أمر لا حرج فيه، بل إذ كان بقصد حسن فهو عمل خير يؤجران عليه إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1423(5/51)
كل مطالب بالدعوة بقدر المستطاع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم....
متى تسقط عن الفرد المسلم الدعوة إلى الله فمثلا أنا لا أستطيع أن أكون داعيه أما إذا لا تسقط فما الوسائل التي من الممكن اتباعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعوة إلى الله اليوم لا تسقط عن أي مسلم مكلف، ويلزمه أن يدعو بما يقدر عليه وما يعلمه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري، وانظر الفتوى رقم:
16419.
لكن على من يدعو إلى الله أن يدعو بعلم وبصيرة، فالله جل وعلا يقول: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] .
وليس معنى ذلك أن لا يدعو حتى يصبح عالماً، ولكن المطلوب منه العلم بالمسألة التي يدعو إليها وما يتعلق بها من حال المدعو وما يحقق استجابته، من وسائل، وانظر الفتوى رقم:
7583.
ولكي تكون داعية إلى الله على الوجه الأكمل فلا بد لك من صفات تتحلى بها، وهي مبينة في الفتوى رقم:
8580 فانظر فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(5/52)
فقه الدين وفقه الواقع سلاح الداعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من غزة أدرس في كلية الهندسة المستوى الرابع ومرتبط بقريبتي من النرويج وأود الزواج والذهاب إلى هناك بعد التخرج وأريد نصائحكم لأكون داعية مسلما هناك. أريد فقط منهجا أسير عليه مثلا بأي الكتب أبدأ الدراسة حتى أكون قويا ومقنعا في دعوتي وجازاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما يحمد عليه الأخ السائل همته العالية في إرادة خدمة دين الله عز وجل، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم الذي آمن بالدار الآخرة وما أعده الله سبحانه في جنان الخلد من النعيم المقيم لمن بذل جهده في سبيل إعزاز دين الله وظهوره على ما سواه على الأديان، ومن آمن بما وعد الله هذا الصنف من العباد وبما أعده لإكرامهم من الحور العين وقصور الجنة وأنهارها وأشجارها في نعيم مقيم لا يتحول ولا يزول، هانت في عينه الدنيا بما فيها، فإنها دار الابتلاء نعيمها منقطع وعيشها مكدر بأنواع المنغصات.
وكيف يسوغ لعاقل أن يركن إلى دار هذه صفتها ويرغب عن دار تلك صفتها، وقد عرف فضلاء شباب المسلمين كيف يطلبون الآخرة ومن أين يصلون إليها.
ونقول للأخ السائل إن غزة أحوج ما تكون إلى بقاء أبنائها فيها والواجب البقاء فيها، وأما عن السفر إلى بلاد الكفار بغرض الزواج والدعوة فقد سبقت الإجابة عنه في فتوى رقم:
5045 فليراجع.
ومن أراد الدعوة إلى الله عز وجل فلابد له من فقه في الدين وفقه في الواقع، ونقصد بفقه: الدين فقه ما يدعو إليه، فالعلم سابق للعمل، وأولى ما يتفقه فيه المسلم ويدعو الآخرين إليه العقائد الصحيحة التي لا يجدها إنسان إلا في الإسلام.. وكتب العقائد كثيرة، ولكننا ننصح الأخ بقراءة كتب الدكتور/عمر سليمان الأشقر فله سلسلة نافعة في العقائد بعنوان العقيدة في ضوء الكتاب والسنة. وهناك كتابان نافعان الأول بعنوان (ما لا يسع المسلم جهله) للدكتورين عبد الله المصلح وصلاح الصاوي، والثاني بعنوان (ما لا يسع التاجر جهله) لنفس المؤلفين.
وهما كتابان يتحدثان عما يحتاجه المسلم في عباداته ومعاملاته. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1423(5/53)
دعوة المرأة لرجل غير مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم دعوة رجل نصراني الى الاسلام عن طريق زميلته المسلمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة لها حدود يجب أن لا تتجاوزها بحجة الدعوة أو حسن النية، فإذا ما التزمت بالضوابط الشرعية من الحجاب وعدم الاختلاط والخضوع بالقول، ونحو ذلك مما ضرره أكثر من نفعه، ثم أرغمتها الظروف على الاجتماع بكافر نصراني أو غيره دون بحث عنه، أو سعي منها للقائه، فلا بأس إذن بدعوتها إياه للدخول في الإسلام؛ لما أخرجه النسائي عن أنس رضي الله عنه قال: خطب أبو طلحة أم سليم رضي الله عنهما فقالت: والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/54)
دعوة المرأة إلى طريق الهداية عن طريق بنات جنسها أولى.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم ولله الحمد لى جارة شابة غير ملتزمة وتكلم الأولاد وتفتنهم وأنا والحمد لله لا أفتن بها ولكنها حاولت أكثر من مرة أن تتحدث معى ولكننى امتنعت وأنا والحمد لله من الممكن لو كلمتها وتحدثت معها من الممكن أن أكلمها عن الإسلام وتلتزم مع العلم أنى أتاكد تماما أنها تقتنع بأى شيء أقوله فبماذا تنصحوني أن افعل أرجو من سيادتكم الرد فى أسرع وقت لكى أقوم باتخاذ القرار فى هذا الموضوع وعمل اللازم وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن فتنة النساء من أعظم الفتن، وأكثرها خطراً وضرراً، كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ".
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
وهذه الفتنة لا ينبغي لأحد أن يأمنها على نفسه، فلربما فتن الصالح العابد بنظرة، ولهذا جاء التحذير من النظر، والأمر بغض البصر عاما لجميع المؤمنين، دون تفريق بين صالح وطالح، ومستقيم ومنحرف، وتوجه الخطاب أولاً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنهم أعظم الناس إيماناً ويقيناً وثباتاً.
ولهذا ننصح بالإعراض عن هذه الفتاة، وأن تبحث عمن يقوم بدعوتها من النساء الصالحات، كزوجتك أو زوجة أحد إخوانك، فهذا أسلم لك ولها، وأبعد عن الشبهة والريبة خصوصاً أنها -كما ذكرت في سؤالك - تتعرض للأولاد وتفتنهم، فهي منزوعة الحياء. والسلامة لا يعدلها شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/55)
المتصدر لدعوة الناس لا بد أن يكن على بصيرة بما يدعو إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الإخوان من بعض جماعات المسلمين وهم أناس عاديون ويقومون أمام الجماعات بإعطاء الدروس وهم لا يتقنون اللغة ولا يفرقون بين الفتحة والخفضة ولا الأحاديث الصحيحة والضعيفة ويخلقون الضجة أحيانا بين الناس ما حكم هؤلاء؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن تعليم القرآن والسنة ودعوة الناس إلى الخير فيها من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، ويجب على المسلمين أن يُعِدوا من يقوم بهذه المهمة العظيمة التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليهم، حيث يقول جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] .
ويقول الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري وغيره.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغ الشاهد منكم الغائب ... ، وهو في الصحيحين وغيرهما، ويقول: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير. رواه الترمذي.
وعلى هذا فالدعوة إلى الله تعالى وتعليم الناس الخير من أعظم القربات إلى الله تعالى، ولكن الذي يتصدر لدعوة الناس وتعليمهم لا بد أن يكون على بصيرة بما يدعو إليه ويعلمه، ففاقد الشيء لا يعطيه والذي ليس عنده علم لا يمكن أن يعلم غيره.
ومن أراد أن يقيم الدروس يجب عليه أولاً أن يخلص في عمله لله تعالى، وأن يختار المواضيع النافعة لمن يدرسهم، ويحرص على تصحيح الأحاديث التي يستشهد بها وتحقيق الأقوال التي يوردها، وبذلك ينفع وينتفع بما يقول، ويكون قد أدى ما فرض الله تعالى عليه، أما الضجيج الإعلامي واختلاق المشاكل والتفريق بين المسلمين، فإنه لا يجوز للمسلم أن ينشغل به، وقد حذرنا الله تعالى من ذلك في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
والحاصل أن كل من سعى لإقامة الدين والدعوة إليه، وتعليمه للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ونشر السنة، وتثقيف الأمة على نهج السلف القويم فهو على خير وصلاح، وكل جماعة التزمت منهج أهل السنة والجماعة وسعت لتحقيق تلك الأهداف فهي على خير وهدى إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1424(5/56)
أول ما يركز عليه في الدعوة إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يتضمن التعريف بمبادئ الإسلام؟ وجزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التعريف بالإسلام قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والفعلية، وهو يتضمن أولاً التعريف بأركان الإسلام وأسسه.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو أولاً إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لأن الإيمان أساس الأسس وركن الأركان.
ثم إلى إقامة الصلاة، ثم إلى إيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، ثم إلى بقية الواجبات والسنن والآداب والمستحبات.
فقد قال صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس عندما سألوه فقالوا: فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنة إذا نحن أخذنا به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمركم بأربع وأنها كم عن أربع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان ... الحديث رواه البخاري ومسلم.
وقريباً من هذا ما جاء في الأوامر والتوجيهات التي أعطاها صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه داعياً إلى أهل اليمن فقال له: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة إلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم.... إلى آخر الحديث. رواه البخاري ومسلم أيضا.
فهذه الأحاديث وما أشبهها تضمنت وجوب التركيز على المبادئ والأركان أولاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1423(5/57)
فقدان أحد وجهي الدعوة لا يسوغ ترك الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التقصير يمنع من الدعوة إلى الله وإذا كان يمنع فهل هذا يصبح حجه لقفل باب الدعوة ولكن إذا قلت عليك أن تدعو ولو كنت مقصرا فقد نفتقر للقدوة وهذا من العقبات الكبرى أمام الدعوة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلما كانت الدعوة إلى الله تعالى عمل الأنبياء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم وأتباعهم كان لا بد للقائم بها من التحلي بصفات أساسية، وآداب ضرورية ليكون أهلاً لهذا العمل وتكون دعوته متميزة.
ومن أهم تلك الصفات: العمل بالعلم، والاستقامة في السلوك ليكون قدوة لمن يدعو، ولا يعني ذلك أن عدم الاستقامة يسوغ ترك الدعوة إلى الله تعالى؛ بل إن الاستقامة والدعوة كلاهما واجب، وفقد أحد الوجهين لا يسوغ ترك الآخر، علماً بأن الدعوة إذا لم تصاحبها الاستقامة تظل ناقصة، لما للقدوة الحسنة من مزايا عديدة منها: سرعة انتقال الخير إلى من تخاطبهم، واقتناعهم الكامل إن لمسوا فيك الأخذ به، لأنهم بامتثالك لما تدعوهم إليه يدركون صلاحيته للتطبيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1423(5/58)
مقومات صدق الداعية في دعوته، وأهم ما يقرأ
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفي يتسنى ليّ أن أدعو إلى الله بصدق مع العلم أني خطيب في أحد المساجد؟ وما هي أفضل الكتب التي يجب أن أقوم بقراءتها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى هي أشرف الوظائف لأنها وظيفة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: انفذ على رِسْلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً.....
ولا شك أن هذه الفضائل والأمور لا يتحصل عليها إلا من كان مخلصاً في دعوته وصادقاً فيها، وأما إذا كان قصده بدعوته جاهاً أو سلطاناً أو شهرة أو مالاً ونحو ذلك من أمور الدنيا، فلا يحصل له شيء من الأجر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة.. يعني ريحها. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
ولذلك قال الله تعالى: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86] .
وقال تعالى: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ [يّس:22-21] .
وقال تعالى حاكياً قول هود لقومه: يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ [هود:51] .
إلى غير ذلك من النصوص في هذا الباب، فالواجب على الداعية إلى الله، والمرشد للناس إلى الخير أن يكون صادقاً ومخلصاً لله عز وجل حتى ينتفع في نفسه، وينفع الآخرين، ولا يضيع جهده ووقته فيما لا فائدة فيه ويضيع الأمانة التي تقلدها ألا وهي خطابة الناس وتوجيههم.
وأما الكتب التي ننصحك بقراءتها فهي:
1- كتاب الله تعالى اقرأه بتدبر وتأمل، وما أشكل عليك من معانيه، فارجع إلى كتب التفسير المعتمدة كتفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير والدرر المنثور.
2- قراءة كتب الحديث الصحيحية كصحيح البخاري ومسلم وكتب السنن، كسنن أبي داود والترمذي، واستعن بشروحها لفهم معاني الحديث، وما يستفاد منه، واقرأ أيضاً كتاب "رياض الصالحين" و"مشكاة المصابيح" و"الترغيب والترهيب" و"جامع العلوم الحكم" لابن رجب، وفي الفقه "منار السبيل" "شرح دليل الطالب" و"الروض المربع"، وفي السيرة "الرحيق المختوم" وسيرة ابن هشام و"سبل الهدى والرشاد" للصالحي، و"زاد المعاد"، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1423(5/59)
أصول الدعوة وثوابتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي ثوابت الدعوة وشروطها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أصول الدعوة وثوابتها بينها الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل بيان، وأوضحها أيما إيضاح في الحديث الثابت في الصحيحين
وذلك عندما بعث عليه الصلاة والسلام معاذاً رضي الله عنه إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الله، فقال له: "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم".
فهذا الحديث فيه بيان أصول الدعوة وثوابتها التي لا تتغير، وأن الداعية عليه أن يقدم الأهم فالأهم، فإذا كانت الدعوة موجهة إلى الكفار فليبدأ بالدعوة إلى التوحيد الذي هو الأصل الأهم، ثم باقي أركان الإسلام، ثم باقي الواجبات إلى آخرها.
أما إذا كانت الدعوة موجهة إلى قوم قد عرفوا الأصل وحققوه فندعوهم إلى تصحيح باقي الأركان، وهكذا تمشياً مع توصيات وتعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم التي كان يزود بها من يبعثهم دعاة إلى الله تعالى.
أما شروط الدعوة فأهمها العلم: بمعنى أن يكون الداعية على علم وبصيرة مما يدعو إليه ويحذر منه، كي لا يأمر بمنكر أو ينهى عن معروف. ولا يشترط أن يكون عالماً كبيراً مشهوراً بين الناس، بل اللازم أن يكون عالماً بالشيء الذي يدعو إليه علماً صحيحا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " بلغوا عني ولو آية" رواه البخاري.
ثم هناك أمور أخرى لا تقل أهمية عن العلم، منها: استعمال الحكمة والموعظة الحسنة ولين الجانب وعدم التعنيف، ومراعاة الوقت والمكان المناسب حال الدعوة ومنها: التحلي بالصبر والتحمل لما لا بد للداعي أن يتعرض له من طرف المدعوين من الأذى والنيل من عرضه أثناء أدائه لمهمته الكبيرة قال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله) [الأحزاب:48] .
ومنها: أن يكون سلوك الداعية وعمله وتصرفاته موافقة كلها لما شرع الله تعالى حتى لا يكون هناك تناقض بين ما يدعو الناس إليه وبين ما يطبقه هو في نفسه فيكون كلامه صرخة في واد أو نفخة في رماد، كما قالوا. قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) [البقرة:44] وقال الشاعر:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويقتدى ... بالقول منك وينفع التعليم
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1422(5/60)
لا عذر لمسلم ألا يكون له من الإسلام إلا اسمه ووسائل العلم متيسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 22 سنة وجدتي مسيحية وجدي مسلم، وجدتي أنشأتنا على المسيحة، وأبي لا يصلى ويذهب للكنيسة، مع أنه مسلم ولكن الإسلام لدينا على البطاقة فقط، ولكن أمي مسلمة وتصلى ولا تفعل أي شيء من الذي نفعلة ولا تتحدث معنا عن أي شيء فهي تعتبر منعزلة عنا تماما، وحقيقة لا أعرف شيئا عن الإسلام فأنا مسلمة على البطاقة فقط وكنت أذهب إلى الكنيسة وأفعل طقوس المسيحيات ولكن فى الأيام الأخيرة بعدت عن كل الأشياء هذه وحاولت أن أتعرف على الإسلام وأترك المسيحية نهائيا، وأنا آسفة لأننى أبعث لكم إلا أني أريد من يقف معي ويرشدني لطريق الإسلام والطريق الصواب، لأنني أحس أنني تائهة ولا أعرف ماذا أعمل؟ أرجوكم ساعدوني بأي شيء أرجوكم أرجوكم، ويا ليت الرسالة هذه تكون خاصة، وآسفة جداعلى الإزعاج.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على ثقتك بنا ونرجو أن نكون عند حسن ظنك، ونسأل الله تعالى أن يكسب قلبك نور الإيمان وأن يهديك صراطه المستقيم وأن يوفقك إلى الفقه في الدين.
واعلمي أن أمر أن يكون الإنسان مسلما أو لا يكون مسلما ليس بالأمر الهين بل هو جد خطير، لأنه تتعلق به السعادة الأبدية لمن اتبع نهجه أو الشقاء الأبدي لمن أعرض عنه وكفر بالله تعالى، فقد نسخ الله تعالى بالإسلام سائر الأديان، فبعد مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله من الناس دينا غير دين الإسلام.
قال الله سبحانه: ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} .
وقال سبحانه: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى*وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى {طه:123-126} .
وكيف يليق بالمسلم أن يعيش جاهلا بدينه بحيث يلتبس عليه الحق والباطل، ولا يكون له من الإسلام إلا اسمه ووسائل العلم متيسرة بين يديه والعلماء متوافرون، فطلب العلم فريضة على كل مسلم، ومن لم يطلب العلم أثم وكان مسئولا بين يدي ربه يوم القيامة.
قال سبحانه: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ*حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {النمل:83،84} .
وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون {النحل:43} .
وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم.
ونود أن نحيلك على بعض الفتاوى التي تعرف بالإسلام والتي تبين بطلان ما عليه دين النصرانية المحرفة الآن، فراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 6828، 20984، 54711، 22354، 29326.
ويجب على المسلم أداء ما افترض عليه من شعائر الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج وغير ذلك من الفرائض، فكيف يليق بمن ينتمي إلى الإسلام أن يترك الصلاة ويقطع الصلة بينه وبين ربه، فهذا من الخطورة بمكان وهو كبيرة من كبائر الذنوب، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4،5} .
وقال سبحانه: فَخلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59} .
وكذلك فإن ذهاب المسلم إلى الكنيسة وشهوده ما فيها من منكرات وكفر بالله تعالى أمر خطير وقد يؤدي بصاحبه إلى الكفر، إذ قد يقوده ذلك إلى استحسان ما هم عليه من باطل وكفر أو يمارس شيئا من ذلك معهم عن رضى واختيار وهذا يخرجه عن ملة الإسلام، فالواجب أن ينصح من يفعل ذلك بأسلوب طيب وأن يذكر بالله تعالى وأنه ملاقيه وسوف يحاسبه على أعماله.
فنرجو أن يجعلك الله تعالى فاتحة خير وسبيل هداية لأهلك واستعيني في ذلك بأمك وبالعلماء والمصلحين وأخواتك المؤمنات الصالحات، ونذكرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: الدال على الخير كفاعله. رواه أحمد والترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(5/61)
عمر أمة الإسلام إلى قيام الساعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كم تقدر الفترة الزمنية لعمر أمة الإسلام؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فترة أمة الإسلام ممتدة إلى قيام الساعة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة. وفي رواية لمسلم: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة.
وللمزيد من الفائدة، انظر الفتاوى التالية أرقامها: 70219، 60906، 94415.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1430(5/62)
تعليم الدين الباطل.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[قامت صديقة لي بشراء روضة من رياض الأطفال التي تعمل بنظام التدريس الحديث (المنتسوري) وذلك طبعا مع استمرارية عمل كافة الطاقم التدريسي ووجود عدد لا بأس به من الأطفال، هؤلاء الأطفال منهم المسلم والمسيحي، وقد ارتأت صديقتي أن تعمل على إضافة حصص للتربية الإسلامية للأطفال الذين تتراوح اعمارهم ما بين السنتين والخمس سنوات أي في المرحلة ما قبل الصف الأول، ليتم تعريفهم بالأمور الدينية البسيطة وتحفيظهم لسور أو حتى تعريفهم ببعض قصار السور القرآنية. ولكن وبسبب وجود أطفال مسحيين فسوف يكون من الصعب على أهاليهم تقبل ذلك، فهل هنالك إثم عليها إذا أضافت دروسا للديانة المسيحية لهؤلاء الطلبة لتحقيق عدل أمام الأهالي؟ الرجاء الإجابة سريعا كون المناهج المدرسية يتم شراؤها خلال الفترة القريبة القادمة، جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعليم الشرع للصبيان مسؤولية شرعية، وهي آكد ما يتعين الاهتمام به في رياض الأطفال، فيتعين احتساب الأجر في بذل ما يمكن من الطاقات في تعليمه للنائشة الصغار عملا بما حض عليه الشرع من الدلالة على الخير والدعوة إلى الحق ونصح المسلمين.
فقد ذكر النفراوي في شرح الرسالة: أنه إذا تمكن دين الإسلام وأحكام الشرائع في قلوب الصبيان ثبت بعد بلوغهم لأن جميع ما يطرق القلوب زمن خلوها من شواغل الدنيا وهمومها يثبت فيها لأن الأصل استمرار ما ثبت، ويصير بعد البلوغ سهلا خفيفا. اهـ
وقال ابن أبي زيد في الرسالة: واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ما عني به الناصحون ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها، وتنبيههم على معالم الديانات وحدود الشريعة ليراضوا عليها وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم وتعمل به جوارحهم.. اهـ
وأما تعليم الديانة الباطلة فهو من نشر الباطل المحرم، ولا يجوز للمسلم عمله مهما كان الهدف من ذلك لأنه يعد من الدعوة للضلال.
ولو أنه أمسك أولياء الأمور المسيحيون بنيهم فلا يهمك ذلك؛ بل إنك بطاعتك لله وترك ما يخالف أمره سيعوضك الله خيرا مما يفوتك. ففي الحديث: إنك لن تدع شيئا لله إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد وصححه الألباني والأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1428(5/63)
استثمار الزلازل في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا وجعل هذه السنة الجديدة مفتاح خير ويمن وبركة وبلغكم مما يرضيه آمالكم سبحانه آمين..
عندي سؤال محير جدا:
ما وقع في تسونامي من أهوال تقشعر لها الأبدان، وقد رأيت بعض المشاهد الحقيقية في بعض وسائل الإعلام لهذه الفاجعة، وكانت فعلا مفزعة، وتذكرت ما حدث للأقوام السابقة الذين رفضوا دعوة التوحيد، مثل قوم لوط عليه السلام هل يمكننا أن نعتبر ما حدث غضب إلهي خصوصا وأنه يوجد في هذه الأماكن من الفواحش والمنكرات والشذوذ والعري والعياذ بالله حتى صارت معروفة على الصعيد العالمي. وهل يمكن استثمار ما حدث في الدعوة إلى الله والاعتبار.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يوجد في بعض الأحيان من الأعاصير والزلازل والمشاهد المفزعة، لا شك أنه يذكر بما حدث للأقوام السابقة الذين رفضوا دعوة التوحيد، مثل قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وغيرهم من الرسل عليهم السلام، وهذه المشاهد ونحوها إنما هي بأمر الله تعالى، وقد تحدث عقوبة وزجرا وتخويفا ونحو ذلك، وقد تكون بسبب تفشي الفواحش والمنكرات، وهذا هو الغالب على الظن في الحالة المسؤول عنها.
وأما استثمار ما حدث في الدعوة إلى الله والاعتبار، فإن ذلك هو المنهج الصحيح، وقد ورد الأمر بمثله، فالقرأن يدعو إلى السير في الأرض والتأمل في أماكن المعذبين، حيث تحدث سبحانه في كتابه العزيز عنها في أكثر من آية، ومن جملة ذلك قوله جلا وعلا: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا {محمد: 10} وقوله سبحانه: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا {الروم: 9} وغير ذلك من الآيات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1427(5/64)
قصور المسلمين لا قصور المنهج
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يتمكن منهج الدين الإسلامي من الرقي بأصحابه والدفع بهم إلى مسارات التقدم والازدهار في شتى المجالات مثل بقية الشعوب والأمم التي نالت من الرقي والازدهار والتقدم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمنهج الدين الإسلامى قد رقى بأصحابه ودفعهم إلى مسارات التقدم والازدهار في شتى المجالات أكثر من جميع الشعوب والأمم.
ولقد كان هدف الشريعة الإسلامية ومقصدها واضحا جليا في بناء الفرد الصالح والأسرة والأمة الصالحة، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. الأنبياء: {107} .
فالإسلام جاء رحمة بالناس لتحصيل كل ما يصلحهم، وتقليل كل ما يفسدهم، وكل شرائعه وأحكامه تهدف إلى أن يصل الفرد والجماعة إلى تحقيق السعادة في الحياة وبعد الممات، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. {النحل:97} .
والمسلمون لو تمسكوا بهذا الدين ورعوه حق رعايته لكانوا في طليعة الأمم، وهذا ما حصل بالفعل. فلقد سادوا الدنيا قرونا، قال الله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {الأنبياء:10} ، قال ابن عباس: أي فيه شرفكم. وقال سبحانه أيضا عن القرآن: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ {الزخرف:44} ، أي أن هذا القرآن شرف لك ولقومك.
ولقد أمر الله رسوله وأمره لرسوله أمر لأمته بالتبع فقال: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الزخرف:43} ، وقال أيضا: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ {هود:112} . ولكن المسلمين لما لم يستمسكوا بالدين، ولم يستقيموا على أمر الله تخلفت عنهم شروط النصر، قال الله تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ {محمد:7} ، وقال الله أيضا: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. {العنكبوت:69} .
فلتعلم –إذاً- أن الخطأ ليس في منهج الإسلام، وإنما في المسلمين. ومتى عادوا إلى الاستقامة واتباع تعاليم شريعتهم، فسيعود ما كان لهم من العزة.
وانظر في هذا الموضوع كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي، وكتاب (هذا الدين) للأستاذ سيد قطب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(5/65)
واجب الجيل تجاه دينهم وأبناء أمتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن القول إن فعل الخير والالتزام بالأخلاق الطيبة يفضي بأهل الكتاب إلى جنة خاصة بهم رغم عدم إيمانهم بما جاء به سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أسأل هذا السؤال لأنني أصبحت أشاهد وأسمع أقوالا لأناس دينهم الإسلام يسلكون مسلكا غريبا في إدراك معاني وقيم التسامح التي تعامل بها ديننا الحنيف مع غيره من أصحاب الديانات الأخرى، فإذا كان البعض يتسم بالغلو لجهلهم الخاطىء بتعاليم الإسلام السمحة فإن هناك فئة أخرى وهي التي أود الحديث عنها اتخذ تطرفها شكلا آخر إذ إنهم لا يفرقون بين التسامح والتذلل لهؤلاء الناس بين التعايش بمنطق لكم دينكم ولي دين وبين الانبهار بمنكراتهم والرغبة في تقليدهم التقليد الأعمى حتى ما عدت تميز المسلم منهم وقد انسلخ عن جلده وقد نزع عنه لباس التقوى ذلك أن الأديان في منطقهم سواء أن تكون مسلما أو نصرانيا أويهوديا فلك أن تختار، وإذا سألتهم لماذا أنتم مسلمون يقولون إننا وجدنا آباءنا كذلك، أو لأن الله وعد المسلمين بجنة أرقى وأجمل من تلك التي سيحظى بها أهل الكتاب إذا ما التزموا بدينهم جهل آخر بتعاليم الإسلام تنطوي عليه نفوس العديد من أبنائه لأن كلمة الحق في هذا الباب وخصوصا في الظروف الحالية لا وجود لها مخافة أن يقذف قائلها بالتطرف والغلو لكن أبناء هذه الأمة الإسلامية ضائعون بحاجة ماسة لمن يبرز لهم مكانة الإسلام وقيمته في حياتهم اليومية وأنه لا مجال للمقارنة بينه وبين الديانات الأخرى لأنه الدين الخاتم المهيمن الذي لم يطله تحريف، أليس سبحانه القائل \"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. المرجو الإجابة على سؤالي ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن يجزل لك الثواب ويتقبل منك غيرتك للإسلام، ونريد أن نضع بعض الملاحظات على ما كتبته مشكورة، وذلك حول النقاط التالية: ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ـ التزام أهل الكتاب بالأخلاق الطيبة وفعلهم للخير، هل يمكن أن يدخلهم جنة خاصة بهم. ... ... ... ... ـ تذلل المسلمين للكفار والانبهار بحضارتهم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ـ تسويغ بعض المسلمين لانتمائهم للإسلام بأنهم وجدوا عليه آباءهم، أو بأنه سيجلب لهم جزاء أرقى من الجزاء الموعود به أهل الكتاب. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وحول النقطة الأولى: فإنا لا نزيدك علما فيها، لأنك قد أوردت الآية الكريمة التي تبين خسران كل من انتهج منهجا غير منهج الإسلام، وأن ذلك لا يقبل منه. وفي آية أخرى قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ {آل عمران:19} . ويؤكد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ـ وحول تذلل المسلمين للكفار، فإن ذلك لا يجوز إطلاقا. لما يؤدي إليه من إذلال المسلم واستكانته، وتعظيم أهل الكفر، وقد قال تعالى: ِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {النساء: 141} . فالواجب على هؤلاء التوبة مما هم فيه. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ـ وحول تبريرهم انتماءهم إلى الإسلام بما ذكرت من التبريرات ففيه الخطأ من جهتين، الأولى: أن واجب الإنسان العاقل أن يتأمل الأمور ويبحث عن الصواب، لا أن يأخذ من بيئته كل ما وجد فيها من خير وشر. وإن أخذهم الإسلام عن آبائهم أمر حسن، ولكن قد يكون فيما كان عند الآباء بعض الأخطاء والبدع التي تنافي الإسلام، فكان عليهم أن لا يكتفوا بميراث ما خلفه الماضون، بل يمحصونه تمحيصا ويأخذونه بقوة وبصيرة، فذلك أدعى لرسوخه وصلابته. والخطأ الثاني: اعتقادهم أن المسلمين سيجزون جزاء أحسن مما يجزى به أهل الكتاب، مما يدل على أنهم يعتقدون صحة ما عليه أهل الكتاب؛ إلا أن الإسلام أكمل منه، والرد على هذا قد مضى في الكلام على النقطة الأولى.
والخلاصة أن هذه الأمة بحاجة ماسة ـ كما ذكرت ـ إلى أناس غيورين لهذا الدين، ينقحونه وينفون عنه الشوائب، ويخلصون ضعاف الإيمان ومرضى القلوب مما هم فيه من الذل والاستكانة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1425(5/66)
دعوة الإسلا م دعوة عالمية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يدعو الإسلام إلى العالمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام يدعو العالمين إلى الدخول فيه لأنه الدين الخاتم الذي لا دين بعده وناسخ لكل دين قبله، فلا يقبل الله تعالى ديناً سواه، كما قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .
ولأنه أرحم دين وأيسره وأصلحه لكل زمان ومكان، فلذا استحق أن يكون هو الدين الذي يجب على كل أحد اعتناقه والعمل به والدعوة إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1424(5/67)
فقه الدعوة - بيان وتوضيح
[السُّؤَالُ]
ـ[مفهوم فقه الداعية؟ وما هو الفرق بين القاضي والمحتسب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففقه الداعية هو العلم الذي يعنى ببيان ما يحتاجه الداعية من أحكام وضوابط لكي تصبح دعوته دعوة شرعية على بصيرة، ويدخل في ذلك بيان الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الداعية وكذلك تفصيل أحوال المدعو ووسائل دعوته، وترتيب أولويات الدعوة.... إلخ ما يتصل بمجال الدعوة إلى الله.
أما القاضي: فهو الذي يحكم بين المتخاصمين، ولا يجوز لمن لا يحسن ذلك الدخول فيه، لما روى ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار. روه ابن ماجه.
أما المحتسب: فيطلق لغة على من يطلب الأجر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيماناً واحتساباً ... متفق عليه، أي طلباً للأجر من الله.
ويطلق اصطلاحاً على من يقوم على أمر العامة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومراقبة أعمالهم لحملهم على الاستقامة، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 17092.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(5/68)
من أساليب دعوة الكفار إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أقنع جاري الكافر بتوحيد الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأنفع الطرق لإقناع الكافر بتوحيد الله طريقة القرآن الكريم، حيث يقرر أولاً توحيد الربوبية، فإذا أيقنت النفوس أنه سبحانه وتعالى خالقها وربها عند ذلك يقرر التوحيد الألوهية، وكأنه يقول: إذا أيقنتم أن الله خالقكم ورازقكم فلم تعبدون غيره؟ واقرأ مثالاً على ذلك سورة المؤمنون وتأمل قوله تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [المؤمنون:85] . ثم بعد ذلك تأتي الحجة العقلية الباهرة التي تدل على وحدانية الله في ألوهيته، قال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون:91] . ومن وسائل دعوة الكافر إلى الإسلام أن يبين له عظمة الإسلام، وعظمة تشريعاته وأحكامه، وطرفاً من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وآياته ومعجزاته، وأن يبين له موقف المسلمين من أنبياء الله ورسله السابقين، وأنهم يؤمنون بجميعهم لا يفرقون بين أحد منهم.
ومن الوسائل أيضاً: بيان ما عليه الديانات والمذاهب الأخرى من الانحراف، وما دخلها من التبديل والتغيير، لكن ينبغي أن يكون المسلم متسلحاً بسلاح العلم، متحصنا بالإيمان الراسخ، حتى لا تنقدح في نفسه شبهة باطلة أثناء حواره ونقاشه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/69)
لا حرج في نقل الفتوى بشرط التأكد من صحة نسبتها إلى قائلها وعدم تغيير مضمونها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب دائما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن قرأت فتوى بأن قليل العلم لا يجب أن يأمر وينهى في الدين، خصوصا إذا كان غير حافظ أو غير ملم بالأدلة الشرعية التي تأمر بهذا الفعل أو تنهى عنه مثال: أقول إن الموسيقى حرام، ولكن لا أعلم الأدلة الشرعية التي تحرمها ودرجة صحتهاـ وأنا أعلم أنني مقصر، ويجب أن أطلب العلم الشرعي لآمر وأنهى على بصيرة، ولكن على وضعي الحالي: هل يجوز لي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم لا؟.
وهل إذا سمعت فتوى من شيخ موثوق به في أمر ما يجوز لي نقل خلاصة الفتوى من غير الأدلة الشرعية؟
وأقول الشيخ الفلاني قال هذا الأمر حلال؟ أو حرام؟ أو مكروه فقط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن العلم شرط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حيث الجملة، لأن الشرع الحكيم هو الميزان الذي يعرف به المعروف من المنكر، فلابد من معرفة كون هذا الشيء معروفا أو منكرا في جهة الشرع قبل الأمر أو النهي.
ومن درجات العلم معرفة كلام العلماء في مسألة ما، ولو كان ذلك مجردا عن الأدلة، وقد سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 2481، أنه لا حرج على من نقل فتاوى أهل العلم الموثوق بهم ونشرها بين الناس، إذا كان متأكداً من صحة نسبتها إليهم، وكان نقله لها لا يغير مضمونها، ولا يخل بشيء من ضوابطها.
وننبه هنا على أن مسائل الخلاف المعتبر ليست من مواضع الإنكار، وإنما هو التناصح والإرشاد، وقد سبق أن نبهنا على أن من شروط المنكر الذي ينبغي إنكاره أن لا يكون من المسائل المختلف فيها اختلافًا معتبرًا سائغًا. فراجع في ذلك وغيره الفتويين رقم: 36372، 124424. ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 8580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(5/70)
خطر دخول منتديات أهل الضلال قبل التمكن من العلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تتسع قلوبكم لما أرويه لحضراتكم عسى الله أن يجعله في ميزان حسناتكم: إني فتاة في الخامسة والعشرين مررت بحالة وسواس في العقيدة قبل ثلاث سنين، وهذا الوسواس كان سببا في دخولي كلية العلوم الإسلامية لطلب العلم الذي يدحض الشبهات التي مرت بي نتيجة دخولي غرفة من غرف النصارى بغية دعوتهم إلى الإسلام، فكانت هذه الشبهات هي السبب الرئيسي لهذا الوسواس الذي شلني، ولكن الآن ومع تزودي ـ بحمد الله وحده ـ بهذه العلوم الطيبة شفيت منه إلا أنني أحس أن بقايا مرض هذا الوسواس لا زالت معي، حيث إنني عند مناقشة أي حجة أقرؤها أوأتعرف عليها يشككني الشيطان فيها ويجعلني ـ والعياذ بالله ـ غير مقتنعة، تعبت ـ أريد أن أصل إلى كمال اليقين، أريد أن التحق بركب الصالحين، وهذا ماعدا بقية الوساوس حيث إنني عندما أريد أن أتصورشيئا من شدة تركيزي فيه لا أستطيع أن أتخيله، فكل إنسان له هيئة معينة من التصور بشأن دينه، ولكنني لا أحس أن هذا مرض، هل هو من نفسي فأعزيها؟ أم من الشيطان فأرتاح؟ انصحوني فأنا خائفة من زوال إيماني، وسؤال آخر لو سمحتم: هل إن اليقين يأتي بعدم الجدل بالآيات أي آيات القرآن أو معجزات الانبياء؟ لأنها قابلة للجدل، فمثلا: يستطيع الإنسان أن يقول إنها سحر، والدليل قوله تعالى: قد بينا الآيات لقوم يوقنون، وإن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين، وغيرها كثير.
أفيدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بمواصلة العلم الشرعي والإكثار من سؤال الهداية للحق حتى تتمكني من معرفة الحق واليقين به وأكثري التعوذ من الشيطان الرجيم وابتعدي عن الدخول لغرف أهل الضلال قبل التسلح بالعلم، لئلا تنطلي عليك شبهاتهم وضلالاتهم، فركزي على تعلم ما يهم المرأة المسلمة في مجالات العقائد والعبادات والأمور التربوية واستخدمي نشاطك في تربية الأولاد وتعليم النساء وأعرضي عن الوساوس، فإن الدواء الأنجع الطارد للوساوس هو الإعراض عنها كليا والإكثار من الدعاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1430(5/71)
الرد على شبهة عدم التوازن بين خلود الكفار في النار وقصر مدة عصيانهم في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أتحدث كثيرا مع غير المسلمين في المواقع الأجنبية وغيرها، وغالبا ما يكون الحديث حول الدين والإسلام.
وأحيانا يسألني أحدهم أسئلة لا أستطيع الرد عليها، كما أنها تثير بعض الشكوك في نفسي. فمثلا كيف يكون العدل في الإسلام أن يخلد الكافر في النار لأنه عصى الله لمدة قصيرة وهي عمره (60 عاما مثلا) ؟
ثم إن بعض الناس يولدون بعاهات كمن يولد أعمى مثلا أو بدون أطراف ثم يموتون وهم كفار. فهل كتب الله علي هؤلاء أن يتعذبوا في الدنيا والآخرة؟
أرجو إجابتي على هذين السؤالين وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على الدعوة إلى دينك والدفاع عنه، ولكن ينبغي أن تعلم أن المسلم مطالب باجتناب أسباب الفتنة، ولذا فقد نبهنا كثيرا على وجوب الحذر من التصدي لمحاورة أهل الباطل لمن لم يكن مؤهلا لذلك، فتكون النتيجة أن يكون المسلم هو الذي يبحث عن سبيل لإنقاذ نفسه بعد أن كان يحاول إنقاذ الآخرين، وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتوى رقم: 115780. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 71907.
وأما مسألة الخلود الأبدي للكافرين في النار رغم أن كفرهم في الدنيا كان محدود الزمن، فحاصل الجواب عنها أن الكفار لو عمروا في الدنيا ما عمروا فإنهم سيعيشون على الكفر، بل لو ردوا إلى الحياة رجعوا إلى ما كانوا عليه، كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ {الأنعام: 28} ولذلك استحقوا ذلك الجزاء على وجه التأبيد، لأن الناس يبعثون يوم القيامة على نياتهم، ومما يبين أثر النية في استحقاق العقاب في الآخرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. فسئل: هذا القاتل فما بال المقتول؟ علل ذلك صلى الله عليه وسلم بالنية والعزيمة على الفعل فقال: إنه قد أراد قتل صاحبه. متفق عليه.
ثم ينبغي للمسلم الذي عرف الإسلام وعرف مصير هؤلاء الكفار أن يحول قلقه من مصير الكفار إلى عمل مثمر يفيده ويفيد الكفار، فينشط في دعوتهم إلى الله، وبيان محاسن الإسلام لهم، ويحدثهم عن الحياة الآخرة وأهوالها ونعيمها، وأن الإسلام هو الحل الوحيد للظفر بالسعادة في الدارين والأمن من العذاب، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 65864.
أما الذين يولدون بعاهات، فإن لم تعارض هذه العاهات أهليتهم لتلقي الرسالة السماوية كالمجنون الذي لا يعقل، والأصم الذي لم يسمع بالوحي، فليس هناك فرق بينهم وبين غيرهم من الأصحاء من حيث وجوب الإيمان برسالة الإسلام، فإن قامت عليهم الحجة وسمعوا بالإسلام ولم يقبلوه وماتوا على الكفر استحقوا الخلود في النار، وإن كنا نقر أن أهل النار يتفاوتون في العذاب باعتبارات كثيرة، كهذا الذي ورد في السؤال، وكذلك طول العمر وكثرة الإجرام والبداءة بالشر ونحو ذلك، فقد قال الله تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ {آل عمران: 163} ، وقال سبحانه: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ {الأنعام: 132} ، وقال عز وجل: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {الأحقاف: 19} وراجع في ذلك الفتوى رقم: 15174.
وأما حال هذا النوع من الكفار في الدنيا وابتلاؤهم فيها، فإن الله تعالى لا يضيع عليهم حسناتهم في دنياهم بخلاف أخراهم، ولو آمنوا لانتفعوا بحالهم هذا في الآخرة أيضا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يُعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم.
ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 2795، 68299.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1430(5/72)
الدعوة إلى الله تحتاج لصبر ومصابرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحمد الله أنني أسعى للتشبث بالصفات الحقيقية للمسلم في زمن صعب أصبح فيه الخير شرا والشر خيرا!!
لكن صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خسرت بها الكثير من الناس، بالرغم أنني فقط أحاول أن أبين لهم أن ما يفعلونه أو ما يريدونه حرام، وأن الحلال والحرام لا يحددهما إلا المشرع وحده-الله جل علاه- لكنهم يتبعون أهواءهم ويستاءون من كلامي ويحاولون تجنبي ويتغامزون عني.
وسؤالي هو: هل أداهنهم أم أواصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رغم خسران العلاقة معهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم أن يوفقك ويعينك على الاستقامة، واعلم أختي السائلة أن من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، فدعي عنك رأي الناس فيك، وهجرانهم وسوء معاملتهم لك، وأقبلي على ربك إقبالا حسنا يتقبلك قبولا حسنا، فإن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين، واصبري على ما أصابك في سبيل الدعوة إلى الله وأمر من حولك بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فإن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج لصبر ومصابرة، وتقبل لمشاقها وتحمل أذى الناس في سبيلها، كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. {لقمان: 17} .
قال السعدي: وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه، والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلا به، من الرفق والصبر، وقد صرح به في قوله: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. ومن كونه فاعلا لما يأمر به، كافًّا عما ينهى عنه، فتضمن هذا، تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه. ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. اهـ.
وبذلك يستكمل المرء الفضائل وينجو من الخسران، كما قال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر. {العصر:1-3} .
وما عليك إلا أن تلتزمي بأدب الشرع في الدعوة والنصح والأمر والنهي، كما أمر الله تعالى فقال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. {النحل:125} .
وقد سبق لنا بيان وسائل ومراتب، وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان منهج الرسل في تبليغ رسالات الله، وبيان مرتكزات دعوتهم وأصولها، في الفتويين رقم: 36372، 119489.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(5/73)
صبر المرء على ما يلقاه من أذى حين يدعو إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في ال 16 من العمر، ومتدين والحمد لله، وأنا أصغر إخوتي، وأنا تركت الأفلام والمسلسلات والأغاني وكل حرام، ولكن إخوتي لا، ولما أنصحهم يقولون نحن أكبر منك ونعرف الدين وأنت لن تعلمنا، وأرى أخطاء كثيرة ولكني أنصح إخوتي، ولكن أفراد عائلة أعمامي أرى الأخطاء الكثيرة ولكني لا أستطيع أخاف أنهم يضحكون علي لأنهم يستهزؤون بالناس فأتوقف عن نصحهم. فماذا أفعل هل علي إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحبب إليك الإيمان، ويزينه في قلبك، ويكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، ثم اعلم أيها الفتى الكريم أنك قد ذكرت عن نفسك فضيلتين عظيمتين وهما: التزامك بطاعة الله والعمل الصالح. ودعوتك إخوتك إلى ذلك.
فاحرص على أن تجمع إلى ذلك فضيلة ثالثة ضرورية، وهي الصبر على ما أصابك في سبيل ذلك، كما قال تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان: 17} قال السعدي: وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه. والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا به، من الرفق والصبر، وقد صرح به في قوله: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. ومن كونه فاعلا لما يأمر به، كافًّا عما ينهى عنه، فتضمن هذا، تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه. ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. اهـ.
وبذلك يستكمل المرء الفضائل وينجو من الخسران، كما قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ. {العصر3:1}
وينبغي أن تحرص على طلب العلم النافع الذي يؤهلك لبيان الحق والترغيب فيه والحض عليه، وينبغي كذلك أن تتحلى بحسن الخلق وجميل العادات ولا تقابل السيئة إلا بالحسنة فتنال بذلك ثقة ومحبة من حولك وتنقلب الخصومة والعداوة إلى صداقة ومودة، كما قال سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 34-35} قال السعدي: أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ، ثم أمر بإحسان خاص له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب والأصحاب ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك فاعف عنه، وإن تكلم فيك غائبًا أو حاضرًا فلا تقابله، بل اعف عنه وعامله بالقول اللين. وإن هجرك وترك خطابك فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ أي: كأنه قريب شفيق. وَمَا يُلَقَّاهَا أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟ فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه، ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك، متلذذًا مستحليًا له. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 35} لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 13288.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1430(5/74)
الدخول على منتديات النصارى للرد عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر وجود المنتديات النصرانية التي يخصص ركن بها للحوار الإسلامي، ويقومون فيه بالتشكيك في القرآن وفي الرسول صلى الله عليه وسلم، ونعته بأقذر وأفظع الألفاظ، ويسجل به مسلمون يقومون بالرد عليهم بالحسنى ولكن النصارى يبادلون ذلك بالإساءة والتجريح فى القرآن وفى الرسول صلى الله عليه وسلم، مع العلم بأن أي شخص من المسلمين يستهزئ بقديسيهم أو باباواتهم يقومون بشطب عضويته، أو يقومون بحذف رده ويكتبوا بدلاً منه: سفالة إسلامية. ومن واقع اطلاعي على مواضيعم وردودهم تبين لي أنهم لا يريدون معرفه الحقيقة كما يدعون، ولكن يريدون تنصير المسلمين وتشكيكهم فى دينهم. والسؤال هو:
هل يجوز للمسلمين المشاركة فى مثل هذه المنتديات والرد عليهم، وخصوصا أن هناك ضعيفي الإيمان من المسلمين الذين يصدقون هذه الافتراءات التي يقولها النصارى على الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى القرآن، ولقد قرأت رد أحد من ضعيفي الإيمان بعيني بأنه يشك فى نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم. لذلك نرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للعامي من المسلمين أو للمبتدئ في طلب العلم أن يشارك في هذه المنتديات التي تسيء إلى الإسلام وشعائره ورسوله، بزعم الرد والإنكار، فإن ذلك مزلة قدم، وإن كثرة استماع الشبهات تجعل القلب يقبلها ويتشربها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه -وهو من هو-عن مطالعة صحيفة من التوراة، وكان سلف الأمة يحرجون في مخالطة ومجالسة المبتدعة من أهل القبلة، فكيف بأهل الكفر المحض؟! وانظر في ذلك الفتوى رقم: 14742.
وإنما يُقبل من طالب العلم المتمكن أن يشارك في مثل تلك المنتديات إعذاراً إلى الله، وقياماً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة للحجة على المحادين لله ورسوله، لعلهم يهتدون! وانظر في ذلك الفتوى رقم: 20895.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1430(5/75)
الأمور المطلوب توافرها في المشرفين على المنتديات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هى الضوابط المطلوب توافرها فى المشرف على الأقسام الإسلامية بالمنتديات؟ وماذا إن خالفت تصرفاته وسلوكه ما يدعو له بالمنتديات، وإذا كان متقصيا لأقصى درجة فى البحث عن صحة الموضوعات فهل يطلب إعفاؤه من الإشراف، لأن كثيرا من تصرفاته وسلوكه الحقيقى يخالف ما يدعو له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشروط المطلوب توافرها في المشرف على أي منتدى عديدةٌ، ومن أهمها أن يكون ثقة في نفسه، وأن يكون أمينًا، يقظًا، منتبهًا لما تتضمنه مشاركات أعضاء المنتدى من ألفاظ ومعان، عالمًا بأصول الحلال والحرام.
وإذا كان المشرف من الذين يخلطون العمل الصالح بالمعاصي، ووُجد من هو أمثل منه، فإن الأولى تولية الأمثل؛ فإنها أمانة.
وهنا ملحوظة ينبغي الانتباه لها وهي: أن من تولى أمرًا في توجيه للمسلمين، ثم وجد من نفسه تقصيرًا عن امتثال ما يأمر به وينهى عنه، فإن الأجدر به أن يروض نفسه ويبدأ بمجاهدتها تأسياً بنبي الله شعيب الذي قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ. {هود:88} ، ولا يكتفي بمجرد الانسحاب من الأعمال العامة التي يتعدى نفعها، ولتوضيح ذلك انظر الفتوى رقم: 37732.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1430(5/76)
الدروس المستفادة من ثبات النبي على الدعوة رغم المغريات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الدروس المستفادة من صمود النبي صلى الله عليه وسلم على مبدئه في الدعوة إلى الله تعالى ورفضه كل المغريات المادية وكيف يستفيد منها الشباب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن تلخيص هذه الدروس في ألفاظ مجملة، وهي: الصبر على أمر الله والثبات على دينه، والعزيمة على الرشد والاستقامة على الشرع، والاستمساك بالوحي وأخذه بقوة، والصدق مع الله والحزم في طلب الآخرة والزهد في الدنيا. وأن من فعل ذلك كانت العاقبة له، وأرغم الله له أنوف أعدائه وأظهره عليهم، ومكن له في الأرض واستخلفه فيها، ويكون له في المآل ما هو خير له وأنفع مما تركه وأعرض عنه ابتغاء وجه الله، ولذلك لما ذكر الله تعالى حال الخلف التالف من بني إسرائيل، وميلهم إلى الدنيا وركونهم إليها، ذكَّرهم أن الآخرة خير وأبقى، ثم مدح المستمسكين بوحيه المتقربين إليه بالعبادة، وبشرهم أن أجرهم محفوظ لا يضيع، وسعيهم مشكور لا يخيب، قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ* وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ {الأعراف:169-170} .
ولهذا أيضا لما ذكر الله أنواعا من متاع الدنيا في سورة الزخرف، التي ينبئك اسمها عن فحواها، أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستمساك بالوحي، ونبه سبحانه أنه هو الشرف الحقيقي والرفعة والمكانة المرموقة، فقال عز وجل: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ. {الزخرف:43-44} ، وقال سبحانه: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ. {الشورى:15} ، ثم من هذه الدروس أيضا معرفة حفظ الله تعالى لأوليائه وتثبيته وإعانته لهم، كما قال الله تعالى في حق نبيه يوسف: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين َ. {يوسف:24} ، وقال تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. {يوسف:34} .
وقال سبحانه في حق نبينا صلى الله عليه وسلم وما تعرض له: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا* وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا* إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا* وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا* سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا. {الإسراء} ، والشاب المسلم يستفيد من ذلك بأن يقتدي ويتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاتصاف بهذه الصفات الجميلة، والتخلق بتلك الأخلاق الجليلة، فلا يفتتن بزخارف الحياة الدنيا، ولا يلتفت إلى ما يصده عن دينه من المغريات، وإنما يوحد وجهته ويقبل عليها بهمته، وبذلك يكون من المتقين المقربين، ويمهد الطريق للتمكين لهذا الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1430(5/77)
واجب من تصله رسائل تحوي قصصا غير صحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[تصلني يوميا تقريبا رسائل غريبة، هي عبارة عن قصص دينية غير صحيحة، فما هو رأي الشيوخ في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهناك بعض المسلمين الطيبين يسعون في نشر العلم والخير بين الناس، ولكن ينقصهم العلم الشرعي الكافي الذي يميزون به بين الغث والسمين، فهؤلاء عليهم أن يتسلحوا بالعلم أولاً. كما أن هناك بعض الفرق الضالة ذات الأهداف الخبيثة وقد تريد نشر باطلها بين المسلمين عن طريق القصص الكاذبة التي تدعم باطلهم فيجب الحذر منهم.
وإذا كان لديك القدرة على بيان بطلانها والرد على مرسلها وذلك بعد التأكد من ذلك عن طريق الرجوع إلى كتب السنة المعتمدة، وكلام المحدثين في بيان ضعفها أو وضعها، إذا كان لديك القدرة على ذلك فافعله، ولك الأجر عند الله تعالى، لأن ذلك من تعليم الخير للناس، ومن النصيحة، ومن التعاون على البر والتقوى ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأما إذا لم يكن لديك القدرة على ذلك فيمكنك التلهي عنها أو مسحها أولاً بأول، وإذا كانت تلك الرسائل تأتيك من جهات محدودة فيمكنك البحث عن تقنية في الإنترنت تضمن لك عدم وصول أي رسائل من تلك الجهات، وراجع للفائدة في ذلك الفتويين: رقم: 36022، 111900.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1430(5/78)
صاحبه تزوج من امرأة نصرانية ثم ارتد عن دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في رحاب الإسلام، أود أن أشير بمجهودكم الرائع في مجال الدعوة، ولكن لدي سؤال وطلب في نفس الوقت، وهو أني أعيش هنا بالولايات المتحدة الأمريكية، ولي صديق عراقي من أصل كردي يتحدث اللغة العربية، وكان مسلما مؤمنا بدين الحق دين الإسلام، وكان يصلي بانتظام بالمسجد وأوقات الصلاة بالعمل، ولكن بعد فترة من معرفتي به علمت بأنه تزوج من امرأة كتابية "مسيحية" مصرية وأنجب منها طفلين، وبعد زواج مدة أربع سنوات انفصلت عنه لأنها على دين النصرانية "المسيحية" أما هو وبعد عدة أشهر ارتد عن دينه من الإسلام إلى المسيحية، وكان قبل ذلك كان يقرأ كتاب النصارى "الإنجيل" وكان يتردد علي كنائسهم ويتحدث إلى القساوسة لديهم ثم تعمد "المعمودية" وهي أول خطوة فى الديانة المسيحية، وترك دين الإسلام، كنت عندما أسأله كان ينكر أنه على دين المسيحية، ويقول لي أنا ليس لدي دين إلي أن علمت أنه أصبح مرتدا عن الدين الإسلامي، ويقرأ كتب المسيحية وترك الصلاة بالمسجد ومعنا، حاولت إرشاده، ولكن في كل مرة كان يهرب من المناقشة، فلا أعرف كيف أردة إلى رشده وعقله وإلى دين الإسلام.. السؤال هنا: هل لكم دور في هذا أن ترشدوه وترجعوه إلي الإسلام، هل لكم شيوخ هنا بأمريكا للنصيحة والإرشاد، أتمني ذلك رجاء الرد علي سريعا لأني متألم لردة هذا الشاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مثل هذه الحوادث المريرة التي تتقطع لها القلوب وتنفطر الأكباد حزناً وأسى، إنما هي ثمرة من الثمرات النكدة لإقامة المسلمين في بلاد الكافرين، وقد سبق لنا الكثير من الفتاوى التي تبين أن إقامة المسلم في بلاد الكفر لا تجوز إلا بشروط، وتراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11316، 2007، 21567.
ثم لم يقنع صاحبك بإقامته في بلاد الكفر حتى أدخل على نفسه فتنة أخرى بزواجه من هذه الكتابية، والزواج من الكتابيات وإن كان مباحاً في الأصل بشروط إلا أنه لا ينبغي الإقدام عليه خصوصاً في مثل هذه الأزمان، وفي مثل هذه البلاد التي تموج فيها الفتن كموج البحر، وتعلوها أحكام أهل الكفر وعوائدهم.. وقد سبق بيان شروط الزواج بالكتابية وذلك في الفتوى رقم: 323.
ومن يتأمل هذه الشروط قليلاً يعلم أنها لا تكاد تنطبق على واحدة من أهل الكتاب في زماننا هذا، وسبق لنا في الفتوى رقم: 5315 مخاطر الزواج بالكتابيات..
أما بخصوص صاحبك هذا فأخلص النصيحة له بلطف وتودد، وأكثر من الدعاء له بظهر الغيب أن يرده الله إلى دينه.. وقد من الله على المسلمين في أمريكا وغيرها من بلاد الغرب بالكثير من المراكز الإسلامية التي تعمل على نشر دعوة الإسلام، وبذل الخدمات الجليلة للمسلمين وغيرهم في هذا الإطار فلو استعنت بهم في ذلك فلن تعدم منهم رأياً صائباً ونصيحة صادقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(5/79)
حكم المشاركة في المتديات غير السنية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مشارك في منتدى غير سني، فهل تجوز المشاركة فيه؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حكم المشاركة في مثل هذه المنتديات يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان من عامة الناس لا يسوغ له ذلك، لأنه يخشى عليه من التأثير عليه، فيخاف عليه أن يصدق بما هو باطل أو أن يكذب بما هو حق، وأما من كان عنده تسلح بالعلم الشرعي وتبصر في أمور الاعتقاد، وكان يريد الدخول والمشاركة ليحاور أهل الضلال ويجادلهم بالتي هي أحسن لعل الله يهديهم به، فإن هذا هو واجب المسلم المستطيع، وربما كان هذا خيراً عظيماً لحاجة الناس إلى من يبصرهم بأمور دينهم وأخلاقهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كما في البخاري: فوالله لأن يهدي بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الدال على الخير كفاعله. رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 36022، والفتوى رقم: 75438.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1430(5/80)
اشتغال المرأة بدعوة النساء إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسكن في إيطاليا، لدي دبلوم ممرضة، لكن زوجي يرفض أن أشتغل, فقررت أن أشغل نفسي بأمر ما بحكم أن ليس لي أطفال بعد ادعوا لي بالذرية الصالحة ولدي الكثير من وقت الفراغ, فاقترحت علي شقيقة زوجي أن أقوم بتحضير دروس دينية, لفائدة المراهقات والفتيات المسلمات اللواتي يعشن هنا, واللواتي لديهن فهم خاطئ عن الإسلام رغم أنهن مسلمات, كاعتقادهن بعدم فرضية الحجاب, وإهمالهن للصلاة وغير ذلك من الأمور, فوافقت. فبدأت أول لقاء بموضوع الحجاب, وكنا نقيم اللقاء بالمسجد, وكانت أخت زوجي تقوم بالترجمة لأنهن لا يفهمن العربية جيدا, فكانت صدمتي الأولى أنهن أتين الى المسجد متبرجات دون حجاب, والصدمة الثانية أنه عندما أقرأ آية أو حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم, يناقشنني ويقلن لم نقتنع ويسألن أسئلة غريبة خارجة عن الموضوع كلماذا الختان, وما الضرر لو صاحبت ايطاليا. الحقيقة صدمت من مستواهن, لكن لم أيأس واخترت موضوع الإسلام والأدلة على أنه دين الحق, لأنني أدركت من التجربة الأولى أنهن لسن مقتنعات بالإسلام أصلا إنما ورثوه عن آبائهن, فصدمت مرة أخرى بأن إحداهن تقول إننا في عام 2009 ويجب أن يتطور الإسلام ليساير العصر, ثم قالت أخرى هذا الدين تخلف أنا أنتظر فقط أن أبلغ 18 لكي أغيره وأصبح مسيحية, المهم سألت شقيقة زوجي وبعض الفتيات اللواتي كلفن بمسابقات والأنشطة الأخرى التي نقوم بها في اللقاء, إن كنت أنا التي لم أشرح جيدا أو أن أسلوبي كان خاطئا, فقلن لي بالعكس كلامك واضح وأسلوبك جيد وليس مملا، بحكم إنني أستعمل الفكاهة في بعض الأحيان, حاليا قررت التوقف عن الأمر؛ لكن زوجي يقول بأن هذا ما يريده الشيطان منك, وصراحة أتألم كثيرا لما آل إليه المسلمون هنا خصوصا الفتيات ما رأيكم في الموضوع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الانحراف الفكري والسلوكي الذي ابتلي به أبناء المسلمين هو الثمرة المرة لضعف التربية الإسلامية، وغياب دور العلماء في المجتمع، وضعف تأثير المسجد، فضلاً عن كيد أعداء الإسلام ومكرهم بالليل والنهار لإفساد هذا الجيل من أبناء المسلمين. ويزداد الأمر سوءًا إذا كان المسلمون يعيشون بعيدًا عن ديار المسلمين.
كل هذا يجعل المسؤولية الملقاة على كاهل المصلحين كبيرة وثقيلة، ويتطلب ذلك منهم أن يبذلوا كل جهدهم ويستفرغوا كامل وسعهم وطاقتهم في إرشاد الناس ونصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ ليستأنف الناس الحياة الإسلامية من جديد وفق المنهج الرباني. هذا، ولقد أحسن زوجك كل الإحسان عندما نهاك عن اليأس وترك دعوة النساء إلى الله، وانظري حكم الدعوة إلى الله وفضلها في الفتويين: 29987، 16759. ثم اعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن الدعوة إلى الله تعالى تتطلب أشياء، منها: العلم واليقين والرفق والصبر والأمل وغير ذلك، وانظري الفتويين: 45713، 31834. كما أن الدعوة تتطلب الاعتناء بالأولويات والبدء بالأهم قبل المهم؛ كالبدء بتصحيح العقيدة وترك المحرمات وفعل الواجبات المتحتمات، وانظري الفتوى رقم: 12803
كما ننصحك بالبحث في الفتاوى الموجودة على موقعنا (الشبكة الإسلامية) للإجابة عما يرد إليك من إشكالات النساء، والتي أشرت في سؤالك إلى بعضها، مثل: حكم خفاض الإناث، وستجدينه في الفتوى رقم: 4487، وحكم الارتداد عن دين الإسلام أو الاعتقاد بجواز عدم التدين بالإسلام، ودلك في الفتويين: 40113، 2453، وانظري الأدلة على أن دين الإسلام هو الدين الحق في الفتوى رقم: 54711. وانظري شروط جواز إقامة المسلم في ديار الكفار في الفتوى رقم: 51334 وأخيرًا نسأل الله أن يمن عليك بالاستقامة والصبر، وأن يشرفك بالعمل في خدمة هذا الدين، وأن يرزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(5/81)
دعوة النساء المتبرجات غير المتسترات
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أنه في إحدى دول إفريقيا دولة النساء فيها لا يسترن عورتهن إلا ما بين السرة والركبة.
هل يجوز لي كداعية السفر لهذه البلاد وتعلم لغتهم والاختلاط معهم بهدف الدعوة، حيث إن هذا هو اللبس المتعارف عليه في كل البلاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك السفر إلى هذه البلاد بغرض الدعوة إلى الله عز وجل، ولكن على أن تكون دعوتك للرجال، أو تكون عامة للرجال والنساء بشرط أن يكون بينك وبين النساء حجاب فلا تراهن، أو يكن متسترات لا ترى عوراتهن.
أما النساء اللاتي هن على ما ذكرت من هذه الصفة الشنيعة في لباسهن، فلا يجوز لك التصدي لدعوتهن وهن على هذه الحال، لأنه قد علم بإجماع المسلمين حرمة نظر الرجل إلى عورة المرأة الأجنبية، وهؤلاء النسوة عوراتهن مكشوفة، ولا تأمن من أن يقع النظر عليها.
ولا شك أن دعوتهن مصلحة، ولكن الغاية لا تبرر الوسيلة، فلا بد أن يتوصل إلى دعوتهن بوسيلة مشروعة، وذلك بأن يعمل الدعاة مثلا على دعوة أزواجهن وآبائهن وإخوانهن وتعليمهم الدين وأحكامه، ثم يتولى محارمهن دعوتهن، أو يوكل أمر دعوتهن إلى النساء المسلمات الداعيات إلى الله جلا وعلا، أما أن يتولى ذلك الرجال حال اطلاعهم عليهن في هذه الصورة فهذا ينبغي ألا يختلف في منعه وتحريمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1430(5/82)
الدعوة إلى نبذ البدع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم منذ 7 سنوات والحمد لله لكنني أواجه مشكلة عندما أنصح بعض الإخوان بالابتعاد عن بعض البدع فينكرون علي ذلك مدعين أنها بدع حسنة كالمصافحة بعد الصلاة بجملة -تقبل الله- وصيام 15 من شعبان والدعاء الجماعي بعد الصبح والعصر, فهل أكف عن ذلك أم أتابع نصحهم مع أنني أتضايق نفسيا وأتهم من قبلهم بالوهابي, فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما مسألة المصافحة بعد السلام، فقد نقل السفاريني عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه سئُل عن المصافحة بعد العصر والفجر هل هي سنة مستحبة أم لا؟ فأجاب بقوله: أما المصافحة عقب الصلاة فبدعة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستحبها أحد من العلماء.
قال السفاريني: ظاهر كلام العز بن عبد السلام من الشافعية أنها بدعة مباحة، وظاهر كلام الإمام النووي أنها سنة. قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: قال النووي: وأصل المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال لا يخرج ذلك عن أصل السنة. قال الحافظ: وللنظر فيه مجال، وبعضهم أطلق تحريمها (غذاء الألباب، وانظر فتح الباري) .
وفي حاشية ابن عابدين: قد يقال إن المواظبة عليها بعد الصلوات خاصة قد يؤدي الجهلة إلى اعتقاد سنيتها في خصوص هذه المواضع وأن لها خصوصية زائدة على غيرها، مع أن ظاهر كلامهم أنه لم يفعلها أحد من السلف في هذه المواضع ... ونقل في (تبيين المحارم) عن (الملتقط) أنه تكره المصافحة بعد أداء الصلاة بكل حال لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما صافحوا بعد أداء الصلاة ولأنها من سنن الروافض. وقد سبق بيان حكم المصافحة بعد الصلاة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8063، 2168، 44624، 56180.
وكذا يوم النصف من شعبان لا يشرع تخصيصه بصيام، قال الشيخ ابن عثيمين في مجموع الفتاوى والرسائل: الصحيح أن صيام النصف من شعبان أو تخصيصه بقراءة أو بذكر لا أصل له، فيوم النصف من شعبان كغيره من أيام النصف في الشهور الأخرى، ومن المعلوم أنه يشرع أن يصوم الإنسان في كل شهر الثلاثة البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.
وقد سبق أنه لم يثبت في السنة تخصيص يوم النصف من شعبان بصيام، في الفتويين: 2072، 11713، كما سبق بيان بدعية تخصيص ليلة النصف من شعبان أو يومه بعبادة معينة في الفتويين: 1554، 1584.
وكذا الدعاء الجماعي بعد الصلاة لا يشرع، كما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: الدعاء الجماعي بعد الصلاة بدعة لا أصل له في الشرع، والمشروع الذكر، والدعاء بالوارد بعد السلام من كل مصل بمفرده. انتهى. وقد سبق بيان بدعية الذكر والدعاء الجماعي بعد الصلاة في الفتوى رقم: 1000، والفتوى رقم: 44624.
ويمكنك مراجعة ضابط البدعة في الفتوى رقم: 631.
فهذه هي المسائل الواردة في السؤال، ولكن نود أن ننبه السائل الكريم إلى أن مثل هذه المسائل التي قد انتشر العمل على خلافها في بعض البلدان، ينبغي أن يتحلى المنكر لها بالصبر والحكمة، كما يجب أن يتسلح بالعلم الشرعي الذي يؤهله أن يعرف متى يتكلم، وكيف يتكلم، وبماذا يبدأ؟ فدعوة الناس إلى التمسك بالسنة وترغيبهم في المحافظة على الهدي النبوي عموما، وتعريفهم معنى البدعة وتنفيرهم عنها وترهيبهم منها، هذه الأمور يجب أن تسبق إعلامهم بكون هذا الشيء بعينه بدعة، لاسيما في الأمور التي صارت مستحكمة، خاصة إذا وُجد من أهل العلم من يفتي بجوازها.
ثم ينبغي أن يدرك السائل أن الإنسان إذا لم يكن علمه محل ثقة عند الناس، فمن المستبعد أن يقبلوا كلامه، فابدأ أولا بتعليم الناس ما يجهلونه مما تتحتم معرفته من أمور دينهم، ولا تبدأ أول ما تبدأ بالإنكار عليهم فتخسرهم، وعلى أية حال فالدعوة إلى الله تعالى تحتاج لصبر ومصابرة، وتقبل لمشاقها وتحمل أذى الناس في سبيلها، كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان:17} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1429(5/83)
حكم تصدر حالق اللحية ومن لا يحفظ القرآن للتعليم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق لشخص لم يحفظ القرآن ولا يلتزم باللحية إعطاء درس في المسجد وخصوصا هنا في الغرب حيث كثرت المذاهب والفتن.
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتصدر للتدريس ونشر العلم يشترط له أن يكون المتصدر عنده من العلم ما يؤهله لذلك، وإلا كان إفساده أكثر من إصلاحه، ولا شك أن حفظ القرآن من أولى ما يهتم به المتصدر لنشر العلم، ولكن لو لم يكن حافظا وأراد أن يدرس ما هو يتقنه ولا يستلزم حفظ القرآن فله ذلك.
وأما حلق اللحية فإن حلقها حرام ومعصية كما ذكرناه في عدة فتاوى، والمصر على حلقها مع علمه بحرمة ذلك يعتبر فاسقا عند أهل العلم، ولا ينبغي تصدير الفاسق في الأصل حتى لا يكون فتنة لغيره فيصدهم عن اتباع الحق، لكن لو فرض أنه لم يوجد من أهل العلم غيره مع حاجة الناس الماسة لعلمه أو لم يوجد لدحض الباطل غيره فالمصلحة الراجحة تقتضي بالسماح له في التدريس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1429(5/84)
حكم تعليم الآخرين ما يفهم من القنوات الديئية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم الذي يستمع ويتابع القنوات الدينية الفاضلة من التكلم فيما يسمع من كتاب الله والسنة الشريفة والفتاوى للآخرين من باب الدعوة إلى الله وهل يؤجر وماذا إن أخطأ في نقل بعض الأمور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من إفادة الآخرين بما يسمعه الشخص ويفهمه من خلال متابعته للقنوات الدينية وله في ذلك الأجر الجزيل إن شاء الله تعالى، لكن يجب التثبت والتحقق من فهم الأمور على حقيقتها، وإذا كان الشخص لا يستطيع التثبت والتحقق من فهم ما يسمع على الوجه الصحيح فإن نقله لتلك المعلومات قبل أن يسأل عنها ويستوعبها يعتبر خطئا كبيرا لا سيما إذا تعلق الأمر بالقرآن والحديث والحلال والحرام لأنه قد يفهم بعض الأمور على خلاف ما هي عليه.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 16518.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1429(5/85)
صبر الداعية وتحليه بالحكمة في دعوته إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم ... وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... أخوكم في الله عمري 61 سنة من فرنسا.. مشايخنا الأعزاء ... أنا إمام في مسجد في مدينة بفرنسا قد كثر فيها الجهل والبدع وقل فيها الإيمان وأعلمهم شيئا من السنن، فللأسف مرة كلمتهم عن السراويل البنطلون كيف يأتون إلى المسجد بها فبدؤوا يتكلمون كيف تقول هذا وذاك، وفي الأخير تسببوا لي في الأذى، والآن أريد أن أتخلى والسبب أنهم قليلوا الإيمان، فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نرحب بأخينا الإمام ونسأل الله أن يوفقه لما يحبه ويرضاه، وأما رأينا فنقول ابتداء ينبغي أن يعلم الداعي إلى الله تعالى أن عدم استجابة الناس لدعوته ونصحه ليس مبرراً لترك الدعوة إلى الله تعالى، ومن المعلوم من سير الأنبياء والمرسلين وأتباعهم من الداعين إلى الله أنهم صبروا على دعوة الناس إلى الله، ولم يكلوا ولم يملوا ولم يكن همهم انتظار النتيجة بل كان همهم الدعوة إلى الله تعالى ويكلون أمر هداية الناس إلى الله، وقد قال الله تعالى لنبيه: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:272} ، وقال تعالى: مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ {المائدة:99} ، وهكذا أتباع الرسل مطالبون بالبلاغ والصبر، وقد بقي نوح عليه السلام مجتهداً في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.
كما ينبغي للداعي إلى الله تعالى أن يعطي الأمور حقها من الإنكار، فالصلاة بالبنطلون ليست ممنوعة مطلقاً بل هي دائرة بين الجواز وبين الكراهة وبين التحريم كما بيناه في الفتوى رقم: 107009.
ولو فرض أن بعض المصلين يصلي ببنطلون لا تصح معه الصلاة فالحكمة تقتضي الصبر عليهم والاستمرار في دعوتهم بشتى الطرق بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا يؤكد للمسلمين أهمية أن يكون الداعي إلى الله على علم وبصيرة حتى لا تختلط عليه الأمور فينكر فيما لا محل للإنكار فيه ويسكت فيما لا يحل السكوت فيه، وانظر للأهمية الفتوى رقم: 36372 حول وسائل ومراتب وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والفتوى رقم: 62938 حول الدعوة إلى الله في ظل الفتن وظهور الفساد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(5/86)
هوية المسلم وأهميتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للإنسان أن يقول إن الزمن والحياة تتغير ويتغير معها الإنسان، أم أنه العكس أن الإنسان هو الذي يتغير ويغير معه الحياة والعصر والهوية والحق لكي يحصل على ما يريده وعلى شهواته الذاتية وكذلك الدنيوية.
وما مرتبة الهوية وأهميتها في حياة المسلم، وهل يمكن أن نقول بأن الهوية تتعلق بالدين يعني أن أنكر الإنسان وإن نسي هويته وأصله يمكنه كذلك أن ينسى وينكر دينه والعياذ بالله.
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال فيه شيء من الغموض، ولكن نقول: إن الناس بحسب تقلب أحوالهم الدينية من التزام وانحراف تتغير حياتهم من سعادة إلى شقاء وبالعكس، فإنا نجد بني إسرائيل كانوا مكرمين في مصر، ولما حصل الانحراف تغيرت حالهم فاستعبدهم الأقباط وأذلوهم، فلما جاء موسى عليه السلام وتغيرت حالتهم الدينية نجاهم الله من فرعون، ومكن لهم في الأرض، فلما انحرفوا بعد ذلك سلط عليهم بختنصر وقومه.
ونجد العرب في الجاهلية كانوا مستضعفين متفرقين، فلما أسلموا غير الله حالهم، فأعزهم الله بالإسلام؛ كما قال عمر رضي الله عنه، ومكن لهم في الأرض، فلما انحرفوا غير الله ما بهم.
وبهذا نعلم أن صلاح الكون وفساده يتغير بحسب مستوى استقامة العباد وتمسكهم بالطاعة والدين. فإذا اتقى العباد ربهم أعزهم ونصرهم وفتح لهم أبواب البركات والخيرات ويسر أمورهم وعافاهم، وإذا انحرفوا عن أمره سلط عليهم من جنوده وأنواع ابتلاءاته ما شاء.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 32754، 32949، 69967، 72037، 74500، 59621، 63373.
وأما الهوية فإن كان يقصد بها ما اصطلح عليه عند بعض المعاصرين من كونها تعنى مجموعة الأوصاف والسلوكيات التي تميز الشخص عن غيره، فإن الهوية الإسلامية التي تميز المسلم هي الانتماء إلى الله ورسوله وإلى دين الإسلام وعقيدة التوحيد، فبها يعتز المسلم، وفيها يوالي، وفيها يعادي ويحب ويكره، وهي منهج المسلم الذي يتابع فيه سنن من تقدمه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ويسأل الله الهداية والثبات عليه في دعائه في الصلاة حيث يقول: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ. {سورة الفاتحة7،6}
وأهمية هذه الهوية في حياة المسلم مثل أهمية الدين في حياته، وتنكر المسلم لها خطير على معتقده ودينه.
وأما إن قصد بالهوية مجرد الانتساب لبلد أوقوم، وما يتميزون به من عادة أو زي فإن هذا لا علاقة له بالدين، إلا أنه لا يجوز للمسلم أن ينفي نسبه، ولا أن يدعي نسبا غير نسبه الأصلي. ولو أن قومه أو أهل بلده تميزوا بشيء فوجد أفضل منه فلا حرج عليه في العدول عما كان عندهم إلى الأفضل.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(5/87)
أسلم لله ويريد دعوة قريبات له يمارسن السحاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم فرنسي ولي ابنة خالة وابنة خال وابنة عمة كلهن يحببن البنات ويعملن الفاحشة معهن يعني أنهن (ليسبيان) ولا أعرف كيف أتعامل معهن خصوصا أن علاقتي كانت بهن جيدة قبل الإسلام؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك نعمة الهداية إلى الإسلام ونسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الثبات عليه، ونوصيك بالحرص على تحصيل أسباب الثبات من العلم النافع والعمل الصالح ومصاحبة الأخيار ونحو ذلك، والواجب الحذر من أسباب الفتنة، ومن ذلك الحذر من هؤلاء الفتيات وأمثالهن، ويجب عليك قطع أي علاقة معهن ليسلم لك دينك وعرضك.
وما يفعله هؤلاء الفتيات لا شك أنه من المنكرات العظيمة، وإن كن كافرات فلا يستغرب حصول هذا الفعل منهن، ومن أهم ما ينبغي التركيز عليه دعوتهن إلى الإسلام، فإن أسلمن كان ذلك أرجى لإقلاعهن عن هذا الفعل، وينبغي أن يسلط عليهن في الدعوة بعض النساء المسلمات الموثوق بهن في دينهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1428(5/88)
دعوة الرجل النساء وكيف تدعى البوذية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معي بنت ولكن للأسف هي بوذية عرضت عليها الإسلام ولكن رفضت ولكني أشك في نفسي لأنه ربما عرضته ليس كما يجب فأريد أن أعرف كيف أعرضه عليها؟ ماذا أقول وماذا لا أقوله الآن؟ أعتقد طريقة العرض تكون مختلفة للبوذية والمسيحية! فماذا أفعل؟ أنا أخاف أن تموت هكذا......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولا أن ننبهك إلى أنه قد ثبت بالتجربة أن الرجل في دعوة النساء على خطر كبير، وقلما يرجع سالماً أبداً. بل لا بد أن يصيبه من غبار الفتنة ما يصيبه، وقد يغرق فيها. ففتنة النساء من أعظم الفتن، وأكثرها خطرا وضررا، كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
لذلك فإننا نقول لك أيها السائل الكريم إن هذه البنت إذا لم تكن من محارمك، فالخير في الابتعاد عنها كل البعد. ثم إن وجدت من يقوم عنك بدعوتها من النساء كزوجتك أو إحدى محارمك كان ذلك خيراً لك وأنفع لدينك، فلأن تنفع نفسك وحدها خير لك من أن تنفع غيرك وتتضرر.
وأما كيفية دعوتها إذا وجد من يقوم بذلك، فإنها تختلف باختلاف الفروق الفردية بين الناس. وملخص ذلك هو ما ورد في قول الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125} .
ثم التركيز على استجلاب عاطفتها بالقصص الشيقة والحكايات النافعة، والهدايا إذا استدعاها الحال ونحو ذلك ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(5/89)
هل للمقصر أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب غير ملتزم ولكني أريد أن أفعل الطاعات، فهل عندما أنشئ موقعا إسلاميا لا آخذ إثما لأني أنصح الناس بشيء وأنا لا أفعله ... مثلا أنشر سماع المحاضرات وأنا أسمع القليل منها فقط؟ وشكراً.. وهل يجب علي مسح الموقع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن المسلم مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى بكل وسيلة مشروعة مستطاعة، وموعود على ذلك بالخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى، وأن له من الأجر مثل أجور من عمل به لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ووقوع الشخص في المنكر أو عدم التزامه بالمعروف لا يسقط عنه هذا الواجب.
ومما لا شك فيه أن أولى الناس باتباع الحق هو من يدعو إليه، وأن من أهم عوامل نجاح كل دعوة هو التزام صاحبها بها وإيمانه العميق بصلاحيتها، ولذلك فنحن ننصح السائل الكريم بفعل الطاعات ونشر الخير بكل وسيلة تبلغه إلى الناس، ولا سيما على المواقع الإلكترونية، وهو مأجور على ذلك إن شاء الله تعالى ومشكور.
ولا تمتنع عن نشر المحاضرات الدينية والعلوم النافعة، بسبب عدم التزامك، فقد قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. وقال مالك رحمه الله: -وصدق- من ذا الذي ليس فيه شيء؟. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الاستقامة على طاعته، ويتقبل منا كل عمل صالح.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18104، 95132، 7583، 9329، 18468.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1428(5/90)
من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: نصلي في مسجد المنطقة التي نسكن فيها، إمام المسجد لا يكف عن النصح دبر كل صلاة، جزاه الله خيراً، ولكن بأسلوب جاف جداً جداً لدرجة أنه يقول لبعض الأشخاص إذا لم يعجبكم الصلاة بمسجدنا لا تصلوا عندنا المنطقة كلها مساجد، الأهم من ذلك عندما يرفع من الركوع إذا سمع شخصا يقول ربنا لك الحمد والشكر بعد الانتهاء من الصلاة تقوم الدنيا ولا تقعد، أعرف أن لفظ الشكر غير وارد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولكن هل هي جريمة إذا قال شخص من عامة الناس هذا اللفظ، فأرجو من سيادتكم توضيح الأمر، وكذلك توجيه نصيحة لهذا الإمام بكيفية التعامل مع الناس وكما قال ربنا عز وجل (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ؟ دمتم لنا بخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة الشكر ليست من الذكر الوارد عند الرفع من الركوع، وعليه فلا ينبغي الإتيان بها عنده، أما في غير الرفع من الركوع فلا حرج فيها، لأن الحمد والشكر كله لله تعالى، لكن ينبغي لمن أراد أن يبين للناس أمراً يتعلق بالدين أو غيره أن يبين ذلك بعبارة خالية من الانفعال والتوتر، فإن الأسلوب الطيب المقنع في مجال الدعوة والإرشاد والتعليم أشد تأثيراً وأعظم نفعاً من الأسلوب الذي يتصف بالجفاء والتوتر، ولذا كانت الطريقة الأولى هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والإرشاد مثال ذلك ما دار بينه وبين الفتى الذي سأله أن يبيح له الزنا فلم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم، بل أقنعه بأسلوب لين حكيم قاطع للحجة، وما حصل له مع المسيء في صلاته فلم يتركه صلى الله عليه وسلم حتى علمه كيفية الصلاة الصحيحة ولم يعنفه رغم تكرار أخطائه، إلى غير ذلك من الأساليب التي كان ينتهجها صلى الله عليه وسلم في هذا المجال وهو القدوة لسائر الأمة.
ومع ذلك فينبغي معذرة الإمام المذكور وإحسان الظن به لأنه لا يريد إلا الخير فيما نظن، مع العلم بأن بعض الناس تكون فيه حدة في الخطاب ومع ذلك يكون طيب السريرة حريصاً على نصح الآخرين، وللفائدة في الموضوع راجع الفتوى رقم: 15439.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1428(5/91)
ضوابط عمل المرأة في الدعوة إلى الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم أريد أن أسألكم عن المرأة إذا كانت تعيش في بلد مسلم يمنع الحجاب ويتربص بالمتحجبات في كل مكان حتى لا توجد امرأة محجبة ذات مركز أو مكانة أو قيمة علمية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية
أسال هل يجوز للمرأة المتشبثة بالحجاب في هذه الحالة أن تجاهد من أجل فرضه في هذه الأوساط كأن تتعلم أو تعمل في وسط مختلط (وخاصة في المجال العلمي بنية نفع الآخرين وبنية الدعوة إلى الله على أساس أن العلم يؤدي إلى الحقيقة إذا تدبرنا فيه) ولكن محافظة على الآداب الشرعية وأخلاق الإسلام وعلى الصلوات في أوقاتها (كلما أمنت الفتنة) ،
أم هل تتجنب الفتنة والمضايقات من السلطات الإدارية أو العلمية أو السياسية أو الأمنية وما فيها, حتى يمكن أن يضطروها في أحسن الأحوال إلى تغيير شكل غطاء رأسها أو تقبع في البيت رغم علمها وخبرتها ونيتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحجاب من فرائض الله التي فرضها على المسلمات قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ {الأحزاب: 59}
والمرأة المسلمة كالرجل المسلم تجب عليها الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، والجهاد في الله حق جهاده حسب وسعها واستطاعتها؛ كما قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ {التوبة: 71} .."
وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط.
وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير.. الحديث رواه مسلم.
فالدعوة إلى الله تعالى من أشرف الأعمال وأفضل القربات.. قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} .
ولذلك فإن على المرأة المسلمة أن تلتزم بشرع الله تعالى في خاصة نفسها وأن تدعو إليه بقولها وفعلها.. بنات جنسها وفي محيطها حسب طاقتها، وتتجنب أماكن الاختلاط المحرم والخلوة بالأجانب.. والأماكن التي يمكن أن تتعرض فيها للبلاء الذي لا تطيقه من السفهاء أو غيرهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟! قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه الترمذي وصححه الألباني، ولا يجوز لها أن تبدي من شعرها أو جسدها ما لا يجوز لها إبداؤه بحجة أنها تريد أن تدعو إلى الله تعالى من غير مضايقة من السفهاء أو غيرهم.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتاوى التالية أرقامها: 14610، 70698، 77407.
نسأل الله تعالى أن يحفظ بنات المسلمين وشبابهم..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1428(5/92)
يتعين على الداعية أن يكون أشد الناس التزاما بالشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يحلق لحيته مع شاربه وهل هذا تشبه بالنساء وحرام؟ ولماذا داعية كبير..... يحلق لحيته، وما رأيكم في هذا وأن يبلغ الدين شخص يحلق كل شعر وجهه وقد يكون لازماً للدعوة في هذا الزمان؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وأما حلق اللحية فقد فصلنا القول في بيان تحريمه في الفتوى رقم: 71215، وليس سبب التحريم التشبه بالنساء، بل ما هو أخطر من ذلك وهو التشبه بالكفار،
وأما الدعاة إلى الله فينبغي أن يستفاد منهم فيما يقولون من الحق، ولا يقلدون في أخطائهم التي قد يكونون قلدوا فيها قولا مرجوحا، بل إن الداعية يتعين عليه أن يكون أشد الناس التزاما بالشرع فذلك أدعى لقبول كلامه وهو منهج الأنبياء، وهو ما دعت له نصوص الشرع، فقد حكى الله عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ {هود:88} ، وقال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {البقرة:44} .
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إ ن اتقاكم وأعلمكم بالله لأنا. وفي حديث الصحيحين أنه قال: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه في النار، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه.
وراجع للمزيد من التفصيل في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9329، 28171، 53105، 75171، 33346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1428(5/93)
الدعوة إلى الله وتجنب الغضب وعقوق الوالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاختلاط في المدارس حرام حتى إ ن تقيد بشروط غض البصر وعدم المصافحة وإن صح التعبير عدم الكلام إلا في الضرورة؟
ملاحظة أنا أقطن ببلد ليست فيه ثانويات غير مختلطة
أنا فتاة أدعو صديقاتي للحجاب أتعلم أمر ديني وأبلغها لصديقاتي لاني أعلم مدى وجوب الدعوة عى كل مسلم لكن المشكلة تكمن في أنهن يعجبن بي ويحببني وكذلك أساتذتي وأنا لا أقصد بعملي إلا ابتغاء وجه الله ولكن عندما أكون في البيت رغم أني أحاول أن أرضي والدي ولا أغضبهما لكني أفعل بعض التصرفات عن غير قصد قد تغضبهما كانفلات أعصابي مع إخوتي وهذا ما يجعلني أحس وكأنني منافقة ومرائية فهل هذا صحيح؟ المرجو عدم إحالتي إلى أي فتوى وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدراسة في المدارس المختلطة كما هو شائع اليوم من الأمور المنكرة المحرمة؛ وذلك لأنها لا تخلو في الغالب من المنكرات، ولكن قد تدعو الضرورة والحاجة إليها فتباح بقدر ذلك مع الالتزام بالآداب الشرعية في الهيئة والحركة والحديث بالنسبة للرجل أو المرأة. كما بينا في الفتوى رقم: 5310، وبناء عليه فإن كنت لا تجدين مدرسة غير مختلطة وأنت بحاجة إلى الدراسة للعمل أو غيره وأمنت على نفسك من الفتنة، والتزمت بآداب الشرع في الملبس والحديث وغيره، فنرجو ألا يكون عليك بأس حينئذ في الدراسة بها.
وأما ما ذكرت من دعوتك لصديقاتك بالحجاب والالتزام فهو من الأمر بالمعروف والتناصح في الخير والتواصي بالحق، فجزاك ربك خير الجزاء ووفقك لما يحبه ويرضاه، وسدد خطاك، وهيأ لك من أمرك رشدا؛ إنه سميع مجيب.
ولا يضيرك ما تجدينه من الوساوس وما يختلج بداخلك من خشية الوقوع في الرياء والنفاق ما دامت نيتك خالصة فيما تقومين به من البر وعمل الخير. فقد شكى الصحابة رضوان الله عليهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن حنظلة الأسيدي قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله ما تقول! قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما ذاك؟ ". قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات.
ولكن عليك أن تجتهدي في البعد عما يغضب والديك؛ لأن إغضابهما من العقوق المحرم، وكذا رفع الصوت عليهما. ونوصيك بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جاءه رجل فقال، أوصني قال "لا تغضب. فردد مراراً قال: لا تغضب رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفي رواية أحمد وابن حبان: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. وروى الطبراني من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قلت: يا رسول الله قل لي قولاً أنتفع به وأَقلل: قال: لا تغضب، ولك الجنة ".
قال ابن التين: جمع صلى الله عليه وسلم في قوله "لا تغضب " خير الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين. ولمعرفة دفع الغضب وسبل علاجه انظري الفتوى رقم: 8038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1428(5/94)
الترغيب في حسن مظهر الداعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط على الداعية أو الشيخ أن يكون أنيقا؟.جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنه ينبغي أن يكون الداعية إلى الله تعالى حسن المظهر طيب الريح، وذلك لأمرين:
الأول: أن هذا أدعى لقبول دعوته والاستجابة لها.
الثاني: أن هذا كان حال إمام الدعاة وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب الناس ريحا وأبهاهم منظرا. قال أنس رضي الله عنه: ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط أطيب من ريح النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري. وأمر بتهذيب الشعر فقال: من كان له شعر فليكرمه. رواه أبو داود. ورأى رجلا دخل المسجد ثائر شعر الرأس واللحية فأشار إليه بيده الشريفة أن اخرج أي لإصلاح الشعر، ففعل الرجل ثم رجع، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان.
وأمر صلى الله عليه وسلم بلبس البيض من الثياب، وكانت أحب الثياب إليه وقال: البسوا الثياب البيض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم. رواه أحمد.
وهذا كله يؤكد اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعتنى المسلمون عموما بالمظهر الخارجي، ولكن ينبغي أن يكون ذلك من غير إسراف أيضا حتى يصير اهتمامه الأكبر وهمه الأعظم الأناقة وحسن المظهر، وصدق من قال:
كن في أمورك كلها متوسطا * عدلا بلا نقص ولا رجحان
والدعاة إلى الله أولى الناس بامتثال واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هديه الظاهر وحسن المظهر، ومع هذا فإذا لم يكن باستطاعة الداعية فعل ذلك، فلا ينبغي له أن يكتم علمه ويتوقف عن الدعوة إلى الله، بل يجب عليه أن يدعو إلى الله تعالى بعلم وبصيرة، وكم من داعية يعتبره كثير من الناس ليس أنيقا ولكنه أسر قلوبهم بعلمه ودعوته وحسن أخلاقه ومواعظه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(5/95)
حكم اتخاذ الكذب وسيلة للدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سبق وأن قرأت فتوى لكم تفيد حرمة إقامة علاقة صداقة بين الرجال والنساء عبر الإنترنت أي الدردشة والتعامل مع برامج محادثات الصداقة التي تتم عبر الإنترنت كتابةً، لذلك أريد أن أستوضح حكم ما أفعله
وهو كما يلي: أضع من ضمن المعلومات عني أنني فتاة (عكس حقيقة أني رجل) ، فيتصل بي العديد من الشباب ممن يريدون إقامة علاقات مع فتيات أجانب فأتحدث معهم كتابة وأقنعهم بأنهم يقومون بأفعال محرمة فمنهم من يتوب ومنهم من يصر على الذنب ثم أتركهم وهكذا؟
...
وشكرا على الإجابه مسبقا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن النصيحة من أعظم ما يتقرب به المسلم إلى ربه تعالى، ولعظم شأنها جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله في النصيحة كما في حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. رواه مسلم.
وقد أحسنت بحرصك على النصح إلا أنك لم تحسن اختيار الوسيلة -وإن كنا لنرجو أن تؤجر على نيتك- إذ إن هذا الذي فعلته من الكذب، فحقيقة الكذب الإخبار بخلاف الواقع، وهذا ما حدث منك بالإضافة إلى أن فيه نوعا من التجسس والبحث عن عورات الناس وهذا لا يجوز، علما أن وسائل الدعوة كثيرة ولا داعي لمثل هذا العمل، فالذي نوصيك به أن تجتنب هذه المحادثات، وأن تطلب لنفسك السلامة، وهنالك الكثير من مجالات الدعوة ووسائلها الشريفة، وراجع في الدعوة إلى الله ووسائلها الفتويين: 28335، 30150.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1427(5/96)
من شروط نجاح الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي شروط نجاح الدعوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن شروط نجاح الدعوة إلى الله تعالى تعلم العلوم الشرعية، ومعرفة حال المدعوين، والإلمام بأساليب الدعوة، ليكون الداعية على بصيرة. قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108} .
ومن شروط نجاحها أيضا التدرج من الأهم إلى المهم كما علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- معاذا رضي الله عنه حين أرسله إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الله، فقال له: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم. الحديث متفق عليه.
ومن شروط نجاح الدعوة استعمال الحكمة والموعظة الحسنة ولين الجانب وعدم التعنيف، ومراعاة الوقت والمكان المناسب حال الدعوة.
ومنها أيضا التحلي بالصبر والتحمل لما لا بد للداعية أن يتعرض له من طرف المدعوين من الأذى والنيل من عرضه أثناء أدائه.
ومنها أن يكون سلوك الداعية وعمله وتصرفاته موافقة كلها لما شرع الله تعالى حتى لا يكون هناك تناقض بين ما يدعو الناس إليه وبين ما يطبقه هو في نفسه فيكون كلامه صرخة في واد أو نفخة في رماد، كما قالوا. قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ {البقرة:44} .
إلى غير ذلك من الأساليب الحكيمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1427(5/97)
معلمة الإنجليزية ودعوة البنات إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة لغة انجليزية منذ خمس سنوات وطالبة علم شرعي حيث التحقت بدورات علمية موثوقة منذ سنتين تقريبا وأخذت دورات في التلاوة والتجويد وأدرس في الإجازة الصيفية القرآن في تحفيظ القرآن. وأنا أحب تدريس مادة اللغة الإنجليزية.
أحيانا يقول لي طالباتي في المدرسة (متوسطة) هل أنت معلمة انجليزي أم معلمة دين، وأرد عليهن أن لا يفصلوا بين الدين والدنيا فكلنا دعاة لله.
