حكم استئجار الأرحام وشرح حديث (أن تلد الأمة ربها)
[السُّؤَالُ]
ـ[يحفظكم الله لدي سؤال عن: استئجار الأرحام، وهو استئجار رحم امرأة لزرع بويضة ملقحة من امرأة أخرى، وهو أيضاً: شفط البويضة من مبيضها خلال منظار يخترق جدار البطن، ثم تلقيح هذه البويضة بحيوان منوي من الزوج يلتحم بها ليكونا بيضة تشرع في الانقسام إلى عديد من الخلايا، ثم إيداع هذه الكتلة من الخلايا أي الجنين الباكر رحم امرأة أخرى بعد إعداده هرمونيًا لاستقبال جنين، فيكمل الجنين نماءه في رحم هذه السيدة المضيفة حتى تلده وتسلمه لوالديه اللذين منهما تكون.
فسؤالي هو: هل يعد استئجار الأرحام من علامات الساعة؟ وهل يندرج تحت هذا الحديث: أن تلد الأمة ربتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه أولا إلى أن استئجار الأرحام المذكور في السؤال محرم شرعا كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 10282.
أما عده من أشراط الساعة فلا نعلم دليلا صريحا على ذلك. وأما معنى: أن تلد الأمة ربتها. فقد اختلف العلماء في معناه، فقال الأكثرون: هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها. وممن رجح ذلك من المعاصرين الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى. وقيل: معناه أن الإماء يلدن الملوك فتكون أمه من جملة رعيته، وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته، وقيل معناه أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان فيكثر ترك ولدها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدري. وقيل: أي في معنى تلد الأمة ربها أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه ربها مجازا كذلك، والمراد بالرب المربي، فيكون حقيقة. قال الحافظ ابن حجر: وهذا أوجه الأوجه عندي؛ لعمومه، ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة. انتهى
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 39111.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(3/591)
الأسوادان ما هما ولماذا سميا بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هما الأسودان ولماذا سميا بذلك؟ أسأل الله العظيم أن يعز بعلمكم الإسلام والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأسودان هما التمر والماء، كما في حديث الصحيحين عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت لعروة ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار فقلت يا خالة ما كان يعيشكم قالت: الأسودان (الماء والتمر) . قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث: قولها: الأسودان، وإنما السواد للتمر خاصة دون الماء فنعتتهما جميعاً بنعت أحدهما، وكذلك تفعل العرب في الشيئين يكون أحدهما مضموماً مع الآخر كالرجلين يكونان صديقين لا يفترقان أو أخوين وغير ذلك من الأشياء فإنهم يسمونهما جميعاً باسم الأشهر منهما، ولهذا قال الناس: سنة العمرين، وإنما هما أبو بكر وعمر. انتهى.
وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: هما التمر والماء، أما التمر فأسود وهو الغالب على تمر المدينة فأضيف الماء إليه ونعت بنعته إتباعاً، والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معاً باسم الأشهر منهما كالقمرين والعمرين. انتهى..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(3/592)
معنى: يتطاولون في البنيان.
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث يتحدث عن علامات الساعة ومنها: أن رعاة الشاة والإبل يتطاولون في البنيان. فهل الأبراج والأبنية التي نراها في خليجنا العربي تتشابه مع هذه الحادثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي حديث جبريل المعروف عندما سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الساعة وقال: أخبرني عن أمارتها. فقال صلى الله عليه وسلم: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. رواه مسلم.
قال الشيخ حمود التويجري في إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: قوله: يتطاولون في البنيان. يعني يتبارون ويتباهون في تطويله وزخرفته، وتكثير المجالس والمرافق.
قال النووي: معناه: أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان. قلت: والتطاول في البنيان يكون بتكثير طبقات البيوت ورفعها إلى فوق، ويكون بتحسين البناء وتقويته وتزويقه، ويكون بتوسيع البيوت وتكثير مجالسها ومرافقها، وكل ذلك واقع في زماننا؛ حين كثرت الأموال، وبسطت الدنيا على الحفاة العراة العالة. فالله المستعان. انتهى.
فصح أن التطاول في البنيان من أشراط الساعة، لكن ذلك لا يقتضي ذما لطول البنيان إن لم يترتب عليه طغيان، أو بطر، أو تفاخر، أو إسراف، أو إضاعة للحقوق ونحو ذلك. وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتوى رقم: 114178.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(3/593)
شرح حديث (إن إبليس يضع عرشه على الماء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبليس يضع عرشه على الماء ... إلى نهاية الحديث.
والسؤال: كيفّ يضع إبليس عرشه على الماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة.
وعند أحمد: عرش إبليس على البحر يبعث سراياه في كل يوم يفتنون الناس، فأعظمهم عنده منزلة أفتنهم للناس. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم.
قال ابن كثير في البداية والنهاية: وله عرش على وجه البحر وهو جالس عليه ويبعث سراياه يلقون بين الناس الشر والفتن.... ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد ما ترى قال أرى عرشا على الماء. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك، فعرف أن مادة مكاشفته التي كاشفه بها شيطانية مستمدة من إبليس الذي هو يشاهد عرشه على البحر، ولهذا قال له أخسأ فلن تعدو قدرك أي لن تجاوز قيمتك الدنية الخسيسة الحقيرة.
والدليل على أن عرش إبليس على البحر ما رواه الامام أحمد حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني معاذ التميمي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرش إبليس في البحر يبعث سراياه في كل يوم يفتنون الناس فأعظمهم عنده منزلة أعظمهم فتنة للناس.
وقال أحمد حدثنا روح حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عرش إبليس على البحر يبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة. اهـ
وقال المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح:
قوله: (إن إبليس يضع عرشه) أي سرير ملكه (على الماء) وفي رواية على البحر، ومعناه أن مركزه البحر، ومنه يبعث سراياه في نواحي الأرض، فالصحيح حمله على ظاهره، ويكون من جملة تمرده وطغيانه وضع عرشه على الماء، يعني جعله الله تعالى قادراً عليه استدراجاً ليغتر بأن له عرشاً كعرش الرحمن كما في قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء} [11: 7] ، ويغر بعض السالكين الجاهلين بالله أنه الرحمن كما وقع لبعض الصوفية على ما ذكر في النفحات الإنسية، ويؤيده قصة ابن صياد حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى عرشاً على الماء. فقال له صلى الله عليه وسلم: ترى عرش إبليس. وقيل عبر عن استيلائه على إغوائه الخلق وتسلطه على إضلالهم بهذه العبارة، كذا في المرقاة.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(3/594)
معنى حدبث: ... هذا فكاكك من النار.
[السُّؤَالُ]
ـ[قال صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا, فيقول: هذا فكاكك من النار. رواه مسلم عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه. نقلاً عن كتاب: القانون فى عقائد الفرق والمذاهب الإسلامية، ص30 -للدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي.
السؤال: ما معنى هذا الحديث وما درجته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكما ذكر السائل الكريم أن هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، فدرجته الصحة، وأما معناه فقال النووي: الفكاك هو الخلاص والفداء، ومعنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبي هريرة: لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره. ومعنى: فكاكك من النار، أنك كنت معرضاً لدخول النار، وهذا فكاكك، لأن الله تعالى قدر لها عدداً يملؤها، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين. ولا بد من هذا التأويل لقوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. انتهى.
وبنحو ذلك قال القاري في -مرقاة المفاتيح- والمناوي في -فيض القدير-، وابن علان في -دليل الفالحين-، وابن عثيمين في -شرح رياض الصالحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(3/595)
شرح حديث (..غير مكفي ولا مودع..)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف الحال يا إخواني، إذا ما عليكم أمر.. أريد ردا سريعا وأسرع مما يكون.. أريد شرح كامل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الحمد لله كثيراً طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا) ؟ ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه البخاري وغيره من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعت المائدة قال: الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغني عنه ربنا. وهو دعاء كان يدعو به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الطعام، وفيه ثناء على الله عز وجل وحمد له على نعمه، ومنها نعمة الطعام الذي رزق الله إياه عباده، ووفق لتحصيله والاستفادة منه.. ومعنى (كثيراً طيباً مباركاً فيه) أي: ثناء خالصاً من الرياء والسمعة، ذا بركة، دائماً غير منقطع.
ومعنى (غير مكفي) لهذا اللفظ معان ذكرها الشراح: منها: أنه من [الكفاية] والضمير راجع إلى الله تعالى، فيكون المعنى: أنه تعالى هو المطعم لعباده والكافي لهم، يستغني عن غيره، وغيره لا يستغني عنه، وذلك مثل قوله تعالى: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ {الأنعام:14} ، ومعنى (لا مودع) أي: غير متروك، لأنه لا يستغنى عن الله عز وجل طرفة عين ... ومعنى (ولا مستغني عنه) أي: غير مطروح ولا معرض عنه بل محتاج إليه فهو سبحانه لا يستغنى عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك، وهو غني عن الخلق، والخلق مفتقرون إليه، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {فاطر:15} ، وقوله (ربنا) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ربُنا، وقال ابن الجوزي: ربنا بالنصب على النداء مع حذف أداة النداء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1430(3/596)
شرح حديث (..ولكن أخشى عليكم التكاثر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود ب: ولكن أخشى عليكم التكاثر-في الحديث:ما أخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم التكاثر وما أخشى عليكم الخطأ، ولكن أخشى عليكم التعمد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ التَّكَاثُرَ وَمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْخَطَأَ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْتعَمُّدَ. رواه أحمد، والبيهقي في شعب الإيمان، والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني.
والتكاثر في اللغة: مصدر قولهم تكاثر فلان وفلان، أي: قال كل منهما أنا أكثر منك في كذا وكذا، أو طلب كل منهما أن يكون أكثر من الآخر.
وقال الراغب في غريب مفردات القرآن: التكاثر التبارى في كثرة المال والعز.
وقال ابن القيم في الفوائد: والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهذا مذموم، إلا فيما يقرب إلى الله، فالتكاثر فيه منافسة في الخيرات ومسابقة إليها.
فالمقصود بالتكاثر الذي خشيه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته هو مكاثرة بعضهم بعضا، وتنافسهم فيما لا فائدة منه من حطام الدنيا، وطلب كل واحد أن يكون أكثر من الآخر فيما لا يعود عليه بنفع ولا يقربه إلى الله بل قد يبعده عنه؛ ولهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم المقصود من المال ولماذا يرزق الله العباد، وأن بعض الناس ينشغل عن هذه الغاية بسبب هذا التنافس والتكاثر والطمع فيما لا يقربه من الله.
فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ. رواه أحمد والطبراني. وقال الهيثمى في المجمع: رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني.
وانشغال القلب الزائد عن حد الاعتدال بالدنيا وركونه إليها وغفلته عن الغاية التي خلقه الله من أجلها وهي عبادته وحده لا شريك له، وأن المال والأولاد وكل ما هو من زينة الدنيا إنما هو وسيلة لهذه الغاية الشريفة، هذا كله من أسباب التكاثر الذي يحدث بين الخلق، ولهذا -والله أعلم- بين النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان الموفق تجاه المال، وما هو المال الذي يفيد الإنسان وهذا في تفسيره لسورة التكاثر.
فعَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ. رواه مسلم.
قال السندي في شرحه لسنن النسائي: قَوْله: يَقُولُ اِبْن آدَم مَالِي، كَأَنَّهُ أَفَادَ بِهَذَا التَّفْسِير أَنَّ الْمُرَاد التَّكَاثُر فِي الْأَمْوَال -وَإِنَّمَا مَالُك يَا اِبْن آدَم- إِنْكَار مِنْهُ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اِبْن آدَم بِأَنَّ مَالَهُ هُوَ مَا اِنْتَفَعَ بِهِ فِي الدُّنْيَا بِالْأَكْلِ أَوْ اللُّبْس أَوْ فِي الْآخِرَة بِالتَّصَدُّقِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَأَفْنَيْت فَأَبْلَيْت- إِلَى أَنَّ مَا أَكَلَ أَوْ لَبِسَ فَهُوَ قَلِيل الْجَدْوَى لَا يَرْجِعُ إِلَى عَاقِبَةٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَصَدَّقْت فَأَمْضَيْت، أَيْ أَرَدْت التَّصَدُّق فَأَمْضَيْت أَوْ تَصَدَّقْت فَقَدَّمْت لِآخِرَتِك. انتهى.
ولا يفهم من النهي عن التكاثر أن هذه دعوة لترك التكسب وإصلاح الإنسان لدنياه وذم الدنيا على كل حال، ولكن الأمر كما قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: الذم إنما هو لأفعال الجاهل، أو العاصي في الدنيا، فإنه إذا اقتنى المال المباح، وأدى زكاته، لم يُلَمْ.
بل ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الكسب الذي لا يقصد به التكاثر، وإنما يقصد به التوسل إلى طاعة الله، من صلة الإخوان والتعفف عن وجوه الناس، هو أفضل من التفرغ للعبادة من الصلاة والصوم والحج؛ لأن منفعة الاكتساب أعم، فإن ما اكتسبه الزارع تصل منفعته إلى الجماعة عادة، والذي يشتغل بالعبادة إنما ينفع نفسه؛ لأنه بفعله يحصل النجاة لنفسه والثواب لجسمه، وما كان أعم فهو أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: خير الناس أنفعهم للناس، ولهذا كان الاشتغال بطلب العلم أفضل من التفرغ للعبادة؛ لأن منفعة ذلك أعم. انتهى.
فنسأل الله أن نحسن الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يشغلنا إلا بما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة، ولمزيد من الفائدة حول عاقبة التنافس على الدنيا تراجع الفتوى رقم: 113224.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1430(3/597)
معنى حديث: أيما امرأة خرجت من بيتها متطيبة.....
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأن المرأة إذا خرجت من بيتها متعطرة وشم الرجال ريحها فعليها غسل الجنابة، فهل يحرم عليها عند ذلك مس المصحف والصلاة وما إلى ذلك من أحكام الجنابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى النسائي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية. وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه استقبلته -أي في الطريق- امرأة متطيبة فقال: أين تريدين يا أمة الجبار؟ فقالت المسجد. فقال: وله تطيبت؟ قالت نعم. قال أبو هريرة إنه قال: أيما امرأة خرجت من بيتها متطيبة تريد المسجد لم يقبل الله عز وجل لها صلاة حتى ترجع فتغتسل منه غسلها من الجنابة. وأمرها بالغسل ليس لأنها جنب، وإنما أمرت بالغسل لتذهب رائحة الطيب.
قال المناوي في فيض القدير: حتى تغتسل يعني تزيل أثر ريح الطيب بغسل أو غيره أي لأنها لا تثاب على الصلاة ما دامت متطيبة، لكنها صحيحة مغنية عن القضاء مسقطة للفرض، فعبر عن نفي الثواب بنفي القبول انتهى.
وقال المباركفوري في شرح المشكاة: وقال القاري: بأن تعم جميع بدنها بالماء إن كانت طيبت جميع بدنها ليزول عنها الطيب، وأما إذا أصاب موضعا مخصوصا فتغسل ذلك الموضع. قلت: الحديث ساكت عن هذا التفصيل. قال ابن الملك: وهذا مبالغة في الزجر. انتهى.
بناء على ما تقدم يتبين لك أن من مست الطيب لا يحرم عليها شيء مما ذكر في السؤال. وانظر الفتوى رقم: 117407.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1430(3/598)
معنى حديث: العجماء جبار، والبئر جبار ...
[السُّؤَالُ]
ـ[يرجى التكرم بتفسير حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه أجمعين: العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس.
يرجى توضيح الحديث وتفسير معاني كلماته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس. والحديث رواه مالك وأصحاب الكتب الستة وأحمد وغيرهم، وإليك شرح الكلمات:
(العجماء) المقصود بها البهيمة، وسميت عجماء لأنها لا تتكلم، وقوله (جبار) أي هدر، والمعنى أن الدابة المنفلتة من صاحبها إذا أصابت شيئا وأتلفته فلا ضمان على صاحبها. هذا إذا لم يفرط في حفظها، قال أبو داود.... وتكون بالنهار لا تكون بالليل ...
وقال الخطابي: وإنما يكون جرحها هدرا إذا كانت منفلتة عائرة على وجهها ليس لها قائد ولا سائق ولا عليها راكب.
وقال النووي في شرح مسلم: أجمع العلماء على أن جناية البهائم بالنهار لا ضمان فيها إذا لم يكن معها أحد، فإن كان معها راكب أو سائق أو قائد فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفته، وقال داود وأهل الظاهر: لا ضمان بكل حال إلا أن يحملها الذي هو معها على ذلك أو يقصده، وجمهورهم على أن الضارية من الدواب كغيرها على ما ذكرناه، وقال مالك وأصحابه: يضمن مالكها ما أتلفت. وكذا قال أصحاب الشافعي يضمن صاحبها ما أتلفته، وقال الشافعي وأصحابه: يضمن إن فرط في حفظها وإلا فلا، وقال أبوحنيفة: لا ضمان فيما أتلفته البهائم لا في ليل ولا في نهار ... انتهى.
وأما قوله (المعدن جبار) فمعناه أن الرجل يحفر المعدن في ملكه أو في موات فيمر بها مار فيسقط فيها فيموت، أو يستأجر أجراء يعملون فيها فيقع عليهم فيموتون فلا ضمان في ذلك. كذا في شرح سنن أبي داود.
وقوله (والبئر جبار) معناه كالسابق أنه يحفرها في ملكه أو في موات فيقع فيها إنسان أو غيره ويتلف فلا ضمان، وكذا لو استأجره لحفرها فوقعت عليه فمات فلا ضمان.
وقوله (وفي الركاز الخمس) فالركاز هو كل مال علم أنه من دفن أهل الجاهلية فيخرج من وجده زكاته ومقداره خمسه، وانظري الفتويين رقم: 105956، 7604.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1430(3/599)
معنى حديث: إن المرأة تقبل في صورة شيطان.....
[السُّؤَالُ]
ـ[النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه.
هل هذا حديث صحيح ? حيث أعتقد أن فيه شبهة، فإن البعض يعتبره حديثا ضعيفا ومنكرا حيث قرأت في أحد المواقع لمعلق قال: وكأن النساء شياطين أو مخلوقات فضائية!!
وما معنى المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث صحيح، رواه الإمام مسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه، والإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه وصححه.
فلا إشكال في ثبوت الحديث، كما أنه لا إشكال -بحمد الله- في معناه عند أحد من علماء الإسلام، فقد رووه في كتبهم، وتناولوه بالشرح الذي يزيل أي شبهة قد تعرض لأحد نتيجة الهوى أو قلة العلم.
قال الإمام القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: وقوله: إن المرأة تقبل في صورة شيطان؛ أي: في صفته من الوسوسة، والتحريك للشهوة؛ بما يبدو منها من المحاسن المثيرة للشهوة النفسية، والميل الطبيعي، وبذلك تدعو إلى الفتنة التي هي أعظم من فتنة الشيطان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ما تركت في أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء. فلمّا خاف صلى الله عليه وسلم هذه المفسدة على أمته أرشدهم إلى طريق بها تزول وتنحسم، فقال: إذا أبصر أحدكم المرأة فأعجبته فليأت أهله، ثم أخبر بفائدة ذلك، وهو قوله: فإن ذلك يردّ ما في نفسه. اهـ.
وقال ابن الجوزي في كتابه: كشف المشكل من حديث الصحيحين: وقوله: في صورة شيطان أي: إن الشيطان يزين أمرها، ويحث عليها، وإنما يقوى ميل الناظر إليها على قدر قوة شبقه، فإذا جامع أهله قل المحرك وحصل البدل. اهـ
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان. قال العلماء: معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء، والالتذاذ بنظرهن، وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته، وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها أن لا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها، والإعراض عنها مطلقا. اهـ
وليس الحديث مسوقًا لذم المرأة العفيفة الشريفة، بل هو للتحذير من فتنة النساء، ولذم المرأة التي تظهر مفاتنها للرجال، وتغويهم بجسدها، والله أعلم.
وقد بينا هيئة المرأة المسلمة ولبسها عند خروجها، في فتاوى سابقة هذه أرقام بعضها: 42، 1111، 1225، 3350، فلتراجع للفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1430(3/600)
شرح حديث (..هذا فكاكك من النار)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال صلي الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار. رواه مسلم عن أبى موسى رضي الله تعالى عنه. نقلاً عن كتاب القانون في عقائد الفرق والمذاهب الإسلامية
ص 30 للدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي.
السؤال: ما معنى هذا الحديث وما درجته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور صحيح رواه مسلم في صحيحه كما بين السائل الكريم قال النووي في شرح مسلم:
ومعنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبى هريرة أن لكل أحد منزلا في الجنة ومنزلا في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره.
ومعنى فَكاكك من النار: أنك كنت معرضا لدخول النار، وهذا فكاكك لأن الله تعالى قدر لها عددا يملؤها فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين.
وقال الحافظ في الفتح: يحتمل أن يكون الفداء مجازا عما يدل عليه حديث أبي هريرة في صفة الجنة والنار بلفظ: لا يدخل الجنة أحد إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة، وفيه مقابلة ليكون عليه حسرة؛ فيكون المراد بالفداء إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له، وإنزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد له، وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الزخرف:72} اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(3/601)
شرح حديث (الزمها فإن الجنة عند رجلها)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث الذي يقول فيما معناه: إن الجنة تحت أقدام الأمهات. أنه عندما يقبل الشخص الأرض تحت قدمي أمه أنه بذلك قبل جزءا من الجنة؟ لأني أريد فعل ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اللفظ: إن الجنة تحت أقدام الأمهات. ضعيف كما قال الألباني، لكن معناه صحيح ثابت في حديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم للذي جاءه يستأذنه في الغزو معه وله أم: الزمها، فإن الجنة عند رجلها. الحديث في المسند وسنن النسائي وابن ماجه، وهو حسن صحيح كما قال الألباني في صحيح الترغيب.
ومعنى الحديث كما قال المناوى وابن علان أن لزوم طاعتهن وبرهن سبب قريب لدخول الجنة.
وقال الملا على القاري في شرح المشكاة في شرح حديث: الزمها فإن الجنة عند رجلها: قال الطيبي قوله: رجلها: كناية عن غاية الخضوع ونهاية التذلل.
ومن ذلك تعلم أنه ليس المطلوب تقبيل الأرض، ولا أن مقبل الأرض تحت قدمي الأم يكون قد قبل جزءا من الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1430(3/602)
شرح حديث: فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرح هذا الحديث " ... فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا ... "؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى هذا الحديث أن الله تعالى يأتي عباده المؤمنين يوم القيامة فيتجلى في صورة غير الصورة التي رأوه فيها سابقاً ابتلاء لهم فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون. وهذا يعني أنهم لا يتحركون من أرض المحشر ولا يتبعون معبوداً غير الله تعالى، فبعد ذلك يأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون فيقرون ويقولون: أنت ربنا ... هذا وليعلم أن أحاديث الصفات يجب الإيمان بما دلت عليه من غير تكييف مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن الشبه بالمخلوق، فقاعدة السلف في صفات الله تعالى هي إمرارها كما جاءت بلا كيف كما قال شيخ الإسلام في كتاب (العقيدة الواسطية) : ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصف به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. انتهى.
وقال الترمذي في سننه بعد تخريج رواية من روايات هذا الحديث: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن الناس يرون ربهم وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء، والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء، ثم قالوا: تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف. وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف. وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه. ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم، وقال أيضاً في كتاب الزكاة بعد روايته لحديث: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ... قال رحمه الله: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف. هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف. وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا: هذا تشبيه، وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ههنا القوة، وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع، فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه، وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً وهو كما قال الله تعالى في كتابه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ. انتهى.
وروى ابن بطة في الإبانة: عن حنبل بن إسحاق قال: قلت لأبي عبد الله: ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا؟ قال: نعم، قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟ قال: فقال لي: اسكت عن هذا، وغضب غضباً شديداً، قال ابن بطة: وقال مالك: ولهذا امض الحديث كما روي بلا كيف. انتهى. وروى اللالكائي عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية -يعني رؤية الله يوم القيامة- فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف. انتهى.
وروى الدارقطني في الصفات عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالكا والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات، فقالوا: أمروها كما جاءت، وأخرجه أيضاً الآجري في الشريعة وابن عبد البر في التمهيد، وجاء في روايته: أمروها كما جاءت بلا كيف. وروى أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء -يعني العرق- ثم رفع رأسه، ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة، وأمر به فأخرج. انتهى.
وقال المباركفوري في شرح سنن الترمذي: قوله (وأمروها بلا كيف) بصيغة الأمر من الإمرار أي أجروها على ظاهرها ولا تعرضوا لها بتأويل ولا تحريف بل فوضوا الكيف إلى الله سبحانه وتعالى ... وقد صنف الحافظ الذهبي في هذا الباب كتاباً سماه كتاب العلو للعلي الغفار في إيضاح صحيح الأخبار وسقيمها وهو كتاب مفيد نفيس نافع جداً ذكر في أوله عدة من آيات الاستواء والعلو ثم قال: فإن أحببت يا عبد الله الإنصاف فقف مع نصوص القرآن والسنة ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذه الآيات وما حكوه من مذاهب السلف.. إلى أن قال: فإننا على اعتقاد صحيح وعقد متين من أن الله تعالى تقدس اسمه لا مثل له وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة إذ الصفات تابعة للموصوف فنعقل وجود الباري ونميز ذاته المقدسة عن الأشباه من غير أن نعقل الماهية، فكذلك القول في صفاته نؤمن بها ونتعقل وجودها ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نكيفها أو نمثلها بصفات خلقه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فالاستواء -كما قال مالك الإمام وجماعة- معلوم والكيف مجهول. ثم ذكر الذهبي الأحاديث الواردة في العلو واستوعبها مع بيان صحتها وسقمها ثم ذكر بعد سرد الأحاديث أقوال كثير من الأئمة وحاصل الأقوال كلها وهو ما قال إن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة إلخ، ونقل عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا لي: أمروها كما جاءت بلا تفسير وإن شئت تفاصيل تلك الأقوال فارجع إلى كتاب العلو. انتهى.
وقد تكلم الشيخ عبد الله الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري على بيان معاني هذا الحديث وتحقيق الحق في شأنه فقال: قوله (فيأتيهم الله) هذا من أوصاف الله وأفعاله التي يفعلها إذا شاء، وهي ما يجب الإيمان به على ظاهر النص، كما هي طريقة سلف هذه الأمة الذين تلقوا ذلك عن الله ورسوله بالقبول والتسليم، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغير على الله وأعظم تعظيماً له، وأعلم به وبما يجب له، وما يمتنع عليه، من أهل التأويل الذي يزعمون أنهم ينزهون الله عن أوصاف المحدثين -كما يقولون- ولهذا تجدهم يجهدون أنفسهم في تحريف كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم زاعمين أنه لو أجري على ظاهره لأفاد التشبيه والتجسيم، فلذلك جعلوا تأويله واجباً، والواقع أن ما يسمونه من ذلك تأويلاً هو تحريف وإلحاد ... وفي هذه الجملة من الحديث، وهي قوله (فيأتيهم الله، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه) شاهد للباب، لأن ظاهره أنهم يرونه غير أنهم في هذه المرة لم يعرفوه، لأنه تعالى لم يظهر لهم بأوصافه التي يعرفونه بها، وقد جاء في رواية أبي سعيد الآتية: (فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة) ولهذا قالوا: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه ...
ثم ذكر الشيخ الغنيمان بعد ذلك كلام أهل العلم والتحقيق في المسألة فنقل عن شيخ الإسلام أنه قال: لفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات، التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله اختصت به، مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه، واستوائه على العرش ونحو ذلك ... ونقل عنه أنه قال أيضاً: وكما أنه لا بد لكل موجود من صفات تقوم به، فلا بد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها، ويمتنع أن يكون في الوجود قائم بنفسه ليس له صورة يكون عليها. ونقل عن ابن قتيبة قوله: الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه، لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد. انتهى.. ونحسب أن هذا القدر كاف لما أردته من شرح ذلك الجزء من الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1430(3/603)
شرح حديث: ... يفر بدينه من الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرحا لحديث رسول الله: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن. منطقة الموطفين من هن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن. وفي رواية: يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم، يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن. رواه البخاري في مواضع من صحيحه، فبوب عليه في كتاب الإيمان: باب: من الدين الفرار من الفتن. وبوب عليه في كتاب الرقاق: باب: العزلة راحة من خلاط السوء. وبوب عليه في كتاب الفتن: باب: التعرب في الفتنة. ورواه أبو داود في كتاب الفتن من سننه، وبوب عليه: باب: ما يرخص فيه من البداوة في الفتنة. ورواه ابن ماجه أيضا في كتاب الفتن وبوب عليه: باب: العزلة.
وهذا التبويب بيان منهم رحمهم الله لفقه الحديث، فهذه الخيرية للعزلة إنما تتأكد عند حصول الفتن التي يخشى منها على الدين.
قال ابن حجر: وهذا صريح في أن المراد بخيرية العزلة أن تقع في آخر الزمان. انتهى.
وقال أيضا: الخبر دال على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه، وقد اختلف السلف في أصل العزلة، فقال الجمهور: الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وايصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك.
وقال قوم: العزلة أولى لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين..
وقال النووي: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى.
وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين ومنهم من يترجح، وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه إما عينا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان، وممن يترجح من يغلب على ظنه أنه يسلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وممن يستوي من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يطاع، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة، فإن وقعت الفتنة ترجحت العزلة لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع في المحذور، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها؛ كما قال تعالى: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. انتهى.
وقال السندي في حاشيته على النسائي: (شَعَف الجبال) أي رؤوسها. و (مواقع القطر) أي المواضع التي يستقر فيها المطر كالأودية. وفيه أنه يجوز العزلة بل هي أفضل أيام الفتن. انتهى.
ومما ورد في معنى هذا الحديث أيضا ما في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أفضل؟ فقال: مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله. قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره.
أخيرا ننوه إلى أننا لم نعرف قصد السائل من قوله (منطقة الموطفين من هن) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1430(3/604)
شرح حديث (اتقوا الظلم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال صلى الله عليه وسلم: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، وحملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم.
ما هو الشح؟ وما معنى الحديث بشكل عام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشح في الأصل: الحرص وشدة البخل كما قال أهل اللغة.
ومعنى الحديث كما قال الإمام النووي في شرح مسلم: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، قيل: هو على ظاهره؛ فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا، ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد، وبه فسروا قوله تعالى: قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر أي شدائدهما، ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات.
وقوله صلى الله عليه وسلم: واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة. قال جماعة: الشح أشد البخل وأبلغ في المنع من البخل، وقيل هو البخل مع الحرص، وقيل البخل في أفراد الأمور والشح عام، وقيل البخل في أفراد الأمور والشح بالمال والمعروف‘ وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل بما عنده. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1430(3/605)
المقصود بموافقة اليهود والنصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[حين درسنا في مراحل الابتدائي والإعدادي في العلوم الكونية درسنا ما يسمى دوران الأرض حول الشمس حيث الشمس ثابتة وتدور حولها الأرض وتدور الأرض حول نفسها أيضا محدثة الليل والنهار والفصول الأربعة ما يخالف الكتاب والسنة بشدة حيث يقول الله تعالى: وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ... سورة الكهف
وأيضا قال تعالى: إن الله يأتي بالشمس من المشرق ...
فنسب القرآن الكريم أفعال حركة للشمس حول الأرض وليس مثلما يقول الغرب الملحد إنها تدور حول مركز المجرة
وأيضا أن القمر تابع للشمس ويدور حول الأرض ولكن كل في فلك يسبحون.
ولكن كثيرا من علماء المسلمين يؤمن بدوران الأرض مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وراءهم،قالوا اليهود والنصارى قال ومن إذن.
يحذرنا الرسول من أن نتبع اليهود والنصارى ولكننا نتبعهم ونتبع من نظرياتهم ما يخالف ديننا وعقيدتنا نأخذ بها كحقيقة مسلم بها مع أنها مجرد نظرية.
والسؤال ما هو حكم من يصدق هذه ويعتقد أن دوران الأرض حقيقة حول الشمس مخالفا الكتاب والسنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدوران الأرض حول الشمس تجاوز مرحلة النظرية العلمية إلى الحقائق العلمية الثابتة بعد تطور علم الفلك وتصوير الأرض من الفضاء الخارجي، وليس في القول بدوران الأرض حول الشمس مخالفة للكتاب أو السنة وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 12870.
وأما ما قيل من أن الشمس ثابتة فهو غير صحيح، والعلوم الكونية الحديثة تثبت دوران الشمس، وقد سبق الكلام على ذلك في الفتوى رقم: 38644.
وعلى المسلم أن يوقر أهل العلم ويحسن الظن بهم فلا يليق أن يقال عنهم أنهم يتبعون اليهود والنصارى.
فليس المقصود في الحديث النهي عن موافقتهم في مثل هذه الأمور المادية التي تقوم على أساس علمي، وإنما المنهي عنه في الحديث اتباعهم فيما يخالف الشرع.
قال النووي في شرح هذا الحديث: والمراد أن الموافقة في المعاصي والمخالفات.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 59419، والفتوةى رقم: 23913.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1430(3/606)
شرح حديث (..أو تولى غير مواليه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
1. ما المقصود بقوله: تولى غير مواليه، من هم الموالي؟
2. كيف يكون الولاء للأب وهل يمكن أن يكون الولاء للأم؟
3. وأيضا هل واجب على المرأة ان يكون ولاؤها للزوج بعد الزواج وكيف يكون ذلك هل يكون بترك ولائها لعائلة أبيها واستبداله بولاء للزوج وعائلته.
وما الحكم الشرعي اذا ما رفضت ذلك أو لم تفهمه، أرجو بيان الحكم الشرعي من الكتاب والسنة والموافق لهما من العرف في هذا كله وبيان أقوال العلماء والراجح منها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح أصله في الصحيحين، ولفظه كما في صحيح مسلم:.. ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
وكلمة مولى تطلق في اللغة على عدة معان منها: الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتق، والعبد، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف، والعقيد، والصهر، والمعتق، والمنعم عليه ...
والمقصود بالموالي في هذا الحديث- كما قال أهل العلم- من أنعم بالعتق على رقيقه، فحذر الحديث هذا العبد المعتق من أن يكفر نعمته ويتبرأ منه ويتولى غيره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الولاء لمن أعتق متفق عليه وفي رواية: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب. رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني
وجاء في شرح الترمذي للمباركفور ي: ومن ادعى) أي انتسب (أو تولى غير مواليه) بأن يقول عتيق لغير معتقه أنت مولاي ولك ولائي؛ فالمراد بالولاء هنا ولاء العتق لعطفه على قوله من ادعى إلى غير أبيه والجمع بينهما بالوعيد فإن العتق من حيث إنه لحمة كلحمة النسب فإذا نسب إلى غير من هو له كان كالدعي الذي تبرأ عمن هو منه وألحق نفسه بغيره فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة وهذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه أو انتماء العتيق إلى غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق. انتهى.
وأما الأبناء؛ فهم أهل نسب وعصبة ولا يكونون موالي إلا إذا كان ذلك على سبيل المجاز أو من حيث اللغة.. وولاؤهم للأب يكون ببره والإحسان إليه.. والانتساب له كما قال تعالى: ادعوهم لآبائهم.. الآية
وكذلك الأمر بالنسبة للأم إلا أنه لا يجوز للابن الانتساب إليها، وأما الزوجة فلا تكون مولاة لزوجها إلا إذا كان قد أعتقها من الرق؛ فتكون حينئذ مولاة له كغيرها من الموالي يرثها بالتعصيب إذا لم يكن لها عاصب بالنسب، ولا يجوز أن تنتسب إليه بحال من الأحوال، وإنما تنسب لأبيها وعائلتها وقومها كما جاء في الآية وفي الحديث المشار إليهما.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأر قام التالية: 95965، 114368، 98629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1430(3/607)
أضواء على حديث: احفظ الله....
[السُّؤَالُ]
ـ[مكانة حديث ابن عباس رضي الله عنه يا غلام.... في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للحديث المشار إليه مكانة عظيمة في دين الله، وذلك لما تضمنه من الوصايا العقدية والتوجيهات النبوية التربوية..
وقد بدأت هذه التوجيهات بالأمر بحفظ الله تعالى، وحفظ الله معناه حفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره، ونواهيه، وحفظ ذلك: هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده بالوقوف عندها..
وأن من حفظ الله حفظه، فالجزاء من جنس العمل، وهي قاعدة مطردة وسنة من سنن الله تعالى، قال بعض العلماء: من حفظ الله في صباه وقوته، حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وحوله قوته وعقله.
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم: إذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فسؤال الله تعالى هو دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو أصل العبادة وأساسها.. وفيه النهي عن مسألة المخلوقين إلى آخر ما تضمنه هذا الحديث العظيم.
قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء: تدبرت هذا الحديث فادهشني وكدت أطيش، فوا أسفى من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه، ثم قال: وقد أفردت لشرحه جزءا كبيرا.
وهذا وبإمكان السائلة الرجوع إلى كتاب جامع العلوم والحكم للاطلاع على مكانة هذا الحديث وبعض ما تضمنه من الفوائد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1430(3/608)
استفسارات حول حديث: من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة..
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت) هل هي جنة الآخرة، وهل بالروح والجسد معا، وهل هناك زوجات. والمعذرة على السؤال الغريب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور حديث صحيح كما قال الألباني وغيره، ولفظه كما في السنن الكبرى للنسائي: من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت.
وفي مسند الشاميين بزيادة: فإذا مات دخلها. وقال عنه العلامة المناوي في فيض القدير: لم يبق من شرائط دخوله الجنة إلا الموت، وكأن الموت يمنعه. اهـ
وسبق شرح هذا الحديث بالتفصيل وقول الطحاوي فيه: إذا مات دخل الجنة. والمراد أن روحه تستقر فيها، أو المراد بالدخول التنعم، بمعنى أنه بمجرد موته وصل إلى تنعمه بنعيم الجنة، فإن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النيران، وانظر الفتوى رقم: 38891.
ولا شك أن من دخل الجنة نال فيها ما اشتهت نفسه من الزوجات وغيرهن.. كما قال تعالى: وفيها ما تشتهيه نفسه وتلذ الأعين. وقال تعالى: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:25} وللمزيد عن فضل هذه الآية انظر الفتوى: 62487.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1430(3/609)
شرح حديث (من خلع يدا من طاعة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح وما المعني المقصود منه: حدثنا علي بن حفص عن شريك عن عاصم عن عبد الله بن عامر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات ولا طاعة عليه مات ميتة جاهلية، ومن خلعها بعد عقده إياها فلا حجة له.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي عاصم في السنن بهذا اللفظ، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ظلال الجنة، ولكنه قد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.
وفيه أيضاً: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية.
وقد ذكر شيخ الإسلام في المنهاج أن هذا الحديث يفيد أن من لم يكن مطيعاً لولاة الأمر أو خرج عليهم بالسيف مات ميتة جاهلية، وذكر أنه يتناول من قاتل في العصبية ولكن لا يكفر المسلم بالاقتتال في العصبية فإن خرج عن الطاعة ثم مات ميتة جاهلية لم يكن كافراً ...
وقد ذكر النووي في شرح مسلم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: من خلع يداً من طاعة لقي الله تعالى يوم القيامة لا حجة له.. أي لا حجة له في فعله ولا عذر له ينفعه.
وراجع الفتوى رقم: 6927.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(3/610)
شرح حديث: إن أقواما منكم لا يحسنون الوضوء. فمن شهد الصلاة..
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سبق أن قرأت حديثا في كتاب دليل الفالحين شرح رياض الصالحين: ما بال أقوام يأتون الصلاة دون طهور فيلبس الشيطان في صلاتنا. أتمني أن يصلني شرحه على البريد الالكتروني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه قد ذكر بمعناه، وقد أخرجه أحمد والنسائي، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح فقرأ بالروم فأوهم، فلما انصرف قال: إنه يلبس علينا القرآن، إن أقواما منكم لا يحسنون الوضوء. فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء.
وهذا الحديث مختلف في صحته، وقد حسنه الحافظ ابن كثير إسنادا ومتنا، وللحديث فوائد، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: فدل هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة، ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها. انتهى.
وقال في موضع آخر: وفيه سر عجيب، ونبأ غريب وهو أنه عليه الصلاة والسلام تأثر بنقصان وضوء من ائتم به، فدل ذلك على أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1430(3/611)
شرح حديث (ألا أنبئكم بخير أعمالكم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو: هل ذكر الله تعالى كثيراً خير من الصدقة وخير من الجهاد في سبيل الله في الأجر، بناء على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلام قال: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند ملككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم بأن تلقو عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربون أعناقكم، قالوا: بلى. قال ذكر الله تعالى؟ وهل كذلك ذكر الله هو خير الأعمال، وأرجو تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت له من الله ترة ومن اضطجع مضجعا ولم يذكر الله فيه كانت له من الله ترة، فما معنى كانت له من الله ترة؟ وشكراً لكم.. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث حديث صحيح فقد أخرجه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه الألباني.. وهو يدل على فضل الذكر، وقد ذكر بعض أهل العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الناس بما يصلح لهم، فيخاطب كل صنف بحسب صلاحيته، فيذكر له ما هو أفضل له وأنفع، فقد ذكر في أحاديث أخرى أن الجهاد أفضل الأعمال ويليه الحج، وفي بعضها أن أفضل الأعمال الصلاة ثم بر الوالدين.
قال المناوي في فيض القدير: هذا محمول على أن الذكر كان أفضل للمخاطبين به، ولو خوطب به شجاع باسل حصل به نفع الإسلام في القتال لقيل له الجهاد، أو الغني الذي ينتفع به الفقراء بماله قيل له الصدقة، والقادر على الحج قيل له الحج أو من له أصلان قيل له برهما وبه يحصل التوفيق بين الأخبار ... انتهى.
والترة الواردة في الحديث معناها التبعة من الله تعالى.. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية لمعرفة معنى الترة، وللمزيد فيما تقدم: 66444، 37130، 12178، 102104، 116984.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1430(3/612)
مدى صحة الأحاديث الواردة في: النهاية في غريب الحديث، والفائق في غريب الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة صحة أحاديث (النهاية في غريب الحديث والأثر) لابن الأثير، (والفائق في غريب الحديث) للزمخشري، وكيف يمكن التأكد من صحتها وخصوصاً أن الأسانيد غير مذكورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أحاديث النهاية والفائق فيها الصحيح والحسن والضعيف، فالمؤلفان لم يلتزما فيها أن تكون ثابتة، وإنما اعتنيا بشرح الغريب فقط.
وأما طريقة معرفة صحتها من عدمها، فإنما تتم بالبحث عنها في المصادر الأخرى، فابحث عنها في كتب التخريج أو في الكتب التي تذكر الأسانيد ثم انظر في سندها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1429(3/613)
شرح حديث (فيما العمل اليوم)
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في صحيح مسلم: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْآنَ فِيمَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ قَالَ لَا بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ قَالَ فَفِيمَ الْعَمَلُ قَالَ زُهَيْرٌ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ فَسَأَلْتُ مَا قَالَ فَقَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ
فما معنى: فِيمَا نَسْتَقْبِلُ وما هو الفرق بين مَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَما جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى نستقبل في الحديث يوضحه رواية الحديث الأخرى: أنعمل فيما جرت به المقادير وجفت به القلم أو شيء نستأنفه أي نستقبله من الليالي والأيام، ومعنى: جفت به الأقلام أي فرغت من كتابته في اللوح المحفوظ.
وجرت به المقادير معناه أنه واقع وفق ما كتبه الله تعالى وقدره في الأزل، وبذلك يتضح لك الفرق بين كتابته وجريان القدر به وفق ما كتب، فالسائل يسأل عما إذا كان المرء قدر له كل ما هو عامل وليس له أن يغير من ذلك شيئا أم أن المقادير لم توضع وللمرء أن يختار الوجهة التي يريد.
هذا وننصح السائل الكريم باستعمال فكره وعقله في مجال يناسبه ويمكن أن يبدع فيه أو ينفعه في دينه ودنياه ولا يضيع وقته ويشغل فكره في مجال التفكير فيه مضيعة للوقت ومتاهة للعقل، فإن القدر سر الله تعالى في خلقه كما قال الإمام الطحاوي في عقيدته: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى في كتابه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} فمن سأل لم فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين..
ولله در من قال:
تبارك من أجرى الأمور بحكمه كما شاء لا ظلما ولا هضما
فما لك شيء غير ما الله شاءه فإن شئت طب نفسا وإن شئت مت كظما
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة والتفصيل عن هذا الموضوع في الفتويين: 111439، 102933، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1429(3/614)
معنى حديث: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر. رواه أبو داود
فما هو النصل والخف والحافر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني وغيره ومعناه كما جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود: أن الجعل والعطاء لا يستحق إلا في سباق الخيل والإبل وما في معناهما، وفي النصل وهو الرمي وذلك أن هذه الأمور عدة في قتال العدو وفي بذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد وتحريض عليه، وأما السباق بالطير والرجل وبالحمام وما يدخل في معناه مما ليس من عدة الحرب ولا من باب القوة على الجهاد فأخذ السبق عليه قمار محظور لا يجوز.
وفيه الحث أو التنبيه على أهمية المسابقة والرياضة بهذه المذكورات وما أشبهها من وسائل الجهاد لما في ذلك من العون على القيام بهذه الفريضة العظيمة -الجهاد في سبيل الله.
والنصل: حديدة السهم ويقصد به المسابقة بالسلاح بأنواعه. والحافر أي حافر الخيل، وألحق به بعض أهل العلم البغال والحمير. والخف أي خف الإبل والفيلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(3/615)
معنى (الهرم) في حديث التداوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف معنى كلمة (الهرم) عن حديث رسول الله عليه الصلاة وسلام.
قالت الأعراب: ألا نتداوى يا رسول الله؟ قال: نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحداً، قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: الهرم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح، رواه أصحاب السنن وغيرهم وصححه الألباني.
والهرم: معناه شدة الكبر في السن وبلوغ أقصاه، قال العلماء: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الهرم داء تشبيها له بالداء؛ لأن الموت يعقبه كالأدواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1429(3/616)
معنى حديث كان إذا اطلى بدأ بعورته فطلاها بالنورة..
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء تفسير الحديث رقم 3751 من سنن ابن ماجه حيث لم أفهم منه شيئا بعد الرجوع إلى حاشية السندي ولسان العرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مراد السائل حديث ابن ماجه: كان إذا اطلى بدأ بعورته فطلاها بالنورة، وسائر جسده أهله.
فإن المراد بالطلاء طلاء الجسد بمادة النورة المزيلة للشعر فالمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان يلي إزالة الشعر من العورة بنفسه، ويولي إحدى زوجاته إزالة الشعر من باقي الجسد.. وراجع في شرح الحديث فيض القدير للمناوي.
ثم إنا ننبهك إلى أن أحاديث التنور ضعفها الشيخ الألباني رحمه الله، ولكن إزالة الشعر بالنورة أو غيرها مما يطلى به الجسد مباح عند أهل العلم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 44687، والفتوى رقم: 78890.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1429(3/617)
معنى حديث: ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم ...
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى حديث: ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه مسلم عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمُ اللَّهُ فَلَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ. "بأسهمه" جمع سهم، وهو أداة الحرب المعروفة، فمعنى الحديث أن الله سيكفيكم القتال بما فتح عليكم وظهور دينكم، فلا ينبغي أن يكون ذلك صارفا لكم عن الرمي والتدرب في أمور الحرب للحاجة إليها يوما ما، ذكر ذلك القاضي عياض بمعناه.
وقال القاري: المعنى لا يكسل أحدكم (من أن يلهو) أي يشتغل أو يلعب (بأسهمه) أي مع قِسيِّه، بنية الجهاد مع أهل الروم وغيرهم من ذوي العناد. انتهى.
وقال المناوي: أي يلعب بنباله، ولا عليكم أن تهتموا بالرمي إذا حاربتم الروم وتكونوا متمكنين منهم، وإنما أخرج مخرج اللهو إمالة للنفوس على تعلمه فإنها مجبولة على ميلها للهو.
وقال النووي: مَعْنَاهُ النَّدْب إِلَى الرَّمْي.
وقال ابن القيم: حرضهم النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح البلاد عليهم على اللهو بالسهام.
ولعقبة بن عامر حديث آخر بلفظ: كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وابن ماجه وأحمد. وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1429(3/618)
معنى حديث: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله..
[السُّؤَالُ]
ـ[في أيام الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان الرجال والنساء يتوضؤون في مكان واحد ولا أعلم في عهد من من الخلفاء الراشدين فصل الرجال عن النساء في مكان الوضوء وما دام الوضوء في مكان واحد كان موجودا في عهد الرسول فلماذا فصلوا وأصبح الرجال يتوضؤون في مكان والرجال في مكان آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا.
وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث، فمنهم من قال: يتوضؤون في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة، ومنهم من قال: كان الرجال يتوضؤون ويذهبون ثم تأتي النساء فيتوضأن.
ولم يرتض الحافظ ابن حجر رحمه الله كلا القولين ثم قال رحمه الله: والأولى أن يقال لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم. انتهى.
وبهذا يظهر للأخ السائل أن الفصل بين الرجال والنساء كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت آيات الحجاب، ولم يكن اجتماع في زمن الخلفاء الراشدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1429(3/619)
شرح دعاء (اللهم إني أسألك بعزك الذي لايرام..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك دعاء مأثور: اللهم إني أسألك بعزك الذي لا يُرام وبملكك الذي لا يُضام.
السؤال: ما معني: يُرام، يُضام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى يرام يطلب، ومعنى يضام يظلم، يقال ضامه يضيمه واستضامه ظلمه كذا في مختار الصحاح واللسان. وراجع الفتوى رقم: 70670.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1429(3/620)
معنى: بعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك دعاء مأثور اللهم إني أسألك بعزك الذي لا يُرام وبملكك الذي لا يُضام. السؤال: ما معنى: يُرام يُضام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا جزء من دعاء في قصة مشهورة تنسب لأبي معلق الأنصاري، قيل: إنه أحد الصحابة، وقد سبق ذكر هذا الدعاء بتمامه وبيان من أخرجه والكلام عليه في الفتوى رقم: 30479، والفتوى رقم: 9347.
وأما معنى: يُرام: يقال: رُمْتُ الشيء أرومُهُ رَوْماً، إذا طلبته، كما في الصحاح في اللغة للجوهري، ومعنى: بعزك الذي لا يُرام أي هو سبحانه: عزيز ممتنع لا يصل أحد إلى ضره فيضره ولا يستطيع أحد أن يسلبه شيئا أو أن يُنقص من صفته أو من فعله أو من ملكه شيئا، بل هو جل وعلا الممتنع الذي لا يرام جنابه.
ومعنى: يُضام، هي من (الضيم) وهو كالقهر والاضطهاد. يقال ضامه يَضِيمُهُ ضَيْماً. والرجل المَضِيم: المظلوم، ينظر معجم مقاييس اللغة.
ومعنى: وبملكك الذي لا يُضام أي لا يستطيع أحد أن يزيل ملكه أو يقهره، أو يفعل فيه ما لم يأذن بفعله شرعا أو قدرا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1429(3/621)
شرح حديث (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور أخرجه ابن ماجه وابن حبان وغيرهما وهو حديث صحيح كما قال أهل العلم، وقد ورد بألفاظ متقاربة منها: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ومعنى الحديث -كما قال العلماء- أن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإثم والحرج فيما عملوه على وجه الخطأ أو النسيان أو الإكراه ومصداق ذلك قول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب:5} ، وقوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ {البقرة:286} ، وقوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ {النحل:106} ، ولكن عدم المؤاخذة ورفع القلم عن المذكورين لا يتناول الضمان في إتلاف أموال الناس، فهي مضمونة على من أتلفها على كل حال فالعمد والخطأ فيها سواء، قال ابن عبد البر في التمهيد: وقد أجمعوا على أن قوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان.. ليس في إتلاف الأموال وإنما المراد به رفع المآثم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(3/622)
معنى حديث (لا وصية لوارث)
[السُّؤَالُ]
ـ[ملاحظة أنا صاحب السؤال رقم 2203261 أبو سلمان من صنعاء، نسيت أن أذكر في سؤالي السابق ملاحظة وهي أن سعر البيت في حياة الوالد يقدر بحوالي خمسة ملايين ريال يمني تقريبا أما الآن فالسعر مختلف تماما فكيف توزع التركة الآن بالسعر القديم أم السعر الجديد وهل للزوجتين اللتين توفيتا قبل أبينا هل لهن نصيب أم لا، ونريد شرحا أكثر لحديث لا وصية لوارث؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في جواب السؤال المشار إليه كيفية قسمة التركة على الورثة، وهل على السعر القديم أم الجديد بما لا حاجة بنا إلى إعادته، والزوجة المتوفاة قبل أبيكم ليس لها نصيب من الميراث، فالمتقدم موتاً لا يرث من المتأخر موتاً بالإجماع.
وأما حديث (لا وصية لوارث) فمعناه أنه لا يصح أن يوصي الشخص بماله أو بجزء منه لأحد الذين يرثونه بعد موته؛ كابنه أو زوجته لأن هؤلاء ورثة، وقد جعل الله لهم نصيباً معلوماً من التركة لا يزاد عليه ولا يأخذون أكثر منه، وعند بعض العلماء أن المنفي عدم اللزوم أي ليست وصية لازمة يجب على المرء أن يوصي بها، فإذا أوصى لا تنفذ إلا بإجازة باقي الورثة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1429(3/623)
شرح حديث: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن معمر وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
رواه البخاري هذا الحديث يستخدمه أهل البدع من أدلتهم على أهل السنة ويبين أن سيدنا عمر بن الخطاب يتجاوز على النبي فأرجو منكم أن تكتبوا شيئا تبينوا المعنى الحقيقي لهذه الرواية لكي يفهمها هؤلاء ولا يعودوا يستخدموها كأدلة ضد أهل السنة والجماعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هؤلاء القوم لا يلتفت إلى كلامهم في عمر ولا في غيره من الصحابة الكرام، وليس في الحديث المذكور حجة لهم على ما يدعونه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل هو من فضائل عمر وفقهه وفهمه الثاقب لدين الله، ولو لم يوافق رأيه الصواب- كما وقع له في عدة مواقف معروفة- لما تنازل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة مهما كان الأمر.
وننقل لك هنا بعض ما قاله أهل العلم في هذا الموضوع، فقد جاء في شرح مسلم للإمام النووي قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة أو أوحي إليه بذلك، ثم ظهر له أن المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول، وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أمورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها؛ لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله؛ لقوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء، وقوله: اليوم أكملت لكم دينكم، فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة، وأراد الترفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه. قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أواخر كتابه دلائل النبوة: إنما قصد عمر التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه الوجع، ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره؛ لقوله تعالى: بلغ ما أنزل إليك، كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1429(3/624)
شرح حديث (..وانصرني ولا تنصر علي..)
[السُّؤَالُ]
ـ[في ما يخص الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهل يجب حفظها كما وردت عن النبي أم يمكن الاجتهاد فيها كإبدال كلمة بأخرى مرادفة لها، وأريد أن أعرف الفرق بين اللهم انصر لي واللهم انصرني وما معنى امكر لي ولا تمكر علي وما معنى المكر عندما ننسبه إلى الله سبحانه وتعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أن الأدعية الواردة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في مكان خاص ينبغي حفظها حرفيا ولا تغير، وانظر تفصيل ذلك وأدلته في الفتوى رقم: 74543.
وأما: وانصر لي فلم نجدها مذكورة في الحديث أو اللغة، والذي ورد في الحديث: وانصرني ولا تنصر علي. فقد روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر هداي إلي وانصرني على من بغى علي.
ومعناه كما قال أهل العلم: اغلبني على الكفار ولا تغلبهم علي أو انصرني على نفسي فإنها أعدى أعدائي ولا تنصر النفس الأمارة علي.
ومعنى: امكر لي ولا تمكر علي. اهدني إلى طريق دفع أعدائي عني ولا تهد عدوي إلى طريق دفعه إياه عن نفسه.
قال العلماء: المكر في الأصل: الخداع والحيلة في دفع عدو بحيث لا يشعر به العدو.. ومعنى المكر من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون، وقيل هو استدراج العبد بالطاعة فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة. راجع غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب.
ولا يجوز وصف الله تعالى به أو إسناده إليه إلا على سبيل المشاكلة ومقابلة اللفظ باللفظ كما في قول الله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ {الأنفال:30} . وما أشبه ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1429(3/625)
شرح حديث (ولو كمفحص قطاة)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتاً في الجنة. ما معنى كمفحص قطاة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مفحص القطاة موضع بروكها على بيضها، وهو مشتق من الفحص أي البحث، فالدجاجة والقطاة تفحص في الأرض برجليها لتتخذ لنفسها مفحصاً تبرك فيه أو تبيض فيه.. كذا في لسان العرب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1429(3/626)
شرح حديث: فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدرى ما فعلت ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإيضاح عن صحة هذا الحديث، وإذا كان صحيحا فما هي قصته، الحديث هو عن أبي هريرة قال رسول الله صلعم: فقدت أمة من بني إسرائيل لم يدر ما فعلت ولا أراها إلا الفأر، ألم تر إذا قربت لها لبن الإبل لم تشرب وإذا قرب لها لبن الشاه شربته. هذا هو الحديث أرجو الاستفسار عن صحته، ولكم مني كل احترام وتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ وَإِنِّي لَا أُرَاهَا إِلَّا الْفَأرَ إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَت ...
قال شراح الحديث: فقدت أمة من بني إسرائيل أي ذهبت طائفة منهم أو سبط لا يعلم ما وقع لهم. فيقول صلى الله عليه وسلم: لا أراها أي لا أظنها إلا مسخها الله تعالى لجنس الفأر. ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه، وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته؟ ومعنى هذا أن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بني إسرائيل دون لحوم الغنم وألبانها، فدل امتناع الفأرة من لبن الإبل دون الغنم على أنها مسخ من بني إسرائيل.
والظاهر من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك اجتهادا منه وظنا قبل أن يخبر من الله تعالى أنه لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
وعليه؛ فهذه الحيوانات كانت قبل أن يكون المسخ لبعض الأمم، ومن مسخ منهم قردة أو خنازير أو غيرها فقد انقرض ولم يبق له وجود.
قال الحافظ في الفتح: وذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير، فقال: إن الله لم يجعل للمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك- كما في صحيح مسلم وغيره-، وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: لا أراها إلا الفأر، وكأنه كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها ليست هي.
ونلفت انتباه الأخ السائل إلى عدم مشروعية كتابة (صلعم) وليراجع فيها فتوانا رقم: 7334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1429(3/627)
معنى حديث (الطلاق لمن أخذ بالساق)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (الطلاق لمن أخذ بالساق) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور أخرجه ابن ماجه في سننه وحسنه الألباني رحمه الله تعالى، ولفظه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله؛ إن سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها، قال: فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: يا أيها الناس ما بال أحدكم زوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما، إنما الطلاق لمن أخذ بالساق.
والمقصود به أن الذي يملك إيقاع الطلاق وحل العصمة هو الزوج، الذي له أن يأخذ بساق المرأة، ولو كان عبداً تحت سيده، فليس للسيد أن يطلق عليه زوجته، قال عمر رضي الله عنه: إنما الطلاق لمن يحل له الفرج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1429(3/628)
شرح حديث (فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا)
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث الذي رواه البخاري: ... فرأيت رجالاً نصفهم من أحسن ما يكون ونصفهم الآخر من أسود ما يكون" ... قال أولئك الذين خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئاً ... أو كما قال، السؤال: ما معنى خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً؟ وشكراًَ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه جاء ضمن حديث طويل رواه البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، بلفظ: ... وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، تجاوز الله عنهم. ومعنى خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً أي أنهم كانوا في الدنيا يعملون الحسنات والطاعات ويعملون المعاصي والسيئات، قال الحافظ في الفتح: أي عمل كل منهم عملاً صالحاً وخلطه بعمل سيئ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1429(3/629)
معنى: شقائق الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة شقائق في شرح المباركفوري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائل لم يذكر لنا الموضع الذي ذكر المباركفوري فيه هذه الكلمة، ولا من هو المباركفوري المراد، وقد وجدنا للشيخ محمد بن عبد الرحمن عبد الرحيم المباركفوري صاحب تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي وجدناه ذكر كلمة شقائق الرجال مرتين.
ومعنى شقائق الرجال كما قال الرافعي وابن الأثير وابن منظور والمناوي أنها نظائر الرجال وأمثالهم في الأخلاق والطباع والأحكام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1429(3/630)
أضواء على حديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسلت إليكم سؤالا حول حديث أمرت أن أقاتل الناس برقم 2195753 والإشكال في السؤال هو: حول سبب ورود الحديث وهل المراد قتال جميع الناس في الكرة الأرضية أم المراد بالناس من هم في جزيرة العرب وقد أحلتموني إلى فتوى رقم 108689 وهي تتعلق بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب كما أحلتم إلى الفتوى رقم: 73832. حول انتشار الإسلام بحد السيف والفتوى رقم: 76362. حول هدف القتال. وكل ذلك لا يتعلق بالإشكال الذي أريد إزالته في فهم هذا الحديث فأرجو التكرم بموافاتي بالجواب المحدد عن معنى هذا الحديث النبوي الشريف. ولكم مني جزيل الشكر وصادق الدعاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار سبب ورود هذا الحديث، فقد روي بإسناده عن النعمان بن عمرو بن أوس , أخبره أن أباه أوسا رضي الله عنه قال: إنا لقعود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة, وهو يقص علينا, ويذكرنا إذ أتاه رجل فساره, فقال: اذهبوا فاقتلوه. فلما ولى الرجل دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما تشهد أن لا إله إلا الله؟ فقال الرجل: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فخلوا سبيله.. .ثم ذكر الحديث، والمراد بهذا الحديث قتال المشركين جميعا، ولا يلزم من هذا أن يطالب المسلمون بقتال المشركين جميعا في آن واحد، فقد لا يكون بالمسلمين طاقة بذلك، والشأن في هذا كالشأن في غيره من أمور التكليف في كونها منوطة بالقدرة.
قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16} . وقال سبحانه: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ {البقرة: 286} .
واعلم أن الإسلام ليس متشوفا إلى سفك الدماء، وإنما هو دين رحمة، جاء لتعبيد الناس لربهم، ولذا فمن أول ما يبدأ به قبل القتال دعوة الناس إلى الإسلام، وبذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر قواده، فإذا دخل القوم في الدين أو هادنوا المسلمين أو عقدوا معهم صلحا، أو ارتضوا دفع الجزية كف المسلمون عن قتالهم، وإذا عمل بعض الأعداء على الحيلولة بين الناس وبين سماع الحق قاتلهم المسلمون حتى يتركوا المسلمين يبلغون الخير إلى الناس، فليس القتال هدفا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة، وليس استخدامه في قتال الناس جميعا، وإنما له استثناءاته وقيوده وضوابطه، ولا يلزم من القتال القتل، فإذا وجد ما يقتضي الكف عن القتال مما ذكرنا سابقا من أمور كالهدنة والصلح ونحو ذلك يقر الكافر على دينه ولا يقتل لكونه كافرا، ولا يجبر على الدخول في الإسلام، إذ لا إكراه في الدين، ولمزيد الفائدة نرجو أن تراجع الفتاوى: 43757، 76362، 44962. ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1429(3/631)
معنى حديث: خيركم من تعلم القرآن وعلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة المقصود بالعلم في الحديث الشريف خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وهل المقصود هو تعلم القرآن والتجويد وأحكام القراءة أم المقصود هو تعلم تفسير القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه حديث صحيح هو في الصحيحين وغيرهما، وهو عام في تعلم القرآن وتعليمه حفظا وتجويدا وتفسيرا.
قال العلماء معنى الحديث: خيركم وأفضلكم- يا معشر القراء أو يا معشر المتعلمين والمعلمين أو يا أيها الأمة- من تعلم لقرآن حق تعلمه وعلمه حق تعليمه. ولا يتمكن من هذا إلا بالإحاطة بالعلوم الشرعية أصولها وفروعها، ومثل هذا الشخص يعد كاملا لنفسه مكملا لغيره فهو أفضل المؤمنين مطلقا، ولذا ورد عن عيسى عليه الصلاة والسلام: من علم وعمل وعلم يدعى في الملكوت عظيما، والفرد الأكمل من هذا الجنس هو النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأشبه فالأشبه.
قال أبو عبد الرحمن السلمي راوي الحديث عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا. أي هذا الخير العظيم والفضل الكبير المذكور في الحديث هو الذي جعلني أتفرغ لإقراء الناس، وكان قد جلس في مسجد الكوفة يعلم الناس القرآن عشرات السنين من خلافة عثمان بن عفان إلى أن تولى الحجاج. ملخصا من شروح الحديث.
وللمزيد انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51391، 96386، 101737.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1429(3/632)
شرح حديث النهي عن بيعتين في بيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح حديث: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن بيعتين في بيعة. رواه مالك والترمذي وصححه الألباني. وفي رواية: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا. رواه الحاكم وصححها ووافقه الذهبي، وقد اختلف العلماء فيه على أقوال فقيل: معناه أن يبيع الرجل السلعة فيقول: هي نقداً بكذا، ونسيئة بكذا، أي بثمن أكثر من الثمن الأول، ويتم الافتراق على الإبهام بين الثمنين، وبهذا فسره مالك والشافعي وأحمد وغيرهم.
وقال مالك أيضاً: هو أن يشتري سلعة بدينار أو بشاة، أو يشتري بدينار شاة أو ثوباً، قد وجب أحدهما للمشتري. وقال ابن القيم في تهذيب السنن: هو أن يقول: بعتك هذه السلعة بمائة إلى سنة على أن أشتريها منك -أي بعد ذلك- بثمانين حالة. قال وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: فله أوكسهما أو الربا، فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي، أو الثمن الأول فيكون هو أوكسهما.
وقيل هو أن يشترطا بيعاً في بيع، وقد فسره بهذا الوجه أيضاً الشافعي، فقال: هو أن يقول: بعتك هذه الفرس بألف على أن تبيعني دارك بكذا، أي إذا وجب لك عندي فقد وجب لي عندك، وجعل منه مسروق أن يقول: بعتك هذا البز بكذا وكذا ديناراً تعطيني بالدينار عشرة دراهم، أي لأنه جمع بين بيع وصرف، وجعل منه الحنفية أن يبيع داراً بشرط أن يسكنها البائع شهراً، أو دابة على أن يستخدمها المشتري ولو مدة معينة، ونحو ذلك.
وقال الخطابي: هو أن يشتري منه بدينار صاع حنطة سلما إلى شهر، فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال له: بعني الصاع الذي لك علي بصاعين إلى شهرين، قال الخطابي: فهذا بيع ثان قد دخل على البيع الأول، فيردان إلى أوكسهما وهو الأول. ونقل هذا التفسير عن شرح سنن أبي داود لابن رسلان، ونقله ابن الأثير في النهاية، وواضح أن مثل هذا البيع باطل عند الجميع لكونه بيع ربوي بجنسه متفاضلاً ونسيئة.
وراجع للاطلاع على المزيد في الأمر المغني لابن قدامة وشروح الموطأ وسنن أبي داود والموسوعة الفقهية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1429(3/633)
شرح حديث (لددنا النبي صلى الله عليه وسلم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة العلماء الأفاضل: أرجو التكرم بشرح الحديث التالي: وبخاصة كلمة لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه. تعني الذي توفي فيه، فقال: لا يبقى في البيت أحد إلا لد ... قال الحافظ: والذي يظهر أنه أراد بذلك تأديبهم لئلا يعودوا فكان ذلك تأديباً لا قصاصاً ولا انتقاماً ... لأنه قد نهاهم قبل ذلك أن يلدوه.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه رواه البخاري ومسلم وغيرهما ولفظه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: لددنا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، فقال لا تلدوني، فقلنا كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم.
هذا الحديث جاء في سياق حديث عائشة - رضي الله عنها عن مرض النبي- صلى الله عليه وسلم- الذي توفي فيه؛ فقد ظن بعض أهله أن به مرضا يعالج بهذا النوع من العلاج، ففي بعض روايات الحديث أنهم ظنوا أن به ذات الجنب وأنهم أذابوا قسطا أي بزيت فلدوه به.
واللدود ما يجعل في جانب فم الشخص من دواء وغيره، وأما ما يجعل في الحلق فيقال له الوجور، وما يجعل في الأنف يقال له السعوط.
وقد أشار إليهم صلى الله عليه وسلم قبل أن يغمى عليه: لا تلدوني؛ قيل لأنه يعلم أن ذلك ليس من علاجه وأن المرض الذي يظنون أنه مصاب به لم يكن مصابا به، وإنما لم يمتثلوا ما قال لهم لأنهم ظنوا أن ذلك من كراهة المريض للدواء..، فلما أفاق أمر بلد الجميع غير عمه العباس. قال الحافظ في الفتح: وإنما فعل بهم ذلك عقوبة لهم لتركهم امتثال نهيه عن ذلك، أما من باشره فظاهر، وأما من لم يباشره فلكونهم تركوا نهيهم عما نهاهم هو عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1429(3/634)
عدة الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[إشارة إلى الفتوى رقم: 45361 ورقم: 21343 ما مصير المسلمين الباقين حيث إنهم الآن ما يقارب المليار نسمة، وأنه يوجد عدد كبير توجد فيه الصفات التي ذكرت وهي لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون هل هم لا يحاسبون أم لا، وما معنى ثلاث حثيات من حثياته ...
جزاكم الله ألف خير....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وقع في أحاديث غير الحديث المشار إليه ما يدل على عدم انحصار هذا الوعد في العدد المذكور، فقد ورد أن مع كل ألف من السبعين ألفا سبعون ألفا أخرى، كما وردت وعود أخرى في الدخول للجنة بغير حساب ولا عذاب، ويضاف لهذا من يزيد بالشفاعة أو بالحثيات المذكورة في حديث السنن، وأهم ما يتعين البحث عنه هو العمل بما وعد الله به والإيمان والتصديق به.
وقد تكلم أهل العلم على توجيه هذا الحديث المذكور في الفتاوى، فقد قال العيني في شرح البخاري عند الكلام على الحديث المذكور في السبعين ألفا: قيل هم أكثر من هذا العدد وأجيب الله أعلم بذلك مع احتمال أن يراد بالسبعين التكثير، وقال بعضهم إن العدد المذكور على ظاهره. وقوى كلامه بأحاديث منها ما رواه الترمذي من حديث أبي أمامة رفعه، وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي.
قال العيني: قلت احتمال الزيادة في السبعين باق لأن المراد منه ليس خصوص العدد والحثيات كناية عن المبالغة في الكثرة. قاله ابن الأثير. اهـ.
وقال ابن حجر في الفتح عند الكلام على الحديث المذكور في السبعين ألفا نقلا عن الكرماني أنه قال: فإن قيل إن المتصف بهذا أكثر من العدد المذكور فما وجه الحصر فيه؟ وأجاب باحتمال أن يكون المراد به التكثير لا خصوص العدد.
قال ابن حجر: قلت: الظاهر أن العدد المذكور على ظاهره، فقد وقع في حديث أبي هريرة ثاني أحاديث الباب وصفهم بأنهم تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر، ومضى في بدء الخلق من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة رفعه أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة. وقد وقع في أحاديث أخرى أن مع السبعين ألفا زيادة عليهم، ففي حديث أبي هريرة عند أحمد والبيهقي في البعث من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألت ربي فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا. وسنده جيد، وفي الباب عن أبي أيوب عند الطبراني وعن حذيفة عند أحمد وعن أنس عند البزار وعن ثوبان عند ابن أبي عاصم، فهذه طرق يقوي بعضها بعضا، وجاء في ذلك أيضا أحاديث أخرى: فأخرج الترمذي وحسنه والطبراني وابن حبان في صحيحه من حديث أبي أمامة رفعه. وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات ربي. وفي صحيح ابن حبان أيضا والطبراني بسند جيد من حديث عتبة بن عبد نحوه بلفظ: ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفا، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه، وفيه فكبر عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن السبعين ألفا يشفعهم الله في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم وإني لأرجو أن يكون أدنى أمتي الحثيات.
هذا وننبه إلى أنه يصعب الجزم بكون كثير من المعاصرين توجد فيهم الصفات المذكورة ولكنه يتعين على المسلمين عموما السعي في التحقق بهذه الصفات والحض على التخلق بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1429(3/635)
سبب تسمية المحلل بالتيس المستعار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة أو وصف الرجل بالتيس في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
جاء في الشرع وصف الرجل الذي يتزوج المرأة المطلقة ثلاثا ليحلها لزوجها الأول جاء وصفه بأنه تيس مستعار كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه والحاكم وغيرهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال هو المحل. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: لعن المحل والمحلل له.
فإن كان السائل يعني الحديث، فإن التيس في اللغة هو الذكر من الظباء والمعز والوعول إذا أتى عليه سنة ووجه الشبه بين التيس وبين المحلل ما ذكره شيخ الإسلام حيث قال: فإن صاحب الماشية يستعير التيس لا لأجل الملك والقنية، ولكن لينزيه على غنمه فكذلك المحلل لا رغبة للمرأة ووليها في مصاهرته ومناكحته واتخاذه ختنا وإنما يستعيرونه لينزوه على فتاتهم. انتهى.
ووجه التشبيه بالتيس على وجه التحديد دون سائر الحيوانات كما جاء في شرح سنن الترمذي: أن الشهوة في التيس كثيرة قلما يفتر عن الجماع. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1429(3/636)
شرح حديث: إن نفسا لن تموت حتى تستكمل ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لن تموت نفس قبل أن تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه في غير طاعة الله فما عند الله لا يؤخذ إلا بطاعته. رفعت الأقلام وجفت الصحف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذان حديثان: الأول إلى قوله: إلا بطاعته. رواه الطبراني في معجمة الكبير وصححه الشيخ الألباني. والثاني قوله رفعت الأقلام وجفت الصحف. وهو قطعة من حديث ابن عباس المشهور وأوله: يا غلام إني أعلمك ... الحديث. رواه الإمام أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح وصححه الألباني.
وأما عن المعنى فقال المناوي في شرح الحديث: إن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها. الذي كتبه لها الملك وهي في بطن أمها فلا وجه للوله والتعب والحرص والنصب إلا عن شك في الوعد، وتستوعب رزقها كذلك فإنه سبحانه وتعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه القديم الأزلي، ولهذا سئل حكيم عن الرزق، فقال: إن قسم فلا تعجل، وإن لم يقسم فلا تتعب (فاتقوا الله) أي ثقوا بضمانه، لكنه أمرنا تعبداً بطلبه من حله فلهذا قال: وأجملوا في الطلب. بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام، والشبهات (ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق) أي حصوله (أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده) من الرزق وغيره (إلا بطاعته) . انتهى من فيض القدير.
أما قوله: رفعت الأقلام وجفت الصحف فهو كما في جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب: كناية عن تقدم كتابة المقادير كلها والفراغ منها من أمد بعيد، فإن الكتاب إذا فرغ من كتابه ورفعت الأقلام عنه وطال عهده فقد رفعت عنه الأقلام وجفت الأقلام التي كتب بها من مدادها وجفت الصحف التي كتب فيها بالمداد المكتوب به فيها، وهذا من أحسن الكنايات، وأبلغها وقد دل الكتاب والسنن الصحيحة الكثيرة على مثل هذا المعنى. انتهى..
وهناك فتاوى أخرى متعلقة بهذين الحديثين حبذا لو تراجع، وذلك تجده في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26158، 27373، 28483، 61976.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1429(3/637)
شرح حديث: (لكن ربي قد أمرني بإعفاء لحيتي)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو عن الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنّ رجالاً من اليمن أتوه وكانوا قد حلقوا لحاهم، وأبقوا على الشارب، والمعلوم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينظر إلى وجوههم بسبب هذه الهيئة.
فهل يُفهم من هذا الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لن ينظر إلى وجوه من حلقوا لحاهم من المسلمين يوم القيامة عند الحوض؟ وهل هم من الذي سيُقال لهم: سُحقًا سٌحقًا، إذ إنّ النبي لم يُطق رؤية أمثالهم في الدنيا فكيف في الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة حدثت مع رجلين أرسلهما كسرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق ذكر هذه القصة، وذكر من رواها بالفتوى رقم: 103944.
وليس في هذه القصة دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لن ينظر يوم القيامة إلى من حلق لحيته من المسلمين يوم القيامة، ولا نعلم دليلا يدل على ذلك.
وقد سبق بيان أقوال أهل العلم فيمن يذاد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بالفتوى رقم: 77989، وذكرنا هناك أن من أهل العلم من قال بدخول أصحاب الكبائر في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1429(3/638)
أضواء على حديث: (كل مسلم على مسلم حرام أخوان نصيران)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: كل مسلم على مسلم حرام أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين. أخرجه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. فهل هذا الحديث ينطبق أيضا على من كان في الجاهلية والتزم بالإسلام في بلاد الكفر؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الحديث المذكور لا ينطبق على من يتمكن من إقامة الشعائر الدينية في بلاد الكفار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور لا ينطبق على من كان آمناً على دينه ونفسه وماله ... ويستطيع إقامة شعائره التعبدية بحرية ... ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية ... الحديث. وفيهما: أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الهجرة؟ فقال: ويحك إن الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فتعطي صدقتها؟ قال: نعم، قال: فهل تمنح منها؟ قال: نعم، قال: فتحلبها يوم ورودها؟ قال: نعم، قال: فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك شيئاً.
والحديث المذكور في السؤال صحيح كما أشار السائل الكريم وكما جاء في صحيح ابن حبان وغيره، ومعناه كما قال أهل العلم: أنه يجب على المسلم أن يفارق المشركين بأن يهاجر من دارهم لأن الإنسان لا يتمكن من دينه في ديار المشركين، ويحتمل أن يكون المعنى حتى يفارق المشركين في زيهم وعادتهم ... إلى زي المسلمين في العادات والمعاملات فإن من تشبه بقوم فهو منهم كذا في شرح سنن ابن ماجه.
وعلى ذلك فإن الذي يستطيع أن يقيم شعائر دينه في بلاد الكفار لا تجب عليه الهجرة ولا ينطبق عليه الحديث ... وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 28551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(3/639)
أضواء حول حديث: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)
[السُّؤَالُ]
ـ[في معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: جفت الأقلام وأغلقت الصحف.
فيخطر على ذهني مادام كل شيء مكتوبا لماذا خلق الله السموات والأرض والإنسان وهو أعلم بما كان وما يكن وما سيكون؟ أفيدوني فقد أتعبني هذا التفكير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: جفت الأقلام ورفعت الصحف. أن الأعمال قد كتبت في الصحف وفرغ منها، فكل ما يعمله الناس قد علمه الله قبل أن يعملوه وكتبه عنده في اللوح المحفوظ، وهذا لا ينافي الحكمة من خلق الإنسان وأمره بعبادة الله تعالى، ويمكن توضيح ذلك بمثال يدركه الناس وهو أن المدرس الناجح يعرف في الغالب مستوى الطلاب ويمكنه أن يجزم بأن بعض الطلاب بأعيانهم سيرسبون في الامتحان لأن أعمالهم لا ترقى بهم إلى مستوى النجاح، ولكن لو كتب نتيجة النجاح وأنهم راسبون من غير إجراء امتحانات لقالوا ظلمتنا إذ كيف نرسب قبل أن نمتحن فحتى لا تكون لهم حجة عليه مكنهم من الامتحان مع علمه بنتيجتهم ولله المثل الأعلى، وهو العزيز الحكيم، فالله تعالى علم ما الخلق عاملون قطعا وكتب أعمالهم، ومع ذلك مكنهم من العمل وأرسل إليهم الرسل حتى لا تكون للناس حجة على الله بعد الرسل وهم لن يعملوا إلا ما كتبه الله تعالى بعلمه، وكتابة الله لأعمالهم هي كتابة علم سابق لا يمكن أن تتخلف، وليست كتابة إجبار على المعصية، فمن علم الله أنه من أهل السعادة فسيعمل بعمل أهل السعادة، ومن علم الله أنه من أهل الشقاوة فسيعمل بعمل أهل الشقاوة، وما ربك بظلام للعببيد، ومن علم الله قابليته للهدى هداه فضلا منه سبحانه كما قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ {الأنفال: 23} وكما قال تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنفال: 70} ومن علم الله عدم قابليته للهدى أضله عدلا، ولن يهتدي ولو تناطحت أمامه الجبال الرواسي كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ {الأنعام: 111} وكما قال تعالى: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا {الأعراف: 146} بل لو وقفوا على النار ورأوها بأم أعينهم ثم ردهم الله إلى الدنيا لعادوا لكفرهم كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {الأنعام: 27-28} وصدق الله العظيم إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {يونس:44} وكذا قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 40}
وإننا ننصح السائل الكريم بعدم إشغال فكره بالتفكر في القدر، فإن القدر سر الله تعالى في خلقه، كما قال الإمام الطحاوي في عقيدته: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى في كتابه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء: 23} فمن سأل لم فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.. انتهى.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 102172، والفتوى رقم: 6342، والفتوى رقم: 27183.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(3/640)
شرح حديث: "فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة، السؤال: هل الدعاء لمن سببته بإذن الله يمحو الخطيئة كما هو واضح من سياق الحديث؟ أو هنا أمر لم يتضح لديّ فأفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في التحلل من تبعات حقوق العباد أنه يكون باستسماح أصحابها، أو ردها إليهم إن كانت مالاً ونحوه، ولا يمكن لأحد أن يقيس نفسه على الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ذكر فهو صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه أن يجعل لعنه الناس وسبهم زكاة وأجراً لهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً. رواه مسلم.
وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فإن لعن من لا يستحق رجعت اللعنة على اللاعن، وإن سبه بقذف حُدّ، وإن سبه بغير ذلك كان عليه من الإثم بقدر سبه، ففي الحديث: إ ن العبد إذ لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلا، وإلا رجعت إلى قائلها. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
ولكن قد ذكر الفقهاء أن هذا الحق إن كان متعلقاً بالعرض ونحوه، فيكتفي فيه بالدعاء لصاحبه وإكذاب نفسه والثناء عليه في المواضع التي انتهك عرضه فيها. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 18413، والفتوى رقم: 46319.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1429(3/641)
شرح حديث: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، هل هذا يعني أن: من أحدث في أمرنا هذا ما هو منه فليس رد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث يحتوي قاعدة من قواعد الإسلام وأصلا عظيما من أصوله، وهو يفيد أن ما خالف أمرنا مردود وأن ما وافقه مقبول، فقد قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وهذا الحديث أصلٌ عظيم من أُصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أنّ حديث: الأعمال بالنيَّات ميزان للأعمال في باطِنها، فكما أنَّ كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كلُّ عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَنْ أحدثَ في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس مِنَ الدين في شيء. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْدُودٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِهِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ اخْتَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي إبْطَالِ الْمُنْكَرَاتِ وَإِشَاعَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ كَذَلِكَ. اهـ
واستدلال الأخ السائل بهذا الحديث على أن من عمل عملا عليه أمر الله وأمر رسوله فليس بمردود صحيح فالحديث يدل على ذلك بمفهومه.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: فهذا الحديث يدلُّ بمنطوقه على أنَّ كلَّ عملٍ ليس عليه أمر الشارع، فهو مردود، ويدلُّ بمفهومه على أنَّ كلَّ عمل عليه أمره، فهو غير مردود، والمراد بأمره هاهنا: دينُه وشرعُه، كالمراد بقوله في الرواية الأخرى: مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ، فالمعنى إذاً: أنَّ مَنْ كان عملُه خارجاً عن الشرع ليس متقيداً بالشرع، فهو مردود.
وقوله: ليس عليه أمرنا إشارةٌ إلى أنَّ أعمال العاملين كلهم ينبغي أنْ تكون تحتَ أحكام الشريعة، وتكون أحكام الشريعة حاكمةً عليها بأمرها ونهيها، فمن كان عملُه جارياً تحت أحكام الشرع، موافقاً لها، فهو مقبولٌ، ومن كان خارجاً عن ذلك، فهو مردودٌ. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1429(3/642)
معنى: لا يدخل النار إلا شقي....
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توضيح وتبيان المقولات أدناه مع الرقائق للقلب:
لا يدخل النار إلا شقي، لا يهلك على الله إلا هالك، ويل لمن غلبت آحاده عشراته، إن الله واسع المغفرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أولاً معنى قوله: لا يدخل النار إلا شقي.
أولاً هذا الحديث أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل النار إلا شقي، قيل يا رسول الله: ومن الشقي؟ قال: من لم يعمل لله بطاعته ولم يترك له معصية. والحديث ضعفه الألباني رحمه الله ـ ولكن لا شك أن معناه صحيح، فإن عذاب الله لا يستحقه إلا شقي فإن كانت شقاوة مطلقة خلد في العذاب؛ لقوله تعالى: لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى. {الليل:16،15} .
وإن كانت شقاوة دون ذلك عذب ما شاء الله ثم دخل الجنة، والشقي هو من كتب الله عليه الشقاوة -والعياذ بالله- كما عند البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وِشقي أم سعيد. فإن أهل النار هم الأشقياء الذين غفلوا في الدنيا وغروا بما فيها من الشواغل والشهوات.
ثانياً: لا يهلك على الله إلا هالك.
هذه المقولة هي جزء من حديث أخرجه أحمد والبخاري ومسلم من حديث ابن عباس، قال الحافظ في شرح قوله: ولا يهلك على إلا الله إلا هالك، أي من أصر على التجرئ على السيئة عزماً وقولاً وفعلاً، وأعرض عن الحسنات هما وقولاً وفعلاً. انتهى.
فإن من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أنه يثيب على الهم بالحسنة، ولا يؤاخذ على الهم بالسيئة، وأن من فضله سبحانه وكرمه أنه جعل العدل في السيئة والفضل في الحسنة، فضاعف الحسنة ولم يضاعف السيئة، بل جعلها سبحانه بين العدل والفضل فأدارها بين العقوبة والعفو، وهذا كله في حق الشخص الذي يفعل الذنب ثم يتوب منه ويندم عليه، أما الهالك فهو الذي قد أهلكه الله بأن خذله وتركه إلى نفسه ولم يحل بينه وبينها، وتركه في الشهوات والشبهات لأنه هالك، وقد أعرض عن الله فأعرض الله عنه، واستغنى الله والله غني حميد، فهذا هو الهالك المخذول الذي قد هان على الله فتركه في السيئات ولم يوقفه للتوبة لأنه أصر على العزم على السيئة، وأصر على العزم على ترك الحسنة.
ثالثاً: قوله: ويل لمن غلبت آحاده عشراته.
هذه الكلمة رواها ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه، والمقصود بالآحاد هي السيئات، والمقصود بالعشرات هي الحسنات، وذلك لأن من فضل الله عز وجل أنه يجعل السيئة بمثلها والحسنة بعشرة أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء.
رابعاً: قوله: إن الله واسع المغفرة.
قال الله: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ {النجم:32} . فهو سبحانه وسعت رحمته وعفوه ومغفرته كل شيء فإن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها، أما من لم يتب فهو تحت مشيئته سبحانه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له؛ إلا أصحاب الشرك والكفر، قال الله: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء:48} ، فهو سبحانه سبقت رحمته غضبه، وقال تعالى في الحديث القدسي: يا أبن آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي عن أنس وحسنه الترمذي وصححه الألباني.
بل من واسع رحمته سبحانه أنه أخبرنا أن من تاب وعمل عملاً صالحاًَ فإن الله يبدل سيئاته حسنات، قال الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} .
فهو سبحانه جواد كريم يبسط يده بالليل ليتوب مسيء بالنهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ويقول: هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر أغفر له، فلذلك كان سبحانه واسع المغفرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1429(3/643)
معنى حديث: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ...
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث شريف يقول من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه..
وأنا تركت ولله الحمد عملا حراما وكذا بضاعة جاءتني لأنها محرمة شرعا تركتها خوفا من الله عز وجل..
فهل التعويض بالدنيا أم الآخرة..؟؟
يعنى الله يعوضني ماليا عن الفرص التي تركتها في الدنيا أم يحفظها لي السميع العليم يوم يفر المرء من أمه وأبيه.....؟؟
وهل التعويض مباشرة أم بعد فترة في الدنيا..؟؟؟
جزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام بهذا اللفظ ليس حديثا نبويا فيما نعلم وإنما يروى عن بعض السلف، فقد نسبه ابن العربي في تفسيره لإبراهيم ابن أدهم، ولكن معناه صحيح، فقد ثبت في الحديث: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني، وقد روي حديث آخر بلفظ: ما ترك عبد شيئا لله لا يتركه إلا له إلا عوضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه، ولكن هذا الحديث ضعفه أهل العلم، وقال الألباني: إنه موضوع.
أما التعويض فهو كما يقدره الله تعالى، فقد يكون في الدنيا، وقد يكون في الآخرة، وقد يكون فيهما.
وينبغي للعبد أن يحسن الظن بالله تعالى ويعلم أن ما يختاره الله له خير من اختياره لنفسه، فنسأل الله تعالى أن نكون ممن يعوضهم في الآخرة أكثر من الدنيا لأن الله تعالى يعطي الدنيا لمن أحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا لمن أحب من أهل الإيمان والتوحيد، جعلنا الله عز وجل من أهلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1429(3/644)
معنى: ولم يحل لي إلا ساعة من نهار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الساعة من نهار الموجودة في الحديث الآتي، هل هي ساعة فتح مكة وهل فتحت مكة ليلا أو نهارا
وما المقصود ب الإذخر.
إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط إلا من عرفها ولا يختلى خلاها، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: إلا الإذخر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالساعة المذكورة في الحديث الشريف يقصد بها يوم فتح مكة، قال ابن بطال: هي الساعة التي فتحها. .
وقال ابن حجر: قَوْله: (سَاعَة) أَيْ: مِقْدَارًا مِنْ الزَّمَان , وَالْمُرَاد بِهِ يَوْم الْفَتْح. وَفِي مُسْنَد أَحْمَد مِنْ طَرِيق عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى الْعَصْر , وَالْمَأْذُون لَهُ فِيهِ الْقِتَال لَا قَطْع الشَّجَر.
وقال أيضا: قَوْله (سَاعَة مِنْ نَهَار) تَقَدَّمَ فِي الْعِلْم أَنَّ مِقْدَارهَا مَا بَيْن طُلُوع الشَّمْس وَصَلَاة الْعَصْر , وَلَفْظ الْحَدِيث عِنْد أَحْمَد مِنْ طَرِيق عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّة قَالَ: كُفُّوا السِّلَاح , إِلَّا خُزَاعَة عَنْ بَنِي بَكْر. فَأَذِنَ لَهُمْ حَتَّى صَلَّى الْعَصْر, ثُمَّ قَالَ: كُفُّوا السِّلَاح, فَلَقِيَ رَجُل مِنْ خُزَاعَة رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْر مِنْ غَد بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَتَلَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ, وَرَأَيْته مُسْنِدًا ظَهْره إِلَى الْكَعْبَة " فَذَكَرَ الْحَدِيث.
وأما (الْإِذْخِر) فقال عنه الحميدي: حشيشة طيبة الريح تكون بمكة، وقال عياض: حشيشة معلومة طيبة الريح. وقال ابن الأثير: حشيشة طيبة الرائِحة تُسَقَّفُ بها البُيُت فوق الخشبِ وهمزتها زائدة.
وقال ابن حجر: حشيشة معروفة طيبة الريح توجد بالحجاز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1429(3/645)
سبب تقديم الحج على الصوم في بعض روايات الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث الثاث لابن عمر (كتاب الأربعين النووية) سبق الحج الصوم لماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقديم الحج على الصوم في الحديث المذكور هو رواية البخاري، ورواه مسلم على أربع روايات اثنتان منهما بتقديم صيام رمضان على الحج، واثنتان بتقديم الحج، كل ذلك عن ابن عمر أيضا، وقد اختار الحافظ ابن حجر أن يكون سبب تقديم الحج على الصوم ناشئا عن الرواية بالمعنى، أي أن الراوي روى الحديث بالمعنى، فقدم وأخر، وأن الأصل تقديم صيام رمضان بدليل أن ابن عمر رد على الرجل الذي قدم الحج على صيام رمضان، ولمزيد البيان في هذا نقول: رواية البخاري لفظها عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان.
ورواه مسلم على أربع روايات، اثتنان منهما بتقديم صيام رمضان على الحج، واثنتان بتقديم الحج، كل ذلك عن ابن عمر أيضا، ولفظ الرواية الأولى: بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج، فقال رجل: الحج وصيام رمضان. قال: لا؛ صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر في الفتح وهو يشرح رواية البخاري: وقع هنا تقديم الحج على الصوم، وعليه بنى البخاري ترتيبه، لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج، قال: فقال رجل: والحج وصيام رمضان، فقال ابن عمر: لا؛ صيام رمضان والحجز هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى، إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس، أو حضر ذلك ثم نسيه. ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجهين، ونسي أحدهما عند رده على الرجل، ووجه بُعدِه أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي، كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج، ولأبي عوانة من وجه آخر عن حنظلة أنه جعل صوم رمضان قبل، فتنويعه دال على أنه روي بالمعنى، ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة، أفيقال أن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه، هذا مستبعد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1429(3/646)
معنى حديث: اللهم إني أعوذ بك من السوء ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المقصود بهذا الدعاء: اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الظاهر أن كلمة السوء تشمل سائر ما يكره من كل ما يتضرر منه في الدنيا والآخرة، وقد فسره بعض أهل العلم في الحديث المذكور بالقبح والفحش، أو يوم المصيبة، أو نزول البلاء، أو يوم الغفلة بعد المعرفة، أما جار السوء فهو معروف.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة من حديث عقبة بن عامر ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار السوء في دار المقام. وقال: قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت البزار وهو ثقة.
والظاهر أن كلمة السوء تشمل سائر ما يكره من كل ما يتضرر فيه في الدنيا والآخرة.
قال المناوي في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء أي القبح والفحش أو يوم المصيبة أو نزول المصيبة أو نزول البلاء أو يوم الغفلة بعد المعرفة، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، مفرد الصحابة بفتح الصاد ولم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا، ومن جار السوء في دار المقامة. زاد في رواية: فإن جار البادية يتحول. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1429(3/647)
معنى حديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه..
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
أنا لي صديقة أحب عندما أشتري شيئا لنفسي أن أشتري لها، فهل هذا ينطبق على الحديث؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعنى العام للحديث أن درجة الإيمان الكامل لا يصلها إلا من كان يحب لإخوانه المسلمين من الخير والأمور المباحة نظير ما يحبه لنفسه.
قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: قال العلماء رحمهم الله: معناه لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة، والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات، ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث: حتى يحب لأخيه من الخير. انتهى.
ومحبتك أن تحصل صديقتك على مثل ما تشترين من أشياء مباحة نافعة تدخل في معنى هذا الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1429(3/648)
معنى: لا يختلى خلاها، ولا يعضد بها شجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت عن مكة والمسجد الحرام.. وجعله حرماً آمنا لا يسفك فيه دم ولا تعضد به شجرة ولا ينفر له صيد ولا يختلى خلاه ولا تلتقط لقطته للتمليك بل للتعريف ليس إلا ف ما معنى أو ما المقصود بـ لا يختلى خلاه ولا تعضد به شجرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
معنى لا يختلى خلاها في الحديث أي لا يقطع شجرها ولا نباتها ولا يؤخذ منه شيء إلا إذا يبس، ومعنى ولا يعضد بها شجرة أي لا تقطع. والنهي ليس عن القطع فقط بل عن الخبط بالعصا ونحوها ليسقط الورق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: حرم الله مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف، فقال العباس رضي الله عنه: إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا. فقال: إلا الإذخر.
ورواه مسلم بلفظ: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط إلا من عرفها ولا يختلى خلاها، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: إلا الإذخر.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا يختلى خلاها أي لا يقطع شجرها ولا نباتها ولا يؤخذ منه شيء إلا إذا يبس، ومعنى ولا يعضد بها شجرة أي لا يقطع. والنهي ليس عن القطع فقط بل عن الخبط بالعصا ونحوها ليسقط الورق..
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: ولا يعضد بها شجرة أي لا يقطع. انتهى.
وقال النووي: لا يعضد شوكه ولا يختلى خلاها. وفي رواية: لا تعضد بها شجرة. وفي رواية: لا يختلى شوكها. وفي رواية: لا يخبط شوكها، قال أهل اللغة: العضد القطع، والخلا بفتح الخاء المعجمة مقصور هو الرطب من الكلأ. قالوا: الخلا والعشب اسم للرطب منه، والحشيش والهشيم اسم لليابس منه، والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس. قال: ومعنى يختلى يؤخذ ويقطع، ومعنى يخبط يضرب بالعصا ونحوها ليسقط ورقه. انتهى.
وللفائدة تراجع في ذلك الفتوى رقم: 77395.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1429(3/649)
معنى: سبق المفردون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بكلمة (سبق) في الحديث الشريف: سبق المفردون؟ وهل الحديث في أعلى درجات الصحة؟ شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال: سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات. والحديث صحيح، وهو في الدرجة الثانية أو الثالثة بالنسبة لتصنيف الصحيح، حيث إن أعلى الصحيح عند أهل الحديث ما اتفق عليه البخاري ومسلم فما روى البخاري فما روى مسلم.
ومعنى سبق المفردون أي أنهم سبقوا غيرهم بنيل الزلفى والدرجات بسبب كثرة ذكرهم لله تعالى، والمفردون هم الذاكرون الله كثيرا؛ كما هو ظاهر الحديث.
قال المناوي في فيض القدير: سبق المفردون أي المنفردون المعتزلون عن الناس من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة، فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله، أي سبقوا بنيل الزلفى والعروج إلى الدرجات العلى. روي بتشديد الراء وتخفيفها. قال النووي في الأذكار: والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1429(3/650)
شرح حديث (أيما أهل عرصة أمسوا وفيهم جائع..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أهل عرصة أمسوا وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله.
ما معنى عرصة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العرصة تطلق في اللغة على البقعة الواسعة بين الدور ليس فيها بناء لأن الصبيان يعرضون فيها أي يلعبون، وراجع المصباح والقاموس، والمراد في هذا الحديث أهل الحي فلا يسوغ شرعا أن يمسوا بطانا وفيهم جار جائع.
واعلم أن هذا الحديث قد ضعفه بعض أهل العلم ولكنه يشهد له الحديث الآخر: ما آمن به من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم. رواه ابن أبي شيبة والبزار والطبراني وحسنه الألباني، وراجع الفتوى رقم: 69802، مع إحالاتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1429(3/651)
شرح حديث (لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس..)
[السُّؤَالُ]
ـ[والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس وحتى يكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما يحدث أهله بعده.
التخريج:- صحيح – حديث رقم 7083 – صحيح وضعيف الجامع الصغير –
والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده - أرجو شرح الحديث. وجزاكم الله خيرا.
... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكره السائل حديث صحيح رواه الترمذي والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في المصنف، وقد أقسم فيه النبي صلى الله عليه وسلم تأكيدا للخبر- وهو الصادق وإن لم يقسم- أن الساعة لن تقوم حتى تقع هذه الأمور الثلاث.
الأول: أن تكلم السباع أي سباع الوحش كالأسد أو سباع الطير كالبازي – ولا منع من الجمع – تكلم الناس كما يكلمون بعضهم بعضا.
الثاني: أن تكلم عذبة السوط صاحبها، وعذبة السوط طرفه التي في رأسه، فتكلم صاحبها بكلام يفهمه.