سؤالي هو: هل يلزمني أن أغير تخصصي إلى مادة شرعية حتى أكون داعية لله؟
وإذا لم أغير تخصصي فكيف أتخلص من وساوس الشيطان في أني مرائية وكيف أتخلص من شعوري بالفرح عندما يقال لي معلمة إنجليزي وملتزمة؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك بالاشتغال بدراسة العلم الشرعي، فدراسته مطلوبة من كل المسلمين مهما كانت تخصصاتهم، ولا يسوغ لأي صاحب تخصص أن ينشغل بمادته عن دراسة ما يحتاجه في أمور دينه من العلوم الشرعية، وينبغي لمن تعلم شيئا من الدين أن يعلمه لغيره فتلك زكاته، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالنضرة لمن سمع كلامه فوعاه وبلغه غيره، وقال في حديث أبي داود وأحمد: تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم. وبما أن المهمة العامة للتعليم هي التربية والتهذيب ونشر المعارف فيتعين استخدام كل التخصصات في هذا المجال، فعلى مدرس الانجليزية أن يجعل أمثلته كلها أمثلة شرعية أو حكما مفيدة تساهم في تهذيب أخلاق الطلاب وتحرضهم على الالتزام، ولا يلزم مدرس الانجليزية إذا اقتنع بأهمية تخصصه في الحديث مع الطلاب عما يفيدهم من الأمور الدينية أن يغير تخصصه إلى المادة الشرعية، بل عليه أن يحتسب الأجر في توظيف تخصصه فيما يفيد ويسد مسد من يخشى أن يستخدمه في نشر ثقافة الكفار وقيمهم وأخلاقهم.
وأما ما يوسوس به الشيطان لك فهو من مكره الخبيث حيث يثبط الناس عن العمل بدين الله بحجة أنهم مراءون أو أن الطريقة التي استخدموها غير سليمة وعالجي الأمر واقمعيه بتذكر ما أعد الله تعالى لمن ساهم في تعليم دينه ونشره والدعوة إليه من الثواب، فقد وعد الدعاة للخير والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بالفلاح فقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران: 104} .
وأما الفرح بما يقال عنك أنك معلمة انجليزية وملتزمة فهو من الفرح بما هو محمود، ونرجو أن يكون من بشرى المسلم في الحياة الدينا فقد قال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {يونس: 62 ـ 64} وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 33697، 52210، 41236، 11255، 26405، 62938.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(5/98)
الدعوة واجبة على الشخص بقدر وسعه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أبلغ من العمر18- 19 سنة, من السعودية. أستطيع التحدث قليلاً باللغة الإنجيزية. متمسك بديني قدر الإمكان, أصلي كل صلاة حتى الآن والحمد الله, أستطيع التكلم عن ديني بإيجابية للأجانب الآخرين. فجاءتني فكرة أن أدخل لبرنامج مسجلاً فيه اسمه " skype " وأعمل بحثاً عن أشخاص يتحدثون الإنجليزية في أمريكا وألمانيا وفرنسا واستراليا وغيرها وأكتب هذه العبارة " are you tired from this life, come here http://english.islamway.com/ and you will lose no thing ",وغيرها من العبارات, لكي أعرفهم عن ديننا الإسلامي, ووجدت تفاعلاً كثيراً منهم معي, وردوا عليً الأشخاص المسلمين في تلك البلدان واستمتعت بالحديث معهم عن أوضاعهم هناك, ولكن أخاف ان أقول شيئاً خاطئاً يجعلهم يأخذون عن ديني نظرة سيئة مع العلم أني لا أتكلم كثيراً, حتى إنني وجدت شخصاً يهوديا غاضباً مني لأني أفعل هذا الشيء فقال" أنا لا أحب الأشخاص مثلك الذين يريدون الآخرين أن يدخلوا في دينهم" فقلت له أنا لا أجبرهم أنا أعرض لهم فقط. فما أدري هل أكمل على هذا الطريق واستمر في دعوة الآخرين بهذه الطريقة؟
هل يوجد دعاة يذهبون إلى هذه البرامج ويدعون الأشخاص الذين لا يعلمون شيئاً عن ديننا سوى رؤيتهم للإرهاب والقتل في شاشات التلفزيون؟
وأشكركم مقدماً على اهتمامكم بنا, وأتمنى التوفيق للجميع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك على الاهتمام بالدعوة للخير والسعي في هداية الناس وعرض الإسلام عليهم.
وننبهك على بعض الأمور:
1- لا حرج على العبد في الدعوة إلى الله تعالى بقدر استطاعته, بل إن ذلك مطلوب منه شرعا؛ لما في حديث البخاري: بلغوا عني ولو آية.
2- لا بد من الالتزام بعدم الكلام فيما لا تعلم لئلا تفتري على الله, وعود نفسك على عدم الخوض معهم في الشبهات التي يوردونها ما دمت ليست لديك قدرة كافية من الرصيد المعرفي للرد على الشبهات ومن القدرة على الأداء بالإنجليزية.
3- اجتهد في تحصيل العلم الشرعي لتحصن نفسك وتزيد إيمانك وتسلم من التأثر بما يورد عليك من شبهات الضلال, وكن دائما على اتصال بأهل العلم لاستشارتهم والاستعانة بهم فيما يورد عليك.
4- ركز في كلامك مع المدعوين على بيان فضل الإسلام وأنه سبب فلاح الدارين فاذكر لهم حديث المسند: قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا. وبين لهم أن التمسك بالإسلام سبب للحياة الطيبة والعز والنصر والعلو والرفعة.
5- استعن بإرسال الرسائل والكتب والأشرطة إليهم ليستفيدوا منها, وأحلهم على الشايخ والمواقع التي تهتم بهذا الأمر.
وراجع - في بعض التوصيات المهمة في هذا الأمر بعض المواقع التي يقوم عليها علماء أفاضل - الفتاوى التالية أرقامها: 69558، 67146، 20895، 29347، 6828، 21363، 63082، 19193، 56402، 31169، 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1427(5/99)
الاستفادة من علم الداعية دون إقراره على خطئه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت من الأتراك أنه يوجد شيخ يسمونه بديع الزمان سعيد النورسي قالوا إنه كتب أحد عشر كتابا يقولون إنه كتبها بالإلهام من الله، ويقولون إن رسالته تفسير للقرآن يقولون إن داخل رسالته يوجد الإعجاز كما فى القرآن، ويقولون رسالته ستكون لهداية البشرية فى القرن هذا إنهم يعظمون هذا الرجل أكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتزوجون لأن هذا الرجل لم يتزوج لا يتركون لحية لأن هذا الرجل لم يترك لحية، يحلقون لحيتهم يوميا يقولون إننا نعمل خدمة للرسائل إننا سننشر رسائل النور على العالم لقد مات هذا الرجل 1963لقد ترجموا كتبه لكثير من اللغات ومنها العربية، أنا لم أفهم لماذا كل هذه الشيوخ كثيراً تطلع من الأتراك يقولون قولا إن العلم عندنا.. يتكبرون على كل الناس ويتمسك الأتراك بالصوفية ويكفرون من لم يقبل أفكارهم.. يكرهون العلماء كرها شديدا مثل ابن تيمية, ابن الجوزي, محمد بن عبد الوهاب, ابن عثيمين, ابن باز, الألباني، يقولون على هؤلاء العلماء كلاما عظيما وافتراء كأنهم نصارى والنصارى يضحكون من ناحية ثانية، أنا أعتقد شبهة فى إيمانهم ماذا نفعل لهم ... أريد على هذه الأقوال فتوى؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراجع التي تتحدث عن حياة الشيخ سعيد النورسي تفيد أنه داعية إسلامي ومفكر من أفذاذ المفكرين الإسلاميين في هذا العصر. وقد أبلى بلاء حسناً في مقارعة السعاة والدعاة للعلمانية وخروج المسلمين من دينهم، وقد جاهد في سبيل تثبيت الإيمان في قلوب الناس ورد الشبه والذود عن حمى المسلمين بقلمه ولسانه وسلاحه.
والواقع يشهد أن حال الإسلام في ذلك العصر يحتاج لمن يقوم بنصره في أي مجال والاستفادة من عمله دون إقرار لأخطائه ولا تقليد له فيها، فواجب المسلم هو الاستفادة مما عند الدعاة والمفكرين الإسلاميين من الفوائد وعدم الاقتداء بهم والتقليد لهم في الأمور التي علم حكم الشرع فيها مسبقاً.
بل يجعل النبي صلى الله عليه وسلم قدوته ومثله الأعلى دائماً، فقد كان يعفي لحيته ويتزوج النساء, وكان يحرض على الزواج وعلى مخالفة المشركين في حلق اللحى, وعلى حب العلماء واحترامهم وإجلالهم، وعلى المسلم كذلك ألا يمنعه تأثره من أحد المفكرين من أن يستفيد من العلماء الآخرين, بل يتعين أن يأخذ من علماء السنة ما عندهم من صفاء المعتقد, وأن يحسن الظن بهم ويحبهم, ويسأل الله الهدى للحق عند وجود خلاف بين ما عندهم وما عرفه عند المفكر الذي تأثر به. وراجع في تفاصيل ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41143، 3011، 62986، 7863، 71215، 33346، 70367، 69507، 7070، 5408، 7022، 52541، 3623.
وراجع الموسوعة الميسرة, وموقع إسلام أون لاين, وموقع رسائل النور لمعرفة حياة هذا المفكر وبعض أعماله وإنجازاته والملاحظات عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(5/100)
فتاوى في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أكون من جند الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 8580، 65335، 59868، 58011، 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1427(5/101)
كيف ندعو الكفار إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسكن في بلد كافر (كندا) وأعلم أن مهمة المسلم أن يكون داعية، ولكن هل من واجبي أن أدعو الكفار لدين الإسلام مع العلم بأني حاولت، ولكن المهمة صعبة جداً بما أنهم أناس لا يفهمون معنى قداسة أو دين، وأن هذه الدعوة تتطلب الكثير من الدراية الدينية والشرعية، لأن أسئلتهم تكون صعبة، فبعضهم لا يؤمن حتى بوجود الله والعياذ بالله فأخاف أن أقوم بشيء خاطئ، الرجاء نصحي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد وأن يريك الحق حقاً ويرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأما ما سألت عنه فالجواب أنه لا حرج في دعوة الكفار إذا تم ذلك بضوابطه الشرعية، وكان المتصدي لذلك على بصيرة بدينه تمكنه من عرضه وبيانه أحسن بيان وأتمه، وأن يكون أيضاً ذا مناعة تحميه من الشبه التي قد يطرحها أولئك، وقد بينا ضوابط دعوة غير المسلمين وصفات الداعية وواجباته في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28335، 7583، 21363، 40262.
ومما ننبهك إليك هنا أنه ينبغي اقتصارك على دعوة النساء وعدم التعرض للرجال، فالأولى تولي كل جنس دعوة جنسه، كما بينا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2334، 6163، 30911.
وأما الأسئلة العقلية والمنطقية أو العلمية التي لا تستطيعين جوابها فلا تجيبيها حتى لا تسيئي إلى الدين من حيث أردت الإحسان إليه، وحتى لا تصدي الناس عنه وهم يريدون الدخول فيه، وليكن جوابك دائماً لما لا تعلمين لا أدري، ففوق كل ذي علم عليم، ولتحيلي السائل إلى من يعرف ذلك من أصحاب الاختصاص والمهارة في الدعوة.
واعلمي أن أهم ما يجذب الناس وتملك به قلوبهم هو حسن الخلق وحسن معاملتهم والإحسان إليهم، فأظهري لهم خلق الإسلام وتعاليمه واقعاً عملياً في حديثك وعفتك وصدقك ووفائك وغير ذلك من شمائلك، وبيني لهم أن دينك يدعوك إلى ذلك ويجازيك عليه، ولا تدخلي معهم في الشبه ونحوها، وفيما أحيل إليه من فتاوى سابقة مزيد إيضاح لما ينبغي التزامه في دعوتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1427(5/102)
هل يدعو إلى الله إذا كانت معرفته بالدين غير كاملة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في الدعوة لله خاصة لغير الناطقين بالعربية حيث أعمل بشركة رفقة الناطقين بالإنجليزية لغتي لا بأس بها ولكن تواجهني مشكلة المعرفة غير المتكاملة فهل أدعو الأجانب وفقاً لمعرفتي أم أستعين بإعطائهم الكتب فقط وأتركهم يقرؤونها وهل يمكنكم مساعدتي بمنح كتب بعينها أطلبها منكم؟
جزاكم الله خيرا، وادعو لنا بالثبات ولكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسعي في هداية الناس من أعظم العبادات وأفضل القرب، وقد رغب الشارع فيه كثيراً كما في حديث البخاري: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. وليس من شروط الدعوة أن يكون الإنسان عالما بكل شيء، وإنما يدعو كل أحد بما يقدر عليه وما يعلمه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري.
وعليه فيمكنك أن تدعو الأجانب وغيرهم بما عرفته من الدين معرفة صحيحة، وتتجنب ما لم تكن تعرفه.
وإذا وجدت كتبا نافعة فلا بأس بإعطائها لهم أيضاً، وأما نحن فليس لنا كتب توزع في هذا المجال، ولكنك لو دخلت على الصفحة الإنجليزية بموقعنا لوجدت شيئاً كثيراً مما يعينك في الدعوة.
ونرجو من الله العلي القدير أن يسدد خطاك، ويهديك ويهدي بك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(5/103)
أعظم ما يغري الآخرين بالدخول في الإسلام ويؤثر فيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف كيف يمكن لي أن أكون سببا في هداية إنسان ما إلى الإسلام أو كيف أنجح في هذا، وهل هناك طريقة مأثورة عن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم؟ جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العمل للدين مسؤولية كل مسلم بحسب قدرته، ومن يتولى عن واجب العمل للإسلام فإن الله يستبدله بغيره، قال تعالى: وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ {محمد:38} .
واعلم أن من أعظم ما يعينك على التأثير في الآخرين أمور، منها: اعتزازك بالإسلام وتشرفك بالانتماء إليه، وأن يكون الإسلام هو همك المقعد المقيم، فإن ذلك سيجعلك تبذل كل جهد في دعوة الناس للانتماء إليه.
ثم اعلم أن استقامتك الشخصية وتمسكك بالدين ظاهراً وباطناً في جانب التنسك والتعبد وفي جانب الأخلاق والسلوك من أعظم ما يغري الآخرين باتباع دينك وانتهاج طريقتك، وقد قال الشافعي رحمه الله: من وعظ أخاه بفعله كان هادياً. وانظر الفتوى رقم: 62789، والفتوى رقم: 59776.
وأما طريقة نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله فلم تكن سواء، بل كانت تختلف باختلاف المدعوين ونفسياتهم، وباختلاف حال المسلمين من قوة وتمكين أو غير ذلك، وانظر الكتب التي عنيت بذكر سيرته صلى الله عليه وسلم وطريقته مع أوليائه وأعدائه، مثل كتب السيرة والشمائل، ومن أعظم ذلك الجزء الخاص بالسيرة من كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) لابن القيم، ولمزيد من الفائدة انظر بعض مجالات الدعوة وصورها في الفتوى رقم: 65335، وانظر صفات وآداب لا بد للداعية من التحلي بها في الفتوى رقم: 8580.
وانظر قواعد في دعوة الكفار للإسلام، وبيان ما يحتاجه من تصدى لدعوتهم في الفتوى رقم: 21363، والفتوى رقم: 29347.
وهذه قائمة ببعض الكتب التي تشحذ همتك وتبصرك بوسائل وطرق الدعوة إلى الله:
1- قبسات من الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد قطب.
2- المنطلق
3- العوائق
4- الرقائق وهذه الثلاثة لمحمد أحمد الراشد.
5- مشكلات الدعوة والداعية لفتحي يكن.
6- أصول الدعوة (وخاصة فصل: الداعي، وفصل المدعو) لعبد الكريم زيدان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1426(5/104)
دعوة المرأة الرجل الأجنبي عنها إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي ضوابط إنكار المرأة على الرجل الأجنبي؟ وأريد قصصا من احتساب المرأة على الرجل الأجنبي؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج أن تأمر المرأة الرجل الأجنبي بالمعروف وتنهاه عن المنكر بشروط وضوابط ذكرناها في الفتوى رقم: 46652، ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6163، 3054، 25116.
وأما قصص احتساب النساء على الرجال الأجانب فمنها ما ذكر أن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها استوقفت عمر في زمن خلافته فوعظته ونصحته، فقيل لها ويحك أثقلت كاهل أمير المؤمنين، وقيل له أتقف لهذه العجوز هذا الموقف، فقال أتدرون من هذه العجوز هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر.
وكذلك لما خطب على المنبر في تحديد الصداق بأربعمائة درهم اعترضته امرأة من قريش فقالت له: نهيت الناس أن يزيدوا في صدقاتهن على أربعمائة درهم قال نعم، قالت: أما سمعت الله تعالى يقول: وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا {النساء: 20} فقال اللهم غفرانك كل الناس أفقه من عمر، ثم صعد المنبر فقال: كنت نهيتكم عن زيادة صدقاتهن فمن طابت نفسه بشيء فليفعل. ذكر ذلك علاء الدين في كنز العمال، والسخاوي في المقاصد الحسنة. وابن حجر في المطالب العالية.
وقد كانت عائشة تنكر على الصحابة والتابعين، فقد أنكرت على أبي هريرة سرده للحديث وعلى عمر وابن عمر وغيرهم من الصحابة.
وممن سجل التاريخ لهن مواقف مشهورة في المجال الدعوي والعمل الإسلامي خديجة بنت خويلد وأم سلمة وسمية أم عمار وأم عمارة نسيبة بنت كعب المزنية وصفية بنت عبد المطلب وزنيرة وأم شريك والرميصاء والشفاء بنت عبد الله والخنساء ومعاذة العدوية وغيرهن، ولو كانت النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال.
وما التأنيث لاسم الشمس عيب * وما التذكير فضل للهلال
وللاستزادة نرجو مراجعة الفتويين: 16834، 44541.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(5/105)
الداعية إلى الله يبذل وسعه حتى يعبد الناس لربهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد أرسلت لكم أني اكتشفت أن أخي يشاهد الأفلام المخلة وهل يجوز أن أتحدث في هذا الأمر مع أخت في الله (والتي زوجها الشيخ يعرف أخي) بحيث يدعوه إلى الله دون أن يشعر أخي بشيء وقد تفضلتم بنصيحتي أنه يجوز ذلك مع الحذر ألا يعرف أخي شيئاً وبالفعل تحدثت مع هذه الأخت فقالت لي في بادئ الأمر ادعي له ولكن بعد فترة ومع شعوري بالحزن على أخي ولا أحد من المشايخ الذين يعرفهم يتصل به أو يسأل عن سبب امتناعه عن الذهاب للمسجد فتحدثت مرة أخرى لتلك الأخت وسألتها أين هؤلاء المشايخ والدعوة إلى الله مع أخي وهل الدعوة مقتصرة على درس في المسجد وطلبت منها أن يحاول زوجها الاتصال بهؤلاء المشايخ ثم سألتني ما السبب وراء انتكاسة أخي فقلت لها وهل إذا عرفنا السبب نستطيع حل المشكلة فقالت بالطبع عندما نعرف السبب نمشي في طريق الحل بناء على هذا السبب فقلت لها إنه يشاهد الأفلام المخلة (ولم أكن قلت لها من قبل عن هذا) وكذلك أني أشك أنه قد زنا والعياذ بالله ولكنها خذلتني وقالت لي: أنا لا أستطيع أن أقول لزوجي شيئا كهذا، فلماذا إذاً أتحدث معها؟! . ثم بعدها بيوم اتصلت بي وقالت إن زوجها شاهد أخي في الشارع فقال له نريد أن نراك في المسجد. وقالت لي جزاك الله خيراً على اهتمامك.
وأنا مندهشة جداً من رد الفعل هذا أهذا الشيخ منتظر عندما يرى أخي في الشارع ليقول له نريد أن نراك في المسجد! وهل أتحدث معها لتقول لي جزاك الله خيراً على اهتمامك وكأنها تقول لي لا تحدثيني في هذا الأمر مرة أخرى وبالتالي لم أعد أتحدث معها بخصوص هذا الموضوع أنا في غاية الحزن من رد الفعل هذا ثم أين الدعوة إلى الله؟ ما رأيكم في هذا الأمر؟
وجزاكم الله خيراً.
... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الدعوة إلى الله غير مقتصرة على الدروس التي تلقى في المساجد، بل ينبغي أن يوصل الداعية صوته إلى أبعد من الحاضرين فيها، فيبلغ صوته الآفاق بقدر المستطاع، وإن المتأمل في سيرة الأنبياء وأولي العزم من الرسل يجد أنهم قد بذلوا غاية الوسع في الدعوة إلى الله حتى أعذروا إلى ربهم، فهذا نبينا يدعو إلى الله من حضره من الناس، ثم يذهب إلى من لم يحضره في أسواقهم ونواديهم، ويعرض نفسه على القبائل في المواسم ونحو ذلك حتى بذل كل ما في وسعه في تعبيد الناس لربهم كما يحب ويرضى وتخليصهم من عبادة غير الله تعالى، ولم يكتف بدعوته المباشرة بل أرسل رسله إلى العالمين يدعوهم إلى الإسلام واستقبل الوفود، وجاهد صلى الله عليه وسلم حق الجهاد في إعلاء كلمة الله وتبليغ دعوة الإسلام إلى كل المعمورة حتى أتاه اليقين من ربه.
وهذا نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام يصور لنا القرآن بذله لوسعه في دعوة قومه واستفراغ طاقته في محاولة هدايتهم، قال تعالى حكاية عنه: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا {نوح: 5- 9} .
فهو يأتيهم في الليل والنهار، ويجهر بدعوته حيناً ويسر لهم بها حينا، وكلما فروا تبعهم ليسمعهم كلام الله، فيسدوا آذانهم من كثرة كلامه لهم، فيعرض عليهم اتباعه فيغطوا أعينهم حتى لا يروا، وهكذا الداعية الناصح لقومه، يبذل لهم كل النصح ويسمعهم كلمة الحق وإن كرهوا سماعها، ولا ينتظرهم حتى يأتوه.
وبالنسبة لأخيك، قومي أنت بنصحه، إما نصيحة غير مباشرة بأن تجعليه يسمع بعض الأشرطة أو يقرأ بعض المطويات التي فيها الزجر عن اقتراف المحرمات وتذكريه بالله، أو تنصحيه نصيحة مباشرة بلغة رقيقة حنونة ملؤها الشفقة عليه والخوف على مصيره، وأن لذات الدنيا فانية، ويذهب عبيرها ويبقى الذنب مسطوراً في صحيفة عمله، واستعيني في نصحه بالفتاوى ذات الأرقام التالية: 1256، 3605، 6617، 59061.
واتخذي بعض التدابير المذكورة في الفتوى رقم: 64616.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(5/106)
فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[قد يكون سؤالي بالنسبة لبعض الناس غير مهم ولكنه والله أرهقنى كثيراً.
أنا شاب عمرى 24عاما وقد نويت الزواج مع العلم أن إمكاناتي كانت وقتها لا تسمح ولكني تحديت كل من حولي والحمد لله ها أنا فعلتها فعندما نويت على الخطبة قمت بخطبة فتاة متدينة مع مراعاة مطالبي الشخصية في الفتاة ولكن كان هدفي الأول هو الدين والحمد لله قد كان ولكني بسبب أني لم أختر ذات النسب أي لم أضع عيني كثيراً على أهلها فهم أصحاب مبدأ ولكن الدين هامشي نوعا ما عندهم فهم مثل كثير من الناس يعرفون أن الزنا حرام والقتل حرام والخمر فقط ليس إلا، فهناك عقبات تقابلني مع أهلها فأهلها يعانون من حالة جهل ذريع دفين بداخل عقولهم والله الكلام من قلبي أنا تعبت جدا جدا منهم المهم في الموضوع أني عملت مشاكل كثيرا طبعا من عدم خبرتي في الموضوع، المهم تعلمت أني أخاطب الناس على قدر عقولها ولكن المشكلة أحيانا أجد نفسي لا أتكلم عن الخطأ المرتكب في حق الدين نعم وإذا فتحت فمي بأي كلمة قيل لي من والدها (لما تبقى في بيتك أبقى أعمل إلى أنت عاوزه يا عم الشيخ) أضطر أحط همي في قلبي ولساني في فمي لأني عاوزها وأسكت) فماذا أفعل أنا أشعر أنني منافق لأن الموضوع أصبح غريبا ومن فترة كانت خطيبتي تعمل والحمد لله عملنا مصيبة سودة (ومنيلة بستين نيلة) مع أهلها وخلاص قعدت من الشغل وربنا الحمد لله قد أعاننا لأننا عملنا هكذا لإرضاء ربنا فقط ولكن أحيانا تطرح مشاكل في الدين مثلا مشكلة إذا دخل وقت الصلاة وقام رب العمل بمنعي من الصلاة في المسجد أقول له يا حمايا يا حبيبي هذا حق ربنا أولى من حق رب العمل وربنا هو الذي يرزق يرد علي ويقول لي (يا عم الشيخ الدين يسر مش عسر) وقس على هذا في كل شيء الدين يسر ليس عسرا لدرجة أني أحس أني منافق لذا هو لم يعد يطيقني، وأنا والحمد لله ربنا قد رزقنى ببنت نفسها تطبق شرع ربنا ولا تخاف لومة لائم أخبرني بالله عليك يا حبيبي في الله ماذا أفعل؟
وأخيرا جزاكم الله كل خير وكل من يساعد في هذا الموقع ويا رب يا رب يجمعنا الله معا في الجنة ونشوف بعض كلنا ونأنس بالجلوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما بشأن ما يفعله المسلم عند رؤية المنكر، فتقدم بيانه في الفتوى رقم: 43762.
وأما النقاش العقيم مع والد الخطيبة وغيره فنرى أن تتجنبه، وأن لا تخوض في أمور غير واقعة وتجعل من النقاش حولها وسيلة لخصام أو نزاع وهي قد لا تقع أصلاً.
وينبغي لك أن تدعو الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن تحبب إليهم الدين لا أن تنفرهم منه، ولمعرفة آداب الدعوة إلى الله وصفات الداعية راجع الفتوى رقم: 8580، والفتوى رقم: 12803.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1426(5/107)
لا يشترط في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر خلوه من المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لي أخ لا يصلي الفجر في وقته بحجة النوم، وإذا استيقظ فإنه يصليه في البيت لكنه يصلي باقي الصلوات في المسجد ويدخن فهل لي هجره علما أنه يعترف بأنه عاص لكن لا يريدني أن أتدخل لأنني لا أخلو من المعاصي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة لها مكانة عظيمة في الإسلام، فهي الركن الثاني منه بعد الشهادتين، وهي أول ما يسأل عنه العبد من أعماله. وقد ثبت الوعيد الشديد في حق من يتهاون بها أو يضعيها قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً {مريم:59} . ومن المحافظة على الصلاة أداؤها في الوقت المحدد لها شرعا بالإضافة إلى فعلها جماعة في المسجد في حق الرجل المستطيع الذي يسمع النداء، فالواجب على أخيك اتخاذ الأسباب المعينة على الانتباه لأداء صلاة الفجر في وقتها، فإذا قام بذلك ولم ينتبه فلا إثم عليه لأنه معذور بسبب النوم، وراجعي الفتوى رقم: 54565، والفتوى رقم: 62448، والفتوى رقم: 29015، والأسباب المعينة على الانتباه للصلاة سبق بيانها في الفتوى رقم: 23701 والفتوى رقم: 24613. وإن صلى بالبيت مع قدرته على أداء الصلاة في المسجد فقد فاته خير كثير، ولكن صلاته صحيحة، وراجعي الفتوى رقم: 5153. والتدخين محرم شرعا لما يشتمل عليه من أضرار كثيرة ومفاسد عظيمة، وقد سبق بيان حكمه في الفتوى رقم: 1819. فعليك أولا أن تبدئي بنصيحة أخيك بحكمة ورفق مبينة له خطورة التكاسل عن الصلاة وتضييعها، إضافة إلى توضيح أضرار التدخين ومضاره مع الدعاء له بالتوفيق والهداية إلى طريق الحق والصواب. فإن لم يمتثل وغلب على ظنك أن هجرانه قد تترتب عليه مصلحة كإقلاعه عما هو عليه فلا مانع من أن تهجريه بقدر ما يحقق تلك المصلحة. وراجعي الفتوى رقم: 53706. والفتوى رقم: 20400. وكونك تفعلين بعض المعاصي ليس بمبرر لترك نصح أخيك، لكن يجب عليك أن تبادري إلى الإقلاع عن تلك المعاصي وأن تتوبي إلى الله تعالى توبة صادقة فإن المعاصي لها عواقب وخيمة وأضرار جسيمة، وللتعرف على تلك الأضرار راجعي الفتوى رقم: 54604، والفتوى رقم: 61486. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1426(5/108)
الدعوة إلى الله لا تسوغ ممارسة ما حرمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة طالبات نقوم بدروس كيف ندعو إلى الله برفقة طالب وحيد ما رأي الشرع في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم يتشرف بالدعوة إلى الله تعالى، وإلى هذا الدين العظيم الذي شرفه الله تعالى بالانتساب إليه والدعوة له، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت: 33} .
وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى الله تعالى على بصيرة، فقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف: 108} .
فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم يجب عليه أن يدعو إلى الله تعالى على بصيرة، وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.
والدعوة إلى الله عز وجل مجالها واسع، وللمرأة المسلمة دور كبير فيها، ولكن دعوة المرأة لها ضوابط يجب العمل بها، وكنا ذكرنا هذه الضوابط من قبل، ولك أن تراجعي فيها فتوانا رقم: 44541.
والدعوة إلى الله لا تبيح ممارسة ما حرمه الله، بل على العكس من ذلك، فإن الداعي مطالب أكثر من غيره بالتزام تطبيق أوامر الله، وأن يكون قدوة حسنة لمن يدعوهم، لا أن تختلط النساء فيها بالرجال، كما يفعل الفساق ومن لا أخلاق لهم، فتخالف أفعال الداعيات أقوالهن، ويعلم المدعوات عدم صدقهن فيما يدعون إليه.
وعليه، فوجود هذا الطالب معكن ولو كان وحيداً لا يسوغ، ويجعل الريبة تتطرق إليكن، فبادرن إلى تجنب رفقته لكنَ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1426(5/109)
التناصح بين الداعيات إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على أخت في الله، أحببتها كثيرا لكونها داعية والحمد لله أنا أيضا الآن داعية، لكن المشكلة التي تحبطني هي أنني زوجة رجل كان في أول أمره يتاجر في الحلال لكنه أضاف تجارة بيع الخمور، وقد سبق لي أن سألتكم وحكيتم لي عن قصة سيدنا نوح عليه السلام، جزاكم الله عني وعن المسلمين خير الجزاء، وهذه السيدة يا سيدي الفاضل وقع بيني وبينها اختلاف سببه في المرة الأولى أنها حلفت بالأيمان المغلظة عن كذب، والمرة الثانية كنت قد دعوتها لزيارة جارة لي فوقعت بيني وبين زوجي بعض المشاكل التي تتعلق به لكونه يسكر كثيرا، فألغيت الدعوة ولم تتقبل مني هذا الإلغاء لأنها من النوع الذي يحب أن يخطأ في حق الناس لكن الناس لا يجب عليهم الخطأ معها، أتدرون ماذا فعلت ولا زالت تفعل، تذهب عند أخواتي في الله وتأمرهن بمقاطعتي بدعوى أن زوجي يبيع الخمور وتقول لهن بأنه لا يجوز لهن أن يأكلن مما آكل منه أو يشربن مما أشرب، وإذا لقيتني في مكان ما ألقي درسا من الدروس أمرتهن بالتشويش علي وعلى المستمعات بقراءة القرآن الجماعية، والسبب في هذا أنها لا تريد أن ينافسها أحد، بالإضافة إلى الغيبة بين صفوف الأخوات، أقسم بالله أن حبي لها وخوفي عليها من الوقوع في المحظور هو الذي دفعني أن أستفتيكم، فبماذا تنصحون هذه الأخت؟ وماذا يقول الله ورسوله عن من يفرق بين اثنين متحابين في الله يجتمعان على ذكره ويفترقان عن ذكره لكونها هي من يفرق بيني وبين الأخوات، بماذا تنصحون أخواتي عن الأكل والشرب معي ببيتي، وهل يمكن لهن ذلك وهل يمكن لهن قبول الهدية مني، ما حكم الشرع في الذي يمارس الدعوة ويحلف بالأيمان المغلظة عن كذب بالإضافة إلى الغيبة، أذكركم يا سيدي أنني سبق وقلت لكم بأنني أجاهد في بيتي أحاول مع زوجي أن يترك الحرام ويعود إلى الله بأن يتوب إليه، أي أنني والله العظيم أتعذب من شدة عدم رضائي بالوضع الذي أنا فيه مع هذا الزوج، وأتعذب أكثر لما أحس بأن سبب بعد بعض الأخوات عني هو هذه التي تسمى داعية إسلامية، أرجوكم بل أنني أتوسل إليكم سيدي الفاضل أن تنوروا علي وعلى أخواتي بعلمك التي أسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناتك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحب في الله بين الأختين الداعيتين إلى الله تعالى مطلب شرعي وأجره عظيم، وكذلك الحفاظ على حضور مجالس الإيمان، فعليك بالحرص على قيامك بالدعوة إلى الله تعالى بين الأخوات، وبدعوة زوجك إلى الله، وحضه على التوبة والإقلاع عن بيع وشرب الخمر المحرم بيعه وشربه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها. رواه أبو داود والحاكم وصححه الألباني.
وحرضيه على الاقتصار على بيع ما يباح بيعه، وبيني له أن الرزق بيد الله وأن طلبه بالوسائل المحرمة مدعاة للحرمان كما أن الاقتصار على الوسائل المباحة والتمسك بالتقوى مدعاة لتيسير الأمور وفتح أبواب الرزق، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4} ، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:3} ، وفي الحديث: إ ن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد والحاكم.
وأما قيام الداعية بالغيبة والحلف كذبا فإنه يعتبر محرما شرعاً، ولكنه ينبغي علاجه بالتناصح بين الأخوات، وإذا كنت تعلمين عدم قبول الأخت لسماع النصيحة منك، فيمكن أن تحرضي إحدى الأخوات على نصحها أو تسعي في إيصال شريط أو رسالة إليها وغير ذلك مما يفيدها في الموضوع، مع الدعاء لها والصبر على ما تلقينه منها، ومحاولة دفع السيئة بالحسنة، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ، وفي حديث مسلم: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وأما اتهامها بأنها لا تحب من ينافسها، وأنها تحض المستمعات للدرس على التشويش بسبب ذلك، فإنه على فرض وقوعه يتعين تنبيهها على أن ساحة العمل لدين الله واسعة، وأنها تحتاج لتعاون الجميع على تحقيق ما يطلب عمله، ولئن بذل كل منهم ما استطاع من العمل فإنه ستبقى حاجات كثيرة تحتاج لمن يقوم بها، وليكن شعارنا جميعاً التعاون على البر والتقوى.
ولكن الأولى هو إحسان الظن بها، والتغاضي عن هفوتها، وحمل ما حصل منها على أنها ناقصة الفقه في موضوع هجر العصاة، والاستفادة من الداعي الذي تحصل منه بعض الأخطاء، فلا يكن ما حصل منها سبباً لوقوع البغض منك لها ولا التقصير في الدعاء لها ولا في دعوة غيرها.
ويتعين تنبيه الأخوات إلى أنه لا عصمة لأحد بعد الرسل، وأن خطأ المعلم والناصح لا يمنع من الاستفادة منه فقد ثبت في البخاري أن أبا هريرة قبل النصيحة من الشيطان بعد ما عرف قيامه بالتلصص والكذب ثلاث مرات، ومن المعلوم أن أبا هريرة من أعلم الصحابة وشيخه هو أعلم خلق الله، ولكن هذا لم يمنعه من الاستفادة من غيره مع علمه بانحرافه، ويتأكد التثبت فيما يلقيه المنحرف وعرضه على الوحي ليعلم هل هو صحيح أم لا.
وأما أكل أخواتك من طعامك فإنه يجوز شرعاً لأن الأكل من طعام من اختلط كسبه المباح بالكسب المحرم جائز إن لم يعلم أن عين المأكول حاصل من الحرام، ويدل لذلك ما في الحديث: أن يهودياً دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه. رواه أحمد، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم استجاب لدعوة اليهودي، واليهود كانوا يتعاملون بالربا ولا يتورعون عن أخذ المال الحرام. وعليك أن لا تغضبي عليهن إذا تورعن عن الأكل من طعامك. ويتعين عليك إذا أمكنك الإنفاق على نفسك من مالك الخاص أو تحرضي زوجك على أن ينفق عليك مما تأكد من سلامته من الحرام أن تفعلي، وكذلك أن لا تكرمي ضيوفك إلا بما علمت مشروعية أكله، وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 36998، 34460، 44171، 2314.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(5/110)
الداعية عمرو خالد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في ما يقدمه كل من الداعيين المصريين عمرو خالد ومحمد هداية للشباب؟؟
وهل من يتبعهما على هداية أم في ضلال؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الداعية محمد هداية غير معروف لدينا، وإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإن كان الأصل في المسلم السلامة، والواجب إحسان الظن بالمسلم خاصة من كان لهم دور في خدمة الدين.
أما عن عمرو خالد فراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59243، 55432، 24159، 60242.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(5/111)
الداعية الصامت في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي وسيلة الدعوة إلى الله في بلد لا أجيد لغته، وما هي الكتب المترجمة باللغة الإنجليزية عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت لا تستطيع التواصل مع الناس والحديث بلغتهم، فإن دعوتك لهم تكون باستقامتك في خاصة نفسك، فلا يرونك مخالفاً لشريعة الإسلام التي تدعو إليها، وكم من داعية صامت دخل الناس في الإسلام بسببه.
قال الإمام الشافعي: من وعظ أخاه بفعله كان هادياً. ومن أهم ذلك إتقان عملك والصدق والأمانة عند التعامل معهم، فإن ذلك هو عنوان شخصية الإنسان المسلم في بلاد الكفر، هذا وإن من أهم الكتب المترجمة باللغة الإنجليزية عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب (الرحيق المختوم) للعلامة الهندي صفي الرحمن المباركفوري، وقد قامت بطبعه (مع غيره من كتب العلم المترجمة للإنجليزية) دار السلام بالرياض.
وينبغي للأخ السائل أن يتوجه إلى المراكز الإسلامية ويعرض عليهم مساعدتهم في الدعوة إلى الله فلعله يجد من الدعاة من يوجهه إلى طرق الاستفادة منه في تلك البلاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(5/112)
من شروط من يتصدر للدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل من جماعة التبليغ خرج 14 شهراً متواصلا في بلاد الكفر للدعوة، فهل تجوز تلك المدة مع أنها للدعوة أم لا، مع العلم بأن علمه قليل، وهل عليه ذنب إن كان لا يجوز وأوضح لكم أن أهل هذه الجماعة يقولون إنه من المسؤول عن الناس التي تموت على الكفر فهم مسؤولون عنا وأعرف أنهم يدخلون كفرة كثيرين إلى الإسلام، فما رأيكم فيما ذكر سلفا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله هي وظيفة الرسل، وهي واجبة على أتباعهم، وإذا لم يقم بها من يكفي فإنها تتعين على القادرين منهم.
هذا؛ ولا يشرع لأحد أن يخرج للدعوة ويتصدر لها من غير أن يعلم ما يدعو إليه، كما أنه مطالب أن يدعو إلى ما يعلم وإن كان قليلاً كفاتحة الكتاب وصفة الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19193، 4812، 29987.
فإن العلم بما يأمر به الداعية والعلم بما ينهى عنه من شروط الدعوة إلى الله، ولذلك قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ {محمد:19} ، فقدم العلم قبل القول والعمل.
وقال سبحانه أيضاً على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108} ، قال القرطبي في بيان معنى قوله تعالى (عَلَى بَصِيرَةٍ) ، قال: أي: على يقين وحق.... انتهى، واليقين والحق لا يتوصل إليهما إلا بعد تحصيل العلم، وبتحصيل الداعية للعلم النافع تزكو نفسه ويرتفع عنه الجهل أولاً، ويدعو به غيره إلى لزوم طريق الحق والهداية ثانياً.
وهنا ننبه إلى حرمة الفتيا بغير علم، وأن يتكلف الإنسان ما لا يطيق فيتصدر قبل أن يتأهل ويتكلم فيما كفيه وفي الناس من هو أمثل منه، فقد قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} ، وقال أيضاً: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {الأعراف:33} ، ولمزيد بيان راجع الفتوى رقم: 14585.
وأما كون بعض الدعاة يخرج للدعوة إلى الله فترة طويلة -فهذا لا شيء فيه- إذا لم يترتب عليه إضرار بما أوجبه الله تعالى عليه كإعالة من ولاه الله أمرهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت.. رواه أبو داود وحسنه الألباني، وانظر الفتوى رقم: 41482.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(5/113)
الطريق إلى الدعوة في ضوء الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها المشايخ الفضلاء ما هي الطريقة المثلى للدعوة إلى الكتاب والسنة في مجتمع تغلب فيه المعاصي والبدع والبعد عن شرع الله مع قلة علماء أهل السنة ومحاربتهم من السلطة، فلا تكاد تجد مجلسا للعلم يدرس فيه شيئا من العلوم على منهاج أهل السنة والجماعة وفي الحقيقة نتأثر عند مشاهدة ما هي عليه الحالة في بعض الدول كالمملكة السعودية وإمارة الشارقة من خير وصلاح ونسعى للقيام بدور إيجابي في مجتمعنا لكن لا نحن علماء نستطيع إقامة الحجة وليست لدينا وسائل حقيقية للعمل فما هي نصيحتكم لنا؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الدعوة إلى الله تعالى وإلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من أشرف الأعمال وأفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى الله تبارك وتعالى، ولشرف هذه المهمة وصعوبتها فإنها لا يتحملها إلا أصحاب الهمم العالية الذي يبذلون في سبيلها النفس والنفيس، ولهذا، فهي مهمة أشرف الناس وهم الأنبياء والمرسلون والدعاة والمصلحون.. في كل زمان ومكان.
وقد خاطب الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف: 108}
فالدعوة أمانة في عنق كل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الناس يختلفون في ذلك حسب اختلاف مواقعهم وإمكاناتهم ومؤهلاتهم.
والذي ننصح به السائل الكريم وأمثاله أن يطلبوا من العلم ما يؤهلهم لأن يعقدوا حلقة تلاوة للقرآن الكريم في مسجد أو في بيت يوميا أو حسب ظروفهم وأن يضعوا برنامجا لحفظ شيء من الأحاديث النبوية بدءا بالأربعين، ويتعلموا مبادئ فقه العبادات وشيئا من أساليب الدعوة.. ثم يتدرجوا في الحفظ لكتاب الله تعالى وبعض متون الحديث والفقه وكتب الدعوة واللغة.. حتى يستقيم عودهم فينطلقوا بالدعوة إلى الله تعالى وسوف يجدون من الوسائل لتبليغ الدعوة وقبولها ما لم يكن لهم في حسبان.
كما قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {محمد: 7} . وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية 38979، 30150، 53349.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(5/114)
تعاهد القرآن يقوى حفظك
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء دعوتي بعض الشباب للدين وأثناء النقاشات أكون مرتبكا نوعا معا (وأنا أحفظ ولله الحمد أكثر من ثلثي القرآن) وفي أثناء النقاش أو الدعوة أستشهد بآيات من القرآن لكن بعض الأحيان أشعر أني قلت الآية بطريقة خطأ أو لم أقلها بشكلها الصحيح، وفي بعض الأحيان يكون هذا الأمر صحيحا وفي بعض الأحيان غير صحيح، فماذا أفعل خاصة أن الموضوع المفتوح للنقاش مثلا طرأ أثناء الجلسة بالتالي لم أحضر له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله والسعي في إحقاق الحق وإبطال الباطل والجدال بالحسنى في سبيل تحقيق ذلك من آكد الأمور الشرعية، والاستشهاد بالقرآن مسألة مهمة وضرورية لأن القرآن هو زاد الداعي ووسيلته للإنذار والهداية؛ لقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ {الأنبياء:45} ، ولقوله تعالى: قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي {سبأ:50} ، ولقوله تعالى: وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا {الفرقان:52} .
ولا شك أن الداعية والمحاور والخطيب قد يرتبك في بدايات عمله، ولكن العلاج في المواصلة حتى يتمرن ويسهل عليه الاستحضار بسرعة، وأن يكثر من تعاهد القرآن حتى يقوى حفظه، مع أنه لا مانع شرعا من الاقتصار على ذكر معنى الآية مع عدم الاستشهاد بلفظها.
فالحاصل أنا ننصحك بالجد في إتقان حفظ القرآن وعلى الدعوة والإنذار والجهاد به، وحاول أن تحضر الموضوع الذي تناقشه مع الشباب، ولا تستح أن تقول فيما لا تعلم: لا أعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1426(5/115)
هوية المسلم اعتزازه بالدين وتمسكه به
[السُّؤَالُ]
ـ[سادتي الأفاضل أنا أدرس في بلاد كافرة ,وأتحاشى مصافحة النساء والحمد لله ,وهناك من هم معي -وهم ملتزمون طيبون- لكنهم يصافحون , كنا دائما نتناقش في هذه القضية إلا أنني بعض الأحيان أعجز عن الرد عليهم , خصوصا أننا أحسسنا أنه في بعض الحالات يأخذ الناس فكرة خاطئة عن الإسلام , فهم يعتبرون هذا شكليا-طبعا من وجهة نظرهم (أعني الأجانب) -لكن نكون ليست لدينا الفرصة لشرح لماذا لا نصافح وكيفية العزائم والرخص في ديننا ليس لدينا سوى قول: أنا مسلم لا أصافح النساء, هذا طبعا مع الحملة الدعائية الحالية التي يتعرض لها الإسلام خصوصا كدين يهين المرأة, إضافة إلى أن الغالبية من المسلمين هنا تصافح مما يزيد الحرج. فهذه أمور قد لا يفهمها الكافر الملحد ببساطة وأضيف قضية دق الكؤوس وهل يجوز شرب ما بداخلها في حالتنا وظرفنا لأن سؤالهم لماذا لا؟ يتردد كثيرا وكذلك تهنئتهم بأعيادهم مع العلم أنهم طيبون عموما ويتفهمون ما يشرح لهم لكن بعض الأمور كما أسلفت -يعتبرونها شكلية-ومن الصعب حتى علينا نحن أن نشرح لهم هذا
أرجو الجواب بسرعة وأرجو أن تدعو لنا بالتوفيق كما أرجو ذلك من كل من يقرأ هذا السؤال]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين على المسلم التمسك بدينه والالتزام بجميع ما ثبت شرعا، وأن لا يتأثر بكثرة الهالكين، وليعلم أن ذلك هو السبيل الوحيد المضمون لتحقيق طموحاته في الدنيا والآخرة.
واعلم أن الكفار يتعين الحرص على هدايتهم والابتداء في الحديث معهم بالدعوة للإيمان والتوحيد، لما في حديث معاذ في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فليكن أول ما تدعو إليه شهادة أن لا إله إلا الله ...
فلا تهتم بإقناع أحد منهم بمسألة من مسائل الدين الجزئية، بل ادعهم للإيمان، وأَشعرهم عمليا أن تمسكك بدينك أمر لا يقبل النقاش، وأنك مسلم ملتزم لا تخالف تعاليم دينك التي منها عدم الاختلاط المحرم بالأجنبيات ومصافحتهن، وأن هذا أمر تتعبد به الله ترجو ثوابه وجنته والسلامة من ناره، وأنه ليس من الشكليات في نظرك.
وأما المسلمون الذين معك فادعهم للتمسك بالدين والتوبة والبعد عن المصافحة، وبين لهم مخاطر مس النساء الأجنبيات.
وأما مسألة دق الكؤوس فنرجو منك إيضاحها حتى نتمكن من جوابها بدقة، وإذا كنت تعني أن الأصدقاء الجالسين يدق أحدهم بكأسه كأس زميله دقا خفيفا ثم يشرب، فإن شرب ما بالكأس مباح إن لم يكن فيه مسكر، وأما المسكر فهو حرام، وأما الدق فإنه سمة من سمات شاربي الخمر فيتعين على المسلم البعد عن مشابهتهم، وراجع في التهنئة بالأعياد ومسألة المصافحة والأحاديث في خطورة مس النساء وضرورة التمسك بالدين مهما كانت الظروف، وفي أهمية البداءة في الكلام مع الكفار بدعوتهم للإيمان الفتاوى التالية أرقامها: 26883، 59396، 31768، 59000، 47106، 53773، 56594.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1426(5/116)
على داعية النساء أن يحذر من تلبيس إبليس
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي كالتالي: هل أستطيع أن أدعو فتاة للطريق السوي، علما بأنه لدي اليقين أن تأثيري عليها هو أكبر مما لو قام شخص آخر بنفس المهمة، لكن مشكلتي أني أخاف أن أصل معها إلى ما حرم الله؟ وشكراً، ملاحظة: إني أقوم بهذا لغيرتي على هذا الدين في بلاد المهجر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأولى أن ينشغل الرجال بدعوة أمثالهم من الرجال، وأن يقوم النساء بدعوة النساء، ولكن لا مانع أن يتصدى بعض الدعاة من الرجال لدعوة النساء لكن بدون خلوة أو إطلاق للبصر أو توسع في الكلام فوق قدر الحاجة أو نحو ذلك من المحظورات الشرعية.
ولكن إذا وجدت في نفسك ريبة وفي إيمانك ضعفاً فاحذر تلبيس إبليس، فإنه يفتح على ابن آدم بعض أبواب الخير ليوقعه في باب شر!! وإن النساء من أهم أسلحة عدو الله في غواية المؤمنين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. متفق عليه، فانج بنفسك، فإن السلامة لا يعدلها شيء، وانظر الفتويين التاليتين: 5271، 28328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1425(5/117)
مالذي يجب توفره فيمن يقوم بدعوة المرتدين وغير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت على موقع تنصير عبارة عن جماعة مرتدين عن دينهم إلى النصرانية يدعون أنهم أصحاب فكر سديد
وأنا طالب علم شرعي ولي ساعات محددة للدعوة على شبكة الانترنت ففكرت في قراءة ما يكتبون ثم الرد عليها من فتاوى أهل العلم والعلماء السابقين، فهل أسير على ما أفعل معهم مع محاولة دعوتهم للعودة إلى الإسلام قبل الندم يوم القيامة أم أتركهم وأدع شأنهم لغيري والتفت لما أفعل فلا فائدة منهم مع مثلي لقلة علمي وأترك هذا العمل لمن هو أعلم مني؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله والتصدي لشبهات المشككين ودحض حججهم من الواجبات الشرعية التي يقوم بها ورثة الأنبياء من العلماء والدعاة وطلبة العلم، وهي من أبواب الجهاد في سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم. رواه أحمد والنسائي وأبو داود وصححه الألباني. وقال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ {الأنبياء: 18} . قال أبو محمد بن حزم: والحجة الصحيحة لا تغلب أبداً فهي أدعى لقبول الحق وأنصر للدين من السلاح الشاكي والأعداد الجمة وأفاضل الصحابة الذين لا نظير لهم إنما أسلموا بقيام البراهين على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم، فكانوا أفضل ممن أسلم بالغلبة بلا خلاف من أحد من المسلمين. أهـ. فإن كنت ذا قدم راسخة في رد شبه هؤلاء المبطلين فاستعن بالله واستمر في دعوتك عسى الله أن يهديهم على يديك وتنال أجراً عظيماً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. أما إن كنت لا تقدر على بيان عوار باطلهم فينبغي أن تشتغل بما تقدر عليه، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك من الهداة المهتدين المصلحين. ويمكنك الاستعانة بهذا الموقع للرد على الشبهات.
(www. Elazhar. Com.)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(5/118)
حكم إقامة الرجل دورة دعوية للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من فلسطين لي نشاط دعوي وثقافي ضمن لجنة الشاب المسلم للدعوة والثقافة - ولا أزكي نفسي على الله - ومن الأنشطة إقامة دورات دعوية متنوعة وعلى رأسها الدورة العلمية (لكي تكون داعية) والحمد لله اشترك في هذه الدورة عدد كبير من الشباب ... سؤالي لفضيلتكم:
رغب إلي بعض الفتيات عبر مكتبي والبريد الألكتروني أن أعطي هذه الدورة لهن، وأن يكون لهنّ نصيب منها في يوم مخصص ومكان مخصص، علما أن المادة المطروحة مستخلصة من كتب علمائنا أهل السنة والجماعة.
مشيرا أنني نظرت إلى واقع الفتيات في فلسطين فوجدت أنه فعلا هناك نقص في الداعيات بل قد يكون معدما بالنسبة لداعيات الفساد والاختلاط والانحلال - وهذا لا يخفى على فضيلتكم، ويرجع لسبب محاربة الإسلام وأهله - فهل يجوز لي أن أعطيهن الدورة العلمية؟ مشيرا أن عددهن يتجاوز 150 فتاة بمختلف الأعمار. والمكان هو قاعة عامة تخصص لمثل هذه المناسبات. أفيدونا بارك الله فيكم وجزاكم عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن النساء مأمورات بالدعوة، لعموم قول الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران: 104} .
وعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري.
وعليه، فإذا كان في الإمكان أن تتدرب هذه الفتيات على الدعوة بطريقة لا يحصل معها ارتكاب أي محظور من كشف عورات، أو اختلاط محرم بين الأجانب، أو خلوة أو أي شيء آخر يؤدي إلى الفتنة، فإن هذا الأمر محمود، والأفضل أن يتولى تدريس الفتيات نساء إن أمكن ذلك، وإن لم يمكن فيلزم الأخذ بالاحتياط في تدريسهن من طرف الرجال.
والحاصل أن عليك ألا تتردد في إقامة هذه الدورة للنساء ما دمن في حاجة إليها، وراجع الجواب رقم: 2334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(5/119)
ما موقف المسلم من الدعاة غير الملتزمين بالسنة في الهدي الظاهر
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل:
أحب كثيرا أن أستمع إلى المشايخ والدعاة في القنوات الفضائية وهناك الكثيرون الذين أعطاهم الله تعالى القدرة على الوصول إلى قلوب البشر واستطاعوا بأسلوبهم الأخاذ أن يصلوا بكثير من العصاة إلى بر التوبة والأمان وإني وغيري الكثيرين نجد الراحة الكبيرة في الاستماع إلى محاضراتهم التي يشهد الله تعالى أنه ليس فيها ما يحيد عن منهج الإسلام وأجدهم لا يأمرون إلا بمعروف ولا ينهون إلا عن منكر ... ويدعون إلى محبة الله تعالى.. إلا أن ما يضايقني في الأمر هو بعض المآخذ التي تؤخذ على مثل هؤلاء الدعاة وهي عدم التزامهم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في اللباس والالتحاء. حيث أنهم يرتدون البدل الحديثة وأربطة العنق ولا يلتزمون بقصر البنطلون الذى من المفترض أن يكون لا يتجاوز كعب القدم.. فهل هذا سبب يدعوني إلى عدم الاستماع لمثلهم. في عصرنا هذا اختلطت علينا الأمور فقد تجد من المسلمين من يرتدى الجلباب ويطلق اللحية ولكن لا يطبق في معاملاته من الدين شيئاً ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى لا يؤاخذكم بصوركم وأشكالكم ولكن بما كسبت قلوبكم.. وأنا أجد في هؤلاء الدعاة الكثير من الخير وتقوى الله تعالى مما قد لا أجده في غيرهم فهل أترك الاستماع لهم مع راحتي واقتناعي التام بهم وأبحث عن غيرهم ممن قد لا يملكون القدرة على الوصول إلى قلوب الناس.
في انتظار ردكم.
مع شكرى الجزيل
شفاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أولى الناس بالتمسك بتعاليم الدين (وخصوصاً ما تعلق منها بالهدي الظاهر) هم طلبة العلم والدعاة إلى الله تعالى، إذ إنهم الطليعة والروََّاد والقدوة والمبشرون بعزّ الإسلام، وهديه وحسن سمته.
ولاشك أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الظاهر والباطن، فإذا صلح الباطن فينبغي أن يُرى أثر ذلك الصلاح على الظاهر، وانظري الفتوى رقم: 2846.
ولكن إذا خالف بعض العلماء والدعاة فتركوا شيئاً من الهدي الظاهر، فإن الأوْلى إحسان الظن بهم، فإن ثمت موانع قد تمنع بعضهم من التمسك بما شرعه الله تعالى من الهدي الظاهر، ومن هذه الأسباب: عدم اعتقاد وجوب التزام ذلك الهدي، ومن ذلك إعفاء اللحية، فمع أن الجمهور على وجوب إعفائها وحرمة حلقها للأدلة المتكاثرة على ذلك (انظريها في الفتويين: 263، 2711) .
إلا أن المتأخرين من الشافعية لا يقولون بحرمة حلقها، وإنما يقولون بكراهة ذلك، وانظري الفتوى رقم: 1491.
وكذلك إسبال الثياب، فمع اتفاق العلماء على حرمة جر الثوب خيلاء، إلا إنهم اختلفوا في حكم من أسبل ثوبه لكن بدون خيلاء، وانظري الفتوى رقم: 5943.
هذا، وينبغي التنبه إلى أمور:
الأول: أن ترك بعض العلماء والدعاة لبعض الواجبات أو المندوبات تهاوناً وتقصيراً أو تأولاً لا يجعلنا نتابعهم على ما هم عليه، فإن متبوعنا هو نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
الثاني: ليس كل من ظهر على شاشات التلفاز أو نُشر له في الصحف يكون من العلماء الذين يؤخذ عنهم، فإن مجال الإعلام قد دخله أناس كثيرون، فمنهم من يقتدى بفعالهم، ومنهم من ليس أهلاً لذلك.
الثالث: إن قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم لا يدل على أن التمسك بالهدي الظاهر ليس مما لا ينظر الله إليه، بل هو من الأعمال المطلوبة، إما على الوجوب أو الاستحباب.
الرابع: من الأدب مع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن إذا ذكرناه أن نصلي عليه كما أمرنا، الأفضل أن تجمع بين التلفظ بالصلاة عليه وكتابتها، وأن لا نكتفي بالرمز (صلعم) اختصاراً، وانظر الفتوى رقم: 7334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1425(5/120)
أهمية معرفة فقه الحديث والنص القرآني للداعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أهمية معرفة وحفظ النص القرآني والحديث النبوي الشريف للداعية ومعرفة فقه كل من الحديث والنص القرآني لكي يكون في كلامه ودعوته مميز عن العامة ويكون في أمن من الحكم على الأشياء ظاهراً دون حجة فقهية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على من تصدى لدعوة الناس وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر أن يتسلح بالعلم فيما يدعو إليه، ليدعو إلى الله على بصيرة، قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108} ، هذا وإن أولى العلوم بالتعلم هو القرآن، قال الله تعالى عن كتابه العزيز: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ {العنكبوت:49} ، والسنة مبينة للقرآن فينبغي الاهتمام بحفظ ما يستطاع منها، وانظر الفتوى رقم: 25499.
هذا، وينبغي أن يتنبه إلى أنه مع فضل حفظ القرآن والعناية بالسنة إلا أنه ينبغي الاعتناء بمعرفة فقه الحديث أيضاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
ولقد روى ابن عدي بإسناده: أن الأعمش -وهو من كبار أئمة المحدثين- قال: يا نعمان -يعني أبا حنيفة- ما تقول في كذا؟ قال: كذا، قال: ما تقول في كذا؟ قال: كذا، قال: من أين قلت؟ قال: أنت حدثتني عن فلان عنه، فقال الأعمش: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة. وقال نحو ذلك يحيى بن معين لأبي ثور، كما في المحدث الفاصل للرامهرمزي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1425(5/121)
من وافق قوله فعله فهو أجدر أن يستجيب له الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية جزاكم الله خيرا على كل ما تقدمونه للمسلمين وأسأل الله العلي العظيم بإسمه الأعظم أن يحرم النار على وجه الشيخ المكلف بالإجابة عن سؤالي وجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، شيخنا الكريم.. اليوم في صلاة الجمعة كانت الخطبة عن آداب الدعوة إلى الله.. وذكر الشيخ الخطيب جزاه الله الجنة أن الشخص إذا أحب أن ينصح شخصا لا بد أن ينظر في نفسه هل هو بعيد عن الذنب الذي سينهي عنه أم لا. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلنا الله وإياكم ممن يشربون من حوضه يوم القيامة حذر من هذه المسألة وحديث الرجل الذي يلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه معروف لدى الكثير ولكن يا شيخ عندي استفسار. كلنا نذنب وخصوصا في هذا الزمن المشبع بالفتن ولكن أحيانا يكون الشخص مبتلى بمعصية مثل شرب الخمر أو النظر إلى الأفلام الخليعة أو المخدرات وغيرها وهو يعلم أنها معصية ويحاول أن يجاهد نفسه ولكن تغلبه الشهوة والنفس والشيطان.. وفي نفس الوقت لايحب أن يرى أخاه المسلم يعمل نفس العمل وما يحب ان يبتلى بنفس المعصية لأنه يحبه.. فيقوم بنصحه مع أنه واقع في نفس المعصية.. فهل يكون من ضمن من ذكرهم الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث.. يا شيخ الواحد يصبح في حيرة.. إذا نصح وهو مذنب خاف من الحديث لأنه فعلا مخيف جدا وإذا سكت عن النصح فهو محاسب أمام الله لأنه عنده العلم والنصح وأخفاه وهو قادر على قوله.. فما الحل يا شيخ.. يا ليت تشرح لي الحديث بالضبط وتقول لي من هم المعنيون به وأنا مرة قرأت في موقعكم أن الجالسين على مائدة الخمر يجب أن ينهى كل واحد منهم الآخر لأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فيكف نوفق بين الحديث ومسألة الامر بالمعروف..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشرت إليه رواه البخاري ومسلم، وهذا نصه ـ واللفظ لمسلم ـ عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدوربها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون يافلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول بلى كنت أمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه. ولا شك في أن هذا الحديث حقا مخيف كما ذكرت في سؤالك، ففيه وعيد شديد لمن أمر بالمعروف ولم يأته ونهى عن المنكر وأتاه إلا أنه مع ذلك عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إذ ليست العدالة شرطاً فيه كما قال صاحب منظومة الآداب:
ولو كان فسق وجهل وفي سوى * الذي قيل فرق بالكفاية فاحدد
قال العلامة السفاريني في غذاء الألباب شارحاً له: (ولو كان) ذلك الشخص الامر والناهي (ذا) أي صاحب (فسق) بأن فعل كبيرة ولم يتب منها أو أصر على صغيرة، إذ ليس من شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون فاعله عدلاً في المعتمد، بل الإمام والحاكم والعالم والجاهل والعدل والفاسق في ذلك سواء كما في الآداب الكبرى. انتهى. ولو كان لا يأمر ولا ينهى إلا من ليس به وصمة لترك الأمر والنهي، قال القرطبي في تفسيره: وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر بمعروف ولا نهي عن منكر. قال مالك وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء!.انتهى، واعلم أن الأكمل للمرء بل الواجب عليه أن يتوب من جميع ذنوبه وأن يوافق قوله فعله وألا يخالف ما ينهى عنه، وله أسوة في العبد الصالح شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، حيث قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {هود: 88} ، ولا شك في أن من كان هذا حاله فهو أجدر أن يستجيب له الناس من ذاك الذي يأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويأتيه، وقد ذكر ابن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف أن يحي بن معاذ كان ينشد في مجلسه:
مواعظ الواعظ لن تقبلا * حتى تعيها نفسه أولا
ياقوم من أظلم من واعظ *خالف ما قد قاله في الملا
أظهر بين الناس إحسانه * وبارز الرحمن لما خلا. ولمزيد من فائدة راجع الفتوى رقم: 28171.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1425(5/122)
يدعو زميلاته في العمل إلى الحجاب ولا يستجبن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل في مجال عمل فيه إناث وبسبب طبيعة عملي فأنا أحتك بزميلات لي في نفس المجال، وبحمد الله عندي التزام ديني فأقوم بدعوة من لا تلبس الحجاب أو الجلباب أن تقوم بلبسه بالطريقة الشرعية وبأدب الإسلام وبدون خلوة , وهذا الأمر كان على مدار ما يقارب العامين ولكن لا أجد سوى الوعود وأن هناك أمورا أهم من هذا الأمر يجب عليهن أن يقمن بها ولا أدري ما هي , وآخر شيء سمعته منهن قولهن: إنهن على خطأ منذ نشأتهن ولا يستطعن التغيير الآن، وإنني على صواب وأنهن يعرفن به على الرغم من نشأتهن.
فأصبت بحالة نفسية لدرجة أنني أدعو ربي بإرسال معجزة أو زلزال أو كارثة حتى يرجعن ويرجع المسلمون ككل إلى الطريق الصحيح.
لا أدري ما أفعل! أنا من هذا الأمر نفسيا مستاء جدا.
فأفيدوني وعظوني وقولوا لي ما يريح نفسيتي من آيات وقصص مطابقة لما أنا فيه.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لطاعته ويعينك على فعل الخير والدعوة إليه، وننبهك إلى الأمور التالية:
1ـ أن في العمل الذي أنت تمارسه من الفتنة والخطر على الدين ما لا يخفى. روى الشيخان من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
فعليك بترك هذا العمل فورا والبحث عن عمل آخر بديل سالم مما ذكرت فإن كنت مضطرا لهذا العمل ولم تجد البديل فعليك بالحذر كل الحذر مما يحيط بك، ولا تتكل على ما عندك من الالتزام، خصوصا أن النساء اللاتي يعملن معك يبدو أنهن من المتبرجات، وأولئك أشد فتنة وأنفذ سهاما، فلا تختل بأي منهن، وغض الطرف عنهن، وتجنب الاحتكاك بهن.
2- أن الداعي إلى الله يلزمه أن يكون صبورا. ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر.
3- أن المسلم لا ينبغي له أن يتضجر ويسخط عندما يلقى موقفا غير سار، فأحرى أن يدعو على الناس بالزلازل والكوارث، والدعاء على الناس بغير حق ظلم واعتداء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 21067.
4- أن الداعي إذا أخلص لله في دعوته ولم يتجاوز شيئا من حدود الشرع، فإن الله يثيبه ولو لم يتبعه أحد، فالأنبياء وهم أفضل خلق الله يجيء بعضهم يوم القيامة ولم يتبعه أحد. ففي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد........ الحديث.
والله أعلم.
...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(5/123)
من شروط قيام المرأة بالدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً على كل الفتاوى التي أرسلتموها لي وبارك الله فيكم، سؤالي الجديد: تريد بعض النساء من عائلتي ومعهن بعض البنات الخروج مع بعضهن إلى بيوت الجيران والتوسع في الحي لدعوة البنات والنساء إلى الله تعالى والصلاة ولبس الحجاب، هل هذه الطريقة في الدعوة صحيحة، وإن كانت صحيحة فبم تنصحوهن وإن كانت غير ذلك فما الوسيلة المناسبة مع هؤلاء الجيران والأحياء لدعوتهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى هي عمل الأنبياء وهي أجلِّ العبادات وأفضلها، قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
ولم يفرق الإسلام في مطلوبية الدعوة بين الرجل والمرأة إلا فيما تتميز به المرأة من خصائص.
وعليه، فلا حرج فيما تقوم به النساء من عائلتك مع بعض البنات، وعليهن أن يلتزمن بالضوابط الشرعية ولا يفرطن في شيء من الحقوق المترتبة عليهن، فلا يقصرن في حقوق الأزواج ولا في تربية الأولاد، ولا يتركن الواجبات المنزلية والخدمات المنوطة بهن، ولا يختلطن بالرجال، ولا يخرجن متعطرات أو متجملات، ولا يتركن الحجاب ولا يبدين شيئاً من زينتهن إلى غير ذلك مما تطالب به المرأة، وأرجو أن يراجع السائل الكريم في القواعد العامة للدعوة الفتوى رقم: 8580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1425(5/124)
من الصفات المطلوبة فيمن يتصدى للدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من زوجة تقوم بكل أركان الإسلام والحمد لله، ولكن معظم وقتها يكون في التلفاز مع المسلسلات والأغاني، تكلمت معها كثيراً ولكن بدون فائدة، وإنها كذلك لا تهمها حالة الأمة، فإنها تقول هم هناك ونحن هنا، فإن كثيراً من الفتيات اليوم مثل زوجتي، أحب أن أقوم ببرنامج توعية فساعدوني أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لمن يتصدى لأمر الدعوة أن يكون حكيماً في دعوته لينا في تبليغها عالماً بما يدعو إليه، وانظر الفتوى رقم: 10574، وأما بشأن مشاهدة المسلسلات، فانظري الفتوى رقم: 1791، والفتوى رقم: 7571، والفتوى رقم: 10020.
ويمكن الاستفادة في إعداد البرنامج الدعوي ببعض ما في الفتوى رقم: 11465.
وانظر في أهمية الاهتمام بأمور المسلمين الفتوى رقم: 34598.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1425(5/125)
يريد أن يدعو إلى الله فما السبيل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال الرابع (أنا ولد شاب عمري لا يتجاوز 32عاما مستعد لأخدم الدعوة الإسلامية مدى الحياة علما باني في صندوق المهملات ولا أحد يعرف حالتي أني أستطيع أن أخدم الإسلام والمسلمين وأضحي بالغالي والنفيس في سبيل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما عن استعدادك للدعوة إلى الله ولخدمة الإسلام والمسلمين، فعليك بالالتحاق بالعلماء والدعاة في بلدك اليمن، فتعاون مع أهل الخير على الدعوة إلى الله تعالى وكل ما فيه نفع الإسلام والمسلمين.
وللمزيد من هذا الموضوع، راجع الفتوى رقم: 31169.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(5/126)
الضوابط الخاصة بالمرأة الداعية اإلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[. كيف أكون داعية الى الله؟ مع العلم أني أريد من يساعدني ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 2.أنتم تعلمون ما يحصل من المنكرات في الاعراس وحفلات الزواج ماذا تنصحونناأن نفعل في هذا البلاء وخاصة حفلات أهلنا مع العلم أننا لانستطيع أن نرفض حضورها حيث مكبرات الاصوات والموسيقى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزى الله السائلة خير الجزاء لاهتمامها بأمور دينها، وحرصها على الخير، فالدعوة إلى الله عز وجل مجالها واسع، وللمرأة المسلمة دور كبير في مجال الدعوة، ولكن لها ضوابط يجب العلم بها:
أولاً: الضوابط العامة للدعوة إلى الله ومنها الدعوة على بصيرة وعلم، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والدعوة بأمور مشروعة جائزة وغير ذلك من الضوابط العامة.
وهناك ضوابط تخص المرأة وهي:
1-أن تتوازن المرأة مع عملها في المنزل، فهو قرارها ومكان دعوتها الأول.
2-أن لا تقصرالمرأة في حقوق زوجها وأبنائها فتقدم مفضولا على فاضل.
3-بعد المرأة عن المحاذير الشرعية من اختلاط أو خلوة.
4-أن لا تؤثر دعوة المرأة على القوامة الزوجية للرجل فله القوامة والكلمة ويجب استئذانه.
5-أن تكون دعوة المراة في محيط النساء خصوصاً الخطاب المباشر، أما غير المباشر كالكتاب أو المقال فالأمر واسع في هذا.
أما كيفية الدعوة إلى الله عز وجل فبحسب حال المرأة من العلم والفقه والمستوى الدراسي، والثقافة العامة، فقراءة كتاب رياض الصالحين، والفتاوى، وإهداء الأشرطة الدعوية، والكتيبات الدينية، والنصيحة، وكتب التفسير، وتعليم الأولاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسماع البرامج الدينية الطيبة، كل ذلك من الأمور الدعوية النافعة.
ولمزيد من الفائدة في هذا الموضوع راجعي الجواب التالي: 8580، وبالنسبة للشق الثاني من السؤال راجعي الفتويين التاليتين: 17469 / 21564.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(5/127)
الداعية مطالب بأن يوازن بين حق الدعوة وحقوق الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة بإمام في أمريكا، وأعاني من مشكلة تدمير حياتي، زوجي مشغول دائماً بإفتاء الناس في كل مكان والرجال والنساء يتصلون به عندما يرجع البيت، وأحياناً تستمر هذه المكالمة لنصف ساعة (أتكلم عن النساء) ، وهو في البيت أيضاً يشتغل في بحث الفتاوى حتى يجيب الناس، ولا يذكرني ولا يلتفت إليَّ إلا في السرير (متأسفة على ما أقول) أو عند الأكل، حتى أنني أصبحت أعتقد أنني مجرد خادمة له فقط، وهو في الحقيقة ليس سيئاً بمعنى الكلمة لكن المشكلة تكمن في أنه مشغول دائماً، وهو يعطيني كافة حقوقي المالية، ولكن ماذا أفعل بالمال في ظل غيابه المستمر، أنا غاضبة جداً عليه لما فعل معي أثناء زيارة والديه السنة الماضية فقد كانت أمه حسودة وكان التعامل معها صعبا فحدثت بيننا مشاكل عدة مما أدى به أن قال لي يوماً أنت طالق، ثم قال لي إن والديه هما الذين أمراه بطلاقي، فاستغربت معاملته وتفكيره، ونحن الآن مع بعضنا ولكني أغضب منه بسبب أي مشكلة صغيرة وأصبحت أشعر أنني أكرهه، ولا أستطيع الكلام معه ولا أرى فيه إلا القبائح، ولي والدان منه آمل مشورتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على الزوج أن يؤدي حقوق زوجته المادية والنفسية، من النفقة والفراش (الجماع) وإشباع حاجتها العاطفية وما إلى ذلك، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38019، 3698، 17212، 27221، 13158.
وإننا لننصح الأخ المسؤول عنه بأن يوازن بين حقوق الناس في الدعوة، وبين حق زوجته وأولاده عليه، فإن الله تعالى قد أمر بأن يُعطى كل ذي حق حقه، وطغيان الحقوق بعضها على بعض يؤدي إلى فشل الحياة الزوجية ودمارها، كما أننا ننصحه بعدم الإفراط في التحدث مع النساء، لأن ذلك يفضي في الغالب إلى ما لا تحمد عقباه، ولو كان في أمور الدين، كما أنه يضايق الزوجة لما يحويه صدرها من الغيرة، ومراعاة شعور الزوجة مطلوب في هذا الأمر وغيره، ونصيحتنا للزوجة أن تتروى في أمرها، ولا تسارع بطلب الفراق، وعليها أن تقدر ظروف زوجها (الداعية) لأن الداعية عليه مسؤوليات كثيرة يحتاج إلى من يعينه عليها، فعلى الزوجة أن تدعو لزوجها بأن يُوفق للموازنة بين حقها وحق الدعوة، وراجعي الفتوى رقم: 12755.
والله تعالى يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1424(5/128)
من شيمة الداعية إلى الله التخلي عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
بكل اختصار ,,,,,,,
هل أستطيع الكذب لهداية شخص ما؟
مثلا أدعي بأني رأيته في المنام يعذب أو ما شابه ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نشكر السائل لحرصه على هداية الناس، إلا أننا ننبهه إلى أن الكذب من الأخلاق الذميمة، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه أحمد ومسلم والترمذي عن ابن مسعود.
والدعوة إلى الله عز وجل وإن كانت مقصدا حسنا، إلا أنه يمكن التوصل إليه بغير هذا الطريق، والداعية إلى الله ينبغي أن يكون من أبعد الناس عن الكذب.
ويمكنك أن تدعو هذا الشخص بالسبل المشروعة، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] .
وإذا لم ينتفع بذلك، فأحرى ألا ينتفع برؤيا كاذبة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1424(5/129)
كل يدعو قدر استطاعته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أبلغ من العمر 18 سنه كيف أدعو إلى الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى فرض على المسلم حسب استطاعته، قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] .
فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم تجب عليه الدعوة إلى الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغ الشاهد منكم الغائب. رواه البخاري ومسلم.
وأما أساليب الدعوة ووسائلها، فتختلف باختلاف الدعاة وبيئاتهم المكانية والزمانية، ويمكنك أن تطالع الفتوى رقم: 18815، لتعرف الشروط اللازم توافرها في الداعية والكيفيات التي يأخذ بها، وينبغي أن تكثر من المطالعة في الكتب التي تعتني بالدعوة والدعاة، وهي كثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1424(5/130)
أساء فابذل له النصح
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت شاباً متدينا يقوم بالنصيحة لنا ويرشدنا ونعتبره قدوتنا الصحيحة ورأيته في يوم لا يسلم على النساء فجاءت زيارتنا لناس فقلت له هل ستسلم عليهن قال لا وعندما ذهبنا قام بالسلام والحضن والبوس فما رأيك في هذا الشاب؟
أفتوني جزاكم الله خيرا.
وأرجو الرد في الحال وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الداعية قدوة لغيره، فلكي تثمر دعوته ويكون سببًا في هداية غيره عليه أن يتبع القول بالفعل، فيبادر إلى الائتمار بما يأمر به، والانتهاء عما ينهى عنه، والبعد عن مواطن الشبهات، فلا يكون سببًا في فتنة الناس، وصدهم عن دين الله.
ولا ريب أن مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية أو مس شيء من جسدها أمر محرم. فإن كان ما وقع فيه هذا الشاب من جنس ذلك، فقد أساء وأتى معصية من المعاصي. فالواجب بذل النصح له وتذكيره بكونه داعية إلى الله تعالى، ولا نعين عليه الشيطان، فلعله بالذكرى والقول الحسن ينتبه فيزدجر. ثم إنه ينبغي التنبه إلى أن الوقوع في المعاصي ليس بمانع شرعًا من القيام بواجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى: 11196، 28171، 1025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(5/131)
المتصدي لدعوة غير المسلمين يحتاج للتحلي بعدة أمور
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أناقش نصارى ومحاولة إقناعهم بالإسلام فماذا تشيرون به مع العلم أنني أريد قراءة الإنجيل لتكون لي المداخل وأنا أحاول جاهدة معرفه ديني بقراءة التفسير وقصص الأنبياء فبماذا تنصحونني لأكون ملمة وقادرة علي الرد بإذن الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التصدي لدعوة غير المسلمين للإسلام أمر هام وجلل، ويحتاج ممن أراده إلى كثير من الجهد والمثابرة، إذ يجب عليه أن يُلم بدينه أولاً، ويعرف شبهات الأعداء فيه والرد عليها، ثم يُلم بما يكون سبباً في إظهار عوار الأديان المخالفة للدين الحق، وإنما يجب ذلك لأن الداخل في هذا الميدان دون سلاح عرضة للافتتان أو على الأقل الانهزام، فربَّ فكرة صحيحة صادقة تفقد صدقها وقوتها بسبب من يتصدى لها، لا لأن الفكرة غير صحيحة، بل لضعف المتصدي لها وعدم إلمامه بها.
وعلم مقارنة الأديان صار علماً مستقلاً في هذه الأزمان، وألفت فيه الكتب، وصنفت فيه المصنفات، ولذا فإننا ننصح السائلة باتخاذ الخطوات الآنفة الذكر قبل البدء في مشروع دعوة غير المسلمين لئلا تكون فريسة لشبههم، مع ما قد يحصل لها من العجز عن رد شبههم في الإسلام، ومما يعين على ذلك قراءة كتاب قذائف الحق للشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وكتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لـ ابن القيم، وكتاب إظهار الحق لـ الدهلوي، وكتاب الجواب الصحيح لـ ابن تيمية، وغير ذلك.
كما أننا ننصح بسماع مناظرات الشيخ أحمد ديدات مع النصارى.
ولمزيد من المعلومات والفوائد راجعي الفتاوى التالية أرقامها: 27986، 15690، 20818، 8210، 19093، 19602، 10326، 22018، 25615، 28335.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1423(5/132)
هل يعذر الداعية المقصر في ترك الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التقصير يمنع من الدعوة إلى الله وإذا كان يمنع فهل هذا يصبح حجة لقفل باب الدعوة ولكن إذا قلت أدعو ولو كنت مقصراً فقد نفتقر للقدوة وهذا من العقبات الكبرى أمام الدعوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمقام الدعوة إلى الله مقام عظيم، قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] .
فهو سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه إلى يوم الدين.
ومن الصفات الضرورية التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية: أن يكون قدوة فيما يأمر به.. قدوة فيما ينهى عنه، وإلا زلت موعظته عن القلوب كما يزل الماء عن الحجر، وضعف تأثيرها جداً في المدعو.
وفي بعض الكتب السالفة:
إذا أردت أن تعظ الناس فعظ نفسك، فإن اتعظتْ وإلا فاستحي مني.
وقال بعضهم:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي الناس وهو سقيم
وقال آخر:
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى ... بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
وقال رجل لابن عباس: أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فقال له ابن عباس: إن لم تخش أن تفضحك هذه الآيات الثلاث فافعل، وإلا فابدأ بنفسك، ثم تلا: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] .
وقوله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3] .
وقوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود: 88] .
ومع هذا كله.. فيجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله، وتقصيره في دينه ليس عذراً له في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ولو لم يعظ إلا معصوم من الزلل لم يعظ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد لأنه لا عصمة لأحد بعده.
لئن لم يعظ العاصين من هو مذنب ... فمن يعظ العاصين بعد محمد
قيل للحسن: إن فلاناً لا يعظ ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: وأينا يفعل ما يقول، ود الشيطان أنه ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
وقال مالك عن ربيعة: قال سعيد بن جبير: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر، قال مالك: وصدق! ومن ذا الذي ليس فيه شيء.
من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط.
خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله يوماً فقال في موعظته: إني لأقول هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي، فأستغفر الله وأتوب إليه.
وكتب إلى بعض نوابه على بعض الأمصار كتاباً يعظه فيه وقال في آخره: وإني لأعظك بهذا وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لكثير من أمري، ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم نفسه إذاً لتواكل الخير، وإذاً لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذاً لاستحلت المحارم، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض.
وهذا محمول منهم رضي الله عنهم على هضم أنفسهم؛ وإلا فقد كانوا أئمة هدى ومصابيح دجى، ونحن علينا أن نسدد ونقارب، ونحاول أن نكون قدوة لغيرنا، فإن غلبتنا أنفسنا وظفر الشيطان منا ببعض الأمور فليس ذلك عذراً لترك الدعوة إلى الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1423(5/133)
التوازن المطلوب من الشباب والدعاة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف سبب الفتور الدعوي لدى بعض شبابنا المسلم يهتمون في السياسة على حساب الدين تجد الواحد منهم لا يحفظ السورة من القرآن بينما يحفظ أسماء وزراء الدول ويعرف الأحداث السياسية ويتابع جميع نشرات الأخبار أولاً بأول فنرجو منكم أن تدلونا على مواقع دعوية مفيدة وأن تحاولوا توضيح صورة لنا في كيفية التعامل مع هذا الفتور الإيماني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على المسلم تعلم ما تصح به عبادته ومعاملته، وهذا فرض عين عليه لا يجوز له التفريط فيه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم:
11280 - والفتوى رقم:
15872.
ثم هو مطالب بعد ذلك بالجد والاجتهاد في تحصيل العلم الكفائي، مع الدعوة إلى الله تعالى، وما يلزم لذلك من الاطلاع على أحوال الناس ومعرفة واقعهم، وينبغي أن يكون ذلك في اتزان واعتدال بحيث لا يطغى جانب على ما هو أهم منه، ولا شك أن انشغال الشاب بمعرفة الأحداث السياسية مع ضعف اهتمامه بحفظ القرآن وتحصيل العلم خطأ وتقصير واضح، وأما المواقع الدعوية على الشبكة فكثيرة جداً، يمكنك الاطلاع عليها من خلال موقع: www.sultan.org/a
أو من خلال موقع: www.raddadi.com
أو من خلال موقع: www.saaid.net
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(5/134)
ليس كل داعية فقيها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندنا في بلادنا ينتقدون بعض الدعاة منهم طارق السويدان وعمرو خالد 000إلخ. أفيدونا في هذا الأمر أفادكم الله بالقرآن والسنة المباركة؟ وإن كانوا كذلك أو لم يكونوا فأفيدونا بأسماء لا نأخذ عنهم أمور ديننا؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما ينبغي للمسلم أن يتحلى به قبول الحق ممن قاله، ورد الباطل على من قال، والحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها، والرجلان المسؤول عنهما لا نعرفهما معرفة جيدة، ولكن نقول: إن قالا حقاً وجب قبوله، وإن قالا باطلاً لزم رده، ومن كان لا يميز بين الحق والباطل لقلة بضاعته من الشريعة فعليه أن يأخذ عن أهل العلم الذين عرفوا بالعلم والصلاح، وهم كثير -ولله الحمد- متفرقون في البلدان، والأحكام الشرعية لا يجوز أخذها عن كل أحد بل الواجب على من لا يعلم الرجوع إلى العلماء، وليس كل من وعظ الناس ونصحهم وأرشدهم يصلح لأن يستفتى في الأحكام الشرعية، وإن كان جهده مشكوراً فيما يقوم به من الدعوة إلى الله عز وجل، وتذكير المسلمين وإرشادهم إلى الفضائل.
وقد اشتهر جماعة من أهل العلم عرفوا بالجمع بين العلم والدين كأمثال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والشيخ محمد بن صالح العثيمين ولهم نظراء وأشباه في كثير من بلدان المسلمين.
وأما عن التكلم في الدعاة فقد سبق أن بينا النصيحة في ذلك في جواب سابق برقم: 18788 فليرجع إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1423(5/135)
كل يتحدث في مجال اختصاصه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
سمعنا كلاماً خطيراً على الشيخ طارق السويدان من قبل بعض علماء الحجاز في تكلمه في بعض الصحابة واستدلاله بالأحاديث الموضوعة....إلى آخره
أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الكلام عن الدكتور طارق السويدان وعن أشرطته، وذلك في الفتوى بالرقم 10815 فلتراجع.
ونضيف هنا فنقول إن: مما ينبغي أن يعلم أن الدكتور طارق سويدان متخصص في بعض الدراسات الأكاديمية في جانب الإدارة من إحدى المؤسسات التعليمية الأمريكية، فيستفاد منه في هذا المجال.
وله أجره - إن شاء الله - في اجتهاده في النشاط الدعوي، إلا أنه لا يصح إطلاق القول بالاستفادة من هذه الأشرطة لما في ذلك من خطورة على عوام المسلمين، الذين لا يستطيعون التمييز بين الغث والسمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1423(5/136)
الداعية قدوة حسنة للآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تخبرني أختي في الله وهي في قمَّة الحيرة: أعرف داعيةً تقيم الدروس والمواعظ، والنساء يتأثَّرن بها وبدعوتها، ولكن حين أجلس معها جلسةً خاصَّة، أراها ترتكب معصيةً هي من أعظم المعاصي، فهي تغتاب الناس، بل وقد تغتاب والديها وتنتقدهما بشدَّةٍ أمام الناس دون احترام لهما ولا توقير!!.
تتساءل أختي كيف يمكن لإنسانٍ أن يحقِّق إنجازاتٍ دعويَّة، وأن تسيل دموعه بغزارةٍ بين يدي الله في الصلاة -وهذان الأمران نعمةٌ عظيمةٌ لا يؤتاهما إلا إنسانٌ تقيّ- بينما هي ترتكب هذه المعاصي الشنيعة؟ ما تفسير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكمال لله، وقلما يسلم بشر من الخطأ والذنب، إلا أن الواجب على من أخطأ هو التوبة والاستغفار، قال صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون." رواه أحمد والترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم." رواه مسلم، وليس هذا حثا على ارتكاب الذنوب، بل هو بيان لحب الله جل وعلا للتائبين، ولمدى قبوله للتوب منهم. أما بالنسبة للأخت الداعية التي تغتاب الناس فالواجب عليها أن تكون قدوة لغيرها، وألا يخالف فعلها قولها، ويجب على من اطلع منها على ذلك أن ينصحها، ويذكرها بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [الصف: 2،3] وبقوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) [البقرة:44]
وقد سبقت الإجابة عن حكم الغيبة والتحذير منها، وتفاصيل أخرى في شأنها برقم: 6710
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1422(5/137)
من علم مسألة من مسائل الدين عليه أن يبلغها
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يلزم المسلم الدعوة الى الله؟ أبعد العلم بما يدعوا إليه؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية ". [أخرجه البخاري] .
ولا تكون الدعوة إلا عن علم بما يدعو، قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني
وسبحان الله وما أنا من المشركين) . [يوسف:108] .
فتكون على بصيرة أي علم، وليس معنى ذلك أن لا يدعو المؤمن حتى يصير عالماً في كل الأمور، بل إذا علم مسألة من مسائل الدين، فينبغي له أن يبلغها المسلمين أو من يحتاجون إلى الدعوة.
هذا والله نسأل أن ينفعك وينفع بك، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(5/138)
حكم الدعوة إلى العمل بالقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم تعليم العمل بالقرآن من قبل معلمي الدراسات الإسلامية وعلماء الدين هل هو واجب أم لا، والدليل الشرعي من المذاهب الفقهية الأربعة أو أحدها الذي يدعم ذلك بمعنى أن يكون مكتوبا ذلك ضمنا في كتب الفقه الشرعي من المذاهب الأربعة وخاصة المذهب الشافعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال غير تام الوضوح، ولعل المقصود منه السؤال عن حكم إرشاد الناس إلى العمل بالقرآن من قبل العلماء وطلاب العلم.
فإن كان هذا هو المقصود فنقول: إن القرآن يأمر بالواجبات وغيرها كالمندوبات والآداب ومحاسن العادات، وينهى عن المحرمات والمكروهات وغيرهما من المذمومات.
والدعوة إلى امتثال فعل ما في القرآن من الواجبات وامتثال ترك ما فيه من المحرمات واجب، ويتأكد ذلك في حق العلماء وطلاب العلم؛ لأن الله تعالى قد أخذ عليهم الميثاق ببيان ما في القرآن، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ. {آل عمران: 187} .
ويتأكد وجوب تعليم أهل العلم الناسَ ما يجب عليهم أن يتعلموه إذا لم يوجد من يسد مسدهم، أو أن يكونوا متفرغين لهذا الأمر ويتقاضون عليه أجرًا من بيت المال، أو أن يتوجه الناس إليهم بطلب بيان الحق، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. {البقرة: 159} . وقال صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار. رواه أحمد وأبو داود.
وأما الدعوة إلى غير ما أشرنا إليه آنفًا مما يشتمل عليه القرآن، فإنه مندوب إليه ولا يجب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1430(5/139)
حكم دعوة الرجل كافرة أجنبية عنه للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يدعو كافرة أجنبية عنه للإسلام ـ سواء كان ذلك في مكان الدراسة أوالعمل أو مكان عام أو عن طريق الإنترنت؟.
وجزاكم الله خيراً وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نقول: الأصل هو جواز دعوة المسلم للكافرة إذا التزمت الضوابط الشرعية من ترك الخلوة والاختلاط والخضوع بالقول ونحو ذلك، ولكن هذه الضوابط من الصعب تحققها فينبغي أن يبتعد الرجال عن دعوة النساء ويتركوا أمر دعوتهن للنساء، لأن مباشرة الرجال لذلك ذريعة قوية للفساد والفتنة والشر، كما بيناه في الفتوى رقم: 99911.
فإن كان الرجل جاداً في دعوة إحدى النساء إلى الخير والبر فليدل عليها بعض أهل الخير والعلم من النساء المشتغلات بالدعوة إلى الله جل وعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1430(5/140)
دعوة النبي إلى الإسلام شملت الرجال والنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو النساء الكافرات إلى الإسلام؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس جميعاً ـ الرجال منهم والنساء ـ إلى الإسلام وإلى فعل الخيرات وترك المنكرات، وقد أنذر عشيرته الأقربين ـ رجالاً ونساء ـ ودعا قريشاً كلها إلى الإسلام، ودعا القبائل في مواسم الحج وغيره، هذا على وجه العموم.
أما على وجه الخصوص، فقد ثبت أنه دعا بعض زوجاته كخديجة ـ رضي الله عنهاـ ودعا بعض محارمه، ففي مغازي الواقدي: قال أبو حصين: وقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى نساء بني سعد بن بكر - إما خالة أوعمة - بنحي مملوء سمنا وجراب أقط فدخلت عليه وهو في الأبطح، فلما دخلت انتسبت له فعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الإسلام فأسلمت وصدقت ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبول هديتها، وجعل يسائلها عن حليمة فأخبرته أنها توفيت في الزمان، قال: فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سألها: من بقي منهم؟ فقالت: أخواك وأختاك، وهم والله محتاجون إلى برك وصلتك، ولقد كان لهم موئل فذهب، وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أهلك؟ فقالت: بذنب أوطاس، فأمر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسوة وأعطاها جملا ظعينة وأعطاها مائتي درهم، وانصرفت وهي تقول: نعم والله المكفول كنت صغيراً، ونعم المرء كنت كبيراً عظيم البركة. انتهى. أما دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة كافرة أجنبية بعينها فلم نطلع على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1430(5/141)
هل يأثم من دل شخصا لمنتدى ليستفيد فأساء
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو هل آخذ الإثم عندما أدعو شخصا لدخول منتدى؟ مثلا مثل رحيل أو أي واحد ثاني، وأنا كان هدفي الاستفادة والإفادة له، عندما دعوته للاشتراك وهو كذلك لكن ردوده لا تكون موافقة للشرع يعني الضحك ووضع الوجوه ورد غير ديني. هل أنا آخد إثما وعقابا؟ وإذا قلت له لا، ما بينفع هذا فهو لا يستجيب لكلامي
ماذا أفعل وهل آخذ الإثم والعقاب؟
أتمنى أكون وفقت في سؤالي لك. جزاك الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال غير واضح، وعموما إذا كان قصدك حين دعوته للاشتراك هو الإفادة والاستفادة، ولم تكن تتوقع أنه سيقوم بمخالفات فلا يلحقك إثم من جراء ما فعله بعد ذلك من مخالفات؛ لقوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164} ، لكن عليك بالاستمرار في نصحه برفق ولين وأسلوب حسن.
ونلفت نظر السائل الكريم إلى أن الضحك مباح في الأصل، لكنه إذا تجاوز الحدّ المعتاد كان مكروها كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 30423.
كما أن وضع الوجوه يختلف حكمه باختلاف هذه الوجوه، فإن كانت مرسومة باليد أو صورا فيها فتنة كصور النساء، فتحرم، أما إن كانت صورا فوتوغرافية لغير النساء خالية من الفتنة، ففيها خلاف بين العلماء وقد سبق بيان أحكام التصوير في الفتوى رقم: 108768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1430(5/142)
إرشاد غير المسلم لمواقع دعوية نافعة
[السُّؤَالُ]
ـ[باختصار لقد عملت مع إحدى المنظمات التي تستقطب عددا من المتطوعين الأمريكان الذين يقومون بأعمال تطوعية تفيد البلد وقد قابلت أحدهم حيث تبين لي بعد فترة طويلة من معرفته أنه ملحد ولا يؤمن بوجود الله لكنني أحسست فيه ميلا إلى الإسلام إذ إنه وقبل معرفتي بأنه ملحد بدأ بقراءة القرآن الكريم باللغة الانجليزية ودوما يشعرني بأنه متعطش لمعرفة المزيد عن الإسلام, أود أن أساعد في أخراجه من الظلام الذي هو فيه وفي ظل عدم قدرتي على شرح العديد من الأمور الإسلامية له بسبب عائق اللغة وعدم إلمامي بالعديد من المواضيع, فكيف أساعده وما هي الكتب الإسلامية التي يمكن أن أقدمها له باللغة الانجليزية لهدايته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا في حرصك على الدعوة إلى الله، وهداية الخلق إلى الحق، ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا في ميزان حسناتك، ونسأله سبحانه أن يشرح صدر هذا الرجل للإسلام.
واعلمي أن دعوة المرأة للرجل لا بد أن تكون منضبطة بالضوابط الشرعية، والأفضل أن يقوم الرجال بدعوة الرجال، ويقوم النساء بدعوة النساء، لخطورة الفتنة بين الرجال والنساء، والسلامة لا يعدلها شيء، ويمكنك مراجعة الفتويين: 71907، 30911.
فإذا وجدت عندكم بعض الجهات المتخصصة في دعوة غير المسلمين، فيمكنك تسليطها على هذا الرجل لدعوته، ويمكنك أيضا إرشاده إلى بعض المواقع الدعوية، ومن ذلك موقعنا هذا فإنه يحتوي على قسم باللغة الإنجليزية يشتمل على بعض الفتاوى التي تعرف بالإسلام ومحاورة الملحدين، ويوجد على بعض الكتب الإلكترونية فربما وجد فيها ضالته.
وبما أنك امرأة عاملة فنود أن نحيلك على بعض الفتاوى التي تبين بعض ضوابط عمل المرأة. فراجعي الفتويين: 3859، 8386.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1429(5/143)
امض في دعوتك إلى الله واصبر ولا تيأس من الإصلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إمام في قرية منذ سبع سنوات، ولكن أهل القرية التي أعمل فيها إماما يسمعون الخطب والدروس ويستمتعون ولا يطبقون منها إلا اليسير، يعطلون الكثير من الأحكام الشرعية، وينتمون إلى أحزاب علمانية، أذكرهم كثيرا ولكن بلا فائدة، حتى سميت هذه البلدة الطائف، وأهانوني وضربوني لأني أحدثهم عن خطورة الانتماء إلى الأحزاب العلمانية، علما بأنكم لو أتيتم إلى المسجد لوجدتم العشرات منهم يصلون ...
ولا أريد أن أطيل في شرح الموقف ولكن أصابني منهم ملل وأحيانا أخطب بدون نفس وأدرس بملل لأني أعلم أن هذا العلم لا يطبق وإنما شعار الناس: سمعنا واستمتعنا..
فأرجو منكم أن تقولوا لي كلاما يطيب خاطري ويثبتني على دعوتي، علما بأني فكرت في الرحيل من عندهم مرارا.........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه يا أخي هي طبيعة الطريق إلى الله عز وجل، فإياكَ أن تظن أن طريق الدعوةِ مفروشة بالورود، بل هي طريقٌ مليئة بالعقبات والعثار، وقد ابتلي أنبياء الله من لدن نوحٍ عليه السلام إلى نبينا محمد صلي الله عليه وسلم فثبتوا وصبروا، وثمن الجنة غال لا بد أن تبذله إذا كنت طالباً لها على الحقيقة، قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ. {البقرة: 214} .
ثم إن الثمرة والنتيجة ليست عليك بل الهدي هدي الله، ووظيفتك أنت هي التبليغ والنصح وبذل الوسع في ذلك والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ، وقد صبر نوحٌ على قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً فما تكون السبع سنين التي قضيتها في قريتك بالنسبة إلى هذه المدة؟، وأهل بلدتك منتسبون إلى الإسلام وإن وجُدتْ عندهم أخطاءٌ ومعاص أو حتى إصرارٌ على بعض الكبائر، فكونهم يحضرون ويستمتعون – على حد قولك – بشير خير، ونرجو إن شاء الله أن يكون الانتفاع عقب الاستمتاع، وحتى إذا لم يستجيبوا أما يكفيك أن تكون قد أرضيت ربك وأديت ما عليك؟، ولكَ في أنبياء الله أُسوة، وفي الصحيحين: فيأتي النبي ومعه الرهط، ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد.
فاستمر في طريقك يا أخي الحبيب ولا تترك النصح والتذكير، وتحمس لدعوتك، فأنت على الحق ولا يصيبنك الملل فليس هذا من شأن المخلصين، وفقنا الله وإياك لما فيه صلاح الدنيا والدين............
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(5/144)
الداخل في دين الله يعتبر كشخص جديد ولا يبحث عن ماضيه السيء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تعرفت على أمراه فلبينة عبر الانترنت وتوطدت العلاقة بيننا إلى أن سافرت إليها وكان شرطي لأتزوجها هو أن تشهر إسلامها وبعد زواجنا علمت أن لها طفلين غير شرعيين بمحض الصدفة وعند مواجهتها قالت إنهما أولاد أخيها وبعد ذلك اعترفت لى وقامت بخلق قصص وهمية، وبالطبع لو كنت أعلم بذلك قبل الزواج ما كنت أقدمت عليه، حيث إنني كنت سعيدا أنني تسببت بدخولها إلى الإسلام ولكن بعد زواجنا اكتشفت أنها كاذبة في كل شيء ودخولها فى الإسلام لم يكن عن اقتناع ولم يكن لديها أدنى اهتمام بمعرفة أي شيء عن الإسلام حاولت معها لكن دون جدوى. تركتها وتركت الفلبين وتعاهدت بيني وبين نفسي أن أنسى أنني قمت بالزواج منها وكأن شيئا لم يكن وبالطبع لم أقم بتسجيل زواجي في السفارة وذلك كي إذا تزوجت في بلدي تكون كأنها الزيجه الأولى لي فلا أحد يعلم أنني متزوج لاعتقادي أنها باخفاء ذلك عني قبل زواجنا يجعل من عقد زواجنا باطلا.. لا أعلم إذا كنت على صواب أم لا. ولا ألم ماذا أنا بفاعل وإذا كان ذلك الزواج صحيحا كيف أقوم بتطليقها وأنا لن أذهب إلى الفلبين ثانية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أخي في الله جزاك الله خيرا على إعانة هذه المرأة على الدخول في دين الله تعالى ولك إن شاء الله الثواب الجزيل على ذلك؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. رواه مسلم.
فما بالك بمن دعا إلى أصل الهدى دين الإسلام. كما يجب عليك التعامل معها على أصل إسلامها لأنا مأمورون بالتعامل مع الخلق بحسب ظاهرهم, والأصل هو إحسان الظن بالمسلم لأن إساءة الظن به معصية؛ لقوله تعالى: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات12} .
أما بالنسبة لطفليها غير الشرعيين فهذا ليس أعظم إثما من الكفر والإسلام يجب ما قبله, فلا يجوز البحث فيما كانت تفعل قبل الإسلام, وينبغي أن تعتبرها من الآن فصاعدا شخصا جديدا يحتاج دائما إلى التوجيه والدعوة والصبر على الطاعة, وطفلاها يمكن رعايتهما وتنشئتهما في جو إسلامي, ورحم الله من رباهما على الإسلام وحال بينهما وبين الردة إلى الكفر إذا تركا مهملين في وسط كفار.
وأما عقد النكاح فإن استوفى أركانه فهو عقد صحيح وإن لم يدون في الجهات الرسمية، وكنا قد بينا أركان عقد النكاح في الفتوى رقم: 7704. فراجعها.
أما إن فقد العقد بعض أركانه فهو عقد فاسد؛ لكن يختلف الحكم من حيث احتياجه إلى طلاق أو فسخ لإنهائه بحسب ما فاته من تلك الأركان وهذا لم يتبين لنا، وفي حالة صحة العقد إذا أردت مفارقة هذه المرأة فلا بد من أن تطلقها باللفظ أو بالكتابة إليها مع النية، وعليك أن تعلمها بذلك، وينبغي أن تشهد شاهدين، ولا يحتاج الطلاق إلى ذهابك إلى الفلبين، أما إن كان العقد فاسدا فعليك أن تكتب لنا كيف جرى العقد على هذه المرأة لنبين لك ماعليك أو تشافه بذلك من تثق به من أهل العلم.
وعلى فرض صحة النكاح ننصحك إن كنت قادرا بإتمام أجرك بالحفاظ على زوجتك وطفليها, سواء عدت إلى الفلبين أو أحضرتهم إلى بلدك وهذا أفضل ليعيشوا في بلد مسلم وينالوا من اهتمامك, وقد سبق أن ذكرت أنك سعدت بأنك تسببت في إسلامها, وأيضا تبتعد أنت عن أجواء الفتن التي تكثر في غير بلادنا, ومعاملتك التي تظهر جمال الإسلام ستحببه إليهم, وقد يسلم بسببها خلق آخرون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1429(5/145)
الدعوة على بصيرة من أفضل الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أن أذكر إخواني في المسجد مثلاً عقب كل صلاة بأمور دينهم، وأنا شاب عندي 20 سنة فأريد عقب كل صلاة أن أخبرهم بشيء من أمور الدين فهل في هذا شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المتصدر لتعليم الناس وتذكيرهم بأمور دينهم لا بد أن يكون على بصيرة بما هو بصدد بيانه وتعليمه.
وعليه؛ فإذا كان الأخ السائل أهلاً لذلك فليمض لما يود فعله من تذكير إخوانه في المسجد وغيره، فإن في تعليم الناس ودعوتهم إلى الخير من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، قال الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104} ، ويقول الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري وغيره. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغ الشاهد منكم الغائب ... وهو في الصحيحين وغيرهما، ويقول: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير. رواه الترمذي.
ومما يجدر التنبيه عليه في هذا المجال هو التأكيد على الإخلاص لله تعالى في هذا العمل فلا يريد به غير وجه الله تعالى، كما ينبغي اختيار المواضيع النافعة لمن يدرسهم، ويحرص على التأكد من صحة الأحاديث التي يستشهد بها وتحقيق الأقوال التي يوردها، وبذلك ينفع وينتفع بما يقول، كما ينبغي أن يراعي أحوال من يريد تذكيرهم وتعليمهم، فلا يعمل ما يؤدي إلى مللهم، ولينظر الفتوى رقم: 27680 لبيان ما ينبغي مراعاته في هذا الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1428(5/146)
المسلم حديثا يعلم الإسلام بالتدرج شيئا فشيئا
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني جزاكم الله خيرا أنا مقيم في روسية وتزوجت من فتاة روسية وبعد فترة أسلمت ولكن لا تعلن إسلامها بسبب خوفها من أهلها والآن لا ترتدي الحجاب بسبب الأهل والعمل وأمام زملائها بالعمل فماذا أفعل أكرمكم الله؟ مع العلم أني متزوجها زواجا عرفيا وتعيش هي في بيتها وأنا في بيتي. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه المرأة الروسية كتابية يهودية أو نصرانية فيحل نكاحها بشرط أن تكون عفيفة، ويشترط في صحته أن يتولى تزويجها وليها الكافر، وبحضور شاهدي عدل.
وإذا أسلمت وجب عليها شرعاً أن تلتزم بأحكام الشرع، فتفعل الواجبات ومن ذلك الحجاب، وتجتنب المحرمات ومن ذلك الخلوة بالأجانب.
وعليك أنت أيها الزوج أن تأمرها بفعل الطاعة وتنهاها عن فعل المعصية، وينبغي أن تتدرج معها في تعاليم الإسلام، لأنها حديثة عهد بكفر، فاجعل أول ما تفعله معها أن تغرس فيها الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله والبعث والنشور، ثم حثها على فعل الصلاة فإنها أعظم الواجبات بعد الإيمان، ثم تدرج معها شيئاً فشيئاً. وراجع الفتوى رقم: 31509.
وبما أنها حديثة عهد بإسلام فرغبها في الحجاب، وبفضيلته، وأنه صيانة للمسلمة، وانصحها بالحكمة والموعظة الحسنة، وأرها من نفسك القدوة الصالحة من الالتزام بأحكام الإسلام وآدابه وتعاليمه، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: فوالله لأن يُهدى بك رجلٌ واحدٌ خير لك من حمر النعم. رواه البخاري. وانظر في الحجاب الفتوى رقم: 56917.
وأما إذا لم تكن هذه المرأة كتابية فلا يصح الزواج بها أصلاً، فإذا أسلَمَتْ وأحببتَ البقاء معها فعليك أن تعقد عليها عقداً جديداً.
وأما حكم الزواج العرفي فقد بيناه في الفتوى رقم: 5962، 25024، وذكرنا أنه صحيح إذا توافرت فيه الشروط المعتبرة لصحة النكاح كما هي مبينة فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1428(5/147)
ماذا يصنع إذا دعا زوجته الكتابية فلم تسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج من مسيحية ولنا أربعة أطفال أكبرهم سنا ولد عمره 17 سنة وأصغرهم يبلغ من العمر 9 سنوات ولقد حرصت كل الحرص على تربيتهم تربية إسلامية والحمد لله، لكني فشلت في إقناع أمهم بالإسلام، فأنا حزين حزنا شديداً لأن 3 من أطفالي يصومون ويصلون معي لكن أمهم لم يهدها الله بعد، فأنا أفكر في ترك وهجرة زوجتي بعد عشرة دامت أكثر من 17 سنة إلا أني خائف على مصير أولادي، مع العلم بأننا نعيش في أوروبا.. أفتوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الهداية بيد الله وحده، فلا تستطيع هداية أحد إذا لم يشأ الله هدايته، قال تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص:56} ، فلا تحزن لعدم هداية زوجتك، ولا تبتئس ولا تذهب نفسك عليها حسرات، قال تعالى: وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ {الحجر:88} ، وقال سبحانه وتعالى: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ {فاطر:8} ، وقال تعالى: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا {الكهف:6} ، أي مهلك نفسك بحزنك عليهم إن لم يؤمنوا بهذا القرآن.
لكن لا تيأس من هدايتها، ولا تتوقف عن دعوتها، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وليس عليك إثم إن قمت بواجبك في دعوتها إذا لم تستجب، فإنما عليك البلاغ، ولا إكراه في الدين، وليس لك هجرها أو تأديبها، واحرص على تربية أبنائك على الإسلام، وإذا أردت فراقها فلا تترك لها الأبناء، فإنها ستؤثر عليهم وربما ردتهم بعد إيمانهم كافرين والعياذ بالله، وإذا كان القانون لا يسمح لك بأخذهم فأبق على الزوجة وقدم مصلحة الأبناء حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا، وتراجع الفتوى رقم: 14298، والفتوى رقم: 25604.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1426(5/148)
دعوة المجتمعات الريفية والقروية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المبادئ الأساسية في نشر الدعوة الإسلامية داخل المجتمعات القروية والريفية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى في المجتمعات الريفية لا تختلف عن الدعوة في غيرها من المجتمعات في الجملة، إلا إنه يراعى في أهل الريف محدودية ثقافتهم، وضعف مستواهم التعليمي مما يجعل الداعية يستخدم من العبارات ما يتناسب مع قدراتهم الذهنية، ولهذا قال ابن مسعود: ماأنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. وعلى هذا، فإن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها دعوة هؤلاء إلى الله هي: أولا: دعوتهم إلى تحقيق التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده. ثانياً: دعوتهم إلى تعظيم الآمر الناهي وحبه سبحانه، ومن ثم الاستقامة على منهجه، وهذا في الحقيقة من ثمرات تحقيق التوحيد: ثالثاً: تعليمهم فروض الأعيان وحثهم على أدائها. رابعاً: تحذيرهم من كبائر الذنوب وسائر المحرمات ليجتنبوها. خامساً: تحذيرهم من البدع وحثهم على الاعتصام بالسنة. سادساً: تعليمهم سيرة النبي وإبراز جوانب القدوة في حياته صلى الله عليه وسلم. سابعاً: إحياء الربانية فيهم وحثهم على التأله والتعبد لله بفضائل الأعمال. ثامناً: تثقيفهم بما يحاك لأمة الإسلام من مكايد، وإعلامهم بأصدقاء الأمة وأعدائها، حتى تتحقق فيهم عقيدة الولاء والبراء. هذا، وننصح كل من يدعو إلى الله تعالى بتقوى الله في خاصة نفسه، فما أسوأ الداعية المتهتك، كما ننصحه بالرفق في دعوتهم وأمرهم ونهيهم، وننصحه بالصبر على ما قد يناله من أذى في نفسه أو بدنه. وعليه بالتواصل والارتباط مع بعض أهل العلم من الدعاة والمربين ليتابع عمله ويفيده بخبرته في حل ما قد يعترضه من مشكلات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1426(5/149)
ضوابط دعوة الشاب للفتيات إلى الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم ملتزم من المغرب عمري 27 غير متزوج وأحب الدعوة إلى الله كثيراً، وأنا الآن أعمل في مقهى إنترنت حيث يتردد شباب مثلي ولكنهم هداهم الله لا يعرفون من الإسلام شيئاً أو يعرفون ولا يطبقون ووجدت نفسي أدعوهم إلى الله والرجوع إلى طريقه عز وجل ثم وجدت أن هناك بنات قصدنني بغرض أن أساعدهن على فهم الدين والالتزام به وهن يتصلن بي حيث إنهن زبونات عندنا، فهل سيادتكم مخطئ أنا في هذا الأمر مع العلم بأن نيتي لوجه الله، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يستعملك في خدمة دينه وفي نصرة شريعته، فتلك هي أفضل المنازل وأشرف الأعمال، وهي وظيفة الرسل الكرام، قال جل وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} .
هذا وإن الأولى بك أن ترشد أولئك الفتيات إلى الانخراط في صفوف الأخوات المهتديات المتمسكات بدينهن، وأن يلتففن حول إحدى الداعيات الفاضلات المعروفات بالتزام منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل. فإن لم يتيسر ذلك ولم يكن بد من تواصل معهن -فنوصيك وإياهن بالإلتزام بالآداب الشرعية، ومنها: غض البصر، وأن يكون الكلام بينك وبينهن على قدر الحاجة، وليلتزمن الحجاب الشرعي فلا يبدو منهن ما أمر الشرع بستره.
وفي الأخير نذكرك بأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويفتح على الإنسان أبواباً من الخير ليوقعه في باب واحد من الشر، هذا فضلاً عن أن فتنة النساء عظيمة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. رواه مسلم وغيره عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، وانظر الفتوى رقم: 55537.
وانظر حكم العمل في مقاهي الإنترنت في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29782، 24271، 15474.
وطالع كذلك الفتاوى المربوطة بالفتاوى السابقة، والله يحفظك ويرعاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1425(5/150)
مبررات إعطاء فئة ما من المدعوين رعاية أكثر
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ! هل ينبغي أن تنظر فى هذا الوقت من الدعوة الخفية تربية الشباب أولى من الصبيان، وتربية الفتيان أولى من الفتيات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يتضح لنا المقصود بالدعوة الخفية، ولكن على وجه العموم فإن الدعوة إلى الله تعالى تشمل جميع فئات المجتمع من الرجال والنساء والشباب والشابات، وهكذا كان شأن النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، يدعو الصغير والكبير، ويدعو الذكر والأنثى، لا يفرق بين صنف وآخر، ولكن إن وجد من الدواعي ما يقتضي الاهتمام بصنف معين لاعتبارات معينة، فلا حرج حينئذ في إعطائه المزيد من العناية، كأن يستهدف هذا الصنف من قبل أعداء الله تعالى لعظم تأثيرهم في المجتمع أو لأي أسباب أخرى.
وننبه إلى أنه ينبغي في الدعوة إلى الله تعالى تحري سلامة المنهج، بأن يسير الداعي في دعوته على منهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والعمل، بحيث يكون رائده في دعوته الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، وأن يتحرى كذلك سلامة الأسلوب، بحيث يكون اللين والرفق، والحكمة والموعظة الحسنة ديدنه، فقد قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] .
وثبت في مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا عزل عن شيء إلا شانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1424(5/151)
دعوة الرجل المرأة غير المحجبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 23 سنة أبحث عن بنت الحلال والحمد الله أنا أصلي وأوظب على كل الفروض والحمد الله عندي دكان وفي أحد الأيام جاءت بنت تشتري وحقيقة أعجبت بها وأظن أنها هي الأخرى بادلتني نفس الشعور أريد أن أتقدم لخطبتها لكن عندي مشكلة واحدة أنها لا تضع الحجاب على رأسها وأنا لا أريد ذلك فهل يجوز لي أن أحاول أن أقنعها قبل أن أتقدم لها أم يعتبر ذلك حراماً لأنها لم تصبح زوجتي وأنا فعلا أريد أن أقنعها فما الحال؟
وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا نهنئك بما أنعم الله به عليك من المحافظة على الفرائض، ونوصيك بالحرص على غض البصر دائماً، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] .
وفي الحديث: لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الأرناؤوط والألباني.
واعلم أن الطريقة المثلى لتحصيل زوجة أن توصي أمك أو إحدى محارمك بالبحث عن امرأة حسب المواصفات المرغوبة عندك وأهمها: الدين والعقل، فإذا وجدت من ترغب فيها فلا حرج عليك في النظر إليها إذا كنت عزمت على خطبتها، لما في الحديث: إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها. رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
وفي الحديث: إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
وأما إذ حصل ما قد حصل، فعليك أن تراجع الفتوى رقم: 4309 في حكم زواج المرأة التي لا ترتدي الحجاب.
والفتوى رقم: 19075 في خطورة إطلاق النظر.
وراجع في خطورة التبرج وعلاجه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6226، 6675، 26387.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(5/152)
الدعوة بشتى الأساليب للمقصر في جنب الله وإلا فالهجر
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلم أحد النصارى وتزوج من امرأة مسلمة وهو الآن لا يصلي ولا يصوم (بحجة مرض السكر) ولا يؤدي أى ركن من أركان الإسلام علاوة على أن هذه المرأة لا تصلي بانتظام ولا ترتدي الحجاب ما هو حكم التعامل معهما في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمرض السكر لا يمنع الإنسان من الصلاة، وقد يمنعه من الصيام، وحينئذ يجب عليه إطعام مسكين بدل كل يوم، كما سبق مفصلاً في الفتوى رقم:
9854.
ويجب أن يعلم هذا الشخص أنه يجب عليه الصلاة والصيام إن إطاقه، وإلا فالإطعام، وكذا تجب عليه الزكاة إن كان له مال تجب فيه الزكاة، وهكذا سائر الفرائض.. فإن استجاب وفعل ما أمره الله به وخصوصاً الصلاة، وإلا فهو مرتد عن الإسلام، وللمرتد أحكام سبق تفصيلها في الفتوى رقم:
2584.
وأما زوجته فإن كانت تصلي أحياناً، وتدع أحياناً، ولا ترتدي الحجاب فهي على خطر عظيم، وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن من ترك صلاة واحدة متعمداً فقد كفر.
وعلى كل حال فالواجب عليكم نصح هذين الزوجين وتبيين هذه الأحكام لهما بالوسائل والأساليب المناسبة، وإخبار من يستطيع التأثير عليهما أو إلزامهما بذلك من القضاة أو الدعاة أو وجهاء البلد ونحوهم، وينبغي أن يكون تعاملكم معهما حسب المصلحة الشرعية، فإن كان القرب منهما ونصحهما وإرشادهما والإحسان إليهما يؤثر فيهما ويحملهما على التوبة فلا تهجروهما، وإن كان هجرهما والإغلاظ عليهما يحملهما على التوبة والالتزام بأحكام الله تعالى فاهجروهما.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
8832 والفتوى رقم:
6061.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1423(5/153)
أساليب ووسائل في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم مساعدتي، فأنا أتعامل مع نصرانية شريكة مع أخي في مشروعه، ونحن من حين لآخر نناقش معها أمور ديننا بغية أن تسلم، وقد قامت بقراءة القرآن وفيما بعد سألتني: هل يمكن للمرأة أن تسافر إلى مكان بعيد بمفردها؟ فقلت ـ والله أعلم ـ إذا كان المكان قريبا فنعم، أما إذا كان المكان بعيدا والسفر لمدة يوم وليلة فيلزمها محرم، فطلبت مني إحضار الدليل وأنا أعلم جيداً أن سفر المرأة بدون محرم لا يجوز، ولكن يلزمني الدليل وأنا لست حافظة لكتاب الله بما يكفي، فأرجو مساعدتكم.
وهل يمكن عند مناقشاتنا معها أن نتنازل في بعض الأمور من ديننا بغرض أن تدخل في الإسلام كأن لا نشدد خصوصا وأن هذه المناقشات بانت بعدما قررت أن أتخلى عن لباس الحجاب الذي كان زينة في نفسه إلى جلباب فضفاض، وهذا صعب قليلا، حيث باتت تقول لا أفهم الفرق فقد كنت طائعة لربك من قبل وترتدين الحجاب وتمارسين عبادتك مثل الآخرين، فلماذا غيرت ملابسك من فتاة جميلة أنيقة في ملابسها إلى فتاة ترتدي ثيابا فضفاضة واسعة ذات ألوان غامقة؟ فقلت لها ربي أمرني بهذا، فتقول: وهل الرب لا يحب الجمال؟ فقلت لها: بلى فتقول ـ إذا ـ لماذا غيرت طريقة لبسك؟ فأرجو منكم مساعدتي وبعض النصح، لكي أجيب على أسئلتها وأقنعها فهي طيبة جداً وأعزها، لذا نحاول معها كي تهتدي.
أعانكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعوة إلى الإسلام من أفضل الأعمال التي يحبها الله ويثيب عليها بأعظم الأجور، فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه.
والداعي إلى الله لا بد أن يكون على علم بما يدعو إليه وحكمة في أساليب دعوته، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} .
ومن الحكمة في الدعوة أن يتدرج الداعي مع المدعو ويراعي الأولويات فيبدأ بالأهم فالمهم، فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم. صحيح مسلم.
قال ابن حجر: وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يشترط بعد التوحيد إقامة الصلاة، لأنها رأس العبادات البدنية ثم أداء الزكاة، لأنها رأس العبادات المالية، ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمس. فتح الباري.
ويجوز للداعي أن يسكت عن بعض المنكرات التي يفعلها المدعو حتى يتهيأ الوقت المناسب للنهي عنها، لكن لا يجوز أن يتنازل الداعي عن شيء من الإسلام أو يغير حكماً من الأحكام، وإنما يراعى التدرج والرفق بالمدعو دون تحريف للشرع، فعليك بالاهتمام بدعوة تلك المرأة إلى الإيمان والتوحيد قبل الدخول معها في جدال حول بعض الأحكام الفرعية، وعليك أن تستعيني ببعض النساء من أهل العلم والصلاح.
واعلمي أن من أعظم وسائل الدعوة الاستعانة بالله والإحسان إلى المدعو والإلحاح في الدعاء له مع عدم تعجل النتيجة، ولمعرفة القواعد المفيدة في الدعوة إلى الله تعالى راجعي الفتاوى التالية أرقامها: 21186، 7583، 19218.
وفيما يخص سفر المرأة بغير محرم راجعي في الفتوى رقم: 6219.
وفيما يخص الحجاب راجعي الفتوى رقم: 112150.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(5/154)
لا يجوز نشر الروابط التي تسيء للإسلام ولو بقصد التحذير منها
[السُّؤَالُ]
ـ[على موقع الفيس بوك توجد صفحة تسيء للقرآن الكريم، وهناك دعوة منا للقائمين على الفيس بوك لإلغاء هذه الصفحة، لكن هل علي في نشر هذه الدعوة إثم من باب تشييع الفاحشة بين المسلمين؟ خصوصا أنني لم أسمع بهذه الصفحة إلا من شخص نشرها هو الآخر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أشارت إليه السائلة الكريمة من تأثمها من نشر هذه الروابط في محله، ومثل هذه الروابط لا يجوز نشرها ولو من باب محاربتها والتصويت على منعها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 113109، ولزيادة الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 122008.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(5/155)
الرفق مع المسلمين الجدد من الحكمة في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم متزوج ولي خمسة أولاد، أقيم في فرنسا جاءتني إحدى الفرنسيات ومعها مسلمتان لاعتناق الإسلام، فتوجهت بهن إلى المسجد لكي تعلن الأخت الفرنسية إسلامها أمام الناس، وذلك قبل صلاة العشاء بقليل، فلما دخلنا المسجد قام أحد أفراد مسؤولي المسجد فطردهن بحجة أنه ليس للفرنسية لباس شرعي لأنه ظهر شيء قليل من شعر رأسها وعنقها. السؤال: هل ما قام به هذا الرجل كان صوابا؟ وهل نحن ارتكبنا إثما فيما فعلنا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه الأخت قد أسلمت قبل دخولها المسجد، فقد كان عليكم أن توفروا لها حجاباً شرعياً يصح لها به أن تدخل المسجد لإشهار إسلامها، لأن للمسجد آداباً لا بد من التزامها لمن أراد دخوله، ومن أعظم ذلك الحجاب للنساء فهو واجب على المرأة أينما وجدت بحضرة أجنبي وهو في المسجد آكد. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 48168.
أما قبل إسلامها فإنها لا تطالب بشيء من فروع الشريعة. وعلى كل حال، فقد كان على القائم على شؤون المسجد أن يترفق مع تلك الأخت حتى لا يكون سبباً في نفرتها من الإسلام، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة: عليك بالرفق، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه. رواه مسلم. وقال لبعض أصحابه يوماً معاتباً: إن منكم منفرين!. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1430(5/156)
كيفية دعوة مجموعة مختلطة من الكفار إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أتتنا مجموعة مختلطة من الكفار ـ من رجال ونساءـ يسألون عن الإسلام، وليست هناك مسلمة ذات كفاءة تتكفل بدعوة النساء، فهل يجوز أن تقام جلسة دعوية مختلطة حتى لا يشعروا بأن الإسلام يهين المرأة؟.
وجزاكم الله خيرا، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعوة إلى الله من أحسن أعمال المسلم والمسلمة، كما قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت: 33} . وقد سبق في الفتوى رقم: 37677، بيان أن الدعوة إلى الله من أفضل العبادات، وفي الفتوى رقم: 29987 أن الدعوة إلى الله واجبة على كل فرد بحسبه.
ولكن من محاسن هذه الشريعة الغراء أن الغاية لا تبرر الوسيلة، ولذا فالغاية النبيلة المحمودة لا بد وأن يقصد في تحقيقها إلى طرق طيبة مشروعة، ولا شك أن دعوة الرجل للنساء في الحال المذكورة من التبرج والاختلاط يكتنفها كثير من الفتن، لكن إذا لم توجد داعية تصلح لهذا العمل، فليقم بذلك الرجال، وليتقوا الله تعالى ما استطاعوا، وليعلموا أنه لا يجوز لهم التمادي في هذا الوضع مطلقا، بل الواجب أن يعملوا على تعليم بعض النساء، بحيث يقدرن على مباشرة الدعوة إلى الله سبحانه، كما يمكنكم أن تستعينوا ببعض الداعيات المتخصصات ليقمن بأمر الدعوة.
وأما الاختلاط فإنه، وإن كان محرما بهذه الصورة المذكورة، إلا أنه لا باس بدعوتهم جميعا ولو في حال اختلاطهم، لأن مطالبتهم بتميز الرجال عن النساء قد ينفرهم عن الدخول في الإسلام، وهذا لا يجوز.
فإذا من الله عليهم بالدخول في دينه فعليكم ـ بعد ذلك ـ أن تعلموهم برفق ولين وحكمة أن الإسلام يمنع الاختلاط بهذه الصورة المنكرة، مع التنبيه على أن منع الاختلاط ليس فيه إزراء بالمرء ولا إهانة لها ولا تقليل من قدرها، بل هو في الحقيقة صيانة لها، ثم إنها في ذلك كالرجل، فكما تطالب المرأة أن لا تختلط بالرجال على وجه محرم، فكذلك الرجل يطالب أن لا يختلط بالنساء على وجه محرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1430(5/157)
التعريف بأسماء الله الحسنى على النت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إنشاء مثل هذه المواضيع؟ الكل يعرف أن الله عز وجل له الأسماء الحسنى وهي: 99 اسما من أحصاها دخل الجنة.
فعلى كل واحدة منا أن تكتب اسما من أسماء الله جل في علاه في كل مشاركة، والعضو الآخر يكتب اسما آخر وهكذا، وأنا أفضل أن تكون مع الشرح، لتعم الفائدة إلى أن نذكر جميع الأسماء في 99 ردا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذه الموضوعات والمشاركات أمر حسن لا مانع منه، بل هو وسيلة من وسائل الإعانة على الخير وتذكيرالناس ودلالتهم على ما ينفعهم، وإن نوى بها صاحبها التقرب إلى الله بتعليم الناس وتذكيرهم بأسمائه الحسنى وبيان معانيها، فذلك من الدعوة إلى الهدى المأجورصاحبها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجورمن تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. رواه مسلم.
ولذلك كان على من يدعو إلى مثل هذه المشاركات أو يدعى إليها أن يفعلها بنية العبادة والتقرب إلى الله، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 48823، 50156، 60487.
وقد سبق لنا بيان بعض ثمار وفوائد معرفة أسماء الله الحسنى، في الفتويين رقم: 31970، ورقم: 51785.
ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 35057.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1430(5/158)
حكم اتخاذ الكذب وسيلة للدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ألفت قصة لا وجود لها في الواقع، ويستحيل أن تحدث، وكتبت هذه القصة في منتديات لطائفة تدعي الإسلام وما هي بمسلمة، وقلت إن الشيخ فلان الفلاني قد قال هذه القصة على أنها حقيقية، وقد كان الغرض من هذا الفعل هو أن يردوا على هذا الموضوع ويصدقوه، وبعد ذلك أبين لهم أن هذه القصة ما هي إلا من نسج خيالي وأنكم تصدقون أي رواية بلا مصادر، وأنكم تصدقون الشيخ عندكم في أي شيء يقوله حتى لو كان كذبا وزورا، ومن المعروف أن شيوخهم يقصون عليهم الرواية الكاذبة بلا مصدر ولا إسناد ويصدقونهم، وأنا بفعلي هذا ما أردت إلا أن أبين لهم أنه ليس أي شيء يقوله إمامهم حقيقي، خاصة أنه يقول لهم بلا مصدر.
هل فعلي هذا جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على هداية الغير، ونسأل الله أن يزيدك حرصا ونشاطا في الدعوة إليه، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. {فصلت: 33} . إلا أن الدعوة لها آداب وضوابط، كما أن الأصل أن الغاية لا تبرر الوسيلة، وانظري الفتويين: 21363، 50387.
وفعلك المذكور في السؤال لا يجوز؛ لما فيه من اتخاذ الكذب وسيلة للدعوة إلى الله، مع عدم تعين الكذب وسيلة لذلك. وقد سبق الكلام على ذلك في الفتوى رقم: 111246. فراجعيها للأهمية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1430(5/159)
حكم فتح مقهى والغرض تغيير وضع الشباب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد فتح مقهى مثل المقاهي الموجوده في بلدي وفيها من المحرمات الكثير، لكن هدفي هو أن أغير من وضع الشباب، فهذه من وسائل الدعوة، والقاعدة المؤثرة في إقناع الناس وتغييرهم هي أن تذهب للمرء وبعد ذلك تأخذه معك، مثل طريقة حديثك مع الطفل عندما تنزل بجسمك لمستواه لكي تفهمه وتحاوره، فهل الغاية تبرر الوسيلة في هذه الحالة؟ مع العلم بأنني لن أحدث ضررا أكبر من الضرر الموجود حالياً، فالمقاهي فيها فساد لا يعلمه إلا الله وربما ـ لولا مشروعي لاستمر الحال والضرر في شبابنا ـ ولكن إن خسر مشروعي فلن أحدث ضررا أكثر من الضرر الموجود حالياً، وأنا سأضع في المقهى الخاص بي كل شيء مثل المقاهي الأخرى، ثم أبدأ بتقليل الأمور الفاسدة وأحاول إشغالهم بأمور تفيد دينهم ودنياهم، ف هل المال الذي سأجنيه حلال في هذه الحالة؟ مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحمد لك حرصك على الخير والسعي فيه، لكن الطريق الذي تريد سلوكها إليه طريق محرم، وكم من مريد للخير لا يصيبه؟ كما قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ للذين ابتدعوا في الدين وقالوا ما أردنا إلا الخير، فالغاية عندنا في الشرع لا تبرر الوسائل المحرمة، يذكر أن رجلاً سأل أبا حنيفة قائلاً: أنا أتاجر مع الله أسرق فتكتب علي سيئة وأتصدق بما سرقت فتكتب لي عشر حسنات، فقال له أبو حنيفة: بل تسرق فتكتب سيئة وتتصدق فلا يقبل منك، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فانظر إلى حسن غايته وسوء وسيلته، هل يباح له ذلك، كلا؟.
ولا يبرر هذا الفعل قولك إن ذلك بهدف الدعوة، فالدعوة إلى الله - وإن كانت من أفضل الأعمال وأشرفها- لا يجوز أن تستخدم فيها الوسائل المحرمة، فالغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة، كما ذكرنا، وإن كان هدفك هو الدعوة فقط فبإمكانك أن تتخذ لها من الوسائل ما هو مشروع وأكثر نفعاً وأقرب لتحقيق الهدف، ولا تلج الحرام وتنشر المعصية وتكون عوناً للشيطان على عباد الله، لغاية قد تكون وقد لا تكون، ففتح المقاهي إن كانت محلا للفجور والدياثة فهو محرم لذاته ولما يترتب عليه من مفاسد وليس مجرد وسائل مباحة يتوصل بها إلى الخير أو الشر، فلا يجوز فتحها أوالإعانة عليها وهي إنما تزيد الشر الموجود وتعين أهله، فإياك وإياها إن كانت تشتمل على المنكر ولا يرتادها إلا أهله فهي محرمة وما يكسب منها محرم خبيث، وفي الحديث لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت. رواه أحمد.
وأكل الحرام من أسباب امتناع استجابة الدعاء، وللفائدة انظر الفتاوى التالية أرقامها: 17077، 38684، 6075.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(5/160)
العبد يبذل الوسع في النصح والدعوة ويكل النتائج لله
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أنا فتاة أبلغ من العمر 16 سنة، وقد أتممت حفظ كتاب الله ـ عز وجل ـ وأنا متدينة ولكن أسرتي يشاهدون المسلسلات والأفلام وأنا قلقة جدا، وحاولت كثيرا أن أنصحهم وأخلق من بيتنا جوا مسلما، ولكني لم أقدر وأريد أن أكون مؤمنة وأسرتي أيضا ولكن لا فائدة، ولدي موضوع آخر وهو: أن حجابي عبارة عن منديل أوطرحة ليست ملونة وليست عليها نقوش، وجلباب فضفاض واسع محتشم جدا، ولكنني أشعر بالنقص في الحجاب الكامل، وأريد أن أنتقب لكن أمي ترفض رفضا تاما، مع العلم أنها غير منتقبة وتخرج بالكحل أحيانا، وأنا أريد النقاب، يا شيخ ساعدوني فأنا مدمرة نفسيا وأريد أن أكون مؤمنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتمّ عليك نعمته وينفعك بالقرآن ويجعله حجة لك يوم القيامة وأن يجعلك سبب هداية لأسرتك، فلا شكّ أنّ المؤمن يحبّ الهداية للناس جميعاً وأولى الناس بذلك أهله وعشيرته، لكنّ الهداية أمرها بيد الله وحده وما على العبد إلّا بذل الوسع في النصح والدعاء.
قال تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين {القصص: 56} .
وقال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {البقرة: 272} .
واعلمي أنّ الدعوة تحتاج إلى الحكمة والصبر والحذر من اليأس أو تعجّل النتائج، ومن أعظم وسائلها الاستعانة بالله والإحسان إلى المدعو والإلحاح في الدعاء له بظهر الغيب، فالذي ننصحك به أن تجتهدي في الإحسان إلى أهلك وخاصة والديك، فإنّ حقّهما عظيم وبرّهما وطاعتهما في المعروف من أوجب الواجبات ومن أعظم أسباب رضا الله، وحقّ الأمّ آكد فاحذري التقصير في برّها وطاعتها في المعروف، ثمّ داومي النصح لأسرتك برفق ولين وتخيّري الوقت المناسب والأسلوب الملائم، ويمكنك الاستعانة في ذلك بإهداء بعض الأشرطة أو الكتب أو التوجيه للمواعظ والدروس بالمساجد أو البرامج التي تبث على القنوات الفضائية
أمّا عن الحجاب فاعلمي أنّ الشرع لم يحدد لباساً معيناً للمرأة، وإنما ذكر العلماء شروطاً إذا توفرت في أي نوع من أنواع اللباس فهو الحجاب الذي أمرت به، وهي مبينة بالفتوى رقم: 6745.
وبخصوص رغبتك في لبس النقاب ورفض أمّك فلا تلزمك طاعة أمّك في هذا الأمر، لكن ينبغي أن تجتهدي في إقناعها بفضيلته وإطلاعها على كلام أهل العلم في حكمه.
وبقي أن ننبهك إلى إلى أمر مهم وهو أن المسلم لا يكفر ولا يخرج عن الإسلام بارتكابه لكبائر الذنوب إلا ما ورد عن الشرع التكفير به مع تحقق شروط التكفير وانتفاء موانعه، أما ماعدا ذلك من الذنوب فإن صاحبها تحت مشيئة الله ـ إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ـ بقدر ذنبه وأدخله الجنة، وإنما احتجنا إلى هذا التنبه لأننا رأينا في سؤالك ما يدعو إليه، فقد قلت أريد أن أكون مؤمنة وأسرتي أيضا ولكن لا فائدة، فهذه العبارة موهمة فإن كنت تقصدين الإيمان الكامل فصحيح وإلا فلا، وفقك الله لكل خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(5/161)
هكذا فانصر الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أنصر الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنصرة الإسلام تدور على كلمتين: الصلاح، والإصلاح، والأولى تتحقق بالعلم النافع والعمل الصالح، والثانية تتحقق بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، فمن استقام على هذه الأمور وصبرعليها فقد نصر الإسلام بحق، وهذا هو مقتضى قوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:3} .
قال السعدي: عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
ـ الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
ـ والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة.
ـ والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
ـ والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم. اهـ.
وقد تقدم لنا في الفتوى رقم: 33343، طرائق نصر الدين، وننصح السائل بقراءة كتاب: ثلاثون طريقة لخدمة الدين للشيخ رضا أحمد صمدي، وهو متوفر على موقع المكتبة الشاملة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1430(5/162)
دعوة العصاة والمنحرفين أولى من تركهم في فسادهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يا إخوان أنا عندي مشكلة في صداقتي: عندي أصدقاء والذين هم جيراننا وقريبون منا، أنا أتحدث معهم عاديا وكل شيء طبيعي، لكن المشكلة من يوم كبرنا إلى الآن كل يوم يتحدثون عن البنات وعن الدردشات الصوتية، وفتح كاميرات البنات وهكذا، وأنا لا أفعل الشيء هذا، أنصحهم وأقول لهم استغفر الله هذا ما يصلح ويضحكون. هل يجب علي أن أتركهم مع العلم أن أصدقائي الذين يدرسون معي في المدارس غيرهم عكسهم، مع العلم أن أصدقائي الذين يتمتعون بمشاهدة البنات أني غير محبوب منهم، ولكن بخلاف أصدقائي الذين يخافون الله فإنهم يحبونني وأحبهم. ما الحل؟ هل أترك هؤلاء الأصدقاء الذين يتمتعون ولا يخافون الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين عليك التحفظ من مجالسة الشباب الذين ذكرت عنهم أنهم يحادثون النساء. وأن تحرص على رفقة ومجالسة الزملاء الذين يخافون الله، فالإنسان يتأثر ممن يصاحبه إيجابا وسلبا كما في الحديث: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وفي الحديث: لا تصاحب إلا مؤمنا. رواه أحمد.
وأكثر الدعاء لزملائك السابقين، وحاول اللقاء بهم بشكل انفرادي فتلقى كل واحد منهم على حدة وتقدم له النصح وادعهم إلى الله تعالى، وحاورهم بالحكمة حتى تقنعهم بالالتزام بالشرع والبعد عن الانحراف، ويحسن أن تستعين ببعض أصدقائك الطيبين، فلو أنك دعوت أحد أصدقائك الملتزمين لجلسة شاي في بيتك، ودعوت أحد الزملاء الآخرين، وحاولتم برفق أن تسحبوه من الرفقة الفاسدة، وأن تشغلوه عن التعلق بهم ببرنامج مفيد شيق، ثم فعلتم مثل ذلك بواحد آخر، فلربما تربح هدايتهم بسببك في فترة وجيزة. ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. كما في حديث البخاري، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 112612، 105390، 31768، 109586، 118036.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1430(5/163)
نصرة الدين غير محصورة في عمل أو مشروع معين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل مهندسا، مشكلتي أني لم أقدم شيئا للبشرية ولا للأمة الإسلامية، أتحسر على هذه اللحظات التي تنقضي من عمري هكذا لا أدري ماذا أفعل؟ حاولت أن أجمع زملائي للقيام بمشروع يغني المسلمين عن المنتجات الغربية مثل الهاتف المحمول ولكن رفضوا هذه الفكرة، أنا أؤكد أننا قادرون على الإبداع ولكن ما ينقصنا هو الإرادة ووحدة الهدف، أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا بمفردي، التقنية اليوم تتطلب أموالا وكفاءات. حاولت السفر للغرب للدراسة واكتساب الخبرة ومن ثم العودة لنفع المسلمين لكن ليست لدي الأموال الكافية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فليس لدي علم شرعي لأنفع به الناس، أضف إلى ذلك الذنوب فبأي وجه أقابل الله تعالى. هل هذا قدر الله وحكمته أم هو تقصير مني أم هي عقوبة نتيجة ذنوب؟ أم أن الله يصطفي من عباده من يشاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتحرك مثل هذا الشعور الطيب بداخلك والذي جعلك تتساءل كيف أخدم الأمة الإسلامية هو بداية ينبغي أن تقف عندها لتبدأ مرحلة العمل لخدمة هذا الدين العظيم، وخدمة هذه الأمة التي هي أحوج ما تكون في مثل هذه الأوقات إلى عمل، وبذل أبنائها الصادقين ليرفعوها إلى مكانتها التي كانت عليها.
ومن المؤكد أن لديك أيها الأخ الكريم قدرات وطاقات ليست مستغلة، ابذل وسعك في تعرفها واستغلالها، وإذا كنت لا تجد من يساعدك في مشروع رأيته فينبغي أن تبحث عن مشروع آخر يخدم أمتنا وتكون إمكاناته متوفرة وهنا يكمن الإبداع الذي ذكرت أننا قادرون عليه.
أخي الكريم لا تحصر وجوه الخير في بعض فرضيات في ذهنك، ولا تنظر إلا إليها فأبواب الخير كثيرة ومتنوعة. وإن أعظم هذه الأبواب وأول ما سيسألك ربك عنه هو عبادته وتوحيده سبحانه فلهذا خلقت، ومن أجل ذلك خلق الله العالم بما فيه من إبداع وإتقان، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. {الذريات:56} . فإذا حققت هذه الغاية فهل تراك لم تفعل شيئا في حياتك؟!
إن خدمة هذا الدين أمنية عزيزة وهدف سام نبيل لمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، إنه حلم يراود الكبار والصغار والرجال والنساء، لكن الجنة سلعة الله الغالية ولا تنال بالأماني والأحلام. وقد وفق الله من شاء من عباده للقيام بأمر هذا الدين ونصرة أهله والدفاع عنه والدعوة له، وحرم آخرون من هذا الخير بسب أنفسهم وضعفها وجبنها وخورها وشحها وبخلها وتلبيس إبليس عليها.
خدمة الإسلام: شرف ما بعده شرف، وعز ما بعده عز. خدمة هذا الدين: رفعة وعزة، وعلو منزلة، تسير في طريق سار عليه محمد صلى الله عليه وسلم وتقتفي أثره. خدمة الإسلام: ليست قصرا على العلماء والفقهاء والمحدثين، وليست قصرا على الأغنياء والموسرين. إنها باب مفتوح لكل مسلم ومسلمة، والناس ما بين مقل ومستكثر.
فلا تيأس بل ابحث عن فرص مواتية واستغل قدراتك، واستعن بالله وشمر عن ساعد الجد، وابحث عن أعوان على الخير يساعدونك ويشدون من أزرك وستصل بإذن الله إلى ما تصبو إليه.
أخي الكريم: أقلع عن الذنوب وتب إلى الله فهذا بداية النصر، واعلم أن الصدق يبلغ بأهله وإن كانوا ضعفاء فقراء ما لا تبلغه الملايين من الأموال، هل تعلم أن درهما سبق مائة ألف درهم، وبلغ صاحبه به عند الله منزلة لم يبلغها صاحب مئات الآلاف؟! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا. رواه النسائي وحسنه الألباني.
فالعبرة ليست بكثرة الأعمال ولكن بإتقانها وإخلاصها لله، وهذه الأعمال هي التي تنتصر بها الأمة وإن كان أصحابها ضعفاء خاملين. وفي الحديث الصحيح قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ. رواه البخاري والنسائي واللفظ له.
أخي الكريم: إن لم تكن تعلمت علما شرعيا فلماذا ولديك العقل المميز والرغبة في الخير؟ لماذا لا تبدأ بتعلم ما هو واجب عليك وتعلمه غيرك فتنقذ نفسك وغيرك من الجهل الذي هو من أسباب تأخرنا؟!
أخي الكريم: إن الأماني رؤوس أموال المفاليس، وما من إنسان إلا وقد وهبه الله من الخير ما يستطيع أن ينفع به نفسه وأمته، ألم يأتك نبأ الرجل الذي يتقلب في الجنة؟ هل تعلم لماذا؟ سأخبرك عن السبب وهو في هذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ.
فلا تحقرن من المعروف شيئا، وأعمال الخير الدينية والدنيوية التي تنفع نفسك أولا وأمتك ثانيا كثيرة كثيرة، فاستعن الله وابدأ.
واعلم أن كل شيء بقدر كما قال سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. {القمر:49} . ولكن المؤمن لا يَحتجّ بالقَدَر على المعاصي، وعلى ما نحن فيه من تقصير ولذا كان أهل العِلْم يقولون: القَدَر يُحتَجّ به على المصائب لا على المعائب.
قال الشيخ مرعي الحنبلي: وأما الذنوب فليس لأحد أن يحتج على فعلها بقدر الله، بل عليه أن لا يفعلها، وإذا فعلها فعليه أن يتوب منها كما فعل آدم عليه السلام. قال بعض السلف: اثنان أذنبا، آدم وإبليس، فآدم تاب فتاب الله عليه واجتباه، وإبليس أصرّ على معصيته واحتج بالقدر فلُعن وطُرد، فمن تاب من ذنبه أشبه بآدم، ومن أصرّ وأحتج بالقدر أشبه إبليس، ومن تاب لا يَحسن لَومه على ذنبه الذي صدر منه. اهـ.
ولكي تشحذ همتك وتتعرف على ألوان مما يمكن أن تخدم به هذا الدين وعلى قصص نفر ممن خدموا هذا الدين أنصحك بقراءة رسالة: كيف أخدم الإسلام؟ للشيخ عبد الملك القاسم، ويوجد منها نسخة ألكترونية على هذا الرابط: http://saaid.net/book/11/4139.doc
فاقرأها إن شئت منه، والله الموفق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1430(5/164)
من أشهر المواقع التي تقدم العلوم الشرعية بشكل منهجي
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ هل من مواقع تنصح بها في علوم الدين والدورات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأشهر المواقع التي تقدم العلوم الشرعية بشكل منهجي ومتدرج في مستويات متصاعدة هو موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة-أكاديمية المجد- ومن ميزاتها أن لها قناة فضائية تبث دروسها حية. ويمكنك الدخول على هذا الرابط للتعرف على مزايا التسجيل بالأكاديمية الإسلامية المفتوحة:
http://www.islamacademy.net/Arabic/StaticPage.asp?ID=10
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 18600.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1430(5/165)
حكم قيام الطالبات بدعوة بنات جنسهن في مكتبة الجامعة بحضور الشبان
[السُّؤَالُ]
ـ[تقوم بعض طالبات في الجامعة بالدعوة في جميع أماكن الجامعة إلا أن في المكتبة يكون هناك اختلاط ومع ذلك يقمن بالتكلم مع الفتيات مع تجنب الأماكن التي تكون قريبة من الشبان، وقد أحرزن عدة إيجابيات، فكم من الطالبات بفضل الله استقمن إلا أنهن يثرن الانتباه، فكل الطلاب يعلمون ما يفعلن، وعند الدخول من باب المكتبة، الكل يرفع رأسه؛ لأن اللباس الطويل ليس معتادا لدينا في بلدنا. فما حكم ذلك؟ هل يجوز ذلك من أجل الدعوة أم لا؟ .أفيدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعوة إلى الله من أحسن أعمال المسلم والمسلمة، كما قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33}
وقد سبق في الفتوى رقم: 37677، بيان أن الدعوة إلى الله من أفضل العبادات، وفي الفتوى رقم: 29987 أن الدعوة إلى الله واجبة على كل فرد بحسبه.
فإذا ما التزمت الطالبات المذكورات بالضوابط الشرعية من الحجاب وعدم الاختلاط والخضوع بالقول، ونحو ذلك، فلا حرج في قيامهن بدعوة الفتيات والكلام معهن عسى أن يكن سببا من أسباب الهداية، وفي هذا الفضل العظيم. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا. رواه مسلم.
ومجرد وجود طلاب في المكتبة لا يمنع من قيامهن بالدعوة إلى الله ما دمن لا يختلطن بالشباب اختلاطا محرما، ويلبسن الحجاب الشرعي الذي بينا صفته في الفتوى رقم: 6745، وعلى هؤلاء الشباب غض البصر وعدم ملاحقتهن بالنظر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1430(5/166)
أختها وقعت في معاص وحاولت الانتحار فكيف تتعامل معها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت تبلغ من العمر ثلاثين عاما، منذ الصغر ونحن نشأنا في جو به خلافات بين الوالدين، وهذا سبب لها ضغوطا نفسية، المشكلة الأكبر هي عشقها للألبسة الضيقة، وهذا عمل مشاكل كثيرة بسبب رفض الأهل وقد امتنعت مرة عن تناول الطعام حينما تم منعها من اللباس، تخرجت من الجامعة صيدلانية، وذهبت للعمل بمدينة أخرى، وأخذت سكنا، إحدى المرات طلب منها أن ترتدي المريول الأبيض لإحدى الصيدليات مما أدى بها إلى حالة نفسية صعبة بدأت على أثرها بتناول الأدوية المنومة. تعرفت على شاب من أمريكا عن طريق الهاتف حتى يحضر لخطبتها، واستمر هذا نحو العامين وتعلقت به عندما حضر لطلبها من أهلها قالت بأنها لا تريده وأنها تعبت نفسيا عندما حضر، ورأته ثم سافر ولكنها بقيت على اتصال به، وعاد بعد ستة أشهر اتصلت بي مرة وأخبرتني أنها شربت خمسين حبة دواء للانتحار، وأنها سوف تقتل نفسها بالسكين ذهبت عندها، واعترفت لي قبل يومين أنه اختلى بها إحدى المرات، ولكنها بقيت بنتا علما أنه بهذه الفترة كانت تأخذ دواء يسبب لها الهلوسة.
المشكلة أنها تسكن لوحدها ولا يوجد لها صديقة، ونفسيتها سيئة جدا، وترفض بشدة العودة للسكن عند أهلها لأن نفسيتها تسوء أكثر، أنا لم أخبر أهلي بما أقدمت عليه من الانتحار أو علاقتها بالشاب والدتي مريضة وإخوتها إذا علموا ربما قتلوها.
وعندما أخبرتني بقصتها مع الشاب حاولت أن أضبط نفسي ولم ألمها، وبدأت أخبرها بالتوبة وبأنها يجب أن تعود وتتحجب، ولكنها مصرة أنها لا تستطيع أن تمنع نفسها عن اللباس الضيق ولا تستطيع الحجاب.
ماذا أفعل أرجوكم أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه الفتاة على هذا الحال المذكور فينبغي التريث وتحري الحكمة في معالجة أمرها، وننصح أولا بالإكثار من دعاء الله تعالى لها بأن يهديها إلى الصواب، وأن يصلح حالها، وأن يشفيها مما بها من مرض نفسي.
وينبغي أن تذكر بأن هذه الحياة دار ابتلاء، يبتلي الله عز وجل الناس فيها بالخير والشر، وأن على المؤمن أن يصبر على البلاء ليحصل على خير الدنيا والآخرة، ويمكن أن تذكر لها بعض فضائل الصبر، وقد ذكرنا جملة منها بالفتوى رقم: 56472.
وقد أحسنت بضبط نفسك وعدم لوم أختك فيما أقدمت عليه، وبنصحك إياها في أمر الحجاب والتوبة مما فعلت مع ذلك الشاب، والواجب عليها أن تتوب أيضا مما أقدمت عليه من محاولة الانتحار، وينبغي أن تذكر بأن في الانتحار خسران الدنيا والآخرة، وراجعي الفتوى رقم: 10397.
ولا تخبري أهلك بما فعلت أختك، ولكن ينبغي أن تنصحي وليها بالأخذ بيدها والحزم معها، ومعالجتها عند المختصين في الطب النفسي ورقيتها الرقية المشروعة إن وجد إلى ذلك سبيلا.
ويمكن إخبار هذا الشاب بالتقدم للزواج منها من وليها إن كان راغبا في الزواج منها، بشرط أن يكون مسلما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1430(5/167)
مجالات الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أشارك في الدعوة إلى الله فما العمل؟ وهل لديكم مواقع للمشاركة في الدعوة إلى الله؟ وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله للسائل قصده الحسن ونيته الصالحة، وليعلم أن مجالات الدعوة إلى الله تعالى كثيرة ومتنوعة ذكرنا بعضا منها في الفتوى رقم: 103134. 111900
ويمكن للأخ الكريم التواصل مع الخدمات التفاعلية بالموقع.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(5/168)
حكم نسخ إسطوانات من على النت بغرض الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل اسطوانات إسلامية تحتوي على كتب إسلامية, وهذه الكتب متاحة على الإنترنت حيث يقوم مصمم الأسطوانة بتحميل الكتب من شبكة الإنترنت، ثم يقوم بعد ذلك بعمل البرمجة الخاصة بالاسطوانات، وبعد ذلك يقوم برفعها مرة أخرى للانترنت ليستفيد منها الناس عبر الانترنت بصورة مجانية, مع ذكره مصدر الكتب وكتابه كلمة هذا العمل مجاني ولا يجوز بيعه. هل هذه الاسطوانات تكون في ميزان سيئات المصمم أم حسناته؟ علماً بأنه يوجه هذا العمل إلى رب العالمين, ويشعر بالراحة وانشراح في الصدر عند ما يعلم أن عدد الذين حملوا هذه الاسطوانات في ازدياد مستمر. أفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن هذا من فعل الخير ونشره، والدعوة إلى الله عز وجل باستخدام هذه الوسائل الحديثة، فليحتسب فاعل ذلك الأجر والمثوبة عند الله عز وجل لما يقوم به من نشر العلم، وبث الخير بين الناس، وهي سنة حسنة له أجرها وأجر من اقتدى به فيها.
لكن ننبه إلى أنه لا يجوز نسخ الكتب أو الأشرطة التي يمنع أصحابها نسخها وتصويرها ولو كان ذلك بغرض الدعوة، فليتنبه لذلك، وللفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 54427.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(5/169)
الدعوة إلى الله تعالى عبر النت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد لديكم موقع أو مكان محدد أستطيع من خلاله أن أشارك في الدعوة إلى الله؟ وما رأيكم في مواقع الزواج عبر الانترنت وأريدكم أن تدعوا لي بالزواج والتوفيق من الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المواقع الإسلامية التي تهتم بأمور الدعوة ونشر العلم الشرعي كثيرة، فأي موقع عرف عن القائمين عليه أنهم على منهج أهل السنة والجماعة، يمكن التعاون مع أهلهم فيما يقومون به من الأمور الدعوية.
وأما موضوع مواقع الزواج على الإنترنت فقد بسطنا الكلام عليه في الفتاوى التالية أرقامها: 7905، 39367، 104327، 121163.
ونسأل الله أن ييسر لنا ولك صلاح الدنيا والآخرة. وأن ييسر لك أمور الزواج ويستخدم طاقاتك في الدعوة إليه ونصر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(5/170)
حكم وضع إعلان لموقع إسلامي في مواقع تحوي مخالفات شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يختص بالمواقع على الشبكة العنكبوتية، أنا أمتلك موقعا والحمد لله، أرجو من الله أن يكون بابا للحسنات، مشكلتي هي ما يعرف بالإعلانات، سواء عن موقعي في مواقع أخرى، أو أن موقعا يعلن عندي كدعاية لموقعه فهل يجوز أن أنعت موقعي بالموقع الإسلامي، وأنا أقوم بالإعلان عن موقعي في مواقع مليئة بالمخالفات الشرعية من الاختلاط والأفلام والأغاني وصور وأخبار الفنانين أي أدفع مالا لمثل هذه المواقع لأعلن عن موقعي، أو هل يجوز وأنا موقعي إسلامي أن أقبل الإعلان عن موقع به مخالفات شرعية واضحة داخل موقعي بحجة أن موقعي لا يحتوي على مخالفات شرعية، وأن صاحب الموقع هو من يتحمل وزر ما يحدث من مخالفات شرعية بموقعه، ويكون المال حلالا بالنسبة لي، فهل كلتا الحالتين تعد تعاونا على الإثم والعدوان حيث إن المال الذي أدفعه كإعلان عن موقعي يقوي الموقع الذي يحتوي على مخالفات شرعية، ويجعله يبقى ويقوى وينتشر أكثر على الشبكة العنكبوتية أو أن أقبل الإعلان لموقع به مخالفات شرعية فلهذا يعد نشرا وتعريفا بالموقع الفاسد، فبذلك أتحمل الإثم، ويكون مبلغ هذا الإعلان هو مال حرام أقبله على نفسي.
وسؤالي هذا أرجوكم إفادتي فيه لأني كل يوم في حسرة على مواقع تنعت نفسها بالمواقع الإسلامية ثم تعلن أو تقبل الإعلان عن مواقع الشيطان على الشبكة العنكبوتية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك أختنا إلى نشر الخير والدعوة إلى الله عن طريق موقعك هذا، وسؤالك يحتوى على أمرين:
فأما الأمر الأول وهو: حكم وضع إعلان لموقعك في موقع فاسد كما ذكرت، فالذي نراه أن هذا العمل جائز وهو من تقليل الفساد بقدر المستطاع، ومن محاربة المنكر عن طريق الدلالة على الخير، وأما المال المدفوع فليس قصدك منه تقوية هذا الموقع وإعانته بل تحقيق مصلحة الدلالة على الخير في مجتمع قد لا يجد من يأخذ بيده إلى الهدى، ولا يجد من المواقع حوله إلا كل خبيث، وهذه المسألة لها نظائر في الشرع، ومن أشهرها مسألة فداء أسرى المسلمين من أيدي الكافرين مقابل مال ندفعه لهم، ولا شك أن هذا المال يقويهم ولكن الأمر كما قال العز بن عبد السلام رحمه الله في قواعد الأحكام: ولكن قد يجوز الإعانة على المعصية لا لكونها معصية بل لكونها وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة، وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربو على مصلحة تفويت المفسدة كما تبذل الأموال في فدى الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة والفجرة. انتهى.
وقال القرافي رحمه الله في الفروق: الْوَسَائِلُ وَالْمَشْهُورُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالذَّرَائِعِ وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمَقَاصِدِ قِيلَ وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا أَفْضَتْ إلَيْهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً فِي حُكْمِهَا مِمَّا أَفْضَتْ إلَيْهِ فَلَيْسَ كُلُّ ذَرِيعَةٍ يَجِبُ سَدُّهَا بَلْ الذَّرِيعَةُ كَمَا يَجِبُ سَدُّهَا يَجِبُ فَتْحُهَا وَتُكْرَهُ وَتُنْدَبُ وَتُبَاحُ بَلْ قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةَ الْمُحَرَّمِ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ إذَا أَفْضَتْ إلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَالتَّوَسُّلِ إلَى فِدَاءِ الْأَسَارَى بِدَفْعِ الْمَالِ لِلْكُفَّارِ الَّذِي هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ. انتهى.
فلا بأس بوضع إعلان لموقعك الإسلامي في المواقع التي بها مخالفات شرعية لأنك بهذا تقللين من الفساد وترشدين إلى الخير.
وأما الأمر الثاني في سؤالك: وهو وضع إعلان للمواقع المنحرفة في موقعك، فهذا غير جائز، فلا يجوز الإعلان عن المنكر والترويج له فهذا من الإعانة على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 2} ثم هذا الإعلان للموقع المنحرف دعوة إلى الضلالة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا رواه مسلم. وراجعي هذه الفتاوى التالية أرقامها: 121213، 106109، 113714، ففيها فوائد تتعلق بسؤالك، ونسأل الله لك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(5/171)
المحاضرات في الأسواق والمجمعات التجارية.. رؤية دعوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إقامة المحاضرات في الأسواق التجارية والمجمعات التي يتجمع فيها الشباب والشابات الفاسدون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإقامة المحاضرات في الأسواق والمجمعات التجارية أمر حسن، فقد يوجد في هذه الأماكن من الناس من لا يمكن دعوته أو تعريفه بالدين إلا من خلالها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في السوق، بل وتجمعات المشركين، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: فقالوا -كما حكى الله عنهم في قوله سبحانه-: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا. {الفرقان:7} . وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني.
فوجود الفاسدين من الشباب والشابات ليس بمانع شرعا من القيام بالدعوة في هذه الأماكن، بل إن ذلك من بواعث الاهتمام بتبليغ دين الله تعالى لهؤلاء الناس، ووعظهم وتذكيرهم.
وينبغي حينئذ للمحاضر أن يبين حكم الاختلاط ويشرح مساوئه ومفاسده، ويتكلم عما تشتمل عليه تلك الأماكن من الفساد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1430(5/172)
حكم الدخول على المواقع وسب من يسب الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أنا أدخل موقعا، وأرى ناسا تشارك بالسب على الإسلام وعلى دين الإسلام، فأرد عليهم مرة بالكلام الجيد، وبعد ذلك أضطر لأسبهم هل أنا آثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نحمد لك غيرتك على دين الله وغضبك له، وذلك من مقتضيات الإيمان ولوازمه، ولكن مشاركة أمثال هؤلاء في مثل هذه المواقع، الأصل فيها الحظر، لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء: 140} .
وإنما تشرع إذا كانت بقصد منع شرهم أو تقليله، وهذه هي تقوى الله تعالى، فإن الله تعالى قد قال: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الأنعام: 68-69} قال السعدي: هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى بأن كان يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم لعلهم يتقون الله تعالى. وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكِّرُ من الكلام ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى. وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره، إلى أن تركه هو الواجب لأنه إذا ناقض المقصود، كان تركه مقصودا. اهـ.
فظهر من هذا أن سبهم لا يشرع لما فيه من زيادة شرهم والمبالغة في منكرهم، ولذلك قال سبحانه: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108} فيجب على من سمعهم يسبون عدم استعدائهم بسبهم أو سب ما هم عليه من الكفر فيردون بسب الله والإسلام، كما سبق بيانه في الفتويين: 60286، 30761.
ولا شك أن من واجب كل مسلم أن يذب عن الإسلام ويدافع بما يستطيع، وعليه كذلك قبل أن يتصدر لمجادلة الكفار أن يتسلح بالعلم والحكمة لئلا يذل نفسه أثناء مجادلتهم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 45226.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(5/173)
الرفق في دعوة الوالدين والأخوات
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أنا في بيت يقال له ملتزم، وأنا لم أعرف من الدين إلا مظهره، فأمي تعمل في مهنة يخالط فيها الرجال النساء، وبالأمس القريب أخواتي البنات كانوا في رحلة للجامعة وحذرتهم أكثر من مرة من ذلك، ولكن سلطة أبي كانت أقوى، وأنا أخذت العهد أن لا أكلمهم أبدا من شده غيرتي، وتغيرت معاملتي لأمي وأبي لدرجة أني أعقهم من شدة غيظي، وهم لا يعرفون النقاش أبدا. فهل أنا على صواب، وادعوا الله لي أن يرزقني ببيت أقيم فيه شرع الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على غيرتك على حرمات الله تعالى، ولكن لا يخفى عليك أن للوالدين منزلة عظيمة على الولد، وأن الشرع قد أوصى ببرهما والإحسان إليهما، ولو كانا كافرين كما قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} فكيف إذا كانا مسلمين، ومن بر الوالدين والإحسان إليهما، وكذا من الإحسان إلى الرحم التي بينك وبين أخواتك أن تبذل لهم النصح والتوجيه الحسن، قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125} وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. وإذا كان مثل هذا الأسلوب في الدعوة مطلوبا مع عامة الناس، فيتأكد مع الوالدين والأقارب.
والأدهى والأمر ما ذكرت من قرارك عدم تكليم والديك ووقوعك في عقوقهما، فهذا لا يجوز لك بأي حال، فإساءة الوالدين لا تبرر عقوقهما ولا يسقط برهما، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله وأن تكلم والديك، وإن كان قصدك بأخذ العهد أنك عاهدت الله أن لا تكلمهم فإنه يلزمك حينئذ كفارة يمين لحنثك في هذا العهد، وراجع الفتوى رقم: 7375.
وأما هجر الأخوات لأجل المعصية فجائز إن رجيت مصلحته، ولكن إن حنثت وكلمتهن لزمتك كفارة يمين أيضا، ما لم يزل السبب الذي حملك على اليمين فلا تلزم كفارة، وانظر الفتوى رقم: 35705.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1430(5/174)
فضل الدعوة ومنهجها
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله، أنا شاب عمري 20 سنة، لدي رصيد لا بأس به في الأمور الدينية والشرعية، ولدي تجارب في مجال الدعوة ولله الحمد، لكن أحب أن أعلم إن كانت هناك منهجية متبعة للدعوة إلى المعروف وإلى طريق الهدى لأصدقائي والمقربين؟ وجزاكم الله الفردوس الأعلى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من دلائل محبة العبد لله سبحانه وتعالى أن يدُل الناس عليه سبحانه، ويرشد التائهين إلى الطريق الموصل لرضوانه، وأن يحذرهم من مخالفته ومن أسباب غضبه.. فنسأل الله تعالى أن يثبتك على هذا الطريق، وأن يرزقك البصيرة فيه، يقول تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108} ، وقد سبق لنا فتاوى كثيرة في منهجية الدعوة وأساليبها، فراجع ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21186، 18815، 60007، 67887، 8580، 53349.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1430(5/175)
النية التي يستحضرها معلم الإنجليزية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة لغة انجليزية، أود أن تعطوني نية أقوم بها بتدريس اللغة، خاصة أني أهملتها كثيرا رغم طلاقتي بها وحبي الشديد لدراستها غير أني لا أجيد الترجمة. سارعوا بالرد أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما هو معلوم الآن أن معظم التقنيات الحديثة والأشياء الصناعية الهامة هي من صنع الدول غير الإسلامية، ومعظم هذه الدول لغتها هي الإنجليزية، كما أن كثيرا من العلوم المهمة تعتمد على هذه اللغة، فالطب يدرس في كثير من البلاد الإسلامية باللغة الإنجليزية وكذلك الهندسة وغيرها، فإذا نويت بتعليمك إعداد جيل يكون قادرا على نقل هذه التقنيات المفيدة للمسلمين وإتقانها فهي نية حسنة، وكذلك بإمكانك أنت إذا أتقنت اللغة أن تترجمي بعض الكتب النافعة من الإنجليزية إلى العربية فتنفعي بها المسلمين، والأهم من ذلك أن تترجمي ما ينفع من أراد الإسلام من الدول التي لغتها هي الإنجليزية، فأتقني اللغة وترجمي الكتب الإسلامية النافعة واحتسبي أمر الدعوة إلى دين الإسلام فقد قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ولعل الله أن يهدي بك بهذه الترجمة أحدا إلى الإسلام فتحصلي على الأجر العظيم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بعث علي بن أبي طالب لأهل خيبر: ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ. رواه البخاري ومسلم.
ويمكنك كذلك ما دمت متقنة للغة أن تساهمي في ترجمة المواقع الإسلامية، ومشاريع دعوة الجاليات في بعض الدول عن طريق الانترنت، ثم أن تكوني قدوة حسنة بالتزامك بالدين مع إتقانك للغة فهذا مما يؤثر في الجيل الذي تدرسينه، والنوايا الخيرة كثيرة جدا، ونسأل الله أن ينفع بك المسلمين، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 76558، والله الموفق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1430(5/176)
هل يجوز وضع إعلانات ملابس نسائية في موقع إسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحب موقع إسلامي يحكي عن إسلامنا من داخل إسرائيل، ونحن عرب 48 لقد قمت بعمل حملة إعلانات مجانا، وسأقوم بإذن الله بإحضار الإعلانات، هل يجوز لي أن أضع في الموقع إعلانا لمحلات ألبسة نسائية؟ ألا وهو اللباس الأجنبي الجينس والـ تي شيرت وهكذا؟ من ناحية ثانية نحن هنا في الداخل نختلف عن الوضع عندكم؛ لأن هدفي من الإعلان أن يقوم الشباب والصبايا بالدخول الى الموقع بهدف قراءة الدين، فإذا لم أقم بنشر إعلانات لملابس نسائية سأخسر الصبايا اللاتي إذا دخلن إلى الموقع قد يتاثرن ويتغيرن نحو الأفضل وهذا هو هدفنا لأننا هنا في إسرائيل لا نختلف عن اليهود في اللباس والحياة إلا من رحم ربي وهم قلة؟؟؟ شكرا لكم جزيلا وبارك الله فيكم، يمكنكم قراءة الحملة داخل الموقع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك غيرتك على دين الله تعالى، وحرصك على دعوة الناس إليه، وإن من وسائل الدعوة إلى الله تعالى إنشاء المواقع الدعوية النافعة على الشبكة العنكبوتية فهو جهاد لا شوكة فيه.
فما تبذله من الجهد في تعريف الشباب بهذا المواقع وجذبهم لزيارته والتردد عليه للانتفاع من المواد الشرعية المعروضة عليه عمل صالح، نسأل الله أن يأجرك عليه، وأما ما اقترحته من الإعلان عن محلات الملابس النسائية فهذا يختلف باختلاف الملابس، فما كان منها لا يلبس إلا خارج البيت لتتبرج به النساء فيحرم الإعلان عنه؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، ويلحق بالنوع المذكور الملابس التي يمكن استعمالها في البيت وخارجه لكن الغالب من الناس هو استعماله للتبرج خارج المنزل. وأما ما سوى ذلك فلا بأس من الإعلان عنه.
واعلم أن الغايات النبيلة لا يتوصل إليها بما يسخط الله جل في علاه، وأن الغاية في المنهج الإسلامي لا تبرر الوسيلة. وانظر الفتوى رقم: 50387.
فلتجتهد في إيجاد وسائل للتعريف بموقعك الإلكتروني والترويج له في أوساط الشباب بدون أن تستعمل الوسائل الممنوعة شرعا. وانظر الفتويين: 30150، 31803.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1430(5/177)
الدعوة للإسلام من خلال استخدام الشبكة العنكبوتية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان أحاول الدعوة للدين الإسلامي ولكن أعيش في أمريكا، ولغتي الانجليزية ضعيفة. أريد من حضرتكم إذا كان لديكم القدرة على إرسال رسالة قصيرة باللغة الإنجليزية تعرف وتدعو للإسلام حتى أتمكن من إرسالها إلى من أعرف من الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك حرصك على الدعوة إلى دين الله تعالى، وأبشر بالثواب الجزيل؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حُمْر النَّعَم. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
وليعلم الأخ السائل أن الدعوة إلى دين الإسلام في هذا الزمان صارت أيسر حتى على من لا يتقن اللغات الأعجمية، وذلك من خلال استخدام الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ، حيث تستطيع أن ترسل بعض الروابط الدعوية (الموثوقة) إلى أكبر عدد ممكن من المعارف الذين تريد دعوتهم إلى الإسلام، وذلك عبر البريد الإلكتروني.
ونحن نرشح لك هذين الرابطين لتستخدمهما في الدعوة لدين الله تعالى:
(1)
http://www.islamweb.net/ver2/archive/index2.php?vPart=35&startno=1&thelang=E
(2)
http://www.islam-guide.com /
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1430(5/178)
حكم التصاميم والفلاشات الدعوية المشتملة على أحاديث وآيات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما حكم التصاميم التي تكون فيها آيات قرآنية أو أحاديت نبوية، أو الفلاشات التي تشمل الآيات القرآنية أيضا. والغرض من هذه التصاميم هو الدعوة إلى الله لعل وعسى أن يهدي الله بها الغير، والابتعاد عن التصاميم المسيئة لديننا الحنيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج- إن شاء الله- في تصميم تلك اللوحات، إذ أن احتمال إهانتها ضعيف أو معدوم، كما هو معلوم في عرف الناس، وإنما كره جمهور الفقهاء كتابة القرآن في الأماكن التي يمكن أن يهان القرآن فيها بسبب كتابته فيها كالجدران والستور، لاحتمال حصول الإهانة بسقوط الجدار أو جزء منه أو استعمال الستور في التنظيف وغيره، وكذلك حرموا كتابته في الأماكن التي يهان فيها حقيقة كالبسط والفرش التي تداس.
فما دام الغرض من تلك التصاميم هو الدعوة والتذكير ونحو ذلك فلا بأس ... وصاحبها مأجور مثاب إن شاء الله تعالى، وإذا كان المحذور المتقدم مستبعدا في اللوحات الورقية ونحوها فهو في فلاشات الكمبيوتر وتصاميمه غير وارد أصلاً، وينبغي الحذر من تعليق هذه اللوحات في أماكن اللهو والمعاصي، كالغناء والموسيقى وشرب الدخان وغير ذلك، وراجع للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36656، 23572، 3071.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(5/179)
الداعية الذي يذكر القصص الصحيحة أثناء طرحه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشيخ نبيل العوضي قصاص، وإذا لم يكن كذلك لماذا لم يرد على الشيخ سالم الطويل عندما قال بأنه قصاص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم عن الشيخ نبيل العوضي إلا كل خير، وموقعنا ليس معنيا بالردود، أو بكلام الدعاة بعضهم في بعض، مع العلم بأن المذموم من القصاص هم من يروون الأحاديث الموضوعة، والحكايات الغريبة التي لا تستقيم شرعا ولا عقلا، أما من يذكر في أحاديثه القصص الصحيحة التي لها أغراض نبيلة، وتدعو إلى الخير، ويتثبت مما يورده، فهذا ليس بمذموم بل هو من الداعين إلى الخير، ونحيل السائل على الفتوى رقم: 69220. وهي مهمة حول كلام الأقران بعضهم في بعض وموقفنا منه، ونسأل الله التوفيق للجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(5/180)
نصح الأب المفرط في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أعيش بالغربة والحمد لله ملتزمة بتعاليم ديني، لكني دائما حزينة، وأفكر بأهلي وأخاف عليهم من عذاب يوم عظيم، لأن والدي لا يصلي، وأنا دائما أتكلم معه، هو من يجبرنا على الصلاة والالتزام بالدين هو الحمد لله يزكي ويصوم ويصلي فقط في رمضان، لكنه يترك الصلاة تارة، ويعود لها تارة أخرى. فأريد منكم أن تفيدوني. رجاء ماذا أفعل؟ فأنا أفكر فيه دائما، وأرسل لهم الايميلات الدينية، وأذكر لهم فضل الأذكار والاستغفار، وأنا أدعو ربي وأسأله أن يهديهم جميعا، ويهدي والدي إلى الصلاة، والبعد عن كل شيء يغضب الله عز وجل. وجزاكم الله خيرا على ما تقدمونه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف قد أمر الله بالإحسان إلى الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله. ومن أعظم مراتب الإحسان إليهم؛ الحرص على هدايتهم وإعانتهم على الطاعة، ولا شك أن الصلاة أعظم أمور الدين بعد الإيمان، ولا حظَّ في الإسلام لمن تركها.
ولا شك أن حرصك على صلاح أهلك وإشفاقك عليهم من تفريطهم في أمور الدين، هو علامة خير ودليل صدق، فعليك بالمداومة على نصح والدك برفق وحكمة، ومواصلة إرسال الرسائل الدعوية المفيدة التي تذكّره بالله والدار الآخرة وتعرّفه منزلة الصلاة في الإسلام وخطر التهاون فيها، والاستعانة ببعض الأقارب ذوي الدين، مع الاستعانة بالله والثقة بأن الهداية أمرها إلى الله وحده، والإلحاح في الدعاء فإن الدعاء من أعظم أسباب تحقيق المطلوب إذا كان بصدق وإلحاح مع عدم تعجل النتيجة. وراجعي الفتوى رقم: 114049.
وننبه السائلة إلى أنه ينبغي للمسلم أن يحرص على الإقامة في بلاد المسلمين، ويترك الإقامة في بلاد الكفار. ولمعرفة حكم الإقامة في بلاد الكفار يمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 2007، والفتوى رقم: 23168.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(5/181)
حكم اللجوء للكذب بغرض دحض حجة المبتدع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكذب على المبتدع أو مروج الضلال في مقام الاحتجاج عليه إذا كان الكذب يدحض حجته ويبطل دعاويه الباطلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن البدع والأهواء من المنكرات العظيمة التي يجب محاربتها وبيان زيغها، ولكن يجب أن نتوسل إلى ذلك بالوسائل الشرعية، ولا يجوز ارتكاب أمر محرم لنتوسل به إلى ذلك، والكذب لا ريب في حرمته وأنه خلق مذموم، ولا يجوز أن يكون وسيلة للدعوة إلى الله تعالى.. كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 111246، وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15169، 43399، 79593.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(5/182)
وسائل مقترحة لترغيب الولد في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ابني يبلغ من العمر 14 سنة، وما زال يترك صلاته أحيانا، مع العلم أني منذ الصغر وأنا أعلمه وأذكره بالصلاة.
أرجو تقديم أي نصيحة أو استشارة لي ولابني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يهدي ولدك وأن يزيدك حرصا على صلاح ذريتك, ثم اعلمي أن هذا الغلام قد ناهز البلوغ إن لم يكن قد بلغ بالفعل، وأمر الصلاة من آكد الأمور التي يجب العناية بها والحرص عليها في حق هذا الصبي، ونحن نرشدك إلى بعض الخطوات التي يمكنك اتباعها معه لعل الله أن يهديه ويسدده.
أولا: اجتهدي في الدعاء له بالصلاح، فإن الدعاء سلاح ماض كثيرا ما يغفل عنه الناس مع عظيم تأثيره في حصول المطلوب، وقد كان الدعاء بصلاح الذرية من هدي الأنبياء عليهم السلام، قال إبراهيم عليه السلام: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي. {إبراهيم: 40} .
ثانيا: أكثري من الحديث معه عن فضل الصلاة وعظم ثواب المصلي، وعن خطورة ترك الصلاة وعقوبة تاركها في الدنيا والآخرة، وأنه كافر خارج من الملة مخلد في النار عند بعض العلماء، وأنه شر من الزاني والسارق وشارب الخمر باتفاق العلماء، وأسمعيه الأشرطة التي تتحدث حول هذا المعنى، وأطلعيه على المطويات الخاصة بهذا الموضوع، أو الكتب الصغيرة التي تتناسب مع فهمه وسنه والتي تتناول فضل الصلاة وعقوبة تركها.
ثالثا: استعملي معه أسلوب الترغيب والمكافأة حين يحافظ على الصلاة، وأشعريه أن هذا أهم أمر عندك، وأكثر ما يجعلك راضية عنه، وهذا أهم عندك من تفوقه في الدراسة وغير ذلك من الأمور.
رابعا: دققي النظر في أصدقائه ومن يختلط بهم، فإن للصحبة أعظم الأثر في استقامة الناشئ أو انحرافه، وأبعديه قدر الطاقة عن رفقاء السوء، فإنهم يعدون الصحيح المستقيم أشد من عدوى صاحب الجرب.
خامسا: استعملي معه الترهيب والضرب غير المبرح إذا تمادى في ترك الصلاة امتثالا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم: واضربوهم عليها لعشر. أخرجه أبو داود.
واجعلي هذا آخر الدواء فآخر الدواء الكي على ما قيل، واعملي أن الضرب لا يلجأ إليه إلا مع غير البالغ، أما البالغ فلا يضرب وإنما يعاقبه السلطان إن وجد.
ونحن ندعو لهذا الفتى بالهداية ولسائر شباب المسلمين، ونوصيهم جميعا بتقوى الله تعالى، وعدم التهاون في أمر الصلاة، فإنها عمود الإسلام، ومن حفظها حفظ ما سواها، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
وفقنا الله لما فيه مرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1430(5/183)
دور دار ابن أبي الأرقم في الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لدار الأرقم بن أبي الأرقم دور كبير في نجاح الدعوة الإسلامية وانطلاقها. بين ذلك وبين كيف نربط بينها وبين مراكز الشباب في إنجاح أدوارها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لا يخفى ما كان لدار الأرقم من الدور الكبير في نجاح الدعوة الإسلامية، لكن هذا السؤال فيما يبدو سؤال مسابقة، ونحن لا نجيب على أسئلة المسابقات؛ لأن إجابتنا عليها تبطل الهدف المقصود منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1430(5/184)
هل يجب طاعة الأب في الخروج مع جماعة التبليغ
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي يخرج مع جماعة التبليغ والدعوة، ويطلب مني أن أخرج معهم، ولكن أنا لا أريد أن أخرج معهم. فهل أأثم أمام الله؟ وهل رفضي هذا عقوق لأبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخروج للدعوة إلى الله ـ ما لم تصاحبه مخالفة شرعيةـ طاعة من أجل الطاعات. وطاعة الوالد في الأمور المباحة التي لا يتضرر بها الابن واجب متحتم، فكيف بطاعته في قربة وفضيلة؟
فما لم يكن لك أيها السائل الكريم عذر مقبول في عدم خروجك معهم كتلبسهم بمعصية أو مخالفة شرعية، أو اشتغالك بواجب متعين عليك ككفاية أبنائك ضروريات معيشتهم ونحو ذلك، فما لم يكن شيء من ذلك فإنك تأثم بمخالفته، ويعد ذلك نوعا من العقوق. ولا شك أن هذا يتنافى مع أمر الله بالإحسان للوالد.
ويمكن مراجعة ضابط طاعة الوالدين في الفتوى رقم: 37648، وما أحيل عليه فيها.
وقد سبق الكلام على جماعة التبيلغ وغيرهم من الجماعات وبيان رأي أهل العلم فيهم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9565، 17978، 8524، 5900.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1430(5/185)
هل تؤجر المرأة إذا تسببت في هداية خطيبها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نجزى إذا كنا سببا في توبة عبد وتركه لمعصية، أو معاصي كان يفعلها،وتركها من أجل أن يرضى عنه ربه، ويصبح زوجا صالحا، وذلك عن طريق الزواج منه، وقد خسر ماله الذي جمعه من الحرام وتوجه لعمل بعيد عن أي شبه ولكن المصائب تتوالى عليه، وهو يصبر ويصبر، وخطيبته تصبر إلى أن رفض الأهل إتمام الزواج بسب توالي الكوارث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدال على الخير كفاعله، ومن تسبب في هداية شخص فله أجر كبير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: والله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه.
ولكن ينبغي الحذر من العلاقات بين النساء والرجال الأجانب فهذا لا يجوز ولو كان بغرض الدعوة إلى الله سبحانه، فإن الشيطان لا يدع مثل هذه العلاقات حتى يفسدها، ويفتح على أهلها أبواب الفتنة والشر.
ولكن إن كان هذا الشخص قد تاب وحسنت توبته فلا حرج عليك إن أنت أتممت الزواج به، ولا يجوز لأهلك الامتناع من تزويجك به بسبب ما يصيبه من محنة وبلاء، ما دمت أنت راضية به وهو كفؤ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1430(5/186)
منهج الرسل في تبليغ رسالات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو:
كيف كان الرسل السابقون يدعون إلى الإيمان بالله، وكيف كانت صلاتهم قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، ما هي فرائضهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرسل جميعاً -عليهم صلوات الله وسلامه- دعوا إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة دون غيره، ونبذ ما دونه من الآلهة والأنداد، فالإسلام هو دينهم جميعا، والتوحيد هو عقيدتهم قاطبة، وانظر الفتوى رقم: 813.
وقد اتبعوا لذلك كل الوسائل الممكنة، وسلكوا المسالك المتاحة، وارتكزت دعوتهم على أصول مهمة، نُجمل بعضها فيما يلي:
أولاً: الدأبُ في التبليغ، وبذل الوسع في النصح، وعدم التراخي أو التهاون أو التكاسل في أداء الرسالة، ومثال ذلك ما قاله نوحٌ عليه السلام: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا {نوح5-9}
ثانياً: الرفق واللين، والموعظة بالتي هي أحسن، والتلطف في الخطاب ما أمكن، فهذا موسى عليه السلام خيرُ أهل زمانه يأمره الله بأن يقول لفرعون أخبث أهل الأرض: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى {النازعات: 19،18}
ثالثاً: إقامة البراهين ونصبُ الأدلة الدامغة على صحة ما يدعون إليه، وليس أدل على ذلك من هذه المناظرة العظيمة، التي دارت بين إبراهيم عليه السلام وقومه، فأبطل لهم فيها دعواهم ربوبية الكواكب، كيف ولا شيء منها يثبت، بل هي تأفل وتغيب، وكذا مناظرته عليه السلام للجبار الذي ادعى الربوبية وزعم أنه يُحيي ويميت قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {البقرة:259} .
رابعاً: الصبرُ على الأذى، وتحمل المشاق في سبيل الدعوة: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ {الأنعام:34} .
خامساً: الترغيب والترهيب، اللذان هما أعظم سائقٍ إلى الخير ورادعٍ عن الشر، وتلك وظيفة الرسل، تبشير من أطاعهم بالجنة، وإنذار من خالفهم بالنار: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ {الأنعام: 48،49} .
وأما عن شرائعهم وما افترضه الله عليهم، فالذي نجزمُ به أن الأنبياء كانت لهم صلاة؛ كما قال تعالى عن إسماعيل عليه السلام: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا {مريم:55} .
وقال عن عيسى عليه السلام: وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا {مريم:31} .
ولكن لم يُطلعنا الله على كيفية صلوات الأنبياء السابقين ولا مقدارها، فوجبَ علينا أن ننتهي حيثُ أوقفنا الشرع، وألا نتكلف الخوض فيما أخفى الله عنا علمه.
وكذا فرض الله على الأمم قبلنا الصوم، وانظر الفتوى رقم: 16375. ولم يبين لنا كيفية ذلك الصوم، فوجبَ علينا الانكفافُ عن الخوضِ فيما لا فائدة من الخوض فيه.
علما بأن شرائع هذه الأمم مختلفة. قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة:48}
وراجع فتوانا رقم: 54711.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1430(5/187)
إقامة البراهين للملحدين على أن هناك ربا لأطفال فلسطين
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الكريم, أعيش ببلجيكا وهي بلد غير إسلامي، ولكن شرائعه وقوانين عديدة فيه إسلامية من دون أن يدرك الإنسان هذا, وخاصة التأمينات الاجتماعية حيث يتساوى دخل الغني والفقير فيه.
أعيش هنا وأدرس اختصاص: دراسات شرق أوسطية من دين وثقافة وما إلى ذلك، حتى السياسة.
جزء هام من دراساتنا هي العبرية واليهودية، أسبوع واحد فقط قبل أحداث غزة كان علي تقديم بحث عن شرائع التلمود, ولكوني عربيا علي أن أظهر الحيادية أمام مدرسي، وخاصة القسم اليهودي. بالصدفة تم اختياري لدراسة حوارات ومقالات تلمودية بين حاخام وأناس يهود، في تلك الحوارات التقطت جملا تؤكد مثلا على استعلاء اليهود أنفسهم على باقي شعوب العالم.
1- على جميع المدن أن تعلم التلمود، إن أبت؟ فعلى اليهودي نفيها لمدة, إن أبت؟ فعليه تدميرها بمن فيها -عند قراءة هذا أمام مسمع الطلبة البلجيكيين, الكل كان متفاجئا من تلك العدوانية البريئة من شريعة موسى.
2- ناهيك عن الإشارة إلى أن الأرض الموعودة- إسرائيل- يسكنها عرب خونة لا رب لهم، يجب الحذر منهم -فكان شيئا ممتعا لي بأن أتلو ذلك، وأنا عربي ومسلم أمام البلجيكيين الذين لا يعرفون الآن عن الإسلام والعرب من خلالي إلا التسامح والعفو والوجه الحسن.
3- فكان لهم ذلك تناقضات بتناقضات -عرب خونة لا رب لهم-وخاصة بربط تلك الصورة بي.
أسبوع واحد بعد ذلك بدأت حرب غزة، وقتل الأطفال التي جاءت لتطرح السؤال نفسه، هل أؤلئك العرب هم الذين لا رب لهم أم شعب آخر؟
فبالفعل سمعة إسرائيل هوت إلى الحضيض بعد تلك الحرب, ووقفة الشعوب الأوروبية لجانب الفلسطينيين تكبر بقدر ما تكبر كراهيتهم لشعب إسرائيل غير العلنية كما ألاحظ أنا.
سؤالي: كيف يمكن أن أقنع زملائي ورفاقي الإنسانيين لدرجة, رغم إلحادهم بدحض فكرتهم:
لو كان هناك رب لما ترك أطفال فلسطين تموت هكذا؟
رغم محاولاتي العديدة لشرح أن الإبتلاء والشر موجود، والهدف محاربته.
في النهاية، أريد أن أقنعهم بأن هناك ربا بطرق بسيطة ليفهموها فكيف؟
هل يعتبر توضيح تلك الصورة وغيرها عن الإسلام، وبيت المقدس للغرب، جهادا فى سبيل الله ولو كان فقط بالكلام؟
ولكم تحياتي وشكري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبداية مع أمثال هؤلاء لا بد أن تكون عن الإيمان بالله تعالى والإيمان باليوم الآخر، والبراهين الدالة على ذلك مع بيان حقيقة الحياة الدنيا وقدرها، فإنها لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء، فإن هم عرفوا ذلك قادهم لفهم قضية الغاية من خلق السموات والأرض، والحياة والموت، وهي الابتلاء والامتحان، ليميز الله الخبيث من الطيب.
ومن جملة هذا الامتحان الذي خُلق الإنسان من أجله ما يحصل لأطفال غزة، وغيرها من أنواع الآلام، وفي ذلك حكم كثيرة منها: تمييز المؤمن الذي يهب لامتثال أمر الله بنجدة وإعانة أمثال هؤلاء الأطفال ومن في حكمهم من الاستضعاف من المنافق الذي لا يعنيه إلا نفسه فلا يمتثل لله أمراً ولا يعرف للناس حقاً، قال الله تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ* وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {محمد:4-5-6-7} ، وقال سبحانه: وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا {النساء:75} ، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75978، 13270، 94560، 110965، 75468، 74500، 117638.
وأما توضيح صورة الإسلام وبيت المقدس للغرب وهل يعتبر جهاداً في سبيل الله؟
فالجواب: نعم، يعتبر هذا نوعاً من الجهاد، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 117735 وما أحيل عليه فيها.
وأخيراً ننبه السائل الكريم على أن معاملة هؤلاء الملحدين وحتى الفاسقين من المسلمين، ينبغي أن تكون في حدود بيان الحق لهم ودعوتهم إليه، ولا تتعدى إلى مرحلة الصحبة والخلة، فالمرء على دين خليله، والصاحب ساحب، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 114256.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1430(5/188)
حكم استخدام وسيلة غير مشروعة لغاية مشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال هل يجوز أن أبيع مقطعا عن الموت أنا فعلته بنفسي صورت القبور وأشياء كهذه لكن أجعلهم يظنون أنهم سوف يرون فتاة تتعرى ولكن أغريهم بمقطع دقيقة من الجنس حتى يشتروا الفيديو ويشعروا بالندم وشكرا لكم، وأيضا تكون الفتاه تظهر بعض مفاتنها ولكنها هي التي نشرتها بالانترنت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال أن السائل سيستخدم صورة لفتاة تظهر بعض مفاتنها كي يوهم أن هذا المقطع الذي يريد بيعه يحتوي على مشاهد إباحية، مما يغري ضعاف النفوس بالشراء، وأن هذه الصورة لم يصورها هو بل نشرتها صاحبتها أو غيرها على الإنترنت.
فإن كان هذا هو مراده، فهذا العمل محرم، لما فيه من الإعانة على نشر الرذيلة متمثلة في صورة هذه المرأة. وكونه يقصد من وراء ذلك غاية حميدة لا يعفيه من المسؤولية؛ فإن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة، فكما ينبغي أن تكون الغاية مشروعة، كذلك ينبغي أن تكون الوسيلة مشروعة، والقاعدة أن الوسائل لها أحكام المقاصد.
وقد سبق لنا بيان هذه القاعدة في الفتوى رقم: 50387. كما سبق بيان ضوابط كون الغاية تبرر الوسيلة في الفتوى رقم: 74667. وأن الدعوة البصيرة لا تسلك أساليب غير مشروعة في الفتوى رقم: 15169.