الثالث: أن فخذ الإنسان نفسه يكلمه فيخبره بما فعل أهله في غيبته.
وهذه من خوارق العادات حيث إن هذه الأمور لا تتكلم في الأصل ولكن عند اقتراب الساعة تتغير بعض نواميس الكون إيذانا بقرب انتهائه فينطق الله تعالى الذي أنطق كل شيء هذه الأشياء ولله الأمر من قبل ومن بعد.
هذا الذي يدل عليه ظاهر الحديث وما ذلك على الله بعزيز ولا داعي لتكلف تأويلات أخرى ربما تكون بعيدة.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1429(3/652)
شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[مفهوم الحديث: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم والقسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الحاكم والبيهقي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم والقسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء، وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام والبرص وسوء الأسقام. قال الألباني صحيح.
كما ورد بعض هذه الأدعية في عدة أحاديث في الصحيحين والسنن، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال.
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة وأعوذ بك من أن أظْلِمَ أو أظْلَمَ.
وفيها أيضاً عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.
وأما مفهوم هذه الأدعية والمراد بها، فقال صاحب عون المعبود: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر) أي من قلب حريص على جمع المال أو من الذي يفضي بصاحبه إلى كفران النعمة في المال ونسيان ذكر المنعم المتعال، وقال الطيبي: أراد فقر النفس أعني الشره الذي يقابل غنى النفس الذي هو قناعتها. (والقلة) : القلة في أبواب البر وخصال الخير، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤثر الإقلال في الدنيا ويكره الاستكثار من الأعراض الفانية. (والذلة) أي من أن أكون ذليلاً في أعين الناس بحيث يستخفونه ويحقرون شأنه، والأظهر أن المراد بها الذلة الحاصلة من المعصية أو التذلل للأغنياء على وجه المسكنة، والمراد بهذه الأدعية تعليم الأمة. انتهى.
وقال أيضاً: (أعوذ بك من الشقاق) : أي من مخالفة الحق، ومنه قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ، (والنفاق) : أي إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وقال الطيبي: أن تظهر لصاحبك خلاف ما تضمره، وقيل: النفاق في العمل بكثرة كذبه وخيانة أمانته وخلف وعده والفجور في مخاصمته. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: (استعيذوا بالله من الفقر والعيلة) من أعال كثرة عياله والواو بمعنى مع أي الفقر مع كثرة العيال فإن ذلك هو البلاء الأعظم. انتهى..
وفي شرح النووي على مسلم: وأما (العجز) فعدم القدرة عليه، وقيل: هو ترك ما يجب فعله، والتسويف به وكلاهما تستحب الاستعاذة منه.
أما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الهرم، فالمراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر كما جاء في الرواية التي بعدها، وسبب ذلك ما فيه من الخرف، واختلال العقل والحواس والضبط والفهم، وتشويه بعض المناظر، والعجز عن كثير من الطاعات، والتساهل في بعضها.
وأما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الجبن والبخل، فلما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات والقيام بحقوق الله تعالى، وإزالة المنكر، والإغلاظ على العصاة، ولأنه بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات، ويقوم بنصر المظلوم والجهاد، وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال، وينبعث للإنفاق والجود لمكارم الأخلاق، ويمتنع من الطمع فيما ليس له.. قال العلماء: واستعاذته صلى الله عليه وسلم من هذه الأشياء لتكمل صفاته في كل أحواله وشرعه أيضاً تعليماً. وفي هذه الأحاديث دليل لاستحباب الدعاء، والاستعاذة من كل الأشياء المذكورة وما في معناها. انتهى.
وأما السمعة فهي التنويه بالعمل وتشهيره ليراه الناس ويسمعوا به، والفرق بينها وبين الرياء أن الرياء يتعلق بحاسة البصر والسمعة تتعلق بحاسة السمع، كما أفاده في عمدة القاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1429(3/653)
الشيء الذي بايع عليه الصحابة رسول الله يوم الحديبية
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا حاتم عن يزيد قال: (قلت لسلمة على أي شيء بايعتم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قال على الموت) . رواه البخاري، ما معنى الحديث وما هي الحكمة وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث معناه أن الصحابة رضوان الله عليهم قد بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية على الصبر على مواجهة عدوهم وعدم الفرار، فإما الظفر بالعدو وإما الشهادة في سبيل الله.
ففي شرح النووي لصحيح مسلم: بايعناه يوم الحديبية على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت) وفي رواية سلمة أنهم بايعوه يومئذ على الموت وهو معنى رواية عبد الله بن زيد بن عاصم وفي رواية مجاشع بن مسعود البيعة على الهجرة والبيعة على الإسلام والجهاد وفي حديث ابن عمر وعبادة بايعنا على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله وفي رواية عن ابن عمر في غير صحيح مسلم البيعة على الصبر قال العلماء هذه الرواية تجمع المعاني كلها وتبين مقصود كل الروايات فالبيعة على أن لا نفر معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل وهو معنى البيعة على الموت أي نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت لا أن الموت مقصود في نفسه وكذا البيعة على الجهاد أي والصبر فيه والله أعلم. انتهى.
وأخذه صلى الله عليه وسلم البيعة منهم على الصبر في لقاء العدو ولو أدى ذلك إلى الموت لتأكيد الأمر كما جرت بذلك عادته صلى الله عليه وسلم في أخذ البيعة منهم جميعا أو من بعضهم في مناسبات متعددة فقد بايعهم على السمع والطاعة وبايعهم على أن لا يسألوا الناس شيئا وبايعهم على الهجرة قبل الفتح وبايعهم على غير ذلك، وقد ظهر بجلاء صدق إيمان الصحابة رضوان الله تعالى وتمكنه في قلوبهم ورغبتهم في الجهاد في سبيل الله تعالى وفداء الإسلام بأرواحهم وأنفسهم رضوان الله تعالى عليهم جميعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1429(3/654)
شرح حديث (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الحديث ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور يتضمن التنبيه على أهمية الرفق والشفقة على الصغير والتوقير والتعظيم للكبير، ومن لم يتصف بذلك فقد خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي تحفة الأحوذى للمباركفوري: قوله (ليس منا) قيل أي ليس على طريقتنا وهو كناية عن التبرئة ويأتي تفسيره من الترمذي في آخر الباب (من لم يرحم صغيرنا) أي من لا يكون من أهل الرحمة لأطفالنا (ولم يوقر) من التوقير أي لم يعظم (كبيرنا) هو شامل للشاب والشيخ. انتهى.
وفى فيض القدير للمناوي: (ليس منا) أي ليس مثلنا (من لم يرحم صغيرنا) لعجزه وبراءته عن قبائح الأعمال وقد يكون صغيرا في المعنى مع تقدم سنه لجهله وغباوته وخرقه وغفلته فيرحم بالتعليم والإرشاد والشفقة (ويوقر كبيرنا) لما خص به من السبق في الوجود وتجربة الأمور. انتهى.
ومعلوم أن مقصود الحديث ومراد أهل العلم بقولهم ليس على طريقتنا أو ليس مثلنا أنه ليس مثلنا في هذه الخصلة وليس المقصود أنه كافر ليس من المسلمين، إذ مرتكب هذا الذنب ليس كافرا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1429(3/655)
الفطرة في حديث (كل مولود يولد على الفطرة)
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث كل مولد يولد على الفطرة ما معنى الفطرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفطرة هي الإسلام على الأشهر، وقال ابن عبد البر هو المعروف عند عامة السلف، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 2067.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(3/656)
معنى: ما أقاموا فيكم الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأوزاعي عن يزيد بن يزيد بن جابر عن رزيق بن حيان عن مسلم بن قرظة عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة) . رواه مسلم.ما معنى: ما أقاموا فيكم الصلاة. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بإقامة الصلاة الإتيان بها وإدامتها.
قال القرطبي: الإقامة في الأصل الدوام والثبات، يقال قام الشيء أي دام وثبت، وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(3/657)
شرح حديث (..يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أتذكر رقم السؤال ولكن الحديث أعرفه: الحديث المروي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع" (4) . أريد أن أعرف ما مدى صحة الحديث، وإن كان صحيحا فما هو تفسيره؟ وجزاكم الله خيراً أحبكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سلام قال: قال حذيفة بن اليمان قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر، قال: نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير، قال: نعم، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر، قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع. وقد رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي والألباني. وللحديث رواية أخرى رواها الحاكم بسنده عن سبيع بن خالد قال: خرجت إلى الكوفة زمن فتحت تستر لأجلب منها بغالاً فدخلت المسجد فإذا صدع من الرجال تعرف إذا رأيتهم أنهم من رجال الحجاز، قال: قلت: من هذا، قال: فحدقني القوم بأبصارهم وقالوا: ما تعرف هذا هذا حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال: حذيفة رضي الله عنه إن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر، قال: قلت: يا رسول الله أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله يكون بعده شر كما كان قبله، قال: نعم، قلت: يا رسول الله فما العصمة من ذلك، قال: السيف، قلت: وهل للسيف من بقية، قال: نعم، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم هدنة على دخن، قال جماعة على فرقة فإن كان لله عز وجل يومئذ خليفة ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع واطع وإلا فمت عاضاً بجذل شجرة، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال ومعه نهر ونار فمن وقع في ناره أجره وحط وزره ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم إنما هي قيام الساعة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح، ووافقه الذهبي في التلخيص.
والحديث دليل على وجوب طاعة الأئمة وإن ظلموا كما بوب الإمام النووي في صحيح مسلم فقال: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة. وبوب كذلك في كتاب الإمارة فقال: باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق. وقد ورد فيه حديث علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أُمراءُ يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيسٍ، وقال: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حلموا وعليكم ما حملتم.
وقال الشوكاني في النيل: قوله في جثمان إنس بضم الجيم، وسكون المثلث أي: لهم قلوب كقلوب الشياطين، وأجسام كأجسام الإنس، قوله: وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن فعلوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم، فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ. وقوله: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا. انتهى.
وقد ذكر شيخ الإسلام في منهاج السنة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان سواء كان عادلا أو ظالماً. انتهى.
فالمراد من الحديث أنه تلزم طاعة الإمام وعدم الخروج عليه تفادياً لمنع تفرق المسلمين وحدوث ضرر أعظم ولا يعني ذلك الرضى بمعصية الحاكم أو ظلمه بل يجب إنكار ذلك حسب المستطاع لما في حديث مسلم: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قالوا: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك، قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة.
ويجب على الراعي النصح للرعية والقيام بأمورهم والبعد عن ظلمهم فإن الظلم من كبائر الذنوب، وقد حذر الله عز وجل منه في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ {غافر:18} ، وقال صلى الله عليه وسلم: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ... رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه تبارك وتعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ... والظلم من الكبير والمسؤول والراعي يكون أشد تحريماً وأعظم قبحاً، لأن المفروض فيه أن يحافظ على من جعله الله تعالى تحت يده ويحفظه من كل مكروه ويرعاه من كل ضرر، فإذا صدر الظلم من المسؤول كان ذلك أشد عقوبة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله تعالى رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1429(3/658)
ابتلاء الحبيب والسخط عليه إذا سخط
[السُّؤَالُ]
ـ[من رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ومن جزع فله الجزع الحديث الشهير
ما المقصود بالجزع والسخط. سخط الله؟ والجزع؟
الجواب الذي ألقاه دائما من الناس أنّ من سخط سخط الله عليه، لا أكثر من ذلك.
المهم آخر الكلام: فيم يتمثل هذا السخط عمليا.. الجحيم؟ اللعنة؟ الحرمان من الفرج؟
وكيف يتطابق مع أول الحديث: أن الله يحبّه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالسخط سخط الله تعالى على عبده، والسخط يراد به الغضب من الله على عبده، ولم نقف على نص يحدد نوع العقوبة لمن سخط الله عليه بسبب تسخطه القدر، والتوفيق بين سخط الله المذكور هنا وبين محبته المذكورة أول الحديث أن البلاء سنة فمن صبر عليه نال الفوز برضوان الله لنجاحه في البلاء، ومن تسخط قضاء الله تعالى سخط الله عليه لرسوبه في الامتحان، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 93293، 68300، 106730.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1429(3/659)
شرح حديث (وشاب نشأ في عبادة الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث الشريف من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله شاب نشأ في طاعة الله فهل هذا يخص الشاب الذي يموت في شبابه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يختص هذا الفضل بالشاب الذي يموت في شبابه، وليس في روايات الحديث ما يفيد تقييده بمن مات في شبابه، وإنما الحكمة في تخصيص هذا السن كما في فتح الباري لابن رجب: إن الشباب داع للنفس إلى استيفاء الغرض من شهوات الدنيا ولذاتها المحظورة فمن سلم منه فقد سلم.
وقال المناوي في فيض القدير: خصه لكونه مظنة غلبة الشهوة وقوة الباعث على متابعة الهوى، وملازمة العبادة مع ذلك أشق وأدل على غلبة التقوى. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1429(3/660)
السحر الحقيقي وسحر البيان
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا حديث النهى عن الموبقات
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد المدني عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) .
وقد استثنى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قتل النفس فقط ((الا بالحق)) فلماذا لم يستثن سحر البيان.
وهذا حديث عن ابى داود يوضح سحر البيان
حدثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا قال أبو على بلغني عن أبي عبيد أنه قال وجهه أن يمتلئ قلبه حتى يشغله عن القرآن وذكر الله فإذا كان القرآن والعلم الغالب فليس جوف هذا عندنا ممتلئا من الشعر وإن من البيان لسحرا قال كأن المعنى أن يبلغ من بيانه أن يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر فكأنه سحر السامعين بذلك) .
سنن ابى داود
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا قريش بن إبراهيم قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عن أبيه عن واصل بن حيان قال: قال أبو وائل:: (خطبنا عمار فأبلغ وأوجز، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، فإن من البيان لسحرا.)
مسند أحمد
ومن حديث مسند أحمد نفهم بأن عمار خاف من سحر البيان فأوجز فى خطبته ولم يطل.
وأخى الفاضل معنى أن هناك سحرا حلالا وسحرا حراما
فقد يأتى شخص ويقول بعد ذلك الربا الحلال والربا الحرام والميسر الحلال والميسر الحرام والزنا الحلال والزنا الحرام.
فهل يصح أن نقول السحر الحلال ولو لفظا وقد حرمه الله تعالى وحرمه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
إنه مجرد توضيح واستفسار مني فلو أخطأت أرجو إرشادي للصواب.
وفقكم الله لما فيه الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نصوص الوحي يوضح بعضها بعضا، فإذا لم يبين الحكم في حديث ما فيمكن معرفته من النصوص الأخرى. فالسحر الحقيقي محرم كله بلا استثناء، أما البيان فليس سحرا في الحقيقة، ولكنه كالسحر في استمالة القلوب وهو ممدوح إذا صرف إلى الحق ومذموم إذا صرف إلى الباطل.
قال صاحب عون المعبود: (إن من البيان لسحرا) يعني أن بعض البيان كالسحر في استمالة القلوب أو في العجز عن الإتيان بمثله، وهذا النوع ممدوح إذا صرف إلى الحق ومذموم إذا صرف إلى الباطل … اهـ
وقال أيضا: قال المنذري وقد اختلف العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا فقيل أورده مورد الذم لتشبيهه بعمل السحر لغلبة القلوب وتزيينه القبيح وتقبيحه الحسن، وإليه أشار الإمام مالك رضي الله عنه فإنه ذكر هذا الحديث في الموطأ في باب ما يكره من الكلام قيل إن معناه أن صاحبه يكسب به من الإثم ما يكسبه الساحر بعلمه وقيل أورده مورد المدح أي أنه تمال به القلوب ويرضى به الساخط ويذل به الصعب ويشهد له: إن من الشعر لحكمة. وهذا لا ريب فيه أنه مدح وكذلك مصراعه الذي بإزائه. انتهى كلام المنذري
قال الميداني: إن من البيان لسحرا. قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان فقال عمرو مطاع في أذنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر من هذا ولكنه حسدني فقال عمرو أما والله إنه لزمر المروة ضيق العطن أحمق الوالد لئيم الخال والله يا رسول الله ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى ولكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت وسخطت فقلت أقبح ما وجدت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا يعني أن بعض البيان يعمل عمل السحر ومعنى السحر إظهار الباطل في صورة الحق.
والبيان اجتماع الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب مع اللسن، وإنما شبه بالسحر لحدة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجة البالغة. انتهى كلامه.
وقال الإمام أبو هلال العسكري: أما النبي صلى الله عليه وسلم فذم البيان أم مدحه فقال بعض ذمه لأن السحر تمويه فقال إن من البيان ما يموه الباطل حتى يتشبه بالحق. وقال بعض بل مدحه لأن البيان من الفهم والذكاء
قال أبو هلال: الصحيح أنه مدحه وتسميته إياه سحرا إنما هو على جهة التعجب منه لما ذم عمرو الزبرقان ومدحه في حالة واحدة وصدق في مدحه وذمه فيما ذكر عجب النبي صلى الله عليه وسلم كما يعجب من السحر فسماه سحرا من هذا الوجه. انتهى مختصرا.
وقال المناوي: (وإن من البيان لسحرا) أي منه ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يستمعون وإن كان غير حق هذا ذم لتزيين الكلام وتعبيره بعبارة يتحير فيها السامعون كما يتحيرون بالسحر وكما يكتسب الإثم بالسحر يكتسب بعض البيان ... اهـ
وقال أيضا: (إن من البيان لسحرا) أي إن منه لنوعا يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر فإن الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقا فكذا المتكلم بمهارته في البيان وتفننه في البلاغة وترصيف النظم يسلب عقل السامع ويشغله عن التفكر فيه والتدبر له حتى يخيل إليه الباطل حقا والحق باطلا وهذا معنى قول ابن قتيبة: إن منه ما يقرب البعيد ويبعد القريب ويزين الباطل القبيح ويعظم الصغير فكأنه سحر وما ضارعه فهو مكروه كما أن السحر محرم....اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(3/661)
شرح حديث (إذا تكفى همك ويغفر ذنبك)
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن شرح هذا الحديث: عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي كعب عن أبيه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (كم أجعل لك من صلاتي قال: ما شئت. قال: الثلث. قال: ما شئت وإن زدت فهو أفضل. قال: النصف. قال: ما شئت وإن زدت فهو أفضل. قال: اجعل لك صلاتي كلها قال: إذاً يكفيك الله همك ويغفر لك ذنبك.) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكره الأخ السائل حديث صحيح رواه الترمذي والحاكم غيرهما من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه وليس كما ذكر السائل الطف يل بن أبي كعب قال في تحفة الأحوذي:
(إني أكثر الصلاة عليك) أي أريد إكثارها. قاله القاري ولا حاجة لهذا التأويل كما لا يخفى (فكم أجعل لك من صلاتي)
أي بدل دعائي الذي أدعو به لنفسي قاله القاري. وقال المنذري في الترغيب: معناه أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك.
(قال ما شئت) أي أجعل مقدار مشيئتك.
(قلت الربع) بضم الباء وتسكن أي أجعل ربع أوقات دعائي لنفسي مصروفا للصلاة عليك (فقلت ثلثي) هكذا في بعض النسخ بحذف النون وفي بعضها فالثلثين وهو الظاهر
(قلت أجعل لك صلاتي كلها) أي أصرف بصلاتي عليك جميع الزمن الذي كنت أدعو فيه لنفسي
(قال إذا) بالتنوين (تكفى) مخاطب مبني للمفعول
(همك) مصدر بمعنى المفعول وهو منصوب على أنه مفعول ثان لتكفى فإنه يتعدى إلى مفعولين والمفعول الأول المرفوع بما لم يسم فاعله وهو أنت، والهم ما يقصده الإنسان من أمر الدنيا والآخرة، يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة علي أعطيت مرام الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1429(3/662)
أجر التعفف عن الجميلة وغير الجميلة
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن هناك سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم رجل دعته امرأة ذات جمال ... سؤالي هو: في حالة العكس وطلبت امرأة غير جميلة من الرجل الزنا بها ورفض هل يدخل في هذا أيضا؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. فذكر منهم: ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. انتهى ... فهذا الحديث يفيد فضل التعفف عن ذات المنصب والجمال خوفاً من الله ولا يساويه في الفضل من عف عن غير الجميلة، فقد قال النووي في شرح مسلم: وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها وعسر حصولها وهي جامعة للمنصب والجمال، لا سيما وهي داعية إلى نفسها طالبة لذلك قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها فالصبر عنها لخوف الله تعالى، وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال من أكمل المراتب وأعظم الطاعات فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله ... انتهى.
ولكن العفة عن الفواحش واتباع الهوى عموماً أجرها عظيم، لقول الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات:40-41} ، قال المباركفوري في شرح الترمذي: ومن ترك الزنى خوفاً من الله تعالى مع القدرة وارتفاع الموانع وتيسر الأسباب لا سيما عند صدق الشهوة وصل إلى درجة الصديقين، قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ... انتهى.
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: وقد اتفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها وتركها بمخالفتها والظفر بها. فإن الناس على قسمين: قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعاً لها تحت أوامرها، وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعاً لهم منقادة لأوامرهم.
قال بعض العارفين: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم، فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك. قال تعالى: فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ... فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو عبده إلى خوفه ونهي النفس عن الهوى، والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعي مرة وإلى هذا مرة.. وهذا موضع المحنة والابتلاء.. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1429(3/663)
فتح الباري وشرح مسلم للنووي من خيرة الشروح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد طوائف غير المذاهب الأربعة تعتبر ضمن أهل السنة والجماعة، وهل كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري وصحيح مسلم بشرح النووي المشروح يحتويان كل أقوال أهل السنة والجماعة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أن المذاهب الأربعة ليست من الطوائف بالمعنى المعروف عند الناس اليوم من مسمى الطائفة، وإنما هي مدارس فقهية لا اختلاف بينها في أصول التشريع، وإنما تختلف في الاجتهاد في المسائل الفرعية، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 40050.
وأما هل توجد طوائف ضمن أهل السنة؟ فالجواب أنه قد توجد ضمن نطاق أهل السنة جماعات تنطلق من أصول أهل السنة في فهم الدين، ولكنها تختلف في بعض الأمور التي تتعلق بالأولويات في الدعوة والإصلاح، وللمزيد من الفائدة بهذا الخصوص يمكنك مراجعة ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73162، 41140 وهذا ما يتعلق بالشق الأول من السؤال.
وأما بالنسبة للشق الثاني فبالنسبة لكتابي فتح الباري للحافظ ابن حجر وشرح صحيح مسلم للنووي فهما كتابان فاضلان لا يستغني عنهما طالب العلم ومؤلفاهما من أهل السنة، وليس كل ما في هذين الكتابين من كلام أهل السنة، فقد ينقلان أقوال غيرهم، كأقوال أهل الباطل من اليهود والنصارى وبعض الفرق الضالة كالمعتزلة والجهمية لبيان أباطيلهم والرد عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1429(3/664)
شرح حديث (..اكتب كيف شئت..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الحديث التالي ولا أفهم كيف يمكن أن يقول النبي اكتب كما شئت، عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران عز فينا، يعني عظم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملي عليه غفورًا رحيمًا، فيكتب عليمًا حكيمًا، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب كذا وكذا فيقول: أكتب كيف شئت، ويملي عليه: عليمًا حكيمًا، فيكتب سميعًا بصيرًا، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب كذا وكذا فيقول: أكتب كيف شئت، قال: فارتد ذلك الرجل عن الإسلام فلحق بالمشركين وقال: أنا أعلمكم بمحمد، وإني كنت لا أكتب إلا ما شئت، فمات ذلك الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأرض لا تقبله قال أنس: فحدثني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها ذلك الرجل فوجده منبوذًا، فقال أبو طلحة: ما شأن هذا الرجل؟ قالوا: قد دفناه مرارًا فلم تقبله الأرض. صحيح: أخرجه أحمد، ورواه البخاري بلفظ آخر، وقال ابن كثير عن رواية أحمد: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجوه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث وما أشبهه يفهم من سياقه وملابساته.. ويوضح هذه الرواية ما جاء في الصحيحين عن أنس قال: كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق هارباً حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه، قالوا: هذا قد كان يكتب لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم فحفروا له فواروه فأصحبت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذاً. وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 27501.
فإن هذا المرتد قد افترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الفرية فلم يصدر منه -صلى الله عليه وسلم- قول فيه إقرار على كتابة غير ما قاله أصلاً، وإنما لما زين له الشيطان الردة افترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفر عنه الناس، ويكون قبول ذلك منه متوجها لأنه فارقه بعد خبرة، وذلك أنه لم يخبر أحداً من المسلمين قبل ردته بقولته هذه، وإنما قال ذلك وهو كافر مرتد عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، يفتري على الله ما هو أعظم من ذلك، فظن عدو الله أن عمدة النبي على كتابته مع ما فيها من التبديل، ولم يدر أن كتاب الله تعالى آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وأنه لا يغسله الماء، وأن الله حافظ له، وأن الله يقرئ نبيه صلى الله عليه وسلم فلا ينسى إلا ما شاء الله مما يريد رفعه ونسخ تلاوته، وأن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزلت عليه الآية أقرأها لعدد من المسلمين يتواتر نقل الآية بهم وأكثر، وقد أظهر الله عز وجل كذب هذا الرجل وافتراءه آية بينة ومعجزة واضحة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى لفظته الأرض. انتهى ملخصا من الصارم المسلول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1429(3/665)
منزلة الدعاء من العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرحا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدعاء مخ العبادة) جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الدعاء أساس العبادة وسر قوتها وروح قوامها؛ لأن الداعي إنما يدعو الله وهو عالم يقينا أنه لا أحد يستطيع أن يجلب له خيرا أو يدفع عنه ضرا إلا الله جل وعلا، وهذه هي حقيقة التوحيد والإخلاص، ولا عبادة أعظم منهما.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: الدعاء هو العبادة. ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم
وأما لفظ " الدعاء مخ العبادة " فقد رواه الترمذي وغيره وضعفه أهل العلم.
ومخ العبادة معناه: خالصها وسر قوتها. قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: " الدعاء مخ العبادة: المخ بالضم نقي العظم والدماغ وشحمة العين وخالص كل شيء، والمعنى أن الدعاء لب العبادة وخالصها لأن الداعي؛ إنما يدعو الله عند انقطاع أمله مما سواه وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص ولا عبادة فوقهما.
قال ابن العربي: وبالمخ تكون القوة للأعضاء فكذا الدعاء مخ العبادة به تتقوى عبادة العابدين فإنه روح العبادة.
وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: إ ِِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي: أي عن دعائي"
وعلى هذا فالدعاء هو أساس العبادة وهذا الحديث مثل حديث: الحج عرفة. أي معظمه وأساسه. ومثل حديث: الدين النصيحة. أي لا يخرج شيء منه عنها.
فمن أكثر من الدعاء وداوم عليه أحس بلذة القرب من الله تعالى والصلة به والتعلق به والإخلاص له في كل ما يعمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1429(3/666)
شرح حديث (إلا أن تكون صفقة خيار)
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث: " البيعان بالخيار حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله"
فما معنى:" إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله" مع التوضيح بمثال أو مثالين للتبيين؟
وجزيتم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
خيار المجلس ثابت عند جمهور العلماء في عقد البيع، ما لم يتفق العاقدان على أنه لا خيار بينهما، وأن البيع لازم لمجرد العقد من غير تفرق، ولا يحل لأحدهما أن يبادر صاحبه بالتصرف خشية أن يفسخ النادم منهما البيع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور في السؤال رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وصححه النووي في المجموع.
وقوله: إلا أن تكون صفقة خيار يحتمل معنيين:
جاء في المغني: قوله إلا أن تكون صفقة خيار يحتمل أنه أراد البيع المشروط فيه الخيار فإنه لايلزم بتفرقهما، ولا يكون تفرقهما غاية للخيار فيه لكونه ثابتا بعد تفرقهما، ويحتمل أنه أراد البيع الذي شرطا فيه أن لا يكون بينهما فيه خيار فيلزم بمجرد العقد من غير تفرق. اهـ
وعلى المعنى الثاني حمل الإمام الشوكاني الحديث. جاء في النيل: إلا أن تكون صفقة خيار: المراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه اختر إمضاء البيع أو فسخه فاختار أحدهما تم البيع وإن لم يتفرقا. اهـ
وجاء في نهاية المحتاج حملا للحديث على المعنى الأول ما يلي: قوله: إلا أن تكون صفقة خيار أي فإن تفرقا انقطع الخيار إلان أن تكون صفقة خيار أي بأن شرطاه. اهـ.
ومثاله: أن يشتري شخص سلعة غائبة مثلا، ويشترط فيها خيار الرؤية، أو يشتري سلعة حاضرة ويشترط فيها خيارا.
وأما قوله: ولا يحل له. فاختلف في معناه والذي نختاره أن المقصود بقوله:" خشية أن يستقيله" أي خشية أن يفسخ صاحبه البيع في المجلس.
جاء في مطالب أولي النهى: وتحرم الفرقة خشية الاستقالة أي خشية أن يفسخ صاحبه البيع في المجلس وذكر الحديث ... وما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا اشترى شيئا ... محمول على أنه لم يبلغه الخبر أو على إلزام نفسه حتى لا تراوده بالرد لا على منع غيره من الاستقالة وهذا أولى. اهـ
وذهب آخرون إلى أن قوله: لا يحل. محمول على الكراهة.
وجاء في سبل السلام: وأما قوله: أن يستقيله. فالمراد به الفسخ لأنه لو أريد الاستقالة حقيقة لم يكن للمفارقة معنى فتعين حملها على الفسخ وعلى ذلك حمله الترمذي وغيره من العلماء فقالوا معناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام. وأما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا باع رجلا فأراد أن يتم بيعته قام يمشي فإنه محمول على أن ابن عمر لم يبلغه النهي. اهـ
وهناك من أهل العلم من استدل بهذا الحديث على نفي خيار المجلس ونوقش هذا الاستدلال من قبل كما جاء في نيل الأوطار، يقول الشوكاني في رده على القائلين بنفي خيار المجلس: واستدلوا بهذا الحديث فقالوا لو كان العاقدان يملكان خيار المجلس لما كانت هناك حاجة إلى طلب الإقالة. ثم قال: الحديث حجة عليهم لا لهم، ومعناه لا يحل له أن يفارق بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما البيع. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1429(3/667)
الحكمة من نفي النبي صلى الله عليه وسلم الخلة عن أبي بكر
[السُّؤَالُ]
ـ[الخليل في اللغة العربية يعني الصاحب والمحب والمقرب ... إلخ، وكل هذه الصفات تنطبق على سيدنا أبي بكر الصديق فهو الصاحب والمحب والمقرب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويشهد بذلك القرآن الكريم (إذ يقول لصاحبه) وواقع السيرة العطرة.... السؤال: إذا عرفنا المراد بالخلة فيما سبق من معاني؛ فما الحكمة من نفي الرسول صلى الله عليه وسلم الخلة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نقل النووي عن القاضي عياض: أن أصل الخلة الافتقار والانقطاع فخليل الله المنقطع إليه وقيل لقصره حاجته على الله تعالى وقيل الخلة الاختصاص وقيل الاصطفاء وسمي إبراهيم خليلاً لأنه والى في الله تعالى وعادى فيه، وقيل سمي به لأنه تخلق بخلال حسنة وأخلاق كريمة وخلة الله تعالى له نصره وجعله إماماً لمن بعده، وقال ابن فورك الخلة صفاء المودة بتخلل الأسرار وقيل أصلها المحبة ومعناه الإسعاف والإلطاف، وقيل الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله، ومعنى الحديث أن حب الله تعالى لم يبق في قلبه موضعاً لغيره. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير في شرح حديث البخاري: لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً. قال: (لو كنت متخذاً من أمتي) أمة الإجابة (خليلاً دون ربي) أرجع إليه في حاجاتي وأعتمد عليه في مهماتي (لاتخذت أبا بكر) ، لكن الذي ألجأ إليه وأعتمد عليه إنما هو الله، والخليل الصاحب الواد الذي يفتقر إليه ويعتمد عليه، وأصل التركيب للحاجة، والمعنى لو كنت متخذاً من الخلق خليلاً أرجع إليه في الحاجات وأعتمد عليه في المهمات لاتخذت أبا بكر، لكن الذي ألجأ إليه وأعتمد عليه في جملة الأمور ومجامع الأحوال هو الله، وإنما سمي إبراهيم خليلاً من الخلة بالفتح هي الخصلة فإنه تخلل بخلال حسنة اختصت به أو من التخلل فإن الحب تخلل شغاف قلبه فاستولى عليه أو من الخلة من حيث إنه عليه السلام ما كان يفتقر حال الافتقار إلا إليه ولا يتوكل إلا عليه فيكون فعيلاً بمعنى فاعل وهو في الحديث بمعنى مفعول. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1429(3/668)
شرح حديث (الصلاة وما ملكت أيمانكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معني حديث الرسول صلي الله عليه وسلم (الصلاة الصلاة وماملكت أيمانكم) ]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى.
معنى الحديث المذكور في السؤال أي الزموا الصلاة وداوموا على إقامتها في أوقاتها على الوجه المطلوب شرعا، واتقوا الله فيما تحت أيديكم من إنسان مملوك أو حيوان فارحموه وأدوا حقه من إنفاق ونحوه، وأدو حق الله فيه كالزكاة في الحيوان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الحديث المذكور هو تأكيده صلى الله عليه وسلم على المحافظة على الصلاة وإقامتها في أوقاتها على الوجه المطلوب، فكأنه يقول الزموا الصلاة أو أقيموا الصلاة بالمحافظة عليها والمداومة على حقوقها كما تضمن الحديث أيضا الحث والتأكيد على وجوب مراعاة حقوق المملوك سواء كان إنسانا أو حيوانا. ولفظ الحديث المشار إليه هو كما في سنن ابن ماجه عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي توفي فيه: الصلاة وما ملكت أيمانكم، فما زال يقولها حتى يفيض بها لسانه وصححه الألباني.
ورواه أبو داوود عن علي رضي الله عنه بلفظ آخر قال: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم. وهو صحيح أيضا كما ذكر الألباني. قال في عون المعبود على شرح سنن أبي داود عند شرح هذا الحديث الصلاة الصلاة. بالنصب على تقدير فعل أي الزموا الصلاة أو أقيموا أو احفظوا الصلاة بالمواظبة عليها والمداومة على حقوقها
(اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) قال في النهاية يريد الإحسان إلى الرقيق والتخفيف عنهم، وقيل أراد حقوق الزكاة وإخراجها من الأموال التي تملكها الأيدي وقال التوربشتي الأظهر أنه أراد بما ملكت أيمانكم المماليك، وإنما قرنه بالصلاة ليعلم أن القيام بمقدار حاجتهم من الكسوة والطعام واجب على من ملكهم وجوب الصلاة التي لا سعة في تركها. وقد ضم بعض العلماء البهائم المستملكة في هذا الحكم إلى المماليك. انتهى
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1429(3/669)
معنى حديث: إذا سمعتم الإقامة ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)
ما الحكمة في قوله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم الإقامة بدلا من قوله إذا سمعتم الأذان؟
مع العلم بأن المشروع أن لا يمشي المسلم مع الإقامة لأنه يؤدي إلى نقصان الأجر، فأرجو التكرم بالتوضيح.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار سواء في ذلك من مشى إليها وقت الإقامة أو قبلها، وإنما خصت الإقامة بالذكر في الحديث لأن الذي يذهب للمسجد وقت الإقامة يسرع غالبا ليدرك تكبيرة الإحرام أو الركعة كما هو معلوم؛ بخلاف من يذهب قبل الإقامة فلا يسرع غالبا لاطمئنانه على إدراك جميع الصلاة مع أنه مطالب بالسكينة مثل من يسعى وقت الإقامة، وليس معنى الحديث أن يتأخر المسلم عن الذهاب إلى وقت الإقامة ثم يمشي بسكينة؛ كما قد يفهم من السؤال.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور يأمر الماشي إلى الصلاة أن يمشي بسكينة ووقار سواء مشى إليها عند الأذان أو بعده أو عند الإقامة، وإنما خص الإقامة بالذكر لأن الذي يذهب للمسجد وقت الإقامة يسرع غالبا ليدرك تكبيرة الإحرام أو الركعة كما هو معلوم، أما الذي يذهب قبل الإقامة فلا يسرع غالبا لاطمئنانه على إدراك جميع الصلاة مع أنه مطالب بالسكينة مثل من يسعى وقت الإقامة. وليس معنى الحديث أن يتأخر المسلم عن الذهاب إلى وقت الإقامة ثم يمشي بسكينة؛ كما قد يفهم من السؤال.
قال الحافظ ابن حجر عند شرح الحديث المذكور: (إذا سمعتم الإقامة) : هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة " إذا أتيتم الصلاة " لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة، لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك، ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع، فغيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينهى عن الإسراع من باب الأولى إلى أن قال: وإنما قيد في الحديث الثاني بالإقامة لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1429(3/670)
معنى: حديثو عهد بشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[الاستفادة من موقعكم تتم عندما تشرحون ما تضعونه في الموقع، فالأحاديث موجودة على أقراص مدمجة يمكن لكل إنسان شراؤها، ولكن شرح محتواها وتفسير معاني كلماتها وما هو القصد بهذه الكلمة أو تلك، فهذا هو قصدنا لأن المغترب الذي لا حول ولا قوة له بالسؤال إلا الدخول إلى موقع مثل موقعكم والبحث فيه عن المراد، وللمثال هذا الحديث الشريف: وقد روي عن عائشة رضي الله عنها {أنهم قالوا: يا رسول الله إن قومنا حديثو عهد بشرك يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا؟ قال: سموا أنتم وكلوا} أخرجه البخاري. فما هو المقصود بقوم (حديثو عهد بشرك) ، هل هم مشركون أم أن شركا اسم مدينة قطنوا بها حديثا؟ وجزاكم الله الخير لما تبذلونه من جهد.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
معنى (حديثو عهد بشرك) هو أنهم جُدُدٌ في الإسلام من الأعراب الذين لا يزال عهدهم بالشرك قريباً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على الاتصال بنا ونرحب بطلبك لإيضاح ما يشكل عليك في إجاباتنا، وسنحاول إن شاء الله تعالى شرح ما في الحديث من الغريب الذي يحتاج للإيضاح إذا استدللنا في فتاوانا بحديث.
واعلم أن الحديث الذي ذكرت ليس موجوداً في نسخ البخاري التي عندنا بهذا اللفظ، وإنما رواه البيهقي بلفظ قريب مما ذكرت، ومعنى (حديثو عهد بشرك) أنهم جدد في الإسلام لا يزال عهدهم بالشرك قريباً، والمراد بهم مجموعات من الأعراب كما يفيده تبويب البخاري حيث بوب عليه فقال (باب ذبيحة الأعراب ونحوهم) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(3/671)
شرح حديث (..فالقاتل والمقتول في النار..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أن القاتل والمقتول في النار؟ فهل هناك علاقة بينهما في القتل، ولذلك ما معنى أن الله تعالى لا يكتب بالسيئة على من نوى أن يفعل معصية حتى أتى بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عزم المقتول وإصراره على قتل صاحبه لم يكن مجرد نية أو هم بالسيئة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار. فقيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه. رواه البخاري ومسلم.
وسبب دخول المقتول النار هو عزمه وإصراره على قتل صاحبه ولكنه عجز عنه، ولذلك أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الإشكال في آخر الحديث فقال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه، فليس عنده نية المعصية فقط، فهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم أن لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي في ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء. رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي حسن صحيح.
قال النووي: من نوى المعصية، وأصر على فعلها ولم يمنعه منها إلا العجز يكون آثماً، وإن لم يفعلها ولم يتكلم بها. وقال الحافظ في الفتح: إنما تكتب الحسنة لمن هم بالسيئة فلم يعملها إذا قصد بتركها وجه الله تعالى وحينئذ فيرجع إلى العمل وهو فعل القلب.
وبهذا نرجو أن يزول عنك الإشكال بين الحديث المذكور وبين ما جاء في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: ... ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنه كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(3/672)
المقصود بأيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى أيلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأيلة مدينة قديمة ورد ذكرها في الحديث الشريف، جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء. قال ابن حجر في الفتح: وأيلة مدينة كانت عامرة وهي بطرف بحر القلزم من طرف الشام، وهي الآن خراب يمر بها الحاج من مصر فتكون شماليهم ويمر بها الحاج من غزة وغيرها فتكون أمامهم، ويجلبون إليها الميرة من الكرك والشوبك وغيرهما يتلقون بها الحاج ذهاباً وإياباً وإليها تنسب العقبة المشهورة عند المصريين. وبينها وبين المدينة النبوية نحو الشهر بسير الأثقال إن اقتصروا كل يوم على مرحلة وإلا فدون ذلك. وهي من مصر على أكثر من النصف في ذلك.. انتهى. ولعل المراد بها ما يعرف الآن بإيلات وهي من فلسطين السليبة فك الله أسرها وأسر أهلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(3/673)
شرح حديث (ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول صلى لله عليه وسلم: من صلى العشاء في جماعة كمن قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة كمن قام الليل كله، هل من صلى الصبح في جماعة ولم يصل العشاء في جماعة يكتب له قيام كامل الليل؟
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الذي استخلصه شراح الحديث من خلال الجمع بين روايات الحديث الواردة في أجر صلاتي العشاء والصبح في جماعة أن من صلاهما في جماعة كان كمن قام الليل كله ومن صلى واحدة منهما في جماعة كان كقيام نصف ليلة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ الحديث كما في صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله. ورواه الترمذي بلفظ: من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة. ورواه أبوداوود بلفظ: من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة. وكلاهما عن عثمان أيضا.
والذي استخلصه شراح الحديث من خلال الجمع بين هذه الروايات أن من صلى العشاء والصبح في جماعة كان كمن قام الليل كله، وأن من صلى واحدا منهما في جماعة كان كقيام نصف ليلة.
قال في عون المعبود شرح سنن أبي داوود: فجعل بعضهم حديث مسلم على ظاهره وأن جماعة العتمة توازى في فضيلتها قيام نصف ليلة وصلاة الصبح في جماعة توازي في فضيلتها قيام ليلة، واللفظ الذي خرجه أبو داود تفسيره ويبين أن المراد بقوله ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله، يعني ومن صلى الصبح والعشاء، وطرق هذا الحديث مصرحة بذلك وأن كل واحد منهما يقوم مقام نصف ليلة وأن اجتماعهما يقوم مقام ليلة. انتهى.
وقال في تحفة الأحوذي على شرح سنن الترمذي: قلت المراد بقوله ومن صلى الصبح في جماعة في رواية مسلم أي منضما لصلاة العشاء جماعة قاله المناوي وقال القارىء في المرقاة في شرح قوله فكأنما صلى الليل كله أي بانضمام ذلك النصف فكأنه أحيا نصف الليل الأخير انتهى، وهذا هو المتعين جمعا بين الروايتين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(3/674)
معنى: بيت في وسط الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذه الكلمة ببيت في وسط الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. رواه أبو داود وغيره.
وقد فسر أهل العلم وسط الجنة في هذين الحديثين وما أشبههما بأنه الأعدل والأفضل: كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا {البقرة:143}
وقال بعضهم: المراد بالوسط السعة، وبالأعلى الفوقية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(3/675)
معنى وفضل (لا حول ولا قوة إلا بالله)
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أبحث عن شرح دقيق لـ (لا حول ولا قوة إلا بالله) جازاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان ما ذكره أهل العلم من معاني هذه الكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، وذلك بالفتوى رقم: 36679. وراجعي في بيان فضلها الفتويين: 35625، 66292.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(3/676)
معنى: وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الحديث الذي رواه المغيرة بن شعبة قال ضفت النبي صلى الله عليه واله وسلم وكان شاربي قد وفى فقصه لي على سواك؟ كيف أصبح شارب المغيرة بن شعبة بعد القص هل قصه له على سواك حتى بلغ الإطار فقط؟ أو اقل من ذلك أو أكثر؟ وكيف أصبح شاربه بعد ذلك هل هذا دليل على أن الواجب هو القص حتى يظهر الإطار فقط؟ أم أن هذا ليس دليلا على ذلك؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يبدو من الحديث المذكور ومن غيره أن السنة قص شعر الشارب حتى يبدو طرفه، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بالمغير ة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني ولفظه -كما في سنن أبي داود- ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه. قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ما له؟ تربت يداه؟ وقام يصلي. زاد الأنباري: وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك. أو قال: أقصه لك على سواك.
جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود: فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه.
وعلى هذا فيبدو- والله أعلم- أنه جعل السواك بين الشفة والشعر فقص ما زاد وطال من الشعر حتى بدا طرف الشارب
وهو ما ذهب إليه كثير من أهل العلم، وأن السنة قص الشارب حتى يبدو إطار الشفة العليا، والظاهر أن هذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بالمغيرة.
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " وقص الشارب " كما في حديث: خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب. رواه البخاري وغيره.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 17131.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(3/677)
شرح حديث (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، فكيف نفهم هذا المعنى رغم أن أهل الجنة جميعهم يجعلهم ربنا جل شأنه شبابًا، فلماذا خصهما بأنهما سيدا (شباب) أهل الجنة، فهل يفهم من الحديث أن في الجنة شبابا وغير شباب على سبيل المثال، فأرجو التوضيح؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. ومعناه أنهما في وقت الحديث هما سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان، أو أنهما أفضل ممن لم يثبت فيه تفضيل عام كالأنبياء والخلفاء أو أنهما سيدا من اتصف بصفات الشباب والفتوة كالمروءة والكرم والشجاعة.
قال المباركفوري في شرحه للترمذي: قال المظهر يعني هما أفضل من مات شاباً في سبيل الله من أصحاب الجنة ولم يرد به سن الشباب لأنهما ماتا وقد كهلا بل ما يفعله الشباب من المروءة، كما يقال فلان فتى وإن كان شيخاً يشير إلى مروءته وفتوته، أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب وليس فيهم شيخ ولا كهل. قال الطيبي: ويمكن أن يراد هما الآن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(3/678)
شرح حديث (الماهر بالقرآن مع السفرة)
[السُّؤَالُ]
ـ[الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الماهر بالقرآن مع السفرة فأين مكانهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بمعية القارئ الماهر للسفرة الكرام البررة، أنه يكون معهم في الجنة، ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم كما قال النووي في شرح مسلم، والمناوي في فيض القدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1429(3/679)
شرح حديث (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حيدث يقول: من صلي الفجر في جماعة فهو في ذمة الله.... إلي آخر الحديث, أو كما قال رسول الله، فهل إذا صلى أحدهم الفجر في جماعة ثم أحدث ذنبا كان قد تاب منه قبل ذلك ثم أتاه عن غير قصد وقام به مع أنه كان من الممكن أن يتجنب حدوثه، فهل معنى ذلك أن الله غاضب عليه، فأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ... والمراد به الحث على شهود صلاة الفجر في جماعة، لعظم فضل هذه الصلاة وشهود الملائكة لها، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: فهو في ذمة الله.. أي في ضمانه وحفظه، ولا يلزم من ذلك أن لا يقع من المرء ذنب في ذلك اليوم مطلقاً، كما لا يلزم من الوقوع في الذنب حصول غضب الله على المذنب إن سارع إلى التوبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطأء وخير الخطائين التوابون.
وينبغي للمسلم أن يحرص على طاعة الله في كل وقت، وأن يحرص على اجتناب معاصيه، وليعلم أن مما يعينه على ذلك صلاة الفجر في جماعة، إذ أن ذلك من جملة حفظ الله لعبده، ومن أسباب تحقق ذلك.
وأما إتيان الفعل المحرم من غير قصد، خطأ أو نسياناً أو جهلاً، فلا يعد ذلك ذنباً، ومن رحمة الله عز وجل أنه تجاوز لعباده عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
وأما قولك (مع أنه كان من الممكن تجنب حدوثه) ، فالظاهر أنه يتعارض مع قولك أتاه عن غير قصد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1429(3/680)
التوفيق بين (أخوف ما أخاف عليكم الشرك) و (لا أخشى عليكم أن تشركوا بعدي)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفّق بين هذا الحديث: أخوف ما أخاف عليكم الشرك. وهذا حدبث صحيح , وبين هذا الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو قوله ... وإني لا أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها كما تنافس من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم، وهذا الحديث أيضاً صحيح, وهو في صحيح مسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا تعارض بينه؛ كما قال ابن القيم رحمه الله: الإشكال في الأفهام لا في ما خرج من بين الشفتين من الكلام.
فالحديثان المذكوران يوفَق بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن الشرك هو أعظم ما يخاف منه على الأمة فهو يحبط الأعمال ويوجب الخلود في النار وحرمان الجنة إن كان شركا أكبر، ولكنه علم أن الصحابة رضوان الله عليهم لن يقع منهم الشرك لشدة تمكن الإيمان في قلوبهم.
ولكنه ستفتح عليهم الفتوحات ويملكون خزائن الدول المجاورة فيتنافسون في الدنيا، أو أن الأمة لن ترتد كلها جملة ولكن ستفتح عليها الفتوحات والخيرات فتتنافس في الدنيا.
قال النووي رحمه الله شرح حديث مسلم: ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي.
قال: وفي هذا الحديث معجرات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن معناه الإخبار بأن أمته تملك خزائن الأرض وقد وقع ذلك، وأنها لا ترتد جملة وقد عصمها الله تعالى من ذلك، وأنها تتنافس في الدنيا وقد وقع كل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1429(3/681)
معنى دعاء النبي: اللهم أحيني مسكينا ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أستفسر عن معنى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرني فى زمرة المساكين"، فهل هذا يعنى المسكنة لله والذل له أم أن معنى المسكنة هو الفقر الذي هو ضد الغنى وما يشتمل عليه المعنى من ضيق الحال وشظف العيش؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في تحفة الأحوذي قوله: (اللهم أحيني مسكينا) قيل هو من المسكنة وهي الذلة والافتقار، فأراد صلى الله عليه وسلم بذلك إظهار تواضعه وافتقاره إلى ربه إرشادا لأمته إلى استشعار التواضع والاحتراز عن الكبر والنخوة، وأراد بذلك التنبيه على علو درجات المساكين وقربهم من الله تعالى قاله الطيبي رحمه الله. (واحشرني في زمرة المساكين) أي اجمعني في جماعتهم بمعنى اجعلني منهم، لكن لم يسأل مسكنة ترجع للقلة؛ بل للإخبات والتواضع والخشوع. اهـ
وقد يظن البعض أنه -صلى الله عليه وسلم- يقصد بدعائه المسكنة التي هي بمعنى الفقر، وقد يستدل لذلك بما زاده الترمذي من قول عائشة: لم يا رسول الله؟ قال: إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا. وبما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: قال أبو عبد الرحمن: وجاء ثلاثة نفر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص وأنا عنده فقالوا: يا أبا محمد؛ إنا والله ما نقدر على شيء لا نفقة ولا دابة ولا متاع. فقال لهم: ما شئتم، إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله لكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان، وإن شئتم صبرتم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا. قالوا: فإنا نصبر لا نسأل شيئا.
إلا أن هذا يعارضه ما أخرجه النسائي وغيره عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفقر، وأعوذ بك من القلة والذلة ... الحديث. ويعارضه ما أخرجه مسلم من قوله -صلى الله عليه وسلم- في دعائه: اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر.
وعليه، فالمسكنة في دعائه -صلى الله عليه وسلم- إنما تعني -كما قال المباركفوري -: الذلة والافتقار إلى الله، إرشادا لأمته إلى استشعار التواضع والاحتراز عن الكبر والنخوة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(3/682)
شرح حديث (إن الله جميل يحب الجمال)
[السُّؤَالُ]
ـ[الى اي حد يمكن ان نعمل بالمقولة إن الله جميل يحب الجمال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة: "إن الله جميل يحب الجمال"، ليست مجرد مقولة، وإنما هي حديث شريف. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وأخرجه عدد كثير من أهل الحديث.
والجمال الذي لا تصحبه مخيلة ممدوح في الإسلام، فقد أخرج أبو داود عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون، فقال ألك مال، قال نعم، قال من أي المال، قال قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال فإذا أتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته. وهو حديث صحيح.
قال المناوي في فيض القدير: وذلك بأن يلبس ثيابا تليق بحاله نفاسة وصفاقة ونظافة ليعرفه المحتاجون للطلب منه، مع رعاية القصد وتجنب الإسراف ... وكان الحسن يلبس ثوبا بأربع مائة، وفرقد السنجي يلبس المسح فلقي الحسن فقال ما ألين ثوبك، قال يا فرقد ليس لين ثيابي يبعدني عن الله ولا خشونة ثوبك تقربك منه، إن الله جميل يحب الجمال ...
ولله در القائل:
فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة * عند الإله وأنت عبد مجرم
وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن * تخشى الإله وتتقي ما يحرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1429(3/683)
حكم لعن النساء المتبرجات والدعاء لهن بالهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث (نساء كاسيات عاريات....) قال الرسول صلى الله عليه وسلم (العنوهن فإنهن ملعونات) ، فهل المقصود هنا النساء المؤمنات دون نساء الكافرات والمشركات، وهل صحيح أن اللعنة مقصود فيها أنها لعنة إنكار على تبرجهن وليست لعنة طرد من رحمة الله عز وجل.
وأخيراً هل يجوز للمسلم أن يدعو بالهداية لا اللعنة لمثل هؤلاء، فأرجو منكم التفصيل في شرح الحديث؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
قد دلت الأحاديث على أن اللعن المذكور في حديث الكاسيات العاريات المشار إليه في السؤال يتناول من اتصف بهذه الصفات من نساء هذه الأمة لأنهن بذلك يرتكبن بعض كبائر الذنوب، واللعن في حق المسلم كما في مثل هذه الحالة هو اللعن الحقيقي لكنه دون لعن الكافر، قال العلماء: وليس المراد بلعن مرتكبي الكبائر إبعادهم من رحمة الله كل الإبعاد كما هو الحال في لعن الكفار، فإن المسلم لا يخرج عن الإسلام بارتكاب الذنوب والكبائر ما لم يستحلها، ثم إنه لا حرج إن شاء الله في الدعاء بالهداية للمتبرجات من النساء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ظاهر الحديث يدل على أن اللعن هنا يتناول من اتصف بهذه الصفات من نساء هذه الأمة، ففي أول الحديث المشار إليه: سيكون في آخر أمتي ... وسبب اللعن لأنهن بذلك يرتكبن بعض كبائر الذنوب، واللعن هنا في مثل هذه الحالة هو اللعن حقيقة ولكنه ليس مثل لعن الكفار، وقد ورد اللعن في حق مرتكبي الكبائر في بعض الأحاديث كلعن الواشمة والمستوشمة ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال وغير ذلك.
قال العلماء وليس المراد بلعن مرتكبي الكبائر إبعادهم عن رحمة الله كل الإبعاد كما هو الحال في لعن الكفار، فإن المسلم لا يخرج عن الإسلام بارتكاب الذنوب والكبائر ما لم يستحلها، ويدل لهذا ما ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم عند كلامه على حديث: من أحدث فيها (يعني المدينة) حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. حيث قال: قال القاضي: واستدلوا بهذا على أن ذلك من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة، ومعناه أن الله تعالى يلعنه وكذا يلعنه الملائكة والناس أجمعون وهذا مبالغة في إبعاده عن رحمة الله تعالى فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، قالوا: والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه والطرد عن الجنة أول الأمر وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد. انتهى.
ولبيان نص الحديث المشار إليه في السؤال والحكم عليه يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 66102.
ثم إنه لا حرج إن شاء الله في الدعاء بالهداية للمتبرجات من النساء كما سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 40116.
ولبيان حكم لعن المعين وغيره تراجع الفتوى رقم: 30017.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1428(3/684)
معنى: البينة على المدعي واليمين على من أنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير مقولة البينة على من ادعى والحلف على من أنكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو يعطى الناس بدعواهم لأدعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه. متفق عليه.
وللبيهقي بإسناد صحيح: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر.
قال في سبل السلام: والحديث دال على أنه لا يقبل قول أحد فيما يدعيه لمجرد دعواه؛ بل يحتاج إلى البينة أو تصديق المدعى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك. وإلى هذا ذهب سلف الأمة وخلفها ... والحكمة في كون البينة على المدَعي أن جانب المدعي ضعيف لأنه يدعي خلاف الظاهر فكُلف الحجة القوية وهي البينة فتقوى بها ضعف المدَعي.. وجانب المدعى عليه قوي لأن الأصل فراغ ذمته فاكُتفي منه باليمين وهي حجة ضعيفة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1428(3/685)
دلالة لفظ أربعين يوما.. أربعين ليلة في الأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأتي الرجل الساحر بأنه لا تقبل له صلاة أربعين ليلة، والرواية الأخرى أربعين يوما هل هناك فرق بين اليوم والليلة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا فرق بين العبارتين، فإن من المعلوم أن الصلاة منها ما يقع في الليل وما يقع في النهار، وعدم القبول وارد في الجميع، فالحديثان ثابتان، وتنوع العبارتين يفيد عدم قبول جميع الصلوات الليلية والنهارية في هذه المدة.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية في بيان تخريج الحديث ومعنى اليوم في الاصطلاح الشرعي: 31343، 70054، 64314.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(3/686)
شرح حديث (لقد عرفت النظائر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء رجل إلى ابن مسعود فقال قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال هزني كهزة الشعر، لقد عرفت النظائر التي كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقرن بهن، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة. رواه البخاري ... ورد في متن الحديث لفظ رجل وقد ورد اسم هذا الرجل في رواية عند مسلم فما هو اسم هذا الرجل، وورد في الحديث كلمة المفصل ما المقصود بهذه الكلمة، وورد في الحديث كلمة النظائر، وهي مجموعة من السور لماذا سميت بالنظائر وما هي تلك السور؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
اسم الرجل الذي صرحت به رواية مسلم نهيك بن سنان، والمقصود بالمفصل السور من سورة ق إلى آخر المصحف، والنظائر هي السور المتشابهة في القصص والمعاني والحكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي والبيهقي وابن حبان وغيرهم، وقد وقع التصريح باسم الرجل في صحيح مسلم حيث جاء الحديث بلفظ: جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله فقال: يا أبا عبد الرحمن ... إلخ، ونهيك بفتح النون وكسر الهاء وسنان بكسر السين المهملة وبنونين بينهما ألف.
والمقصود بكلمة المفصل أي قرأت سور المفصل وهي من أول سورة (ق) إلى سورة الناس، وقيل من الحجرات إلى سورة الناس، ورجح الأول الحافظ ابن حجر في فتح الباري وسميت هذه السور بالمفصل لكثرة الفصل بين السور بالبسملة على الصحيح كما قال الحافظ.
وأما قوله: عرفت النظائر، أي السور المتماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص، كذا في فتح الباري، كسورة التكوير وسورة الانفطار فهما متماثلتان في الآيات من حيث ذكر أهوال يوم القيامة فيقال سورة الانفطار نظيرة سورة التكوير، وقد عد ابن مسعود شيئاً من تلك السور النظائر فيما أخرجه أبو داود وأحمد فقال: ... كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة، الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة. قال أبو داود: هذا تأليف ابن مسعود رحمه الله. انتهى.
وابن مسعود رضي الله عنه كان يعد سورة الدخان من جملة المفصل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1428(3/687)
شرح حديث (..قبل أن يثني رجليه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
أرجو منك أن تشرح لي هذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: من قال دبر صلاة الغداة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير مائة مرة، قبل أن يثني رجليه، كان يومئذ من أفضل أهل الأرض عملا، إلا من قال مثل ما قال، أو زاد على ما قال" الراوي: أبو أمامة الباهلي -خلاصة الدرجة: حسن- المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم: 476
وخاصة كلمة "قبل أن يثني رجليه" هل المقصود فيها قبل أن يحركهما من جلسة الافتراش؟
وأبلغ الثناء جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقصود أن رجله لا تزال على حالتها التي كانت عليها في جلسة التشهد الأخير كذا قال المباركفوري في شرح الترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1428(3/688)
شرح حديث (..أحد خير منا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد حديث للرسول صلى الله عليه وسلم، حينما سأله أحد الصحابة، هل يوجد أحد خير منا، أسلمنا، وجاهدنا معك، قال: نعم، قوم يؤمنون بي، يأتون بعدي، ولم يروني، الحديث صحيح، إن شاء الله، السؤال: هو كيف نوفق، بين هذا الحديث، والحديث المشهور، خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ... ، سؤالي: تحديدا لمن هي الخيرية إذن؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فقد روى الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، هذا الحديث، فروى عن أبي جمعة، قال: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، قال: فقلنا، يا رسول الله أحد خير منا، أسلمنا معك، وجاهدنا معك، قال: نعم، قوم يكونون بعدي، يؤمنون بي ولم يروني.
وقد ذكر المناوي: أن ابن عبد البر احتج بحديث: طوبى لمن رآني، وآمن بي، وطوبى سبع مرات لمن لم يرني، وآمن بي. وهذا حديث أخرجه أحمد، وصححه الألباني. احتج بهذا الحديث على أنه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة. ويدل لهذا أيضا ما في الحديث: إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يؤمئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: يا نبي الله، أو منهم قال: بل منكم. رواه الطبراني وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(3/689)
شرح حديث (..طوقه من سبع أرضين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المفهوم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: طوقه من فوق سبع أرضين، فأفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على حديث باللفظ المذكور في السؤال، ولعلك أيها الأخ الكريم تقصد قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين. وهو حديث متفق عليه.
وننقل لك شرح الحديث كما جاء في فتح الباري: ... قال الخطابي قوله طوقه له وجهان أحدهما أن معناه أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة، الثاني معناه أنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقاً في عنقه. انتهى. وهذا يؤيده حديث ابن عمر ثالث أحاديث الباب بلفظ: خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين، وقيل معناه كالأول، لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه طوقاً ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1428(3/690)
فائدة حول حديث (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة)
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أخبرنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أنهن من أصحاب النار (اللاتي رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) ، فهل هذا جائز أمام النساء والزوج دون الخروج به؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما قوله: رؤوسهن كأسنمة البخت. فمعناه يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس حتى تشبه أسنمة الإبل البخت، هذا هو المشهور في تفسيره، قال المازري: ويجوز أن يكون معناه يطمحن إلى الرجال ولا يغضضن عنهم ولا ينكسن رؤوسهن، واختار القاضي أن المائلات تمشطن المشطة الميلاء قال وهي ضفر الغدائر وشدها إلى فوق وجمعها في وسط الرأس فتصير كأسنمة البخت، قال وهذا يدل على أن المراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر فوق رؤوسهن وجمع عقائصها هناك وتكثرها بما يضفرنه حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس كما يميل السنام، قال ابن دريد: يقال ناقة ميلاء إذا كان سنامها يميل إى أحد شقيها. انتهى من شرح مسلم للنووي رحمه الله.
فهذا الوضع للشعر فوق الرأس منهي عنه مطلقاً، ولو في البيت أو عند النساء ولا يختص النهي عن ذلك عند الخروج أو عند الرجال الأجانب، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 75856.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(3/691)
معنى قول عائشة: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التوضيح ما معنى الجملة التالية:
عندما نزلت الآية القرآنية التي تسمح لمحمد (صلى الله عليه وسلم) أن يتزوج زوجة ابنه بالتبني، قالت زوجته عائشة: "يا رسول الله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: وتهب المرأة نفسها! فلما أنزل الله عز وجل: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ {الأحزاب:51} قالت: قلت: والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. واللفظ لمسلم. فهذا هو سبب قول عائشة رضي الله عنها لزواجه من زينب رضي الله عنها. ومعنى قول عائشة ذلك: أن الله يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور، ولهذا خيره ويسارع في هواه أي رضاه، كما قال ابن حجر، وللمزيد انظر الفتوى رقم: 13992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(3/692)
شرح حديث (..في كل ذات كبد حراء أجر)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى في كل ذات كبد حراء أجر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى هذه العبارة أن من أحسن إلى مخلوق حي من إنسان أو حيوان أو طير كان له بذلك أجر. قال ابن الأثير: يُريد أنَّها لِشِدّة حَرِّها قد عطِشَتْ ويبِسَتْ من العطش. والمعنى أنّ في سَقْي كلِّ ذي كَبِد حَرَّى أجْراً. وقيل: أرادَ بالكَبد الحَرَّى حَياة صاحِبها لأنه إنما تكون كبِدُه حَرَّى إذا كان فيه حَياةٌ يعني في سَقْي كلِّ ذِي رُوح مِن الحَيَوان. اهـ.
وننبه إلى أن أصل هذا الحديث في الصحيحين وورد بهذا اللفظ " حراء" بالمد في مسند الإمام أحمد، وورد فيه أيضا بلفظ "حرى" وهي في سنن ابن ماجه أيضا.
وما اطلعنا عليه من معاجم اللغة وغريب الحديث وشروحه لا يذكر إلا هذا اللفظ الأخير. فلا ندري إن كان للفظ
... ... . الأول أصل في اللغة أم لا
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1428(3/693)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم (ليس منا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال صلي الله عليه وسلم: ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوي الجاهلية..
وقال أيضا صلي الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا..
وهناك الكثير من نوعية هذه الأحاديث، فإذا كانت هذه الأحاديث صحيحة فهل معنى ذلك أن من يرتكب هذه المعصيات أصبح خارج الملة والعياذ بالله.
أرجو الإفادة من فضلكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن حجر في الفتح في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ليس منا: أي من أهل سنتنا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه عن الدين، ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك، وقيل المعنى ليس على ديننا الكامل أي أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان معه أصله. اهـ
وهذا يفيد أنه غير خارج من الملة، وهذا محل إجماع فيمن لم يستحل ذلك، والحمد لله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(3/694)
معنى حديث (اليد العليا خير من اليد السفلى)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال عليه الصلاة والسلام: اليد العليا خير من يد السفلى، هل اليد العليا هي نفس اليد البيضاء؟ لي زميل قال لي ذات مرة لديك اليد البيضاء، أريد أن أعرف معنى هذا الكلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاليد العليا هي اليد المنفقة، واليد السفلى هي السائلة. وهذا هو الراجح في تفسير الحديث، ويدل له ما في الرواية الأخرى في صحيح مسلم: اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة.
قال النووي في شرحه: فيه دليل لمذهب الجمهور أن اليد العليا هي المنفقة.
وأما اليد البيضاء فهي مجاز تراد به النعمة والإحسان اللذين لا من فيهما ولا أذى.
ومن ذلك تعلم أن الذي يعنيه زميلك في قوله: إن لديك يدًا بيضاء عليه، يعني به أنك قد صنعت له معروفا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(3/695)
معنى حديث (قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المقصود بقول سيدنا موسى عليه السلام من حديث أنس بن مالك: فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى بلوتهم وخبرتهم: جربتهم، وقد تأتي بلاه وخبره بمعنى امتحنه وسبر أغواره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1428(3/696)
شرح حديث (لا تسبوا الدهر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صحة الحديث: لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله، وأي فرقة تستعمل هذا الحديث إن كان حديثا.
جزاكم الله كل الخير عني وعن كل المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه قد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر.
ورواه البخاري بلفظ: يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار.
ومن ذلك يتبين لك أن الحديث صحيح.
وأما سؤالك عن أي فرقة تستعمل هذا الحديث فإنه غير مفهوم؛ لأنه إذا تقرر أنه حديث صحيح –وهو كذلك كما علمت- فإن من واجب جميع الأمة أن يأخذوا به، لما ورد في قول الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] .
وأما عن معنى هذا الحديث فقال النووي شارحا له: قال العلماء وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى؛ لأنه هو فاعلها ومنزلها. وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى. ومعنى فإن الله هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(3/697)
فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار في رمضان، فهل يدخل أحد الجنة أو النار قبل يوم القيامة، وهل هذا خاص بمن يموت في رمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال العلماء في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب الجنة:..أي حقيقة لأن الجنة موجودة الآن وفتح أبوابها ممكن أو هو بمعنى إزالة المانع ورفع الحجب.
وفي شرح مسلم: قال القاضي: قال الباجي معنى فتحها كثرة الصفح والغفران ورفع المنازل وإعطاء الثواب الجزيل، قال القاضي: ويحتمل أن يكون على ظاهره وأن فتح أبوابها علامة لذلك. انتهى، قلت: هذا الاحتمال هو الظاهر فالأولى أن يحمل الحديث على ظاهره.. انتهى من تحفة الأحوذي.
وقال السيوطي في شرحه على النسائي:.. فتحت أبواب الرحمة قال ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار.. انتهى.
وأما دخول الجنة ودخول النار قبل القيامة فقد دلت الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة على وجود الجنة والنار الآن، وأن أناساً ينعمون في الجنة في البرزخ كأرواح الشهداء التي تجعل في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، والحديث في صحيح مسلم، كما أن أناساً يعذبون في البرزخ بالنار وأن العذاب يقع على الروح أصلاً والبدن تبعاً، ولكن عذابهم بالنار يوم القيامة أشد وأبقى، وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 31047.
ولا نعلم دليلاً خاصاً ينص على أن الموت في رمضان سبب لدخول الجنة أو النجاة من النار، وانظر لذلك الفتوى رقم: 28530.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(3/698)
شرح حديث (..نساء كاسيات عاريات..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول صلى الله عليه وسلم: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة، هل هؤلاء النسوة زانيات وهل يجوز وصفهن بذلك، وما الحكم في الزواج منهن أو في من كانت منهن ولم تعد كذلك، وهل يجوز الإشارة إلى النساء اللاتي يرى انطباق هذا الحديث، عليهن بأنهن هن المقصودات، وهل هن يتعمدن هذا الفعل أم بدافع التقليد، وهل هن من المسلمات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه أخرجه مسلم في صحيحه، وفيه وعيد شديد وزجر أكيد للمرأة عن التبرج وإظهار الزينة لمن لا يحل له أن يراها، وأما الجواب عن سؤالك هل هؤلاء النسوة زواني وهل يجوز وصفهن بذلك، فقد ورد في الحديث: أن من خرجت من بيتها متعطرة فمرت برجال ليجدوا ريحها فإنها زانية. روى أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية.
والمقصود بالزنا هنا الزنا بمعناه العام الذي ورد به أحاديث أخرى ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: إن العين تزني وزناها النظر. رواه مسلم.
وليس المقصود الزنا الخاص المعروف الذي يوجب الحد، وعليه فيمكن وصفهن بذلك بالمعنى العام لا المعنى الخاص.
وأما عن حكم الزواج منهن فلا ينبغي أن يتزوج الرجل ممن هذا حالها، وتلك صفتها، وإنما ينبغي له أن يتزوج الولود الودود الصالحة القانتة ذات الدين، ولا يجوز الحكم على امرأة بعينها أو نساء معينات أنهن داخلات في هذا الوعيد الذي هو قوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن الجنة إلى آخره. وإنما يقال من كانت تلك صفتها فإنها كذا وكذا دون تعيين، كما هو مبين في الفتوى رقم: 30017.
والمسلم وإن ارتكب إثماً أو قارف ذنباً فإن ذلك لا يخرجه عن الإسلام ما لم يعتقد حله، فهن مسلمات فاسقات عاصيات، هدى الله الجميع لصراطه المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(3/699)
شرح حديث (من أحق الناس بحسن صحابتي)
[السُّؤَالُ]
ـ[فما معنى"أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك" في حديث "من أحق الناس بحسن صحابتي" فمثلا في الدعاء هل أدعو لها ثلاثاً ولأبي مرة، أم أعطيها هبة مثل أبي ثلاث مرات أم ماذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من حق الأم ثلاثة أضعاف ما للأب من البر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي أشرت إليه متفق عليه، وهو يدل على أن حق الأم آكد من حق الأب ومقدم عليه عند التعارض -إذا لم يمكن الجمع بينهما- ونقل الحافظ في الفتح عن عياض أنه قال: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب.
وقال بعض أهل العلم: إن للأم ثلثي البر بناء على هذا الحديث.
وعلى ذلك فلا مانع من الدعاء للأم والهدية لها ثلاثة أضعاف ما للأب، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 65064.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(3/700)
شرح حديث (تحول إلى الظل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[استفساري حول حديث النبي عند الحاكم وغيره، عن قيس بن أبي حازم، عن أبيه، رضي الله عنه قال: رآني النبي وأنا قاعد في الشمس فقال: «تحول إلى الظل» وزاد: «فإنه مبارك» ، ولقد صحح هذا الخبر جمع من العلماء كالحاكم وسكت عنه الذهبي، والوادعي في أحاديث معللة والألباني وشعيب ... إلا أن الألباني وغيره أعل زيادة (فإنه مبارك) بالشذوذ عن شعبة وإسماعيل بن أبي خالد ... وسؤالي هو: ما هي العلة أو الحكمة من أمر النبي الخطيب بالتحول إلى الظل، وما هو حكم ذلك، وهل الظل مبارك أو أفضل من المكان المشمس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر والله أعلم أن الأمر الوارد في الحديث الشريف هو على سبيل الندب والإرشاد إلى ما هو أقرب إلى صحة البدن، فقد ذكر المناوي في فيض القدير عند شرح الحديث المذكور قال: (تحول إلى الظل) يا من هو جالس في الشمس (فإنه) أي الظل والتحول إليه (مبارك) كثير البركة والخير والنفع لمن تجنب الجلوس في الشمس الذي يحرك الداء الدفين. انتهى.
وجاء في كتب الطب أن مداومة الاستقرار في الشمس مضر بالصحة.
وإذا تقرر ذلك علمت أن الظل أفضل من المكان المشمس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(3/701)
شرح حديث (ما يزال البلاء بالمؤمن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة) ما معنى هذا الحديث؟ أرجو التوضيح وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث أخرجه الترمذي في سننه وقد أوضح معناه المباركفوري في تحفة الأحوذي قائلا:
(يبتلي الرجل على حسب دينه) أي مقداره ضعفا وقوة ونقصا وكمالا. قال الطيبي: الجملة بيان للجملة الأولى واللام في الرجل الاستغراق في الأجناس المتوالية فإن كان تفصيل للابتلاء وقدره في دينه صلبا بضم الصاد المهملة أي قويا شديدا وهو خبر كان واسمه ضمير راجع والجار متعلق بالخبر اشتد بلاؤه أي كمية وكيفية وإن كان في دينه رقة أي ذا رقة ويحتمل أن يكون رقة اسم كان أي ضعف ولين.
قال الطيبي: جعل الصلابة صفة له والرقة صفة لدينه مبالغة وعلى الأصل.
قال القارئ: وكان الأصل في الصلب أن يستعمل في الجثث، وفي الرقة أن تستعمل في المعاني، ويمكن أن يحمل على التفنن في العبارة انتهى. ابتلي على قدر دينه أي ببلاء هين سهل والبلاء في مقابلة النعمة فمن كانت النعمة عليه أكثر فبلاؤه أغزر فما يبرح البلاء أي ما يفارق أو ما يزال بالعبد أي الإنسان حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة كناية عن خلاصه من الذنوب فكأنه كان محبوسا ثم أطلق وخلي سبيله يمشي ما عليه بأس. انتهى
وقال المناوي فيض القدير: فما يبرح البلاء بالعبد أي الإنسان حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة كناية عن سلامته من الذنوب وخلاصه منها كأنه كان محبوسا فأطلق وخلي سبيله فهو يمشي وما عليه بأس، ومن ظن أن شدة البلاء هوان بالعبد فقد ذهب لبه وعمي قلبه فقد ابتلي من الأكابر ما لا يحصى. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(3/702)
شرح حديث (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس..)
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة مني لك يا دكتور عبد الله الفقيه المحترم ولكافة العاملين في موقعكم الذي أتمنى من الله تعالى أن لا ينقطع عنا لروعته وأنا أقول إنه من أفضل المواقع الإسلامية. بعثت لكم سؤالا عن التأمين الأسبوع الماضي ولم تتم الإجابة عليه حتى الآن، أما سؤالي فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) هل هذا يعني أنه من يصلي البردين لن يدخل النار حتى وإن كان من أصحاب الكبائر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث يشتمل على الترغيب في المحافظة على صلاة العصر والصبح، فوقت صلاة الصبح وقت لذة النوم فالقيام حينئذ أشق على النفس، كما أن وقت صلاة العصر وقت اشتغال بالأعمال الدنيوية كالتجارة مثلا فمن حافظ عليهما مع ما فيهما من المشقة كان لسواها من الأوامر والنواهي أحفظ، ولهذا وعد بالسلامة من النار، فهذا هو الغالب إذا فيمن حافظ على هذه الصلوت، فإن كان صاحب كبيرة فأمره إلى الله تعالى، قال العلامة المناوي في فيض القدير:
لن يلج النار أي نار جهنم أحد من أهل القبلة صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني الفجر والعصر كما في مسلم قال الطيبي: لن لتأكيد النفي وتقريره في المستقبل وفيه دليل على أن الورود في {وإن منكم إلا واردها} ليس بمعنى الدخول وهذا أبلغ من لو قيل يدخل الجنة وخص الصلاتين لأن وقت الصبح وقت لذة الكرى فالقيام أشق على النفس منه في غيره والعصر وقت قوة الاشتغال بالتجارة فما يتلهى عن ذلك إلا من كمل دينه ولأن الوقتين مشهودان تشهدهما ملائكة الليل والنهار وترفع فيهما الأعمال فإذا حافظ عليهما مع ما فيهما من التثاقل والتشاغل فمحافظته على غيرهما أشد وما عسى أن يقع منه تفريط فبالحرى أن يقع مكفرا فلن يلج النار. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(3/703)
معنى: الأرواح جنود مجندة ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
قال النووي معلقا عليه: قال العلماء: معناه جموع مجتمعة أو أنواع مختلفة. وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه. وقيل إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها. وقيل لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها فمن وافق بشيمه ألفه ومن باعده نافره وخالفه. وقال الخطابي وغيره: تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين، فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار.انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: الأرواح جنود مجندة.. إلخ قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت، ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم، وقال غيره: المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين، ومعنى تقابلها أن الأجساد التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت عليه الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(3/704)
وجه الترابط بين عارضة الأحوذي وتحفة الأحوذي
[السُّؤَالُ]
ـ[اذكر الرابط بين عارضة الأحوذي وتحفة الأحوذي مع ذكر مؤلف الكتاب الثاني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعارضة الأحوذي وتحفة الأحوذي كلاهما شرح لجامع الترمذي الذي هو أحد الكتب الستة، وعارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي هو كتاب قد ألفه الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي، في ثلاثة عشر مجلداً، وهو كتاب نفيس، تضمن الكثير من المسائل الفقهية.
وأما تحفة الأحوذي فمؤلفه الفقيه المباركفوري، وهو كتاب يبحث في فقه الحديث الشريف، شرح فيه مصنفه الإسناد والمتن، فهو يذكر نسب الراوي ودرجته ومكانته في رواية الحديث، ويشرح متن الحديث شرحاً لغوياً ثم يستخرج ما فيه من فوائد علمية وأحكام فقهية، ويورد أقوال العلماء وآراءهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1428(3/705)
العموم في لفظ (كل قرض جر ... ) يراد به النفع المشترط عند الاقتراض
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندما في مصر المفتي يحلل فوائد البنك الربوي محلل بذلك أن حديث الرسول الذي يقول كل قرض جر نفعا فهو ربا يقول إن كل هنا ليست للعموم وقال مثلا في القرآن الكريم وأوتيت من كل شئ أي ملكة بلقيس وقال كلاما لا أفهمه يفيد أن الفائدة حلال فما رأيكم في هذا وفي لفظ كل هذه جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
قاعدة كل قرض جر نفعا من القواعد المتفق عليها بين الفقهاء والمراد بها النفع المشترط.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قاعدة: كل قرض جر نفعا فهو ربا. من القوعد المتفق عليها عند الفقهاء، ولا يخفى على أهل العلم وطلبته أن المقصود بها النفع المشترط وليس كل نفع، فالعموم الذي في لفظ كل يراد به النفع المشترط عند الاقتراض وكذا المتواطأ عليه ولو لم يشترط، ولو كانت هذه المنفعة المشترطة حفنة من علف.
جاء في المغني لابن قدامة: وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بلا خلاف. اهـ
فإذا كان المفتي يقصد ذاك فهو مصيب، وإن كان يقصد أن هناك نفعا دون نفع بمعنى أن يجوز للمقرض أن يشترط نفعا دون نفع فهو مخطئ.
يقول ابن عبد البر: وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهو ربا ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(3/706)
حديث (الأرواح جنود.) و (المؤمن يألف.) درجتهما وشرحهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث إن الأرواح جنود.... وحديث المؤمن يألف ويؤلف وما معناهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الحديثان المشار إليهما صحيحان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديثين المذكورين صحيحان، فالحديث الأول في الصحيحين البخاري ومسلم، ومعناه كما قال أهل العلم: أن أرواح بني آدم يطمئن بعضها إلى بعض ويرتاح إليه ويأنس به....وينفر بعضها من بعض.. وهو شيء واقع ومشاهد.. وقال بعض أهل العلم: إن سبب ذلك هو ما جرى من التعارف بين الأرواح في عالم الذر عندما خلق الله تعالى آدم فمسح على ظهره فأخرج منه نسمات بنيه وقال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى ... فما تعارف من الأرواح في تلك الفترة ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
أما الحديث الثاني فرواه الطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك وغيرهما وصححه الألباني في السلسلة وفي غيرها، ومعناه والله أعلم أن المؤمن يألف غيره من الناس ويتعاون معهم ويساعدهم ويأنس بهم ويأنسون به ويألفونه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(3/707)
شرح حديث (..فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش..)
[السُّؤَالُ]
ـ[من تفسير ابن كثير في آية (والشمس تجري لمستقر لها) قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: كُنْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد عِنْد غُرُوب الشَّمْس فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَبَا ذَرّ أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُب الشَّمْس؟ " قُلْت اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَب حَتَّى تَسْجُد تَحْت الْعَرْش فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: "وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم"
وقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرّ حِين غَرَبَتْ الشَّمْس " أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَب؟ " قُلْت اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّهَا تَذْهَب حَتَّى تَسْجُد تَحْت الْعَرْش فَتَسْتَأْذِن فَيُؤْذَن لَهَا وَيُوشِك أَنْ تَسْجُد فَلَا يُقْبَل مِنْهَا وَتَسْتَأْذِن فَلَا يُؤْذَن لَهَا وَيُقَال لَهَا اِرْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت فَتَطْلُع مِنْ مَغْرِبهَا فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: " وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم " والعلم يثبت أن غروب الشمس في دولة ما بسبب دوران الأرض حول محورها وتعاقب الليل والنهار بسبب دوران الأرض حول محورها وليس بسبب حركة الشمس إطلاقا، وليس بسبب أنها تغرب بسبب أنها تذهب لتسجد تحت العرش، كما أنها تغرب عندنا وتشرق في دول أخرى، وفي رواية البخاري المذكورة أعلاه توضح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر في وقت الغروب (أتدري أين تغرب الشمس) !! وهذا معلوم لمن يسافر بالطائرة أو حتى بالإنترنت عندما تكون في الدول العربية ليلا يكون في أمريكا الصبح عندما نتحادث معهم من خلال الإنترنت، ف أرجو كشف الشبهه وأرجو إرسال الإجابة على بريدي الخاص وعدم نشرها في الإنترنت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح يجب تصديقه والإيمان به، وأما معنى الحديث فلا يناقض كون الشمس لا تغيب عن الكرة الأرضية إطلاقاً، فإن الغروب المذكور في الحديث يفسر بالذهاب المذكور في الرواية الأخرى، وهي قوله: أتدري أين تذهب، وقوله فإنها تذهب.. إلخ، ويدل لهذا المعنى قول صاحب اللسان: الغرب الذهاب والتنحي عن الناس ... والغرب النوى والبعد. وقال في موضع آخر: والغروب غيوب الشمس غربت غابت في المغرب ... انتهى.
فالغروب هو ذهابها حتى تغيب عن الأنظار في اتجاه المغرب بالنسبة للناظر في أي مكان كان، وهذا موافق لما في الآية: والشمس تجري لمستقر لها، كما قال ابن كثير في التفسير والقرطبي وابن عاشور.
وأعلم أن الخبراء في الفلك قد قرر كثير منهم أن الشمس تتحرك وتجري كما أن الأرض تتحرك وتدور، فدوران الأرض لا يناقض حركة الشمس وجريانها، فالأرض في فلك والشمس بعيدة منها وهي تدور أيضاً في فلك آخر، فالأرض تدور حول نفسها يومياً كما تدور حول الشمس في السنة مرة، فدورانها اليومي يحصل به غياب الشمس عن أجزاء من الأرض ويكون به تعاقب الليل والنهار، ودورانها السنوي يحصل به تعاقب الفصول وتغير الأحوال والطقس من حر إلى برد وصيف إلى شتاء، والحديث لم يتكلم على حركة الأرض بنفي ولا إثبات وإنما تكلم على حركة الشمس، وذكر أنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ولم يذكر أنها تغيب، فهي يمكن أن تسجد تحت العرش ولا تغيب عن بعض أجزاء الأرض، وقد اختلف شراح الحديث هل تسجد وهي تجري وتدور وهذا هو ظاهر كلام الخطاب ويؤيده قراءة تجري لا مستقر لها وهذا هو ظاهر كلام ابن حجر، وإذا قلنا إنها تستقر فلا يلزم من ذلك طول الاستقرار والسجود حتى يلاحظه الناظرون إليها، ولا يلزم من سجودها تحت العرش أنها تغيب عن أنظار جميع الناس، لأن العرش فوق السماوات والأرض والشمس فقد ذكر ابن كثير في البداية أن الحديث لا يدل على أنها تصعد إلى فوق السماوات حتى تسجد تحت العرش بل هي تغرب عن عيننا وهي مستمرة في فلكها الذي هي فيه ... فإذا ذهبت فيه حتى تتوسطه فهذا هو محل سجودها، واستئذانها الله في الطلوع من المشرق فيؤذن لها، فإذا كانت الليلة التي يريد الله طلوعها من المغرب يقال لها ارجعي من حيث جئت. انتهى.
وقد رجح ابن عاشور أن محل سجودها أمر مجهول لا قبل للناس بمعرفته، وراجع البداية والنهاية لابن كثير وفتح الباري وتحفة الأحوذي وتفسير القرطبي وابن كثير وابن عاشور، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12870، 38644، 56931.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(3/708)
توضيح حول حديث (ذكرك أخاك بما يكره)
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص التوضيح المطلوب للسؤال رقم 2158120 والذي ذكرت فيه أنني قلت لأحد الأشخاص إن الغيبة هي ذكرك أخاك المسلم بما يكره ثم تذكرت بعد فترة أن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره فهل يجب أن أذهب وأخبره بذلك فأعني أنني أضفت كلمة المسلم لتعريف الغيبة فهل بعد إضافة هذه الكلمة لازال التعريف صحيحا أي هل يجوز ذكر الكافر بما يكره.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتعريف الغيبة هو كما جاء في الحديث الشريف: قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
وقد علمت أن لفظة المسلم ليست واردة في نص الحديث، إلا أنه من المعلوم أن الأخوة المقصودة هي أخوة الإسلام.
علما بأن الكافر الذمي لا تجوز غيبته، كما بينا من قبل. ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 23256.
فالظاهر أن ذكر الأخوة في لفظ الحديث، إنما هو جري على الغالب، كما هو الحال في قول الله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ {النساء:23} . إذ لا مفهوم لكون الربيبة في الحجر؛ لأن العبرة هي بالدخول بأمها فقط.
وعلى كل فإذا كنت تريد تصحيح تعريف الغيبة لذلك الشخص فالصواب أن تبين له هذا الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(3/709)
عنى قول النبي لعائشة: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله وهو قول النبي لعائشة عندما سألته أيعلم الله السر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا طرف من حديث رواه مسلم والنسائي وغيرهما عن عائشة في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من بيتها فتتبعته إلى البقيع ثم سبقته في طريق عودته إلى البيت، فلما أخبرته بما فعلت قال لها بعد ما لهدها في صدرها لهدة أوجعتها: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله. قال السندي في شرح سنن النسائي: فلهدني بالدال المهملة من اللهد وهو الدفع الشديد في الصدر، وهذا كان تأديبا لها من سوء الظن. أن يحيف الله عليك ورسوله من الحيف بمعنى الجور أي بأن يدخل الرسول في نوبتك على غيرك، وذكر الله لتعظيم الرسول والدلالة على أن الرسول لا يمكن أن يفعل بدون إذن من الله تعالى، فلو كان منه جور لكان بإذن الله تعالى له، وهذا غير ممكن. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(3/710)
معنى حديث: أنا أول من تنشق عنه الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول صلى الله عليه وسلم {أنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر} ، فكيف تنشق الأرض وهو فوق الأرض صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور حديث صحيح، وانشقاق الأرض عنه صلى الله عليه وسلم معناه خروجه من قبره عند قيام الساعة للبعث؛ كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ* يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِير ٌ {ق:43-44} ، فالناس كلهم قبل البعث كانوا في قبورهم في باطن الأرض، ومنهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول من ينشق عنه قبره فيخرج منه كما في الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(3/711)
معنى: إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث رواه أبو داود والترمذي وحسنه الشيخ الألباني.
قال المباركفوري في عون المعبود شارحا له: إذا حدث الرجل أي عند أحد بالحديث أي الذي يريد إخفاءه ثم التفت أي يمينا وشمالا احتياطا فهي أي ذلك الحديث وأنت باعتبار خبره. وقيل لأن الحديث بمعنى الحكاية أمانة أي عند من حدثه أي حكمه حكم الأمانة فلا يجوز إضاعتها بإشاعتها. قال ابن رسلان: لأن التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد، وأنه قد خصه سره، فكان الالتفات قائما مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة. انتهى.
وقال العلقمي: أي إذا حدث أحد عندك بحديث ثم غاب صار حديثه أمانة عندك ولا يجوز إضاعتها، ففسر التفت بغاب والظاهر هو الأول. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(3/712)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: أقبل وأدبر واتق الدبر
[السُّؤَالُ]
ـ[فقال صلى الله عليه وسلم: (أَقْبلْ، وأَدْبرْ، وأتَّق الدُّبرَ والحيضة) " رواه الترمذي من وجه آخر بسند صحيح
وکيف يحرم الدبر في هذا الحديث"" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأة في دبرها"]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
فيجوز للرجل أن يأتي زوجته من أي جهة شاء إذا كان ذلك في موضع الحرث ألا وهو القبل، وأما إتيانها في دبرها فلا يجوز له؛ كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وهو المسمى باللوطية الصغرى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى أي هيئة جاء الرجل زوجته جاز ذلك إذا كان يأتيها في مأتى واحد وهو الفرج؛ لما رواه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول. فنزلت: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
ولأبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، حتى شري [اشتهر] أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات.
يعني بذلك موضع الولد، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة. فله أن يأتي القبل موضع الحرث من ناحية وجهها ومن خلفها، وأما الإيلاج في الدبر فلا يجوز له وهو ما دل عليه الحديثان في قوله: اتق الدبر في الحديث الأول، وقوله: ملعون من أتى امرأته في دبرها كما عند أحمد وأبي داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(3/713)
شرح حديث: حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك سؤال يحيرني.. في حديث حق العباد على الله وحق الله على العباد.. حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به أحداً فكيف نفهم هذا الحديث، وهل يعني أنه مهما ارتكب العبد من المعاصي لا يعذب إذا كان موحداً ولا يشرك بالله شيئا، ألا يفتح هذا الباب أمام الناس ليرتكبوا كل المعاصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا بد من الجمع بين الحديث وبين نصوص الكتاب والسنة التي تفيد أن بعض عصاة الموحدين يدخلون النار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلم ابن حجر في فتح الباري على معنى هذا الحديث وبين: أنه قد عارضه ما تواتر من نصوص الكتاب والسنة أن بعض عصاة الموحدين يدخلون النار، فعلى هذا فيجب الجمع بين الأمرين، وقد سلكوا في ذلك مسالك أحدها: قول الزهري أن هذه الرخصة كانت قبل نزول الفرائض والحدود، واستبعده غيره من أن النسخ لا يدخل الخبر، وبأن سماع معاذ لهذه كان متأخراً عن أكثر نزول الفرائض، وقيل: لا نسخ بل هو على عمومه ولكنه مقيد بشرائط كما ترتب الأحكام على أسبابها المقتضية المتوقفة على انتفاء الموانع، فإذا تكامل ذلك عمل المقتضي عمله، وإلى ذلك أشار وهب بن منبه بقوله في شرح أن لا إله إلا الله مفتاح الجنة: ليس من مفتاح إلا وله أسنان. وقيل: المراد ترك دخول نار الشرك. وقيل: ترك تعذيب جميع بدن الموحدين لأن النار لا تحرق مواضع السجود. وقيل: ليس ذلك لكل من وحد وعبد؛ بل يختص بمن أخلص، والإخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناها، ولا يتصور حصول التحقيق مع الإصرار على المعصية لامتلاء القلب بمحبة الله تعالى وخشيته فتنبعث الجوارح إلى الطاعة وتنكف عن المعصية. انتهى ملخصاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1428(3/714)
معنى حديث: لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق.المرجع السلسلة الصحيحة 2، نوع الحديث (صحيح) ؟
ما معنى هذا الحديث مع ذكر أمثلة إن أمكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز للمسلم أن يتصدى لأنواع من البلاء لا يستطيع تحملها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء شرح الحديث المذكور في تحفة الأحوذي على النحو التالي: (لا ينبغي للمؤمن) أي لا يجوز له (أن يذل) من الإذلال (قال يتعرض) أي يتصدى (من البلاء) بيان مقدم لقوله: ما لا يطيق..
ومن هذا يتبين لك أن الحديث لا غموض في معناه، وقد استدل به بعض أهل العلم على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب أي منهما إذا كان سيلحق بالمرء بسببه بلاء لا قبل له به من قتل ونحوه.
ومن الأمثلة أيضا ما ذكره أهل العلم بأنه لا يجوز لمسلم أن يذل نفسه أو يطأطئ رأسه لكي يصل إلى منصب أو مال أو أي غاية دنيوية أخرى ينشدها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1428(3/715)
معنى: الهجرة تهدم ما كان قبلها، ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والهجرة تهدم ما قبلها) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى هذه العبارة أن الهجرة من أسباب مغفرة الذنوب، ويتبين هذا المعنى من خلال الحديث الذي وردت فيه هذه العبارة، ففي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: ما لك يا عمرو؟ قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي. قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله. فقول عمرو رضي الله عنه: أن يغفر لي.. دليل على أن المقصود مغفرة الذنوب كما ذكرنا، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: ففيه -أي الحديث- عظم موقع الإسلام والهجرة والحج، وأن كل واحد منهما يهدم ما كان قبله من المعاصي. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1428(3/716)
معنى حديث: إن الله يبغض كل جعظري جواظ ...
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب بالاسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بالدنيا جاهل بالاخرة.
أرجو تفسير معاني كلمات الحديث مع شرحه بعبارات ميسرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث رواه أحمد وغيره بألفاظ مختلفة، وباللفظ. المذكور رواه البيهقي في السنن وابن حبان في صحيحه.. وقال عنه الألباني في صحيح الجامع: صحيح.
ومعنى الجعظري-كما قال أهل العلم-: المتكبر الجافي عن الموعظة، وقيل: الفظ الغليظ.
والجواظ: هو الأكول الشروب البطِر الكفور.. وقيل: الجعظري: هو الذي يتنفخ بما ليس عنده. والجواظ: المختال في مشيه الغليظ الفظ.
والسخاب:- بالسين والصاد- كثير الخصام، والسخب في الأسواق كثرة الخصام ورفع الصوت فيها.
ومعنى جيفة بالليل: كناية عن كثرة نومه وخموله وعدم قيامه لصلاة الليل ...
ومعنى حمار بالنهار: أنه بليد في فهمه، منهمك في عمله الدنيوي لا يلتفت إلى سواه من الطاعة والعبادة.. فإذا جاء الليل استلقى على فراشه وبقي كالجيفة إلى الصباح.
وهو- مع هذا- عالم بأمور دنياه ولكنه جاهل بأمر دينه لا يهتم به ولا يسأل عنه.
والحديث تنبيه وتعليم للمسلم أن يبتعد عن هذه الصفات الذميمة ويتحلى بضدها من صفات أخلاق الإسلام الفاضلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1428(3/717)
شرح حديث (..وماحل مصدق..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة ماحل مصدق التي جاءت في حديث (عليكم بالقرآن فإنه ماحل مصدق) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي وقفنا عليه هو قوله صلى الله عليه وسلم قال: القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهر ساقه إلى النار. رواه ابن حبان وغيره وصححه الشيخ الألباني.
ومن ضيع القرآن وأعرض عنه فيكون شاهداً مصدقاً عليه وسبباً في هلاكه، وبالتالي فالماحل بمعنى الشاهد الساعي، قال المناوي في فيض القدير:.. القرآن شافع مشفع وماحل مصدق) بالبناء للمجهول (من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقة إلى النار) لأنه القانون الذي تستند إليه السنة والإجماع والقياس فمن لم يجعله إمامه فقد بنى على غير أساس فانهار به في نار جهنم، وقال الزمخشري: الماحل الساعي وهو من المحال وفيه مطاولة وإفراط من التماحل، ومنه المحل وهو القحط المتطاول الشديد، يعني من اتبعه وعمل بما فيه فهو شافع له مقبول الشفاعة في العفو عن فرطاته، ومن ترك العمل به نم على إساءته وصدق عليه فيما يرفع من مساويه. انتهى.
وقال في الزاهر: معناه من شهد عليه القرآن بالتقصير والتضييع فهو في النار، ويقال لا تجعل القرآن ماحلاً أي شاهداً عليه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1428(3/718)
إزالة شبهة التعارض بين حديثين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك تعارض بين الحديث الذي يرويه أبو برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع..الحديث..) وبين الحديث الذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام أو بما معناه: (يدخل من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب.....الحديث..) وهل كل من يسأل كما في الحديث الأول يعذب كما ورد في حديث آخر الذي بما معناه ( ... من نوقش الحساب يوم القيامة عذب..) وهل من تعلم العلم الشرعي أو غيره من العلوم النافعة سواء الكونية منها أو الدينية أي الشرعية أو علوم اللغة العربية هل من تعلمه وبلغه أو بلغ بعضه لأهله أي لزوجته وأبنائه فقط ولكنه لم يبلغه للناس أي لم يلق محاضرات أو دروس أو لم يعلم في مكان تعليمي وذلك لأن شخصيته ضعيفة ويستحيي من الناس ولا يحب الاختلاط معهم أيعد من الذين كان العلم حجة عليهم لا لهم ويسألون يوم القيامة ويحاسبون على ذلك، وهل تأليف الكتب ووضع علمه في الكتب ونشرها يجزئ عن التعليم والدروس, وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الحديثين فحديث دخول السبعين ألفا بلا حساب مخصِّص لحديث شمولية الحساب، ففي فيض القدير للمناوي:
(ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا) أراد بالمعية مجرد دخولهم الجنة بغير حساب وأن دخولها في الزمرة الثانية أو ما بعدها، وفي حديث جابر عند الحاكم مرفوعا من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا، ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب، وفي التقييد بأمته إخراج غيرها من الأمم من العدد المذكور، ثم إن هذا لا يعارضه خبر لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه لأنه وإن كان عاما لكونه نكرة في سياق النفي لكنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب وبمن يدخل النار من أول وهلة، تنبيه هذا الحديث خص به خبر لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ـ الحديث. انتهى
وليس كل من يسأل يعذب فهناك من المؤمنين من يحاسب حسابا يسيرا وتعرض عليه ذنوبه فقط، وهناك من يناقش في الحساب فهذا هو الذي يعذب وهذا التعذيب أوضحه النووي قائلا: قوله صلى الله عليه وسلم (من نوقش الحساب يوم القيامة عذب) معنى نوقش استقصي عليه، قال القاضي وقوله عذب له معنيان أحدهما أن نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ، والثاني أنه مفض إلى العذاب بالنار، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى هلك مكان عذب هذا كلام القاضي، وهذا الثاني هو الصحيح ومعناه أن التقصير غالب في العباد، فمن استقصي عليه ولم يسامح هلك ودخل النار، ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء. انتهى.