أما أصل الفكرة من إنتاج مقاطع فيديو فيها تذكير بالآخرة ثم بيعها، فهذا لا حرج فيه ما دام خاليا من المحاذير الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1430(5/189)
الدعوة إلى الله تعالى هل يمكن أن تكون بالموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤالان. السؤال الأول: ما حكم استخدام الآلات الموسيقية للدعوة في الغرب؟ السؤال الثاني: هل يمكن أن تعطي لنا مثالا لقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" في مجال الدعوة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى أمر بالدعوة إليه فقال عز من قائل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ {النحل: 125} . وجعل سبحانه الدعوة هي أحسن القول، فقال: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ {فصلت: 33} ، وراجع في فضل الدعوة إلى الله الفتوى رقم: 16759.
ولكن الدعوة إلى الله تعالى لا تكون إلا بما شرع سبحانه، إذ إن الوسائل لها أحكام الغايات، والإسلام لا يقبل الوصول للغايات الطيبة بالوسائل الخبيثة، بل يجب أن تكون الوسائل طيبة تماما كالغايات، ولهذا لا يجوز جمع المال من حرام لينفق في الخيرات وأوجه الصدقات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. رواه مسلم.
فإن تقرر هذا، فلتعلم أيها السائل الكريم أن الدعوة إلى دين الله تعالى لا تكون بوسائل حرمها الله كالآلات الموسيقية، ولو كان ذلك في بلاد الغرب. وانظر أدلة تحريم استخدام آلات اللهو والطرب في الفتوى رقم: 39632.
ومتى كانت الموسيقى وسيلة للدعوة إلا في دين النصارى ومن جاراهم من أهل البدع.
هذا، ولتعلم أن الله تعالى لم يكلف المؤمنين أكثر من دلالة الناس على ما ينفعهم بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهذا لا يتطلب أن ينتهك الداعية الحرام. فالداعية مجرد مبلغ عن رب العالمين، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ملخصا دوره: إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ {فاطر:23} وقال: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ {المائدة: 99} ولما ظهر منه صلى الله عليه وسلم القلق والجزع على المعاندين الذين يدعوهم إلى الهدى والسعادة في الدارين ويأبون إلا التقحم في النار حينئذ قال له تعالى: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا {الكهف: 6} وقال له أيضا: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ {فاطر: 8}
من هنا يتضح لك أن الداعية مأمور بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإذا وجد عنادا من الناس فإنه لا يجاملهم بترك بعض شرع الله ابتغاء مرضاتهم، وعلى هذا فإن قاعدة الضرورات تبيح المحظورات لا يجري تطبيقها في مجال دعوة الناس للاستقامة على دين الله. وحتى يتضح لك معنى الضرورة التي تبيح المحظورات راجع الفتوى رقم: 27833، ولبيان هل يتنازل المسلم عن بعض الشرع لتروج دعوته على المناوئين انظر في ذلك الفتوى رقم: 53773.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1430(5/190)
قصة المسلم الذي أجاب على أسئلة القسيس لا أصل لها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هل هذه القصة حقيقية!! مع العلم أنها تنتشر ياشيخ بعدة روايات، ولكن المضمون متقارب كان رجل مسلم له صديق مسيحي، فألح المسيحي على المسلم بأن يذهب معه للكنسية ليحضر درسا من قسيس، ويدلي رأية للمسيحي فوافق المسلم وذهب معه فعرفه القسيس، وقال يوجد بينكم محمدي أي مسلم فوقف المسلم وقال له كيف عرفت؟ فقال القسيس سيماههم في وجوههم. فابتسم المسلم، وقال له القسيس أريد أن أسألك اثنين وعشرين سؤالا إليك الأسئلة:
ما هو الواحد الذي لا ثاني له؟ ما هما الاثنان اللذان لا ثالث لهما؟ ما هم الثلاثة الذين لا رابع لهم؟ ما هم الأربعة الذين لا خامس لهم؟ ما هم الخمسة الذين لا سادس لهم؟ ما هم الستة الذين لا سابع لهم؟ ما هم السبعة الذين لا ثامن لهم؟ ما هم الثمانية الذين لا تاسع لهم؟ ما هم التسعة الذين لا عاشر لهم؟ ما هي العشرة التي تقبل الزيادة؟ ما هي الإحدى عشر الذين لا ثاني عشرة لهم؟ ما هي الاثنا عشر الذين لا ثالث عشر لهم؟ ما هي الثلاثة عشر الذين لا رابع عشر لهم؟ ما هو الشيء الذي يتنفس ولا روح فيه؟ ما هو القبر الذي سار بصاحبه؟ من هم الذين كذبوا ودخلوا الجنة؟ ما هو الشيء الذي خلقه الله وأنكره، وما هي الأشياء التي خلقها الله بدون أب وأم؟ من هو المخلوق الذي من نار، ومن هلك بالنار، ومن حفظ من النار؟ ومن الذي خلق من حجر وهلك بالحجر وحفظ بالحجر؟ ما هو الشيء الذي خلقه الله واستعظمه؟ وما هي الشجرة التي لها اثني عشر غصنا، وفي كل غصن ثلاثين ورقة، وفي كل ورقة خمس ثمرات ثلاث منها بالظل واثنتان بالشمس؟ فابتسم المسلم ابتسامة الواثق بالله ... وسمّّّى بالله * بسم الله الرحمن الرحيم * الله سبحانه وتعالي الواحد لا ثاني له، والاثنان اللذان لا ثالث لهما: الليل والنهار، وجعلنا الليل والنهار آيتين، والثلاثة التي لا رابع لها هي: أعذار موسى مع الخضر في إعطاب السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، والأربعة الذين لا خامس لهم: القرآن والإنجيل والتوراة والزبور، والخمسة التي لا سادس لهم الصلوات الخمس المفروضة، والستة التي لا سابع لها الأيام التي خلق الله تعالى فيها الكون، والسبعة التي لا ثامن لهم السموات السبع، الذي خلق السبع سموات طباقا ما ترى من خلق الرحمن من تفاوت، والثمانية الذين لا تاسع لهم هم حملة عرش الرحمن، ويحمل عرش ربك يومئذٍ ثمانية، والتسعة اللاتي لا عاشر لها هي معجزات موسى عليه السلام: العصا، اليد، الطوفان، السنون، الضفادع، الدم، القمل، الجراد، شق البحر. وأما العشرة التي تقبل الزيادة هي الحسنات من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها والله يضاعف الأجر لمن يشاء، والأحد عشر الذين لا ثاني عشر لهم هم أخوة يوسف عليه السلام، والاثنا عشر التي لا ثالث عشرة لها هي معجزة سيدنا موسى: وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشر عيناً، والثلاثة عشرة الذين لا رابع عشر لهم هم إخوة يوسف وأبوه وأمه، وأما الذي يتنفس ولا روح فيه فهو الصبح، والصبح إذا تنفس، وأما القبر الذي سار بصاحبه هو الحوت عندما التقم سيدنا يونس عليه السلام، وأما الذين كذبوا ودخلوا الجنة هم إخوة يوسف عليه السلام، والشيء الذي خلقه الله وأنكره هو صوت الحمير، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير، وأما ما خلق وليس له أب وأم فهم:آدم عليه السلام، ناقة نوح، كبش الفداء، الملائكة. وأما ما خلق من نار فهو إبليس، ومن هلك بالنار فهو أبو جهل، ومن حفظ من النار فهو إبراهيم عليه السلام. وأما ما خلق من الحجر فهي ناقة صالح عليه السلام، ومن هلك من الحجر فهم أصحاب الفيل، وأما من حفظ بالحجر فهم أصحاب الكهف. وأما ما خلقه الله واستعظمه فهو كيد النساء، إن كيدهن لعظيم، والشجرة هي السنة التي لها اثني عشر شهرا "غصنا" والثلاثين ورقة هي الأيام في كل شهر، والخمس ثمرات هي الصلوات الخمس، والثلاث التي بالظل هي:صلاة الفجر والمغرب والعشاء، والاثنتان التي بالشمس هي: الظهر والعصر، هذا كان رد المسلم فاستعجب القسيس والحضور، ولكن فوجئ القسيس بسؤال واحد موجه من الشاب المسلم وهو: ما هو مفتاح الجنة؟ هنا لم يقدر القسيس على الإجابة، لكنه اضطر للإجابة بعد إلحاح الوجود، ولكنه طلب الأمان أتتوقعون لماذا؟ لأن الإجابة هي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأسلم القسيس ومن معه في الكنيسة، أترون ما أعظم الثقة بالله، اعذروني على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قصة هذه الأسئلة منتشرة على ألسنة القصاص والوعاظ الذين لا تحقيق عندهم، وموجودة في كثير من المنتديات على الإنترنت، وأجوبة بعض تلك الأسئلة متكلفة وغير دقيقة، ثم إننا بعد البحث والتفتيش فيما لدينا من مصادر وموسوعات إلكترونية وجدنا أن هذه القصة لا أصل لها، أي أن الناس يتدالونها بدون إسناد إلى قائلها، وظاهر من ألفاظها وترتيبها أنها مصنوعة، فلا ينبغي الاشتغال بها، والأولى لمن أراد أن يتصدر لدعوة الناس إلى الله أن يستغني بما ورد في القرآن الكريم وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة، ففي ذلك الغناء كل الغناء، والبركة كل البركة، وقد الله تعالى لرسوله: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ {ق:45} وقال أيضا آمرا رسوله: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ {الأنبياء:45} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(5/191)
وجوب الاجتهاد في تعليم المسلمين سنة نبيهم الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: هو أنني أفقد الخشوع في الصلاة عندما يصلي أمامي أو إلى جانبي أشخاص وهم الأكثر وجودا في جل مساجد المغرب لايحاذون بين المناكب ولا يسدون الخلل إضافة إلى صلاتهم بالسدل وكذلك عدم موافقتهم للإمام بل متابعته، وكل هذا يجعلني أثناء الصلاة أتساءل لماذا هؤلاء الأشخاص لا يطبقون سنة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولكي تكونوا على العلم أنهم أكبر مني سنا هذا يعني أنهم لن يتقبلوا مني النصيحة لأنهم يظنون أنهم على صواب.
وجزاكم الله خيرا ولا تنسونا بصالح الدعاء وأن يرزقني الله جل جلاله حجة مباركة ومقبولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وزادك الله حرصاً على اتباع السنة وتعظيمها، لكن ينبغي أن تعلم أن ما فيه هؤلاء الناس قد عم في كثير من بلاد الإسلام! وهذا يستوجب من العالمين بالسنة مثلك مزيداً من الاجتهاد والبذل في الدعوة إلى الله عز وجل ونصيحة المسلمين وحثهم على ما هو الخير لهم وتعليمهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الدال على الخير كفاعله.
وفي صحيح مسلم من حديث تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فينبغي أخي الكريم أن تجتهد في نصيحة من يخالف السنة، بعدم تسوية الصفوف أو عدم متابعة الإمام أو غير ذلك، وإن كان أكبر منك في السن فإنك إن استعملت الأسلوب الحسن الرفيق وكلمتهم بتوقير وتأدب مع الاستعانة بالله ودعائه أن يشرح صدورهم كان ذلك سبباً في استجابتهم بإذن الله، فإن لم يستجيبوا فلن يضرك فعلهم ولا مخالفتهم بالسنة بل عليك أن تقبل على صلاتك متفكراً في أذكارها مستحضراً عظمة ربك عز وجل مجتهداً في تحصيل الخشوع فيها، ونسأل الله أن يهدي عموم المسلمين إلى ما فيه الخير والرشد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1430(5/192)
ينصح زملاءه بترك الغش فيسخرون منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنصح أناسا ولكنهم يسخرون مني فماذا أفعل عندما يرونني يقولون جاء الشيخ بقصد المسخرة وأنا لست كبير السن إنما في السن 16 أنصح زملائي بالمدرسة بأن الغش خاطئ وهكذا وهم يسخرون منى!!
أنصحني يا شيخ حفظك الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بقيامك بمناصحة زملائك في المدرسة بحرمة الغش، فهذا أمر تشكر عليه ونرجو أن يجزيك الله عليه أجرا كثيرا وثوابا جزيلا ورضى يحفظك به ما بقيت.
فلا تتوان في مناصحتهم متى ما حدث ما يستوجب ذلك، ولكن عليك باختيارالأسلوب المناسب، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18815، 19186، 21186.
وأما ما حدث منهم من سخرية فهذا أمر طبيعي في طريق الدعوة، لم يسلم من ذلك الأنبياء عليهم السلام مع مكانتهم وجلالة قدرهم، فلا تلتفت إلى سخريتهم، ولا تقعدك عن الاستمرار في نهجك في دعوتهم ومحاولة إصلاحهم، وعليك بمحاولة استقطاب بعض الصالحين الذين يمكن أن يعينوك في الدعوة، فإن التعاون على الخير والبر والتقوى مطلوب شرعا، وهو من أهم مقومات نجاح الداعية.
فنوصيك بالصبر ففي وصية لقمان لابنه: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان:17} .
قال ابن كثير في البداية والنهاية معلقا على هذه الآية: الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في مظنة أن يعادى وينال منه ولكن له العاقبة ولهذا أمره بالصبر على ذلك ومعلوم أن عاقبة الصبر الفرج. انتهى.
وراجع في فضل الصبر الفتوى رقم: 56472.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(5/193)
الاقتداء بالنبي في طرائق الدعوة إلى الله مطلب شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءت في كتب السير المعتمدة أن سيدنا وحبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى كثير من القبائل طالبا ً منها النصرة (المنعة)
ومن هذه القبائل ثقيف، وبني عامر بن صعصعة، وعبس، وسليم ... ، وجاء في كتب السير كذلك أن أبا بكر الصديق قد شارك الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفعل، فهل هذا الفعل هو خاص به صلى الله عليه وسلم يحرم علينا اتباعه، مع ذكر دليل التخصيص.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض الإسلام على الأفراد وعلى القبائل المذكورة في السؤال وغيرهم.. ويطلب منهم نصرته. ولذلك ينبغي لدعاة الإسلام في كل زمان ومكان أن يقتدوا به في كل شأن من شؤون حياته وخاصة ما يتعلق بالدعوة إلى الله تعالى وإقامة الدولة والمجتمع المسلم؛ فهو صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في كل أفعاله وأقواله.. إلا ما دل الدليل على خصوصيته به.
قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {الأحزاب: 21} .
وهذا الفعل ليس من خصائصه، وإنما هو وسيلة من وسائل الدعوة لإقامة دين الله والتي يمكن أن يأخذ بها كل داعية ومصلح..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1429(5/194)
مقترحات لتوجيه الشباب للسلوكيات المفيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الموضوعات التي يمكن طرحها لشباب لا يحبون التعلم ولا يحبون القراءة ولا يحبون الكتاب وتريد أنت أن تهديهم لطريق الصواب مع العلم أن هؤلاء الطلاب هم من خرّيجي السجون والأحداث. شاكراً معونتكم والله الموفق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الجيد أن يحرص المسلم على الدعوة إلى الله، وتعبيد الناس لربهم، ورد الضالين إلى جادة الطريق، وينبغي أن يلتمس المسلم في مثل هذا الحكمة والأسلوب الحسن، فينوع الأساليب التي يستخدمها في الدعوة، فيجعل لكل فئة من الناس من الأساليب ما يتناسب وحالهم.
والذي نقترحه في دعوة أمثال هؤلاء الشباب هو إقامة برامج ترفيهية تشتمل على كثير من البرامج المباحة، تتخللها بعض البرامج المشتملة على فقرات فيها بعض الأمور والمعلومات الشرعية أو القصص الهادفة التي يراد من خلالها توجيه الشاب إلى سلوك معين ونحو ذلك، ويوجد في يعض القنوات الفضائية الإسلامية من مثل هذه الأساليب الشيء الكثير كقنوات المجد وغيرها، ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى: 17709، 21517، 30807.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1429(5/195)
اعتراض المترجم على ما يراه مخالفا لروح الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مترجماً لإحدى المؤسسات الدعويه الإسلامية حيث أقوم بترجمة ما يسند إلي من أعمال، في بعض الأحيان أعترض على فحوى ما أترجمه (لمصلحة الدعوة) فعلى سبيل المثال في مسألة زواج المرأة بنفسها دون الولي تقتبس المؤسسة عن قدامى الفقهاء ومن بين الاقتباس مقارنة وضع المرأة في هذه المسألة بوضع تصرف العبد دون الرجوع إلى سيده وهكذا.. وطالما تترجم هذه الأعمال إلى اللغات الأخرى فهي عرضة ولا شك لأن يقرأها غير المسلمين.. ولا شك أنها ستؤخذ كأداة للطعن في الدين الإسلامي الحنيف.. لا سيما في وقت وصلت فيه المرأة إلى أعلى المناصب.. اعترضت على ذلك فقيل لي اختصاصك فقط هو ترجمة هذه الأعمال.. مع العلم بأنني من أبناء الأزهر ولدي من الخبرة في التعامل مع غير المسلمين ما لا يملكة هؤلاء.. فأفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حقك أن تعترض على ما تراه مخالفاً لروح الشريعة وهدي الإسلام وما قد يفهم خطأ، وينبغي أن تمتنع من ترجمة ذلك، ولكن خشيتنا من انتقاد الغربيين لا تعني أن نترك ما هو ثابت في شرعنا أو ما هو صحيح مما ذكره علماؤنا، ولو ذهبنا نجاري الغرب فيما عنده ونتستر على كل ما لا يرضيه من ديننا لتركنا ديننا كله، وقد قال تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ {البقرة:120} ، والمطلوب هو الحكمة والتثبت من صحة المعلومات المترجمة وعدم معارضتها لثوابت الشرع وعند الاطلاع على خطأ فيها أو ما يمكن فهمه خطأ ينبغي مراجعة المسؤولين المختصين وبيان ذلك لتعديله أو حذفه، ونحمد لك غيرتك على دينك وسؤالك عما أشكل عليك ونشكر لك تواصلك مع هذا الموقع، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 7453.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1429(5/196)
دعوة الفتاة أهل بيتها بالتي هي أحسن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة قد منّ الله علي بالهداية منذ سنة تقريباً, مشكلتي هي أني أعاني مع أهل بيتي لأنهم يغرقون في المعاصي وبسببهم أحرم أحياناً من الشعور بالخشوع في صلاتي! أنا في جهاد مع أهل بيتي وأجافيهم أحيانا لأنهم يحبون الجلوس أمام التلفاز بينما أنا لا أطيقه! فما الحل معهم أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للوالدين منزلة عظيمة في الإسلام، وهما أحق من يبذل لهما الإنسان النصح، وأحق من يأخذ بأيديهما إلى المعروف، ويحذرهما من المنكر بالتي هي أحسن، روى مسلم في صحيحه وأبو داود عن أبي سعيد مرفوعاً: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
فعلى هذا يجب عليك أن تنهى والديك وأهلك -بالحكمة والموعظة الحسنة- عن مشاهدة هذه الأفلام والمسلسلات التي أقل ضررها ذهاب الأوقات وضياع الأعمار فيما لا طائل من ورائه، هذا فضلاً عما تحتويه من مشاهد يبغضها الله، ولتذكريهم بالله عز وجل وأنه يعلم السر وأخفى، وبقول الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... {النور:30} ، وغيرها من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب غض البصر عن المنكرات، وحفظ السمع عن المحرمات، وحفظ الوقت عن إضاعته في الأباطيل والترهات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه. أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
فإذا انتهوا فالحمد لله، وإلا فقد أديت ما عليك أمام الله، ولن يُحمل عليك -إن شاء الله- شيء من أوزارهم، طالما أنك كرهت المنكر وأنكرته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. أخرجه الترمذي وغيره وصححه الألباني. بقي عليك ألا تشاركيهم في منكرهم ولا تجلسي معهم وهم في ذلك، أما ما وراء ذلك في أمور المعيشة فعامليهم بالتي هي أحسن، وأكثري من الدعاء لهم بالهداية، واستغفري لهم الله إن الله غفور رحيم. وللفائدة في الموضوع تراجع الفتوى رقم: 12032، والفتوى رقم: 34051.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1429(5/197)
الثبات على الحق ونصح الأهل السالكين طريق التصوف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أبلغ من العمر 30 سنة متزوج ولي أربعة أولاد عائلتي كلهم ملتزمون ولكن أنا كنت دائما بعيدا عن الدين حتى قبل فترة سنتين تقريبا عدت إلى الله والحمد لله ولكن المشكلة أن والدي وإخواني اتجاههم هو في نظري خاطئ وهو (التصوف) وأنا أتخذ من السلف أو جماعة السلفية وهم أهل السنة والجماعة طريقي ولكن عندما شك والدي هددني بالطرد من البيت والقطيعة وحاولوا أن يعطوني الكتب والأشرطة لكي أقتنع بما هم فيه وإلا أكون أنا غير المرغوب فيه ولكن أنا لا أقتنع بما أسمع منهم وأقرأ، سؤالي هو كيف أتعامل معهم وهل يجوز مجادلتهم وأنا أعلم أنني لا أستطيع نصحهم وبالأخص والدي ويجوز أن أكشف أمري أو أخفي ما استطعت عنهم وهل إذا ألزمني حضور ما هو بدعة أو شيء أكبر مثل الموالد وغيرها وخيرني بينهم وبين الحضور ماذا أفعل؟ وأنا أحاول التهرب منذ فترة وأحيانا يكون غضب والدي علي بهذا السبب، أفتني يا شيخ جزاك الله خيرا فإنني في حرب مع نفسي والله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك أولا بما من الله عليك به من التوبة والهداية إلى معرفة العقيدة السليمة، وهذه نعمة ينبغي أن تحمد الله عليها وأن تجتهد في كل سبيل يعينك على الثبات عليها، ومن ذلك تعلم العلم النافع والحرص على العمل الصالح ومصاحبة الأخيار.
وأما تعاملك مع أهلك فبالصبر عليهم، ونوصيك بالرفق بهم وحسن التعامل معهم ولاسيما الوالدان، فإن هذا من أبلغ ما يعينك في التأثير عليهم. قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ولك أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد أوذوا فصبروا فكانت العاقبة لهم.
ولا حرج في أن تجادلهم إن كان عندك من العلم ما تستطيع به دفع شبهاتهم وإلا فأعرض عنهم أو سلط عليهم من له إلمام بالعلم الشرعي والأسلوب الحسن في الدعوة ليبين لهم الحق.
ولا يجوز لك مشاركتهم في حضور شيء من البدع والضلالات إذ لا يجوز للمسلم الحضور إلى مكان المنكر إلا لغرض صحيح كالإنكار مثلا، وراجع الفتوى رقم: 4387.
وإذا طلب منك أبوك الحضور فابذل من الحيلة ما تستطيع أن تتخلص به من الذهاب إلى هنالك.
وننبه إلى أنه يدخل في مسمى أهل السنة والجماعة كل من اتبع هذا المنهج سواء كان ينتمي إلى الجماعة السلفية أم لا، ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 5608، 39218.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1429(5/198)
كيف نحصن الأولاد من الوقوع في براثن النصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[يأهل الدين النجدة أرجوكم أنا أم مطلقة منذ 10 سنوات ولي بنتان شابتان أعاني من تدخل أبي بناتي فى حياتهم بمنتهى الاستهتار واللامبالاة لكل أمور الدين التي تخص البنات والتي طالما حاربته من أجلها وهذا الموضوع على أهم واحدة الحمد لله ربنا أكرمها وتزوجت والأخرى لا زالت تتخبط بين تمسكي بالدين وانحراف الأب بعدم المسؤولية، من جهة أخرى وطبعا هي تميل للأخيرة لا أعلم ماذا أفعل أنا أنكرت نفسى تماما لتربيتهم بما يرضي الله، الحقوني أرجوكم أرجوكم ماذا أفعل لقد عرفت بالصدفة أن ابنتي قضت ثلاث ليال بأحد الأديرة المسيحية مع صاحبتها بمعرفة الأب وعدم معرفتي بهذا الأمر إلا بالصدفة البحتة، النجدة النجدة يا عمرو خالد وهي الآن ترفض إقامتها معي لتحفظي بالأصول وتقيم مع جدتها للأب دون رقيب حيث إنه رافض إقامتها معه بناء على رغبة زوجته الجديدة والإغراء على الابنة بالمال الوفير، فأرجوكم الاهتمام وسرعة الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ننصحك به -أيتها السائلة الكريمة- هو أن تبذلي جهدك لإنقاذ ابنتك من براثن الضلال والانحراف فقد وصل الأمر إلى حد خطير يوشك أن يضيع معه دين ابنتك بالكلية -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- وإنا ندلك على بعض الأسباب التي تبذلينها في ذلك:
أولاً: تواصلي مع ابنتك وخاطيبها بعاطفة الأمومة، واستثيري فيها معاني الرحمة والرأفة والحنان، وأشعريها بحرصك عليها ونصحك لها.
ثانياً: ذكريها بالله وبنعمه عليها وعلى العالمين، وذكريها أيضاً بشدة بأسه وأليم عقابه وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين.
ثالثاً: استعيني على ذلك بالله أولاً ثم ببعض أهل العلم والخير الذين يستطيعون محادثة ابنتك وإعلامها بخطورة ما يقام في أديرة النصارى من شرك صريح بالله وانتقاص لجلاله ونسبة الولد والشريك له، وخطورة مصاحبة أهل السوء.
رابعاً: استعيني بأقاربك وأرحامك ممن تتوسمين فيهم الخير من أعمام هذه الفتاة ومن أخوالها وممن له تأثير عليها لينتشلوها مما هي فيه وليدفعوا عنها إفساد أبيها وإضلاله واستهتاره.
خامساً: توبي إلى الله واستغفري لذنوبك واعلمي أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
سادساً: أكثري من الدعاء لابنتك أن يردها الله رداً جميلاً وأن يأخذ بناصيتها إليه وأن يصرف عنها قرناء السوء، وتحري الدعاء في الأوقات التي هي مظنة الإجابة كالثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة وآخر ساعة من يوم الجمعة قبل غروب الشمس.. نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربك وأن يحفظ ابنتك من شياطين الجن والإنس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1429(5/199)
أساليب الحوار في القرآن مع المخالفين
[السُّؤَالُ]
ـ[وضع أساليب الحوار في القرآن الكريم مع التمثيل لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وضع القرآن الكريم أرقى الأساليب للحوار وأعدلها مع الخصوم وأنصفها لهم؛ فعلم أتباعه كيف يكون حوار المخالفين وأمرهم باختيار الأسلوب الحسن والأحسن.. فقال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا {البقرة: 83} وقال تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل 125} وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {العنكبوت: 46} .
فنلاحظ في هذه الآيات وأمثالها أن الحوار ينبغي أن يكون باختيار الأسلوب الأحسن واحترام المخالف وذكر نقاط الاتفاق، وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ.
وتأتي قمة الإنصاف والتلطف بالمخالف في قوله تعالى:.. وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ {سبأ:25} .
قال أهل التفسير: هذا أسلوب التشكيك وحكمته التلطف بالخصم المعاند حتى لا يلجَّ في العناد ولا يفكر في الأمر الذي يجادل فيه، وإلاّ فالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون هم الذين على هدىً، والمشركون هم الذين في ضلال مبين وهو أمر مسلم لدى طرفي النزاع. وقوله تعالى: قل لا تُسالون عما أجرمنا ولا نُسال عما تعملون وهذا أيضاً من باب التلطف مع الخصم المعاند لتهدأ عاصفة عناده ويراجع نفسه عله يثوب إلى رشده ويعود إلى صوابه. وهو غاية في الإنصاف واحترام الخصم حيث لم ينسب له الإجرام الذي نسبه لنفسه.
يقول سيد قطب رحمه الله في ظلاله: والجدل على هذا النحو المهذب الموحي أقرب إلى لمس قلوب المستكبرين المعاندين المتطاولين بالجاه والمقام، المستكبرين على الإذعان والاستسلام، وأجدر بأن يثير التدبر الهادئ والاقتناع العميق. وهو نموذج من أدب الجدل ينبغي تدبره من الدعاة..
والأمثلة على هذا كثيرة تجدينها في الحوار مع أهل الكتاب في السور المدنية وفي السور المكية مع المشركين وبين الأنبياء السابقين وأممهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1429(5/200)
الإيمان بمثل ما آمن به الصحابة علامة على الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل الصحابة (رضي الله عنهم) الإيمان قبل العمل فما الدليل على ذلك؟ ثم بين أهمية منهج الصحابة في تحصيل الإيمان قبل العمل؟ وما هي الآفات الناتجة عن عدم العمل بمنهج الصحابة؟ وما هي أفضل طرق تحصيل الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه أولا إلى أن العمل داخل في مسمى الإيمان عند أهل السنة، فالإيمان عندهم قول وعمل، والعمل المقصود به عمل القلب وعمل الجوارح، وإيمان الصحابة رضي الله عنهم كان كذلك، وقد دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمهم الدعوة إلى توحيد الله تعالى، والتحذير من الشرك، وهذا هو أولى ما ينبغي أن يهتم الدعاة به، وهو طريق الأنبياء والمرسلين ومن استن بهم فقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ {النحل:36} وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ {الأنبياء:25} . إلى غير ذلك من الآيات.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات.. الحديث. وفي رواية للبخاري: فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله.
فقد كانوا يبدءون بالدعوة إلى التوحيد الذي هو الأصل الأهم، ثم باقي أركان الإسلام، ثم باقي الواجبات، وقد مكث الرسول صلى الله عليه وسلم بضعة عشر عاما في مكة يدعو إلى العقيدة وإلى التوحيد والنهي عن الشرك قبل الدعوة لكثير من فرائض الإسلام، وذلك لأن العقيدة الصحيحة هي أساس الأعمال، والأعمال هي ثمرة العقيدة؛ كما قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا {إبراهيم: 24-25}
واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه ومن تبعهم من سلف الأمة الصالح هو وسيلة حصول الهدى والإيمان، كما إن الحيدة عن منهجهم سبب الضلال والشقاء قال الله تعالى: فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {البقرة:137} ، فجعل الله سبحانه الإيمان بمثل ما آمن به الصحابة علامة على الهداية، وجعل التولي عن ذلك دليلا على الشقاق والضلال. قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا {النساء:115} ، وسبيل المؤمنين ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام قولا وعملا واعتقادا.
ثم إن من أفضل وسائل وطرق تحصيل الإيمان الاشتغال بما اشتغل به الصحابة بعد دخولهم في الدين من الدعوة وجلوسهم في المجالس الإيمانية ومدارسة الوحيين والدعاء وكثرة المطالعة في الترغيب والترهيب وأحوال القبور والآخرة والتأمل في مظاهر ربوبية الله تعالى وفي صفات كبريائه وعظمته وجبروته وقهره وفضائل الإسلام وحب الله ورسوله والمؤمنين وذلك لقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ {الأنبياء:45} ، ولقوله تعالى: قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي {سبأ:50} . ومن نظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فسيلاحظ كثرة ذكر الرواة أنه دعا قوما وقرأ عليهم القرآن.
وفي الحديث: صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل.أخرجه أحمد في الزهد وحسنه الألباني وفي الحديث: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولا. وفي الحديث: ثلاث مَنْ كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكونَ اللهُ ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. متفق عليه.
وفي الحديث: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم. رواه الطبراني في الكبير. وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن. وصححه الألباني.
وعلى المسلم أن يتابعهم في إيمانهم ودعوتهم، وأن يقتدي بهم وبمن تابعهم بإحسان في فهمهم للوحي وتطبيقهم له؛ يسلم العبد من الانحراف والغلو والتقصير لأنهم أزكى هذه الأمة نفوسا وأطهرها قلوبا وأكثرها علما وأقلها تكلفا؛ كما وصفهم ابن مسعود، وقد زكاهم الله عز وجل وأكثر من الثناء عليهم في القرآن فوعدهم بالجنة وأخبر برضوانه عنهم وبأنهم صدقوا في إيمانهم.
ولأنهم قوم نزل القرآن بلسانهم وشاهدوا مواقع التنزيل، فكانوا بلا شك أعلم هذه الأمة بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأدراهم بمقاصدها، ولشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بأنهم خير الأمة، فقال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. رواه البخاري.
ولإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا نجاة إذا حصل الافتراق في هذه الأمة، إلا باتباع ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد روى الترمذي في جامعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. حسنه الألباني.
ثم إن الوسائل الدعوية التي يستخدمها كثير من العاملين للإسلام يتعين حسن الظن بأهلها لأن كثيرا من العلماء ذهبوا إلى أن الوسائل ليست توقيفية، وأنه لا بأس بها ما لم يكن فيها حرام. وراجع في ذلك وفي المزيد عما تقدم الفتاوى التالية أرقامها: 12517، 70657، 113982، 79476، 28335.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(5/201)
التدرج في إلقاء الأحكام مع المسلم الجديد
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلم على يدي ولله الفضل رجل هندوسي، ولكني لا أعرف كيف أتعامل معه في المرحلة القادمة أي من ناحية الدعوة أخشى أن ينفر إذا أكثرت عليه التكاليف أقصد طلبت منه الصلاة في المسجد على وقتها ويشعر إنها ثقيلة أن يؤديها في المسجد يريد أن يؤدي قسما منها في البيت وقسما منها في المسجد، فهل علي إثم في تركه والسماح له بالصلاة أم خطوة خطوة ثم ماذا أفعل معه غير تلك الخطوات في التعليم أقصد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يكتب لك الأجر الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله. رواه مسلم.
وينبغي الابتداء معه بالفرائض كالصلاة والصيام والزكاة والحج، وغيرها من الواجبات ومنها وجوب الامتناع عن فعل المحرمات كالربا والزنا والسرقة والقتل ونحوها..
وينبغي التدرج معه، فالتدرج في الدعوة طريقة القرآن، فلا بأس أن يعلم أولاً كيفية الصلاة وشروطها ووقت أدائها، وأنه بإمكانه الصلاة في أي ساعة ما دام في الوقت، وله أن يصلي جماعة في البيت أو في المسجد، فإذا التزم بذلك يقال له بأنها في المسجد أفضل وأكثر أجراً، ويترك أمر الخلاف في وجوب أدائها في المسجد من عدمه حتى يقوى إيمانه، ويركز له على بيان محاسن الإسلام وما يترتب على التمسك به من صلاح الأحوال في الدنيا والآخرة، ومن إرضاء الله تعالى والفوز بالجنة والنجاة من النار.
ومما يعين من أسلم حديثاً على أمر دينه التزام جماعة المسلمين والحرص على صحبة الصالحين منهم، والإقبال على الله تعالى بكثرة التعبد.. والتزام الصلوات الخمس في جماعة ليس أمراً شاقاً بل الغالب أن حديث العهد بالإسلام يأنس بذلك ويجد له لذة فلا تتهيب تعليمه هذه الأحكام إلا إذا وجدت منه نفرة فلا بأس أن تتدرج على ما بينا.
وننصح الأخ السائل أن يكون عاملاً بما يأمر به منتهياً عما ينهى عنه، فإن هذا أجدر وأحرى بقبول دعوته، كما نحثه على معاملة هذا المسلم بالحسنى لا سيما إن كان يعمل لديه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1429(5/202)
أخوه الأكبر يقيم علاقة مع أجنبية عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله العظيم أن يجزيكم خير الجزاء على ما تقدمونه للإسلام والمسلمين. أخي الأكبر لديه من العمر 46 عاما كان متزوجا من امرأة ولم يشعر معها بالسعادة كما أنها كانت سببا في كثير من المشاكل بينه وبين أبيه وإخوته وقد تعرف على فتاة أخرى وأحبها مما أدى إلى تطليقه لزوجته نظرا لرغبته في عدم ظلمها لأنه يحب هذه الفتاة ولن يستطيع أن يؤدي حقوق زوجته التي عليه. وبعد ذلك قام ببيع شقته حتى يسدد ديونا كانت عليه ويجد بعض المال الذي يستطيع أن يتزوج به هذه الفتاة وبعد أن باع شقته جاء ليسكن معي في شقتي حتى يجد شقة أخرى ولكن أثناء إقامته معي تتصل به هذه الفتاه في منزلي ويتصل بها هو من منزلي وقد نصحته مرة بعد الأخرى أن هذه المكالمات والعلاقة التي بينه وبينها هذه العلاقة لا تتعدى المكالمات والمقابلات في الأماكن العامة لا يرضاها الله سبحانه وتعالى ولكنه لا يستجيب لنصحي فماذا أفعل لكي لا يحاسبني الله يوم القيامة عن سكوتي عن هذا الوضع؟ فأنا أخشى أن أمنعه بالأمر من استخدام التليفون حتى لا يغضب ويترك المنزل فليس له مكان آخر سوى منزلي بالإضافة إلي أنه أخي الأكبر (يكبرني بحوالي 20 سنة) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالموازنة بين تصرفاتك للحفاظ على علاقتك بأخيك وصلته من جهة خصوصا وأنه أخوك الأكبر, وعدم معاونته على معصيته من جهة أخرى ويمكنك اتخاذ الخطوات التالية:
أولا: أدم نصحك له وذكره بالله وعظيم حقه عليه، وحذره نتيجة المعصية وخصوصا مثل هذه المعاصي التي تتعلق بالنساء فعواقبها والعياذ بالله وخيمة.
ثانيا: إن لم يستجب لك فحاول أن تستعين ببعض أهل البر والخير ممن لهم وجاهة ومكانة عند أخيك كأحد أصدقائه أو أساتذته أو نحو ذلك ممن يكن لهم الاحترام والتوقير , واطلب منهم أن ينصحوه وأن يذكروه بالله؛ فمثل هذا قد يمثل ضغطا عليه يجعله يستحي من مواقعة هذه المعصية.
ثالثا: أظهر له كراهتك لهذا الفعل وخصوصا عندما تجده يتحدث مع النساء فحاول أن يرى في وجهك الكراهة والإنكار دون عنف منك ولا غلظة , وتذكر دائما أنه أخوك الأكبر وحقه عليك الاحترام.
رابعا: أكثر من الدعاء له بظهر الغيب أن يصلح الله له الحال والبال وأن يهديه سواء السبيل.
نسأل الله سبحانه أن يهديه وأن يرده إليه ردا جميلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1429(5/203)
كيفية دعوة الوالدين والأشقاء التاركين الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في العشرينيات من العمر وأعيش مع عائلتي المؤلفة من 13 شخصا أنا وأحد إخوتي الوحيدان الذان نقيم الصلاة من العائلة وقد حاولت كثيرا أن أنصح أهلي ووالدي وأمي بالصلاة ولكن بدون أي فائدة وبعدها حاولت أن أقسو عليهم وعلى أخواتي الفتيات ولكن والدي وإخوتي كانوا يمنعونني من القسوة ويقولون لي طالما الأب على قيد الحياة ليس لك علاقة بهن فقررت أن أعتزل عائلتي وأعيش وحدي وبالفعل عشت وحيداً فترة من الزمن ولكن لم أستطع البقاء بعيداً عن أمي وأبي والآن لم أعد أتدخل في أمورهم وأريد أن أعرف هل علي من الأمر من شيء؟ وماذا علي أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على غيرتك على دينك وحبك لهداية أهلك، ونسأل الله أن يرزقك الحكمة والرشد في الدعوة إليه, وأن يهدي أهلك لإقامة الصلاة وسائر أركان الإسلام، واعلم أخي أن الصلاة هي عماد الدين, وركنه الأعظم بعد الشهادتين, فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين, وأنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة, فعليك أن تعلم أهلك بعظم قدر الصلاة وأنه لا يسع المسلم تركها بأي حال مهما لحقته الأعذار واشتدت به الظروف والأحوال, وقد تقدم حكم تارك الصلاة في فتاوى سابقة، ولك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 1145، ولكن ننصحك باللطف واللين والرفق في دعوتك, واجعل نصب عينيك قوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ {النحل:125}
واعلم أنه يتأكد أمر الرفق واللين في دعوة الوالدين فلا يجوز الإغلاظ لهما أبدا ولا تعنيفهما بحال, بل عليك أن يكون قولك لهما قولا كريما، وأن تخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وأن تدعو لهما بالهداية والتوبة.
ونرشدك إلى طريقة مثلى في نصح الوالدين تتمثل فيما يلي:
أولاً: برك وطاعتك لهما، والإحسان إليهما، فهذا يجعلك قريباً من قلوبهما، فيكون نصحك أوقع في نفوسهما.
ثانياً: استغلال المواقف والأحداث التي يسهل فيها حدوث الاستجابة للنصح، كموت قريب أو حصول حادث ونحوها.
ثالثاً: الاستعانة بمن يرجى أن يكون نصحه مؤثراً عليهما، كأصدقائهما، أو إمام المسجد، أو داعية حسن الأسلوب والمنطق.
رابعاً: تجنب الإحراج، وجرح المشاعر، وأساليب الاستفزاز.
خامساً: الدعاء لهما بصدق وإخلاص، ورغبة فيمن يرجى منه الخلاص وهو الله عز وجل.
فإذا فعلت ذلك فقد أديت ما عليك إذ ليس لك من الأمر شيء، فأمر الهداية والتوفيق بيد الله سبحانه، وقد قال الله لنبيه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. {البقرة:272}
للفائدة تراجع الفتاوى رقم: 50971، 5202، 46677، 43325.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1429(5/204)
مدى مشروعية هذا اللون من أساليب الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل خير على ما تقدموه للإسلام والمسلمين لدي سؤال عن حكم ورأي الشرع وعلمائنا الأفاضل حول موضوع انتشر في منتديات إسلامية كثيرة الموضوع هو التالي
تخيل لو أن شخصا طرق بابك وعندما قلت من؟؟؟ قال أنا محمد رسول الله فماذا ستفعل
صرخت بدهشة. رسول الله! ثم بقمة الفرح مددت يدك لتفتح الباب مرحباً برسول الله ولكن تذكرت. (الدش شغال على الكليب) جريت بسرعة لكي تغلقه فضغطت على زر آخر دون قصد على زر آخر. صوت الكليب زاد أكثر. وأخيراً. أغلقت التليفزيون والدش والكمبيوتر ثم جريت لتفتح الباب. يااااه. صور المغنية فلانة والممثلة فلانة التي تملأ حجرتي. جريت مرة أخرى لكي تزيلها بسرعة. سمعت الجرس يدق للمرة الثانية. وأنت تنزعها من على الحائط من شدة السرعة سقطت واحدة على المكتب. مددت يدك لتأخذها بسرعة ففوجئت. ياه. شرائط الكاسيت وفيديو أفلام كثيرة! كل دي شرائط أغاني سمعتها وحفظتها أكثر مما حفظت القرآن طوال حياتي!! كل دى أفلام شفتها ما فيهاش فيلم محترم. وبدون تفكير جمعتها وألقيتها في أقرب صندوق قمامة وأغلقت عليها حتى لا يراها رسول الله:: الجرس يدق. رسول الله سوف يمشي. وأنتِ. مددتي يدك لتفتحي الباب وأنتي في قمة الفرح لزيارة رسول الله ثم يا إلهي!. وضعت يدك على شعرك المصبوغ عند الكوافير (هاقابله كده ازاي.) ؟؟ جريتي تبحثي عن طرحة. وأخيراً وجدتيها ثم جريتي على الباب. يا إلهي.!! هاقابل رسول الله بالبنطلون ازاي.! جريتي تبحثي بسرعة قبل ما يمشي رسول الله عن عباية واسعة أو إسدال واسع. أخيراً وجدتي واحداً. يااااه. الماكياج على وجهي. جريتي تغسلي وجهك سريعاً من كل المساحيق الحمراء والسوداء والصفراء التي عليه. تذكرتي البرفان! الحمد لله. الرسول طرق الباب قبل أن أضعه. أخيراً. ستفتح لرسول الله جريت وأنتَ تغلق زراير القميص المفتوح معظمه. فوجئت بأن الرسول من طول الانتظار قد مشى. نظرت بجنون إلى السلم. انه لا يزال ينزل عليه ناديت عليه يا حبيبي يا رسول الله. أنا فتحت الباب خلاص. عاد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ودخل البيت. ويا ليته ما دخل البيت جئت لتجلس فجأة المحمول رن!! إنه يرن (مسد كول) نغمة من أحدث الإصدارات الخليعة كل ربع ساعة تقريباً ولكن كأنك أول مرة تسمع هذه الرنة داريت وجهك خجلاً من رسول الله وعندما نظرت إلى الرقم الذي يتصل بك. ارتجف قلبك! ماذا أقول لرسول الله إذا سألني من الذي يتصل بك؟ كنسلت فوراً حتى لا يسألك الرسول. فجأة شميت رائحة.! النبي بدأ يشعر بها ياه نسيت السيجارة مولعه فقمت سريعاً لكي تطفئها. وعندما عدت قال لك الرسول أعطني المصحف الذي في جيبك. (ده مش مصحف يا رسول الله دي علبة سجائر) هتقدر تقوله كده!؟ وفجأة سمعت صوت الأذان. هتنزل.؟! أنت بتنزل كل مرة فعلاً؟. ولا هتنزل مجاملة لرسول الله.؟! وانتي.؟! هتقومي تصلي.؟! انتي بتقومي كل مرة فعلاً.؟! ولا هتقومي مجاملة لرسول الله؟ وماذا لو سألنا عن آخر مرة قرأنا فيه القرآن. متى؟! وماذا لو سألنا عن آخر مرة صلينا فيها الفجر. متى؟ وماذا لو سألنا عن علاقات الجامعة.
قصص الحب، الرحلات المختلطة، سهرات القهاوي والنوادي، سهرات الدش والكليبات، شرب المخدرات، عقوق الوالدين، إطلاق البصر، سماع الأغاني. تخيل النبي هيعمل ايه عندما يرى أحوالنا؟. عارف هيعمل ايه.؟ لن يغضب بل سيبكي بكاءاً مريراً وسيقول لك:: أنت الذي ضحيت بعمري كله من أجلك؟!!. أنت الذي تفرقت قبور أصحابي في الأرض من أجل أن يصل الدين إليك؟!. أنت وأنتي الذي ظننت أنكم ستحملون الدين من بعدي؟!. كيف سأشفع لك عند الله وأنت على هذه الحالة؟ كيف سأسقيك يوم القيامة من حوضي وقد هجرت سنتي؟
جزاكم الله خيرا ونفع بكم الإسلام والمسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذا الأسلوب في الجملة لا بأس به، وقد يكون له أثر حسن في دعوة الناس إلى الخير وكفهم عن الشر، وإن كان الأولى عدم المبالغة في الوصف وكثرة التفصيل فيه، وهدي القرآن والسنة أكمل هدي وأحسنه في وعظ القلوب وتنبيه الغافلين، وراجع الفتويين: 13278، 25473.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1429(5/205)
المشاركة في برامج دينية في قنوات يعرض فيها الفجور
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحقيقة أرى شيوخا أعزهم كثيرا يظهرونهم على قنوات عربية في برامج رائعة ولكن الإشكال في هذه القنوات نفسها أنها تعرض بعد هذه البرامج الدينية ما يخجل المسلم من مشاهدته.
السؤال كيف يظهر إخواننا الشيوخ على هذه القنوات مع وجود البديل من القنوات الإسلامية؟
وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة محل نظر لترجيح مفسدة الظهور في تلك القنوات على مفسدة مقاطعتها أو العكس فمن ترجح له أن مفسدة المشاركة فيها دون مفسدة تركها ومقاطعتها لا ينكر عليه، وللمخالف له أن يندبه للعمل بما يراه راجحا بلا تثريب عليه، وقد سئل سماحة الشيخ ابن جبرين حفظه الله نحوا من هذا السؤال فأجاب:" هؤلاء المشايخ والدعاة متأولون وقد ظهر لهم أن دخولهم في هذه القنوات فيه مصلحة وهي تخفيف الشر وإبداء النصيحة واستعمال هذه القنوات في الدعوة إلى الله وتعليم الجهال حيث إن هذه القنوات قد ابتلي بها كثير من الناس ودخلت في المنازل وأصبحت شيئًا مفروضًا في زعمهم عليهم لا بد من استعمالها فإذا كانت كلها شرا محضا ظهر أثر الشر على من يقتنيها فإذا زاحمها الخير كان هذا مما يخفف ما فيها من المفاسد والشرور ولأجل ذلك رأوا استعمالها في الخير والتعليم ولكن يترتب على ظهورهم فيها مفسدة وهي أن ذلك يكون حجة لأهل الفساد في استعمالها والنظر إليها ويتعللون بأنها لو كانت محرمة لما ظهر فيها هؤلاء العلماء وبظهورهم فيها يقتنيها العامة والخاصة ويقعون في المنكرات الواضحة وفي النظر إلى الصور الفاتنة ويقع فيها النساء والسفهاء والجهال فننصح أهل العلم وأهل العقيدة أن يبتعدوا عن الظهور فيها وسيجدون غيرها ما يستعملونه مما لا يوجد فيه شيء من المنكرات، والله اعلم " اهـ وهذه الفتوى منشورة في موقع الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله، ولمزيد فائدة راجع الفتويين التاليتين: 33943، 62148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1429(5/206)
الأسلوب الأمثل في نصح المسلمين العصاة
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيب مسجدنا في يوم الجمعة ومن فوق المنبر قال: أصحاب الصف الأول يأكلون الحرام وما ينفعهم وإن صاموا أو تصدقوا أو تهجدوا في الليل وإن أصحاب الصف الأخير أفضل منهم. فما رأي فضيلتكم في مثل هذا الكلام الصادر من خطيب الجامع في يوم الجمعة مهما كانت أسبابه حتى وإن وجد من يعنيه في الصف الأول، فهل يجوز له قول ذلك وهل يجوز له التعميم، فأفتونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الخطيب يقصد أناساً بأعيانهم فالذي نراه أنه قد أخطأ في مقولته تلك من حيث التعميم، ومن حيث إنه خالف سنة النبي صلى عليه وسلم في نصح العاصين، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد النصيحة قال (ما بال أقوام ... ) ونحو ذلك من العبارات التي ليس فيها مخاطبة مباشرة للعاصين ولا تشهير بأعيانهم على الملأ، ثم لا يجوز له الجزم بأن صلاتهم وصيامهم وصدقتهم لن تنفعهم لارتكابهم بعض المعاصي، فالله تعالى حكم عدل يكافئ عن الحسنات كما يعاقب على السيئات.
وأيضاً قد يوجد في الصف الأول من هم أبعد الناس عن أكل الحرام، فعلى الخطيب المشار إليه أن يتقي الله تعالى، وأن يدعو إلى الله تعالى بعلم وحكمة، وأن لا يكون سبباً في نفرة المصلين لأن العصاة إن علموا أنه سيحرجهم ويشهر بهم امتنعوا عن الإتيان إلى المسجد خوف الفضيحة، وقد أمر الله تعالى نبيه بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالتوبيخ والتشهير، كما قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ... {النحل:125} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ... عليك بالرفق وإياك والعنف ... رواه البخاري.. وأخيراً ننصحكم إن لم ينته الخطيب المشار إليه عن أسلوبه المنفر أن ترفعوا أمره إلى الوزارة المعنية بالمساجد حتى يستبدل بخطيب آخر حليم رفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1429(5/207)
مواقع للدعوة إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من حضرتكم مساعدتي في موضوع سيكون مفرحاَ بإذن الله تعالى
الموضوع إخوتي هو أنني استطعت وبفضل الله تعالى إقناع امرأة نصرانية أسترالية بأن الله واحد أحد وليس له ولد وهي الآن على كامل الاستعداد لتقبّل الإسلام , إلاّ أنني وبكل صراحة لست متمكناّ في هذا الموضوع وأخشى أن أكون سبباَ فيما بعد إن تراجعَت عن قناعنتها بوحدانية الله، إذا ما ارتكبت أي خطأ خلال شرحي للأمور ودخولي في التفاصيل.
فأرجو من حضرتكم التفضّل عليّ بأن تعطوني بريد الكترونيا لأحد الأخوة أو الأخوات المتخصصين في هذا المجال وأن يكون الشخص المهتم يتقن اللغة الإنكليزية من فضلكم للقيام بالدردشة مع تلك السيدة على الماسنجر وذلك لأنها لا تعلم عن اللغة العربية أي شيء ولا حتى عن الدين الإسلامي أو الرجاء التواصل معي بهذا الشأن لتزويدي بالمعلومات الكافية والمناسبة للتدرج معها من خلال تغيير نظرتها للدين المسيحي وجلب انتباهها واهتمامها بالدين الإسلامي الحنيف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على الاتصال بنا وعلى ما تقوم به من الدعوة إلى الله تعالى، ونسأل الله أن يهدي بنا وبك، ولا شك أن الأولى في التعامل مع النساء أن يتعامل معهن نساء مثلهن تفاديا لما يخشى من الفتنة، ومن أحسن المواقع التي ننصحك بمراجعتها في هذا المجال موقع أخوات طريق الإسلام، وموقع لها أون لاين، وموقع أنا المسلمة، فحاول أن تربطها بهذه المواقع.
وهناك بعض الدعاة الأفاضل يمكنك الاتصال بهم والاستعانة، فهنا داعية في قطر اسمه عبد السلام البسيوني وبريده هو: hotmail.com"> albasuni hotmail.com
ثم إنا نرحب بك في القسم الإنجليزي الموجود عندنا بالشبكة الإسلامية فيمكنك التواصل معهم وإرشاد هذه المرأة للاتصال بهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1429(5/208)
حكاية الشعر المشتمل على الكفر للتحذير منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف الحكم فى نشر هذا الشعر فى المنتديات بغرض التنبيه والدعاء لشاعر بالتوبة
لميسٌ كعبةٌ نأوي إليها ... وحول...... دوماً ندورُ
فإنْ ضاقتْ بنا الدنيا ذهبْنا.. إليها يا صديقي نسْتجيرُ
ففي أحضانها بلدٌ أمينٌ ... وفي ألحاظها سحرٌ ونورُ
استغفر الله
إضافة إلى تعرضه للشيخ الفوزان في إحدى قصائده بقوله:
لو (الفوزانُ) أبصرها.. وأبصر..... عاري
لصاح كأنّهُ طفلٌ ... بمسْجدهِ وبالدّارِ
وباع الدينَ والدنيا.. وراحَ لكلّ سحّارِ
استغفر الله
وأيضا في ربط موتها بالشهادة:
إنْ تكنْ ترْجو مماتي إنّني
لا أرى الموتَ لها غيرَ شهادةْ
سوف أفْديها وأفْدي نهْدَها
فهْوَ ممّنْ يسْتحقّون العبادةْ
استغفر الله
وقوله: إنْ أتتْ نحْوي تراني ساجداً
ونساء العُرب قبْلي ساجداتْ
استغفر الله وشكراً للإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً في غيرتك على الدين وتعظيمك لعلماء المسلمين ونسأله سبحانه أن يرد كيد الحاقدين.. ولا شك أن هذه الأبيات قد اشتملت على الاستهزاء بالله وبآياته، ونسبة حقه الخاص به إلى غيره، وهذا من الكفر الصريح، قال تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة:65-66} ، وهذا بالإضافة إلى السخرية من علماء الأمة والحط من قدرهم، ولحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم م علومة كما قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله.
وناقل الكفر ليس بكافر كما ذكر أهل العلم فلا حرج إن شاء الله تعالى في نقل هذه الأباطيل بغرض التحذير منها ومن صاحبها، بل إن التحذير من مثله وبيان حاله للناس واجب ديانة لله وتقرباً إليه بذلك، ولكن ينبغي التنبه إلى أنه إذا كان قائل مثل هذه الأبيات مغموراً ولا يعرف إلا في حدود معينة فليس من الحكمة أن ينشر أمره على صفحات الإنترنت فينتشر صيته فيعرف بعد أن كان نكرة، فالأولى حينئذ التحذير منه بالقدر الذي يتحقق به المقصود ولا يغتر به من عرفه أو قرأ له، وللمزيد من الفائدة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 110559، 26193، 19536.
والواجب على من كان بإمكانه الالتقاء بقائل هذه الأبيات أو الاتصال به أن ينصحه ويذكره بالله تعالى ويدعوه إلى التوبة وأن يبين له الحق بأسلوب حسن فلعله يتوب ويرجع إلى علام الغيوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1429(5/209)
توجيه النصح لمن يفطر في رمضان بغير عذر
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن كطلاب في المرحلة الثانوية مرحلة السعي ونضوج الفكر والتفريق بين الخير والشر ولكن هناك من إخواننا من الطائفة الأخرى من بلاد الرافدين من لايصوم! ويشبعون بطونهم في شهر الصوم أمامنا-كنوع من التحدي؟ والمشكلة أن بعض الاصدقاء ذوي العقول الخفيفه قد اتبعوهم وغيروا من السنة إلى البدعة، وهذا مما يخيف. شيوخنا الأفاضل لا تحرمونا من رأيكم للوقوف أمام المصيبة هذه وكيفيه التعامل معهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدين النصيحة قالها ثلاثا. رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه.
فلهؤلاء الشباب حق عليكم وعلينا بمناصحتهم وتوجيههم إلى الخير والشفقة عليهم وتذكيرهم بالله تعالى وبخطورة تعمد الفطر في رمضان، ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 55391.
وينبغي أن ينبهوا إلى أنه لا يليق بمثلهم ممن أكرمهم الله تعالى بالانتساب للسنة أن يستبدلوا ذلك باتباع أهل الأهواء والابتداع، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 108703، 93103، 6484.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1429(5/210)
حكم إلقاء الدروس قبل الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إلقاء درس أو محاضرة قبل صلاة العشاء في شهر رمضان أم لا لأنه بدعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في إلقاء درس قبل الصلاة، لأن إلقاء الدروس في المساجد يشرع قبل الصلاة وبعدها، وينبغي أن يراعى في ذلك المصلحة ويتحرى الوقت الذي ترجى فيه استفادة الناس مع الحرص على عدم مللهم وسآمتهم.
ويدل لمشروعية إلقاء الدروس قبل الصلاة وبعدها ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، ففي صحيح مسلم عن عمرو بن أخطب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل وصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى بنا، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس.
وروى الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي أن أباهريرة رضي الله عنه: كان يحدث الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الجمعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1429(5/211)
مقومات نصرة الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يجب على المسلمين اليوم تجاه الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا سؤال كبير واستيفاء حقه من الإجابة يتطلب كتابة الكثير مما لا يتناسب مع طبيعة الفتوى العادية، غير أننا نجمل ذلك فيما يلي، فنقول إنه يجب على المسلمين نصرة دينهم وتتمثل هذه النصرة في عدة أمور ومنها:
أولا: التمسك بأحكامه وتطبيق أوامراه ونواهيه في مختلف المستويات، فيطبق في النفس وفي الأسرة وفي المجتمع وفي الدولة، ويحكم شرع الله في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ثانيا: دعوة الناس إليه فيدعون المسلمين إلى التمسك به ويدعون غير المسلمين للدخول فيه ويبينون لهم محاسن الدين، وكيف أنه سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.
ثالثا: الدفاع عنه ضد من يحاول النيل منه أو تشويه صورته.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15882، 43475، 16428، 71536.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1429(5/212)
الدعوة إلى الله عن طريق الإنترنت.. الواجبات والمحاذير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنعم الله علي بإجادة اللغة الانجليزية وكذلك استخدام الحاسوب والانترنت وأنعم علي أيضا ببعض العلم الشرعي، وأنا أريد أن أستخدم هذه النعم في دعوة غير المسلمين إلى دين الله عن طريق الدخول إلى غرف الشات الخاصة بهم وإرسال بعض الرسائل الدعوية وأسماء بعض المواقع الداعية للإسلام بلغات مختلفة وكذلك بعض الكتب الالكترونيه الموضحة لحقيقة الدين وكشف الشبهات عنه، وذلك كما قلت عن طريق التحدث معهم عبر البالتوك والشات وأستعين بالله على ما فيها من الفساد فانا لا أريد سوى تبليغ دين الله وهذه الوسيلة لاشك قضت على حاجز المكان، فما رأي السادة العلماء في ذلك وبماذا ينصحونني، فما كنت قاطعا أمرا حتى تشهدون..
كما أريد أيضا دعوة المسلمين ببعض المواعظ والحكم والآيات والأحاديث ولكن ذلك أيضا يتطلب مني الدخول إلى مواقع وغرف يكثر فيها الفساد وان شاء الله مستعينا بالله أتجنب الفتن ويعلم الله أني ما أردت هذا إلا غيرة علي دينه.
فالقلب يدمى حينما يجد هذه الوسائل مستغلة في معصية الله، فأفيدوني يرحمكم الله وانصحوا لي فاني أحب الناصحين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حسن قصدك في استغلال مواهبك في طاعة الله تعالى وخدمة دينك.
ولا شك أن الإنترنت أصبح من أوسع المجالات للدعوة إلى الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها بأيسر وأسرع الطرق، ولكنه في الوقت نفسه من أيسر سبل الشيطان، سواء في باب الشبهات أو باب الشهوات، وعليه فلا بد لمن يريد استغلاله في الخير أن تتوفر فيه مؤهلات النجاح في هذا الباب، وتتوفر كذلك أسباب الوقاية من شره ومفاسده.
ومن أهم المؤهلات في الدعوة إلى الله عموما تحصيل العلم الشرعي الذي به يُبلِّغ العبد مراد الله وأحكام دينه بفقه وحكمة ووعي لأحوال المدعوين. كما أن من أهم أسباب الوقاية من شر الإنترنت العلم بمخاطره ودواعي الفساد فيه، ومراقبة العبد لربه، ولحال نفسه دائما، بحيث يحسن التقدير إذا تعارضت المصالح والمفاسد. فإذا توفرت فيك هذه المؤهلات ووثقت من نفسك أو من الوقوع في الفتنة فتوكل على الله وتقدم إلى ما تريد القيام به، وينبغي أن لا يغيب عنك أن السلامة لا يعدلها شيء، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع. فإذا عرضت للإنسان فتنة من شهوة أو شبهة فعليه أن يجنب نفسه إياها. وأن يبحث لنفسه عن أبواب أخرى للخير يفيد بها نفسه والمسلمين.
وقد سبقت بعض الفتاوى تفيد السائل الكريم، وهي بالأرقام التالية: 8254، 24166، 9584، 36022، 23350، 9485.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(5/213)
الانشغال بالدعوة إلى الله ليس مسوغا لإهمال الأبناء وترك الإنفاق عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدعوى بالقيام بالدعوة إلى الله عن طريق جماعة التبليغ مدعاة إلى ترك الأولاد والعمل في سبيل تبليغ الدين وأن المطلوب من الإنسان العمل للآخرة وليس للدنيا بدعوى أن الإنسان قد قضى الله رزقه منذ الأجل، وأن البحث عن الرزق وهو مقسوم محتوم شرك بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى ليست مدعاة إلى ترك ما أوجبه الله على الداعي من النفقة على أهل بيته والقيام بحقوقهم بل يمكن الجمع بين الوظيفتين، ومن زعم أنه مشتغل بالدعوة وترك السعي لينفق على أهله بحجة أن الرزق مقسوم وأن الإنسان مطالب بالعمل للآخرة من فعل هذا لهو جاهل بالشرع لأن النفقة على الأهل والقيام بمصالحهم هي من عمل الآخرة ويؤجر عليه الإنسان، كما أن ترك الأولاد وإهمالهم من أكبر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.. قال الهيثمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الحادية بعد الثلاثمائة: إضاعة عياله كأولاده الصغار.. انتهى.
والقول بأن البحث عن الرزق شرك بالله قول باطل مصادم للقرآن، قال الله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الجمعة: 10} وقال الله تعالى: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا {الملك: 15} أي لطلب الرزق والمكاسب.. انتهى.
وقال تعالى: وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ {المزمل: 20} .
وقد كان الأنبياء والرسل يأخذون بالأسباب ويبحثون عما كتبه الله لهم من الرزق فقد كان زكريا نجارا، وتاجر نبينا صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يتاجرون، وذلك القول الباطل هو قول المتصوفة ومن دار في فلكهم، وقد بين العلماء بطلانه كابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس، وانظر الفتوى رقم: 53357، وراجع عن جماعة التبليغ فتوانا رقم: 9565.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1429(5/214)
اسلك طريق الحكمة والموعظة الحسنة في دعوتك لأهلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم جزيل الشكر على مجهوداتكم الكبيرة.
أنا لي أسرة أعيش معها ... وأنا أميل إلى الدين الإسلامي وأعمل كل جهدي لكي أرضي الله عز وجل ... لكن المشكل هو أنني أجد صعوبة في التواصل مع الأسرة. بمعنى آخر أنني كلما أردت أن أبلغهم شيئا ما عن الدين لا ينصتون إلي.. خصوصا وأن بعضهم يؤمن بالخرافات والشعودة وأمور السحر ... حتى أراد بعضهم شراء خاتم لكي يحمي نفسه من الشرور والعين والحسد و....فهل هذا حلال شرعا؟ وكيف يمكنني أن أعمل على توجيههم؟ هل أتركهم وهواهم؟ مع العلم أنني الأصغر سنا منهم. وأني كلما تحدثت معهم ازداد الأمر سوءا وكراهية.
المرجو منكم أن تفتوني في أمري في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا وزادك هدى وتقى واستقامة، ورزقك ثباتا على الحق وهدى قومك لأرشد أمرهم.
ولا شك أن الأقربين أولى بالمعروف، ومن أفضل ما يقدم إليهم من المعروف هدايتهم إلى الحق وتوجيههم إليه ولاسيما فيما يتعلق بأمر العقيدة فهي ركن الدين الركين، وأصل الإسلام الأصيل، وراجع الفتوى رقم: 23726.
ونوصيك بتحري الحكمة والرفق واللين في الدعوة ولا يضرك صدودهم وامتناعهم عن الاستحابة، ولعل الله تعالى يجعل ضلالهم هداية وعداوتهم لك ولاء.
قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصِّلت:34}
وههنا أمر نود تنبيهك إليه وهو أنك إذا وجدت من هو أرجى أن يكون لقوله تأثير على قومك من الدعاة وطلبة العلم فعليك بالاستعانة به، وعليك قبل ذلك بكثرة الدعاء لهم بالهداية والصلاح.
ولا ينبغي أن تترك أمر نصحهم وإرشادهم إلا إذا لم يجد النصح وخشيت أن يترتب على هذا النصح منكر أكبر فالسكوت عنهم حينئذ أولى.
وأما بخصوص لبس الخاتم لاتقاء الشرور ونحو ذلك فهذا من البدع والخرافات التي هي ذرائع الشرك، وانظر الفتوى رقم: 111137.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1429(5/215)
حكم اتخاذ الكذب وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الإخوة ينشر شبهة وهي إمكانية الدعوة إلى الله باستعمال الكذب؛ بدليل إجازة النبي صلى الله عليه وسلم الكذب في الثلاثة الحالات المعروفة، ولما بينت له أن القياس فاسد، استشهد بأبي حنيفة لما كذب على الملحدين عندما قال لهم دعوني فأنا مشغول بمسألة غريبة قالوا وما هي؟ فأخذ يسرد لهم أن هناك سفينة تبحر من العراق للهند وتفرغ بضاعتها هنا وهناك كل هذا وليس هناك بحارة يقودونها، فقالوا وكيف ذلك، فأقام عليهم حجته إذ كيف يعجبون من سفينة بلا قائد ثم تقولون إن الكون بلا إله!!
والموقف الثاني لما نقلوا إليه أن رجلا يتهم سيدنا عثمان بالزندقة وأنهم فشلوا معه فذهب الإمام إليه وقال له: إنه جاء يخطب ابنته، فسر الرجل فمن يحلم أن يكون الإمام زوج ابنته لكن الإمام قال: ليس لي وإنما لشاب تقي ورع أمين إلى آخره، فسر الرجل لكن الإمام قال: لكن فيه عيب، فقال: الرجل وما هو؟ قال: إنه زنديق، فتعجب الرجل، وقال يا إمام أتريد أن أزوج ابنتي من زنديق! فقال الإمام وكيف إذاً يزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه من زنديق!!! فتاب الرجل وأقلع عن مقالته تلك.
ويقول أيضا: وقبل كل هذا ألم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة وأبي نائلة بالكذب على كعب بن الأشرف الذي آذى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهم؟
ويقول أيضا: فما قولكم فى قوله تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي ... وقد قال بعض العلماء إن مقالة إبراهيم عليه السلام كانت استدراجا لقومه ليقنعهم ببطلان معتقدهم وصحة ما يدعو هو إليه إذ لا يمكن أن يكون نبي الله إبراهيم عليه السلام يعبد الكواكب من دون الله، كيف ندحض هذه الشبهات، لأنه سيقنع عددا كبيرا من الإخوة باستعمال هذا الأسلوب للدعوة على النت؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب خلق مذموم ولا يجوز أن يكون وسيلة للدعوة إلى الله تعالى، وقد ورد ذم الكذب في نصوص كثيرة من الوحي، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ {غافر:28} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصدق بر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب فجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذاباً. متفق عليه واللفظ لمسلم.
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم بالكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة. رواه الترمذي وحسنه، وأحمد وصححه الألباني ...
وأولى الناس بتحري الصدق واجتناب الكذب هم الدعاة إلى الله الذين هم في محل القدوة.
وفي خصوص هذه الشبهات التي يتذرع بها البعض فنرد عليها على النحو التالي:
فأما قوله تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ {الأنعام:76} ، وما بعده..: فهذا على وجه التنزل مع الخصم أي: هذا ربي، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية؟ وهل يقوم لنا دليل على ذلك؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه، بغير حجة ولا برهان. تفسير السعدي.
وقال ابن كثير في تفسيره: اختلف المفسرون في هذا المقام، هل هو مقام نظر أو مناظرة، فروى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ما يقتضي أنه مقام نظر، واختاره ابن جرير مستدلاً بقوله (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) ... والحق أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان في هذا المقام مناظراً لقومه مبيناً لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام.
فليس هذا من باب الكذب أصلاً، وعلى فرض ذلك جدلاً فهو من باب المعاريض، والدليل الواضح على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذا من كذبات إبراهيم عليه السلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لم يكذب إبراهيم عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات، ثنتين في ذات الله: قوله إني سقيم، وقوله بل فعله كبيرهم هذا، وواحدة في شأن سارة.. الحديث، وذكر قصة إبراهيم مع الجبار. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
قال ابن حجر في فتح الباري: قاله في حال الطفولية فلم يعدها، لأن حال الطفولية ليست بحال تكليف وهذه طريقة ابن إسحاق، وقيل: إنما قال ذلك بعد البلوغ لكنه قاله على طريق الاستفهام الذي يقصد به التوبيخ، وقيل: قاله على طريق الاحتجاج على قومه تنبيها على أن الذي يتغير لا يصلح للربوبية وهذا قول الأكثر إنه قال توبيخاً لقومه أو تهكما بهم وهو المعتمد، ولهذا لم يعد ذلك في الكذبات، وأما إطلاقه الكذب على الأمور الثلاثة فلكونه قال قولاً يعتقده السامع كذباً، لكنه إذا حقق لم يكن كذباً لأنه من باب المعاريض المحتملة للأمرين فليس بكذب محض. انتهى.
وكذلك كلام الإمام أبي حنيفة وأمثاله إنما يحمل على الاستفهام الذي يقصد به التوبيخ، أو على طريق الاحتجاج على مخالفه وليس ذلك من الكذب في شيء ...
والمقصود أن الكذب كله حرام إلا ما استثناه الشرع، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس. رواه الترمذي وحسنه.
وعن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا أعده كاذباً: الرجل يصلح بين الناس يقول القول ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها. رواه أبو داود وصححهما الألباني.
ومن الكذب في الحرب قصة قتل كعب بن الأشرف الواردة في السؤال.. وقد سبقت فتوى عن اتخاذ الكذب وسيلة للدعوة إلى الله وهي برقم: 79593.
وكما سبقت بعض الفتاوى عن معنى الكذب وحكمه وأقسامه وأحوال المباح منه وضابط ما يباح منه أو يجب وجلب مصلحة أو دفع مفسدة به انظر منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26391، 63123، 35822، 52199، 48814، 75174.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1429(5/216)
حكم انتحال شخصية أنثى للدعوة في الشات
[السُّؤَالُ]
ـ[أدخل الشات بلقب بنت ونيتي هي استقبال عدد من الرسائل من الشباب والرد عليها إرشادا وتعليما وتهذيبا.. ولو دخلت بلقب شاب لا يرسل لي سوى بعض الشباب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابتداء جزاك الله خيرا على حرصك على هداية الناس ودعوتهم إلى طريق مولاهم جلّ في علاه, ونسأل الله سبحانه أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك.
واعلم أخي أن الدعوة إلى الله جل وعلا ركنها الأعظم الصدق، فأهم ما يجب أن يلتزمه الداعي إلى ربه هو الصدق بجميع أنواعه, فهذا أساس النجاح والتوفيق, وانتحال المرء شخصية أخرى في حديثه نوع من أنواع الكذب والتدليس, وخاصة أنه سينضم لذلك تبعات أخرى أثناء الكلام تزيد فيه, كالتحدث والإخبار بضمير المؤنث عن نفسه وهو رجل.
وأنت أخي السائل لا يلزمك الكذب حتى تهدي الناس إلى الله, فأهم ما تحرص عليه في أمر الهداية هو نفسك التي بين جنبيك بأن تقيمها على أمر الله سبحانه, واعلم أن القلوب بيد الله سبحانه وهو القادر على هداية الناس، وقد يفتح الله عليك ببركة الصدق فيلامس كلامك شغاف القلوب ويأخذ بها إلى باريها سبحانه، فالزم – رحمك الله – الصدق فهو طريق البر, قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا. متفق عليه , واللفظ للبخاري.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 64457 , 1824 , 16676.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1429(5/217)
الواجب السعي في هداية الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف ممن يعمل معي في الشركة فتاة لا تصلي ومتبرجة وهي لا تعير الدين اهتماما ولا تحمل في قلبها ذرة محبة للإسلام والأمة الإسلامية. كما أنها لا يهمها في شيء مصلحة الأمة، وهي معجبة أيما إعجاب ببلاد الكفر وأهله وتحبهم لذاتهم، ويعمل معنا كثير منهم في شركة بترولية أجنبية تعمل بالبلاد، ومن تمام حبها لهم تناقشت مرة معها حول جرائم أمريكا في العراق فقالت أمريكا لها الحق فيما تفعله في العراق من قتل وإهانات للإسلام والمسلمين فهي تدافع عن نفسها، وهي كلما نصحتها في شيء فعلت عكسه عنادا غرورا واستكبارا.
وللعلم لقد تزوجت مؤخرا من أمريكي كما أني أستشف من كلامها أنها أحيانا تقوم ببعض الطاعات خوفا من العذاب وليس في ذلك حب لله ورسوله أي علاقتها بربها مصلحية بحتة هل يجوز ذلك في العموم، المهم هل أواصل في نصحها أم أتركها وشأنها ولتذهب للجحيم، ثم لماذا تفرز مجتمعاتنا الإسلامية هذا النوع من الناس الأنانيين وخاصة عند النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ترك الصلاة والتبرج والولاء والحب للكفار والزواج بهم كل هذا محرمات شنيعة، بل إن ترك الصلاة يرى بعض أهل العلم أنه كفر.
ويتعين السعي في هداية هذه الفتاة ومنعها من الزواج بالأمريكي إذا لم يكن مسلما، وعلى السائل إن كان ذكرا أن يتحفظ في التعامل والحوار معها لأنها أجنبية متبرجة.
وليحاول السعي في هدايتها باستخدام بعض النساء الطيبات وبإهدائها الكتب والرسائل والأشرطة المفيدة لمثلها.
ويمكن أن يراسلها بالبريد الاليكتروني فيرسل لها بعض المقالات المفيدة، والأفضل أن يوهمها أن المرسل لها أنثى، وليكثر الدعاء لها بالهداية والاستقامة على الطاعة، ويحسن أن يتصل بأولياء أمورها ويسعى في هدايتهم وينبهم على عدم زواجها بكافر ووجوب السعي في وقايتها من النار بتعليمها وتربيتها على الدين.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46898، 96867، 96088، 103804، 98800، 41739.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1429(5/218)
المسلم يبين الحق بحكمة ووضوح
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتحدث مع زميلي وأخبره بيوم عرسي فقلت له إنه يوم الإثنين الموافق كذا كذا فقال لي لم اخترت الإثنين هذا يوم ابن كذا يقصد شتم يوم الإثبين فضحكت من طريقة رده علي وسرعة رده علي وليس استهزاءا بيوم الإثنين، فقال لي لم اخترت هذا اليوم سيكون عندنا عمل يوم الثلاثاء فكيف نحضر العرس والحلاقين تغلق يوم الاثنين فكيف ستتزين لعرسك فحزنت لضحكي من هذا الموقف وأردت أن أبين له سبب اختياري ليوم الاثنين وأنهاه عن يسب الأيام، فسبقني زميل آخر وأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في هذا اليوم وكان يحب صيامه وصيام يوم الخميس وحزنت لمقالة زميلي وضحكي من هذا الموقف، وبعد أن شرح زميلي له قال هذا الشخص لأجل هذا اخترت يوم الاثنين (يقصد أنه لم يكن يعلم) وأنا عندما ضحكت لم أقصد استهزاء بالأيام والدهر ولا سخرية منه فقط ضحكت على طريقة رده وبينت له في اليوم التالي أنه ورد في الحديث القدسي: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار لكي لا يفعل ذلك مرة أخرى.
وأنا والله يعلم أني عندما أسمع من أحد لفظا مخالفا للعقيدة أحاول أن أبين لهم خطورة الألفاظ المخالفة على قدر الاستطاعة، فهل هذا الموقف استهزاء وكفر والعياذ بالله، أيضا كنت أقدم ورقة إجازة لأجل العرس فسألتني موظفة نصرانية مسؤولة عن الإجازات أعلم أنها تكرهني كرها شديداً ولكنها تظهر لي الود لي ولزملائي من المسلمين وتعلم أني أكره النصارى كرها شديداً ولكني لا أظهر ذلك لأن هناك تفرقة في المعاملة، هل أنت خاطب أم متزوج فقلت لها أنا عاقد وأنتظر الزفاف، فنظرت إلى يدي وقالت أين الدبلة (وأنا لا ألبسها لعلمي إنها بدعة) ولا أنتم يا مسلمين لا تلبسون دبلة وهي تعلم أن بعض المسلمين يلبسونها ولكنها تعمدت سؤالي أنا لشخصي ولعلمها أن عندي حبا لديني والتزامي به (على قدر استطاعتي أسال الله الإخلاص والقبول) ، فلم أستطع أن قول لها أن الدبلة ليست من الإسلام في شيء وأنها مبتدعة لعلمي أنها لن تفهم كلامي فقلت لها لأن بعض الناس لا يحبون لبسها حتى يأخذوا حريتهم في الحديث مع الفتيات لأن الدبلة تدل على الارتباط بخطوبة أو زواج وهذا يمنعهم من غرضهم، فهل ما قلته كفر والعياذ بالله، وأنا ليست في نيتي أن أشمتها أو أنتقص من المسلمين، ولكني قلت إن بعض الناس من المسلمين يفعلون ذلك، ولكني أحسست أن هذا انتقاص للمسلمين وأنها فرحت لردي هذا وليس في نيتي أن أشمتها في المسلمين فقط قلت لها هذا لأنها لن تفهم مني إنها بدعة، ولكني تنبهت إلى خطورة ما قلت وقلت لها بعدها بقليل أن الدبلة قد تمنع وصول الماء إلى الجلد وإننا مأمورون بالطهارة والوضوء جيداً للصلاة ولعلمها أني لا أقبلها وأني أكرهها قالت لهذا السبب البسيط لا تلبسون الدبلة هناك شيء أهم من ذلك كيف يصلي الإنسان أو أن صلاته لا تقبل بسبب أن الدبلة تمنع وصول الماء وقلبه لا يمتلئ محبة وقلبه فيه كره للناس تقصد كرهي لها وللنصارى فقلت لها لا بد للمصلي أن يكون محبا ولا يكره أحدا (وفي نيتي أن يكون محبا ولا يكره أحد من للمسلمين) وتركتها وانصرفت؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ما قلته وفعلته ليس كفراً، ولكن يتعين على المسلم معرفة الحق والتمسك والاعتزاز به، وأن يجيب بالحق صريحاً فهو أسلم له، ويجب عليه البراءة من الكفر وأهله، وأن يجعل حبه وولاءه لأهل الإسلام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يجب عليه أن يكون معتزاً بإيمانه ودينه وألا يكون منهزماً أمام أهل الضلال، وأن يلتزم بالشرع في الولاء والبراء، وأن يوقن أن حب الكفار بالقلب مناقض للإيمان لقوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون َ {المجادلة:22} .
وعليه أن يتعرف على دينه وأحكام شريعته وأن يطبقها في حياته ويجعل من تطبيقها دعوة للآخرين إلى ذلك المنهج الرباني والصراط المستقيم الذي شرعه الله للبشر، وأن يعامل الكفار المسالمين معاملة حسنة دون محبة لهم بالقلب ولكن لا يداهنهم في أمور الدين، ثم إن ضحكك من طريقة رد السائل لا يعد كفراً، كما أن جوابك للنصرانية مع ما فيه من أخطاء لا يعد كفراً إذا كنت تقصد واقع الناس.
ولكن لا ينبغي للمسلم أن يقر معصية الناس بل يتعين عليه ألا يتكلم عن الانحرافات الخاطئة إلا منكراً لها، أما أن يأتي بالرد بطريقة توهم أن الناس يتركون أمراً ما ليبيحوا لأنفسهم أفعالاً محرمة فهو خطأ بين، ولكن هذا لا يصل لدرجة الكفر لأن الكفر المخرج من الملة لا يتم إلا بشرح الصدر للكفر، لقوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106} ، وعليك بالبعد عن الوسواس في أمور الاعتقاد، واحرص على زيادة إيمانك بكثرة المطالعة في نصوص الوحيين والاشتغال بالأعمال الصالحة وصحبة أهل الخير.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57344، 37086، 32852، 27185، 63391.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1429(5/219)
دور القنوات الفضائية الإسلامية في خدمة دين الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو دور وسائل الإعلام حسب الشريعة الإسلامية وخصوصا القنوات الإسلامية حيث شاهدت في برنامج في قناة فرنسية أن أكبر غني وأكبر رجل أعمال كبير سوف يفتح قناة إسلامية حيث سوف يكون دور هذه القناة التعريف عن الإسلام بشكل معاصر وخصوصا أن هذا الشخص يحب سماع الأغاني وكذلك تعمل عنده نساء متبرجات واختلاط المرأة بالرجل حيث يقول إن ذلك من التقاليد
وهل القنوات الإسلامية هي مراقبة من طرف لجنة علماء الإسلام أم هي ملك لرجال أعمال وما هو دور هذه القنوات..
وشكرا لكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن وسائل الإعلام إحدى الأدوات التي يمكن الاستفادة منها في نشر الدين، ويمكن أن يتلخص دور وسائل الإعلام فيما يأتي:
أولا: تعليم الناس العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة.
. ثانيا: التحذير من البدع، ورد شبهات المبتدعة.
ثالثا: تعليم الناس أحكام العبادات التي فرضها الله، والمعاملات ما يحل منها وما يحرم.
.رابعا: دعوة الناس إلى التحلي بالأخلاق الحسنة التي حث عليها الإسلام، والابتعاد عن الرذائل والمحرمات.
خامسا: الإجابة على استفسارات الناس التي يحتاجون إليها.
سادسا: حل مشاكل الناس وما يقع بينهم من خلافات، وبيان الوجهة الصحيحة الشرعية في ذلك.
سابعا: دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وبيان مزاياه، والمعجزات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم.
ثامنا: الرد على شبه الطاعنين في الإسلام.
تاسعا: بيان بطلان ما عليه أهل الباطل سواء من أصحاب الديانات المنحرفة أو الذين لا يدينون بدين سماوي.
عاشرا: تنمية روح الألفة والتحابب بين المسلمين، وغير ذلك من الفوائد التي يمكن أن تبثها وسائل الإعلام.
وأما ما ذكرته -أخي الحبيب - من أن رجلاُُ من رجال الأعمال يريد أن يفتح قناة إسلامية، وهو ممن يحب الموسيقى وتعمل عنده نساء متبرجات، واختلاط الرجال بالنساء، فإن هذه المخالفات لا دخل لها في بث القناة الإسلامية إذا كان الذين يقومون على القناة من المديرين والعلماء، ممن ينصرون السنة، ويتخلقون بالأخلاق الحسنة، وتكون هذه القناة خالية من مثل هذه المخالفات المذكورة، أو غيرها من المخالفات، وإن أمكن تقديم النصح له في عمله بنبذ هذه المخالفات فهو خير.
وأما سؤالك هل هناك رقابة من علماء الإسلام على القنوات، فليست هناك - فيما نعلم - رقابة مقننة تخضع للوائح معينة على هذه القنوات، لكن الرقابة العامة متوفرة والحمد لله لأن العلماء هم مصابيح الهدى للناس، فإذا تبين لهم من هذه القنوات شيء مخالف للدين بينوه لهم، وحذروهم منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1429(5/220)
من وسائل إرشاد من يقترف أمورا محرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا وجعل عملكم مباركا- إخوتي أنا لي أخ يكبرني سنا عمره تقريبا 30 عاما اكتشفت أنه يقوم بمشاهدة الأفلام الفاضحة على النت ويكلم بنات على النت أيضا وهو يصلي فماذا أفعل معه لأخلصه من هذه الأعمال السيئة التي تغضب الله عز وجل وتسخطه ... ... حفظكم الله ورعاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبين لأخيك الحكم الشرعي في مشاهدة هذه الأمور المحرمة وخطورتها وادع الله أن يهديه ولا تيأس، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء-فأكثر من قول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبه على دينك, ويا مصرف القلوب صرف قلبه على طاعتك- وحاول أن تقنعه بأن يدعو بهذا لنفس.,
وثانيا: تقرب إليه وتودد له مخلصا من قلبك حتى يطمئن إليك وتستطيع مصارحته بأن ما يفعله خبيث لا يستقيم بحال مع مواظبته على الصلاة, وهذا تناقض لا يليق بالعقلاء, وأن الأولى به أن يسعى للزواج, وشجعه ولا تمل من دعوته للصلاة بالمسجد, والاستماع لدروس العلم وخاصة الرقائق التي تعين على التذكير بالله تعالى, ونبهه على أهمية الاندماج مع صحبة طيبة تعين على الخير, وإجمالا إشغال الوقت بالحق فلا يبقى منه شيء للباطل-فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلت صاحبها بالباطل, والفراغ من ألد أعداء الإنسان, وصدق القائل:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة.
هدانا الله وإياه إلى ما يحبه ويرضاه
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1429(5/221)
لا بأس بنشر الكتب النافعة
[السُّؤَالُ]
ـ[منطقتنا لا تعرف شيئا عن كثير من الفرق, تلقينا كتبا تتحدث عن بعض الفرق المبتدعة لتوزيعها مجانا وعند قراءتها علمت أنه يحدث بلبلة في الناس. فهل يحق لي حرق هذه الكتب وعدم توزيعها.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكتب ينظر ما فيها فإن كان موافقا للحق فإنه لا يشرع حرقها لما في ذلك من إفساد المال وإضاعته، وهو منهي عنه شرعا، لما في الحديث: إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال. متفق عليه.
ولما في ذلك أيضا من حرمان بعض من يمكنه الانتفاع بما في تلك الكتب من العلم النافع، فيخاف أن يكون في ذلك نوع من كتم العلم وهو منهي عنه شرعا إذا كان الناس يحتاجون إليه، وإذا لاحظت أن العوام قد لا يستفيدون منها كثيرا فيمكن أن توزعها على طلاب العلم فقط، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 52569، 63350، 2424.
وإن كانت محتوية لشيء من البدع والضلال فالصواب إتلافها بالحرق أو غيره لئلا ينخدع بها الجهلة والمغفلون، ولك أن تراجع في موضوع البدعة فتوانا رقم: 30929.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1429(5/222)
الدعوة إلى الله بالحكمة وإنكار الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت بالصدفة قريبا أن جد جدي له مقام يزار والله أعلم بالشركيات التي تفعل هناك! وأنا لا أعرفهم، لأنهم في مكان بعيد عن مدينتي، وليس لي علاقة مباشرة بهم، فماذا يجب علي فعله وكيف، أريد الإنكار عسى أن يكون لي حق هناك في الكلام بين الناس بحكم القرابة له، فما هي أفضل طريقة للإنكار، فأنا لا أملك الحجة القوية بعد في الكلام، مع علمي الأكيد أن هذا من الشرك واستطاعتي إنكاره على مستوى العامة, ولكن إن وجد هناك أحد يجادلني لا أظن أن حفظي للقرآن والأحاديث المناسبة للموقف ستسعفني, ولكن هناك مطبوعات كثيرة عن هذا الموضوع والحمد لله، وإن شاء الله سأطلب العلم الشرعي في الأزهر قريبا، ولكن التخرج يستغرق 4 سنين كي يعرف الناس هناك أن كلامي له مرجع ويحترموني ويسمعوني، أم هذا التأجيل لإنكار المنكر ولو حسب استطاعتي الآن وبلين الكلام وبالمعروف من التسويف وطول الأمل، وعلي التدخل فور معرفتي بما يحدث، وهل علي وزر إن لم أتدخل في إنكار ما يحدث بالذهاب هناك، أم علي فقط نصح أهل بيتي وأهلي القريبين مني ومن حولي من الناس؟ جزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه بذل ما أمكنه بذله في تغيير المنكر، ويختلف ذلك بحسب قدرات الإنسان ومدى علمه، فإن كان المقام مبنياً على قبر جدك وأمكن هدمه ولم يترتب على ذلك منكر أعظم فإنه يتعين عليك السعي في تحقيق ذلك مع توخي أنجع الطرق وأكثرها حكمة، وإن كان هناك من يعارضك من أقاربك فيحسن سؤال أهل العلم عن أنواع المناكر التي تحدث ليبينوا لك حكمها مصحوباً بالدليل، ونحن نرحب بأسئلتك دائماً.
هذا وننصح بأن تذهب بشيخ مؤهل علمياً إلى هذا المقام ليعظ الناس ويبين لهم خطورة ما يرتكبون من الشرك، ولا نرى تأجيل الأمر إلى انتهاء دراستك بالأزهر ولو أمكنك الاتصال برواد المكان بشكل فردي فيرجى أن يكون أضمن لاقتناعهم وتأثرهم بالفكرة والحكم الشرعي، وتحين السعي في إقامة دروس في التوحيد بالمنطقة تقوي صلة الناس بربهم وتبين لهم مخاطر الشرك وأنواعه ووجوب الابتعاد عنها.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9943، 47806، 11618.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1429(5/223)
كيف تبعدين زوجك عن النظر إلى القنوات الخليعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ أربع سنوات وحياتي جداً مستقرة من جميع النواحي وأنا على قدر لا بأس به من الجمال وعمري 29، مشكلتي اكتشفت منذ أن تزوجت أن زوجي يشاهد الأفلام والصورالخليعة وغير الخليعة عن طريق الإنترنت والتلفزيون ويبحث عنها بجميع تفاصيلها ولكن بالخفية عني, ورأيت ذلك عدة مرات ولكن لم أخبره وواجهته أكثر من مرة وصرت أبحث عن الأسباب التي تجعله يفعل ذلك ولم أجد وغيرت في شكلي ولباسي فصارت تراودني شكوك في زوجي ولكن ماعدت أثق بزوجي إطلاقا فهو يبحث عن أي فرصة حتى لو ذهبت إلى الحمام أو المطبخ ليشاهد أي جزء من جسم امرأة أخرى حتى لو كان رجلاها فقط، وصل في الأمر أني أتخيل أن لو قدر لزوجي أن يكون في موضع ابتلاء لا سمح الله ودعته امرأة إلى نفسها لكان أوقع بها الفاحشة لأني سألته أكثر من مرة نفس السؤال دائما يجيبني لا أضمن نفسي حسب الموقف، فأرجوكم يا أهل العلم والاختصاص ما الحل في ذلك هل أستمر في المواجهة أم أسكت رغم أني تحدثت معه كثيراً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن الحكم الشرعي في ذلك وضربت له أمثلة زيجات يعرفها تماما تدمرت من جراء ذلك ... وصرت أذكره بين الحين والآخر بالحكم في ذلك وأنه زنا النظر وأني أحمد ربي أنك يا زوجي الحبيب لست من هذه النوعيات عله يخجل من نفسه وتكبر ثقته في نفسه ويحس بثقتي به، ولكن أجده يبعد فترة عن ذلك وبعدها يعود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نظر الصور الخليعة محرم شرعاً كما أفتى به الشيخ ابن باز رحمه الله وكذا كثير من العلماء المعاصرين، وعليك السعي في منع زوجك من ذلك، فابذلي ما تستطيعين من الوسائل في شغله وتسليته عن الإدمان على ذلك ... ولا ننصح بمصارحته بالموضوع ولكن يجب إعلامه بالحكم وخطر ذلك بحكمة مع الإكثار من الحديث عن أهمية المراقبة والحياء من الله وتذكر الوعيد المترتب على المعاصي، وغيري من روتين الحياة الزوجية، فبرمجي جلسات ترفيهية بعيداً عن جو التلفزيون والإنترنت، وحاولي في بعض الأوقات أن تبرمجي مع بعض الصديقات المتزوجات ببعض الأفاضل أن تقدم لك دعوة تطلب فيها زيارتكما في وقت ما أو مشاركة في رحلة عمرة.. ويمكن أحياناً ترغيبه وحضه على توظيف هذه التقنيات فيما يفيد من تعلم القرآن والأحكام الشرعية فكم من دروس التجويد والتحفيظ والحلقات العلمية توجد على الإنترنت وفي بعض القنوات، ويمكن كذلك أن تطلبي منه بحثكما عن بعض الأمور المهمة في تربية الأبناء وهي موجودة كذلك في كثير من المواقع والقنوات المفيدة.
وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 93857، 37518، 51926.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(5/224)
دعوة المرأة للرجل الأجنبي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعرف شخصا طيب القلب ومحترما ومهذبا يعرف الله تماما ولكن ظروفه صعبة حيث إنه يعيش بعيدا عن أهله تلك الظروف وغيرها أدت به إلى ارتكاب أخطاء فادحة لا تتصور أنه يمكنه القيام بها
تعرفت عليه وكلمني بصراحة عن حياته وما تحتويه من مشاكل وبدأت أستمع إليه وحاولت بقدر الإمكان أن أساعده حتى ولو بإحساسه أنني إلى جانبه وبأنني لن أتخلى عنه بإذن الله ولكن ما أندهش به هو أنه لا يقوم بواجباته الدينية على الرغم من أنه يعرف الله تماما
حاولت أكثر من مرة بإقناعه أنه بمجرد التقرب إلى الله سبحانه وتعالى سيشعر بالأمان والسعادة وأكثر من مرة طلبت منه بأن يجرب أن يصلي ولكن دون جدوى
السؤال:كيف يمكنني أن أقنعه بأن يصلي وأن يتقرب إلى الله بطريقة ما؟ لأنني جربت معه عدة محاولات ولكن دون جدوى وأنا مصرة على مساعدته لأنني أعرف أنه قابل للتغيير وللتقرب إلى الله أرجوكم ساعدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على الخير والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وإن كان هذا الرجل أجنبيا عنك فلا تجوز لك محادثته إلا بقدر الحاجة، وأما التوسع في الكلام معه على الوجه الذي ذكرت فلا يجوز، ونخشى أن ينتهي بك الأمر إلى الوقوع في محرمات أكبر بدلا من إصلاحه هو، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. متفق عليه. من حديث صفية رضي الله عنها
وبدلا من قيامك بهذا الدور بنفسك يمكنك أن تسلطي عليه بعض الثقات والفضلاء من المسلمين ليتولى أمره ويوجهه التوجيه الحسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1429(5/225)
إقناع الصديق الذي يفعل الحرام ويراه حلالا
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي والحمد لله مواظب علي الصلاة ويصوم ويؤدي الفرائض, ولكن مشكلته أنه تأثر ببعض الفتن والمحرمات التي انتشرت في عصرنا هذا وهو يعتقد أن تلك الأشياء ليست حراما, مثلا في إحدي الأيام قلت له إن تصوير الأشياء التي بها روح حرام فلم يصدقني وعندما أتيته بأدلة من السنة قال لي (ما الذي يثبت لي أن هذا الحديث صحيح) وقلت له إن الموسيقي حرام فقال لي لماذا مادامت حسنة الصوت, وإذا أتيته بدليل من القرآن فلا يقتنع بذلك, أخشي أن أطيل معه الكلام في هذه الأمور لأن الله تعالي قال: (لا إكراه في الدين) فما الحل برأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الآية التي ذكرت فليس محل الاستدلال بها هنا إذ هي فيما يتعلق بإكراه الغير على الدخول في الإسلام.
وأما موقفك من صديقك فليس عليك إلا البلاغ والتلطف بالنصح والتوجيه والإرشاد والتعليم ولا ينبغي إطالة الكلام معه والإلحاح عليه فإن ذلك قد ينفره ولكن ينبغي استغلال الوقت المناسب لذلك.
وعليك بمحاولة إقناعه بالحسنى ويمكنك الاستعانة بغيرك معك ممن تظن أنه يؤثر عليه كشيخ أو عالم ونحوهما، وأما إقناعه بان الأدلة التي تستدل بها صحيحة وأنها تدل على المراد فيكون بإطلاعه على كلام أهل العلم الذين يستدلون بهذه الأدلة، وحاول التقرب إليه بالهدية وغيرها، وأشعره بحرصك عليه وحبك له فإنك بذلك تكسب قلبه ويتيسر لك دعوته.
وأخيرا فلا تنس الدعاء له بالهداية والتوفيق وجزاك الله خير الجزاء على حرصك على الدعوة إلى الله وتبيين الحق للآخرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(5/226)
العلم والعمل به هما من أعظم وسائل الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل الخير ... فضيله الشيخ أرجو منك أن تساعدني فأنا أريد هذا الأمر، ولكن أجهل الطريق إليه وكيف ومن أين أبدأ؟.... أنا جامعية وأحمل شهادة عالية بمقياس الناس اليوم.... ولكني ومنذ فترة بي رغبة كبيرة وأمنية عظيمة أن أنخرط في المجال الدعوي وأكون داعية في سبيل الله، فأنا والحمد لله على قدر من الدين والعلم ببعض أموره.. والبعض من أسرتي وأقاربي وزملائي يعتبروني أحيانا مرجعا لهم في بعض أسئلتهم أو استفساراتهم وذلك لاطلاعي واستماعي وقراءاتي الدينية والبرامج المتعلقة بهذا ليس معنى هذا أن أجيبهم أو أفتي لهم.. معاذ الله أن أتجاوز قدري على شيوخنا الأفاضل ولكني أنقل لهم ما سمعته من أحدكم أو قرأته وعندما لا أعرف أقول لهم هذا ... فأنا والحمد لله أخاف الله جداً وأبتغي ما يرضيه ... وأنا إذ أعرض عليك أمري هذا أطلب منكم النصح والإرشاد فأنا بجد أود أن أصبح داعية في سبيل الله على علم وتوجيه وأساس حسن وهذا يتطلب الانتساب لمعهد أو كلية لتأسيس ذلك عندي وتعليمي.... وأنا أعيش بلندن ولست أعرف أين أتجه، أتيت إليها منذ فترة وجيزة ورأيت أثناء صلاتي بالمسجد بعض الأخطاء والجهل بأمور الدين البسيطة ممن يقيم هنا خاصه من غير العرب.... وأود نصحهم وإرشادهم بما أعلم ... عذراً فضيلة الشيخ للإطالة.... فإذا كنت تعلم بجمعية أو معهد هنا بلندن لتنشئة وتعليم الداعيات أن تدلني عليه.. وإن لم يكن فأرشدني لمكان آخر ولو ببلد غير هذا ... لأنني بجد وصدق أفكر في هذا وفي تغيير مجال دراستي وتخصصي لمجال الدعوة لدين الله ... تقبلوا مني كل الشكر والدعاء لكم بالرحمة والمغفرة.. وجزاكم الله عني وعن المسلمين كل الجزاء الحسن.. لا تنسوني من صالح دعائكم، أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائلة الكريمة على اهتمامها وحرصها على أداء واجب الدعوة وتحصيل ما يتطلبه ذلك، ونسأل الله تعالى أن يزيدها من نعمه ويعينها على شكره وذكره ... ولتعلمي -أختي الكريمة- أن الدعوة إلى الله تعالى واجبة على كل مستطيع وبكل وسيلة ممكنة مشروعة، فقد قال الله تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108} ، وقال تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َ {آل عمران:104} ، وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ، ومن أعظم وسائل الدعوة العلم والعمل به، فلم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستزيده من شيء غير العلم، فقال تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه:114} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
والمرأة المسلمة مكلفة بأداء هذا الواجب إلى جانب شقيقها الرجل قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {التوبة:71} ، والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو الاتصال بالمساجد والمراكز الإسلامية السنية هناك والتعاون معها ليرشدوك إلى المعاهد الشرعية والمؤسسات العملية التي يمكن لك أن تستفيدي منها مباشرة أو بالانتساب، ولا ننصحك بما هو خارج أو ما يتطلب السفر لما يترتب على ذلك من محاذير شرعية، كما أن بإمكانك الاتصال بمثيلاتك من الأخوات الصالحات وإقامة دروس دينية معهن ... وتكوين بيئة صالحة من محيطكن فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه والله تعالى يقول: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ {القصص:35} ، فينبغي أن تركزي جهدك ودعوتك وتعليمك على بنات جنسك فبصلاحهن يصلح المجتمع، نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 2334، والفتوى رقم: 4412، والفتوى رقم: 4131.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1429(5/227)
حكم استخدام الموسيقى في دعوة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[وسؤالي هو أننا نعلم بفضل الله حرمانية الموسيقى والمعازف وأنه لا يجوز استخدامها في الأناشيد الإسلامية ...
وكنت قد قرأت من قبل أن الأمر بالمعروف يجب أن يكون بالمعروف أي لا يجوز استخدام مثل هذه الأناشيد المحتوية على المعازف في دعوة المسلمين إلى دين الله تعالى لكن ما أسأل عنه هو: هل لا يجوز أيضا استخدام مثل هذه الأناشيد التي فيها موسيقى في دعوة غير المسلمين؟ حيث إني أسكن في منطقة يزورها العديد من السائحين وكنت أفكر في تحضير أسطوانة كمبيوتر بها مواد دينية ودعوية عن الإسلام بلغات مختلفة لتوزيعها على السائحين قدر الاستطاعة إن شاء الله....فهل إذا وضعت بهذه الأسطوانة أناشيد أجنبية بها موسيقى - على أساس أن السامع أصلا ليس بمسلم - فهل هذا جائز أم لا يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز استخدام الموسيقى في دعوة الكفار؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لقد بينا من قبل حرمة الأناشيد الإسلامية المصحوبة بالموسيقى، ولك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 62507.
ثم ما ثبت تحريمه في حق المسلم فإنه حرام في حق الكافر على الصحيح من أقوال أهل العلم؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. جاء في طرح التثريب: والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين ... اهـ
وعليه، فإنه لا يجوز استخدام الموسيقى في دعوة الكفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1429(5/228)
حكم وضع ملصقات تدعو للحجاب أو لنصرة المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز وضع ملصقات تدعو مثلا للحجاب أو لنصرة فلسطين في الأماكن العامة كالمواصلات أو الأماكن الخاصة كالعمارات السكنية؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن وضع الملصقات على النحو المذكور لا ينبغي أن يوصف بأنه جائز، وإنما هو واجب إذا تعين وسيلة إلى هذا الواجب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إن وضع الملصقات في الأماكن العامة كالمواصلات أو الأماكن الخاصة كالعمارات السكنية ... ونحو ذلك، هو من الدعوة والحث وتوجيه الناس إلى ما تحمله تلك الملصقات.
وإذا كانت تلك الملصقات تدعو للحجاب أو لنصرة المسلمين، فإنها تكون من الأمر بالمعروف، وإذا تقرر هذا، فإن وضع مثل هذه الملصقات لا يقال إنه مشروع؛ بل يقال إنه إذا تعين وسيلة إلى ما تدعو إليه تلك الملصقات فقد يكون واجبا؛ لأن وسيلة الواجب واجبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(5/229)
حكم إرسال رسائل تحث على الصلاة أو التلاوة والذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[.أشكر كل القائمين على هذه الشبكة جزيل الشكر لما يقدمونه من فتاوى واستشارات بكل تنوعها لإفادة وتنوير كل مسلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
فتاوى واستشارات تخص المسلم في دينه ودنياه جعله الله عز وجل في ميزان حسناتكم ونفع بكم وبعلمكم. أما في ما يخص سؤالي هو. في هذه الأيام الأخيرة من هذا العام راجت رسائل تحث على الصلاة أو قراءة القرآن أو الذكر في تلك اللحظات التي كثير من الناس يعصون ويفسدون في الأرض والذي يحز في النفس منهم إخوة في الدين. فهل تعتبر هذه العبادة في هذه الوقت بالذات بدعة منكرة أم ماذا؟ أثابكم الله كما أرجوكم أن تردوا علي بسرعة ولا تنسونا من دعائكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في إرسال رسائل عن طريق الهاتف المحمول أو البريد الإلكتروني أو غيرهما من وسائل الاتصال تحث على الصلاة أو الذكر ونحو ذلك لأن هذا من الأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى، وتخصيص إرسال هذه الرسائل بوقت غفلة الناس وانتشار المعاصي لا حرج فيه أيضا وليس هذا من البدع، بل هذا مشروع إذ إن التحذير من المعاصي يتأكد وقت انتشارها ومقارفة الناس لها، ولا شك أن الأمر بالصلاة والحث على ذكر الله تعالى يتأكد وقت غفلة الناس عنها وانشغالهم بهذه الدنيا الفانية وانتشار الفساد، وقد قال الله تعالى: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ {هود 116}
قال ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض، وقوله: إلا قليلاً أي قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته. انتهى.
ولكن ينبغي أن تخلو الرسائل المرسلة من المخالفات الشرعية، فقد يكتب بعض الناس رسالة تذكير بنية صالحة ولا يحسن استخدام العبارات المناسبة للموضوع فيكتب عبارة تأباها الشريعة نظرا لقلة علمه وهو يظن أنه يحسن صنعا. وانظر مثال ذلك في الفتوى رقم 45395.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1429(5/230)
الأفضل في دعوة غير المسلمين الدعاء واستقدام عالم متمكن وإهداء الكتب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة والحمد لله 27 عاما ومتزوجة من زوج فاضل يتقي الله والحمد لله، وسؤالي عن أمي فهي على دين النصارى منذ زواجها من أبي منذ أكثر من 30 عاما وإلى الآن....
وسؤالى هو:-
1- بماذا تنصحوني في دعوتها فهناك من قال لي اكتفي بالدعاء وهناك من قال ناظريها وهناك من قال أحضري لها عالما يناظرها وهذا ليس بيسير لأنها لا تسمح لأحد بالتحدث معها فى هذا الأمر بل تروغ من محدثها في ذكاء؟
2- منذ مدة قالت لي أمي هداها الله أنا أعلم أن دينكم يحرم أن ترثينى أنت وأخوك لذا فقد وزعت مالى عليكما مناصفة وساعدت كلا منا في زواجه وتعليمه بهذا المال ولكنها أبقت بعضا منه وكثيرا من الحلي قالت لي إنها كتبته في إرثي لها أحسن الله ختامنا جميعا فهل يجوز هذا أم لا ولقد وجدت فتوى تقول الآتي: لا مانع من أن يرث المسلم قريبه غير المسلم ما لم يكن هذا القريب الكافر حربيا، قياسا على أننا نتزوج نساءهم ولا يتزوجون نساءنا، جاء في فتاوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء:
يرى المجلس عدم حرمان المسلمين ميراثهم من أقاربهم غير المسلمين ومما يوصون لهم به. وأنه ليس في ذلك ما يعارض الحديث الصحيح: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم. (متفق عليه) ، الذي يتجه حمله على الكافر الحربي، مع التنبيه إلى أنه في أول الإسلام لم يحرم المسلمون من ميراث أقاربهم من غير المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نوصي به أختنا السائلة تجاه أمها هو أن تجمع بين جميع ما ذكر لها من الدعاء والدعوة واستقدام عالم يناظرها إن أذنت، وكذا إهداؤها كتابا في بيان سماحة الإسلام وعدله وأنه دين الفطرة ونحو ذلك.
وعليها بالإكثار من الدعاء، فالدعاء من أعظم أبواب الخير، وكم من كافر هداه الله تعالى بسب الدعاء، ثم اعلمي بعد ذلك كله أن الله تعالى حكيم عليم، يهدي من يشاء، ومن يعلم الله في قلبه خيرا وقابلية للهداية هداه الله؛ كما قال تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. {القصص:56} وكما قال تعالى:..وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ. {الأنفال:23}
وأما ميراث المسلم من الكافر فالمسألة فيها خلاف بين الفقهاء، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة وذهب إليه الجمهور من الصحابة والفقهاء أن المسلم لا يرث من قريبه الكافر ولو لم يكن حربيا، وتخصيص الكافر بالحربي لا دليل عليه، والقياس بأننا نتزوج نساءهم ولا يتزوجون نساءنا هذا قياس معارض للنص فلا يصح.
ولكن لو أوصت الأم الكافرة لابنتها أو ابنها المسلمين جاز لهم أخذ ما أوصت به إليهم لأن هذه وصية وليست ميراثا، وانظري الفتوى رقم: 95939.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1429(5/231)
الطريق إلى هداية الأم غير المسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أمى أكرمها الله على غير ملة الإسلام، وهي وأبي متزوجان منذ أكثر من 30 عاما وإلى الآن الحمد لله، ولا أعرف ماذا أفعل معها، وهي غالبا ما ترفض لأحد التدخل فى هذا الأمر، أنا لا أترك مجالا يمكنني الدعاء فيه ويسره الله لي إلا وانتهزته، ف أفيدوني أفادكم الله؟ ونسألكم الدعاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لأمك الهداية إلى الإسلام، وقد أحسنت بحرصك على هدايتها ودعائك لها، فاستمري على ذلك، وعليك بالحرص على ما أمر به الشرع من مصاحبتها بالمعروف والإحسان إليها، فإن حسن المعاملة من أعظم ما يعينك في سعيك للتأثير عليها، وراجعي الفتوى رقم: 75043.
ونوصيك بالحرص على تحين الفرص المناسبة لدعوتها، أو الاستعانة بمن هم أرجى في التأثير عليها، ولا تكثري من الكلام معها على وجه يجلب لها الضجر والسآمة، ولمعرفة شيء من الأساليب والوسائل المناسبة في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28335، 73576، 79934.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1428(5/232)
الدعوة إلى سبيل الله بالتوجه صوب أهل الخير لا عن طريق الشعوذة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تريد منّي استخراج آيات الهداية من القرآن ثم تقرؤها على ولدها وتقوم بإطلاق البخور وأعمال أخرى من هذا القبيل ليرجع للإسلام والاستقامة، فكيف تنصحها أن تفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللجواب على هذا السؤال تجدر الإشارة إلى عدة أمور هي:
1- أن القرآن كله كتاب هداية، قال الله تعالى: ألم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {البقرة:1-2} ، وقال تعالى: قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {البقرة:97} ، وقال تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ {آل عمران:138} .
2- أن ما ذكرته من إطلاق البخور وأعمال أخرى، هو مما يشبه الشعوذة، ويجب الابتعاد عنها، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 8243، والفتوى رقم: 34333، والفتوى رقم: 17576.
3- أنا ننصح هذه المرأة بالتوبة إلى الله، وأن تسعى لولدها في الهداية والاستقامة بتوجيهه إلى أهل الخير، وتبتعد به عن الشعوذة وطرق الضلالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1428(5/233)
الصفات الست التي تتمثل في دعوة جماعة التبليغ
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من مشايخنا الكرام الجواب على الآتي:
نعيش في بلاد الغرب ونحن من أقليات عربية وإسلامية ومن بلاد عربية وإسلامية شتى ويجمعنا مصلى وقد دب خلاف بين بعض طلبة العلم وذلك بسبب بعض الطلبة الذين يرون في جماعة الدعوة والتبليغ بأنهم أهل بدع ويحرضون الناس على عدم الخروج معهم، مع العلم كما هو معروف لدي كثير من الناس أنهم أكثر الجماعات انتشارا في العالم الإسلامي والغربي وبسببهم اهتدى كثير من العصاة فكم من فاسق اهتدى على أيديهم وكم من كافر أسلم على أيديهم ولهم خير كثير في لم الفرقة التي يعاني منها المسلمون, فما رأيكم جزاكم الله خيراً كيف أتعامل مع هذه الجماعة فهل أخرج معهم هل تطبيق الصفات الست بدعة مع العلم بأني أميل إلى ما هم عليه لما رأيته من إقبال عليهم فهم متواضعون فيهم الزهد والصبر على الأذى فأفيدونا جزاكم الله خيراً فنحن في حيرة من أمرنا لأن هذه الإجابة يحتاج إليها الكثير من الإخوة في البلاد الغربية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا قد بينا من قبل حكم الخروج مع جماعة التبليغ، ولك أن تراجع فيها الفتوى رقم: 9565.
وفيما يخص الصفات الست فإنها صفات يريدون منها تدريب المبتدئين على التمسك ببعض أساسيات دين الإسلام، وهي عندهم:
1- اليقين على الكلمة الطيبة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
2- الصلاة ذات الخشوع والخضوع.
3- العلم مع الذكر.
4- إكرام المسلمين ومحبتهم في الله.
5- تصحيح النية وإخلاصها لله.
6- الدعوة إلى الله والخروج في سبيله.
وليس من شك في أن جميع هذه الصفات هي من الأساسيات التي يدعو إليها الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1428(5/234)
فتاوى في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تبينوا لي كيف تكون الدعوة إلى الله وأشعر أني مقصر في الدعوة إلى الله فماذا علي أن أفعل بالنسبة لأهلي وأقاربي وجيراني وأهل مسجدي وأهل المنطقة وغيرهم كداعية إلى الله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 8580، والفتوى رقم: 76270، والفتوى رقم: 28335.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(5/235)
خروج المرأة للدعوة ومبيتها في المسجد مع الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم خروج النساء في سبيل الله والمبيت في مسجد واحد، الرجال والنساء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرأة مطالبة بالمشاركة في الدعوة إلى الله تعالى حسب الاستطاعة لأنها مثل الرجل في ذلك، وعليه فالظاهر أنه لا مانع من خروجها للدعوة إلى الله، إذا أمنت الفتنة ولم يترتب على خروجها محظور مثل السفر بدون محرم من زوج أو غيره أوالتفريط في واجب مثل رعاية الوالدين ونحوها.
أما مبيت النساء مع الرجال في المسجد فإذا كان هناك حاجز يسترهن فلا مانع منه، وإن لم يوجد حاجز وخشي من ذلك أن يترتب عليه أمر ممنوع مثل كشف العورات ونحو ذلك مع اطلاع الرجال عليها فإنه يكون ممنوعا لما قد يترتب عليك من المحاذير، والمعروف أن الغالب أن الشخص إذا نام انكشف بعض جسده، وإذا حصل ذلك للمرأة في مكان مفتوح للمارة ويرتاده الناس مثل المسجد فلا يخفى ما في ذلك من مخالفة الشرع.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 23418، 22785، 39775.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(5/236)
كيفية التعامل مع الأهل الشاكين في دينهم والمفرطين فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[حضرات الشيوخ الأفاضل: أكتب إليكم لأجد أجوبة واضحة شافية على تساؤلات لطالما أقلقتني وأحزنتني وأرجو أن يتّسع صدركم وأن تصبروا وتعالجوا جميع نقاط رسالتي الطويلة، دون أن تحيلوني إلى أجوبة سابقة، عسى أن يجعل الله ذلك في ميزان حسناتكم.
اعتبروا رسالتي الطويلة إن شئتم قضية للدراسة والتداول تمس مجتمعاً مسلماً بأسره، وخذوا من الوقت ما تشاؤون للإجابة، ولا مانع لدي من أن يتولّى أكثر من شخص الإجابة على أسئلتي، بل أرحّب بأجوبة عدة أشخاص طالما أنها لا تناقض بعضها بعضاً:
أكتب إليكم من مجتمع عربي مسلم مصابٍ بمرض "عمى الأديان"، من مجتمع يعتمد مبدأ "كل مين على دينو الله يعينو"، من مجتمع "مُتَمْسِح"، عفواً أعني "متسامح" ...
أنا رجل مسلم متديّن نشأت في أسرة مسلمة لكنها على درجات متفاوتة من الإيمان. أمي مؤمنة وتقيم الصلاة وتصوم رمضان لكنها لا تسلِّم بكل تعاليم الدين. أما والدي الطبيب فلا يصلي ولا يزكي ولا يصوم، كما أنه يشرب جرعات قليلة من الخمر (في بعض المناسبات الاجتماعية المتباعدة وكلما أراد أن يخفّف من آلامه وهمومه) ثم إنه ليست لديه أي تحفّظات على التعامل مع البنوك الربوية. لكن والدي يتمتع باحترام كل أصدقائه وزملائه لصدقه وبشاشة وجهه وطيب معشره ومساعدته للفقراء من المرضى وحرصه على القيام بواجباته الاجتماعية. وقد كان على الدوام ينتقد عليّ تديّني الذي يراه مبالغاً فيه، حيث كان (قبل زواجي) يحرّضني على الاختلاط بالشابات كلما اجتمعت "شلة" الأصدقاء القدامى، ويعيب علي إطلاقي للحيتي قائلاً إنها لا تليق بي (ولعله على حق، لكني أطلقها طاعةً لديني) ، وكان دائماً يحاول "تيسير" الدين علي: فينصحني "بالجمع والقصر" (في غير وقتهما) وبالمسح على الجورب عند الوضوء (مع توفّر الماء) . وهو ممّن يجيدون نظم الشعر وقد قال في إحدى أشعاره الأخيرة ما مفاده "إن الإنسان لا ذنب له في اتباع دين آبائه". وفي مصارحة جرت مؤخراً بيننا، قال لي إنه ليس لديه إيمان تامّ بنبوة الرسول عليه الصلاة والسلام لكنه مقتنع أنه "أعظم من وطئ الأرض". وفي نقاشاتنا المختلفة، يركز والدي دائماً على تبني أحاديث الرسول التي "توافق العقل والمنطق"، دون اعتبار لما إذا كان الحديث "غير المنطقي" على زعمه صحيحاً أم لا. فكل ما لا يوافق العقل لديه مرفوض.
والآن وقد تزوجت والحمد لله ورزقني الله تعالى بفضله طفلين جميلين، فإن والدي يريد أن يتدخل في طريقة تربيتي لأبنائي ويقول إن لدى ابني أذناً موسيقية ولو كنّا نعيش في وطننا الأم لألحق ابني بمعهدٍ لتدريس الموسيقى. والمفارقة الكبرى تتمثّل في أن والدي رجل "نصوح" ويحب وعظ الآخرين وتوجيههم، وكلما كان الوضع ملائماً تجده يستشهد بحديث من الأحاديث النبوية!
أما والدتي فهي الأخرى متأثرة ببعض هذه الأفكار، فإذا تلوْتُ عليها بعض الآيات عن مصير من يتبع غير الإسلام، فتجيب بالقول: "الله أعلم"، و"ليس لدينا الحق بالحكم على الناس"، وكأن هذه الآيات سردٌ بلا طائل، والعياذ بالله. ثم إنها من المتابعين بشوق ويومياً لبرنامج الأبراج "كارمن" على قناة المستقبل. وهي مع ذلك ممن لا يقبل حديثاً نبوياً إلا إذا كان "موافقاً للعقل والمنطق".
وأما أختي، فآه على أختي، من أين أبدأ؟ وماذا أقول؟ ... فَقدَت إيمانها بكل شيء إلا الله (كإله واحد خالقٍ للكون) ، وترفض مسلَّمات الدين الإسلامي من احتشام وتعدد الزوجات ونجاسة الكلاب وحرمة الوشم ... الخ. وعندما أحاول تحبيب الدين إليها بأي طريقة تصمّ أذنيها وترفض مجالستي.
هذه، أيها الشيوخ الأفاضل، هي أسرتي. والقاسم المشترك بين هؤلاء الثلاثة هو مقولة "الدين المعاملة" ...
لكن المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، فعائلتي الكبرى تضم أفراداً من كل "الطيف الديني" من بينهم مثلاً نسيب من جيل والدي ترك الدين منذ سن المراهقة وتبنّى "العلمانية" ونذر حياته لصرف الناس عن الدين (أياً كان) . ولا يكاد يخلو لقاءٌ معه من محاولة لتوجيه نقدٍ للدين والمتديّنين.
هذه هي الحالة باختصار شديد ... وهنا يأتي دور الأسئلة المحيّرة: كيف أتعامل مع كل هؤلاء، وعلى رأسهم والديّ وأختي؟ ما تعريف المرتدّ عن دينه؟ هل هو محصور في من نشأ في عائلة غير مسلمة ثم تعرّف على الإسلام فأسلم ثم تراجع بعد مدة عن إسلامه؟ هل يجوز أن يُقبر نسيبي، الذي لا يجد حرجاً في إعلان عدم إيمانه بأي شيء سوى العقل في مقبرة للمسلمين؟ وهل يُجوز أن يُقبر والدِي أو أختي في مقبرة للمسلمين إن سبقني أحدهما أو كلاهما إلى عالم البرزخ بعد عمر طويل؟ وماذا أفعل إن حضرت ذلك الموقف وأراد الأقرباء دفن هؤلاء جميعاً في مقبرة للمسلمين؟
أسعفوني بأجوبتكم الشافية يا معشر الشيوخ، فأنا بأمسّ الحاجة إليها. وأرجو أن تعم الفائدة جميع القرّاء.
أعتذر للإطالة وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرتد هو الذي يأتي بعد تقرر إسلامه بقول أو فعل أو اعتقاد دل الشرع على أنه كفر سواء نشأ في عائلة مسلمة أم لا.
قال خليل بن إسحاق في مختصره: الردة كفر المسلم بصريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه، كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنار، وسحر، وقول بقدم العالم أو بقائه، أو شك في ذلك. انتهى.
وقال الدردير: الردة كفر المسلم المتقرر إسلامه بالنطق بالشهادتين مختارا. اهـ
ومن الكفر التكذيب والشك فيما ثبت في نصوص الوحيين، قال شيخ الاسلام رحمه الله في منهاج السنة: فتكذيب الرسول كفر، وبغضه وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة أهل العلم. اهـ
وفي الفتوى رقم:7150 من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء: الردة هي الكفر بعد الإسلام، وتكون بالقول والفعل والاعتقاد والشك. انتهى.
والشك نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه فلا يكون العبد مؤمنا إلا إذا كان موقنا يقينا جازما بمدلول شهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. سورة الحجرات15.
وقال صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. رواه مسلم، فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، وقد ذكر أهل العلم أن الإنسان قد يطرأ في نفسه نوع شك لكنه مع ذلك يكون في داخله مصدقا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يكفر بذلك، وفي مثل هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل: ولكن ليس كل من دخل عليه شعبة من شعب النفاق والزندقة فقبلها جهلا أو ظلما يكون كافرا منافقا في الباطن بل قد يكون معه من الإيمان بالله ورسوله ما يجزيه الله عليه ولا يظلم ربك أحدا. ...
هذا وننبه السائل إلى أن تكفير الأعيان ممن ينتسبون للإسلام ليس بالأمر الهين لما يترتب عليه من آثار دنيوية وأخروية، فإن من اعتقد أو قال أو فعل ما هو كفر عند علماء المسلمين فإنه قد وقع في الكفر، لكنه لا يحكم بكفره حتى يستوفي شروط تكفير المعين، وتنتفي عنه موانع تكفير المعين، كما هو مبين في الفتوى رقم: 721.
فإن استوفى الشروط وانتفت عنه الموانع، فإنه يكفر بعينه، ويعامل معاملة الكافر فلا يجوز تزويجه، ولا أكل ذبيحته، ولا يرث ولا يورث، وإن مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.
واعلم أن الحكم على المرتد لا يكون إلا من قبل القضاء الشرعي، والتنفيذ لعقوبته لا يكون إلا من قبل ولي أمر المسلمين أو نائبه، ففي حال توفر الشروط وانتفاء الموانع يجب على ولي الأمر أن ينفذ الحكم بالقتل بعد الاستتابة ثلاثة أيام، ومحاولة إقناعه بالرجوع إلى الإسلام بالجدال بالتي هي أحسن وإزالة ما عنده من الشبه, فإن لم يتب قتل، قال العلامة خليل المالكي في المختصر: واستتيب ثلاثة أيام بلا جوع وعطش فإن تاب وإلا قتل.
وذهب بعض أهل العلم إلى تأجيله بدون حد ما رجيت توبته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول:.... وقال الثوري: يؤجل ما رجيت توبته، وكذلك معنى قول النخعي.اهـ
وأما إن لم يتأكد من توفر الشروط وانتفاء الموانع فلا يلزم الجزم بتكفيره لأن من ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، والواجب هو السعي في هدايته وإنابته الى الله فقد كان كثير من السلف الصالح يحذرون من إطلاق كلمة الكفر أو كافر على من ظاهره الإسلام، وقد قال بعضهم: لأن أخطئ في إدخال ألف كافر في الإسلام أحب إلي من أن أخرج مسلما واحدا من الإسلام. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية: من دعا رجلا بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه. أي رجع عليه.
فتكفير المعين من الصعوبة بمكان نظرا لاحتمال طروء عارض من العوارض المانعة من الحكم بكفره من جهل أو إكراه أو تأويل أو عدم إقامة الحجة أو غير ذلك.
فلا يكفر المسلم إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغا عاقلا قاصدا مختارا غير معذور بجهل أو تأويل فيما يكون فيه الجهل والتأويل عذرا.
قال ابن تيمية رحمه الله: ليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن يثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك. بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
وقال أيضا: إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه. اهـ.
وقال أيضا: كان أحمد رحمه الله يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرة بينة…… لكن ما كان يكفر أعيانهم. اهـ.
ثم إنه لا يخفى أنك على علم بمخاطر هذه الأمور، وإنما يتعين البحث عن الحل لمشكلتك، فننصحك بالاستعانة بالله الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض ليعينك على هدى أهلك وليوفر لك جوا يساعدك على الالتزام بالدين وعدم التأثر من انحرافاتهم، فعليك بالالتجاء إليه أوقات الإجابة، واحرص على المزيد من تعلم الشرع والعقيدة الصحيحة وعلى الالتزام بالصلاة في المسجد مع الجماعة، والصبر على الجلوس في المساجد ومصاحبة أهل الخير فيها لعلك تجد من المستقيمين من يمكن أن يساعدك في نصح أهلك، ويتعين عليك نصحهم بلطف والرفق بهم ومحاورتهم بالحسنى وترهيبهم بنصوص الوحي مع سؤال الله هدايتهم وطلب من يمكنه التأثير عليهم من العلماء والوجهاء والأصدقاء أن ينصحوهم، وعليك بالحرص على الإحسان اليهم وخدمتهم ومعاملتهم بالأخلاق الحسنة، فإن دعوة الحال أبلغ من دعوة المقال.
واحرص على الدعاء لهم ووصية من ترجى منهم استجابة الدعاء أن يسألوا الله لهم الهداية، ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة، فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من شدة الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر, قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيرا ... إلى آخر الحديث.
وأما عن التعامل معهم فإن للوالد على ولده حق البر به والإحسان إليه مهما كانت عقيدة هذا الوالد أو دينه، فقد أوجب الله عز وجل الإحسان إليهما، لا فرق في ذلك بين كونهما مسلمين أو كافرين، ودليل هذا قوله تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15} .
وما رواه مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قدمت علي أمي وهي مشركة راغبة أفأصل أمي، قال: نعم، صلي أمك.
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق.... فهذه الآية من أعظم الآيات في هذا الباب، فإن الله تعالى أمر فيها بمصاحبة الوالدين غير المسلمين الداعيين إلى تضييع حق الله تعالى والإشراك به، مصاحبة بالمعروف، فلم يسقط حقهما في حين يجاهدان لإسقاط حقه سبحانه وتعالى. اهـ.
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على وجوب بر الوالدين، بل إن القرآن الكريم قرن برهما في كثير من الآيات بتوحيد الخالق سبحانه، فقال سبحانه: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا {الإسراء:23} ، وقال سبحانه: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا
وفي الحديث الصحيح المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
ولا يشرع لك طاعتهما في ترك الأوامر الشرعية كالطهارة والصلاة واللحية وتربية الأبناء على الدين فإن الله حرم طاعتهما في معصيته عز وجل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد والحاكم.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الطاعة في المعروف.
وبين لهما أن الخضوع والتسليم لحكم الله فرض فلا يشرع رده بالعقل فشأن المؤمن التسليم والانقياد المطلق لألفاظ الوحي وتقبلها واعتقاد حسنها وصلاحيتها، وذلك لأنها جاءت من لدن حكيم خبير، ودليل هذا قول الله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما {النساء:65} .
وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا. {سورة الأحزاب36}
وقال تعالى: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين* وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون* وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين* أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون {النور: 47 ـ 51} .
وقد ذم الله تعالى الكارهين لأحكام الدين في عدة آيات وجعل ذلك من علامات الكفر، فقال: كبر على المشركين ما تدعوهم إليه. {الشورى:13} ، وقال تعالى: لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون {الزخرف:78} ، وفي مثل هذا المقام جاء قول الله عز وجل: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم. {محمد:28} .
قال العلامة ابن القيم رحمة الله تعالى عليه: أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكدا بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذاالتحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضا والتسليم وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض.
وأما دفن المسلم المشكوك في ردته في مقابر المسلمين فالظاهر جوازه فقد كان المنافقون يدفنون في مقابر المسلمين وكان عمر رضي الله عنه يتحرى في الموتى حذيفة الذي أودعه رسول الله صلى الله عليه وسلم سر المنافقين فإذا رآه لم يحضر للصلاة ترك الصلاة عليهم ولم يمنع أحدا من الدفن في البقيع بسبب ذلك، فقد روى ابن أبي شيبة عن زيد بن وهب قال: مات رجل من المنافقين فلم يصل عليه حذيفة فقال له عمر أمن القوم هو قال نعم فقال له عمر بالله منهم أنا قال لا ولن أخبر به أحدا بعدك. اهـ.
وأما المرتد المحكوم بثبوت كفره فلا يدفن في مقابر المسلمين، ويجوز لأقاربه المسلمين اتباع جنازته ودفنه، ففي المصنف: أن ابن عمر سئل عن الرجل يتبع أمه النصرانية تموت قال: يتبعها ويمشي أمامها، وروي عن ابن عباس أنه بلغه أن رجلا نصرانيا مات وله ابن مسلم فلم يتبعه، فقال ابن عباس: كان ينبغي له أن يتبعه ويدفنه.
وجاء في المجموع: ويجوز للمسلم اتباع جنازة قريبه الكافر. انتهى.
وقال في موضع آخر: ولا يكره للمسلم اتباع جنازة أقاربه من الكفار، لما روي عن علي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إن عمك الضال قد مات، فقال اذهب فواره. اهـ.
واعلم أن الإنسان قد يتأثر بواقع من يساكنهم، وأقل أحواله أن يألف حصول المنكر بحضرته ولا ينكره، ولذا حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم، والبعد عن رفقاء السوء، واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. وبحديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وبحديث أحمد: لا تصاحب إلا مؤمنا.
واعلم أن ترك الصلاة هو أخطر الذنوب بعد الشرك بالله، فالله عز وجل قد توعد الذين يتهاونون بأمر الصلاة بالعذاب الشديد، فقال جل شأنه: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا* إلا من تاب وآمن وعمل صالحا {مريم:59-60} ، وقال سبحانه وتعالى: فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون. {الماعون:4-5} ، وهذا في الذين يؤخرونها عن أوقاتها، فكيف بتاركها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وصححه الترمذي والألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم في صحيحه، ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بلفظ: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة. وصححه الترمذي والألباني.
والصلاة هي أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإذا صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وصححه الألباني، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن ترك الصلاة يحبط أعمال العبد، فعن بريدة رضي الله عنه قال: بكروا بالصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة العصر حبط عمله. رواه البخاري في صحيحه.
فعليك بالتحفظ من جدالهم بغير علم, مع الحرص على هداهم وحضهم على التوبة وتعليمهم ما يجهلون وإنكار المنكر الذي يقترفون، والصبر على ما تلقاه في سبيل دعوتهم، واستخدم في ذلك ما أمكنك من الوسائل المساعدة في هدايتهم كالنصح بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن، وإهداء الرسائل والأشرطة النافعة، وعليك بالصبر الطويل وعدم اليأس من قبولهم النصح، واعلم أنك تقوم بمهمة شريفة عظيمة وهي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليكن لك فيهم أسوة حسنة, فقد تحملوا في سبيل تبليغ دين الله تعالى من أقوامهم الكثير من سب وشتم ونبز بالألقاب واتهام بالسحر والكذب، وبعضهم عليهم السلام وصل الحال بأقوامهم إلى أن قتلوهم، وأما الإعراض عنهم وعدم سماع كلامهم فكثير جدا، كما كان يفعل أصحاب نوح عليه السلام معه، فقد قص الله تعالى لنا بعضا من ذلك، فقال تعالى: قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا* فلم يزدهم دعائي إلا فرارا* وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا* ثم إني دعوتهم جهارا* ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا* فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا {نوح:5-6-7-8-9-10} ، إلى آخر الآيات, وقد صبر نوح عليه السلام يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
وقال الله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين {يوسف:108} ، وقال الله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. {النحل:125} ، فالحكمة تقتضي تقديم الأوليات والبدء بالأهم فالمهم، ومراعاة أحوال المدعوين، ومستوياتهم وثقافاتهم واهتماماتهم ... إلى غير ذلك، والموعظة الحسنة تقتضي خطابهم بالأسلوب الرفيع المشوق، والتركير على شحن الخطاب الدعوي بالآيات البينات والسنن النبوية النيرات، وضرب الأمثال البليغة والقصص المؤثرة، وأما المجادلة بالتي هي أحسن فتقتضي إلانة القول والرفق في الخطاب، وإحساس المخاطب بدافع محبة الخير له العاجل منه والآجل، مع التدعيم بالحجة القاطعة والبراهين الساطعة.
وأولى ما يجب الاعتناء به في علاج هذه الأخطاء التي ذكرت وغيرها من أنواع الانحرافات التركيز على تقوية الإيمان، وإصلاح القلوب، وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار، والترغيب في ذكر الله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا.. . وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
وقال تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. {العنكبوت:45} ، وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
وراجع للاطلاع على المزيد في الموضوع وفي خطورة العلمانية وفي عدم تعارض العقل والنقل الفتاوى التالية أرقامها: 8580، 70837، 21186، 2453، 35371، 56402، 52755، 56097، 66196.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1428(5/237)
ترغب بالإسلام وتخشى من التفريق بينها وبين زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميل بريطاني علماني لا يؤمن بالله (وجودى) مهندس تخطيط محترف70 سنة وجيد بسلوكه الإنساني وزوجته إمريكية مسيحية 58 سنه قرأت كثير عن الإسلام وتقر بأنه الحل الوحيد لخلاص البشرية ولهما 3 أبناء أصغرهما 11 سنة مقيمين حاليا بالكويت حيث يعمل معي وهي شغوفة بالمعرفة عن الإسلام ومتعاطفة مع فلسطيني غزة أكثر من بعض الفلسطينيين وتكره اليهود لثقافتها وعلمها بأفعالهم وتخشى من دخولها في الإسلام حتى لا يفرق بينها وزوجها وصغيرها هل يوجد مخرج شرعي لحالتها؟
تحاول بجدية تعلم العربية وتستمع بنهم عن الإسلام ورسولنا الكريم
زوجها يرفض تماما الجلوس لأحد الدعاة من لجنة التعريف بالإسلام ويرفض المبدأ ويبدي أنه هكذا جيد ونخشى من التقصير بحقها وأن نسأل عنها يوم الدين، أفيدونا ما بوسعنا أن نعمل نحن2 مهندسين زملاؤه وزوجة طبيبة وأخرى ربة منزل ولدينا بعض العلم الشرعي ومنا من يداوم على حفظ القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المرأة تدعى إلى الإسلام أولا قبل كل شيء، ويبين لها أركانه، ثم تفقه بما أعده الله تعالى لمن مات على الإسلام، وتزهد في الدنيا ومتاعها وزخارفها، وتذكر بسرعة زوال ذلك كله، وترغب في الآخرة، ويبين لها أن الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، والمؤمنون فيها خالدون. وإن علم أن تعلقها بزوجها قد يمنعها من اعتناق الإسلام -إن هي علمت أن الإسلام يفرق بينهما- فيقال لها صراحة بأن انفصالها عن زوجها واجب شرعي ولكنه ليس شرطا في إسلامها حتى لا يكون ذلك الأمر حائلا بينها وبين الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1428(5/238)
طريقة دعوة الزملاء إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أتألم كثيراً لأن بعض زملائي يقولون لي إنني متدين كثيراً وإنني لا أتمتع بالحياة وأن رأسي مملوء بالدين فعلا أنا إنسان أحب الدين لأنني أفهم وأعرف أن هذه الدنيا ليست إلا طريقا لدار المقام ألا وهي الجنة وأريد أن أعمل عملا صالحا لكي يرضى الله عني ويدخلني في جنة الفردوس فكيف أعمل لكي أقنعهم بترك المعاصي والشهوات التي هي فقط زينة وشهوات الدنيا والشيطان فالجميع ينظر إلي بنظرة غريبة رغم أنني أعرف أنهم يحبونني لأني لطيف معهم ويقولون لي إنني المتدين الأكثر في الثانوية رغم أني لا أفعل إلا الخير إنني أصوم في بعض الأيام وأصلي وأترك اللحية رغم أنني أحلقها في بعض الأحيان ولا أسلم على الفتيات إلا باليد وليس بالخد وأتركهم عندما يتكلمون في الحرام وكل هذا يجعلهم يقولون إنني متدين كثيراً وإنه علي أن أتفتح على الدنيا وأن أتمتع، ولكن أنا أجيبهم بأنه حتى ولو أتوا بأعلى حجر ووضعوه علي لن أفعل إلا ما أتى به دين الإسلام ولن أخالفه وأن الحرية والتمتع بالشهوات لديها خطوط حمراء، ولكن بالنسبة لهم الدنيا كلها خضراء أعرف أن في عصرنا هذا الأكثرية من الناس تتبع الشهوات والشيطان والعياد بالله وأنه ربما زمن سوء، ولكن كيف أقنعهم باتباع الحق وترك الحرام -أنا في أوروبا؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحلقلك للحيتك في بعض الأحيان يعتبر خطأ، ولك أن تراجع في حكم حلق اللحية الفتوى رقم: 30486.
كما أن قولك إنك لا تسلم على الفتيات إلا باليد وليس بالخد يعتبر خطأ آخر، لأن المرأة الأجنبية لا يجوز للذكر أن يسلم عليها باليد ولا بالخد، فعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما. بل إن جمهور أهل العلم قد ذهبوا إلى تحريم مجرد إلقاء السلام على الشابة، ولك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 6158.
وإذا كان زملاؤك يقولون إنك متدين كثيراً، وأنت تمارس هذه الأمور المنهي عنها فإن في ذلك تصديقاً لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء. رواه مسلم. ومع هذا فإن فيك خيراً كثيراً، لأنك تريد العمل الصالح وتبحث عن مرضاة الله، وعن الطرق التي يمكن أن تدعو بها زملاءك، ففي بعض روايات الحديث السابق: قيل: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس. رواه أحمد.
والذي ننصحك به أولاً هو أن تبتعد عن رفقاء السوء، وأن لا تخالطهم إلا لما تدعو إليه الحاجة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. متفق عليه.
وأما طريقة دعوة الزملاء إلى الله، فهي كما في قول الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125} ، فالدعوة تكون بالحكمة، قال ابن جرير: وهو ما أنزله الله من الكتاب والسنة، وبالموعظة الحسنة، كذكر الزواجر والعقاب الذي أنزله الله على الأمم الماضية، والتذكر بالجنة والنار ونحو ذلك. اهـ
وبالمجادلة بالتي هي أحسن، لمن احتاج منهم إلى جدال ومناظرة، فيناظر بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 67887، ونسأل الله أن يعينك ويصلحك ويهديك ويهدي بك، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 33009.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(5/239)
من أساليب الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أقارن بين تحريم المصافحة وحلق اللحية مثلا وبين تحريم الخمر كأن أقول لشخص مثلا (إذا كنت تترك الخمر لحرمته فلماذا تصافح النساء الأجنبيات أو تحلق لحيتك مع أنهما محرمان) ؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقارنة بين هذه المحرمات من هذه الجهة لا بأس بها، نعني من باب إلزام هذا الشخص بهذا المعنى المشترك بينها وهو كونها كلها محرمة، علماً بأن هذه الأمور هي في الأصل متفاوتة في درجة تحريمها.
وبدلاً من طرح الأمر عليه بهذا الأسلوب قد يكون الأولى أن تشحذ همته فتثني عليه بالقدر الذي هو فيه من الخير، وتذكره بالله والدار الآخرة ليزداد إيمانه، فإن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب سهل على صاحبه الاستجابة لأوامر الله تعالى.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 70657.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(5/240)
وصايا للعاملين في حقل الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلب منكم أن توجهوا نصيحة للإخوان السلفيين في المغرب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوصيتنا لكل مسلم تقوى الله تعالى، وهي وصيته سبحانه للأولين والآخرين، قال الله تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ {النساء:131} .
ووصيتنا للعاملين في حقل الدعوة إلى الله خاصة بأن يحرصوا على الإخلاص في دعوتهم، وكذا طلب العلم النافع المستمد من الكتاب والسنة على وفق فهم سلف الأمة لتكون الدعوة على بصيرة، قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} .
ومن المهم أيضاً في الدعوة أن ينطلق المسلم في دعوته على أساس الحرص على وحدة الأمة وجمع كلمتها، فلا يحمل الأمة على شيء من الشقاق في أمور اجتهادية يسوغ فيها الخلاف، كما أن المسلم يقوم بدعوته للناس من منطلق الشفقة عليهم والحرص على هدايتهم، فلا يتعامل معهم بردود الأفعال ولا ينتصر لنفسه، وجماع الأمر في هذا كله أن يتخذ المسلم نهج النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته نبراسا يستضيء به في طريق دعوته، قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا {الأحزاب:21} .
ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتاوى رقم: 69817، والفتوى رقم: 12803.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(5/241)
طريقة دعوة أبناء الأخت إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي توفيت وتركت 3 بنات وولدا وأبوهم لا يعاملهم معاملة طيبة هم يعيشون معه وأنا خالتهم موفرة لهم كل شيء، لكن في مشكلة أنهم غير ملتزمين بالحجاب ويريدون دائماً الخروج مشاوير ومكياج دائما موجود بالرغم من أني أبذل كل جهدي معها لكن تقول أنتم كنتم تضعون مكياج وتلبسن ونحن لا، ودائما تردد عبارة ما راح أحد يدخل بقبر الثاني أرشدني ماذا أفعل؟ ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يأجرك على ما تقدمين من أجل بنات أختك، وجعل ذلك في ميزان حسناتك، ولتعلمي أن على والدهن مسؤولية النفقة عليهن، وتعليمهن وتربيتهن وإلزامهن بالحجاب الشرعي والحشمة عند الخروج.
أما أنت فعليك التلطف بهن والرفق في نصحهن، وسلوك سبل الدعوة التي تؤثر في القلوب، والحرص على الشرائط والكتب والمنشورات الإسلامية، لا سيما التي تعني بالتبرج وأخطاره، وبأحكام الحجاب، مع الحرص على الدعاء لهن بالهداية والاستقامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1428(5/242)
يستفاد في الدعوة بالمتاح من وسائل الإعلام المعاصرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرت في أيامنا هذه الدعوة إلى الله خصوصا عبر الفضائيات ومشكلة استعمال هذه الوسيلة من الدعوة أن الشخص المدعو قد يستفيد علما لكن التطبيق العملي قد لا يوفق إليه نظراً لغياب القدوة، فالداعية في الشرق وهو في الغرب ولعل هذا هو السبب في ظهور فئة من الشباب يتقن الدعوة إلى الله شفاهة لكن عملا لا يكاد يحسن أو يعمل شيئاً فيجد الشاب نفسه لا يعيش الإسلام كما سمعه إلا في ذهنه وأيضا يحس بالتقصير حينما يتلو قوله تعالى -يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون- ما يضطره والعياذ بالله إلى ترك العمل بما حمل فيركن إلى العامة ويدع الدعوة، ولقد رأيت أن تأثير الدعوة يكون قويا وملحوظا في الناس الذين يخالطهم الداعية فيرونه ذاهبا إلى صلاة الجماعة في الصف الأول وأثناء الليل يمرون قرب منزله فيسمعونه يقرأ القرآن وما إلى ذلك مما كان عليه السلف، ثم إنه نلاحظ أن كثيراً من الدعاة يتفادون التعرض للسياسة وهي أكبر سبب في انحراف الشباب الملتزم بسبب جهله بكيفية التعامل معها فنجده إما تودي به إلى الانحلال أو إلى اتباع أذناب الخوارج فيقتلون -كما قال عليه السلام- أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، قي ظل ما سبق أرجو أن تفيدونا بتوجيه سديد يقوم الاعوجاج ويسدد الخطى على الدرب وأرجو الله أن يوفقكم ويلهمكم الصواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الصحبة لها أثر عظيم على الناس، وإذا لم يمكن الاتصال المباشر بين الداعي والمدعو، فينبغي أن يستفاد من الوسائل المتاحة المشروعة، وعلى الداعي أن يدعو بجميع ما يعلم من الدين إذا استطاع بحكمة، ولا يتكلف فيما لم يعلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك في تأثير الصحبة الصالحة على المسلم، ولا شك في أن الدعوة العملية أكثر تأثيراً من مجرد الكلام، ولا شك أنه يجب على الداعي أن يعمل بما يعلم وما يدعو، وألا يخالف إلى ما ينهى عنه، ولا يخالف قوله فعله، ولكن هذا لا يعني عدم الاستفادة من وسائل الإعلام ووسائل الاتصال المعاصرة، فمن لم يتمكن من مجالسة أهل العلم والاستقامة، عليه أن يحرص على الاستفادة من محاضراتهم المسموعة ودروسهم ومؤلفاتهم المكتوبة، كما أن على الداعية إن لم يتمكن من الاتصال المباشر بالمدعوين ألا يقصر في استخدام الوسائل المتاحة المشروعة في إفادة الناس.
وعلى الداعية أن يدعو الناس كلهم ويعلمهم جميع ما يحتاجون له من أمور دينهم ويبين لهم الحق فيه إذا كان يعلمه بحكمة وتلطف، فإذا تمكن من بيان الحق للسلاطين بينه لهم، وإذا علم الحق في الأمور السياسية يبين للعامة ما يحتاجون إليه، وإذا علم بعض جزئيات الدين دعا لما يعلمه وعلمه، ولا يتكلف فيفتي فيما لم يعلم؛ بل يحيل إلى أهل العلم المعروفين بالاستقامة وصلاح المعتقد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(5/243)
دعوة النصارى إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان تأتي لي الفرصة لأعرض الإسلام ولكن لا أعلم ماذا أقول! فكيف أعرضه في دقيقة؟ وماذا أقول للمسيحي وغير المؤمن بأي شيء؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تعلم أولا أن الدعوة إلى الإسلام أمر بالغ في الأهمية، فقد جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لأن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من حمر النعم ". وفي رواية: " خير لك من الدنيا وما فيها ".
والدعوة إلى الله تستحق من العناية والوقت والجهد ما ليس بالقليل.
ودعوة النصارى إلى الإسلام تقوم على دعامتين:
الأولى: بيان حقيقة الإسلام، وأنه دين الرسل جميعا، فالرسل يصدق بعضهم بعضا، ودين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدق لما قبله مما جاء به موسى وعيسى وإخوانهم الأنبياء من قبل.
فهذه الحقيقة لا بد من بيانها للنصارى، وأن عيسى عليه السلام جاء مبشرا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، والأناجيل الموجودة اليوم -على ما فيها من تحريف- لا تزال تشهد بهذا.
فلا بد أن يبين للنصارى أن كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم كفر بما جاء به عيسى عليه السلام.
وعند بيان حقيقة الإسلام للآخرين لا بد من بيان الأمور الآتية:
الأول: موافقة الإسلام للفطرة.
الثاني: موافقة الإسلام للعقل الصحيح، فالنظر الصحيح في الكون يقضي بأن يكون لهذا الكون إله واحد، كما قال الله عز وجل: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا {الأنبياء:22} .
الثالث: دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظم ذلك القرآن المحفوظ من التبديل والتحريف على تعاقب الأزمان، وما يثبته العلم الحديث كل يوم من صدق حقائق القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يرعى الغنم بمكة.
الرابع: بيان محاسن الشريعة الإسلامية ومميزاتها.
والدعامة الثانية التي تقوم عليها دعوة النصارى إلى الإسلام: بيان الباطل الذي هم عليه وتزييف العقائد الباطلة التي يعتقدونها، وإظهار نقاط الضعف في عقيدة النصارى وما أكثرها، وقد سبقت فتوى مفصلة في هذا الموضوع برقم: 10326 فلتراجع، فإن فيها غنية إن شاء الله.
وينبغي أن تعلم أن من يريد جدال الكفار وإظهار باطلهم، لا بد أن يتسلح بالعلم، وإلا كان ضره أكثر من نفعه.
وقد يقنعونه بما عندهم من الباطل إذا لم يكن متسلحا ومتحصنا بالعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(5/244)
من أفضل وسائل دعوة غير المسلمين للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتلانا الله بزوجة أخ نصرانية ودائماً أدعو الله لها في سجودي وعندما أقوم الليل وعند الإفطار عندما أصوم ولكن دون جدوى لا أجد لدعائي أي أثر فيها، وعلماً بأني أهديت إليها كتيبات كثيرة لا أخفي عليكم بأنها لا ترغب في الإسلام ولكني كثيرة الحزن لها، عند زيارتي لها بالدعاء تقول إن شاء الله أفكر، هل هناك طريقة أفضل لدعوتها للإسلام. أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أفضل وسائل الدعوة للإسلام الدعاء للمدعو وإقناعه بالحجج العقلية واستعطافه بالترغيب والترهيب مع الإحسان إليه والصبر على المواصلة معه، وراجعي للبسط في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 39329، 59074، 18262، 21363، 76270، 63969.
هذا وننبه إلى أن زواج الكتابية يشترط فيه أن تكون عفيفة محصنة؛ لقوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ {المائدة: من الآية5} .
ويجب عليه حمايتها مما يخدش الأخلاق ويوقع في الحرام لأن الكفار مخاطبون بفروع الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(5/245)
الأثر الكبير لتنويع أساليب النصح والدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخ وحيد مبتلى بمرض ضمور العضلات {مقعد} 26عاما-أفرط والدي في تدليله منذ صغره وغاب والدي عنه مدة7سنوات في فترة مراهقته وعندما رجع [منذ10سنوات] فقد طريقة التواصل الفكري معه..أخي لا يسمع كلامه لا يحترمه وصل به الأمر حاليا لعقوقه ... وذلك بسبه وشتمه أمام الناس للأسف وأبي يرفض أن يأخذ موقفا منه رفقا وشفقة بوضعه المرضي يكتفي بالسكوت والدعاء له بالهداية علما أن والدي غير ملتزم وتارك للصلاة وعلاقته بوالدتي سيئة لأسباب قديمة تعود لعدم تفاهمهم ماديا وفكريا-أبي قصر ماديا ونفسيا كثيرا سابقا أضاع 7سنوات في أمريكا ولم يجن شيئا حتى لم يحاول جلب أخي للعلاج- وهذا والله أعلم ما يؤلم أخي كثيرا ومع هذا لا أجده سببا لمعاملة أبي بهذا العقوق والنكران علما أنه يعامل والدتي بالحسنى-أرجو مساعدتي بإيجاد طريقة لإقناع أخي بالكف عن عقوق والدي علما أني تكلمت معه وهو مصر ومقتنع أن والدي يستحق هذه المعاملة! ومن جهة أخرى حاولت إقناع والدي مرارا بالرجوع لله والالتزام بفرائضه عل وعسى أن تكفر ذنوبه ويهدى له أخي بإذن الله لكنه لم يستجب -وأحمد الله أنني وأخواتي الإناث واعين لما يحدث نحاول بكل طريقة نعرفها إيجاد حل لهذا الوضع ولكنا فشلنا-فنرجو مساعدتنا.
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك وعلى أخواتك أن تتابعن النصح لأقاربكن بالحكمة والموعظة الحسنة..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعينك.. وأن يهدي أباك ويصلح أخاك.. ولا شك أنك تعلمين أن ترك الصلاة أمر خطير، وأنه لا حظ في الإسلام لمن تركها- كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه- وقد بينا ذلك في عدة فتاوى بإمكانك الرجوع إليها ومنها الفتوى رقم: 6061،. كما بينا كيفية نصح الأبوين ووجوب الإحسان إليهما ولو كانا مقصرين في الفتوين: 65636، 38239.
وأما عقوق الوالدين فحرمته من المعلوم من الدين بالضرورة عند كل مسلم، وقد بينا ذلك في عدة فتاوى بإمكانك أن تطلعي عليها أو على بعضها فمنها الفتويين: 10534، 5327.
والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو متابعة النصح لأبيك ولأخيك بطريقة ودية ورفق ولين وموعظة حسنة.. فهذه أنجع طريقة كما أرشد القرآن الكريم قال الله عز وجل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125}
فلا تتركي النصح لهما ولا تملي من ذلك فإن النصيحة أساس الدين، وأحق الناس بها أقربهم إليك، فينبغي أن تنوعي طريقتك في النصح وتغيري أساليبها وتستخدمي فيها كل ما يؤثر عليهما من القصص ومن الترغيب والترهيب والحجج العقلية والنطقية.. ومن تسليط بعض الإخوان والأقارب.. عليهما وغير ذلك من الوسائل المشروعة فأنت أدرى بطبيعتهما وما يؤثر عليهما، وإذا لم تلقي الاستجابة منهما فلا تيأسي ولتعلمي أن كل ما بذلت من جهد فإنه في ميزان حسناتك عند الله تعالى.
ولا يفوتنا هنا أن نذكرك بقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
وهذا الكلام موجه إلى الأخوات وإلى جميع الأقارب فعليهم جميعا أن يتعاونوا على البر والتقوى.
وبإمكانك أن تكتبي إلى قسم الاستشارات بالشبكة وستجدين عندهم ما ينفعك إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1428(5/246)
من وسائل الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوى بروكسي لفتح جميع المواقع المحجوبة هو أقوى بروكسي ستعرفه.
لكن تمهل ... إنه لا يفتح المواقع الممنوعة!!
ولكنه يفتح القلوب التي حجبت عن مولاها ويربطها بالله تعالى،،
بروكسي يفتح القلوب المقفلة, والصدور المظلمة وينير لها الطريق،، هل عرفت هذا البروكسي العجيب؟
إنه بروكسي الخوف من الله ومراقبته في السر والعلن.
إنه البروكسي المبرمج من خلال الكتاب والسنة.
إنه: بروكسي (ولمن خاف مقام ربه جنتان)
إنه: بروكسي (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)
ما حكم هذا الموضوع الذي انتشر في المنتديات بشكل كبير وهل هو مشابه في الحكم بموضوع هاتفك السماوي معطل؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان القصد من كلمة "بروسكي" المفتاح أو الموصل أو الرابط.. أو ما أشبه ذلك كما يفهم منها في سياق الكلام، فلا نرى مانعا شرعيا من المقالة التي ذكرت لأنها بمنزلة الاستعارة أو التشبيه..
ولا شك أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما أعظم مفتاح للقلوب المقفلة، وأعظم شفاء للصدور والنفوس المريضة لمن اتصل بهما وتدبر ما جاء فيهما من الحكم والأحكام والأخبار والمواعظ..
قال الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {محمد:24}
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57} .
والخوف من الله عز وجل عبادة عظيمة وهي من أنفع العبادات للقلب، وقد فرضها الله عز وجل على عباده في آيات كثيرة من القرآن، قال الله سبحانه وتعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {آل عمران: 175} وقال سبحانه وتعالى: وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ {النحل:51}
وقال سبحانه وتعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ {المائدة: 44} ، ومدح سبحانه أهل الخوف في آيات عديدة فقال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {المؤمنون:60}
وقال سبحانه تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {فاطر: من الآية28} إلى غير ذلك من الآيات،
ووصف الأنبياء بأنهم أصحاب خوف فقال عنهم: إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ {الانبياء: 90} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1428(5/247)
لا يجوز استخدام الوسائل المحرمة بحجة الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي بخصوص اختراق جهاز كمبيوتر بهدف دعوة فتاة غير محجبة ربما للظروف المأساوية التي تعيشها مع أبيها الذي هو بعيد عن الدين كل البعد، فهل يجوز أن أخترق جهازها بدون علمها أو علم أخيها الذي سأعطيه ملف التجسس الذي أستطيع من خلاله الدخول إلى الجهاز مع دمج الملف مع ملف آخر، مع العلم بأن أباها لا يستطيع سماع أي موعظة ولا يطيق أن يرى زوجته وهي مرتدية ثياب الصلاة لذلك أخشى أن يحول بيني وبين الفتاة التي أحبها.. ملاحظه: الاختراق بهدف الدعوة فقط وليس بهدف التجسس عليها، وملف التجسس محمي بكلمة سر أنا أضعها ولا يستطيع أحد الدخول بواسطة هذا الملف غيري اخترت هذه الطريق لأني لدي القدرة على فتح عدة مواقع التي تهتم بالدعوة إضافة إلى مواعظ وفلاشات وعظية ومقالات عديدة تهتم بهذا الجانب؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز لك اختراق جهاز الفتاة المذكورة ولا غيرها لما في ذلك من الاعتداء والاطلاع على خصوصيات الآخرين بغير إذنهم، وانظر الفتوى رقم: 35619.
ولا يبرر هذا الفعل قولك إن ذلك بهدف الدعوة ... فالدعوة إلى الله -وإن كانت من أفضل الأعمال وأشرفها- لا يجوز أن تستخدم فيها الوسائل المحرمة، فالغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة، وما دام هدفك هو الدعوة فقط فبإمكانك أن تتخذ لها من الوسائل ما هو مشروع وأكثر نفعاً وأقرب لتحقيق الهدف وهو أن تعطي مواد الدعوة التي بحوزتك لمن تثق به من النساء أو لأخيها أو من تثق به من محارمها، وللمزيد عن دعوة المرأة غير المحجبة انظر الفتوى رقم: 31505.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1428(5/248)
البدء بتصحيح المعتقد منهج الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أبدأ سؤالي لكم بشرح حالي مع أهلي فأنا ولله الحمد والمنة من المهتدين قريبا لمذهب أهل السنة والجماعة، وأهلي من أهل البدع المكفرة الذين يعتقدون بألوهية أحد الصحابة الكرام ويؤولون معاني القرآن وكل العبادات ويسبون الصحابة. سؤالي لكم يندرج تحت عدة محاور كيف السبيل لدعوتهم، أنا بوجودي معهم لا أستطيع أن أظهر شعائر الإسلام فهل لي هجرهم، أرى كثيراً من المنكرات مثل التبرج والسفور من أخواتي وشرب المنكر وشرك القبور وغيرها من المنكرات التي يمكن أن يكونوا مستحلين لها فهل يمكن الإنكار عليهم في هذا المجال قبل أن تصحح عقيدتهم أو بالأحرى، هل هناك من جدوى في ذلك قبل أن تصح العقيدة، أفكر في الزواج من فتاة على مذهب أهل السنة والجماعة لكن أخشى أن أواجه مشاكل معهم في ذلك وأنا الآن محجم عن هذه الخطوة من أجل ذلك فما النصيحة؟ أحبكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نهنئك بنعمة الهداية إلى مذهب أهل السنة والجماعة، ونسأل الله أن يتقبل منك وأن يثبتك، إنه ولي ذلك والقادر عليه، واعلم -وفقك الله- أنه يتعين على المسلم السعي في هداية أهله إذا علم أن عندهم أخطاء في المعتقد أو العمل، عملاً بواجب النصح لهم وحب الخير لهم وتعليمهم ما يجهلون وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} ، وقد فسرها علي رضي الله عنه فقال: علموهم وأدبوهم. رواه الطبراني والبيهقي.
واعلم أن أهم شيء يؤثر على الأهل هو الحوار معهم برفق إضافة إلى الدعاء لهم وبيان الحق مصحوباً بدليله من الوحي، ولكن إذا خفت على نفسك من عدم التمكن من القيام بدينك فلا شك أن نجاتك بنفسك مقدمة، وقد أرشد العالم الرجل الذي قتل مائة نفس ثم جاء يريد التوبة إلى الهجرة من أرضه التي هو بها إلى أرض يوجد بها أناس صالحون يعبدون الله، وقال له: فاعبد الله ... والقصة في صحيح مسلم، ثم إن الدعوة لإصلاح المعتقدات مقدمة على الانحرافات الأخرى، فالبداية بتصحيح المعتقد هو منهج الأنبياء.
وأما البحث عمن تستعف بها ممن يرتضى دينها وخلقها فهو أمر ضروري، وعليك أن تستعين بالدعاء وتسأل الله أن يعينك على إقناعهم بمن ترتاح لها، علماً بأنه يشرع لك أن تتزوج دون علمهم، إذ لا يشترط في صحة زواج الذكر موافقة أهله، لكن الحرص على إقناعهم أولى حفظاً للصلة بينكم، وراجع في الوسائل المساعدة على دعوة الأهل وفي ضرورة عزلة أجواء الفساد إلى أماكن الخير، وفيما يساعد على الثبات والاستقامة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70032، 51487، 76210، 76368، 41016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1428(5/249)
النصراني أحوج للسعي في دعوته للإسلام من متاقشته
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فى موقعكم المبارك سؤالا لأحد الإخوة وهو رقم 96779 بتاريخ 24 جمادي الأول 1428 10/6/2007 بعنوان هل قتل عيسى عليه السلام.
الأخ اعتقد أنه كان يسأل عن كون لماذا سيدنا عيسى بالذات وليس نبيا أخر سينزل في آخر الزمان لمحاربة الكفر وتلك كعلامات يوم القيامة المعروفة في الأحاديث، فأرجو التوضيح شاكرا لكم سعة صدركم وجهدكم المبذول، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على الاتصال بنا ونفيدك أن كلامك الذي ذكرت محتمل، ولكن الأولى حمل الكلام على ما ذكرنا لأن النصارى يعتقدون أن عيسى عليه الصلاة والسلام قتل وصلب كما ذكرنا في الفتوى رقم: 6272، مع أن الأمر لا يحتاج نقاشا لأن النصراني أحوج للسعي في هدايته ودعوته للإسلام من مجاراته في نقاشاته المبنية على غير أساس، وأما المسلم فالمفروض أنه لا ينكر نبوة وفضل عيسى عليه الصلاة والسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1428(5/250)
خطوات على طريق الهداية والصلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت قبل فترة بسيطة من زوج تخيرت فيه كل الصفات الحميدة والحمدلله تمت الموافقة بعد الاستخارة
زوجي طيب ومحترم ومحافظ على الصلاة وبر الوالدين والصدق والأمانة والجميع يشهد له بالسمعة الحسنة ولكن من ناحية تطبيق الشريعة مقصر ويرى أن ما يفعله هو عين الصواب حيث يؤمن بالاعتدال والوسطية!!
أنا من عائلة محافظة وتمنيت زوجا ملتزما يزيدني تقرباً من الله أكثر وأكثر ولكن هذه إرادة الله وها أنا أطلب المشورة والعون
ولتوضيح الصورة أكثر:
في عائلة زوجي الاختلاط والمصافحة باليد مسموح به بين النساء والرجال وقد تصل للتقبيل على الخدود حيث إنهم معتادون على بعض منذ الصغر، عرض علي أكثر من مرة أن نجتمع مع صديقه وزوجته على الغداء أو العشاء بحكم التعرف على عائلة جديدة فتجمعني صداقة مع زوجة صديقه وتمتد عبر الأولاد، يريدني دائمة الزينة والتبرج خارج المنزل لأظهر بأحلى حلة أمام الناس وخاصة عندما يرى أهله أو أصحابه وزملاءه بالعمل، لديه أقارب في دول مجاورة ولا مانع لديه من مرافقة والدته للسفر إليهم وحدنا من غير محرم
أريد أن أساعد زوجي على الالتزام رغم قناعته بأن ما يفعله صحيح وهذا يوقعنا بالكثير من المشاحنات والخصام فهو يرى أني متزمته كثيراً ومعقدة نوعاً ما!!!!
أنا متأكدة أن حياة زوجي المتفتحة ما هي إلا نتاج لتربية عائلته فهو ذو قلب نظيف لدرجة أنه يحب متابعة البرامج الدينية ولكن من شب على شيء شاب عليه، أدرك صعوبة تحقيق أمنيتي في تغييره ولكن لا يأس مع الحياة.. كل ما أطلبه هو خطوات واضحة أتبعها بعد التوكل على الله لهدايته بإذن الله تعالى خصوصاً وأن تصرفاته بدأت تؤثر علي وأصبحت أنخرط في حياته وأهملت الكثير من واجباتي الدينية وحتى الأغاني التي كنت أكرهها أصبحت أسمعها معه والعباءة التي كنت ملتزمة بها تركتها، لا أعرف كيف أعود لسابق عهدي.. تمنيت زوجا يقربني من الله أكثر ويلبسني النقاب وها أنا تركت حتى العباءة!!! كيف أهدي زوجي بمشيئة الله؟؟؟ أريد خطة مفصلة أسير عليها لأنقذه وأنقذ نفسي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى تبارك وتعالى أن يمن على زوجك بالهداية وصلاح الحال وأن يقرَّ به عينك.
والواجب عليك أن تبادري أنت إلى التوبة والعودة إلى الاستقامة والتزام الحجاب وترك سماع الغناء، فإن صلاحك في نفسك وثباتك على مبادئ دينك من أعظم ما قد يعينك في صلاح زوجك. وننصحك في هذا المقام بالحرص على صحبة بعض النساء الصالحات ليكن عونا لك على الخير. هذا أولا.
ثانيا: عليك بالإكثار من الدعاء له بخير، وينبغي أن تتحيني في ذلك أرجى الأوقات والأحوال لإجابة الدعاء.
ثالثا: نصحه برفق ولين، ولا بأس بأن تستعيني ببعض أهل الخير إذا دعت الحاجة لذلك. ويمكنك أيضا استخدام أسلوب النصح غير المباشر بتشغيل بعض الأشرطة ذات المادة المؤثرة بحضرته.
رابعا: اجتهدي في إثارة كوامن الرجولة في نفسه وتذكيره بما أمر به الشرع من الغيرة على العرض، وأن مثله يرجى أن يكون كذلك لما فيه من تلك الصفات الحميدة الموجودة فيه.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1428(5/251)
تنويع أساليب النصح للشاب العاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي قد بلغ من العمر 17 وهو لا يصلي وعنده عقدة ألعاب الكمبيوتر طبعا هو لا يسمع الأغاني لكن يفكر كيف يجمع أكبر عدد ممكن من الأسطوانات، أرجوكم وأبي أحيانا يضربه من أجل الصلاة، وقد كان قبل سنة يفتح المواقع الإباحية وقد كشفه أخي وضربه وقد علم أبي بالقصة وضربه وحرموه من الكمبيوتر لمدة شهر، والله اعلم قد تركها أم يفتحها سراً، أرجوكم أسعفوني بالحل.........................وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أخاك بالغ، ومن ثم فهو مكلف، وهو في هذه السن يحتاج إلى زيادة عناية واهتمام في هذا الزمان المليء بالفتن والمغريات.؟
والذي ننصحكم به أن تحرصوا على متابعته ونصيحته وإرشاده إلى ما ينفعه في مستقبله في دنياه وأخراه، وتحذيره من تضييع الوقت فيما لا ينفعه بل هو سفاسف وتفاهات تضيع عليه عمره وتخرب مستقبله.
ولتكن نصيحته تارة بالرفق واللين وتارة بالشدة والغلظة وتارة بالحرمان من جهاز الكمبيوتر وتارة بقطع المساعدة المالية.
ولا يقطع عن الكمبيوتر بالمرة لأن هذا قد يورث عنده ردة فعل تجعله يذهب إلى المقاهي التي هي حبائل الشيطان ومجمع الفاسدين، ولكن ينبغي أن يحدد له وقت معين ويتابع في ذلك، ويسأل ما الذي قرأه وعمله خلال دخوله، وما هي المواقع التي يتصفحها ويفضلها.
وعلى كل حال فالهداية بيد الله تعالى، وما عليكم إلا بذل الأسباب قدر الإمكان، والدعاء له بالهداية ومحاولة جلب صحبة صالحة له ممن هم في سنه فهم خير سبب لهدايته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1428(5/252)
حكم الدعوة عن طريق أشرطة مصورة لكفار أسلموا
[السُّؤَالُ]
ـ[أخ لي يريد أن يعد قرصا موجها لدعوة الكفار إلى ا?سلام ويريد أن أساعده فأرسل له أشرطة مصورة لنصارى أسلموا ليكون أبلغ في التأثير، علما بأن بعضها يظهر فيه الذي أسلم مع زوجته مثلا وهي محتجبة يظهر الوجه والكفان فهل يجوز مثل هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعين أخاك ويتقبل منه هذا العمل الجليل، فالدعوة إلى الله تعالى من أفضل القربات وأحسن الأعمال.. قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.
ولذلك فإن عليك أن تساعد أخاك بكل ما تستطيع من الوسائل المشروعة والأفكار المفيدة امتثالاً لأمر الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} ،، ومن ذلك مده بالصور الموثقة التي ليس فيها ما يتنافى مع تعاليم الشرع وآدابه، وقد بينا حكم الصور والتصوير في الفتوى رقم: 1935، نرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1428(5/253)
حكم فتح بريد إلكتروني باسم مستعار بغرض الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله في جهودكم وإن شاء الله إلى الأمام
سؤالي هو كالتالي:
أخو صديقتي يعاني مشكلة في البعد عن الله، وهو لا يتقبل من أحد، فاتفقنا أنا وصديقتي أن ننشئ بريدا إلكترونيا ونقوم من خلاله بإرسال الرسائل الدعوية المختلفة له ولا نريد أن يعلم من المرسل لأنه إن علم ستحصل مشاكل لا تحمد عقباها فهل يجوز أن نملأ معلومات مزيفة عند إنشاء البريد الإلكتروني؟ وإذا أصر هو أن يعرف المرسل هل يجوز أن نكذب وندعي أن المرسل شاب؟ أم أن الكذب حرام في هذه الحالة أيضا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البعد عن الله تعالى هو أخطر المشاكل التي تعاني منها البشرية، فلذا تعين على كل مستطيع أن يسعى في بذل ما يمكن من الوسائل المشروعة في هداية الناس وربطهم بالله تعالى، ولا شك أن المراسلة بالمواعظ والرسائل الدعوية أمر مفيد إن شاء الله لأن الشخص عند ما يقرأ خاليا بعيدا عن الناس قد يحكم عقله وتستيقظ فطرته فينيب إلى الحق.
وأما الكذب فالأصل فيه التحريم، ووسائل الدعوة إلى الله تعالى كثيرة وفيها ما يغني عن الكذب، علما بأن الشرع أباح التعريض والتورية؛ كما روى البخاري عن عمر أنه قال: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
وأما وضع أسماء مستعارة عند إنشاء البريد الإلكتروني فلا حرج فيها، فيمكن كتابة أسماء يشترك فيها الذكور والإناث كبدر أوفؤاد أو ما أشبه ذلك، فواصلوا العمل بما هو مشروع حتى يصر هو على الإخبار بمن يراسله، فإذا أصر فقولوا له عبارة يشترك فيها الذكور والإناث كأسماء الموصولات؛ كأن تقولوا: هذه الرسالة ممن يحب لك الخير أو من يمتنى لك السعادة، فمن يشترك فيها الذكر والأنثى، وتذكير صلتها باعتبار اللفظ سائغ لغة؛ كما في قوله تعالى: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ {الأحزاب: 31} ، وأما الكذب فيتعين البعد عنه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا.
وعلى أخت هذا الشاب أن تسعى في زواجه وأن تحرص على مدارسة بعض كتب الترغيب والترهيب معه في البيت وتعيره بعض قصص السلف وبعض التائبين، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 72604، 75917، 57185، 76368، 76270، 73902، 41016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1428(5/254)
من وسائل دعوة الشباب وتقويم انحرافاتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في سلك الدعوة وأدرس حلقة من الطلاب الذين بلغت أعمارهم 14 سنة، ولكني أواجه مشكلة كثرة المشاكل فيما بينهم على العلم أنهم مع بعضهم في هذه الحلقة لمدة ثلاث سنين حاولت علاجها لكن بلا فائدة فأفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.
السؤال الثاني: أحس أن بعضهم يمارسون العادة السرية وذلك واضح في أعينهم حيث السواد والتعب فهل هذه العلامات دليل على أنهم يمارسونها، وكيف أعالجها، مع العلم بأن أحدهم صارحني بأنه يمارسها فلم أعلم ماذا أفعل فقد أصابني الإحراج؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك على عملك في سلك الدعوة والتعليم، ونفيدك أن أهم علاج للشباب هو تقوية صلتهم بالله تعالى وحضهم على استشعار مراقبته دائماً، وأن يوضع في برامجهم الدراسية كثير من نصوص الوحي التي تعظم الله في قلوبهم وترسخ محبته فيهم، وتحبب إليهم طاعته وترهبهم من معصيته، وتوضح لهم قيمة المسلم وأهمية احترامه والبعد عن إذايته والاعتداء عليه، وتوضح لهم أهمية التحابب في الله والصفح عن المسيء والحلم والعفو عنه، وبين لهم تحريم الشذوذ الجنسي ومخاطره الصحية والنفسية، وأشغلهم بالأعمال الاجتماعية والخدمات وبالألعاب الترفيهية الرياضية عن الاختلاء بأنفسهم وممارسة العادة السرية، وراجع في الوسائل المساعدة على التخلص منها وفي حكمها وفي أهمية التحابب في الله والبعد عن المشاكل بين الإخوة في الله، الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52466، 45054، 73488، 69276، 68615، 65691، 63542، 52421، 72415.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1428(5/255)
استغلال بعض المناسبات لوعظ الناس وأمرهم بالمعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في المغرب غياب شبه كلي لمجالس العلم، فهل يجوز استغلال بعض المناسبات كعقيقة وكزواج لإلقاء الموعظة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في استغلال بعض تلك المناسبات أو غيرها لوعظ الناس أو أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، بل قد يتأكد ذلك إذا تيقن طريقاً لإيصال الخير إلى الناس، لكن ينبغي مراعاة الحكمة في ذلك فما كل أوان يسمع القيل، وما كل حين يقبل القول من صاحبه ولو كان حقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1428(5/256)
من طرق التشجيع على العمل الجماعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي طرق تفعيل الأفراد للعمل الجماعي.
أرجو الإجابة في أقرب وقت ممكن جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العمل الجماعي في إطار الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر مرغب فيه شرعا بنص كتاب الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {سورة المائدة -: 2} . وقد كان هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وجهاده، ويكفي دلالة على ذلك ما تم في حادثة بناء مسجده صلى الله عليه وسلم، وحادثة حفر الخندق.
ومن هنا فإن مما يمكن أن يكون دافعا للمسلمين إلى العمل الجماعي ذكر مثل هذه النصوص التي ترغب في التعاضد والتناصر في سبيل الخير. هذا أولا.
ثانيا: تهيئة البيئة الصالحة التي تسود فيها معاني الأخوة الإسلامية الحقة، والتي تتجاوز حدود العصبية الحزبية.
ثالثا: التحفيز المادي والمعنوي للأفراد، ولا سيما الشباب منهم، فأما التحفيز المعنوي فبربط القلوب بالآخرة فيما يراد الإقدام عليه من العمل، وأما التحفيز المادي فبإعداد شيء من الجوائز ونحوها.
رابعا: إيجاد نوع من البرامج الترفيهية المباحة والمنضبطة بالضوابط الشرعية كالقيام بالرحلات ونحو ذلك.
ولمزيد الفائدة نرجو أن تراجع الفتوى: 50248، والفتوى رقم: 4321.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(5/257)
مواقع عديدة لدعوة النصارى عبر الشبكة العنكبوتية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أنني تعرفت على امرأة كبيرة عبر الإنترنت وديانتها هي الكاثوليكية وعندما حدثتها عن الإسلام قالت إنها لا تعرف شيئاً عنه وأنها تسمع به فقط، وهي تريد معرفته ولكن أنا ليست لدي الطريقة التي أبدأ لها، فهل يجوز لي تعريفها بالإسلام، وإن جاز لي فأنا لا أملك الأسلوب فهل توجد كتب بالإنجليزية تعرف بالإسلام، وكيف أحصل عليها لأقوم بإرسالها لها، مع العلم بأنني لا أجيد الإنجليزية جيدا، أم هل أن الأمر لا يعنيني، فأرجو أن تجيبوا عل سؤالي وفقكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر الأخ السائل لحرصه على الدعوة إلى دين الله، ونسأل الله أن يثيبه خيراً، ولا بأس بأن تستمر في دعوة المرأة المشار إليها إلى الإسلام بشرط الانضباط بحدود الشرع عند كتابتك لها أو مراسلتك لها أو حديثك معها، وقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى في بيان الأسس التي تنبني عليها دعوة النصارى فنحيلك إليها وهي في الفتوى رقم: 20818.
وأما هل توجد كتب بالإنجليزية، وكيفية الحصول عليها؟ فإننا نقول يوجد على الشبكة العنكبوتية بعض المواقع التي تعنى بدعوة النصارى للإسلام، فلو أمكنك أن ترسل عنوانين تلك المواقع للمرأة المشار إليها فهذا خير، وستجد كثيراً من المواقع الموثوقة والمليئة بالمواد السمعية والمقروءة في دعوة النصارى على موقع WWW.SULTAN.ORG، وستجد فيه الشيء الكثير، ولتستعن كذلك على دعوتها بمن تثق فيه من الدعاة إلى الله تعالى، ومن يجيد التحدث بالإنجليزية، واجعل نصب عينيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(5/258)
كيفية إقناع غير المسلم بتوحيد الله
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على فتاة من أستراليا وهي على ديانة أخرى ولا تريد الاقتناع بأن الله واحد أحد لا أحد غيره، فالمرجو مساعدتي على إقناعها بأسرع وقت ممكن؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك على الاهتمام بهداية الناس للتوحيد والسعي في إقناعهم به، وقد ذكر أهل العلم أن من أعظم ما يساعد على إقناع الناس بتوحيد الله تعالى تذكيرهم بما تركز في فطرهم من ربوبية الله تعالى للكون فهو الخالق وحده وهو مدبر أمور جميع الكائنات وحده، وإذا كان كذلك فهو المستحق للعبادة وحده، وقد خلقنا وأسبغ علينا نعمه لنعبده ونوحده، ثم يبين لهم اتفاق جميع الرسل على الدعوة للتوحيد، كما قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ {الأنبياء:25} ، ثم يحدثون عن الجزاء والعذاب الأليم الذي توعد المشركون بالخلود فيه، وأن من كان موحداً لا يخلد في النار، وأنه سيعيش في الجنة خالداً فيها أبداً ويمتع فيها بأحلى أنواع المشتهيات والمرغوبات، ويبين لهم كذلك ما أيد الله به رسله الدعاة لتوحيده من المعجزات الدالة على صدقهم، وأعظمها هذا القرآن المحفوظ على مر العصور، ويضاف إلى هذا إكثار الاستعانة بالله في هدايتهم.
ثم إنا ننبه إلى ضرورة بعد الرجال عن التعرف على النساء الأجنبيات والحرص على دعوة الرجال، وربط النساء ببعض السيدات المتعلمات المهتمات بالدعوة إلى الله وهن كثير والحمد لله، وراجع للمزيد في الأمر، وفي بيان بعض المواقع والمراجع المفيدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54711، 10326، 30506، 4412، 63082، 8142، 64779، 71536.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(5/259)
طرائق وأساليب خدمة دين الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أقدم للدين شيئاً فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بالاهتمام بهذا الأمر العظيم والهدف النبيل، فأخلص لله تعالى في عملك، وبرمج برنامجاً تستطيع القيام به والاستقامة والمواظبة عليه، فـ أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، كما في حديث الصحيحين، فاقتطع من وقتك ومن مالك ما تستطيع بذله في نصرة دينك، وتمن على الله وادعه بإلحاح أن يستعمل جميع صلاحياتك وعبقريتك وذكاءك في خدمة دينه، وتذكر الحديث: لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته. رواه ابن ماجه وابن حبان وحسنه الألباني. والحديث الآخر: إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، فقيل كيف يستعمله يا رسول الله، قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت. رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه الألباني.
ويتعين أن يعلم أن هذا الأمر ليس خدمة تطوعية؛ بل هو واجب شرعي يتعين لكل مستطيع القيام به، وأن من أهم ما يتعين العمل أن تسعى في إصلاح نفسك وأهل بيتك عملاً بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6} ، ثم تسعى في إصلاح جيرتك وعشيرتك عملاً بقوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء:214} ، وبقوله تعالى: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا {الأنعام:92} ، واسع في هداية أصدقائك وجميع من يمكنك الاتصال به ودلالته على الخير وحضه عليه، ومن أهم ما يساعد على هذا الأمر تعلم الدين والعمل به والدعوة إليه والصبر على ذلك فهذا هو جهاد النفس؛ كما قال ابن القيم وابن حجر.
وينبغي أن يستخدم في تحقيق هذا الأمر ما تيسر من الوسائل.. فليستخدم الخطيب لسانه البليغ، والكاتب قلمه السيال، وليستخدم صاحب المال ما أمكن من نشر كتاب مفيد أو مطوية نافعة أو شريط مؤثر، وإذا أمكن أن يكفل بعض الشباب الأذكياء حتى يدرسوا من العلم الشرعي ما أمكن ففيه خير كثير، واسع في نفع الناس ومساعدتهم عملا بحديث مسلم: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه. وبحديث مسلم أيضاً: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.
ومن الأعمال المفيدة في هذا المجال أن تكون دائماً نشيطاً وساعياً لاستخدام طاقتك في إغاثة ملهوف أو إعانة محتاج في عمل أو قرض أو رأي فيه مصلحة أو أن تغرس غرساً ينتفع به الناس، ففي الحديث: من منح منيحة ورقا أو ذهبا أو سقى لبنا أو أهدى زقاقا فهو كعدل رقبة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط، وفي الحديث: إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل. رواه أحمد وصححه الألباني. وفي الحديث: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعاً. روه الأصبهاني وحسنه الألباني.
وليسع من يخدم الناس في هدايتهم وليستشعر أنه بهذا العمل يجاهد الساعي في تكفير المسلمين عن طريق المساعدات والإغاثات، والموضوع مهم جداً ولا يكفي فيه فتوى مختصرة، وراجع بعض ما كتب فيه، فراجع كتاب (كيف أخدم الإسلام) لعبد الملك القاسم، وراجع موضوعات في مجلة البيان تتحدث عن هذا الأمر ومن أهمها موضوع (لماذا الدعوة العائلية) ، وموضوع (التقنية في خدمة الدعوة إلى الله) ، وموضوع (حاجة الدعوة إلى البذل والتضحية) ، وهي كلها موجودة على الإنترنت يمكن الحصول عليها عند البحث عنها في جوجل، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65335، 31768، 54245، 76473، 75917، 74032، 71265، 69817، 64715، 50248، 47286، 3058، 33343، 30315، 76493.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(5/260)
تعليم العربية لأجل نشر الإسلام غرض محمود
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا معهد يدرس الأجانب من جميع الجنسيات والديانات وهو يدرس اللغة العربية وينشر الإسلام في غير المسلمين بالطريقة المباشرة أو غيرها، فهو يقوم على ذلك من إقامة الحجة عليه بدعوته إلى الإسلام، فهل المعهد جائز من حيث عمله وتدريسه اللغة العربية أم لا، أفتونا مأجورين في هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تدريس اللغة العربية ونشر الإسلام مقصد شرعي محمود، فكل وسيلة تفضي لهداية الناس ونشر الإسلام بينهم تعتبر مشروعة ما لم يكن فيها مخالفة شرعية، وتدريس اللغة لا يوجد ما يمنع منه، بل إن من أفضل الوسائل بجر الدارسين إلى هذا الدين الحنيف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1428(5/261)
المشاركة في المنتديات الدعوية النسائية
[السُّؤَالُ]
ـ[أستحلفكم بالله أن لا تهملوا السؤال، أستحلفكم بالله ... جعلنا الله وإياكم من الأتقياء الأبرار.
تعرفت على أخت في الله عبر منتدى إسلامي في النت وكل علاقتي بها كانت نصائح ومواعظ ومعلومات نتبادلها مع الأخوات في كافة ملتقيات المنتدى (المنتدى للنساء فقط) .. وبصراحة أحببتها في الله وتعلقت بها وأحببت في كلامها ما أفتقده من تمسك وحرص على الدين، حتى أنني في بداية الأمر كنت أجلس الساعات خلف الجهاز وأستهلك حتى الوقت المخصص لدراستي. لكن دون أن يؤثر على صلاتي بل كنت أبكي أحيانا عندما أقرأ كلامهم في الطاعة وأحوالها.
ولكنني الآن في الفترة الحالية عدت فنظمت وقتي ورتبت أموري بحيث أحافظ على واجباتي في شوؤن البيت وصلة رحمي ودراستي و.. و. وجعلت لذلك المنتدى وقتا أسبوعيا ألتقي فيه بالأخوات وبها فأطالع جديد المعلومات وأستفيد من الجديد وأطمئن على أخبارها وأخبارهم. ووالله إ ن أخوتنا في الله ولا تتعدى حدود الاحترام والسؤال عن الحال.. في إطار الأدب؟
فهل علاقتي معهم والوقت الذي أقضيه على النت لا أجر فيه وحرام؟؟
مع العلم أني منذ تعرفت عليهم وخصوصا عليها وحدثتني عن همتها في الدعوة وحبها للدين،,أصبح في داخلي رغبة أن أكون مثلها ومثلهم وبدأت أدعو الله أن يوفقني وأحاول مراقبة تصرفاتي أكثر وتركت مسلسلات التلفاز وكل البرامج العادية (تركتها من قبلهم، ولكن معهم ازددت إصرارا على تركها) .
تعلمت أحاديث وأقوالا عن الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم جديدة ولأول مرة أسمعها واستفدت كثيرا من المعلومات الأخرى التي يطرحونها في مجال الكمبيوتر والنت، ولا أنكر أنه يوجد مساحة للألعاب والمسابقات الترفيهية ولكن والله محترمة ولا فسق فيها.
ولكن يظل دائما في داخلي سؤال وهو أنني غالبا عندما أعمل في البيت وأحيانا في الدراسة أوفي الشارع أو عند أقاربي.. يخطرون على بالي وأفكر فيهم، وأفكر في صديقتي تلك خصوصا وماذا تعمل الآن يا ترى؟. مع العلم أن هذا التفكير لا يؤثر على عملي ولا دراستي ولكنه أحيانا يلازمني.
قررت الآن أن تعطيني مجلة دعوية ترسلها لي عبر النت وهي تصدر في السعودية وهي مجلة خاصة للعائلة أو المسلمة فطلبت مني طبعها وإعطاءها من أحب كما طلبت مني المشاركة فيها؟؟
فهل الوقت الذي أقضيه معهم على النت في إعداد المشاركة والاطلاع وفي مشاركات أخرى وحتى في السؤال عن أحوالهم واللعب أحيانا في الملتقى الترفيهي هل هذا يعتبر حراما؟؟
مع العلم منذ عرفتهم أدعو الله أكثر أن لا تضيع مني صلاة الفجر..وأخجل أن تكون تصرفاتي في الشارع خلاف ما أكتبه لهم واخجل أن أكون منافقة معهم بكلام ومع الله بحال أخرى،
ولي سؤال في ضمن هذا السياق وهو أنني بحكم البحث عن المفيد والإسلامي في النت سجلت في النت اشتراكا مفتوحا (أي طوال أيام الأسبوع) لكي متى توفر لي الوقت أو احتجت مساعدة أو فتوى كما هو حالي الآن أو كنت متضايقة وبحاجة للترفيه عن نفسي في الحلال دخلت النت (كل مواقعي إسلامية أحدها موقعكم هذا) وسؤالي هو أنني نتيجة ذلك الاشتراك المفتوح أدفع مبلغا قدره 30 دينارا كل شهر وهو مبلغ أقتطعه من مصروفي الشهري.
. وسؤالي هل هذا يعتبر من التبذير حيث إنني قد لا أدخل النت طوال الأسبوع لانشغالي وأحيانا أدخل يوما واحدا فقط وأحيانا أدخل طوال الأسبوع (يعني حسب ظروفي) فهل هذا تبذير مع العلم أن الخط عند الذين سجلت لديهم مفتوح طوال اليوم سواء اشتركت أنا أم لا (يعني هو مفتوح لزبائنهم بي أو من غيري) وأنا قررت الاشتراك المفتوح لأنه لا يمكنني تحديد اليوم الذي أكون فيه فاضية وأتمكن من الدخول أو اليوم الذي تتوفر فيه الفتوى كاليوم مثلا؟؟
نفسي تخبرني أن دفع هذا المبلغ تبذير وأنه يكفيني أني عرفت أن الله واحد وعرفت فروضي، فلأصرفه على أيتام أو مساكين أو..
وأن الوقت الذي أقضيه على النت ضائع؟؟؟
مع العلم أنني بفضل النت استمعت لمشايخ لأول مرة في حياتي كعبد الحميد كشك وقرأت مواضيع مفيدة لأول مرة وتعلمت أمورا ما كنت أعرفها،
ازداد حبي للصالحين وأتمنى أن أكون معهم ولو عبر مواقعهم على النت.
كالشبكة الإسلامية وطريق الإسلام وملتقى الأخوات و ... هكذا كل مواقعي التي أحب زيارتها..
الغريب أن نفسي لا تحدتني بهذا عندما أجلس للعب على الجهاز دون اتصال (تقول هذا من الترفيه) .
تخبرني نفسي أن كل ما كتبت على صفحات الملتقى في ذلك المنتدى كل ما كتبت من أمور الدين والدنيا هي من باب الرياء أمامهم، رغم أني دخلت باسم مستعار هربا من تلك النقطة خصوصا، ضيقت على نفسي أمر الرياء وفي أمر صحبتي بالأخوات خصوصا تلك الفتاة (مع العلم أنها لم تعد تدخل إلا كل نهاية أسبوع لانشغالها بالدعوة) حتى هجرت النت خصوصا ذلك الملتقى أرجوكم أفتوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدخول على المنتدى النسائي وقضاء الوقت مع الأخوات الطيبات في مدارسة الدين أمر مشروع إن لم يترتب عليه إضاعة ما هو أوجب منه، من القيام بالواجبات الأسرية وتربية الأبناء، أوترتب عليه ما هو محرم، فالإنترنت سلاح ذو حدين لو استخدمه المسلم في الاستفادة العلمية كان مفيدا.