وتعليم العلوم الشرعية والكونية المفيدة التي تحتاجها الأمة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الوجوب عن البعض الآخر، قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم (ليبلغ الشاهد الغائب) فيه وجوب تبليغ العلم وهو فرض كفاية فيجب تبليغه بحيث ينتشر. انتهى.
وفي فتح الباري لابن حجر: وفي الحديث من الفوائد أيضا وجوب تبليغ العلم على الكفاية وقد يتعين في حق بعض الناس. انتهى. وراجع الفتوى رقم: 29214.
وبالتالي فإذا اقتصر الشخص على تعليم أهله وأولاده وتعذر عليه تبليغ العلم عن طريق الدروس فلا يكون العلم حجة عليه إن شاء الله تعالى.
وتأليف الكتب ونشرها لا يقوم مقام تبليغ العلم في حق من تعين عليه ذلك لأن الحصول على الكتب غير متاح لكل الناس، إضافة إلى أن الكثير من العوام يتعذر عليهم استيعاب ما في الكتب إن استطاعوا قراءتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1428(3/719)
شرح حديث: إذا صلت المرأة خمسها.....إلخ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث: من صامت شهرها وصلت فرضها وأطاعت زوجها وحصنت فرجها دخلت من أي باب من أبواب الجنة شاءت.. وخاصة المقصود بتحصين الفرج أليست متزوجة وسيلمسها زوجها، بصراحه لا أفهم ما المقصود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ الحديث كما رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت. ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في الجامع الصغير.
ومعناه أن المرأة المسلمة إذا حافظت على صيام رمضان، وأداء الصلوات الخمس المفروضات، وأطاعت زوجها فيما ليس فيه معصية، وحصنت فرجها من الحرام دخلت الجنة، أما ملامسة الزوج واستمتاعه بها فهذا ليس داخلاً في معنى حفظ الفرج لأن المقصود حفظه عن الحرام وليس عن الحلال، بل إنما يتعلق بالزوج يدخل في طاعته وهي واجبة في المعروف، قال المناوي في فيض القدير وهو يشرح هذا الحديث: (إذا صلت المرأة خمسها) المكتوبات الخمس (وصامت شهرها) رمضان غير أيام الحيض إن كان (وحفظت) وفي رواية أحصنت (فرجها) عن الجماع المحرم والسحاق (وأطاعت زوجها) في غير معصية (دخلت) لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول (الجنة) إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحاً أو عفي عنها، والمراد مع السابقين الأولين وإلا فكل مسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن دخل النار. انتهى.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 96947.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1428(3/720)
بعض الأمور التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلام فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ثلاث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكلام فيها فما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى نهيا صريحا أو ضمنا عن الكلام في أشياء كثيرة لا يمكن حصرها. نذكر منها ما تيسر، فقد نهى عن الكلام في الصلاة أي أثناءها كما في الحديث الصحيح، ويستثنى من ذلك الكلام لمصلحتها، ومنها الكلام في القدر، ومنها الكلام في الولدان كما ورد بذلك حديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير، ونصه كما في الجامع: إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربا حتى يتكلموا في الولدان والقدر. والحديث رواه الطبراني والبزار، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة. قال المناوي في فيض القدير: (حتى يتكلموا في الولدان والقدر) بالتحريك أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم، وأما الولدان فيحتمل أن أراد بهم أولاد المشركين هل هم في النار مع آبائهم أو في الجنة، ويحتمل أن المراد البحث عن كيفية حال ولدان الجنان ويحتمل أنه كناية عن اللواط ولم أر في ذلك شيئا. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1428(3/721)
شرح حديث: من كثر سواد قوم فهو منهم.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو شرح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كثر سواد قوم فهو منهم)
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الحديث الذي أشار إليه السائل والله أعلم أن من اجتمع مع قوم على طاعة فهو منهم، وقد يعمه الخير بسبب اجتماعه معهم على الطاعة ولو لم يكن مثلهم في النية والمقصد، ومن اجتمع مع أهل الشر والمعاصي مختارا فهو مثلهم، وإذا عوقبوا في الدنيا فقد يعاقب معهم ولو لم يكن يريد المعصية، يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند كلامه على ما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم، قالت: قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم قال يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم. قال: وفي حديث أم سلمة عند مسلم فقلت يا رسول الله: فكيف بمن كان كارها؟ قال يخسف به ولكن يبعث يوم القيامة على نيته أي يخسف بالجميع لشؤم الأشرار ثم يعامل كل أحد عند الحساب بحسب قصده. قال المهلب في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم. قال: واستبنط منه مالك عقوبة من يجالس شربة الخمر وإن لم يشرب، وتعقبه ابن المنير بأن العقوبة التي في الحديث هي الهجمة السماوية فلا يقاس عليها العقوبات الشرعية ويؤيده آخر الحديث حيث قال: ويبعثون على نياتهم، وفي هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل، والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم إلا لمن اضطر إلى ذلك. انتهى.
والحديث المسؤول عنه ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية عن أبي يعلى ولفظه: قال أبو يعلى: حدثنا أبو همام نبأ ابن وهب أخبرني بكر بن مضر عن عمرو قال: إن رجلا دعا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى وليمة فلما جاء سمع لهوا فلم يدخل، فقال ما لك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كثر سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريكا لمن عمله.
ولم نجد من صرح بالحكم على الحديث صحة وضعفا لكن سكت عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في الدراية في تخريج الهداية وأورد له شواهد، وكذلك فعل السخاوي مما يدل أن للحديث أصلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1428(3/722)
معنى حديث: إذا رأيتم المداحين فاحثوا ...
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة القرآن جماعة، هل يجوز السماع إلى المدائح والأناشيد الدينية، مع العلم بأنها تشغلنا عن قراءة القرآن، وما معنى الحديث الشريف: إذا رأيتم المداحين فارموا في أعينهم التراب. فأرجو الدليل يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت قراءة القرآن جماعة بصوت واحد فقد كرهها أهل العلم لما فيها من التخليط على بعضهم وربما إسقاط أو تجاوز بعض الكلمات أو الحروف، ولأنها على خلاف عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وسبق بيان ذلك بالأدلة في الفتوى رقم: 7673 بإمكانك أن تطلع عليها.
وأما سماع مدائح النبي صلى الله عليه وسلم والأناشيد الدينية فإنه لا بأس بذلك، وقد تكون مستحبة ما لم تصاحبها المزامير والموسيقى أو تشغل عن واجب أو ما هو أهم كتلاوة القرآن ... أو يكون فيها اختلاط محرم بين الجنسين؛ وإلا حرمت أو كرهت على حسب ما فيها من مخالفة، وسبق بيان ذلك بالتفصيل في عدة فتاوى منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6891، 2351، 71440.
وأما الحديث المشار إليه فهو حديث صحيح رواه مسلم تحت عنوان: باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط، وخيف منه فتنة على الممدوح. كما رواه غيره بألفاظ مختلفة منها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب. قال النووي في شرح مسلم: النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح، وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة؛ بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير والازدياد منه أو الدوام عليه أو الاقتداء به كان مستحباً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1428(3/723)
معنى تكليم الله لوالد جابر (كفاحا)
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله والد جابر كلم الله كفاحا فما المقصود بتكليم الله كفاحا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما وحسنه الألباني ... ومعنى كفاحاً؛ كما قال شراح الحديث: مواجهة أو مباشرة ليس بينهما حجاب ولا رسول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1428(3/724)
فلفظ: اختلافهم على أنبيائهم.. يصح فيه الرفع والجرفقط
[السُّؤَالُ]
ـ[في الأربعين النووية الحديث التاسع كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، كلمة اختلافهم كتبت على صورتين بضم الفاء والهاء، وكتبت أيضا بفتح الفاء والهاء، سؤالي أيهما أصح، ولماذا، فأرجو من الله أن تتكرموا بالجواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلفظ: اختلافهم على أنبيائهم في الحديث ذكر ابن حجر في فتح الباري أنه يجوز فيه الرفع والجر، ومن المعلوم أن الرفع يستلزم ضم الهاء، وأن الجر يستلزم كسرها، وأما فتح الفاء فلا نعرف له وجهاً، والوجهان اللذان ذكر ابن حجر ينسجمان مع رواية: أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم.... فيكون رفع اختلافهم عطفاً على كثرة، وجرها عطفاً على مسائلهم، وأما رواية: هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم فيتعين فيها جر اختلافهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1428(3/725)
معنى: تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذا القول في أحد أحاديث الرسول الكريم (تطاول رعاة الإبل في البنيان) وفي رواية أخرى (اشتغال رعاة الإبل البهم بالتطاول في البنيان) وهذا حسب علمي، وأعتذر عن الخطأ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث في الصحيحين وهو أحد أمارات قيام الساعة، فقد جاء جبريل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فأجابه، وهكذا عن الإيمان والإحسان، ثم قال له: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان: في خمس لا يعلمهن إلا الله ... والمعنى هو أن يكون من كانوا معروفين برعاية الإبل السود واقتنائها والتنقل معها والبعد عن كل مظهر من مظاهر المدنية أن يكون هؤلاء على رأس المتطاولين في البنيان المتباهين فيه والمتكاثرين منه، ولا شك أن هذا هو عين ما هو واقع اليوم في الجزيرة العربية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1428(3/726)
فوائد السفر كما في الأحاديث الشريفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة الحديثين المنقولين عن رسول الله صلى عليه وسلم؟ وما تفسيرهما؟ : ((سافروا تغنموا)) و ((نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل)) بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى هذا الحديث البيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سافروا تصحوا وتغنموا. وهو بهذا اللفظ في مسند الشهاب. وقد حكم الشيخ الألباني على هذه الرواية بالنكارة، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة، الحديث رقم: 255. ورواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا. وقد صحح هذه الرواية الشيخ الألباني في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة، الحديث رقم: 3352، ورواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سافروا تصحوا وتسلموا.
وهذا الحديث يبين شيئا من فوائد السفر، قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لهذا الحديث سافروا تصحوا وتغنموا: قال البيهقي: دل به على ما فيه سبب الغنى، ومما عزي للشافعي:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا * وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة * وعلم وآداب وصحبة ماجد
وهذا فيما يتعلق باللفظ الأول.
وأما اللفظ الثاني وهو: نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل فلم نجد له أصلا، وقد ذكر الملا علي قاري في كتابه الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة هذا الحديث بلفظ: نوم العالم عبادة. وقال بعده: لا أصل له في المرفوع هكذا؛ بل ورد: نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله مضاعف ودعاؤه مستجاب وذنبه مغفور. رواه البيهقي بسند ضعيف عن عبد الله بن أبي أوفى. لكن روى أبو نعيم في الحلية عن سلمان رضي الله عنه: نوم على علم خير من صلاة على جهل. ففي الجملة من كان عالما فنومه عبادة لأنه ينوي به النشاط على الطاعة. ومن هنا قيل نوم الظالم عبادة لأن تلك السنة عبادة بالنسبة إليه في ترك ظلمه. انتهى
وذكر مثل هذا المعنى العجلوني في كتابه كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(3/727)
شرح حديث: مدمن الخمر كعابد وثن. ورتبته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذه الأحاديث المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما معناها؟ : ((ساعة من عالم متكئ على فراشه ينظر في علم خير من عبادة العابدين سبعين عاما)) و ((شرب الخمر كعابد الوثن)) و ((شر بقاع الأرض الأسواق وهي ميدان إبليس)) بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الحديث الأول ولفظه: ساعة من عالم متكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما. فقد رواه الديلمي في مسند الفردوس وهو حديث موضوع كما قال عنه الشيخ الألباني في كتابه ضعيف الجامع الصغير، الحديث رقم: 3205. وقال في معناه المناوي في فيض القدير: ساعة من عالم أي عامل بعلمه متكئ على فراشه ينظر في علمه أي يطالع أو يقرأ أو يؤلف أويفتي خير من عبادة العابد سبعين عاما. لأن العلم أس العبادة ولا تصح العبادة بدونه، والمراد العلم الشرعي المصحوب بالعمل كما مر مرارا. انتهى.
وأما عن الحديث الآخر: شرب الخمر كعابد وثن. فقد رواه الإمام أحمد في المسند بلفظ: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف، ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدمن الخمر كعابد وثن. قال الشيخ الألباني: حسن، وتحسينه له إنما بمجموع طرقه كما بين هو في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة الحديث رقم: 677. وأما معناه فقد قال فيه السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: قوله: مدمن الخمر أي الذي يلازمها كعابد وثن حيث إن الله تعالى جمع شرب الخمر مع عابد الوثن في قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ... الآية، وأيضا هما سواء في عدم قبول الصلاة، فإن الكافر لو صلى لم تقبل صلاته. انتهى. ونقل المناوي في فيض القدير عن ابن عباس أنه قال: يشبه أن يكون فيمن استحلها. انتهى.
واما الحديث الثالث ولفظه: شر بقاع الأرض الأسواق وهي ميدان إبليس، فلم نعثر عليه بهذا اللفظ، ولكن روى الجزء الأول منه أبو الشيخ في كتابه العظمة بلفظ: إن شر بقاع الأرض السوق. وهذا الكتاب من مظان الاحاديث الضعيفة والموضوعة، وقد روى هذا الحديث عن مالك يحسب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.... الخ ففيه انقطاع في إسناده، وقد ورد في معنى هذا الحديث أحاديث صحيحة يمكنك مراجعتها بالفتوى رقم: 34475.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(3/728)
معنى حديث: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة الحديث المنقول عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: النساء حبالات إبليس. وما معناه؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه الشهاب في مسنده، وقد ذكره كل من العجلوني في كتابه (كشف الخفا) والسخاوي في كتابه (المقاصد الحسنة) وهما من مظان الأحاديث الضعيفة، وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني في كتابيه (سلسلة الأحاديث الضعيفة) بالرقم 2464، و (ضعيف الترغيب والترهيب) بالرقم 1414، ومعنى حبالة فسره السخاوي بقوله: وحبالة بالكسر هو ما يصاد به من أي شيء كان، وجمعه حبائل والرواية به أكثر أي مصائده. انتهى.
وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً من جهة الصناعة الحديثية إلا أن معناه صحيح، ويؤيده من جهة المعنى الحديث الذي رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان. قال المباركفوري في تحفة الأحوذي وهو يبين معنى هذا الحديث: فإذا خرجت استشرفها الشيطان. أي زينها في نظر الرجال. وقيل أي نظر إليها ليغويها ويغوي بها، والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء وبسط الكف فوق الحاجب، والمعنى أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها، فإذا خرجت أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: النساء أعظم حبائل الشيطان وأوثق مصائده فإذا خرجن نصبهن شبكة يصيد بها الرجال فيغريهم ليوقعهم في الزنا، فأمرن بعدم الخروج حسماً لمادة إغوائه وإفساده. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1428(3/729)
شرح حديث: والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[شرح حديث: والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة إلى آخر الحديث. رواه مسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلام المذكور في السؤال من كلام أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم عن زينب بنت أبي سلمة تقول:
سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لعائشة: والله! ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة. فقالت: لم؟ قد جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! والله! إني لأرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرضعيه" فقالت: إنه ذو لحية. فقال "أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة ". فقالت: والله! ما عرفته في وجه أبي حذيفة.
والمعنى أن أم سلمة رضي الله عنها كانت ترى أنه لا عبرة برضاع الغلام بعد الاستغناء عن الرضاعة وهي سنتان، وهذا هو مذهب جماهير العلماء، بخلاف عائشة فإنها كانت ترى أنه يبيح الدخول والنظر وتستدل بحادثة سهلة وإرضاعها لسالم وهو كبير. وهذا رأيها خالفها فيه غيرها حتى أم سلمة وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبلن منها هذا الرأي. وقد بينا حكم هذه المسألة بالتفصيل في الفتوى رقم: 3901، فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1428(3/730)
شرح حديث: من باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنه في مثله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث "أن من باع أرضا أو ماء، ولم يضع ثمنه في أرض وماء ذهب ثمنه محقا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد الحديث المذكور باللفظ الذي أوردته في سؤالك، ولكن وجدناه بلفظ آخر رواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما، وحسنه الألباني وشعيب الأرناؤوط عن سعيد بن حريث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنه في مثله كان قمنا أن لا يبارك فيه.
والمراد منه أن يبيعه مع ِحَاجَتِهِ إلَيْهِ ولا يستبدل غيره؛ لأنه قد يعرض نفسه لسؤال السكنى مع الآخرين وأذيتهم، أو لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ فَيَضِيعُ الثَّمَنُ وَلَا يُبَارَكُ فِيهِ؛ كما في المغني لابن قدامة.
ونقل الإمام الطحاوي في مشكل الآثار أن ابن عيينة انتزع فيه أنه وجد الله عز وجل يقول: وبارك فيها وقدر فيها أقواتها يعني الأرض، فكان من باع دارا أو عقارا، فقد باع ما بارك الله عز وجل فيه، فعاقبه بأن جعل ما استبدله به، يعني من ما سواه من الآدر والعمارات غير مبارك له فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1428(3/731)
معنى حديث: من ترك ثلاث جمع تهاونا..
[السُّؤَالُ]
ـ[ما شرح الحديث: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ". وخاصة "ثلاث جمع" هل ثلاث جمع متتالية أو ثلاث جمع في الحياة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي سألت عنه رواه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وقال عنه الشيخ الألباني: حسن صحيح، وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري: قوله (تهاوناً بها) قال العراقي: المراد بالتهاون الترك عن غير عذر، والمراد بالطبع أنه يصير قلبه قلب منافق. انتهى، وقال الطيي: أي إهانة، والظاهر هو ما قال العراقي. والله تعالى أعلم. قال الشيخ عبد الحق في اللمعات - والكلام ما يزال للمباركفوري - الظاهر أن المراد بالتهاون التكاسل وعدم الجد في أدائه؛ لا الإهانة والاستخفاف فإنه كفر، والمراد بيان كونه معصية عظيمة، قوله (طبع الله على قلبه) أي ختم على قلبه بمنع إيصال الخير إليه، وقيل: كتبه منافقاً. كذا في المرقاة. انتهى.
وفي فيض القدير للمناوي: طبع الله على قلبه. أي ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه وجعل فيه الجهل والجفاء والقسوة، أو صير قلبه قلب منافق.
وقد جاء في بعض روايات الحديث تقييد هذا الترك بكونه ثلاثاً متواليات، ففي كتاب الأم للإمام الشافعي: عن أبي الجعد الضمري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يترك أحد الجمعة ثلاثاً تهاوناً بها إلا طبع الله على قلبه. -قال الشافعي -: في بعض الحديث ثلاثاً ولاء. انتهى.
وفي التمهيد لابن عبد البر: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك الجمعة ثلاثاً ولاء من غير عذر طبع الله على قلبه. انتهى، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 48497.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1428(3/732)
الاحتساب عند فقد الولد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله "عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لنسوة من الأنصار: لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة فقالت امرأة منهن أو اثنين يا رسول الله? قال: أو اثنين. سؤالي: في نظر الشرع ما هو الاحتساب.. وكيف يكون.. وكيف أعرف أنني فعلا احتسبته لله؟ جزاكم الله خيراً على جهدكم.... وبارك فيكم ولكم وبكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما، والاحتساب معناه -كما قال أهل العلم- هو الصبر ابتغاء مرضات الله، وامتثالاً لأمره، ورضاء بقدره، وطلب الأجر منه سبحانه وتعالى لا لغرض آخر.
ويكون بالصبر عند الصدمة الأولى، وبالرضى بقضاء الله تعالى وبقدره، وعدم التسخط والجزع، وبالاسترجاع عند المصيبة، كما قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة:155-156- 157} ، وبهذه الصفات يعرف العبد المحتسب، وكل شخص بإمكانه أن يعرف دافعه لأي عمل يقوم به؛ لأن الأعمال بالنيات، والنية محلها القلب الذي لا يعلم حقيقة ما فيه إلا الله تعالى أو صاحبه، فإذا كان مخلصاً لله فإن له من الأجر ما جاء في الحديث الشريف، وإن كان الباعث على الصبر غير ذلك فإنه لا يدخل فيما جاء في الحديث. وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 14321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1428(3/733)
إضاءة على حديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون. هل يعني أن الصحابة لو علموا ما علم النبي صلى الله عليه وسلم لكانوا أشد خوفاً لله منه، لقد علم النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يعلموا، ومع ذلك تلذذ بالنساء على الفرش، ولم يخرج إلى الصعدات يجأر، فنرجو التوضيح وإزالة الإشكال، وإحالتنا إلى مرجع مقروء يفيد في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ... لا يعني أن الصحابة لو علموا ما علم هو لكانوا أشد خوفاً لله منه، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أشد الناس خوفاً من الله، ولا يمكن أن يوجد أحد أخوف لله منه، وقد ورد في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ... وجاء في صحيح مسلم: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي.
ثم كونه صلى الله عليه وسلم قد علم ما لم يعلموا، ومع ذلك تلذذ بالنساء على الفرش، ولم يخرج إلى الصعدات يجأر لا يتعارض مع هذا، وإنما يمكن تفسيره بأن الحديث جاء في معرض الوعظ والحث على الخوف من الله، ومعلوم أن الصحابة لن يعلموا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فلن يحصل لهم ما ذكر.
وكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم ما لم يعلموا، ومع ذلك فلم يحصل له ما ذكر، يمكن تفسيره بأنه صلى الله عليه وسلم أعطاه الله من الجلد والتحمل ما لم يعط غيره، وبالتالي فعلمه بما ذكر لا يجعله في الصورة التي حدث عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1428(3/734)
شرح حديث: الوائدة والموءودة في النار....
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرحاً مفصلاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو داود في سننه والذي معناه وهو الوائدة والموءودة في النار إلا أن تبلغ الوائدة الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث صحيح وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في سننه الكبرى وهو في أبي داود مختصر، وفي غيره ضمن قصة من رواية سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه قال: انطلقت أنا وأخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلنا: يا رسول الله إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم وتقري الضيف وتفعل وتفعل، هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: لا، قال: قلنا: فإنها كانت وأدت أختا لنا في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: الوائدة والموؤدة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها.
وهذا الحديث مشكل من جهة أن الموؤدة قد تكون بنتا صغيرة لم تبلغ الحنث، والحديث قد ذكر أنها في النار، وقد حمل بعضهم هذه القصة على أنها واردة على سبب معين فلا تحمل على العموم، وحمله آخرون على أن المراد بالوائدة القابلة، والموؤدة أم الطفلة، أي بمعنى الموؤدة لها وهي الأم، وقد مال إلى اختيار هذا التأويل المناوي في كتابه (فيض القدير) ، وقال: وهذا أولى من ادعاء أنه وارد على سبب خاص وواقعة معينة لا يجوز إجراؤه في غيره. انتهى. هذا ما يتعلق بمعنى هذا الحديث، وأما بخصوص أطفال المشركين فراجع في ذلك الفتوى رقم: 51768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(3/735)
الفرق بين القتل ظلما وغصب الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض, تجدون الرجلين جارين فى الأرض أو فى الدار, فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعا, إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين. رواه أحمد بإسناد حسن, والطبرانى فى الكبير. ويقول كذلك: من غصب رجلا أرضا ظلما لقى الله وهو عليه غضبان. رواه الطبرانى، كما يقول الله فى كتابه الكريم: من قتل مؤمنا متعمدا فهو فى جهنم خالدا فيها مخلدا ولقى الله وهو عليه غضبان، فهل معناها أن الذي قتل مؤمنا متعمدا مثل عقابه كالذي اغتصب أرضا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار، فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً، إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين. هو حديث حسن صحيح، صحيح النسبة إلى أحمد والطبراني. وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: من غصب رجلا أرضاً ظلما لقي الله وهو عليه غضبان. فإنه أيضاً حديث صحيح.
وأما ما جئت به بعد ذلك ونسبته إلى كتاب الله العزيز، فالظاهر أنك تقصد به قول الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، وعلى أية حال، فإن ذكر الغضب في كل من الآية الكريمة والحديث الشريف لا يفيد بالضرورة أن المعصيتين تستويان في الجزاء، ذلك أن قتل المؤمن ورد في جزائه دخول جهنم والخلود فيها، والغضب والعذاب العظيم، وغصب الأرض ورد فيه التطويق والغضب، مع أنه لو افترض تساوي المعصيتين فيما ذكر لهما من العقاب، فإن نوعية العقاب التي سيعامل بها الشخص قد لا تكون مطابقة تماماً لتلك التي يعامل بها غيره، فقد يكون الغضب عند هذا أشد منه عند ذاك، وقد تكون درجة العذاب أشد أو أخف ... ولا شك أن كلا من جريمة الغلول في الأرض وجريمة القتل ظلماً ذنب عظيم، ولكن جريمة القتل الظالم لا يمكن أن تعادلها أي جريمة أخرى دون الكفر بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1428(3/736)
معنى: ويل للأعقاب من النار
[السُّؤَالُ]
ـ[ويل للأدبار من النار. ماذا يعني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث لم يرد باللفظ الذي ذكرته، وإنما ورد في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بلفظ: رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضؤوا وهم عجال، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء. والْوَيْلُ هو الْحُزْنُ وَالْهَلَاكُ وَالْمَشَقَّةُ مِنْ الْعَذَابِ. وَالْأَعْقَابُ جَمْعُ عَقِبٍ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: مَعْنَاهُ وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلِهَا.
وقَالَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ: لَوْ كَانَ الْمَاسِحُ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ لَمَا تُوُعِّدَ بِالنَّارِ.
والمعنى أنه لا بد من غسل محل الفرض في القدمين كاملا، وهذا عندما تكون القدمان مكشوفتان، أما إذا كان عليهما خفان لبسا على طهارة فإن السنة الصحيحة قد وردت بإجزاء المسح عليهما، ففي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير، فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1428(3/737)
شرح حديث (أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى أو ما شرح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار. أرجو منكم شرح الحديث في أسرع وقت ممكن؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة والرواية التي في السؤال هي رواية البخاري ورواية الترمذي: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار. ففي الحديث وعيد لمن يرفع رأسه قبل رأس الإمام، ولكن اختلف أهل العلم في المعنى المراد من هذا الوعيد فقيل هو على ظاهره إذ لا مانع من جواز تحويل رأس من يفعل ذلك إلى رأس حمار، أو تحويل صورته إلى صورة حمار حقيقة، وقيل المراد به المبالغة في وصف من يفعل ذلك بالبلادة مثل الحمار، قال في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: اختلف في معنى هذا الوعيد؛ فقيل يحتمل أن يرجع إلى أمر معنوي، فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام، ويرجح هذا المجاز أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث أن ذلك يقع ولا بد، وإنما يدل على كون فاعله متعرضاً لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء قاله بن دقيق العيد، وقال بن بزيزة يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معاً.
وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من وقوع ذلك، بل يدل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة حديث أبي مالك الأشعري فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره يمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة، ويقوي حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد أن يحول الله رأسه رأس كلب فهذا يبعد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار، ومما يبعده أيضاً إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار، وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور، فلا يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليداً مع أن فعله المذكور إنما نشأ من البلادة. كذا في فتح الباري. قلت: القول الظاهر الراجح هو حمله على الظاهر، ولا حاجة إلى التأويل مع ما فيه مما ذكره الحافظ. انتهى هذا عن معنى الحديث.
أما عن حكم الرفع قبل الإمام فقد قال الحافظ بن حجر: وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام؛ لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، وبذلك جزم النووي في شرح المهذب، ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته. وعن ابن عمر تبطل. وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث، قال ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب. انتهى. وللمزيد من الفائدة ينظر الفتوى رقم: 32257.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(3/738)
شرح حديث: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو شرح الحديث التالي: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كلِّ خيرٍ، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ. أخرجه مسلم؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث من أدعية نبينا صلى الله عليه وسلم المأثورة ومن جوامع كلمه، وخلاصة القول فيه أنه تضمن الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فقد دعا أولاً بصلاح الدين الذي هو رأس الأمر وزمامه.. ثم دعا بصلاح الحال في الدنيا التي يعيش فيها وعليها يترتب المصير في الآخرة، ثم دعا بصلاح الآخرة التي إليها المصير والمعاد، ثم دعا الله تعالى أن تكون الحياة سبباً في زيادة الخير ورفع الدرجات، وأن يكون الموت -إذا حان الأجل- سبباً وخلاصاً من شرور الدنيا وآفاتها وأكدارها.. وبهذا يعلمنا صلى الله عليه وسلم كيف ندعو إذا دعونا، وأن ندعو بخيري الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {البقرة:201} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1428(3/739)
مفهوم حديث: إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص ملتزم ويصلي الصلوات بالمسجد ويفعل العبادات المأمور بها، لكنه يدخن، يدخن دون أن يراه أحد، أي يستتر بستر الله عليه،،،
فهل هذا الشخص يعد منافقا أم فاسقا أم ماذا؟؟
وهناك أحاديث عن المعاصي،،فمثلا قوله عليه الصلاة والسلام:كل أمتي معافى إلا المجاهرين
لكن في حديث آخر تجده عليه الصلاة والسلام يقول عن أناس يصلون وإلى آخره..لكن إذا اختلوا بحرمات الله انتهكوها،،فكيف نستطيع التوفيق بين الحديثين،،حيث في الحديث الأول يحث على عدم المجاهرة ويقول إنهم معافون،،والثاني يقول إنهم سوف يعاقبون؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التدخين محرم شرعا لما فيه من الإضرار بالنفس، وللحديث: لا ضرر ولا ضرار. وللقاعدة الأصولية التي ذكرها صاحب المراقي: وأصل كل ما يضر المنع.
ولكن استتار المدخن بتدخينه لا يجعله منافقا، فالشرع قد أمر بالتستر بالمعاصي مع حضه على تركها والتوبة منها، كما في الحديث: اجتنبو هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وقد منع الشرع المجاهرة بالذنب كما في الحديث الذي ذكر السائل وهو في الصحيحين. ومن حكمة ذلك أن المجاهر يضيف إلى ذنبه الذي عمله إظهار الفجور أمام الناس، وهذا قد يجر إلى اقتداء آخرين فيكون سن أمامهم سنة سيئة أو دعاهم، فإذا عملوا بذلك كان عليه وزرهم؛ كما في حديث مسلم.
وأما حديث ابن ماجه فيمن ينتهكون المحرمات في الخلوة فهو محمول على من يظهر زي الصالحين في الملأ وينتهك المحارم في الخلوة. وهذا الذي بوب عليه الهيتمي في الزواجر وأورد الحديث فيه، فمن كان يتظاهر بالطاعات ويستحيي من الناس، وإذا خلا وحده لم يراقب الله تعالى ولم يستحي منه، يُخاف عليه من هذا الوعيد، وأما من كان يعمل الطاعات مخلصا لله فيها وتضعف نفسه أحيانا فيغلبه هواه وشيطانه ويكتم معصيته عن الناس فنرجو ألا يكون داخلا في هذا الوعيد، هذا من ناحية العموم.
وعلى من كان يعرف شخصا بهذه الصفة أن يستره وأن يناصحه ويبين له الحكم، ويحذره من مضار التدخين التي حذر منها الأطباء، وأن يكثر سؤال الله أن يعينه على تركه، وأن يعترف له بما فيه من الخير، ولا يجعل خطأه في التدخين سببا للتشهير به ما دام مستترا به.
ونرجو الله تعالى أن يغفر له ويجعله ممن غلبت حسناتهم خطاياهم.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 1819، 38809، 47852، 9268، 29331، 59157.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1428(3/740)
هل يؤاخذ من أسلم بما عمل قبل إسلامه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أشاهد صلاة الفجر على قناة السعودية وكما تعلمون حفظكم الله أن مابين الأذان والإقامة تقوم القناة بتكليف مذيع بذكر بعض الأحاديث النبوية الشريفة فسمعت حديثا أن الصحابة سألوا رسول الله إن كانوا مؤاخذين بما فعلوا في الجاهلية أم لا فقال صلوات الله وسلامه عليه إن كان إسلامه حسنا (أولا أذكر الكلمة) فلا يؤاخذ وإن لا فيؤاخذ ... والحديث صحيح.
لكني كنت قد سمعت من أحد أصحابي أن رسول الله قال الإسلام يجب ما قبله أو التوبة تجب ما قبلها.
فكيف نسوي بين الحديثين وهل هما متعارضان أم هناك التباس من ناحية جهلي؟؟
أرجو الإجابة على السؤال بالتفصيل وإرسال رسالة على بريدي الالكتروني المرفق بالمعلومات عند الإجابة لإعلامي بأنه قد تم الإجابة.... واعذروني في هذا لأنه يصعب على أن أبحث عن الإجابة بنفسي.
شكرا لكم على كامل التعاون ورحابه الصدر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الأول الذي أشار إليه السائل هو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر. رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
وأما الحديث الثاني الذي أشار إليه السائل فهو حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله.. الحديث. رواه مسلم وأحمد في مسنده.
ولا تعارض بين الحديثين لأن معنى حديث ابن مسعود أن من أحسن في الإسلام أي دخل فيه دخولا حقيقيا فهذا إسلامه يهدم ما كان قبله، ومن أساء أي دخل فيه ظاهرا ولم يدخل فيه باطنا فهذا منافق يؤاخذ بالأول والآخر، فالمراد بالإحسان حقيقة الإسلام، والمراد بالإساءة النفاق. وهذا قول النووي رحمه الله، ونقله عن المحققين من العلماء وجزم به القرطبي.
وقال بعض العلماء المراد بالإحسان الموت على الإسلام فمن مات على الإسلام فقد أحسن إسلامه. والمراد بالإساءة في الإسلام الموت على الكفر والعياذ بالله فيرتد ويموت على الكفر وهذا يؤاخذ بالأول والآخر، وهذا الذي مال إليه الحافظ ابن حجر في الفتح.
وبهذا يعلم الأخ السائل أنه لا تعارض بين الحديثين وأن من أسلم إسلاما حقيقيا ظاهرا وباطنا ومات على ذلك فإن إسلامه يهدم ما كان قبله من الذنوب والسيئات، وهذا معنى حديث عمرو بن العاص. وأما من كفر بعد إيمانه ومات على الكفر أو أسلم نفاقا فهذا يؤاخذ بالأول والآخر، وهذا معنى حديث ابن مسعود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(3/741)
معنى: مصدق بالسحر
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يدخلون الجنة (مدمن الخمر- وقاطع رحم- ومصدق بالسحر) ما معنى مصدق بالسحر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المصدق بالسحر هو من يصدق الساحر فيما يقوله ويدعيه من الاطلاع على الغيب، ويدل لهذا ما روى البيهقي في السنن وأبو يعلى والبزار عن ابن مسعود قال: من أتى ساحراً أو كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وراجع في خطورة تصديق السحرة وإتيانهم الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17266، 54799، 62605، 8631.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1428(3/742)
شرح حديث (..ومن سخط فله السخط)
[السُّؤَالُ]
ـ["إذا أراد الله بعبد خيرا يصب منه"
يعني الخير كل الخير في البلاء
ويقول أيضا:
"....... ومن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط"
هل المقصود سخط الله على الساخط؟
وهل السخط ممحقة للخير المذكور في الحديث الأول؟
هل التذمر هو السخط؟
إذا كنت أجمع بين الفرحة بالجزاء العظيم للبلاء يوم القيامة إن شاء الله وبين التذمر لأنني تعبت ومللت حالتي هل أنا ساخط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بقوله: (ومن سخط فله السخط) أن من كره بلاء الله ولم يرض بقضائه فله السخط من الله تعالى والعذاب الأليم جزاء له على اعتراض القدر كذا قال المباركفوري في شرح الترمذي والمناوي في شرح الجامع الصغير.
ولا ينافي هذا مشروعية سؤال الله العافية، والتحرز من أسباب المرض والبلاء، والبحث عن الدواء والعلاج بعد حصول مرض ما.
فقد تداوى الرسول صلى الله عليه وسلم وأذن لأصحابه بالتداوي وكان يحض على سؤال الله العافية.
وقد نقل المناوي عن ابن جرير أن الأفضل لمن كان كثير الذنوب أن يصبر على البلاء حتى يمحص ويطهر من أثر الذنب.
واعلم أن التذمر المفيد لتسخط القدر ينافي الرضا بالقضاء. وأما إظهار التوجع من ألم أصاب العبد فلا حرج فيه، ولا حرج كذلك في الحديث مع الطبيب والمستشار عن ألم أو مرض أو مشكلة أصابتك، كما هو معلوم من هدي السلف، وقد بوب البخاري في الصحيح على ذلك.
وقد ذكر القرطبي أن العبد إنما كلف أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد.
وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور.
هذا، وننصح بالإكثار من سؤال الله العافية والتوبة الصادقة والإكثار من العمل الصالح حتى يتطهر من آثار المعاصي. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 71474، 61485، 28045، 31887، 68300.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1428(3/743)
شرح حديث (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ، فما هو تفسيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننقل لك ما جاء في فتح الباري على صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني عند شرح الحديث المسؤول عن معناه، قال: قوله: من كلام النبوة أي مما اتفق عليه الأنبياء، أي إنه مما ندب إليه الأنبياء ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم، لأنه أمر أطبقت عليه العقول. وزاد أبو داود وأحمد وغيرهما النبوة الأولى أي التي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم. قوله: فاصنع ما شئت هو أمر بمعنى الخبر. أو هو للتهديد أي اصنع ما شئت فإن الله يجزيك. أو معناه انظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحى منه فافعله وإن كان مما يستحى منه فدعه. أو المعنى إنك إذا لم تستح من الله من شيء يجب أن لا تستحي منه من أمر الدين فافعله ولا تبال بالخلق. أو المراد الحث على الحياء والتنويه بفضله أي لما لم يجز صنع جميع ما شئت لم يجز ترك الاستحياء. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1428(3/744)
الشفاعة الحسنة التي يؤجر عليها صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أنه يوجد هناك شفاعة حسنة وهناك شفاعة سيئة، فأرجو مثالا على ذلك، وما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا....... إلى آخر الحديث) وأرجو أن ترشدوني على مراجع حول الشفاعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشفاعة الحسنة هي التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الجاه والمروءات والمكانة الاجتماعية من أمته وحثهم عليها بقوله: اشفعوا تؤجروا، ويقضى الله على لسان نبيه ما شاء. رواه البخاري ومسلم. وبقوله: من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه. رواه مسلم.
فهي زكاة الجاه كما قال بعض الفضلاء، ومعناها: الوساطة في جلب الخير للمشفوع له أو درء الشر عنه بحق، ومثالها: أن يجد المسلم صاحب حق أو حاجة مشروعة لا يستطيع الوصول إليها إلا بوساطة فيتوسط له أو يسعى معه حتى يحصل على حقه أو يصل إلى حاجته ... وأما الشفاعة السيئة فهي الوساطة لدفع الحق ورده أو السعي في حصول الباطل أو إقراره.. ومن أمثلتها قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة رضي الله عنه: أتشفع في حدّ من حدود الله؟. متفق عليه، فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة شفاعته لامرأة سرقت، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحد، ولو كانت الشفاعة في حق لما أنكر عليه ذلك.
وبهذا تعلم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: اشفعوا تؤجروا.... ويمكنك أن تطلع على المزيد عن الشفاعة في تفسير القرطبي وغيره عند قول الله تعالى: مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ... {النساء:85} ، وفي فتح الباري وشرح النووي على مسلم عند الحديث المذكور، كما يمكنك أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74191، 18320، 76374.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1428(3/745)
شرح حديث (..الناس معادن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو شرح هذا الجزء من الحديث: الناس معادن. وما هي الدروس المستفادة منه وما هي علاقته بالفتنة أو الابتلاء؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اللفظ (الناس معادن) جزء من حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه. ومعنى هذا اللفظ كما ذكر -الحافظ ابن حجر - في كتابه فتح الباري من قوله: قوله: "تجدون الناس معادن" أي أصولا مختلفة، والمعادن جمع معدن، وهو الشيء المستقر في الأرض، فتارة يكون نفيساً وتارة يكون خسيسا، وكذلك الناس. انتهى.
ومما يستفاد منه ما ذكره - المناوي - في كتابه فيض القدير نقلا عن الرافعي قوله: وجه الشبه أن اختلاف الناس في الغرائز والطبائع كاختلاف المعادن في الجواهر، وأن رسوخ الاختلاف في النفوس كرسوخ عروق المعادن فيها، وأن المعادن كما أن منه ما لا تتغير صفته فكذا صفة الشرف لا تتغير في ذاتها، بل من كان شريفاً في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس، فإن أسلم استمر شرفه فكان أشرف من أسلم من المشروفين في الجاهلية، ثم لما أطلق الحكم خصه بقوله (إذا فقهوا) بضم القاف على الأجود ذكره أبو البقاء أي صاروا فقهاء ففيه إشارة إلى أن نوع الإنسان إنما يتميز عن بقية الحيوان بالعلم، وأن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالفقه، وأنه الفضيلة العظمى والنعمة الكبرى. انتهى، ولم تظهر علاقة هذا الحديث بأمر الفتنة والابتلاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1428(3/746)
معنى: فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن اسأل عن معنى قوله تعالي "ورتل القرآن ترتيلا" وهل معني كلمة "ترتيل" أننا نتغنى بالقرآن، وماذا عن من لا يستطيع التغني به ويقرأ قراءة عادية وعن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يوم القيامة يقول لنا اقرا ورتل كما كنت ترتل في الدنيا وإن منزلتك عند آخر آيه قرأتها، وهل معنى ذلك أنني لو كانت آخر آية قرأتها هي قوله تعالى"ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" هل هي ما سأقرؤها والله أعلم، فأرجو أن تكونوا تفهمتم سؤالي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ترتيل القرآن معناه -كما قال أهل العلم- قراءته بتؤدة وطمأنينة مع تدبر معانيه ومراعاة أحكام تجويده والمحافظة عليها. والترتيل عند علماء القراءة مرتبة من مراتب التلاوة الثلاثة وهي: الترتيل والتدوير والحدر، وأفضلها الترتيل وهو ما أشار إليه القرآن الكريم، كما قال الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {المزمل:4} ، لذلك أكّد الأمر به بالمصدر وهو (ترتيلا) .
ولا يتحقق الترتيل إلا بتطبيق أحكام التجويد المستمدة من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ثبتت عنه بالنقل المتواتر والأحاديث الصحيحة دون إفراط ولا تفريط.
وأما التغني بالقرآن فمعناه تحسين الصوت به من غير تكلف ولا تعسف.. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: زينوا القرآن بأصواتكم. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يتغن بالقرآن. رواه البخاري وغيره.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل ... الحديث. فهو صحيح كما قال الترمذي وغيره، ومعناه كما في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: ... جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الآخرة، ومن قرأ جزءاً منه كان رقيه في الدرج على ذلك، فيكون منتهى الثواب على منتهى القراءة. وعلى ذلك فإن درجة كل قارئ ومنزلته في الجنة تكون عند آخر آية يقرؤها ولو كانت من أول المصحف وآخره أو وسطه، وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14628، 1018، 55730.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1428(3/747)
شرح: اللهم إني أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اللهم إني أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى اللهم: يا الله، ومعنى أعوذ: اعتصم وألوذ، والناصية: مقدمة الرأس، فهو سبحانه وتعالى ملجأ وملاذ من استعاذ به، وتوكل عليه، وهو الحافظ له من شر المخلوقات كلها، لأنه المالك لها والآخذ بنواصيها والمتصرف فيها بما يشاء فيوجهها حيث يشاء ويمنعها مما يشاء، وراجع تفسير القرطبي وشرح النووي لمسلم وشرح المباركفوري للترمذي، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 13977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1428(3/748)
شرح حديث (في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف)
[السُّؤَالُ]
ـ[يرجي إيضاح معنى الخسف والمسخ والقذف على وجه الدقة؟ جزاكم الله خيرأ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل يسأل عن حديث عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين: يارسول الله ومتى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور. رواه الترمذي وصححه الألباني.
والقذف الرمي بحجارة من السماء، ومعنى الخسف والمسخ أن يخسف الله بهم الأرض ويمسخهم قردة وخنازير. وراجع إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان لابن القيم، وتحفة الأحوذي للمباركفوري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1428(3/749)
المقصود بالدرجة التي يرفع بها المسلم بخطواته إلى الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود برفع الدرجة على سبيل المثال في كل خطوة يخطوها المسلم إلى المسجد تكتب له حسنة وتحط عنه خطيئة ويرتفع بها درجة. وفي السجود كذلك فما المقصود بالدرجة؟ أهي أن ترتفع درجته في الجنة إلى أن يصل درجة الفردوس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالدرجة التي ترفع للمسلم بسبب مشيه إلى المسجد أو بسبب السجود لله تعالى هو مزيد ثواب من الله تعالى وهو وحده العالم بقدره، ولا يمكن للإنسان التعرف على كميته لأنه ثواب معنوي غير محسوس.
ففي فيض القدير للمناوي:
صلاة الفَذّ - بفتح الفاء وشد الذال المعجمة - الفرد أي تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة أي مرتبة. والمعنى أن صلاة الواحد في جماعة يزيد ثوابها على ثواب صلاته وحده سبعا وعشرين ضعفا وقيل: المعنى إن صلاة الجماعة بمثابة سبع وعشرين صلاة. وعلى الأول كأن الصلاتين انتهتا إلى مرتبة من الثواب فوقفت صلاة الفذ عندها وتجاوزتها صلاة الجماعة بسبع وعشرين ضعفا. انتهى.
وهذا الثواب قد يرتفع بالمسلم حتى يصل إلى الفردوس الأعلى من الجنة، فرحمة الله تعالى واسعة، وفضله لا يتعاظمه شيء، والفردوس قد يفوز به المسلم بفعله بعض الأعمال الصالحة كالدعاء مثلا حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن يسأل الله الجنة فليسأله الفردوس الأعلى، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، وراجع الفتوى رقم: 61088، وللمزيد راجع الفتوى رقم: 5151، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 35266، والفتوى رقم: 19417.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1428(3/750)
شرح حديث لم ير للمتحابين مثل النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد من حضرتكم أن توضحوا معنى الحديث التالي وما المقصود منه (ليس للمتحابين غير النكاح) ؟
أرجو الإجابة سريعا. وجزيتم قربة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ الحديث الذي تسألين عنه هو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لم ير للمتحابين مثل النكاح. ورواه البيهقي بلفظ: ما رأيت للمتحابين مثل النكاح، ونحيلك في شرحه إلى فتوانا رقم: 46917.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1428(3/751)
وجه تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بالنخلة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو لماذا شبه الرسول صلى الله عليه وسلم الإنسان بالنخلة؟ وما أوجه التشابه؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البواد، ي قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: هي النخلة. قال فذكرت ذلك لعمر، قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا. اهـ
ووجه الشبه بيان بركتها، وكثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام، وكون أَصْلهَا ثَابِتا وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء، وعدم سقوط شيء منها لا يستفاد به، تشبيها ببركة المسلم، واستجابة دعائه، وثبات الايمان في قلبه، وكثرة عمله الصالحات.
قال النووي في شرح مسلم في بيان وجه التشبيه:
قال العلماء: وشبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأواني وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها وينتفع به علفا للإبل، ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخير وجمال، كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك، فهذا هو الصحيح في وجه التشبيه، قيل وجه الشبه أنه إذا قطع رأسها ماتت بخلاف باقي الشجر وقيل لأنها لا تحمل حتى تلقح. والله أعلم.
وقال ابن حجر في الفتح: وَوَجْه الشَّبَه بَيْن النَّخْلَة وَالْمُسْلِم مِنْ جِهَة عَدَم سُقُوط الْوَرَق مَا رَوَاهُ الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عُمَر وَلَفْظه " قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم فَقَالَ: إِنَّ مِثْل الْمُؤْمِن كَمِثْلِ شَجَرَة لَا تَسْقُط لَهَا أُنْمُلَة، أَتَدْرُونَ مَا هِيَ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: هِيَ النَّخْلَة، لَا تَسْقُط لَهَا أُنْمُلَة، وَلَا تَسْقُط لِمُؤْمِنٍ دَعْوَة ". وَوَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي الْأَطْعِمَة مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ " بَيْنَا نَحْنُ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارٍ، فَقَالَ: إِنَّ مِنْ الشَّجَر لَمَا بَرَكَته كَبَرَكَةِ الْمُسْلِم " وَهَذَا أَعَمّ مِنْ الَّذِي قَبْله، وَبَرَكَة النَّخْلَة مَوْجُودَة فِي جَمِيع أَجْزَائِهَا، مُسْتَمِرَّة فِي جَمِيع أَحْوَالهَا، فَمِنْ حِين تَطْلُع إِلَى أَنْ تَيْبَس تُؤْكَل أَنْوَاعًا، ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ يُنْتَفَع بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، حَتَّى النَّوَى فِي عَلْف الدَّوَابّ وَاللِّيف فِي الْحِبَال وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفي، وَكَذَلِكَ بَرَكَة الْمُسْلِم عَامَّة فِي جَمِيع الْأَحْوَال، وَنَفْعه مُسْتَمِرّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى بَعْد مَوْته. وَوَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي التَّفْسِير مِنْ طَرِيق نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ " كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِم لَا يَتَحَاتّ وَرَقهَا وَلَا وَلَا وَلَا " كَذَا ذَكَرَ النَّفْي ثَلَاث مَرَّات عَلَى طَرِيق الِاكْتِفَاء، فَقِيلَ فِي تَفْسِيره: وَلَا يَنْقَطِع ثَمَرهَا وَلَا يُعْدَم فَيْؤُهَا وَلَا يَبْطُل نَفْعهَا......
وَوَقَعَ عِنْد اِبْن حِبَّان مِنْ رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ يُخْبِرنِي عَنْ شَجَرَة مِثْلهَا مِثْل الْمُؤْمِن، أَصْلهَا ثَابِت وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء؟ فَذَكَرَ الْحَدِيث. وَهُوَ يُؤَيِّد رِوَايَة الْبَزَّار، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فَوَقَعَ التَّشْبِيه بَيْنهمَا مِنْ جِهَة أَنَّ أَصْل دِين الْمُسْلِم ثَابِت، وَأَنَّ مَا يَصْدُر عَنْهُ مِنْ الْعُلُوم وَالْخَيْر قُوت لِلْأَرْوَاحِ مُسْتَطَاب، وَأَنَّهُ لَا يَزَال مَسْتُورًا بِدِينِهِ، وَأَنَّهُ يُنْتَفَع بِكُلِّ مَا يَصْدُر عَنْهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، اِنْتَهَى. وَقَالَ غَيْره: وَالْمُرَاد بِكَوْنِ فَرْع الْمُؤْمِن فِي السَّمَاء رَفْع عَمَله وَقَبُوله، وَرَوَى الْبَزَّار أَيْضًا مِنْ طَرِيق سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِثْل الْمُؤْمِن مِثْل النَّخْلَة، مَا أَتَاك مِنْهَا نَفَعَك " هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَاده صَحِيح، وَقَدْ أَفْصَحَ بِالْمَقْصُودِ بِأَوْجَز عِبَارَة. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَوْقِع التَّشْبِيه بَيْن الْمُسْلِم وَالنَّخْلَة مِنْ جِهَة كَوْن النَّخْلَة إِذَا قُطِعَ رَأْسهَا مَاتَتْ، أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِل حَتَّى تُلَقَّحَ، أَوْ لِأَنَّهَا تَمُوت إِذَا غَرِقَتْ، أَوْ لِأَنَّ لِطَلْعِهَا رَائِحَة مَنِيّ الْآدَمِيّ، أَوْ لِأَنَّهَا تَعْشَق، أَوْ لِأَنَّهَا تَشْرَب مِنْ أَعْلَاهَا، فَكُلّهَا أَوْجُه ضَعِيفَة؛ لِأَنَّ جَمِيع ذَلِكَ مِنْ الْمُشَابِهَات مُشْتَرِك فِي الْآدَمِيِّينَ لَا يَخْتَصّ بِالْمُسْلِمِ، وَأَضْعَف مِنْ ذَلِكَ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَة طِين آدَم فَإِنَّ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ لَمْ يَثْبُت.
وَاَللَّه أَعْلَم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1428(3/752)
الجمع بين حديث (إنما الأعمال بالنيات..) وحديث (إن الله تجاوز..)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الجمع بين حديث إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمريء ما نوي وبين الحديث إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل.
شاكر لكم وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجمع بين الحديثين واضح، ذلك أن حديث: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، هو تركيب يفيد الحصر ومعناه كل عمل بنية، فلا عمل إلا بنية.
والنية هي القصد، أي عزيمة القلب أو انبعاث القلب نحو ما يريده العبد من جلب نفع أو دفع مضرة. يقول القرطبي: قوله صلى الله عليه وسلم: إنما لكل امرئ ما نوى فيه تحقيق لاشتراط النية، والإخلاص في الأعمال" ...
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" فقد ذكر كثير من أهل العلم أنه محمول على ما لم يستقر في القلب.
قال الإمام النووي في كتابه الأذكار: فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه.
مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم فإنه ليس على إطلاقه، فقد قال الإمام المازري رحمه الله: مذهب القاضي أبي بكر بن الطيب: أن من عزم على المعصية ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه، ويحمل ما وقع من ذلك في هذه الأحاديث وأمثالها على أن ذلك فيمن لم يوطن نفسه على المعصية. وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر، للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1428(3/753)
معنى قول النبي: تيسير رحمها
[السُّؤَالُ]
ـ[85785- إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها
الراوي: عائشة. خلاصة الدرجة: حسن، المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 2235، فما معني (تيسير رحمها) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قال الإمام المناوي في فيض القدير: (وتيسير رحمها) أي: للولادة بأن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل، قاله عروة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1428(3/754)
معنى: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق يعمل طبيباً وينكر دخول الجن في جسم ابن آدم , وقال إن الحديث: إن الشيطان يجري من أحدكم مجري الدم، تشبيه مجازي المعنى.
أريد حديثا آخر أكثر وضوحاً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي صحيح البخاري ومسلم عن صفية رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وقد حمل بعض العلماء هذا على حقيقته وهو الصحيح، فقد استدل كثير من العلماء بهذا الحديث على تلبس الجني بالمصروع، وحمله آخرون على الاستعارة، أي بالوسوسة والإغواء.
قال العيني في عمدة القاري: قيل هو على ظاهره وأن الله عز وجل جعل له قوة على ذلك، وقيل هو على الاستعارة لكثرة أعوانه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دم، وقيل إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل الوسوسة إلى القلب. .. ومثل هذا في فتح الباري وفي الديباج وشرح النووي على مسلم وفي عون المعبود ...
فبان مما ذكر أن ما قاله صديقك قد سبقه إلى القول به بعض العلماء، ولو وجد في المسألة حديث قطعي الدلالة لما ساغ فيها الخلاف بين أهل العلم.
لكن الصحيح الذي مال إليه أكثر أهل العلم هو دخول الشيطان جسم ابن آدم، وشواهد الواقع وظواهر النصوص متضافرة على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(3/755)
هل تحرم الكاسيات العاريات من الجنة مطلقا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أوفق بين هذين الحديثين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. الأول قوله من قال لا إله إلا الله دخل الجنة والثاني عندما قال صنفين من أهل النار لم أرهما بعد وذكر منهم نساء كاسيات عاريات وذكر في آخر وصفهم أنهم لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وأعتذر لأني اختصرت الأحاديث وأرجو الإفادة والتفصيل من حضرتكم كما أني أود أن أعلم أني هل أأثم في هذه الأسئلة؟ أرجو الإسراع بالإجابة لأني محتاج لها كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال عن التوفيق بين الحديثين لا إثم فيه؛ لأنه من السؤال عن العلم النافع. وأما التوفيق بينهما فقد قال ابن عبد البر في التمهيد عند الكلام على حديث الكاسيات العاريات:
وأما قوله: لا يدخلن الجنة. فهذا عندي محمول على المشيئة، وإن هذا جزاؤهن، فإن عفا الله عنهن فهو أهل العفو والمغفرة لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
وقال النووي في شرح مسلم:
قوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن الجنة. يتأول بتأويلين أحدهما: أنه محمول على من استحلت حراما من ذلك مع علمها بتحريمه، فتكون كافرة مخلدة في النار لا تدخل الجنة أبدا، والثاني: يحمل على أنها لا تدخلها أول الأمر مع الفائزين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1427(3/756)
معنى "ليس منا من خبب امرأة على زوجها.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث الشريف: ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبدا على سيده. رواه أحمد وأبو داود.
أمي كانت تحرضني دائما على ترك زوجي لعدم قدرته على الإنجاب إلى أن تسببت بمشاكل كبيرة بيني وبينه وانتهت بالطلاق فما حكم الشرع بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتخبيب المرأة على زوجها إفسادها عليه بإغرائها بطلب الطلاق ونحو ذلك، وكذا تخبيب العبد على سيده إفساده عليه بإغرائه بالهروب مثلا، وكلا الفعلين محرم وعدهما بعض أهل العلم في كبائر الذنوب كما فعل ابن حجر الهيتمي في كتابه: الزواجر عن اقتراف الكبائر.
وإن ثبت عن أمك ما ذكرت من تحريضها لك على مفارقة زوجك فقد أساءت بذلك وأتت نوعا من التخبيب وهو فعل يجب عليها التوبة منه، وننبه إلى أن حق الأم على ولدها في البر والاحسان لا يسقط بصدور مثل هذه الإساءة منها نحوه، وتراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 3459.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(3/757)
لماذا فقأ موسى عين ملك الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثا وقال لي زميلي أنه في صحيح البخاري، فيما معناه أن ملك الموت حضر إلى سيدنا موسى ففقأ سيدنا موسى عينه ورفض الموت في ذلك الوقت، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما كما رواه غيرهما، ولفظه عن أبي هريرة قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر.
قال العلماء: أنكر هذا الحديث بعض المبتدعة وقالوا: إن كان موسى عرفه فقد استخفَّ به، وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له منه؟.
والجواب: أن الله تعالى لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختباراً، وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدمياً دخل داره بدون إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشرع فقأ عين الناظر في دار المسلم بغير إذن.
وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول، ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه.
وقالوا: إن موسى دفعه عن نفسه لما رُكِّب فيه من الحدة، وأن الله تعالى رد عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاء من عند الله فلهذا استسلم حينئذ، وقالوا: لا يمتنع أن يأذن الله لموسى في هذه اللطمة امتحاناً للملطوم ... إلى غير ذلك من الأجوبة التي ذكروها. انتهى ملخصاً من شرح فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1427(3/758)
معنى ".. وفرقوا بينهم في المضاجع"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسيرا لجملة " فرقوا بينهم في المضاجع " في الحديث النبوي، علما بأن الحديث نص على 10 سنوات ومن المعروف أن المرأة قد تبلغ في 9 سنوات، وهل المقصود التفريق بين ذوات الجنس الواحد أم ماذا. ولكم الشكر والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه جزء من حديث رواه أبو داود وغيره ولفظه: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
وقد جاء في الفتوى رقم: 62056، تفصيل معنى التفرقة المأمور بها في الحديث، كما يتضح أيضا من هذه الفتوى أن التفرقة المذكورة تشمل الجنس الواحد كالابن مع جنسه من البنين أو البنت مع جنسها من البنات، أما بشأن البنت مع الذكور فمن باب أولى، وللمزيد راجع الفتوى رقم: 23210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1427(3/759)
ضوء على حديث "تجدون شر الناس ذا الوجهين.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث: إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه؟
بارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما، قال أهل العلم: ووصف ذي الوجهين بكونه شر الناس أو من شر الناس مبالغة في شره، والأولى حمل الناس على العموم فهو أبلغ في الذم. ولذلك جاء في رواية: من شر خلق الله ذو الوجهين. وإنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق؛ إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس.
وذو الوجهين هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة، وأما من قصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود، والفرق بينهما أن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذم كل طائفة عند الأخرى، والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل إليها ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح. ويؤيد هذه التفرقة ما جاء في رواية الإسماعيلي: الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء.
هذا مختصر معنى الحديث كما ذكره الحافظ في الفتح ونقله عن النووي وغيره من أهل العلم، وتمام الحديث كما في البخاري: تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه. وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 19692، 53295.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1427(3/760)
معنى "لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.... هل هناك حديث بهذا المعنى، وهل يخلو قلب من ذرة من إيمان؟
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الترمذي وغيره من حديث علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار يعني من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ... الحديث.
قال الترمذي: وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث: لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان إنما معناه لا يخلد في النار ... وقد فسر غير واحد من التابعين هذه الآية: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ فقال: من تخلد في النار فقد أخزيته.
وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني.
والمقصود بالإيمان التصديق بوجود الله وبصدق رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا المعنى خالية منه قلوب جميع الكفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1427(3/761)
معنى "من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث الشريف (من صلى الضحى 4 وقبل الأولى 4 بنى الله له بيتا في الجنة) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا بني له بيت في الجنة. وفي رواية: بنى الله له بيتا في الجنة. رواه الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فالقطعة الأولى من الحديث واضحة وهي: من صلى الضحى أربعا، وأما قوله: وقبل الأولى أربعا، أي وصلى قبل الصلاة الأولى وهي صلاة الظهر. قال المناوي في فيض القدير: الظاهر أن المراد بقوله: وقبل الأولى الظهر فإنها أول الصلوات المفروضة في ليلة الإسراء، وهي أول الفرائض المفعولة في الضحى. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(3/762)
شرح حديث (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)
[السُّؤَالُ]
ـ[شرح الحديث التالي: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن فاطمة عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثني محمد بن المثنى حدثني يحيى عن هشام حدثتني فاطمة عن أسماء أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور. رواه البخاري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال النووي في شرح مسلم عند شرح هذا الحديث: قال العلماء معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده يتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل فهو مذموم كما يذم من لبس ثوبي زور قال أبو عبيد وآخرون هو الذي يلبس ثياب أهل الزهد والعبادة والورع ومقصوده أن يظهر الناس أنه متصف بتلك الصفة ويظهر من التخشع والزهد أكثر مما في قلبه فهذه ثياب زور ورياء، وقيل هو كمن لبس ثوبين لغيره وأوهم أنهما له، وقيل هو من يلبس قميصاً واحداً ويصل بكميه كمين آخرين فيظهر أن عليه قميصين، وحكى الخطابي قولاً آخر أن المراد هنا بالثوب الحالة والمذهب والعرب تكنى بالثوب عن حال لابسه ومعناه أنه كالكاذب القائل ما لم يكن، وقولاً آخر أن المراد الرجل الذي تطلب منه شهادة زور فيلبس ثوبين يتجمل بهما فلا ترد شهادته لحسن هيئته. والله أعلم. انتهى.
وقال ابن حجر في الفتح: قوله المتشبع أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعى من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها، وكذلك هذا في الرجال قال: وأما قوله: كلابس ثوبي زور فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد يوهم أنه منهم ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه قال وفيه وجه آخر أن يكون المراد بالثياب الأنفس كقولهم فلان نقي الثوب إذا كان بريئاً من الدنس وفلان دنس الثوب إذا كان مغموصاً عليه في دينه، وقال الخطابي: الثوب مثل ومعناه أنه صاحب زور وكذب، كما يقال لمن وصف بالبراءة من الأدناس طاهر الثوب والمراد به نفس الرجل، وقال أبو سعيد الضرير: المراد به أن شاهد الزور قد يستعير ثوبين يتجمل بهما ليوهم أنه مقبول الشهادة. اهـ، وهذا ونقله الخطابي عن نعيم بن حماد قال: كان يكون في الحي الرجل له هيئة وشارة فإذا احتيج إلى شهادة زور ليس ثوبيه وأقبل فشهد فقبل لنبل هيئته وحسن ثوبيه فيقال أمضاها بثوبيه يعني الشهادة فأضيف الزور إليهما فقيل كلابس ثوبي زور، وأما حكم التثنية في قوله ثوبي زور فللإشارة إلى أن كذب المتحلي مثنى لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ وعلى غيره بما لم يعط وكذلك شاهد الزور يظلم نفسه ويظلم المشهود عليه وقال الداودي في التثنية إشارة إلى أنه كالذي قال الزور مرتين مبالغة في التحذير من ذلك وقيل إن بعضهم كان يجعل في الكم كما آخر يوهم أن الثوب ثوبان قال ابن المنير قلت ونحو ذلك ما في زماننا هذا فيما يعمل في الأطواق والمعنى الأول أليق وقال ابن التين هو أن يلبس ثوبي وديعة أوعارية يظن الناس أنهما له ولباسهما لا يدوم ويفتضح بكذبه وأراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت خوفاً من الفساد بين زوجها وضرتها ويورث بينهما البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه، وقال الزمخشري في الفائق المتشبع: أي المتشبه بالشبعان وليس به واستعير للتحلي بفضيلة لم يرزقها وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور وهو الذي يتزيا بزي أهل الصلاح رياء وأضاف الثوبين إليه لأنهما كالملبوسين وأراد بالتثنية أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالآخر كما قيل إذا هو بالمجد ارتدى وتأزراً فالإشارة بالإزار والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه، ويحتمل أن تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان فقدان ما يتشبع به وإظهار الباطل، وقال المطرزي: هو الذي يرى أنه شبعان وليس كذلك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(3/763)
شرح حديث "فإذا سبق ماء الرجل.."
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت عن حديث لرسول الله صى الله عليه وسلم (بما معناه) أنه إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة يكون الناتج ولد، فهل هذا صحيح (جزاكم الله خيرا) ، وإذا كان صحيحا فأرجو شرح الحديث أكثر لأني لم أفهم كيف يسبق ماء الرجل المرأة، والمعروف أن ماء المرأة أسرع من ماء الرجل؟؟ وما هي الطريقة لكي يستطيع الرجل أن يسبق المرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن أنس رضي الله عنه قال: بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟.................... وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها، قال: أشهد أنك رسول الله. وفي مسند أحمد من حديث ابن عباس وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للجماعة من اليهود حين جاؤوه: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان الولد والشبه بإذن الله، إن علا ماء الرجل على ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة على ماء الرجل كان أنثى بإذن الله قالوا: نعم.
وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله. وقد شرح الحافظ ابن حجر هذه الأحاديث وجمع بينها في فتح الباري فقال: قوله (فإذا سبق ماء الرجل) وفي رواية الفزاري: فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه. قوله: نزع الولد.... ووقع عند مسلم من حديث عائشة: إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله، ونحوه للبزار عن ابن مسعود وفيه: ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما أعلى كان الشبه له، والمراد بالعلو هنا السبق لأن كل من سبق فقد علا شأنه فهو علو معنوي، وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان رفعه: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله. فهو مشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل ويكون ذكرا لا أنثى وعكسه، والمشاهد خلاف ذلك لأنه قد يكون ذكرا ويشبه أخواله لا أعمامه وعكسه، قال القرطبي: يتعين تأويل حديث ثوبان بأن المراد بالعلو السبق، قلت: والذي يظهر ما قدمته وهو تأويل العلو في حديث عائشة، وأما حديث ثوبان فيبقى العلو فيه على ظاهره فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث، والعلو علامة الشبه فيرتفع الإشكال، وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة بحيث يصير الآخر مغمورا فيه فبذلك يحصل الشبه، وينقسم ذلك ستة أقسام: الأول أن يسبق ماء الرجل ويكون أكثر فيحصل له الذكورة والشبه، والثاني عكسه، والثالث: أن يسبق ماء الرجل ويكون ماء المرأة أكثر فتحصل الذكورة والشبه للمرأة، والرابع عكسه، والخامس أن يسبق ماء الرجل ويستويان فيذكر ولا يختص بشبه، والسادس عكسه. اهـ.
وبهذا يعلم أن قول السائل (والمعروف أن ماء المرأة أسرع من ماء الرجل) إذا كان المقصود منه أن ماء المرأة هو الذي يسبق دائما فهو غير صحيح، وأما الإسراع في الإنزال فيرجع إلى رغبة الرجل في ذلك، ولكن لا يلزم منه أن يسبق، فقد يسرع الرجل ويسبق ماؤه ماء المرأة، وقد يسرع وتكون المرأة أسرع منه فيسبق ماؤها ماءه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1427(3/764)
معنى حديث البغي التي سقت الكلب
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم دخلت امرأة طاغية الجنة لكونها سقت كلبا، السوؤال الموجه هو هل المرأة دخلت الجنة بهذا العمل أم وفقها الله للهداية والتوبة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا يا رسول الله: وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر. وفي حديث آخر في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة مرفوعا: بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به.
والظاهر من هذه الأحاديث أن الله تعالى غفر لهما بهذا الفعل الذي ينم عن الشفقة والرحمة التي هي سبب من أسباب رحمة الله تعالى لمن تخلق بها.
فقد روى الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
وقال الحافظ في الفتح: فشكر الله له فغفر له: أي أثنى عليه وقبل عمله وجازاه بفعله. فالفاء تفسيرية، وقال القرطبي: فشكر الله له: أي أظهر ما جازاه به عند ملائكته فأدخله الجنة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقا على قصة هذه المرأة: فهذا لما حصل في قلبها من حسن النية والرحمة إذ ذاك..
ولا مانع أن يكون وفقها للتوبة والهداية، ولكن الأحاديث لم تذكر ذلك؛ وإنما ذكرت أن الله تعالى غفر لها بسبب هذا الفعل، والمقطوع به هو أن الله تعالى وفقها لهذا العمل الصالح الذي غفر لها بسببه، والله تعالى يغفر الذنوب جميعا ما لم تكن شركا؛ كما بين ذلك في محكم كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1427(3/765)
المقصود بقهر الرجال وكيفية التغلب عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو قهر الرجال الذي تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هي الطرق العملية (مفصلة إذا سمحتم) للتغلب عليه إذا وقع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 51875، 31768، 61490، 57129، 69805.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1427(3/766)
شرح حديث (..وصلوا الذي بينكم وبينه بكثرة ذكركم إياه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سماحة الشيوخ الكرام
شهر مبارك وكل عام وأنتم بخير ,
سماحة الشيوخ الكرام: أرجو منكم التكرم بإعطائي شرحا عن الحديث الضعيف عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم جمعة فقال: (توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الزاكية قبل أن تشغلوا , وصلوا الذي بينكم وبينه بكثرة ذكركم إياه) (مؤسسة الشهاب, مؤسسة الرسالة , 1 / 420) .
ما تفسير وصلوا الذي بينكم وبينه , (ما المقصود صلوا) (من المقصودون هنا؟ , أعني بين معنى بكثرة ذكركم إياه (ما المقصود بالذكر هنا (ومن المقصود إياه) ، والحديث ورد بألفاظ مختلفة , وفي شرح سنن أبن ماجه للسندي (الذي بينكم وبين ربكم) أي حق الله الذي عليكم.
أفتونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث ضعيف كما ذكرت، فقد ضعفه الكناني في مصباح الزجاجة كما ضعفه الألباني في عدة من كتبه وضعفه حسين أسد في تحقيق مسند أبي يعلى.
وعلى احتمال ثبوت الحديث فالمقصود هو أداء حق الله والالتزام بأمره تعالى والقيام به على أتم وجه، فقد حمل بعض المفسرين ومنهم القرطبي والشوكاني قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ على العمل بالطاعات كلها. قال الشوكاني: ظاهره شمول كل ما أمر الله بصلته ونهى عن قطعه من حقوق الله وحقوق عباده، ويدخل تحت ذلك صلة الأرحام دخولا أوليا، وقد قصره كثير من المفسرين على صلة الرحم، واللفظ أوسع من ذلك.
وفي معنى هذا ما في الحديث من الأمر بتجديد الإيمان بذكر الله، وراجع الفتوى رقم: 62743، والفتوى رقم: 69905، والمقصود بقوله إياه هو الله سبحانه وتعالى، وراجع في معنى الذكر وبيان إطلاقه على الطاعات كلها، الفتوى رقم: 37130، والفتوى رقم: 27148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1427(3/767)
شرح حديث (..وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تفسير حديث الـ 73 فرقة، وفرقة واحدة هي الناجية يمكن أن يفسر على هذا الوجه، الإشكال في سوء فهم الكثيرين لمعناه فكلمة الأمة في الحديث: ستفترق أمتي ... تعني أمة التبليغ لا أمة الاستجابة، وأمة التبليغ كل الناس الذين يملؤون رحب الأرض بعد بعثة رسول الله، ومن المعلوم أنهم ينتمون إلى مذاهب وأديان شتى، والإسلام واحد منها، وعلى هذا فالمسلمون على اختلاف فرقهم ومذاهبهم هم الفرقة الواحدة الناجية؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وذكر بعض أهل العلم أن المراد بالأمة فيه أمة الدعوة لا أمة الإجابة يعني أن الأمة التي دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان بالله والإقرار بوحدانيته هي المفترقة إلى تلك الفرق، وأن أمة الإجابة هي الفرقة الناجية يريد بها من آمن بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد استحسن الصنعاني هذا التفسير، لكن الحديث نص على أن الأمة ستفترق، وهذا يعني أنه حديث عن المستقبل، وهذا لا يتلاءم مع كون المراد أمة الدعوة، فهي مفترقة في زمنه صلى الله عليه وسلم، أضف إلى ذلك مقارنتهم باليهود والنصارى، في قوله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة. ومعلوم أن اليهود والنصارى هم من أمة الدعوة، فلم يبق إلا أن المقصود أمة الإجابة فقط، وللفائدة راجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12682، 61082، 73162.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1427(3/768)
شرح حديث (أكثر من يموت من أمتي..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثاً أخرجه البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم (أكثر من يموت من أمتى بعد قضاء الله وقدره بالأنفس) ، لكنني لم أفهمه حبذا لو قمتم بشرحه لنا؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي تسأل عنه قد رواه بعض أهل العلم بلفظ: أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين. كما أن بعض من رووه بالصيغة التي أوردتها أنت: أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس، قال يعني بالعين. وقال الزرقاني في شرح موطأ الإمام مالك معلقاً على هذا الحديث: وفيه إثبات القدر وصحة أمر العين وأنها قوية الضرر ... والكلمة الوحيدة التي تحتاج إلى الشرح في هذا الحديث هي كلمة (الأنفس) ونظن أن هذا القدر كاف في شرحها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1427(3/769)
شرح حديث (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده..)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سنن أبي داود بالسند الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا سمعتم النداء والإناء على يد أحدكم فلا يضعه حتى يضرب منه. أريد أن أعرف مدى صحة هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ الحديث المذكور هو: إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه. رواه أبو داود عن أبي هريرة وهو حديث صحيح ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة، قال المناوي في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: حتى يقضي حاجته. بأن يشرب منه كفايته ما لم يتحقق طلوع الفجر أو يظنه يقرب منه. انتهى، وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 6593 مزيد الإيضاح في هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1427(3/770)
المرأة المقصودة في حديث (.استقبله داعي امرأة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود من النص من حديث حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس أخبرنا عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة.... استقبله داعي امرأة ... النص (استقبله داعي امرأة) فهل امرأة الرجل الميت أم امرأة من قريش؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشار إليه الأخ السائل رواه أبو داود في سننه في كتاب البيوع، باب في اجتناب الشبهات، من حديث رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر، أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة.... والحديث صححه الألباني.
وقد وردت بعض الرويات بلفظ داعي امرأته لكن أفاد المباركفوري رحمه في تحفة الأحوذي أنها غير صحيحة، فقال رحمه الله: قلت قد وقع في المشكاة لفظ داعي امرأته بإضافة لفظ امرأة إلى الضمير وهو ليس بصحيح بل الصحيح داعي امرأة بغير الاضافة. وبهذا تعلم أن الصواب أن المرأة ليست زوجة المتوفى وإنما هي امرأة من قريش كما أشرت في سؤالك وكما ورد في بعض الروايات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(3/771)
معنى حديث (..واغسله بماء وثلج وبرد..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ندعو للميت: اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد؟ ما معنى هذا؟ ومتى يكون ذلك هل عندما يكون في القبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعاء الذي أشارت إليه الأخت السائلة يقال في دعاء صلاة الجنازة لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وصلى على جنازة يقول: اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النار. قال عوف فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الميت.
ولكن يجوز الدعاء به للميت بعد الدفن أو قبله لا حرج في شيء من ذلك، والغسل بالماء والثلج والبرد ليس على حقيقته وإنما هو مجاز يراد به المبالغة في محو الخطايا وحصول الرحمة والمغفرة وقد ذكر أهل العلم توجيهات للجمع بين الماء والثلج البرد ذكرها الحافظ في الفتح، وسنقتصر منها على ما ذكر المناوي في فيض القدير عند شرح حديث: اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج، قال: والبرد بفتحتين حب الغمام جمع بينهما مبالغة في التطهير أي طهرني منها بأنواع مغفرتك، وخصها لأنها لبردها أسرع لإطفاء حر عذاب النار التي هي غاية الحر وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها، فعبر عن إطفاء حرها بذلك وبالغ باستعمال المبردات مترقيا عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده ومصيره جليدا، والثلج يذوب. انتهى. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 30905، والفتوى رقم: 10225.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1427(3/772)
شرح دعاء سيد الاستغفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو دعاء سيد الاستغفار وما معنى (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في البخاري وأبي داود وغيرهما دعاء سيد الاستغفار؛ ولفظ البخاري: سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أعوذ بك من شر ما صنعت. إذا قال حين يمسي فمات دخل الجنة أو كان من أهل الجنة، وإذا قال حين يصبح فمات من يومه مثله. قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود قوله: (وأنا على عهدك ووعدك) أي أنا مقيم على الوفاء بعهد الميثاق، وأنا موقن بوعدك يوم الحشر والتلاق (ما استطعت) أي بقدر طاقتي.
وفي فتح الباري: قال الخطابي: يريد أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت.
وفيه أيضاً: واشتراط الاستطاعة في ذلك معناه الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى (أبوء بنعمتك) أي أعترف بها وأقر وألتزم وأصله البواء ومعناه اللزوم (وأبوء بذنبي) أي أعترف أيضاً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(3/773)
الصحابي الذي اشتكته زوجته للرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ تخريج حديث ومعرفة الصحابي الذي اشتكته زوجته للرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يستيقظ للفجر عند شروق الشمس واعتذر للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من قوم لا يستيقظون إلا عند حر الشمس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى أبو داود وأحمد وأبو يعلى والحاكم واللفظ لأبي داود عن أبي سعيد قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله أما قولها يضربني إذا صليت فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها، قال: فقال: لو كانت سورة واحدة لكفت الناس، وأما قولها يفطرني فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها، وأما قولها إني لا أصلي حتى تطلع الشمس، فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: فإذا استيقظت فصل. قال الحاكم والأرناؤوط والألباني: صحيح. قال صاحب عون المعبود: ذلك أمر عجيب من لطف الله سبحانه بعباده ومن لطف نبيه صلى الله عليه وسلم ورفقه بأمته ويشبه أن يكون ذلك منه على معنى ملكة الطبع واستيلاء العادة فصار كالشيء المعجوز عنه وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يغمى عليه فعذر فيه ولم يثرب عليه
ويحتمل أن يكون ذلك إنما كان يصيبه في بعض الأوقات دون بعض وذلك إذا لم يكن بحضرته من يوقظه ويبعثه من المنام فيتمادى به النوم حتى تطلع الشمس دون أن يكون ذلك منه في عامة الأحوال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1427(3/774)
جواب شبهة حول حديث (علموا أولادكم الصلاة لسبع..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد ...
لقد وجدت الحديث في سنن أحمد والبيهقي والدارقطني ... ولا أعلم درجة صحته ... ولكنه حديث مشهور ... انتشر على ألسنة الناس ...
فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أبنائكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع، وإذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظرن إلى شيء من عورته، فإنما أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته.) .
وإن كنت أعلم علم يقين أن هذا الحديث مشهور على ألسنة الناس، ولكن المعنى الذي يفهمونه منه غريب جدا في نظري ... فالناس تفهم لسبع ولعشر، أي أنهم يبدؤون في تعليم أولادهم الصلاة من سبع عشرة ويبدؤون بالضرب عليها من عشر إلى ما فوق ذلك ...
واسمحوا لي ... فهذا فهم غريب جدا في نظري ... فأولا: لا أعلم مصدره، ثانيا: يعارضه عدة أوجه ... أذكرها ولكن ارجو من القائمين على هذا المنتدى أن يوصلوا ما قلته للمشايخ، وأرجو أن أجد ردا يثلج صدري ...
الوجه الأول: المخالفة لظاهر المعنى والاستخدام اللغوي:
فالحديث بهذا الفهم لم يحدد نهاية لوقت الضرب، وهل يضرب الوالد ولده للأبد على تركه للصلاة؟
حرف اللام عادة يستخدم لتحديد المنتهى لا البداية ...
الوجه الثاني: فعل الصحابة
فكم سمعنا أن صغار الصحابة يصلون النوافل الطويلة وهم دون هذه الأعمار ...
الوجه الثالث: موافقة العلم لما تعرضه لام المنتهى فالسنوات السبع الأول هي السنوات القيمية، التي يتعلم فيها الأطفال القيم، والصلاة قيمة ... ثم السنين التي تليها هي السنين التطبيقية ...
الحقيقة أنا في حيرة من أمري في هذا الحديث منذ زمن، فالحديث مشهور ومعناه الغريب "في ظني" أيضا مشهور ... فهل هناك شيء لا أفهمه؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللحديث روايات كثيرة وبعضها يفسر بعضا منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أحمد وأبو داود، وفي رواية له: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها. وهذه تبين رواية اللام لسبع ولعشر فاللام في تلك الرواية بمعنى عند كما بينا في الفتوى رقم: 18075، فعلى ولي الصبي أن يأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ويؤدب على تركها إن بلغ عشر سنين، قال العيني في عمدة القارئ: يؤمر الصبي ابن سبع سنين بالصلاة تخلقا وتأدبا يعني أنها غير واجبة عليه لا يأثم بتركها لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة، عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، كما في المسند وغيره عن عمر وعلي رضي الله عنهما. وانظر الفتوى رقم: 4479، ولكنه يثاب إن فعلها ويثاب وليه إن أمره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته عن صبي فقالت: ألهذا حج؟ قال نعم ولك أجر. رواه مسلم، ولهذا كان السلف رضوان عليهم من الصحابة والتابعين يأمرون أبناءهم بالصلاة امتثالا للحديث ورغبة في الأجر وغرسا للخير في نفوس الأولاد ليتمكن منهم فيشبوا عليه وكذلك الصيام وغيره من أمور الخير، وكلها نوافل في حقهم لأنه لا يجب عليهم منها شيء قبل البلوغ، وفي رواية عند الحنابلة أن الصبي المميز تجب عليه الصلاة، قال المرداوي في الإنصاف وهو حنبلي: فالمذهب أن الصلاة وغيرها من العبادات البدنية لا تجب عليه إلا أن يبلغ، وعليه جماهير الأصحاب، وعنه تجب على من بلغ عشرا، وفي رواية عنه تجب على المميز ذكرها المصنف وغيره وأنه مكلف وذكرها في المذهب.
وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 726 / 5074 / 4479، وخلاصة القول أن الحديث صحيح فلا مجال لرده بالرأي، وغاية نهاية الضرب للصبي هي بلوغه، فحينئذ يكون الولد مكلفا أمام الشارع، وإذا ترك الصلاة جحودا أو كسلا فيطبق عليه حكم تاركها كما هو مبين في الفتويين رقم: 512 / 1145، وعلى وليه ومن حضرهم من جماعة المسلمين أن يأمره بالصلاة إن تركها أو تكاسل في أدائها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذك درجات ومراتب بيناها في الفتوى رقم: 26058 / 26557، وأما حديثك عن معنى اللام وأنها لا تأتي إلا لانتهاء الغاية فغير صحيح، لأن استعمالها لانتهاءالغاية قليل كما قال ابن عقيل، ولها في اللغة معان كثيرة أوصلها بعضهم إلى ثلاثين كما ذكر ابن أم قاسم المرادي في كتابه الجني الداني في حروف المعاني، ومما ذكر من تلك المعاني الظرفية والتعدية والتعليل والنسب والتمليك وشبهه والملك وشبهه والصيرورة والتعجب والتبليغ وغيرها، وأشار إلى بعضها ابن مالك في ألفيته فقال:
... ... واللام للملك وشبهه وفي ... ... ... ... تعدية أيضا وتعليل قفي
... وزيد................
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1427(3/775)
شرح حديث (لن يغلب عسر يسرين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالحديث الشريف: لا يغلب عسر يسرين، فما هما هذان اليسران..وكيف يكون ذلك؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الخبر روي موقوفا ومرفوعا، وقد تتبع السخاوي رحمه الله طرقه ورواياته في المقاصد الحسنة فقال: حديث لن يغلب عسر يسرين أخرجه الحاكم والبيهقي في الشعب من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن الحسن مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو يضحك وهو يقول وذكره بزيادة إن مع العسر يسرا، وهو عند الطبراني من طريق أبي ثور عن معمر ورواه العسكري في الأمثال وأخرجه ابن مردويه من طريق عطية عن جابر موصولا وسنده ضعيف، وفي الباب عن ابن عباس من قوله ذكره الفراء عن الكلبي عن أبي صالح عنه وعن ابن مسعود موقوفا أيضا أخرجه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ميمون أبي حمزة عن إبراهيم عنه قال: لو كان العسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يستخرجه، لن يغلب عسر يسرين، بل للطبراني عن ابن مسعود مرفوعا لو دخل العسر جحرا لدخل اليسر حتى يخرجه فيغلبه فلا ينتظر الفقير إلا اليسر، ولا المبتلى إلا العافية، ولا المعافى إلا البلاء، ورواه ابن أبي الدنيا ومن طريقه البيهقي في الشعب من طريق شعبة بن معاوية بن قرة من محدثة عن ابن مسعود قال لو أن العسر دخل في جحر لجاء اليسر حتى يدخل معه ثم قرأ إن مع العسر يسرا وكذا في الباب عن عمر موقوفا ذكره مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام فذكر القصة وقال في الكتاب إليه ولن يغلب عسر يسرين ومن طريقه رواه الحاكم وهذا أصح طرقه وأخرجه ابن أبي الدنيا ومن طريقه البيهقي في الشعب من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن أبا عبيدة حصر فكتب إليه عمر يقول مهما ينزل بامرئ شدة يجعل الله بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين، والمقصود باليسرين في الخبر ما ورد في الآية قوله تعالى: فكرر العسر معرفا والمعرفة إذا تكررت لا تقتضي المغايرة إنما تقتضي نفس المعرفة السابقة، وكرر اليسر منكرا وإعادة النكرة تقتضي المغايرة كما يقول النحاة، قال سفيان بن عيينه إن مع ذلك العسر يسرا آخر، وأشار به إلى قول النحاة إن المعرفة إذا أعيدت معرفة تكون الثانية عين الأولى، والنكرة إذا أعيدت نكرة تكون غيرها، وقال الحكيم الترمذي: اليسر الأول هو ما أعطي العبد من الآلة والعلم والمعرفة والقوة فلولا النفس التي تحارب صاحبها تدفع ما يريد إفساده عليه لكان الأمر يتم فإنه قد أعطي يسر ما به يقوم الأمر الذي أمر به لكن جاءت النفس بشهواتها والعدو بكيده فاحتاج إلى يسر آخر، فإذا جاء العون انهزمت النفس والشهوة وهرب العدو وبطل كيده فهذا ليس يسر فهما يسران لن يغلبهما هذا العسر الذي بينهما وهو مجاهدة النفس حتى يأتيك اليسر الثاني وهو العون من الله بعطفه عليك كرر ذلك اتباعا للفظ الآية إشارة إلى أن العسرين في المحلين واحد واليسر الأول غير الثاني لأن النكرة إذا كررت فالثاني غير الأول والمعرفة الثانية عينه. اهـ
هذا مجمل ما ذكره أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1427(3/776)
شرح حديث (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث رقم 233 في صحيح مسلم كتاب الطهارة: الصلاة الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.
ما الحكمة في الترتيب المذكور طالما أن الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر فإن ذلك يغني عن قول الجمعة ورمضان، وأسأل الله لي ولكم المغفرة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله تعالى أن يجزي السائل الكريم خيرا، وأن يفقهنا وإياه في الدين، ثم نقول له: قد أزال النووي رحمه الله تعالى هذا الإشكال فقال في شرح صحيح مسلم عند كلامه على الأحاديث الواردة في هذا المعنى: وقد يقال: إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة، وإذا كفرت الصلاة فماذا تكفر الجمعات ورمضان، وكذا صوم يوم عرفة كفارة سنتين وعاشوراء كفارة سنة وإذا وافق تأمينه تأمين الإمام غفر له ما تقدم من ذنبه، والجواب ما أجابه العلماء أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير فإن وجد ما يكفره من الصغار كفره وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات ورفعت به درجات، وإن صادقت كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر. والله أعلم. انتهى.
وقال النووي أيضا عند شرح حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه وفيه أنه دعا بطهور فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله. قال معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر، وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا يغفر شيء، فإن هذا وإن كان محتملا فسياق الأحاديث يأباه، قال القاضي عياض: هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله وفضله. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1427(3/777)
المتضمخ بالخلوق وحكم الشخير أثناء العمل وغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم لا تؤاخذني إن نسيت أو أخطأت.
الإخوة الكرام أثابكم الله عن كل هذه الأسئلة، وجزاكم خير الجزاء، وبعد:
سؤالي هو (ما هو المتضمس بالخلق) وما حكم الدين في الرجل الذي يقوم بعملية الشخير عمداً متعمدا أثناء عمل أو غير ذلك. وهل ورد النهي في هذا اللفظ سواء في القرآن أو السنة المطهرة؟ أرجو منكم الإفادة في هذا الموضوع فإني جاهل به لعلي أفيد بعض الناس في هذا الأمر وجزاكم الله خير الجزاء. ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل يسأل عن المتضمخ بالخلوق وهو الذي ورد في الحديث: ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوق والجنب إلا أن يتوضأ. رواه أبو داود وحسنه الألباني، ومعنى المتضمخ في الحديث هو المتلطخ كذا في شرح عون المعبود لسنن أبي داود، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: والخلوق طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء كما في النهاية اهـ وبمثل ما تقدم قال المناوي في شرح الجامع الصغير.
وأما الشخير أثناء العمل فلا نعلم فيه نهيا شرعيا في القرآن والسنة، ولا نرى فيه حرجا إن لم يؤذ فاعله الناس به، أو يقصد به التشبه بأهل الفجور، وراجع في شخير النائم الفتوى رقم: 38452 ... .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1427(3/778)
ثلث الليل الآخر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
[السُّؤَالُ]
ـ[أصحاب الفضيلة أثابكم الله أشكل علي كلام شيخ الإسلام الذي سأورده ومحل الإشكال فيه أنه قرر أن إطلاق الشارع للفظ الليل والنهار يحمل على الليل والنهار الشرعيين وتقييده بنصف ونحوه في النهار يحمل على طلوع الشمس وتقييده في الليل بثلث ذكر وجهين ولم يجزم بأحدهما والسؤال هل ماذكره في تقييد الليل بأنه إما أن يكون إلى طلوع الشمس أو الفجر ينسحب على حساب نصف الليل أم أنه مقصور على محل المسألة وهو حساب ثلث الليل وإليكم نص كلامه من شرح حديث النزول 5 / 570 ومابعدها: (يقول شيخ الإسلام في فتاويه: (ولفظ الليل والنهار فى كلام الشارع اذا أطلق فالنهار من طلوع الفجر كما فى قوله سبحانه وتعالى: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل وكما فى قوله: صم يوما وافطر يوما وقوله: كالذى يصوم النهار ويقوم الليل ونحو ذلك فإنما أراد صوم النهار من طلوع الفجر وكذلك وقت صلاة الفجر وأول وقت الصيام بالنقل المتواتر المعلوم للخاصة والعامة والاجماع الذى لا ريب فيه بين الامة وكذلك فى مثل قوله: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة ولهذا قال العلماء كالإمام أحمد بن حنبل وغيره إن صلاة الفجر من صلاة النهار وأما اذا قال الشارع نصف النهار فإنما يعنى به النهار المبتدىء من طلوع الشمس لا يريد قط لا فى كلامه ولا فى كلام أحد من علماء المسلمين بنصف النهار النهار الذى أوله من طلوع الفجر فإن نصف هذا يكون قبل الزوال ولهذا غلط بعض متأخرى الفقهاء لما رأى كلام العلماء أن الصائم المتطوع يجوز له أن ينوى التطوع قبل نصف النهار وهل يجوز له بعده على قولين هما روايتان عن أحمد ظن أن المراد بالنهار هنا نهار الصوم الذى أوله طلوع الفجر وسبب غلطه فى ذلك أنه لم يفرق بين مسمى النهار اذا أطلق وبين مسمى نصف النهار فالنهار الذى يضاف اليه نصف فى كلام الشارع وعلماء أمته هو من طلوع الشمس والنهار المطلق فى وقت الصلاة والصيام من طلوع الفجر والنبي لما أخبر بالنزول اذا بقي ثلث الليل فهذا الليل المضاف إليه الثلث يظهر أنه من جنس النهار المضاف إليه النصف وهو الذي ينتهي إلى طلوع الشمس وكذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقت العشاء إلى نصف الليل أو إلى الثلث فهو هذا الليل وكذلك الفقهاء اذا أطلقوا ثلث الليل ونصفه فهو كإطلاقهم نصف النهار وهكذا أهل الحساب لا يعرفون غير هذا وقد يقال بل هو الليل المنتهى بطلوع الفجر كما فى الحديث الصحيح: أفضل القيام قيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه واليوم المعتاد المشروع إلى طلوع الشمس بل إلى طلوع الفجر..) أرجو إفادتي أحسن الله إليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالراجح في كلام ابن تيمية رحمه الله أن الليل الذي أضيف إليه الثلث ينتهي بطلوع الشمس لا بطلوع الفجر لأنه حكى القول الآخر بصيغة الفرضية فقال: وقد يقال بل هو الليل المنتهي بطلوع الفجر. ولا فرق بين الليل الذي أضيف إليه الثلث أو النصف فكلاهما يحسب بطلوع الشمس على القول الأول وبطلوع الفجر على القول الثاني وهو مصرح في كلامه الذي نقلته عنه فقد قال فيه وكذلك الفقهاء إذا أطلقوا ثلث الليل ونصفه فهو كإطلاقهم نصف النهار. ولمزيد فائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 19243.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1427(3/779)
شرح حديث (..فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سماحة الشيخ أريد أن أسألكم عن صحة هذا الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما معناه: إذا غلب ماء الرجل ماء المرأة كان المولود ذكراً وإذا غلب ماء المرأة ماء الرجل كان المولود أنثى. وإذا كان صحيحاً أرجو تبيين معناه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث صحيح، رواه مسلم وغيره من حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثى بإذن الله. وقد بينا المراد به في الفتوى رقم: 13174، وزيادة التفصيل في ذلك يرجع فيها إلى أهل الاختصاص وهم الأطباء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1427(3/780)
الفرق بين استفتاء القلب واتباع الأهواء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث الشريف الآتي: (استفت قلبك) ، وما الفرق بينه وبين اتباع الأهواء، ونحن نعلم أن القلوب متغيرة متنافرة، وإذا تم الاستفتاء هل آخذ بما وصل إليه قلبي من إجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيراجع جواب ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48491، 17826، 35277، 38050.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(3/781)
المقصود بالكبشين الأملحين
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى كبشين أملحين؟
أفيدوني اثابكم الله,,,,,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت فى صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين. وكبشين: تثنية كبش وهوالذكر من الضأن بعد ما يكبر, وأملحين: تثنية أملح, والأملح بين معناه الإمام النووي فى شرحه لصحيح مسلم قائلا:
قال ابن الأعرابى وغيره: الأملح هو الأبيض الخالص البياض. وقال الأصمعى: هو الأبيض ويشوبه شيء من السواد. وقال أبوحاتم: هو الذى يخالط بياضه حمرة, وقال بعضهم: هو الأسود يعلوه حمرة. وقال الكسائي: هو الذى فيه بياض وسواد والبياض أكثر. وقال الخطابى: هو الأبيض الذى في خلل صوفه طبقات سود. وقال الداودي: هو المتغير الشعر بسواد وبياض. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1427(3/782)
دلالة حديث " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"
[السُّؤَالُ]
ـ[في الأثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يريد من إثنين من الصحابة الإسراع في الذهاب إلى مكان ما.. فقال لهما في ما معناه: "لا تصليان العصر إلا في..... (هذا المكان) "، فحينما كانا في الطريق، وقد أوشك وقت العصر أن ينتهي، صلى أحدهما العصر (لأنه فهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد الإسراع منهما فقط، وليس تأخير العصر) .. أما الآخر فلم يصل إلا في المكان الذي حدده له الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندما عرف ذلك الرسول، أقر كلاهما.. فسؤالي هو: هل تؤخذ النصوص بظاهر المعنى أم المقصود، وكيف أخر الصحابي الصلاة ولم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، أريد أن أفهم وأتفقه أكثر في هذه النقطة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشرت إليه وارد في الصحيحين في قصة بني قريظة وليس هو أمراً لاثنين من الصحابة فحسب، وإنما هو أمر لمجموع الصحابة، وكل طائفة منهم اجتهدت فأصابت، فالذين أخروا صلاة العصر حتى وصلوا إلى بني قريظة تمسكوا بظاهر خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، والذين صلوا العصر في وقتها نظروا إلى المعنى المقصود وهو الإسراع في السير لا حقيقة اللفظ.
وهذا الحديث جعله أهل العلم دليلاً على أن من يحق له النظر في الأدلة يجوز له الأخذ بظاهر الدليل من الكتاب والسنة، كما يجوز له استنباط الأحكام منهما عن طريق الاجتهاد أو القياس أو الأخذ بالمفهوم، ففي أعلام الموقعين للإمام ابن القيم: وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام ولم يعنفهم؛ كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق، وقال: لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا، نظروا إلى اللفظ، وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء سلف أصحاب المعاني والقياس. انتهى.
وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر: قال السهيلي وغيره: في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه، وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب. انتهى.
وفي شرح النووي لصحيح مسلم: فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم نظراً إلى المعنى لا إلى اللفظ، فصلوا حين خافوا فوت الوقت، وأخذ آخرون بظاهر اللفظ وحقيقته فأخروها. ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من الفريقين لأنهم مجتهدون. ففيه دلالة لمن يقول بالمفهوم والقياس ومراعاة المعنى ولمن يقول بالظاهر أيضاً، وفيه أنه لا يعنف المجتهد فيما فعله باجتهاده إذا بذل وسعه في الاجتهاد، وقد يستدل به على أن كل مجتهد مصيب. انتهى.
مع التنبيه أن الأصل العمل بظاهر النص من كتاب أو سنة حتى يثبت ما يصرفه عن ظاهره من دليل أو قرينة، ففي المحصول للرازي: وحمل اللفظ على ما يطابق الظاهر أولى من حمله على ما يوجب ترك الظاهر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(3/783)
السبعة الذين يظلهم في ظله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أرسلت إليكم بسؤال ولم أتوصل بأي جواب أكثر من شهر والسؤال كان كما يلي: من هم السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله؟ أرجو ذكر صفات كل واحد منهم؟ وهل الذي يحافظ على الصلوات الخمس في الجماعة منهم؟ وما متن الحديث الذي ذكروا فيه؟ وما درجته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي تسأل عنه رواه الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، وفي رواية عند الترمذي: ورجل كان قلبه معلقا بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه.