وأما ما ينفق فيه فيختلف حال الناس بحسب يسارهم وفقرهم، ويتعين النظر في مقارنة التكاليف لو اشتريت بطاقة تستخدمينها في الوقت الذي يتيسر لك إن كان وقتك لا يزيد على ساعات من يوم واحد في الأسبوع فهل يكون هناك فرق ذو بال في الحالة هذه وبين التكاليف في الاشتراك، وانظري هل يمكن أن تنسقي مع بعض الأخوات في الاشتراك، وتبرمجي وتنظمي أوقات دخولكن. وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 46343، 72960، 67194، 76473، 63043، 68566، 62131.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1428(5/262)
استخدام الوسائل الإعلامية الحديثة في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العمل في مجال السينما؟ بالطبع إن كانت سينما هادفة تريد تغيير عقلية أمة والهداية للجميع، فمثلا بالنسبة لي، فقد بدأت أصلي إثر مشاهدتي لفيلم "الرسالة" والحمد والفضل كله يعود لله تعالى، فمنذ ذلك الحين عرفت أن الإعلام هو السلاح القوي الذي لا نملكه (لأنه بملك هوليود) والذي يجب أن نتعلمه، نتقنه وننتج من خلاله العديد من الأفلام التي تتناول قضايا اجتماعية، تحللها وتجد لها حلولا، كذلك القصص التاريخية، و ... و ... مثال على ذلك: المسلسل الإيراني "مريم المقدسة" وهو مستوحى من القرآن والسنة، كذلك مسلسل "خالد بن الوليد"، كذلك الفيديو كليب للمقرئ مشاري راشد العفاسي و ... و ... و ... فهل هذا حلال أم حرام، وما هي الأدلة على تحريمه أو تحليله؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السعي في هداية الخلق مطلب شرعي متأكد على كل من يستطيع عمله أن يعمله، وأن أحسن الوسائل في تحقيق ذلك دعوة الناس بالقرآن والسنة، وبيان الحق لهم، واستعطافهم وحضهم على الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة بالترغيب، وبيان ما في ذلك من الأجر والمثوبة، وإقناعهم بسلوك طريق الخير عن طريق الحوار والجدال بالتي هي أحسن، فقد قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ {الأنبياء:45} ، وقال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ {الأنعام:19} ، وقال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} ، ولا مانع أيضاً من استخدام أي وسيلة أخرى لا تشتمل على محرم كاستخدام ما لا يشتمل على المحظورات من الوسائل الإعلامية والتمثيلية، وأما ما اشتمل على المحرم فهو ممنوع شرعاً ولن يؤتى أكله؛ لأن الغاية عندنا لا تبرر الوسيلة، ولما في الحديث: إ ن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد.
فعلى من يريد استخدام هذه الوسيلة أن يبتكر طريقة للتمثيل ليس فيها اختلاط نساء ولا ظهور عاريات ولا موسيقى ولا غير ذلك، وراجع للمزيد من الفائدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35022، 3127، 76368، 76189، 72242، 67753، 23633، 65318، 19761، 27287.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(5/263)
إعادة صياغة الأمة لتتأهل لمنزلة الريادة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم "
كيف يمكن في عصرنا الحاضر اختيار القدوة؟ من الشخص الذي تتوفر فيه الشروط اللازمة كي يتبعه المسلمون لإعادة العزة للإسلام في ظل بزوغ الكثير من العلماء والوعاظ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمفهوم الشرعي لكلمة (ولي الله) يتجلى واضحا في الآية الكريمة التي أوردت أنت جزءا منها، وهي قوله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {يونس: 62، 63} . فكل من كان مؤمنا تقيا فهو من أولياء الله تعالى. وتقوى الله تعالى هي امتثال أوامره في السر والعلانية، واجتناب نواهيه في السر والعلانية.
وما ذكرته من بزوغ الكثير من العلماء والوعاظ ليس أمرا مذموما، بل هو نعمة ينبغي للمسلمين أن يحمدوها.
وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الخيرية في هذه الأمة لا تنقطع. أخرج أحمد والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره. وإن كان أفضل الخيرية في هذه الأمة هي قرون الصحابة والتابعين وتابعيهم.
وعلى أية حال، فمن أراد أن يعيد إلى الأمة ما كان لها من العزة، فعليه أن يصلح نفسه أولا، ثم يسعى بعد ذلك في إصلاح غيره. فالله تعالى وعد بالتمكين للمسلمين في الأرض، ولكن ذلك مشروط بطاعة الله ورسوله، وإقامة شعائر الدين، قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ {النور:55} . ولن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها من الاستقامة والالتزام بأمور الدين والثبات على منهج الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1428(5/264)
أصاب الطريق وأخطأ الوسيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في الشباب الذي يدخل في الدين دفعة واحدة وبشدة ويحاول تعلم الفقه بالتفصيل ويطلق لحيته ويحرم تهذيبها ويقصر ثوبه وبنطاله ويتحول مرة واحدة إلى مخاصم ومجادل لأهله ولرفاقه وإخوانه وتتحول حياته إلى مجادلة ساخنة يومية ويتشبث بكل دقائق السنة ويعتبر ترك أي سنة إثم ومعصية نأمل أن نجد هدنة مع الشباب المتحمس هدانا الله وإياهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدخول الشاب في الدين دفعة واحدة وبشدة ومحاولته تعلم الفقة بالتفصيل وإطلاق لحيته وتقصير ثوبه وبنطاله وتشبثه بكل دقائق السنة هو في الحقيقة أمر حسن جدا وهو المتناسب مع قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران: 102} والمتناسب مع ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله.... الحديث.
وأما تحوله إلى مخاصم ومجادل لأهله ولرفاقه وإخوانه وتحول حياته إلى مجادلة ساخنة يومية فإنه أمر يتنافى مع تعاليم الدين الحنيف، فقد روى أبو داود بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. أما أن يعتبر أن كل من ترك أي سنة قد ارتكب إثما ومعصية فهذا من الغلو في الدين. هذا إذا كنت تقصد بالسنن ما دون الواجب من المأمورات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1428(5/265)
أحسن ما يقال في تعليل الأحكام الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[إن من الواجب علينا.. " نحن معشر المسلمين " ... أن نبلغ ديننا إلى كافة الخلق بالحكمة والموعظة الحسنة.. وبما أنه يُسر لي بالسفر إلى الخارج كان لزاماً علي أن أبين لزملائي هذه الإشكالات وبشكل عام عندما وجدت أن الأشخاص غير المسلمين تشكل عليهم بعض المسائل في الدين الإسلامي..لهذا السبب قررت أن أستعين بكم بعد استعانتي بربي - عز وجل -.. في إخباري بالحكمة التي تنص عليها الشريعة الإسلامية في الأمور التاليه: 1- لماذا نحن لا نأكل لحم الخنزير ولا نشرب الخمر؟؟ 2- الزواج لدينا من أربع؟؟ 3 - الحجاب؟؟ 4- الاعتراض على قيام علاقه بين " شاب وشاب " أو " فتاة وفتاة "؟
جزاكم الله خيرا ... وجعلها في موازين حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجزيك خيراعلى حرصك على القيام بالدعوة إلى الله، وهذا شأن المؤمن، ونسأله سبحانه أن يعلي همتك وأن يوفقك في سبيل دعوتك.
وينبغي التنبه أولا إلى أن أهم ما ينبغي أن يركز عليه في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام هو أمر الإيمان، ولفت الأنظار إلى عظم خلق الرحمن، وهذا هو منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، وراجع الفتوى رقم: 18815، والفتوى رقم: 70657، وأما الاقتناع بالتنبيه على علل الأحكام فلا بأس به، ولكن ينبغي أن يعلم أولا أن الإيمان والتعبد لله تعالى مبناهما على الانقياد والتسليم، كما ينبغي أن يعلم أنه ليس كل حكم معللا، وما يستنبط أحيانا من العلل قد يكون فيه نوع من القصور يجعله عرضة للأخذ والرد، لذلك لا ينبغي أن يتعرض لخوض غمار هذا الباب إلا الراسخون في العلم لأن من لم يكن من هؤلاء ربما يعجز في الحوار عن رد بعض الشبهات، فينسب عجزه هذا إلى الشرع وأحكامه، بل قد ينجر إلى الوقوع في شيء من الشك فيزيغ ويهلك، فأولى ما يقال في تعليل الأحكام الشرعية أن هذا ما قضى به الشرع، روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. فنبهتها إلى أن هذا حكم الشرع.
وننبه بهذه المناسبة إلى بعض الوسائل التي يحتاج إليها من يتصدى للدعوة إلى الله وقد ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 29347، وقد سبق بيان حكمة تحريم لحم الخنزير في الفتوى رقم: 26912، وحكمة تحريم الخمر في الفتويين: 8001، 14736، وحكمة تعدد الزوجات في الفتوى رقم: 13276، وحكمة تحريم الشذوذ الجنسي في الفتوى رقم: 65173، ونرجو أن تراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 15784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(5/266)
تأليف الكفار وضعاف الإيمان وترغيبهم بالمال
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم المسيح الإله الحي - امين
أقام الإسلام والمسلمون الدنيا ولم يقعدوها على تصريحات البابا حين قال إن الإسلام كان جاء بالسيف وهذا ما اكتشفته صحيحا لا بل أيضا بالإضافة إلى ذلك فقد كان محمد يبيع الإسلام بالأموال إن لم يستطع بالقهر والسيف وهذا ما سوف تندهش به عندما تقرأ سورة التوبة- الآية رقم 60 وفي موقعكم وفي تفسير القرطبي الذي يظهر في تفسيره الكثير من فظائع محمد حيث جاء في معرض تفسيره للمؤلفة قلوبهم الآتي المؤلفة من أسلم من يهودي أو نصراني وإن كان غنياً. وقال بعض المتأخرين: اختلف في صفتهم، فقيل: هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على الإسلام، وكانوا لا يسلمون بالقهر والسيف، ولكن يسلمون بالعطاء والإحسان. وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم تستيقن قلوبهم، فيعطون ليتمكن الإسلام في صدورهم. وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع يعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام. قال: وهذه الأقوال متقاربة، والقصد بجميعها الإعطاء لمن لا يتمكن إسلامه حقيقة إلا بالعطاء، أهذا هو الإسلام دين يشترى بأموال أو يتبع بالسيف، الله أعطى الإنسان العقل ليفكر وما على الرسل إلا التنبيه وإتمام الرسالة (إنكم يا معشر المسلمين تفسرون على ما يبدو حتى تحسنوا الصورة غير الحقيقية عن محمد) .وأعطى عباس بن مرداس السلمي أباعر قليلة فسخطها. فقال في ذلك: كانت نهاباً تلافيتها بكري على المهر في الأجرع, الخ الكلام فقال محمد (اذهبوا فاقطعوا عني لسانه%%. فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قطع لسانه) في أي ورطة وضع محمد نفسه فيها
أرجو التوضيح رجاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية 60 من سورة التوبة هي قول الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
والذي قاله القرطبي عند تفسير المؤلفة قلوبهم هو ما يلي: الثانية عشرة: قوله تعالى: والمؤلفة قلوبهم، لا ذكر للمؤلفة قلوبهم في التنزيل في غير قسم الصدقات، وهم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يظهر الإسلام، يتألفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم. قال الزهري: المؤلفة من أسلم من يهودي أو نصراني وإن كان غنياً. وقال بعض المتأخرين: اختلف في صفتهم، فقيل: هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على الإسلام، وكانوا لا يسلمون بالقهر والسيف، ولكن يسلمون بالعطاء والإحسان. وقيل: هم قوم أسلموا في الظاهر ولم تستيقن قلوبهم، فيعطون ليتمكن الإسلام في صدورهم. وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع يعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام. قال: وهذه الأقوال متقاربة، والقصد بجميعها الإعطاء لمن لا يتمكن إسلامه حقيقة إلا بالعطاء، فكأنه ضرب من الجهاد ...
فأي عيب في هذا الكلام؟ وأين يمكن وجود هذه المعاني السامية في غير الإسلام؟!
ثم ما ذكرته من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى عباس بن مرداس السلمي أباعر قليلة فسخطها. فقال في ذلك: كانت نهابا تلافيتها بكري على المهر في الأجرع, الخ الكلام فقال (محمد -صلى الله عليه وسلم-) : (اذهبوا فاقطعوا عني لسانه. فأعطوه حتى رضي، فكان ذلك قطع لسانه) .
فهذا الخبر -كما ورد في كتب السيرة- هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان بن حرب مائة وأعطى صفوان بن أمية مائة وأعطى عيينة بن حصن مائة وأعطى الأقرع بن حابس مائة وأعطى علقمة بن علاثة مائة وأعطى مالك بن عوف مائة وأعطى العباس بن مرداس دون المائة ولم يبلغ به أولئك فأنشأ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع
فما كان حصن ولا حابس *يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما *ومن تخفض اليوم لا يرفع
إلى آخر شعره ... فأتم له رسول الله مائة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقطعوا عني لسانه (لسان عباس بن مرداس) فأعطاه مائة من الإبل، وقد عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أتقول فيَّ الشعر؟ فاعتذر وقال: بأبي أنت وأمي إني لأجد للشعر دبيبا على لساني كدبيب النمل ثم يقرصني كما يقرص النمل فلا أجد بدا من قول الشعر. فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: لاتدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين.
فقد أمر الشرع الحكيم بترغيب الكفار في الإسلام، ودعوتهم إليه ولو بالمال لتخليصهم من عذاب الله، وفرض لهم حقا في الزكاة تأليفا لقلوبهم. روى الترمذي عن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي ...
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطي ضعفاء النفوس ممن يعظم في قلبه حب الدنيا، ويحرم أعز الناس إليه، لعلمه بقوة إيمانهم وأن أمر الدنيا ليس هو غايتهم. روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن تغلب قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم مال فأعطى قوما ومنع آخرين فبلغه أنهم عتبوا، فقال: إني أعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، أعطي أقواما لما في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكِلُ أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب، فقال عمرو: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم.
فإن تكفر -أيها السائل- بسمو هذه الأخلاق ونبلها فقد وكل الله بها قوما ليسوا بها بكافرين.
ثم لنعد قليلا إلى قولك أنت: بسم المسيح الإله الحي، فكيف يلتئم هذا مع عقيدتكم بأن المسيح عليه الصلاة والسلام قد صلب ومات يوم كذا ودفن في القبر؟!
ثم كيف تتصور الألوهية في مخلوق أوجده الله من امرأة، وأوذي في سبيل إبلاغ رسالة ربه أذى شديدا؟!
فوالله لو عدنا إلى ما في عقيدتكم من التناقض لضاقت به الصحف.
وهنا لا يسعنا قبل إكمال هذا الجواب إلا أن ندعوك إلى توحيد الله والدخول في الإسلام، الدين الحق الذي لا يقبل الله سواه، ومن لقي الله على ملة غيره كان يوم القيامة من الخاسرين. قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ {آل عمران:85} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(5/267)
مسائل فقهية ودعوية متنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل أن أبدأ: أشهد الله أني أحبكم فيه وأشكركم على هذا الموقع.
أقيم بألمانيا في مدينة صغيرة فيها 3 مساجد لجماعات تركية وتكون خطب الجمعة باللغة التركية ما عدا الآيات والأحاديث فبالعربية. والآن لمحة عن كيفية الصلاة فيها:
- الإمام يصلي بمكان مرتفع قليلا عن المصلين
- بعد الفريضة ينتشر المصلون ليصلّوا الرواتب ثم تكون الأذكار بصفة جماعية: أحد المصلين يتكلم والآخرون سرّا.
- تكون الصلاة سريعة وغالبا لا أكمل قراءة الفاتحة ولا أتمكن من الدعاء لا في الركوع ولا في السّجود.
- ليس هناك عمل دعوي لغير الناطقين للغة التركيّة, سواء العرب أو غيرهم.
- يحتفلون بالأعياد المبتدعة, بدون منكرات, ولكن هذا الأمر في حد ذاته بدعة, صحيح أم لا؟
ما أردت أن أقوله هو أن هذه المساجد فيها مخالفات ووصفت ظاهرها.
1. هل تدخل هذه المسائل في البدعة وما حكم الصلاة في هذه المساجد؟
2. كيف أتعامل مع أصحاب هذه البدع أو رواد هذه المساجد بصفة عامة الذين لا ينكرون شيئا؟ هل أهجرهم؟ هل أصبر عليهم لعل الله يهديهم وأحاول نصحهم؟ المشكلة أن 80% منهم يعتقدون صحّتها والبقية يقول إذا خاطبته "بدعة حسنة" وينكرون عليّ أمورا واردة في السنة مثل كيفية الصلاة وعدم صلاة الرواتب البعدية في المسجد؟
تعرفت هنا على بعض الإخوة وهم أقل من 10, وأحسبهم يريدون الخير ولا أزكي على الله أحدا. لكن معظمنا غير متمكّن من مسائل الدين جيّدا. لكنّنا والحمد لله نريد تطبيق السّنة والدّعوة إليها ونجتهد ما استطعنا.
3. هل يجب علينا إقامة مسجد على السنة وعلى منهج أهل السنة والجماعة؟ أو هل يجوز هذا لأنه قد يترتب عليه التفرقة بين المسلمين, خاصة لأننا نريد في حالة وجود المسجد أن نصلي به الجمعات وتكون الخطبة بالعربية وبالألمانية حتى نستفيد؟
4. في حالة عدم مشروعية إقامة المسجد أو عدم نجاحنا, هل يجوز أن نلتقي مع الإخوة ويقوم أحدنا بقراءة بعض الأحاديث وترجمتها أو تدارس بعض الكتب الجيدة كشرح العقيدة الواسطية ومحاولة الدعوة على بصيرة وبالعودة إلى المراجع الموثوق بها مع العلم أن المجتهد منا قد يخطئ. أو نكتفي بتوزيع بعض الأقراص المحتوية على سمعيات ومرئيات لبعض الدعاة أو المشايخ؟
جزاكم الله كل خير ووفقم لما يرضاه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإجابة على سؤالك تقتضي التنبيه على عدة أمور:
1ـ ارتفاع مكان الإمام يسيرا عن مكان المأمومين جائز ولا حرج فيه، كما تقدم في الفتوى رقم: 75844.
2ـ من الأفضل أداءُ السنن الراتبة في البيت ومن أداها في المسجد فقد ترك الأفضل، وراجع الفتوى رقم: 71461.
3ـ الذكر الجماعي إذا كان محددا بوقت معين مع المداومة عليه فهو بدعة محدثة كما في الفتوى رقم: 8381.
4ـ قراءة الفاتحة ساقطة عن المأموم الذي ركع إمامه قبل تكميلها، وراجع الفتوى رقم: 33163، والفتوى رقم: 31636.
5ـ الدعاء في الركوع والسجود من الأمور المستحبة ولا تبطل الصلاة بتركه، وراجع الفتوى رقم: 60485، والأهم حصول الطمأنينة في الأركان.
6ـ الاحتفال بعيد المولد النبوي بدعة محدثة كما تقدم في الفتوى رقم: 1888.
ولا يجوز إحداث عيد غير عيدي الفطر والأضحى، وأولى بالمنع إن كان الاحتفال بعيد من أعياد الكفار. وراجع الفتوى رقم: 3324. وللمزيد راجع الفتوى رقم: 69981.
7ـ ما ذكرته ليس بمانع من الصلاة في تلك المساجد، وكيفية معاملة المبتدع قد سبق بيانها في الفتوى رقم: 19998، والفتوى رقم: 24369.
7ـ عبارة [بدعة حسنة] قد يستخدمها بعض الناس أحيانا ومعناها الشرعي قد سبق توضيحه في الفتوى رقم: 55923، والفتوى رقم: 55499.
8 ـ ما دام بناء مسجد جديد سيترتب عليه تفريق جماعة المسلمين فلا يشرع لكم حينئذ إنشاؤه، بل عليكم بذل الجهد في محاربة البدع مع نصح أصحابها بحكمة ورفق.
أما بناء مسجد آخر فإنه يفيت دعوة هؤلاء والاجتماع بهم وقد يساهم في تفرقة كلمة الجماعة هناك.
9ـ ضرورة التفقه في الدين ففي ذلك خير كثير، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 18607، والفتوى: 64133.
10ـ بذل الجهد في سبيل تفقيه المسلمين في أمور دينهم بأي وسيلة نافعة، ويمكنكم الجمع بين تدريس بعض الكتب النافعة في المسجد إذا وجدتم من لديه القدرة على ذلك، وبين توزيع بعض الأقراص التي تشتمل على محاضرات مفيدة لبعض الدعاة المشهورين بالرسوخ في العلم والاستقامة.
وإذا لم يكن فيكم من لديه القدرة على التدريس فليأخذ أحدكم كتابا مبسطا وليقرأه على الناس مع الحذر من أن يقول في دين الله تعالى ما ليس له به علم. وراجع الفتوى رقم: 8580، والفتوى رقم: 7583.
وفيما يخص خطبة الجمعة باللغة التركية فيمكنك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 12857.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1427(5/268)
كيفية دعوة غير المسلمين إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش بفرنسا وأتحدث مع كفار منهم من يتميز بآداب وصفات جميلة هي من أخلاق المسلمين فأرغب أحيانا في دعوتهم للإسلام. فهل يجوز لي ذلك مع العلم القليل الذي لدي؟ وبم أبدأ؟
أريد أن أحدثهم عن مبررات تحريم ما هو محرم في الإسلام فلا أجد أحيانا..كتحريم شرب القليل من الخمرة مع أنه غير مسكر وهم لا يستوعبون غير الحجج العقلية.. فأرجو أن تجيبوني على هذا وإن كان هناك مواقع للإعجاز العلمي خاصة باللغة الفرنسية فدلوني عليه. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل الكريم على اهتمامه بدينه وبدعوة الآخرين وحب الخير لهم.
وقد أمرنا الله أن ندعو إلى ديننا بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نجادل الكفار بالتي هي أحسن. قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125}
وخص أهل الكتاب فقال: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {العنكبوت:46}
قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل عمران:64}
وأما عن سؤالك ... فإن دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ودعوة المسلمين المنحرفين إلى الرجوع إلى الإسلام فرض على كل مسلم قادر رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وب محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
فقد قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108} فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم عليه أن يدعو إلى هذا الدين العظيم؛ ولكن ذلك يختلف باختلاف الناس ومؤهلاتهم ومواقعهم..
ومن أهم وسائل الدعوة: التحلي بأخلاق الإسلام الفاضلة، فلسان الحال أصدق من لسان المقال كما يقال.
وأما البداية فتكون ببيان أن دين الله واحد وهو دين الأنبياء جميعا بدءا بأبي البشرية آدم عليه السلام وانتهاء بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقد جاء الأنبياء جميعا بتوحيد الله تعالى.
وربما تدعو الحاجة إلى البداية بغير هذا، كبيان محاسن الشريعة الإسلامية وملاءمتها لفطرة الإنسان وتلبيتها لحاجاته البدنية والعقلية والروحية، فمن محاسن الشريعة أنها حرمت كل ما يضر ببدن الإنسان وعقله، ومن ذلك تحريم المسكر لضرره، وتحريم قليله الذي لا يسكر لأنه سبيل إلى تناول كثيره، ولا يمكن لكل الناس التحكم في الكمية، والتشريع يكون للجميع، إلى غير ذلك من الحكم المعلومة والمجهولة.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 20818، 10326، وما احيل عليه فيهما كما نرجو أن تراسل قسم اللغات بالشبكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1427(5/269)
المنتديات.. ومناقشة الجنسين لبعضهما لهدف دعوي
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أتمنى الإجابة على هذا السؤال وعدم إحالته إلى فتاوى أخرى، السؤال:
هل يجوز للفتاة التسجيل في المنتديات والرد على مشاركات الجنس الآخر ومناقشته (في حدود الاحترام والأخوة) ومناقشة أخويه ليس فيها أي نوع من أنواع الهبوط في الكلام؟؟؟؟؟؟ علما بأن هدف المشاركة هو سؤال أحد المختصين في مسائل معينة كالنسب مثلا، ومن خلال هذا التسجيل سيكون فيه هدف إسلامي أيضا كالمساهمة في كتابة المواضيع الإسلامية ونشر القصص للفائدة والموعظة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ (أرجو الرد ببيان الأسباب والتوضيح) وجزاك الله عني كل خير.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على المرأة في أن تشارك في منتدى طيب لأجل الدعوة إلى الله عز وجل ونشر الحق وهداية الخلق، مع ضبط ألفاظها في الكلام مع الرجال والبعد عن إقامة علاقة معهم، ونحو ذلك، والتأكد من أمن الفتنة، وإنما يكون همها وجهدها منصبا على الدعوة إلى الله عز وجل.
فهذه المنتديات تعتبر وسائل لإيصال كلمة الحق وإبلاغ الرأي والحجة، والوسائل لها أحكام المقاصد، فما كان منها يؤدي إلى الحرام فهو حرام يجب البعد عنه. وما كان لنصرة الدين وإعلاء الحق ودحض الباطل ولم يكن فيه مخالفات شرعية، فهو الصواب وحقه أن يتبع.
فإن كان الحديث فيها بين محرمين أو محارم، وفيما هو مشروع فلا مانع منه شرعاً ما لم يؤد إلى تضييع واجب.
وأما إن كان بين أجنبيين أو أجانب فيجوز منه ما كان لحاجة مع الالتزام بالضوابط الشرعية، وعدم الخضوع بالقول، والاقتصار على الحاجة.
وإن كانت المشاركة تؤدي إلى الخضوع بالقول الحرام أو المحادثات المريبة بين الرجال والنساء أو الرؤية لما لا تحل رؤيته، أو تثير شيئا من دواعي الفتنة، فإنها تكون بذلك حراماً، فقد روى الشيخان واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه.
وبهذا يعلم أن للوسائل حكم المقاصد؛ كما قال أهل العلم، فإن استعلمت في واجب كانت واجبة، وإن استعلمت في حرام كانت حراماً.
وبناء عليه.. فلا حرج -إن شاء الله- في مناقشة الرجل للمرأة، أو المرأة للرجل إذا كانت لأجل الدعوة إلى الله عز وجل والتعليم إذا روعيت الضوابط التي ذكرناها، ودليل الجواز الكتاب والسنة، وسيرة الصحابة الأئمة، فمن الكتاب، قصة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها التي جاءت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله عز وجل في شأنها قوله: قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {المجادلة:1} .
ومن السنة حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.... الحديث رواه البخاري ومسلم.
ومن واقع الصحابة.. ما رواه البخاري والنسائي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها، توفي عنها وهي حبلى، فخطبها أبو السنابل بن بعكك، فأبت أن تنكحه، فقال: والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الآجلين، فمكثت قريبا من عشر ليال، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انكحي.
ولا بد من استشعار مراقبة الله دائما والبعد عن إلانة المرأة في القول على وجه يوقع الفتنة بقلب الرجل، قال ابن العربي في قوله تعالى: إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ {الأحزاب:3} : أمرهن الله تعالى أن يكون قولهن جزلا، وكلامهن فصلا، ولا يكون على وجه يحدث في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين المطمع للسامع. انتهى من كتاب أحكام القرآن.
ولا بد من التأكد من عدم تلذذ أي من الطرفين بحوار الآخر، فإن ذلك يحرم على من فعله، قال ابن مفلح في الفروع: وليس صوت الأجنبية عورة على الأصح، ويحرم التلذذ به ولو بقراءة. اهـ
ولا بد من التأكد من أمن الفتنة، فإن خاف أحدهما على نفسه الفتنة حرم الاستماع والكلام لأن من مقاصد الشريعة سد الذرائع التي قد توصل إلى الحرام، وقد نص الفقهاء رحمهم الله على المنع من التكلم مع المرأة الشابة من غير حاجة وذلك خشية الفتنة، فقال العلامة الخادمي -رحمه الله- في كتابه (بريقة محمودية) وهو حنفي قال: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة لأنه مظنة الفتنة. وقال صاحب كشاف القناع من الحنابلة: وإن سلم الرجل عليها ـ أي على الشابة ـ لم ترده دفعا للمفسدة. ونص فقهاء الشافعية على حرمة ابتداء الشابة الرجل الأجنبي بالسلام، وكذا ردها عليه، وكرهوا ابتداء الرجل لها بالسلام، وعللوا التفريق بينها وبينه أن ردها عليه أو ابتداءها له مطمع له فيها.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 57794، 67309، 30911.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1427(5/270)
الكتب الدعوية المترجمة للإنجليزية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الكتب المترجمة إلى الإنجليزية التي أهديها وأدعو بها شخصا إلى اعتناق الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكتب في هذا المجال كثيرة، وبمراجعتك لصفحة القسم الانجليزي بموقعنا تجد كثيرا من المقالات والكتب الالكترونية المفيدة إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1427(5/271)
حوار الفتاة مع الشباب بغرض الدعوة والإصلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة ومتزوجة بينما أتصفح بعض مواقع النت خطر ببالي أن أفتح الشات ففتحته وقرأت ماي دور بين الشباب والصبايا من حوارات على الشات وللأسف الشديد وجدتهم يستعيرون لأنفسهم أسماء تخدش الحياء ويتحاورون بحديث مخل للأدب ومخالف لشرع الله فحزنت لذلك كثيرا فما يدور بينهم من حوار لا يدل على هويتنا الإسلامية مطلقا لذلك فكرت بأن يكون لي دورعلى الشات وهو أن أحاول أكون مجموعة من الشباب والصبايا لنحاول أن نغير مسار الحديث الذي يدور على الشات إلى ذكر الله مع أنني أعرف مدى صعوبة ما أصبو إليه وما يمكن أن أتعرض إليه من إهانة من بعض الموجودين على الشات سؤالي: هل يتعارض ما أريد أن أفعله مع شرع الله؟
حيث إنني سأضطر للحوار الكتابي مع الشباب إلى جانب البنات؟
وبارك الله فيكم وجزاكم عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن نية الدخول إلى غرف المحادثة (الشات) لغرض الإصلاح والدعوة إلى الله لا شك أن هذه نية صالحة وعمل طيب تشكر عليه الأخت السائلة ويرجى لها به الأجر من الله، ولكن حوار المرأة مع الشباب ولو كان بغرض الدعوة والإصلاح محفوف بالمخاطر، وقد يجر إلى ما لا تحمد عقباه، لا سيما إذا كانت المرأة متزوجة وعلم زوجها بذلك وقد لا يصدقها أنها دخلت بنية الدعوة، وعلى فرض أن الزوج راض بذلك فلا يؤمَن أن يعلق قلب أحد الشباب بها أو يعلق قلبها بأحد الشباب، والشيطان يتربص بالقلوب ليفسدها؛ ولذا فالأولى عدم دخول المرأة للشات ومحاورة الشباب بغرض الدعوة، وليقتصر دخولها ودعوتها في غرف المحادثة الخاصة بالنساء. وانظري للأهمية الفتوى رقم: 30911، حول نفس الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(5/272)
أساليب دعوة الملحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك زميل لي مسلم بشهادة الميلاد لا يعرف الله يقول إنه غير موجود ولا يؤمن بصلاة وصيام ودائما يقول لي لو هناك إسلام لماذا رب العزة سبحانه وتعالى يبرئ زوجة سيدنا علي من تهمة الزنا، أفيدوني جزاكم الله ماذا أفعل معه وماذا أرد عليه بخصوص تبرئة زوجة سيدنا علي وتأخر نزول الآية؟
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن منكر وجود الله تعالى يعتبر كافرا ولا يحق للمسلم أن يصحبه ولا أن تربطه به زمالة، بل عليه أن يحرص على هدايته ويحاوره بحكمة إن كان يستطيع إقناعه، فإن كان لا يستطيع مجادلته فعليه استعمال الوسائل المشروعة الأخرى، فيمكن أن يأتيه بصديق آخر يمكنه إقناعه، أو يعيره بعض الكتب النافعة، أو الأشرطة، أو يطلعه على بعض المواقع النافعة.
وأما عن زوجة علي فلا نعلم أن له زوجة اتهمت في عرضها، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 77566، 20995، 59146، 52614، 62549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(5/273)
البر بالكافر.. رؤية دعوية إنسانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في بلاد أوروبا ومعلمة ابنتي السابقة مسيحية تقربت مني وتسألني عن ديننا الإسلام كرمضان وأسماء الله الحسني.. إلخ أحاول أن أجيب على أسئلتها وهي جد فرحة بمعرفتنا خاصة وأن والدتها جد مريضة فهي تسأل عما ينتظرنا بعد الموت عندما أحضر حلويات العيد أو طعام العيد أهدي لها من هذه المأكولات وأشرح لها المناسبة تفرح كثيرا وتشتري بالمقابل أشياء لأولادي ما حكم الدين في هذه العلاقة وهل تجوزالصداقة مع الكافر وهل يجوز قبول هداياه، وكيف ندعو الكافر إلى دخول الإسلام، فكرت أن أهدي لها القرآن الكريم بلغتها، فما رأيكم؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيشرع البر بالكافر غير المحارب وقبول هديته والإهداء إليه، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا المشركين، وكان يتألفهم بالأعطيات العظيمة، وأذن لأسماء أن تصل أمها لما جاءت إليها بالمدينة، وقد أرسل عمر رضي الله عنه حلة لأخ له مشرك بمكة.
ويتعين عدم محبته بالقلب مع الحرص على مخالقته بأخلاق الإسلام والسعي في هدايته وجوابه عما يسأل عنه من أمور الإسلام، ففي الحديث: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.
ويتأكد الأمر في حق من مرض وخيف عليه الموت، فقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على هداية أبي طالب ودعاه للإسلام، فقال كما في حديث مسلم: يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله. وقد عاد صلى الله عليه وسلم شابا يهوديا كان يخدمه ودعاه إلى الإسلام وهو في مرض الموت فأسلم الشاب قبل الموت؛ كما في حديث البخاري.
ويمكن أن تهدي لهذه المرأة بعض الرسائل أو الأقراص التي تتحدث عن الإسلام، ويشرع إهداء ترجمة معاني القرآن الكريم لها، ولكن لا يعطى لها المصحف نفسه؛ إذ لا يمسه إلا المطهرون، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 64325، 68377، 7680، 59983، 50538، 19602، 25510.
وفي القسم الإنجليزي بالشبكة يوجد كثير من الأمور عن الإسلام يمكن أن تطلعيها عليه عندما تنقري على كلمة (welcometoislam) في الصفحة الرئيسية للقسم الإنجليزي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1427(5/274)
حكم حضور اجتماعات المبتدعة بغرض دعوتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة أعيش في فرنسا , جاء إلى بيتي امرأتان من جماعه (شهود يهوه) وبدأن يدعوانني إلى دينهن, استقبلتهن بترحاب وكل تفكيري منصب في هدايتهن إلى الإسلام, ومازلنا في حوار, ولكن لقد طلبن مني أن أحضر بعض اجتماعاتهم التي تقام هنا, فكرت في ذلك بغرض أن أستمر في دعوتي لهما, ولكني تخوفت من حضور هدا الاجتماع لأمر واحد وهو الذي أود أن أسألكم عليه. أنا والحمد لله محجبة وملتزمة, فذهابي إلى هذا الاجتماع ربما يجعل الحاضرين يحسون أن هناك مسلمين غير راضين عن دينهم, وهذه ربما تكون فتنة, في نفس الوقت ربما في هذه الاجتماعات قد يعينني الله لإنقاذ شخص قد يغير دينه وينضم إليهم. أنا واقعة في حيرة وأرجو مساعدتي سريعا لأن الاجتماع سيكون الأحد المقبل, شكرا جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على اتصالك بنا وعلى اهتمامك بهداية هاتين المرأتين وغيرهما ونسأل الله أن يعينك ويهدي بك.
ونفيدك أنه يتعين عليك أن تحرصي على سلامة دينك من تأثير هؤلاء عليك، فسلامة دينك أولى ما يتعين عليك الاهتمام به.
فتحفظي من مجالسة هؤلاء إن لم تكوني على علم كاف بعلم الشرع وبمعرفة ضلال هذه الفرقة الكافرة، وكنت واثقة من قدرتك على التأثير عليهن ورد شبهاتهن.
وأما حضور الاجتماع معهن فيتعين عليك البعد عنه لأن الجو الفاسد شديد التأثير على من يجلس فيه، وقد نهى الله تعالى عن مجالسة أهل الكفر عندما يتكلمون بكفرياتهم واستهزائهم بالدين، وعن مجالسة شاربي الخمر عندما يشربونها.
ولا شك أن اجتماع جماعة تدعو لدينها أخطر وأشد تأثيرا من هؤلاء.
وما تتمنين حصوله على يديك من هداية بعض الناس يمكن أن تتخذ له وسيلة أخرى غير حضور اجتماع هؤلاء.
فاتصلي ببعض المؤمنين وتعاوني معهم على الدعوة إلى الله واجعلهم وسيلة للاتصال بالناس حتى تبذلي ما أمكن من الوسائل في هدايتهم عبر الإنترنت أو الاتصال المباشر وعبر إعارة النشرات والأشرطة الإسلامية، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 74696، 58746، 66760، 68016، 72546، 62159، 54828، 71558.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1427(5/275)
هدي الأنبياء في علاج انحرافات الناس هو الأسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الإسلام، أنا بصراحة أريد أن أستشيركم في موضوع خاص، أنا لي صديق هو بمثابة أخ لي وبصراحة هو متفوق في الإنترنت فلهذا طلب مني أن أتعرف على ناس شواذ وأن أرسل له إيميلاتهم لكي يسرقها ويعرف بعض المعلومات عنهم من باب أنه وأنا نريد أن نلقنهم درسا وخصوصا هذه الظاهرة منتشرة في بلدي، فهل هذا صحيح، علما بأني أصلي وأعرف الله أرجوكم أفيدوني، هل هذا حرام، علما بأني والله أصلي وأصوم ولو أنني مؤخراً بدأت أرى بعض المواقع اللاأخلاقية، ولكني قررت أن أتوب توبة نصوحا، فهل نصحهم يكون أفضل من أن نضحك عليهم ونسرق إيميلاتهم؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحكم في السعي في هداية هؤلاء الشواذ، وأخلصوا لله تعالى في ذلك، وابذلوا فيه ما تيسر من الوسائل الشرعية، ولقنوهم دروساً في بيان الأحكام والنصوص الشرعية المبينة لحرمة ما يعملونه والتي ترهبهم وترقق قلوبهم، وتخوفهم من العواقب الوخيمة للمعاصي، فهذا هو هدي الأنبياء في علاج انحرافات الناس فلا علاج أنجح من ترهيب العاصي بنصوص الوحي.
وأما الضحك عليهم فليس وسيلة لتوبتهم ولا لانتباههم، وإنابتهم إلى الله تعالى، فلتبذل الوقت الذي تصرفه على الإنترنت في هذا الأمر في دعوة الناس والدعاء لهم. وعليك بالبعد عن تصفح المواقع الفاسدة ومجالسة أهلها، وتعوذ بالله مما أصاب أهلها، واشغل وقتك بتعلم العلم الشرعي وتعليمه ودعوة من تعرفت عليهم إلى الاستقامة والطاعة والبعد عن المعاصي. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50186، 76368، 59332، 22630.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1427(5/276)
سلوك طريقة الأنبياء خير سبيل في الإصلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لعلاج سلبيات المجتمع أن ننشر هذه السلبيات على الملأ ونناقشها أم نبدأ أولا بنشر القيم الحميدة فى المجتمع وإبراز محاسن الأخلاق فى الدين الإسلامي عوضا عن فتح ملفات فساد بعض الشباب والفتيات
فقد انتشرت في الآونة الأخيرة أفلام سينمائية تعرض واقع بعض شباب الأمة من فساد وتعاط للمخدرات ومصاحبه الفتيات ... ويتم تجسيد ذلك بإظهار الفتيات السيئات فى الشاشة بحجه أنهم متواجدون أصلا فى الواقع فلم لا نظهرهم؟ أنا شخصيا أعترض تماما على هذا لكني لا أملك السند والحجة والبرهان حتى أناقش هؤلاء القوم، حيثث يعتقدون أنهم يصلحون الأمة وأن هدفهم عرض الواقع المتدني لبعض شباب الأمة بحجة إصلاحه.. ولكنى أعتقد أنهم يفضحون حال بعض الشباب الغافل وفى نفس الوقت يسترزقون من عرض حاله على الشاشة فالغاية لا تبرر الوسيلة ... هذا لو على أساس أن هدفهم فعلا الإصلاح وليس جني الأموال من نشر الفضائح، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النور19
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ومن عيّر مؤمناً بشيء لا يموت حتى يركبه)
فكيف يتم علاج مشاكل أمتنا ونقاشها مع عدم فضح أنفسنا أمام باقي الأمم في ظل وسائل الإعلام المنتشرة في كل مكان وزمان؟
وكيف يتفق هذا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أول ما يتعين على من رأى الفساد في المجتمع وأراد الإصلاح ممن لا سلطة له ولا سلطان يساعده إذا رفع إليه أمر العصاة هو إنكار المعصية على فاعلها، وترهيبه بنصوص الوحي من فعلها، والتركيز على تقوية الإيمان وإصلاح القلوب وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار، والترغيب في ذكرالله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية. فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لاتزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا ... . وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. وقال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45} ، وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عزوجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن به، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عزوجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني. وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
ومن الوسائل المهمة في تحصين الشباب حضهم على الصوم والبدار بالزواج، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قا ل: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
وأما العلاج بعرض هذه السلبيات بالطريقة المذكورة فإنه لا يخلو من محاذير عدة منها: أنه ربما يسبب نشر هذه السلبيات تنبيه بعض مرضى القلوب لتلك المعاصي وسعيهم في العمل بها، ومنها: إظهار الفتيات الفاسدات مختلطات بالشباب وهو أمر لا يجوز نظره ولا عرضه كما نص عليه أهل العلم، وكما قدمناه في الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 1886 / 1791 / 7999 / 70735، فالواجب هو اعتماد طريقة الأنبياء في الإصلاح وهي التركيز على التوحيد والحض على العبادات والأخلاق، وإذا كان في مجتمعهم منكر شائع أنكروه على أممهم كما عمل لوط وشعيب عليهما الصلاة والسلام، حيث أنكرا اللواط والتطفيف لشيوعهما في المجتمع آنذاك.
وراجع في التمثيل الهادف الراعي للفضيلة والأخلاق والبعد عن الرذيلة، والسالم من محذورات نشر صور المتبرجات والاختلاط الفتاوى التالية أرقامها: 46733 / 3127 / 23422.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1427(5/277)
دعوة الفتيات المسلمات إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[عدة فتيات مسلمات ولكن لا يعرفن شيئا عن الدين, لا يصلين ولا يتحجبن ولكن يردن أن يتبن فكيف أبدأ معهن؟ هل أبدأ بالعقيدة أم أسعى إلى إقناعهن بالصلاة أولا؟
وكيف أتبع أسلوبا سهلا لكي لا ينفرن؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 41016 / 39722 / 7583 / 18815 / 26112 / 47422.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1427(5/278)
استفراغ الوسع في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ جزاكم الله عنا خيراً:
أنا شاب التزمت والحمد لله منذ 4 سنوات، وأنا أحاول الآن أن أدعو إلى الله ولكن عن السلوك بمعنى أني أحاول أن أظهر للناس أن الالتزام جعل منى إنسانا أخر وأن ديننا يدعو لحسن الخلق والرفق وترك سفاسف الأمور ولكنى نادراً ما أقول لهم (قال الله، قال رسوله) لا لشيء إلا لأنني أظن أن ذلك لن يجدي معهم لأنهم سينظرون إلى أنى أريد أن أكون شيخا، وسيقولون كما يقولون دائماً (كل من سمع كلمتين عايز يعمل شيخ) إلى غير ذلك من مما أعرفه جيداً من حالهم خاصة أني أركز في دعوتي على أهلي وأقاربي وأنا بالطبع أعرف الكثير عن طباعهم، وكذلك سينظرون لي على أنى حديث العهد بالالتزام وبالتالي كل ما أقول لهم شيئا فلن يصدقوني رغم أني والله لن أقول لهم إلا أقوال العلماء الموثوقين كالشيخ ابن باز والشيخ ابن العثيمين وغيرهم من علماء أهل السنة والجماعة، كذلك أجد نفسي في بعض الأحيان مضطرا للحديث معهم في بعض الأمور كالكلام في السياسة أو الكلام في كرة القدم من باب أنى أريد أن أعرفهم أنى متابع لما يدور حولي من الأحداث لأنهم يضعون للملتزمين صورة في أذهانهم أنهم لا يعرفون شيئا وأنهم يعيشون في دنيا غير الدنيا ولا يعرفون شيء إلا الذهاب للمسجد والمجيء منه حتى أمور الدين لا يعرفونها وأنهم متشددون ولا يعرفون حقيقة الدين وسماحة الدين إلى غير ذلك من التهم، فأنا لا أفعل ذلك إلا لمحاولة تغيير هذه النظرة للملتزمين، فهل أنا على صواب أم أن هذا من تلبيس الشيطان؟ وأنا أنوي بإذن الله أنى عندما يكون لي مكانة في قلوبهم أن أغير نظرتهم للالتزام والملتزمين، أبدأ بإذن الله في دعوتهم من خلال بيان كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام وبيان أحكام الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك على ما أعطاك الله من الالتزام والاهتمام بدعوة الناس إلى الله تعالى، فهذا هو واجب كل مسلم، فعلى المسلم أن يحرص على الاستقامة على الطاعة وان يدعو الناس إلى الله تعالى، وقد نوه الله تعالى بمن عمل ذلك ووعده الجزاء العظيم فقال: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) {فصلت:30- 33}
واعلم أن دعوة الحال مهمة جدا فدعوة المسلم باستقامته وأخلاقه لها دور عظيم ولكنها لا تغني عن دعوة الناس بالوحي المنزل من عند الله تعالى، وإنذارهم به فهو أعظم الوسائل لهداية الناس، فقد قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالوَحْيِ {الأنبياء:45} ، وقال: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ {الأنعام:19} ، وقال: وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي {سبأ:50} وقال: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا {الفرقان:52} فاحرص على القيام بالدعوة حسب المستطاع ولا تدع إلا بما علمت صحته، واحرص على اللطف والرفق واللين في أسلوبك ومعاملاتك للناس واستعذ بالله من كل ما يعوقك عن المواصلة واحرص على الاستزادة من العلم فهو رصيدك الذي تدعو به.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 31768، 60007، 18815، 17709.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1427(5/279)
استعمال الداعية وسيلة محرمة للوصول إلى غرضه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يستخدم الداعي إلى الإسلام شيئاً محرماً في دعوته (وكلنا دعاة) .
مثال: أن يربط بين الأناشيد الإسلامية (بدون موسيقى) ويضيف إليها الموسيقى لكي تكون أكثر استساغةً من أهل الضلال.
وشكرا..........ً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلمعرفة جواب هذا السؤال تراجع الفتوى رقم: 15169، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 20136، والفتوى رقم: 2351.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1427(5/280)
الدعوة إلى الإسلام في المهجر بالحال والمقال
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال 1- نحن طلبة في المهجر -فرنسا -ما هو واجبنا نحو غير المسلمين في التعريف بالإسلام؟ وكيف؟ وهل هو فرض علينا؟ مع العلم أننا لسنا أهل الدعوة , لكننا نحاول أحيانا عفويا بشرح تعاليم الإسلام الحنيف لكن دون جدوى , كيف نبلغ؟ وهل فرض علينا / سؤال 2- كيف نتعامل مع الجيران غير المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة للإسلام تتعين على جميع أتباع النبي صلى الله عليه وسلم القيام بها حسب استطاعتهم عملا بقوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} ولقوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النساء:125} ويتعين على الطلبة في المهجر أن يحرصوا على تعلم دينهم, والتمسك والاعتزاز به, والا ستقامة عليه, والتخلق بأخلاقه فدعوة الحال أبلغ وأشد تأثيرا من دعوة المقال, وعليهم أن يستخدموا ما تيسر من الوسائل, وأن لا يتكلفوا في الكلام بما لم يحيطوا به علما. وراجع للمزيد في الموضوع, وفي كيفية التعامل مع الجيران الكفار الفتاوي التالية أرقامها: 63969 / 19193 / 19164 / 29987 / 51667 / 29347 / 18815 / 62789 / 67887 / 19652 / 23135 / 25510 / 31768 / 52614.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1427(5/281)
ومضات في طريق الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل هناك في بلدة مجاورة من بلدتنا يوجد إمام يقوم بزيارة المساجد التي يوجه له أئمتها دعوات ويلقي بها محاضرات قيمة بما أنعم الله عليه من علم وهو متبع لمنهج السنة والجماعة يعمل على إحياء السنة وقمع البدعة وهذا بالإتيان بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال العلماء المشهود لهم بالعلم من سلف الأمة ومن المتأخرين كابن باز والألباني والعثيمين رحمة الله عليهم جميعا.أحيطكم علما أن هذا الإمام يرتدي قميصا ويطلق لحيته إلا أن هذا النوع من الأئمة والعلماء الذين يستند إلى أقوالهم منبوذ بنسبة كبيرة من طرف المجتمع الذي نعيش فيه وكذلك فئة لا بأس بها من الأئمة الذين هم يديرون المساجد بحجة أن فتاواهم متشددة وأنهم يعسرون على الناس وغيرها من الحجج.
وعندما طلبنا من أئمة المساجد أن يرخصوا لنا في إحضار هذا الإمام إلى مساجد بلدتنا لإقامة محاضرات يقولون لنا في كل مرة إ نهم في القريب سيوجهون له الدعوة بدون جدوى.
وهذا التهرب سببه هو عدم توجيه الأسئلة التي يزعمون أنها محل خلاف بين العلماء من إسبال وإعفاء للحية واختلاط وهذا لتبرير حججهم. كما أنهم يحتجون بضرورة إحضار الدكاترة وذوي الشهادات الذين يتكلمون فقط ولا يذكرون الدليل من الكتاب والسنة إلا نادرا.
وبذلك فهم يفرضون علينا ما يريدون والمجتمع يتخبط في براثن الشرك والبدع والاعتقادات الباطلة.
فماذا يعتبر تصرف هؤلاء الأئمة وهل من نصيحة توجهونها لنا ولهم؟
وهل أعتبر آثما عندما أحضر هاته الدروس لأنهم يعتمدون على العقل في معالجة الأمور والقضايا الفقهية بحجة أن وقتنا ليس كوقت النبي صلى الله عليه وسلم وليس كوقت الصحابة رضوان الله عليهم جميعا وأنها محل خلاف بين العلماء وأن في الاختلاف رحمة كما أنهم يحتجون بمقولة: لنتعاون في ما اتفقنا وليعذر بعضنا البعض في ما اختلفنا فيه وإذا أتيتهم بالدليل من السنة المطهرة قالوا بأنه حديث أحاد وغيرها من الحجج.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن يعلم أولا أن وحدة كلمة المسلمين واجتماعهم مطلب أساسي من مطالب الشرع، فالواجب السعي في تحصيله ما أمكن، وتراجع الفتوى رقم: 13411، هذا أولا.
وثانيا: لا يجوز أن يكون الاختلاف بين العلماء في مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف محلا للفرقة والبغضاء، فمن ذهب في هذه المسائل إلى ما أداه إليه اجتهاده ورأى أنه الأقرب إلى الصواب فهو مأجور على كل حال أخطأ أو أصاب، وهذا إذا كان أهلا لأن يجتهد ويبذل الوسع في طلب الحق، وتراجع الفتوى رقم: 26480.
ثالثا: أن الواجب تحري الحق واتباع الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاستنارة بفهم سلف الأمة الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ومن كان من العلماء على هذا النهج فالواجب نصرته ومعاونته على الخير، لا اعتراضه والوقوف في وجهه والحيلولة بينه وبين بيان الحق للناس.
رابعا: أنه ينبغي اتباع ما جاء به الشرع من الدعوة إلى الله تعالى بالرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة، فإحسان الأسلوب في الدعوة إلى الله مطلوب شرعا، فكم من داعية ضاع سعيه ولم يجن ثمرة دعوته بسبب الأسلوب الذي انتهجه في دعوته.
خامسا: أن كون الاختلاف بين العلماء رحمة بهذا الإطلاق محل نظر، وتراجع الفتوى رقم: 7158، والاحتجاج بهذا القول لتبرير تتبع رخص العلماء والتخير منها بالتشهي أمر لا يجوز، إذ العبرة بالدليل والأوفق للصواب، وتراجع الفتوى رقم: 4145، ومثل هذا العالم الذي ربما قدم العقل على النقل وأضل عوام المسلمين في أمور دينهم لا تجوز الاستعانة به في تبليغ العلم للناس.
سادسا: أن عبارة نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه تراجع فيها الفتوى رقم: 30268.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(5/282)
خدمة المرأة دينها ودعوتها إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أختكم محجبة وأقيم في بلد علماني يعارض بشدة المحجبات، مشكلتي تتمثل في كوني أعيش موقفا صعبا مع نفسي، لقد تحصلت على شهادة الماجستير في التصرف، وكان هدفي هو التدريس بالجامعة وإتمام شهادة الدكتوراه، لكن بعد أن تحجبت أصبح الأمر صعبا لأنه يتعلق بحجابي، فهل حقا أن طلب العلم غير الشرعي غير واجب على المرأة، مع العلم بأني أعتقد أنه بإمكاني خدمة ديني من موقعي كأستاذة بالجامعة، أرجو إفادتي في أقرب فرصة؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 18934، 18436، 15739، 18640، 47101، 54208، 67685، 70502، 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1427(5/283)
إشعاعات إيمانية تنير الدرب للسلوك في طريق الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[أثابكم الله وجزاكم ألف خير على جهودكم الطيبة في هذا الموقع والتي كان لها الأثر الكبير في هدايتي إلى الطريق الصائب والمستقيم بإذنه تعالى..
ولدت في عائلة تتبع مذهبا غير مذهب أهل السنة، ولم يكن والدي متشدداً جداً بهذا المذهب ولا حتى ملتزماً في أمور الدين الأخرى.. حيث إننا (أنا وأخواتي) لم نشجع يوماً على أداء فريضة الصلاة أو صيام شهر رمضان ولم نسمع أية نصيحة أو دعوة منه لارتداء الحجاب إلى غير ذلك، بل كانت لنا الحرية الكاملة في اختيار الكليات المختلطة ومن ثم الأمكنة التي نعمل فيها.. والدي (رحمه الله) رجل متعلم ومثقف ووالدتي امرأة أمية مما جعلها متشبثة بالعادات والطقوس التي كات يتبعها أهلها وأقاربها مثل السجود على (التربة) واعتبار زيارة مراقد أهل البيت فريضة لا تقل عن فريضة الحج.
اهتديت إلى الله سبحانه وتعالى في وقت متأخر من العمر في الثلاثين بعد أن أصبت بمرض نتيجة قيامي بمعصية وذنب كبير، حيث شفاني الغفور الرحيم من هذا المرض وقررت منذ تلك اللحظة أداء ما استطعت من فروض الله من صلاة وصوم وزكاة وصدقة والاستغفار والتوبة من الذنوب والاستعانة بكم في أبسط الأمور والالتزام بنصيحتكم رغم تعارضها أحياناً مع مصادر أخرى.
مشكلتي الآن هي أنني أواجه رفضا ومعارضة من قبل والدتي وأخواتي الثلاث (متعلمات وحاصلات على شهادات جامعية) حين أحاول أن أنهاهن عن بعض الأعمال التي بدأت أدرك أنها تغضب الله ورسوله، مثل السجود على التربة، والاستماع إلى الأذان المحرف الذي يتضمن الشهادة الثالثة، وعدم ارتداء الحجاب بالنسبة لأخواتي رغم تقدمهن بالعمر، والسفر لوحدهن إلى بلاد الأجانب والعيش لفترة طويلة بدون محرم (حيث إنهن غير متزوجات) بالإضافة إلى انتقاداتهن لي حين أشاهد القنوات الإسلامية أو قراءة والمواضيع الخاصة بأهل السنة والاستماع والالتزام بالفتاوي المقدمة فيها لدرجة أنني أصبحت شخصا غير مرغوب فيه، ومن جانبي أيضا بدأت أشعر بنوع من البغض تجاه أمي وأخواتي.. أرشدوني وانصحوني.. حيث إنني لا أريد أن أغضب الله بتركهن والعيش بعيداً عنهن ولا أستطيع إقناعهن باتباع الطريق الصحيح.. لقد أصبحت العلاقة بيننا غير طيبة قد تصل إلى الانقطاع.
أعتذر على إطالتي..وبارك الله فيكم وجزاكم ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، وعليك بالسعي في مواصلة هداية أسرتك عملا بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ... {التحريم: 6}
واحرصي على استخدام الوسائل المشروعة المتاحة لك مع الحرص على الحكمة واللين والرفق والبعد عن الصدام، إضافة إلى جلب خواطر الأسرة بما أمكن من الإهداء والإحسان والخدمة.
واعلمي أن الإحسان إلى الأم وبرها واجب مهما كان انحرافها؛ إلا إذ أمرت بمعصية فلا طاعة حينئذ، ويدل لهذا قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً ... فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً {لقمان: 14-15}
واحرصي على تقديم وجبة إيمانية لهن كل يوم تدارسينهن فيها من آيات وأحاديث الترغيب والترهيب والرقائق والتذكير بالموت وعذاب القبر وأهوال القيامة وعذاب العصاة ونعيم الطائعين مع التسلية بالنظر في قصص الأنبياء وسير السلف وتاريخهم، وحبذا لو أمكنك اقتناء بعض الوسائل الصغيرة والأشرطة المفيدة لبعض الكتاب أو الدعاة المؤثرين وتعيرينها لهن لكي يطلعن عليها على انفراد، ويمكن أن تقولي لهن إن هذا برنامج لتقوية المستوى في اللغة العربية حيث تأخذ الواحدة رسالة فتلخصها أو شريطا فتفرغه وبهذا إن شاء الله يحصل ما تريدينه من تفهمهن للمعاني التي يحتويها الشريط أو الرسالة، واستعيني في تحقيق ذلك بالدعاء باسم الله الأعظم، وبدعوة يونس، والدعاء في السجود وساعة الجمعة، وركزي في البداية على النقاط الأساسية مثل قضايا الإيمان بالله وبالقرآن وأنه سالم من التحريف، وأنه لا حكم إلا لله ولا إله غيره، والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبصحة ما نقل الصحب عنه وبتزكيتهم وفضلهم على من بعدهم، ولاسيما من صرح في القرآن بفضلهم كالمهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان، ومن هؤلاء أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وعائشة رضي الله عنهم فلا بد من حبهم والبعد عن الإساءة إليهم، والإيمان بالملائكة وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما أمرهم، ومن هؤلاء من ذكر في القرآن كجبريل وميكائيل، فجبريل زكاه القرآن ونوه بأمانته وأنه لا يتنزل إلا بأمر ربه، فالواجب اعتقاد ذلك والبعد عن اتهامه بالخطأ، والإيمان بالآخرة بما فيها من قرب الشمس يوم القيامة من الخلق، واستظلال أهل الإيمان بعرش الرحمن، وشرابهم من حوض النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يذاد عنه كل من انحرف عن المنهج الصحيح أو أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ولم ينزل به سلطانا، وحاولي أنت الاطلاع على ما كتب قديما في بيان الحق في هذه المسائل، فاطلعي على منهاج السنة للشيخ تقي الدين، وعلى الموسوعة الميسرة، وعلى مختصر التحفة لمحب الدين الخطيب وربما تجدينها على الإنترنت، ويمكن الدخول على بعض المواقع التي تهتم بهذه الأمور.
وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 70173، 34602، 70032، 68518، 47921، 30992، 16844، 32981، 64047، 59293.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1427(5/284)
خدمة الدين من خلال العلوم المالية والمصرفية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أخدم ديني من خلال العلوم المالية والمصرفية، مع العلم بأني قد تخرجت من الجامعة وحصلت على تقدير جيد أرجو الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علم المال والاقتصاد من العلوم المهمة في حياة الناس ومعاشهم، لأنه علم يتعلق بما فيه قوام الحياة وعصبها وهو المال، قال الله تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا {النساء:5} ، أي تقوم به حاجاتكم وحياتكم، فإذا كان المال تقوم به حياة الناس فإن العلم المتعلق به مهم وضروري.
وأما ما هي المجالات التي يمكنك من خلالها أن تنفع دينك بهذا العلم? فهذا عائد إلى إمكانياتك وظروفك فمن ذلك على سبيل المثال إيجاد نماذج لمشاريع تجارية استثمارية مشروعة وناجحه في محيطك مثلاً، دعوة الناس إلى الاقتصاد الإسلامي الخالي من الربا والقمار وبيان الفوارق بينه وبين الاقتصاد القائم على الربا والغرر، العمل والتعاون مع المصارف الإسلامية الملتزمة بالأحكام الشرعية ... وهكذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1427(5/285)
الدعوة إلى الله لها طرائق عديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله خيراً على ما تبذلونه من خير للمسلمين، فأنا من المحبين والمعجبين بموقعكم الذي ترتاح له النفس، والقلب، والعقل، سؤالي: هو أنا بلغت الأربعين من عمري، وأحس أن لدي علما شرعيا بفضل الله، بسبب حب الدين والقراءة، وأتقن قراءة القرآن والحمد لله، وقد كنت الأول في دورة أحكام التجويد المتقدمة على المشاركين، ولدي صوت جميل في قراءة القرآن والحمد لله، وأعيش منذ سنوات في حيرة شديدة، ولغاية هذه اللحظة لم أتمكن من الربط بين هذه الأمور الهامة، وهي: (الدعوة الى الله، ونشر العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين قوانين الوظيفة العامة التي تمنع طباعة شيء ونشره، حيث إني ماهر في طباعة الكمبيوتر، ولدي مواضيع من موقعكم أحتفظ بها لدي، كما أن لدي مواضيع هامة جدا تنفع المسلمين فقهية، ونفسية، وصحية، واجتماعية، وغيرها كثير، ولكن لدي خوف من أن أكون ممن يضيع أهله ونفسه ووظيفته، إذا قمت بطباعة وتوزيع هذه المواضيع على الناس، وأخشى أن أتعرض للمسائلة القانونية (علما بأني لا استخدم أوراق، ولا أحبار من مكان عملي إلا الموضوع، وأقوم بنسخه على دسك خاص بي، ثم أطبعه على نفقتي خارج مكان العمل) ، هل أنا إذا اقتصرت على الكلام مع الناس دون الطباعة وتوزيع المواضيع أكون آثما، كما قال عم لي أيضا عليك بخاصة نفسك وأهلك، وهل أنا تارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل أنا ممن يكتم العلم عن الناس، فأستحق عقاب الله، لا قدر الله تعالى، أفيدوني نفعني الله وإياكم وجميع المسلمين، ورزقني وجميع المسلمين العلم النافع، وحب الدين، وحب الله ورسوله، وحب الخير للمسلمين، والناس أجمعين.. آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على هذه الروح المسؤولة التي تحمل هم الدين والعمل له وإبلاغه لكافة الناس، ونسأل الله عز وجل أن يجعلك من الداعين إليه على بصيرة، قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ، وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108} ، هذا ولتعلم أن الدعوة إلى الله عز وجل تأخذ صوراً متعددة من خطبة وموعظة ومقالة وتأليف ونشر مطبوعات وكتب ومذكرات ونحو ذلك، فإذا كان لا يمكنك طباعة ما ينفع المسلمين لسبب ما فثمت صور أخرى للدعوة منها الحديث مع الناس عموماً والزملاء والأهل والأقربين خصوصاً.
وأما مسألة كتم العلم والإثم بذلك فهذا في العلم الذي يتعين وليس في مسألتك، جاء في عون المعبود في شرح حديث: من سئل عن علم فكتمه.... قال: وهذا في العلم الذي يتعين عليه فرضه كمن رأى كافراً يريد الإسلام يقول علموني الإسلام وما الدين وكيف أصلي وكمن جاء مستفتياً في حلال أو حرام.... وليس الأمر كذلك في نوافل العلم.
وإذا كان هذا في نوافل العلم الشرعي فكيف بالعلوم الأخرى غير الشرعية، جاء في شرح سنن ابن ماجه: هذا الوعيد مختص بكتمان علم الدين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1427(5/286)
أساليب ناجعة في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون الدعوة، فأنا طالب في جامعة مختلطة وأحزن عندما أجد أخواتنا وهن شبه عاريات إلى جوارنا، واسأل لأني لا أعمل إلا بوصايا أهل العلم لأنهم خلفاء الأنبياء وأكيد أنهم وانهن غافلون وغافلات أم أن الدعوة لا تكون إلا بالعلماء وأهل الدين لأني قرأت وسمعت عن فضلها فهل ندعو حسب علمنا ونشتري الأشرطة والديسكات ونوزعها عليهم في التوحيد وقضايا أخرى مثل الحجاب وصلاة الرجاء في المسجد؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30695، 69558، 29987، 7583، 5271، 19193.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(5/287)
مقهى الأطفال إذا جعل وسيلة للدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسال ما رأي الشرع، من حيث إقامة مقهى لألعاب الأطفال وممارسة النشاط الدعوي من خلاله؛ مع أن هذا صعب جداً، مع أنني قد فعلت ما أمرني به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو فعل الاستخارة، وقد رأيت في منامي لمدة ثلاث مرات، أنني في صلاة، إحداها في الحرم المكي، ولكنني أخاف من عدم القدرة على ذلك العمل، وأنني لست بأهل له بعد؟
أرشدوني وفقكم الله لكل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى فرض على كل مسلم حسب وسعه واستطاعته على الراجح من أقوال أهل العلم لقوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف: 108} فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تعالى، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ليبلغ الشاهد الغائب. رواه البخاري ومسلم.
وأما وسائل الدعوة وأساليبها فتختلف باختلاف الدعاة والمدعوين والزمان والمكان والحال، ولكنها على العموم يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وينبغي للداعية أن يتخذ من الوسائل ما يؤدي به رسالته.
فقد تكون هذه الوسيلة شريطا مسموعا أو مرئيا، وقد تكون كتابا أو رسالة ونحو ذلك، وبناء على ذلك فإذا كان المقهى الذي تريد إقامته للترفيه عن الأطفال منضبطا بالضوابط الشرعية فلا نرى مانعا منه، أما إذا كان غير منضبط بحدود الشرع فلا يجوز لك إقامته ولا العمل فيه، وفي حالة جواز إقامته ينبغي عليك استغلاله ما أمكن في سبيل الدعوة إلى الله تعالى بناء على أصل حكم الدعوة إلى الله على سائر المكلفين. وراجع للمزيد والفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55404، 31803، 30150، 7113، 3127.
وقد أحسنت حينما استخرت الله تعالى فيما أنت بصدد الإقدام عليه، فإن الاستخارة سنة قبل الشروع في الأمور، ولا يشترط لظهور ثمرة الاستخارة أن يرى المستخير رؤيا بل الرؤيا التي يراها المستخير حكمها حكم سائر الرؤى فيستأنس بها ولا يلزم العمل بمقتضاها لأنها ظنية في تأويلها إذ لا يقطع بتأويل رؤيا إلا إذا كان مؤولها النبي صلى الله عليه وسلم، وراجع في هذا الفتوى رقم: 64112،
وننبه السائل إلى أن الموقع لا يرد على تفسير الرؤى لانشغاله ببيان الأحكام الشرعية العملية، ولأن الرؤى تحتاج إلى استيضاح عن جوانب كثيرة لا يتسنى لنا معرفتها من خلال الأسئلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1427(5/288)
متابعة أمثال هذه البرامج بهدف الدعوة لا ينبغي
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي في الله: هل تعلمون بالبرنامج الذي تقدمه قناة (mbc4) هذا البرنامج مشهور جدا في أمريكا وفي كل العالم حتى العالم العربي، وكل المشاهدين يحبون مقدمته وينتظرونه بفارغ الصبر، المهم أن الأوبرا هذه على موقعها تعمل استفتاء يقول فيه كل شخص من هو البطل في نظره أو القدوة أو المثل الأعلى، وفي نظري أن هذه الفرصة ينبغي أن ننتهزها ونعرف من خلالها على حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وخاصة في العالم الغربي لأن البرنامج فعلا ضخم جدا. والمطلوب هو أن تدخلوا على الرابط وتكتبوا في الخانات كل ما يخطر ببالكم عن محمد صلى الله عليه وسلم وما يمثله لنا طبعا في حدود جملتين والرابط هو: ... ... ... ... ... *
في نهاية الصفحة اكتب ما يلزمك كتابته وهو المشار عنده بالنجمة:
اسمك الأول:
اسمك الأخير:
العمر:
البريد:
شارعك:
مدينتك:
دولتك:
رقم هاتفك:
هذا هو محتوى الرسالة الرجاء الرد في أسرع وقت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن متابعة برنامج تقدمه امرأة متبرجة وتتخلل فقراته الموسيقى المحرمة، محرم شرعا، ولا نرى أن متابعته بهدف الدعوة مما ينبغي بل يتعين الجد في الدعوة إلى الله باستخدام وسائل وارتياد أماكن لا يترتب عليها حصول معصية.
فلنعرف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونتحدث عن شمائله الشريفة وأخلاقه الكريمة ولنرد عنه عبر المواقع الألكترونية والصحف والقنوات الإعلامية الكثيرة، ونستغني بذلك عن ارتياد ومتابعة البرامج المشبوهة، وراجع الفتويين التاليتين: 21363 // 15169.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(5/289)
من ملامح الدعوة وصفات الداعية
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة مباركة لأهل العلم بوركتم وطاب ممشاكم.... إخواني الكرام أنني أعمل في مهنة الهندسة، وللأسف أغلب زملائي من النساء المتبرجات وهناك كثير من مظاهر الانحطاط الأخلاقي، فأنا كشاب مسلم لا أستطيع بصدق السير في الشركة وأنحائها للمناظر المخزية، مع العلم بأنني بحثت عن عمل آخر فلم أجد، فالحمد لله والمنة أن وفق الله الثلة المباركة في أرض فلسطين من الفوز الساحق والله إني أري في هذه الأثناء في وجوه العامة بشائر التأثر بأخلاق الإسلام ... يوجد في الشركة بعض الأخوات أيضا والحمد لله محجبات وبهم الخير، بالأمس لم نستطع التحدث مع الفئة الضالة عن الإسلام وذلك حتى لا ننحرم من وظائفنا، ولكن الآن ولله الحمد والمنة ترفع رايات الإسلام بلونه الأخضر ويستطيع الإنسان المسلم أن يقول بكل فخر أنا شاب مسلم أنا من أبناء المساجد فالله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلاً ... ونفكر الآن بأن نبدأ بحقل الدعوة لهذه الفئة أنا وبعض الأخوات فكل ما نريده منكم كأهل علم أن تدعموني من خلال علمكم كيفية الحديث بكلام الترغيب والترهيب وما هي حدود الله فيمن تلبس البنطال، وما هو حكم الله فيها وبمن تظهر شعرها وفيمن تلبس القصير وفيمن تظهر ابتساماتها للجميع، أريد تبيان لنا كيف دعوتهم، وتحبيبهم بالإسلام وفي نفس الوقت تخويفهم من عذاب الله، وما حكم الإسلام بمن يظهر مفاتنه لنشر الفتنة، أرجو الرد بأقصى سرعة؟ مع تكرار احترامي لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى لها طرقها وأساليبها التي يعرفها من درسها ومارسها، وقد صنف كثير من العلماء قديما وحديثاً كتبا في الدعوة إلى الله عز وجل، ولن تعدم الحصول على تلك المؤلفات بالسؤال عنها في المكتبات المتخصصة في بيع كتب الشريعة، ولمعرفة بعض الملامح العامة للدعوة إلى الله، فراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8580، 44541، 31803، 28335، 30150، 31768، 44032، 53349، 62938.
ولمعرفة حكم لبس البنطال للمرأة راجع في ذلك الفتوى رقم: 975، والفتوى رقم: 17387.
ولمعرفة شروط الحجاب الشرعي راجع الفتوى رقم: 9044، والفتوى رقم: 5224.
ولمعرفة ضوابط العمل في الأماكن المختلطة راجع الفتوى رقم: 8528، والفتوى رقم: 19233.
ومن خلال هذه الفتاوى يتبين لك حكم ما سألت عنه مفرداً أو ضمن الضوابط والشروط، وبصورة مجملة ينبغي أن يتحلى الداعية بالخلق الحسن والصبر على الأذى وتحمل هفوات الآخرين والتماس الأعذار للغير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1427(5/290)
الدعوة في العصر الحاضر
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو: الدعوة في العصر الحاضر عوائقها وطرق علاجها، وجزاكم الله خيراً، إذا استطعتم أن تزودوني بأكبر قدر من المعلومات عن هذا السؤال يكون أفضل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمقام الدعوة إلى الله مقام عظيم، قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} ، فهو سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه إلى يوم الدين، ومن سلك ذلك السبيل سيلقى ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ {البقرة:214} .
فالدعوة تاج ووسام شرف لا يناله إلا من بذل له وضحى في سبيله، والداعية اليوم تقف في وجهه عوائق كثيرة لا يمكن استقصاؤها في مقام الفتوى، ولكن من أهمها بعد الناس عند الدين وإعراضهم عن تعلمه وتكالب الأمم وتداعيها على هذه الأمة ترميها عن قوس واحدة حتى أصبح المسلم العادي قد يتوارى حياء من نظرة الناس إليه وسهامهم نحوه هذا مع كثرة الملهيات مما جادت به المدنية الحديثة، فأصبحت تلك الملهيات في كل مكان ببيتك وشارعك بل وحتى مسجدك الذي تصلي فيه، وقد تهافت الناس عليها تهافت الفراش في النار، وغالب البشر -إلا من رحم الله تعالى- أغواهم إبليس بتلك الملهيات وصدهم عن الحق.
والداعية في مواجهة مع إبليس وجنده يبني ما هدمه ويصلح ما أفسده، فيعالج تلك العوائق وغيرها بحكمة كالطبيب الماهر الذي يعطي لكل داء دواءه ويصف طرق استعماله كي يجدي لأن الزيادة منه قد تكون سما قاتلا والنقص منه قد يحبط مفعوله ويضعف أثره، ومما لا بد للداعية منه في مواجهة ما ذكرنا أن يستفيد من الوسائل الحديثة فهي سلاح ذو حدين تستخدم في الخير وتستعمل في الشر، وإن كان الغالب هو استخدامها في الأخير لإعراض كثير من الدعاة عن توظيفها في مجال الدعوة ووقوفهم منها موقفاً سلبياً، فعلى الداعية أن يستغل تلك المنحة الإلهية التي سخرها له ويسعى ليتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم على يديه: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل. أخرجه أحمد في المسند وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
والدعوة لا تؤتي ثمارها إلا إذا كان الداعية عارفاً بأحوال الناس خبيراً بما يدور في مجتمعه، لأن الدواء يُحدد بناءً على معرفة الداء. هذه بعض العوائق وتلك بعض الطرق لمعالجتها وللاستزادة راجع الفتوى رقم: 28171، والفتوى رقم: 18254.
وما أحيل إليه من فتاوى خلالهما، ونعتذر إليك عن إيفاء المسألة حقها لأنها تحتاج إلى بحث كامل، وهذا الموقع مشغول بالفتاوى الفقهية والنوازل التي تعرض للمسلم في دينه ودنياه، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه ويسدد على درب الخير خطانا، إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1426(5/291)
التعاون على نشر الخير والدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت إلى صديقة وتعاونا كثيرا فى أعمال الخير واشترك معنا أخوها يبلغ من العمر 18 سنة وهو بالغ وعلى درجة عالية من التدين وهو فى هذه المرحلة يساعدني فى تقويمي دينيا مع حدود الدين التى نعلمها، على الرغم من محاولتي أنا وأصدقائي من فعل هذا التقويم وحدنا، ولكننا لم نعرف الطريق، فهل هذا يخالف الشريعة، أرجو الإفادة؟ أشكركم على الموقع الجيد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أرشد الشرع إلى التعاون على نشر الخير والدعوة إلى الله تعالى، فإن ذلك من أعظم أسباب العون على الثبات على الحق وبث الخير والفضيلة في المجتمع، والأفضل في دعوة النساء أن يقوم بها مثلهن من النساء، ولكن إن وجدت حاجة لأن يقوم الرجل بدعوة النساء وتعليمهن فلا حرج إن شاء الله في ذلك إذا روعيت ضوابط الشرع، من التزام الحجاب وعدم الخلوة، وسدت الذرائع إلى الفتنة، وراجعي للمزيد من الفائدة في ذلك الفتوى رقم: 30695، والفتوى رقم: 65021، ونسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق والتوفيق للخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1426(5/292)
وسائل لإرشاد الواقع في المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من رجل له من الزوجة الأولى ولد وهذا الشاب عمره 30 سنة ولكن أخلاقه سيئة وهو يفعل المنكر من شرب وزنا وأكل المال الحرام وكذب فسؤالي هو: ما حكم أنه يعيش معي في نفس البيت مع العلم أنه لا يسيء الأدب معي ويحترمني وما هي الطريقه التي يمكن أن أتبعها لكي أساعده في التقرب إلى الله لأني أشفق عليه وعلى والده لأنه محاسب عنه في الآخره لأني أنا والحمد لله ملتزمة في ديني؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في سكن ابن الزوج مع زوجة أبيه في بيت واحد، فهو محرم لها، قال تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... إلى قوله تعالى: أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ {النور: 31} الآية
غير أن من يرتكب هذه المحرمات الأفضل اجتنابه، لأنه لا يؤمَن شره، وأما الطريقة التي يمكنك اتباعها لدعوته إلى الله، فوسائل الدعوة كثيرة ومتنوعة، وما يصلح مع أحد قد لا يصلح مع غيره والعكس، ولكن نرشدك إلى بعض الأمور العامة:
أولها: الإخلاص في دعوته، وسؤال الله له في ظهر الغيب بالهداية.
ثانياً: النصح الصادق، بالكلمة الطيبة، والقول اللين.
ثالثاً: إهداءه أشرطة وكتبا، والطلب منه سماعها وقراءتها، مع إحسان اختيار هذه الأشرطة والكتب، بحسب ما تعرفين من شخصيته، وماذا يمكن أن يؤثر فيه من تلك الأشرطة والكتب.
رابعاً: الاستعانة بمن يؤثر فيه للقيام بنصحه.
خامساً: إذا لم يكن قد تزوج فتعينونه على الزواج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.
هذه بعض الوسائل، يمكنك العمل بها وبغيرها، ولتصبري على صدوده وإعراضه، وتذكري قول النبي صلى الله عليه وسلم: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1426(5/293)
لا بأس بإرسال رسائل دعوية عن طريق الإيميل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جمع إيميلات في قائمة واحدة بريدية لإرسال رسائل دعوية لهم دون إذنهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعوة إلى الله تعالى من أجلِّ العبادة وأفضلها. قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] . وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. رواه مسلم.
والدعوة إلى الله لا يحتاج فيها إلى الإذن، وإنما يفعلها المرء متى وجد إليها سبيلا.
وعليه، فلا مانع من جمع إيميلات في قائمة واحدة بريدية لإرسال رسائل دعوية إلى أصحابها دون إذنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1426(5/294)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[منهج الرسول في تبليغ الدعوة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمنهج الرسول صلى الله عليه، في الدعوة الإسلامية منهج متكامل في الحكمة والرفق والقدوة الحسنة، وقد أرشده القرآن إلى أساليب الدعوة بقوله: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} ، وقوله تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ {آل عمران:159} .
فكان صلى الله عليه وسلم يستعمل في بعض الحالات أسلوباً من الرفق لا يجارى، من ذلك حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فلما زجره بعض الصحابة بشدة قال صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه. أي لا تقطعوا عليه بوله. وقال: اتركوه! حتى إذا انتهى من بوله دعاه فقال له: إن هذه المساجد إنما بنيت للصلاة والذكر، ولا تصلح لشيء من القذر والبول. أخرجه البخاري.
ومن ذلك حديث الشاب الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يبيح له الزنا، فدعاه صلى الله عليه وسلم فجعل يسأله: أتحب الزنا لأمك؟ فيقول: لا والله، جعلني الله فداك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟ فيقول: لا والله، جعلني الله فداك، فيقول صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لبناتهم..... الحديث رواه أحمد.
ومن أساليبه الدعوية الحكيمة بسط وجهه للناس، وكان يأمر بذلك أصحابه، يقول في حديثه الشريف: لا تحقرن شيئاً من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف. رواه أبو داود والترمذي.
ومن أساليبه التدرج بالبدء بالأهم ثم المهم وهكذا، ففي صحيح البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن وقال له: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة إلا إله إلا الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة.... الحديث.
ولسنا قادرين على حصر أساليب دعوته صلى الله عليه وسلم. وننصح الأخ الكريم بالرجوع إلى كتاب الدعوة إلى الله للدكتور أبي الفتح البيانوني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(5/295)
البديل المشروع عن جلسات الغيبة والنميمة والأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أذهب إلى جدتي وهي لا تستطيع المشي من السن ومن السمنة فأنا أقعد معها أحيانا أسليها من الوحدة ولكنها لا تنفك تغتاب وتنم وحتى تقذف وأنا لا أقول هذا غيبة، ولكنها لأجل المصلحة الشرعية فأحيانا أنكر وأحيانا لا أستطيع فهي تفعل ذلك كثيرا فماذا أفعل، وأيضا أحيانا تطلب مني أن أحضر لها المسجل لتفتح القنوات التي على الراديو وفيها بعض الأغاني فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من البر بالوالدة منعها من الوقوع في المعاصي برفق والسعي في هدايتها واشتغالها بالأعمال الصالحة لعل الله يختم لها بالحسنى.
وبناء عليه فإنا نقترح عليك إذا جئت لتسليتها أن لا تتركي لها الفرصة لتتكلم في الناس، بل اشغلي وقت جلوسك معها بالحديث عن سير نساء السلف وعن التائبات من النساء، وقصصهن موجودة في كتب العائدون إلى الله، ويستحسن كذلك أن تأخذي وقتا غير طويل تسمعينها فيه أحاديث ترغب في ذكر الله تعالى وتلاوة وسماع القرآن وسماع الدروس العلمية وتبين حرمة الغيبة والقذف وغير ذلك، وتشوق إلى الجنة وتبين ما يفضي إليها، وأحضري كذلك أشرطة مفيدة شيقة الأسلوب لتسمعها بدلاً من فتح الراديو على الأغاني، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 21557، والفتوى رقم: 41016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1426(5/296)
الولاء والبراء لا يستلزم ترك المخالطة
[السُّؤَالُ]
ـ[قد تشرفت منذ الصغر بأن كنت من الذين يدعون إلى اتباع منهج السلف الصالح علما وعملا على قدر المستطاع ولا يخفى على من يسلك هذا الدرب ما به من صعاب لأنه يقوم قبل كل شيء على العلم قبل القول والعمل فلا مجال لاتباع الأهواء مهما زينها أصحابها للناس \"ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله\" الآية.
من الناحية العلمية حصلت الكثير من الضروري للمسلم في دينه فلا أقبل قولا بلا دليل، لكن من خلال ملاحظتي لما يقع تبين لي أن الكثير من الشباب وأكثرهم من الفقراء, أتباع الرسل يلجؤون إلى الابتعاد عن المجتمع فلا يخالطون الناس فينشأ عن ذلك قطيعة وكل يتكلم بلغة بتوجيه من بعض الدعاة تطبيقا منهم لمبدأ الولاء والبراء فيزهدون في الدخول إلى الجامعات مثلا، لكن حينما يصير هذا الشاب مسؤولا عن أسرته يضطر إلى التنازل عن كثير من الأمور في النهاية يتآكل فلا يبقى منه إلا الصورة: قميص قصير ولحية طويلة يشذبها كل يوم، في أغلب الأحيان حتى الصورة تذهب ولا حول ولا قوة إلا بالله، السؤال الذى أطرحه هو: هل ينبغي للداعية أن لا يدعو لشيء حتى ينظر الى مآله, فمن خلال ما رأيت فإن الكثيرين منهم لا يلتفت إلى هذا الأمر فيخرجون شبابا موسميا يلتزمون حينا ثم ينبذون كل شيء في النهاية، زعم بعض الدعاة أن هناك قاعدة فقهية مفادها \"أن تقرير الحكم غير تطبيق الحكم\" ما صحة هذه القاعدة أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك على ما أنعم الله به عليك من الاهتمام بالدعوة لاتباع منهج السلف انطلاقاً من العلم الشرعي بعيداً عن الأهواء، فإن القيام بذلك من آكد الواجبات الشرعية، ويتعين على الداعي أن يعمل بما يدعو إليه حتى لا يكون ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فقد عاب الله ذلك على اليهود فقال: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {البقرة:44} ، وقد أخبرنا عن نبيه شعيب صلى الله عليه وسلم أنه قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ {هود:88} .
ولكن وجوب عمل الداعي بما يدعو إليه لا يسقط وجوب الدعوة حينما تعتري العبد فترات ضعف يكسل فيها عن القيام بالأمر؛ لأن كلا من العمل بما علم العبد ودعوته إليه واجب مستقل بذاته، ولا يسوغ أن يترك أحدهما بسبب عجزه عن الآخر، فإن ذلك مدخل من مداخل الشيطان يكسل فيها الناس عن الدعوة بعد ما كسلهم عن العمل.
وأما ابتعاد بعض الدعاة عن المجتمع فهو خلاف الأولى، فالداعية لا بد له من مخالطة الناس حتى يعرف أمورهم ويتناصح معهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فهذا هو هدي خيرة الخلق من الأنبياء والخلفاء الراشدين، كما ذكره النووي في رياض الصالحين.
وأما الابتعاد والعزلة فهو منهج الرهبان الذين كانوا يتفرغون للعبادات القاصرة ويترك أحدهم المجتمع، وهذه الأمة قد شرع لها اتباع منهج الأنبياء والصحابة، ومن أولويات هذا المنهج دعوة الفساق والمبتدعة والظلمة والمنافقين والكفار.
وليعلم أن الولاء والبراء لا يستلزم ترك المخالطة، بل على المسلم أن يعمل كما عمل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقد تبرأ من قومه، ولكنه لم يقصر في دعوتهم ولم يترك السعي في هدايتهم.
هذا.. وليعلم أن الالتزام بطاعة الله تعالى هو السبيل الأمثل لتحقيق ما يطمح إليه العباد من رزق حسن وحياة طيبة وفتح أبواب البركات وفلاح الدنيا والآخرة، فلا يسوغ أن يقصر العبد في الطاعات بسبب اشتغاله في وظيفة أو مؤسسة، فإن تقوى الله وطاعته سبب لرزقه، وعصيان الله سبب لحرمانه، لقول الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} ، ولما في الحديث: إ ن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد.
وبناء عليه فيتعين على الداعي أن يدعو إلى الله ولا ينشغل بما يؤول إليه أمره لو توظف، بل يستعين بالله في تحصيل الاستقامة على الطاعة وفي تحصيل الرزق، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8580، 28171، 53349، 47332، 47005، 31768، 33697.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1426(5/297)
كيفية دعوة الكافر للدخول في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أردت أن أقنع كافرا بأن يدخل الإسلام, من أين أبدأ، وما هي أهم الأشياء التي يجب علي أن أشرحها له أولا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان كيفية دعوة غير المسلمين إلى الإسلام فانظرها في الفتوى رقم: 28335.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1426(5/298)
لا بأس بتأليف قلب الكافرة على الإسلام بوعدها بالزواج بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم وأعمل في كوريا وأنتم تعلمون أن الذي يريد أن يدخل الإسلام في الدول الأجنبية قليل جدا ومعي في العمل امرأة من تايلاند هي كبيرة عني في السن فأنا هنا في كوريا عندي أوراق وأنا أغريتها بأنها إذا أسلمت تزوجتها وأنشأت لها أوراقا مثلي، فهل هذا يجوز أم لا؟ وهل إن أسلمت من أجل الأوراق أو زواجي لها يكون إسلامها مقبولا؟ وهل لي أن أتكلم معها في هذا أم لا؟
وجزاكم الله خيراً عنا وعن جميع المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلام مع الأجنبية إذا كان لغرض شرعي فلا حرج فيه، ولكنه يجب أن يظل في حدود الشرع، فلا تجوز معه الخلوة ولا الخضوع بالقول، ولا أي شيء يثير الفتنة.
ولا بأس بوعد هذه المرأة، وتأليف قلبها على الإسلام، بوعدها بالزواج بها، وإكسابها أوراق البلد المقيم فيه ونحو ذلك، وهذا من التأليف على الإسلام، وهو جائز، بل مندوب إليه، وتؤجر عليه إن شاء الله، لكن بشرط الوفاء معها في وعدك لها.
وإذا شهدت بشهادة الإسلام ودخلت في دين الله، فيجوز لك الزواج بها، حتى لو كان الدافع لها ما ذكرت، وأما عن قبول إسلامها أو عدمه فهذا أمر بينها وبين الله تعالى، لا يعلمه أحد سواه، فليس لنا إلا الظاهر، وأما السرائر فإلى الله، وأحكام الدين مبنية على الظواهر، فيجوز الزواج بها، وحكمها حكم المسلمين لها ما لهم وعليها ما عليهم، ما لم تأت بناقض من نواقض الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(5/299)
السعي في هداية الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لدينا عامل ميكانيكي بوذي سيرلنكي أراد كتبا للتعريف بالإسلام فذهبت به إلى مكتب توعية الجاليات فأعطوه الكتب وأنا أتيت له بكتب أيضا والآن يريد ترجمة للقرآن الكريم بحثت عنها في كل مكان بالشرقية ولم أجدها وقال لي أحدهم إنها نادرة
وهذا العامل جاد في تعرفه على الإسلام فحدثته عن الإسلام فقال: أنا أعرف أنك تريد تعليمي عن دينك ولكن لا أفهم العربية كثيرا وهو يريد كتابا عن نظرة الإسلام للكون وهذا الخلق ويريد ترجمة للقران الكريم بلغته (أسيالي)
إذا كانت لديكم مثل هذه الكتب وما يفيد أرجوكم أخبروني وماذا أعمل؟؟
أرجوكم أجيبوا على سؤالي مباشرة دون إحالتي إلى إجابة سؤال آخر وإذا عندكم كتب أرسلوها إلي، هذا رقم صندوق بريد أحد أصدقائي أرسلوها (35492) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على اتصالك بنا ونهنئك بما من الله به عليك من السعي في هداية الناس، فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم، كما في حديث البخاري.
وننصحك بمراجعة بعض أقسام توعية الجاليات بالمملكة لعل عندهم بعض ما يفيدك في هذا المجال، وإن كان هذا الرجل يفهم الإنجليزية فيمكن توفير الكتب المكتوبة بالإنجليزية، كما يمكن الدخول على الصحفة الإنجليزية بموقعنا وستجد فيها ما يسعك بإذن الله.
وننصحك بإكثار الدعاء لهذا الرجل والحرص على إقناعه بالدخول في الإسلام ثم تلقنه الشهادة وتفسر له معناها وتعلمه الطهارة والصلاة عمليا وتحرضه على الصلاة في الجماعة ثم تعلمه مختصر أحكام الصوم إذا جاء رمضان وأحكام الحج والعمرة عند الحاجة لذلك.
هذا، ويمكنك التواصل مع الجهات التالية للحصول على نسخة من ترجمة معاني القرآن للغة السنهالية أو التاميلية وللحصول على كتب للتعريف بالإسلام باللغة السنهالية:
لجنة التعريف بالإسلام: http://www.ipc-kw.com/arabic/talab.php.
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف:
http://www.qurancomplex.org/arab
هاتف مركز قطر للتعريف بالإسلام: 009744864966
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(5/300)
دعوة القريبات اللاتي لايلبسن الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع أن أهدي بنات عمي مع العلم أنهن وصلن سن الـ18 وهن لا يلبسن الجلباب ومع العلم أنهن أمريكيات ويحتجن طريقة خصوصية للتكلم معهن؟ أرجوكم ساعدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على حرصك على دعوة بنات عمك للاستقامة على أمر الله والتمسك بدينه، واعلم أنهن بحاجة إلى إيقاظ إيمانهن المخدر حتى يستجبن للأوامر الشرعية بالحجاب وغيره، ومن أفضل الوسائل للتأثير فيهن استماع الأشرطة الإسلامية، مثل أشرطة الشيخ علي بن عبد الخالق القرني، ومنها: أختاه هل تريدين السعادة؟، والجنة ونعيمها، وبادر قبل أن تبادر، وأي الغادين أنت؟، وعلى الطريق.
وكذلك أشرطة الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، ومنها: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، والحياة الطيبة، والاستقامة، ومن سير الصالحات.
وكذلك جميع أشرطة الشيخ خالد بن محمد الراشد، وهذه الأشرطة يمكنك تنزيلها وحفظها من موقع طريق الإسلام: www.islamway.com
هذا، وإن الأولى أن يقوم النساء بدعوة أمثالهن من النساء، وأن لا ينشغل بذلك الرجال إلا إذا دعت الحاجة لذلك، فحينئذ لا مانع أن يتصدى بعض الدعاة من الرجال لدعوة النساء لكن بدون خلوة أو إطلاق للبصر أو توسع في الكلام فوق قدر الحاجة أو نحو ذلك من المحظورات الشرعية.
وإذا وجدت في نفسك ريبة وفي إيمانك ضعفاً فاحذر تلبيس إبليس، فإنه يفتح على ابن آدم بعض أبواب الخير ليوقعه في باب شر!! وإن النساء من أهم أسلحة عدو الله في غواية المؤمنين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. متفق عليه.
فانج بنفسك، فإن السلامة لا يعدلها شيء، وانظر لزاما الفتويين التاليتين: 30695، 30995.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(5/301)
الدعوة عبر الإنترنت للنساء نصائح ومحاذير
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أحاول أن أقوم بالدعوة إلى الإسلام عن طريق مجموعات الياهو، وبطبيعة الحال أقابل بالهجوم الشديد وأحيانا بالشتائم والسباب، ولكن المهم في ذلك هو أن أحد الذين أرسل إليهم قال لي إنني أسيء إلى الإسلام بدلا من أن أدعو إليه لأنني لا أحترم خصوصية المجموعات البريدية والتي عادة ما تكون مهتمة بأمر معين بعيدا عن الديانات مثل الأفلام مثلا أو الأمراض أو ما أشبه ذلك
فما رأيكم في هذا الزعم؟
وبماذا تنصحوني هل أتوقف عن إرسال الرسائل المعرفة بالإسلام والمهاجمة للنصرانية للمجموعات التي لا تناقش الديانات أم أستمر في ذلك عسى أن يكون هناك من يصغي
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن بينا ضوابط جواز دعوة المرأة للرجال عبر الإنترنت في فتاوى عديدة، فراجعي مثلا الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46178، 1759، 30911.
وننصحك بعدم دخول غرف المحادثة الخاصة بل شاركي في مواقع الحوار العامة، لأن دخول المرأة في مناقشات مباشرة مع رجل قد يؤدي إلى فتنتها أو فتنة غيرها بها، أضف إلى ذلك أن نفع غرف المحادثة الخاصة نفع قاصر على شخص واحد بينما الدعوة عبر غرف المجموعات وخاصة ذات العدد الكبير يحقق نفعا عاما، بل إننا ننصحك بعدم الدخول في الحوارات والنقاشات بصفة عامة، واكتفي بإرسال ما عندك من مقالات واتركي قراءة هذه المقالات تفعل فعلها، لاسيما أن هناك مقالات تكون معدة إعدادا قويا وقد يكون المرسل لها غير متمكن من مضمونها تمكنا جيدا، فإذا دخل في حوار حولها فقد يضعف من تأثيرها.