فهؤلاء هم السبعة الذين يظلهم الله في ظله, وتلك هي صفاتهم, وهذا هو متن الحديث الذي ذكروا فيه، وأما درجته فهو صحيح بل في أعلى درجات الصحيح, إذ اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم) وقد بينا في الفتوى رقم: 74396، أن الذين يظلهم الله في ظله أكثر من ذلك لما ورد في أحاديث أخرى تتبعها أهل العلم كما ذكرنا في الفتوى المحال إليها فنرجو مراجعتها والاطلاع عليها.
وأما المحافظة على الصلوات الخمس في المسجد فإن كان قلبه معلقا بالمسجد يهفو إليه, وينشرح صدره له فهو منهم وإلا فلا، لكنه على خير عظيم فليلزمه. وانظر الفتوى رقم: 2366.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(3/784)
شرح حديث (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم)
[السُّؤَالُ]
ـ[عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا) ، فقال رجل: " أكل عام يا رسول الله؟ " فسكت، حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم) ثم قال: (ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) .
فسؤالي هو: لماذا إذا كان فعل أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدر استطاعة الشخص، لماذا قال صلى الله عليه وسلم (لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم) ؟ وأيضا في حديث السواك (لولا أشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك) ؟ إذا فالأمر من الرسول واجب وفيه مشقة، فما المعنى المقصود من (لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور روام مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم لا يعني نفي استطاعة جميع الامة لذلك وإنما يعني أن وجوب الحج كل سنة أمر لا يستطيعه الكثير من هذه الأمة ومع ذلك قد يحز في نفسه ذلك الشخص غير المستطيع ويشق عليه التخلف عن ذلك الواجب يشق على المستطيع أن يذهب إليه كل عام فربما تخلف عنه فيكون وقع في الإثم والنبي صلى الله عليه وسلم بعث بالشريعة السمحة وباليسر والسهولة كما قال الله عز وجل لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {التوبة:128} ووجوب الذهاب إلى الحج كل عام فيه مشقة وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم جهادا لما فيه من مفارقة الأوطان ومكابدة الطريق ونحو ذلك والحاصل أن معنى قوله ولما استطعتم أي الذهاب إلى الحج كل سنة لمشقة ذلك عليكم ولا يعني هذا أن الجميع لن يستطيعوا الذهاب وإنما يعني أن هذا سيحصل لكثير من أمته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(3/785)
معنى حديث "خمس إذا ابتليتم بهن.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة درجة هذا الحديث مع بيان تفسيره:
(يا معشر المهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا ما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث أخرجه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الترغيب، وسنبين دلالته لصحته باختصار، فهو يدل على التوعد بالابتلاء بخمس عقوبات إذا حصل بعض المعاصي:
أولاها: الابتلاء بالطاعون والأمراض التي لم تعرف سابقاً إذا انتشرت الفواحش وظهرت ومن ذلك: السيدا - الإيدز - الذي ظهر مؤخراً.
والثانية: الابتلاء بالقحط والجفاف والغلاء وظلم السلاطين، إذا حصل نقص المكيال والميزان.
والثالثة: انقطاع الأمطار إذا تركت الزكاة.
والرابعة: تسليط العدو علينا بأخذ بعض أموالنا أو أراضيناً إذا حصل نقض عهد الله ورسوله.
والخامسة: وقوع الحروب بين المسلمين, وتسلط بعضهم على بعض إذا ترك الولاة الحكم بكتاب الله تعالى. وراجع في ذلك فيض القدير للمناوي للمزيد في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1427(3/786)
هل يحرم الأجر من أنفق ماله في البناء
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من أحد خطباء المساجد أن الرجل إذا بنى له ولأهله بيتا ليس له أجر على ذلك, لأن البناء لا أجر فيه! , وأظن أنه ذكر حديثا في هذاالباب, ماصحة هذا الكلام؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج البخاري عن خباب بن الأرت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب، ورواه كذلك الترمذي وابن ماجه وغيرها عن خباب رضي الله عنه بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد يؤجر في نفقته كلها إلا في التراب أو قال في البناء.
والحديث صححه الألباني وغيره, ولعل هذا الحديث هو الذي ذكره الخطيب المذكور، والذي لا يؤجر عليه من البناء هو ما لم يقصد به وجه الله أو ما زاد على حاجة نفسه أو عياله كما قال أهل العلم.
قال العلامة المناوي في فيض القدير عند شرحه للحديث المذكور: أي في نفقة في البناء الذي لم يقصد به وجه الله تعالى, وقد زاد على ما يحتاجه لنفسه وعياله على الوجه اللائق, فإنه ليس له فيه أجر, بل ربما كان عليه وزر. اهـ
ودين الإسلام بطبيعته وتعاليمه العامة يكره الإسراف والغلو في كل شيء, فهو دين الوسطية والاعتدال كما يلاحظ ذلك في نصوصه كلها كما في قول الله تعالى: يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا {الأعراف:31}
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما شئت, والبس ما شئت, ما أخطأتك خصلتان؛ سرف ومخيلة.
أما الإسراف والتطاول في البنيان وتزويقه فقد كرهه الشرع وذمه النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر الفتوى رقم: 18671.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1427(3/787)
معنى حديث "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما شرح الحديث الذي قال فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان) ؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المغيبة هي المرأة التي غاب عنها زوجها كما قال النووي، فلا يجوز لرجل أن يدخل عليها وحده؛ لما في ذلك من الخلوة بها وخشية وقوع الفتنة, ويستوي في هذا غيابه في سفر أو خروجه من البيت لحاجة, وأما دخول رجلين وثلاثة فجائز مع الالتزام بالضوابط الشرعية من غض البصر وعدم خضوع المرأة بالقول عند الخطاب مع الرجال, والتأكد من عدم وقوع المواطأة من الرجال على المعصية لصلاحهم ومروءتهم؛ كما قال النووي.
وقد كان البعد عن الدخول على المغيبات من مكارم الأخلاق المعروفة عند العرب، فقد قال عنترة:
أغشى فتاة الحي عند حليلها * وإذا غزا في الحرب لا أغشاها
وقال ذو الرمة يمدح بلال بن أبي بردة:
يغار بلال غيرة عربية على العربيات المغيبات في المصر
وقد أقر الإسلام هذا الخلق النبيل، وقد رهب النبي صلى الله عليه وسلم من أن يخلف المجاهدون في أهلهم بسوء, ورهّب من الخلوة بالنساء فقال: ما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهل فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء. رواه مسلم
وقال: لا يخلون رجل بامرأة. متفق عليه.
وفي لفظ آخر: لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 47116، 60116، 49078.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1427(3/788)
معنى حديث "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.. مع ضرب أمثلة على ذلك.
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما ولفظه كما في صحيح البخاري: لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين.
ومعناه إجمالا: التحذير من التغفل وتكرار الخطأ، والحث على التيقظ واستعمال الفطنة.
ونقل الحافظ في الفتح عن أبي عبيد قال: معن اه لا ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه أن يعود إليه.
ويؤيد هذا المعنى سبب ورود الحديث كما في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله عندما ظفر بأبي عزة القرشي الجمحي الشاعر بعد أحد، وكان قد منَّ عليه في بدر عندما أخذ مع الأسرى بعدما تعهد أن لا يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحرض على قتاله بشعره، فنقض هذا العهد واشترك مع قريش في قتال المسلمين يوم أحد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وقال: لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين.
وقال بعضهم: الحديث لفظه خبر ومعناه أمر، أي ليكن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر.
وقيل: معناه من أذنب ذنبا فعوقب به في الدنيا فإنه لا يعاقب به في الآخرة، وقيل: المراد بالمؤمن هنا: المؤمن الكامل الذي أوقفته معرفته وتجربته على غوامض الأمور حتى صار يحذر مما سيقع، وأما المؤمن المغفل فقد يلدغ من الجحر الواحد مرارا.
ومن الأمثلة أن ينخدع المؤمن بقول كاذب أوعهد منافق بعدما جرب عليه الكذب والخيانة كما أراد أبو عزة أن يفعل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: والله لا تمسح عارضيك بمكة وتقول: خدعت محمدا مرتين.
ونرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 57884.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1427(3/789)
معنى "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي"
[السُّؤَالُ]
ـ[المرجو توضيح معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب العبد الغني التقي الخفي
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنص الحديث وقصته كما هو في صحيح مسلم من حديث عامر بن سعد قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبله فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم، فضرب سعد في صدره فقال: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي. وأما اللفظ الذي ذكرته وفيه تقديم الغني على التقي فلم نقف عليه -فيما اطلعنا عليه- سوى عند السخاوي في المقاصد الحسنة، وكذا عند العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس، فرواية مسلم أصح وأولى.
وأما معنى الحديث فهو كما قال السيوطي في الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج: إن الله يحب العبد التقي الغني أي غني النفس. الخفي بالخاء المعجمة أي الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه، وروي بالمهملة "الحفي"أي الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم. وقال النووي في كتابه رياض الصالحين: باب استحباب العزلة عند فساد الزمان أو لخوف من فتنة في الدين أو وقوع في حرام وشبهات ونحوها. .وذكر الحديث، وقال الصنعاني في سبل السلام: والتقي هو الآتي بما يجب عليه المجتنب لما يحرم عليه، والغني هو غني النفس فإنه الغنى المحبوب، قال صلى الله عليه وسلم ليس الغنى بكثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس، وأشار عياض إلى أن المراد به غنى المال وهو محتمل. والخفي بالخاء المعجمة والفاء أي الخامل المنقطع إلى عبادة الله والاشتغال بأمور نفسه، وضبطه بعض رواة مسلم بالحاء المهملة ذكره القاضي عياض، والمراد به الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء، وفيه دليل على تفضيل الاعتزال وترك الاختلاط. انتهى
فهذا هو معنى ذلك الحديث.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1427(3/790)
وجه فتح الميم في رواية حديث (..كيوم ولدته أمه)
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت قبل مدة من بعض الإخوة المتخصصين في اللغة حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم وهو: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. المهم أنه قال إن هناك رواية للحديث بفتح يوم على الرغم من سبقها بحرف الجر وهي كما تعلمون غير ممنوعة من الصرف، فسؤالي هو: هل فعلاً هناك رواية بفتح كلمة يوم، وأين أجدها، وإن كان كذلك فما تخريجها النحوي؟ نفع الله بكم، وبارك لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن يوم هنا مبنية في رواية الفتح لإضافتها إلى المبني وهو الفعل الماضي ويجوز جرها أيضاً، كما قال ابن مالك في الألفية:
والزموا إضافة إلى الجمل * حيث وإذ وإن ينوه يحتمل
إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ * أضف جوازا نحو حين جا نبذ،
وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا * واختر بنا متلو فعل بنيا
وقبل فعل معرب أو مبتدا * أعرب ومن بنى فلن يفندا.
وراجع شروح الألفية للمزيد في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1427(3/791)
شرح حديث (ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الحديث الّذي يقول فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
......ما منكم من أحد إلاّ قد وكّل به قرينه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 45902، 16408.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1427(3/792)
معنى "ورجل قلبه معلق بالمسجد.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أثابكم الله وجزاكم أحسن الجزاء على هذا العمل الطيب والنافع إن شاء الله. سؤالي فضيلة الشيخ ما متن الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم ((سبعة يظلهم الله تحت عرشه يوم لا ظل إلا ظله)) من هم هؤلاء السبعة؟ ما صفات كل واحد منهم؟ وقد سمعت أن من بينهم رجلا قلبه معلق بالمساجد هل الذي يحرص على أداء الصلوات في الجماعة منهم؟ .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن المعلق القلب بالمساجد حمله بعضهم على شدة تعلق قلبه بها وحبه للجلوس فيها، فهو متعلق القلب بالمسجد كلما خرج منه حتى يعود إليه، ويدل لهذا ما في رواية مالك في الموطأ، ومسلم في الصحيح، والترمذي في السنن: ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه.
وفي مصنف ابن أبي شيبة أن سليمان كتب إلى أبي الدرداء: إن في ظل العرش رجلا قلبه معلق في المساجد من حبها.
قال النووي في شرح مسلم: ومعناه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها. اهـ
قال المناوي في فيض القدير عند شرح قوله: إذا خرج منه حتى يعود إليه: كنى به عن التردد إليه في جميع أوقات الصلاة فلا يصلي صلاة إلا في المسجد، ولا يخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليعود فيصليها فيه، فهو ملازم للمسجد بقلبه، فليس المراد دوام الجلوس فيه. اهـ
وراجع فتح الباري وشرح الزرقاني على الموطأ للمزيد في شرح الحديث، وراجع في متن الحديث الفتوى رقم: 41765.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1427(3/793)
معنى "لا تصاحب إلا مؤمنا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[انطلاقا من الحديث: لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي. هل يجوز لي أن أدعو زوج خالة أمي إلى وليمة زواجي، علما بأنه لا يصلي وأنه جار لنا وسيمنحنا بيته لإقامة جزء من العرس عنده بحكم ضيق بيتنا، وأريدكم أن تتفضلوا بإرسال مجموعة الضوابط التي يجب أن تميز العرس وما الذي ينبغي تجنبه حتى يكون عرسا على السنة النبوية، خاليا مما سواها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ترك الصلاة والتهاون بها من أكبر الذنوب وأخطرها، بل ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير تاركها والمتهاون بها مع إقراره بوجوبها، وقد بينا ذلك مفصلاً في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35039، 1145، 1195.
ومن كان كذلك فلا تنبغي مصاحبته ومجالسته إلا لنصحه ودعوته لأن الطباع سراقة، ومن ثم قيل: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، إلا أنه لا يهجر إلا إذا نصح فلم يجد النصح، ودعي فلم تفد الدعوة، وكان في هجره تأديب له وتأثير عليه، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 18246، والفتوى رقم: 47679.
ومن هنا فالأولى لك أن تدعو قريبك وجارك إلى وليمة عرسك للتقرب منه ومناصحته ودعوته، وهذا من حقوقه عليك، فبين له خطر ترك الصلاة وعقوبة تاركها بقول لين سهل يأخذ بمجامع قلبه ولا ينفره، ومن الحكمة في ذلك أن تنصحه على انفراد أو ترتب خلال جلسة الوليمة لكلمة وعظية من أحد الدعاة الربانيين وتذكر له الغرض ليتطرق إليه خلال كلمته ويركز عليه.
وأما الحديث الذي ذكرت وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي. فقد أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. ومعناه كما قال المناوي في فيض القدير: لا تصحب إلا مؤمناً. وكامل الإيمان أولى لأن الطباع سراقة ... وصحبة من لا يخاف الله لا يؤمن غائلتها لتغيره بتغير الأعراض، قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. والطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري.... (ولا يأكل طعامك إلا تقي) لأن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة؛ بل هي أوثق عرى المداخلة. ومخالطة غير التقي تخل بالدين وتوقع في الشبه والمحظورات؛ فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحة في إغضاء عن منكر، فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به. وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه، والحاصل أن مقصود الحديث -كما أشار إليه الطيبي- النهي عن كسب الحرام وتعاطي ما ينفر منه المتقي، فالمعنى: لا تصاحب إلا مطيعاً ولا تخالل إلا تقياً. انتهى.
وأما سؤالك عن الضوابط التي يجب أن يتميز بها العرس فجوابه أن إظهار الفرح فيه مطلوب لما روى محمد بن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح. رواه النسائي، ولا بأس بالإنشاد والغزل في العرس، نقل ذلك عن أحمد.. ولكن يكون هذا دون اختلاط بين الرجال والنساء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: أتيناكم.. أتيناكم.. فحيانا وحياكم ... ولولا الذهب الأحمر ... ما حلت نواديكم ... ولولا الحنطة السمراء ... ما سمنت عذاريكم.
ولكن دون استعمال الآلات المحرمة، وقد بينا الضوابط التي ينبغي توفرها في الوليمة لتكون خالية من المحاذير في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1094، 5119، 7877، 8283.
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1427(3/794)
شرح حدث (فضلت على الأنبياء بست..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قالوا عنه (صلى الله عليه وسلم) إنه إرهابي، لص، قاطع طريق، متطرف، مجنون، شاد جنسيا، يتملكه الشيطان، ضال انحرف عن الطريق، دينه نشر بالسيف، شريعته لا تصلح لعصرنا ... أرجو تزويدي بمواقف للنبى صلى الله عليه وسلم ترد على كل صفة من هذه الصفات التي نسبت إليه صلى الله عليه وسلم.هذا من جهة ومن جهة أخرى أرجو منكم أن تشرحوا لي قوله صلى الله عليه وسلم: فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته" وأي الكلمتين هي الصحيحة لمنجدل أو لمجندل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل كذب هذه الافتراءات وما وراءها من نفوس خبيثة شريرة تريد تشويه الحق وإحقاق الباطل، وما مثل هؤلاء إلا كما يقول الشاعر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
ونحن نقدر لك غيرتك، ونسأل الله أن يجزيك خير الجزاء، ولكن نعتذر عن إجابتك إلى ما طلبت من ذكر مواقف من حياته صلى الله عليه وسلم نظرا لضيق وقتنا وكثرة توارد الأسئلة علينا، ويكفي أن تعلمي أن سيرة سيد المرسلين خير شاهد بلا مرية على أنه كان أكمل البشر وأفضلهم خلقا ودينا، فما على المنصف إلا أن يقتني كتابا من كتب السنة أوالسيرة ليتعرف على أخلاقه وشمائله صلوات الله وسلامه عليه، والتي تتنافى كل المنافاة مع هذه الافتراءات الكاذبة الفاجرة، ونحيلك على بعض المواقع المفيدة والمتخصصة في رد هذه الافتراءات والتي تجدينها في هذه الروابط:
منتدى التوحيد:
http://www.eltwhed.com/vb/sowthread.php?t=3 227
موقع إلا رسول الله
http://sosra.islammemo.cc/onenew.aspx?newid:= 169
موقع لك، نصرة خير البرية:
http://www.lakii.com/islamic.php?dowhat=sho:wtitles&topicid= 27
كما نحيلك على بعض الفتاوى المهمة في موقعنا في معاملة هؤلاء المفترين وهي بالأرقام التالية: 71673، 71469، 71536.
علما بأن هذه الافتراءات لا تتوقف عند حد، إذ هذا شأن كل مفتر كذاب، وهي قديمة قدم الإسلام، ولو ذهب المسلم يتتبع كل هذه الافتراءات لطال الخطب وما انتهى، وصدق من قال:
لي حيلة فيمن ينم وليس في الكذاب حيلة
من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة
وقال آخر:
لو كل عاو عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون. فرواه مسلم بهذا اللفظ، ومعه قوله: أعطيت جوامع الكلم. وفي الرواية الأخرى: بعثت بجوامع الكلم أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني. وقال الهروي: يعني به القرآن جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة. اهـ، وقوله نصرت بالرعب أي الفزع يلقى في قلوب الأعداء. قال ابن حجر: ليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو ما ينشأ عنه من الظفر بالعدو.
وقوله: وأحلت لي الغنائم، قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين، منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته، وقيل المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء، والأول أصوب وهو أن من مضى لم تحل لهم الغنائم أصلا.
وقوله: وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا معناه مطهرة بالتيمم عند فقد الماء وموضع سجود فلا يختص السجود منها بموضع دون غيره.
وقوله: وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون أي أرسل صلى الله عليه وسلم إليهم رسالة عامة وجعل آخر الأنبياء فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: إني عند الله مكتوب بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طي نته، فقد أخرجه أحمد وابن حبان واللفظ له والحاكم، وعن معنى لمنجدل قال ابن الاثير: أي ملقى على الجدالة وهي الأرض.
واللفظة الصحيحة هي لمنجدل كما في كل طرق الحديث الصحيحة التي وقفنا عليها.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1427(3/795)
من كنت مولاه فعلي مولاه.. شرح وإيضاح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه، قالها بعد عودته صلى الله عليه وسلم من الحج والخطبة المعروفة لديكم هل كان صلى الله عليه وسلم يقصد بها الخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراد بالموالاة في قوله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. والذي رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، نقول: المراد بذلك، المحبة والمودة وترك المعاداة، وهذا الذي فهمه الصحابة رضوان الله عليهم حتى قال عمر لعلي رضي الله عنهما: هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. رواه أحمد.
وليس المراد بذلك الخلافة، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم أطلق ذلك في حياته ولم يقل: فعلي بعد موتي مولاه. ومعلوم أن في حياة رسول الله لم يكن الأمر إلى علي رضي الله عنه، ومثل هذا الأمر العظيم الخلافة يجب أن يبلغ بلاغا مبينا لا يكفي فيه لفظ محتمل مجمل، قال البيهقي في كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد: وأما حديث الموالاة فليس فيه إن صح إسناده نص على ولاية علي بعده، فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وهو أنه لما بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته، فقال: من كنت وليه فعلي وليه، وفي بعض الروايات: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، والمراد به ولاء الإسلام ومودته، وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضا ولا يعادي بعضهم بعضا، وهو في معنى ما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. ثم نقل بسنده عن الشافعي رحمه الله في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: من كنت مولاه فعلي مولاه يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ، ثم نقل بسنده عن الحسن بن الحسن وسأله رجل: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال: أما والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان يعني بذلك الأمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم إن هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعو له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإن أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الذهبي وغيره بسنده عن الحسن قال: لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا والله، إن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا ولم يمت فجأة مكث في مرضه أياما وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر يصلي بالناس، فلما قبض الله نبيه نظرنا في أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام وهي أعظم الأمر وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر وكان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض ولاها عمر فأخذ بسنة صاحبه وما يعرف من أمره فبايعنا عمر لم يختلف عليه منا اثنان ولم يشهد بعضنا على بعض ولم نقطع البراءة منه، فأديت إلى عمر حقه وعرفت طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدل بي ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم، فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان فأديت له حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا إغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما أصيب نظرت في أمري فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا وهذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين.
وبالجملة فقد أوسع العلماء هذا الحديث شرحا وردا لما أثير حوله من شبه، وننصح في هذا الصدد بمراجعة كتاب الصواعق المحرقة للإمام ابن حجر الهيتمي فقد أجاد وأفاد في رد سائر الشبه المتعلقة بهذا الحديث ولولا خشية الإطالة لنقلنا ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1427(3/796)
التعارف بين الأرواح.. دلائل وشواهد
[السُّؤَالُ]
ـ[الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فهل هذه المقولة صحيحة وما دليلها في الدين الإسلامي، وما دليلها في حياتنا اليومية العادية (أمثلة وتطبيقات من الحياة اليومية) ، وهل عندما نفكر في أشخاص معينين أو نحلم بهم في الليل ونحن نائمون وبعد دقائق نراهم أو يتصلون بنا عن طريق الهاتف أو حدوث بعض تفاصيل الحلم في الواقع مع نفس الأشخاص الذين نراهم في النوم نستطيع أن نطبقه على هذه المقولة، وما دلائلها بين الجنسين الذكر والأنثى في الحياة اليومية، إن كنا نستطيع أن نطبق هذه المقولة بين الجنسين ما دليلها، فهل يحدث توافق وارتباط أبدي عن طريق الزواج أم لا يحدث ويكون مجرد تلاقي أرواح، إن حدث بين الذكر والأنثى أن أحدهما يفكر بالآخر وأحدهما اتصل عن طريق الهاتف أو تم رؤيته صدفة فهل نعتبره تلاقي أرواح، وهل من الممكن أن يحدث ارتباط عن طريق الزواج؟ وشكراً لكم على هذا الموقع المميز دائماً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. حديث صحيح كما في الصحيحين وغيرهما، ودليل صحة ذلك في حياة الناس العادية أن الإنسان ربما يطمئن أو يرتاح لشخص وهو لا يعرفه أصلاً، وربما يكون غريباً عنه وليس من أهل بلده ولا يتكلم لغته ... ويكون بجانبه ومن أقاربه وبني وطنه وقومه من لا يرتاح له ولا يطمئن إليه، وقد قال بعض أهل العلم إن سبب ذلك هو ما جرى من التعارف بين الأرواح في عالم الذر عندما خلق الله تعالى آدم فمسح على ظهره فأخرج منه نسمات بنيه وقال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى ... فما تعارف من الأرواح في تلك الفترة ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
والقصص في ذلك كثيرة تحدث عنها السلف رضوان الله عليهم، وشاهدها الناس في واقع حياتهم، ولا مانع أن يدخل في ذلك حديث النفس من شخصين ويفكر كل منها في الآخر أو يتصل به أو يزوره، ففي مجمع الزوائد: أن امرأة كانت بمكة مزاحة فجاءت إلى المدينة فنزلت على امرأة شبها لها فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: صدق حبي صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ... الحديث. ويدخل في ذلك الإلفة والميول الذي يحصل بين الخاطب وخطيبته.
ولكن لا يجوز أن يتخذ ذلك ذريعة للاتصال غير المشروع بين الجنسين، فقد حرم الإسلام العلاقة بين رجل وامرأة أجنبيين إلا عن طريق الزواج الشرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1427(3/797)
شرح حديث "لا تباغضوا ولا تحاسدوا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[شرح حديث لا تباغضوا ولا تحاسدوا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنص الحديث كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا, ولا تباغضوا, ولا تجسسوا, ولا تحسسوا, ولا تناجشوا, وكونوا عباد الله إخوانا. وأخرجه البخاري بألفاظ وروايات متعددة.
وأما معناه فقد نهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن هذه الأعمال السيئة التي تؤدي إلى الشحناء والبغضاء بينهم، قال المناوي في فيض القدير مفسرا له: (لا تحاسدوا) أي لا يتمنى أحد منكم زوال النعمة عن غيره وهو قريب من التنافس, وفي رواية لا تقاطعوا ولا تدابروا. قال في العارضة: المقاطعة ترك الحقوق الواجبة بين الناس تكون عامة وتكون خاصة (ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأنه لا يكتسب ابتداء (ولا تجسسوا) بجيم أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كالجاسوس. وقال القاضي: التجسس بالجيم تعرف الخبر ومنه الجاسوس. وقال الزمخشري: التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستره فيتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس على أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستورا عنك, ويستثنى منه ما لو تعين طريقا لإنقاذ محترم من هلاك أو نحوه؛ كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا برجل ليقتله، أو امرأة ليزني بها، فيشرع التجسس كما نقله النووي عن الأحكام السلطانية واستجاده (ولا تحسسوا) بحاء مهملة أي لا تطلبوا الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية. وقيل الأول التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو بغيره، والثاني أن يتولاه بنفسه, وقيل الأول يختص بالشر، والثاني أعم (ولا تناجشوا) من النجش. قال القاضي: التناجش أن يزيد هذا على هذا وذاك على ذاك في البيع. وقيل المراد بالحديث النهي عن إغراء بعضهم بعضا على الشر والخصومة. وفي رواية (ولا تدابروا) أي تتقاطعوا من الدبر فإن كلا منهما يولي صاحبه دبره. قال في العارضة: التدابر أن يولي كل منهم صاحبه دبره محسوسا بالأبدان أو معقولا بالعقائد والآراء والأقوال. قال ابن القيم: والفرق بين المنافسة والحسد أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده في غيرك لتنافسه فيه لتلحقه أو تجاوزه فهو من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر, والحسد خلق نفس ذميمة وضعيفة ليس فيها حرص على الخير (وكونوا عباد الله) بحذف حرف النداء (إخوانا) أي اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما ذكر وغيره, فإذا تركتم ذلك كنتم إخوانا, وإذا لم تتركوه صرتم أعداء. انتهى منه بتصرف. وهذا هو معنى الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1427(3/798)
سبب ورود حديث "الولد للفراش وللعاهر الحجر "
[السُّؤَالُ]
ـ[الولد للفراش وللعاهر الحجر ما قصة هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لهذا الحديث قصصاً وروايات مختلفة، فقد جاء في كتب السنة واللفظ للبخاري: أن عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه ... فلما كان عام الفتح أخذه سعد وقال: ابن أخي قد عهد به إلي ... فقام عبد بن زمعة فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فتساوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد به إلي، فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد بن زمعة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. ثم قال لسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة. فما رآها حتى لقي الله.
وفي رواية عبد الرزاق: ... كانت القاسمة في الجاهلية في الدم وفي الرجل يولد على فراشة فيدعيه رجل آخر فيقسمون عليه خمسين يميناً كقسامة الدم فيذهبون به، فلما أن حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له العباس بن عبد المطلب: إن فلانا ابني ونحن مقسمون عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم بعث صارخا يصرخ في أهل مكة: ألا إن زكاة الفطر حق واجب على كل مسلم ... ألا إن الولد للفراش وللعاهر الأثلب، يعني الحجر.. فأقر النبي صلى الله عليه وسلم قسامة الدم كما كانت في الجاهلية، وألغى قسامة ولد الفراش، وهناك روايات أخرى قريبة من هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1427(3/799)
تعليل اعتداد فاطمة بنت قيس في بيت ابن أم مكتوم
[السُّؤَالُ]
ـ[1-أريد تفسيرا لحديث رضاعة الكبير حتى يحرم الزواج.
2-أريد تفسيرا لحديث المرأة المطلقة التي أمرها الرسول صلى الله علية وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم وكيف يمكن لامرأة أجنبية أن تبيت في بيت رجل تحل له لمجرد أنه ضرير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبق شرح حديث الرضاع في الفتوى رقم: 32501، والفتوى رقم: 66476.
وأما اعتداد فاطمة بنت قيس في بيت ابن أم مكتوم فإنما كان للضرورة، لأن زوجها طلقها ثلاثا وتخشى منه أن يقتحم عليها، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس قالت: قلت: يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثا، وأخاف أن يقتحم علي، قال: فأمرها فتحولت.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أشار عليها أولا أن تعتد عند أم شريك، ففي صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك عليه نفقة, فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: ومعنى هذا الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزورون أم شريك ويكثرون التردد إليها لصلاحها، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن على فاطمة من الاعتداد عندها حرجا من حيث إنه يلزمها التحفظ من نظرهم إليها ونظرها إليهم وانكشاف شيء منها، وفي التحفظ من هذا مع كثرة دخولهم وترددهم مشقة ظاهرة، فأمرها بالاعتداد عند ابن أم مكتوم لأنه لا يبصرها ولا يتردد إلى بيته من يتردد إلى بيت أم شريك, وقد احتج بعض الناس بهذا على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف نظره إليها وهذا قول ضعيف؛ بل الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها؛ لقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ.... وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ. ولأن الفتنة مشتركة وكما يخاف الافتتان بها تخاف الافتتان به، ويدل عليه من السنة حديث نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة أنها كانت هي وميمونة عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ابن أم مكتوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه فقالتا: إنه أعمى لا يبصر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما فليس تبصرانه؟ وهذا الحديث حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وغيرهما. قال الترمذي هو حديث حسن, ولا يلتفت إلى قدح من قدح فيه بغير حجة معتمدة. وأما حديث فاطمة بنت قيس مع ابن أم مكتوم فليس فيه إذن لها في النظر إليه, بل فيه أنها تأمن عنده من نظر غيرها، وهي مأمورة بغض بصرها فيمكنها الاحتراز عن النظر بلا مشقة بخلاف مكثها في بيت أم شريك.اهـ
وبهذا يعلم أن اعتدادها في بيت ابن أم مكتوم هو أخف الضررين.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(3/800)
شرح حديث (تركتكم على المحجة البيضاء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو شرح حديث: (تركتكم على المحجة البيضاء) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث رواه ابن ماجه عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد." قال الشيخ الألباني: صحيح.
قال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير: (قد تركتكم على البيضاء) وفي رواية عن المحجة البيضاء وهي جادة الطريق مفعلة من الحج القصد والميم زائدة (ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا) فيه من معجزاته الإخبار بما سيكون بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر، وقد كان عالما به جملة وتفصيلا لما صح أنه كشف له عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم، ولم يكن يظهره لأحد بل كان ينذر منه إجمالا ثم يلقي بعض التفصيل إلى بعض الآحاد، (فعليكم) الزموا التمسك (بما عرفتم من سنتي) أي طريقتي وسيرتي القديمة بما أصلته لكم من الأحكام الاعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة، وتفسير السنة بما طلب طلبا غير لازم اصطلاح حادث قصد به تمييزها عن الفرض (وسنة) أي طريقة (الخلفاء الراشدين المهديين) والمراد بالخلفاء الأربعة والحسن رضي الله عنهم فإن ما عرف عن هؤلاء أو بعضهم أولى بالاتباع من بقية الصحب (عضوا عليها بالنواجذ) أي عضوا عليها بجميع الفم كناية عن شدة التمسك ولزوم الاتباع لهم، والنواجذ الأضراس والضواحك والأنياب أو غيرها (وعليكم بالطاعة) أي الزموها (وإن كان) الأمير عليكم من جهة الإمام (عبدا حبشيا) فاسمعوا له وأطيعوا (فإنما المؤمن كالجمل الأنف) أي المأنوف وهو الذي عقر أنفه فلم يمتنع على قائده والقياس مأنوف لأنه مفعول به فجاء هذا شاذا (حيثما قيد انقاد) .) انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(3/801)
هدي النبي في طلب الكسب
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف صحة الحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم إن الأخ الذي يشتغل خير من الذي يتعبد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه على خبر بهذا اللفظ إلا أن معناه صحيح في الجملة إذا كان سعي المرء لطلب الكفاف والتعفف عن ذل المسألة والنفقة على العيال والقرابة. وقد دلت أحاديث كثيرة على شرف العمل وفضله، منها ما في الصحيحين من حديث ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:- وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة- اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة، والسفلى السائلة. متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أمسى كالا من عمل يديه أمسى مغفورا له. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الأوسط، قال المناوي في فيض القدير: ولهذا كان نبي الله داود لا يأكل إلا من عمل يده، والأحاديث الدالة على طلب الكسب كثيرة، وورد أنه كان أخوان في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم أحدهما يحترف والآخر لا يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: لعلك ترزق به،.
وقد بينا فضل العمل ومتى يكون عبادة في الفتويين رقم: 25035، 28532.
والله تعالى أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1427(3/802)
لا تلازم بين الدين والخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (ذات دين وخلق-أو- ذو دين وخلق) ألا تكفي كلمة (ذات دين -أو- ذو دين) ، فهل الدين لا يشمل الخلق؟ وتفضلوا بقبول تقديرنا ... وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. أخرجه الترمذي، وقوله: تنكح المرأة على إحدى خصال ثلاثة: تنكح المرأة على مالها, وتنكح المرأة على جمالها, وتنكح المرأة على دينها, فخذ ذات الدين والخلق تربت يمينك. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.
فجمع بين الدين والخلق فيما ينبغي أن يحرص عليه الرجل والمرأة عند نكاحهما وذلك لأن الدين والخلق من أقوى أسباب دوام العشرة وحسنها, ولا يلزم من اتصاف الرجل أو المرأة بالدين حسن الخلق، كما هو واقع، فقد تجد الملتزم ذا الدين وهو سيء العشرة سيء الخلق لا يطاق، فنبه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك, وأرشد أمته إلى اختيار من تحصل معه الألفة والمودة. إذاً فلا تلازم بين الدين والخلق وإن كان ذلك هو الأصل وما ينبغي لأن الدين يأمر بحسن الخلق، ولكن الواقع أن المرء قد يتصف بالدين ولا يكون متصفاً بالخلق، وقد يتصف بالخلق ولا يكون متصفاً بالدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(3/803)
شرح حديث \"تركتكم على المحجة البيضاء..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها) ما معنى كلمة المحجة البيضاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمحجة تقال للطريق، قال في مختار الصحاح: والمحجة بفتحتين جادة الطريق. وقال ابن منظور: المحجة جادة الطريق، مفعلة من الحج القصد، والميم زائدة، وجمعها المحاج، بتشديد الجيم.
وجادة الطريق أي وسطه, وبيضاء لوضوحها, ولذلك قال: ليلها كنهارها أي لا لبس فيها, واضحة جلية لسالكها، وقال المناوي في فيض القدير: قد تركتكم على البيضاء. وفي رواية على المحجة البيضاء. وهي جادة الطريق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1427(3/804)
شرح حديث (..أعوذ بكلمت الله التامات..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك دعاء وارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حسب علمي وهو: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فما هي كلمات الله التامات؟ وبارك الله في جهودكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء المشار إليه في السؤال ثابت ورد في صحيح مسلم من حديث خولة بنت حكيم أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك.
قال الإمام النووي: وقيل المراد بالكلمات هنا القرآن. انتهى، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: قيل المراد بها كلامه على الإطلاق وقيل أقضيته وقيل ما وعد به. انتهى، وعلى كل فهو تعوذ بالله تعالى لأن التعوذ بالصفة تعوذ بالموصوف. والتامات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل النافعة الشافية، وفسر الزرقاني في شرح الموطأ وغيره: "الكلمات" بالأسماء الحسنى والصفات العلى وبالكتب المنزلة من عند الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(3/805)
معنى \"اللهم إنا نجعلك في نحورهم..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة نحورهم في حديث اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لذلك الحديث: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم.... إلخ) قال: أي في إزاء صدورهم لتدفع عنا صدورهم وتحول بيننا وبينهم. تقول: جعلت فلانا في نحر العدو، إذا جعلته قبالته وترسا يقاتل عنك ويحول بينه وبينك. ذكره القاضي (ونعوذ بك من شرورهم) خص النحر لأنه أسرع وأقوى في الدفع والتمكن من المدفوع، والعدو إنما يستقبل بنحره عند المناهضة للقتال، أو للتفاؤل بنحرهم أو قتلهم. والمراد نسألك أن تصد صدورهم وتدفع شرورهم وتكفينا أمورهم وتحول بيننا وبينهم. انتهى منه. وانظر الفتوى رقم: 20343.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1427(3/806)
شرح حديث \"خمس ليس لهن كفارة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء شرح الحديث \"خمس ليس لهن كفارة. الشرك بالله وبهت مؤمن.....\" الحديث صحيح عند الإمام أحمد، ما مفهوم الكفارة لكل واحد من الأصناف الخمسة التي لا تنفعهم؟ وأعطونا أمثلة لكبائر أخرى لم تذكر في الحديث تنفعها الكفارة؟
والصلاة على سيدنا رسول الله وبارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث: خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله عز وجل، وقتل النفس بغير حق، وبهت المؤمن، والفرار من الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق. أخرجه أحمد وابن أبي عاصم وفي سنده بقية وهو مدلس, وقد صرح بالتحديث في رواية ابن أبي عاصم, وقد حسن الحديث الألباني.
وهذا الحديث يُحمَل على نفي تكفير الأعمال الصالحة للكبائر، فالتطهير من الكبائر لا يكون إلا بالتوبة أو الحد إن كان فيها حد، أو بتكرم الله على العبد بالمغفرة، ولا تكفرها الحسنات ونحوها على الراجح، لقوله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. رواه مسلم.
وأما التكفير بالتوبة والحد فهو ثابت بأدلة أخرى منها قوله سبحانه وتعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38} ومنها قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان: 68 ـ 71} وروى الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وحوله عصابة من أصحابه-: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. فبايعناه على ذلك. رواه البخاري، فهذا الحديث يدل على أن مرتكب الكبيرة إذا أقيم عليه الحد كان كفارة له حتى ولو لم يتب. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود، وهو قول الجمهور. انتهى
وأما إذا تاب وصدقت توبته فإن الله يقبلها منه، قال ابن حجر في فتح الباري: وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أم لا. انتهى
ومن فوائد الحديث أن من مات وكان مرتكبا للكبيرة ولم يتب منها فهو تحت مشيئة الله فإن شاء غفر له برحمته، وإن شاء عذبه بعدله.
ومن الأمثلة على الكبائر الأخرى التي تكفرها التوبة ما في الحديث: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. أخرجه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: الكبائر تسع: أعظمهن إشراك بالله، وقتل النفس بغير حق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار يوم الزحف، وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا. رواه البيهقي وروى بعضه النسائي وحسنه الألباني.
وقد ذهب بعض العلماء إلى تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة، وقد أطال ابن رجب في جامع العلوم والحكم في نقاش المسألة عند حديث: وأتبع السيئة الحسنة تمحها، فراجعه فهو موجود على الانترنت،
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1427(3/807)
لا تعارض بين القولين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك تعارض بين القول المأثور (إذا بليتم فاستتروا) والقول الآخر (لا تجعل الله أهون الناظرين إليك) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين القولين فالمقولة الأولى تحض على ستر العبد نفسه، وعدم المجاهرة بالمعاصي، وأما الثانية فتحض على الحياء من الله تعالى، ولا شك أن من استتر بذنبه أقل شراً من يجاهر بالذنوب، ولكنه يجب التنبيه إلى أنه قد رهب الشرع من كون العبد يستحي من الناس ولا يستحيي من الله، فيظهر أمام الناس طائعاً وإذا خلا وحده بارز الله بالمعاصي، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35747، 9268، 29331، 35081.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1427(3/808)
معنى \"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد\"
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الحديث المروي عن عائشة رضي الله عنها فيما معنى الحديث: من لا يذكر فيه اسم الله فهو رد
أريد أن اعرف هل كل ما لا يذكر فيه اسم الله فهو مردود على صاحبه فلا أجر له؟ أرجو الإجابة على هذا السؤال جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر أنك تريد حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. متفق عليه.
واشتبه عليك مع حديث: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع. رواه الحافظ الرهاوي في الأربعين عن أبي هريرة وفيه ضعف.
ومعنى الحديث الأول أنه لا يجوز التعبد بعمل إلا بشرط أن يكون مما دل عليه الدليل, وإلا كانت العبادة مردودة على صاحبها، وهو آثم لإقدامه على التعبد بما لم يشرعه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1427(3/809)
شرح حديث (..ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل دعاء: االلهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك.... ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، هل الدعاء المذكور هو حديث شريف، وإذا كان كذلك فلماذا لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم العقل في قوله (ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا) ، لم يذكر العقل، مع أن العقل هام جداً في الحياة؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء المذكور هو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا نصه عن خالد بن أبي عمران أن ابن عمر قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا. رواه الترمذي. وقال هذا حديث حسن غريب.
ومعنى الحديث كما في تحفة الأحوذي وقوله: ومتعنا من التمتيع أي اجعلنا متمتعين ومنتفعين بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أي بأن نستعملها في طاعتك.
قال ابن الملك التمتع بالسمع والبصر إبقاؤهما صحيحين إلى الموت ما أحييتنا أي مدة حياتنا. وإنما خص السمع والبصر بالتمتيع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده إنما تحصل من طريقهما.
لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات وذلك بطريق السمع أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس فذلك بطريق البصر، فسأل التمتيع بهما حذراً من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ولما حصلت المعرفة بالأولين يترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه قاله الطيبي. والمراد بالقوة قوة سائر الأعضاء والحواس أو جميعها فيكون تعميماً بعد تخصيص. فالعقل داخل في الدعاء المذكور إجمالا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1427(3/810)
معنى حديث \"من غسل يوم الجمعة واغتسل..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت حديثا عجبا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أريد منكم شرح الحديث وهل هو صحيح. يقول الرسول الأعظم: من غسل واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ... إلى آخر الحديث؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع، ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها. قال الشيخ الألباني صحيح، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند الإمام أحمد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات رجال الصحيح، غير أن صحابيه لم يخرج له إلا أصحاب السنن.
وأما معناه فقد قال المباركفوري في شرحه لسنن الترمذي: قوله (من اغتسل وغسل) روى بالتشديد والتخفيف قيل أراد به غسل رأسه، وبقوله: واغتسل، غسل سائر بدنه، وقيل جامع زوجته فأوجب عليها الغسل فكأنه غسلها واغتسل، وقيل كرر ذلك للتأكيد (وبكر) بالتشديد على المشهور أي راح في أول الوقت (وابتكر) أي أدرك أول الخطبة، ورجحه العراقي. فمعنى (وابتكر) على هذا إدراك أول الخطبة، وأول كل شيء باكورته، وقيل معنى اللفظتين واحد وإنما كرر للمبالغة والتوكيد كما قالوا: أجاد مجد، وبهذا جزم ابن العربي. انتهى.
وزاد أبو داود وغيره في رواياتهم: ومشى ولم يركب (ودنا) زاد أبو داود وغيره من الإمام (واستمع) أي الخطبة (وأنصت) تأكيد (بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) انتهى منه بتصرف.
فهذا هو معنى الحديث وذاك هو الحكم عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1427(3/811)
دلالة ثناء أهل الفضل والصدق على الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح: يشهد للميت أربعون، وإذا كان صحيحا فإنه يمكن أن يكون المتوفى هذا من أهل الرياء والناس سيشهدون على أنه رجل خير فهل في الحديث تناقض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث باللفظ المذكور في السؤال لم نجده فيما بين أيدينا من المصادر على كثرتها، ولكن روى البخاري في صحيحه واللفظ له، وأحمد والنسائي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله.
فإن كان هذا الحديث هو الذي عناه السائل فليس فيه تناقض من حيث إمكانية أن يكون الميت مرائيا، وذلك أن الشهادة المعتبرة والمقصودة في الحديث هي شهادة أهل الفضل والصدق؛ لا الفسقة، وبشرط أن تكون مطابقة للواقع.
قال النووي: قال بعضهم: مضى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل وكان ذلك مطابقا للواقع فهو من أهل الجنة، فإن كان غير مطابق فلا، وكذا عك سه. اهـ
وهذا أحد القولين للعلماء في معنى الحديث.
والقول الثاني: أن هذا الحديث على عمومه، وأن ثناء أهل الفضل والصدق على الميت دليل على أن الله تعالى شاء له المغفرة وإن كانت أعماله لا تطابق شهادتهم، إذ العقوبة غير واجبة على الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، وإلهام الله تعالى الناس الثناء عليه دليل على أنه أراد له المغفرة، وهذا القول هو الذي رجحه النووي، وفضل الله واسع ورحمته شاملة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1427(3/812)
معنى \"الحج عرفة\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم \" الحج عرفة \" فهل من سبب لتحديد الحج بيوم عرفة؟ وهل صحيح أنه سمي ذلك المكان بعرفة لأنه تم فيه التعارف واللقاء بين أبينا آدم وأمنا حواء؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في سنن الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فسألوه، فأمر مناديا فنادى الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج. قال الشيخ الألباني: صحيح.
فالوقوف بعرفة أعظم أركان الحج لأنه إذا فات وقته بدون وقوف فقد فات على الشخص الحج في ذلك العام؛ بخلاف غيره من الأركان فيمكن تداركها. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: الحج عرفة: أي معظم الحج وركنه الأكبر. انتهى.
وتخصيص هذا اليوم بالوقوف هو من الأمور التي تخفى على المسلم فالواجب عليه التسليم لها، فقد يكون تشريعها على هذا الوجه ابتلاء واختبارا للمسلم هل يستسلم وينقاد لأمر الله تعالى أم لا، وينبغي الإعراض عن السؤال عن الحكمة من تشريع مثل هذه الأمور لعدم الفائدة المرجوة من ذلك، وراجع الفتوى رقم: 7566 والفتوى رقم: 4406.
وسبب تسمية يوم عرفة بهذا الاسم سبق بيانه في الفتوى رقم: 52025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1427(3/813)
معنى حديث \"..أسألك موجبات رحمتك..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[الاخوة الكرام: بارك الله في جهودكم في هذا الموقع وبالذات ركن الفتاوى الذي أتابعه ومن فترة باستمرار. والذي يدل على فهم وسطي وفقه عظيم لمقاصد الدين واحتياط له. فجزاكم الله خير الجزاء ولا شك أن أجر القائمين على هذا الموقع عظيم إن شاء الله تعالى.
وسؤالي هذه المرة هو: حول الدعاء المأثور (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنه والنجاة من النار) أسال الله أن أكون وأنتم من أهل الجنة والمسلمين جميعا، وسؤالي هو:
أولا: هل هذا الدعاء هو حديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟.
وثانيا: ما هي موجبات الرحمة وعزائم المغفرة المقصودة في الدعاء؟ هل هي أمور عامة أم أشياء محددة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء المذكور وارد في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.
والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: أسألك موجبات رحمتك. أي أسبابها، قال الطيبي: جمع موجبة وهي الكلمة الموجبة لقائلها الجنة، يعني الأفعال والأقوال والصفات التي تحصل رحمتك بسببها.
وقوله: وعزائم مغفرتك. قال السيوطي: أي موجباتها جمع عزيمة، وقال الطيبي: أي أعمالا تتعزم وتتأكد بها مغفرتك.
وقوله: والغنيمة من كل بر. قال القاري: أي طاعة وعبادة فإنهما غنيمة مأخوذة بغلبة دواعي عسكر الروح على جند النفس، فإن الحرب قائمة بينهما على الدوام، ولهذا يسمى الجهاد الأكبر لأن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.
وقوله: والسلامة من كل إثم. قال العراقي: فيه جواز سؤال العصمة من كل الذنوب، وقد أنكر بعضهم جواز ذلك إذ العصمة إنما هي للأنبياء والملائكة، قال: والجواب أنها في حق الأنبياء والملائكة واجبة، وفي حق غيرهم جائزة، وسؤال الجائز جائز؛ إلا أن الأدب سؤال الحفظ في حقنا لا العصمة، وقد يكون هذا هو المراد هنا. انتهى من تحفة الأحوذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1427(3/814)
معنى \"إن عرشه وسمواته لهكذا\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا كان يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله للأعرابي (إن عرشه وسمواته لهكذا) وقال بأصابعه مثل القبة عليه، أرجو أن توضحوا لي ما المقصود مثل القبة عليه؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى أبو داود عن جبير بن مطعم قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك أتدري ما تقول؟! وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سماواته لهكذا ... وقال بأصابعه مثل القبة عليه، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. وقد ضعف الحديث الشيخ الألباني في عدة كتب من كتبه.
ومعنى قوله: إن عرشه على سماواته لهكذا، وقال بأصابعه مثل القبة عليه معناه: أنه صلى الله عليه وسلم عطف أصابعه وحناها إلى أسفل كفه حتى صارت كالقبة، قال صاحب عون المعبود في شرحه للحديث: مثل القبة عليه: قال القارئ: حال من العرش أي مماثلاً لها على ما في جوفها، قال الطيبي: هو حال من المشار به. وقال في معنى الإشارة: أي أشار بأصابعه إلى مشابهة هذه الهيئة وهي الهيئة الحاصلة للأصابع الموضوعة على الكف مثل حالة الإشارة. انتهى، ولكن الحديث ضعيف كما تقدم فلا حاجة حينئذ إلى بيان المراد منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1426(3/815)
شرح حديث: لعن المرأة الدابة
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتونا في شأن حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما لعنت امرأة دابتها فقال عليه الصلاة وأزكى التسليم \"وايم الله لا تصاحبنا دابة عليها لعنة من الله\" كيف لعنت الدابة من الله والمرأة هي التي لعنتها؟ هل معنى ذلك استجابة الدعاء؟ وما معنى اللعنة على الدابة هنا إذا كان الدعاء قد استجيب؟ وهل إرسال الناقة هنا عقاب للمرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث المرأة والدبة صحيح، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة. قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. رواه مسلم، وفي رواية: قالت: اللهم العنها. قال النووي: واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل معناه ولا إشكال فيه، بل المراد النهي أن تصاحبهم تلك الناقة، وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها في غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كل ذلك وما سواه من التصرفات جائز لا منع منه إلا من مصاحبته صلى الله عليه وسلم بها؛ لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة، فمنع بعض منها فبقي الباقي على ما كان. والله أعلم. انتهى.
وقال ابن مفلح في الفروع: فيتوجه احتمال أن النهي عن مصاحبتها فقط؛ ولهذا روى أحمد من حديث عائشة أنه عليه السلام أمر أن ترد وقال: لا يصحبني شيء ملعون، ويحتمل مطلقا من العقوبة المالية لينتهي الناس عن ذلك هو الذي ذكره ابن هيبرة في حديث عمران، ويتوجه على الأول احتمال إنما نهى لعلمه باستجابة الدعاء، وللعلماء كهذه الأقوال. انتهى.
فهذا هو معنى الحديث ومحمله. ومما يستفاد منه أيضا: الزجر البليغ عن اللعن سيما لعن البهائم ونحوها مما ليس أهلا له، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما ذكر النووي في رياض الصالحين، وساق جملة من الأحاديث منها: ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا لذلك وإلا رجعت إلى قائلها. رواه أبو داود. واللعن معناه الطرد والإبعاد من الخير؛ كما في مختار الصحاح. والدابة ليست أهلا للعن فترجع اللعنة إلى لاعنها كما هو مقتضى الحديث.
ولا ينبغي للمسلم أن يعود لسانه على هذا أو على مثله من الألفاظ البذيئة التي لا تليق بمكانة المسلم ورحمته وحبه للخير لجميع الناس، ولكن يقتصر في ذلك على من لعنه الله أو لعنه رسوله صلى الله عليه وسلم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1426(3/816)
حديث (..إن الله جميل يحب الجمال..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتمثل حول حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال هل هذا الحديث صحيح أو ضعيف ? وما معنى الجمال في الحديث؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وغيرهم. ونصه كما عند مسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس. وأما معنى جملة إن الله جميل يحب الجمال فقد قال المناوي: إن الله جميل أي له الجمال المطلق جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال، يحب الجمال أي التجمل منكم في الهيئة، أو في قلة إظهار الحاجة لغيره، والعفاف عن سواه. انتهى
فهذا هو معنى تلك الجملة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(3/817)
معنى حديث \"..الإيمان يمان والحكمة يمانية..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الحديث الشريف: أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوباً، الإيمان يمان والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه في السؤال حديث صحيح رواه الشيخان، فقوله عليه الصلاة والسلام (وأرق أفئدة ... ) أي ألينها وأسرعها لقبول الحق واستجابة للداعي لأنهم أجابوا إلى الإسلام بدون محاربة للين قلوبهم، وقوله (ألين قلوباً) وفي رواية (أضعف قلوباً) أي أعطفها وأشفقها، وقوله (الإيمان يمان) أي الإيمان يماني، فنسب الإيمان إلى أصل اليمن إشعاراً بكمال إيمانهم، قال النووي: ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان. قوله (الحكمة يمانية) نسب الحكمة إليهم كما نسب الإيمان، قال ابن حجر: والمراد بها هنا العلم المشتمل على المعرفة بالله.
وقوله (الفخر والخيلاء في أصحاب الإبل) الفخر هو الافتخار وعد المآثر، والخيلاء هو الكبر، قال الخطابي: إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم وذلك يفضي إلى قساوة القلب. (والسكينة والوقار في أهل الغنم) لأنهم غالباً دون أهل الإبل في التوسعة والكثرة وهما سبب الفخر والخيلاء، وقيل: أراد بأهل الغنم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم؛ بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب الإبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1426(3/818)
معنى (الشجاع الأقرع)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث صحيح بوجود الشجاع أو الثعبان الأقرع في القبر؟ ولماذا سمى بالأقرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأحاديث الصحيحة واردة بخبر الشجاع الأقرع، وقد بينا طرفاً منها في الفتويين رقم: 2106 // 14756، ولكنها كلها تذكر أن ذلك يكون في يوم القيامة، وفي بعض الأخبار الضعيفة أنه يكون في القبر، ومعنى ((الشجاع الأقرع)) كما في تحفة الأحوذي: أي الذي لا شعر على رأسه لكثرة سمه وطول عمره. وكذا قال الخطابي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1426(3/819)
شرح حديث (إنما بقاؤكم فيما سلف..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت هذا المقال وأريد أن أعرف الحكم الشرعي فيه لظني أن به علة خفية
والله أعلم:
حدثنا الحكم بن نافع: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يقول: (إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً! ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا به حتى صلاة العصر ثم عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أعطيتم القرآن، فعملتم به حتى غروب الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين. قال أهل التوراة: ربنا هؤلاء أقلُّ عملاً وأكثر أجراً؟ قال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء) . صحيح البخاري.
يعني أن عمر اليهود (من الفجر حتى منتصف النهار) = عمر النصارى (من منتصف النهار حتى صلاة العصر) + عمر المسلمين (من منتصف النهار حتى آخر النهار.
إتفق المؤرخون بأن عمر اليهود 2000 - 2100 سنة.
وعمر النصارى (600 سنة) يؤخذ من الحديث:
3732 - حدثني الحسن بن مدرك: حدثنا ي! حيى بن حماد: أخبرنا أبو عوانة، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ستمائة سنة. صحيح البخاري، الإصدار 1.08
رياضيا فإن عمر أمة الإسلام = عمر اليهود (2000 أو 2100) - عمر النصارى (600) = (1400 أو 1500)
إذا عمر أمة الإسلام يتراوح من 1400 سنة إلى 1500 كحد أقصى.
قضي من عمر أمة الإسلام حتى الآن: نحن في سنة 1422 هجرية + 13 سنة (قبل بداية التاريخ الهجري وهي مابين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته) = 1435 سنة
إذا عمر أمة الإسلام أدنى حد 1400 وأعلى حد 1500 سنة قضي منها 1435 سنة....
إذا نستنتج من هذا إن موعد الريح القادمة من اليمن التي ستقتل كل مسلم في آخر الزمن هو يحتمل أن يكون اليوم أو بعد 65 سنة كحد أقصى. (65= 1500- 1435)
نحن نعلم يقينا بأنها لن تحدث اليوم لما نعرفه يقينا من علامات تأتي قبلها.
هل هذه الحسابات صحيحة في هذا المقام؟؟
وإن كانت صحيحه فلماذا لم يتنبه لها كبار علماء الإسلام أمثال ابن تيميه وابن القيم؟؟
وجزاكم الله كل الخير وبارك فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي استند إليه كاتب هذا المقال صحيح ولكنه لم يرد في المعرض الذي أورده فيه هو، فقد ذكر أهل العلم أن المراد منه كثرة العمل وقلته، وليس طول الزمان وقصره، قال ابن حجر في فتح الباري: ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة، لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا إن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان، وقيل إنها دون ذلك حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس وعشرون سنة، وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر ولا قائل به، فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته.
ثم إنه لا شك في أن الريح الباردة التي تأتي من قبل الشام (وليس من قبل اليمن) والتي لا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، كما ورد في صحيح مسلم وغيره، قد قرب موعدها، وكذا جميع العلامات الكبرى للساعة، فإنها قريبة أيضاً لكن دون تحديد لزمنها، وقد ورد قرب الساعة في القرآن، وفي أحاديث كثيرة، لكن لا أحد يعرف متى يكون ذلك بالتحديد، قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ {القمر: 1} وقال: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ {الأنبياء: 1} وقال: أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ {النجم: 57 ـ 58}
وفي تفسير الطبري: أزفت الآزفة: يقول: دنت الدانية، وإنما يعني دنت القيامة، وقوله: ليس لها من دن الله كاشفة: يقول تعالى ذكره: ليس للآزفة التي قد أزفت وهي الساعة التي قد دنت من دون الله كاشف، يقول ليس تنكشف فتقوم إلا بإقامة الله إياها، وكشفها دون من سواه من خلقه، لأنه لم يطلع عليها ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلا.. وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً {الأعراف: 187} وانظر الفتوى رقم: 5563، للمزيد من تفاصيل الموضوع، وعلى كل فإن هذه الحسابات التي ذكرت ليست صحيحة، ولا يجوز الاعتماد عليها في مثل هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(3/820)
معنى حديث \"فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء.. \"
[السُّؤَالُ]
ـ[عن جندب بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة اللَّه فلا يطلبنكم اللَّه من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
لقد قرأت شرح الحديث في أكثر من مصدر كشرح الإمام النووي، وتحفة الأحوذي؛ غير أن المعاني بقيت غامضة رغم شروحهم
أرجو بيان شرح الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام: فلا يطلبنكم اللَّه من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم
لقد توجهت إليكم لبيان المعنى لأني أعرف تعمقكم في العلم، ولأن موقعكم - خصوصا قسم الفتوى - من أهم المواقع على شبكة الإنترنت
لا أريد شرحا عائما لا يوضح المعنى بل أريد شرحا متعمقا يسبر غور مراده صلى الله عليه وسلم. علما بأن شرحكم سيعرض على كبار طلبة العلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الحديث واضح جلي وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من أذية المسلم المؤدي لصلاة الفجر ويبين لهم أن من أداها فقد دخل في ذمة الله أي في ضمانه وحمايته وأمانه. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: فهو في ذمة الله.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء. فهو نهي وتحذير عن أذية من هو في أمان الله وحمايته لأن أذيته تعتبر في الحقيقة اعتداء على الله ونقضاً لأمانه الذي وهبه لهذا المصلي، ومن نقض عهد الله واعتدى عليه فقد عرض نفسه لمحاربة الله، والله ينتقم لمن أوذي وهو في جواره وأمانه، ونضرب لذلك مثلاً ولله المثل الأعلى فنقول: لو أن شخصاً جاء إلى رئيس قبيلة وطلب منه الأمان وأمنه فحينئذ من اعتدى عليه فقد اعتدى على مؤمنه وهو رئيس القبيلة وحينها سيقوم رئيس القبيلة بالإنتقام له ممن اعتدى عليه؛ إلا أنه قد يقدر على معاقبته وقد لا يقدر. أما الله جل جلاله فإنه يقدر على الانتقام ممن اعتدى على من هو في جواره وأمانه ولا يحول بينه وبينه أحد، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ومن يطلبه من ذمته بشيء يدركه. وإذا أدركه فعقابه هو كبه في النار على وجهه ما لم يتب أو يعفو عنه سبحانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(3/821)
معنى حديث \"..أما هذا فكان لا يستتر من البول\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى أن يستتر الإنسان من بوله، وما هو الحد المطلوب؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستتار من البول الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث عليه معناه التحفظ والاستنزاه منه، فقد روى أبو داود عن طاوس عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستتر من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً، وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا. قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: قال هناد: يستتر مكان يستنزه كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، وفي رواية ابن عساكر: يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء، فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه، فتوافق رواية لا يستتره لأنها من التنزه وهو الإبعاد. ووقع عند أبي نعيم عن الأعمش: كان لا يتوقى، وهي مفسرة للمراد. وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته. انتهى.
هذا معنى الاستتار من البول كما فسره الأكثر في الحديث المذكور.
وأما الحد المطلوب من الاستنجاء من البول، وغيره فقد تقدم في الفتوى رقم: 22828، والفتوى رقم: 32839.
وفي غير الاستنجاء فليس هناك حد للتحفظ من نجاسة البول، فيجب إزالته من البدن والثوب والمكان عند إرادة الصلاة سواء كان قليلا أو كثيراً، وفي غيرها يكره للمسلم أن يتلبس بالنجاسة من غير ضرورة، بل إن بعض أهل العلم نص على حرمة ذلك، كما سبق في الفتوى رقم: 51944، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 36017.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1426(3/822)
معنى حديث \" وإمام ضلالة وممثل..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى هذا الحديث: (أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيا وإمام ضلالة وممثل من الممثلين) ، ما المقصود بالممثل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى أول الحديث واضح، وقد أخرجه الإمام أحمد في المسند، والمراد بإمام الضلالة من كان قائداً في الضلال، كدعاة الشرك والفجور والابتداع الذين وصفهم في الحديث بقوله: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها. رواه مسلم.
وأما الممثلون فالمراد بهم المصورون الذين يصنعون التماثيل، ففي حديث الصحيحين: أن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم. قال الخطابي: إنما عظمت عقوبة المصور لأن الصور كانت تعبد من دون الله، ولأن النظر إليها يفتن، وبعض النفوس إليها تميل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(3/823)
معنى \"ما آمن بي من بات شبعان..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث عن أنس بن مالك ينفي فيه صفة الإيمان عمن ينام شبعان وجاره جوعان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث أخرجه البزار والطبراني والمراد من نفي الإيمان هنا نفي الكمال لا نفي أصل الإيمان كما ذكر المناوي وغيره، وقد سبق ذكر الحديث مخرجاً في الفتوى رقم: 32570، والفتوى رقم: 54698.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(3/824)
شرح حديث (قيس له ما بين مولده إلى منقطع أثره)
[السُّؤَالُ]
ـ[روى النسائي بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال:
مات رجل بالمدينة ممن ولدوا بها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا ليته مات بغير مولده. قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة.
ما معنى العبارة الأخيرة: \"قيس بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة\" وما هو الجزاء المترتب علي ذلك؟
وجزاكم الله خيراً وبارك فيكم وفي علمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث حسنه الشيخ الألباني ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: قيس له ما بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة. أنه يعطى في الجنة مسافة قدرها قدر ما بين مكان ميلاده إلى المكان الذي انقطع فيه أثره أي انقطع أجله. كذا في شرح سنن النسائي وعزاه للطيبي
وهذه المسافة التي تعطى له في الجنة هي جزاؤه، وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين رواية أخرى توضح الجزاء أكثر وهي رواية ابن لهيعة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر رجل بالمدينة فقال: ياله لو مات غريباً، فقيل له: وما للغريب يموت بغير أرضه، فقال، ما من غريب يموت بغير أرضه إلا قيس له من تربته إلى مولده في الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(3/825)
معنى حديث \"أعمار أمتي ما بين الستين..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين) أو كما قال.أريد أن أعرف الحديث نصا وإسنادا ومعنى، والواقعة التي قيل فيها هذا الحديث إن وجدت.
أسأل الله لكم التوفيق والسداد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نص الحديث هو: أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. ورواه الترمذي وابن ماجه. ومعنى الحديث أن أغلب أعمار هذه الأمة تتراوح بين ستين سنة إلى سبعين، ومنهم من يزيد على ذلك وهو قليل.
وقيل: إن العمر المحمود الوسط المعتدل هو ما بين الستين والسبعين، وهو حال أعمار أصفياء هذه الأمة؛ منهم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وراجع شرح المباركفوري لسنن الترمذي، وشرح المناوي للجامع الصغير. وأما الواقعة التي ذكر فيها فلم نر من ذكرها. وراجع الفتوى رقم: 46037.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1426(3/826)
من عشق فكتم وعف ومات هل يكون شهيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال أرجو الإجابه عليه:
ورد حديث: من عشق وكتم وعف فمات، فهو شهيد. في سنده ضعف، لكن معناه صحيح.
أنا بالفعل عشقت شخصا بجنون وكنا نعمل معا ولكنه ترك العمل وذهب إلى بلده وطوال فترة طويلة لم أستطع نسيانه بل تقدم لي البعض ولكني رفضتهم ولو تقدم لي هو لوافقت حيث لم يعد لي الرغبة في أي شخص آخر ولتأكدي من مبادلتي هو لنفس الشعور ولكن عدم استطاعته الزواج لأنه أصلا متزوج هذا ما قاله، بعد ذلك بعدة سنوات لم أستطع كتمان حبه في قلبي وكان لا بد لي أن أبوح لشخص ما دون أن أعرفه أو يعرفني،، وخطرت لي فكرة هي البحث عن صديقة عبر الإنترنت وبالفعل وجدتها ولكني لم أعطها اسمي الحقيقي ولا اسم الشخص الذي أحببته بل حكيت لها القصة فقط. فهل يعتبر هذا بوح وهل إذا مت أكون شهيده أم لا؟
أفتوني وجزاكم الله خيرا؟؟؟؟ أرجوكم لا تحولوني على فتاوى سابقة لأني قد قرأتها كلها ولم أجد إجابة على سؤالي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرت: من عشق وكتم وعف فمات فهو شهيد. في سنده ضعف بل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه حديث موضوع، كما بين ذلك الشيخ الألباني وغيره. ولكن معناه قد صحح منه أهل العلم ما تعلق بالعفة والتقوى. قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر هذا الحديث: لكن المعنى الذي ذكره دل عليه الكتاب والسنة، فإن الله أمرنا بالتقوى والصبر، فمن التقوى أن يعف عن كل ما حرمه الله، من نظر بعين، ومن لفظ لسان، ومن حركة بيد ورجل)
ووردت أخبار تعضد هذا المعنى، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة. وما بين لحييه: يعني اللسان، وما بين رجليه: يعني الفرج.
وعليه فإذا كنت قد اتقيت الله حقاً في عشقك، ولم تحصل منك خلاله أية مخالفة وكنت صابرة محتسبة، فنرجو الله أن يجعل لك بذلك حظاً من الشهادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1426(3/827)
معنى \"اللهم رب هذه الدعوة التامة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة المشايخ العاملون في الشبكة الاسلامية
سؤالي: ما المقصود بعبارة:
اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد
أرجو التوضيح بشكل دقيق ومفصل لأنه موضوع نقاشي مع زوجتي حول الوسيلة والدرجة الرفيعة والشفاعة والمقام المحمود
ولكم مني ومن زوجتي أفضل تحية وسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي المسند وصحيح البخاري وغيرهما عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة.
والمراد بالدعوة التامة دعوة التوحيد التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل ولايخالطها شرك، لأن ألفاظ الأذان تشمل عليها.
والصلاة القائمة هي: الصلاة المعهودة المدعو إليها.
والوسيلة هنا هي المنزلة العلية في الجنة، وقد ورد في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو وفيه: ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة.
والفضيلة هي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق.
والمقام المحمود الذي وعده الله به هو مقامه يوم القيامة بالشفاعة العظمى حين يفصل الله بين الخلائق، وسمي محموداً لأن الناس يحمدونه عليه أي يثنون.
ووعد الله له بهذا المقام مذكور في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا {الإسراء: 79} وعسى من الله تعالى وعد كما صح عن ابن عيينة وغيره، والله لا يخلف الميعاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1426(3/828)
الثناء على الأحياء والأموات
[السُّؤَالُ]
ـ[في صحيح البخاري: عن أنس يقول مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي (صلى الله عليه وسلم وجبت.... أنتم شهداء الله في الأرض, وهناك حديث ضعيف يقول: إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان. سؤالي هو: هل هذان الحديثان متعارضان, وكيف تفسيرهما, أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديثين غير متعارضين لكون حديث الصحيحين وهو الأول دال على مشروعية الشهادة بالخير للعبد الصالح عند موته فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم من أثنوا بالخير على الجنازة الأولى وقال وجبت وجبت، وأما الحديث الثاني فهو يحض على الشهادة بالإيمان لمعتاد المساجد وهذا من الشهادة بالخير.
وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن الثناء على الميت جائز مطلقاً، وأن الحي يجوز الثناء عليه إلا إذا أفضى إلى الإطراء خشية عليه من الزهو. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 46547، والفتوى رقم: 54303.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1426(3/829)
شبهات وجوابها حول نصوص من الوحي
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني أثابكم الله لقد سمعت أحاديث عن الرسول وقيل لي إنها أحاديث صحيحة ووردت في البخاري وإني أطلقت عليها الأحاديث المرعبة وأريد شرحا وافيا لظروف ومناسبات هذه الأحاديث
1- أن امرأة دخلت النار في هرة رغم أنها عابدة ومؤمنة بالله ولاتشرك به شيئا.
2- امرأة دخلت النار لأنها كانت تؤذي جيرانها.
3- كان الرسول يجلس مع الصحابة ودخل عليهم رجل فقال لهم إنه من اهل النار وحدث ذلك ثلاث مرات فتعجب أحد الصحابة كيف يدخل هذا الرجل النار وهو متعبد وصالح وخارج للجهاد معهم في سبيل الله فأخذ يترقبه فوجده في المعركة يحارب بشدة ويقتل الكثير من الكفار حتي أصيب بجرح شديد فوجده يتكأ علي السيف وقتل نفسه لأنه لم يتحمل ذلك الجرح فقال هذا الرجل من الصحابة صدقت يا رسول الله إنه من أهل النار إنه قتل نفسه.
4- رجل يعمل بعمل أهل الجنة حتي يتبقي له ذراع ويدخل الجنة فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار والعكس.
إني سوف أتحدث معكم بكل صراحة وبكل ما يدور في داخلي كيف أسمع بهذه الأحاديث ولا أخاف وإني أسال أين الأحاديث التي تتحدث عن مغفرة الله سبحانه وتعالي إذا بلغت ذنوبنا عنان السماء فإنه يغفر لنا ما دام لم نشرك به وأن رحمته سبقت غضبة وشفاعة النبي لنا وأشياء كثيرة أنتم تعلمونها عن رحمة ومغفرة ربنا سبحانه وتعالي التي أراحتنا كثيرا فكيف بامرأة تدخل النار في هرة رغم عملها الحسن وإني لا أستهزأ بالهرة ولكني أعتبره ذنبا من الذنوب بمغفرة ربنا يمكن أن تتجاوزها وكذلك المرأة التي تؤذي جيرانها وكذلك الرجل الذي يجلس مع الرسول والصحابة وكان يجاهد في سبيل الله ليس رياء ولكنه قتل كثيرا من الكفار ولكنه ضعف في لحظة وأنهى حياته فلا يستطيع حتى التوبة ولماذا تكون هذه نهايته مادام كان رجلا صالحا ومتعبدا أو أنه كان غير ذلك أي أنه كان يجلس مع الرسول والصحابة وكان لا يصلي مثلا ولا يقوم الليل ولا يقرأ القرآن ولا يزكي عن ماله ولا يصل رحمه إني أريد أن نعرف جميعا ملابسات حياته حتى أرتاح ويذكر ذلك لجميع الناس أي لا يكتفي بذكر الحديث فقط لأني أعلم أنه من المستحيل أن رجلا كان يصلي ويتعبد ويقرأ القران ويقيم الليل ويصل رحمه وأن تكون نهايته كذلك إن الله كبير وغفور ورحيم لدرجة أن بداية أي سورة بها صفتان من جلالته وهي الرحمن الرحيم وكذلك كيف برجل يعمل بعمل أهل الجنة ويتبقي له ذراع وفي النهاية يدخل النار. أريحوني أراحكم الله أريد شرحا وافيا لهذه الأحاديث وأن يتم نشرها لجميع الناس لأن هذه الأشخاص دخلت النار فما بالنا نحن ونحن قد فعلنا الكثير والكثير ولكني كنت دائما مطمئنا برحمة ربنا وشفاعته وشفاعة النبي ما دام ابتعدنا عن الكبائر فإني منذ سنتين بدأت أصلي في جماعة واقرأ يوميا القرآن وأدعوا للمسلمين وأحاول أن آخذ بيد أقاربي وزملائي إلى طاعة الله وأزكي وأتصدق وأصل رحمي وأبر والدي وأتقن في عملي وأقيم الليل وأحسست بحلاوة شديدة جدا وأحببت رمضان كثيرا بدلا من السنوات الماضية التي كنت أتفرج علي المسلسلات ولا أفعل شيئا إلا صلاة التراويح وبدأت أحس أني أتقرب من الله وبدأت أقرأ في تفسير القرآن وسنة النبي ولكني عندما وقفت عند هذه الأحاديث أحسست بالرعب رجاء أن تزيلوا عني هذا الرعب بشرحكم الوافي حيث إنني لم أقرأ شيئا عن تفاسير هذه الأحاديث حتى أستطيع أن أدخل الجنة بإذن الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشأن المؤمن التسليم والانقياد المطلق لألفاظ الوحي وتقبلها واعتقاد حسنها وصلاحيتها، وذلك لأنها جاءت من لدن حكيم خبير، ودليل هذا قول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65} . وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ {الأحزاب: 36} .
واعلم كذلك أن على العبد أن يحسن الظن بالله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني) رواه بهذا اللفظ البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كما رواه مسلم، وأحمد والترمذي وغيرهم.
قال الحافظ في الفتح: (أنا عند ظن عبدي بي) : أجازيه بحسب ظنه بي، فإن رجا رحمتي وظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له ربا يجازي، وإن يئس من رحمتي وظن أني أعاقبه وأعذبه فعليه ذلك، لأنه لا ييأس إلا كافر) ...
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لله مائة رحمة. أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها.
واعلم أيضا أنه يجب على المسلم أن يجمع بين الرجاء والخوف، فلا يأمن مكر الله ولا يقنط من رحمته، فكما أن من صفاته الرحمة والعفو والمغفرة فمن صفاته أنه ينتقم وأنه شديد العقاب لقول الله تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ {الحجر:49-50} .
ولقوله: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِي رُ. {غافر: 3}
ولقوله: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56} .
ولقوله: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} .
ولقوله: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] .
وقد قال بعض الأدباء:
نبيء عبادي أني ... أنا الغفور الرحيم
فتلك الآية حق ... لكنها يا كريم
معها وإن عذابي ... هو العذاب الأليم
ثم إن المرأتين اللتين ذكرت قد تكونان ممن استوت حسناتهم وسيئاتهم ثم رجحت سيئاتهما بهذه الذنوب فدخلت إحدى المرأتين النار بسبب أذى الجيران، ودخلت الأخرى النار بسبب تضييع حق القطة التي حبستها إضافة لذنوبهما الأخرى.
فقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار، قال: يا رسول الله فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة. والحديث صححه الألباني
وفي الصحيحين أيضاً من حديث عبد الله بن عمر ر ضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
ويدل لما ذكر أن الكبائر لا تحبط جميع الحسنات، ولا تمنع قبولها، ولكن قد تُحبط من الحسنات بقدرها عند وزن أعمال العبد، فإن رجحت حسناته على سيئاته كان من أهل الثواب، وإن رجحت سيئاته على حسناته كان من أهل العقاب، كما في الحديث الذي رواه البخاري في "الأدب المفرد" ورواه أيضاً غيره عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل. قيل: وما هما يا رسول الله؟ قال: يُكبِّر أحدكم في دبر كل صلاة عشرًا، ويحمد عشرًا، ويسبح عشرًا، فذلك خمسون ومائة على اللسان وألف وخمسمائة في الميزان، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعدهنَّ بيده، وإذا أوى إلى فراشه سبحه وحمده وكبره، فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة، قيل: يا رسول الله كيف لا يحصيهما. قال: يأتي أحدكم الشيطان في صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا فلا يذكره. قال الألباني: صحيح.
فدل هذا الحديث على وزن الحسنات والسيئات والمقاصة بينهما، وقد قرر أهل العلم أنه لا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل مسلم يعمل عملاً يستوجب أن يبنى له قصر في الجنة ويغرس له غراس باسمه، ثم يعمل ذنوبًا يستوجب بها النار، فإذا دخل النار كيف يكون اسمه أنه في الجنة وهو في النار؟ فأجاب: إن تاب عن ذنوبه توبة نصوحاً فإن الله يغفر له ولا يحرمه ما كان وعده بل يعطيه ذلك، وإن لم يتب وزنت حسناته وسيئاته، فإن رجحت حسناته على سيئاته كان من أهل الثواب، وإن رجحت سيئاته على حسناته كان من أهل العذاب. وما أعد له من الثواب يحبط حينئذ بالسيئات التي زادت على حسناته، كما أنه إذا عمل سيئات استحق بها النار ثم عمل بعدها حسنات تذهب السيئات. والله أعلم.
هذا ويجدر التنبيه إلى أن من رجحت سيئاته من الموحدين إذا عذب في النار لن يخلد فيها كما ثبتت الأحاديث بذلك.
واما الرجل المجاهد فانه كان يبطن النفاق ومات على خاتمة سيئة وهي الانتحار.
فقد روى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار فقال رجل من القوم: أنا صاحبه قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال: فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة.
وعن أكثم بن أبي الجون قال: قلنا: يا رسول الله فلان يجري في القتال قال: "هو من أهل النار". قلنا: يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: "إنما ذلك إخبات النفاق وهو في النار".
قال: كنا نتحفظ في القتال كان لا يمر به فارس ولا راجل إلا وثب عليه فكثر جراحه فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله استشهد فلان قال: "هو في النار". فلما اشتد به ألم الجراح أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أشهد أنك رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، تدركه الشقوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها.
رواه الطبراني وإسناده حسن. قاله الهيثمي في المجمع.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أنه أخبره بعض من شهد النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل ممن معه إن هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراح فأتاه رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أرأيت الرجل الذي ذكرت أنه من أهل النار فقد قاتل والله أشد القتال في سبيل الله وكثرت به الجراح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينا هم على ذلك وجد الرجل ألم الجراح فأهوى يده إلى كنانته فانتزع منها سهما فانتحر به فاشتد رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد صدق الله قولك فقد نحر فلان نفسه.
قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
وأما الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ... الخ.
فقد نص أهل العلم على أن هذا الحديث مسوق لبيان أن العبرة بالخاتمة التي يختم بها العمر، فمن كانت خاتمته خيراً فهو من أهل الجنة، ومن كانت خاتمته شراً، فهو من أهل النار، ثم إن كانت تلك الخاتمة مكفرة خلّد في النار، وإن كانت معصية فقط ولم يتب منها ولم ترجح حسناته على سيئاته، فهو تحت المشيئة، إن شاء الله عذبه وإن شاء عفا عنه.
لهذا كان صالحوا هذه الأمة يخافون خوفاً شديداً من سوء الخاتمة، ويسألون الله تعالى التثبيت عند الموت، ويقولون: إن من أمن الخواتيم هلك، ثم إن هذه الخواتيم ميراث السوابق، فكم من عامل يعمل في ظاهره بما يتناقض مع ما في باطنه، وكم من عامل يعمل عمل الخير في الظاهر ومن وراء ذلك دسيسة سوء تكون سبباً لسوء خاتمته والعياذ بالله تعالى، وكم من عامل يعمل عمل الشر في الظاهر، وفيه خصلة خفية حميدة يتداركه الله بسببها برحمة منه وفضل - فيختم له بخير.
ففي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار. الأعمال بالخواتيم.
وقد حمل الزرقاني الحديث على أن آخر عمل الإنسان أحق به، وعليه يجازى، ووجه ذلك: أن من انتقل من العمل السيئ إلى العمل الأحسن يعتبر تائبًا، ومن انتقل من الإيمان إلى الكفر يعتبر مرتدًّا.
ويمكن حمله كما قال ابن حجر على من يعمل العمل الصالح رياء ونفاقًا ثم يختم له بالشر، ويدل لكلا الاحتمالين حديث البخاري: إن العبد ليعمل في ما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار. ويعمل في ما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة. وإنما الأعمال بخواتيمها. ويدل لما قال الزرقاني حديث أحمد في المسند: لا عليكم أن لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئًا. وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً. وإذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته. قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه. صححه الأرناؤوط والألباني.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم":
وقوله في ما يبدو للناس: إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة. قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلاً عند الموت يلقن لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال هو كافر بما تقول، ومات على ذلك. قال: فسألت عنه فإذا هو مدمن خمر. فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته.
وفي الجملة فالخواتيم ميراث السوابق وكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوا بق. اهـ
وأما حديث الترمذي قال الله: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
فهو محمول على من تاب وكان بعيدا من الشرك, وقد يغفر الله تعالى للموحد ولو لم يتب لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بعيدا {النساء: 116} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1426(3/830)
شرح حديث (..لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال: ما المراد في هذه الجمل التي ذكرت في هذا الحديث. حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه. يعني شرح هذه الجمل
حديث رقم: 6544
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) .
رواه البخاري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجملة المشار إليها من الحديث المذكور تدل على ما سبق الحديث من أجله وهو تمام أمر الإسلام في المستقبل وأمن الناس من عدوان بعضهم على بعض كما كان في الجاهلية. حتى يستطيع المسافر أن يقطع ما بين صنعاء وحضرموت وحده لا يخشى شيئاً على نفسه أو ماله. لتمام هذا الأمر ورسوخه في قلوب الناس وبسط العدالة.
قال الحافظ في الفتح: يحتمل أن يريد صنعاء اليمن وبينها وبين حضرموت من اليمن أيضاً مسافة بعيدة نحو خمسة أيام، ويحتمل أن يريد صنعاء الشام والمسافة بينهما أبعد بكثير.. ثم قال. والتقدير: ولا يخاف إلا الذئب على غنمه لأن مساق الحديث إنما هو للأمن من عدوان بعض الناس على بعض كما كانوا في الجاهلية لا للأمن من عدوان الذئب، فإن ذلك إنما يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى.
وقال صاحب عون المعبود: ولا يخفى ما فيه من المبالغة في حصول الأمن وزوال الخوف. فاصبروا على أمر الدين كما صبر من سبقكم.
وللمزيد نرجو الإطلاع على الفتوى رقم: 36471.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1426(3/831)
حول كتاب (شرح السنة) للإمام البغوي
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوة الإسلام, ما القول في كتاب شرح السنة للإمام البغوي؟ هل هو كتاب محقق؟ ماهي كتب الحديث التي شرحها في هذا الكتاب؟
وجزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب (شرح السنة) للإمام البغوي من أعظم كتب الإسلام، وقد انتخب فيه الإمام البغوي بعض السنن والآثار في العلم والاعتصام بالسنة والإيمان والعبادات والمعاملات والأدعية والزهد والرقائق والأخلاق والآداب والفضائل والفتن وأشراط الساعة والبعث والحشر والصراط والميزان والجنة والنار وغير ذلك.
وإن كان مقصود السائل من تحقيق كتاب (شرح السنة) أنه محقق على مخطوطات.
فالجواب: نعم، قد خرج له أكثر من تحقيق، ولكن أفضل مطبوعة هي التي حققها الشيخ شعيب الأرنؤوط وزميله
هذا، وقد بينا في صدر الجواب أن الذي شرحه البغوي في (شرح السنة) هو الأحاديث التي انتخبها في معظم أبواب الدين، ولم يشرح فيه كتباً لغيره
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(3/832)
شرح حديث \"لتنقضن عرى الإسلام عروة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير حديث: لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة، تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث نقض عرى الإسلام صحيح ولفظه: لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة. رواه أحمد وغيره وصححه الحاكم، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
وأما تفسيره: فالنقض هو الحل، ونقض الأمر إفساده بعد التئامه، وعرى الإسلام ما يتمسك به من أمر الدين ويتعلق به من شعب الإسلام. وقوله: عروة عروة أي نقضاً متتابعاً (فكلما انقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها) أي يعلقوا بها (فأولهن نقضا الحكم) أي القضاء، قال المناوي: وقد كثر ذلك في زماننا حتى في القضية الواحدة تنقض وتبرم مرات بقدر الدراهم. وكذلك تبعا للأهواء لضعف الإيمان في النفوس. وقوله (وآخرهن الصلاة) أي آخر ما تنقض من عرى الإسلام الصلاة، لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة التي تميزه، وفي الحديث: بين الرجل والكفر ترك الصلاة. ولذلك فإنها تكون من آخر ما ينقض ويترك، ولو نظرت في حال المسلمين لرأيت بوادر نقضها وتركها بارزة للعيان فكثير منهم لا يصلي رأساً، ومنهم من يصلي رياء وتكلفاً، وعلى كل فهذا آخر الزمان وعرى الإسلام تنقض يوما بعد يوم شيئاً فشيئاً، فالله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل. هذا مجمل ما ذكره المناوي في ذلك الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1426(3/833)
شرح حديث (إن العلماء ورثة الأنبياء)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء) ؟ أريد منكم جوابا شافيا.
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المقصود بذلك في بقية الحديث فقال: إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
فالأنبياء لا تورث أموالهم وإنما هي صدقة، والذي يورث عنهم هو العلم ووارثه هم العلماء، وقد ترجم البخاري في صحيحه قال: وإن العلماء هم ورثة الأنبياء ورثوا العلم. وانظر الفتوى رقم: 64606.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1426(3/834)
معنى حديث (الولد للفراش..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث:المولود للفراش، وهل كل مولود يكون للفراش، أم أن هناك حالات معينة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث: الولد للفراش متفق عليه، رواه أبو هريرة، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: الولد للفراش، فمعناه: أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشاً له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولداً يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة، سواء كان موافقاً له في الشبه أم مخالفاً، ومدة إمكان كونه منه ستة أشهر من حين اجتماعهما. انتهى.
فكل مولود تلده امرأة ذات زوج، في فترة الإمكان وهي ستة أشهر من حين اجتماعهما فهو للفراش أي لصاحب الفراش وهو الزوج، ولا يستثنى من ذلك إلا حالة واحدة وهي نفي الزوج للولد باللعان المعروف، أو أن يولد الولد لأقل من ستة أشهر من يوم العقد، أو أن يكون الزوج صبياً أو مجبوباً ونحو ذلك مما يستحيل معه أن يولد له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1426(3/835)
شرح حديث \"كان لنا ستر فيه تمثال طائر..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم الإجابة عن هذا السؤال: هل الحديث الذي قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام: (فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا) ذكر قبل تحريم التصوير أم بعده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طائر، وكان الداخل إذا دخل استقبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حوِّلي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا.
قال النووي: هذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة، فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل ويراه ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة، وكذا قال ابن العربي في أحكام القرآن: وتبين بحديث الصلاة إلى الصور أن ذلك كان جائزاً في الرقم في الثوب ثم نسخه المنع فهكذا استقر فيه الأمر. انتهى
وذهب بعض العلماء كالقاسم بن محمد إلى استثناء مثل ذلك مما كان رقماً لا ظل له أو كان فيما يمتهن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: إلا رقماً في ثوب. قال النووي: هذا يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقماً مطلقاً. انتهى
إذن لم يتفق العلماء على أن ذلك قبل التحريم أو بعده، قال الألباني في غاية المرام: ولا ندري إن كان هذا قبل التحريم أو بعده. انتهى
فمنهم من ذهب إلى أنه كان قبل التحريم، ومنهم من ذهب إلى أنه لا تعارض بين الأخبار، وأن هذا الخبر فيما ليس له ظل من الصور وفيما يمتهن منها فيجوز لأن التحويل من جهة إلى جهة ليس تغييراً، ولا إنكارا له.
قال الخطابي: والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرها، لا تمنع دخول الملائكة. انتهى. وأشار القاضي عياض إلى نحو ما قاله الخطابي كما ذكر النووي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(3/836)
شرح موجز لحديث \"الخيل لثلاثة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث وما متنه وما هو شرحه إن كان صحيحا، علما بأن ما أتذكر منه هو: (الخيل ثلاثة........) ، وما المقصود بالثلاثة؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث: الخيل لثلاثة: لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر. فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت أرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له، ورجل ربطها تغنياً وسترا وتعففا لم ينس حق الله في رقابها وظهورها فهي له كذلك ستر، ورجل ربطها فخراً ورئاء ونواء لأهل الإسلام فهي وزر على ذلك. والحديث صحيح رواه البخاري في الصحيح.
فقد بين هذا الحديث المقصود بالثلاثة، فمن ربط خيله للجهاد كانت هي وجميع آثارها وأعمالها حتى لعبها وروثها حسنات له وأجراً، ومن ربطها للتعفف والتزين بها ولم يعص الله فيها كانت له ستراً، ومن ربطها للرياء ومناوأة المسلمين فهي وزر عليه، وراجع للتفصيل في شرح الحديث فتح الباري وعمدة القاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(3/837)
شرح حديث (..وأنا الدهر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحتم أريد فتوى عاجلة عن ردي على إحدى الشاعرات
بسم الله الرحمن الرحيم: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [55: الذاريات] ، ومرحباً بعد أرق وأطيب تحية، اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، والله لكم هي جميلة تلك الدعوة التي طرحتها في توقيعكْ! عسى الله أن يجيبنا ... اللهم آمين ... الغالية (اسمها) أتيت لأجل ربٍّ تدافع عنه (اسمي) كلما رأت قبيحاً لا يليق به سبحانه ... ثم لأجلكِ يا غالية! ... فأرجوا أن تعذري جرأتي أيتها الطيبة! ... قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: هي الكلمة التي لا يعرف القائل حسنها من قبحها، قال: فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه ... ويا غالية قد كتبتِ قبيحاً ولم تعلمي! ... قلتِ: زماني جار ... وقلتِ: قسى هالوقت ... أتدرين ما الزمان؟ ... الزمان هو الله سبحانه بعينه ... قال في حديثه القدسي: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار. وإليكِ معاني الحديث القدسي: السب: الشتم أو التقبيح والذم. الدهر: الوقت والزمان. يؤذيني: أي ينسب إليَّ ما لا يليق بي. وأنا الدَّهر: أنا ملك الدهر ومصرفه ومقلبه. إن الله لا يقسو على أحد منّا ... وأنت وأنا وأي عاقلٍ يعلم بذلك ... لكنكِ غفلتي دونما قصد ... وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذرٍ (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ربه أنه قال: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ، ولا أبالي، فاستغفروني أغفر لكم» ، وقد ورد في مدارج السالكين، لابن قيم الجوزية أن رحمةَ الله بعباده، وفرحَهُ بتوبتهم، تتمثل في هذا الأثر المتطابق مع النصوص الصحيحة: «إن أتاني عبدي ليلاً قبلته، وإن أتاني نهاراً قبلته، وإن تقرب مني شبراً، تقربت منه ذراعاً، وإن تقرب مني ذراعاً، تقربت منه باعاً، وإن مشى إلي، هرولت إليه، من أقبل عليّ تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن تصرف بحولي وقوتي، ألنت له الحديد، ومن أراد مرادي أردت ما يريد، أهل ذكري أهل مودتي، أهلُ شكري أهل زيادتي، أهل طاعتي أهل كرامتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين، وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب، لأطهرهم من الذنوب والمعايب، أشكر اليسير من العمل، وأغفر الكثير من الزلل، رحمتي سبقت غضبي، وحِلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبدي من الأم بولدها» .
وأرجوا أن لا تأخذيها على أنها كلمات فحسب (حبر على ورق) ... فالله سبحانه وتعالى قال: \"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ\" [18: ق] وألا ليتكِ أن تغيريها فهي لا تليق بربنا الجميل والأحب من الحبيب ... خاصة وإني على ثقة إن شاء الله أنكِ مؤمنة وتودين حب الله لكِ ... اللهم احفظ الشعراء والشاعرات من أنفسهم وتجاوز عنهم إن أخطأءوا وهم يعلمون أو لا يعلمون ... اللهم آمين، (وهَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [138: آل عمران] في حفظ الله دوماً والله من وراء القصد؟ شكراً لكم، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله كل خير على حرصك على إنكار كل منكر وقعت عليه عيناك، وجزاك الله خيراً ثانية على حرصك على التواصل مع أهل العلم لمراجعة ردودك وأقوالك.
ونقول: إن قولك (الزمان هو الله سبحانه بعينه) قول باطل، فإن الدهر ليس من أسماء الله تعالى، يقول الإمام الخطابي في معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر.... معناه: أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور، عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جعل ظرفاً لمواقع الأمور ...
هذا ويمكنك أن تعدلي من ردك على هذه الشاعرة بعد رجوعك إلى الفتوى رقم: 50029، والفتاوى المتفرعة عليها أو تكتفي بإرسال تلك الفتاوى إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1426(3/838)
معنى حديث \"من أشار إلى أخيه بحديدة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستسفار عن حكم الصراع والعراك مع شخص قام بشتم والدتي وأختي وكاد أن يضربهم، هل يجوز لي ضربه والاستعانة بأشياء من قبيل العصي أو الحديد علما بأن عدم تأديبه يدفعه لتكرار هذا العمل،
1- أود الاستفسار عن معنى الحديث الذي يقول إنه من أشار إلى صاحبه بحديدة لعنته الملائكة.
2- هل هناك حقا أحاديث تمنع على المسلم ضرب المسلم على وجهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز لك دفع من أراد ضرب أمك وأختك بما يردعه، وإن قتلك فنرجو الله أن يجعلك شهيداً عنده، لما في الحديث: ومن قتل دون أهله فهو شهيد. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ويجوز كذلك سبه بمثل ما سب أمك به، ويدل له ما في الحديث: المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم. رواه مسلم. وفي الحديث: إ ن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه. متفق عليه.
وأما الحديث الذي سألت عنه في موضوع الإشارة بالحديد فقد رواه مسلم في الصحيح ولفظه: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه. ومعناه أن من أشار إلى أخيه في الدين بحديدة أي بسلاح كسكين وخنجر وسيف ورمح أو غيرها، لعنته الملائكة أي دعت عليه بالطرد من رحمة الله، وقوله: وإن كان أخاه لأبيه وأمه فيه مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم، وسواء كان هزلاً ولعباً أم لا، لأن ترويع المسلم ظلماً وعدواناً حرام بكل حال ولأنه قد يسبقه السلاح، وراجع شرح النووي لمسلم وشرح المباكفوري لسنن الترمذي.
وقد صح النهي عن ضرب الوجه في عدة أحاديث منها ما في البخاري ومسلم: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه. وفي مسلم: إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه. وفي رواية له: إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1426(3/839)
ركوب المرأة وحدها مع الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في الصحيح قول أسماء: تزوجني الزبير وماله شيء غير فرسه فكنت أسوسه وأعلفه وأدق لناضحه النوى وأستسقي وأعجن وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي على ثلثي فرسخ فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر فدعاني فقال: (أخ. أخ، ليحملني خلفه فاستحييت وذكرت الزبير وغيرته قالت: فمضى. فلما أتيت أخبرت الزبير فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه! قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد بخادم فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقتني) رواه البخاري
يا شيخنا الفاضل -حفظك الله- لقد أشكل علي هذا الحديث كثيراً حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من أسماء الركوب خلفه على دابته وهي ليست محرماً له وإنما هي أخت زوجته.
إنني أخشى أن يستدل بهذا الحديث أصحاب المآرب الخبيثة من دعاة خروج المرأة حتى يقولوا أنه لا بأس بخروج المرأة مع السائق الأجنبي!
أفتونا مأجورين جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث صحيح لا مراء فيه، ولكن قول أسماء فيه: ليحملني خلفه ظن منها، قال ابن حجر في فتح الباري: كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال، وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يركبها وما معها ويركب هو شيئاً آخر غير ذلك، وقولها: فاستحييت أن أسير مع الرجال، هذا بناء على ما فهمته من الارتداف وإلا فعلى الاحتمال الأخير ما تتعين المرافقة.
وقد استدل بعض أهل العلم به على جواز ارتداف المرأة خلف الرجل في مواكب الرجال كما ذكر ابن حجر عن المهلب.
ولا يمكن الاستدلال بتلك القصة على جواز خروج المرأة مع السائق وحدهما، وليس المانع من ذلك هو مجرد الركوب وإنما الخلوة المحرمة شرعاً على اعتبار ذلك خلوة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما. رواه الترمذي وأحمد.
وقال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه.
فعند من يرى أن خروج المرأة مع السائق في السيارة وحدهما خلوة منع ذلك، ومن لم يره خلوة أباحه، والأقرب الأول كما بينا في الفتوى رقم: 1079.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1426(3/840)
معنى حديث \"حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي الفاضل عندي سؤال عن حديث نبوي في ما معناه، ولكن لست حافظا له فقط أعرف أن لو المرأة لعقت زوجها من أوله إلى أخره لا توفيه حقه، فما معنى هذا الكلام بالحديث النبوي، وآسفة على عدم حفظه، ولكني سمعت عنه وآثر الفضول عندي؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أشرت إليه هو ما رواه البيهقي والنسائي والدارقطني والحاكم من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:.... حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه.. وصححه الألباني.
وفي رواية عند البزار: ... أو انتثر منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه. وعند أحمد في رواية: ... والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه. وقد ضعفها شعيب الأرناؤوط فقال: صحيح لغيره دون قوله: والذي نفسي بيده لو كان من قدمه ...
إذاً فرواية القرحة صحيحة، ورواية القدم إلى المفرق ضعيفة، ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صورة في غاية البلاغة تبين أهمية حق الزوج على زوجته وتأكيد طاعته فإن حقه عليها عظيم، قال معاذ كما في كنز العمال:..... ووجدت منخريه يسيلان قيحاً ودما ثم التعقتهما بفيك لكيما تبلغي حقه ما بلغتيه أبداً. وفي فيض القدير: حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها، أو انتثر منخراه صديداً أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه. قال في الهامش: أي أن حق الزوج على زوجته عظيم لا تستطيع تأديته، والمراد الحث على طاعة الزوج وعدم كفران نعمته.