ثم إننا نشكرك على حرصك على الدعوة إلى الله تعالى وتحمل السباب والشتائم في سبيل ذلك، واعلمي أختي الكريمة أنك تقومين بمهمة شريفة عظيمة وهي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليكن لك فيهم أسوة حسنة فقد تحملوا في سبيل تبليغ دين الله تعالى من أقوامهم الكثير من سبب وشتم ونبذ بالألقاب واتهام بالسحر والكذب، وبعضهم عليهم السلام وصل الحال بأقوامهم إلى أن قتلوهم، وأما الإعراض عنهم وعدم سماع كلامهم فكثير جدا، كما كان يفعل أصحاب نوح عليه السلام معه، فقد قص الله تعالى لنا بعضا من ذلك فقال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا {نوح: 5-10} إلى آخر الآيات
وهذا ما ننصحك به أختي السائلة وهو الاستمرار في دعوتك ولا تلتفتي إلى من يريد تثبيطك عن ذلك، فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغشى الناس في أسواقهم وأنديتهم يدعوهم إلى الإسلام، ومعلوم أن الناس في أسواقهم لا يتحدثون عن الدين، لكننا ننصحك بأن تكون دعوتك بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة اللينة والجدال بالتي هي أحسن، فإن ذلك أدعى لقبول دعوتك ونصحك، وننصحك بزيارة هذه الصفحة: http//said.net.afkar/15.htm
ففيها شرح مفصل لكيفية الدعوة إلى الله تعالى عبر مجموعات الياهو وكذلك عبر إرسال الرسائل الإلكترونية لمشاهير مثلا وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1426(5/302)
التدرج في الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي ليست متحجبة وهي لا تصلي ولكنها محافظة وأعمل بعون الله على إقناعها بأهمية وجوب الصلاة ووجوب ارتداء المرأة للحجاب والله المستعان، أحاول اصطحابها معي إلى المسجد لسماع الدرس الديني وخطبة الجمعة لعلها تكون لها بداية جديدة وهداية من عند الله وهي خائفة من أن ترتدي الحجاب لحضور الدرس في المسجد ثم تقلعه وخائفة من أن تبدأ بالصلاة في يوم الجمعة ثم تنقطع فهل يجوز في هذه الحالة أن ترتدي الحجاب بنية حضور الدرس أم لا؟ وهل يجوز أن تصلي الجمعة فقط؟ وهل صحبتي لها جائزة إن لم تصلي بتاتا؟ جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن ترك الحجاب من المنكرات والمحرمات التي يجب على المسلمة أن تتركها، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ {الأحزاب: 59} . وأعظم من ذلك وأكثر حرمة وأشد عقوبة ترك الصلاة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه أحمد في المسند. ولهذا فإن عليك جزاك الله خيرا وجعل ذلك في ميزان حسناتك أن تبادري إلى إنقاذ صديقتك وتصبري على ذلك، وتستعيني بالله تعالى عليها وفي الأمور كلها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه وفي رواية: خير من الدنيا وما فيها. وما دامت صديقتك تصاحب أهل الخير فإن فيها خيرا كثيرا، وعليك أن تتابعي نصيحتها ودعوتها بالحكمة والموعظة الحسنة. ومن الحكمة أن تتدرجي معها في الدعوة وتحثيها على أداء الصلاة فإنها عماد الدين وأساس الإسلام واقبلي منها كل خير تفعله واشكريها عليه وشجيعها عليه مهما كان، فإن التدرج سنة من سنن الله تعالى في هذا الكون وسنة من سنن دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولذلك شجعيها على حضور الدروس في المسجد وخطبة الجمعة لعلها تسمع موعظة تنتفع بها فتسهل لك الطريق إلى قلبها. والمهم أن تقنعيها بأداء الصلاة وارتداء الحجاب والالتزام بالتعاليم الشرعية ولو كان ذلك بالتدرج خطوة خطوة.. فإنها إذا ذاقت حلاوة الإيمان ولذة الطاعة لن تعود إلى ما كانت عليه من أمور الجاهلية. ولا تلجئي إلى هجرانها والانقطاع عنها إلا بعد بذل الجهد لهدايتها واليأس من قبولها الحق. وننبه إلى أن الحجاب الذي يستر جميع جسد المرأة غير الوجه والكفين شرط لصحة الصلاة. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى: 45080، 53536، 63611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1426(5/303)
ضوابط مسايرة غير الملتزم من أجل دعوته
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي له أخ متزوج من أجنبية غير مسلمة، فهل يجوز لنا أن نخرج معهم للترفيه عنهم فى إجازاتهم أم أننا بذلك نشارك فى الإثم عندما ينظر إليها الرجال وهى غير ملتزمة بالزي الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقدم أن على الزوج أن يلزم زوجته غير المسلمة بالحجاب في الفتوى رقم: 20844.
وأما بالنسبة للخروج مع هذه المرأة في حال كونها لا تلتزم باللباس الإسلامي، فإذا كان لغرض دعوتها وتأليف قلبها على الإسلام، ولم تخش الأخت من التأثر بها، فلا بأس في ذلك، وليس عليها إثم بسبب نظر الرجال إليها، وما عدا ذلك فينبغي ترك الخروج معها ومصاحبتها، لما فيه من الرضا بفعلها وعدم الإنكار عليها، ولأن عادة الله جرت بأن المريض يعدي السليم، فيوشك أن يقع قرين صاحب المعصية فيما وقع فيه قرينه، فالفتن أخاذة، من استشرفها استشرفته، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: مثل الجليس الصالح، ومثل الجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تشم منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(5/304)
مراحل التشريع الإسلامي والحكمة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المراحل التي مر بها التشريع الإسلامي وما ثمرة هذه التطورات؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد جاء التشريع الإسلامي متدرجا، لأن ذلك أدعى إلى تقبله وعدم النفور منه، فتدرج القرآن في معالجة مشكلة الخمر بشكل خاص بأسلوب دقيق غير منفر، على مراحل متعددة: فأول آية نزلت تتكلم عن الخمر هي قوله تعالى: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً {النحل: 67} . ففي هذه الآية الكريمة نجد كيف أن القرآن بأسلوبه الدقيق أشار، بوضع المقابلة بين السكر والرزق الحسن، إلى أن السكر ليس من الرزق الحسن وإنما هو نقيض ذلك. ثم تحرك في وجدان المسلمين حب لبيان أكثر وضوحاً، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياـ فأنزل تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا {البقرة: 219} . فبين القرآن أن ضرر الخمر أكبر من نفعها، وفي هذا دفع لكثير من المؤمنين على هجرها. وبعد أن تهيأت النفوس بشكل أكبر، عمد القرآن الكريم لكسر عبادة الإدمان فحرم الصلاة على المسلم وهو سكران. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى {النساء: 43} . ثم جاء الأمر الحاسم من الحق سبحانه باجتناب الخمر حين قال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90} . وتدرج الشرع الحكيم في تحريم الربا، فقال عز من قائل: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ {الروم:39} . ثم ذكر القرآن أن الله كان قد حرم الربا على بنى إسرائيل، ولكنهم عصوا ربهم فعذبهم على هذا العصيان، فقال عز وجل: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيما {النساء:161} . ثم جاء التشريع الذي يخص المسلمين في درجته كالنهي عن الربا المتراكب أو المتضاعف دون النهي عن الربا بعامة، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {آل عمران:130ـ132} . ثم جاء ختام التشريع الإسلامي في موضوع الربا نهيا عاما شاملا في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ {البقرة:278ـ279} . ونجد التدرج في التشريع في بعث معاذ إلى أهل اليمن، حيث إنه قبل أن ينطلق قال له صلى الله عليه وسلم: يا معاذ! إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله كتب عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس. هكذا تدرج الداعية، وهكذا تبليغ الناس، الأولويات فالأولويات، والقضايا الكبرى فالكبرى، ولا ينفع الدعوة الإسلامية أن تطرح للناس جملة، بل نقطة نقطة، فإن هم حققوها فلتأت الثانية. ..
ولله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1426(5/305)
كيف تكون المرأة داعية إلى الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجاء دلوني على طريقة أنفع بها الإسلام وأؤدي حقه علي، لأن الشعور بالعجز كاد يقتلني، رجاء لا أريد كلاما عاما أريد طرقا عملية، أفيدوني أفادكم الله، أنا طالبة جامعية -هندسة حاسوب المستوى الرابع- متزوجة وعندي ابن واحد عمره عام و3 أشهر، أعيش في فلسطين مستوى معيشتي المادي الحمد الله ولا يؤرقني إلا شعوري بالعجز أمام قضايا الإسلام والمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العمل للدين مسؤولية كل مسلم بحسب قدرته، ومن يتولى عن واجب العمل للإسلام فإن الله يستبدله بغيره، قال تعالى: وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ {محمد:38} ، هذا وإن مجالات العمل لهذا الدين عديدة ومتنوعة، لكن من أعظمها هو استقامتك في خاصة نفسك، فتتجنبين جميع ما حرم الله تعالى عليك وتتنزهين عن المكروهات وخوارم المروءات، وتؤدين المأمورات وتسعين في أداء المستحبات والآداب ومحاسن العادات، فإن المستقيم على أمر الله في زمن غربة الدين هو خير داعية إلى الاستقامة وإن لم يتكلم، قال الإمام الشافعي: من وعظ أخاه بفعله كان هادياً.
ومن مجالات خدمة الدين التي تستطيعين أداءها أن تحسني التبعل لزوجك وتؤدي الواجب عليك نحوه، وإن كان من الدعاة العاملين كنت معينة له ومؤيدة ومناصرة، كما كانت أمنا خديجة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن تأمين البيئة الداخلية للداعية من أهم عوامل نجاحه، روى ابن عساكر في تاريخ دمشق بإسناده عن أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل أنها: أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك وأعلم -نفسي لك الفداء- أنه ما من امرأة كانت في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم أفما نشارككم في هذا الخير يا رسول الله؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها عن أمر دينها من هذه؟ قالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله.
وكذلك اجتهدي في تربية ابنك الصغير تربية إسلامية، وهيئي له المحضن التربوي الذي ينشأ فيه على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والاستسلام لله والانقياد لشرعه والاستقامة على دينه، ليكون لبنة صالحة في بناء المجتمع وتكونين بذلك قد جهزت جندياً من جنود الله تعالى لنصرة هذا الدين وإعلاء كلمة الله تعالى، وعسى أن تدخلي في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا. رواه البخاري ومسلم.
ثم بإمكانك أن تنشطي في الدعوة بين صفوف النساء، بأن تجتمعي بهن في بيتك أو في المسجد يوماً أو أكثر أسبوعياً وتؤدين لهن موعظة ترقق قلوبهن أو تفسرين لهن بعض آيات من القرآن أو تبينين لهن بعض الأحكام الفقهية وخاصة الأحكام المتعلقة بالنساء أو أن تخصصي درساً دورياً في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا إذا كنت مؤهلة لذلك، وإلا فإن بإمكانك أن تطلبي مشاركة إحدى طالبات العلم، فتقوم هي بتقديم الدروس وتكتفين أنت بجمع النساء وتهيئة المكان لهن.
كما أن بإمكانك استخدام الحاسوب في طباعة بعض النشرات التي فيها بيان بعض فضائل الأعمال أو التحذير من بعض المنكرات، ثم توزيع هذه النشرات على زميلات الدراسة أو الجارات ونحوهن، وبإمكانك في إعداد هذه النشرات الاستفادة من كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي، و (مختصر منهاج القاصدين) لابن قدامة.
وكذلك يمكنك تكوين مكتبة سمعية من الأشرطة الإسلامية النافعة، وتكون استفادة النساء منها بنظام الاستعارة، هذا وننبهك إلى أمور منها:
1- ينبغي أن تبدئي بدعوة والديك وذوات رحمك وقرابتك وجاراتك، فإنهن أحق الناس عليك.
2- احرصي على التعاون في أمور الدعوة إلى الله مع الأخوات الفضليات الصالحات فإن ذلك أدعى للاستمرار والنجاح في العمل.
3- ينبغي أن لا يشغلك دعوة الناس والحرص على إصلاحهم عن اجتهادك في تزكية نفسك وطلب العلم النافع الواجب عليك والذي هو مادة الدعوة الأصلية، وانظري برنامجاً عملياً في طلب العلم للمبتدئين في الفتوى رقم: 59868، الفتوى رقم: 59729.
وللاستزادة في هذا الموضوع استمعي للأشرطة التالية:
1- محاضرة بعنوان (ما الهم الذي تحمله؟) للدكتور/ ناصر بن سليمان العمر.
2- محاضرة بعنوان (من يحمل هم الإسلام) للشيخ/ سلمان بن فهد العودة.
3- محاضرة بعنوان (العمل للدين مسؤولية الجميع) للشيخ عبد الوهاب الطريري.
وتجدين هذه المحاضرات وغيرها على موقع الإسلام WWW.ISLAMWAY.COM
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(5/306)
جوازالتعليم بالرسم لغير ذوات الأرواح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح ان الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يرسم الرسم التشكيلي
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس تعليما، كما في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي أنه قال في النبي صلى الله عليه وسلم: بأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوضح ما أراد للصحابة بأنواع الإيضاح المفهمة، فقد كان يرسم لهم بعض الأشياء للإيضاح.
ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط وقال: هذا الإنسان وهذا أجله قد أحاط به، وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا.
وروى ابن مسعود أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله سنتي ثم خط عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل ليس منه سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. رواه أحمد والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم الفكرتين في هذين الحديثين بالرسم في الأرض، فرسم في الأول شكلا هندسيا وهو المربع، فيفيد هذا جواز الرسم للإيضاح إذا لم يكن فيه رسم لذوات الأرواح، وأما رسم ذوات الأرواح فقد قدمنا الكلام عليه في الفتاوى التالية أرقامها: 28529، 4138، 14116، 22695، 581، 26392.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(5/307)
الداعي يستخدام ما يمكن من وسائل الإقناع بأسلوب رقيق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يترتب علي إثم إذا لم أعد النصيحة لشخص ارتكب خطأ أمامي وأرشدته وأعاد الخطأ وذلك لأن الناس هذه الأيام يتضايقون من الإرشاد، فمثلا أخطأ شخص بفعله بدعة وحذرته وأعادها ثانية فهل يجب علي أن أعيد النصح مع العلم أنه ربما يكره الحديث معي من الأساس وأحيانا أحس بأن بعض الناس قد يتحاشون الحديث معي لاشتماله على نصح وإرشاد في أمور قد يمارسونها وهي محرمة بلا شك فإذا سكت شعرت بتأنيب الضمير وإذا تكلمت أندم أحيانا وأنا محتارة جدا وخصوصا أني في بداية التزامي مع العلم أني لا أتحدث إلا على ما أنا موقنة من صحة تحريمه وبدليل وشرح من مصادر موثوقة وبأدلة لفتاوي أجمع عليها كبار الأمة وكمثال يؤرقني أنه في بيت جدي في كل حجرة هناك صور وألعاب وأنا أعلم عن النهي عن الصلاة في أماكن فيها صور وأخشى أن لا تقبل صلاتي بها وأنا مضطرة للمبيت عندهم في أحيان كثيرة وإذا تكلمت قد ينتج هذا مشاحنات وأحيانا هناك من يعرف الحرام ويقوم به أو يستخف بالمحرمات فهل في هذه الحالة يجب علي التأكيد على تحريم هذه الأشياء أم أن أسكت كي لا أشعل البغض لأن الناس في هذه الأيام يصرون على المعاصي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يتقبل منك ويرزقك الاستقامة على الطاعة والالتزام بعدم الكلام فيما لم تتأكدي من صحته، ونفيدك بأن نصح المسلم لأخيه وإنكاره منكره بحسب الطاقة أمر متعين كلما تكرر من هذا الأخ حصول المعصية، وليكن ذلك برفق وحكمة ووعظ حسن مصحوب بما يرفق القلب ويلينه من نصوص الوحي التي ترهب من تلك المعصية. ومع استخدام ما أمكن من وسائل الإقناع وإيصال المعلومات بأسلوب شيق إلى ذلك الشخص، فليستخدم في ذلك وسيلة إعارة الشريط والرسائل المفيدة في ذلك مع استنصاح من يؤثر نصحه عليه ومع الدعاء له بالهداية. وعليك أن تحببي نفسك لأهلك بمخالقتهم بالأخلاق الطيبة والمعاملة الحسنة وخدمتهم والبشاشة في وجوههم والإحسان إليهم فإن الناس قد يتأثرون من أخلاق الشخص أكثر مما يتأثرون من كلامه. ونوصيك بعد إنكار منكر الصور في البيت أن تصبري عليهم حتى يخالط الإيمان القلوب ولا تفكري في تمزيقها قبل اقتناعهم لئلا يعيدوها ويسببوا لك بذلك مشكلة كبيرة. فقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم على الأصنام الموجودة في البيت ولم يكسرها حتى جاءت الفرصة المناسبة يوم فتح مكة. وعليك بمواصلة طلب العلم وتلاوة القرآن ومطالعة كتب الحديث والسير ومصاحبة الأخوات الملتزمات وعدم مشاركة الناس في مجالس اللغو. واعلمي أن الداعي المخلص يجازيه الله ولو لم ينتفع المدعوون به كما حصل لبعض الأنبياء الذين لم يهتد بهم أحد كما في حديث الصحيحين المذكور في الفتوى رقم: 23872. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع، ولمعرفة حكم الصلاة في بيت فيه صور: 59416، 41016، 5202، 28894، 31365، 64829.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1426(5/308)
قضايا دعوية
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الفاضل:
أنا فتاة مسلمة ولله الحمد أعيش في فرنسا منذ فترة وجيزة من أجل الدراسة ولي أصدقاء وأساتذة طيبون ولكن ليسوا مسلمين البعض منهم يسألني عن الإسلام وأجيبهم على حسب معرفتي لكني أفكر في طريقة لدعوتهم للإسلام من بينهم أستاذة اللغة الفرنسية وقد أعطيتها نسخة من القرآن بالفرنسية لسورتي مريم والنور لأنها كانت تسأل عن الحجاب وسأعطيها باقي السور عما قريب إن شاء الله، سؤالي هو: كيف يمكنني دعوة الناس إلي الإسلام؟ وما هي الطريقة المثلى؟ أيضا عند ما نسخت سورتي مريم والنور كانت الآيات مكتوبة باللغة العربية ثم الترجمة بالفرنسية هل هذا حرام؟ هل كان الأولى أن أزيل الآيات باللغة العربية وأكتفي فقط بالترجمة؟
أرجو الإجابة لأني وعدت الأستاذة بإعطائها باقي السور في القريب العاجل إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز إعطاء الكافر نسخة مترجمة للقرآن الكريم إذا لم تتضمن نصا قرآنيا باللغة العربية، كما بينا في الفتوى رقم: 12328، والفتوى رقم: 27228.
فعليك أن تتوبي إلى الله مما فعلته سابقاً، وإذا أمكنك استعادة تلك السور المترجمة المتضمنة للنص القرآني باللغة العربية فلا تألي جهداً في ذلك.
وأما الطريقة المثلى لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام وآداب الداعية وماذا ينبغي له، وبالذات دعوة المرأة للكافر الأجنبي إلى الإسلام، فقد بيناه في الفتوى رقم: 25116، والفتوى رقم: 8580 والفتوى رقم: 16419، والفتوى رقم: 21363.
كما ذكرنا بعض المواقع الدعوية على شبكة الإنترنت يمكن الرجوع إليها والاستفادة منها للداعية وللراغبين في الإسلام والتعرف عليه، وذلك في الفتوى رقم: 18600.
وننبهك أيتها الأخت الكريمة على أمر وهو أنه لا يجوز للمرأة أن تتخذ صديقاً أجنبياً عنها ولو كانت نيتها حسنة، فالغاية لا تبرر الوسيلة، قال ابن جرير الطبري: ومن المعلوم أن الإسلام يحرم كل علاقة بين الجنسين خارج نطاق الزواج. وراجعي الفتوى رقم: 11945.
كما أن التعلم في المدارس المختلطة له ضوابط قد بيناها في الفتوى رقم: 8221، وكذلك الإقامة في بلاد الكفر.
سائلين الله تعالى لك التوفيق والهداية إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(5/309)
النصح ببعد الرجل عن دعوة النساء عبر الشات ليس من باب التحريم
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: أود أن أعرف رأيكم في مسألة التحاور بين الجنسين لغرض الدعوة، وذلك لأني قرأت في الفتوى رقم: 46178، والتي عنوانها (ضوابط دعوة المرأة للرجال من خلال الشات) ، أنه لا حرج من أن تشارك في الشات لأجل الدعوة ونشر الحق مع ضبط ألفاظها من الاسترسال في التعرف على مشاكل الرجال وإقامة علاقة معهم وأن يكون همها منصبا على معالجة الانحراف وعرض الحلول في حين قرأت في الفتوى رقم:23350، وعنوانها (حوار رجل مع الأجنبية عبر الإنترنت لغرض الدعوة) أن حديث الرجل إلى المرأة عن طريق الإنترنت محفوف بالمخاطر ويخشى عليه وعليها الفتنة، مع نصحك للسائل بترك المحاورة واستبدالها بمحاورة إحدى القريبات أو المعارف، والذي أرجوه من فضيلتكم التفصيل في مسألة المحاورة بين الجنسين سواء كانت هذه المحاورة لغرض الدعوة أو لأغراض أخرى؟ وجزاكم الله خيراً، ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحوار بين الجنسين في الدعوة إلى الله مباشرة أو مراسلة او مهاتفة جائز في الأصل، مع مراعاة الضوابط الشرعية التي هي عدم الخضوع بالقول وعدم ترخيم الصوت وأن يكون الكلام في حدود الأدب، ويدل لهذا ما عرف عن أمهات المؤمنين من إفتاء الناس وتعليمهم، ويدخل في هذا ما جاء في الفتوى رقم: 46178.
وأما ما جاء في الفتوى الثانية فإنما هو النصح للسائل بالبعد عن الحوار مع الأجنبية عبر الإنترنت وليس من باب التحريم، فنظرا لما في المراسلة والحوار عبر الإنترنت من المخاطر، وكونه سادت فيه الاستخدامات غير المشروعة، وكون المرأة لا تزال كافرة ويخشى أن تسبب الفتنة لمن يحاورها وجره إلى ما يسخط الله، فقد نصحناه بعدم حوارها وأن يعتاض عنه بإحالتها إلى إحدى النساء لتقوم بتلك المهمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(5/310)
طرائق دعوة الناس إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل مع أصدقائي قبل الالتزام هل أنقطع عنهم أم أذهب لأدعوهم؟ وإن كان الجواب بالدعوة فما حدود الدعوة ومتى أنقطع عن الدعوة؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك أن تحمد الله على أن منَّ عليك بنعمة الاستقامة واصطفاك بالهداية. وأعلم أن من شكر النعمة أن تسعى في هداية أصدقائك الذين كنت معهم، فتدلهم على ما أنت فيه من الخير والسعادة والطمأنينة والرجوع إلى الفطرة التي فطرك الله عليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ... فوالله لأن يهدي لله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. وانظر فضل الدعوة إلى الله في الفتوى رقم: 16759، والفتوى رقم: 50919. ولكن ينبغي أن تستعمل الحكمة في دعوتهم، فالناس ليسوا سواء، وقبولهم للحق متفاوت، فابدأ بمن يتحلى بالأخلاق الطيبة منهم، فإن هؤلاء أرجى في قبول دعوتك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. رواه البخاري. ولك في رسول الله وصحابته الكرام أسوة حسنة، فقد بدأ رسول الله بدعوة زوجه خديجة وأبي بكر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة، ونشط أبو بكر في دعوة سعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة وطلحة وغيرهم، وكذلك فعل مصعب بن عمير لما أرسله رسول الله إلى المدينة، فبدأ بأسيد بن حضير وسعد بن معاذ وأسعد بن زرارة ونحوهم من أصحاب القلوب الرقيقة والعقول النيرة الواعية والأخلاق الطيبة، وهؤلاء لا يردون دعوة الخير ويقبلونها غالباً، ولا يمنعهم الكبر والغرور وإنما اتباع شهوة أو علوق شبهة، وانظر الفتويين: 46212، 8580. فإن بذلت وسعك في دعوة أصدقائك هؤلاء، ثم تبين لك إعراضهم وعدم استجابتهم فتحول عنهم إلى غيرهم من أهل بيتك وقرابتك وجيرانك وزملائك في الدراسة ونحوهم، ولكن لاتكف عن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا وجدت إعراض المعرضين. وللفائدة انظر الفتويين: 53349، 5197.
هذا، وننبهك إلى أمرين اثنين:
الأول: هو إذا شعرت أن مخالطتك لأصدقائك القدامى ستعود عليك بالضرر، بأن يذكروك بماضيك معهم ويزينوا لك ما كنت عليه، فإياك وإياهم وفر منهم فرارك من الأسد، فإن السلامة لا يعدلها شيء، واحذر قطاع الطريق الذين يقطعون عليك الطريق إلى الله.
الأمر الثاني: ينبغي أن لا تشغلك دعوة الناس إلى الاستقامة والتمسك بدين الله عن الاشتغال بنفسك وتزكيتها وطلب العلم النافع الذي هو مادة الدعوة الأصلية، فاحذر أن تستهلك خلطة الناس عن خلوتك برب الناس جل وتعالى، فكن متوازناً بين حق نفسك وحق الناس عليه. والله يحفظك ويرعاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(5/311)
اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة أجنبية أسلمت وكانت تحت رعاية عائلة مسلمة تزورهم ويعلمونها عن الدين
وبعد فترة قطعت علاقتها مع كل من تعرفه من المسلمين ثم عادت إلى ضلالها القديم وقالت إنها من الآن ليست مسلمة مع العلم أن كل من تعرفت عليها في فترة إسلامها قدم لها كل الحب والرعاية لا تحلم به فتاة أخرى غير مسلمة في مثل عمرها باعتراف من عندها، أي أنها باختصار فضلت حياتها القديمة على حياة المسلمين لما لها من تطهير النفوس والابتعاد عن المحرمات. والسؤال بارك الله فيكم ما هو واجبي من الدعاء في حقها فهل لأنها مرتدة عن الدين والمرتد لعنه الله سبحانه في كتابه الكريم أدعو عليها كثيرا في الصلاة بأن لا يبارك فيها دنيا ولا آخره أو أني أدعو لها بأن يغفر الله لها وأن يسرع في هدايتها إن شاء الله. فارشدوني ماذا يجب علي فعله مع العلم أنه لا توجد حاليا أية وسيلة اتصال معها
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأولى والأفضل أن تدعو لهذه الفتاة بالهداية والرجوع إلى الله تعالى وإلى دينه العظيم. فهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم. حتى مع الكفار والأعداء الذين أذوه وقاتلوه.. فقد قال صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد دوسا. رواه البخاري ومسلم. وقال: اللهم اهد ثقيفا. رواه أحمد والترمذي. وقال:.. إن الله لم يبعثني طعانا ولا لعانا، ولكن بعثني داعيا ورحمة ... اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. رواه البيهقي في شعب الإيمان. وسبب الدعاء لهم أن بعض الصحابة قال له بعد ما أصابه يوم أحد: ادع عليهم يا رسول الله.
وهذا الدين إنما جاء رحمة للعالمين وللناس أجمعين كما قال سبحانه مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. وكما قال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا. رواه مسلم. وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه هذه الأخلاق الراقية والتسامح والعفو والصفح عن الآخرين ويقول لهم: إنما بعثتم مبشرين.
وعن بعض أحكام المرتد نرجو أن تطلع على الفتويين: 44606، 16502.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1426(5/312)
الانتماء للعاملين في الحقل الإسلامي وسيلة للاستقامة على أمر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حائر أدخل في الجماعات الإسلامية أم أبقى أصلي من المسجد إلى البيت إن كان الجواب أن أنضم فلأي جماعة وبصراحة ماهي أفضل الجماعات الإسلامية لأنضم لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم الاستقامة على أمر الله تعالى والتمسك بدينه وعدم الانحراف عنه. قال الله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ {هود: 112} وقال أيضا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ {فصلت: 30} وقال سبحانه: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إليك {الزخرف: 43}
هذا، وإن مما يعين على الاستقامة على أمر الله تعالى أن ينخرط الشاب المسلم في الشباب الصالحين، وأن يتعاون معهم على فعل الخيرات وطلب العلم النافع، ويتعاهد بعضهم بعضا ويتفقد بعضهم بعضا ويشد بعضهم من أزر بعض، فيذكره إذا كان ناسيا، ويعينه على الخير إذا كان ذاكرا له، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
هذا، وليعلم أن الانتماء لبعض جماعات الدعوة الموجودة على الساحة ليس غاية في نفسه وإنما هو وسيلة للاستقامة على أمر الله في هذا الزمان الذي طغت فيه المادة وتنافس الناس فيه على الدنيا وحرصوا عليها.
وإذا أردت أن تعمل مع إحدى الجماعات فلتتأكد من صحة انتمائها لمنهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل، وأن مرجعهم إلى الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وليس فلان أو علان من القادة والمرشدين، ولتحذر من أن يكون انتماؤك لإحدى جماعات الدعوة داعيا لك لأن تتعصب لها، فلا ينبغي أن تكون جماعات الدعوة هي ما يعقد عليه الولاء والبراء؛ بل الموالاة والمعاداة تكون على الإسلام والدعوة إنما تكون إلى جماعة أهل السنة وليس إلى جماعة معينة، وعليك كذلك أن تعلم أن الحق في المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف ليس محصورا في الجماعة التي انتميت إليها، فقد يكون الحق مع غيرهم، فإن في اجتهادات قادة الجماعات صوابا وخطأ، وإن كان صوابها أكثر من خطئها في الجملة، فعليك أن تعينهم على الخير والصواب، وأن لا تكف عن نصحهم إذا رأيتهم قد تلبسوا بالخطأ، وإنما يعرف الخطأ من الصواب بالعرض على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فما وافق قبل وإلا رد، وانظر لزاما الفتويين: 5900، 21741.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1426(5/313)
وسائل درء تشويه معالم الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوقف مهازل التشنيع والهجوم على الدين الإسلامي وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، الهجوم متواصل ومدبر على كل طرق الإنترنت والجوال وغيرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالهجوم على الإسلام ذو جذور قديمة قدم الإسلام، وهو أحد أساليب الكفار للصد عن سبيل الله تعالى، بدءاً من كفار قريش وحتى عصرنا الحاضر، ومقاومة مهازل التشنيع والهجوم على الدين الإسلامي، وعلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، تكون بعودة المسلمين إلى دينهم، وتمسكهم به ونصرتهم له، وتوحيد كلمتهم حوله.
ونصرة الدين تحصل بعدة أمور:
1- العمل بكتاب الله وسنة رسول الله أولاً، فذاك أشد ما يغيظ أعداء الإسلام ويوهن كيدهم.
2- نشر معاني القرآن الكريم والسنة الشريفة بين الكفار أنفسهم، وإيجاد ترجمات صحيحة خالية من الأخطاء.
3- إنشاء الأوقاف الإسلامية لصالح جمعيات تحفيظ القرآن الكريم والسنة الشريفة، ونشر كل ذلك عبر الوسائل المرئية والمسموعة وعبر شبكة الإنترنت.
4- دعم هذه المشاريع بالمال والجهد والجاه، كل بحسب طاقته.
5- قيام طلبة العلم والباحثين بإعداد الردود العلمية على أولئك المنتقصين لهذا الدين الحنيف.
فهذه الأمور ونحوها، لا نقول إنها ستوقف تلك الحملة الشعواء والهجوم المتواصل على مقدسات الإسلام، ولكنها من أنجح الطرق لمقاومة ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(5/314)
التخويف لأولياء الله كي لا يدعوا إلى دينهم خدعة شيطانية
[السُّؤَالُ]
ـ[وجهوني جزاكم الله خيراً ... أنا فتاة مشاركة في منتدى مختلط ... وأحاول أن أرضي الله في كتاباتي وأسخر قلمي لوجهه فقط ... منذ أسبوعين تقريبا عرض عليّ الإشراف على القسم الإسلامي لكنني ترددت والسبب خوفي من الله في التقصير (وهذا في البداية، وقبل أن أستشير أمي) ... فكان أن استخرت 3 مرات ولم أشعر بضيق ولله الحمد ... وقلت أستشير أيضاً فاستشرت أمي ... فخافت علي من أن يتصورني البعض من أنني وللأسف إرهابية ... فأخبرتها عن المواضيع التي نناقشها وكلها مواضيع على (قدرنا) نقرأ شيئا وننقله (إن صح) ماذا وإلا يغلق من قبل الإدارة ... والله إنني لست بإرهابية وإن جهلت أمرا أتيتكم سائلة ... والأخت التي رشحتني للإشراف لم ترشحني إلا لأنها رأت شيئاً في أحبته (حسبما قالت) ... فأخبرتها أن أمي رفضت بسبب ما ذكرته لكم ... حقيقة خفت أن أقبل ويحدث لي شيئا (لا قدر الله) والسبب أني عصيت أمي إلى جانب خوفي من الله في التقصير ... فماذا أفعل جزاكم الله عنا كل خير ... وهل الأمر الذي استخرت فيه صحيح أم خطأ ولا يجوز؟ شكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله هو خدمة هذا الدين والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، كما قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ، فجزاك الله خيراً على ما بذلت وتبذلين لخدمة دينك ابتغاء مرضات الله تعالى، وما دمت قد استخرت الله تعالى الاستخارة الشرعية وأشار عليك من تثقين به من إخوانك فإن عليك أن تمضي في طريقك ولن تجدي إلا الخير إن شاء الله تعالى، فالخير فيما اختاره سبحانه وتعالى لعبده، ولكن ذلك يجب أن يكون بعد موافقة أمك وإقناعها حتى ترضى وتطيب نفسها، فإن طاعة الأبوين واجبة في المعروف.
ولا تلتفتي إلى الأوهام والتخويفات التي يلقيها الأعداء بقصد التشويه والتخويف لأولياء الله تعالى حتى لا يدعوا إلى دينهم، فتوكلي على الله وتذكري قوله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {آل عمران:175} .
واعلمي أن من بذل جهده خدمة لهذا الدين هداه الله تعالى وأعانه وكان معه ... كما قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} ، والمهم أن تقنعي أمك بهذه الحقائق والله في عونك، وللمزيد عن العمل في المواقع الإلكترونية، نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28452، 28689، 54343.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1426(5/315)
هل يعطى غير المسلم ترجمة للقرآن بهدف دعوته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعطاء نسخة من تفسير القرآن الكريم باللغة الإنجليزية لنصراني بهدف دعوته للدين الإسلامي، وإذا كان يجوز ذلك فأنا أسكن في قطر فأين من الممكن الحصول على كتب باللغة الإنجليزية مع العلم أني مستعد لدفع ثمنها، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السعي في هداية الناس أمر ضروري لا بد منه، وقد رغب الشارع فيه كما في حديث البخاري: فوالله لأن يهدي بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.
وأما إعطاء نسخة من تفسير القرآن بالإنجليزية للنصراني فهو مباح إن لم تكن مصحوبة بنص القرآن الكريم مكتوباً باللغة العربية، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8266، 27228، 12328.
وليعلم أن الأولى هو دعوة النصراني أولاً وحواره وقراءة القرآن عليه وترجمته له لعله يقتنع، ثم يعطى له القرآن مترجماً لينظر فيه ويتأمله حال انفراده عن الناس، وأما الحصول على نسخة مترجمة من القرآن فيمكن مراجعة مركز قطر للتعريف بالإسلام أو المكتبات التجارية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1426(5/316)
الوسيلة التي لا يعجز عنها أغلب المسلمين لبناء صرح الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد استفسرت عن رجل اسمة تقي الدين النبهاني ووصلني الرد فالتقيت بأحد الموالين له وسألني كيف يجب أن تكون الدولة الإسلامية بنظركم وما شروطها، وما هي المدرسة التي تخرج منها العقلية القديمة المعتزلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدولة الإسلامية هي الدولة التي تطبق شرع الله في أرضه، ويقام بها العدل والقسط بين الناس، ويمكن في ظلها للدعاة إلى الله تعالى أن يدعوا الناس إلى الله، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر.
ولا يشترط لإقامة الدولة الإسلامية شروط، وإنما يحتاج ذلك إلى وسائل متعددة الجوانب، وتختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فقد تصلح وسيلة ما في زمان أو مكان معينين، وتكون غير صالحة في أزمنة أو أمكنة أخرى، وربما تتاح لشخص وسيلة غير متاحة لغيره، ولعل الوسيلة التي لا يعجز عنها أغلب المسلمين الآن هي الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة لكافة الناس، ونشر الوعي الإسلامي بين جماهير المسلمين وكافة شرائحهم، وإظهار محاسن الدين الإسلامي، وتبيين حاجة البشرية الماسة إليه، وإلى دولة الإسلام التي تهدي إلى الحق وبه تعدل، وتقيم القسط وترفع الظلم.. ولك أن تراجع في مدرسة المعتزلة ومعتقدها ومبادئها ما كنا قد بيناه في فتوانا رقم: 17236.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(5/317)
أهم ما ينبغي تعليمه لمن دخل في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أهديت صديقي المسيحي قبل سنتين كتيب عن الفرق بين الإسلام والمسيحية وفي خلال هذا الشهر تم بحمد الله اعتناقه الإسلام فماذا يلزم علي فعله
الآن كيف أبدا معه هل اعلمه القران أم الصلاة أم ماذا؟
وهل توجد كتب باللغة التقالوا الفلبينية لكي اهديها إليه أو بعض المواقع الإسلامية باللغة الانجليزية ويفضل باللغة التجالو الفلبينية؟
وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بما أكرمك الله به من هداية شخص على يديك. ففي حديث البخاري:..فوالله لأن يهدي بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
وبعد اعتناق هذا الرجل للإسلام ينبغي أن تأمره بالغسل والصلاة وتحفظه الفاتحة وتعلمه الصلاة والطهارة عمليا، وينبغي أن تبين له معنى كلمة التوحيد وشروطها عبر ذكر فضائلها المذكورة في الأحاديث من دخول الجنة والسلامة من النار.
ويمكن أن تعطيه كتاب الأصول الثلاثة إذا كان مترجما للإنجليزية، وما دمت في السعودية فراجع مكتب دعوة الجاليات بجدة أو غيرها أو أحد مكاتب مركز الدعوة والإرشاد ليساعدوك في الموضوع، فربما كان عندهم دعاة فليبينيون وكتب مترجمة للغات.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 18815، 34954، 16502.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1426(5/318)
الدعوة إلى الله عبر برنامج البالتوك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل برنامج البالتوك مفيد في الدعوة وكيف يمكنني الاستفادة منه في أمور الدين، وهل استغلال هذا البرنامج المشهور يعطي ثمراته إن شاء الله؟ شكرا جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من فضل الله علينا أن سخر لنا الكون وما فيه لنحقق ما خلقنا له وهو عبادته وتعبيد الناس له، ومن ذلك الكمبيوتر والإنترنت وسائر وسائل الاتصال الحديثة لإيصال دعوة الإسلام إلى كل مكان، وإن ذلك مما يصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر. رواه أحمد وابن حبان والحاكم.
ولقد استخدم بعض الدعاة برنامج البالتوك في الدعوة إلى الله ومناقشة الملحدين والنصارى وكانت لهذه الحوارات فوائد جمة، ولكن هناك ضوابط ومحاذير في استخدام غرف البالتوك في الدعوة، منها: أن لا يتوسع الداعية في الكلام مع النساء، فإن الأولى أن يقوم بوعظهن وتذكيرهن بالله نساء مثلهن، وفي ذكور الأمة التائهين عن منهج الله مجال رحب للداعية، ومنها: أن لا يتحاور الداعية مع الملحدين والنصارى إلا إذا كان مؤهلاً لذلك تأهيلاً يجعله قادراً على كشف شبهاتهم وإيصالهم إلى توحيد رب العالمين، وإلا عادت عليه هذه الحوارات بالخسران إذا انطلت عليه شبهات المبطلين وتشربها قلبه.
ومن الضوابط أيضاً: أن لا تتعارض الحوارات عبر البالتوك وغيره مع أداء الواجبات ومن ذلك الصلوات، لأن المتحاورين من بلدان شتى، وهناك فروق في مواقيت الصلوات، هذا وإن الذي نندبك إليه أن تحرص على طلب العلم النافع في هذه المرحلة من حياتك، وأن تمارس الدعوة مع الأقربين منك وأحق الناس عليك، كالوالدين وذوي رحمك وباقي قرابتك وجيرانك وزملائك في الدراسة ونحوهم قبل أن تتجه همتك إلى دعوة غيرهم، ولا تجعل الكمبيوتر والإنترنت يملآن حياتك ويستهلكان طاقتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(5/319)
تنفير الناس ودعوتهم بالحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من ينفّر شخصا آخر بالإسلام وبالدين أو بعمل صالح بقصد منه أو بدون قصد؟ فإن الشخص قد يثور على أمر ديني فيؤدي ثورانه هذا إلى فعل أمور ربما تنفر من يراه من الدين أو أن الشخص قد يشدد على أصغر الأمور من الدين التي ربما يراها غيره تشددا في غير مكانه وتزمتا لا فائدة ترجى منه إلا التشديد على النفس فينفر من الإسلام أو الدين أو أي عمل صالح أو عبادة ونذكر أن هناك أوروبيا أجنبيا أسلم في بلاده لما رأى من أخلاق المسلمين الذين تمثل الإسلام في عينيه فيهم فأسلم لكنه حينما جاء إلى مصر قال: الحمد لله أني قد أسلمت قبل أن أرى المسلمين لأنه رأى أن ما يتكلم عنه الإسلام شيء آخر عن واقع المسلمين فأين المسلمون من الأخلاق التي ربانا عليها ديننا الحنيف؟ ما هو حكم التنفير مع كامل التوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشارع حذر من تنفير الناس من الدين، كما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبى موسى: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا.
وحض على دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {هود: 125} .
وبناء عليه، فإن تنفيير الشخص للناس من الدين بسبب سوء أخلاقه أو سوء تصرفه في خطابه الدعوي خطأ، وأما إن كان متمسكاً بما ثبتت مشروعيته ونفر الناس منه بسبب جهلهم بالدين أو بعدهم، أو كان ذا غيرة على الدين ينهى الناس عما يراهم يقترفونه من المنكرات عملا بأمر الله لنا بالنهى عن المنكر فنفر الناس منه، فإنه لا شيء عليه في هذا، فقد نفر الناس من الرسول وتعجبوا أن جاءهم منذر منهم، وقالوا: أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ.
ولكنه يتعين على الداعي توخي الأصلح وما يقرب الناس من الدين واستخدام أحسن الأساليب المشروعة مع التزامه التام بالمنهج الحق.
وراجع الفتوى رقم: 53773.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1426(5/320)
لايعيب الداعية عدم التزام أهله بالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش مع زوج يتاجر في الخمور ولا يصلي مع أنني أحاول دائما معه أن يعود إلى الله ويتخلى عن تلك التجارة لكوني أمارس الدعوة ولكن الله لم يهده بعد، والمحرج في سؤالي هو أنني أصاب بالإحباط عندما تسألني إحدى الأخوات عن زوجي وعن أحواله. ماذا أفعل هل أتخلى عنه وعن الدعوة لكوني فاشلة في وعظ زوجي وابنتي التي لا تريد أن تحتجب؟ هل سأحاسب أمام الله على مأكلي ومشربي ووو الخ؟ أليس هو المسؤول عنا. أذكركم بأنني رزقت معه بثلاث أولاد ولا أعمل حتى أتمكن من العيش بمال حلال أنا وأولادي. هل دعائي غير مقبول والصدقة أيضا؟ ماذا أفعل؟ أرجوكم أفيدوني جزاكم الله خيرا، نوروا علي فإنني أعيش في ظلمة الخوف من الله وعذابه، الله ينور عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن دعوة الناس للخير وإرشادهم إليه وتحذيرهم من الشر هو عمل من أحسن الأعمال، وقربة من أفضل القربات، ولهذا يقول الحق سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت: 33} وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله. وقال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. رواهما مسلم في صحيحه. فاحمدي ربك على هذا العمل واصبري على ما يصيبك في سبيله من مشاق.
وما ذكرت من تقاعس أهل بيتك عن الالتزام بالدين فليس عذرا في ترك الدعوة إلى الله تعالى ولا عيبا يلحقك، بدليل أن كثيرا من الرسل والدعاة كان من بين أسرهم من لم يستجب لدعوتهم، فهذا نوح عليه السلام مكث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ومع ذلك فإن ولده وزوجته ماتا على كفرهما. قال الله تعالى حاكيا عن نوح: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ {هود 44-45} وقال بشأن امرأة نوح وزوجة لوط: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ {التحريم: 10}
ومن المعلوم أن هؤلاء الرسل لم يثنهم عن القيام بدعوتهم تخلف قراباتهم عن اتباعهم، ولا كان ذلك عامل إحباط لهم أبدا.
ولا شك أن الرسل صلوات الله عليهم وسلامه هم قدوة عظيمة لكل داعية، فعليك بمواصلة الصبر والنصح لأهل بيتك ولتكثري من سؤال الله تعالى بالهداية، ولا بأس أن تنوعي الدعوة لهم،فتارة بالموعظة والتخويف، وتارة بإعطاء الأشرطة والكتيبات التي تتحدث عن أهمية الصلاة والحجاب وحرمة بيع الخمر، فإن فعلت ذلك واستجابوا لنصحك فذلك، وإن لم يستجيبوا فقد أديت ما عليك من النصح نحوهم، وبالتالي، فنرجو أن لا يكون عصيانهم سببا في عدم قبول دعائك.
أما بخصوص الإنفاق من مال زوجك الذي من كسب محرم فيجوز، ولكن في حدود النفقة الضرورية كالأكل والشرب والملبس، وراجعي الفتوى رقم: 9374.
وأما الصدقة من هذا المال الخبيث فغير مقبولة، لقوله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. رواه مسلم.
هذا، وننبهك إلى أنه إن كان ترك زوجك الصلاة عن جحود فهذا يعد مرتدا عن الإسلام عياذا بالله، لأنه أنكر ما علم من الدين بالضرورة، وبالتالي، فإن رابطة الزوجية بينكما قد انتهت بسبب ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1426(5/321)
الصواب أن تقوم نهضتنا على الحضارة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في مشروع صناع الحياة للأستاذ عمرو خالد، بعد إذنكم أنا أرى أنه جميل، لكن لما قرأت الهدف لم يعجبني وهو أنه قيام حضارة عربية، ولم يذكر إسلامية، وفي التعريف قال نحن لا ننتمي إلى أي مؤسسة دينية، فما المقصود، أيضا ونحن نعلم أن النبي لم يقم بدعوة العربية ولا الحيادية ولا الأخلاقية بل جمعها كلها في راية لا إله إلا الله، فهل هذا خطأ من الأستاذ يجب أن يعدله وإلا لن يجنى شيء من الحضارة والتقدم مع أنه الصواب، أتمنى الرد؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نوافقك على أن الدعوة إلى قيام حضارة عربية ليست من منهج الإسلام في شيء، فإن العرب قبل الإسلام لم تكن لهم قيمة ولا اعتبار، فلم يكونوا سوى رعاة إبل في صحراء جرداء لا يؤبه لهم ولا يعيرهم أحد اهتماماً، يقطعون السبيل ويأكل القوي منهم الضعيف ويفشو فيهم الزنا والربا.
فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه صاغهم صياغة جديدة، فأصبح منهم العباد والزهاد والمجاهدون وسادوا بالإسلام الدنيا، وعلموا الناس كيف يكون العدل مع القوة، قال الله تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ {آل عمران:110} .
وعلى ذلك فإن من الرشد أن تقوم نهضتنا على الحضارة الإسلامية، وأن يكون ابتعاثنا منبثقاً من العقيدة الصحيحة ومفاهيم الإسلام التي ربى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة.
أما أن نجعل همنا قيام حضارة عربية -فإن ذلك يدل على عدم الفهم، بل على الجهل بخصائص الرسالة المحمدية، قال عمر بن الخطاب: كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
ولمزيد من التفصيل راجع مقدمة تفسير سورة الأنعام من كتاب (في ظلال القرآن) وفصل (طبيعة المنهج القرآني) من كتاب (معالم في الطريق) ، وانظر (إخراج الأمة المسلمة) لماجد عرسان كيلاني، (والغرباء الأولون) لسلمان العودة.
ولمعرفة بعض ما يؤخذ وما يرد من أقوال الأستاذ عمرو خالد راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24159، 55432، 59243.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(5/322)
أدب التعامل مع الشاردين ودعوتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن أخ لا يحترمني أبداً، وهو أخي الصغير وأنا والله لا ألومه بل ألوم الوالد سامحه الله فهو أسرف في تدليله ووصلت الأمور حتى أنه لا يعمل أي اعتبار حتى لوالديه، بالنسبة لي أخذته بالرفق، ولكن كل هذا كان لا يجدي وأنا وصلت إلى أعلى مراحل تحملي وصبري، وأنا لا يعمل لي أي حساب إلا في بعض الأمور البسيطة، فانا لا أريد أن أدخل معه في صراعات ومجادلات فهو نظرته إلى الحياة سطحية ومادية وأنا تعبت معه، فأرجو منكم إفادتي كيف أتعامل معه هل أعامله بالمثل أو أستعمل معه أسلوب بحيث لا أسمح له في التمادي معي، وهو الآن يبلغ من العمر 21 سنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن آكد حقوق الأبناء على الآباء أن يؤدبوهم وينشئوهم على الأخلاق الإسلامية، وأوجب الله على الآباء فعل ذلك، وتوعد من فرط وضيع الأمانة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته. متفق عليه، وقال أيضاً: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه مسلم.
هذا، وإن الذي ننصحك به هو أن تغير طريقتك في التعامل مع أخيك، وأن تحاول التقرب إليه واحتواءه، وأشعره بأنك تحبه لتستميل قلبه، وجاهد نفسك حتى لا تتركه فريسة للشيطان، وفي هذه الحالة ذكره بالله وخاطب عقله وقلبه بأن الموت قريب ويأتي فجأة، فإنه إن تيقن من حرصك عليه فقد يرعوي ويلين قلبه ويستجيب لك، ولكن هذه الاستجابة قد تتأخر قليلاً بسبب المواقف السابقة بينكما، وانتفع بالاطلاع على الفتوى رقم: 41016، والرقم: 5327.
واحرص كذلك أن تدل عليه أهل الخير والصلاح، فيتصلون به وينظمونه في سلكهم، ويشركونه في أنشطتهم، ويتعاهدون إيمانه، ولا تترك دعاء الله له أبداً، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولقد هدى من هو أشرس منه خلقاً وأغلظ طبعاً.
وحاول أن توفر له من الأشرطة الإسلامية النافعة ما يخاطب الوجدان والعقل معاً، فإن الحل بالنسبة لأخيك هو إيقاظ الإيمان المخدر عنده، لا العنف معه وهجره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1426(5/323)
المؤمنون نصحة والمنافقون غششة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد التحية: لا يخفى على أحد ما أحدثه الداعية المصري عمرو خالد من صحوة بمصر فى أوساط الشباب المرفهين الذين كان الدين لا يشغل حياتهم على الإطلاق, ثم امتد أثره إلى خارج مصر بعد خروجه منها
وذلك لأسلوبه الجميل فى مخاطبة الناس، ولا يوجد أحد معصوم من الخطأ سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأعتقد أنه قد أخطأ فى بعض الأمور ولا يوجد من لا يخطئ من العلماء والدعاة، ولكن تهجم عليه دكتور أزهرى مصري شهرته محدودة نسبيا بمصر اسمه عبد الله بدر ونعته بالصفات التالية (الكلب الأجرب – الفاسق – الفاجر –الجاهل - خطره على الإسلام أشد من خطر عمرو دياب- والأخير مطرب ومغني مصري مشهور بمصر والمنطقة العربية) ، وكان هذا الكلام فى خطبة الجمعة, ثم انتشر سريعا، فهل يجوز ذلك, لأنه حينما عاتبه الناس قال إنه يحترم العلماء ولكن عمرو خالد ليس بعالم ولكنه جاهل فاسق يضر المجتمع بجهله وأنه لا بد أن يوضح خطره على الأمة حتى لا يحاسبه الله (هذا كلامه) ، وما أعرفه أن الرسول نهى السيدة عائشة أن تسب اليهود فى الحديث الشريف, فكيف الحال بالمسلم، وقد أصدر سلسلة من الكتب والأشرطة خصصها للهجوم على عمرو خالد, وفى كتبه يأتى بمقالات لكتاب يهاجمون عمرو خالد هؤلاء الكتاب معلوم عنهم العلمانية والشيوعية وكره الدين أصلا، وقد تسبب كل ذلك فى فتنة بين من اهتدوا للدين عن طريق الداعية عمرو خالد وحدوث بلبلة كبيرة لهم, وكثير منهم لم يعد يعرف أين الحق، وكان مما هاجمه به
1- دعوة عمرو خالد للفنانين المعتزلين لعدم ترك الفن نهائيا ولكن أن يقوموا بأعمال تخدم الدين وتتفق مع الشرع وتحبب الناس فيه, بدلا من ترك المجال لكل ما هو هابط.
2- والدعوة لإيجاد أغاني إسلامية تقبل عليها الناس ليس فيها محاذير شرعية وذلك باستخدام الدفوف فقط وتم ذلك عن طريق شخص اسمه سامي يوسف ينشد أشعاراً عربية وأجنبيه فى حب النبي ونصرة الإسلام، وهكذا وقد أصبح مشهوراً الآن.
3- أن محاضراته يجتمع فيها النساء والرجال معا.
4- ثم كانت محاضرة له عن القدس هاجمه فيها أنه قال إن بيت المقدس بناه سيدنا داود على أرض بيت رجل يهودى بعدما اشتراه منه بملأ الارض خيلا بعد مساومة طويلة, وإن هذه الرواية مؤلفة من عنده, وإنها ليست صحيحة ولكنها تدليس من عمرو خالد.
ثم قام هذا الشيخ أخيراً بمهاجمة الداعية صفوت حجازي بنفس الأسلوب أيضا, وتحدث عنه بنفس الطريقة تقريبا، فما الحكم فيما سبق، وما الحكم فيما يأخذونه عليه من مآخذ، وما الحكم فيما فعله هذا الشيخ, حتى أن كثيرا ممن كانوا يحبون عمرو خالد أصبحوا يكرهونه ويفسقونه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ذلك الرجل الذي يستخدم السب لمن يخالف -قد جانب منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع المخالف- وقد بينا منهج أهل السنة في ذلك في الفتوى رقم: 56337.
وأما ادعاء هذا الشيخ أنه يجب عليه بيان أخطاء عمرو خالد، فنقول: نعم لكن يجب أن لا يكون ذلك بالسب والشتم وإطالة اللسان على المنابر، فمازال العلماء المخلصون من لدن سلف الأمة والقرون المفضلة يختلفون إلى عصرنا، لكن دون أن يؤثر عنهم أنهم لوثوا ألسنتهم بسب أو لعن أو تجريح للمخالف أو تنفير للناس عنه، فإن من خصال المؤمن وخاصة أهل العلم عفة اللسان وحسن العبارة، قال الله تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا {الإسراء:53} ، وقال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. وقال أيضاً: ليس المسلم بلعان ولا طعان ولا فاحش ولا بذيء. وقال: لعن المسلم كقتله. وانظر الفتوى رقم: 4402، والفتوى رقم: 11967.
ثم إن العامة من الناس عندما يجدون أهل الدين يسب بعضهم بعضاً وينبذ بعضهم بعضاً سينفرون من طريق الاستقامة وسيسيئون الظن بالدعاة، وسيقولون: لو كان في هؤلاء الدعاة خير لما وقع بعضهم في بعض، ولهذا قال ابن مسعود: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
هذا، وإن في أشرطة عمرو خالد عاطفة صادقة، وعناية بالنصوص، وله تأثير كبير على عامة الناس، وهذا مما يفرح به، وليس المقصود تطلب الكمال، فكل يؤخذ منه ويترك، ووجود النقص في مظهر الرجل وبعض المؤاخذات عليه لا يمنع من الانتفاع به والثناء عليه بما يظهر من حاله، مع تجنب ما لا يوافق السنة من قوله أو فعله.
وأما الفتاوى والأحكام الفقهية فلا تؤخذ عن عمرو خالد، فهذا العلم دين، وإنما يؤخذ على أعلامه، ولا يوافق عمرو خالد على خلطه الرجال بالنساء في محاضراته، ففي ذلك مخالفة لهدي محمد صلى الله عليه وسلم الذي شرع من التدابير ما يمنع من اختلاط الجنسين، فجعل خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها الذي يلي صفوف الرجال، وجعل خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها الذي يليه صفوف النساء، وذلك كله إمعاناً في قطع الاختلاط والنظر بين الرجال والنساء، وكذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء أن يمشين مختلطات مع الرجال في الطرقات، بل أمرهن أن يمشين على جانبي الطريق ويتركن نهر الطريق للرجال، قال صلى الله عليه وسلم: استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق. وانظر الفتوى رقم: 55877.
وكذلك لا يوافق عمرو خالد على إقراره لأهل الفن على عدم تركه واعتزاله على ما فيه من الخطايا والبلايا، وهي سقطة كبيرة ليته ما وقع فيها، وانظر الفتوى رقم: 55432.
والدين النصيحة، والمؤمنون نصحة والمنافقون غششة، ولو نصح عمرو خالد من قبل العلماء والدعاة وكُتب إليه، فقد يرجع عن المآخذ التي أخذت عليه، وفق الله الجميع للعمل في خدمة هذا الدين العظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1426(5/324)
في المشروع غنية عن الممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق في العمل حصل على رسوم كاريكاتورية من موقع (عمرو خالد) الرسمة كانت تعبر عن لباس كثير من الفتيات للحجاب المزيف (بنطال وتي شيرت ضيق وكاشف لأجزاء من الجسم وبجانبها نفس الفتاة بدون غطاء رأس) ، ونصحته ألا ينظر لمثل هذه الصور ولا يحتفظ بها لكنه رد علي بأنها معبرة وتوصل فكرة وللأسف قام بتوزيعها على موظفين من الشركة ومن بينهم فتيات يرتدين نفس اللباس تقريباً، ويقول الأخ أن الرسوم غير مغرية ولا تثير الغرائز، أريد من سماحتكم موعظة للأخ أنقلها باسمكم وإلى من وقع في بعض الشبه المماثلة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الحجاب الواجب شرعاً ليس مجرد غطاء للشعر مع لبس ما يكشف العورة أو ما يصفها ويحددها، ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله من أوجب الواجبات ومن أفضل ما يتقرب به العبد لمولاه.
ولكن ينبغي أن تكون الوسيلة المستخدمة في الدعوة وإنكار المنكر وسيلة مشروعة لا محظور فيها بوجه من الوجوه، وأن تكون مؤثرة ونافعة، هذا وإن الرسم باليد لذوات الأرواح وهو ما يطلق عليه اسم (الكاريكاتير) لا يجوز شرعاً، وانظر بيان ذلك في الفتوى رقم: 19248.
وإن من فضل الله علينا تنوع أساليب الدعوة المشروعة والمباحة، ومن ذلك الأشرطة الإسلامية والمطويات والرسائل المطبوعة بطريقة مشوقة ونحو ذلك، وفي المشروع غنية عن الممنوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1426(5/325)
دعوة السكران في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي زميلى إن هناك رجلا من التبليغ وكان في المسجد فدخل المسجد رجال سكارى بالخمر دون أن يدرون فتركهم الشيخ إلى أن فاقوا وأخذ يدعوهم إلى الله وقال أحدهم أسمع كلامك لكن بشرط أن أكمل زجاجة الخمر فسمح له الشيخ فهل هذا التصرف صحيح لأني أرى أنه من الممكن أن تقبض روحه وهو يكمل الزجاجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسكران يمنع من دخول المسجد مسلماً كان أو كافراً ولو عبوراً.
قال المرداوي رحمه الله في الإنصاف: يمنع السكران من العبور في المسجد على الصحيح من المذهب.
وقال السيوطي في الأشباه والنظائر: السكران ليس من أهل المقام في المسجد، لأنه لا يجوز إقراره فيه.
إلا أنه إذا ترتب على دخوله مصلحة أكبر من مفسدة دخوله فقواعد الشرع تقتضي عدم منعه حينئذ، وأما سماح هذا الداعية له بشرب الخمر في المسجد فيحتاج أولاً إلى تثبت في ملابسات الحادثة، والحديث الذي دار بينهما، وهل كان بإمكانه منعه وإخراجه مع أصحابه أم لا؟ فإن ثبت أنه سمح له بشربها بمعنى أنه تركه يتم شربه للخمر وكان بإمكانه منعه ثم قام بدعوته بعد ذلك فيمكن حمل هذا على قصده تقديم أعظم المصلحتين وهي دعوته إلى ترك الخمر وبيان مفاسدها وسوء عاقبتها ونحو ذلك، لأن الرجل أبان له أنه لن يسمع منه إلا بعد تمام شربه للخمر ولا سلطان له في منعه منها مطلقاً، لأنه لو قال له: لا تشرب وأخرجه من المسجد لما كان تصرفه هذا مانعاً له من شرب الخمر، بل سيشربها خارج المسجد ولَمَا سمع منه دعوته له إلى الخير، وما دام هذا الشخص سيشربها بكل الأحوال فشربها مع قبوله للدعوة بعد ذلك لعله أنفع له فيتعظ ويتوب من شربها مطلقاً، وإن كان التصرف الأصح أن يقول له: أنا لا أرضى لك بشربها لاسيما في المسجد، لأن الإسلام يمنع من ذلك، ولكن إن أبيت إلا الشرب فهذا راجع إليك، وقد جاء أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان يمر على أناس يشربون الخمر، فيقول له أصحابه: لم لا ننكر عليهم، فيقول ما حاصله: دعوهم ينشغلون به عن قتل المسلمين، وما ذلك إلا مراعاة منه للمصلحة الكبرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1426(5/326)
أمور تراعى عند دعوة الوالدين للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتعامل مع حماتي التي تضع في غرفتها صورة لرجل تصلي له وأمامه حيث إنها تنتمي منذ صغرها إلى طائفة تعبد ذلك الرجل ورغم أنها تركت بلادها منذ 20 سنة وأتت للعيش مع زوجها\"المتوفى حاليا\" في فرنسا إلا أنها في كل مرة تذهب فيها إلى بلدها وتجتمع بأهلها وأقاربها المنتمين لنفس الطائفة تتزود بما لا بأس فيه من كره الإسلام والتمسك بما هي عليه وقد حاولت أنا وزوجي وبقية أولادها \" ونحن بفضل الله أسلمنا منذ زمن \" أن نبعدها عن هذا الأمر بالمنطق والنقاش ولكنها صمت أذنها وأصبح النقاش معها جدلا وخصوصا بعد زيارتها آخر مرة لأهلها أنا أعيش معها بنفس البيت لظرف مؤقت ولكني لا أعلم هل أستمر أنا وأولادها في محاولاتنا أم نتوقف إذ إننا في كل مرة نتكلم معها نحس أن نقاشنا عقيم وأن قلبها مفعم حتى الإشباع بالإشراك وكره الإسلام فنخشى أن يتحول هذا النقاش إلى جدل تهين فيه ديننا فنهين ما هي عليه ونخرج من النقاش كما دخلنا وخصوصا أنها الآن على علاقة مع رجل من تلك الطائفة وتريد الزواج منه ... وإني والله يا شيخي بين نارين فهل أتوقف أنا وأولادها عن الحديث معها بشأن دعوتها إلى ديننا وأكتفي بأن نثبت أنا ومن معي على ديننا وعلى إرضاء ربنا.ونتركها تمارس كفرها بيننا ونحن نتفرج أم أبقى وراءها فلا أترك فرصة يمكن فيها أن نثير الموضوع امتثالا لأمر الله عز وجل أننا علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن نغضب لله لما تفعله ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بر الوالدين شأنه عند الله تعالى عظيم، وإن من أعظم البر هداية الوالد إلى الإسلام لأنه إنقاذ له من النار ومن سخط الجبار، فعلى هؤلاء الأبناء واجب دعوة والدتهم إلى الإسلام، ولتكن دعوتهم لها بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلتها بالتي هي أحسن، دون جدال أو مراء، مع تجنب تجريح وسب ما تعتقد أنه إله من دون الله للنهي عن ذلك، قال الله تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام: 108} وتقدمت الفتوى رقم: 9726 بعنوان: دعوة الوالدين إلى الإسلام من أعظم الحقوق فيمكن الرجوع إليها
ونلفت عناية الإخوة إلى أمور مهمة عليهم مراعاتها في دعوتهم لوالدتهم:
الأول: الإحسان إليها بالمبالغة في صنع المعروف لها، فإن الإنسان مطيع لمن أحسن إليه، وكما قيل: فطالما استعبد الإنسان إحسان
الثاني: لتكن دعوتكم لها إلى التوحيد أولا من خلال الأدلة العقلية، كما هو أسلوب القرآن في دعوة المشركين، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 18262
الثالث: محاولة عدم تركها تذهب إلى أهلها حيث تعيش تلك الطائفة الضالة، بل محاولة إبقائها عندكم، ففي ذلك خير لها، فإنها إن عادت إليهم فلن تزداد إلا تمسكا بما هي عليه من الباطل والشرك
أما عن سؤالك الثاني
فالواجب على أولادها برها والإحسان إليها ومصاحبتها في الدنيا معروفا كما أمر الله: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:14}
ولا يجب عليهم إعطاؤها كل ما تطلب من نقود، بل الواجب هو النفقة عليها عند فقرها وحاجتها إلى النفقة، أما وهي مستغنية فلا يجب عليهم النفقة عليها أو الصرف عليها، لا سيما إذا تزوجت
وأما عن السؤال الثالث عن صلة الأقارب من هذه الفرقة الضالة أو الكافرة؟ فلا تجب صلة القريب الكافر ومودته، لانقطاع الصلة بينه وبين قريبه المسلم، وراجعي الفتوى رقم: 11768 للأهمية
لكن لم ينه الله سبحانه عن برهم والإحسان إليهم، فإن أراد المسلم بر أقاربه من المشركين فليس منهيا عن ذلك إذا لم يكونوا محاربين؛ كما قال الله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8}
ومع خشية التأثير على الأبناء فاللازم الحذر من زيارتهم واختلاط الأبناء بهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1426(5/327)
خدمة الدعوة عن طريق مهنة الطب
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة أصدقاء نكتب إليكم هذا السؤال: نحن طلاب في كلية من كليات القمة وقد دخلناها على حسب مجموع الثانوية العامة وهذه الكلية التي دخلناها لا نعرف لها ما هي هدفها أو كيف نخدم بها الإسلام والمسلمين فهل أرجوكم توضحوا لنا كيف نخدم - بالعلاج الطبيعي - الإسلام والمسلمين؟ وكيف يكون هدفنا؟
شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هدف المسلم في هذه الحياة هو أداء ما خلق من أجله، وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56} .
وعبادة الله تعالى معناها أداء الشعائر التعبدية، وتوجيه جميع مناشط الحياة فيما يوافق الشرع ويخدم المجتمع، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {الأنعام: 162-163} .
فإذا علم المسلم هذه الحقيقة واستصحب النية الصالحة في أعماله التعبدية والعادية، فإنها جميعاً تصبح عبادة وقربة إلى الله تعالى ينال بها رضا الله. ومن أهم ما يمكن أن يخدم به المسلم دينه ومجتمعه مهنة الطب، وقد جعلها الإسلام من فروض الكفاية لأهميتها والعناية بها، فقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها، والطبيب الذي يعالج الناس ويخفف عنهم الآلام النفسية والعضوية له تأثير عظيم في نفوسهم، وخاصة إذا كان قدوة حسن الأخلاق طيب المعاملة.
لهذا إذا كنتم تريدون خدمة دينكم ومجتمعكم بهذه المهنة الطيبة والفريضة العظيمة، فعليكم بإخلاص النية لله تعالى، والصدق مع الناس، وستجدون نتيجة عملكم عاجلاً وآجلاً إن شاء الله تعالى.
فهذه المهنة من أهم ما يخدم به المسلم دينه، فقد أهمل كثير من دعاة الإسلام مهنة الطب بينما استغلها دعاة التنصير والباطل، فأفسدوا بها الناس، وفتنوا بها ضعاف النفوس من المسلمين عن دينهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1425(5/328)
واجب الدعاة تجاه المنحرفين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سبق وأن سألت على بعض من دعاة المسلمين وتواجدهم في أماكن غير محترمة من ذي النساء والتبرج وأنتم أجبتم ولكن إجابة غير واضحة وأنا كان قصدي التبرج من قبل المسلمين وبنات المسلمين وليس الغرب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن التبرج من المحرمات التي نهى الله تعالى عنها في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33} .
وقال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور: 30-31} .
فينبغي للمسلم إذا رأى شيئاً من هذه المنكرات أن يبين لأهلها الحق ويرشدهم إلى الصواب ويدعوهم إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة.
وأولى الناس بذلك هم الدعاة إلى الله تعالى الذين فرغوا أنفسهم للدعوة إلى الله تعالى، وأخذوا قسطاً من العلم الشرعي وأسلوب الدعوة إلى الخير ... فينبغي أن يعالجوا كل منحرف ويدعوا كل عاص، وعلى المسلمين أن يساعدوهم للقيام بهذه الفريضة العظيمة التي تخلى عنها كثير من المسلمين، وأولى الناس بالدعوة والإرشاد إلى الخير والاستقامة على دين الله تعالى هم أبناء المسلمين الذين انحرفوا عن الدين، واجتالتهم شياطين الإنس والجن.
فإذا لم يكن هؤلاء يأتون إلى الدعاة ومراكز التعليم والمساجد، فينبغي للدعاة أن يأتوا إليهم في أماكنهم ليبينوا لهم الحق ويرشردونهم إلى الطريق لعل الله تعالى أن يهدي قلوبهم ويصلح حالهم.
وحتى تبرأ ذمتهم، فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينة.
وعلى هذا، فإذا كان تواجد الدعاة في الأماكن المذكورة لأداء فريضة الدعوة وإرشاد الناس، فهذا هو واجبهم الشرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1425(5/329)
طريق الهداية لمن ضل بعد الهدى
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ كان متدينا جدا وسافرت وغبت عنه فترة (بضع سنين) ولما عدت وجدته1- إذا تحدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان 2- لا يعرف في الدنيا إلا مصلحته الشخصية فقط ولا يضع اعتبارا لأي شيء آخر (أناني لأبعد الحدود) 3- لا يبالي من أكل الحلال أو الحرام لا فرق عنده 4- ذليل النفس لأبعد الحدود (يذل نفسه لاتفه شيء) لا توجد عزة نفس بالمرة. 5-لايبالي بالقول حق أم باطل وهل شهادته حق أم زور مصلحته فوق كل اعتبار فهل يمكن دعوة هذا الشخص إلى طريق الحق وهل يمكن أن يترك الطمع وحب الدنيا بعد أن ملأت قلبه وماذا أستطيع أن أفعل معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وليس بعيداً أن يهدي الله قلب أخيك وأن يشرح صدره. ولكن الأمر يحتاج بعد عون الله إلى الحكمة والأناة. فلا تترك أمره ونهيه، وانظر الفتويين: 4160، 17092. ونوصيك أن تتحبب إليه وأن تقربه، فقد يكون تحوله ناشىئا عن خلل طرأ على نفسيته، فخذ بيده، وشد من أزره، ولا تحقره، ولا تذكر مثالبه خاصة أمام الناس، وأعطه الأمل في صلاح حاله، وذكره بسابق عهده. واجمع حوله جماعة من الشباب الطيبين المتمسكين، وأوصهم به، فيتعهدوه ويتفقدوه، ويشركوه في أنشطتهم. ولا تترك الدعاء له بالهداية أبداً، فإن الله لا يتعاظمه شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1425(5/330)
الدعوة إلى الله في الأماكن التي يكثر فيها التبرج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في بعض من دعاة الإسلام والشيوخ وغيرهم في الندوات والدروس في أماكن يكثر فيها التبرج ولا يوجد فيها احترام لدين الإسلام وخاصة من البنات، عدم الالتزام بالحجاب والزي الإسلامي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يقوم به هؤلاء الدعاة والشيوخ من إلقاء الدروس والدعوة إلى الله تعالى أمر واجب يوجبه الشرع، ويحتمه الطبع، وخاصة في تلك الأماكن المحرومة من هدي النبوة ونور الرسالة، فالواجب على كل مسلم أينما كان أن يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والطريقة المناسبة، امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولنا من بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث يقول تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} .
ومن المقرر في علم الأصول أن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم يعم أتباعه من بعده، كما قال العلامة الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في المراقي:
وما به قد خوطب النبي * تعميمه في المذهب السني.
وقال الله سبحانه وتعالى آمراً لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108} ، فما يقوم به الدعاة في هذه الأماكن وفي غيرها من الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصيحة الناس، وتوجيههم إلى الخير، وترغيبهم في الدين ... هو واجب كل مسلم، وقد تخلى عنه مع الأسف كثير من أبناء المسلمين حتى أصبحوا اليوم هم أحوج إلى الدعوة من غيرهم، فالواجب على المسلمين أن يتعاونوا على أداء هذه الفريضة العظيمة، وخاصة في بلاد الغرب، كما أمرهم الله تعالى بقوله: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(5/331)
الدعوة والكسب الحلال
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أوجب: أن أعمل في اختصاصي (هندسة مدنية) ، وأنا بحاجة إلى العمل لأنه مصدر رزقي.... أم العمل الكامل لدين الله والدعوة، خاصة ونحن نعيش في مثل هذه الظروف التي لا تخفى عليكم، علما أن هناك من يقوم على سد ما أحتاج من نفقات؟ ولكم جزيل الشكر وبارك الله بكم (وما تداعيات كل اختيار على مستقبلي) ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن تجمع بين العمل في تخصصك وبين العمل في الدعوة إلى الله عز وجل، وإذا علم الله منك صدقاً وتجرداً بارك في وقتك الذي تخصصه للدعوة، وبارك في مالك الذي تحصله من عملك، واعلم أن الله تعالى أثنى على رجال كان لهم تجارة وبيع، ولكن ذلك لم يشغلهم عن ذكر الله وإقام الصلاة.
ولو لم يكن لهم تجارة لما خصوا بهذا الثناء من بين الناس، قال تعالى: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {النور:37} ، ثم لتعلم أن العمل والكسب نفسه إذا صاحبته النية الحسنة صار في حق صاحبه عبادة وطاعة، وراجع في هذا الموضوع الفتوى رقم: 3249، والفتوى رقم: 28532.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(5/332)
الدعوة للإيمان أول خطوة لدعوة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[سألتني فتاة نصرانية تريد أن تتعرف على الإسلام هذا السؤال ولم أعرف الإجابة: ما السبب في أن حلق الرأس أو التقصير من واجبات الحج؟ وبما أن الإسلام جاء ليخرج الناس من معتقدات الجاهلية وعبادة الأصنام..فإنهم كانوا يحلقون رؤوسهم عند الآلهة ... فهل هناك علاقة بين ذلك وبين شعائر الحج؟؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 56437، الكلام على حكمة الحلق والتقصير في الحج، وبينا أنها تعبدية، وليعلم أن أعظم ما ينبغي الاعتناء به في معاملة الكفار هو دعوتهم إلى الإيمان والحديث معهم في الأدلة النقلية والعقلية المقنعة، إضافة إلى مخالقتهم بأخلاق الإسلام، وأن يكون الإنسان قدوة حسنة لهم في الاستقامة على الطاعة، فإذا آمنوا كسب الداعي أجر هدايتهم. وباستجابتهم للإيمان يقتنعون بجزئيات الدين التعبدية وكلياته إن شاء الله. ولا ينبغي الانسياق معهم في أسئلتهم عن حكم الجزئيات التعبدية لأنهم قد لا يفهمون ذلك ولا يقتنعون إذا قيل لهم إن المفروض في هذا القبول والتسليم. وراجعي الفتوى رقم: 19186، والفتوى رقم: 23866.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1425(5/333)
كتب في الردود على أباطيل وشبهات المناوئين للدين، والواجب لدى الرد عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحت يا فضيلة الشيخ أريد أن تذكر لي أسماء كتب في مواجهة افتراءت أعداء الإسلام عليه وخاصة حول القرآن وحول السنة النبوية حيث إني قرأت كثيرا في هذا المجال على صفحات الإنترنت وقرأت أيضا بعض الكتب وأريد أن أستزيد في هذا العلم وأتخصص فيه لخدمة الدين والله المستعان.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكتب المصنفة في الردود على أباطيل وشبهات المناوئين لهذا الدين كثيرة ومتنوعة، منها ما صنف في الرد على طعنهم في السنة (كدفاع عن السنة) للعلامة الدكتور محمد أبو شهبة، و (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) للدكتور مصطفى السباعي. وغيرهما، ومنها ما اختص بالرد على الملحدين، مثل كتاب (قصة الإيمان) لنديم الجسر، و (الفيزياء ووجود الله) لجعفر شيخ إدريس، ومنها ما اختص بالرد على شبهات العلمانيين والماركسيين والرأسماليين، (كمذاهب فكرية معاصرة) ، و (شبهات حول الإسلام) كلاهما لمحمد قطب، و (العلمانية) لسفر الحوالي. ومنها ما اختص بالرد على النصارى مثل (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) لشيخ الإسلام ابن تيمية و (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى) لابن القيم، و (محاضرات في النصرانية) لمحمد أبو زهرة. كما أن موقع (الأزهر) على الإنترنت به صفحة للردود على أباطيل الطاعنين في القرآن والسنة، وذلك بعرض شبهات المغرضين من المستشرقين ونحوهم ثم الكر عليها وتفنيدها.
هذا وينبغي التنبه إلى أمرين:
الأول: مع كون الرد على افتراءات المشككين في الإسلام من الغيرة على الدين؛ إلا أنه لا ينبغي الانشغال به إلا بعد التضلع من علوم الشريعة.. ذلك أن الذي يتعرض لهذه الشبهات قبل التسلح بالعلم قد تنطلي عليه بعض هذه الشبهات فيهلك! ولذلك كان السلف رحمهم الله ينهون أشد النهي عن مجالسة أهل البدع.
الثاني: لا ينبغي للمسلم أن يقف أمام شبهات المرجفين موقف المهزوم الذي يتمحل للدفاع عن الإسلام وتبرير ما جاء به من الأحكام، بل ينبغي أن يقف موقف المعتز بدينه الواثق بمنهجه المؤمن بعصمته، وبدلاً من أن يقف موقف المدافع يقف موقف المهاجم الذي ينقض على العلمانيين منهجهم، وكيف أنهم ردوا الشرع المعصوم واتخذوا بدلاً منه زبالة أفكار البشر لتكون دستورهم في الحياة، وكذلك ينقض على النصارى عقائدهم الباطلة من عبادة البشر والتثليث والصلب ونحو ذلك مما لا تقبله فطرة ولا يسيغه عقل. وهكذا مع باقي الطاعنين في هذا الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1425(5/334)
من أساليب الدعوة وطرائقها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
أرجو إفتائي في موضوع يقلقني، وهو موضوع الدعوة لله، حيث إنني أعاني حقيقةً من خجل شديد ولا أستطيع أن أقوم بواجبي تجاه الدعوة، فهل يجزي أن أتصدق بأموالي الخاصة للمشاريع الدعوية؟
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع يحض المسلم على بذل ما يمكنه في سبيل نصر الدين والدعوة إليه، وقد شرع عدة من الوسائل الممكن استخدامها في ذلك، فمن كانت تستطيع الدعوة بطريق النصح والتحاور مع زميلاتها ومحارمها تعين عليها فعل ذلك.
ومن أمكنتها المحاضرات والتدريس فعليها فعل ذلك أيضا.
ومن أمكنتها الكتابة والبحوث فعليها القيام بما تيسر من ذلك، ويضاف إلى هذا السعي في تربية الأبناء تربية إسلامية والتزام المرأة في نفسها بالدين حتى تكون قدوة لجاراتها وزميلاتها، فإن الدعوة بالسلوك أشد أثرا من الدعوة باللسان، ولا يكفي بذل المال إلا لمن عجزت عن بذل ما سواه، لأن الله تعالى أمر المسلمين ببذل أموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وإن من بذل النفس بذل الإنسان جميع طاقاته وصلاحياته.
ونسأل الله أن يتقبل منك ما تتصدقين به من مال لا تحتاجين إليه، إلا أنا ننبهك إلى أن من أهم ما يتعين الإنفاق فيه تربية الأبناء وصلة الأرحام.
ولا مانع من المساعدة في المشاريع الدعوية، فإنها من التعاون على البر والتقوى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1425(5/335)
الأصل في الدعوة إلى الله أن تكون بالرفق واللين
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخت تبلغ من العمر 18 سنة، وهي غير محجبة كما أنها غير محافظة على صلاتها، فهي تصلي في المناسبات، مثلاً عندما تتأثر من موقف أو في رمضان (أيضاً لا تحافظ عليها) ، وعندما تخرج لا تلبس لباساً ساتراً، بل القصير والضيق وتضع مكياجاً، والسؤال من شقين: 1- كيف نلزمها بالالتزام بالصلاة ولبس الحجاب مع أننا جربنا اللين والشدة دون جدوى، 2- هل نتحمل إثماً بسببها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت أختك على ما ذكرت من عدم محافظة على الصلاة، وتفريط في لبس الحجاب فلا شك أنها على خطر عظيم، واعلموا أنكم معها كالطبيب مع المريض، فتحتاج منكم إلى الرفق بها، إذ الأصل في الدعوة إلى الله تعالى أن تكون بالرفق واللين، قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ {النحل:125} ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. رواه مسلم.
فنوصيكم بالاستمرار في نصح أختكم بأسلوب طيب، مظهرين الحرص على مصلحتها، مجتنبين التعنيف والغلظة، وأكثروا من دعاء الله تعالى لها بالهداية، والتمسوا أسباب وقوعها في المعاصي، فربما كان ذلك بسبب صحبة سيئة، فينبغي حينئذ أن تسلطوا عليها بعض الفتيات الخيرات ليكن حاجباً لها عن أولئك الفتيات، وعونا لها على الطاعة. فالرفق واللين هما الأصل، ولكن إن غلب على الظن أن ينفع معها الهجر، فينبغي أن تهجر، بل قد يجب ذلك، وأما إن خشي بالهجر زيادة في الطغيان وتماد في معصية الرحمن فلا تهجر، ولتستمروا في نصحها، وتراجع الفتوى رقم: 29984.
واعلموا أنكم إذا قمتم بواجب النصح والتوجيه واجتهدتم في سبيل إصلاحها، فلا يلحقكم إثم بسببها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1425(5/336)
كيف يدعو الشاب فتاة منحرفة للتوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[وأنا في المدرسة الابتدائية والإعدادية كنت في مدرسة مشتركة وكان يوجد معي فتاة كنت أحترمها كأختي وبعد الانتقال إلى الثانوية وبعد سن البلوغ بدأت تنحرف عن الصراط المستقيم تدريجيا حتى وصلت إلى أقصى أنواع الضلال وأصبحت تقيم علاقات مع أكثر من شاب وأصبحت تنسى مراقبة الله لها..... فهل لي أن أقوم بنصيحتها ولو في التليفون؟ أو أقابلها سرا؟ وإذا صدت نصيحتى إليها ماذا يجب علي أن أفعل هل أكف عن ذلك؟ أم ألح بالدعاء؟....وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إنكار المنكر واجب شرعي، ومن حق المسلم على أخيه أن ينصحه بما يمكن من الوسائل، وبما أن الفتاة يحتمل أن تكون أجنبية منك فاحرص على هدايتها وتوبتها واستقامتها على الصراط المستقيم بما يمكن من الوسائل المشروعة مع الالتزام بالضوابط الشرعية في تعامل النساء مع الرجال. فيمكن أن تكلمها بالهاتف أو أن ترسل إليها هدية تحتوي على نشرات أو أشرطة مؤثرة، ويمكن أن تستعين ببعض الأخوات الطيبات لتحاورها وتنصحها نصحا مباشرا، وأما مقابلتك إياها سرا فلا تجوز لما فيها من احتمال الخلوة بين الأجانب التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الصحيحين: لا يخلون رجل بامرأة إلا معها ذو محرم. وأما إذا رفضت نصحك فعليك بالدعاء لها بالهدى، وواصل السعي في هدايتها واصبر على دعوة الشباب الذكور، وتذكر أن أسوتك في الصبر على طول الطريق أنبياء الله تعالى فلا تمل. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 39722، 30695، 11975، 52483، 46898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(5/337)
الدعوة إلى الله لا تبيح ممارسة ما حرمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أعيش في أوكرانيا والدعوة فيها تطلب مني مخالطة الأجانب ذكوراً وإناثا وأنا متزوج والحمد لله ولكن أحيانا أضطر للتعامل مع الأخوات الروسيات لتعليمهن أمور دينهن وليس هناك البديل المناسب ليقوم بالمهمة عني وأضطر في حال إفهامهن النظر إليهن ووالله ليس النظر إليهن إلا لأنهم لا يعرفون لماذا الرجل منا لا ينظر إليهن فهل يحوز لي النظر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله تعالى بغض البصر عن النساء الأجنبيات، فقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور: 30} .
ونهى الشرع الحكيم عن كل ما يمكن أن يؤدي إلى فتنة، فمنع الخلوة بين الرجل والمرأة ونهى عن الاختلاط بين الجنسين، وغير ذلك.
والدعوة إلى الله لا تبيح ممارسة ما حرمه الله، بل على العكس من ذلك، فإن الداعي مطالب أكثر من غيره بالتزام تطبيق أوامر الله، وأن يكون قدوة حسنة لمن يدعوهم، لا أن يختلط بالنساء وينظر إلى أبدانهن كما يفعل الفساق ومن لا خلاق لهم فتخالف أفعاله أقواله، ويعلم المدعوون عدم صدقه فيما يدعو إليه.
والحاصل أن النظر إلى الأجنبيات والاختلاط بهن لا يجوز، وأن طريقة دعوة النساء ممكنة بطرق كثيرة لا تستلزم النظر إليهن، وإن الأولى فيها أن تكون عن طريق النساء أو أزواجهن ومحارمهن من الرجال، فإذا لم يوجد من يقوم بها من هؤلاء قام بها أجنبي بطريقة مشروعة لا خلوة فيها ولا نظر إلى ما يحرم النظر إليه، وذلك ممكن ولا يلزم من دعوة المرأة أن ينظر الداعي إلى وجهها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1425(5/338)
حكم الدخول في المنظمات الطلابية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدخول في المنظمات الطلابية بدعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الانضمام إلى المنظمات الطلابية ليس من جملة البدع التي ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. رواه مسلم.
وقد ذكر الإمام الشاطبي في الاعتصام حد البدعة المذمومة شرعاً، فقال: فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه، وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة، وإنما يخصها بالعبادات، وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول: البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية.
بل قد يكون في انضمام الدعاة والمصلحين إلى هذه المنظمات نفع للمسلمين، ووسيلة لنشر الدين بين الطلاب، وتفويت لفرصة المفسدين والعلمانيين من تسلم قيادة الأعمال الريادية والاجتماعية، وانظر الفتوى رقم: 26772.
ولكن ينبغي الحذر من أشياء: منها تحول الانضمام للمنظمات الطلابية من وسيلة لنشر الدين بين الطلاب إلى غاية وهدف، فيترك المرشح للعضوية بعض الواجبات أو يرتكب بعض المحرمات للفوز بالعضوية، فإن الوسائل لها أحكام المقاصد.
وكذلك يحذر من تحزب المسلمين وتفرقهم، فقد ينشأ عن التنافس على العضوية بين بعض ذوي الاتجاهات الإسلامية نوع من الحزبية ومن ثم القطيعة والتدابر، فيضيع الهدف الذي لأجله تقدم المرشحون لعضوية هذه المنظمات.
ومن المحاذير كذلك التعاون مع العلمانيين والمفسدين بشكل يلبس على الناس صفاء الاتجاه الذي يمثله أعضاء المنظمات الطلابية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(5/339)
منهج للدعوة في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أدعو الناس في رمضان، وما هي الأدوات اللازمة لهذا الغرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شهر رمضان فرصة لدعوة الناس، لتهيئهم وجدانياً لسماع الحق، وإن من حكمة الداعية استغلال ذلك، ومن وسائل الدعوة وطرائقها في رمضان:
1- تدريس أحكام الصيام لأهل مسجد الحي قبل دخول شهر رمضان بقليل، ويمكن الاستفادة في ذلك بكتاب (فقه السنة) للشيخ سيد سابق، أو كتاب (الملخص الفقهي) للشيخ صالح الفوزان.
2- إلقاء كلمة في مسجد الحي بعد صلاة العصر يومياً لمدة عشر دقائق، ويمكنك الاستفادة من كتاب (مجالس شهر رمضان) للشيخ ابن عثيمين، أو (درس رمضان) للشيخ سلمان العودة.
3- عمل مقرأة قرآن يومياً بعد العصر إلى غروب الشمس، أو في وقت يناسبهم ويتفقون عليه حيث يجتمع شيوخ وشباب الحي على قارئ مجود عالم بأحكام القراءة، ويتعاونون على إتمام ختمة للقرآن، وذلك بأن يتموا قراءة جزء (مناوبة) يومياً على الأقل.
4- إلقاء كلمة يوميا أثناء صلاة التراويح، تتضمن شرح أركان الإيمان باختصار من كتاب (الإيمان) لمحمد نعيم ياسين أو اختيار أحاديث من الأربعين النووية وشرحها باختصار، أو اختيار فصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتعليق عليها ... وتكون هذه الكلمات منهجية ومهمة في تكوين الشخصية المسلمة، فتبين حق الله على العبيد وحق الوالدين والجيران وواجب المسلمين اتجاه دينهم ونحو ذلك.
5- عمل مجلة حائطية أسبوعياً تتضمن موضوعات متعددة، أغلبها في تزكية النفس، وفضل الصيام والقيام وقراءة القرآن والاعتكاف وفضل العمرة في رمضان، ويمكنك الاستفادة من (رياض الصالحين) للإمام النووي.
6- إنشاء مكتبة صوتية للشريط الإسلامي في المسجد، تحتوي على أشرطة تلاوة لمشاهير القراء المجيدين، وكذلك تتضمن أشرطة دروس ومحاضرات للدعاة المعروفين بتأثيرهم الواسع في الأمة.
7- طباعة مطوية فيها حكم زكاة الفطر وحكمتها، وعلى من تجب ومقدار الواجب فيها وتوزيعها على المصلين في صلاة التراويح، ويمكن الاستفادة من إعدادها بكتب الفقه المشار إليها آنفاً، وإن لم يتيسر طباعة وتوزيع ونشر المطوية، فيكتفى بقراءة محتواها على جموع المصلين في صلاة التراويح.
8- تجهيز المسجد للاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان -اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم- وإعداد الخباءات اللازمة لذلك، ودعوة شباب الحي لتجديد سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
9- إعداد إفطار جماعي لأهل الحي، بحيث يشارك فيه أهل المسجد أجمعين ففي هذه الأعمال الجماعية تأليف للقلوب وتقوية لأواصر الإخوة.
وأخيراً: نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يستخدمنا وإياك في تبليغ دينه ونصرة شريعته، وأن يجعلنا هداة مهتدين، فليس أحد أحسن قولاً من الداعية، قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ، ونبشرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
وقال أيضاً: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. رواه مسلم، وراجع الفتوى رقم: 8580، والفتوى رقم: 17709.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(5/340)
مواكبة العصر لا تكون بمخالفة أحكام الله - وضرورة التدرج في الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل أعيش في الغرب، الغرب بكل ما فيه من مغريات وقد كثر الإفتاء لكل شيء هنا بحكم الاضطرار حتى صار بعضهم يفتي لنفسه والبعض الآخر يتستر وراء الاضطرار لتحقيق مآربه فكيف أستطيع أنا كمسلم التعامل مع مثل هؤلاء الذين يتنازلون عن ثوابت ومسلمات باسم الدين ويوسمون الملتزم في هذه الأشياء بالمتطرف، هل أصبح الإسلام يتماشى مع الواقع حتى أصبح بعض الدعاة يخاف أن يقول أمراً قد ينفر مسلما حديث الإسلام فيوافقه على أمر سيء ولا يلومه على أمر واجب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الضرورة مشتقة من الضرر، وهو ضد النفع، ومعناها في الشرع: بلوغ الإنسان حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب الهلاك، والحكم على شيء بأن فعله من باب الضرورة ليس إلى كل أحد، وإنما ذلك إلى أهل الاجتهاد من العلماء الذين عرف عنهم -مع البسطة في العلم- الورع ومراقبة الله جل وتعالى.
ونقول لك: لا تغتر بمن يستهين بشرع الله فلا يقف عند حدوده، فنحن في زمان فتنة، القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، فليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا؟! فالناكصون على أعقابهم أضعاف أضعاف من اقتحم العقبة!! وأما التعامل مع هؤلاء فهو أن ينصحوا ويبين لهم الحق بحكمة وموعظة حسنة، ومن كان منهم مصراً على باطل ولم ينفع فيه النصح فحذروا الناس منه وبينوا لهم الحق، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14585، 32711، 51199، 16518.
ثم اعلم أن المسلم مطلوب منه إخضاع الواقع ليكون جارياً على مقتضى الشرع، لا مسايرته وموافقته ولو جرى على خلاف المشروع، فمواكبة العصر لا تكون بمخالفة أحكام الله وشرعه.
وأما مراعاة حال حديثي الإسلام، والتدرج معهم في دعوتهم، وعدم تنفيرهم وهم في أول الطريق -فإنه من الحكمة- وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة؛ لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، باباً شرقياً وباباً غربياً، فبلغت به أساس إبراهيم. رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام، منها: إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة - بدئ بالأهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريباً، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة، فيرون تغييرها عظيماً، فتركها صلى الله عليه وسلم.. ومنها: فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا، إلا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك، ومنها: تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم، وأن لا ينفروا، ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه- ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي، كما سبق. انتهى.
هذا وننبهك إلى حرمة الإقامة في بلاد الغرب إلا لضرورة، قال صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا يا رسول الله: ولم؟ قال: لا تراءى ناراهما. رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2007، 10043، 10334، 20063، 37470.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(5/341)
آداب الداعي إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أسرة مكونه من 9 أفراد أب وأم وأخوان و5 أخوات أخي الكبير متزوج بنصرانية ويعمل بالخارج؛ أختي الكبيرة أيضا متزوجة أنا أعزب وأخواتي الأخريات أصغر مني أمي وأبي يصليان ويقرآن القرآن ويذكران الله عز وجل، أخي الكبير يصلي أحيانا ويحاول أن يدخل زوجته إلى الإسلام فقد اشترى لها بعص الكتيبات التي تشرح أركان الإسلام أختي المتزوجة تصلي ولله الحمد هي وزوجها إلا أنها تؤخرها في بعض الأحيان وزوجها لم يعد يحافظ عليها وفي الجماعة كما كان أنا قد أقع في أخطاء ولكن أسأل من الله أن يتجاوز عني، أخواتي الأصغر مني 2 منهن يصلين والصغيرتان في بعض الأحيان أختي الأصغر مني بعامين عصبية في بعض تعاملاتها وفي بعض ردودها والتي في عمرها 13 سنة تشاهد الأفلام والمسلسلات المصرية والمكسيكية والسورية وغيرها والأغاني بكثرة وهي تشاهد التلفاز كثيرا وخاصة الآن مع فصل الصيف وقد تسهر مع فلم مصري حتى 2 ليلا، كما أنها عنيدة وتنتابها بعض الأنانية فهي تحب أن تلبس ملابس أختي الأصغر ولا تريد منها أن تلبس لها ملابسها ونحن ننكر عليها في هذه المسألة، أما في مسألة الغناء والمسلسلات فأنا الذي أنكر عليها كثيرا، أما والدي وإخوتي فقليلا لأنهم يشاهدون بعض البرامج الغنائية والمسلسلات وإذا أنكرت عليهم في بعص الأحيان يقولون أوف أنك تزعجنا، وكذلك إذا كان والدي بحضرتهم قد يشتمني ويقول لي اخرج من هنا دع عنك إخوتك فإنهم ما زالو صغارا كما أنهم لا يخرجون كثيرا فهم يرفهون عن أنفسهم فغيرهم في الشارع يتخبط في المعاصي ويزني، وقد حاولت معهم كثيرا والآن ولله الحمد اشتريت جهازا وأحضر لهم بعص الدروس وقرآن مصور وبعض الرسوم المتحركة الإسلامية والبرامج الوثائقية حتى أوفر لهم بديلا عسى أن يقللوا من تلك المنكرات، ولكن لا يتابعون معي الدروس الدينية إلا قليلا.
وفي النهاية أسألكم أن ترشدوني إلى طريقة أو خطة أتبعها معهم حتى نصير عائلة ملتزمة هادية مهدية متبعة لنهج الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى أزواجه وصحبه أجمعين، كما أسألكم أن تعطوني أسماء مواقع بالإنترنيت للبرامج الوثائقية النافعة والرسوم المتحركة الهادفة والأناشيد الإسلامية ذات الكلمة الأصيلة واللحن البديع والصوت الجميل وكذلك دروس المشايخ والدعاة المرئية وغير ذلك من البرامج المرئية النافعة حتى أحملها على أقراص فتكون بمثابة بديل لي ولأسرتي، وفي النهاية أسألكم الدعاء لنا بالهداية وللمسلمين، وجزاكم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة على ما تقدمونه من خدمة للإسلام والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لك الثبات والاستقامة وهداية أهلك بك، وننصحك بالحرص على البعد عن الجلوس في الغرفة التي تكون بها مرئيات أو مسموعات محرمة، وأن تواصل السير في طريق الهدى والاشتغال بحفظ القرآن والتفقه في الدين، ومصاحبة أهل الخير والحفاظ على الصلاة في المسجد وحضور مجالس العلم ومتابعة ما يبث منها عبر وسائل الإعلام، كما ننصحك بالجد في هداية أهلك وعدم اليأس منهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.