ويدل على ذلك أيضاً ما أخرجه أحمد في مسنده في رواية من روايات ذلك الحديث، وفيها قوله صلى الله عليه وسلم: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها. والمعنى في هذا كله حث المرأة على مراعاة حق زوجها عليها وتنبيهها على عظم ذلك الحق، وأنه يجب عليها طاعته فيما أمرها به، ما لم يكن معصية، فإن كان معصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1426(3/841)
معنى حديث \"لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
وفي رواية عند أحمد من حديث أبي جري الهجيمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله تبارك وتعالى به، قال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وتسبيل الإزار فإنه من الخيلاء والخيلاء لا يحبها الله عز وجل، وإن امرؤ سبك بما يعلم فيك فلا تسبه بما تعلم فيه فإن أجره لك ووباله على من قال. ق ال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
وقد بين العلامة المناوي رحمه الله معنى هذا الحديث وهو يتضمن الرواية الأولى وزيادة، قال في كتابه فيض القدير: لا تحقرن: أي لا تستصغرن، يقال حقره واحتقره واستصغره، قال الزمخشري: تقول -أي العرب- هو حقير فقير هو حاقر ناقر، وفي المثل من حقر حرم، وفلان خطير غير حقير (من المعروف) أي ما عرفه الشرع والعقل بالحسن (شيئا) أي كثيرا كان أو حقيرا (ولو) قال الطيبي: هذا شرط يعقب به الكلام تتميما ومبالعة، وقال أبو حيان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة بتضمنها السابق تقديره لا تحقرن من المعروف شيئا على كل حال كائنا ما كان ولو (أن تفرغ) بضم الفوقية وكسر الراء تصب يقال أفرغت الشيء صببته إذا كان يسيل (من دلوك) إنائك الذي تستسقي به من البئر (في إناء) أي وعاء (المستسقي) : طالب السقيا يعني: ولو أن تعطي مريد الماء ما حزته أنت في إنائك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف، وتقدم الأحوج فالأحوج، والدلو معروف ويستعار للتوصل إلى الشيء بأي سبب كان قال:
وليس الرزق في طلب حثيث * ولكن ألق دلوك في الدلاء
(أن تلقى) أي ولو أن تلقى (أخاك) أي تراه وتجتمع به، وفي رواية لأبي داود بدله وأن تكلم أخاك أراد بالأخ المسلم وإن لم يكن ابن أحد أبويه، وقيل له أخوه لأنه لابسه من قبل دينه كما تقول للرجل: قل لصاحبك كذا لمن بينه وبينه أدنى ملابسة، وذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام ذكره الزمخشري وأصله للراغب حيث قال: هو المشارك لآخر في الولادة من الطرفين أو أحدهما أو الرضاع، ويستعار في كل مشارك لغيره في قبيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودة أو غيرها من المناسبات، ولَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ أي لمشاركتهم في الكفر وقوله: يَا أُخْتَ هَارُونَ يعني في الصلاح لا النسبة. (ووجهك) أي والحال أن وجهك إليه منبسط: أي منطلق بالسرور والانشراح. قال حبيب بن ثابت: من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه، ونظم هذا الحديث كنظم الجمان وروض الجنان. وفيه -كما قال الغزالي- رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه وقطب جبينه كأنه مستقذر للناس أو غضبان عليهم أو منزه عنهم، ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب ولا في الخد حتى يصعر ولا في الظهر حتى ينحني ولا في الرقبة حتى تطاطأ ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلب، أما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعلمه فلا أكثر الله في المسلمين مثله، ولو كان الله يرضى بذلك ما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.... إلخ انتهى منه بتصرف.
وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 1505، 37387.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1426(3/842)
شرح حديث (رجل يلوط حوض إبله)
[السُّؤَالُ]
ـ[حفظكم الله الإخوة المشرفين ... وبعد: أسأل عن معنى \"رجل يلوط حوض إبله\" حيث إن أول من يسمع نفخة الصعق هو هذا الصنف، أريد شرحاً وافيا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته يليط حوضه. وفي رواية: يلوط حوضه. ويقال: ألاط حوضه إذا مدره أي جمع حجارة فصيرها كالحوض ثم سد ما بينها من الفرج ونحوه لينحبس الماء ... قال ابن حجر في فتح الباري:.... وفي كل ذلك إشارة إلى أن القيامة تقوم بغتة كما قال الله تعالى: لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً. فهذا الرجل الذي يصلح حوض إبله ليسقيها فيه تقوم عليه الساعة قبل أن يسقيها منه، وكذلك من قد رفع اللقمة إلى فيه فتقوم الساعة قبل أن يطعمها، كما قال الله تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ. فالساعة لا تأتي إلا بغتة والناس منصرفون إلى أعمالهم وأشغالهم لا تخطر لهم على بال وإذا جاءت فما هي إلا كلمح البصر.
وللاستزادة حول علامات الساعة وأماراتها نرجو مراجعة الفتوى رقم: 5563، والفتوى رقم: 61967.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1426(3/843)
معنى حديث \"أعذر الله إلى امرئ أخر أجله..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أعذر الله الى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة) رواه البخاري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج البخاري في صحيحه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلَّغه ستين سنة.
قال المناوي في فيض القدير في شرح ذلك الحديث: أعذر الله إلى امرئ أي سلب عذر ذلك الإنسان فلم يبق له عذر يعتذر به كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به، فالهمزة للسلب. أو بالغ في العذر إليه عن تعذيبه حيث أخر أجله يعني أطاله حتى بلغ ستين سنة لأنها قريبة من المعترك وهو سن الإنابة والرجوع وترقب المنية ومظنة انقضاء الأجل، فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار ولزوم الطاعات والإقبال على الآخرة بكليته، ثم هذا مجاز من القول فإن العذر لا يتوجه على الله وإنما يتوجه له على العبد، وحقيقة المعنى فيه أن الله لم يترك له شيئا في الاعتذار يتمسك به، وهذا أصل الإعذار من الحاكم إلى المحكوم عليه. وقيل لحكيم: أي شيء أشد؟ قال: دنو أجل وسوء عمل.
وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 46037.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(3/844)
شرح حديث (وما أدري والله وأنا رسول الله ما يفعل بي)
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في صحيح البخاري الحديث التالي:
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء امرأة من نسائهم بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن عثمان بن مظعون طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين قالت أم العلاء فاشتكى عثمان عندنا فمرضته حتى توفي وجعلناه في أثوابه فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت رحمة الله عليك أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك أن الله أكرمه قالت قلت لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن قال أما هو فقد جاءه والله اليقين والله إني لأرجو له الخير وما أدري والله وأنا رسول الله ما يفعل بي قالت فوالله لا أزكي أحدا بعده قالت فأحزنني ذلك فنمت فرأيت لعثمان بن مظعون عينا تجري فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ذلك عمله. كيف لا يعلم رسول الله ما سيفعل به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث تكلم عليه ابن حجر في الفتح فذكر أنه إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك موافقة لقوله تعالى في سورة الأحقاف: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ {8} .
وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ {الفتح: 2} .
لأن سورة الأحقاف مكية وسورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: أنا أول من يدخل الجنة. وغير ذلك من الأخبار الصريحة في معناه، وقوله صلى الله عليه وسلم ذلك من الأدلة الدالة على صدقه وعدم تقوله على الله بلا علم، وأنه يقف حيث أوقفه الله، فصلوات الله وسلامه عليه.
وراجع الفتوى رقم: 36775.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(3/845)
شرح حديث \"ثلاثة حق على الله عونهم..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بما معناه ثلاثة حق على الله أن يساعدهم المجاهد في سبيله وراغب الزواج ولا أعلم الثالث.؟
مع تفضلكم بشرحها إن ثبتت صحة الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث حسن رواه الترمذي والبيهقي وأحمد وغيرهم ولفظه كما عند الترمذي: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، كذا قال الشيخ الألباني رحمه الله، ولمعناه راجع الفتوى رقم: 54266، 7863.
قال المناوي في فيض القدير: هذه الثلاثة من الأمور الشاقة التي تكدح الإنسان ... لولا أنه يعان عليها لما قام بها. قال الطيبي: وأصعبها العفاف، لأنه قمع الشهوة الجبلية المركوزة في النفس وهي مقتضى البهيمية النازلة.... فإذا استعف وتداركه عون إلهي ترقى في أعلى عليين. انتهى منه بتصرف قليل.
والنكاح من الأمور الجالبة للرزق. قال الطبري: وا علم أنه سبب لنفي الفقر. وقد ذكرنا طرفا من ذلك فيما أحلنا إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(3/846)
الكذب المباح للزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[روى أبو داود عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا أعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها. ما معنى والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذلك الحديث رواه أبو داود بزيادة، وصححه الألباني رحمه الله، ومعناه في صحيح مسلم.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها. أي: فيما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما، قال الخطابي: كذب الرجل على زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح به خلقها. انتهى من عون المعبود لأبي الطيب آبادي.
وأخرج مالك في موطئه عن عطاء قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أأكذب على أهلي قال: لا خير في الكذب، قال: أعدها وأقول لها، قال: لا جناح عليك.
وعند الطبراني في رواية لحديث أم كلثوم: أويحدث الرجل امرأته يرضيها.
قال ابن حزم في المحلي: ولا بأس بكذب أحد الزوجين للآخر مما يستجلب به المودة.
وساق حديث أم كلثوم بنت عقبة.
فالكذب المباح للمرأة في حديثها لزوجها وللرجل في حديثه لزوجته هو ما يستديمان به الألفة والمودة، ويصلحان به ما يحدث بينهما من شقاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(3/847)
شرح حديث (البر لايبلى)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: البر لايبلى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عبارة" البر لا يبلى " جزء من حديث مرفوع أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات، وهو حديث ضعيف، وانظر السلسلة الضعيفة حديث رقم: 1576.
والبر قد فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: البر حسن خلق.
قال الإمام النووي في شرح مسلم قال العلماء: البر يكون بمعنى الصلة وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق. اهـ
ومعنى يبلى أي يزول نفعه، من بلي الثوب إذا خلق وتقطع.
ومعنى البر لا يبلى: أي أن ما يقدمه الإنسان من أنواع البر وحسن الخلق يبقى أثره ويجده العبد في صحيفة عمله فيجازيه الله على إحسانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1426(3/848)
شرح \"لا تكلني إلى نفسي طرفة عين\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى أن يكل الله سبحانه وتعالى العبد إلى نفسه وهل يوجد حديث صحيح فيه دعاء بالاستعاذة بالله من هذا؟
هو سبحانه وتعالى حي قيوم. فما معنى أن يكل عباده إلى أنفسهم؟. أحب تفصيلا وافيا حفظكم الله آمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. رواه أبو داود والنسائي في السنن الكبرى، وابن حبان وصححه، وحسنه الألباني.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. رواه النسائي في السنن الكبرى، والبزار والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة
وأما معنى لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، فقد قال المناوي في فيض القدير: لا تكلني أي لا تصرف أمري إلى نفسي أي لا تسلمني إليها وتتركني هملا (طرفة عين) أي تحريك جفن وهو مبالغة في القلة.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها. وشرح ابن حجر قوله صلى الله عليه وسلم وكلت إليها بقوله: بضم الواو وكسر الكاف مخففا ومشددا وسكون اللام ومعنى المخفف أي صرف إليها، ومن وكل إلى نفسه هلك، ومنه في الدعاء: ولا تكلني إلى نفسي. ووكل أمره إلى فلان صرفه إليه، ووكله بالتشديد استحفظه، ومعنى الحديث: أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه.
ومن خلال ما سبق يتضح أن لا تعارض بين كون الله تعالى حي قيوم وبين أن يكل الإنسان إلى نفسه أي أن يترك إعانته، ويكون معنى لا تكلني إلى نفسي، أي لا تترك إعانتي ففيه طلب الإعانة من الله تعالى في كل لحظة، والمؤمن مأمور بطلب الإعانة من الله في كل حين كما في قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {الفاتحة: 5} وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: إني لأحبك، لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 51438.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1426(3/849)
معنى حديث \"سيصير الأمر إلى أن تكون جنود مجندة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث: ستجندون أجنادا جندا بالشام وجندا بالعراق وجندا باليمن..... آخر الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث رواه أبو داود وأحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عبد الله بن حوالة رضي الله عنه. ولفظ أبي داود وأحمد هو: سيصير الأمر إلى أن تكون جنود مجندة: جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق. فقال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غُدرِكم فإن الله توكل لي بالشام وأهله. وصححه الحاكم والذهبي وقال الألباني في تحقيقه لكتاب" فضائل الشام": صحيح جدا. وبوب له أبو عمرو الداني في كتاب " السنن الواردة في الفتن" بقوله: باب ما جاء في الأجناد الكائنة بالأمصار. وقال العظيم آبادي في " عون المعبود": (جنود مجندة) أي مختلفة وقيل مجتمعة، والمراد ستصيرون فرقا ثلاثة (خر لي) أي خر لي خير تلك الأماكن، ومعناه بالفارسية يسندكن برأي من بهترين ازين أمكنه (فإنها) أي الشام (خيرة الله) بفتح التحتية بوزن عنبة أي مختارته (خيرته من عباده) أي المختارين منهم (إذا أبيتم) أي امتنعتم من التزام الشام (فعليكم بيمنكم) أي فالزموا اليمن (من غدركم) كصرد جمع غدير وهو الحوض (توكل) أي تكفل وتضمن (لي بالشام) بأن لا يخربه بالفتنة (وأهله) أي تكفل لي بأهل الشام بأن لا تصيبه الفتنة، ولا يهلك الله بالفتنة من أقام بها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1426(3/850)
معنى \"داووا مرضاكم بالصدقة\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تزويدي بتفسير الحديث الشريف (داووا مرضاكم بالصدقات) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث بمداواة المرضى بالتصدق عن المريض، وطلب الدعاء له من المتصدَق عليه.
وحمله بعضهم على الحث على عيادة المرضى، لأن عيادتهم من المعروف، وكل معروف صدقة.
وبالعيادة يحصل للمريض السرور والدعاء له، ولكن التفسير الأول هو الصحيح؛ إذ لا يجوز صرف اللفظ عن ظاهر المراد منه، إلا لدليل صادق، ولا دليل هنا فيما نعلم.
وراجع في هذا فيض القدير للمناوي ومواهب الجليل للحطاب، وراجع الفتوى رقم: 35282، والفتوى رقم: 49953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1426(3/851)
دلالة تقديم المال في حديث \"تنكح المرأة لأربع..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) فأريد أن أعرف ما الغرض من ذكر المال في أول الحديث، فهنا فضل المال عن الحسب والنسب والجمال, فماذا يعطي المال للمرأة أكثر من الحسب والنسب والجمال، فما الحكم في من فضل في شريكة حياته الدين والجمال والحسب أولا عن المال؟ وشكرا لحضراتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث يفيد أن عادة الناس أن يرغبوا في المرأة ويختاروها لإحدى خصال أربع وهي: المال والحسب والجمال والدين، وأن اللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره.
فلذلك حث المصطفى صلى الله عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه، فأمر بالظفر بذات الدين الذي هو غاية البغية، ومنتهى الاختيار والطلب، وإذا انضاف إلى الدين المال والحسب والجمال كان ذلك أحسن، وإلا فإن الدين أولى وأجدر بالحظوة والمتابعة.
فذكر المال إذاً في أول الصفات التي تنكح لها المرأة ليس لأنه هو أهمها، وإنما وردت الخصال متعاطفة بالواو الذي لا يفيد الترتيب، دلالة على أن المقصود أولاً هو حصر الصفات، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أولاها بالاعتبار بقوله: فاظفر بذات الدين تربت يداك.
وعليه؛ فمن فضَّل في اختيار شريكة حياته الدين على سائر الخصال الأخرى فقد أصاب، ولا شك أنه مصيب بالأولى إذا كان مع الدين الجمال والحسب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(3/852)
شرح حديث \"اضمنوا لي ستا من أنفسكم..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ سمعت في أحد الدروس ذكر المحاضر حديثا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما معناه: (أضمن لي ستة أضمن لك الجنة) ، ما متن هذا الحديث، وما هي هذه الوصايا التي وصى بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث، وكيف الوصول إلى المحافظة عليها، ملاحظة: ما بقي في ذهني من هذه الوصايا (المحافظة على العهد- الوفاء بالعهد...... أو كما قال) ؟ وجزاكم الله أحسن الجزاء، وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم، وسائر المؤمنين آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل هذه المسائل الست هي المسائل المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيدكم. أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
وأما وسائل الحفاظ على هذه المسائل والأخلاق النبيلة والبعد عن أضدادها فهو حاجة كل مسلم، ويتعين على الجميع البحث عنها، ومن أهم وسائل ذلك تقوية الإيمان وسؤال الله تعالى أن يحسن أخلاقنا ويعطينا الاستقامة على الطاعات، وقد كان نبيناً صلى الله عليه وسلم يسأل الله فيقول: اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت. رواه مسلم، وكان يقول: اللهم كما حسنت خَلْقي، فحسن خُلُقي. رواه الطبراني.
ومن الوسائل المساعدة على ذلك أيضاً الإكثار من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب، ومن أهمها رياض الصالحين، والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي، والترغيب والترهيب للمنذري.
ومنها الالتزام بالبيئات الصالحة والمساجد ومجالس العلم، وأن تصاحب من فيها من طلاب العلم وأهل الخير، وأن تشتغل بالتعلم والأعمال الصالحة معهم، والهجران لمجالس السوء وأصحاب السوء، كما أوصى العالم قاتل المائة: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. كما في حديث مسلم، وفي الحديث: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وفي الحديث: مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك أما أن يحذيك وأما أن تبتاع منه وأما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير أما أن يحرق ثيابك وأما أن تجد منه ريحا منتنة. رواه البخاري ومسلم.
ومنها التعرف على ثمرات الاستقامة على أعمال الخير، فالاستقامة سبب في بسط الرزق والتوسع في الدنيا، قال الله تعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا {الجن:16-17} .
وقد استحق الذين استقاموا في الحياة أن تتنزل عليهم الملائكة وهم في أثناء نزع الروح ليطردوا من حياتهم الخوف والحزن وليبشروهم بالجنة وليعلنوا وقوفهم إلى جانبهم في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ* نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ {فصلت:30-31-32} ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأحقاف:13-14} .
ومما يساعد على حمل العبد نفسه على الالتزام بجميع الطاعات أربعة أمور:
أولاً- المشارطة: وذلك بأن تشترط عليها أن تقلع عن السوء، وأن تلزم تقوى الله وطاعته وحبذا لو كان ذلك منك في كل صباح حتى تصل إلى ما تريد.
ثانياً- المراقبة: وذلك بأن تراقب نفسك هل هي فعلاً قد أوفت بما اشترطته عليها أم لا.
ثالثاً- المحاسبة: بأن تحاسبها على الأفعال والأقوال.
رابعاً- المجاهدة: بأن تقصرها قصراً على طاعة الله وتلزمها إلزاماً بمخالفة الهوى والشيطان.
وراجع تفصيل هذه الخطوات وغيرها من الوسائل في كتاب مختصر منهاج القاصدين، والداء والدواء، ومدارج السالكين لابن القيم، ومنهاج المسلم للجزائري، وإحياء علوم الدين للغزالي.
ومما يساعد على الصدق عدم التحدث بكل ما يسمعه المرء إلا إذا تأكد من تحققه وعلم أن في التحدث به مصلحة، واستحضار الصدق وعقوبة الكذب وأنه مسؤول عن أقواله وأفعاله، قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق:18} ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. رواه البخاري ومسلم. قال النووي: فهذا الحديث المتفق على صحته نص صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم.
وقد روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. وقال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع. رواه مسلم، وفي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:.... وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ...
وعلى العبد أن يتذكر أن حصائد الألسن هي أعظم أسباب الوقوع في النار لما في حديث الترمذي عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
ومما يساعد على أداء الأمانة والكف عن ظلم الناس استشعار مراقبة الله وعظمة وخطورة حقوق المخلوقين وأنها لا تغفر إلا بالتوبة والتحلل من أصحابها، وأن خيانة الأمانة من شيم المنافقين، فالواجب على من كانت عنده أمانة أن يحفظها، وأن يصونها حتى يؤديها إلى أهلها، كما أمرنا الله بذلك فقال: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء:58} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك. رواه أبو داود والترمذي والحاكم، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم خيانة الأمانة علامة من علامات النفاق، فقال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. رواه البخاري ومسلم.
واعلم أن ذنوب حقوق العباد مع العباد ومنها ظلمهم باليد واللسان وغير ذلك لا تغفر إلا أن يتوب منها الظالم ويتحلل عنها صاحب الحق، قال صلى الله عليه وسلم: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يوفي الذي عليه أخذ من سيئات صاحبه ثم طرحت عليه ثم طرح في النار. رواه الترمذي، قال حسن صحيح.
ومما يساعد على حفظ الفرج وغض البصر ما ذكرنا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34932، 43020، 49259، 30035.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1426(3/853)
معنى \"من صلى الصبح في جماعة ثم جلس..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد حديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن من صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين فله أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة، أنا أسأل ما معنى كلمة مصلاه لأني أنا أصلي فى جامع معين أي صلاة الفجر لأن هذا المسجد تكون صلاة الفجر فيه طويلة وأنا أستريح عندما أصلي فيه ولكن بعدما أفرغ من الصلاة أذهب بعد الصلاة مباشرة إلى مسجد آخر حيث أجتمع مع أصدقائي ونقول الأذكار ونقرأ القرآن حتى تطلع الشمس ثم نصلي لكن مشكلتي أني أنا أذكر الله فى غير المسجد الذى صليت فيه الفجر، فهل ينطبق الحديث على حالتي، وأنا أسأل هل كلمة مصلاه تلزمني أن أذكر الله في المسجد الذي صليت فيه الفجر أو الصبح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الجماهير منهم إلى أن النص على ظاهره وأن الوعد فيه خاص بمن جلس في مصلاه ولم يفارقه، وأن الفضل في المكث والقعود، قالوا: فإن قطعه ولو بطواف لم يكن له ذلك واستصوبه ابن حجر كما في حاشية إعانة الطالبين للدمياطي.
وحمل بعضهم ذلك على مجرد الذكر فيما بين صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، وقالوا: المقصود هو الاشتغال بالذكر فلو قام من مصلاه ولم يقطع الذكر حصل له الأجر، والأولى هو حمل الحديث على ظاهره كما هو مذهب جماهير العلماء، فينبغي للمرء أن يلتزم به حتى يحصل الأجر الموعود به، كما بينا في الفتوى رقم: 24809.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1426(3/854)
الفرق بين قول الزور وشهادة الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور. فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت. ما الفرق بين وقول الزور وشهادة الزور، وهل شهاده الزور تجوز لرفع الضرر دون أي ضرر بالآخرين مثل الشهاده بأن زميل العمل حضر إلى العمل صباحا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وقول الزور وشهادة الزور، هو من ذكر الخاص بعد العام، لأن شهادة الزور هي من قول الزور، والمراد به التأكيد، قال ابن حجر في فتح الباري: ألا وقول الزور وشهادة الزور، وفي رواية ابن علية: شهادة الزور أو قول الزور، وكذا وقع في العمدة بالواو، قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام؛ لكن ينبغي أن يحمل على التأكيد ...
ثم إن الإخبار بأن الموظف قد حضر العمل وهو في الحقيقة لم يحضر، يعتبر غشاً وتدليساً وتعاوناً على الإثم والعدوان، لأن الموظف يجب عليه الالتزام بالدوام المتفق عليه في العقد، ومن ذلك مراعاة مواعيد الحضور والانصراف التي يحددها العقد مع جهة العمل المسؤولة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1} ، وهو مع كل ذلك قول زور أيضاً، وبالتالي فهو حرام.
ثم كيف يقال إنه لا يجلب ضرراً على الآخرين! مع ما فيه من التحايل على جهة العمل التي تعطي أجرة لشخص مقابل التزام بخدمة معينة وشروط متفق عليها سلفاً، ومع هذا فلو تعينت شهادة الزور لجلب منفعة أو دفع مفسدة، ولم يكن فيها إبطال حق للآخرين، جازت إن كان ما يراد منها مباحاً، ووجبت إن كان لتحصيل شيء واجب، ولك أن تراجع في هذا ما كنا قد بيناه من أحكام الكذب في فتوانا رقم: 35822.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1426(3/855)
معنى \"لكن حمزة لا بواكي له\"
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة أحد ولكن حمزة لا بواكي له ماذا كان يرمي من هذا الكلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج ابن ماجه وأحمد وغيرهما عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنساء عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكن حمزة لا بواكي له، فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ويحهن ما انقلبن بعد، مروهن فلينقلبن ولا يبكين على هالك بعد اليوم. قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
والذي كان يرمي إليه النبي صلى الله عليه وسلم فيما قاله هو أن حمزة رضي الله عنه ليس له كثير قرابة في المدينة، فكان صلى الله عليه وسلم مشفقا عليه من ذلك لشدة حبه له. وفي بعض روايات الحديث: فذرفت عينا رسول الله ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له. وفي البداية والنهاية:.. وقال موسى بن عقبة: ولما دخل رسول الله أزقة المدينة إذا النوح والبكاء في الدور، قال ما هذا؟ قالوا: هذه نساء الأنصار يبكين قتلاهم. فقال: لكن حمزة لا بواكي له، واستغفرله. فسمع ذلك سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وعبد الله بن رواحة فمشوا إلى دورهم فجمعوا كل نائحة باكية كانت بالمدينة فقالوا: والله لا تبكين قتلى الأنصار حتى تبكين عم النبي فإنه قد ذكر أنه لا بواكي له بالمدينة ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1426(3/856)
معنى حديث (التكبير جزم)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أن تفيدوني بهذا الكلام: (والتاذين على هذه الصفة ... الخ) وهو في الضعيفة للألباني رحمه الله 1/101 تحت الحديث التكبير جزم (71) .
وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الألباني في السلسلة الضعيفة هذا الحديث بلفظ: التكبير جزم وقال معلقاً عليه: لا أصل له كما قال الحافظ ابن حجر والسخاوي وكذا السيوطي وله رسالة خاصة في الحديث في كتابه الحاوي للفتاوي، وقد بين فيها أنه من قول إبراهيم النخعي، وأن معنى قوله جزم لا يمد، ثم ذكر قول من فسره بأنه لا يعرب بل يسكن آخره، ثم رده من وجوه ثلاثة أوردها فليراجعها من شاء، ثم إن الحديث مع كونه لا أصل له مرفوعاً، وإنما هو من قول إبراهيم، فإنما يريد به التكبير في الصلاة كما يستفاد من كلام السيوطي في الرسالة المشار إليها، فلا علاقة له بالأذان كما توهم بعضهم، فإن هناك طائفة من المنتسبين للسنة في مصر وغيرها تؤذن كل تكبيرة على حدة (الله أكبر، الله أكبر) عملاً بهذا الحديث والتأذين على هذه الصفة مما لا أعلم له أصلاً في السنة، بل ظاهر الحديث الصحيح خلافه، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب مرفوعاً إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر الحديث، ففيه إشارة ظاهرة إلى أن المؤذن يجمع بين كل تكبيرتين، وأن السامع يجيبه كذلك، وفي شرح صحيح مسلم للنووي ما يؤيد هذا. انتهى
ويتضح من هذا أن الألباني رحمه الله ينكر الأذان بهذه الصفة وهي الجزم في كل تكبيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1426(3/857)
معنى حديث \"إن العبد ليحرم الرزق بالذنب..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معنى الحديث إن العبد ليحرم الرزق بذنب أذنبه، أن العبد لا يرزق أبداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الحديث هو نقص الرزق أو نزع البركة منه، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وربما حرم الإنسان رزقه أو بعضه بذنب يصيبه؛ كما في حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وقال الزرقاني في شرح الموطأ عند شرح حديث: ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق: أي البركة فيه أو ضيق عليهم؛ لا أصل الرزق، فلا تنافي بين هذا ونحوه كحديث إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وبين أحاديث إن الرزق لا تزيده الطاعة ولا تنقصه المعصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(3/858)
معنى \" وإذا خاصم فجر\"
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث نصه: \"إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر\" سؤالي هو: ما معنى إذا خاصم فجر، أنا أعلم جيدا معنى الجزء الأول للحديث، ولكن \"إذا خاصم فجر\" فلا أعرف ما المقصود بها؟
شكراً، وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما، ولفظه كما في بعض روايات البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.
قال النووي في شرح مسلم: (وإن خاصم فجر) أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب، قال أهل اللغة: وأصل الفجور الميل عن الحق.
وعلى هذا فالفجور في الخصام هو الكذب فيه والميل عن الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(3/859)
درجة ومعنى حديث \"ومن لغا فلا جمعة له\"
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث نسمعه دوما قبل صلاة الجمعة:
- من لغا فلا جمعة له- ما مدى صحة هذا الحديث؟ وسنده؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا اللفظ قد جاء في مصنف عبد الرزاق في آخر حديث ولفظه: ومن قال صه والإمام يخطب فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له. ورواه الإمام أحمد عن علي مرفوعا في آخر حديث أيضا بلفظ: ومن قال صه فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له. وقال عنه الإمام الهيثمي: فيه رجل لم يسم.
وقد ذكر الألباني حديث الإمام أحمد هنا في ضعيف الترغيب والترهيب، وعليه، فإن هذا اللفظ ضعيف، إلا أن معناه صحيح، وهو النهي عن اللغو أثناء الخطبة يوم الجمعة، وأما قوله فلا جمعة له: فالمعنى فلا جمعة له كاملة، مع أنها تجزئه؛ كما ذكر ابن حجر وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1426(3/860)
شرح حديث \"لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ستصالحون الروم صلحا أمنا فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم تسلمون وتغتنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول غلب الصليب فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فتغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمون لكم في ثمانين غاية مع كل غاية اثنا عشر ألفا. السؤال هو: من هو العدو المقصود بعبارة فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم من هو ذلك العدو، هل العدو نفسه هذا المقصود أيضا هو عدو للمسلمين، كلمة الملاحم هل تدل على عدة معارك قد تحصل أم هي معركة واحدة تكون بين الروم والمسلمين في ذلك العصر وعلى أثر تلك الحرب ينزل الروم بالأعماق أو بدابق أي بدخول الروم إلى دمشق وذلك حسب حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، حيث قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج لهم جيش من المدنية من خيار أهل الأرض يومئذ، هل في هذه المعركة التي تكون بين الروم والمسلمين من جهة وبين عدوهم من جهة أخرى تستخدم فيها الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا العسكرية الموجودة الآن أم تكون هذه الأسحلة منتهية بطريقة (ما) قبل تلك الحرب المذكورة أعلاه؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير والعرفان لخدمة هذا الدين العظيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد في كلام أهل العلم من تعرض للتعريف بهذا العدو المشترك بين المسلمين وبين الروم، فالله أعلم بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا العدو الذي ورد في حديثه الشريف، إلا أن أهل الكتاب يؤمنون إيماناً جازماً بهذه المعركة المشتركة ويسمونها في كتبهم وعقائدهم معركة (هيرميجدون) وهي كلمة تتكون من مقطعين (هر) بمعنى جبل، ومجدون هو سهل أو واد يوجد في فلسطين.
ولا يبعد جواب هذه الجزئية من السؤال عن التي قبلها، إلا أن صاحب عون المعبود قال في شرح الحديث المذكور: (فتغزون أنتم) أي فتقاتلون أيها المسلمون (وهم) أي الروم المصالحون معكم (عدوا من ورائكم) أي من خلفكم. وقال السندي في حاشية ابن ماجه أي عدوا آخرين بالمشاركة والاجتماع بسبب الصلح الذي بينكم وبينهم، أو أنتم تغزون عدوكم وهم يغزون عدوهم بالانفراد. انتهى.
ولا شك أن كلمة الملاحم صيغة جمع، والجمع يفيد التعدد، فلا يمكن حمله على معركة واحدة من غير دليل، ويؤيد إرادة الجمع، ما رواه الحاكم بسنده عن سهل عن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق، فيخرج إليهم جلب من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلو بيننا وبين الذين سُبُوا منا نقاتلهم. فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله عز وجل، ويصبح ثلث لا يفتنون أبداً، فيبلغون القسطنطينية فيفتحون، فبينما هم يقسمون غنائمهم وقد علقوا سلاحهم بالزيتون إذ صاح الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم. قال النووي: روي سبوا على وجهين: فتح السن والباء وضمهما، قال القاضي في المشارق: الضم رواية الأكثرين، قال: وهو الصواب.... ففي هذا الحديث إشارة إلى أنه يسبق المعركة معارك يغنم فيها المسلمون غنائم من بينها أسرى، وهؤلاء الأسرى يسلمون ويكونون في صفوف المسلمين.
لهذا يرغب الروم في قتال أبناء جنسهم، لكن المسلمين يمتنعون عن ذلك، ثم تنتهي المعركة بفتح القسطنطينية ... ولا يمكن الجزم بنوع الأسلحة التي ستستخدم في هذه المعركة، لأن ذلك لم يرد فيه شيء من الشارع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(3/861)
معنى \"اتقوا النار ولو بشق تمرة\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ففي الحديث: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) . الرجاء فسروا لنا معنى هذا الحديث وخاصة شق تمرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فاتقوا النار ولو بشق تمرة. وفي رواية: فمن لم يجد فبكلمة طيبة.
ومعنى شق التمرة نصفها وهو مبالغة في القلة، كما قال الله تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {الزلزلة:7} ، وقال العلماء وفي الحديث الحث على عمل الخير كله قليله وكثيره ولو بالكلمة الطيبة، وأن ذلك يقي صاحبه ويستره من النار، قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث الحث على الصدقة بما قل وبما جل، وألا يحتقر ما يتصدق به، وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 7891.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(3/862)
معنى \"كلتا يديه يمين..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث رواه الصحابي ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد.
كيف نوفق بين حديث <المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ـوكلتا يديه يمين ـ وقوله صلى الله عليه وسلم <يطوي الله السموات يوم القيامة....ثم يطوي الأرضين بشماله > أي هنا قال بشماله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الكلام على لفظ قريب من اللفظ المذكور في السؤال في الفتوى رقم: 34465 وبيان تضعيفه، وأما اللفظ المذكور فلم نعثر عليه بعد البحث.
وأما التوفيق بين حديث مسلم: إ ن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا.
وحديث مسلم: يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون.
فإن التوفيق بينهما يكون بحمل الحديث الأول على أن كلتا يديه ذات يمين وبركة، وأنهما متصفتان بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما، كما في حال المخلوقين الذي تنقص يد أحدهم عن الأخرى في القوة، وراجع في هذا منهاج السنة لشيخ الإسلام، وفيض القدير للمناوي، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 50216، 46438، 26299، 27577.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1426(3/863)
شرح \"من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث الشريف: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننقل لك فيما سألت عنه ما ورد في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للمباركفوري حيث يقول: قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث ما لفظه: معنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصاره على ما يعنيه من الأقوال والأفعال. ومعنى يعنيه أنه يتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال: عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه، وإذا حسن الإسلام اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعنيه المسلم إذا كمل إسلامه. انتهى مختصراً.
قال القارئ في معنى تركه ما لا يعنيه: أي ما لا يهمه ولا يليق به قولا وفعلا ونظراً وفكرا. وقال: وحقيقة ما لا يعنيه ما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه بأن يكون عيشه بدونه ممكنا، وهو في استقامة حاله بغيره متمكنا، وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة.
قال الغزالي: وحد ما يعنيك أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه لم تأثم ولم تتضرر في حال ولا مآل، ومثاله: أن تجلس مع قوم فتحكي معهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار، وما وقع لك من الوقائع، وما استحسنته من الأطعمة والثياب، وما تعجبت منه من مشايخ البلاد ووقائعهم، فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تتضرر، وإذا بالغت في الاجتهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى، فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك، ومحاسب على عمل لسانك، إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، لأنك لو صرفت زمان الكلام في الذكر والفكر ربما ينفتح لك من نفحات رحمة الله تعالى ما يعظم جدواه، ولو سبحت الله بنى لك بها قصراً في الجنة. وهذا على فرض السلامة من الوقوع في كلام المعصية، وأن لا تسلم من الآفات التي ذكرناها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1426(3/864)
شرح حديث (يبعث كل عبد على ما مات عليه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كيف نبعث يوم القيامة؟ هل صحيح أننا نبعث على ما متنا عليه؟ يعني الراقصة لو ماتت وهي ترقص تبعث وهي ترقص؟ أريد توضيحا ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في صحيح مسلم وغيره عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث كل عبد على ما مات عليه. وفي الديباج على مسلم: يبعث كل عبد على ما مات عليه أي على الحالة التي مات عليها.
وقد اختلف أهل العلم في شرح هذا الحديث، فمنهم من فسره بأن الميت يبعث في الأكفان التي كفن بها، ومنهم من رأى هذا خاصاً بالشهيد في سبيل الله، ومنهم من رآه فيه وفي من مات محرماً، ولك أن تراجعي في أقوالهم: تحفة الأحوذي وفتح الباري وعون المعبود.
ومنهم من رآه في كل إنسان، قال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير: إ ن ما يفعله العبد من خير وشر في هذه الدار له نتائج تظهر في دار البقاء لأنها محل الجزاء وجزاء كل إنسان بحسب عمله، وكل معروف أو منكر يجازى عليه من جنسه، وكل إنسان يحشر على ما كان عليه في الدنيا، ولهذا ورد أن كل إنسان يحشر على ما مات عليه. وقال الحكماء: إن الأرواح الحاصلة في الدنيا المفارقة عن أبدانها على جهالتها تبقى على تلك الحالة الجاهلية في الآخرة وأن تلك الجهالة تصير سبباً لأعظم الآلام الروحانية.
وفيه أيضاً: (يبعث كل عبد على ما مات عليه) أي على الحال التي مات عليها من خير وشر قال الهروي: وليس قول من ذهب به إلى الأكفان بشيء، لأن الإنسان إنما يكفن بعد الموت. ثم هذا الحديث يوضحه حديث أبي داود عن عمر وقيل: يا رسول الله، أخبرني عن الجهاد والغزو، قال: إن قتلت صابراً محتسباً بعثت صابرا محتسباً وإن قتلت مرائياً مكاثراً بعثت مرائياً مكاثراً على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله بتلك الحال، وفي حديث أبي هريرة عن أنس مرفوعاً: من مات سكراناً فإنه يعاين ملك الموت سكراناً ويعاين منكراً ونكيراً سكراناً ويبعث يوم القيامة سكراناً إلى خندق في وسط جهنم يسمى السكران. قال عياض: أورد مسلم هذا الحديث عقب حديث لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله مشيراً إلى أنه مفسراً له ثم أعقبه بحديث ثم بعثوا على أعمالهم مشيراً إلى أنه وإن كان مفسراً لما قبله لكنه عام فيه وفي غيره.
وعليه، فالراقصة إذا ماتت وهي ترقص، فلا مانع من أن تبعث وهي ترقص، مع أن الموضوع مختلف فيه، كما رأيت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(3/865)
شرح حديث (منعت العراق درهمها وقفيزها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث عن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم يقول: تضرب العراق ويرفع درهمها ودينارها
وتضرب الشام ويرفع درهمها ودينارها وتضرب مصر ويرفع درهمها ودينارها ثم يتحدون.
أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع بعد البحث على حديث بهذا اللفظ، وقد خرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها.
قال النووي في شرح مسلم: معناه أن العجم والزنوج يستولون على البلاد في آخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(3/866)
شرح حديث (من اقتبس علما من النجوم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم علم الفلك الذي يتم فيه رصد تحركات النجوم وقيس أعمارها وحساب الأشهر وما هو تفسير قوله صلى الله عليه وسلم:\\\"من اقتبس علما من نجوم فقد اقتبس شعبة من سحر زاد ما زاد\\\"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا قد بينا حكم تعلم الفلك في الفتوى رقم 55006
وأما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد.
فقد بينه صاحب عون المعبود وبين عدم دخول علم الفلك فيه فقال:
من اقتبس) أي أخذ وحصل وتعلم (علما من النجوم) أي علما من علومها أو مسألة من علمها (اقتبس شعبة) أي قطعة (من السحر زاد) أي المقتبس من السحر (ما زاد) أي مدة زيادته من النجوم
فما بمعنى ما دام أي زاد اقتباس شعبة السحر ما زاد اقتباس علم النجوم
ثم قال بعد كلام:
قال الخطابي: علم النجوم المنهي عنه هو ما يدل عليه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع كمجيء الأمطار وتغير الأسعار، وأما ما يعلم به أوقات الصلاة وجهة القبلة فغير داخل فيما نهي عنه. انتهى
وفي شرح السنة: المنهي من علوم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث التي لم تقع وربما تقع في مستقبل الزمان مثل إخبارهم بوقت هبوب الرياح ومجيء ماء المطر ووقوع الثلج وظهور الحر والبرد وتغيير الأسعار ونحوها ويزعمون أنهم يستدركون معرفتها بسير الكواكب واجتماعها وافتراقها وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه أحد غيره كما قال تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة فإنه غير داخل فيما نهى عنه قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ {الأعنام: 97} وقال تعالى: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ {النحل: 16} فأخبر الله تعالى أن النجوم طرق لمعرفة الأوقات والمسالك ولولاها لم يهتد الناس إلى استقبال الكعبة.
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق ثم أمسكوا كذا في المرقاة
وراجع الفتوى رقم: 5827.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1426(3/867)
شرح حديث (..حتى يقبض العلم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأعزاء أدامكم الله عز وجل ذخرا لهذا الدين العظيم
ففي صحيح البخاري أن رسول الله (ص) قال لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان.
السؤال الأول: ما المقصود حتى يقبض العلم أي علم مقصود علم الدنيا التكنولوجيا الحالية أم علم الدين
السؤال الثاني: ما المقصود بتقارب الزمان وكيف يكون ذلك؟
ولكم كل الشكر والعرفان والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالعلم في الحديث حيث أطلق العلم الشرعي المأخوذ من الكتاب والسنة وما استفيد منهما كذا ذكر شراح الحديث.
وراجع في كيفية قبضه وفي معنى تقارب الزمان الفتوى رقم: 55357، 39171، 20110
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1426(3/868)
شرح حديث (صغارهم دعاميص الجنة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة دعاميص الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى دعاميص الجنة.. صغار أهلها، قال النووي: وأصل الدعموص دويبة تكون في الماء لا تفارقه أي أن هذا الصغير في الجنة لا يفارقها.
وقد ورد هذا اللفظ في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صغارهم دعاميص الجنة. كما ورد ذلك في لغة العرب أيضاً ومنه قول الأعشى:
فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم * وبحرك ساج لا يوارى الدعامصاء
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(3/869)
شرح حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[عذرا لأنني أعدت السؤال لأن البريد الذي كتبته في المرة الأولى ليس صحيحا
في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. (ثلاث مرات) قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. رواه مسلم.
أرجو شرحه وتوضيح الإسبال بالمعنى الصحيح والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب.
وجزيتم الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى المسبل ـ كما قال النووي: المرخي إزاره الجار طرفه خيلاء، ويلحق بالإزار ما كان مثله مما يسبل ويجر كالقميص والعمامة ونحوه، لما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، ومن جر شيئا خيلاء لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة. وصححه الشيخ الألباني.
ولا يشمل ذلك ذيل المرأة المطال للستر، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تجر المرأة من ذيلها؟ قال: شبرا، قلت إذا ينكشف عنا، قال: ذراع، لا تزيد عليه. أخرجه الترمذي وصححه الألباني. وللاستزادة في معنى الإسبال وحكمه وأقوال أهل العلم فيه والصلاة خلف المسبل نرجو مراجعة الفتوى رقم: 5943 والفتوى رقم: 7445.
وأما المنان فهي صفة مبالغة من المن، وهو الذي لا يعطي شيا إلا منه كما قال المباركفوري، وقيل هو الذي إذا كال أو وزن نقص.
قال الخطابي في معالم السنن: ويتأول على وجهين: أحدهما: من المنة، وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر، وإن وقعت في المعروف كدرت الصنيعة وأفسدتها. قال: والوجه الآخر أن يراد بالمن النقص يريد النقص في الحق والخيانة في الوزن والكيل ونحوهما، ومن هذا المعنى قوله تعالى: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ {القلم: 3} أي منقوص.
وقد بينا في الفتوى رقم: 21126 أن من المن ما هو مذموم ومنه ما ليس كذلك، فنرجو مراجعتها.
وأما المنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر: فهو الذي يروج مبيعه وبضاعته بذلك كما في تحفة الأحوذي، ومن صور ذلك أن يحلف كذبا أنه اشتراها بكذا وكذا، أو أنه أعطي فيها كذا وكذا، أو أنها أصلية وجيدة ونحو ذلك، مما يرغب فيها فتشترى منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة. متفق عليه. وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 53333.
وبقي في الحديث قوله: لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. ومعنى ذلك كما قال النووي: أي لا يكلمهم تكليم أهل الخيرات بإظهار الرضا، بل بكلام أهل السخط والغضب، ولا ينظر إليهم فيعرض عنهم لأن نظره لعباده رحمة ولطف، ولا يزكيهم أي لا يطهرهم من دنس ذنوبهم، وقيل: لا يثني عليهم. ومعنى عذاب أليم أي مؤلم. قال الواحدي: هو الذي يخلص إلى قلوبهم وجعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1426(3/870)
المتعتان اللتان نهى عنهما عمر
[السُّؤَالُ]
ـ[قال عمر بن الخطاب: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أنهي عنهما وأضرب عليهما هذا لفظ أيوب، وفي رواية خالد أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما. متعة النساء، ومتعة الحج. فلماذا نهى عمر ابن الخطاب عن هاتين المتعتين ولماذا يعاقب عليهما؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن مثل هذا السؤال فراجع الجواب في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 33412، 49802، 485، 1802، 1123.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(3/871)
معنى حديث (..ولا يفتح عبد باب مسألة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى:\" وما فتح عبد على نفسه باب مسألة ... \" الحديث]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم:..... ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر. والمقصود بالمسألة هي سؤال الناس وطلبهم المال أو الحاجات. وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن المرء كلما انتهج منهجا من السؤال للناس، زاده الله احتياجا وفقرا. قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (ولا فتح) أي على نفسه (باب مسألة) أي سؤال للناس (إلا فتح الله عليه باب فقر) أي باب احتياج آخر وهلم جرا، أو بأن سلب عنه ما عنده من النعمة فيقع في نهاية من النقمة كما هو مشاهد.
وقال المناوي في فيض القدير: (وما فتح رجل باب مسألة) أي طلب من الناس (يريد بها كثرة) في معاشه (إلا زاده الله تعالى بها قلة) بأن يمحق البركة منه ويحوجه حقيقة، يعني: من وسع صدره عند سؤال الخلق عند حاجته وأنزل فقره وحاجته بهم ولم ينزلهما بالله زاده الله فقرا في قلبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1426(3/872)
شرح حديث (إنما بقاؤكم فيمن سلف..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث الذى رواه البخارى: (إنما بقاؤكم فيمن سلف كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس......) إلى آخر الحديث؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن حجر في الفتح عند شرح هذا الحديث: أن معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار فكأنه قال: إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما سلف إلخ وحاصله أن في بمعنى إلى وحذف المضاف وهو لفظ نسبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1426(3/873)
خفاء الحمل والأخذ بقول القائف
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرح هذين الحدثين شرحا مفصلا مع مقارنة ما يقوله الطب الحديث: وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ حِينَ حَلَّتْ فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا تَامًّا فَجَاءَ زَوْجُهَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا عُمَرُ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ قُدَمَاءَ فَسَأَلَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا حِينَ حَمَلَتْ مِنْهُ فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ فَحَشَّ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَلَمَّا أَصَابَهَا زَوْجُهَا الَّذِي نَكَحَهَا وَأَصَابَ الْوَلَدَ الْمَاءُ تَحَرَّكَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَكَبِرَ فَصَدَّقَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ عُمَرُ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا إِلَّا خَيْرٌ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَتَى رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَائِفًا فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ الْقَائِفُ لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ فَقَالَتْ كَانَ هَذَا لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ يَأْتِينِي وَهِيَ فِي إِبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ وَتَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَبَلٌ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا تَعْنِي الْآخَرَ فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ قَالَ فَكَبَّرَ الْقَائِفُ فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ وَالِ أَيَّهُمَا شِئْتَ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في الحديثين ما يحتاج إلى الشرح، لوضوح ألفاظهما. وبما أنك طلبت ذلك فسوف ننقل لك ما شرحهما به الإمام الزرقاني في حاشيته على الموطأ، واقتصرنا على هذا الشرح القصير طلبا للاختصار.
الخبر الأول: (أن امرأة هلك) مات (عنها زوجها فاعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم تزوجت حين حلت) بحسب الظاهر (فمكثت عند زوجها أربعة أشهر ونصف شهر ثم ولدت ولدا تاما فجاء زوجها إلى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له) لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر (فدعا عمر نسوة من نساء الجاهلية قدماء) بضم ففتح والمد جمع قديمة أي مسنات لهن معرفة (فسألهن عن ذلك) ليعلم هل يصح خفاء الحمل على المرأة مع تيقنها انقضاء العدة (فقالت امرأة منهن أنا أخبرك عن) حال (هذه المرأة هلك عنها زوجها حين حملت منه فأهريقت) صبت بكثرة (عليه) أي الحمل (الدماء) بالرفع نائب الفاعل (فحش) بفتح الفاء وضم الحاء المهملة وفتحها وشين معجمة قال أبو عبيد الهروي أي يبس (ولدها في بطنها) فلم يتحرك لضعفه. وقال غيره معناه ضمر ونقص (فلما أصابها) وطئها (زوجها الذي نكحها) عقد عليها (وأصاب الولد) مفعول فاعله (الماء تحرك الولد) في بطنها (وكبر) بكسر الباء لانتعاشه بالماء (فصدقها عمر بن الخطاب وفرق بينهما) لأنه تزوج في العدة (وقال عمر أما) بخفة الميم (إنه لم يبلغني عنكما إلا خير) للعذر المذكور (وألحق الولد بالأول) الميت لأنه ولده إذ الولد للفراش.
الخبر الثاني: (كان يليط) بضم الياء وكسر اللام يلصق أي يلحق (أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام) إذا لم يكن هناك فراش لأن أكثر أهل الجاهلية كانوا كذلك وأما اليوم في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته فلا يلحق ولد الزنى بمدعيه عند أحد من العلماء كان هناك فراش أم لا قاله أبو عمر. (فأتى رجلان كلاهما يدعي ولد امرأة فدعا عمر قائفا) بقاف ثم فاء (فنظر إليهما فقال القائف لقد اشتركا فيه فضربه) أي القائف (عمر بالدرة) بكسر المهملة وشد الراء لأنه كان يظن أن ماءين لا يجتمعان في ماء واحد استدلالا بقوله تعالى إنا خلقناكم من ذكر وأنثى سورة الحجرات الآية 13 ولم يقل من ذكرين لا لأنه لم ير قوله شيئا كما زعمه بعض من لا يرى القافة فإن قضاء عمر بالقافة أشهر من أن يحتاج إلى شاهد ألا ترى أنه حكم بقول القائف فقال وال أيهما شئت قاله الباجي. (ثم دعا المرأة فقال أخبريني خبرك فقالت كان هذا) تشير (لأحد الرجلين يأتيني وهي) التفات والأصل وأنا (في إبل لأهلها فلا يفارقها حتى يظن) هو (وتظن) هي (أنه قد استمر) أي دام وثبت (بها حبل) بفتح المهملة والموحدة أي حملت بالولد (ثم انصرف عنها فأهريقت) بضم الهمزة هي (عليه دما ثم خلف عليها هذا تعني الآخر فلا أدري من أيهما هو) أي الولد (قال) سليمان (فكبر القائف) سرورا بموافقة قوله (فقال عمر للغلام وال أيهما) أي الرجلين (شئت) وبه قال ابن القاسم ورواه عن مالك أنه يوالي إذا بلغ من شاء منهما وله موالاتهما جميعا ويكون ابنا لهما عند ابن القاسم.
وفيما يتعلق بالمقارنة بين هذا وبين ما يقوله الطب الحديث، فإنا –رغم عدم علمنا بالطب القديم والحديث- لم نجد فيما ورد في الحديثين ما يدعو إلى الحيرة. فالأثر الأول إنما أورد قصة امرأة تزوجت وهي حامل من زوج سابق، وكانت تحسب أن عدتها قد انقضت. ودليل سبق حملها أنها قد ولدت بعد أربعة أشهر ونصف شهر ولدا تاما. وفي كتاب الله العزيز ما يدل على أن أقل أمد للحمل هو ستة أشهر بدليل قول الله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا - {الأحقاف: 15} . وقوله في آية أخرى: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ - {لقمان:14} . فبان من هذا أن أقل الحمل ستة أشهر التي هي الفرق بينهما في الآيتين. ولا غرابة في أن يخفى على المرأة حملها. وإذا كان الطب الحديث يقول بخلاف هذا –وهو مستبعد- فإنه لا يلتفت إلى ما يقوله.
وأما الأثر الثاني فهو يروي قصة امرأة في الجاهلية قد التبس أمر حملها فألحقه القائف برجلين كان لكل منهما بها علاقة، وقد خير الخليفة عمر رضي الله عنه الغلام في الانتساب إلى أيهما شاء. وهذا قضاء منه -رضي الله عنه- بكلام أهل القافة. ولا علم لنا بما يقوله الطب الحديث في هذا أيضا. فلك أن تتوجه به إلى المختصين بذلك الفن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1426(3/874)
المقصود بأضعف الإيمان في حديث تغيير المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[توضيح من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ومن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ما المقصود بأضعف الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمنكر لا تقره الشريعة بحال، فلا بد من تغييره، ولكن تغييره على مراتب، ولما كان الناس يختلفون في قدراتهم على ذلك فإن الشارع الحكيم رتب إنكار المنكر على حسب قدرة الشخص، ولكن لا يعذر أحد من المكلفين بترك الإنكار مهما يكن من أمر، فيجب عليه أن يغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أقل الأحوال؛ لأن كل إنسان يستطيعه ولا يعجز عنه إلا من قد مرض قلبه وانتكس. لما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. ومعنى أضعف الإيمان -كما سألت- أي أقله ثمرة؛ كما قال النووي.
وفي تحفة الأحوذي على شرح الترمذي قال: وذلك أن الإنكار بالقلب وهو الكراهية" أضعف الإيمان" أي شعبه أو خصال أهله، والمعنى أنه أقلها ثمرة. فمن غير المراتب مع القدرة كان عاصيا، ومن تركها بلا قدرة أو لكون المفسدة أكبر وكان منكرا بقلبه فهو من المؤمنين. وقيل: معناه وذلك أضعف زمن الإيمان؛ إذ لو كان إيمان أهل الزمان قويا لقدر على الإنكار القولي والفعلي، ولما احتاج إلى الاقتصار على الإنكار القلبي؛ إذ ذلك الشخص المنكر بالقلب فقط أضعف أهل الإيمان، فإنه لو كان قويا صلبا في الدين لما اكتفى به.
وقال السندي: والاكتفاء بالكراهة بالقلب أضعف الإيمان أي أعماله المتعلقة بإنكار المنكر في ذاته لا بالنظر إلى غير المستطيع، فإنه بالنظر إليه هو تمام الوسع والطاقة وليس عليه غيره.
وقال العز بن عبد السلام: ولم يذكر ذلك للذم، وإنما ليعلم المكلف حقارة ما حصل في هذا القسم فيرتقي إلى غيره.
وقال ابن حزم في المحلى: وذلك أضعف الإيمان أي ليس وراء ذلك من الإيمان شيء.
ومهما يكن من أمر فهذا الحديث أصل في صفة تغيير المنكر، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به -فعلا كان أو قولا- وإلا فكراهة وبغضا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(3/875)
معنى أثر \"نحن قوم لانأكل حتى نجوع..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أن تبينوا لنا صحة هذا الحديث (نحن قوم لا نأكل وإن أكلنا لا نشبع) والمعنى المراد منه لكوني سمعت أخا في المسجد يعزم آخرين على الأكل بعد أن شبعوا ويقول بأنه من السنة أن يأكلوا واستدل بهذا الحديث السالف ذكره.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر بعد البحث على حديث بهذا اللفظ، وقد ذكر بعض أصحاب السير في قصة إرسال المقوقس طبيبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضمن بعض الهدايا، ذكروا أنه صلى الله عليه وسلم قال له: نحن قوم لانأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع. وقد ضعفه الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.
ومعنى الحديث ـ إن صح ـ أنهم ليس كل همهم الطعام، فهم لا يتناولون الطعام إلا عند الحاجة، وإذا تناولوا فإنهم لا يسرفون في الأكل، وإنما يأخذون بقدر الحاجة. وليس فيه نفي وقوع الشبع أصلا وواقعا، فإن الصحابة كانوا يشبعون أحيانا، ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا هريرة لبنا فشرب، فما زال يقول: اشرب، حتى قال له: والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا. وفي الصحيحين أن جابرا صنع طعاما فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم أهل الخندق، ثم قال لجابر، ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا.. وراجع الفتوى رقم: 12157، والفتوى رقم: 48493، 47229.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1426(3/876)
معنى قول النبي \"وإن الناس سيكثرون ويقلون..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أحسن الله إليكم وبارك في علمكم؟
ورد في حديث عند البخاري رحمه الله، وهذا الحديث جاء في كتاب مناقب (الأنصار) والرواية هي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام فمن ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم فكان آخر مجلس جلس به النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال / ما المقصود بقوله يكثر الناس ويقل الأنصار بالتفصيل.
نرجو أن توضح لنا هذا القول. بارك الله فيكم
وجزاكم الله خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحيلك في شرح المقصود بهذه العبارة إلى ما شرحها به الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري حيث قال: (وَإِنَّ النَّاس سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ) أَيْ أَنَّ الْأَنْصَار يَقِلُّونَ, وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى دُخُول قَبَائِل الْعَرَب وَالْعَجَم فِي الْإِسْلَام وَهُمْ أَضْعَاف أَضْعَاف قَبِيلَة الْأَنْصَار, فَمَهْمَا فُرِضَ فِي الْأَنْصَار مِنْ الْكَثْرَة كَالتَّنَاسُلِ فُرِضَ فِي كُلّ طَائِفَة مِنْ أُولَئِكَ, فَهُمْ أَبَدًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرهمْ قَلِيل, وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُمْ يَقِلُّونَ مُطْلَقًا فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ لِأَنَّ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ مِنْ ذُرِّيَّة عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب مِمَّنْ يَتَحَقَّق نَسَبه إِلَيْهِ أَضْعَاف مَنْ يُوجَد مِنْ قَبِيلَتَيْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج مِمَّنْ يَتَحَقَّق نَسَبه، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ, وَلَا اِلْتِفَات إِلَى كَثْرَة مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ بُرْهَان. وَقَوْله: " حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَام " فِي عَلَامَات النُّبُوَّة " بِمَنْزِلَةِ الْمِلْح فِي الطَّعَام " أَيْ فِي الْقِلَّة, لِأَنَّهُ جَعَلَ غَايَة قِلَّتهمْ الِانْتِهَاء إِلَى ذَلِكَ, وَالْمِلْح بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُمْلَة الطَّعَام جُزْء يَسِير مِنْهُ، وَالْمُرَاد بِذَلِكَ الْمُعْتَدِل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1426(3/877)
شبه الولد لعمومته وخؤولته
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: \"بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"أما أول أشراط الساعة: فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة: فزيادة كبد الحوت، وأما الشبه في الولد: فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها. قال: أشهد أنك سول الله ... إلى آخر الحديث سؤالي هو ما المقصود بسبقها ماؤه.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراد من قوله صلى الله عليه وسلم: فسبقها ماؤه. هو سبق الإنزال من قبل المرأة. روى مسلم من حديث أنس بن مالك عن أم سليم قالت. ".. وهل يكون هذا ـ يعني الماء ـ فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم نعم من أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أوسبق يكون منه الشبه. قال في المنتقى: وقوله من أين يكون الشبه يريد شبه الابن لأحد أبويه أولأقاربه منه ومعنى ذلك أن للمرأة ماء تدفعه عند اللذة الكبرى كما للرجل ماء يدفعه عند اللذة الكبرى، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة خرج الولد يشبه عمومته، وإذا سبق ماء المرأة خرج الولد يشبه خؤولته. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1426(3/878)
تخريج أثر (لوتكاشفتم ما تدافنتم)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من الإخوة القائمين على الموقع عرض استفساري على من يوثق به من علماء الحديث دون تسمية، أود معرفة مدى صحة الحديث: (لو تكاشفتم ما تدافنتم) مع إيراد شرح معناه التفصيلي وأين أجده في كتب الصحاح؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول المذكور في السؤال ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن روي من قول الحسن البصري رواه عنه الدينوري في المجالس كما في كشف الخفاء.
ويغني عنه قوله: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. رواه أحمد ومسلم والنسائي، ومعناه كما قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: لولا خشية أن يفضي سماعكم إلى ترك أن يدفن بعضكم بعضا (أن يسمعكم) من الإسماع (عذاب القبر) أي الصوت الذي هو أثره وإلا فالعذاب لا يسمع. والله أعلم. انتهى، وتراجع الفتوى رقم: 33047.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(3/879)
معنى \".. ويقتل الخنزير\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم عندما ينزل عيسى عليه السلام يقتل الخنزير هل هو الحيوان بعينه أم هو المسيح الدجال. أجيبونا من فضلكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. والمقصود بقتل الخنزير هو قتل الحيوان المعروف حقيقة، قال في تحفة الأحوذي، ويقتل الخنزير: أي يحرم اقتناءه وأكله ويبيح قتله. ولا تعارض بين هذا وبين كونه عليه السلام سيقتل الدجال أيضا. فعن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا إن عيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبي ولا رسول، ألا إنه خليفتي في أمتي من بعدي، ألا إنه يقتل الدجال، ويكسر الصليب، وتضع الحرب أوزارها، ألا فمن أدركه منكم فليقرأ عليه السلام. رواه الطبراني وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1426(3/880)
معنى حديث \"نهى عن ثمن الكلب..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن.
ما معنى هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه وارد في الصحيحين وغيرهما، ومعناه تحريم بيع الكلاب، وحرمة التكسب عن طريق الزنا والكهانة. قال النووي في شرحه لمسلم: أما مهر البغي فهو ما تأخذه الزانية على الزنا، وسماه مهرا لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسلمين. وأما حلوان الكاهن فهو ما يعطاه على كهانته يقال منه: حلوته حلوانا إذا أعطيته. قال الهروي وغيره: أصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو من حيث إنه يأخذه سهلا بلا كلفة ولا في مقابلة مشقة. قال البغوي من أصحابنا والقاضي عياض: أجمع المسلمون على تحريم حلوان الكاهن لأنه عوض عن محرم، ولأنه أكل المال بالباطل.. وأما النهي عن ثمن الكلب وكونه من شر الكسب وكونه خبيثا فيدل على تحريم بيعه وأنه لا يصح بيعه ولا يحل ثمنه، ولا قيمة على متلفه سواء كان معلما أم لا، وسواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا، وبهذا قال جماهير العلماء، منهم أبو هريرة والحسن البصري وربيعة والأوزاعي والحكم وحماد والشافعي وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم. وقال أبو حنيفة: يصح بيع الكلاب التي فيها منفعة، وتجب القيمة على متلفها، وحكى ابن المنذر عن جابر وعطاء والنخعي جواز بيع كلب الصيد دون غيره. وعن مالك روايات إحداها: لا يجوز بيعها ولكن تجب القيمة على متلفه، والثانية: يصح بيعه وتجب القيمة، والثالثة: لا يصح ولا تجب القيمة على متلفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1426(3/881)
الحديث الوارد فيمن ترد الملائكة السلام عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث يتعلق بأن الملائكة ترد على الشخص القائم بإلقاء السلام والذي لم يتم الرد عليه من قبل المُلقى عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحارث في مسنده والطيالسي عن هشام بن عمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاث ليال، فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما، وأولهما فيئاً يكون سبقه بالفيء كفارة، وإن سلم فلم يقبل ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة، ورد على الآخر الشيطان، وإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعاً أبداً. وصححه الألباني في الأدب المفرد، وصححه الأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1426(3/882)
معنى \" لو يعلم.. والصف الأول..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالصف الأول في تضمن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لو علموا مافي الصف الأول من أجر لأتوه ولو حبوا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العمتة والصبح لأتوهما ولو حبوا. والمقصود بالصف الأول بينه الحافظ ابن حجر في الفتح بقوله: والمراد به ما يلي الإمام مطلقا، وقيل: أول صف تام يلي الإمام لا ما تخلله شيء كمقصورة، وقيل: المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف، قال ابن عبد البر: واحتج بالاتفاق على أن من جاء أول الوقت ولم يدخل في الصف الأول فهو أفضل ممن جاء وزاحم إليه. ولا حجة له في ذلك كما لا يخفى. قال النووي: القول الأول هو الصحيح المختار وبه صرح المحققون، والقولان الآخران غلط صريح. انتهى.
وعليه، فالمقصود بالصف الأول هو الصف الذي يلي الإمام مباشرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1426(3/883)
معنى \"أنتم أعلم بأمور دنياكم\"
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا عما تبذلونه من عمل وأدعو من الله أن يجعلها في ميزان حسناتكم....وسؤالي هو أني قرأت من حديث طويل في أحد الكتب للرسول صلى الله عليه وسلم قوله (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ولم أجد سنده..فإذا كان هذا الحديث صحيحا فما هو مقصده الشرعي وهل يجوز لنا أن نعممه على سائر الأمور الدنيوية لنا أو بعبارة أخرى هل يمكن شرعا للناس الاجتهاد الفردي بناء على العقل في أمور تنفعهم في دنياهم؟.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرته هو جزء من حديث صحيح، فقد أخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا " تمرا رديئا" فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم. كما ذكره ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه وغيرهم بروايات مختلفة.
وقد بوب له النووي في شرحه على صحيح مسلم فقال: باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سيبل الرأي. اهـ فذلك هو المقصد الشرعي وهو عام في سائر الأمور الدنيوية، فيمكن لكل فرد أن يجتهد في أموره الدنيوية الخاصة بما يناسبه وينفعه، فله أن يبني داره -مثلا- إلى أي جهة تناسبه، ويزرع مزرعته بما يفيده. فلا دخل للشارع في ذلك؛ اللهم إلا من ناحية تقنينه للمسائل، مثل تحريمه للإسراف أو التقتير أو الإضرار بالغير ونحو ذلك من الأمور العامة التي تجري في كل المسائل تقريبا. وللاستزادة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 57742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1426(3/884)
عرض الأعمال على الله والمعافاة عن المجاهرين
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تعرض أعمال البشر على الله عز وجل، وما معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وهل يشمل أصحاب الكبائر؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأعمال البشر تعرض يومي الانثين والخميس من كل أسبوع وتعرض أعمال السنة في شهر شعبان، لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا أو اركوا هذين حتى يفيئا.
وروي الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم.
قال في تحفة الأحوذي: قال ابن الملك: وهذا لا ينافي قوله عليه السلام: يرفع عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، للفرق بين الرفع والعرض، لأن الأعمال تجمع في الأسبوع وتعرض في هذين اليومين.
قال ابن حجر: ولا ينافي هذا رفعها في شعبان، فقال: إنه شهر ترفع فيه الأعمال، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة، وأعمال العام مجملة. انتهى محل الغرض منه.
أما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافاة إلا المجاهرين.... الحديث، فرواه مسلم عن أبي هريرة، والمعافاة في الحديث تحتمل معنيين: الأول: أن يكون الله عافاه فغفر له. والثاني: أن يكون الله عافاه فستره، كما صرح بهذا الحافظ في الفتح.
أما المجاهرون، فهم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة، وقد سبق أن بينا أن الجهر بالمعصية إثم زائد على إثم المعصية، وراجع الفتوى رقم: 38697.
والمعاصي تشمل الكبائر والصغائر، وراجع الفتوى رقم: 27004.
وعليه؛ فإن المعافاة في الحديث تشمل أصحاب الكبائر، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 57998، والفتوى رقم: 55909.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(3/885)
شرح حديث (..وإياكم وهيشات الأسواق..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: سمعت عن حديث من بعض الأشخاص يقول: \" إياكم وهيشات الأسواق إنهم يتبعون كل ناعق\" هل هذا يا فضيلة الشيخ يعتبر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، أم لا، وإذا كان حديثاً فما صحته وما تفسيره، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذي يلونهم ثلاثا وإياكم وهيشات الأسواق. رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: وإياكم وهيشات الأسواق: هي بفتح الهاء وإسكان الياء وبالشين المعجمة أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها. انتهى.
أما لفظة: (إنهم يتبعون كل ناعق) فهو من قول علي بن أبي طالب لكميل بن زياد النخعي ولفظه:.... الناس ثلاثة فعالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. رواه أبو نعيم في الحلية والخطيب في تاريخ بغداد.
أما معناه فقال في الدرر السنية: (أتباع كل ناعق) : الذين لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق في المعتقد فأي ريح هبت مالت بهم وأي غرض عصفهم، فنعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الضلال بعد الهدى ومن الغي بعد الرشاد. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(3/886)
شرح حديث (لو كنت آمرأ أحدا أن يسجد لأحد..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث النبي صلى الله عليه وسلم \\\" لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها \\\" مؤكد وهل إذا كان مؤكدا هل هو ينطبق على أي زوج أم أن الحديث الشريف قد ينطبق على خصوصية من الناس فليس من المعقول أن يكون الزوج الذي لا يرعى الأسرة ويجلس على المقاهي ويترك الأبناء ويترك زوجته تؤدي جميع طلبات الأسرة بمفردها وماله حرام ويشرب السجائر ويغضب إذا تكلمت زوجته وراجعته ويأخذها في أوقات التي حرم الله فيها المعاشرة كل هذا والزوجة تسجد لزوجها؟؟؟؟ ولي شواهد في ذلك فعندما غضبت السيدة فاطمة رضي الله عنها من سيدنا علي بن أبي طالب بسبب علمها بأنه خطب ابنة أبي جهل قد تركت حجرته وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فغضب من سيدنا علي ولم نجده أخذها وأرجعها إلى حجرتها علشان لا يغضب منها زوجها والملائكة تلعنها بل أصر أن يخاطب سيدنا عليا وعنفه أن لا يغضب السيدة فاطمة وقصة أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك عن السيدة عائشة رضي الله عنها فكان النبي صلى الله عليه وسلم غاضبا منها ولكن لم يذكر أن الملائكة كانت تلعنها كل يوم لأنها كانت مظلومة برغم طول المدة وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعونه ولم يغضب منهم كما في سورة التحريم وخلاصة قولي أقول إن هذا الحديث له شروط وليس عاما وهو أن يكون الزوج يتقي الله في أسرته ويطعمهم الحلال ويرعاهم ويلبي طلباتهم ولا يبخل عليهم ولا يكون متجنيا على زوجته في شيء ولا يتخذ هذا الحديث في أن يفعل ما يشاء حتى ولو كان يغضب زوجته خوفا من إغضابه والحديث الآخر أيضا \\\" عن أم سلمة رضي الله عنها قال الرسول عليه الصلاة والسلام أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة \\\" وهذا أيضا ينطبق على ما أقول والله المستعان وأرجو من فضيلتكم التعليق على هذا لأنني في حيرة كبيرة ولا أريد أن أغضب الله ولا أستطيع أن أسير في حياتي الأسرية بهذا المنطلق وجزاكم الله كل خير وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد..الخ رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما وهو حديث صححه أهل الحديث. ولا يدل هذا الحديث على أن المرأة تسجد لزوجها؛ بل ذلك حرام عليها إن فعلته على وجه الاحترام، وكفر إن فعلته بقصد التعظيم كتعظيم الله، وإنما يفيد الحديث وجوب طاعة المرأة لزوجها واحترامها له.
وأما سؤلك هل هذا الحديث على عمومه أم لا؟
فالجواب: هو على عمومه في كل زوج فعل ما عليه من الحقوق تجاه زوجته من نفقة وسكنى ومعاشرة بالمعروف، أما إن كان الزوج قد فرط في ذلك أو في بعضه فإنه لا يستحق تلك الطاعة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل لها أن تخرج من بيته لبيت أهلها أو المحكمة للمطالبة بحقها والمطالبة بإنصافها، ولكن إذا تنازلت المرأة عن حق النفقة أو السكنى أو المبيت فليس لها أن تمتنع عن طاعته بحجة عدم قيامه بما عليه من واجبات؛ إذ من حقها أن تطالبه بحقها، فإذا أسقطت حقها أو سكتت عنه لم يكن لها أن تفرط في حقه عليها.
ومراجعة المرأة لزوجها في أمر من أمور حياتهم ليست ذنبا تستحق المرأة عليه العقاب، وما ذكرته الأخت السائلة من مراجعة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لرسول الله من ذلك، بل قد يكون في مراجعة المرأة لزوجها خير ورأي سديد.
وأما بشأن نكاح الزوج لزوجة ثانية وثالثة ورابعة فهو حق له من الله تعالى، وليس للمرأة أن تفرط في الحق الذي أوجبه الله عليها لزوجها بسبب فعله لما أباح الله له.
وأما بشأن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو أمر خاص. قال الإمام النووي في شرح مسلم حيث قال رحمه الله تعالى: قال العلماء: في هذا الحديث تحريم ايذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل حال وعلى كل وجه وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا وهو حي، وهذا بخلاف غيره. قالوا: وقد أعلم صلى الله عليه وسلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله صلى الله عليه وسلم: لست أحرم حلالا. ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين:
إحداهما: أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم فيهلك من آذاه، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة.
والثانية: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة.
وقيل: ليس المراد به النهي عن جمعهما بل معناه: أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان، كما قال أنس بن النضر: والله لا تكسر ثنية الربيع.
ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما، ويكون معنى لا أحرم حلالا، أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله فإذا أحل شيئا لم أحرمه، وإذا حرمه لم أحلله ولم أسكت عن تحريمه لأن سكوتي تحليل له، ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(3/887)
قراءة القرآن بلحون العرب
[السُّؤَالُ]
ـ[قال صلى الله عليه وسلم \"اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر، فإنه سيجيء أقوام من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم\" رواه مالك والنسائي والبيهقي والطبراني. ما مدى صحة هذا الحديث، وما هو ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، أرجو الإيضاح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب على سؤالكم هو أن هذا الحديث ضعيف إذ في سنده بقية بن الوليد وهو مدلس، وقد حكم الألباني رحمه الله على هذا الحديث بالضعف وذلك في ضعيف الجامع تحت رقم 1067.
وأما عن معاني الكلمات الواردة فيه فإن معنى (ترجيع الغناء) : ترديده والمقصود مثل ترديد أهل الغناء في غنائهم، (والرهبانية) هي رهبانية النصارى وتنسكهم فلهم أصوات في صلواتهم، و (النوح) رفع الصوت بالبكاء.
والمعنى الإجمالي أنه ينبغي أن يقرأ القرآن بلحون العرب وتطريبها وترنماتها الحسنة التي لا يختل معها شيء من الحروف عن مخرجه لأن القرآن لما اشتمل عليه من حسن النظم والتأليف والأسلوب البليغ اللطيف يورث نشاطا للقارئ، لكن إذا قرئ بالألحان التي لا تخرجه عن وضعه تضاعف فيه النشاط وزاد به الانبساط وحنت إليه القلوب القاسية.. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أذن الله لنبي ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن.
وتحسين الصوت بالقرآن مستحب بإجماع السلف والخلف، لكن يحرم على القارئ حرمة شديدة الخروج في ذلك عن قواعد التجويد وأداب التلاوة بلحن أو تطريب، فكل ما أخرج القرآن وعدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج فهو حرام لقول الله تعالى: قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الزمر:28} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1426(3/888)
شرح حديث (من اشترى شاة مصراة)
[السُّؤَالُ]
ـ[س:- \" من اشترى شاة محفلةً فليردها ومعها صاع\".
أريد أن أعرف ما هو تفسير هذا الحديث وأين أستطيع أن أجده.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه متفق عليه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها فإن رضي حلابها أمسكها وإلا ردها ومعها صاع من تمر. واللفظ لمسلم، وفي لفظ للبخاري: من اشترى شاة محفلة ... الحديث، وللحديث ألفاظ أخرى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التصرية، فقال الإمام النووي: وهو ربط أخلافها، ومعناه: لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة مستمرة، ومنه قول العرب: صريت الماء في الحوض إذا جمعته، وصرى الماء في ظهره إذا حبسه ... واعلم أن التصرية حرام سواء تصرية الناقة والبقرة والشاة والجارية والفرس والأتان وغيرها لأنه غش وخداع، وبيعها صحيح مع أنه حرام، وللمشتري الخيار في إمساكها وردها.. وفيه دليل على تحريم التدليس في كل شيء، وأن البيع من ذلك ينعقد، وأن التدليس بالفعل حرام كالتدليس بالقول.ا. هـ من شرح مسلم بتصرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1426(3/889)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعنيان كل مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. وهل هناك ترابط بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره.... الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بين الحديثين ترابطاً من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يعني كل مسلم، قال الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104} ، وقال تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان:17} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
قال الإمام النووي: فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين ... ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه؛ بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين. انتهى.
وعليه؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أولويات ما يعني كل امرئٍ مسلم، وليس ذلك مما لا يعنيه كما يقول أو يدعي بعض من يريد تعطيل هذه الشعيرة العظيمة من الدين، فقوله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. لا يقتضي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل يقتضي ترك ما لا يهمه ولا يليق به من خصوصيات غيره، وما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه، قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث: ومعنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال: عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه ... فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات ... وترك ما لا يعنيه كله من المحرمات أو المشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه. انتهى بتصرف بسيط.
وقال الإمام الغزالي: وحدُّ الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مال، مثاله: أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار ... انتهى.
فيظهر مما تقدم أن الحديثين مترابطان من الحيثية التي ذكرنا، وليس بينهما تنافٍ ولا تضاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1426(3/890)
حديث (..لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد حديث نبوي شريف فيما معناه: (أن صحابيا أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يا رسول الله لقد زنيت قال -صلى الله عليه وسلم- لعلك قبلت............) أريد معرفة نص الحديث وعقوبة كل حالة وردت في الحديث الشريف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور ورد في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من دواوين السنة، ونصه كما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا، يا رسول الله، قال: أنكتها لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه.
أما الحالات التي وردت في الحديث الشريف من قبلة وغمزة ونظرة محرمة فكل ذلك محرم مطلقاً، ومن فعل ذلك فهو آثم، وعليه أن يبادر بالتوبة النصوح، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 17321، والفتوى رقم: 15196. وهي من المعاصي التي لا توجب إقامة الحدود، أما الزنا فهو من أكبر الكبائر، وهو من الجرائم الموجبة لإقامة الحد، وقد بينا حد الزاني في الفتوى رقم: 17567.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1426(3/891)
حديث (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين)
[السُّؤَالُ]
ـ[من عاش بين ظهراني الكفار فأنا بريء منه، أو ما في معناه، أريد الاستفسار عن مدى صحة الحديث؟
فإن كان صحيحا أرجو التفسير الدقيق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه رواه أبو داود والترمذي من حديث جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: لا تراءى ناراهما. والحديث صحيح.
أما معنى الحديث فقد سبق بيانه مفصلا في الفتاوى ذات الأرقام: 37470 و 10043 و 2007 و 45909 و 47026 و 51334 فليرجع إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(3/892)
حديث (ذهب الظمأ وابتلت العروق..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفسر عن معنى الذكر الذي يقوم به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإفطار من الصيام\"ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله\" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سؤالي علما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفطر على التمر فان لم يجد فماء\"حسب معلوماتي إن صحت\"إذن ففي حالة الإفطار على الماء فهو يمر إلى العروق\"الأوعية الدموية\"أثناء الامتصاص المعوي وفي حالة الافطار على التمر أو شيء آخر فهنالك كذلك امتصاص للماء ذلك أنه من مكونات أي مادة إذن فهذا الحديث دليل على وجود الماء في جميع الأطعمة ومبين لعملية امتصاصه ولم يكتشف العلم هذا إلا مؤخرا فسبحان الله. أرجوكم استشيروا خبيرا ليوضح لي المزيد بأكثر دقة، أرجوكم ادعوا لي بالنجاح في الدراسة هذا العام ودائما وبخير الدنيا والآخرة وخاصة بالنجاة من عذاب الله والفوز برحمته ورفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنة الفردوس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك التوفيق لما يحبه الله ويرضى كما نسأله تعالى أن يمن عليك بالفوز والنجاح في كل ما تصبوا إليه من أمور الدنيا والآخرة، ثم نقول وبالله التوفيق: ثبت في سنن أبي داوود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله. وحسنه الشيخ الألباني. وفي حاشية الجمل في الفقه الشافعي بعد ذكره لهذا الحديث: لكن هذا ربما يفهم منه أنه في خصوص من أفطر على الماء فليراجع. انتهى. وعليه فالحديث قد يكون في خصوص الفطر بالماء فقط دون التمر أو غيره وقد بين أهل العلم الحكمة من الإفطار على التمر فمن ذلك: قال الشوكاني في نيل الأوطار: وإنما شرع الإفطار بالتمر لأنه حلو وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم وهذا أحسن ما قيل في المناسبة وبيان وجه الحكمة. انتهى. 2ـ في سبل السلام للصنعاني: قال ابن القيم: وهذا من كمال شفقته صلى عليه وسلم على أمته ونصحهم فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به لا سيما القوة الباصرة فإنها تقوى به وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس فإن رطبت بالماء كمل انتفاعها كما انتفاعها بالغذاء بعده مع مافي التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب. انتهى. وكون الماء موجود في جميع الأطعمة أو غير موجود فيها ليس من اختصاصنا، فيراجع فيه المختصون، وكون الحديث دليلا على ما فهمته منه محل احتمال وقد قدمنا ما سبق عن بعض أهل العلم من أن ذهاب الظمأ وابتلال العروق إنما هو في حالة الإفطار على الماء فقط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(3/893)
معنى قول الرسول \"أوتيت القرآن ومثله معه\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أوتيت القرآن ومثله معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر صاحب عون المعبود عند شرح هذا الحديث في سنن أبي داود أن المراد بقوله (ومثله معه) أنه أوتي الوحي الباطن غير المتلو، أو تأويل الوحي الظاهر وبيانه بتعميم وتخصيص وزيادة ونقص، أو أحكاماً ومواعظ وأمثالاً تماثل القرآن في وجوب العمل أو في المقدار، ونقل عن البيهقي كلاما يؤيد ذلك.
الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(3/894)
معنى \"يقوم به آناء الليل,,\"
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يقوم به آناء الليل وآناء النهار) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور متفق عليه من حديث ابن عمر، ومعنى آناء الليل والنهار: ساعاته؛ كما في مختار الصحاح. وقال الإمام النووي: آناء الليل والنهار أي ساعاته، وواحده الآن، وأني، وأنو، أربع لغات. اهـ.
وقال الحافظ: المراد بالقيام به: العمل به تلاوة وطاعة. اهـ.
وقال في تحفة الأحوذي: المراد بالقيام به: العمل مطلقا أعم من تلاوته داخل الصلاة أو خارجها من تعليمه والحكم والفتوى بمقتضاه. اهـ. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 18450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(3/895)
توضيح حول الإذن لزوجة هلال بن أمية في خدمته
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك، ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر زوجاتهم بتركهم، وجاءت زوجة هلال بن أمية وطلبت البقاء عنده لخدمته لأنه غير قادر على خدمة نفسه وأذن لها الرسول. إذا كان الصحابي كبيرا بالسن لدرجة أنه غير قادر على خدمة نفسه فكيف يؤمر بالجهاد علما أن كبار السن لا جهاد عليهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننبه على أمور: الأول: كون الرجل غير قادر على خدمة نفسه في البيت، ليس دليلا على عجزه عن الجهاد، فإن الرجال عموما محتاجون إلى خدمة نسائهم ولو كانوا شبانا، فما ظنك بهم إذا جاوزوا مرحلة الشباب كحال هلال بن أمية رضي الله عنه، ولهذا ورد أن أهل كعب بن مالك رضي الله عنه نصحوه أن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله وكان شاباً. ففي الصحيحين، قال كعب بن مالك: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. والثاني: أن الله استنفر للجهاد الشباب والشيوخ، قال الله تعالى: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً {التوبة: 41} . قال مجاهد كما في تفسير الطبري وغيره: شبانا وشيوخا، وأغنياء ومساكين. والثالث: الذي ورد في نص الحديث كما في الصحيحين: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا، ولكن لا يقربك. قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقولها: ليس له خادم" وقولها: والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا" دليل على أن حزنه الشديد، وعدم وجود خادم يخدمه، هو الذي حمل امرأته على خدمته. وفيه إشارة إلى أن كعب بن مالك ومرارة بن الربيع كان لهما من يخدمهما. قال سعيد بن زيد رضي الله عنه وهو الذي بشر هلال بن أمية بتوبة الله عليه: فخرجت إلى بني واقف فبشرته، فسجد، فما ظننه يرفع رأسه حتى تخرج نفسه. قال ابن حجر عقبه: يعني لما كان فيه من الجهد، فقد قيل: إنه امتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صائما ولا يفتر من البكاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1426(3/896)
شرح حديث (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما..)
[السُّؤَالُ]
ـ[صمت بعد رمضان قبل الماضي 6 أيام بنية مشتركة أي بنية القضاء وستة أيام من شوال لكنني لم أعلم بأن هذا لا يجوز إلا بعد رمضان الماضي من خلال موقعكم فما هو الحل الآن هل أعيد صيام هذه الأيام من الآن متتابعة أم لا حرج في أن تكون متفرقة وماذا عن الكفارة؟
وأما السؤال الثاني فما هو معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل بان أعظم الناس جرما من حرم شيء من اجل مسألته إن صح هذا الحديث؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول الراجح أن الأيام التي صمتها تجزئك عن أيام القضاء التي كانت في ذمتك، وبالتالي، فلا يلزمك الآن قضاء ولا كفارة عليك، وراجع الفتوى رقم: 41144.
والحديث الذي سألت عنه ورد في البخاري ومسلم وغيرهم، وهو من رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ولفظه في إحدى روايتي مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: والصواب الذي قاله الخطابي وصاحب التحرير وجماهير العلماء في شرح هذا الحديث أن المراد بالجرم هنا الإثم والذنب، إلى أن قال: قال الخطابي وغيره: هذا الحديث فيمن سأل تكلفا أو تعنتا فيما لا حاجة به إليه، فأما من سأل لضوررة بأن وقعت له مسألة فسأل عنها فلا إثم عليه ولا عتب لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ قال صاحب التحرير وغيره: فيه دليل على أن من عمل ما فيه إضرار بغيره كان آثما. انتهى. وهذا أعني كون الشيء قد يحرم من اجل سؤال السائل في زمن التشريع، أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1426(3/897)
شرح حديث (..عليك ليل طويل فارقد..)
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث النبي صلى الله عليه وسلم (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله [تعالى] انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) ما المقصود بالصلاة في قوله عليه الصلاة والسلام \" فإن صلى انحلت عقدة \" هل هي صلاة القيام أم صلاة الفجر؟ أفيدونا بارك الله فيكم،،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه متفق عليه من حديث أبي هريرة، والمقصود بالصلاة في الحديث قيام الليل كما هو الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: إذا نام عليك ليل طويل فارقد فإذا استيقظ الحديث، يعني بالليل، ومما يدل عليه أيضا قوله في آخر الحديث: فأصبح نشيطا وإلا أصبح خبيث النفس. والصبح: الفجر، كما في مختار الصحاح، وقد بوب البخاري رحمه الله على الحديث باب عقد الشيطان على قافية العبد إذا لم يصل من الليل وذكره، وكذلك أبو داود وغيرهما من أصحاب السنن. قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: وفي هذا الحديث حض على قيام الليل لأن فيه أنه يصبح طيب النفس نشيطا بعد ذكر الوضوء والصلاة. اهـ وقال الباجي في المنتقى: وهذا يدل على أن نافلة الليل مشروعة مرغب فيها، وأن ذلك الوقت مقصود له. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(3/898)
معنى \"واغسل حوبتي واسلل سخيمة قلبي\"
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء من ضمن دعاء طويل (اللهم اغسل حوبتي) (اللهم اسلل سخيمة قلبي) ما المقصود بهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نص الدعاء الذي أشار إليه السائل هو ما في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر لي الهدى، وانصرني على من بغى علي، اللهم اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، مطواعا إليك مخبتا أو منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي. والحديث في سنن الترمذي وابن ماجه أيضا، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: معنى واغسل حوبتي: أي امح إثمي، والحوب الإثم، ومعنى واسلل سخيمة قلبي: أي غشه وغله وحقده وحسده ونحوها بما ينشأ من الصدر ويسكن في القلب من مساوئ الأخلاق. قاله علي القاري انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(3/899)
شرح حديث \"ألا أخبرك بخير ما يكتنز المرء؟..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد منكم شرح حديث لا أعرف صيغته يتحدث عن الخير الذي تأتي به الزوجة الصالحة.هل وفاة شخص أو حدوث مصيبة ما للزوج قبل الزواج (الدخول) يعني أن الزوجة ليس فيها الخير.وما علاقته مع التطير
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت عدة أحاديث في فضل الزوجة الصالحة وما تجلبه من الخير والسعادة للزوج منها:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح. رواه أحمد بإسناد صحيح.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيرا من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته أو حفظته في نفسها وماله. رواه ابن ماجه
وقوله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك بخير ما يكتنز المرء؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته. رواه أبو داود والحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد.
قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود في شرح هذا الحديث: قوله (بخير ما يكنز المرء) أي بأفضل ما يقتنيه ويتخذه لعاقبته (المرأة الصالحة) أي الجميلة ظاهرا وباطنا ... قيل فيه إشارة إلى أن هذه المرأة أنفع من الكنز المعروف، فإنها خير ما يدخرها الرجل لأن النفع فيها أكثر لأنه (إذا نظر) أي الرجل (إليها سرته) أي جعلته مسرورا لجمال صورتها، وحسن سيرتها، وحصول حفظ الدين بها (وإذا أمرها) بأمر شرعي أو عرفي (أطاعته) وخدمته (وإذا غاب عنها حفظته) قال القاضي: لما بين لهم صلى الله عليه وسلم أنه لا حرج عليهم في جمع المال وكنزه ما داموا يؤدون الزكاة، ورأى استبشارهم به رغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى وهي المرأة الصالحة الجميلة، فإن الذهب لا ينفعك إلا بعد ذهابه عنك، وهي ما دامت معك تكون رفيقتك تنظر إليها فتسرك، وتقضي عند الحاجة إليها وطرك، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ عليك سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك، وإذا غبت عنها تحامي مالك وتراعي عيالك انتهى
وحدوث مصيبة للزوج قبل الدخول لا يعني أن المرأة ليس فيها خير، فلا علاقة بين حدوث المصيبة وبين الزوجة.
وحديث: (إنما الشؤم في ثلاث: في الفرس، والمرأة، والدار) متفق عليه، وقد سبق معناه في الفتوى رقم: 16165
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1426(3/900)
معنى حديث \"من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في حديث صحيح\"أيما رجل آتاه الله تعالى علما فكتمه ألجمه الله تعالى يوم القيامة بلجام من نار\" وفي حديث آخر \" من سئل عن علم فكتمه ... \" وذكر صلى الله عليه وسلم نحوه، فهل الحديث الأول مقيد بالثاني أم أن الإنسان بمجرد أن يؤتيه الله تعالى علما فيكتمه يدخل في الوعيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوعيد المذكور في الحديث ليس مخصوصا بمن سئل عن علم فكتم، وإنما خصه بعضهم بما إذا تعين عليه تعليمه، وذلك لأنه يدخل فيه كتم العبد لبيان حكم مسألة رأى الناس يخطئون فيها، وترك إنكار المنكر، ويشتد الاثم إن كان غرض الكتم إقرار صاحب المنكر، فقد كلف الشارع العالم بأن يعلم ما علم، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {البقرة:159} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري. وفي مسند الربيع والسنة للخلال من حديث معاذ بسند ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا ظهرت البدع وسب أصحابي فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وقال المناوي عند شرح حديث: أيما رجل آتاه الله علما ... في كتابه فيض القدير: قال: (أيما رجل آتاه الله علما) تنكيره في حين الشرط يؤذن بالعموم لكل علم ولو غير شرعي؛ لكن خص جمع منهم الحليمي بالشرع ومقدماته. (فكتمه) عن الناس عند الحاجة إليه.. وهذا وعيد شديد سيما إن كان الكتم لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب نفوسهم واستجلاب لمسارهم، أو لجر منفعة أو حطام دنيا أو لتقية مما لا دليل عليه ولا أمارة، أو البخل بالعلم، ومن ثم قال علي كرم الله وجهه: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1426(3/901)
كراهية رد الطيب
[السُّؤَالُ]
ـ[قوله صلى الله عليه وسلم \"من عرض عليه طيب فلا يرده\" هل هو على سبيل التحريم أم الكراهة؟ أرجو ذكر من قال بالتحريم باسمه إن كان هناك من قال به.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعروف عند أهل العلم حمل النهي في الحديث على الكراهة، فقد بوب عليه الترمذي فقال: باب ما جاء في كراهية رد الطيب. وقد نقل كلامه العيني في عمدة القاري، وقد شرحه المباركفوري في شرح الترمذي، ولم يتعقب أحد منهم القول بالكراهة. وأما القول بالتحريم فلا نعلم أحدا من أهل العلم قال به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1426(3/902)
معنى \"وإني لأجد نفس ربي من قبل اليمن\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (وإني لأجد نفس ربي من قبل اليمن) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف أن النفس اسم مصدر من نفس تنفيسا، قال: النفس اسم وضع موضع المصدر لأن مصدر نفس تنفيس، فوضع النفس موضع التنفيس، كما وضع الفرج موضع التفريج.
وقد فسر الجزري في النهاية والقرطبي في تفسيره أهل اليمن بالأنصار لأن الله نفس بهم الكرب عن المؤمنين وهم يمانون لأنهم من الأزد، وذكر القرطبي قولاً آخر أن المراد بهم أهل اليمن الذين جاءوا مسلمين من اليمن أفواجاً في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبناء عليه يكون المعنى أن تنفيس الله وتفريجه يأتي من جهة اليمن حيث يأتي من قبلها أنصار الإسلام المجاهدون، ويحتمل أن يراد بهم الأنصار الذين كانوا في المدينة وجاهدوا مع الرسول في العهد المدني الأول، ويحتمل أن يراد بهم أهل اليمن الذين أسلموا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وذهب مجاهدوهم للقتال في سبيل الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1426(3/903)
المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام \"ولد صالح يدعو له\"
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث ((يتبع الميت..............وولد صالح يدعو له)) هل المقصود بالولد الابن فقط أو الابن والحفيد ... الخ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد الحديث: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم وغيره.
والظاهر أن المقصود بالولد الأبناء المباشرون وغير المباشرين لأن الجميع يسمى أولادا للميت.
والمراد بصلاحهم هو إيمانهم، كما قال بعض أهل العلم.
وأما حديث: يتبع الميت ثلاثة. فهو حديث غير المذكور، ونصه كما في الصحيحين: يتبع الميت ثلاثة: فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1426(3/904)
إجماع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجمع.
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً، سؤالي باختصار: هل المقصود بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله.... هم فقط الرجال (الذكور) وأن النساء (الإناث) لا يظلهم الله تحت ظله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النساء يدخلن فيمن يظلهم الله إذا اتصفن بهذه الصفات، وأما التذكير في الحديث فإنه من باب تغليب المذكر على المؤنث فقط، فالقاعدة عند أهل العلم أن خطاب الشرع يدخل فيه النساء ما لم يثبت التخصيص، ومثل هذا خطابه لأهل الإيمان بقوله (يا أيها الذين آمنوا) ، فهو شامل للجنسين وكذلك أحاديث الوعد والوعيد والترغيب والترهيب فهي شاملة لهما، وقد نقل الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان إجماع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجمع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1426(3/905)
معنى كلمة (الجد)
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على الفتاوى المفيدة،اللهم إني أسألك بمقاعد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى. كلمة جدك لم أعرف كيف أقرأها المرجو شكلها وشرحها وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلمة الجد بفتح الجيم، قال في لسان العرب: الجد: العظمة، وفي التنزيل: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا. قيل: جده عظمته، وقيل: غناه. وقال مجاهد: جد ربنا: جلال ربنا.. وفي حديث الدعاء: تبارك اسمك وتعالى جدك، أي علا جلالك وعظمتك.
وننبه السائل إلى أن لفظ الدعاء المذكور في السؤال قد ورد ضمن حديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقد سبق الحكم عليه في الفتوى رقم: 3586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1425(3/906)
شرح حديث (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان عليه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير هذا الحديث: حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: (دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه، فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر فدنوت منه فقلت له أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له هذا بن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما قال فسكت ساعة ثم قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله) ؟. رواه مسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تناول الحديث المذكور جملة من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع حكمه، وعجائب معجزاته.
فقد أخبر صلى الله عليه وسلم بما سيحدث في هذه الأمة من الفتن التي ينسي بعضها بعضاً ويخفف آخرها أولها، وقدم لذلك بأنه حق على كل نبي جاء قبله أن يدل أمته على خير ما يعلم، ويحذرهم من شر ما يعلم، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يترك أمرا ينفع هذه الأمة إلا أمرهم به وحثهم عليه ولا شرا إلا نهاهم عنه وحذرهم منه، والحديث جاء في هذا السياق، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما يخبر أصحابه يهذه الفتن ويحذرهم منها يخبرهم بما ينجيهم من عواقبها فيقول: فمن أحب أن يزحزح من النار ويدخل الجنة فلتاته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، فالإيمان بالله تعالى والعمل الصالح ومعاملة الناس بما يحب الشخص أن يعاملوه به هو سبيل النجاة من الفتن والنار والفوز بالجنة، وهي حكمة بالغة ووصية جامعة..
وأما قول الصحابي: فمنا من ينتضل، فهومن المناضلة وهي المراماة بالنشاب وغيره للسبق، ويستعمل في المسابقة بالكلام والشعر ...
وقوله: في جشره. أي: في دوابه يخرجها للمرعى.
وقوله: يصلح خباءه. أي: يبني خيمته، والمعنى أن كل واحد منهم ذهب لحاله وإصلاح شأنه ...
ومعنى قوله: الصلاة جامعة. أي ائتوا الصلاة واجتمعوا لها ...
قال النووي في شرح مسلم عند تعقيب الراوي على الحديث وتثبته من سماع الصحابي له من رسول الله صلى الله عليه وسلم: المقصود بهذا الكلام أن القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو، وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول، وأن الثاني يقتل، فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية لمنازعته علياً رضي الله عنه، وكانت قد سبقت بيعة علي فرأى هذا أن نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أكل المال بالباطل، ومن قتل النفس، لأنه قتال بغير حق، فلا يستحق أحد مالا في مقاتلته.
ثم قال في قول عبد الله بن عمرو: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله. فيه دليل لوجوب طاعة المتولين بالقهر من غير إجماع ولا عهد.
وخلاصة كلام عبد الله رضي الله عنه: أن الطاعة في المعروف، وأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1425(3/907)
شرح حديث (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث (تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم , لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) المقصود بالقوم المتأخرين في الحديث والذين شملهم الوعيد هل هم الذين لا يحضرون الجماعات أصلا ,, أم من يكون في المسجد ويتباطأ في القيام للصف حين يقام للصلاة أم المعني شيء آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر السيوطي في شرح صحيح مسلم عند شرح هذا الحديث. أن المراد بالتأخر هنا هو التأخر عن الصف الأول، ويدل لصحة ما ذكره السيوطي. مافي الحديث: لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله. رواه أبو داود والبيهقي وصححه الألباني. وراجع الفتوى رقم: 19507.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(3/908)
شرح حديث أبي سعيد الخدري في الرقية بالفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجاء تبيان معنى الحديث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية فرقاه فبرأ فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي قال: لا مارقيت إلآ بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: وما كان يدريه أنها رقية، اقسموا واضربوا لي بسهم. رواه البخاري
للإشارة قرأت هذا الحديث في سلسلة العلامتين ابن باز والألباني العدد 56
وجزاكم الله خيرا وسدد خطاكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسير الذي كان فيه أبو سعيد وأصحابه هو سرية بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميرا عليها، وكان أصحابه ثلاثين رجلاً، فمروا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فلدغت العقرب سيد ذلك الحي فسعى أهل الحي له ليداووه بما كانوا يعرفون من الدواء، فلم ينفعه شيء، فاقترحوا طلب أصحاب السرية أن يرقيه أحدهم، فجاءت جارية منهم وذكرت أن رجال الحي غائبون، وطلبت منهم إن كان عندهم من يستطيع الرقية، فقام أبو سعيد فرقاه بالفاتحة مع أنه ما كان يرقي سابقاً، فلما رقاه برأ بفضل الله، فأعطوهم ثلاثين شاة على عددهم، وأعطوهم شيئاً من اللبن.
ثم سأله أصحابه هل كان يحسن الرقية، فذكر أنه إنما رقاه بالفاتحة، ثم أمرهم بالتأني حتى يعرفوا الحكم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصلوا المدينة سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: وما يدريه أنها رقية، وكلمة -وما يدريه- تقال عند التعجب من الشيء، وعند تعظيمه.
وأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في رواية أبي داود وغيره أنها رقية حق، وأقر عملهم، وأمر أن يعطوه سهما مبالغة منه صلى الله عليه وسلم في تطيب خواطرهم، وفي بيان أن الفعل مشروع.
وفيه جواز الرقية بالقرآن، ومشروعية الجعالة عليها، وراجع رواية للحديث تفصل القصة أكثر من الرواية التي ذكرت في الفتوى رقم: 6125.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(3/909)
ليس بين الحديثين تعارض
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: كيف يُجمع بين هذين الحديثين الحديث الأول الذي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ أناساً يأتون بحسنات كالجبال يجعلها الله هباءً منثوراً ووصفهم بأنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها فهل هذا مبرر للمسلم أن يتهاون في بعض الطاعات بحجة أن الله سيجعلها هباءً فلا حاجة لأن يفعلها من الأصل, والحديث الثاني \"كل أمتي معافى إلا المجاهرين\" أرجو أن أتمكن من معرفة اسم الشخص الذي سيجيب على سؤالي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين الحديثين، فمعناهما إجمالاً يحث المسلم على امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، والإخلاص في أعماله لله تعالى، والابتعاد عما حرم الله تعالى، كما يحث على الاستحياء من الله تعالى، واستشعار مراقبته للعبد أينما كان وكيف ما كان، وليس فيهما -على الإطلاق- ما يبرر التهاون أو التكاسل عن الطاعات وأعمال الخير وأنواع القربات التي ينبغي أن يتقرب بها العبد إلى ربه تبارك وتعالى.
ويبان ذلك أن الحديث الأول في أقوام عندهم نوع من النفاق فهم يصلون ويصومون، ولكن الذي أفسد أعمالهم هو النفاق ومرض القلب، فقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء عن مالك بن دينار أن هذا الحديث في المنافقين قال: هو والله النفاق ... فأخذ المعلى بن زياد بلحيته فقال: صدقت والله أبا يحيى.
أو هو في أقوام يراءون الناس بأعمالهم، كما في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، أو هو في قوم أوبقتهم أعمالهم بكثرة سيئاتهم، فغلبت سيئاتهم على حسناتهم، فيعاقبون في النار ولا يخلدون فيها إن كانوا مؤمنين.
فالله سبحانه وتعالى أكرم وأعدل من أن يحبط عمل أحد دون سبب، ولن يضيع أجر من أحسن عملاً، يقول الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:40} ، ويقول تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة:7-8} .
وإنما يحبط أعمال الكافرين والمنافقين لأن من شروط قبول العمل الإيمان والإخلاص، كما قال تعالى في شأن الكفار: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {الفرقان:23} .
وأما الحديث الثاني، فمعناه أن العبد في عفو من الله تعالى ما لم يجاهر بالمعصية، ويستخف بالأوامر الربانية والأخلاق الإسلامية.
وأما من غلبه هواه على المعصية واستتر بها فهو وإن كان آثماً وقد ينال العقوبة ما لم يتب إلى الله تعالى أو يعفو عنه، فإن الوعيد المذكور في الحديث لا يتناوله، وللمزيد من الفائدة نرجو الإطلاع على الفتوى رقم: 29331. والحاصل: أنه ليس بين الحديثين تعارض..... وليس فيهما ما يبرر التهاون بأعمال الطاعات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1425(3/910)
معنى \"إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى وصحة الحديث القائل (لينصرن الله هذا الدين على يد الرجل الفاجر) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت هذا الحديث في الصحيحين بلفظ: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
ومعنى يؤيد: ينصر، والرجل الفاجر يشمل من كان كافرا ومن كان فاسقاً، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نستعين بمشرك لأنه محمول على من كان يظهر الكفر، أو هو منسوخ بما ثبت من الاستعانة بصفوان بن أمية في حنين، كذا قال ابن حجر في الفتح، وتابعه المناوي في الفيض.
وسبب وروده يوضح معناه، فإنه ورد في قصة الرجل الذي قاتل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه من أهل النار، وظهر بعد ذلك أنه قتل نفسه.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلت إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى النار. قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب! فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت، ولكن به جراحاً شديداً، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله، ثم أمر بلالاً فنادى بالناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1425(3/911)
حول حديث \"بئس أخو العشيرة\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح هذا الحديث \"بئس أخو العشيرة\" وأحاديث عن جواز الغيبة. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بئس فعل يدل على الذم، والمراد بالعشيرة الأدنى إلى الرجل من أهله، وهم ولد أبيه وجده، وهذا الرجل الذي ورد فيه الحديث هو عيينة بن حصن ولم يكن أسلم حينئذ، وإن كان قد أظهر الإسلام، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لا يعرف حاله، وكان منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه، وارتد مع المرتدين، وجيء به أسيرا إلى أبي بكر رضي الله عنه.
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه بئس أخو العشيرة من أعلام النبوة لأنه ظهر كما وصف، وإنما ألان له القول تألفا له ولأمثاله على الإسلام، كذا قال ابن حجر في الفتح.
وأما الأحاديث الواردة فيما يباح من الغيبة فقد ذكر النووي في الرياض فيها هذا الحديث، وذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا. رواه البخاري. وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه. متفق عليه. وفي رواية لمسلم وأما أبو الجهم فضراب للنساء. وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فاجتهد يمينه ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي: (إذا جاءك المنافقون..) ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم. متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت: هند امرأة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. متفق عليه.
وراجع في بيان خطورة الغيبة وبيان ما يباح منها الفتوى رقم: 45328، والفتوى رقم: 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1425(3/912)
معنى حديث \" ... كان كمن صام الدهر\"
[السُّؤَالُ]
ـ[\"من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كمن صام الدهر\". ما المقصود بكلمة الدهر هل العمر كله أو سنة, ما حكم من أفطر في الأيام الست من شوال ناسيا هل عليه القضاء أو لا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقصود بكلمة الدهر في الحديث هو سنة فقط، بناء على أن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها، فشهر رمضان يساوي صومه صيام عشرة أشهر، وصيام الست يساوي صوم شهرين، فكأن صيام ست بعد الشهر يساوي صيام سنة كاملة. هذا ما يفيده كلام ابن حجر في الفتح وكلام النووي والسيوطي في شرحيهما لمسلم، ويدل لهذا ما في لحديث: من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وراجع في بقية السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 727، 28798، 6642.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1425(3/913)
الموبقات وقساد المجتمعات
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الظاهرة التي تناولها حديث اجتنبوا السبع الموبقات بفساد المجتمع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم حديث في قمة الصحة، وفيه يحث النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى المجتمع المسلم على اجتناب السبع الموبقات المذكورة، ويحث على الابتعاد عنها.
وما وجدت هذه الموبقات أو إحداها في مجتمع إلا دب إليه الفساد والتفكك والتنافر والبغضاء والكراهية.
ولهذا شدد الإسلام في عقوبة من ارتكب شيئا من هذه الموبقات نظرا لما تسببه من فساد مادي ومعنوي للمجتمعات المسلمة.
ونظرا لأنها تصطدم بمقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية، والتي اتفقت على صيانتها الأديان وأصحاب العقول السليمة.
فقد اتفقت دعوة الأنبياء على صيانة الدين والنفس والعقل والمال والعرض والنسب والمحافظة عليها، وارتكاب هذه الكبائر يتنافى مع صيانة هذه الكليات، كما أنه يتنافى مع تكريم الله تعالى للإنسان وتشريفه أن يعبد غير الله تعالى، فمن أشرك بالله تعالى وعبد غيره من المخلوقات فقد انحط عن مرتبة الإنسانية لأنه مخلوق لعبادة الله تعالى وحده، والكون كله مسخر لخدمته لكي يؤدي هذه المهمة العظيمة.
ومن أساسيات الدعوة الإسلامية إقامة مجتمع مسلم متماسك قوي يعبد الله تعالى وحده لا شريك له ويعمر أرض الله تعالى وفق شريعته كما قال سبحانه وتعالى على لسان أنبيائه:.... اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ {هود: 61} . ولا يمكن إقامة هذا المجتمع إذا كانت تنخر في جسمه الكبائر والموبقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1425(3/914)
معنى حديث \"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو شرح هذا الحديث (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السباب هو الشتم أو المشاتمة. وقيل: السباب أشد من السب، فالسباب هو أن يقول الرجل في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه. وأما السب فلا يكون إلا بما هو فيه.
وأما الفسوق فهو في اللغة الخروج، وفي الشرع: الخروج عن طاعة الله ورسوله، وهو في عرف الشرع أشد من العصيان. قال الله تعالى: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ {الحجرات: 7} .
وأما القتال فهو المحاربة. وأما الكفر المذكور هنا فهو كفر دون كفر، وليس المراد به الكفر المخرج من الملة.
قال النووي في شرح مسلم: فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قتاله بغير حق فلا يكفر به عند أهل الحق كفرا يخرج به من الملة إلا إذا استحله، فإذا تقرر هذا، فقيل في تأويل الحديث أقوال: أحدها: أنه في المستحل، والثاني: أن المراد كفر الإحسان والنعمة وأخوة الإسلام لا كفر الجحود. والثالث: أنه يؤول إلى الكفر بشؤمه. والرابع: أنه كفعل الكفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(3/915)
شرح حديث (والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)
[السُّؤَالُ]
ـ[في الصحيحين أن العين والأذن واليد والرجل تزني وفي نهاية الحديث أن الفرج يصدقهن أو يكذبهن ما معنى التصديق والتكذيب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر النووي في شرح مسلم أن معنى أن الفرج يصدق ذلك أو يكذبه هو أنه قد يحقق الزنى بالفرج وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج وأن قارب ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1425(3/916)
توضيح حول حديث (من سمع بي من أمتي أو يهودي أونصراني)
[السُّؤَالُ]
ـ[ممكن أخطات في الكتابة أو شيء من الحديث، حديث\" كل من سمع بي يهوديا كان أم نصرانيا ثم مات ولم يؤمن بي إلا أدخله الله النار يوم القيامة\". في بعض الكفار سمعوا عن الإسلام والبعض لا أدري يعني كل من أحب أن أبلغه عن الإسلام ولايريد يدخل النار بسببي لأنه سمع مني وسمع عن الإسلام.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشرت إليه قد أخرجه الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري مرفوعا ونصه: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة. وفي رواية له أيضا: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بي دخل النار. والحديث صحيح. وواجب المسلم أن يبلغ هذا الدين حسب طاقته. قال النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري. وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب. فإذا كان السائل يقصد أنه لا يريد أن يبلغ الناس حتى لا يكون سببا في دخولهم النار إذا لم يؤمنوا، فليعلم أنه يجني بذلك على نفسه وعلى الناس، لأنه بامتناعه عن التبليغ يكون قد عصى الله ورسوله، ومن عصى الله ورسوله فقد استحق العذاب. ولأن امتناعه من تبليغ الناس يكون قد حرمهم من الخير الذي إذا اتبعوه نالوا ثوابا كثيرا، وإذا امتنعوا من اتباعه كان دخولهم النار بسبب امتناعهم من الحق لا بسبب أنه هو بلغهم. وهذا الذي أجبنا عنه هو ما فهمناه من السؤال، وإذا كان السائل يسأل عن غير ما بيناه فليوضح مقصوده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1425(3/917)
شرح حديث (..فقد تودع منهم)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير حديث (إذا رأيت أمتي تهاب فلا تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الحديث أن الأمة إذا أصبحت في حال تخشى فيه من إنكار مناكر الظلمة ومنعهم من الظلم فقد تُودع منهم أي تودعهم الله وتركهم لاستواء وجودهم وعدمهم، واستنبط منه أن ترك إنكار المنكر من أسباب خذلان الله للأمة، وقد ذكر المناوي في شرح الحديث أن إنكار منكر الولاة بالفحش في القول كياظالم إن تعدى شره للغير امتنع وإن لم يخف إلا على نفسه جاز بل ندب، فقد كانت عادة السلف التصريح بالإنكار، والحديث رواه الحاكم وأحمد والبزار بروايات متقاربة، وقد صحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي، وصحح الهيثمي بعض أسانيد أحمد والبزار، وراجع الفتوى رقم: 18524.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(3/918)
قد يبر الله من أقسم عليه وقد لا يبره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، هل معنى هذا لو أردت شيئاً أن أقسم على الله سيوفقني إليه، هل يجوز هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع للعبد الصالح من أن يقسم على الله تعالى في أمر من أمور البر النافعة، وقد بينا ذلك في الفتوى رقمٌ: 35270.
أما توفيق الله تعالى للمقسم فإنه مرجو لمن أخلص في قسمه وكان أهلاً لذلك، وإذا تخلفت إجابة قسمه في الدنيا فهذا لا يعني أنه غير مقبول، لأن الله تعالى قد يؤجل ذلك إلى الآخرة، أو يصرف عنه من السوء ما لا يعلمه، وراجع الفتوى رقم: 2395، والفتوى رقم: 21386.
أما عن الحديث الذي ذكرته، فقد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ومعناه أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والأموال، وإنما ينظر إلى القلوب، فرب دعوة أشعث الشعر مغبر الثياب، أرجى للقبول من دعوة مزين الظاهر خرب الباطن، قال النووي في شرحه على مسلم: معناه لا يحنثه لكرامته عليه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1425(3/919)
معنى (نار الأنيار)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة معنى (نار الأنيار) في الحديث الشريف، حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال صاحب النهاية إنه يحتمل أن يكون معنى هذه الكلمة نار النيران، فجمع النار على أنيار، وأصلها أنوار، لأنها من الواو كما جاء في ريح وعيد أرياح وأعياد. وقد تابعه فيما ذكر ابن منظور في لسان العرب والمباركفوري في تحفة الأحوذي. وراجع الفتوى رقم: 10706، والفتوى رقم: 29884. لمعرفة المزيد من خطورة التكبر ومعنى الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(3/920)
الفتور في حياة المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفتور في حياة المؤمن، وكيف تكون فترة المؤمن إلى سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع ذكر أمثلة توضح ذلك؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفتور هو الذي يؤدي إلى الكسل عن بعض النوافل، مثل من كان مواظباً على قيام الليل فكسل عن القيام، أو من كان مواظباً على صيام النفل فكسل عنه، أو من كان محافظاً على البعد عن الشبهات والمكروهات ثم كسل عن ذلك، فالمهم أن لا يؤدي به الفتور إلى خلاف الشرع، فلا يضيع الفرائض ولا يقع في المحرمات.
قال المناوي في شرح حديث أحمد وابن خزيمة والبيهقي وابن حبان وابن أبي عاصم: فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى. قال: فمن كانت فترته إلى سنتي. أي: طريقتي التي شرعتها. وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28988، 48387، 43712، 17666، 1891.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1425(3/921)
شرح حديث (..ما لم تعمل به أو تتكلم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:\"إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست -أو حدثت- به أنفسها، ما لم تعمل به، أو تتكلم\". ففي موضوع النذر فيجب لانعقاده النطق به باللسان. السؤال ما المقصود ب \"ما لم تعمل به\", الرجاء إعطاء أمثلة للتوضيح أكثر. ... ... ... ... ... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله صلى الله عليه وسلم: ما لم تعمل به أو تتكلم. قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: والمراد نفي الحرج عما يقع في النفس حتى يقع العمل بالجوارح، أو القول باللسان على وفق ذلك، قال الكرماني: فيه أن الوجود الذهني لا أثر له وإنما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات والعملي في العمليات. انتهى. وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري قوله: ما لم تعمل. أي في العمليات: أو تتكلم" في القوليات. انتهى. مثال للعمليات ما لو حدث نفسه بشرب الخمر أو الزنا فلا يكون مؤاخذا على ذلك حتى يعمل ما حدث، ومثال القوليات ما لو حدث نفسه بسب أو غيبة فلان فلا يأثم بمجرد حديث النفس ما لم يتكلم بهذا السب أو الغيبة، والنذر من القوليات بمعنى أنه يتوقف انعقاده على وجود اللفظ الظاهر، (الكلام) . فمجرد تحديث النفس بالنذر لا يتعلق به حكم لأن النذر لا بد له من صيغة يلفظها الناذر بلسانه. كأن يقول نذرت صوم خمسة أيام أو نذرت التصدق بكذا وكذا وغيرها من الألفاظ التي تدل على النذر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1425(3/922)
شرح حديث (من اصطبح كل يوم سبع تمرات..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بشرح معنى هذين الحديثين: \"من اصطبح كل يوم سبع تمرات ... \" وما معنى اصطبح، هل معناه أكل التمرات السبع قبل فطوره أم أكلها إذا أصبح بغض النظر عن كونها قبل الفطور أم بعده؟
\"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الطعام\" ما المقصود بهذا النفخ، هل هو النفخ لتبريد الطعام إن كان ساخنا، وهو ضرورة مثلا في بعض الأحيان, أو أنه مطلق النفخ سواء كان للتبريد أم لغيره؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد وابن حجر في الفتح والمناوي في فيض القدير وصاحب عون المعبود والعيني في عمدة القاري، أن المراد بالحديث تناولها على الريق قبل أن يطعم شيئاً، ويدل لما ذكروه ما في صحيح مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة. وفي رواية لأحمد صححها الأرناؤوط والألباني: في عجوة العالية أول البكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سم.
وأما النهي عن النفخ في الطعام فيشمل النهي عن النفخ على الطعام لتبريده وغيره، ومن حكمة النهي الحرص على سلامة الطعام من تأثره بالهواء الذي يخرج من الفم وهو ثاني أكسيد الكربون فإنه ضار.
ويدل لعدم اختصاص النهي بالتبريد ما ثبت في النهي عن النفخ على الشراب لإزالة الوسخ والتنفس في الشراب، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل القذاة أراها في الإناء فقال: اهرقها، قال: فإني لا أروى من نفس واحد، قال: فأبن القدح إذاً عن فيك. رواه الترمذي وصححه.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1425(3/923)
معنى حديث \"ذكر الله خاليا ففاضت عيناه..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
من المعلوم أن سبعة يظلهم الله تحت ظله، ومنهم من ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، هل معنى ذلك من ذكر الله (أي قراء القرآن) أم تذكر سيئاته وخطاياه فذرف الدمع مع الحسرات على ما فرط في جنب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن معنى الحديث: ذكر الله ففاضت عيناه. هو الذكر باللسان أو القلب حال كونه خاليا من الناس أو من الالتفات لما سوى الله، ففاضت عيناه من خشية الله، أو شوقا إلى الله لفرط محبته وكمال إخلاصه، ويدخل في الذكر قراءة القرآن فهو سيد الذكر، قال أبي بن كعب: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل الله وسنة ذكر الرحمن عز وجل ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار. أخرجه أبو نعيم في الحلية.
قال القرطبي في المفهم: وفيض العين بحسب حال الذاكر، وبحسب ما يكشف له، ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء من خشية الله، وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق إلى الله. انتهى.
ويؤيده ما في بعض الروايات ففاضت عيناه من خشية الله. وروي عن أنس مرفوعاً: من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
أما تذكر الخطايا والبكاء عليها للتفريط في جنب الله فهو من التذكر وليس من الذكر؛ وإن كان ثمرة من ثمرات الذكر، فذكر الله يورث القلب حبا وخشية وإنابة إلى الله فيندم على ما فات فيدفعه للتوبة والاستغفار والفرار إلى الله.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(3/924)
التمثيل بالحسي للأمر المعنوي كثير في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إلى آخر قوله صلى الله عليه وسلم. السؤال: هل الصدأ هنا معنوي أم حسي وإذا كان معنويا كيف يتم التمثيل المعنوي بأمر حسي؟ أم هناك معنى أكبر غاب عني؟
... ... جزاكم الله عني وعنكم كل الخير.
... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور جاء بلفظ: إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل فما جلاؤها يا رسول الله؟ قال: كثرة تلاوة كتاب الله تعالى وكثرة الذكر لله عز وجل. والحديث ضعفه غير واحد من أهل العلم منهم ابن الجوزي في العلل، والألباني في السلسلة. والصدأ المذكور معنوي، لأن جلاءه ونظافته يكونان بأمر معنوي وهو الذكر والتلاوة وذكر الموت كما جاء في بعض روايات الحديث. ويؤيد هذا المعنى ما رواه أصحاب السنن من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه. وهو الران الذي ذكره الله: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {المطففين:14} . والتمثيل بالأشياء الحسية للأشياء المعنوية كثير في القرآن والسنة وكلام العرب لتقريب المعاني إلى أذهان السامعين. وإذا صح الحديث فلا مانع أن يكون فيه معنى آخر أو معان أخرى لم نطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1425(3/925)
شرح حديثين نبويين
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أنه قد أشكل علي فهم حديثين، أرجو منكم توضيحهما لي:
الأول: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل) .
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) أو فيما معنى الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الحديث الأول أن من خاف يعني خاف البيات والإغارة من العدو وقت السحر أدلج أي سار أول الليل، ومن أدلج بلغ المنزل أي وصل إلى المطلب، قال الطيبي رحمه الله: هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لسالك طريق الآخرة فإن الشيطان على طريقه والنفس وأمانيها الكاذبة أعوانه، فإن تيقظ في مسيره وأخلص النية في عمله أمن من الشيطان وكيده ومن قطع الطريق بأعوانه.
وأما عن الحديث الثاني فإن الراحلة هي النجيبة المختارة من الإبل للركوب فهي كاملة الأوصاف فإذا كانت في إبل عرفت، ومعنى هذا كما اختار بعض المحققين أن مرضي الأخلاق من الناس الكامل الأوصاف قليل فيهم جداً كقلة الراحلة في الإبل، وقيل في معناه إن الناس متساوون ليس لأحد منهم فضل في النسب بل هم أشباه كالإبل المائة، ولكن المعنى الأول أرجح وقد رجحه النووي وابن حجر والسيوطي، وطالع لمعرفة المزيد في الموضوع شروح الصحيحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(3/926)
معنى حديث \"اللهم أعوذ بك من التردي والهدم..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح هذا الدعاء رحمكم الله: (اللهم أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحرق، وأعوذ بك أن يتخطبني الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا أو أموت لديغا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرح المناوي في فيض القدير هذا الحديث فقال ما ملخصه:
اللهم إني أعوذ بك من التردي: السقوط من عال كالوقوع من شاهق جبل أو في بئر، والتردي تفعل من الردى وهو الهلاك، والهدم: بسكون الدال أي سقوط البناء ووقوعه على الشيء. قال القاضي: وروي بالفتح وهو اسم ما انهدم منه. وفي النهاية: الهدم محركا البناء المهدوم، وبالسكون الفعل. والغرق: بكسر الراء كفرح الموت بالغرق، وقيل بفتح الراء. والحرق: بفتح الحاء والراء الالتهاب بالنار، استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها مجهدة مقلقة لا يثبت المرء عندها فربما استنزله الشيطان فأخل بدينه، ولأنه يعد فجأة ومؤاخذة أسف كما يأتي، ذكره القاضي.
وقال الطيبي: استعاذ منها مع ما فيها من نيل الشهادة لأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلاء كالأمراض السابقة المستعاذ منها، أما ترتب ثواب الشهادة عليها فللبناء على أنه تعالى يثيب المؤمن على المصائب كلها حتى الشوكة، وكان الفرق بين الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أنها متمنى كل مؤمن ومطلوبه، وقد يجب عليه توخي بهجة الشهادة والتحري لها بخلاف التردي والحرق والغرق ونحوها فإنه يجب التحرز عنها، ولو سعى فيها عصى. وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان: أي يصرعني ويلعب بي ويفسد ديني أو عقلي، عند الموت: بنزعاته التي تزل بها الأقدام وتصرع العقول والأحلام، وقد يستولي على المرء عند فراق الدنيا فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن مظلمة قلبه أو يؤيسه من الرحمة أو يكره له الرحمة فيختم له بسوء والعياذ بالله. وهذا تعليم للأمة، فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال سائر الأنبياء على هذا المنوال. قال القاضي: تخبيط الشيطان مجاز عن إضلاله وتسويله. وأعوذ بك أن موت في سبيلك مدبرا: عن الحق أو عن قتال الكفار حيث حرم الفرار. وهذا تعليم للأمة. وأعوذ بك أن أموت لديغا: فعيل بمعنى مفعول، واللدغ بدال مهملة وغين معجمة يستعمل في ذوات السم كحية وعقرب، وبعين مهملة وذال معجمة يستعمل في الإحراق بنار كالكي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(3/927)
معنى حديث \"ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثنا أبو نعيم قال حدثنا إبراهيم بن نافع عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال قالت عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته بظفرها أسالكم عن فوائد هذا الحديث وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من فوائد هذا الحديث بساطة حال الصحابة، وعدم تكلفهم في أمور الحياة حيث كان لبعض النساء ثوب واحد. ومنها: وجوب إزالة دم الحيض عن الثوب، لأنه نجس. ومنها: وجوب إزالة عين الدم، ويستعان على ذلك بدلكه بالظفر بعد بله بالريق، لأن الريق أبلغ في إزالة لون الدم عن اللباس من الماء. ومنها: أنه لا يشترط في إزالة النجاسة عدد من الغسلات، بل المطلوب الإنقاء، وجعله بعضهم حجة في عدم تعين الماء لإزالة النجاسة عن الثوب، فقال بأنه يجزئ إزالتها بكل ما يزيل عينها، ولكن رده ابن حجر في الفتح باحتمال أنها أرادت تحليل أثر الدم ثم غسله بعد ذلك، ويؤيد ما قاله ابن حجر حديث الصحيحين المصرح باستعمال الماء في طهارة الحيض، ونص الحديث عن أسماء قالت: جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: تحتُّه ثم تقرصه بالماء.
وقد حمل البيهقي في السنن الحديث على الدم القليل فجوز إزالته بالدلك بالريق، لأنه معفو عنه بسبب كونه يسيراً، وأما الكثير فقد صح عنها أنها كانت تغسله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(3/928)
شرح حديث (المرأة عورة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه ورد في القرآن والسنة أن المرأة كلها عورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد هذا اللفظ في القرآن ولكنه ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان. وليس في هذا انتقاص للمرأة، وإنما المقصود هو الحث على سترها وصيانتها عن شياطين الإنس والجن الذين يريدون التلاعب بها وهتك عرضها وتنديس شرفها وعفتها.
وعورة المرأة فيها تفصيل فعورة المرأة في الصلاة كل جسمها إلا وجهها وكفيها، وأما خارج الصلاة بحضور الأجانب فهي: كل جسمها على الراجح من أقوال العلماء، أما مع محارمها فهي جميع بدنها ما عدا أطرافها كالرأس والذراعين والقدمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1425(3/929)
معنى حديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النظر إلى النساء من غير المحارم، علماً بأني قد قرأت في أحد الكتب للإمام (ابن حجر) رحمه الله، ووالله لقد نسيته أن: النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى إحدى النساء وكان معه نفر من الصحابة فذهب ثم رجع ثم قال إذا نظر أحدكم إلى امرأة فليأت أهله ثم قال ابن حجر نمر على هذا الحديث كما أتى، هل يصح هذا الحديث؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعمد النظر إلى النساء الأجنبيات حرام، لقول الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، قال الحافظ ابن كثير: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم. انتهى.
وعن أبي طلحة زيد بن سهل رضي الله تعالى عنه قال: كنا قعوداً بالأفنية نتحدث فيها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا، فقال: ما لكم والمجالس الصُعُدات؟ اجتنبوا مجالس الصعدات؟ فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدث، قال: إما لا، فأدوا حقها، غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام. رواه مسلم. والصُعُدات أي: الطرقات.
قال الحافظ ابن كثير: فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعاً. انتهى.
وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة؟ فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره: والنظرة الأولى لا تُملك، فلا تدخل تحت خطاب تكليف، إذ وقوعها لا يتأتى أن يكون مقصوداً، فلا تكن مكتسبة، فلا يكلف بها. انتهى.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي: لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة. رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وحسنه الألباني.
وأما الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه، فقال: إن المرأة تُقْبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه. فهذا الحديث من باب نظر الفجأة، وهي النظرة الأولى، قال الإمام الحافظ المناوي في شرح هذا الحديث في فيض القدير: فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، أي استحسنها، لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه، فليأت أهله، أي: فليجامع حليلته، فإن ذلك، أي جماعها، يرد ما في نفسه، أي: يعكسه ويغلبه ويقهره.... وأرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكيناً لها، وجمعاً لقلبه، ودفعاً لوسوسة العين. وهذا من الطب النبوي، وهذا قاله لما رأى امرأة فأعجبته، فدخل على زينب رضي الله عنها، فقضى حاجته منها، وخرج فذكره.
قال ابن العربي: هذا حديث غريب المعنى، لأن ما جرى للمصطفى صلى الله عليه وسلم كان سراً لم يعلمه إلا الله تعالى، فأذاعه عن نفسه تسلية للخلق وتعليما، وقد كان آدمياً وذا شهوة، لكنه كان معصوماً عن الزلة، وما جرى في خاطره حين رأى المرأة أمر لا يؤاخذ به شرعاً ولا ينقص منزلته، وذلك الذي وجد نفسه من الإعجاب بالمرأة هي جبلة الآدمية ثم غلبها بالعصمة فانطفأت، وقضى من الزوجة حق الإعجاب والشهوة الآدمية بالاعتصام والعفة، قال ابن العربي: وفيه رد على الصوفية الذين يرون إماتة الهمة حتى تكون المرأة عند الرجل إذا نطح فيها كجدار يضرب فيه، والرهبانية ليست في هذا الدين. انتهى بتصرف يسير، وانظر الفتوى رقم: 27370، والفتوى رقم: 31368.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1425(3/930)
إيضاح حول رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بالحديث الشريف الذي تكلم عن أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على 21 كيلة شعير، وسؤالي هو: هل اليهودي أقرض النبي صلى الله عليه وسلم 21 كيلة شعير أي أنه أقرضه بدون فائدة، وما الفائدة التي عادت على اليهودي، وإذا كان القرض بفائدة فمعنى ذلك أن الاقتراض بضمان أي شيء حلال، أفيدوني أفادكم الله؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض من اليهودي، إنما الذي ورد في الصحيحين وغيرهما، واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل معلوم، وارتهن منه درعاً من حديد. وفي رواية للبخاري عنها قالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين -يعني- صاعا من شعير.
وبهذا تعلم أن الحديث ليس فيه ما يدل على الاقتراض بفائدة، وإنما يدل على مشروعية البيع لأجل، ومشروعية الرهن، وما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الزهد والتقلل من الدنيا ونحو ذلك من الفوائد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1425(3/931)
المفصود بعترة النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم رقم 1021 وما تفسير عترة آل البيت؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائل لم يوضح الكتاب الذي أخرج رقم الحديث منه، فكان المناسب أن يعطينا نص الحديث، أو يعطينا اسم الكتاب الذي أخرج منه الرقم، وقد سبق أن بينا معنى بعض الأحاديث المشتملة على لفظ العترة، فلعل الحديث المسؤول عنه هو ذلك الحديث الذي شرحناه، فراجع الفتوى رقم: 32750، والفتوى رقم: 18311.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1425(3/932)
شرح حديث \"إنما هو أبوك وغلامك\"
[السُّؤَالُ]
ـ[يكثر الحديث من بعض النصارى على هذا الحديث ... حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو جميع سالم بن دينار عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد كان قد وهبه لها، قال وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك ويعتقدون أنه شبهة في حق الرسول الكريم.... فأرجو أن تمدوني برد شاف أستطيع به أن أفحم هؤلاء النصارى به ... ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي أشرت إليه رواه أبو داود ومعناه على ما ذكر أهل العلم هو: أن هذا الغلام كان صغيراً جداً، قال ابن كثير في تفسيره: وقد ذكر الحافظ ابن عساكر أن عبد الله بن مسعدة الفزاري كان أسود شديد الأدمة، وأنه قد كان النبي وهبه لابنته فاطمة فربته ثم أعتقته.انتهى، وقد قال تعالى في شأن إبداء النساء زينتهن للأطفال الصغار: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء {النور:31}
قال الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر: نظر العبد إلى سيدته.. صحح النووي التحريم، قال: هذه المسألة مما تعم بها البلوى ويكثر الاحتياج إليها والخلاف فيها مشهور، والصحيح عند أكثر أصحابنا أنه محرم لها كما نص عليه الشافعي، ونقل عن جماعة تصحيحه، وقال الشيخ أبو حامد: الصحيح عند أصحابنا أن لا يكون لها محرماً لأن الحرمة إنما تثبت بين الشخصين لم تخلق بينهما شهوة كالأخ مع الأخت وغيرهما، وأما العبد وسيدته فشخصان خلقت بينهما الشهوة، قال: وأما قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم، فقال أهل التفسير فيها المراد الإماء دون العبيد، وأما حديث أنس: أن النبي أتى فاطمة بعبد، فيحتمل أن يكون الغلام صغيراً. قال النووي: وهذا الذي رجحه أبو حامد هو الصواب، بل لا ينبغي أن يجري فيه خلاف بل يقطع بتحريمه، وكل منصف يقطع بأن أصول الشريعة تستقبح هذا وتحرمه أشد تحريم.
قال السبكي بعد أن اختار التحريم: إن تأويل الحديث على أنه كان صغيراً جداً لا سيما والغلام في اللغة إنما يطلق على الصبي، وهي واقعة حال ولم يعلم بلوغه فلا حجة فيه للجواز، والاحتمال في وقائع الأحوال يسقط الاستدلال. انتهى من الأشباه والنظائر بتصرف.
هذا هو توجيه الحديث الذي شرحه به أهل العلم وحملوه عليه، فأي شبهة فيه يتذرع بها النصارى أو غيرهم للنيل من عرضه صلى الله عليه وسلم، نسأل الله عز وجل أن يشرح صدورنا للإسلام وأن يثبتنا عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1425(3/933)
شرح حديث (صم من الحرم واترك)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم..
ما صحة هذا الحديث
صم من الحرم واترك\\\" كما رواه أبو داود.
وهل معنى ذلك أن أصوم يوما وأفطر يوما
أم أصوم يومين وأصوم يومين
أم أصوم ثلاثة وأفطر ثلاثة؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان الحكم على الحديث في الفتوى رقم: 719 والفتوى رقم: 28322 وهو يفيد مشروعية صوم بعض الأيام من الحرم وترك صوم بعضها من غير تحديد، لعدد ما يصام وما يفطر منها، ولكنه ثبتت مشروعية صيام يوم وإفطار يوم في حديث البخاري: فصم يوما وأفطر يوما، فذلك صيام داود عليه السلام.
وقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 9768 والفتوى رقم: 14543 والفتوى رقم: 18272 والفتوى رقم: 19742 والفتوى رقم: 31482 والفتوى رقم: 42707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(3/934)
معنى المتشدقون
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول نبينا عليه السلام (شرار أمتي الذي ولدوا في النعيم وغدوا به ... يتشدقون في الكلام)
ما معنى يتشدقون في الكلام؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى المتشدقون في الحديث أي المتكلمون بكل أشداقهم ويلوون ألسنتهم. والمتشدق هو الذي يتكلف في الكلام فيلوي به شدقيه، أو هو المستهزئ بالناس يلوي شدقه عليهم، والشدق جانب الفم، وقيل التشدق هو لَيُّ الشدق أي جانب الفم للتفصح. والكل راجع إلى معنى التكلف في الكلام لإمالة قلوب الناس وأسماعهم، وقيل هم المتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز.
وننبه إلى أن الحديث المشار إليه أخرجه الطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك بألفاظ مختلفة، وصححه بعض أهل العلم وضعفه بعض، حتى إن الذهبي قال في التلخيص: أظنه موضوعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(3/935)
شرح حديث \"..كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الحديث الذي يذكر في آخره أن الله تعالى لو أعطى لكل الإنس والجن مسائلهم ما نقص من ملكه إلا كما ينقص إدخال الإبرة في البحر، لم أهضم أن ملك الله ينقص هل ناقش العلماء هذه المسألة وماذا قيل فيها، وما هي عقيدة سلفنا في ملك الله؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور رواه مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر. زاد الترمذي: ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردت إنما أقول له كن فيكون. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: كما ينقص المخيط التحقيق أن ما عنده لا ينقص البتة، كما قال تعالى: مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ. فإن البحر إذا غمس فيه إبرة ثم أخرجت لم تنقص من البحر بذلك شيئاً، وكذلك لو فرض أنه شرب منه عصفور فإنه لا ينقص البحر البتة ولهذا ضرب الخضر لموسى عليهما السلام هذا المثل في نسبة علمهما إلى علم الله عز وجل، وهذا لأن البحر لا يزال يمده مياه الدنيا وأنهارها الجارية، فمهما أخذ منه لم ينقصه شيء، لأنه يمده ما هو أزيد مما أخذ منه، وهكذا طعام الجنة وما فيها، فإنه كما قال الله تعالى: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ* لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ. وقد جاء كلما نزعت ثمرة عاد مكانها مثلها، وروي مثلاها. وقد تبين بما زاده الترمذي السبب الذي لأجله لا ينقص ما عند الله من عطاء، فكيف يتصور أن ينقص هذا. انتهى.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار. وقال: أرأيتم ما أنفق ربكم منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغص ما في يده. ويغص: ينقص، وقوله: لا يغيضها أي: لا ينقصها، يقال: غاص الماء وغاضه الله. ذكره النووي في شرح مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(3/936)
معنى \"اللهم إني أسالك العفو والعافية..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[دعاء العفو والعافية (اللهم إني أسالك العفو والعافية إلخ......) ما المقصود بالعفو والعافية هنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العفو معناه التجاوز عن الذنوب، وعدم العقاب عليها، وأصله من عفت الريح الأثر طمسته ومحته.
وأما العافية فمعناها السلامة في الدين من الفتن، وفي البدن من الأسقام، وفي الأهل والمال من جميع الابتلاءات.
وراجع النهاية وعون المعبود وتحفة الأحوذي وفيض القدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1425(3/937)
معنى \"وستفترق أمتي..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن صحة الحديث الشريف افترقت النصارى إحدى وسبين فرقة وافترقت اليهود اثنتي وسبعين فرقة وستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا وما هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي، وما المقصود بكلمة (أمتي) في الحديث الشريف، وأريد شرح للحديث؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المباركفوري في تحفة الأحوذي أن المراد من أمتي أمة الإجابة يعني الذين أسلموا، وقد سبق بيان صحة الحديث وشرحه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17713، 12682، 33503، 52059.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(3/938)
معنى حديث \"ما من ميت يموت فيقوم عليه أمة من المسلمين..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[يافضيلة الشيخ كنت قرأت أنه عند تشييع جنازة شخص ما يشفع له المشيعون ما لم يكن بينهم أحد يشرك بالله فما صحة ذلك؟
وماذا يكون في حالة ما إذا كان من بين المشيعين راهب أوقسيس حضر في جنازة شخص عزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وذلك لما كان يربطهم بحكم العمل.
أفيدونا أفادكم الله وأتمنى أن تدعوالله معي للشخص المتوفى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا القول غير صحيح، ولم نجده لأحد من أهل العلم مع كثرة البحث، وهو معارض لقوله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الإسراء: من الآية15} ، ولعله اختلط عليك بالحديث الثابت عند مسلم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من ميت يموت فيقوم عليه أمة من المسلمين أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه. وفي رواية: يصلون عليه. فدل الحديث أن المقصود بالقيام الصلاة عليه والدعاء له، فيقبل الله شفاعتهم فيه، والله نسال أن يغفر له ويرحمه، ويعافه ويعف عنه ويكرم نزله، ويوسع مدخله ويغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1425(3/939)
رتبة حديث \"صوموا يوم الاثنين والخميس..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من يقول أن أعمالنا تصعد إلى الله كل اثنين وخميس هل هذا صحيح، وإن كان صحيحاً كيف تعرض وكيف تصعد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في حديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وعبد الرزاق وأبو داود والترمذي والنسائي بألفاظ مختلفة استحباب صوم الاثنين والخميس، وأن الأعمال ترفع فيهما إلى الله تعالى، فيغفر لكل مسلم إلا لمتخاصمين أو متهاجرين، والحديث صحيح كما في زوائد ابن ماجه للكناني، ولفظه كما في مصنف عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوموا يوم الاثنين والخميس، فإنهما يومان ترفع فيهما الأعمال، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك به؛ إلا صاحب إحنة يقول: ذوره حتى يتوب.
والحاصل أن الحديث صحيح بمختلف طرقه، كما قال الكناني في زوائد ابن ماجه.
وأما كيف تعرض أو كيف تصعد الأعمال، فهذا أمر غيبي نؤمن به ونصدق بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم نعلم كيفيته، مع العلم يقينا أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم السر وأخفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1425(3/940)
تخريج وشرح حديث \"من باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنه..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة حديث \" من باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنه في مثله كان قمنا أن لا يبارك فيه\" وما معناه ?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى ابن ماجه والبيهقي عن سعيد بن حريث رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنه في مثله كان قمنا أن لا يبارك فيه. قال الكناني في مصباح الزجاجة: وإسناد حديثه ضعيف من الطريقين معا لضعف إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر رواه أحمد في مسنده من حديث سعيد بن حريث، لكن لم ينفرد به إسماعيل بن إبراهيم فقد رواه قيس بن الربيع عن عبد الملك بن عمر عن عمرو عن أخيه سعيد بن حريث، ورواه يوسف عن عمرو بن حريث عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه الحاكم من طريق أبي حمزة عن عبد الملك بن عمر به، ورواه البيهقي من الكبرى عن الحاكم فذكره، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن وكيع به، وله شاهد من حديث عمران بن حصين رواه أبو يعلى الموصلي. اهـ
وللحديث شاهد عن حذيفة بن اليمان عند ابن ماجه والبيهقي، وقد صحح الحديث الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
أما عن معناه: فقد ذكر البيهقي بعد ما رواه: أن ابن عيينة قال في تفسير هذا الحديث: من باع دارا ولم يشتر من ثمنها دارا لم يبارك له في ثمنها، قال سفيان: إن الله يقول: وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا {فصلت: 10} ، يقول: فلما خرج من البركة ثم لم يعده في مثلها لم يبارك له. اهـ.
وفي شرح سنن ابن ماجه: يعني أن بيع الأرض والدور وصرف ثمنها في المنقولات غير مستحب لأنها كثيرة المنافع قليلة الآفة لا يسرقها سارق ولا يلحقها غارة، ذكره الطيبي. اهـ
وقال المناوي في فيض القدير: لأنها ثمن الدنيا المذمومة، وقد خلق الله الأرض وجعلها مسكنا لعباده، وخلق الثقلين ليعبدوه، وجعل ما على الأرض زينة لهم: لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً {الكهف: 7} فصارت فتنة لهم: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ {هود: 119} ، فعصمه وصارت سببا للمعاصي فنزعت البركة منها، فإذا بيعت وجعل ثمنها متجرا لم يبارك له في ثمنها، ولأنه خلاف تدبيره تعالى في جعل الأرض مهادا. وأما إذا جعل ثمنها في مثلها فقد أبقى الأمر على تدبيره الذي هيأه له فيناله من البركة التي بارك فيها، فالبركة مقرونة بتدبيره تعالى لخلقه. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1425(3/941)
أضواء على دعاء الطائف
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في أحد البرامج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى الطائف ضربوه وأمروا سفهاءهم وصغارهم أن يؤذوه إلى أن أدمو ساقيه الشريفتين صلى الله عليه وسلم وحينها رفع يديه إلى السماء وقال \"اللهم إني أشكوك ضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس ... فإن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي\" وبعد سماع ذلك ضاق صدري ولم أصدق أن سيد الخلق يقول \"وهواني على الناس\" لأن الهوان صفة لا تطلق على الأنبياء وهو من هو يتكلم بجوامع الكلم ويعرف ما يتكلم. سؤالي هو ما هي مدى صحة هذا الدعاء الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإن كان صحيحا ما هو المعنى الذي قصده أبو القاسم بكلمة \"هواني \".الرجاء التفسير لغة واصطلاحا.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة عند الناس بالرغم من ضعفه، فقد رواه ابن سعد في الطبقات عن الواقدي وهو متروك. ورواه ابن هشام في تهذيب السيرة عن ابن إسحاق مرسلا، إلا أن الدعاء لم يسق له سنداً، فقال: فما ذكر لي، ثم ذكره. ورواه الطبراني من طريق ابن إسحاق وقد عنعنه. والحديث ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة الجزء السادس. وعلى فرض صحته فليس في معناه إشكال، وليس فيه طعن في النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى قال: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ {المطففين:29} ، وقال تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {البروج:8} ، فتسلط أهل الكفر على الأنبياء والصالحين واستهانتهم بهم بل وقتلهم من السنن الربانية، ولا تنقص من قدرهم شيئا بل ترفعه، لذلك قال: ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ليتني كنت فيها جذعا إذ يخرجك قومك، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا أوذي. متفق عليه عن عائشة.
فالحديث كما قال ابن القيم: هو استغاثة إلى الله مستحبة، فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه. اهـ.
وقال ابن تيمية: كلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجته ودفع ضرورته قويت عبوديته له وحريته مماه سواه.
قال سيد قطب: فهذا الدعاء الخالص العميق بعده فتح الله على رسوله وعلى الدعوة من حيث لا يحتسب، فكانت بيعة العقبة الأولى ثم الثانية. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1425(3/942)
معنى حديث \"ما لم يحدث فيه..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث، اللهم اغفر له اللهم ارحمه، متفق عليه، وفي رواية للبخاري: ما لم يحدث فيه وما لم يؤذ فيه. ما معنى ما لم يحدث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند كلامه على هذا الحديث: أن المراد بالحدث فيه الحدث الناقض للوضوء مثل الريح. وقيل: المراد بالحدث هنا أعم من ذلك أي ما لم يحدث سوءا، قال: ويؤيده رواية مسلم ما لم يحدث فيه ما لم يؤذ فيه. وفي رواية أخرى للبخاري: ما لم يؤذ فيه بحدث فيه. انتهى.
وقال في عون المعبود شرح سنن أبي داود قوله صلى الله عليه وسلم: ما لم يؤذ فيه- والمعنى: ما لم يؤذ في مجلسه الذي صلى فيه أحداً بقوله أو فعله -أو يحدث فيه- من الإحداث بمعنى الحدث لا من التحديث، أي ما لم يبطل وضوءه. انتهى.
وقال في شرح سنن النسائي: (ما لم يحدث) من أحدث أي لم ينقض وضوءه، ظاهره عموم النقض لغير الاختياري أيضا ويحتمل الخصوص. انتهى.
والحاصل أن أكثر عبارات شراح الحديث تدل على أنه نقض الوضوء، وعلى اعتبار أن المراد به حدث أعم من ذلك، فإن نقض الوضوء داخل فيه أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(3/943)
معنى كلمة (طوبى)
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد حديث عن عائشة رضي الله عنها (طوبى) لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا
السؤال: ما معنى طوبى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طوبى في أصلها اللغوي "فُعْلَى" من الطيب مؤنث أطيب أفعل التفضيل.
وتطلق على الجنة أو على شجرة فيها، وقد ذكر ابن كثير والبغوي في تفسيريهما عدة آثار عن السلف في ذلك، والكتابان موجودان على شبكة الإنترنت فراجعهما للمزيد في الموضوع.
ولتمام الفائدة فالحديث المذكور أخرجه ابن ماجه من رواية عبد الله بن بسر رضي الله عنه، وقد ذكر السندي في شرحه له -نقلاً عن الزوائد- أن إسناده صحيح رجاله ثقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(3/944)
شرح حديث \"من باع بيعتين في بيعة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي يملك متجرا في سوق الهال وهو من التجار الذين يرسلون البندورة من بانياس إلى عميله بدمشق وعنده في متجره مزارعون فهل يجوز أن يشتري هذه البضاعة ويرسلها إلى عميله كما هو يشتري من كافة السوق مثل هذه البضاعة أم لا وهل هي عقد بعقدين
وجزاكم الله كل الخير ولا تنسونا بالدعاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان مقصود السائل أن هذه المعاملة تندرج تحت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا تتلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار. رواه مسلم.
فإن هذا الفهم الذي فهمه من الحديث غير صحيح، والبيع المذكور في السؤال بيع صحيح سواء اشترى التاجر لنفسه أو لعميله في منطقة أخرى، وللوقوف على معنى الحديث المتقدم ومذاهب العلماء في هذه المسألة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 48167.
وأما ما أشار إليه من عقدين في عقد أو بيعتين في بيعة فليس من مسألتنا في شيء، ولإيضاح ذلك ننقل ما قاله العلامة الصنعاني في سبل السلام عند شرح حديث: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا. رواه أبو داود.
قال الصنعاني: قال الشافعي: له تأويلان:
أحدهما: أن يقول: بعتك بألفين نسيئة وبألف نقداً فأيهما شئت أخذت به، وهذا بيع فاسد لأنه إيهام وتعليق.
والثاني: أن يقول بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1425(3/945)
شرح حديث \"فيم يختصم الملأ الأعلى؟ \"
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال حول تفسير وصحة الحديث الشريف:
أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السموات وما في الأرض فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم في الكفارات والدرجات والكفارات: المكث في المساجد بعد الصلوات والمشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في المكاره قال: صدقت يا محمد! ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه وقال: يا محمد إذا صليت فقل اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون والدرجات: إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام.
التخريج صحيح
المرجع صحيح الجامع الصغير
تخريج السيوطي (عب حم عبد بن حميد ت) عن ابن عباس.
تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 59 في صحيح الجامع.
جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الإتيان كان في المنام كما رجحه ابن كثير وتابعه المباركفوري في شرح الترمذي، ويدل ما في إحدى الروايات من التصريح بما يفيد ذلك
قوله: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ يعني: في أي شيء يختصم أي يبحث. الملأ الأعلى هم الملائكة المقربون، وصفوا بالعلو لعلو مكانتهم عند الله أو لعلو مكانتهم، واختصامهم إما عبارة عن تبادرهم إلى إثبات تلك الأعمال والصعود بها إلى السماء، وإما عبارة عن حوارهم في فضلها وشرفها، وإما عن اغتباطهم الناس بتلك الفضائل لاختصاصهم بها وتفضيلهم على الملائكة بسببها.
قوله: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماوات وما في الأرض، يعني: أنه وضع الله يده بين كتفي الرسول حتى أحس بردها في صدره بين ثدييه، فحصل عنده بسبب ذلك علم ما في السماوات والأرض، ومن ذلك علم ما كان يجهله من جواب السؤال، فلما أعاد الله السؤال ثانية أجاب بأنهم يختصمون في الكفارات والدرجات، ثم وضح الكفارات بأنها المكث أي اللبث في المساجد، وإسباغ الوضوء أي إكماله في المكاره، أي في شدة البرد. ومن فعل ذلك عاش بخير ومات، أي حيي حياة طيبة سعيدة ومات عليها.
قوله: وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، يعني: أنه يصير مبرأ من الخطايا والذنوب كما كان مبرأ يوم مولده، وذلك لأن الأعمال تكفر عنه السيئات.
قوله: إذا صليت، يعني إذا فرغت من الصلاة، والخيرات هي ما عرف من الشرع من الأقوال الحميدة والأفعال السعيدة، والمنكرات هي ما أنكره الشرع من الأفعال السيئة والأقوال القبيحة.
قوله: إذا أردت بعبادك فتنة، أي عقوبة دنيوية أو ضلالة. فاقبضني، أي توفني، غير مفتون، أي غير معاقب، ثم وضح الدرجات بأنها: إفشاء السلام، أي بذله على جميع من لقيه سواء عرفه أو لم يعرفه، وإطعام الناس الطعام إحسانا إليهم، وإعانة لهم، والصلاة بالليل، يعني صلاة القيام في حال نوم الناس.
واعلم أن الحديث صحيح، كما قال الشيخ الألباني، وقد ذكر الترمذي في كلامه على إحدى رواياته أنه سأل الإمام البخاري عنه فقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه الإمام أحمد ووثق الهيثمي في المجمع رجال أحمد.
وراجع لمعرفة المزيد من فضائل الأعمال المذكورة الفتاوى التالية أرقامها: 2115، 21500، 27584، 46168، 42715، 18888.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(3/946)
المقصود بولد صالح يدعو له
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالمقصود بولد صالح يدعو له، وهل يلزم أن يكون الولد ملتزما أو أنه يكون على أي حال وهل الدعاء بمعنى الدعاء المعروف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجملة: (ولد صالح يدعو له) جاءت في حديث صحيح رواه الإمام مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. والمقصود بالولد الصالح الولد المؤمن، وقيل المقصود به أن يتصف بالاستقامة والالتزام. قال النووي في شرح مسلم: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه، وكذلك الوقف الذي أو قفه. وفي عون المعبود على سنن أبي داود عند شرح الحديث المذكور نقلا عن ابن الملك قال: قيد الولد بالصالح لأن الأجر لا يحصل من غيره. ثم قال: وقال ابن حجر المكي المراد بالولد الصالح: المؤمن. ولعل هذا هو الراجح إن شاء الله تعالى ـ فالمسلم الذي يؤدي الفرائض ويجتنب الكبائر. . يعتبر ولداً صالحا يصل ثواب دعائه لأبويه. وفائدة تقييده بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه، هو تحريض الولد على الصلاح والدعاء لأبويه، وقيل إن كل عمل صالح يعمله الولد يلحق ثوابه لأبويه ولو لم يدع لهما.. كما أنه إذا ترك صدقة جارية يلحقه ثوابها ولو لم يدع له من انتفع بها أو استفاد منها، جاء ذلك في شرح ابن ماجه للسيوطي والدهلوي. والمقصود بالدعاء أن يسأل الله تعالى لهما الرحمة والمغفرة، وأن يجيرهما من عذاب القبر وعذاب النار، وما أشبه ذلك كما قال الله تعالى: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {الاسراء: 24} ، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 33828، 38336.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1425(3/947)
دفع وهم تعارض حديثين نبويين شريفين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد أن أعرف الفرق بين الحديثين التاليين:
قول أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم:أرأيت لو أنا أحدنا دخل بيته فوجد رجلا غريبا فقتله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن قتلته قتلناك
----------
والحديث الآخر:
(قوله صلى الله عيه وسلم (من مات دون أهله فهو شهيد)
---------------------
بناء عليه ماحكم الشرع فى رجل دخل بيته ووجد رجلا غريبا فى بيته سواء فى غرفة نومه أو أى مكان فى المنزل ثم قتله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم بقوله: إن قتلته قتلناك يعني ما رواه مسلم وغيره من أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال: اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان ... وفي رواية أحمد: فتكلم ليجلدن وإن قتله ليقتلن ...
وقد ترجم البخاري في صحيحه قال: باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله.
والذي عليه أكثر العلماء هو أن من قتل رجلا وجده مع امرأته أنه يقتص منه مع أنه لا مؤاخذة عليه فيما بينه وبين الله إن كان المقتول قد أحصن ونال من المرأة ما يوجب الغسل. قال ابن حجر في "فتح الباري: فقال الجمهور، عليه القود، وقال أحمد وإسحاق: إن أقام بينة أنه وجده مع امرأته هدر دمه. وقال الشافعي: يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبا وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل، ولكن لا يسقط عنه القود في ظاهر الحكم.
ولا تعارض بين هذا الحكم وبين ما رواه الترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد من حديث سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد.
فهذا الحديث إنما فيه أن من قتل في واحد من الحالات المذكورة فإنه يعتبر شهيدا وليس الحكم عليه بالشهادة ينفي عنه القود إذا لم يثبت الاعتداء عليه، وموضوع الشهادة يتعلق بالآخرة وموضوع القصاص من الأحكام الدنيوية فلا تعارض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1425(3/948)
شرح حديث الرعد في ضوء معطيات الدين والعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[جديد اليوم، الذي لم نكن نلمسه بالأمس، جرأة بعض الضالين المضلين الساقطين والمنحرفين الذي تجرؤوا على الله ورسوله، ثم صالوا وجالوا في أحكام وقواعد وأصول ثابتة، لا تتغير مع تغير الجغرافيا أو الديموغرافيا أو تغير الزمان،،،، ثم وجدوا لأنفسهم منابر سوداء وأمة بلهاء عميت قلوبها وأنصتت لها الغرائز، فمن هنا لا حاجة للضمير إن كان من ضمير، فها هم متزعمو الحضارة وقوادو الدعارة قد أصبحوا قبلات تشد لها الرحال والقلوب، وتختار عبرهم الدروب، والعلة أصبحت حاضرة، والحجة اليوم كما يظنون قاهرة ...
ولكن دعوني أتوقف قليلا هنا ...
قد لا أعتب على هؤلاء بقدر عتبي على الآخرين من مثقفينا وبعض مشايخنا، الذين أعطوا الفرصة لأصحاب النفوس المريضة والعفنة حين أفتوا وكأنهم يعيشون في القرون الهجرية الأولى، حتى لغنهم لم يحدثوها التي هي قالب الثقافة وقاعدة التعبير، فبدلا من أن يكون الإسلام وما في الإسلام قواعد لتحرير الإنسان من التخلف، جعلوا منه -حاشا لله أن يكون- منطلقا للتخلف على نقيض ما جاءت به رسالته من حضارة تنويرية تعلو وترتقي بالانسان من منازل التخلف إلى أعلى مراتب التقدم والتطور ... سامحوني على الإطالة، ولكن أريد ان أستفتيكم بأحاديث أسمعها لأول مرة من مريض سقيم عقيم نذر نفسه ليضل ويضل:
أخرج أحمد والترمذي وصححه النسائي عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من ملائكة الله، موكل بالسحاب يسوقه حيث أمره الله قالوا فما الصوت الذي نسمع؟ قال صوته.
وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن نجاد الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرعد ملك يزجر السحاب والبرق طرف ملك يقال له روفيل، ما صحة هذه الأحاديث، وما هو معناها إن صح ما جاء فيها؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أشار له السائل الكريم في مقدمة رسالته أمر محزن يحز في نفس كل مخلص ويذوب له قلب كل مؤمن غيور على دينه وأمته، فهذا جزء من جملة الرزايا والمصائب التي أصيب بها المسلمون في هذا العصر أن يكون من أبنائهم وبني جلدتهم من يتجرأ على الله تعالى وعلى رسوله وعلى الدين والأمة وثوابتها المسلّمة.
ولكننا نطمئن السائل الكريم بأن ذلك لا يزيد هذا الدين إلا تمكنا في قلوب الناس، ولا يزيد الأمة إلا صلابة وتمسكا بدينها ومبادئها وثوابتها ... وفيما يخص الحديثين اللذين ذكرت، فإن الأول صحيح كما قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وقد حسنه الترمذي في سننه.
وأما الثاني، فلم نقف عليه بنفس اللفظ، ولكن ورد بلفظ: الرعد ملك يزجر السحاب، والبرق طرف سوط ملك. وقال عنه الحافظ ابن حجر في الإصابة إنه ضعيف.
وأما كون اسم الملك: روفيل أو غيره فلم نقف عليه.
وفي معنى الحديث يقول ابن عبد البر في الاستذكار: جمهور أهل العلم يقولون: الرعد ملك يزجر السحاب، ويجوز أن يكون زجره لها تسبيحاً، لقول الله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ.
وأمر الملائكة من غيب الله تعالى المكنون الذي ستره عن البشر، فلا يطلعهم عليه إلا من خلال الوحي، فيجب أن يُسلِّموا بما جاء في كتاب الله تعالى أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم لا يعلمون من أمر هذا الكون ومن أمر أنفسهم إلا القليل.
والملائكة لا يعلم حقيقة أمرهم إلا الله عز وجل، كما قال الله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ {المدثر:31} ، فمنهم الموكل بالمطر وتكوينه، ومنهم الموكل بالنبات ونموه، ومنهم الموكل بالجنين وتخليقه، ومعرفتنا لكيفية تكوين السحب وحدوث الرعد والبرق، ونمو النبات وتخلق الجنين ... لا يعني ذلك أن الملائكة لا تقوم عليها وتوجهها وترعاها ... ولا يفقدها ذلك شيئاً من روعتها وجلالها وعظمة قدرة الله تعالى في صنعها، فهو سبحانه وتعالى الذي أطلعنا على هذه الجزئية الضئيلة من العلم؛ كما قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً {الإسراء:85} .
ولا يعني كذلك أن الرعد أو غيره من مخلوقات الله تعالى لا تسبح بحمد خالقها سبحانه وتعالى، فكل شيء في هذا الكون يسبح بحمده جماداً كان أو نباتاً أو حيواناً، كما قال تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ {الإسراء:44} ، فهذا من الأمور الغيبية التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي، وإذا ثبت ذلك فالواجب على المسلم التسليم والوقوف عند نصوص الوحي.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى الحديث المذكور في الفتاوى: وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك، كقول من يقول إنه (أي الرعد) اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه، فإن هذا لا يناقض ذلك لأن الرعد مصدر رعد يرعد رعداً، وكذلك الراعد يسمى رعداً، كما يسمى العادل عدلاً، والحركة توجب الصوت، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة.
ومهما كان صوت الرعد ولمعان البرق ناتجاً بسبب خلخلة الهواء وتوزع شحنات الكهرباء الموجبة والسالبة في السحب الناشئة عن دوران البرد -كما يقولون- أو كان ناشئاً عن اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه أو غير ذلك، فإن ذلك لا يخرجه عن إرادة الله سبحانه وتعالى وقدرته، وأن يكون ذلك بسبب الملك الموكل به، فالمسلم يؤمن بكل ما جاء عن الله تعالى في محكم كتابه أو ما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلتفت إلى من اتبع الهوى وأراد أن يخضع أمور الغيب لهواه الفاسد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1425(3/949)
المقصود بقهر الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف فقط معنى كلمة قهر الرجال دائماً نقول في الدعاء اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال فهل معناها أن يصبحوا مقهورين أو أن يقهروا النساء أو رجالاً آخرين، وهل كلمة الرجال هنا يقصد بها الرجال أو الناس عموماً، أفيدونا؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة قهر الرجال وردت في حديث أخرجه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا من الأنصار دعاء يزيل الهم ويقضي به الدين، قال له: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم أني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. وقد ضعف الشيخ الألباني هذا الحديث، وقد ورد هذا الدعاء في صحيح البخاري وغيره ولكن بلفظ اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال
والمقصود بقهر الرجال أن يتسلطوا على الشخص ويستولوا عليه، قال صاحب تحفة الأحوذي: وفي بعض النسخ: غلبة الرجال أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا.
وقال في فيض القدير: ضلع الدين وقهر الرجال قرينتان فإن استعلاء الغير إن كان بحق فضلع الدين أو بباطل فقهر الرجال.
وقهر الرجال -إذاً- هو استعلاؤهم على الشخص بغير حق، كما يقع من الظلمة وأهل الجور، وكلمة الرجال في الحديث على ظاهرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1425(3/950)
معنى \"اليد العليا خير من اليد السفلى\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير (اليد العليا خير من اليد السفلى) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اليد العليا هي اليد المنفقة، واليد السفلى هي اليد السائلة، هذا هو الراجح في تفسير الحديث، ويدل له ما في الرواية الأخرى في صحيح مسلم: اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة، والسفلى السائلة.
قال النووي في شرحه: فيه دليل لمذهب الجمهور أن اليد العليا هي المنفقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1425(3/951)
معنى \"ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث: (ما من مسلم يصلي علي ألا رد الله علي روحي فأرد عليه السلام) فإن هذا يقتضي أن تبقى روحه معه صلى الله عليه وسلم لأنه لا تخلو لحظة إلا ويصلي عليه أحد الناس في أنحاء الأرض ... وكيف التوفيق بين قوله: (إلا رد الله علي روحي) وبين قوله: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على حديث في رد روح النبي صلى الله عليه وسلم عند الصلاة عليه، وإنما روى أبو داود من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام. وقبل الجواب لا بد أن يُعلم أن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل ولا تتصور بالقياس على أمور الدنيا.
وذكر أهل العلم في هذا أجوبة كثيرة أورد منها ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" ما يلي:
1- ... ... أن المراد بقوله: رد الله علي روحي. أن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه.
2- ... ... ليس هو نزع موت، بل لا مشقة فيه.
3- ... ... أن المراد بالروح الملك الموكل بذلك.
4- ... ... المراد بالروح النطق، فتجوز فيه من جهة خطابنا بما نفهمه.
5- ... ... أنه يستغرق في أمور الملإ الأعلى، فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه ليجيب من سلم عليه....
والحديث الذي أشرت إليه وهو: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. قد صححه أهل الحديث الألباني وغيره، وقد علمت فيما أورده ابن حجر التوفيق بينه وبين حديث رد الروح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1425(3/952)
شرح حديث \"نحن أحق بالشك..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح هذا الحديث ملخصاً في نقاط وباختصار شديد (حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال السيوطي في شرح صحيح مسلم: نحن أحق بالشك من إبراهيم معناه أن الشك يستحيل في حق إبراهيم فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقاً إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به من إبراهيم، وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أن إبراهيم لم يشك وإنما خص إبراهيم لكون الآية قد يسبق منها إلى بعض الأذهان الفاسدة احتمال الشك، وإنما رجح إبراهيم على نفسه تواضعاً وأدباً أو قبل أن يعلم أنه خير ولد آدم، وقال صاحب التحرير: يقع لي فيه معنيان أحدهما: أنه خرج مخرج العادة في الخطاب فإن من أراد المدافعة عن إنسان قال للمتكلم فيه ما كنت قائلا لفلان أو فاعلا فيه من مكروه فقله لي وافعله معي ومقصوده لا تقل ذلك، والثاني: أن معناه هذا الذي تظنونه شكا أنا أولى به فإنه ليس بشك وإنما طلب لمزيد اليقين، وقال: قوم لما نزل قوله تعالى أو لم تؤمن، قالت طائفة شك إبراهيم ولم يشك نبينا فقال ذلك.
ويرحم الله لوطا كان يأوي إلى ركن شديد، هو الله جل جلاله، فإنه أشد الأركان وأمنعها وأقواها، قال ذلك صلى الله عليه وسلم تعريضاً بقول لوط لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد أي لمنعتكم، قال النووي: قصد لوط بذلك إظهار العذر عند أضيافه وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريق ما لفعله، ولم يكن ذلك منه إعراضاً عن الاعتماد على الله تعالى، قال: ويجوز أن يكون نسي الالتجاء إلى الله في حمايتهم، ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر.
ولو لبثت إلى آخره هو ثناء على يوسف وبيان لصبره وتأنيه إذ قال لرسول الملك لما جاءه ليخرجه ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة فلم يبادر بالخروج من السجن بعد طول لبثه فيه بل تثبت وأرسل الملك في كشف أمره الذي سجن بسببه لتظهر براءته مما نسب إليه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قال تواضعاً وإيثاراً للأبلغ في بيان كمال فضيلة يوسف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1425(3/953)
معنى \"شرط الله أحق\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل؟ وهل (الولاء لمن أعتق) في كتاب الله حيث قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: شرط الله أحق.؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الحديث هو إبطال كل الشروط التي لا يوجد لها أصل في كتاب الله أي في شريعته التي كتبها على خلقه. ومحل هذا عند أهل العلم اتفاقا في الشروط المنافية لمقتضى العقد، كاشتراط الزوج على الزوجة أن لا يقسم لها، أو اشتراطها عليه أن لا تبيت معه.
وأما الشروط الموافقة لمقتضى العقد فهي جائزة مثل: اشتراط البائع النقد في الثمن، وما سوى ذلك فيه خلاف عند أهل العلم؛ كما سبق في الفتوى رقم: 32542
قال النووي عند شرح هذا الحديث: قال العلماء: الشرط في البيع ونحوه أقسام، أحدها: شرط يقتضيه إطلاق العقد بأن شرط تسليمه إلى المشتري، أو تبقية الثمرة على الشجر إلى أوان الجداد أو الرد بالعيب.
الثاني: شرط فيه مصلحة وتدعو إليه الحاجة، كاشتراط الرهن، والضمين والخيار وتأجيل الثمن ونحو ذلك، وهذان جائزان ولا يؤثران في صحة العقد بلا خلاف.
الثالث: اشتراط العتق في العبد المبيع أو الأمة، وهذا جائز أيضا عند الجمهور؛ لحديث عائشة، وترغيبا في العتق لقوته وسرايته.
الرابع: ماسوى ذلك من الشروط كشرط استثناء منفعة، وشرط أن يبيعه شيئا آخر، أو يكريه داره أو نحو ذلك، فهذا شرط باطل مبطل للعقد هكذا قال الجمهور، وقال أحمد: لا يبطله شرط واحد، وإنما يبطله شرطان.
وأما جملة (الولاء لمن أعتق) فهي ليست في القرآن، وقد قدمنا أن معنى (في كتاب الله) أي في شريعته التي كتبها على عباده، ولا شك أن منها السنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1425(3/954)
معنى \"ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (لا تكلني إلى نفسي طرفة عين) والتي وردت في أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم؟
وشكراً جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داود عند شرح هذا الحديث: لا تكلني أي: لا تتركني. وطرفة عين أي: لحظة ولمحة عين.
وذكر صاحب اللسان أن معنى وكلت أمري إلى فلان أي: ألجأته إليه، ووكله إلى رأيه تركه، ووكيل الرجل الذي يقوم بأمره سمي وكيلاً لأن موكله قد وكل إليه القيام بأمره.
وحمل على هذا حديث: لا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
وذكر الرازي في مختار الصحاح أن الطرفة المرة من طرف بصره إذا أطبق أحد جفنيه على الآخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1425(3/955)
من الأحاديث الواردة في فضل الحمل والوضع والرضاع
[السُّؤَالُ]
ـ[فضل الحامل وفي أي باب توجد الأحاديث الخاصة بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تم الاجابة على هذا السؤال في الفتوى رقم: 21797.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1425(3/956)
معنى \"بحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
ما درجة حديث ويل لمن أشارت إليه الأصابع ولو في الخير، وقصة علقمة مع أمه عندما حضرته الوفاة؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على الحديث المذكور باللفظ الذي ذكرت، وقد جاء في سنن الترمذي والبيهقي وغيرهما حديث بألفاظ مختلفة يشبه معناه المعنى المذكور، ولفظ الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: إن لكل شيء شِرَّة (نشاطاً ورغبة فيه) ولكل شِرَّة فترة، فإن كان صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه.
وفي رواية عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: بحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا، إلا من عصمه الله.
قال الترمذي: حسن صحيح غريب، وحسنه الألباني. وعلى ذلك، فالحديث صحيح أو حسن.
ومعنى (بحسب امرئ من الشر) يكفيه من الشر أن يشير الناس إليه بأصابعهم في دينه أو دنياه فيطرون في مدحه، فإن ذلك بلاء ومحنة له، إلا من عصمه الله وحفظه بحيث يقدر على قهر نفسه ولا يلتفت إلى ذلك ولا يستفزه الشيطان بسببه.
وقيل المراد: أنه إنما يشار إليه في دين لكونه أحدث بدعة فيشار إليه بها، وفي دنيا لكونه أحدث منكراً.
هذا معنى الحديث كما جاء في شرح سنن الترمذي.
وعليه؛ فمن ذكره الناس بخير أو أشاروا إليه به، وكان سليماً من العيوب التي ذكرت وليس عنده بدعة ولا منكر، فإنه لم يدخل في ذمهم الحديث. والله أعلم.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 50575.
وأما قصة علقمة مع أمه عندما حضرته الوفاة فلم نقف عليها باسم علقمة، وقد روى الطبراني وأحمد والبيهقي قصة عن شاب حضرته الوفاة وكان عاقاً لأمه فلقنوه كلمة التوحيد فلم يستطع النطق بها بسبب عقوق أمه، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم به فذهب إليه ...
فهذه القصة قال عنها الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب إنها ضعيفة جداً، ولمزيد من التفصيل عنها نحيلك على الفتوى رقم: 50743.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(3/957)
معنى \".. وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بهذا الحديث: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها؟
مع أنه أصبح هناك مساجد ومصليات خاصة بالنساء فلا داعي أن تختلط بالرجال، أو ربما هناك معنى آخر لهذا الحديث أنا لا أعلمه، أفيدوني وشكراً لكم على تعاونكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث رواه مسلم وأصحاب السنن، وقد قال الإمام النووي شارحا له:
وأما صفوف الرجال فهي على عمومها، فخيرها أولها أبدا، وشرها آخرها أبدا، وأما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللاتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها.
والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا وفضلا وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكسه.
وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك. انتهى.
وعليه، فإن النساء إذا كن يصلين بمفردهن في مصلى فخير صفوفهن أولها وشرها آخرها، كما هو الحال بالنسبة للرجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(3/958)
شرح حديث \"صنفان من أهل النار لم أرهما\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسيرا وتوضيحاً للحديث الآتي خاصة (قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس)
34 - باب: النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات 125 - (2128) حدثني زهير بن حرب. حدثنا جرير عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) .
جزاكم الله خير الجزاء وجعلكم عونا للإسلام والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور أخرجه مسلم في صحيحه بالسند الذي ساقه السائل الكريم، وهذا الحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته، فلم يكن هذان الصنفان موجودين في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفائه، وإنما ظهرا عندما ابتعد الناس عن الدين وتفشى ظلم الحكام المستبدين، فاتخذوا الشرط والجنود والأعوان ليقهروا بهم الرعية.
قال النووي رحمه الله: في هذا الحديث ذم هذين الصنفين من الناس.
وقد ذكر القرطبي رحمه الله تعالى هذا الحديث عند تفسير قوله تعالى في قصة عاد قوم هود وذكر بعض أوصافهم المذمومة التي نهاهم عنها نبيهم هود عليه السلام: وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشعراء: 130] .
قال: وهذه الأوصاف المذمومة قد كثرت في كثير من هذه الأمة فيبطشون بالناس بالسياط والعصي في غير حق شرعي، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك يكون فقال صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ... الحديث
والحاصل: أن معنى الفقرة التي أشار إليها السائل الكريم من الحديث هي في الشرطة وأعوان الظلمة الذين يعذبون الناس بالسياط وغيرها، وقد أصبح هذا معروفاً ومنتشراً في كثير من بلاد المسلمين، وهذا من معجزات الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما قال أهل العلم، ولمزيد من الفائدة حول الحديث نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 5478، 48773.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(3/959)
معنى \"لولا حواء لم تخن أنثى زوجها..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر) .
هل هذا حديث صحيح؟ وما معناه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم، وأما معناه فقد قال النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر. أي لم تخنه أبدا، وحواء بالمد، روينا عن ابن عباس قال: سميت حواء لأنها أم كل حي، قيل إنها ولدت لآدم أربعين ولدا في عشرين بطنا، في كل بطن ذكر وأنثى، واختلفوا متى خلقت من ضلع آدم، فقيل قبل دخولها الجنة فدخلاها، وقيل في الجنة. قال القاضي: ومعنى هذا الحديث أنها أم بنات آدم فأشبهنها، ونزع العرق لما جرى لها في قصة الشجرة مع إبليس فزين لها أكل الشجرة فأغواها، فأخبرت آدم بالشجرة فأكل منها. قوله صلى الله عليه وسلم: لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم. هو بفتح الياء والنون وبكسر النون، والماضي منه خنز بكسر النون وفتحها، ومصدره الخنز والخنوز، وهو إذا تغير وأنتن، قال العلماء: معناه أن بني إسرائيل لما أنزل الله عليهم المن والسلوى نهوا عن ادخارهما فادخروا ففسد وأنتن واستمر من ذلك الوقت، والله أعلم.
وراجع الفتوى رقم: 38539.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(3/960)
توضيح حول حديث \"عينان لا تمسهما النار\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله ... ) فهل إذا بكى الإنسان من خشية الله ولو مرة واحدة في عمره هل يكون من الذين لا تمسهم النار؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشار إليه السائل الكريم حديث صحيح كما قال الألباني، وقد أخرجه الترمذي في جامعه وحسنه وهو بعمومه يدل على ن من حصل منه هذا العمل المذكور لم تمسه النار أبداً ولو كان ذلك مرة واحدة أو أكثر، وفضل الله تعالى عظيم ورحمته واسعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(3/961)
معنى \"سبحان الله وبحمده عدد خلقه..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد معنى جزاكم الله خيرا:
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلمات المذكورة جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه وغيره عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: ما زلت على الحال التي فارقت عليها؟! قالت نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
ومعنى سبحان الله تنزيها له وتعظيما وتقديسا له سبحانه وتعالى، وهذا الذكر من أعظم الأذكار وأكثرها أجرا.
والمراد بالعدد والرضى والزنة والمداد المبالغة في كثرة التنزيه والتسبيح لله تعالى والثناء عليه.
والمعنى: أسبح الله تعالى عددا كعدد خلقه كثرة، ورضى نفسه عمن رضي عنه من عباده، وهذا لا ينقطع ولا ينقضي، ومعى زنة عرشه: بمقدار وزنه، يريد عظم قدرها، ومداد كلماته: يجوز أن يكون قطر البحار، كما قال تعالى: [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي] (الكهف: 109) .
ويجوز أن يكون المراد المدد الواصل من الله تعالى لكل شيء، وقيل: مداد كلماته أي مثل عددها، وقيل: قدر ما يوازيها في الكثرة.
ذكر هذه المعاني النووي والسيوطي في شرحهما للحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1425(3/962)
فائدة حول حديث \"عينان لا تمسهما النار\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: (عينان لاتمسهما النار عين بكت من خشية الله ... ) سؤالي هو: هل إذا بكى الإنسان ولو مرة واحدة فقط في عمره من خشية الله، فهل يكون من الذين لا تمسهم النار؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فظاهر الحديث يفيد الإطلاق وأن من بكى من خشية الله تعالى ولو مرة واحدة أو بات يحرس في سبيل الله ولو ليلة واحدة لا تمسه النار، ولم نقف على أحاديث أو نصوص أخرى عن أهل العلم تحدد عدداً معيناً، ولا يستغرب ذلك فرحمة الله واسعة وفضله عظيم وهو سبحانه وتعالى جواد كريم، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 33328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1425(3/963)
شرح حديث \"لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \"لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له\" رواه الطبراني والبيهقي.
يري بعض الناس أن المس هو المباشرة في الفرج على حسب وأن المراة التي لا تحل لي هي محرمي أي لا يحل لي نكاحها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور صحيح ولم يحمله أحد من أهل العلم على القول الذي ذكرت، وهو قول لا يصح بحال من الأحوال، وتأويل بعيد فاسد فسادا شديدا، وحمل للفظ على غير ظاهره، وما هكذا يكون التعامل مع نصوص الوحي.
فعلى المسلم أن يحمل اللفظ على ظاهره وما هو متبادر من معناه إلى الذهن، ما لم يكن هناك مانع يمنع من حمله على ظاهره.
والنص الذي بين أيدينا يجب حمله على ظاهره كما حمله عليه غير واحد من أهل العلم.
فقد ذكره الحافظ المنذري في الترغيب في غض البصر والترهيب من إطلاقه ومن الخلوة بالأجنبية ولمسها، وأتبعه بحديث: ولأن يزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له. رواه الطبراني.
وقد أمر الله عز وجل بغض البصر فقال: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ] (النور:30) . ولا شك أن المس أبلغ في اللذة وأكثر إثارة للشهوة من مجرد النظر.
وعلى هذا.. فالمس في الحديث معناه مجرد لمس البشرة ممن لا تحل، وليس معناه أنه كناية عن الجماع أو ما أشبه ذلك.
وننبه السائل الكريم إلى أن هذا النوع من التأويل البعيد يؤدي إلى تفريغ النصوص من معناها المقصود. وقد يفعل ذلك بعض أهل الأهواء والبدع فيلوي أعناق النصوص لتوافق هواه أو تدعم بدعته.
فعلى المسلم أن يحذر من ذلك ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه من النصوص أو تشابه عليه منها.
نسأل الله تعالى التوفيق والسلامة.
ولمزيد من الفائدة، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 3045.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1425(3/964)
معنى (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،أسأل الله أن يكون الكل بخير وأنا أحبهم في الله:-
-الرجاء من الشيخ أن يوضح لنا موضوع ((هل كل عمل لم يعمله الصحابة بدعة)) ، حيث ورد في صحيح البخاري (كتاب فضائل القرآن حديث (أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل
اليمامة.......قلت لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلي الله عليه وسلم قال عمر هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك.....قلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله) فالسؤال -هناك حديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) , فلم يوافقهم زيد بحجية سنية فعلهم وهم الخلفاء، ولم يحاججه عمر ولا أبو بكر بأن عملهم سنة ولكن قال (هذا والله خير) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبدعة قد حدها الشاطبي رحمه الله تعالى حيث قال: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. وقد عد منها: التزام الكيفيات والهيئات المعنية كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومن الضوابط التي وضعها أهل العلم للبدعة قولهم: كل عمل لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي له وعدم المانع من فعله ففعله الآن بدعة.
والحديث الذي أشرت إليه: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. أخرجه الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد، ولكن ليس معناه أن لكل خليفة من الخلفاء الراشدين أن يسن ما أراد، وأن فعله شرع كسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل المقصود أنهم مقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن سنته تؤخذ عنهم. قال في تحفة الأحوذي: ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم...... ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفة راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا يُعلم أن البدعة إنما تعرف بالخروج عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا الخروج عن فعل الصحابة، وأن الخلفاء ليس لهم أن ينتهجوا منهجا في الدين غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الاقتداء بهم المأمور به ليس إلا من هذا الوجه، وبهذا يزول الإشكال في أن زيدا لم يوافق الخليفتين عند أول مرة، وأنهما لم يحاجاه بأن عملهما سنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(3/965)
شرح حديث \"اللهم أعوذ بك أن أضل أو أضل..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح هذا الدعاء وهل فيه تكرار..اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي سألت عنه رواه أصحاب السنن الأربعة، ولفظ أبي داود عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ
وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود: أن أضِل أي عن الحق وهو من الضلال خلاف الرشاد والهداية، أو أضَل بصيغة المجهول من الإضلال أي يضلني أحد أو بصيغة المعلوم. أو أزِل بفتح الهمزة وكسر الزاي وتشديد اللام من الزلة وهي ذنب من غير قصد تشبيها بزلة القدم، أو أزَل من الإزلال معلوما ومجهولا، أو أظلِمَ أي أحدا أو أظلَمَ أي من أحد، أو أجهَل على بناء المعروف أي أفعل فعل الجهال من الإضرار والإيذاء وغير ذلك، أو يجهل علي بناء المجهول أي يفعل الناس بي أفعال الجهال من إيصال الضرر إلي. انتهى
وفي تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: قال الطيبي: إن الإنسان إذا خرج من منزله لا بد أن يعاشر الناس ويزاول الأمر فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم، فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من أن يَضل أو يُضَل، وإما أن يكون في أمر الدنيا فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يَظلم أو يُظلَم، وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يَجهَل أو يُجهَل. فاستعيذ من هذه الأحول كلها بلفظ سلس موجز، وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية. انتهى
فالدعاء المذكور لا يشمل على تكرار.. فالعبارتان المتفقتان في اللفظ مختلفتان في المعنى، فالعبارة الأولى مبنية للمعلوم تعني صدور المستعاذ منه من طرف المتكلم نفسه.
أما العبارة الثانية فمبنية للمجهول وتعني وقوعه على المتكلم من طرف غيره
وبصورة أوضح كل كلمتين متحدتي اللفظ من هذا الحديث.. فالأولى منهما مفتوحة الهمزة مكسورة الحرف الذي قبل الحرف الأخير، والثانية مضمومة الهمزة مفتوحة الحرف الذي قبل الحرف الأخير، والكلمتان الأخيرتان ـأجهل أو يجهل ـ الأولى منهما بفتح الهمزة والهاء، والثانية بضم الياء وفتح الهاء.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(3/966)
شرح حديث \"لا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها\"
[السُّؤَالُ]
ـ[وما معنى الاستقادة في حديث النبى صلى الله عليه وسلم \" لا تقام الحدود فى المساجد ولا يستقاد فيها \"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث لا تقام الحدود فى المساجد ولا يستقاد فيها أخرجه الترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرهم، وفي رواية: لا تقام الحدود في المساجد ولا يقتل الوالد بالولد، وهذه الرواية قال عنها الألباني: حسن.
قال في تحفة الأحوذي: قوله (لا تقام الحدود في المساجد) صونا لها وحفظا لحرمتها فيكره.
وقال المناوي في فيض القدير: (لا تقام الحدود في المساجد) صيانة لها وحفظا لحرمتها فيكره ذلك تنزيها، نعم لو التجأ إليه من عليه قود جاز استيفاؤه فيه حتى المسجد الحرام فيبسط النطع ويستوفى فيه تعجيلا لاستيفاء الحق عند الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يقتل في الحرم بل يلجأ إلى الخروج.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال ابن بطال: ذهب إلى المنع من إقامة الحدود في المسجد الكوفيون والشافعي وأحمد وإسحاق وأجازه الشعبي وا بن أبي ليلى وقال مالك: لا بأس بالضرب بالسياط اليسيرة فإذا كثرت الحدود فليكن ذلك خارج المسجد، قال ابن بطال: وقول من نزه المسجد عن ذلك أولى، وفي الباب حديثان ضعيفان في النهي عن إقامة الحدود في المساجد. انتهى.
والمشهور فيه حديث مكحول عن أبي الدرداء وواثله وأبي أمامة مرفوعا: جنبوا مساجدكم صبيانكم ... الحديث. وفيه: وإقامة حدودكم. أخرجه البيهقي في الخلافيات، وأصله في ابن ماجة من حديث واثلة فقط، وليس فيه ذكر الحدود، وسنده ضعيف، ولابن ماجة من حديث ابن عمر رفعه: خصال لا تنبغي في المسجد لا يتخذ طريقا ... الحديث. وفيه: ولا يضرب فيه حد. وسنده ضعيف أيضا.
وقال ابن المنير: من كره إدخال الميت المسجد للصلاة عليه خشية أن يخرج منه شيء أولى بأن يقول لا يقام الحد في المسجد إذ لا يؤمن خروج الدم من المجلود وينبغي ان يكون في القتل أولى بالمنع. انتهى.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يستقاد) : أي لا يطلب القود فيها أي القصاص وقتل القاتل بدل القتيل.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(3/967)
تخريج حديث \"أوصاني الله بتسع\" وشرحه
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسال عن معنى هذا الحديث الشريف:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوصاني الله بتسع أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وأن أعطي من حرمني، وأعفو عمن ظلمني، وأن يكون نطقي ذكرا، وصمتي فكرا، ونظري عبرا)
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور جاء في مشكاة المصابيح للتبريزي بألفاظ قريبة مما ذكر، وقال: رواه رزين.
ولم نقف على أحد من أهل العلم تكلم على سنده ويؤيده ما جاء في مسند الإمام أحمد وصححه الأرناؤوط، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة ومن فتنة مضلة ...
ومثله في صحيح ابن حبان ومصنف عبد الرزاق موقوفا، وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضى ... حسنه الألباني في السلسلة.
ومعنى الحديث إجمالا والله أعلم أن المسلم مأمور بإخلاص عمله في الظاهر والباطن، لأن العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصا لوجه الله تعالى، وأنه مأمور بالعدل بين الناس والإنصاف للآخرين في حالة رضاه عنهم وغضبه عليهم، وأنه مأمور بالقصد وهو التوسط في أموره كلها، سواء كان غنيا أو فقيرا، كما أنه مأمور بأن يعطي من حرمه، أي منعه من العطاء، وأن يعفو عن من ظلمه، وهذا يتطلب منه الاستعلاء على هواه وشهواته وكظمه لغيظه، وأن يكون نطقه أي كلامه بذكر الله تعالى، وأن يكف لسانه عن الكلام الحرام كالكذب والغيبة والنميمة ولغو الكلام الذي لا فائدة فيه، وأن يكون صمته تفكرا في مخلوقات الله تعالى وعظيم قدرته، وفي نعمه التي لا تحصى، وأن يكون نظره اعتبارا لما تقع عليه عينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1425(3/968)
شرح حديث \" اللهم وال من والاه \"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث: اللهم وال من والاه، وما هي صحة هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث صححه الحاكم في المستدرك ووافقه الألباني والأرناؤوط ومعنى وال من والاه أحب من أحبه وانصر من نصره كذا قال صاحب اللسان، وقد تكلم البيهقي على معناه في كتابه: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد.
فذكر أنه لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علياً إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته فقال: ومن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
قال البيهقي: والمراد به ولاء الإسلام ومودته وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضا ولا يعادي بعضهم بعضا.
وهو في معنى ما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1425(3/969)
المقصود باللعب بالفضة
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد ذكرتم في التداوي بالفضة منافع كثيرة
فكيف يكون التداوي بها مع أنها جماد هل يكون ذلك بلبسها
وكيف نعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا) هل المراد باللعب بها أي كثرة لبسها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما يتعلق بالتداوي بالفضة فإنه ورد في كلام ابن القيم في كتابه زاد المعاد، وعهدته عليه، ويمكنك أن تراجعه في الفتوى رقم: 8195.
وأما الحديث الذي سألت عنه فقد اختلف العلماء في شرحه، فمنهم من رآه دليلاً في إباحة لبس الفضة للرجال، ومنهم من رأى فيه غير ذلك، والظاهر أن المقصود باللعب بالفضة هو تحلية النساء بها، قال الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان: قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لي -والله أعلم- أن هذا الحديث لا دليل فيه على إباحة لبس الفضة للرجال، ومن استدل بهذا الحديث على جواز لبس الرجال للفضة فقط غلط، بل معنى الحديث أن الذهب كان حراماً على النساء، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى الرجال عن تحلية نسائهم بالذهب، وقال لهم: العبوا بالفضة. أي حلوا نساءكم منها بما شئتم، ثم بعد ذلك نسخ تحريم الذهب على النساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1425(3/970)
معنى حديث \"التوبة تجب ما قبلها\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بدأت الصلاة عندما كان لي من العمر 33 سنة فكيف أقضي ما فاتني من الصلاة؟ هل تكفي التوبة النصوح؟ أم أكثر من النوافل؟ ألم يقل رسولنا الكريم أن التوبة تجب ما قبلها؟ ,اذا كانت الفتوى بقضاء كل صلاة فاتت , ألا يفقدني ذلك الخشوع الضروري للصلاة؟
كما أرجو إفادتي عن قضاء رمضان لم أصمه (7 رمضانات) ؟ جزاكم الله عني خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا حكم قضاء ماترك من الصلوات عمدا في الفتوى رقم: 25606، وحكم قضاء الصوم في الفتوى رقم: 3247، ولمزيد من الفائدة في الموضوع تراجع الفتوى رقم: 12700 والفتوى رقم: 512.
أما قول السائل إن التوبة تجب ماقبلها فهو كلام صحيح، فالتوبة النصوح تجب ما قبلها بمعنى أن الله عز وجل يمحو بها الخطايا ويكفر بها المعاصي التي تاب العبد منها، لكنها لا تبرئ ذمته مما استقر فيها من حقوق العباد ومن الكفارات وكذلك العبادات كالصلوات على مذهب الجمهور، وعليه فلا يصح الاستدلال بالحديث ـ التوبة تجب ما قبلها ـ على عدم وجوب القضاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1425(3/971)
من أهل الجنة سبعون ألفا يدخلونها بغير حساب
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني سعيد ابن المسيب أن أبا هريرة حدثه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يدخل من أمتي زمرة هم سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر قال أبو هريرة فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعله منهم ثم قام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة) .
هل لايوجد إلا 70000 مسلما يدخلون الجنة من الملايين عبر كل أزمنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرته هو مما في الصحيحين وليس معناه أن الذين يدخلون الجنة هم فقط سبعون ألفا، بل السبعون ألفا هذه إنما خصوا بالذكر لأنهم يدخلون الجنة بلا حساب.
رواية ثانية للحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: عرضت علي الأمم فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ماهذا؟ أمتى هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي انظر هاهنا وهاهنا في آفاق السماء، فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا بغير حساب، ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم، وقالوا نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله، فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام
فإنا ولدنا في الجاهلية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة بن محصن: أمنهم أنا يا رسول الله؟ فقال: نعم، فقام آخر فقال: أمنهم أنا، قال: سبقك بها عكاشة. متفق عليه.
واعلم أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد خصها الله بفضل كثير.
ومن ذلك أنها تكون نصف أهل الجنة أو أكثر. فقد أخرج الشيخان من حديث عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا فكبرنا، ثم قال: أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قال: فكبرنا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة. وفي رواية: بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمو نهم في النصف الثاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(3/972)
معنى \"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التفضل بشرح حديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه حديث صحيح جاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. وفي رواية والتوبة معروضة ب عد.
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ... كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة.
وإنما تأولناه على هذا المعنى لحديث أبي ذر وغيره من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق ...
مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أهل الكبائرغير الشرك لا يكفرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبيرة كانوا في المشيئة، إن شاء الله عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولاً، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة.
وقد اقتصرنا على المعنى الذي رجحه النووي لوضوحه ولموافقته وملاءمته لقواعد الشرع العامة ونصوص الشرع الأخرى؛ ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 31314 و 20440.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(3/973)
معنى \"أعوذ بكلمات الله التامات..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ماخلق)) ماهي كلمات الله التامات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر النووي في شرح صحيح مسلم كلمات الله بالقرآن.
وفسر التامات بالكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب. وقيل النافعة الشافية. وقد تابعه في ذلك المباركفوري في تحفة الأحوذي.
وفسر الزرقاني في شرح الموطأ والمناوي في فيض القدير الكلمات بالأسماء الحسنى والصفات العلى وبالكتب المنزلة من عند الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(3/974)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم \"هم الذين لا يرقون\"
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال عن حديث في صحيح مسلم، هو عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب منهم والذين لا يرقون ما المقصود بهذا؟ أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي أخرجه مسلم وذكر فيه صفات السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة وذكر فيه من صفاتهم لا يرقون.
هذه اللفظة تكلم عليها العلماء فقد نسبها شيخ الإسلام في الفتاوى إلى الوهم والغلط وذكر أن الثابت فقط هو أنهم لا يسترقون
وقد وفق النووي في شرح مسلم بينها وبين الأحاديث المثبتة لمشروعية الرقى في صحيح مسلم، فقال: قوله إن جبرائيل رقى النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر الأحاديث بعده في الرقى وفي الحديث الآخر في الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يرقون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون.
فقد يظن مخالفا لهذه الأحاديث ولا مخالفة بل المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار والرقى المجهولة والتي بغير العربية وما لا يعرف معناها فهذه مذمومة لا حتمال أن معناها كفر أو قريب منه أو مكروه، وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهى فيه بل هو سنة ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين إن المدح في ترك الرقى للأفضيلة وبيان التوكل والذي فعل الرقى وأذن فيها لبيان الجواز مع أن تركها أفضل.
وبهذا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه، والمختار الأول، وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى، قال المازرى: جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره ومنهى عنها إذا كانت باللغة العجمية أو بما لا يدرى معناه لجواز أن يكون فيه كفر، قال: واختلفوا في رقية أهل الكتاب فجوزها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكرهها مالك خوفا أن يكون مما بدلوه، ومن جوزها قال: الظاهر أنهم لم يبدلوا الرقى فانهم لهم غرض في ذلك بخلاف غيرها مما بدلوه،
وقد ذكر مسلم بعد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى مالم يكن فيها شيء، وأما قوله في الرواية الأخرى يارسول الله إنك نهيت عن الرقى، فأجاب العلماء عنه بأجوبة أحدها كان نهى أولا ثم نسخ ذلك وأذن فيها وفعلها واستقر الشرع على الإذن.
والثاني: أن النهي عن الرقى المجهولة كما سبق.
والثالث: أن النهي لقوم كانوا يعتقدون منفعتها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية تزعمه في أشياء كثيرة.
وراجع الفتوى رقم: 9468.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1425(3/975)
معنى \"..قمن يبتدرن الحجاب..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى ما جاء في الحديث فابتدرن الحجاب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مراد السائل ما في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب، فقال عمر: فأنت يا رسول الله أحق أن يهبن، ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك.
فإن معنى يبتدرن: أي يتسارعن، كما فسره العيني في شرح البخاري.
ومعنى ابتدارهن الحجاب: أنهن اختبأن وراء الستار عن عمر، وذلك لأنهن أجانب بالنسبة له، فقد ذكر ابن حجر أن هؤلاء النسوة من أمهات المؤمنين، وقد يكون معهن غيرهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1425(3/976)
معنى (الأمور المشتبهات) الواردة في حديث الشيخين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الشبهة التي إذا وقع فيها وقع في الحرام أتمنى الجواب بالدليل ,
مثال: لدينا في الصين كثير من المأكولات أصلها حلال ولكن لا نعرف أين صنع؟ من طبخ؟ ومن ذبح مثل الدجاجة والغنم , هل هذه المأكولات تدخل ضمن الشبهات المنهية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في المراد بالمشتبهات الواردة في حديث الشيخين:
قال ابن حجر في "فتح الباري": وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء:
أحدها: تعارض الأدلة كما تقدم.
ثانيها: اختلاف العلماء، وهي منتزعة من الأولى.
ثالثها: أن المراد بها مسمى المكروه، لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك.
رابعها: أن المراد بها المباح، ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى. والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول.
وغير بعيد من الوجه الأول ما فسربه النووي المشتبهات، حيث قال: وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها.
وما مثلت به من مأكولات الصين مما أصله حلال، ولا تعرفون شيئا عن صناعته وطبخه وذبحه ونحو ذلك، فنقول فيه: إن ما كان منه من مواد نباتية ولم تخالطه مواد كحولية ولا لحوم ولا أشياء نجسة فهذا من الحلال البين، ولا حرج على المسلم في تناوله ما لم يثبت أنه ضار، ومثله ما كانت تخالطه لحوم حيوانات مباحة الأكل، وقد ذكاها مسلم أو كتابي ذكاة شرعية، وهي التي تتم بقطع الحلقوم والودجين مثلاً، ولم يُهِلَّ بها المذكي لغير الله، وما كانت تخالطه لحوم الخنازير أو الخمور أو كان ذكاه مجوسي أو بوذي أو هندوسي أو غيرهم ممن ليس مسلما ولا كتابيا أو قتل بالصعق والخنق ونحوهما، فهذا من الحرام البين.