ويمكن أن تستعين عليهم باستزارة من له خبرة في الدعوة حتى يكلمهم، ووفر في البيت ما استطعت من النشرات والكتب والأشرطة المؤثرة فإنها نافعة بإذن الله، واحرص على الإكثار من الدعاء لهم بظهر الغيب، ولا تهجرهم كلياً ولكن لا تشاركهم فيما هم فيه من الأخطاء، ونلفت عنايتك إلى الآداب الآتية:
أولا: املأ قلبك بالشفقة عليهم، وأخلص لله تعالى في إبداء النصيحة، واجعلها ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، فإن هذا عون لك على إصلاحهم.
ثانيا: تخير أحسن الطرق وأفضل الوسائل، كإهداء شريط أو كتيب يتحدث عن المنكر الذي ترغب في تغييره ويقع فيه الأهل.
ثالثا: تخير أفضل الأوقات، فالوقت المناسب عامل مهم في قبول النصيحة، فوقت الغضب لا يصلح لإسداء النصح، والمنهك في عمل عقله منشغل بما يعمل فيه.
رابعا: انتقاء أفضل الكلمات، فانظر إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام كيف كان يخاطب أباه المشرك بألطف العبارات وأرق الكلمات، فيقول الله تعالى في سورة مريم: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا* يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا* يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا {مريم: 42:45} .
خامسا: تجنب النصح علانية فإن ذلك يأتي بنتيجة عكسية، فالنصيحة في السر أدعى للقبول، وفي ذلك يقول أحد السلف: من نصح أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فقد ذمه وشانه.
واعلم أن من أعظم أساليب الدعوة إلى الله تعالى الدعوة السلوكية، وهي أن يطبق المسلم دين الله تعالى، فإذا رآه الناس اقتدوا به وساروا كسيره، وصدق السريرة وصحة القصد هما الأصل الأصيل الذي ينبني عليه قبول الدعوة إلى الله تعالى، لأن ما خرج من القلب يصل إلى القلب، وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان.
والأخذ بأسباب قبول الدعوة مطلوب شرعا، وذلك بأن يتبع الداعي الضوابط الشرعية في أمره ونهيه، وأن يستخدم الأسلوب المشوق في الدعوة إلى الله مع تنويعه، ومراعاة حال المدعو، وكل وسيلة صحيحة يمكن أن تكون عونا للداعي فإن الشرع لا يمنع من استخدامها كالهدايا والتبسم في وجه المدعوين، إلى غير ذلك.
وهناك وسيلة مهمة في الدعوة وهي أن يراك أهلك وإخوانك قدوة في مجال عملك.. إن كانت دراسة فاحرص على أن تكون متفوقا في دراستك، وإن كان عملا عليك أن تكون ناجحا في عملك، وكذا يجب أن تكون قدوة في سلوكك وأخلاقك وتعاونك مع جميع أفراد أسرتك وبالأخص والديك، وأشعرهم بتحملك لمسؤولية البيت.. فهذه أمور مهمة على الداعية الاهتمام بها لأنها صارت في هذا الزمان مقياسا لدى كثير من الناس، وقد سبقت أجوبة كثيرة تحتوي على تفصيل هذه الأمور نذكر منها ما هو تحت الأرقام التالية: 13288، 9358، 7475، 5197.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(5/342)
وسائل لإيصال الحق والإقناع للوالد المقصر في جنب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ملتزمة قريبا ولله الحمد, بدأ الوالد يحافظ على الصلاة ما عدا الفجر وكلما ألححت عليه ليصليه في وقته أجله للصباح علما بأنه يسهر لبعد الفجر, ولكنه يواظب على الصلاة في المسجد لأنه قريب من العمل ولكنه مثلا يصلي العصر في البيت ولا يحافظ عليه في أول الوقت. ولكنه أيضا لا يأمر إخوتي بالصلاة ولو ناما عن صلاة الجمعة. ووالدتي لا تتدخل كثيرا في هذه الأمور.
أولا: كيف يمكنني التأثير عليه وهل لي أن أحذره من لقاء الله وأذكره دائما بتقصيره ولو كره ذلك؟؟ وهل يجب علي متابعته وإخوتي عند كل صلاة ولو كانوا ملوا محاولاتي دون فائدة؟؟ , وهل إذا خاصمته لتقصيره من باب الغيرة على حق الله والحث والتشجيع يجوز؟؟؟
الثاني: وما دور والدتي والحكم في أمرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يثبتك ويرزقك الاستقامة وأن يهدي بك.
واعلمي أنه يتعين عليك بذل أقصى طاقتك في هداية أسرتك لتقومي بواجبك تجاههم، ولتؤثري عليهم ولا تتأثري بهم فيردونك عن الهدى.
وعليك أن تكثري من الدعاء لهم في أوقات الإجابة، والإحسان إليهم، وخدمتهم، واستعيني بالصلاة وباسم الله الأعظم، ودعوة ذي النون، واستخدمي شتى الوسائل لهم في إيصال الحق والإقناع بطريق الهدى، فعظيهم ورغبيهم ورهبيهم، وحاوريهم بالرفق والحكمة من دون خصام، ولا أي أسلوب يفهم منه سوء الأدب أو التعالي عليهم، واحرصي قدر المستطاع أن لا تواجهيهم بما يكرهون، وأحضري في البيت ما تيسر من الأشرطة المؤثرة والرسائل المفيدة، واحرصي على استفادتهم منها.
واستعيني بمن يمكن أن يؤثر عليهم من أكابر قومك وعلمائهم، أو من أئمة المساجد، ولا بأس أن ترسلي للإمام وتطلبي منه الخطبة في موضوع معين.
واستعيني ببعض الأخوات الداعيات في التأثير على والدتك لتقوم بدورها، واطلبي منهن أن يكلمنها في ذلك، واطلبي منهن أن يوصين إخوانهن وآباءهن من الدعاة بالتواصل مع أبيك وإخوتك ودعوتهم ونصحهم وتذكيرهم.
ويستحسن في تذكيرك بالموت ولقاء الله والتحذير من التقصير والتفريط في جنب الله أن تطلبي من أحد إخوتك أن يقرأ لكم في البيت بعض الرسائل التي تتحدث عن هذا الموضوع، أو بعض كتب الترغيب والترهيب، كرياض الصالحين أو المتجر الرابح، أو الترغيب والترهيب.
وإذا كره الأب أسلوبا من الأساليب فحاولي أسلوبا آخر، ولا تدمني على أسلوب يكرهه.
وأما أمك فيتعين عليها القيام بمثل ذلك، فاحرصي على هدايتها وإقناعها بمساعدتك في الموضوع.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 2444، 32781، 11739، 22420
، 19274، 21794، 46898، 35247، 49867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1425(5/343)
الدخول في الإسلام لا يحتاج إلى طقوس ولا أمور رسمية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي خادمة مسيحية أحدثها دوما عن الإسلام وأحببها فيه ولقد قررت أخيراً الدخول في الإسلام عن اقتناع تام، نحن الآن في إجازة في دولة أجنبية لمدة 3 شهور وهي تود الدخول في الإسلام فوراً، أنا أعمل على تدريبها على الصلاة كتدريب، ولكن ليس كصلاة لكي تتعلم، كما أني أحفظها بعضا من القرآن دون أن أسمح لها بلمس القران لأنها إلى الآن لم تنطق بالشهادة وأنا لا أعلم ماذا أفعل معها، وكيف أستطيع مساعدتها في اعتناق الإسلام، ماهي الخطوة التي تستطيع بها إشهار إسلامها، قال لي البعض أنها يجب أن تذهب إلى شيخ وتعلن إسلامها ولكننا في دولة غير مسلمة الآن، وكما تعلم أخاف أن أذهب بها إلى شيخ لا أثق به فقد كثر المدعون وأخاف أن لا يكون مصدر ثقه، لذا أرجو أفادتي؟ وجزاكم الله عني وعنها كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام دين الله الذي فطر عليه العباد، والدخول فيه لا يحتاج إلى طقوس ولا أمور رسمية لأنه رجوع إلى الفطرة التي يولد عليها الإنسان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء، ثم قرأ أبو هريرة (راوي الحديث) فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. أخرجه البخاري ومسلم.
فالواجب على هذه الخادمة النطق بالشهادتين فوراً، ولا يشترط أن يكون ذلك الإعلان أمام أحد العلماء أو في المحكمة الشرعية، وبمجرد نطقها بهما معتقدة معناهما تصبح مسلمة لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم، وحينئذ يجب عليك لها أن تعلميها الصلاة وشروط صحتها كالطهارة -مثلاً- ثم باقي أركان الإسلام، ووجوب طاعة الله تعالى من امتثال أوامره، والانتهاء عما نهى الله تعالى عنه.
ثم إذا عدت إلى بلدك فلتقومي بتسجيل إسلامها في المحكمة الشرعية وتغيير أوراقها الرسمية التي فيها الديانة القديمة لكي تتمكن من الزواج من مسلم ونحو ذلك من المعاملات التي تحتاج إلى شهادة إثبات الدين.
هذا.. وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل أجر دعوتك لهذه الخادمة النصرانية في ميزان حسناتك يوم القيامة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب:..... فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
ونبشرك بأن ما ستقوم به هذه الخادمة من عبادات فإنه سيكون لك من الأجر مثل ما لها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينتقص ذلك من أجورهم شيئاً. رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله أجر فاعله. رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الدال على الخير كفاعله. رواه الترمذي.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1425(5/344)
اعتنق فكرة ويريد ـن يدعو الناس إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الحرمة أن أدعو الناس إلى فكرة اعتنقتها أم أن هذا يعد من تشتيت الأمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الفكرة التي تريد أن تدعو إليها تهدف إلى تحكيم شرع الله، وانتهاج منهج السنة واتباع السلف الصالح، فهذه الفكرة طيبة، وتجب الدعوة إليها، قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] ، وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
والمناسب في هذه الحالة أن يختار الشخص إحدى الجماعات الإسلامية القائمة والتي يراها أقرب إلى الصواب ويدعو إلى فكرته من خلالها، فذلك أفضل من أن يزيد في عدد الجماعات مما يترتب عليه تشتيت الكلمة وتوهين الجهود.
وإن كانت الفكرة التي تقصد هي فكرة منافية للإسلام كالعلمانية والشيوعية والاشتراكية والقومية وما في هذه المعاني، فإن اعتناق مثل هذا حرام، والدعوة إليه أشد في الإثم، لأنه من السنة السيئة التي يتحمل أصحابها أوزار من تبعهم إلى يوم القيامة، فقد ورد في صحيح مسلم عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
وإن كانت لا من ذاك ولا من هذا، بل من الفضول الذي يولع به الكثير من الناس، دون أن يكون له نفع، فالصواب الابتعاد عنها لما في الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه.... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1425(5/345)
المسلم مطالب بالدعوة إلى الله على حسب استطاعته
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما هي الحالة الأفضل مقاطعة شبان لا يرجى فيهم خير أم مخالطتهم وتوعيتهم مع العلم أنهم تاركو صلاة يسبون الدين والجلالة ولا يرجى فيهم خير؟ وإن كانت الإجابة بالمقاطعة فهذا يعني أني سأقاطع على الأقل 80% من الناس في هذا البلد (والله هذا تقديري وتقدير من هم أعلم مني بدون مبالغة) الذي لا أستطيع الهجرة منه لأنى متمسك بديني لذلك منعت من السفر خارج الوطن في عديد من المرات؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأفضل أن تجمع بين نصحهم وإرشادهم وبين عدم الإكثار من مخالطتهم، فإن المسلم مطالب بالدعوة إلى دين الله عز وجل على حسب استطاعته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه الشيخان.
فإن علمت من حالهم أنهم لا يستجيبون وأنهم معرضون إعراضاً تاماً فلا خير لك في صحبتهم، ومقاطعتهم أسلم لدينك، وانظر الفتوى رقم: 9163، والفتوى رقم: 20995 في خطورة قرناء السوء.
وأعلم أن ترك الصلاة وسب الدين وسب الله عز وجل من أكبر الكفر والعياذ بالله، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39575، 33915، 18080، 767، 47738، 11652، 133، 1846.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينك على طاعته وأن يجعل لك من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً وأن ينصر دينه وأن يخذل أعداءه المجرمين الذين يحاربون أولياءه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1425(5/346)
تريد أن تدل أخواتها على طريق الصلاة والإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[عبارات الشكر والثناء كثيرة وعلى كثرتها لم أعرف ما أكتب لأعبر بإعجابي الشديد لكل ما تقدمون من جهود وإبداع راق.
أما أنا فأحتاج منكم النصيحة في أمرين اثنين،
الأول: هو كيف لي أن أنصح إخوتي بالصلاة علما بأن لي من الأخوات 5 أخوات في أعمار متفاوتة ما بين ال24 وال10 سنوات وأي منهن لا تصلي وأنا نفسي ما بدأت أواظب على الصلاة إلا منذ سنتين تقريبا علما بأنني ابلغ من العمر 20 ستة ولا ألوم غير أنفسنا في هذا وإن كان الولدان هداهما الله لم يتبعا الأسلوب الأمثل لتربيتنا على الصلاة منذ الصغر. وسأطلعكم على بعض المعلومات حول صفات أخواتي لتساعد لتكون نصائحكم لي بشكل محدد فهذه المشكلة تؤرقني كثيرا حين أفكر كيف أن إخوتي قد يوصفون بالكفر أحيانا وكيف سيكون المصير إذا ما حدث لإحداهن شيء لا سمح الله فانا أحب أخواتي وأخاف عليهن وأتمنى أن يصلحنا الله جميعا فنكون عائلة مسلمة بحق نتعاون على البر ونجتهد للدعوة.
اكبر إخوتي (س) تبلغ من العمر 24 سنه موظفة في مكان مختلط، مقتنعة بان الإيمان في القلب وأن لا حاجة لأن يعلم به أحد. لا تتقبل مني أي نصيحة أو كلمة وإن حاولت أفتح حوارا بيننا في أي موضوع ديني تهاجمني فتقول لا تتحدثي وكأنك الصالحة أو احتفظي بنصائحك لنفسك علما بأنها في غير مواضيع تعتبرني حفيظة سرها وكثيرا ما تقول لي عن مشاكلها والمواقف التي تحدث لها بالعمل علما بأنني أتضايق كثيرا لأنها ومن كلامها لا تضع حدا للموظفين وتتقبل منهم ما أرفضه أنا كما أنها تهتم بمظهرها كثيرا وتضع الماكياج وتنمص حواجبها هداها الله. هي من الداخل تريد أن تتغير وذلك يظهر من كلماتها ولكنها تخاف ردود الفعل كما أنها لا تريد أن يكون لي صلة بأي تغيير لها.
والأخت الثانية (م) 22 سنه بها بوادر خير لكنها أيضا لا تقبل مني النصيحة ودائما ما تقنع نفسها بأنها مظلومة في المعاملة ولها الحق للقيام بأي خطأ مهما كبر شأنه لما تعانية من مشاكل عاطفية اجتماعية (قلة صداقات \" سابقا\") فذات مرة كشفت محادثتها لأحد الشباب بالخفاء ولم يعلم بذلك سواي وعاهدتني أن تتوقف خوفا من أن أعلم والدي ولكنني ما زلت أشعر بأنها تتلاعب بي وبسمعة العائلة. أما عن الصلاة فهي دائما ما تقول لي بأنني لا أستطيع أن أتحول مرة واحدة ولا بد من القيام بذلك خطوة خطوة وأنا لا أجدها نادمة على ما تقترف من أخطاء بل إنها مقتنعة بأنها ضحية إهمال.
الثلاث الأخريات اصغر مني سنا
(ف) 18 سنه تستمع لنصيحتي وأعتقد بأنها ستداوم على الصلاة قريبا فأنا أشعر بأنها تعاني من صعوبة في البداية فقط وستتجاوزها ان شاء الله
(ت) 13 سنة مقتنعة بأنها لن تحاسب على ما تضيع من صلوات لأنها لم تبلغ بعد وأنها ستصلي حين تبلغ علما بأنها كثيرا ما تجالس (م) وأخشى أن تتأثر بطباعها السابقة، ترى بأنني أبالغ بتديني وبانيي افتقد للمتعة.
والصغرى (ن) 9 سنوات تصلي إن رأتني اصلي بجانبها ويظهر جليا بأنها تتساءل لما لا يصلي الآخرون فإذا ما رأتهم يلهون فضلت اللعب وترك الصلاة ولا أستطيع أن ألومها.
هذه بعض التفاصيل علي أجد المساعدة منكم في الأسلوب الأمثل لدعوتهم للصلاة.
ينقص في النهاية أن أوضح شيئا واحدا وهو صلاة الأم والأب، أما الأم فهي تصلي أحسبها كذلك ولكنها غفر الله لها لا تحرص على المواعيد فقد تصلي الفرض في آخر وقته وقد تجمعها أحيانا دون عذر مقبول، تعاير إخوتي لعدم صلاتهم وهذا لا يحدث دائما وإنما فيما ندر.
والأب كذلك يتهاون في مواعيد الصلاة، نادرا ما كان يشدد علينا بالصلاة وحين يفعل يستخدم الضرب لذلك ولا يصلي بالمسجد ويكره المتدينين ويمنعني من مرافقتهم وحضور مجالسهم ومحاضراتهم.
والأمر الثاني: متعلق بي أنا فانا كما أخبرت لم التزم بالدين إلا منذ سنتين تقريبا وأجد بأنني ما زال أمامي الكثير لأتعلم حول الدين. وإذا ما أردت أن أبدا ما عرفت من أين أبدا، ماذا يتوجب علي أن افعل لأكون مسلمة مثقفة واعية أين أقرأ وكيف أبدا الكتب كثيرة (القرآن والسيرة والفقه) والأساليب أكثر. فأريد نصيحتكم هنا.
جزاكم الله خير الجزاء على كل ما تبذلون من عمل صالح وأعتذر على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي هداك ووفقك للمحافظة على الصلاة ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتك على ذلك حتى الممات، وقد أحسنت كل الإحسان في اهتمامك بأخواتك ودعوتهن إلى فريضة الحجاب، وقطع العلائق مع الرجال الأجانب الذين قد يستدرجونهن ويهتكون أعراضهن ثم يتركونهن ضحية في المجتمع وعارا على الأسرة، ولذا نوصيك بجلسة مصارحة لهن حول هذا الأمر مع إظهار الحب والود لهن، وأنه لا طريق أسلم لهن للسعادة في الدنيا والآخرة من سلوك الصراط المستقيم الذي سارت عليه أمهات المؤمنين والتابعات لهن بإحسان إلى يوم الدين. فإن راجعن أنفسهن وإلا، فاجلسي مع والدك ووالدتك وعظيهما بالاستقامة أولا والمحافظة على الصلاة وأنهما القدوة لأولادهما، وعرفيهما بأن تقصيرهما كان سببا في تقصيرك سابقا وتقصير أخواتك في الصلاة والظهور أمام الأجانب بكامل الزينة ومحادثتهن لهم مما يدعو إلى الوقوع في الحرام وجلب الدمار للأسرة، وكوني حكيمة في عرض الموضوع والنصح للجميع، وننصحك بالمواصلة في كل فرصة ومناسبة، ونحذرك من اليأس والقنوط لعدم استجابتهم، واعلمي أن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، وأن الهداية من عند الله، فقد قال الله تعالى: [إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ] (القصص: 56) . أي من يستحق الهداية ويوفق لها.
وننصحك بجلب بعض الأشرطة والمطويات والكتيبات التي تعالج الانحرافات الموجودة عند أخواتك ووالديك وتقديمهما لهم عسى الله أن يهديهم إلى سواء الصراط.
وأما طلبك للعلم الشرعي فإنه من أهم ما ينبغي لك الاهتمام به، إذ بالعلم الشرعي تعرف الأحكام ويعبد الله على علم وبصيرة، ولتعلمي أن العلم الشرعي يزكو به صاحبه وتعلو مكانته ويرفع الله به درجته ويزيده العلم خشية وورعا وتقوى لله سبحانه وتعالى، وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يسأل ربه الزيادة من العلم، كما قال تعالى: [وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا] (طه: 114) فعلى من أراد السير على هذا الطريق أن يستحضر دائما النية والإخلاص لله سبحانه، وأن يعرف للعلماء المتقدمين من السلف المكرمين حقهم فلا يغمزهم ولا ينبزهم ولا يذكرهم إلا وترحم عليهم، وكذلك يعرف لعلماء عصره حقهم ويراعي الآداب معهم، ويستنير بتوجيهاتهم وإرشاداتهم، وأن يدعو لهم بخير، ثم على طالب العلم أن يبدأ بالأهم فالمهم من العلم فيبدأ بحفظ القرآن أو شيء منه مع قراءة كتاب تقسير مبسط كالجلالين حتى يعرف معاني ما يقرؤه، ثم بمختصر بسيط في العقيدة كشرح أركان الإسلام والإيمان للشيخ ابن عثيمين عليه رحمة الله، ثم بمختصر معه آخر في الفقه كمنار السبيل للضويان ويركز على الأحكام المتعلقة بحياته اليومية كالصلاة والطهارة، ويتقن أحكامهما ثم إن أحب أن يتوسع ويزداد فله ذلك، ومن المهم أيضا أن يتعلم الشخص ما يقوم به لسانه فيتعلم اللغة العربية ويبدأ بالأجرومية وشرحها التحفة السنية، فإن علم اللغة مما لا يستغنى عنه، وقد فرط فيه كثير من الناس، وهذا باب واسع وبحر لا ساحل له، وأوله صعب وآخره سهل، ومما يجدر التنبيه عليه أن طلب العلم لا بد له من صبر ومصابرة، وصحبة مدرس وشيخ عالم وصديق مجتهد حتى يعين السالك على طريقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1425(5/347)
من أساليب الدعوة في البلاد الغير إسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[إني والحمد لله أخت مسلمة وأرتدي الزي الإسلامي وزوجي ملتح، ولكننا نعيش الآن في إحدى الدولة الأوروبية بحكم عمل زوجي، ولكننا لا نعلم كيف ندعو لله وللإسلام وأعتبر لبسي الإسلامي هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لي، فماذا أفعل لكي أفعل شيئاً؟ وهل إن لم أستطع فعل شيء أكثر سوف يحاسبني الله، وهل سوف يشكوني هؤلاء القوم البعيدون تماماً عن الله يوم القيامة لله عز وجل، أرشدوني؟ جزاكم الله عني كل خير مع مراعاة صعوبة ظروف الدعوة هنا وكراهة الناس هنا للمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك إسلامك ويلهمك وسائل الهداية وطرقها لتهتدي وتهدي من قدر الله هدايته من المجتمعات التي تخالطينهم، واعلمي أن أساليب الدعوة إلى الله تعالى تختلف باختلاف الدعاة والمدعوين، ومن أهم الطرق المعينة عليها تعلم لغة المدعوين ومعرفة نفسياتهم وعاداتهم والأبواب التي يمكن ولوجها إليهم، وأن لا تخالف أقوال الداعي أفعاله، وأن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وراجعي في أساليب الدعوة في البلاد غير الإسلامية الفتوى رقم: 28335.
ثم اعلمي أنه لا حرج عليك إذا بذلت ما في وسعك في سبيل الدعوة إلى الله إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وهداية الناس بيد الله وليست بيد أي أحد غيره، فالأنبياء وهم أفضل خلق الله يأتي بعضهم يوم القيامة ولم يتبعه أحد، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد. رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس.
ولم يرد أبداً أن عدم اتباع القوم لنبيهم ينقص من مرتبته هو، لأنه فعل ما أمر به، وليس مطلوباً بأكثر من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1425(5/348)
جماعة الإخوان المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا كان في المنطقة التي نسكن فيها جماعة من فرق غير السلفيين مثل الإخوان، فهل يجوز التحذير منها أم لا، وهل يجوز الجلوس معها أم لا أو الضحك معها مثلاً أو الخروج إلى العشاء معها وبشكل عام مخالطتها، أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجماعة الإخوان المسلمين هي إحدى الجماعات العاملة للإسلام، وقد سبق لنا تعريفات لهذه الجماعة فراجع فيها الفتوى رقم: 38868، وراجع أيضاً الفتوى رقم: 4321، والفتوى رقم: 5900، والفتوى رقم: 21741.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(5/349)
ضوابط العمل الجماعي لنصرة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أتساءل عن حكم الدعوة إلى الله وكذلك الانضمام إلى جماعة إسلامية، هل هو فرض عين على المرأة أم فرض كفاية، وما نصيحتكم لمن يرغب في الانضمام إلى إحدى الجماعات ولكن ما ينفرني هو تلك الفرقة والبغض بين الجماعات وبعضها البعض، ففي بلدنا كل حزب بما لديه فرحون ... والجميع يحاول أن يظهر مدى صحة منهجه على حساب المناهج الأخرى، فهل أكتفي بمجرد أن أكون مسلمة داعية في الحدود الضيقة، أم أتجه إلى ما أميل له وأشعر أنه مطابق للكتاب والسنة، وأنه مناسب لما يقابل الإسلام من تحديات في هذا العصر، ولا ألتفت للانتقادات، الأخرى أفيدوني بالله عليكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الدعوة إلى الله في الفتوى رقم: 29987، وأما حكم الانضمام إلى الجماعات الإسلامية، فلا ريب أن نصرة الإسلام واجب شرعي، ولا يمكن أن تتحقق هذه النصرة على المستوى المطلوب إلا من خلال عمل جماعي، فلا يستطيع فرد أو أفراد متفرقون أن ينهضوا بهذا العبء.
ولذا كان العمل الجماعي لنصرة الإسلام من خلال جماعات أهل السنة العاملة في الساحة الإسلامية أمراً مطلوباً وهاماً، لكن لابد أن يراعى في ذلك عدة أمور:
الأول: أنه لا يجب على المسلم أن ينتمي إلى جماعة بعينها من هذه الجماعات، والأولى له اختيار الجماعة التي يراها أقرب إلى الصواب وأنفع للإسلام والمسلمين.
الثاني: أن لا يكون العمل ضمن جماعة داعية للتعصب لهذه الجماعة، وأن لا تكون الجماعة هي ما يعقد عليه الولاء والبراء، بل الموالاة والمعاداة تكون على الإسلام، والدعوة تكون إلى جماعة أهل السنة، وليس إلى جماعة معينة.
الثالث: أن في هذه الجماعات الصواب، كما أن فيها الخطأ، فيعانون على الخير والصواب، وينصحون في الخطأ، ويعرف الخطأ من الصواب بالعرض على الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه رد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1425(5/350)
أفضل ما يوعظ به
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستشير عن مسألة وهي أنه كان لي صديق مات وهو تاركاً للصلاة ومات أيضا على معصية فهل يجوز لي عندما أنصح أصدقائي أن أستشهد به؟ وأنه يكون مصيره الغالب إلى النار وأنه يعذب الآن في القبر لكي يتعظوا من ذلك فهل على حرج في ذلك الأمر؟
وأخيرا أرجو الدعاء لي ولإخواني المسلمين بحسن الخاتمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لجميع المسلمين الهداية وحسن الخاتمة، واعلم أن الداعية إلى الله يتعين عليه أن يدعو الناس بالوحي المنزل من عند الله كتاباً وسنة ثابتة، فهو أعظم أثراً في القلوب من القصص والحكايات، ويدل لذلك قول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ [الأنبياء:45] ، وقوله تعالى: قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ [سبأ:50] .
ثم إنه لا يجوز لك اتهام صديقك الذي مات أنه من أهل النار أو أنه يعذب في قبره ما لم تكن متأكداً من جحوده لوجوبها، إذ لا يقطع بالنار لأحد إلا من ثبت له الحكم بذلك من خلال نص من القرآن أو الحديث، وما يدريك أنه تاب أو أنه كان يصلي ولم تره أو أن الله يتفضل عليه بالمغفرة.
علما بأن سب الأموات يؤذي الأحياء من أقاربهم وأصدقائهم، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا. رواه البخاري.
فعليك بالسعي في هداية الأحياء واستر الأموات واترك أمرهم إلى الله، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8208، 31033، 4625، 8735، 42381.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1425(5/351)
لا يعلم في الشرع ما يوجب توزيع منشور معين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي شبكة الإسلام www.elislam.net وقد وصلتني رسالة على البريد الإلكتروني التابع للموقع والرسالة هي: السلام عليكم.. أود السؤال عن منشورة تحتوي على تفسير أحداث 11/9/2001 على أنها معجزة قرآنية وتوجب هذه المنشور قارئها على توزيع 10 نسخ منها وإلا عاقبه الله عز وجل؟ وشكراً.، انتظر ردكم على هذه الرسالة التي وصلتني بأسرع وقت ممكن، وشكراً لكم، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله لا يعاقب إلا على ترك فرض أوجب فعله، أو اقتراف محرم حذر منه، وبما أنه لا يعلم في الشرع ما يوجب توزيع منشور معين إن لم يأمر به من تجب طاعته كوالد أو أمير واجب الطاعة وكان نشره مباحاً، فإنه يعلم بطلان ما ذكرت من إيجاب لنشرها وعقاب على ترك نشرها، وأما الكلام على تفسير الأحداث على أنها معجزة قرآنية، فراجع فيه الفتوى رقم: 13034.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(5/352)
قصة وعظية يكثر ذكرها في المنتديات، ولكن..
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي الفاضل لقد ورد في أحد المنتديات هذا الموضوع
رجل استيقظ مبكرا ليصلي صلاة الفجر في المسجد لبس وتوضأ وذهب إلى المسجد وفي منتصف الطريق تعثر ووقع وتوسخت ملابسه قام ورجع إلى بيته وغير ملابسه وتوضأ وذهب ليصلي وفي نفس المكان تعثر ووقع وتوسخت ملابسه قام ورجع إلى بيته وغير ملابسه وتوضأ وخرج من البيت لقي شخصا معه مصباح سأله: من أنت؟ قال: أنا رأيتك وقعت مرتين وقلت أنور لك الطريق إلى المسجد.. ونور له الطريق للمسجد وعند باب المسجد قال له: ادخل لنصلي.. رفض الدخول وكرر طلبه لكنه رفض وبشدة الدخول للصلاة
سأله: لماذا لا تحب أن تصلي؟ قال له: أنا الشيطان أنا أوقعتك المرة الأولى لكي ترجع إلى البيت ولا تصلي بالمسجد ولكنك رجعت ولما رجعت إلى البيت غفر الله لك ذنوبك،،
ولما أوقعتك المرة الثانية ورجعت إلى البيت غفر الله لأهل بيتك،، وفي المرة الثالثة خفت أن أوقعك فيغفر الله لأهل قريتك.
فلا تجعلوا للشيطان عليكم سبيلا
وعندما رددت عليه بأنه باطل ولا أصل له وأن فيه كذبا على الله عز وجل أنكروا علي ذلك وقالوا إن صاحب الموضوع قصده النصح فما تشيرون علي جزاكم الله كل خير وبارك الله فيكم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
هذه القصة يكثر ذكرها في المنتديات وليس عندنا ما يفيد إثباتها ولا نفيها.
ولكنا ننصح جميع المرشدين والناصحين بالاعتناء عند قيامهم بالنصح بالوحي المنزل من عند الله، فهو أشد تأثيرا وأوقع في القلوب.
وقد قال الله تعالى: [قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ] (الأنبياء: 45)
وقال تعالى: [وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ] (الأنعام: 19)
وقال تعالى: [قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي] (سبأ: 50)
ومن نظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فسيلا حظ كثرة ذكر الرواة أنه دعا قوماً وقرأ عليهم القرآن.
فقد ثبت ذلك في الصحيحين وفي غيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(5/353)
مسألة في الخروج في سبيل الله لغرض الدعوة ونشر الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية أود أن أشكركم جزيل الشكر على تعاونكم معنا جميعاً في إعطاء الإجابة الصحيحة لكل سؤال فأنتم أفضل مرجع. وجزاكم الله كل خير.
أما السؤال:
هناك امراة متزوجة من رجل كثير الخروج في سبيل الله (لنشر الاسلام) وهي مريضة وتعيش مع زوجها لوحدهما. إلا أنها تعارض خروج زوجها وتتشاجر معه بسبب ذلك.
هل تستمر بمعارضتها لخروج زوجها أم عليها أن لا تعارضه على ذلك. فما حكم الدين؟؟
الرجاء الإفادة وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا ينبغي للمرأة أن تعارض خروج زوجها في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، بل عليها هي أن تكون داعية في بيتها ولا ينبغي أن تتشاجر معه لأن له الحق في أن يخرج في أي سفر فكيف بالدعوة إلى الله؟! هذا ما دامت نفقته جارية عليها، أو لم يطول خروجه تطويلا تتضرر به، وعلى الرجل الذي يخرج في سبيل الله أن لا يضر بزوجته، بل عليه أن يجمع بين الخروج والقيام بحقها، لأن لها الحق عليه ولا سيما إذا كانت تتضرر بغيابه عنها، وليتذكر قول سلمان لأبي الدرداء: وإن لزوجك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه، فعليه أن يوازن بين هذا وذاك، وإننا ننصح الأخ الكريم أن يركز في دعوته على بلده الذي يسكن فيه ما دامت زوجته مريضة، وله حينئذ أجر الدعوة والخروج إن شاء الله تعالى، بل قد يكون تركيزه على بلده أفضل من الخروج إلى غيره، لأنه ما من شخص إلا وله جماعة يحيطون به يحتاجون إلى الدعوة وإلى التذكير بأوامر الله، والمعروف أن الجيران والأقارب أولى من غيرهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ في دعوته بأقاربه. وقد أنزل الله عليه: [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ] (الشعراء: 214) ولتعلم الأخت المذكورة أن الدعوة ليست خاصة بالرجال، بل هي أمر واجب على كل مسلم ومسلمة بحسب استطاعته وقدر علمه، وإذا لم تكن هي داعية فعليها على الأقل أن تساعد زوجها على ذلك فيما لا تتضرر به كما تقدم.
ولبيان وجوب الدعوة إلى الله يرجى مراجعة الفتوى رقم: 29987.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(5/354)
علاج الانتكاس بمعرفة أسبابه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية التعامل مع المنتكس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وأما كيفية التعامل مع المنتكس فاعلم أن أسباب الانتكاس كثيرة وبمعرفة سبب انتكاس هذا الشخص يمكنك التعامل معه بشكل صحيح؛ كما قال الإمام الغزالي في ذكر علاج الغيبة قال: أما طريق علاجها على التفصيل: فينظر إلى حال نفسه، ويتأمل السبب الباعث له على الغيبة فيقطعه، فإن علاج كل علةٍ بقطع سببها.
فحاول معرفة أسباب انتكاس صاحبك وتعامل معه على ما يقتضيه الحال، فعلى سبيل المثال: إن كان انتكاسه بسبب صديق الماضي فيكون التعامل معه ونصحه بترك هذا الصديق وتعويضه عن هذا الصديق بأصدقاء صالحين ملتزمين، وإن كان انتكاسه -مثلا- بسبب عدم فهم الشباب الملتزم فهماً صحيحاً فيبين له أن هؤلاء الشباب بشر، يخطئون ويصيبون، وأن منهم من التزامه التزاما أجوف، وأن بعضهم لم يربوا تربية إسلامية سليمة، ولذا قد يبدر منهم بعض التصرفات فعليه أن لا يحسب تلك التصرفات من الدين بل هي تصرفات شخصية لا تمت للدين بسبب.
وقس على ذلك بقية الأسباب. وطبعا هذا يحتاج إلى فهم عميق بحال المدعو وللأسلوب الأمثل للتعامل معه فإن كان لديك القدرة على القيام بهذا العمل وإلا فاستعن بمن تعرف من الدعاة والشباب المؤثرين، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1425(5/355)
شرف الغاية لا يسوغ استعمال الوسيلة المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في منشأة ومعي تصريح الدخول على الإنترنت، ففكرت أن أقوم بنشر الإسلام عن طريق استخدام الإنترنت وأن أدخل على مواقع مختصة بالإسلام وبالتالي أقوم بطباعة موضوعات معينة عن الإسلام حتى أقوم بنشر ما طبعته بين أفراد غير مسلمين، فهل قيامي بذلك العمل يعتبر مخالفة حيث إني أستخدم أوراق المنشأة وهذا يسبب تكاليف على المنشأة، فهل أنا آثمة، أفتونا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن هذه الفكرة فكرة ممتازة يمكن أن تنالي بها الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى إذا أخذت طريقها الشرعي الصحيح، لأنها نوع من أنواع الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه والجهاد في سبيله.....
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. رواه مسلم.
ولكن لا بد من الإذن من أصحاب العمل أو المؤسسة حتى لا يكون في ذلك تعد على ممتلكاتهم وحقوقهم، فإذا أذنوا لك فذلك المطلوب، وإلا فلا يجوز لك استخدام أدواتهم وأوقات عملك التي هي ملك لهم إلا بالإذن منهم، وشرف الغاية هنا وهو الدعوة إلى الله تعالى لا يسوغ استخدام الوسيلة المحرمة، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41556، 31218، 43622.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1425(5/356)
تنوع طرق النصيحة من أسباب الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[طالب يعلم أن أحد الطلاب لا يحرص على الصلاة بل يكرهها وإذا أكره عليها ذهب إلى المسجد بلا وضوء وإذا كبر الإمام تكبيرة الإحرام انسل وخرج من المسجد ويكره سماع القرآن وتلاوته وإن اضطر فبلا طهارة وعنده منكرات كثيرة كالغناء والتعلق بالصور وغيرها مع قسوة والديه عليه وضربهما له وقد نصحته مراراً ولكن لم يستجب بل طلب مني عدم التعرض للموضوع مطلقاً وأحرص على دعوته فما الوسائل التي يمكن أن أسلكها معه لذلك وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تنوع في أسلوب النصيحة لهذا الأخ، لعل الله تعالى أن يهدي قلبه ويشرح صدره لنوع من الموعظة.
فتكون تارة بأسلوب الترغيب في الخير، وذكر ما أعد الله تعالى لعباده المؤمنين من النعيم المقيم الأبدي في دار الآخرة مع ما يجدونه من طمأنينة في القلب وسعادة في الدنيا، وتارة يكون بأسلوب الترهيب من العقوبة وبالتخويف من تعجيلها في الدنيا.
ويمكن أن تستعين عليه ببعض أصدقائه ومن يثق فيهم من زملائه، ولا تمل من نصيحته وتوجيهه والبحث عن الأسلوب الأنسب وتحري الأوقات والأماكن المناسبة.
ولتعلم أن المعاصي إذا كثرت على القلب أظلم ونفر من كل خير وأصبح يتضايق ويشمئز من ذكر الله تعالى والحديث في الدين والثواب والعقاب.. ويطمئن ويستأنس بالحديث عن الدنيا ومتاعها وشهواتها..
كما قال تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون "
وقال تعالى: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ".
فعليك بالصبر على هذا الأخ لعل الله تعالى أن يهديه على يديك فتنال بذلك ما وعد به رسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: لأن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 20760.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1425(5/357)
من طرق الدعوة وأساليبها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا جديدة في التوبة ولتذوقي لحلاوة التوبة أردت لكل صديقاتي أن يتذوقن هذه الحلاوة إلا أنه لدي إحدى صديقاتي لا تريد أن تلتزم أحيانا عندما أتحدث معها على الحجاب أجدها تغضب حتى إنها الآن لم تعد تكلمني وتتهرب من التحدت معي والآن لا تكلمني أبدا لسبب أنني تحدثت معها عن أن تلزم في حجابها
وأتمنى منك أن تهديني لكيفية هداية صديقتي هذه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولا نحمد الله سبحانه وتعالى على ما من به عليك من التوبة والاستقامة، كما نسأله تعالى أن يوفقك للاستقامة على هذه التوبة.
ونشكرك كذلك لحرصك على هداية الآخرين، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم ناصحا محبا لهداية للآخرين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم في حديث تميم الداري، وأحمد من حديث ابن عباس وغيرهما.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. رواه البخاري.
وأما طريقة دعوة هؤلاء الفتيات، فإن الله عز وجل بين في كتابه طريق الدعوة فقال: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ] (النحل:125) .
فالدعوة تكون بالحكمة. قال ابن جرير: وهو ما أنزله الله من الكتاب والسنة، وبالموعظة الحسنة، كذكر الزواجر والعقاب الذي أنزله الله على الأمم الماضية، والتذكر بالجنة والنار ونحو ذلك.
وبالمجادلة بالتي هي أحسن، لمن احتاج منهم إلى جدال ومناظرة، فيناظر بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب.
وقوله تعالى: [إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ] الآية. أي قد علم الشقي والسعيد وكتب ذلك عنده في اللوح المحفوظ وفرغ منه، فادعيهم إلى الله ولا تذهب نفسك على من ضل منهم حسرات، فإنه ليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء، وينبغي أن تستعيني بوسائل التأثير، ومن أهم ذلك أشرطة المواعظ والمحاضرات الدينية، فإذا سلكت هذه الطريقة في الدعوة فقد أحسنت، واحذري التشديد في الدعوة لأن ذلك سبب في نفور المدعو، وقد قال تعالى: [وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ] (آل عمران: 159) .
وننصح السائلة بالرجوع إلى الفتاوى التالية: 18119، 17037، 6226، 3350، 5413.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(5/358)
الكل مدعو لجمع كلمة المسلمين وتقريب وجهات النظر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد اشرف المرسلين
أما بعد أود أن أتقدم بسؤال إلى فضيلتكم راجيا من الله عز وجل أن ينور قلوبنا وأبصارنا وأن يطيل في عمركم. الموضوع يتعلق ببناء مسجد ومركز ثقافي إسلامي في مدينة أورهوس\\الدنمارك حيث أقطن. أنا عضو في جمعية من أجل تأسيس مسجد ومركز ثقافي إسلامي في أورهوس. أريد أن أشير أولا أنه لا يوجد أي مسجد في هذا البلد وهو الدنمارك. فالمسلمون لم يوفقوا إلى الآن في بناء مسجد لهم. هناك مشاكل عديدة حالت دون إنجاز مسجد في هذا البلد ومن أهمها انقسام المسلمين فيما بينهم. فهناك الكثير من المجموعات من المسلمين لا تتفق فيما بينها بل تعمل على ضرب أو قذف بعضها البعض. المهم المشكلة الرئيسية التي تعترضنا نحن في جمعيتنا هي كيف نجمع المسلمين هنا لكي يتفقوا على الحد الأدنى حول إنجاز هذا المشروع. مع العلم بأن الدنماركيين والدولة الدنماركية رحبوا بهذا المشروع لكنهم لا يقبلون أن يبنى مسجد لكل طائفة. فالشرط هو أن يتفق المسلمون فيما بينهم أولا.
سؤالي بالتحديد هو كالآتي: يوجد في مدينتنا مسلمون سنة ومسلمون شيعة وهدفنا هو أن يكون المسجد للجميع بقطع النظر عن المذهبيات. فماذا يقول الشرع في هذا الموضوع المحير؟ هل هناك مخرج شرعي لحل هذه المشكلة؟ وماذا سنقول لمسلمي السنة ومسلمي الشيعة في قضية الصلاة والخطبة وغيرها من الأمور التعبدية؟ هل يمكن للسني والشيعي أن يكونا في نفس المسجد؟ فبماذا تنصحنا جزاكم الله خيرا؟ هل نواصل عملنا في هذا المشروع أو نعدل عنه تماما وكفى المسلمين القتال؟ جزاكم الله خيرا كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أهمية الدعوة إلى الله تعالى وجمع المسلمين عليها، وبناء مقر لها، وخاصة في تلك البلاد.
فقد قال الله عز وجل: [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ] (فصلت:33) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجورهم، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا. رواه مسلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة كان أول عمل قام به هو بناء المسجد.
وقال صلى الله عليه وسلم: من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة. رواه أحمد وأصحاب السنن.
ويشتد الأمر تأكيدا إذا كان ذلك في بلد لا يجد فيه المسلمون مكانا يؤدون فيه فريضة ربهم، ويقومون فيه بواجب الدعوة والتواصل والتعارف والتعاون على البر والتقوى.
والذي ننصح به السائل الكريم هو وإخوانه: أن يواصلوا جهودهم لجمع كلمة المسلمين وتقريب وجهات النظر حتى يجتمعوا على كلمة سواء، بحيث يكون الجميع يؤدي الصلاة في المسجد ويلتقي في المركز، ويشارك في أعماله.
ولكن يجب أن يكون الإمام متقيدا بالسنة عاملا بها، وراجع الجواب: 1449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(5/359)
هل تأمر المرأة الرجال بالمعروف وتنهاههم عن المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في إحدى المراحل التعليمية عندما دخلت هذه المرحلة فلم أجد أحداً متمسكاً بالدين وبفضل الله وحده أصبح هناك فتيات كثيرات متمسكات بالدين وبحجابهن، لكن في هذه المرحلة هناك اختلاط وأنا أجد الشباب في حالة سيئة في البعد عن الله، فهل لو نصحت لمجرد النصيحة ومن وراء حجاب بحكم إني منتقبة فهل في هذا إثم، بقولي مثلاً هذا حرام هداك الله لأنها أفعال تثيرني غضباً، أرجو الإفادة ومعذرة للإطالة، ووفقني الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك ويرزقنا وإياك الاستقامة على طريق الخير، ولتعلمي أن الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لكل مسلم فرض على كل مسلم حسب وسعه واستطاعته بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، فالدعوة إلى الله تعالى مهمة الأنبياء والمرسلين ومن اتبعهم، قال الله تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] ، وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم.
ولا بأس في أن تأمر المرأة غيرها من الرجال بالمعروف أو تنهاه عن المنكر إذا أمنت الفتنة عليها وبها، كأن تكون كبيرة في السن أو أن تفعل ذلك بحضرة جماعة من النساء، وإلا فلا، ونحن نحذر الأخت السائلة من أن يجرها الشيطان من هذا الطريق إلى ما لا يحمد، ولمزيد الفوائد عن مواصفات المرأة الداعية نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 40262.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(5/360)
التحلي بالصبر في الدعوة إلى الله مطلوب من الداعية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أصدقاء معي في حجرة للدراسة وهم لا يصلون ولا يذكرون الله إلا قليلا أو لا يذكرونه طول اليوم إلا للحلف أو القسم وأنا الحمد لله لا يوجد للشيطان باب للدخول إلي أنا أريد ما حكم مصادقة أو متابعة مثل هاولاء الأصدقاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام الساكنون معك بالصفة التي ذكرت فمهمتك أن تجتهد في نصحهم ودعوتهم إلى طريق الاستقامة، مع مراعاة الحكمة في ذلك والتدرج، واتخاذ الأسلوب والوقت المناسبين، والاستعانة بالصالحين من المشائخ والشباب الذين يمكنك اللقاء بهم، وأن تجلب لهم بعض الأشرطة والكتب التي تعالج الانحراف الواقع فيه هؤلاء الشباب، عسى الله أن يجعل هدايتهم على يديك وفي ذلك من الأجر ما لا يخفى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
ومن الأهمية بمكان التحلي بالصبر في هذا الأمر اقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم ببقية أولي العزم من الرسل، فقد قال الله تعالى مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (الاحقاف: من الآية35) ، ولك أسوة في صبر نوح عليه الصلاة والسلام على دعوة قومه إلى الحق مع عنادهم وابتعادهم عن قبول ما يدعوهم إليه من عبادة الله وتوحيده، حيث قال: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً*فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً*وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً*ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً*ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (نوح:5-9) ، ولا بد أن تفرق بين مقامك معهم للدعوة وبين اتخاذهم أصدقاء، فالأول هو المطلوب دون الثاني بحيث تظهرلهم عدم رضاك عما هم عليه، وأنهم لو استقاموا لكنت صديقا وفياً لهم ونحو ذلك، فإن خشيت على نفسك الانحراف بالبقاء معهم فابتعد عنهم، ولا تخالطهم إلا لما لا بد منه ضمن الضوابط والحدود الشرعية، وننبهك إلى أن قولك (وأنا والحمد لله لا يوجد للشيطان باب للدخول إلي) لا ينبغي لما فيه من دعوة للغرور والاحتقار للآخرين، لأن المسلم ينبغي له أن ينظر إلى نفسه بعين التقصير وإلى غيره لا سيما العصاة بعين الشفقة وحب الخير لهم، وكره ما هم عليه من المعاصي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(5/361)
ضوابط إباحة دعوة المرأة للرجال من خلال الشات
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنامحمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد..
أبدأ باسم الله وأقول قصتي عسى أن تجدوا لي حلاً.. أنا بنت عمري21 سنة من عائلة على دين وأخلاق ولله الحمد، غرني الشيطان ودخلت إلى الشات لأني كنت أريد أعرف كيف الناس يعيشون وأعرف أفكار الناس لأني لا أعرف كيف الناس يعيشون في هذه الدنيا وأريد أن أعرف كيف طباع الناس ... المهم كنت في الشات ولله الحمد أوعي الناس إلى ذكر الله والعبادة وكانوا يقولون لي عن مشاكلهم وكنت بالنسبة لي وبنيتي الصادقه أقول لهم اذكرو ربكم الله يذكركم وهذا كله من فضل ربي.. صادفت رجلا في الشات كان ضائعاً في هذه الدنيا دخل هذا الرجل للشات بسبب أنه يريد أن ينسى ماضيه والمشاكل التي وراءه كان هذا الرجل يخبرني عن مشاكله وعن المواقف التي تصادفه ومع العلم فإن هذا الرجل له مكانة في بلده وكنت كالعادة أذكره بالصلاة في كل أذان وأذكر مرة كانت له مشكلة فيها إهانة كرامته من قبل رجل له مكانة كبيره في البلد الذي يعيش فيه فقلت له اذهب وصل ركعتين لله واقرأ قرآناً وارجع ففعل الرجل كما قلت له فأذن لصلاة الظهر وذهب الرجل كعادته للصلاة في المسجد وسبحان الله تيسرت كل أموره في لحظة ذهابه للمسجد إذ جاء إليه رجل من قبل الرجل الذي أهانه واعتذر له ومرت الأيام ونجح هذا الشخص في عمله نجاحا بدرجة لا يشهد بها وتيسرت كل أموره وتعلق هذا الرجل في بسبب أني بنت على دين وأخلاق وعلم بنيتي الطيبة وبقلبي الخالي من أي شر وذلك اليوم طلب مني أن يتقدم لخطبتي فقلت له يا أخي إذا تريد الزواج على سنة الله ورسوله تقدم لي عند أهلي فأنا لا أقدر على أن أقول لك إني موافقة أم لا حتى يسألني أهلي عنك وعن أخلاقك ومع العلم بأن هذا الرجل من بلد آخر فأهلي محافظون (وهذ عندما تركت الشات بسبب أني علمت أن الشات حرام) فقال لي أنا أريد أن أتزوجك لدينك وأخلاقك وعلمك ومرت الأيام وذات يوم قال لي أريد أن أكلمك بموضوع وهذا سبب دخولي للشات وعسى أن تسامحيني فقلت له ربي يسامحك على ما فعلت فقال لي بموضوع شيب شعر رأسي فما توقعت منه فقال لي قد تبت توبة نصوحاً من زمن قبل أن تدخلي في حياتي وعسى ربي يغفر لي كل ذنوبي ودخلتي في حياتي وعلمتيني ما كنت أعلم به فما توقعت منه أن يأتي منه هذه المصيبة لأن هذه المصيبه صارت من زمان وهو صغير في العمر وقد سمعت من أقربائه أنه كان مسحورا (وعسى ربي يغفر ذنوبه) فقلت له يا أخي ربي يسامحك واتركني في حال سبيلي فقال لي لا أقدر لأني أريد أن أتزوجك بنية صافية فأنا تعلقت بك ولا أنسى فضلك علي فقلت له لا أقدر لأنه إذا علم أهلي بمصيبتك مستحيل ثم مستحيل أن يوافقوا على زواجي لك ومرت الأيام وتركته وكنت أفكر فقلت لنفسي قد ظلمت هذا الرجل فقد تاب وهو نادم على فعلته وذات يوم كلمته فقال لي يا أختي أنا قد تبت لله فقلت له يا أخي انس هذه المصيبة وأنا أريد أن أقول لك أن تذكر ربك فيذكرك واترك متاع الدنيا التي لا تدوم وافعل الخير حتى تقدم لربك عند الممات واستغفر ربك أكثر وأكثر وتصدق ببعض من أموالك وادع ربك أن يرزقك على قدر نيتك ... الخ وانس الفتاة التي ساعدتك في محنتك وأنا بالنسبة لي سوف أستر عليك في الدنيا والآخرة، لأن من ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة فقال لي لا أقدر أن أنسى الفتاة التي ساعدتني وجعلتني رجلا ناحجا في حياتي وقال أيضا أنا سوف أتقدم لخطبتك قلت له أنت لا تعرف من أنا (ومع العلم بأنه لم يسمع صوتي ولا حتى شكلي) فقال سوف أبحث عنك إذا انتهيت من عملي فقلت له انسني فلا أريد لك إلا الخير فما فعلت شيئا لكي تتقدم لي ولا أنا أفكر بالزواج لأني أنا أريد أن أهتم بدراستي فقالي لي أنا سوف أنتظرك حتى تنتهين دراستك فأنا أريد أن أتزوجك لدينك وأخلاقك وعلمك وأريد أن ننجب أطفالا تربينهم على الدين.......
وهذه هي قصتي يا أهل الخير وعسى أن ترون حلا لي.. إذا تقدم لخطبتي هل أوافق عليه أم لا؟
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على المرأة في أن تشارك في الشات لأجل الدعوة إلى الله عز وجل ونشر الحق وهداية الخلق، مع ضبط ألفاظها من الاسترسال في التعرف على مشاكل الرجال وإقامة علاقة معهم، ونحو ذلك، وإنما يكون همها وجهدها منصباً على معالجة الانحراف وعرض الحلول له، ولمزيد من الفائدة عن هذه النقطة تراجع الفتوى رقم: 30911.
وأما الحل لما سألت عنه، وهو هل تقبلين بهذا الرجل زوجاً أم لا؟ فالجواب أنه إذا تبين لك أنه قد تاب مما وقع فيه من المخالفة الشرعية التي وصفتِها بالمصيبة، فلا حرج عليك أن توافقي عليه إذا تقدم إليك وخطبك عن طريق وليك، ولا يشترط أن يعلمه بما حصل منه، قبل ذلك ما دام قد تاب وأناب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1425(5/362)
الداعي يتخذ كل ألوان الدعوة المشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله الخير على هذه الزاوية الرائعة ووفقكم لخدمة الإسلام والمسلمين.
أنا فتاة متحجبة أعمل في منظمة دولية وأتعامل مع أجانب بكثرة، والحمد لله أحافظ على صلاتي وصيامي وعباداتي بشكل كبير، وألتزم بالدين على قدر استطاعتي. ولكن لدى تساؤلات بشأن الفتيات المتواجدات معي في العمل، حيث أريد هدايتهن وارشادهن للطريق القويم، ولكن أفاجأ بأن لديهن انفتاحاً كبيراً على بعض الأمور التي لا أقبلها، فماذا أعمل، هل أتماشى معهن بنية هدايتهن وتقويمهن، أم أتجنبهن حتى لا يؤثرن علي؟ بالرغم من أنني لا أتأثر والحمد لله بالجانب السلبي منهن، وبالرغم من أنني أرفض الكثير من تصرفاتهن.
افيدوني، جزاكم الله الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نسأل الله تعالى لك التوفيق، وأن يجعلك من الداعيات إلى الله بحكمة وموعظة حسنة، ثم اعلمي أن عمل المرأة في الأماكن المختلطة الواجب تركه، إلا إذا دعت إليه حاجة وتوافرت الضوابط الشرعية لذلك، كما بينا في الفتوى رقم: 8360.
أما بخصوص إرشادك لزميلاتك في العمل فهو أمر مطلوب شرعاً، ولك أن تتخذي معهن جميع السبل المشروعة لعودتهن إلى تعاليم دينهن الحنيف. وذلك امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصحية، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(5/363)
الإيهام لمصلحة الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء سيدنا محممد وعلى آله وصحبة أجمعين..
ولكم التحية
سؤالي: أنا شاب هداني الله والتزمت والحمد لله وأحاول مساعدة أصدقائي المقربين ... ولكن الحديث معهم مواجهة صعب أي لا يسمعون لي ويستهزئون بما أقول فقمت باكتشاف طريقة جديدة بالحديث معهم عن طريق الشات دون أن يعرفوا أنني أعرفهم ... متنكراً في شخص فتاه نموذجية ... ووجدت أنها طريقة ناجحة جداً ... فهل عدم صدقي معهم هذا يعتبر من الكذب ... أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام في هذا الإيهام الذي تقوم به مصلحة شرعية وهي هداية هؤلاء الشباب فلا شيء في ذلك، وننصحك أيضاً بمواصلة نصحهم المباشر، ونسأل الله جل وعلا أن يسددك ويجعل هدايتهم على يدك إنه على كل شيء قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(5/364)
من الأسباب المعينة للخطيب على التأثير في سامعيه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن للخطيب أن يلقي خطبة مؤثرة في يوم الجمعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم.
لذا، فإن من أعظم ما يعين الخطيب على التأثير على سامعيه انفعاله مع ما يتكلم به، بحيث يكون نابعاً من قلبه، ومما يعين على ذلك أيضاً تلاوة آية أو آيات من القرآن تناسب المقام، لما للقرآن من تأثير عظيم على قلوب سامعيه، وكذلك التركيز على حال الأمم السابقة، وأخذ الدروس والعظات والعبر مما أصابها، ومن المعلوم أن أسلوب القصة من أحسن الأساليب في التربية، ومن هنا فقد ركز عليه القرآن كثيراً.
ثم إن مما يعين الخطيب في التأثير على سامعيه استغلال الأحداث ليعالج ويوجه من خلالها إلى الصواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(5/365)
الرفق والتلطف مطلوبان في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيوخنا الأفاضل..: إذا كنت جالسة في مكان وكان هنالك نساء يغتبن أخريات يجلسن خلفي ... فماذا علي أن أفعل، هل أنهاهم عن المنكر أم أحاول ألا أسمع حديثهم، علما بأنني في مرات عندما نهيت إحداهن قالت لي إن ما تقوله ليس نميمة وأنه لا يجب علي أن أعلق على كل شيء، علما بأنني إذا سمعت إحداهن تتحدث عن أحد أقول لها مثلاً (لا تتكلموا على الناس) أو (اتركوا المخلوقة في حالها) أو (غيروا الموضوع) ، وتحدث مناوشات في بعض الأحيان وأحس أن هذا يضايق بعضهن ... وطبعاً عندما أقول لهم هذا الكلام فإن غيري يسمعه (من يجلسون معنا في نفس المكان) ، فهل يجب علي أن أقول لها مثلا فيما بعد بدون أن يسمعنا أحد لا تتكلمي على الناس فإن هذا حرام وأنا أخاف عليك من العقاب، أو أقول لها ذلك في وجهها حتى لو سمعنا الآخرون، وهل يعد من الغيبة مثلا إذا قالت المرأة فلانة (تقهرني) لأن فيها صفات لا تعجبني، فهل هذا يعد غيبة إذا لم تقل ما هي هذه الصفات، أم أنها بكلامها توحي بأنها امرأة غير جيدة في عملها مثلا، وهل يعد (الإيحاء) بأن شخصاً ما سيئ في عمله أو فيه صفات غير جيدة من الغيبة إذا لم يتم ذكر الصفات السيئة ... إن هذا الأمر سبب لي الكثير من المشاكل خصوصاً مع أقرب الناس مني وبعض الزميلات في المدرسة، وإذا سمعت كلاماً منكراً من أحد الأقارب وكان أكبر مني وهو (شخص بالغ) ، فهل يجب علي أن أنهاه إذا كان يترتب على نهيي للمنكر كلام سيئ في حقي وسب واحتقار ومشادات كلامية، صدقوني كثير من المشاكل حصلت جراء نهي عن المنكر وأنا لا أريد من الناس أن يكرهوني أو يتضايقون مني، وهل يعد الكلام الذي ذكرته أعلاه عن هؤلاء الناس من الغيبة إذا كان بقصد الاستفسار عن الحكم والفتوى، والمعذرة على الإطالة، وأرجو رد الجواب في أسرع وقت ممكن؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو الله أن يتقبل منك غيرتك للدين ونهيك عن المنكر، واعلمي أن واجب المسلم إذا رأى منكراً أن يغيره حسب الطاقة امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم وغيره.
والغيبة هي أحد المنكرات الشديدة التي نهى الله عنها، قال الله تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12] ، وقال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة:1] .
وينبغي لمن ينهى عن المنكر أن يعامل الناس بالرفق ويتلطف في دعوته لهم، فذلك أزكى عند الله، وأدعى إلى الاستماع إليه، ففي الصحيحين من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب الرفق في الأمر كله. وعنها أنه قال: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه.
ثم إذا لم ينتهوا وجب على الإنسان أن يفارقهم، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:40] .
ثم عما إذا كانت الألفاظ المسؤول عنها من الغيبة أم لا، فإن الغيبة قد عرفها العلماء بأنها ذكر المرء أخاه بما يكره، ففي الحديث: قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره.
فالعبارات التي ذكرت إذا كان فيها أي نوع من الاستهزاء فإنها تعد غيبة، وكذا الإيحاء بأنها امرأة غير جيدة، وراجعي فيه الفتوى رقم: 41438، وقد تباح الغيبة لأسباب تمكنك مراجعتها في الفتوى رقم: 6710.
واعلمي كذلك أن تغيير المنكر يجب ولو كان مرتكبه أكبر من المنكر، ولكن لكل مقام مقالاً، فمن تخاطب من هو أكبر منها سنا تحتاج من المرونة في اللفظ واللين في الأسلوب والخضوع والتواضع أكثر مما لو كانت تخاطب من هي في سنها أو أصغر منها.
ولا يردنك ما يوسوس به لك الشيطان من أنك إذا نهيت عن المنكر سيكرهك الناس أو يتضايقون منك، أو ستجدين مشاكل، هذا يمكن أن تجدي مثله من أهل الشر فقط، أما أهل الخير فسيحبونك لما تقومين به، وعلى افتراض أن الناس سيكرهونك فإن ذلك لا يثني المؤمن عن أداء واجبه، فطريق الجنة محفوف بالمكاره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1425(5/366)
كيفية دعوة تارك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً لكم على الإجابة لكنني أريد توضيحاً أكثر فيما يخص:
1- كيفية الدعوة إلى الصلاة (مع العلم أن الشخص الذي حدتثكم عنه هو إحد أقربائي وهو كبير في السن ولكن لا يصلي وهوعصبي المزاج، لهذا أتردد دائما في مناقشة هذا الموضوع معه) ؟
2- إذا تركته دون نصح خوفا منه، فهل أكون قد أجرمت في حق الله تعالى وحق هذا الشخص وهل سيعاقبني ربي على هذا، علما بأنه سبق وأن ذكره أحد أفراد العائلة بالصلاة فصلى لفترة وجيزة ثم عاد إلى التكاسل) ؟
3- بالنسبة للمصافحة أنا لا أمد يدي للسلام، لكن عندما يمد رجل يده للسلام علي أجد صعوبة في رفض السلام عليه, إلي بالنسبة لبعض الأشخاص اللذين أعرف سوء نيتهم فأنا أرفض السلام عليهم، وذلك بتجاهلهم رغم أنني أشعر بكرههم لي لأجل هذا لكنني لا أهتم لأنني أعرف أني على صواب) ؟ وشكراً لكم وعفواً على الإطالة، وجزاكم الله خيراً، وأعانكم على نصحنا وفعل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطريقة دعوة شخص إلى الصلاة تختلف باختلاف الأشخاص فمنهم من تؤثر فيه الموعظة الحسنة بالرفق واللين وذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وبعض القصص الواردة في ثواب المصلى وعقاب تارك الصلاة، ومنهم من يؤثر فيه تقديم هدية له أو خدمة دنيوية ومن خلال ذلك يظهر له مقدم الخدمة رغبته في أن يصلي وأنه إذا صلى زاد في خدمته وإكرامه ومنهم من تؤثر فيه الشدة والهجر ونحو ذلك، والعاقل اللبيب من يعرف نفسية المدعو فيتعامل معه على حسب ذلك.
وما دمت قادرة على نصح هذا القريب فأبذلي ما في وسعك لنصحه بالطريقة المناسبة وإذا تركت ذلك فأنت آثمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
وأما مصافحة هذا الشخص أو الخلوة به أو الظهور أمامه دون التزام الحجاب الشرعي فحرام ما دام أجنبياً عنك، سواء علمت أن له قصداً سيئاً في ذلك أم لا وهكذا سائر الأجانب والأدلة على حرمة هذا كثيرة، وقد ذكرنا جملة منها في الفتوى رقم: 1025، والفتوى رقم: 32829.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1425(5/367)
التذكير بعبر ودروس الهجرة النبوية مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله ... وبعد: يا شيخ حكم الاحتفال بسنة الهجرة الجديدة وحكم التهنئة بذلك، وأيضا إعلام الناس بها وتذكيرهم بالهجرة والخطبة ليوم الجمعة بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتهنئة بالسنة الهجرية أو بالأعوام والشهور عموماً مختلف فيها، بين المنع والندب، والذي رجحه الحافظ ابن حجر أنها مندوبة، جاء في حاشتي قليوبي وعميرة في الفقه الشافعي:
فائدة: التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام، قال ابن حجر مندوبة ويستأنس لها بطلب سجود الشكر عند النعمة وبقصة كعب وصاحبيه وتهنئة أبي طلحة له.
وقال البيجوري وهو المعتمد، ونقل القمولي عن الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه سئل عن ذلك فأجاب بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة. انتهى من أسنى المطالب شرح روض الطالب.
وأما تذكير الناس بالهجرة النبوية وأخذ الدروس والعبر منها وتعليمها للناس في الخطب والمحاضرات، فمشروع فإن اغتنام المناسبات والحوادث لتذكير الناس شيء حسن، ولقد كان من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتنم الحوادث والمناسبات ليتعلم أصحابه وبيان حكم الله تعالى في الحادثة أو النازلة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس فقال الناس إنما كسف لموت إبراهيم (ولد النبي صلى الله عليه وسلم) فقام النبي صلى الله عليه وسلم ووعظهم وقال إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد. رواه البخاري.
وكذلك موعظته لهم في صلاة الفجر إثر مطر أصابهم بالليل كما يقول زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب.
ومثل هذه الأحاديث التي قيلت في المناسبات المختلفة كثيرة في السنة، والمقصود أن الواعظ الأريب يغتنم المناسبات والحوادث والمواقف ليبين فيها حكم الله وينذر ويبشر ويستنهض الهمم.
وأما الاحتفال برأس السنة الهجرية فلا يختلف حكمه عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وقد سبق بيان الحكم فيه في الفتوى رقم: 1563، والفتوى رقم: 1888.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1425(5/368)
حكم التدرج في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[.. يا شيخ إذا واحد مدمن خمر أو سجائر أو زنا ولا يستطيع الإنفكاك عنه، فهل يجوز أن نقول له بالتدرج يعني بدلا من أن تشرب علبتي خمر اشرب واحدة في اليوم وهكذا بالتدرج، وبدلاً من علبتي سجائر اعملها واحدة، وبدلا من أن تزني مرتين ازن مرة مع الذكر إذا قلنا له إن هذا حرام ولا بد النزع فورا ولا جائز أن نتدرج معه من باب التسهيل والحكمة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب المسلم أن يغير المنكر كلما رآه حسبما يستطيع، لما روى مسلم وغيره من حديث أبي سعيد مرفوعاً: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
ومما يعين على تغيير المنكر أن يبدأ الإنسان بالأهم، ويراعي سنة التدرج، ويوازن بين المصالح والمفاسد، ويصبر على ذلك.
فمن أراد تغيير المنكر في من يمارس الزنا وشرب الخمر والتدخين مثلاً، وهو يرى أنه لن يستجيب لتركها دفعة واحدة، فليبدأ بأشدها إثماً كالزنا مثلاً، ثم إذا آنس منه استجابة انتقل إلى النهي عن الخمر، مراعياً الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وهكذا....
وأما التدرج بالتخفيف من ممارسة الذنب كالتقليل من الزنا ونحو ذلك، فإنه لا يصح لعدة أمور:
الأول: لأنك إذا قلت له ازن مرة في اليوم بدل اثنتين فكأنك أقررته على أن القليل من الزنا مقبول.
الثاني: أنك تريد له التوبة، ومن شروط قبول التوبة الإقلاع عن الذنب، فكيف تأمره بها وأنت تقول له واصل ممارسة الذنب.
الثالث: أن التدرج في ترك المعصية له خطورة كبيرة، لأن القلب سيتعلق بها أكثر من ذي قبل، ويزداد بها تمسكاً وعليها إقبالاً.
وهذا القدر من الأدلة يكفي للبرهنة على عدم قبول طريقة التغيير المسؤول عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1425(5/369)
كيفية التغلب على الخجل في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم والحمد لله، وأحب أن أكون داعية في سبيل الله، ولكني خجول وأستحي أن أنصح غيري، وأتمنى منك يا أخي أن تساعدني وتنصحني في التغلب على خجلي، وللعلم أنا شاب عمري 16 سنة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يفتح علينا وعليك، وقد سبقت لنا فتاوى في التغلب على الخجل من الدعوة إلى الله وفي أمور كثيرة مهمة تتعلق بالدعوة إلى الله فراجع مثلاً الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29823، 28476، 8580، 16419، 21651، 30150.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(5/370)
حكم سوك طريق محرمة كوسيلة للهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أدخل على الإنترنت كل مرة أحكي مع البنات بالسكس وأحاول أن أحكي معهن كلام سيكس وبعد ما أدخل وأتعرف عليهن أحاول أن أهديهن وكثير وعدن بأنهن سيبعدن عن الحرام والحمد لله فإن الله هداهن فهل ما فعلته حرام؟ أرجوكم أرشدوني هل هدايتي لهن بهذه الطريقة حرام أم ماذا؟ أرجوكم أرشدوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أن تتحدث معهن بكلام يتعلق بالجنس أو غيره مما لا يجوز، فالإسلام لا يقبل الوصول إلى الغايات الطيبة بالوسائل الخبيثة، بل يجب أن تكون الوسائل طيبة كالغايات تماما، ولهذا رفض جمع المال من حرام لينفق في الخيرات وأوجه الصدقات.
قال صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. رواه مسلم.
فإذا كان الدافع لك للحديث مع هؤلاء الفتيات هو تحقيق غاية نبيلة وهي محبة هدايتهن، فلا يجوز لك بحال أن تصل إلى تلك الغاية بوسيلة محرمة كالكلام الذي يتعلق بالجنس أو غيره مما لا يجوز، وراجع لزاما الفتوى رقم: 11507 والفتوى رقم: 1759 والفتوى رقم: 12562 والفتوى رقم: 8657.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1425(5/371)
الدعوة إلى الله لا تكون بما نهى الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مستخدم للإنترنت منذ وقت طويل ... وكانت لي صداقات مع الجنس الآخر، ومن بينها كانت هناك علاقات حب واضحة، وأحيانا على علم من أهلي، وكنت أفكر فى أي علاقة أن تنتهي بالزواج، وكان وقتها الدين يشغل حيزا ضئيلا في حياتي ... إلي أن تعرفت إلى فتاة من دولة أستونيا وهي مسيحية ولكن تطورت هذه العلاقة إلى الحب، ولم تكن العلاقة تحتوي على أي شيء أخجل من قوله.. فكنا نتكلم كثيراً عن الزواج وعن الأولاد وكنت سعيدا بهذا، فبدأت في البحث عن أي شيء يتعلق بالإسلام.. وقمت بشراء كثير من الكتب للشيخ أحمد ديدات وبدأت في الحديث معها في الإسلام بنية الدعوة إلى دين الله، وأثناء مناقشة هذا الأمر مع أحد أصحابي قال لي إن ما أفعله خطأ تماما وإن الله لن يتقبل كل هذا لأنني أستعمل الطريق الخطأ في الدعوة، حيث إنه لا يجب أن أتكلم مع امرأةلا تحل لي حتى ولو كان في سبيل الدعوة إلى الإسلام.. فكان ردي بأنني معها أكثر تدينيا وأتعلم معها في ديني أكثر فكنت قبلها لست ملتزما ومعها تعلمت الكثير فى دينى، ولكنه أصر على كلامه وقال لي إن الله لن يغفر لي كوني أتحدث مع امرأة لا تحل لي ... فلقد تحولت من الأسوأ إلى الأحسن في هذه العلاقة بالإضافة إلى أن كل حديثنا لا يحتوي على شيء يخدش الحياء، فلم ابتعد بهذه العلاقة عن الصلاة أوعن التدين بل أصبحت أكثر علما وأكثر قابلية للدعوة خصوصا للنصارى، وأهلي على علم تام بهذه العلاقة ولكنهم لا يؤيدون موضوع الزواج ولكن الحديث عن هذا سابق لأوانه..أهلها أيضا يعلمون بعلاقتنا ولكن بالطبع لا يعلمون بحديثي معها عن الإسلام....!
أما بالنسبة لموضوع الشهوة وأقصد بها (النظر والكلام) فأنا لا أفكر فى أي من هذا تجاه هذه الفتاة.. ببساطة لأنها ستكون زوجتي المستقبلية، بالإضافة إلى حديثنا في الدين.. فلا يوجد وقت تقريبا للشعور بهذا،
أنا أعلم الأسباب التي حرم الإسلام الحديث مع المرأة.. ولكن نحن بعيدان عن أغلبها، فأنا أشعر أن الإسلام سيكون له شأن كبير بسببي إن شاء الله في هذه الدولة.. فإن لي نية من الآن أن أبني جامعاً في هذه الدولة..أتمنى من فضيلتكم أن تكون قد تفهمت موقفي، وأنا أعلم أن الإسلام لا يعرف حالات استثنائية.. ولكن أردت أن أعرف رأي فضيلتكم.. هل أستمر أم أتوقف ثم أقابلها بعد سنوات للزواج مباشرة؟ وإذا توقفت عن الكلام معها الآن فهي فى أمس الحاجه لمعرفة دين الإسلام، وشرح الكثير من الأمور الملتبسة للغرب عن الإسلام، مع العلم بأني أتكلم معها وقتاً طويلاً جداً لشرح الآيات أذكر في إحدى المرات أننا تحدثنا لمدة 6 ساعات كاملة في قصة بدء الخلق في سورة البقرة.. وأحد الأصدقاء قال لي إنه يمكن إرسال بعض المواقع المترجمة لكي تتعرف على الإسلام، ولكن هذه التجربة جاءت بالفشل، فبالفعل أرسلت لها بعض المواقع ولكنها لم تستوعب الكثير منها والتبست عليها الأمور، وجاءتني فى اليوم التالي باستفسارات كثيرة، فماذا أفعل، هل استمر أم أتوقف؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم -وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى- أن إقامة مثل ما ذكرته من علاقة بينك وبين تلك الفتاة المسيحية أمر محرم، ولا تبرره نية الزواج منها ولا ما يتوقع من إسلامها، ولا ما زعمت أنه ترتب عليها من تمسكك بالدين وقابليتك للدعوة ونحو ذلك.
فأنت مطالب بأن تقوي إيمانك وتخلص في عبادتك وتدعو إلى ربك بالطرق الشرعية، لا بما نهى الله عنه من خلوة بالأجنبية ورؤية لما لا يحل واستماع وممارسة من أي نوع كانت، وحتى إذا لم تكن ثمت شهوة -وهو ما يستبعد جداً- فإنك رغم ذلك مأمور بالابتعاد عن أماكن الفتن، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] .
وفي حديث الشيخين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم.
وفي كل ذلك لم يقيد النظر ولا الخلوة بالشهوة، فتلك حدود حدها الله ويجب الوقوف عندها، هذا إذا كنت تقابلها وتخلو بها، أما إذا كنت تكتب لها شيئاً من ذلك أو تحدثها عبر وسائل الاتصال بما يرغبها في الإسلام وأمنت على نفسك الفتنة، فلا بأس إن شاء الله.
ثم إذا كنت ترى المصلحة في التزويج من هذه الفتاة فلا مانع من أن تتقدم لخطبتها إذا كانت عفيفة، ثم لك بعد التزوج منها أن تدعوها وتمارس معها سائر ما تريد، فإن حصل مانع من ذلك فلتوقف علاقتك بها، ولتتب إلى الله من جميع ما مضى وتنتظر اليوم الذي تباح فيه الصلة بينكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(5/372)
الحاسوب من الوسائل المهمة في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الجهاد الأكتروني وما هي الكيفية لذلك؟ وهل يعتبر كافيا في أحوالنا هذه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الجهاد أنواع كثيرة منها الجهاد بالكلمة والقيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففي مسند أحمد وسنن أبي داود وسنن النسائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ولا ريب أن وسائل الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتنوع، والأصل في هذه الوسائل إباحة استخدامها ما لم تخالف الشرع، ومن هذه الوسائل الأجهزة الألكترونية بمختلف مسمياتها كجهاز الحاسوب مثلاً، فلا شك أنها من الوسائل المهمة في القيام بالدعوة إلى الله تعالى، ووجود المواقع الإسلامية على الشبكة الدولية "الإنترنت" خير شاهد على ذلك، ومنها هذا الموقع "الشبكة الإسلامية" فلعل من أطلق عبارة "الجهاد الألكتروني" يقصد بها هذا المعنى الذي ذكرناه.
وأما كونه هل يعتبر كافياً فالجواب بالنفي، وذلك أن هذه الوسائل قد لا يطلع عليها كل إنسان، ومن هنا لا بد من تعدد الوسائل واستخدامها جميعاً، ومن ذلك الاتصال الفردي، وعرض الدعوة على الناس مباشرة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(5/373)
هل يدعو إلى الله والخمر يدار على المائدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أسكن مع المشركين أي المسحيين وأجلس معهم وأحدثهم عن الإسلام، ولكن من عادتهم شرب الخمر أثناء الأكل، فهل أبقى وآكل معهم لأحدثهم أو ماذا؟ أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشكر الله لك هذه الهمة في الدعوة إلى الله عز وجل، ونسأل الله أن يوفقك للعمل لهذا الدين العظيم، وأبشر ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم القائل: لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله أجر فاعله. رواه مسلم.
ومع ما تقدم فلا تجعل حديثك معهم عن الإسلام أو جلوسك معهم لغرض الدعوة في وقت جلوسهم على موائد الخمر والخنزير، بل اختر وقتاً لا يكونون فيه على هذه الصفة التي يمنع المسلم من الحضور فيها، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر. رواه أحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(5/374)
الدعوة إلى الله لا تكون بالكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إن صديقتي وبينما كان والدها يعاني من انتكاس بسبب مرض خطير ومزمن، وبعد أن حاولت لمرات عديدة إقناع أختها على إرتداء الحجاب كذبت عليها وقالت لها لقد رآك أبي في المنام وأنت ترتدين غطاء الرأس، فقامت أختها هذه على الفور بوضعه على رأسها، هل يترتب عليها شيء بسبب هذا الكذب علما أن الكذب حرام خاصة إذا تعلق الأمر بالمنام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكذب خلق ذميم لا تحتاجه الدعوة إلى الله عز وجل، وقد قال الله تعالى مبيناً سبل الدعوة: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] .
وليس الكذب من الحكمة في شيء، ولا تكون الموعظة الحسنة بالكذب، والكذب ليس من التي هي أحسن، بل هو كبيرة من كبائر الذنوب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. رواه مسلم.
فالواجب الحذر من الكذب، ونحن نشكر صديقتك لحرصها الشديد على أن ترتدي أختها الحجاب، وهذا هو الواجب عليها، ولكن ينبغي أن تسلك السبل المشروعة في الدعوة إلى الله عز وجل بالترغيب تارة بالترهيب تارة أخرى، وليس باختلاق الرؤى والمنامات ونحو ذلك.
ولمعرفة خطورة الكذب في الحلم نحيل السائلة إلى الفتوى رقم: 7562، ولمعرفة أساليب ووسائل الدعوة نحيل السائلة إلى الفتوى رقم: 18254 على الموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(5/375)
ضوابط دعوة الرجل للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أهدي البنات اللاتي في مدرستي إلى الدين وأعرفهم عليه، فهل هذا حرام، مع العلم بأني كنت الوسيلة في هدي الشباب، والبنات يتجاوبن معي والحمد لله؟
أثابكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نشكر السائل أولاً على اهتمامه بالدعوة إلى الله عز وجل، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله من الهداة المهتدين.
وأما بالنسبة لدعوة النساء إلى طريق الهداية عن طريق الرجل، فقد سبق أن بينا هذا الموضوع في الفتوى رقم: 5271، والفتوى رقم: 11975، والفتوى رقم: 8657.
ونقول أيضاً، إذا لم يوجد أحد من النساء يقوم بدعوة هؤلاء النساء إلى الله عز وجل، فلا بأس بأن تقوم بدعوتهن مع الحرص الشديد على الالتزام بالضوابط الشرعية، كعدم الخلوة وأن يكون الكلام في الدعوة وعلى قدر الحاجة، وغض البصر وعدم التوسع في الكلام، ونحو ذلك مما يحاول الشيطان أن يفتحه عليكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1424(5/376)
الكذب في الحلم ليس طريقا سويا للهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في هداية أخي الكبير، وأريد أن أكذب عليه وأقول له: إنني حلمت بك بشيء ليس جيدا، أرجوك يجب أن تصلي، وأنا أقصد إخافته على نفسه ... لعله يستعيذ من أفعاله.
ما رأيكم من فضلكم؟
أفيدوني بصراحة، أرجوكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبداية نسأل الله تعالى لأخيك هذا الهداية، ثم اعلم أخي أنه ينبغي لك أولا أن تتخذ كل الطرق لإقناع أخيك بأهمية التمسك بالدين، وأول ذلك إقامة الصلاة، وذلك بنصحه ووعظه بالموت وسكرته والقبر وظلمته والحشر والنشر وغير ذلك من الأمور العظام التي لا ينجو من هولها إلا من كان مستقيما مصليا، ولا بأس بأن تذكر له بعض قصص العصاة الذين ظهرت علامات شقاوتهم عند الموت ليكون ذلك أبلغ في الموعظة، فإن أفاد هذا مع أخيك فبها ونعمت.
وأما الكذب في الحلم وادعاء الإنسان أنه رأى ما لم ير، فمن أغلظ المحرمات وأشنعها.
وراجع الفتوى رقم: 14267.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(5/377)
صفة المرأة الداعية إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي في لله لقد بعثت بسؤال رقم:597176 ولم يتم الرد عليه كما أريد معرفة موصفات المرأة الداعية وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الدعوة إلى الله تعالى هي مهمة الرسل كلهم قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً*وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (الأحزاب:45-46) كما أن الدعوة إلى الله تعالى هي سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبع سنته قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (يوسف:108) وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كافة المؤمنين بالدعوة إلى الحق، حيث قال صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية رواه البخاري وغيره، وهذا الأمر شامل للرجال والنساء لاشتراكهما في الخطاب التكليفي، فالشروط المطلوب توافرها في من يدعو إلى الله تعالى منطبقة على الرجل والمرأة. وفي سلفنا الصالح نساء كن مثالاً للمرأة المسلمة المتصفة بالفقه والدين ونشر دعوة الحق، من أمثال عائشة أم المؤمنين وأم سلمة وأم الدرداء وغيرهن. وللتعرف على صفة الداعية إلى الله تعالى راجعي الفتوى رقم: 7583 والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1424(5/378)
شروط الدعوة عن طريق الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم ... إلى فضيلة الشيخ ... أنا أدخل منتديات وأشارك الأعضاء في الرد على المواضيع، والمواضيع تشتمل على مواضيع إما دينية أو اجتماعيه وما شابه ذلك وأنا إما أن أضع مواضيع أو أرد على مشاركة أو أبدي رأيي فيها وأما سؤالي فهو هل هذا الأمر الذي أفعله جائز أم لا؟؟؟؟؟ وجزاكم الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله تعالى على حسن نيتك واهتمامك في مساعدة الآخرين، لكن اعلم أخي أن التصدر لهذا الأمر الذي ذكرت يحتاج إلى أن يكون صاحبه مؤهلاً علميًّا وشرعيًّا، فإن كنت كذلك فلا حرج -إن شاء الله تعالى- في ذلك، بل ربما كان هذا خيرًا عظيمًا لحاجة الناس إلى من يبصرهم بأمور دينهم وأخلاقهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه، كما في البخاري: وَالله لأَنْ يَهْدِيَ الله بِهُدَاكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ الْنّعَمِ.، وقال صلى الله عليه وسلم: الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ. رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني.
أما إن كنت أخي غير مؤهل لذلك فلا يجوز لك القيام بهذا الدور؛ لأن في ذلك القول على الله تعالى بغير علم، وهو في غاية الإثم. قال سبحانه: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116، 117] ، وقال سبحانه: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(5/379)
جالسهم بنية الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إني والحمد لله التزمت بالدين، ولكن أصحابي ليسوا ملتزمين بالدين، فما حكم مرافقتهم أو أني أنوي هدايتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لك الثبات على دينه والهداية إلى الرشد، واعلم أخي أن المرء على دين خليله، وأن الرفقاء والجلساء لهم الأثر الكبير على الإنسان. وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم:
1208، والفتوى رقم: 8028 والفتوى رقم: 9163.
فإن رأيت من نفسك ثباتًا على الخير، ولم تخش مزلة القدم بمجالسة من تعرف من الأصدقاء فجالسهم بقصد دعوتهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم. رواه البخاري وغيره. وانظر الفتوى رقم: 34386.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1424(5/380)
طرائق نصر الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[عاهدت ربي على أن أنصر دينه الحق، وأريد أن أفي بعهدي بطريقة ترضي الله ورسوله،
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سؤالك هذا لا يختلف اختلافا كبيرا عما سأل عنه معاذ بن جبل -رضي الله عنه- رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير، فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، ثم قال، ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، قال ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة: 16] . حتى بلغ: يَعْمَلُونَ ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يارسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.
فهذا الحديث لخص للمسلم أمر دينه، فالزم ما ورد فيه من أبواب الخير، وأخلص نيتك لله في كل ذلك، وعليك بالنصح لهذا الدين ولأئمة المسلمين وعامتهم.
روى تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمي وعامتهم. متفق عليه. واللفظ لمسلم. وانظر شرح الحديث في الفتوى رقم:
3058، فإنه فصَّل لك كيف تنصر دين الله وتفي بعهدك بطريقة ترضي الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1424(5/381)
الرسائل عبر الهاتف النقال - رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الرسائل التي في الهاتف ويكون محتواها اقرا سبحان الله 100 مرة وأستحلفك بالله أن تقولها وتبعثها ل10 غيرك
أوأمانة في ذمتك إلى يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإرسال الرسائل التي تحث على ذكر الله أمر مشروع، وهو من التعاون على البر والتقوى سواء كانت عبر الهاتف النقال أو غيره، وإذا قال الذي أرسل الرسالة: أستحلفك بالله أن تقولها أو أن ترسلها لعشرة أشخاص مثلاً أو هي أمانة في ذمتك، فيشرع لمن أرسلت إليه أن يبر بقسم المرسل، وأن يلبي طلبه، وإذا لم يلبِّ فليس عليه في ذلك إثم، مع التنبيه إلى أن العدد في التسبيح أو الأشخاص المطلوب إرسال الرسائل إليهم لا يصلح أن يكون مقصوداً لذاته حتى تخرج من الإحداث في الدين، ثم إننا ننبه على أمر مهم وهو أن جميع ما يتعلق بالعبادة بما في ذلك كيفية الذكر وعدده ووقته والدعوة إليه هو أمر توقيفي ينبغي أن يقتصر فيه على ما ورد عن الشارع، ويتجنب ما لم يرد، ولذلك كان السلف الصالح رضوان الله عنهم ينكرون ما لم يألفوه في أداء العبادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي سنن الدارمي، أخبرنا الحكم بن المبارك أن عمر بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا حتى خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: ما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة، ويقول سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك، وانتظار أمرك، قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد عبد الرحمن؛ حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد -صلى الله عليه وسلم- أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1424(5/382)
أجوبة تتعلق بالدعوة وصفات الداعية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الداعية ما هي شروط طالب العلم؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد مضى بيان شروط الداعية، وشروط طالب العلم في الفتاوى التالية أرقامها: 21260، 18328، 24872، 30315، 28335، 23866، 21186، 19186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(5/383)
وسائل المحافظة على الإيمان والدعوة وتحصيل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد بيئة إيمانية لنتعلم العلم ولنحفظ إيماننا ولكن في هذا الوقت أنتم أعلم بالوضع حيث يوجد درس واحد أو درسان في الأسبوع في المسجد ناهيك عن المخابرات والمباحث والتضييق على التجمعات باختصار يوجد شباب مسلم التزموا ولكن لم يستطيعوا أن يجدوا بئيات صالحة فارتدوا على أعقابهم وهنا أريد أن تجدوا حلا غير الإنترنت لأن أكثر الذين يستخدمون الإنترنت لطلب العلم في لحظة ذهبوا من طلب العلم إلى طلب الشهوة
أرجو أن تركزوا على هذا الموضوع وأرجو أن تأخذوا سؤالي على محمل الجد لأن عملكم أو وظيفتكم في بيئة صالحة تحث على الخير لكن غيركم الله أعلم ببيئتهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يزيدك حرصاً، وأن يجعلنا وإياك من الذين أوتوا العلم والإيمان، ولا شك أنه لا بد من التعاون على إيجاد وسائل للمحافظة على الإيمان وتحصيل العلم.
ومن أهم هذه الوسائل البيئات الصالحة -كما تفضلت- ويدل لأهميتها تحريض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الهجرة إليه، وقد لوحظ أن الذين لم يهاجروا من الأعراب ارتد كثير منهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يدل لأهميتها أيضاً نصحُ العالِم الرجلَ الذي قتل مائة نفس ثم أراد التوبة بأن يذهب إلى أرض يوجد بها أناس صالحون وأن يعبد الله معهم، كما في حديث الصحيحين أنه قال: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء..
وعلى هذا، فحبذا لو هاجر من استطاع الهجرة من مكان لا يقيم فيه دينه إلى مكان يحافظ فيه على إيمانه واستقامته، ولو لفترة يأخذ فيها زاداً إيمانياً ومعلومات أساسية يستنير بها في حياته، وينير بها الطريق لغيره.
ومن الوسائل المهمة المعينة على حفظ الإيمان، كثرة المطالعة في الترغيب والترهيب وأحوال القبور والآخرة، ولا شك أن الاطلاع على أهوال القيامة من أعظم ما يقمع الأهواء والشهوات؛ كما يدل عليه الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
ومن الوسائل المهمة المعينة على حفظ الإيمان القيام بما تيسر من الدعوة الفردية وقيام الليل والمحاسبة والاستفادة من النشرات والأشرطة والكتب الصغيرة النافعة.
ثم اعلم أخي أن ما ذكرت من المضايقات ينبغي التعامل معها باتباع الهدي النبوي في التعامل مع الأحوال التي مرت بها الدعوة في العهد المكي والعهد المدني.
فقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حياة مكية لم تكن الأحوال فيها مساعدة، فكان يتعهد صحبه في بيت الأرقم بن أبي الأرقم بالتعليم سراً، كما ذكر الذهبي في السير وابن كثير في البداية، وذكره أيضاً غيرهما ممن ألف في السير والتاريخ، ولم يكن يهتم في هذه الفترة بالاجتماعات الكبيرة الظاهرة، ولما كثر الصحب أمرهم بالهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة.
وكانت له حياة مدنية كان يجمع الصحابة في المسجد ويعظهم ويعلمهم بعد الصلوات وفي الجمع والأعياد والمجالس، وفي البيوت وغير ذلك، فينبغي لمن كانت حاله مكية أن يحرص على حسن التدبير، والقيام بما أمكن من النشاط العلمي والدعوي، وأن يعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قلَّ كما في الحديث: أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قل. رواه البخاري ومسلم.
وينبغي الاعتناء بالدعاء أوقات الإجابة والاستعاذة بالله من كل شر، ومن الأدعية المأثورة في هذا المجال قوله صلى الله عليه وسلم: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.. ومن ذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قال: إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرسه أو ظلمه فليقل: اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم كن لي جاراً من فلان بن فلان وأحزابه من خلائقك أن يفرط علي أحد منهم أو أن يطغى، عز جارك وجل ثناؤك ولا إله إلا أنت. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا أتيت سلطاناً مهيباً تخاف أن يسطو بك، فقل: الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعاً، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو الممسك السماوات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه من الجن والإنس، اللهم كن لي جاراً من شرهم، جل ثناؤك وعز جارك وتبارك اسمك ولا إله غيرك، ثلاث مرات. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أولئك الذين يضايقون الشباب الملتزمين أن الإيمان هو مصدر عز الأمة وفلاحها ونصرها، وأمنها والدفع عنها والتمكين لها، ومحبة الله لها وفتح أبواب البركات والحياة الطيبة، إلى غير ذلك من الوعود الصادقة المهمة.
كما قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] ، وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8] ، وقال: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] ، وقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] ، وقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] ، وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96] ، وقال: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] ، وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] .
فعلى جميع المجتمع المسلم أن يتعاونوا على تحصيل الإيمان حتى يكسبوا هذه الوعود الطيبة، وينبغي للأغنياء أن يتعاونوا على توفير أشغال للشباب في البلاد المسلمة تغنيهم عن الهجرة إلى الأماكن الفاسدة، ويتعين على الشباب أن يبادروا بالزواج، وعلى المجتمع أن يساعدهم على إزاحة العقبات التي تعوق دون المبادرة به.
وأما الإنترنت فلا شك أن لها مخاطر ويمكن الرجوع إلى الفتوى ذات الأرقام التالية: 1568، 3024، 6617، 8254 لمعرفة كيفية توقي مخاطرها والاستفادة منها.
ولكن لا بأس أن يتفق شابان أو ثلاثة على وقت يجتمعون فيه ويطلعون على بعض المواقع المهمة، فيسمعون محاضرة أو يتابعون درساً أو يبحثون عن فتاوى أو يراسلون أحد العلماء، فلا شك أن اطلاع مجموعة في وقت واحد يمنع الشيطان من جرهم إلى المواقع الخبيثة، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، وقال عنه شعيب الأرناؤوط إسناده حسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1424(5/384)
الدعوة إلى الله من خلال القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السور التي يستحب أن يقرأها الكفار عامة وأهل الكتاب خاصة أولا عند الدعوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نعثر على سور معينة يطلع عليها أهل الكتاب أو غيرهم من الكفار، لكن ينبغي أن يكون من أول ما يقرؤه الكفار عن الإسلام هو الآيات المتعلقة بتوحيد الله تعالى كسورة الإخلاص مثلاً، لأن التوحيد هو بداية دعوة كل الرسل؛ كما قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] .
والله تعالى أمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بالدعوة إلى التوحيد عند محاورته ومناظرته لأهل الكتاب، قال الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] .
ثم أيضاً من الضروري الاطلاع على الآيات التي تشتمل على الحكمة من خلق الإنسان والمهمة المكلف بها، قال الله تعالى في سورة الذاريات: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، وقال أيضاً في سورة الملك: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
وكذلك الآيات التي تلفت إلى قدرة الله تعالى وخلقه لهذا الكون من سماوات وأرضين، وتبين خطورة الكفر بالله تعالى وما أعده للكافرين، وهذه تشتمل عليها سورة فصلت، فقد قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بداية هذه السورة على عتبة بن ربيعة حتى وصل إلى قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ فرجع عتبة متأثراً بالقرآن مثنياً على فصاحته وبلاغته، والقصة ذكرها الحاكم في المستدرك وأبو يعلى في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه، وذكرها أصحاب السير والمفسرون.
وكذلك ينبغي أن يطلع أهل الكتاب على العقيدة الصحيحة، في شأن المسيح عليه الصلاة والسلام التي ذكرت في بعض السور مثل سورة آل عمران والنساء ومريم، فالقرآن كله كتاب دعوة وهدى ونور، فعلى كل مسلم أن يدعو به غير المسلمين إلى الدخول في الإسلام وإن احتاج إلى ترجمة معانيه إلى لغة المدعو ترجم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(5/385)