وما كان مخلوطا بلحوم لم يغلب على الظن أن ذكاتها شرعية ولا أنها محرمة فهذا من الأمور المشتبهة التي ينهى المسلم عن الوقوع فيها، وراجع حكم الأكل من طعام الصينيين في فتوانا رقم: 40109، وراجع لتمام الفائدة الفتوى رقم: 2437.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1425(3/977)
معنى استغفار العبد مما لا يعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب حصن المسلم دعاء\"اللهم إني أعوذ بك أن اشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم\" فما معنى أستغفرك لما لا أعلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستغفار هو طلب غفران الذنب أي ستره والتجاوز عنه، وأصله من الغفران، وهو التغطية، يقال: غفر الله لك مغفرة، والمغفرة إلباس الله تعالى العفو للمذنبين، كذا قال صاحب النهاية في غريب الحديث.
ومعنى استغفاره مما لا يعلم أنه يسأل الله أن يغفر له ما يعلم الله أنه شرك ولا يعلمه العبد أنه شرك.
وراجع مدارج السالكين لابن القيم في باب التوبة، ثم راجع الأجوبة التالية: 9203، 16150، 19043، 18203.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1425(3/978)
معنى حديث \"رؤيا المؤمن جزء من..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الرؤية جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة أرجو التفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما جاء في سؤال السائل الكريم فقرة من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ مختلفة، ومن ألفاظ البخاري: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.
قال بعض العلماء: إن وقعت الرؤيا من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة على الحقيقة، وإن وقعت من غيره فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز. وقيل: المعنى أنها جزء من علم النبوة لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق.
وأما بخصوص العدد فإن حقيقة الأجزاء لا تُدرَى على الحقيقة لأن الروايات الواردة فيها مختلفة أقلها: جزء من ستة وعشرين، وأكثرها من ستة وسبعين، وبين ذلك أربعين، وخمسة وأربعين، وستة وأربعين، وسبعة وأربعين، وتسعة وأربعين، وخمسين، وسبعين.
والحديث قيل معناه على الرواية التي بين أيدينا:.... جزء من ستة وأربعين ... إن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر الروايات الصحيحة كان ثلاثا وستين سنة، وكانت مدة نبوته منها ثلاثا وعشرين سنة ... وكان في أول الأمر يرى الوحي في المنام ودام ذلك نصف سنة (ستة أشهر) ثم رأى الملك في اليقظة، فإذا نسبت مدة الوحي في النوم وهي نصف سنة إلى مدة نبوته وهي ثلاث وعشرون سنة كانت نصف جزء من ثلاثة وعشرين جزءاً، وذلك جزء واحد من ستة وأربعين جزءاً.
وقد فسر العلماء الروايات الأخرى ووجهوا الأعداد الواردة فيها بتوجيهات لا يتسع المقام لذكرها، والحديث بمختلف رواياته يدل على تأكيد أمر الرؤيا وتعظيم منزلتها.
والناس في الرؤيا على ثلاث درجات: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى التعبير.
والصالحون: والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.
ومن عداهم: يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث، وهم ثلاثة أقسام:
مستورون: فالغالب استواء الحال في حقهم.
وفسقة: والغالب على رؤياهم الأضغاث، ويقل فيها الصدق.
وكفار: ويندر في رؤياهم الصدق.
ويشير لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً. رواه مسلم.
ورؤيا المؤمن الصالح الصادق هي التي تنسب إلى أجزاء النبوة، وقيل تعد من أقصى الأجزاء ... والمسلم الصادق هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء ويتحلى بأخلاقهم ويهتدي بهديهم.. فهذا يكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الرؤيا الصادقة والاطلاع على بعض المغيبات.
وأما الكافر والفاسق والمخلط ... فلا، ولو صدقت رؤياهم أحياناً فقد يصدق الكذوب وليس كل من حدث عن غيب أو أخبر به يكون خبره من أجزاء النبوة، فالكاهن والمنجم والعراف ... ربما أخبرتهم شياطينهم ببعض المغيبات، فالعبرة بالاستقامة واتباع هدي الأنبياء، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 5416، والفتوى رقم: 7314.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1425(3/979)
لا تعارض بين ذم الحسد وحديث: لا حسد إلا في اثنتين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن مساعدتي في إيجاد جواب لهذا السؤال؟؟؟؟ جزاكم الله خيرا
يوجد الكثيرون ممن يريدون أن يشككوا في صحة الأحاديث أوالتقليل من أهميتها أو القول بعدم الحاجة إليها ما دام القرآن فينا
ولقد طرح علي سؤال أحرجني ولم أستطع الإجابة عليه أملي أن أجد ضالتي لديكم في منتداكم الرائع
يوجد حديث في صحيح البخاري يقول عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
((لاحسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) .
هل يوجد تعارض بين هذا الحديث وقول الله تعالى \" ومن شر حاسد إذا حسد \"
وكذلك حذرالنبي أمته من الحسد وعظم أمره في أحاديث كثيرة منها ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله:
((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولاتدابروا وكونوا عباد الله إخواناً)) (اخرجه البخاري ومسلم) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأ خطأ فاحشا من قلل من أهمية الأحاديث أو قال بعدم الحاجة إليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى، قال تعالى: [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] (النحل: 44) . وقال: [وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ] (النحل: 64) . وقال: [وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] (الحشر: 7) .
وقال الإمام السيوطي في كتابه "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" فاعلموا رحمكم الله أن من أنكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء من فرق الكفرة.
وعما سألت عنه، فإنه لا تعارض بين حديث: لا حسد إلا في اثنتين، وبين ما ورد من ذم الحسد.
فالحسد المنهي عنه هو تمني زوال النعمة عن المنعم عليه، كما عرفه أهل العلم، وهذا مذموم، وما ذكر في حديث: لا حسد إلا في اثنتين يعني الغبطة، وليست من الحسد، وإنما أطلق عليها الحسد مجازا، قال ابن حجر في فتح الباري: وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة، فكأنه قال في الحديث: لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين.
فلا معارضة إذاً بين ما ورد من ذم الحسد وما جاء في الحديث مما أطلق عليه لفظ الحسد مجازا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1425(3/980)
معنى\"نهى أن يصلي الرجل مختصرا\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أن يصلي الرجل مختصرا؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخصر المنهي الذي جاء في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يصلي الرجل مختصرا.
مختلف في تفسيره، وقد بين ذلك الامام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم فقال: اختلف العلماء في معناه، فالصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والغريب والمحدثين، وبه قال أصحابنا في كتب المذهب: أن المختصر هو الذي يصلي ويده على خاصرته. وقال الهروي: قيل: هو أن يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها. وقيل: أن يختصر السورة فيقرأ من آخرها آية أو آيتين.
وقيل: هو أن يحذف فلا يؤدي قيامها وركوعها وسجودها وحدودها، والصحيح الأول. قيل: نهي عنه لأنه فعل اليهود. وقيل: فعل الشيطان. وقيل: لأن إبليس هبط من الجنة كذلك، وقيل: لأنه فعل المتكبرين.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1425(3/981)
شرح حديث \"إن عذاب هذذه الأمة في دنياها\"
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إ ن عداب هده الأمة في دنياها.
ما معنى هدا الحديث؟ هل هدا يعني أن المسلمين لن يدخلوا النار ابدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث رواه الحاكم في المستدرك وصححه وقال على شرط الشيخين ورواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني في صحيح الجامع
وهو يدل على أن ما يلقاه المسلم من أنواع المصائب والمحن والآلام والأحزان والأمراض والهم والغم حتى الشوكة يشاكها، والحدود التي تقام عليه تكفر عنه من ذنوبه وخطاياه كما جاء في الحديث فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته. وفي رواية: ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة. وفي رواية: والنكبة ينكبها. وفي الصحيحين في حديث البيعة.. فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى، ومن أصاب في ذمته شيئا فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور، ومن ستره الله تعالى فذلك إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وفي رواية لمسلم: ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارته.
ولايدل على أن عصاة المسلمين لن يدخلوا النار فإن هذا خلاف ما عليه معتقد أهل السنة من أن عصاة هذه الأمة تحت مشئية الله عز وجل إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وأن من استحق منهم النار ودخلها سيخرج منها بعد أن ينال نصيبه من العذاب،
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(3/982)
شرح حديث \"ويل للعرب من شر قد اقترب\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (ويل للعرب من شر قد أقترب.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي سألت عنه أخرجه الشيخان من حديث زينب بنت جحش، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل عليها يوما فزعا يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب. الحديث، وقد اختلف في المراد بالشر المذكور في الحديث، قال ابن حجر في فتح الباري: خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم، والمراد بالشر ما وقع بعده من مقتل عثمان، ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة، كماوقع في الحديث الآخر: يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها. أن المخاطب بذلك العرب. قال القرطبي: ويحتمل أن يكون المراد بالشر ما أشارإليه في حديث أم سلمة:ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا أنزل من الخزائن. فأشار بذلك إلى الفتوح التي فتحت بعده فكثرت الأموال في أيديهم، فوقع التنافس الذي جر الفتن، وكذلك التنافس على الإمرة، فإن معظم ما أنكروه على عثمان تولية أقاربه من بني أمية وغيرهم حتى أفضى ذلك إلى قتله، وترتب على قتله من القتال بين المسلمين ما اشتهر واستمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1425(3/983)
الاختلاف في الأصول المؤدي إلى الفسق أو الكفر هو الاختلاف المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث: إن أمتي لن تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم، ما المراد منه، اختلاف في الأصول أو الفروع، هذا الحديث متواتر أو مشهور أو ضعيف، أجيبوا يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الأول حديث صحيح رواه الترمذي بلفظ: إن الله لا يجمع أمتى أو قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة. ومثله في سنن أبي داود، وابن ماجه، والدارمي، ومسند الإمام أحمد وغيرهم وصححه الألباني، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط صحيح لغيره.
وأما الحديث الثاني فقد رواه الإمام أحمد والبيهقي وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك، بلفظ: لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبداً، وقال يد الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار.
قال الذهبي: لو حفظ خالد لحكمنا له بالصحة. وخالد هو ابن يزيد أحد رواة الحديث، والسواد الأعظم الأكثرية من أهل العلم وأهل السنة والجماعة.
والاختلاف المذموم هو الاختلاف في الأصول المؤدي إلى الفسق أو الكفر، وأما الاختلاف في الفروع المستند إلى حظ من النظر فإنه ليس بمذموم ولا يسلم منه أهل العلم في أي زمان وأي مكان، وحتى في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 30268، والفتوى رقم: 10069.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1425(3/984)
تفسير حديث دخول الذي سقى الكلب الجنة وأمثاله
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في بعض الأحاديث مثل حديث الرجل الذي سقى الكلب فدخل الجنة، وأيضاً نجد ذلك في عدة أحاديث، فكيف ذلك رغم أن القيامة لم تقم إلى الآن منذ بداية الخلق، أفيدوني مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن أشياء كثيرة من أمور القيامة نحو الحديث الذي أشرت إليه، وهو في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له فأدخله الجنة.
وروى الشيخان كذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عذبت امرأة في هرة حسبتها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار.... الحديث.
وفي هذه الأمور التي ذكرت مع أن القيامة لم تقم بعد تفسيران أوردهما النووي عند شرح الحديث: عرضت علي الجنة والنار: قال: قال القاضي عياض: قال العلماء: تحتمل أنه رآهما رؤية عين كشف الله تعالى عنهما، وأزال الحجب بينه وبينهما، كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم في عرض هذا الحائط أي في جهته وناحيته، أو في التمثيل لقرب المشاهدة، قالوا: ويحتمل أن يكون رؤية علم، وعرض وحي باطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلاً، ما لم يعرفه قبل ذلك ...
ويمكن أن يكون الذي حصل هو مجرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن دخول بعض الناس الجنة أو النار بإخبار من الله أنهم سيدخلونها يقينا، ولا غرابة في الإخبار بصيغة الماضي عما هو مجزوم بوقوعه في المستقبل، على غرار قوله تعالى: أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [النحل:1] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(3/985)
شرح حديث \"خير هذه الامة أكثرها نساء\"
[السُّؤَالُ]
ـ[خير رجال هذه الأمة أكثرهم نساءاً، أرجو تفسير هذه العبارة، وهل هى من أقوال السلف أم ماذا؟ مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه هو من كلام عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ففي صحيح البخاري وغيره عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت قلت لا، قال فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قيل المعنى خير أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل.
والذي يظهر أن مراد ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وسلم، وبالأمة أخصاء أصحابه، وكأنه أشار إلى أن ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحاً ما آثر النبي صلى الله عليه وسلم غيره وكان مع كونه أخشى الناس لله وأعلمهم به يكثر التزويج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يطلع عليها الرجال، ولإظهار المعجزة البالغة في خرق العادة لكونه كان لا يجد ما يشبع به من القوت غالباً وإن وجد كان يؤثر بأكثره ويصوم كثيراً ويواصل، ومع ذلك فكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ولا يطاق ذلك إلا مع قوة البدن. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1425(3/986)
معنى (رؤوسهن كأسنمة البخت)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أسنمة البخت]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
قال النووي في شرحه لمسلم: وأما رؤوسهن كأسنمة البخت، فمعناه يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس حتى تشبه أسنمة الإبل البخت، هذا هو المشهور في تفسيره، قال المازري: ويجوز أن يكون معناه يطمحن إلى الرجال ولا يغضضن عنهم ولا ينكسن رؤوسهن. واختار القاضي أن المائلات تمشطن المشطة الميلاء. قال: وهي ضفر الغدائر وشدها إلى فوق وجمعها في وسط الرأس فتصير كأسنمة البخت.. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 3611.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1425(3/987)
شرح حديث "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا:_ قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم)
_ هل قصد أن نطروه (أي بقراءة القران والتسبيح والصوم والصدقه) ولكن ليس كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم.
_ وكيف أطرت النصارى عيسى ابن مريم.
_ النصارى يحتفلون به (أي الكرسمس) نحن أحسن منهم فلم لا نحتفل بمولد رسولنا.
_ ماهي نصيحتكم للذين يصرون على أن الرسول عليه السلام قال اطروني ولكن ليس كما أطرت النصارى مع العلم أنه قد توفي عليه السلام في نفس اليوم الذي ولد فيه.
أرجو الإسراع في إجابتنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإطراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نهى عنه هو الغلو في مدحه صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن يمدح بما هو من خصائص الله كأن يرفع إلى مقام الألوهية أو يعطى بعض صفات الله، كما قالت امرأة في زمنه وهي تمدحه: وفينا نبي يعلم ما في غد. فنهاها صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن علم الغيب من خصائص وصفات الله، وقد أمر الله رسوله أن يقول: [وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ] (لأعراف: 188) .
فلا يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيب إلا ما علمه الله، أو أن يستغاث به أو يدعى من دون الله أو أن يمدح بالكذب كما مدحه بعضهم بأن القمر انشق ونزل يسلم عليه، فانشقاق القمر حدث معجزة له، ولكن ما نزل ليسلم عليه، أو أن يقترن مدحه بمحظور، وقد جاء في صحيح البخاري: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله. أي لا تمدحوني بالباطل ولا تجاوزوا الحد في مدحي كما عملت النصارى مع عيسى، فمدحوه حتى جعلوه إلها، ومن الغلو الاحتفال بمولد الأنبياء والأولياء، وجعل ذلك شعارا وقربة، بل تعظيم هؤلاء يكون باتباعهم والسير على سنتهم، ولذلك لم يكن الصحابة الكرام يحتفلون بيوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم خير منا وأكثر حبا وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما مدحه والثناء عليه دون الإطراء فمشروع ومطلوب. قال الله تعالى: [لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوه ُ] (الفتح: 9) . وتعزيره تعني نصرته، وتوقيره احترامه والثناء عليه بما هو أهله.
وأما نسبة بعضهم إلى رسول الله أنه قال: اطروني ولكن ليس كما أطرت النصارى، فلم نقف على صحته، ولو صح فهو بمعنى امدحوني المدح اللائق ولا تغالوا كما غالت النصارى، فهو راجع إلى التفصيل السابق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1425(3/988)
معنى حديث \"..فيكمل بالتطوع ما انتقص من الفريضة\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم، وسؤالي هو: أن هناك حديثاً صحيحا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول فيه ما معناه: أن العبد إذا حوسب عن صلاته يقول الله لملائكته إذا انتقص من فريضته انظروا هل لعبدي من تطوع، فيكمل بالتطوع ما انتقص من الفريضة، وسؤالي هو: ما وجه المقصود هل هو الفرض نفسه أم الخشوع في الصلاة، أفيدوني بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجه النقص المذكور في الحديث مختلف فيه بين العلماء، قال العراقي في شرح الترمذي: يحتمل أن يراد ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة فيها من الخشوع والأذكار والأدعية، وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله فيها وإنما فعله في التطوع، ويحتمل أن يراد ما انتقص من فروضها وشروطها، ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأسا فلم يصله فيعوض عنه من التطوع.
وقد رجح ابن العربي والسندي هذا القول الأخير، واحتجا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات الحديث: ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني والأرناؤوط.
وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل، فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها فكذلك الصلاة، وفضل الله أوسع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1425(3/989)
شرح حديث \" ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن \"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذا الحديث:
قال عليه الصلاة والسلام:\"ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن لم يفعل فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه \"؟
وبارك الله فينا وفيكم إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرح المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح الترمذي هذا الحديث فقال: ما ملأ آدمي وعاء، أي ظرفا شرا من بطن صفة وعاء، جعل البطن أولا وعاء كالأوعية التي تتخذ ظروفا ثم جعله شر الأوعية لأنها استعملت فيما هي له، والبطن خلق لأن يتقوم به الصلب بالطعام وامتلاؤه يفضي إلى الفساد في الدين والدنيا، فيكون شرا منها (بحسب ابن آدم) مبتدأ أو الباء زائدة، أي يكفيه، وقوله (أكلات) بضمتين خبره نحو قوله بحسبك درهم، والأكلة بالضم اللقمة، أي يكفيه هذا القدر في سد الرمق وإمساك القوة (يقمن) من الإقامة (صلبه) أي ظهره تسمية للكل باسم جزئه كناية عن أنه لا يتجازو ما يحفظه من السقوط ويتقوى به على الطاعة (فإن كان لا محالة) بفتح الميم ويضم، أي إن كان لا بد من التجاوز عما ذكر فلتكن أثلاثا (فثلث) يجعله (لطعامه) أي مأكوله (وثلث) يجعله (لشرابه) أي مشروبه (وثلث) يدعه (لنفسه) بفتح الفاء، أي يبقى من ملئه قدر الثلث ليتمكن من التنفس، ويحصل له نوع صفاء ورقة وهذا غاية ما اختير للأكل ويحرم الأكل فوق الشبع.
وقال الطيبي رحمه الله: أي الحق الواجب أن لا يتجاوز عما يقام به صلبه ليتقوى به على طاعة الله، فإن أراد البتة التجاوز فلا يتجاوز عن القسم المذكور.
وراجع الفتوى رقم: 12157.
هذا وننبهك إلى أن الرواية التي كتبت في السؤال لم نعثر عليها، وأما رواية الترمذي فهي قريبة منها ونصها:
ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1425(3/990)
شرح حديث \" إن الدين يسر \"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسيرا للحديث الشريف: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الحافظ السيوطي في شرح هذا الحديث: إن هذا الدين يسر، سماه يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله، لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه. قال ابن التين في هذا الحديث: علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع، وليس المراد منه طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع من الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح. فسددوا أي الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط، وقاربوا: أي إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه، وأبشروا: أي بالثواب على العمل الدائم وإن قل، أو المراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا لم يكن من صنعه لا يستلزم نقص أجره، وأبهم المبشر به تعظيما له وتفخيما. واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة: أي استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة، والغدوة بالفتح سير أول النهار، وقال الجوهري: ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والروحة بالفتح السير بعد الزوال، والدلجة بضم أوله وفتحه وإسكان اللام سير آخر الليل وقيل سير الليل كله، ولهذا عبر فيه بالتبعيض، ولأن عمل الليل أشق من عمل النهار، فهذه الأوقات أطيب أوقات المسافرة فكأنه صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جمعا عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الآخرة.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1425(3/991)
شرح حديث أبي موسى إلى قراء أهل البصرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو بارك الله فيكم، تفسيراً لحديث أبي موسى الأشعري في صحيح مسلم (الزكاة) باب لو كان لابن آدم.. حديث رقم 1050؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام مسلم في صحيحه، حدثني سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن داود عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائمة رجل قد قرؤوا بالقرآن فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة.
ومعنى الحديث أن أبا موسى رضي الله عنه أرسل إلى أهل القرآن في مدينة البصرة فأتاه ثلاثمائة رجل، فأثنى عليهم بما أكرمهم الله من الخير به، وأمرهم بتلاوة القرآن، ونهاهم عن استطابة مدة البقاء في الدنيا مخافة أن تقسو قلوبهم، قال السيوطي في شرح مسلم: ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، أي لا تستطيبوا مدة البقاء في الدنيا فإن ذلك مفسد للقلوب بما يجره إليها من الحرص والقسوة حتى لا تلين لذكر الله ولا تنتفع بموعظة أو زجر.
والمراد بمن قست قلوبهم أهل الكتاب كما قال الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] .
ثم نصحهم بعدم الحرص على الاستكثار من المال، واحتج في ذلك ببعض القرآن المنسوخ لفظه الباقي معناه فقال: وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة.. إلخ
وقوله: كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها، قال السيوطي: هذا من المنسوخ تلاوة الذي أشير إليه بقول الله تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:106] ، فكان الله ينسيه الناس بعد أن حفظوه ويمحوه من قلوبهم، وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة إذ لا نسخ بعده، قال القرطبي: ولا يتوهم من هذا أو شبهه أن القرآن ضاع منه شيء فإن ذلك باطل، قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .
ومعنى قوله: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، أنه لو ملك مالاً كثيرا لطلب وتمنى مثله، وفيه ذم الاستكثار من جمع المال وتمني ذلك، كما قال ابن حجر في الفتح: ومعنى قوله: ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، يعني أنه لا يسد بطنه إلا التراب، ويدل لذلك ما في رواية أخرى: ولا يملأ بطنه، وفي رواية أخرى: ولا يسد بطنه، كذا قال ابن حجر.
والمراد أنه لا يشبع حتى يموت فيحشى من تراب القبر، قال النووي في شرح مسلم: معناه أنه لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره، قال: وهذا خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على الدنيا.
والمراد بالمسبحات السور التي ذكر في أولها سبح ويسبح كما قال صاحب عون المعبود، وقوله: لم تقولون ما لا تفعلون، ذكر المفسرون في تفسير سورة الصف أن المسلمين قالوا: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فأنزل الله: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، فكره ذلك بعضهم، فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2] ، قال القرطبي: هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها. واستدل بحديث أبي موسى هذا الذي سأل عنه السائل، ثم ذكر القرطبي أن قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، ثابت في الدين لفظاً ومعنى، في هذه السورة يعني الصف، وأن قوله: فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ثابت في الدين معنى، فإن من التزم شيئاً لزمه شرعاً، ومثل القرطبي لذلك بالنذر والوعد، ثم ذكر أن الوعد المعلق مثل قولك لشخص: إن تزوجت أعنتك بكذا فيجب الوفاء به وأن غيره لا يلزمه، وفي المسألة خلاف بين العلماء، يرجع إليه في الفتوى رقم: 12729، والفتوى رقم: 44575.
ومعنى قوله: فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة أن من الزم نفسه بشيء تكتب شهادة منه عليه بذلك وسيسأل عنه يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1425(3/992)
المقصود بالليالي ذوات العدد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الليالي ذوات العدد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مقصود السائل الاستفسار عن ما ورد في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء.. الحديث.
فالليالي ذوات العدد هي المدد التي كان يقضيها النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء ثم يرجع إلى أهله، وأبهم العدد لاختلافه. قال ابن حجر في فتح الباري: الليالي ذوات العدد قال الكرماني: يحتمل الكثرة، إذ الكثير يحتاج إلى العدد وهو المناسب للمقام، قلت: أما كونه المناسب فمسلم، وأما الأول فلا لأن عادتهم جرت في الكثير أن يوزن، وفي القليل أن يعد، وقد جزم الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة بأن المراد به الكثرة، لأن العدد على قسمين، فإذا أطلق أريد به مجموع القلة والكثرة، فكأنها قالت: ليالي كثيرة، أي مجموع قسمي العدد. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(3/993)
شرح حديث \" نهى عن تلقي السلع حتى تبلغ الأسواق \"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث: لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق.، وفي رواية عنه: نهى عن تلقي البيوع.، وعن أبي هريرة: نهى أن يتلقى الجلب.
وفي رواية: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار.
قال النووي رحمه الله: وفي هذه الأحاديث تحريم تلقى الجلب وهو مذهب الشافعي ومالك والجمهور، وقال أبو حنيفة والأوزاعي يجوز التلقي إذا لم يضر بالناس فإن أضر كره، والصحيح الأول للنهي الصريح، قال أصحابنا وشرط التحريم أن يعلم النهي عن التلقي ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل فاشترى منه ففي تحريمه وجهان لأصحابنا وقولان لأصحاب مالك أصحهما عند أصحابنا التحريم لوجود المعنى ولو تلقاهم وباعهم ففي تحريمه وجهان وإذا حكمنا بالتحريم فاشترى صح العقد، قال العلماء وسبب التحريم إزالة الضرر عن الجالب وصيانته ممن يخدعه، قال الإمام أبو عبد الله المازري: فإن قيل المنع من بيع الحاضر للبادي سببه الرفق بأهل البلد واحتمل فيه غبن البادي والمنع من التلقي أن لا يغبن البادي، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار. فالجواب: أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل إلى مصلحة الناس والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد لا للواحد على الواحد فلما كان البادئ إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق واشتروا رخيصا فانتفع به جميع سكان البلد نظر الشرع لأهل البلد على البادى ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصة وهو واحد في قبالة واحد لم يكن في إباحة التلقي مصلحة لا سيما وينضاف إلى ذلك علة ثانية وهي لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص وقطع المواد عنهم وهم أكثر من المتلقي فنظر الشرع لهم عليه فلا تناقض بين المسألتين بل هما متفقتان في الحكمة والمصلحة. والله أعلم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار سواء أخبر المتلقي بالسعر كاذباً أم لم يخبر وإن كان الشراء بسعر البلد أو أكثر فوجهان الأصح لا خيار له لعدم الغبن، والثاني: ثبوته لإطلاق الحديث. انتهى.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1425(3/994)
الجمع بين النصوص الواردة حول تصرف المرأة في مالها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن أن نوفق بين الحديث الصحيح المذكور في الفتوى رقم 47206 والفتوى رقم 9116 فإن كان الحديث صحيحا والحديث الآخر في الفتوى الأخرى صحيح فهل أحدهما ناسخ للآخر أم للأول حدود معينة نرجو منكم الإفادة مع شرح الحديث الأول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسائل يشير إلى حديث: ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها، رواه الطبراني عن وائلة، وحديث: تنكح المرأة لمالها. متفق عليه.
وهناك حديث بمعنى الحديث الأول وهو ما رواه أبو داود مرفوعاً: لا يجوز لامرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها. وهناك أحاديث تعضد الحديث الآخر، ومنها تبرع النساء بأموالهن عندما حثهن النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة وهو في البخاري ومسلم، وفي الجمع بين هذه الأحاديث يقال: إن الأحاديث الناهية للمرأة عن التصرف في مالها إلا بإذن زوجها أحاديث ضعيفة.
وعلى فرض صلاحيتها للاحتجاج فإن المراد بها الاستحباب لا الوجوب.
وعلى فرض أن المراد بها الوجوب فهي معارضة بما هو أقوى سنداً منها، وأكثر عدداً، فتقدم عليها، لكن الجمع بين الدليلين أولى من إهمال أحدهما، فالأولى أن يقال على فرض الصحة إن ذلك من باب الاستحباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1425(3/995)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم \"الرجل يفضي إلى امرأته\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله (ص) أن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى أمراة وتفضي اليه ثم ينشر سرها ... رواه مسلم
السؤال: ما معنى يفضي في هذا الحديث]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها. قال النووي في شرحه لهذا الحديث: فيه تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه.
ومعنى يفضي الوارد في الحديث مباشرة الزوجة ومجامعتها، قال في المصباح: أفضى الرجل بيده إلى الأرض مسها ببطن راحته وأفضى إلى امرأته باشرها وجامعها. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(3/996)
الكبائر السبع هن الموبقات السبع
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويخرج الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت ويجتنب الكبائر السبع إلا وقيل له يوم القيامة ادخل الجنة بسلام، ما هي الكبائر السبع بارك الله فيكم وجعلكم الله عونا للإسلام والمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكبائر السبع هي الموبقات السبع المذكورة في حديث الصحيحين كما يفيده كلام ابن حجر في الفتح ويدل له ما في رواية النسائي في السنن الكبرى: ويجتنب الموبقات السبع.
ونص حديث الصحيحين: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
هذا وننبه إلى أن نص الحديث كما في رواية النسائي وغيره: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة فقيل له ادخل بسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(3/997)
معنى \"..آمن روعاتنا\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أود سؤال حضرتكم عن معنى اللهم آمن روعاتنا، ما هي الروعات.
... ... ... ... ... ... ... وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء المذكور مروي ضمن حديث في مسند أحمد وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله: هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: نعم، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا. قال: فضرب الله عز وجل وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله عز وجل بالريح. رواه أحمد، وضعف الأرناؤوط إسناده، وضعفه الألباني في السلسلة، وفي ضعيف الجامع برقم: 4118، ومثل هذا الحديث يُعمل به، لأنه من فضائل الأعمال، ولأن ضعفه غير شديد، ومعنى آمن روعاتنا، قال ابن الأثير في النهاية: هي جمع روعة، وهي المرة الواحدة من الروع: الفزع. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(3/998)
شرح حديث \"من قال سبحان الله بحمده في يوم مائة مرة\"
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على ما تقومون به
السؤال:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه:
من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر
هل تقال مرة في النهار ومرة في الليل أي مائتا مرة؟
وهل من قالها في يوم تغفر ذنوبه أم أكررها كل يوم حتى الوفاة؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كان مثل زبد البحر. وظاهر الحديث أنها تقال مرة واحدة في اليوم أي مائة لا مائتين، قال الأحوذي: من قال سبحان الله وبحمده أي في يوم كما في رواية الشيخين مائة مرة، قال الطيبي: سواء كانت متفرقة أو مجتمعة، في مجلس أو مجالس، في أول النهار أو آخره، إلا أن الأولى جمعها في أول النهار. اهـ.
ومن قالها في يوم فإن الذي يظهر من الحديث أنه يحصل على الأجر المذكور، لكن رواه البغوي بلفظ: كل يوم. وفي بعض الروايات ليس هناك ذكر "كل يوم" ولا "في يوم" والأفضل هو تكرارها كل يوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(3/999)
معنى \"أعطيت جوامع الكلم\"
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الرسول أعطي جوامع الكلم، ما المقصود بجوامع الكلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جوامع الكلم ذكر ابن حجر أنه يراد بها القرآن، فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك، وقال المناوي في فيض القدير: أعطيت جوامع الكلم أي ملكة أقتدر بها على إيجاز اللفظ مع سعة المعنى بنظم لطيف لا تعقيد فيه يعثر الفكر في طلبه ولا التواء يحار الذهن في فهمه، وقيل: أراد القرآن. وقيل: أراد أن الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الأمور المتقدمة جمعت له في الأمر الواحد والأمرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(3/1000)
درجة حديث (ليس للمرأة أن تنتهك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة الحديث الآتي ليس للمرأة أن تنتهك شيئا من مالها إلا بإذن زوجها قال عنه الألباني في الصحيح (775) من طريقه عنبسة بن سعيد عن حماد مولى بني أمية عن جناح مولى الوليد عن واثلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال إن إسناده ضعيف لكن للحديث شواهد تدل على أنه ثابت.
أرجو من الله أن تتحقق من هذا الحديث والكلام كله في الوجيز لبدوي عبد العظيم باب النكاح.
إن كان صحيحاً ما هي مدى ولاية الزوجة على مالها من حيث الإنفاق والتصدق والتجارة؟
وإن لم يأذن وكان في الإنفاق مصلحة للمراة ماذا تفعل؟
وما معنى الحديث إذا كان صحيحاً ومعنى تنتهك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الطبراني عن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه جماعة لم أعرفهم، وقال في موضع آخر: فيه جناح مولى الوليد وهو ضعيف. ا. هـ
والحديث قد صححه الألباني كما ذكر السائل في صحيح الجامع والسلسلة الصحيحة.
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، وقد تقدم الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 1693، والفتوى رقم: 9116، وأما عن معنى كملة تنتهك فقال المناوي في فيض القدير: أي تضيع، يقال: انتهك الرجل الحرمة تناولها ما لا يحل. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(3/1001)
معنى \"فيأتيه ملكان فيجلسانه\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث: يأتيه ملكان ويجلسانه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا حديث البراء والذي فيه: " فيأتيه ملكان فيجلسانه " في الفتوى رقم: 4276، والفتوى رقم: 4314.
قال الإمام المناوي في شرحه: فيقعدانه حقيقة، بأن يوسع اللحد حتى يجلس فيه، زاد في رواية: فتعاد روحه في جسده ... وقيل: وجزم به القاضي، والمراد بالإقعاد التنبيه والإيقاظ عما هو عليه بإعادة الروح فيه ... والظاهر أن لفظ الرسول "فيجلسانه" وبعض الرواة أبدله بيقعدانه، فإن الفصحاء يستعملون الإقعاد إذا كان من قيام والإجلاس إذا كان من اضطجاع. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(3/1002)
معنى لعن الله الواشمات والمتنمصات..
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اللعنة تكون إلى آخر العمر في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام \"لعن الله النامصة والمتنمصة..إلخ\"
أرجو التوضيح في كل ما يتعلق بالمسألة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلفظ الحديث كما في صحيح مسلم:
لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله.
واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: اللعنة هي الطرد والإبعاد، ولعن الكافر إبعاده عن الرحمة كل الإبعاد، ولعن الفاسق إبعاده عن رحمة تخص المطيعين. انتهى.
ثم إن اللعن من الله تعالى سببه الاتصاف ببعض تلك المعاصي المذكورة في الحديث، فإذا تاب العاصي توبة صادقة فإن الله تعالى يتوب عليه.
وبالتالي يرتفع اللعن بارتفاع سببه وهو المعصية.
ومن الأدلة على قبول التوبة الصادقة قوله تعالى بعد ذكر بعض الكبائر من الشرك بالله تعالى والزنى وغيرهما: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان:70) ، وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الشيخ الألباني.
وراجعي الفتوى رقم: 32444.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(3/1003)
تأويل حديث \"..القاتل والمقتول في النار..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أطالع كثيراً وأجد خلافاً ولا أحب أن أسأل عنه سوى أهل العلم، وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه (ما التقى مسلمين بسيفيهما إلا ودخلا النار القاتل والمقتول) فماذا عن موقعة الجمل وأنا أعلم أنهما اجتهدا وعلي كرم الله وجهة أصاب وله أجران وغيره أخطأ وله أجر واحد، وكلهم صحابة أنا أشتاق لرؤيتهم وأحبهم جميعاً وليس لي في أحدهم أي شك أنهم مسلمون مبشرون بالجنة فأين الرابط حينما التقوا بسيوفهم؟ وجزاكم الله خيراً، إن كان هناك توضيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين علماء السنة المراد بهذا الحديث ونحوه، ومن ذلك ما قاله الإمام النووي في شرح مسلم إذ قال: وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له ويكون قتالهما عصبية ونحوها، ثم كونه في النار معناه مستحق لها وقد يجازى بذلك وقد يعفو الله تعالى عنه، هذا مذهب أهل الحق وقد سبق تأويله مرات، وعلى هذا يتأول كل ما جاء من نظائره. واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا؛ بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ لأنه لاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى أن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا ولم يتيقنوا الصواب ثم تأخروا عن مساعدته منهم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(3/1004)
شرح حديث \"ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ \"
[السُّؤَالُ]
ـ[استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن، وماذا فتح من الخزائن أيقظوا صواحبات الحجر فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، ما معنى هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور صحيح رواه مالك في الموطأ والبخاري في الصحيح واللفظ له، ومعناه -والله أعلم- أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة من الليالي التي كان فيها مع زوجته أم سلمة رضي الله عنها وهي التي روت الحديث فقال متعجباً: مما رأى -أو مما أوحى الله تعالى به إليه (سبحان الله) وما أكثر ما نزل في هذه الليلة من الفتن.... وما أكثر ما فتح فيها من خزائن رحمة الله تعالى على عباده، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها بإيقاظ صواحب الحجر (زوجاته الأخريات) لقربهن منه صلى الله عليه وسلم حسا ومعنى، وحتى لا يتغافلن عن العبادة ويعتمدن على كونهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى يتجنبن ما نزل من الفتن ... ويتعرضن لما فتح من رحمة الله تعالى ... ثم قال صلى الله عليه وسلم فرب كاسية في الدنيا أي فكم من امرأة كانت كاسية منعمة في الدنيا وهي في الآخرة عارية من ذلك كله، حين يكسى غيرها من أهل الصلاح.
قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث جواز قول سبحان الله عند التعجب، وندبية ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ، وإيقاظ الرجل أهله بالليل للعبادة لا سيما عند آية تحدث ... وفيه استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر كما قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلي، وفيه التسبيح عند رؤية الأشياء المهولة، وفيه تحذير العالم من يأخذ عنه من كل شيء يتوقع حصوله، والإرشاد إلى ما يدفع ذلك المحذور.
الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(3/1005)
معنى \"لم ير للمتحابين مثل النكاح\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله وعلية وسلم (ما رأيت للمتحابين خيرا من النكاح)
أنا لا أفهم هذا الحديث أريد شرحا مبسطا
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث رواه ابن ماجه وصححه الألباني بلفظ " لم ير للمتحابين مثل النكاح " ورواه البيهقي بلفظ: " ما رأيت للمتحابين مثل النكاح " ومعنى الحديث أن الرجل إذا نظر إلى المرأة وأحبها، فعلاج ذلك الزواج بها، قال المناوي في "فيض القدير" بعد ذكره لهذا الحديث: إذا نظر رجل لأجنبية وأخذت بمجامع قلبه فنكاحها يورثه مزيد المحبة، كذا ذكر الطيبي، وأفصح منه قول بعض الأكابر المراد أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح، فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلا. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(3/1006)
معنى \"خيركم خيركم لأهله..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، وفي هذا الحديث دليل عظيم على محاسن الإسلام التي جاء بها، ومن جملتها أنه جعل الإحسان إلى الزوجة والعيال من أفضل الأعمال والقربات، وفاعله من خيرة الناس، قال صاحب تحفة الأحوذي في شرحه لهذا الحديث: قوله: خيركم خيركم لأهله: أي لعياله، وذوي رحمه، وقيل لأزواجه وأقاربه، وذلك لدلالته على حسن الخلق، " وأنا خيركم لأهلي " فأنا خيركم مطلقا، وكان أحسن الناس عشرة لهم، وكان على خلق عظيم.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(3/1007)
الخوارج لا ترتفع تلاوتهم إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... يخرج الناس من قبل المشرق ويقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم ...
من المقصود بهدا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بهذا الحديث هم الخوارج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في حق ذي الخويصرة اليماني عندما اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم للغنائم فقال عمر: دعني أضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ... الحديث. أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري.
قال ابن حجر رحمه الله: وقوله لا يجاوز يحتمل أنه لكونه لا تفقهه قلوبهم، ويحملونه على غير المراد به، ويحتمل أن يكون المراد أن تلاوتهم لا ترتفع إلى الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(3/1008)
العبرة بالخواتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[وكدلك الحديث رقم6493صحيح البخاري
... إن العبد ليعمل العمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلمعرفة المقصود من هذا الحديث نحيلك إلى الفتوى رقم: 4001، ففيها الإجابة عن هذا السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(3/1009)
الشقي والسعيد باعتبار ما يختم لهما
[السُّؤَالُ]
ـ[-كتاب القدر-صحيح البخاري-
6594 ... يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع برزقه وبأجله وشقي أو سعيد ...
ما المقصود هنا بالسعادة أو الشقاء في الدنيا أو الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشقاء ضد السعادة، والسعادة خلاف الشقاوة، ذكره ابن منظور، والشقاوة هي سوء الحالة وشرها، وما ينافر طبع المتصف بها.
والسعادة هي الأحوال الحسنة الخيرة الملائمة للمتصف بها. قاله ابن عاشور.
قال ابن حجر في الفتح قوله: شقي أو سعيد، أن الملك يكتب إحدى الكلمتين كأن يكتب -مثلاً- أجل هذا الجنين كذا، ورزقه كذا وعمله كذا، وهي شقي باعتبار ما يختم له، وسعيد باعتبار ما يختم له، كما دل عليه بقية الخبر. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(3/1010)
يطلقون العظام ويريدون البدن كله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) وبين الحديث الذي جاء في مستدرك الحاكم بسند حسن (إن يوسف لما حضره الموت؛ أخذ علينا موثقا من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا. قال: فمن يعلم موضع قبره....) الحديث, فإن ظاهره أن جسده قد بلي, أفيدونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإشكال المذكور قد أجاب عنه الشيخ الألباني في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة حيث قال عند ذكر الحديث الثاني: فائدة: كنت استشكلت قديماً قوله في هذا الحديث عظام يوسف لأنه يتعارض بظاهره مع الحديث الصحيح إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. حتى وقفت على حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بَدَّنَ قال له تميم الداري: ألا تتخذ منبراً يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك، قال: بلى، فاتخذ له منبراً مرقاتين. أخرجه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم.
فعلمتُ منه أنهم كانوا يطلقون العظام ويريدون البدن كله، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل كقوله تعالى: وقرءان الفجر، أي صلاة الفجر، فزال الإشكال والحمد لله، فكتبتُ هذا لبيانه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1425(3/1011)
شرح حديث فتح القسطنطينية
[السُّؤَالُ]
ـ[مامدى صحة هذا الحديث: ستفتح روميا بالتهليل والتكبير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها، قال ثور: لا أعلمه إلا قال الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم فيدخلوا فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون.
وهذه المدينة هي قسطنطينية، وتعرف الآن باسطنبول أو استنبول من مدن تركيا، وكانت تعرف قديما باسم بيزنطة، ثم لما ملك قسطنطين الأكبر ملك الروم بنى عليها سوراً وسماها قسطنطينية وجعلها عاصمة ملكه، ولها خليج من جهة البحر يطيف بها من وجهين مما يلي الشرق والشمال، وجانباها الغربي والجنوبي في البر، كما في معجم البلدان لياقوت الحموي.
وفتح القسطنطينية بالقتال قد وقع على يد السلطان محمد الفاتح، وأما فتحها بدون قتال فلم يقع بعد، قال الشيخ أحمد شاكر: فتح القسطنطينية المبشر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله عز وجل، وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه، وأما فتح الترك الذي كان قبل عصرنا هذا فإنه كان تمهيداً للفتح الأعظم، ثم هي خرجت بعد ذلك من أيدي المسلمين منذ أعلنت حكومتهم هناك أنها غير إسلامية وغير دينية، وعاهدت الكفار أعداء الإسلام، وحكمت أمتها بأحكام القوانين الوثنية الكافرة، وسيعود الفتح الإسلامي لها إن شاء الله كما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(3/1012)
شرح حديث \"أيما امرأة سألت زوجها طلاقا\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلي الله عليه وسلم، أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فقد حرم الله عليها الجنة صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما معنى حرم عليها؟
وما هو البأس الذي يجوز للمرأة طلب الطلاق من أجله؟
وما يجب أن تطلب الطلاق به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان وحسنه الترمذي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة.
ومعنى حرام عليها رائحة الجنة تقدم الكلام عنه في الفتوى رقم: 40543.
وأما البأس: فيقول الأحوذي في شرحه على الترمذي: (من غير بأس) أي من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة. اهـ
ومن أمثلة هذا البأس: سوء العشرة، وكرهها له بحيث لا تطيق العيش معه، والإضرار بها من حيث الوطء ونحو ذلك.
وأما ما يجب أن تطلب الطلاق به فأمور ومنها:
-أن يأمرها بالمعاصي والذنوب ويلزمها بطاعته في ذلك.
-أن يكون الرجل زانياً ونحو ذلك.
ولمزيد فائدة راجع الفتاوى التالية: 14779 / 26915 / 1114.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(3/1013)
\"من صلى لله أربعين يوما..\" يشمل الإمام والمأموم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإمام يأخذ أجر حضور الأربعين يوماً عند تكبيرة الإحرام..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإمام يحصل على الأجر والفضيلة المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان، براءة من النار وبراءة من النفاق. رواه الترمذي في سننه، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: 1979. لأن الحديث عام، وكلمة (من) اسم موصول من صيغ العموم، فيشمل الإمام والمأموم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(3/1014)
حول حقيقة المسافة بين السماء والأرض المذكورة في الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب أن اطرح على سيادتكم سؤالا يشغلني
في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون كم ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة
والآن وفي عصرنا هذا يقول علماء الفلك أن الجزء المدرك من الكون يبلغ مسافة 36ألف سنة ضوئية الضوء يقطع مسافة 300ألف كيلو في الثانية الواحدة والذي فهمته إن كل هذا في السماء الدنيا
وأن المسافة التي اكتشفها العلماء من الجزء المدرك يفوق بكثير جدا ما ذكر في الحديث
فما تعليق سيادتكم على هذا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر من السنوات في الحديث قد يكون بحساب الله تعالى، واليوم عنده غير اليوم عندنا، فقد يكون ألف سنة مثلا.
قال تعالى: [وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ] (الحج: 47) . وعليه، فلا إشكال، وانظر الفتوى رقم: 22344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1425(3/1015)
لا تعارض بين حديث \"صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة\" و \"إذا مرض العبد أو سافر كتب..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين حديثين وهما أن القاعد له نصف أجر القائم كما في الحديث. وأما المعارض لهذا هو أن الحبيب قال إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحا.. فالحديث الأول وهو أنه مريض وله أجر نصف القائم والحديث الثاني يقول إن المريض له الأجر كمثل ما كان له صحيحا وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديثان المذكوران لا تعارض بينهما، لأن الأول ما أخرجه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة، فأتيته فوجدته يصلي جالسا، فوضعت يدي على رأسي، فقال: ما لك يا عبد الله بن عمرو؟! قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة، وأنت تصلي قاعدا، قال: أجل، ولكني لست كأحد منكم. ومعناه أن الأجر ناقص مع صحتها، لأنه قادر على القيام، وهذا في صلاة النفل، أما في الفريضة، فإنها لا تصح إلا إن أداها قائما، فإن عجز كان قعوده بمثابة القيام. أما الحديث الآخر وهو ما رواه البخاري بلفظ: إذا مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا. ومعناه أن الله سبحانه وتعالى يتفضل على عبده الذي كان يحافظ على طاعته في حال صحته وإقامته بأن يكتب له أجر ما كان يعمله فيهما إذا سافر أو مرض، وبها يتبين لك أن الحديثين لا تعارض بينهما. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1425(3/1016)
شرح حديث \"في أصحابي اثنا عشر منافقا\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرحاً بسيطاً لحديث في صحيح البخاري: يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في صحابتي اثنا عشر منافقاً، ثمانية منهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سلم الخياط، أرجو إيفائي بشرح هذا الحديث وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث ليس في صحيح البخاري بل هو في صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط.. الحديث.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: قوله في أصحابي فمعناه: الذين ينسبون إلى صحبتي، كما قال في الرواية الثانية في أمتي، و (سم الخياط) بفتح السين وضمها وكسرها، والفتح أشهر، وبه قرأ القراء السبعة وهو ثقب الإبرة، ومعناه لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يدخل الجمل في ثقب الإبرة أبداً. ا. هـ
وهؤلاء الاثنا عشر منافقون أرادوا وهموا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في طريق عودته من إحدى الغزوات.
وقد ذكر قصتهم الحافظ ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: يحلفون بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا (التوبة: من الآية74) ، قال بعد أن أورد روايتين عند البيهقي وأحمد، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يمشي الناس في بطن الوادي، وصعد هو وحذيفة وعمار العقبة، فتبعهم هؤلاء النفر الأرذلون وهم متلثمون فأرادوا سلوك العقبة، فأطلع اللهُ على مرادهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأمر حذيفة فرجع إليهم فضرب وجوه رواحلهم ففزعوا ورجعوا مقبوحين وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة وعماراً بأسمائهم، وما كانوا هموا به من الفتك به صلوات الله وسلامه عليه، وأمرهما أن يكتما عليهم. ثم قال ويشهد لهذه القصة بالصحة ما رواه مسلم، وأورد هذا الحديث. انتهى، انظر القصة مفصلة في تفسير ابن كثير: 2/488-489.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(3/1017)
المقصود بتكرمة الشخص
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ قرأت أنه لا يجوز أن نجلس على تكرمة شخص آخر فما معنى تكرمة وما يقاس عليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه رواه مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... ولا يؤمن ّالرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه". قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء التكرمة الفراش ونحوه، مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به. وعلة النهي هي إيذاء صاحب البيت بالجلوس في ما يخصه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(3/1018)
المقصود بالمحدثات
[السُّؤَالُ]
ـ[فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يدَ الله على الجماعة، ومن شذَّ عنهم فمات، فميتته جاهلية.
سؤال؟ ما معنى محدثاتها؟ ولك الشكر المسبق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث من قوله: إن أصدق الحديث ... إلى قوله ... ضلالة. رواه البخاري ومسلم وغيرهما في كتب الحديث، وعبارة: فإن يد الله على الجماعة. صححها الألباني في صحيح الجامع.
وأما عبارة: من شذ عنهم فمات فميتته جاهلية.
فقد جاءت بألفاظ أخرى عند أحمد والطبراني وغيرهما، فعند أحمد: فإنه من خالف الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية. وصححه الأرناؤوط.
وأما عن معنى محدثاتها: فقد قال القرطبي رحمه الله: يعني المحدثات التي ليس في الشريعة أصل يشهد لها بالصحة، وهي المسماة بالبدع.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 2741.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1425(3/1019)
شرح حديث \"إذا تبايعتم بالعينة\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرح حديث \"إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم\"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرح الحديث الإمام المناوي في فيض القدير فقال: إذا تبايعتم بالعينة بكسر العين المهملة وسكون المثناة تحت ونون: وهو أن يبيع سلعة بثمن معلوم لأجل ثم يشتريها منه بأقل ليبقى الكثير في ذمته، وهي مكروهة عند الشافعية، والبيع صحيح، وحرمها غيرهم تمسكاً بظاهر الخبر، سميت عينة لحصول العين أي النقد فيها، (وأخذتم أذناب البقر) كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث، (ورضيتم بالزرع) أي بكونه همتكم ونهمتكم (وتركتم الجهاد) أي غزو أعداء الرحمن ومصارعة الهوى والشيطان، (سلط الله) أي أرسل بقهره وقوته (عليكم ذلاً) بضم الذال المعجمة، وكسرها ضعفاً واستهانة (لا ينزعه) لا يزيله ويكشفه عنكم (حتى ترجعوا إلى دينكم) أي الاشتغال بأمور دينكم، وأظهر ذلك في هذا القالب البديع لمزيد الزجر والتقريع، حيث جعل ذلك بمنزلة الردة والخروج عن الدين، وهذا دليل قوي لمن حرم العينة، ولذلك اختاره بعض الشافعية، وقال أوصانا الشافعي باتباع الحديث إذا صح بخلاف مذهبه.
... رمز المؤلف -أي السيوطي- لحسنه، وفيه أبو عبد الرحمن الخراساني، واسمه إسحاق، عد في الميزان من مناكيره خبر أبي داود هذا ورواه عن ابن عمر باللفظ المذكور أحمد والبزار وأبو يعلى. قال ابن حجر: وسنده ضعيف وله عند أحمد إسناد آخر أمثل من هذا. ا. هـ
وبه يعرف أن اقتصار المصنف على عزوه لأبي داود من سوء التصرف فإنه من طريق أحمد أمثل كما تقرر عن خاتمة الحفاظ، وكان الصواب جمع طرقه فإنها كثيرة عقد لها البيهقي بابا وبين عللها، انتهى كلام المناوي رحمه تعالى.
وفي كلامه رحمه الله تعالى غنية عن الزيادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(3/1020)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم \"فليس مني\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى من الحديث الشريف من رغب عن سنتي فليس مني؟ أمعناه عدم الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه هو جزء من الحديث المتفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:
وقوله: فليس مني: إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى فليس مني: أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فمعنى فليس مني: ليس على ملتي، لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(3/1021)
شرح حديث \"دعاء القنوت\"
[السُّؤَالُ]
ـ[دعاء قنوت الصلاة الفجر
اللهم اهدنا فيمن هديت , وعافنا فيمن عافيت.
وبارك لنا فيما أعطيت , وتولنا فيمن توليت.
وقنا شر ما قضيت , فإنك تقضي ولا يقضى عليك.
وإنه لا يذل من واليت , ولا يعز من عاديت.
تباركت ربنا وتعاليت , ولك الحمد على ما قضيت.
نستغفرك اللهم ونتوب إليك , وصلى الله على سيدنا
محمد النبي الأمي , وعلى آله وصحبه وسلم.
ما معنى هذا الدعاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور ثابت في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ونقتصر على شرحه من كتاب "عون المعبود" شرح سنن أبي داود، حيث قال:
" اللهم اهدني " أي ثبتني على الهداية، أو زدني من أسباب الهداية إلى الوصول لأعلى مراتب النهاية.
" فيمن هديت " أي في جملة من هديتهم أو هديته من الأنبياء والأولياء.
" وعافني فيمن عافيت " أي من أسوأ الأدواء والأخلاق والأهواء.
" وتولني فيمن توليت "، أي تولّ أمري ولا تكلني إلى نفسي في جملة من تفضلت عليهم.
" وبارك " أي أكثر الخير لي أي لمنفعتي. " فيما أعطيت " أي فيما أعطيتني من العمر والمال والعلوم والأموال.
" وقني " أي احفظني، من " شر ما قضيت "، أي ما قدرت لي من قضاء وقدر فسلم لي العقل والدين.
" تقضي " أي تقدر أو تحكم بكل ما أردت، " ولا يقضى عليك " فإنه لا معقب لحكمك ولا يجب عليك شيء.
" إنه " أي الشأن " لا يذل " بفتح فكسر، أي لا يصير ذليلا أي حقيقة ولا عبرة بالصورة.
" من واليت " الموالاة ضد المعاداة.
" ولا يعز من عاديت " هذه الجملة ليست عامة في النسخ، وإنما وجدت في بعضها، نعم روى البيهقي وكذا الطبراني من عدة طرق: ولا يعز من عاديت.
" تباركت " أي تكاثر خيرك في الدارين، " ربنا " بالنصب، أي يا ربنا.
" وتعاليت "، أي ارتفعت عظمتك وظهر قهرك وقدرتك على من في الكونين. انتهى.
وقد شرح المباركفوري في تحفة الأحوذي عبارة " ولا يعز من عاديت " بقوله: أي لا يعز في الآخرة أو مطلقا، وإن أعطي من نعيم الدنيا وملكها ما أعطي لكونه لم يمتثل أوامرك ولم يجتنب نواهيك. انتهى.
وقد انتهت هنا الرواية الثابتة في السنن والمسند، فليس فيها: " ولك الحمد على ما قضيت": إلى آخر ما كتبت.
ومعنى " لك الحمد على ما قضيت "، أي لك الحمد والثناء يا ربنا على كل قضاء قضيته فينا فإنا نرضى به ونحمدك عليه.
ومعنى نستغفرك اللهم ونتوب إليك: نطلب منك أن تغفر ذنوبنا ونعلن توبتنا إليك ورجوعنا إلى أمرك.
ثم إن معنى الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المزيد من الرحمة له من الله تعالى، وكذلك السلام، فإنه طلب المزيد من الأمان.
وآل النبي صلى الله عليه وسلم هم المؤمنون من بني هاشم، وصحبه كل من اجتمع معه مؤمنا به ومات على ذلك.
والله أعلم. ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(3/1022)
شرح حديث \"..عريانا يجر ثوبه..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد دخلت إحدى المنتديات للحوار الإسلامي - المسيحي, ووجدت في إحدى المشاركات الحديث الآتي:
\"النبي صلوات الله عليه وسلامه يستقبل زائريه وهو عريان:
حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد المدني حدثني أبي يحيى بن محمد عن محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله عريانا يجر ثوبه، والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فأعتنقه وقبله.
راجع: سنن الترمذي كتاب الاستئذان باب ما في المعانقة والقبلة 295.
هل في كشف العورة ذرة من الشرف والأخلاق؟. وهل استقبال النبي لزيد بن حارثة وهو عريان فيه ما يدل على العفة والأدب؟ هل هنالك إباحية أكثر من ذلك؟؟ سؤال حاول أن تجيب عليه لنفسك وليس لنا!!! \"
ما ذكر سالفا ليس كلامي ولكنها بعض الأسئله التي كانت في المشاركة.
صدمتني هذه الأسئله ولا أدري كيف أرد. علما بأني بحثت فوجدت هذا الحديث مصنفا كحسن غريب.
فأدركني بالجواب الشافي نظرا للضرر الحاصل من مثل هذه التعليقات جزاكم الله.
والله المعين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على سؤالك ننصحك بأن لا تدخل إلى المنتديات التي يمكن أن يُنال فيها من الدين الإسلامي إلا وعندك من سلاح العلم ما يمكنك أن تدافع به أباطيل أولئك الذين همهم الوحيد هو التصيد لوجود ثغرة في تعاليم الإسلام وأخلاقه.
واعلم أن الحديث الذي ذكرت ليس في رتبة الصحيح ولا الحسن، لأن في سند الترمذي راويه إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد المدني، وهو لين الحديث، وقد أخذه عن يحيى بن محمد وهو ضعيف، وكان ضريراً يتلقن، وقد أخذ هذا عن محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس، ورمي بالتشيع والقدر، فالحديث ضعيف كما تبين.
ثم على تقدير صحته فالذي جاء في شرحه، كما في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: ... فقام إليه أي متوجهاً إليه عرياناً يجر ثوبه، أي رداءه من كمال فرحه بقدومه ومأتاه، قال في المفاتيح: تريد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان ساتراً ما بين سرته وركبته، ولكن سقط رداؤه عن عاتقه فكان ما فوق سرته عرياناً. اهـ
وكيف يعقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون عارياً تماماً من الثياب مع ما امتلأت به كتب السنة من حضه على ستر العورة وكمال العفة والأخلاق الفاضلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(3/1023)
شرح حديث \"فمن رغب عن سنتي\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث الشريف من رغب عن سنتي فليس مني، هل معناه عدم الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه جزء من حديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند شرحه لهذا الحديث: قوله: فمن رغب عن سنتي، المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد مَنْ ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني..... إلى أن قال: وقوله فليس مني: إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى ليس مني أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضاً وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فليس مني ليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر. انتهى.
وعليه فمعنى ليس مني لا يحمل على عدم الإسلام إلا إذا كان إعراضاً عن سنته صلى الله عليه وسلم واعتقاداً أن عمل الشخص أفضل منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(3/1024)
معنى \"ذي طمرين\"
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول ((رب أشعت أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره)) .
أولا ً. ما معنى قوله {ذي طمرين لا يؤبه له} .
ثانيا ً. هل هذا الحديث صحيح ومن رواه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلفظ الحديث رواه الترمذي في سننه وهو: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك، قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن من هذا الوجه، قال الشيخ الألباني: صحيح.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: ذي طمرين بكسر فسكون، أي صاحب ثوبين خلقين، لا يُوْبَهُ به بضم الياء وسكون واو، وقد يهمز، وفتح موحدة وبهاء، أي لا يُبالَى به، ولا يُلتفت إليه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(3/1025)
وجه بناء الفعل للمجهول في حديث \"وغذي بالحرام\"
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا كان الفعل مبنيا للمجهول في الحديث (وغذي بالحرام....) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت هذه اللفظة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم والترمذي وفيه:..... ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وُغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك.، ومعنى غُذي بالحرام: أنه رُبي به.
ووجه بناء الفعل للمجهول هو ما إشار إليه صاحب تحفة الأحوذي نقلا عن الأشرف: ذكر قوله "وغذي بالحرام" بعد قوله ومطعمه حرام، إما لأنه لا يلزم من كون المطعم حراماً التغذية به، وإما تنبيها به على استواء حاليه، أعني كونه منفقاً في حال كبره ومنفقاً عليه في حال صغره في وصول الحرام إلى بطنه، فأشار بقوله مطعمه حرام إلى حال كبره وبقوله وغذي بالحرام إلى حال صغره. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(3/1026)
\"يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا..\" صنف أم عدد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة الحديث في المعنى رأيت من أمتي سبعين ألفا يدخلون الجنة من دون حساب ولا عذاب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون السؤال هل هم من يذهبون لدى المشايخ للرقية وهل يشمل الحديث الكي الذي بالآلات الكهربائية؟ وأيضا هل هم سبعون ألف عدد أم صنف ويوجد لدي جرعا الآن وقرر الأطباء الكي وهل أحرم من السبعين ألفا وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبخصوص معنى الحديث والتوفيق بينه وبين الأخذ بالأسباب، فراجع فيه الفتوى رقم: 9468.
أما كون الكي بالكهرباء يدخل ضمن الكي بالنار، فهذا هو المتبادر من واقع الحال.
أما فيما يتعلق بالسبعين ألفا المذكورين في الحديث هل هم صنف أم عدد؟ فهو محل اختلاف بين أهل العلم، والذي رجحه ابن حجر في الفتح أنهم عدد وليسوا صنفا، حيث قال: قلت: والظاهر أن العدد المذكور على ظاهره.
وقد ورد في بعض الأحاديث بمضاعفة هذا العدد وزيادته تفضلا من الكريم المتعال، ففي الترمذي وحسنه والطبراني وابن حبان عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا، وثلاث حثيات من حثياته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1425(3/1027)
حديث \"شيطان يتبع شيطانة\" وشرحه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تربية الحمام لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلاً يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانة أو كما قال صلى الله عليه وسلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانة. وقد صحح الحديث الألباني وغيره، قال صاحب عون المعبود: إنما سماه شيطاناً لمباعدته عن الحق واشتغاله بما لا يعنيه، وسماها شيطانة لأنها أورثته الغفلة عن ذكر الله، قال النووي: اتخاذ الحمام للفرخ والبيض أو الأنس أو حمل الكتب جائز بلا كراهة، وأما اللعب بها للتطير فالصحيح أنه مكروه، فإن انضم إليه قمار ونحوه ردت الشهادة، كذا في المرقاة. ا. هـ
وراجع الفتوى رقم: 24673.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1425(3/1028)
معنى \"لا يأكل طعامك إلا تقي\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى لا يأكل طعامك إلا تقي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فروى أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي.
قال صاحب "عون المعبود": قوله "لا يأكل طعامك إلا تقي" أي متورع، قال الخطابي: إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة، وذلك أن الله سبحانه قال: [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (الإنسان:8) .
ومعلوم أن أسراهم أي الصحابة عند نزول الآية كانوا كفارا غير مؤمنين ولا أتقياء، وإنما حذر عليه السلام من صحبة من ليس بتقي، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، فإن المطاعم توقع الألفة والمودة في القلوب. اهـ.
وفي "فيض القدير" للمناوي قال في معرض مشروعية الضيافة وأنها تشمل الغني والفقير والمسلم والكافر والبر والفاجر: وأما خبر: لا يأكل طعامك إلا تقي، فالمراد غير الضيافة مما هو أعلى في الإكرام من مؤاكلتك معه، وإتحافك إياه بالطرف واللطف. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1425(3/1029)
معنى (علم ينتفع به)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له\"، وسؤالي إخوتي: إنني أريد أن أعرف كيف يكون العمل في مجال (علم ينتفع به) ، وهل يعني أنه يجب أن أدرس شيئاً، أو ما هو المقصد بالضبط؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلم الذي ينتفع به الإنسان بعد وفاته هو ما خلفه في كتبه أو علمه لغيره، واستفاد الناس من ذلك الكتاب أو التلاميذ الذين علموا هذا العلم لغيرهم، والناس في هذا بين مقل ومستكثر، وكل يعطى من الأجر على قدر ما خلف وراءه من العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1425(3/1030)
على الرجال أن يتخيروا لنطفهم
[السُّؤَالُ]
ـ[شكرا لكم لإعطائنا هذه الفرصة للسؤال لأننا نود أن نطرح عليكم هذه المسألة والله المستعان ونص السؤال كالتالي: هل هذا الحديث صحيح أم لبس صحيحا؟
اختاروا لأولادكم أخوالا
وشكرا لكم لإعطائنا الفرصة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على حديث بهذا اللفظ المذكور، لكن توجد أحاديث في معناه، منها ما أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم.
قال شارحه شمس الحق: تخيروا لنطفكم: أي من النساء ذوات الدين والصلاح وذوات النسب الشريف، لئلا تكون المرأة من أولاد الزنا فإن هذه تتعدى إلى أولادها. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1425(3/1031)
شرح حديث \" إن الله قرض فرائض فلا تضيعوها \"
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث لرسول الله_صلى الله عليه وسلم_يقول:\"إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها\"،أرجو شرح هذا الحديث، وماذا يقصد رسول الله_صلى الله عليه وسلم_بالأشياء التي لا نبحث عنها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الطبراني والدارقطني وغيرهما عن أبي ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها.
-ومعنى الفرائض الواجبات فلا يجوز أن تُضيع.
-ومعنى حرم أشياء فلا تقربوها واضح.
-ومعنى حد حدوداً هي كما ذكره الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم:الواجبات والمستحبات والمباحات، فلا تعتدوها أي فلا تتجاوزها إلى الحرام.
-ومعنى وسكت عن أشياء هي ما لم يرد فيها الشرع بحكم (فلا تبحثوا عنها) قال الحافظ ابن رجب: يحتمل اختصاص هذا النهي بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن كثرة البحث والسؤال عما لم يذكر قد تكون سبباً لنزول التشديد فيه بإيجاب أو تحريم.. ويحتمل أن يكون النهي عاماً ... فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات قد يوجب اعتقاد تحريمه أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات، فقبول العافية فيه، وترك البحث والسؤال عنه خير ... والتحقيق في هذا المقام أن البحث عما لم يوجد فيه نص خاص أو عام على قسمين:
أحدهما: أن يبحث عن دخوله في دلالات النصوص الصحيحة من الفحوى والمفهوم والقياس الظاهر الصحيح فهذا حق.
والثاني أن يدقق الناظر نظره وفكره في وجوه الفروق المستبعدة، فيفرق بين متماثلين بمجرد فرق لا يظهر له أثر في الشرع ... فهذا النظر والبحث غير مرضي ولا محمود..
ومما يدخل في النهي عن التعمق فيه والبحث عنه: أمور الغيب الخبرية التي أمر بالإيمان بها، ولم يبين كيفيتها. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1425(3/1032)
معنى حديث \"..فلا يغمس يده في الإناء..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله.. وبعد يا شيخ.. عند القول بالنهي عن وضع اليد في الإناء إلا بغسلها هل هو إناء فيه ماء أم أي إناء؟ وما تعريف الإناء؟ وكيف كان الصحابة يرمون الماء على رؤوسهمم عند الوضوء أو الاغتسال؟ ومن أين يأتون بالماء ليشربوا؟ وهل كان عندهم صنابير؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده. والمراد بالإناء هنا: الماء الذي أعد للوضوء في القدح كما يفسر ذلك رواية النسائي عن أبي هريرة وفيها:.... فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثاً ... الحديث. قال السيوطي عند شرحه للحديث: والأحسن أن يفسر بالماء لأن الوضوء بفتح الواو اسم للماء. انتهى، وقد حمل الجمهور هذا النهي على التنزيه وليس على التحريم، قال صاحب تحفة الأحوذي نقلاً عن النووي في شرح صحيح مسلم: ذكر فيه النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه؛ لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنزيه لا تحريم، فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس. انتهى.
أما الإناء فهو الوعاء وجمعه آنية وهو كل طرف يمكن أن يستوعب غيره.
وأما بشأن مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في الوضوء وغسله له من الجنابة، فقد ورد فيه ما يلي: ففي صفة الوضوء: أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بماء فأفرغ على يديه فغسل مرتين ثم مضمض واستنشق ثلاثاً ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ به منه ثم غسل رجليه. رواه البخاري ومسلم.
وفي الغسل حديث جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرغ على رأسه ثلاثاً. رواه البخاري.
وبرواية هذين الصحابين وغيرهما يتبين لنا مدى حرص الصحابة جميعاً على تتبعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء والغسل.
أما فيما يتعلق بمصادر المياه التي كان أهل المدينة يستقون منها في عهد النبي فهي الآبار المنتشرة في بساتين المدينة، وقد كان من أعذبها ماء بئر لأبي طلحة تسمى بيرحاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب منها كما ثبت ذلك في البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(3/1033)
معنى \"صنفان من أهل النار لم أرهما..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 24 سنة خطيبتي عمرها 19 سنة أحبها وأريدها ولكن هي غير متحجبة محتشمة في لبسها وقعودها وتحاول دائما المثابرة على الصلاة نتكلم دائما بهذا الموضوع لا أعلم ماذا أفعل بهذا الموضوع وهل يترتيب علي إثم اذا رفضت التحجب أو عليها إذا لم تستطع التحجب
*- هل فعلاً أن الله لم يري سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عذاب النساء غير المتحجبات.
... ... ... أشكر لكم اهتمامكم وريعانكم لشباب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 30808 حكم الزواج بغير المتحجبات، وأما هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم صفة عذاب غير المتحجبات أم لا؟ فلم نقف على شيء في هذا، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: صنفان من أهل النار لم أرهما ... نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ... رواه مسلم، فمعناه لم يرهما في زمنه عليه الصلاة والسلام في الدنيا، فليس دليل على أنه لم يرهما ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام، أو أنه لم يرهما في نومه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(3/1034)
شرح حديث \"ولا توعي فيوعي الله عليك\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ألا يوجد حديث باسم الحديث الذي جمع فأوعى إنني قرأته في صحيح مسلم
أرجو التأكد من المعلومة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على حديث بهذا اللفظ في صحيح مسلم ولا في غيره، مما اطلعنا عليه من كتب السنة، ولكن قد ثبت في الصحيحين -صحيح البخاري وصحيح مسلم - من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفقي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك. وقد روى هذا الحديث ابن حبان في صحيحه وترجم عليه بقوله: ذكر الزجر عن أن يوعي المرء بعض ماله إذ الله جل وعلا يوعي على من جمع ماله فأوعى. وقد فسر ذلك الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري بقوله: والمعنى: لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك. انتهى. وقال النووي في شرحه على مسلم: معناه الحث على النفقة في الطاعة والنهي عن الإمساك والبخل، وعن إدخال المال في الوعاء. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1424(3/1035)
معنى "أم الصبيان"
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب الأذكار للإمام النووي رحمه الله أنه يستحب عندما يولد الطفل أن يؤذن له في أذنه اليمنى وتقام له الصلاة في اليسرى، فإن هذا يحفظه من أم الصبيان. فما هو المقصود بأم الصبيان؟ نرجو منكم أن تفيدونا في هذا المجال وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم الأئمة على الحديث المذكور، وحكم التأذين والإقامة في أذني المولود، في الفتوى رقم: 21114
وأما أم الصبيان الواردة في الحديث، فالمشهور أنها التابعة من الجن، وقيل مرض يلحق الصبيان في الصغر، كما في تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(3/1036)
شرح حديث "يا غلام سم الله"
[السُّؤَالُ]
ـ[اشرح قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" رواه الإمام البخاري]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اشتمل هذا الحديث على بعض الآداب التي تتعلق بالأكل والشرب، والتي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة عند ما كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآداب هي:
الأول: التسمية، بأن يقول: "بسم الله" عند ابتداء الأكل أو الشرب.
الثاني: الأكل باليمين، فإن القاعدة استخدام اليمين في كل ما كان من باب التكريم، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله.
الثالث: الأكل مما يليه، أي من الطعام الذي بجانبه، وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 16952.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1424(3/1037)
شرح حديث "الرهن يركب بنفقته.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث الذي أورده البخاري في كتاب الرهن.قال صلى الله عليه وسلم: (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا ... ) ؟ وهل يعني ذلك أن للمرتهن استغلال العين المرهونة إذا كان ينفق عليها، وإذا كان له ذلك فهل يشترط رضى الراهن؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلفظ الحديث في صحيح البخاري كما يلي: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة.
والحديث يفيد أن للراهن استغلال الشيء المرهون عنده مقابل النفقة عليه، حيث ينتفع بركوب الدابة التي تصلح لذلك ويشرب من لبن الدابة الحلوب عوضاً عما صرفه من النفقة.
ومعنى الحديث محل خلاف بين أهل العلم، ولعل الحافظ ابن حجر في الفتح خير من تعرض لجمع كلام أهل العلم هنا ونقتصر من كلامه على ما يلي: وفيه حجة لمن قال يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك. وهو قول أحمد وإسحاق وطائفة قالوا ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث ... إلى أن قال: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها، ويدل على نسخه حديث ابن عمر الماضي في أبواب المظالم: لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه. انتهى.
وقال الشافعي: يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من درها وظهرها فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن. انتهى.
وللوقوف على التفصيل في شرح هذا الحديث يرجى مطالعة كتاب فتح الباري للحافظ ابن حجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(3/1038)
معنى حديث "إذا بلغ الماء قلتين.."
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث ابن عمر رضي الله عنهما:"الماء المستعمل إن بلغ قلتين لا ينجس "صحيح؟ وما معنى بناء على قاعدة الدفع أقوى من الرفع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعن ابن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء. أخرجه ابن ماجه بهذا اللفظ، ورواه الترمذي والنسائي وأبو داود بلفظ: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث. والحديث المذكور صحيح، كما قال الألباني في "السلسلة الصحيحة".
أما بخصوص معنى قاعدة "الدفع أقوى من الرفع"، فهو أن دفع الشيء قبل حصوله أسهل من إلغائه بعد وقوعه.
وقد اندرجت تحت هذه القاعدة فروع كثيرة شملت أبوابا عديدة من الفقه ومسائله كالطهارة والصلاة والصوم والحج والنكاح وغيرها، ومن أمثلتها في الطهارة ما ذكره الزركشي في قواعده بعد أن ذكر القاعدة: وهذا المستعمل إذا بلغ قلتين هل يعود طهورا؟ به وجهان، ولو استعمل القلتين ابتداء لم يصر مستعملا بلا خلاف، والفرق أن الماء إذا استعمل وهو قلتان كان دافعا للاستعمال، وإذا جمع كان رافعا، والدفع أقوى من الرفع. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1424(3/1039)
شرح حديث "ومن مس الحصى فقد لغا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من توضأ وأحسن الوضوء ومشى إلى الجامع ولم يمس الحصى غفر له)
ما تفسيره وخصوصا لم يمس الحصى؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه مسلم في صحيحه بلفظ: من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا. ورواه غيره بألفاظ أخر، والألفاظ متقاربة.
ومعنى الحديث أنه من توضأ فأحسن الوضوء، وأسبغه وأتمه ثم مشى إلى المسجد الجامع ليؤدي فيه صلاة الجمعة، فإذا دخل المسجد لم ينشغل عن سماع الخطبة بشيء كالكلام ومس الحصى ونحو ذلك، غفر الله له ما بين جمعته هذه والجمعة التي قبلها، قال الحافظ في الفتح: المراد بالأخرى: التي مضت، بيّنه الليث عن ابن عجلان في روايته عند ابن خزيمة ولفظه: غفر له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها. اهـ. وزيادة ثلاثة أيام، أي يزاد له مغفرة ثلاثة أيام إضافة إلى السبعة فتصير عشرة، قال في "تحفة الأحوذي": لتكون الحسنة بعشر أمثالها.
أما قوله: ومن مس الحصى فقد لغا، فمعناه كما قال النووي: فيه النهي عن مس الحصى وغيره من العبث في حال الخطبة، المراد باللغو هنا: الباطل المذموم المردود. اهـ.
ولتراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28297، 27990، 13011.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(3/1040)
معنى "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها.."
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث يحكي بمعنى إذا هاجر الشخص لينكح مرأة فهجرته إلى ما هاجر إليه، أرجو توضيح هذا
إذا هاجر الشخص للزواج من امرأة وتوفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي أشرت إليه هو قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه. متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو حديث متفق على صحته، أخرجه الأئمة المشهورون إلا مالكا
وهو يعني أن الأمور تبع لمقاصدها، فالذي يدعي أنه يهاجر إلى الله ورسوله وهو يريد غرضا آخر، فإنه مذموم من حيث كونه يظهر من العبادة خلاف ما يبطن، وأما من هاجر يطلب التزويج، أو يريد الهجرة إلى الله والتزويج معا ولم يبطن من القصد خلاف ما يظهر، فليس في فعله هذا مذمة، قال ابن حجر في "فتح الباري": فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة، فإنه يثاب على قصد الهجرة، لكن دون ثواب من أخلص، وكذا من طلب التزويج فقط، لا على صورة الهجرة لله، لأنه من الأمر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالإعفاف ...
ومن هذا تعرف أن من هاجر للزواج من امرأة ثم توفي فلا مذمة في فعله ذلك، وقد يكون مأجورا عند الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1424(3/1041)
شرح حديث "فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود منكم أن ترسلوا لي كلام الشيخ العلامة المحدث ناصر الدين رحمه عن حديث معاوية بن حديج رضي الله عنه ... ودخل المسجد فأمر بلالا وأقام الصلاة ... " وهو في صحيح سنن النسائي؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث في سنن النسائي عن معاوية بن حديج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة، فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة، فدخل المسجد وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى للناس ركعة، فأخبرت بذلك الناس فقالوا لي: أتعرف الرجل؟ قلت: لا، إلا أن أراه، فمر بي فقلت: هذا هو، قالوا هذا: طلحة بن عبيد الله. قال الشيخ الألباني: صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني أيضاً في صحيح سنن أبي داود، كما جاء الحديث المذكور في مسند الإمام أحمد، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
قال الطحاوي رحمه الله في شرح معاني الآثار: ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة ثم صلى ما كان ترك من صلاته، ولم يكن أمره بلالاً بالأذان والإقامة قاطعاً لصلاته، ولم يكن أيضاً ما كان من بلال من أذانه وإقامته قاطعاً لصلاته، وقد أجمعوا أن فاعلاً لو فعل هذا الآن وهو في الصلاة كان به قاطعاً للصلاة، فدل ذلك أن جميع ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته في حديث معاوية هذا وفي حديث ابن عمر وعمران وأبي هريرة رضي الله عنهم كان والكلام متاح في الصلاة، ثم نسخ بنسخ الكلام فيها، فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بعد ذلك ما ذكره عنه معاوية بن الحكم وأبو هريرة وسهل بن سعد رضي الله عنهم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/1042)
المراد بالقرون الثلاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي القرون الثلاثة الأولى التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية، هل هم الثلاثمائة سنة الأولى أم غير ذلك، وفي زمن من تنتهي هذه القرون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنه قرنين أو ثلاثة.
وقد اختلف العلماء في المراد بالقرن هنا على أقوال ذكرها النووي في شرحه لصحيح مسلم فقال: واختلفوا في المراد بالقرن هنا، فقال المغيرة: قرنه أصحابه، والذين يلونهم أبناؤهم، والثالث أبناء أبنائهم، وقال شهر: قرنه ما بقيت عين رأته، والثاني: ما بقيت عين رأت من رآه، ثم كذلك، وقال غير واحد: القرن كل طبقة مقترنين في وقت، وقيل: هو لأهل مدة بعث فيها نبي طالت مدته أم قصرت، وذكر الحلبي الاختلاف في قدره بالسنين من عشر سنين إلى مائة وعشرين، إلى أن قال رحمه الله تعالى: والصحيح أن قرنه صلى الله عليه وسلم الصحابة، والثاني التابعون، والثالث تابعوهم. انتهى.
وبهذا يتبين للسائل المراد بالقرون والقول الراجح فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(3/1043)
شرح حديث ".. تسبق شهادة أحدهم يمينه.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى العبارة "ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعبارة التي ذكرت هي جزء من حديث ورد في الصحيحين، ولفظ مسلم: خير أمتي القرن الذين يلوني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته. قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: هذا ذم لمن يشهد ويحلف مع شهادته، واحتج به بعض المالكية في رد شهادة من حلف معها، وجمهور العلماء أنها لا ترد..
ومعنى الحديث أنه يجمع بين اليمين والشهادة فتارة تسبق هذه وتارة هذه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(3/1044)
معنى "لا يستشفع بالله على أحد من خلقه"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماذا يقصد بالعبارة "لا يستشفع بالله على أحد من خلقه"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعبارة المسؤول عنها جزء من حديث طويل رواه أبو داود وغيره، ومعناها أنه لا يجعل الله شفيعاً أي واسطة إلى مخلوق، لأن الشفاعة هي التوسط للغير لجلب مصلحة أو دفع مضرة، والله أعظم من أن يجعل شفيعاً إلى بعض مخلوقاته، ولذلك عقب النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث بعد العبارة المسؤول عنها قائلاً: شأن الله أعظم من ذلك. أي من أن يجعل شفيعاً وواسطة إلى بعض مخلوقاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(3/1045)
معنى (..ما أصابك لم يكن ليخطئك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد بالعبارة "ما أصاب المؤمن لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الجملة جاء معناها في أثر رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه وغيرهم، ولفظ أبي داود موقوفاً على عبادة بن الصامت: يا بني: إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
ورواية أحمد في المسند مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عبارة تتصل بوجوب الإيمان بقدر الله، والإيمان بأن كل ما يصيب المرء لا بد أن يكون قدر الله قد سبق به في الأزل، وكذلك ما لم يصبه من الخير والشر، ولمعرفة المزيد عن ذلك راجع الفتويين رقم: 9193 ورقم: 14836
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(3/1046)
معنى (حمر النعم)
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم، ما المقصود بـ "حمرالنعم"؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا جزء من حديث طويل اتفق عليه البخاري ومسلم، ومعنى حمر النعم هي: الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه، وقد نص على هذا النووي في شرحه لهذا الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(3/1047)
معنى "حرام عليها رائحة الجنة"
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة طلبت من زوجها الطلاق من غير ما بأس فقد حرم الله عليها الجنة" ما معني تحريم الجنة هنا وهل هو للزجر والتهديد؟ وكيف يتم توصيل معني الحديث للزوجة الناشز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان وحسنه الترمذي عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة.
قال صاحب تحفة الأحوذي: فحرام عليها رائحة الجنة. أي ممنوع عليها وذلك على نهج الوعيد والمبالغة في التهديد، أو وقوع ذلك متعلق بوقت دون وقت، أي لا تجد رائحة الجنة أول ما وجدها المحسنون، أو لا تجد أصلاً وهذا من المبالغة في التهديد ونظير ذلك كثير قال القاضي، قال القاري: ولا بدع أنها تحرم لذة الرائحة ولو دخلت الجنة. انتهى.
ويمكنك توصيل معنى الحديث للزوجة بشرحه لها شرحاً يتناسب مع مستواها التعليمي والذهني وهو سهل والحمد لله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1424(3/1048)
شرح حديث " لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما مدى صحة ومعنى هذا الحديث "لا يجتمع كافر وقاتله فى النار أبدا"
2-الرأس المعممة لا يقربها شيطان"؟ وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً. رواه الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده، وأبو داود في سننه وهو حديث صحيح.
وأما معناه فقد قال الإمام النووي في شرحه لمسلم: قال القاضي يحتمل أن هذا مختص بمن قتل كافراً في الجهاد، فيكون ذلك مكفراً لذنوبه حتى لا يعاقب عليها، أو يكون بنية مخصوصة أو حال مخصوصة، ويحتمل أن يكون عقابه إن عوقب بغير النار كالحبس في الأعراف عن دخول الجنة أولاً ولا يدخل النار، أو يكون إن عوقب بها في غير موضع الكفار ولا يجتمعان في إدراكها.
وأما الحديث الثاني فلم نعثر عليه في ما بين أيدينا من مراجع، وراجع للفائدة والتفصيل الفتوى رقم: 33741.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شوال 1424(3/1049)
معنى حدبث "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف قسم الله الصلاة بينه وبين العبد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي ورد فيه قسم الصلاة بين الله وبين عبده نصفين رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده، وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ونص الحديث مذكور في الفتوى رقم: 24093.
وأما معنى الحديث فيوضحه الإمام النووي في شرح مسلم أتم توضيح، فيقول: قال العلماء المراد بالصلاة هنا الفاتحة، سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة.، ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة، قال العلماء: والمراد قسمتها من جهة المعنى، لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1424(3/1050)
شرح حديث " من غشنا فلس منا "
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما هو تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا)) ؟ جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالغش كما يقول ابن عرفة: في حدوده: إبداء البائع ما يوهم كمالا في مبيعه كاذباً أو كتم عيبه. وقال في لسان العرب: الغش نقيض النصح.
والغش له صور كثيرة منها غش الراعي لرعيته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
ومنها الغش في البيوع والمعاملات، ومنها الغش في النصيحة، والغش في الصناعة، والغش في النكاح، بأن تصل المرأة شعرها بشعر غيرها، أو تدعي أنها بكر ونحو ذلك، وانظر الفتوى رقم: 7093، والفتوى رقم: 26858.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فليس منا"، أي ليس على طريقتنا ولا منهاجنا، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: ومعناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا، واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا ... وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا القول، كقوله صلى الله عليه وسلم من غش فليس منا وأشباهه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1424(3/1051)
حديث جبريل أم السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحديث الذي يطلق عليه أم السنة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي أطلق عليه بعض العلماء أنه أم السنة، هو حدث جبريل الطويل المذكور في الفتوى رقم: 27308.
قال الحافظ في الفتح: قال القرطبي: هذا الحديث يصلح أن يقال له أم السنة، لما تضمنه من جمل علم السنة، وقال الطيبي: لهذه النكتة استفتح به البغوي كتابيه "المصابيح" و"شرح السنة" اقتداء بالقرآن في افتتاحه بالفاتحة، لأنها تضمنت علوم القرآن إجمالا، وقال القاضي عياض: اشتمل هذا الحديث على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداء وحالا ومآلا، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه، قلت -والقائل الحافظ ابن حجر- ولهذا أشبعت القول في الكلام عليه، مع أن الذي ذكرته وإن كان كثيرا، لكنه بالنسبة لما يتضمنه قليل، فلم أخالف طريق الاختصار والله الموفق. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1424(3/1052)
حديث ضرب عائشة للقصعة ثابت
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هل ورد فى كتب السيرة أو الأحاديث أن السيدة عائشة رضى الله عنها ضربت القصعة التي بداخلها أكل من
أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما غارت من السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنهما؟ وما صحة هذه الرواية، أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد والترمذي واللفظ له عن أنس قال: أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً في قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طعام بطعام وإناء بإناء. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد صحح الحديث أيضاً الشيخ الألباني والشيخ شعيب الأرناؤوط، ولكن هل صاحبة القصعة هي حفصة أم زينب بنت جحش، أو غيرهما، في ذلك خلاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1424(3/1053)
حديث فتح القسطنطينية وروما
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الحديث الذي يتكلم عن فتح القسطنطينية وفتح روما إن وجد ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي قبيل قال كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية، فدعا عبد الله بصندوق له حلق قال فأخرج منه كتاباً قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تفتح أولاً، يعني قسطنطينية.
وفتح القسطنطينية بالقتال قد وقع على يد السلطان محمد الفاتح، وأما فتحها بدون قتال فلم يقع بعد، قال الشيخ أحمد شاكر: فتح القسطنطينية المبشر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله عز وجل، وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه، وأما فتح الترك الذي كان قبل عصرنا هذا فإنه كان تمهيداً للفتح الأعظم، ثم هي خرجت بعد ذلك من أيدي المسلمين منذ أعلنت حكومتهم هناك أنها حكومة غير إسلامية وغير دينية، وعاهدت الكفار أعداء الإسلام، وحكمت أمتها بأحكام القوانين الوثنية الكافرة، وسيعود الفتح الإسلامي لها إن شاء الله كما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وذلك في آخر الزمان كما رواه مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزولوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها -قال ثور وهو أحد رواة الحديث -لا أعلمه إلا قال: الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا، فبينما يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(3/1054)
الوتر مفضل في الأعمال وكثير من الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يفضل اتخاذ الأرقام الفردية في كل حياتنا مثل: 3 تمرات، 3 ملاعق سكر، و3 بيضات، وهكذا في كل الأمور؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالجواب على هذا مبني على المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: وإن الله وتر يحب الوتر. رواه الشيخان.
وفي معنى الحديث أقوال، قال النووي في شرح مسلم: ومعنى يحب الوتر تفضيل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات، فجعل الصلاة خمساً والطهارة ثلاثاً والطواف سبعاً والسعي سبعاً ورمي الجمار سبعاً، وأيام التشريق ثلاثا والاستنجاء ثلاثا وكذا الأكفان، وفي الزكاة خمسة أوسق وخمس أواق من الورق ونصاب الإبل وغير ذلك، وجعل كثيراً من عظيم مخلوقاته وتراً منها السماوات والأرضون والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك، وقيل إن معناه منصرف إلى صفة من يعبد الله بالوحدانية والتفرد مخلصاً.
وقال الحافظ في الفتح: يحب الوتر: قال عياض معناه أن للوتر في العدد فضلاً على الشفع في أسمائه لكونه دالا على الوحدانية في صفاته، وتعقب بأنه لو كان المراد به الدلالة على الوحدانية لما تعددت الأسماء، بل المراد أن الله يحب الوتر من كل شيء وإن تعدد ما فيه الوتر.
وقيل هو منصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية والتفرد على سبيل الإخلاص، وقيل لأنه أمر بالوتر في كثير من الأعمال والطاعات، كما في الصلوات الخمس ووتر الليل وأعداد الطهارة وتكفين الميت، وفي كثير من المخلوقات كالسماوات والأرض. انتهى ملخصاً.
وقال القرطبي: الظاهر أن الوتر هنا للجنس، إذ لا معهود جرى ذكره حتى يحمل عليه، فيكون معناه أنه وتر يحب كل وتر شرعه ... انتهى.
وقال الحافظ أيضا: وأما جعلهن وترا -أي أكل النبي صلى الله عليه وسلم التمرات- فقال المهلب فللإشارة إلى وحدانية الله تعالى، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يفعله في جميع أموره تبركاً بذلك. انتهى.
فمن فعل الوتر في ما يقبل الوتر قاصداً تعظيم صفة الوحدانية فنرجو أن يؤجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1424(3/1055)
شرح حديث إياكم ومحقرات الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى محقرات الذنوب؟ وتفسير الحديث الخاص بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه.، قال الحافظ في الفتح: سنده حسن ونحوه عند أحمد والطبراني من حديث ابن مسعود وعند النسائي وابن ماجه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالباً.، وصححه ابن حبان.
ومحقرات الذنوب هي ما لا يبالي المرء به من الذنوب كما قال السندي في شرحه على ابن ماجه، وقال المناوي: محقرات الذنوب أي صغارها، لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها.. قال الغزالي: صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة ... انتهى.
وقال المناوي في شرحه المثل المضروب في الحديث: يعني أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفر أهلكت، ولم يذكر الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها، فأنذرهم مما قد لا يكترثون به، وقال الغزالي: تصير الصغيرة كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار، فإن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند الله، وكلما استصغره عظم عند الله.... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1424(3/1056)
شرح حديث "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع ولاظهرا أبقي. مامعني الحديث الشريف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الحديث أخرجه البيهقي وضعفه العجلوني في "كشف الخفاء" والألباني في "السلسلة الضعيفة"، وقد روى أحمد في "المسند" الجملة الأولى منه، وهي قوله: إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق. وحسنها الألباني.
وقد شرح الحديث المناوي فقال: "إن هذا الدين متين" أي: صلب شديد، فأوغلوا: أي سيروا فيه برفق، ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه، فتعجزوا وتتركوا العمل.
وقال الغزالي: أراد بذلك أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا، وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه.
والمنبتُّ هو الذي انقطع به السير في السفر وعطلت راحلته ولم يقض وطره، فلا هو قطع الأرض التي أراد، ولا هو أبقى ظهره، أي دابته التي يركبها لينتفع بها فيما بعد.
وهكذا من تكلف من العبادة ما لا يطيق، ربما يملُّ ويسأم، فينقطع عما كان يعمله.
وراجع للزيادة في الموضوع الفتوى رقم: 17666، والفتوى رقم: 21148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1424(3/1057)
معنى حديث "المنبت لا أرضا قطع.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث الشريف "إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول العجلوني في "كشف الخفاء": المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى. رواه البزار والحاكم في علومه، والبيهقي وابن طاهر وأبو نعيم والقضاعي والعسكري والخطابي في العزلة عن جابر مرفوعا بلفظ: إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى.
واختلف في إرساله ووصله، ورجح البخاري في تاريخه الإرسال، وأخرجه البيهقي أيضا والعسكري عن عمرو بن العاص رفعه، لكن بلفظ "فإن المنبت لا سفرا قطع، ولا ظهرا أبقى"، وزاد: "فاعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبدا، واحذر حذرا تخشى أن تموت غدا" وسنده ضعيف، وله شاهد عند العسكري عن علي رفعه: "إن دينكم متين، فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا ظهرا أبقى، ولا أرضا قطع"، وفي سنده الفرات بن السائب ضعيف، وهذا كالحديث الآخر الذي أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة "إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" وروى أحمد عن أنس بلفظ "إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق".
وقد أفرد السخاوي في الحديث جزءا. انتهى.
أما عن معناه: فقد قال ابن الأثير في النهاية: وفيه: "فإن المُنْبَتَّ لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى" يقال للرجل إذا انقُطِع به في سفره وعطبت به راحلته: قد انْبَتَّ، من البَتّ: القطع، وهو مُطاوع "بَتَّ" يقال: بَتَّه وأبَتَّه، يريد أنه بقي في طريقه عاجزا عن مقصده، لم يقض وطره، وقد أعطب ظهر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1424(3/1058)
معنى حديث "هو في ضحضاح من نار.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان دائما معه، ولا أعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكتب فيه مثل هذا الكلام "في ضحضاح من نار" في زاوية اختبر معلوماتك، وإن كان فيه
أرجو شرح معنى الحديث وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله: هل نفعت أبا طالب بشيء؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك، قال: نعم، هو في ضحضاح من نار، لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرحه للحديث: قوله "ما أغنيت عن عمك": يعني أبا طالب قوله: "كان يحوطك": بضم الحاء، من الحياطة، وهي المراعاة، وفيه تلميح إلى ما ذكره ابن إسحاق قال: ثم إن خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكانت خديجة له وزيرة صدق على الإسلام، يسكن إليها، وكان أبو طالب له عضدا وناصرا على قومه، فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قرش، فنثر على رأسه ترابا، فحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته يقول: ما نالتني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب. قوله: "ويغضب لك": يشير إلى ما كان يرد به عنه من قول وفعل. قوله: "هو في ضحضاح" بمعجمتين ومهملتين: هو استعارة، فإن الضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب، ويقال أيضا لما قرب من الماء، وهو ضد الغمرة، والمعنى: أنه خفف عنه العذاب ...
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 8306.
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب الحديث، إنما يقوله وينقله عنه أصحابه، إلى أن اتصل بنقل العدول الثقات إلى الأئمة الذين دونوا الحديث وكتبوه.
وهذا الموقع مخصص لإسعاف المستفتين بإجابة أسئلتهم، وليس معنيا باختبار المعلومات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1424(3/1059)
شرح حديث "بدأ الإسلام غريبا"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة الحديث {جاء الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء} ، وما معناه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الحديث صحيح ورد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عدد من الصحابة، منهم أبو هريرة، ورواه مسلم بلفظ: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، ورواه أيضاً أحمد وأبو يعلى وابن ماجه.
وورد أيضاً من حديث ابن مسعود رواه أحمد وأبو يعلى والدارمي وابن ماجه والترمذي والبزار والطبراني في الكبير، وابن أبي شيبة.
وورد من حديث سعد بن أبي وقاص رواه أبو يعلى والبزار.
وورد من حديث أنس بن مالك رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير والأوسط.
وورد من حديث سهل بن سعد الساعدي رواه الطبراني في الكبير والأوسط.
وورد من حديث ابن عباس رواه الطبراني في الكبير.
وغيرهم من الصحابة، فهو حديث صحيح ثابت.
ومعناه أن الإسلام في بداية دعوته كان غريباً لقلة أهله، محارباً من أهل الشرك والفساد، وأصل الغريب البعيد من الوطن.
وكذلك يكون في آخر الزمان فسيعود غريبا لقلة من يقوم به ويعين عليه، وإن كان أهله كثيراً، فإن من تمسك به صار غريباً محارباً، فيصير المتمسك بالإسلام كالقابض على الجمر، وفي بعض روايات هذا الحديث: قيل من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس.
وطوبى فُعْلَى من الطيب، وتفسر بالجنة وبشجرة عظيمة فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1424(3/1060)
الكتب الستة.. ماهيتها.. ورتبة أحاديثها
[السُّؤَالُ]
ـ[- ماهي الكتب الستة؟
ولماذا هي بالذات سميت الكتب الستة؟ وهل هي موثوق في صحتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مصطلح الكتب الستة لقب أطلق على ستة مؤلفات في علم الحديث لكونها هي أصح الكتب المؤلفة في هذا الفن، وهذه الكتب هي:
صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن النسائي، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجه.
فبالنسبة لصحيحي البخاري ومسلم، فإن ما فيهما قد تلقته الأمة بالقبول، سوى أحاديث يسيرة انتقدها الحفاظ، وهي مدونة معروفة، كما فعل الدارقطني رحمه الله في كتابه "التتبع".
أما السنن الأربعة: فتشتمل على بعض الأحاديث الضعيفة، ولذا، فالحكم على حديث فيها يحتاج إلى تتبع طرقه، والحكم عليه بما يليق من أهل هذا العلم، وقد قام بعض العلماء بذلك، منهم الشيخ الألباني رحمه الله.
وراجع الأجوبة التالية: 18769، 14057، 11595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(3/1061)
شرح حديث"تلد الأمة ربتها"
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يعني الحديث القائل: (تلد الأمة ربتها) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى "تلد الأمة ربتها" وفي رواية "ربها" وفي أخرى "بعلها" والأمة أي: السرية، ومعنى "ربتها" و "ربها" أي سيدتها وسيدها ومالكها ومالكتها.
قال في تحفة الأحوذي: قال الأكثرون من العلماء: هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها ... وقيل: معناه أن الإماء يلدن الملوك فتكون أمه من جملة رعيته، وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته.. وقيل معناه أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان فيكثر ترك ولدها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدري. اهـ.
وقال الحافظ: القول الرابع: "أي في معنى تلد الأمة ربها" أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه ربها مجازا كذلك، والمراد بالرب المربي، فيكون حقيقة، وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه، ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(3/1062)
معنى حديث "من مات من أمتك لا يشرك بالله.."
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم..أرجو شرح حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: قال جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، أو لم يدخل النار، قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن..
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه أخرجه البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، أو لم يدخل النار، قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق.
وهذا الحديث من جملة الأدلة التي استدل بها أهل السنة على أن من مات محققا للتوحيد، فمصيره الجنة، فإن كان من أصحاب الذنوب فمات وهو مصر عليها، فإنه تحت المشيئة، إن شاء الله تعالى عفا عنه وأدخله الجنة من أول مرة، وإن شاء أدخله النار فعذبه بذنبه، لكن في النهاية مصيره الجنة.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 5398.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1424(3/1063)
شرح حديث "من قرأ آية الكرسي...."
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا حديث لا أفهمه وهو (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة ما منعه من دخول الجنة إلا الموت) ما منعه من دخول الجنة إلا الموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول المناوي في فيض القدير عند شرح الحديث: قال التفتازاني: يعني لم يبق من شرائط دخول الجنة إلا الموت، وكأن الموت يمنعه ويقول: لا بد من حضوري أولاً لتدخل الجنة. اهـ، قيل دبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، ورجح ابن تيمية كونه قبله وفيه بُعْد، ودبر الشيء كل شيء منه في دبر كدبر الحيوان.
وقال الصنعاني في سبل السلام: وقوله: لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت هو على حذف مضاف، أي لا يمنعه إلا عدم موته حذف لدلالة المعنى عليه، واختصت آية الكرسي بذلك لما اشتملت عليه من أصول الأسماء والصفات الإلهية، والوحدانية والحياة والقيومية والعلم والملك والقدرة والإرادة. انتهى.
وقال أحمد بن محمد الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح: قوله: معناه أنه إذا مات دخل الجنة، والمراد أن روحه تستقر فيها، أو المراد بالدخول التنعم، يعني أنه بمجرد موته وصل إلى تنعمه بنعيم الجنة، فإن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار.، وانظري الفتوى رقم: 31110.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(3/1064)
معنى حديث "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد تفسير الحديث النبوي الذي معناه (من كان لديه فسيلة فليغرسها، ومن لم يستطع غرسها فليغرسها) وإسناده؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل يريد الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل. والحديث قال عنه الهيثمي: ورجاله ثقات وأثبات.
وقال عنه الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في الصحيحة.
ومعناه: أن المسلم يستمر في عمل الخير ومنه الغرس، ولو كان قبل القيامة بلحظات، فإنه مأجور على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(3/1065)
لا تناقض بين الحديث والقاعدة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن التوفيق بين حديث "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وقاعدة "اليقين لا يزول بالشك"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث المذكور قد أخرجه الترمذي والنسائي والإمام أحمد في المسند، والمقصود منه الأمر بالابتعاد عن الأمر الذي التبس حكمه حيث تردد بين كونه منهيا عنه أو مطلوبا.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي شارحا لهذا الحديث: والمعنى: اترك ما تشكُّ فيه منهما، والمقصود أن يبني المكلف أمره على اليقين البحت أو التحقيق الصرف، ويكون على بصيرة في دينه. انتهى.
وهذا المعنى له أدلة من السنة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عيه: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.
أما قاعدة "اليقين لا يزول بالشك" فالمقصود منها: أن الشيء يبقى على حكمه الثابت له ولا ينصرف عنه إلا بيقين، وقد قال الإمام السيوطي عن هذه القاعدة في كتابه "الأشباه والنظائر":
اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر. انتهى.
ثم ذكر بعض أدلتها مثل قوله صلى الله عليه وسلم: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. متفق عليه واللفظ لمسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليَبْن على ما استيقن. رواه مسلم أيضا، فلا تناقض بين الحديث والقاعدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1424(3/1066)
معنى "اتقوا الملاعن الثلاثة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[قال صلى الله عليه وسلم " اتقوا الملاعن الثلاثة "
وهي مورد المياه، الظل، قارعة الطريق
فما المقصود بهذه الملاعن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الملاعن الثلاث، قيل: ما الملاعن يا رسول الله؟ قال: أن يقعد أحدكم في ظل يُسْتَظلُّ به أو في طريق أو في نقع ماء. حسنه الألباني.
وعند أبي داود عن معاذ مرفوعا بلفظ: اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل.
وهذا الحديث يتضمن النهي عن قضاء الحاجة في الأماكن التي يرتادها الناس ويترددون عليها، كالظل والطريق ومكان وجود الماء ونحو ذلك، كالحدائق العامة والأسواق.
ومعنى "الملاعن" جمع ملعنة، وهي الفعلة التي تكون سببا للعن صاحبها، أي التي تجلب على فاعلها اللعنة من الله والناس، وانظر لسان العرب.
ولمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع، نحيل السائل إلى الفتوى رقم: 7984، و: 36914.
على الموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(3/1067)
شرح حديث "لو أن رجلا يجر على وجهه ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود لو سمحتم معرفة تفسير هذا الحديث:
عن عتبة بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: " لو أنَّ رجلاً يُجرُّ على وجهه من يوم وُلد إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة الله، لحقره يوم القيامة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه أحمد في مسنده، والبخاري في التاريخ، والطبراني في الكبير عن عتبة بن عبد السلمي، وحسنه السيوطي والألباني.
قال المناوي في شرحه للحديث في فيض القدير بعد أن ساق الحديث: لما يرى وينكشف له عياناً من عظم نواله وباهر عطائه ... .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1424(3/1068)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم "تحابوا بروح الله"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قوله صلى الله عليه وسلم "هم قوم تحابّوا بروح الله"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه أبو داود والنسائي في السنن الكبرى والطبراني في المعجم الكبير، وغيرهم ولفظ أبي داود: عن ابي زرعة بن عمرو بن جرير أن عمر بن الخطاب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى، قالوا يا رسول الله: تخبرنا من هم، قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه الآية: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] . قال الشيخ الألباني صحيح.
قال صاحب عون المعبود: هم قوم تحابوا بروح الله، قال الخطابي: فسروه القرآن، وعلى هذا يتأول قوله عز وجل "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا" سماه روحا والله أعلم لأن القلوب تحيى به كما يكون حياة النفوس والأبدان بالأرواح. انتهى.
وقال في المجمع بضم الراء أي بالقرآن ومتابعته وقيل أراد به المحبة أي يتحابون بما أوقع الله في قلوبهم من المحبة الخالصة لله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1424(3/1069)
شرح حديث "شر ماء على وجه الأرض.."
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله، وبعد
قال النبي صلى الله عليه وسلم {..وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقية حضر موت كرجل الجراد من الهوام، يصبح يتدفق، ويمسي لا بلال بها} حسن.. ماهو شرح كلمات وفقه الحديث بالتفصيل.. والله ولي التوفيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء برهوت بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام، يصبح يتدفق، ويمسي لا بلال بها. قال المناوي: قال الهيثمي: رجاله ثقات. وصححه ابن حبان وقال ابن حجر: رواته موثوقون، وفي بعضهم مقال، لكنه قوي في المتابعات، وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر موقوفا: زمزم فيه طعام من الطعم. أي إشباع أو طعام شبع من إضافة الشيء إلى صفته، والطعم بالضم: الطعام (وشفاء من السقم) أي: شفاء من الأمراض إذا شرب بنية صالحة، وفيه تقوية لمن ذهب إلى تفضيله على ماء الكوثر. (وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت) أي: ماء بئر بوادي برهوت، بفتح الباء، والبئر بئر عميقة بحضرموت، لا يمكن نزول قعرها، وقد تضم الباء وتسكن الراء، وهي المشار إليها بآية: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ [الحج: 45] . (بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام تصبح تتدفق وتمسي لا بلال لها) قال الزمخشري: برهوت بئر بحضرموت، يقال إن بها أرواح الكفار، واسم للبلد التي فيها هذا البئر، أو أراد باليمن. اهـ. في الفردوس عن الأصمعي عن رجل من أهل برهوت: أنهم يجدون الريح المنتن الفظيع منها، وفيه أنه يكره استعمال هذا الماء في الطهارة وغيرها، وبه قال جمع من الشافعية. انتهى. من كلام المناوي باختصار.
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: برهوت بضم الهاء وسكون الواو وتاء فوقها نقطتان: واد باليمن يوضع فيه أرواح الكفار، وقيل برهوت بئر بحضرموت، وقيل: هو اسم للبلد الذي فيه هذه البئر، ورواه ابن دريد برهوت بضم الباء وسكون الراء، وقيل: هو واد معروف، وقال محمد بن أحمد: وبقرب حضرموت وادي برهوت، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: إن فيه أرواح الكفار والمنافقين، وهي بئر عادية في فلاة واد مظلم، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: أبغض بقعة في الأرض إلى الله عز وجل: وادي برهوت بحضرموت، فيه أرواح الكفار، وفيه ماؤها، أسود منتن، تأوي إليه أرواح الكفار، وعنه أنه قال: شر بئر في الأرض: بئر بلهوت في برهوت، تجتمع فيه أرواح الكفار، وحكى الأصمعي عن رجل من حضرموت قال: إنا نجد من ناحية برهوت الرائحة المنتنة الفظيعة جدا، فيأتينا بعد ذلك أن عظيما من عظماء الكفار مات، فنرى أن تلك الرائحة منه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أرواح المؤمنين بالجابية من أرض الشام، وأرواح الكفار ببرهوت من حضرموت.
ومعنى قوله: كرجل الجراد: أي جماعة الجراد، وبقية ألفاظ الحديث معروفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(3/1070)
شرح حديث "من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقا، وأن يظهر موت الفجأة" وصحح، فما المقصود بأن تتخذ المساجد طرقا، وأيضا ما المقصود بأن يرى الهلال قبلا فيقال لليلتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه أخرجه الطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني عن أنس بن مالك، ولفظه: من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت الفجأة.
وهذا الحديث يشتمل على ثلاث علامات من علامات الساعة الصغرى، هي:
1- ظهور الهلال منتفخاً كبيرا في أول ليلة من الشهر كأنه ابن ليلتين، وتفسر ذلك الرواية الأخرى للحديث وفيها: من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة وأن يرى الهلال ليلية فيقال لليلتين. رواه الطبراني في الصغير.
2- اتخاذ الناس المساجد طرقاً وعبوراً من غير أن يؤدي المار فيها تحية المسجد، ويشهد لهذا المعنى حديث ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه ركعتين. وفي رواية: أن يجتاز الرجل بالمسجد فلا يصلي فيه.
3- موت الفجأة، نسأل الله تعالى العافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(3/1071)
معنى حديث" وحكيه ولو بضلع"
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد،
فقد ثبت عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها قالت {سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب، قال اغسليه بالماء والسدر وحكيه ولو بضلع} صحيح ابن ماجه، فما معنى ولو بضلع وماهو فقه الحديث؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقصود بالضلع في الحديث المذكور العود، كما ذكر السندي في شرحه لهذا الحديث، حيث قال: قوله: وحكيه ولو بضلع بكسر معجمة وفتح لام، أي بعود، وفي الأصل واحد أضلاع الحيوان، أريد به العود المشبه به، وقد تسكن اللام تخفيفاً.
قال الخطابي: وإنما أمر بحكه لينقلع المتجسد منه اللاصق بالثوب، ثم يتبعه الماء ليزيل الأثر، وزيادة السدر للمبالغة، وإلا فالماء يكفي.، فيستفاد من الحديث نجاسة دم الحيض، وأن الثوب إذا أصابه دم الحيض يطلب فيه ما يلي:
- حكه بعود مثلاً حتى يزول المتجسد من الدم.
- غسله بالماء حتى يزول أثره.
- غسله بسدر مبالغة في الإنقاء والغسل.
والحديث أخرجه النسائي في سننه وأحمد في مسنده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1424(3/1072)
شرح حديث "كان النبي يصلي الظهر بالهاجرة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سعد عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي قال قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد الله فقال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت والعشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر والصبح كانوا أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس) هل يمكنك أن تشرح لي هذا الحديث من فضلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم، قال الإمام النووي في شرحه: كان يصلي الظهر بالهاجرة: هي شدة الحر نصف النهار عقب الزوال، قيل سميت هاجرة من الهجر، وهو الترك لأن الناس يتركون التصرف حينئذ بشدة الحر، ويقيلون، وفيه استحباب المبادرة بالصلاة في أول الوقت، قوله "والشمس نقية" أي صافية خالصة لم يدخلها بعد صفرة قوله "والمغرب إذا وجبت" أي غابت الشمس، والوجوب السقوط كما سبق، وحذف ذكر الشمس للعلم بها، كقوله تعالى: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. انتهى.
وقال الإمام ابن حجر في فتح الباري: قوله والعشاء أحياناً وأحياناً ولمسلم أحياناً يؤخرها وأحياناً يعجل كان إذا رآهم قد اجتمعوا ألخ....
قال ابن دقيق العيد: إذا تعارض في شخص أمران: أحدهما: أن يقدم الصلاة في أول الوقت منفرداً أو يؤخرها في الجماعة أيهما أفضل، الأقرب عندي أن التأخير لصلاة الجماعة أفضل، وحديث الباب يدل عليه لقوله: وإذا رآهم أبطؤوا أخر، فيؤخر لأجل الجماعة مع إمكان التقديم، قلت: ورواية مسلم بن إبراهيم التي تقدمت تدل على أخص من ذلك، وهو أن انتظار من تكثر بهم الجماعة أولى من التقديم، ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يفحش التأخير ولم يشق على الحاضرين، والله أعلم، قوله: كانوا أو كان، قال الكرماني: الشك من الراوي عن جابر ومعناهما متلازمان، لأن أيهما كان يدخل فيه الآخر إن أراد النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحابة في ذلك كانوا معه، وإن أراد الصحابة فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إمامهم، أي كان شأنه التعجيل لها دائماً، لا كما كان يصنع في العشاء من تعجيلها أو تأخيرها، وخبر كانوا محذوف يدل عليه قوله يصليها، أي كانوا يصلون، والغلس بفتح اللام ظلمة آخر الليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1424(3/1073)
شرح حديث "يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم"
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد
عن ابن عمر رضي الله عنه قال {ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال: إنهم يوفرون سبالهم، ويحلقون لحاهم فخالفوهم. يعني المجوس فكان ابن عمر يجز سباله كما تجز الشاة أو البعير} السلسلة الصحيحة، شيخنا الفاضل ما هو شرح الحديث، وما معنى الجز، وماهو فقه الحديث؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى ابن حبان في صحيحه عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال: إنهم يوفون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم. فكان ابن عمر يجز سباله كما تجز الشاة أو البعير.
ومعنى الجز: القطع، قال السيوطي في شرح سنن النسائي: الجز قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد، وقال ابن منظور في اللسان والفيروز آبادي في القاموس: جز الشعر قطعه، ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث عن المجوس فعابهم بإطالة شواربهم وحلق لحاهم وأمر بمخالفتهم، وأن ابن عمر كان يعمل بذلك فيجز شعر شاربه كما يجز شعر الشاة أو البعير.
وفي الحديث من الفقه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على البعد عن التشبه بالكفار والحث على مخالفتهم، ويدل على ذلك ما في الحديث: ليس منا من تشبه بغيرنا. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وفي الحديث: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية دلالة الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة، لأن مشابهتهم في الظاهر سبب لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال الممنوعة، بل وفي الاعتقادات، فهي تورث محبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر.
وفيه النهي عن حلق اللحى وإطالة الشوارب، وقد ثبتت عدة أحاديث بتأكيد ذلك، منها حديث الصحيحين: خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب. وفي رواية لمسلم: جز الشوارب وارخو اللحى خالفوا المجوس.
وقد حكى ابن حزم الاجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، وفي الحديث حرص السلف على اتباع هدي الصحابة في تطبيق الأحكام، فقد نقل لنا الراوي ميمون بن مهران هدي ابن عمر في التعامل مع شاربه.
وقد فضل بعض العلماء قص الشارب لما في الحديث: من الفطرة قص الشارب. رواه البخاري.
وفي الحديث: من لم يأخذ من شاربه فليس منا. رواه أحمد والنسائي والترمذي، وصححه الترمذي، ووافقه الألباني والأرناؤوط.
وفي الحديث: قصوا سبالكم. رواه أحمد، وصححه الأرناؤوط.
وفضل بعضهم حلقه لما في حديث مسلم: احفوا الشوارب.
وقد سبق التفصيل في الموضوع وعزو الأقوال إلى قائليها في الفتوى رقم: 1414، والفتوى رقم: 17131.
وراجع للزيادة في موضوع تحريم حلق اللحى الفتوى رقم: 26123، والفتوى رقم: 3707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1424(3/1074)
معنى كلمة: العرق دساس
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن مدى صحة الحديث الشريف القائل فيه صلى الله عليه وسلم: "اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس"؟ كما أود أن أعرف ما معنى كلمة: "العرق دساس"؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن هذا الحديث قد ضعفه أكثر أئمة الحديث، وتراجع في هذا الفتوى رقم: 24520.
أما معنى العرق دساس، فقد فسره السفاريني في غذاء الألباب بقوله: وقوله: فإن "العرق دساس" أي دخّال بالتشديد، لأنه نزع في خفاء ولطف، ومعناه أن الرجل إذا تزوج من منبت صالح، جاء الولد يشبه أهل الزوجة في الأعمال والأخلاق وعكسه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(3/1075)
حديث: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" رتبته ومعناه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
في مسند الإمام أحمد أول مسند الكوفيين حديث النعمان بن بشير عن تقسيم الرسول صلى الله عليه وسلم الزمان إلى نبوة ثم خلافه راشده ثم ملكاً عاضاً ثم ملكا جبريا ثم تعود خلافة راشدة ثم سكت عليه السلام. ما صحة الحديث وما هو شرحه وهل تحقق بالكامل أم نحن في أحد أزمانه وأيها وما معنى ضا وجبريا وعلى أي شيء يدل قوله ثم سكت؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة.
فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه. فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين - يعني عمر - بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فَسُرَّ به وأعجبه.
وروى الحديث أيضًا الطيالسي والبيهقي في منهاج النبوة، والطبري، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وحسنه الأرناؤوط.
وللحديث شاهد عن سَفِينَةُ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْخِلاَفَةُ فِي أُمّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ سَفِينَةُ: امْسِكْ عَلَيْكَ خِلاَفَةَ أَبي بَكْرٍ، ثُمّ قَالَ: وَخِلاَفةَ عُمَرَ وَخِلاَفَةَ عُثْمانَ، ثُمّ قَالَ لي: امسِكْ خِلاَفَةَ عَلِيّ قال: فَوَجَدْنَاهَا ثَلاَثِينَ سَنَةً. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
وروى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: ذهبت النبوة فكانت الخلافة على منهاج النبوة. وصححه الأرناؤوط.
أما عن معنى الحديث: فالخلافة على منهاج النبوة هي خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كما هو ظاهر الروايات. أما الملك العضوض، فالمراد به التعسف والظلم. قال ابن الأثير في النهاية: (ثم يكون ملك عضوض) أي يصيب الرعية فيه عسْفٌ وظُلْم، كأنَّهم يُعَضُّون فيه عَضًّا. والعَضُوضُ: من أبْنية المُبالغة. وفي رواية (ثم يكون مُلك عُضُوض) وهو جمع عِضٍّ بالكسر، وهو الخَبيثُ الشَّرِسُ. ومن الأول حديث أبي بكر (وسَتَرَون بَعْدي مُلْكا عَضُوضاً) . اهـ
وأما الملك الجبري، فالمراد به الملك بالقهر والجبر. قال ابن الأثير في النهاية: ثم يكون مُلك وجَبَرُوت>أي عُتُوّ وقَهْر. يقال: جَبَّار بَيّن الجَبَرُوّة، والجَبريَّة، والْجَبَرُوت. اهـ
أما عن تحقق ما في الحديث، فقد تقدم أن من السلف من جعله قد تحقق في جميع مراحله، وأن الخلافة الأخرى التي على منهاج النبوة، هي خلافة عمر بن عبد العزيز. لكن قال الألباني في السلسلة الصحيحة: ومن البعيد عندي جعل الحديث على عمر بن عبد العزيز؛ لأن خلافته كانت قريبة العهد بالخلافة الراشدة، ولم يكن بعد ملكان ملك عاض وملك جبري. والله أعلم. اهـ
فالظاهر -والله أعلم- أننا الآن في الملك الجبري، ويدل على ذلك ما رواه الطبراني عن حاصل الصدفي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيكون بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا، ثم يؤمر بعده القحطاني. فوالذي بعثني بالحق ما هو بدونه.
ففيه أن المهدي يخرج بعد الجبابرة، فخلافته هي الخلافة الأخرى التي هي على منهاج النبوة، لكن الحديث ضعفه الألباني، في السلسلة.
أما قول السائل: على أي شيء يدل قوله: ثم سكت؟ فالظاهر أنه يدل على تمام الحديث وانتهائه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(3/1076)
رتبة ومعنى حديث: "المؤمن يأكل في معي.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث: "المؤمن يأكل فى معى واحد والكافر يأكل فى سبعة أمعاء"، وما معناه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث المذكور حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه كما في البخاري عن أبي هريرة: أن رجلاً كان يأكل كثيراً فأسلم فكان يأكل أكلاً قليلاً، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن المؤمن يأكل في مِعيٍ واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء.
وقد اختلف أهل العلم في معنى الحديث ومرد أقوالهم فيه ترجع في مجملها إلى الحض على التقلل من الدنيا والحث على الزهد فيها والقناعة بما تيسر منها، ولعل من المفيد أن نذكر لك بعض أقوال أهل العلم في معنى الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: واختلف في معنى الحديث فقيل: ليس المراد به ظاهره، وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها، فكان المؤمن لتقلله في الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء، فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوصية الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها، فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل، وعن أسباب ذلك بالأمعاء.
وقيل: إن المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام ولا يتقيد بالحلال، والحلال أقل من الحرم.
وقيل: المراد حض المؤمن على قلة الأكل، فإذا علم أن كثرة الأكل من صفات الكافرين، فإن نفس المؤمن تنفر من صفات الكافر، ومن المعلوم أن من صفات الكافرين الإكثار من الملذات ومتع الدنيا، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12] .
وقيل: إن الحديث ورد في شخص بعينه واللام فيه عهدية لا جنسية، ولا سبيل إلى حمله على العموم لأن المشاهدة تدفعه، فكم من كافر يكون أقل أكلاً من مؤمن وعكسه، وكم من كافر أسلم ولم يتغير مقدار أكله، والحديث ورد في رجل بعينه، قاله ابن عبد البر.
وقيل: الحديث خرج مخرج الغالب وليست حقيقة العدد مرادة لذاتها، ولكن المراد منها المبالغة، والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الأكل لانشغاله بأسباب العبادة، ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة، ولخشيته أيضاً من حساب ما زاد عن الحاجة، والكافر بخلاف ذلك ... فصار أكل المؤمن إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه، ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر، فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيراً ... وفي الكافرين من يأكل قليلاً، والمقصود أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر، فإذا وجد مؤمن أو كافر على خلاف هذا الوصف فلا يقدح في الحديث.
وقيل: المراد بالمؤمن هنا الكامل الإيمان لانشغال فكره في ما خلق له وفي الموت وما بعد الموت، وقد رد بعض أهل العلم هذا القول وذكر أن غير واحد من السلف الأفاضل كان يأكل كثيراً، فلم يكن ذلك نقصاً في إيمانهم.
وقيل: المراد أن المؤمن يسمي الله تعالى فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل والكافر بعكس ذلك.
وقيل: المراد بالسبعة في الكافر صفات هي: الحرص، والشره، وطول الأمل، والطمع، وسوء الطبع، والحسد، وحب السمن، وبالواحد في المؤمن سد خلته.
وقيل: شهوات الطعام سبع، شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع.
وقيل: إن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس، والشهوة، والحاجة. انتهى ملخصاً من الفتح.
وخلاصة هذه الأقوال أنها ترجع في معظمها إلى الحث على التقلل من الأكل والاقتناع بما تيسر من الحلال في هذه الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(3/1077)
معاني "لا حول ولا قوة إلا بالله"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى لا حول ولا قوّة إلاّ بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حول ولا قوة إلا بالله كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره، وأن العبد لا يملك شيئا من الأمر، وقيل: لا حول للعبد في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ذكر هذه المعاني الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على صحيح مسلم وقال: وكله متقارب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1424(3/1078)
معنى كلمة: قيعان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى لفظ قيعان الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: لَقِيتُ إبْرَاهيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فقالَ يا مُحَمدُ: أَقْرِئ أُمّتَكَ مِنّي السّلاَمَ وَأخْبِرْهُمْ أَنّ الْجَنّةَ طَيّبَةُ التّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأنّهَا قِيعَانٌ، وَأَنّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ الله والْحَمْدُ لله وَلاَ إلهَ إلاّ الله وَالله أكْبَرُ. والحديث حسن.
وقال صاحب تحفة الأحوذي: قِيعان: بكسر القاف، جمع قاع، وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1424(3/1079)
معنى "تكثرن اللعن وتكفرن العشير"
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الحديث الشريف (يكثرن اللعن ويكفرن العشير) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني أُريتكن أكثر أهل النار. فقلن: وبمَ يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير.
ومعنى الحديث: أن السبب في كون النساء أكثر أهل النار هو: أنهن يكثرن اللعن، واللعن هو الدعاء بالطرد من رحمة الله، ويكفرن العشير: أي الزوج. قال الباجي في شرح الموطأ: وقال الهروي: يريد بقوله: ويكفرن العشير الزوج، سمي عشيرًا لأنه يعاشرها وتعاشره. وهو قول أكثر أهل اللغة والتفسير. وقال مكي في قوله تعالى: (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) [الحج:13] أي الخليط والصاحب. وقال مجاهد: العشير: يعني الولي، يريد - والله أعلم - أنه يقوم له مقام العشير. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1424(3/1080)
معنى "إذا أحدث أحدكم في صلاته.."
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هناك حديث (إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف) ، أرجو من فضيلتكم أن تبينوا هل هذا الحديث صحيح ثم ما معناه؟
وجزاكم الله خيرا كثيرا على جهودكم في هذا الموقع المبارك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الوارد في السؤال حديث صحيح رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما، وفي الحديث إرشاد إلى ما يفعله من انتقض وضوؤه وهو في الصلاة.
فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبض أنفه بيده، واستحب العلماء أن تكون اليسرى ليوهم الناس أن به رعافاً، وذلك حتى لا يخجل ويسول له الشيطان بالمضي فيها استحياءً من الناس.
قال الخطابي رحمه الله: وفيه إرشاد إلى إخفاء القبيح والتورية بما هو أحسن ولا يدخل في الرياء، بل هو من التجمل، واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1424(3/1081)
معنى "لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام -إذا صح الأثر-: يا موسى إذا أصابتك مصيبة وأنت على غير وضوءٍ فلا تلومنَّ إلا نفسك. وفي الأثر أيضًا إن صح: المؤمن الذي يحافظ على وضوئه -أو- لا يحافظ على وضوئه إلا مؤمن.
والسؤال: هل هاتان الروايتان صحيحتان؟ وهل معنى ذلك أنه من لم يحافظ على وضوئه فليس بمؤمن وتصيبه المصائب أينما كان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى أحمد وابن ماجه بسند صحيح، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن من أفضل أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
والحديث يدل على أن المحافظة على الوضوء علامة من علامات الإيمان. وإذا لم يحافظ العبد على الوضوء، واقتصر على الوضوء عند إرادة الصلاة فقد فاته شيء من الخير، لكن ذلك لا يسلب عنه الإيمان.
وأما من ضيع الوضوء بتضيعيه للصلاة، فهذا لا يكون مؤمنًا، وهل يظل مسلمًا بتركه للصلاة؟ خلاف مشهور بين العلماء. وقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 1145.
وأما الحديث الذي ذكرته وفيه كلام الله تعالى لموسى عليه السلام، فلم نقف عليه.
وليعلم أن الذنوب والمعاصي من أسباب حلول المصائب، كما في قوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] ، وفي الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه بسند حسن: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(3/1082)
معنى " لا تتنقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين "
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
أريد أن أسأل كيف تفسرون فضيلتكم هذا الحديث الشريف:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاتَنتَقب المرأة المسلمة ولا تلبس القفازين. " رواه البخاري
شكرا جزيلا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الحديث أخرجه مالك وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم، وهذا لفظه عند البخاري، وهو عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قامَ رَجُلٌ فَقالَ: يا رسولَ الله ماذَا تَأمُرُنَا أنْ نَلْبَسَ مِنَ الثّيَابِ في الحرمِ؟ فَقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبَسوا القَمِيصَ ولاَ السّرَاويلاتِ ولا العَمَائمَ ولا البَرانِسَ، إلاّ أن يَكُونَ أحَدٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفّيْنِ وليقطع أَسْفَلَ مِنْ الكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئاً مَسّهُ زعْفَرانُ ولاَ الوَرْسُ، ولاَ تَتَنَقّبْ الَْمَرْأَةُ المحرمة، ولاَ تلبَسْ القُفّازَيْنِ.
فالحديث يختص بمحظورات الإحرام من اللباس على الرجل والمرأة، وليس النهي فيه عن لباس النقاب والقفازين للمرأة على إطلاقه، كما هو ظاهر من لفظ الحديث: ولاَ تَتَنَقّبْ الَْمَرْأَةُ المحرمة. وليس "المرأة المسلمة"، كما ورد في السؤال.
واعلم أن النهي في الحديث إنما هو عن النقاب، وهو قطعة مفصلة بمقدار الوجه، ومثله البرقع أيضًا.
هذا وقد جوَّز العلماء أن تسدل المرأة المحرمة على وجهها ما يستره من خمار ونحوه؛ فقد ثبت عن عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ الرّكْبَانُ يَمُرّونَ بِنَا وَنحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حاذَوْا بِنا سَدَلَتْ إحْدَانا جِلْبَابَها مِنْ رَأْسِها عَلَى وَجْهِها، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْناهُ. رواه أبو داود والبيهقي.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في حاشيته على سنن أبي داود: وأما نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المرأة أن تنتقب وأن تلبس القفازين، فهو دليل على أن وجه المرأة كبدن الرجل، لا كرأسه، فيحرم عليها فيه ما وضع وفصل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع، ولا يحرم عليها سترة بالمقنعة والجلباب ونحوهما وهذا أصح القولين. فإن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين وجهها ويديها، ومنعها من القفازين والنقاب، ومعلوم أنه لا يحرم عليها ستر يديها، وأنهما كبدن المحرم يحرم سترهما بالمفصل على قدرهما وهما القفازان، فهكذا الوجه إنما يحرم ستره بالنقاب ونحوه، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام، إلا النهي عن النقاب، وهو كالنهي عن القفازين فنسبة النقاب إلى الوجه كنسبة القفازين إلى اليد سواء. وهذا واضح بحمد الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1424(3/1083)
المقصود بالغرغرة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.
آمل شرح كلمة "ما لم يغرغر".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من فضل الله تعالى وكرمه بعباده أنه يقبل التوبة منهم إذا تابوا إليه من المعاصي والذنوب التي اقترفوها، ويظل قبول التوبة واردًا حتى يدرك الإنسان العاصي الموت وتبلغ الروح الحلقوم، حينئذ لم تعد مقبولة، وهذا هو المقصود بالغرغرة الواردة في الحديث المسؤول عنه.
وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى أيضًا بقوله: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:18] .
وعلى هذا فإن المقصود بالغرغرة بلوغ الروح الحلقوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1424(3/1084)
المقصود بقول النبي لأبي ذر: إنك امرؤ ضعيف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
"قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر"يا أبا ذر انك امرؤ ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها"
السؤال: ما المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: إنك امرؤ ضعيف؟.
ملاحظة: الرجاء بعث الإجابة بسرعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي سألت عن معنى بعض ألفاظه، أخرجه الإمام مسلم وأحمد عن أبي ذرٍ رضي الله عنه، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَىَ مَنْكِبِي. ثُمّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرَ إنّكَ ضَعِيفٌ وَإنّهَا أَمَانَةٌ، وَإنّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا.
ومعنى الضعف الوارد في الحديث هو العجز عن القيام بوظائف الولاية. قال النووي رحمه الله: هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(3/1085)
معنى حديث "..فلينفض فراشه بداخلة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه ثلاثا بداخله إزارة فإنه لا يدري ما خلفه عليه) أو كما قال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه.
والمراد بـ أوى إلى فراشه: عاد إلى فراش نومه عند إرادة النوم، والمراد بداخلة الإزار: طرف الإزار الذي يلي الجسد.
وقد عللوا الأمر بنفضه بداخل الإزار فقالوا: أمر بالداخل ليبقى الخارج نظيفًا.
وقد بين الحديث علة الأمر بقوله: فإنه لا يدري ما خلفه عليه. يعني ما خلفه عليه من حية أو عقرب أو غير ذلك.
وراجع للزيادة في الموضوع فتح الباري وشرح النووي لمسلم وعون المعبود، وتحفة الأحوذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1424(3/1086)
معنى "تعالى جدك " في دعاء الاستفتاح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى "تعالى جدك " في دعاء الاستفتاح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الجدُّ: يطلق في اللغة على معانٍ عدة، والمراد في الحديث المشار إليه: العظمة والجلال. قال صاحب لسان العرب: وفي الحديث الدعاء تبارك اسمك، وتعالى جدُّك، أي علا جلالك وعظمتك. ومثل ذلك في النهاية في غريب الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1424(3/1087)
معنى حديث "فليستتر بستر الله.."
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث النبوي الشريف "إذا بليتم فاستتروا" ما مناسبته؟ وعلى ماذا يطبق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ بعد البحث في كتب الحديث المتوفرة لدينا، إلا أن العجلوني أورده في كشف الخفاء، ثم قال: قال السخاوي: رواه البيهقي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال على شرطهما بلفظ: اجتنبوا هذه القاذورات، التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ منها بشيء فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنه من يبد له صفحة نقم عليه كتاب الله، قاله صلى الله عليه وسلم بعد أن رجم ماعزا رضي الله عنه. اهـ. من كشف الخفاء.
والمراد من هذا الحديث: أن من وقع في شيء من الفواحش، فإنه يستتر ويتوب، ولا يفضح نفسه ولا يرفع أمره إلى الحاكم، لأن الأمر إذا بلغ الحاكم فقد وجب الحد، وهناك حديث آخر يحث على الاستتار لمن وقع في شيء من الذنوب والآثام، وهو ما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ": كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(3/1088)
بين حديث "المجنون المقيم على معصية الله" و "المجنون حتى يعقل"
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق يين حديث أنس رضي الله عنه قال: (مر رجل فقالوا هذا مجنون فقال رسول الله لا تقولوا مجنون ولكن قولوا مصاب، المجنون المقيم على معصية الله) وبين حديث (وعن المجنون حتى يعقل) ؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الأول ذكره صاحب كنز العمال، وعزاه إلى ابن النجار عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه فمر بهم رجل مجنون، فقالوا: هذا رجل مجنون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه، المجنون المقيم على معصية الله تعالى، ولكن هذا رجل مصاب.
وأما الحديث الثاني، فقد رواه أحمد والنسائي وأبو داود، وصححه الألباني عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق.
والمتأمل في الحديثين يجد أنه لا تعارض بينهما البتة، وذلك أن الحديث الأول إنما صيغ على وجه لفت انتباه السامع إلى معنى عظيم، وليس نفياً للحقيقة الواقعة للشخص المذكور، وتفسير هذا أن الإقامة على العصيان أمر في غاية الخطورة يستحق صاحبه أن يوصف بالجنون، وإن كان في ما يبدو للناس سليما، وذلك أن المقيم على المعصية يتصرف تصرف المجنون حقيقة، حيث لا يقدر العواقب الخطيرة المترتبة على ذلك، وهذا هو حال المجنون تماماً، حيث يقدم على الأمر من غير تأمل في عواقبه.
والناظر في الأحاديث يجد هذا النوع كثيرًا في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما في الصحيحين: ليس المسكين الذي يطوف على الناس، فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس.
قال النووي: ليس معناه نفي أصل المسألة عن الطواف، بل معناه نفي كمال المسكنة. اهـ
وأما الحديث الثاني، فقد أثبت فيه حكم من أصيب بالجنون، الذي هو عارض من عوارض أهلية التكليف، وقال: إن الإثم والمؤاخذة في حق الله تعالى مرفوعان عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(3/1089)
معنى حديث "إذا سمعتم الإقامة فامشوا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثنا آدم قال حدثنا ابن أبي ذئب قال حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) .
ارجو شرح الحديث من فضلكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الحديث بهذا اللفظ من رواية البخاري، وقد ترجم عليه: باب (لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار) . والحديث كما هو ظاهر يبين بعض آداب المشي إلى الصلاة.
قال النووي في شرحه على مسلم: والحكمة في إتيانها بسكينة، والنهي عن السعي: أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها، ومتوصل إليها، فينبغي أن يكون متأدبًا بآدابها، وعلى أكمل الأحوال. اهـ
ومما استنبط من هذا الحديث أيضًا ما ذهب إليه الجمهور من كون ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته.
وقد سبق بيان هذه المسألة والراجح فيها في الفتوى رقم: 6182.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(3/1090)
معنى "أما أهل النار الذين هم أهلها.."
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حديث"أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم الله إماتة.
"ما معنى الحديث وكيف لا يموتون ولا يحيون؟ وما معنى أماتهم الله إماتة؟ أرجو التوضيح]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكنْ ناسٌ أصابتهم النار بذنوبهم، -أو قال بخطاياهم- فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل، فقال رجل من القوم كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية. ومعنى الحديث كما في شرح مسلم للنووي قال: فالظاهر -والله أعلم- من معنى هذا الحديث أن الكفار الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود، لا يموتون فيها ولا يحيون حياة ينتفعون بها ويستريحون معها، كما قال الله تعالى: لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر: 36] . وقال تعالى: ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [الأعلى:13] .
وهذا جارٍ على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم، وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ولكنْ ناسٌ أصابتهم النار. قال النووي: معناه أن المذنبين من المؤمنين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها الله تعالى، وهذه الإماتة إماتة حقيقية، يذهب معها الإحساس، ويكون عذابهم قدر ذنوبهم، ثم يميتهم، ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس المدة التي قدرها الله تعالى، ثم يخرجون من النار موتى، قد صاروا فحما، فيحملون ضبائر (جماعات متفرقة) كما تحمل الأمتعة، ويلقون على أنهار الجنة، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها، فتخرج لضعفها صفراء مُلتوية، ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم في الجنة، وتكمل أحوالهم.
قال النووي: فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(3/1091)
معنى حديث: عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل.
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد، فإن من الناس لمن يقاد الى الجنة بالسلاسل، فما بال هؤلاء القوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: المراد بكون السلاسل في أعناقهم مقيد بحالة الدنيا، فلا مانع من حمله على حقيقته، والتقدير: يدخلون الجنة وكانوا قبل أن يسلموا في السلاسل، وسيأتي في تفسير آل عمران من وجه آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] قال: خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام. قال ابن الجوزي: معناه أنهم أسروا وقيدوا، فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعًا، فدخلوا الجنة، فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول، وكأنه أطلق على الإكراه التسلسل، ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام السبب ... انتهى المراد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1424(3/1092)
تقدير أيام الدجال الثلاثة من حيث الطول
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدجال وقال: إنه يمكث في الأرض أربعين يوما، اليوم كسنة، والثاني كشهر، والثالث كأسبوع، وباقي الأيام كأيامنا.
فهل معنى هذا أنه يمكث 14 شهرا و14 يوما.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي يشير إليه الأخ السائل رواه مسلم في صحيحه، ومعناه واضح، وهو على ظاهره كما قال أهل العلم. قال النووي رحمه الله: قال العلماء هذا الحديث على ظاهره وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: وسائر أيامه كأيامكم. اهـ
فاليوم الأول كسنة في الطول ولكنه يوم واحد من حيث خصائص اليوم والليلة، فتطلع فيه الشمس مرة وتزول وتغرب، ولذلك قال الصحابة رضي الله عنهم: فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا اقدروا له قدره. رواه مسلم.
قال النووي: ومعنى (اقدروا له) أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر، وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب، وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب. وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم وقد وقع فيه صلوات سنة. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1424(3/1093)
معنى حديث عدم رفع صلاة المرأة الناشز
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث شريف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن التي لا تطيع زوجها في الحق لا ترفع صلاتها فوق رأسها شبراً واحدا) فهل هذا حديث صحيح؟ وإن كان صحيحاً فهل هو علي سبيل الوعيد أم حقا لا ترفع الصلاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا.. وذكر منهم: امرأة باتت وزوجها عليها ساخط وقد حسنه الألباني في تعليقه على المشكاة، وقال صاحب زوائد ابن ماجه: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وللحديث شاهد عن أبي أمامة عند الترمذي.
وليس المراد بالحديث عدم الإجزاء، بل المراد هو عدم القبول، وعدم القبول هو وعيد على حقيقته، والله سبحانه لا يخلف الميعاد، ولكنه قد يخلف الوعيد إن شاء، وإن شاء أنفذه، والميعاد عند الإطلاق في الخير، والوعيد عند الإطلاق في الشر، أفاده الجهوري وأنشد قول الشاعر:
وإني إن أوعدته أوعدته ... لمنجز إيعاد ومخلف موعدي
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(3/1094)
الخواتيم ميراث السوابق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير حديث "إنما الأعمال بالخواتيم"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يقاتل المشركين وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم، فقال: من أحب أن ينظر إلى رجلٍ من أهل النار فلينظر إلى هذا. فتتبعه رجل فلم يزل على ذلك حتى جرح فاستعجل الموت. فقال: بذبابة سيفه فوضعه بين ثدييه فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليعمل في ما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار. ويعمل في ما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة، إنما الأعمال بخواتيمها.
وقد ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" عدة أحاديث بهذا المعنى وقال: وقوله: في ما يبدو للناس: إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة. قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلاً عند الموت يلقن لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال هو كافر بما تقول، ومات على ذلك. قال: فسألت عنه فإذا هو مدمن خمر. فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته.
وفي الجملة فالخواتيم ميراث السوابق وكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق. اهـ
وبهذا تبين أن الأعمال الصالحة لا تنفع صاحبها إلا إذا مات على الإسلام، وهذا معنى إنما الأعمال بالخواتيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1424(3/1095)
حديث "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" لفظه وتخريجه ومعناه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا حديث أم لا؟
من يشكر الناس يشكر الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث قد ورد بلفظ غير هذا اللفظ الذي ذكره السائل.
فقد روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن حبان والطيالسي عن أبي هريرة مرفوعا: لا يشكر الله من لا يشكر الناس. وهو حديث صحيح صححه الألباني.
ورواه أحمد أيضا من حديث الأشعث بن قيس مرفوعا بمثله، إلا أنه منقطع.
قال الخطابي رحمه الله: هذا يتأول على وجهين:
أحدهما: أن من كان طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له.
والوجه الآخر: أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم. اهـ
وهذا الحديث فيه ذم لمن لم يشكر الناس على إحسانهم، وفيه أيضا الحث على شكر الناس على إحسانهم.
وشكر الناس على إحسانهم يكون بالثناء عليهم، وبالكلمة الطيبة وبالدعاء لهم.
فقد روى الترمذي والنسائي وابن حبان عن أسامة بن زيد مرفوعا: من صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد بالغ في الثناء. والحديث قال عنه الترمذي حديث حسن جيد غريب وصححه الألباني، ويكون أيضا بالمكافأة.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أحمد والحاكم وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الأرنؤوط إسناده صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1424(3/1096)
شرح حديث "الأعمال بالخواتيم"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير حديث "إنما الأعمال بالخواتيم"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار. الأعمال بالخواتيم. وفي رواية للإمام أحمد في المسند صححها الأرناؤوط: وإنما الأعمال بالخواتيم.
والمراد بالأعمال: ما يعمله العبد من عمل صالح أو سيئ. والمراد بالخواتيم: ما يعمله في ختام عمره وآخر حياته.
وقد حمله الزرقاني في شرح الموطأ على أن آخر عمل الإنسان أحق به، وعليه يجازى، ووجه ذلك: أن من انتقل من العمل السيئ إلى العمل الأحسن يعتبر تائبًا، ومن انتقل من الإيمان إلى الكفر يعتبر مرتدًّا.
ويمكن حمله كما قال ابن حجر على من يعمل العمل الصالح رياء ونفاقًا ثم يختم له بالشر، ويدل لكلا الاحتمالين حديث البخاري: إن العبد ليعمل في ما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار. ويعمل في ما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة. وإنما الأعمال بخواتيمها. ويدل لما قال الزرقاني وحديث أحمد في المسند: لا عليكم أن لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئًا. وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً. وإذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته. قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه. صححه الأرناؤوط والألباني.
وللمزيد في الموضوع راجع الفتوى رقم: 4001.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1424(3/1097)
معنى: " نصرت بالرعب مسيرة شهر"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم (فضلت على الأنبياء بست:
أعطيت جوامع الكلم، نصرت بالرعب مسيرة شهر، أحلت لي الغنائم، جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، أرسلت إلى الخلق كافة، ختم بي النبيون) رواه مسلم
السؤال: ما معنى نصرت بالرعب مسيرة شهر؟
يوفقكم الله لما فيه خير هذه الأمة. والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن رواية الحديث هذه التي أولها فضلت على الأنبياء بست هي على النحو التالي: فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون. أخرجه مسلم والترمذي وأحمد.
وليس فيها مسيرة شهر.
وأما الرواية التي فيها مسيرة شهر فهي: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة. متفق عليه.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: نصرت بالرعب مسيرة شهر أن أعداءه يقذف الله في قلوبهم الرعب وهو منهم على مسيرة شهر، قال ابن حجر في فتح الباري: مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب: ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر.
فالظاهر اختصاصه به مطلقاً، وإنما جعل الغاية شهراً لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر. (1/567) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(3/1098)
معنى حديث "إذا بويع لخليفتين.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة معنى الحديث الشريف: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحديث: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما. ومثله حديث: إنه ستكون هنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. ومثله حديث: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه. روى ذلك كله مسلم في صحيحه.
قال الإمام النووي: فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق المسلمين ونحو ذلك، ونهي عن ذلك فإن لم ينته قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بقتله قتل.
وفي الحديث دليل على منع إقامة إمامين أو خليفتين لأن ذلك يؤدي إلى الشقاق والمخالفة، وحدوث الفتن وزوال النعم، وقد نقل الإجماع على ذلك النووي في شرح مسلم فقال: اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين من عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا، وقال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد: قال أصحابنا لا يجوز عقدها لشخصين، قال: وعندي أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد، وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعد ما بين الإمامين وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال، قال: وهو خارج من القواطع، وحكى المارزي هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصل وأراد به إمام الحرمين، وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(3/1099)
شرح حديث "منعت العراق درهمها وقفيزها ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر فى الفتوى رقم 32267 حديث "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه".ما معنى كل من "قفيزها"- "مديها"-"إردبها"؟ وما المقصود بـ"عدتم من حيث بدأتم"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بين الإمام النووي رحمه الله تعالى هذه المفردات في شرحه على صحيح مسلم فقال (أما القفيز) فمكيال معروف لأهل العراق قال الأزهري هو ثمانية مكائل والمكوك صاع ونصف وهو خمس كيلجات، وأما (المدي) فبضم الميم على وزن (قفل) وهو مكيال معروف لأهل الشام قال العلماء: يسع خمسة عشر مكوكاً، وأما (الإردب) فمكيال معروف لأهل مصر قال الأزهري وآخرون يسع أربعة وعشرين صاعاً.... وأما قوله صلى الله عليه وسلم " وعدتم من حيث بدأتم " فهو بمعنى الحديث الآخر " بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ " انتهى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(3/1100)
حديث: "لا طلاق في إغلاق" وشيء من فقهه.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد أحاديث تتكلم عن أن لا طلاق في إغلاق؟ أشكركم وأثابكم الله، يرجى ذكرها في حالة تواجدها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق ذكر هذا الحديث مع بيان شيء من فقهه في الفتوى رقم: 23251، فراجعها هناك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(3/1101)
شرح حديث "إن الولد مبخلة مجبنة"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل هذا الحديث صحيح أم لا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((الولد محزنة، مجبنة، مجهلة، مبخلة)) إخرجه الطبراني.. وما معنى هذه الكلمات محزنة مجبنة مجهلة مبخلة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه أحمد وابن ماجه وأبو يعلى والطبراني وغيرهم ولفظ أحمد: إن الولد مبخلة مجبنة.
ولفظ ابن ماجه: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه وقال: إن الولد مبخلة مجبنة.، ونفس اللفظ عند البيهقي والحاكم في المستدرك بزيادة "محزنة" وفي الطبراني زيادة "مجهلة"، والحديث صححه الإمام الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
وقال الإمام الحافظ العراقي: إسناده صحيح، ومعنى قوله "مجبنة" أي أن الولد سبب لجبن الأب فإنه يتقاعد من الغزوات بسبب حب الأولاد والخوف من الموت عنهم.
ومعنى قوله "مبخلة" أي أن الولد سبب للبخل بالمال، ومعنى قوله "مجهلة" لكونه يحمل على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله لاهتمامه بتحصيل المال له.
ومعنى "محزنة" لأنه يحمل أبويه على كثرة الحزن لكونه إن مرض حزنا، وإن طلب شيئاً لا قدرة لهما عليه حزنا، ذكر ذلك الإمام المناوي في فيض القدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1424(3/1102)
شرح حديث \"نضر الله امرأ سمع..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل يجوز استعمال ممتلكات الدولة مثل أجهزة ومعدات أخرى لأغراض دينية؟ السؤال الثانى/ هناك حديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: <قال رسول الله صلى الله عليه وسلم> نضر الله امرأً سمع مقالتي وحفظها وأداها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. وهناك حديث يقول: فرب حامل فقه فليس بفقيه، فضيلة الشيخ ما تفسير هده الأحاديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن ممتلكات الدولة لا يجوز استعمالها إلا بإذن المسؤول عنها، إلا إذا كانت أشياء ثابتة لا تستهلك ولا يؤثر فيها الاستعمال، وقد سبقت الإجابة عن مثل هذا السؤال في الفتوى رقم: 5763، نحيلك عليها. وأما الحديث المشار إليه، فقد روي عن عدد من الصحابة، منهم -بالإضافة إلى ابن مسعود- زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وجبير بن مطعم، وأنس وأبو الدرداء.. . ولفظه، كما في الترمذي عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نضر الله امرأً سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه. قال الترمذي: حديث حسن. ومعنى الحديث -والله أعلم- أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بالنضارة والبهجة والحسن..لمن سمع حديثه فحفظه حتى يبلغه لغيره، لأن مهمة تبليغ دين الله تعالى هي مهمة النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، كما قال تعالى آمرا لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 108] . فكل من قام بحمل هذا العلم والدعوة إليه وتبليغه للآخرين ولو كانوا أفقه منه وأعلم، تتناوله هذه الدعوة من النبي صلى الله عليه وسلم بالنضارة والحسن والرونق والبهاء.. أو معناه أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بأن من يحفظ حديثه ويبلغه للآخرين يكون نضر الوجه، حسن السمت.. وقال في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: "فرب حامل فقه" أي علم إلى من هو أفقه منه، أي فرب حامل فقه قد يكون فقيها، ولا يكون أفقه، فيحمل الفقه ويحفظه حتى يبلغه إلى من هو أفقه منه فيستنبط منه ما لا يفهمه الحامل، أو يحمله إلى من يصير أفقه منه، وفيه إشارة إلى فائدة النقل والداعي إليه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1424(3/1103)
شرح حديث "عينان لا تمسهما النار ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل النار عين بكت من خشية الله، فهل من يبكي من خشية الله لا يدخل النار حتى وهو يفعل بعض المعاصي؟ وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الترمذي وحسنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله.
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... وذكر منهم ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.
وروى أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حُرمت النار على عين بكت من خشية الله.
وللحديث شواهد عند الترمذي وأبي يعلى، والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي تدل على أن من بكى من خشية الله فقد حرمه سبحانه على النار، ولا مانع من حمل الحديث على ظاهره، ففضل الله واسع يوتيه من يشاء وهو سبحانه جواد كريم، وقد ذكر العلماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: عين بكت ... أن هذه هي مرتبة المجاهدين للنفس التائبين من المعاصي، ومن قوله عليه الصلاة والسلام: باتت تحرس.. أن هذه مرتبة المجاهدين في العبادة لأنها قد تكون للحج أو العلم أو الجهاد، وانظر مثلاً تحفة الأحوذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1424(3/1104)
معنى: لو تكاشفتم لما تدافنتم
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو تكاشفتم لما تدافنتم" ما شرح هذا الحديث، ولو وجد إنسان مكشوف ما فتواه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسو ل الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر صاحب كتاب كشف الخفا هذا الحديث ونسبه إلى كتاب المجالسة للدينوري، وأما معناه فقد ذكر صاحب كتاب لس ان العرب أن معناه: لو انكشف عيب بعضكم لبعض، ونسب إلى ابن الأثير قوله: أي لو علم بعضكم سريرة بعض لاستثقل تشييع جنازته ودفنه.
ولم يتيسر لنا العثور على من حكم بصحة هذا الحديث ونسبته إلى رسو ل الله صلى الله عليه وسلم.
وأما السؤال عن الحكم فيما إذا وجد إنسان مكشوف، فجوابه أن الواج ب ستره، لأن دفن الميت فرض من فروض الكفايات بإجماع المسلمين، أي أنه إذا قام به من يكفي سقط الإثم على الجميع، وإلا أثم كل من اطلع عليه ولم يقم بذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1424(3/1105)
معنى "لا تبدأوا اليهود والنصارى.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحه وتفسير حديث الرسول "لا تبدأوا أهل الكتاب بالسلام و..... وإن لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه"؟؟ برجاء الإفاضة من علمكم في هذا الموضوع بدليله وصحته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحديث: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه. حديث صحيح رواه أحمد ومسلم وغيرهما
ومعناه: النهي عن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام، وحكم بقية الكفار حكم اليهود والنصارى في هذا الأمر لعدم الدليل على الفرق، وأما قوله صلى الله عليه وسلم وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه فمعناه: لا تفتحوا لهم عن الطريق الضيق إكراما لهم واحتراما، وليس المعنى إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حفرة حتى يضيق عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/1106)
كلا اللفظتين ثابتتان
[السُّؤَالُ]
ـ[أحبتي فى الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أسألكم عن شيء حيرني وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً..... ألخ، هناك من يقول كتاب الله وسنتى، وهناك من يقول وعترتي، فما هو الصحيح منهما، أفتونا فى ذلك؟ جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل من اللفظين صحيح ثابت، ولكل منهما معناه، فقوله صلى الله عليه وسلم: وسنتي أي التمسك بها والاهتداء بما فيها.
وقوله وعترتي قال الإمام المناوي في فيض القدير: يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي عترتي واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا.
قال القرطبي: وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرازهم وتوقيرهم ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها ... قال الحكيم: والمراد بعترته هنا العلماء العاملون، إذ هم الذين لا يفارقون القرآن، أما نحو جاهل وعالم مخلط، فأجنبي من هذا المقام، وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، فإن كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائنا ما كان. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1424(3/1107)
معنى كلمة (غرلا)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فما معنى (غرلاً بلا ختان) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم -واللفظ للبخاري- عن ابن عباس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلاً، ثم قال: كما بدأنا أول خلق نعيده، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول يارب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إلخ
وفي رواية فقالت -يعني عائشة-: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، قال: يا عائشة إن الأمر أشد من أن يهمهم ذلك.
وفي رواية: فكيف بالعورات؟ قال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه.
قال النووي في شرح مسلم: الغرل بضم الغين المعجمة، وإسكان الراء معناه: غير مختونين، جمع أغرل وهو الذي لم يختتن، وبقيت معه غرلته، وهي قلفته، وهي الجلدة التي تقطع في الختان. انتهى.
والمقصود أنهم يحشرون كما خُلِقُوا لا شيء معهم ولا يُفقد منهم شيء حتى الغرلة تكون معهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1424(3/1108)
المقصود بالكنزين الأحمر والأبيض
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لى منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها - أو قال من بين أقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبى
بعضهم بعضاً) تحفة 2100 - 2889/19 فما المقصود بالكنزين الأحمر والأبيض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الإمام النووي رحمه الله في تعليقه على الحديث: قال العلماء: المراد بالكنزين: الذهب والفضة، والمراد كنزا كسرى وقيصر ملكي العراق والشام، فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب، وهكذا وقع، وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق، وصلوات الله وسلامه على رسوله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. انتهى من شرح الإمام النووي على صحيح مسلم: (18-13) .
وراجع للأهمية الفتوى رقم: 9987.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1424(3/1109)
معنى حديث:".. النامصة والمتنمصة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة، فما المقصود بذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقصود بالواشمة المرأة التي تجعل الخيلان في وجهها بالكحل أو المداد أو النيل، والمستوشمة هي التي تطلب من يفعل بها ذلك.
وأما الواصلة فهي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، والمستوصلة هي التي تطلب من يفعل بها ذلك.
وأما النامصة فهي التي تزيل أو ترقق شعر الحاجبين، وسميت نامصة لأنها تزيل الشعر بالمنماص عادة، والمتنمصة هي التي تطلب من يفعل بها ذلك.
والواشرة هي التي تحدد أسنانها وترقق أطرافها، والمستوشرة هي التي تأمر من يفعل بها ذلك.
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأمور ولعن من تفعلها أو تفعل بها، جاء ذلك في الصحيحين وغيرهما، ولتفاصيل ذلك نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8472.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1424(3/1110)
معنى "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.."
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فما معنى كبر هنا، فمثلا عند شراء سيارة جديدة هناك نوع من التباهي في قلبي أحاول ألا يظهر على تصرفاتي، فهل هذا كبر؟
من لا يدخل الجنة هل هو مخلد في النار؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بين حقيقة الكبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس.
ومعنى بطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً.
ومعنى غمط الناس: احتقارهم.
وفي هذا الحديث بيان أن محبة الإنسان أن يكون ثوبه حسناً ومركبه حسناً ونحو ذلك ليس من الكبر ولا من العجب المنهي عنه، قال الإمام الغزالي في الإحياء 3/371: العجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم. انتهى.
وانظر الفتوى رقم:
15081.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة ... فقال الإمام النووي في شرحه: الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه، وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه وقد يتكرم بأنه لا يجازيه، بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة، إما أولاً، وإما ثانياً، بعد تعذيب أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها، وقيل: لا يدخلها مع المتقين أول وهلة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1424(3/1111)
شرح حديث "سيكون قوم يعتدون.."
[السُّؤَالُ]
ـ[سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء، ما معنى الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم: مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جارٍ.
والسّرف هو: تجاوز الحد في الشيء والغلو فيه، والحديث وإن كان ضعيفاً لكن أهل العلم أجمعوا على النهي عن الإسراف في الماء، قال النووي في شرح مسلم: وأجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطئ البحر.
وقال ابن أبي زيد القيرواني: والسرف منه (الماء) غلو وبدعة ...
والسرف في الماء يكون بالزيادة على ثلاث غرفات، وبالمبالغة في الغسل، والزيادة على الحاجة حتى يكون كالموسوس.
وأما الاعتداء في الدعاء فهو مجاوزة الحد فيه: قيل: الدعاء بما لا يجوز شرعاً أو عادة، وقيل: رفع الصوت به والصياح لأن الله تعالى يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] ، وقيل: سؤال منازل الأنبياء، وقيل: هو التكلف في السجع.
والمعنى يشمل هذا كله وما أشبهه، فقد روى أبو داود عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء.
وفي المسند أن سعداً سمع ابنا له وهو يدعو ويقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحواً من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها.. فقال: لقد سألت الله خيراً كثيراً، وتعوذت بالله من شر كثير، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وقرأ هذه الآية: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وإن حسبك أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
والحاصل أن الدعاء أساس العبادة، وأن الطهور شطر الإيمان، ولكن هذا الدين جاء بالتوازن والاعتدال الذي لا غلو فيه ولا تقصير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(3/1112)
معنى فليستتر بستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذ الموقع وبعد
فهل نواقض الإسلام داخلة فى الحديث الشريف >وماهي بقية الحديث وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمًّ بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني.
والاستتار المأمور به في هذا الحديث مع التوبة منه شامل لكل الذنوب والمعاصي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1424(3/1113)
شرح حديث "لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد"
[السُّؤَالُ]
ـ[شرح الحديث لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرةرضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى."
قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث 3/65: (في هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم، والثاني كان قبلة الأمم السالفة، والثالث أسس على التقوى.
واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتاً، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر هذا الحديث وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له: لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت، واستدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرة.
والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبة منها:
1- أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي من شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز، وقد وقع في رواية لأحمد سيأتي ذكرها بلفظ -لا ينبغي للمطي أن تعمل- وهو لفظ ظاهر في غير التحريم.
2- ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة فإنه لا يجب الوفاء به قاله ابن بطال، وقال الخطابي اللفظ لفظ الخبر ومعناه الإيجاب فيما ينذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك غير هذه المساجد الثلاثة.
3- ومنها أن المراد حكم المساجد فقط وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة. وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب أو طلب علم أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي، ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال سمعت أبا سعيد وذكرت عنده الصلاة في الطور فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي." وشهر حسن الحديث وإن كان فيه بعض الضعف.
4- ومنها أن المراد قصدها بالاعتكاف فيما حكاه الخطابي عن بعض السلف أنه قال لا يعتكف في غيرها وهو أخص من الذي قبله ولم أر عليه دليلاً، واستدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك، وبه قال مالك وأحمد والشافعي والبويطي واختاره أبو إسحاق المروزي. وقال أبو حنيفة لا يجب مطلقاً، وقال الشافعي في الأم: يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به بخلاف المسجدين الأخيرين وهذا هو المنصور لأصحاب الشافعي ... وقال: واستدل به على أن من نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة لصلاة أو غيرها لم يلزمه غيرها لأنها لا فضل لبعضها على بعض فتكفي صلاته في أي مسجد كان.) انتهى كلام الحافظ باختصار.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 27/21: (لا يجب بالنذر السفر إلى غير المساجد الثلاثة لأنه ليس بطاعة لقول النبي: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد." فمنع من السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة فغير المساجد أولى بالمنع؛ لأن العبادة في المساجد أفضل منها في غير المساجد وغير البيوت بلا ريب، ولأنه قد ثبت في الصحيح عنه أنه قال:
"أحب البقاع إلى الله المساجد." مع أن قوله: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد." يتناول المنع من السفر إلى كل بقعة مقصودة بخلاف السفر للتجارة وطلب العلم ونحو ذلك فإن السفر لطلب تلك الحاجة حيث كانت، وكذلك السفر لزيارة الأخ في الله فإنه هو المقصود حيث كان.
وقد ذكر بعض المتأخرين من العلماء أنه لا بأس بالسفر إلى المشاهد واحتجوا:"بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكباً وماشياً." أخرجاه في الصحيحين ولا حجة لهم فيه لأن قباء ليست مشهدا بل مسجد، وهي منهي عن السفر إليها باتفاق الأئمة لأن ذلك ليس بسفر مشروع، بل لو سافر إلى قباء من دويرة أهله لم يجز، ولكن لو سافر إلى المسجد النبوي ثم ذهب منه إلى قباء فهذا يستحب، كما تستحب زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد.)
وقال في الفتاوى أيضاً 27/26: (وشد الرحل إلى مسجده مشروع باتفاق المسلمين كما في الصحيحين عنه أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا." وفي الصحيحين عنه أنه قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام." فإذا أتى مسجد النبي فإنه يسلم عليه وعلى صاحبيه كما كان الصحابة يفعلون.
وأما إذا كان قصده بالسفر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم دون الصلاة في مسجده فهذه المسألة فيها خلاف، فالذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أن هذا غير مشروع ولا مأمور به لقول النبي: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى.") انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 17793.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(3/1114)
شرح: ذاك صريح الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله أصحابه وقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان" ما معنى هذا الحديث؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً لأني أعاني كثيراً من وساوس الصدر فهل هذا هو المقصود في الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يعرض للمرء من وساوس من الأمور التي لا دخل له فيها، غير مؤاخذ عليها، لكن يجب عليه ألا يسترسل معها أو يتمادى فيها، سواء كانت من الوساوس التي تتصل بالإيمان أو كانت من غيرها، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان."
والمقصود من الحديث أن كراهية هذه الوساوس وبغضها والنفور منها هو صريح الإيمان، وليس المراد أن وجودها هو صريح الإيمان، ولمعرفة المزيد عن ذلك راجع الفتاوى التالية أرقامها: 187، 17066، 12436.
ولمعرفة علاج الوساوس الشيطانية راجع الفتوى رقم: 10973، والفتوى رقم: 11752.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1424(3/1115)
لا تعارض بين حديث "ما من مولود إلا.." و.....
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وحديثه صلى الله عليه وسلم (ألا إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافراً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت مؤمنا....) رواه الإمام أحمد.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الأول متفق عليه والحديث الثاني رواه أحمد والترمذي وحسنه الحاكم والبيهقي وفي اسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وضعف الحديث الشيخ الألباني.
وعلى القول بصحته فلا تعارض بينه وبين الحديث الأول لأن الحديث الأول كما قال النووي وغيره وهو الأصح معناه: أن كل مولود يولد متهيئاً للإسلام فمن كان أبواه أو أحدهما مسلماً استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا، ولذلك لو مات قبل سن التكليف فهو من أهل الجنة وإن كان أبواه كافرين، كما سبق في الفتوى رقم:
28581، وأما الجزء المعارض ظاهره للحديث الثاني وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً. فمعناه أن يولد من أبوين كافرين ويستمر على الكفر بعد بلوغه سن التكليف، وهذا يعامل معاملة الكافر في أحكام الدنيا والآخرة، وبهذا تبين أنه لا تعارض بين الحديثين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1424(3/1116)
معنى حديث
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسماء الله الحسنى تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة فهل يقصد بمن أحصاها أي قام بحفظها عن ظهر قلب أم مجرد أن يقولها الإنسان بدون حفظ؟ وهل يجب أن يكون على علم بمعنى كل اسم من أسماء الله الحسنى بمعناه الدقيق والمفصل أم مجرد علم ظاهري بالاسم؟؟ وسمعت أنه سيقال للإنسان في الآخرة: اقرا ورتل القرآن ترتيلا كما كنت ترتل في الدنيا. فهل المقصود كما كنت تحفظ القرأن في الدنيا وهل يرتل ما كان يحفظه من القرآن أم ما كان يقرؤه فقط حتى ولو بدون حفظ؟؟ وجزاكم الله على هذة الخدمة العظيمة والجليلة التي تنفع الإسلام والمسلمين في كل مكان في الأرض.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: من أحصاها دخل الجنة وذلك لأن الإحصاء في اللغة يشمل العد والحفظ، قال ابن منظور في اللسان: والإحصاء: العد والحفظ، وأحصى الشيء أحاط به.
ورجح النووي أن المراد بها الحفظ، كما في شرح مسلم قال بعدما ذكر الخلاف: قال البخاري وغيره من المحققين: معناه: حفظها، وهو الأظهر؛ لأنه جاء مفسَّراً في الرواية الأخرى مَنْ حفظها.
وقيل معناه: العمل بها لا عدها وحفظها؛ لأن ذلك قد يقع للكافر والمنافق.
وقيل معناه: عدّها والعمل بها، فالذي يقصد بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها، فيجب الإقرار بها والخضوع عندها، وله أسماء يُستحب الاقتداء بها في معانيها كالرحيم والكريم والعفو ونحوها، فيستحب للعبد أن يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها، فبهذا يحصل له الإحصاء العملي.
وأما الإحصاء القولي فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها، ولو شارك المؤمن غيره في العد والحفظ فإن المؤمن يمتاز عنه بالإيمان بها والعمل بها.
وأما ما يقصد بقوله صلى الله عليه وسلم:..اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا. فقد سبق أن أجبنا عنه، فنحيلك إليه في الفتوى رقم:
1018.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1423(3/1117)
"من سن في الإسلام سنة حسنة.." شرح وتفصيل
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول عليه الصلاة والسلام (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) إلى آخر الحديث ولكن عندما نحاول عمل شيء فإنهم يقولون بأنه بدعة ولا يجوز ذلك فأرشدوني وجزاكم الله عن الأمة الإسلامية كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. رواه أحمد ومسلم والترمذي.
أقول: إن المقصود منه أن من سنَّ من الأعمال الواقعة تحت ما أمر الله ورسوله به وندب إليه فهو من الأعمال المحمودة التي يثاب عليها صاحبها، فيكون له أجرها وأجر من عمل بها، وإن لم يكن لهذه الأعمال مثالٌ موجود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الباب قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح جماعة: نعمت البدعة هذه. وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنُّ الاجتماع لها طوال أيام الشهر، إنما صلَّى بهم ليالي ثم ترك ذلك، ولا كان الاجتماع لها على عهد أبي بكر، وكان عمر رضي الله عنه أول من جمع الناس عليها وندبهم إليها - على النحو المعروف الآن - ومع ذلك فالاجتماع لصلاة التراويح سنة حسنة؛ لأنها موافقة للأصول الشرعية، فقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان، وصلَّى بهم جماعة ليالي من رمضان ثم ترك ذلك خشية أن تفرض على الأمة، فلما مات - صلوات الله وسلامه عليه - وانقطع الوحي واستقرت الفرائض على ما هي عليه، كان فعل عمر لها -مع انتفاء المانع الذي خشيه النبي صلى الله عليه وسلم- سنة حسنة، ومن هذا الباب أيضاً أن الصحابة جمعوا القرآن وكتبوه في المصاحف وجمعوا الناس على المصاحف العثمانية، وأحرقوا ما سوى ذلك من المصاحف التي كانت عند الصحابة، واتبعهم الناس على ذلك فجمعوا العلم ودونوه وكتبوه، وهذا كله من قبيل السنة الحسنة مع أنه يندرج تحت أصول كانت موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مندرج فيما ندبت إليه الشريعة من الألفة وجمع الكلمة وعدم التفرق وحفظ القرآن ... إلخ.
ومما يؤكد ذلك أن السبب في ورود قوله صلى الله عليه وسلم: من سنَّ سنة حسنة ... هو الصدقة، كما في صحيح مسلم من حديث جرير رضي الله عنه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاء قوم حفاة عراة مجتابي النمار، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: وبعد: تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: من سنَّ في الإسلام سنة حسنة ...
فالصدقة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، وعمل هذا الرجل عمل بما هو مشروع، ولكنه كان البادئ بهذا الخير، ويؤيد ذلك أيضاً أن كون العمل حسناً أو سيئاً إنما يعرف من جهة الشرع لا غير، فلا بد للعمل حتى يكون سنة حسنة أن يكون مندرجاً تحت ما هو مشروع.
وإذا تقرر هذا، فإذا كان العمل الذي يسأل السائل عنه مندرجاً تحت ما هو مشروع تشهد له أدلة الشريعة فهو سنة حسنة، وإلا كان بدعة مذمومة، وهي التي أشار إليها صلى الله عليه وسلم بقوله: ... ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ... ولهذا قال الإمام النووي في شرح الحديث: فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسنّ السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات.
وتتميماً للفائدة انظر فتوى رقم:
631.
واعلم -وفقك الله- أن شأن البدعة خطير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ... وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. رواه النسائي بسند صحيح. وأصل الحديث في صحيح مسلم.
وقال أيضاً: إن الله احتجر التوبة على كل صاحب بدعة. رواه الطبراني في الأوسط والضياء في المختارة، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1423(3/1118)
معنى "لا يمل حتى تملوا"
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأعزاء في ركن الفتاوى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:
جاء في الحديث إن الله لا يمل حتى تملوا فما معنى ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الحديث مما اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من ذهب إلى أنه من أحاديث الصفات التي يؤمن بها أهل السنة ويثبتون ما دلت عليه، على الوجه اللائق به سبحانه، دون تحريف أو تعطيل، ودون تكييف أو تمثيل.
ومنهم من قال إن هذا الحديث لا يدل على إثبات صفة الملك لله تعالى؛ لأن قول القائل: لا أقوم حتى تقوم لا يستلزم قيام الثاني، فقوله: لا يمل حتى تملوا لا يستلزم ثبوت الملل لله عز وجل.
وقد حكى الخلاف الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وعلق عليه بقوله: وعلى كل حال يجب علينا أن نتفق أن الله تعالى منزه عن كل صفة نقص من الملل وغيره، وإذا ثبت أن هذا الحديث دليل على الملل فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق. انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 1/174.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(3/1119)
معنى "لذة النظر إلى وجهك.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذا الدعاء: اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه أخرجه أحمد والنسائي، وفيه: ... وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
وإليك توضيحاً لمعاني هذه الكلمات ملخصة من فيض القدير للـ المناوي.
- لذة النظر إلى وجهك أي الفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده. وقيد النظر باللذة؛ لأن النظر إلى الله إما نظر هيبة وجلال في عرصات القيامة، أو نظر لطف وجمال في الجنة. انتهى. وهذا هو المراد هنا.
- والشوق إلى لقائك قال ابن القيم: جمع فيه بين أطيب ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه سبحانه، وأطيب ما في الآخرة وهو النظر إلى وجه الكريم
- من غير ضراء مضرة شوقاً لا يؤثر في سلوكي وإن ضرني مضرة ما. وقال القوْنوي: الضراء المضرة حصول الحجاب بعد التجلي.
- ولا فتنة مضلة أي موقعة في الحيرة. قال بعضهم: الفتنة المضلة كل شبهة توجب الخلل أو تنقص في العلم والشهود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1423(3/1120)
ماهية صلاة البردين.
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي صلاة البردين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالبرادن: صلاة الصبح وصلاة العصر، وقد فسر بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من صلى البردين دخل الجنة. متفق عليه
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1423(3/1121)
معنى "فذلكم الرباط.. "
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى قول صلى الله عليه وسلم (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظارالصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط. وفي رواية: فذالكم الرباط مرتين.
قال النووي في شرح مسلم نقلاً عن القاضي: "فذالكم الرباط" أي الرباط المرغب فيه، وأصل الرباط الحبس على الشيء كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة، قيل: ويحتمل أنه أفضل الرباط كما قيل: الجهاد جهاد النفس، ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن أي أنه من أنواع الرباط. انتهى
وراجع الفتوى رقم:
7463 - والفتوى رقم: 12325.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1423(3/1122)
شرح حديث "من استغفر الله سبعا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرح هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعا وعشرين مرة كان من الذين يستجاب لهم ويرزق بهم أهل الأرض) رواه الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الحديث رواه الطبراني عن أبي الدرداء وفي إسناده ضعف، فقد قال الهيثمي إن فيه عثمان بن أبي العاتكة وثقه غير واحد وضعفه الجمهور وبقية رجاله المسمين ثقات، وضعفه الشيخ الألباني في الجامع.
والحديث معناه أن من استغفر الله سبعاً وعشرين مرة كل يوم للمؤمنين والمؤمنات كان من الذين يستجاب دعاؤهم ويرزق بهم أهل الأرض بنزول المطر وغيره.
وكيفية هذا الاستغفار هي أن يقول مثلاً: "اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات" ولكن الحديث ضعيف كما مر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1423(3/1123)
معنى حديث "من دعا إلى هدى كان له.."
[السُّؤَالُ]
ـ[من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجر من تبعه لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً ومن دعا إلى الضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.
ما المعنى العام للحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".
قال النووي رحمه الله: من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقاً إليه، وسواء كان تعليم علم أو عبادة أو أدب أو غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1423(3/1124)
معنى حديث: \"من قضى نهمته في الدنيا..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم ... ... ... ...
أريد شرح هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قضى نهمته في الدنيا حيل بين شهوته في الآخرة..........) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحديث: من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة. رواه الطبراني وقال: تفرد به البجلي، وهو إسماعيل بن عمرو البجلي، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور، وقال: فيه ابن طاهر في تذكرة الحفاظ.
حديث غريب إسناده متصل لين، فالحديث ضعيف، وعلى فرض صحته فيحمل على من قضى نهمته يعني حاجته ورغبته فيما لا يحل له، لا ما يحلَّ، قال الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف:32] .
فدلت الآية على أن من تمتع بالحلال الطيب في الدنيا لم يحرم من الطيبات في الآخرة.
الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1423(3/1125)
معنى قول النبي: "اغسل خطاياي بالماء والثلج.."
[السُّؤَالُ]
ـ[نص الحديث الذي يذكر فيه الثلج والبرد؟ وما خصوصية الثلج والبرد في عملية النظافة والتنقية شرعا وعلميا؟ السؤال للشيخ الزنداني من فضلك وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننبه السائل إلى أن الشيخ عبد المجيد الزنداني ليس له إشراف على الموقع، ويصعب علينا التواصل معه في كل سؤال، إذ هو مقيم في بلده اليمن، ويمكن للسائل مراسلته عبر عنوان جامعة الإيمان.
وأما عن السؤال ففي صحيح البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح صلاته فيقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، الله نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد.
قال العلماء: جمع بين الماء والثلج والبرد مبالغة في الإنقاء، لأن ما غسل بالثلاثة أنقى مما غسل بالماء وحده، فسأله أن يطهر التطهير الأعلى الموجب لجنة المأوى، والمراد: طهرني بأنواع مغفرتك. انتهى من تحفة الأحوذي.
وقال الحافظ في الفتح: قوله "بالماء والثلج والبرد" قال الخطابي: ذكر الثلج والبرد تأكيد أو لأنهما ماءان لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال، وقال ابن دقيق العيد: عبر بذلك عن غاية المحو، فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء، قال: ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو، وكأنه كقوله تعالى: واعف عنا واغفر لنا وارحمنا. وأشار الطيبي إلى هذا بحثا فقال: يمكن أن يكون المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول أنواع الرحمة والمغفرة بعد العفو لإطفاء حرارة العذاب التي هي في غاية الحرارة، ومنه قولهم: برَّدَ الله مضجعه أي رحمه ووقاه عذاب النار. انتهى.
خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها منزلة من السماء. انتهى من الفتح.
وقال في شرح النسائي:: اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج.. قال النووي: استعارة للمبالغة في الطهارة من الذنوب، قال الكرماني: فإن قلت العادة أنه إذا أريد المبالغة في الغاسل أن يغسل بالماء الحار لا بالبارد لا سيما الثلج ونحوه، قلت: قال الخطابي: هذه أمثال لم يحدد بها أعيان المسميات، وإنما أريد بها التوكيد في التطهير من الخطايا والمبالغة من محوها عنه ... .
وبهذا يتبين للسائل معنى الحديث الذي سأل عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1423(3/1126)
المراد بالنور الحاصل لمن قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها
[السُّؤَالُ]
ـ[قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أرجو تفسير فضلها فأنا لا أعرف معنى عمود نور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت عدة أحاديث في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة منها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين. رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق. رواه البيهقي والحاكم وصححه الألباني.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين. أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره بإسناد لا بأس به.
والنور المذكور في النصوص السابقة قد يكون نوراً معنوياً، والمعنى أن من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة كان ذلك مانعاً له من المعاصي هادياً إلى الصواب ما بين الجمعتين، كما أن النور يستضاء به، وقد يكون نوراً حسياً بمعنى أنه يسطع له نور من تحت قدمه بحيث يكون ظاهراً على وجهه يوم القيامة، وفي الدنيا يكون على وجهه أيضاً نور وبهاء، والقول الثاني أقرب لموافقته لحديث ابن عمر.
فائدة: الفضل المذكور من النصوص السابقة يحصل كذلك لمن قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة، قال المناوي في فيض القدير: فيندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه، وقال رحمه الله: قال الحافظ ابن حجر في أماليه كذا وقع في روايات يوم الجمعة وفي روايات ليلة الجمعة، ويجمع بأن المراد: اليوم بليلته، والليلة بيومها. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1423(3/1127)
فتنة الدهيماء والأحلاس
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي فتنة الدهيماء والأحلاس؟
أرجو الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فروى أبو داود وأحمد وصححه الحاكم وأقره الذهبي عن عبد الله بن عمر يقول: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ قَالَ هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ.
قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: (الْعَنْسِيّ) : بِمَفْتُوحَةٍ وَسُكُون نُون , قَالَ فِي لُبّ اللُّبَاب مَنْسُوب إِلَى عَنْس حَيّ مِنْ مَذْحِج (كُنَّا قُعُودًا) : أَيْ قَاعِدِينَ (فَذَكَرَ) : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْفِتَن) : أَيْ الْوَاقِعَة فِي آخِر الزَّمَان (فَأَكْثَرَ) : أَيْ الْبَيَان (فِي ذِكْرهَا) : أَيْ الْفِتَن (حَتَّى ذَكَرَ) : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِتْنَة الْأَحْلَاس) : قَالَ فِي النِّهَايَة: الْأَحْلَاس جَمْع حِلْس وَهُوَ الْكِسَاء الَّذِي يَلِي ظَهْر الْبَعِير تَحْت الْقَتَب , شَبَّهَهَا بِهِ لِلُزُومِهَا وَدَوَامهَا. اِنْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أُضِيفَتْ الْفِتْنَة إِلَى الْأَحْلَاس لِدَوَامِهَا وَطُول لُبْثهَا أَوْ لِسَوَادِ لَوْنهَا وَظُلْمَتهَا (قَالَ) : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هِيَ) أَيْ فِتْنَة الْأَحْلَاس (هَرَب) : بِفَتْحَتَيْنِ , أَيْ يَفِرّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض لِمَا بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْمُحَارَبَة قَالَهُ الْقَارِي (وَحَرَب) : فِي النِّهَايَة الْحَرَب بِالتَّحْرِيكِ نَهْب مَال الْإِنْسَان وَتَرْكه لَا شَيْء لَهُ اِنْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَرَب ذَهَاب الْمَال وَالْأَهْل (ثُمَّ فِتْنَة السَّرَّاء) : قَالَ الْقَارِي: وَالْمُرَاد بِالسَّرَّاءِ النَّعْمَاء الَّتِي تَسُرّ النَّاس مِنْ الصِّحَّة وَالرَّخَاء وَالْعَافِيَة مِنْ الْبَلَاء وَالْوَبَاء , وَأُضِيفَتْ إِلَى السَّرَّاء لِأَنَّ السَّبَب فِي وُقُوعهَا اِرْتِكَاب الْمَعَاصِي بِسَبَبِ كَثْرَة التَّنَعُّم أَوْ لِأَنَّهَا تَسُرّ الْعَدُوّ اِنْتَهَى. وَفِي النِّهَايَة: السَّرَّاء الْبَطْحَاء , وَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ الَّتِي تَدْخُل الْبَاطِن وَتُزَلْزِلهُ وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهه اِنْتَهَى (دَخَنهَا) : يَعْنِي ظُهُورهَا وَإِثَارَتهَا شَبَّهَهَا بِالدُّخَانِ الْمُرْتَفِع , وَالدَّخَن بِالتَّحْرِيكِ مَصْدَر دَخِنَتْ النَّار تَدْخَن إِذَا أُلْقِيَ عَلَيْهَا حَطَب رَطْب فَكَثُرَ دُخَانهَا , وَقِيلَ أَصْل الدَّخَن أَنْ يَكُون فِي لَوْن الدَّابَّة كُدُورَة إِلَى سَوَاد قَالَهُ فِي النِّهَايَة وَإِنَّمَا قَالَ (مِنْ تَحْت قَدَمَيْ رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي) : تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْعَى فِي إِثَارَتهَا أَوْ إِلَى أَنَّهُ يَمْلِك أَمْرهَا (يَزْعُم أَنَّهُ مِنِّي) : أَيْ فِي الْفِعْل وَإِنْ كَانَ مِنِّي فِي النَّسَب وَالْحَاصِل أَنَّ تِلْكَ الْفِتْنَة بِسَبَبِهِ وَأَنَّهُ بَاعِث عَلَى إِقَامَتهَا (وَلَيْسَ مِنِّي) أَيْ مِنْ أَخِلَّائِي أَوْ مِنْ أَهْلِي فِي الْفِعْل لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِي لَمْ يُهَيِّج الْفِتْنَة وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} أَوْ لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِي فِي الْحَقِيقَة , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله (وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ) : قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ. فِيهِ إِعْجَاز وَعَلَم لِلنُّبُوَّةِ وَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِبَار كُلّ الِاعْتِبَار لِلْمُتَّقِي وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الرَّسُول فِي النَّسَب , وَأَنْ لَا اِعْتِبَار لِلْفَاسِقِ وَالْفَتَّان عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ فِي النَّسَب اِنْتَهَى. (ثُمَّ يَصْطَلِح النَّاس عَلَى رَجُل) : أَيْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى بَيْعَة رَجُل (كَوَرِكٍ) : بِفَتْحٍ وَكَسْر قَالَهُ الْقَارِي (عَلَى ضِلَع) : بِكَسْرٍ فَفَتْح وَيُسَكَّن وَاحِد الضُّلُوع أَوْ الْأَضْلَاع قَالَهُ الْقَارِي. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ مَثَل وَمَعْنَاهُ الْأَمْر الَّذِي لَا يَثْبُت وَلَا يَسْتَقِيم وَذَلِكَ أَنَّ الضِّلَع لَا يَقُوم بِالْوَرِكِ. وَبِالْجُمْلَةِ يُرِيد أَنَّ هَذَا الرَّجُل غَيْر خَلِيق لِلْمُلْكِ وَلَا مُسْتَقِلّ بِهِ اِنْتَهَى. وَفِي النِّهَايَة: أَيْ يَصْطَلِحُونَ عَلَى أَمْر وَاهٍ لَا نِظَام لَهُ وَلَا اِسْتِقَامَة لِأَنَّ الْوَرِك لَا يَسْتَقِيم عَلَى الضِّلَع وَلَا يَتَرَكَّب عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ مَا بَيْنهمَا وَبُعْده , وَالْوَرِك مَا فَوْق الْفَخِذ اِنْتَهَى. وَقَالَ الْقَارِي: هَذَا مَثَل وَالْمُرَاد أَنَّهُ لَا يَكُون عَلَى ثَبَات , لِأَنَّ الْوَرِك لِثِقَلِهِ لَا يَثْبُت عَلَى الضلع لِدِقَّتِهِ , وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُون غَيْر أَهْل لِلْوِلَايَةِ لِقِلَّةِ عِلْمه وَخِفَّة رَأْيه اِنْتَهَى. وَقَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ فِي الْأَزْهَار: يُقَال فِي التَّمْثِيل لِلْمُوَافَقَةِ وَالْمُلَائَمَة كَفّ فِي سَاعِد وَلِلْمُخَالَفَةِ وَالْمُغَايَرَة وَرِك عَلَى ضِلَع اِنْتَهَى. وَفِي شَرْح السُّنَّة. مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْر لَا يَثْبُت وَلَا يَسْتَقِيم لَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الضِّلَع لَا يَقُوم بِالْوَرِكِ وَلَا يَحْمِلهُ , وَحَاصِله أَنَّهُ لَا يَسْتَعِدّ وَلَا يَسْتَبِدّ لِذَلِكَ , فَلَا يَقَع عَنْهُ الْأَمْر مَوْقِعه كَمَا أَنَّ الْوَرِك عَلَى ضِلَع يَقَع غَيْر مَوْقِعه (ثُمَّ فِتْنَة الدُّهَيْمَاء) : وَهِيَ بِضَمٍّ فَفَتْح وَالدَّهْمَاء السَّوْدَاء وَالتَّصْغِير لِلذَّمِّ أَيْ الْفِتْنَة الْعَظْمَاء وَالطَّامَّة الْعَمْيَاء. قَالَهُ الْقَارِي. وَفِي النِّهَايَة تَصْغِير الدَّهْمَاء الْفِتْنَة الْمُظْلِمَة وَالتَّصْغِير فِيهَا لِلتَّعْظِيمِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالدُّهَيْمَاءِ الدَّاهِيَة وَمِنْ أَسْمَائِهَا الدُّهَيْم زَعَمُوا أَنَّ الدُّهَيْم اِسْم نَاقَة كَانَ غَزَا عَلَيْهَا سَبْعَة إِخْوَة فَقُتِلُوا عَنْ آخِرهمْ وَحُمِلُوا عَلَيْهَا حَتَّى رَجَعَتْ بِهِمْ فَصَارَتْ مَثَلًا فِي كُلّ دَاهِيَة (لَا تَدَع) : أَيْ لَا تَتْرُك تِلْكَ الْفِتْنَة (إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَة) : أَيْ أَصَابَتْهُ بِمِحْنَةٍ وَمَسَّتْهُ بِبَلِيَّةٍ , وَأَصْل اللَّطْم هُوَ الضَّرْب عَلَى الْوَجْه بِبَطْنِ الْكَفّ , وَالْمُرَاد أَنَّ أَثَر تِلْكَ الْفِتْنَة يَعُمّ النَّاس وَيَصِل لِكُلِّ أَحَد مِنْ ضَرَرهَا (فَإِذَا قِيلَ اِنْقَضَتْ) : أَيْ فَمَهْمَا تَوَهَّمُوا أَنَّ تِلْكَ الْفِتْنَة اِنْتَهَتْ (تَمَادَتْ) : بِتَخْفِيفِ الدَّال أَيْ بَلَغَتْ الْمَدَى أَيْ الْغَايَة مِنْ التَّمَادِي وَبِتَشْدِيدِ الدَّال مِنْ التَّمَادُد تَفَاعُل مِنْ الْمَدّ أَيْ اِسْتَطَالَتْ وَاسْتَمَرَّتْ وَاسْتَقَرَّتْ قَالَهُ الْقَارِي (مُؤْمِنًا) : أَيْ لِتَحْرِيمِهِ دَم أَخِيهِ وَعِرْضه وَمَاله (وَيُمْسِي كَافِرًا) : أَيْ لِتَحْلِيلِهِ مَا ذُكِرَ وَيَسْتَمِرّ ذَلِكَ (إِلَى فُسْطَاطَيْنِ) : بِضَمِّ الْفَاء وَتُكْسَر أَيْ فِرْقَتَيْنِ , وَقِيلَ مَدِينَتَيْنِ , وَأَصْل الْفُسْطَاط الْخَيْمَة فَهُوَ مِنْ بَاب ذِكْر الْمَحَلّ وَإِرَادَة الْحَالّ قَالَهُ الْقَارِي (فُسْطَاط إِيمَان) : بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَل وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَر مُبْتَدَإٍ مَحْذُوف أَيْ إِيمَان خَالِص. قَالَ الطِّيبِيُّ الْفُسْطَاط بِالضَّمِّ وَالْكَسْر الْمَدِينَة الَّتِي فِيهَا يَجْتَمِع النَّاس , وَكُلّ مَدِينَة فُسْطَاط , وَإِضَافَة الْفُسْطَاط إِلَى الْإِيمَان إِمَّا بِجَعْلِ الْمُؤْمِنِينَ نَفْس الْإِيمَان مُبَالَغَة وَإِمَّا بِجَعْلِ الْفُسْطَاط مُسْتَعَارًا لِلْكَنَفِ وَالْوِقَايَة عَلَى الْمُصَرِّحَة أَيْ هُمْ فِي كَنَف الْإِيمَان وَوِقَايَته. قَالَهُ الْقَارِي (لَا نِفَاق فِيهِ) : أَيْ لَا فِي أَصْله وَلَا فِي فَصْله مِنْ اِعْتِقَاده وَعَمَله (لَا إِيمَان فِيهِ) : أَيْ أَصْلًا أَوْ كَمَالًا لِمَا فِيهِ مِنْ أَعْمَال الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْكَذِب وَالْخِيَانَة وَنَقْض الْعَهْد وَأَمْثَال ذَلِكَ (فَانْتَظِرُوا الدَّجَّال) : أَيْ ظُهُوره. انتهى.
والله أعلم. ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1423(3/1128)
معنى حديث: "أما يخشى الذي يرفع رأسه.."
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه إذا سبق أحد الإمام فإن رأسه يصبح رأس حمار كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه: أيخشى أحدكم ان يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو صورته صورة حمار؟؟؟ فأنا لا أدري إن كان هناك خطأ في الحديث لكن هذا مما حفظت.. السلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار " وفي رواية لمسلم: " أن يحول الله صورته صورة حمار " وفي رواية للإمام مالك في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه. " قال أبو هريرة: الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان.
قال: الباجي: معنى الحديث: الوعيد لمن رفع رأسه وخفضه في صلاته قبل إمامه، وإخبار عنه أن ذلك من فعل الشيطان، وأن انقياده وطاعته إياه في المبادرة بالخفض والرفع قبل إمامه انقياد لمن كانت ناصيته بيده، وهو الشيطان.
وقال النووي في شرح مسلم لهذا الحديث: هذا كله بيان لغلظ تحريم ذلك.
وقال المباركفوري: في تحفة الأحوذي: يحتمل أن يرجع إلى أمر معنوي، فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام
والحديث كما رأيت صحيح....
وحاصل معناه: تغليظ تحريم رفع الرأس قبل الإمام وخفضه قبله، ولا يعني ذلك أن كل من رفع رأسه قبل إمامه سيعاقب بتلك العقوبة؛ بل إن من فعل ذلك متعمداً فقد عرض نفسه لتلك العقوبة، وقد يمهله الله فلا يعاقبه بها كما يمهل غيره من العاصين.. إما رحمة بهم لأن يستعتبوا ويتوبوا، وإما نقمة واستدراجاً نسأل الله السلامة والعافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1423(3/1129)
شرح حديث "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير هذا الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع آخرين) وهل المقصود ب (الكلام) هو كتاب الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الحديث رواه مسلم وأحمد في المسند وابن ماجه والدارمي ولفظه " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " وفي رواية الدارمي " إن الله يرفع بهذا القرآن ... " ولم يرد نص - فيما نعلم- بالصيغة التي ذكرها السائل الكريم، وكلام الله هو كتاب الله تعالى، وقد عرف العلماء القرآن بأنه كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته، المتحدى بأقصر سورة منه.
وأما عن شرح الحديث فيقول ابن حجر يرحمه الله في الفتح: قوله: يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم.
ورفعة الدرجات ورفعها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت، والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة، وفي صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي وكان عامل عمر على مكة أنه لقيه بعسفان فقال له: من استخلفت؟ فقال: استحلفت ابن أبزى مولى لنا، فقال عمر استخلفت مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين. " وقال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي: عند تفسير قوله صلى الله عليه وسلم " ومن أبطأ به عمله " من التبطئة وهما ضد التعجل، والبطء نقيض السرعة، والباء للتعدية، والمعنى من أخره عمله عن بلوغ درجة السعادة " لم يسرع به نسبه " من الإسراع أي لم يقدمه نسبه، يعني لم يجبر نقيصته لكونه نسيباً في قومه إذ لا يحصل التقرب إلى الله تعالى بالنسب بل بالأعمال الصالحة، قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وشاهد ذلك أن أكثر علماء السلف موال، ومع ذلك هم سادات الأمة، وينابيع الرحمة، وذوو الأنساب العلية الذين ليسوا كذلك في مواطن جهلهم نسياً منسياً، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " إن الله يرفع بهذا الدين أقواماً ويضع به آخرين " كذا قال القاري في المرقاة، وقد صدق القاري. قال ابن صلاح في مقدمته روينا عن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قلت من مكة. قال: فمن خلفت بها يسود أهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي؟ قلت: من الموالي، قال: وبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية، قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال قلت: طاوس بن كيسان قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء قال: إنه لينبغي. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال قلت يزيد بن أبي حبيب قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي. قال فمن يسود أهل الشام؟ قال: قلت: مكحول. قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل؟ قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران. قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت من الموالي، قال: فمن يسود أهل خرسان؟ قال قلت: الضحاك بن مزاحم، قال فمن العرب أم الموالي؟ قال قلت: الموالي. قال فمن يسود أهل البصرة؟ قال قلت: الحسن بن أبي الحسن، قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من العرب قال: ويلك يا زهري فرجت عني والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها، قال قلت: يا أمير المؤمنين إذا هو أمر الله ودينه، من حفظه ساده ومن ضيعه سقط انتهى.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1423(3/1130)
الجمع بين أحاديث النهي عن ترجيل الشعركل يوم والأمر بإكرامه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسلت السؤال من قبل ولم يرسل إلي رقم السؤال السؤال نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا ما معنى هذا وهل ينافي من كان له شعر فليكرمه مع الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه مما لا شك فيه أن الإسلام ندب أتباعه إلى النظافة بما في ذلك تسريح شعر الرأس واللحية، قال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] .
ومن هذا المعنى جاء حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان له شعر فليكرمه. رواه أبو داود.
إلا أنه من المعلوم في نهج الإسلام أنه يدعو إلى التوسط والاعتدال وعدم المغالاة في كل شيء، ولو كان ذلك في أمور العبادة.
وعليه؛ فإن الحديث الوارد في إكرام الشعر وتسريحه أصل في إباحة هذا الفعل ما دام في حدود التوسط، فإذا خرج عن ذلك إلى المغالاة صار منهياً عنه، وعلى هذا يفسر حديث عبد الله بن مغفل الوارد في النسائي، ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا.
قال السندي في شرحه لهذا الحديث قوله: إلا غبا: أن يفعل يوماً ويترك يوماً، والمراد كراهة المداومة عليه، وخصوصية الفعل يوماً والترك غير مراد.
ويشهد لما ذكرناه من طريقة الجمع بين الحديثين ما أخرجه النسائي: أن رجلاً من الصحابة يقال له: عبيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثير من الإرفاه.
قال ابن حجر في الفتح بعد أن ساق هذا الحديث: فيه إشارة إلى أن الوسط المعتدل منه لا يذم، وبذلك يجمع بين الأخبار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1423(3/1131)
حديث في أهمية الاتحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد حديثا عن أهمية الاتحاد؟ (بارك الله فيكم) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن الأحاديث الدالة على أهمية الاتحاد ما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. فدل على أن هذا الاتحاد والتواد والتعاطف من أمور الإيمان التي يتخلق بها المؤمنون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1423(3/1132)
أضواء على حديث "خلقت هؤلاء للجنة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل النار" مامعنى هذا الكلام؟ وألف شكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث بهذا اللفظ رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن مسلم بن يسار الجهني: أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف:172] .
قال: قرأ القعنبي الآية، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عنها، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله النار.
وهذا الحديث يتعلق بركن من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقدر، فيقرر الحديث أن أعمال العباد تجري على ما سبق به علم الله تعالى الذي كتبه عنده في اللوح المحفوظ، ويوضح هذا المعنى الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه: أن سراقة بن مالك بن جعشم قال: يا رسول الله، بيِّن لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيم العمل؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير.. أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، قال: ففيم العمل؟ قال زهير: ثم تكلم أبو الزبير بشيء لم أفهمه، فسألت عنه فقال: اعملوا فكل ميسر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وغيره ما دل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وهو: أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها من أفعال العباد وغير أفعال العباد، وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن...... إلى أن قال: وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرهم. انتهى
ومما يجب أن يعلم فيما يتعلق بالقدر أنه على أربع مراتب: ذكرها ابن القيم وغيره من أهل العلم وهي:
المرتبة الأولى: علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها.
المرتبة الثانية: كتابة ذلك عنده في الأزل قبل خلق السماوات والأرض.
المرتبة الثالثة: مشيئته المتناولة لكل موجود.
المرتبة الرابعة: خلقه لها وإيجاده وتكوينه.
هذا ما يجب الإيمان به فيما يتعلق بأمر القدر، أما ما وراء ذلك مما يسميه بعض العلماء "سر القدر" فلا يجوز تكلف البحث عنه، وهو الذي ورد عن علي بن أبي طالب: أن رجلاً سأله فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ قال: طريق مظلم فلا تسلكه، فأعاد السؤال فقال: بحر عميق لا تلجه، فأعاد السؤال فقال: سر الله خفي عليك فلا تفشه. ذكره في كنز العمال.
وقد قال الشافعي رحمه الله فيما أثر عنه من الشعر:
ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت لو لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن
وهذا شقي وهذا سعيد ... وهذا قبيح وهذا حسن.
ويكفينا هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما تقدم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها:
4054 -
19697 -
14623.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1423(3/1133)
معنى حديث "أجرؤكم على الفتيا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار
من راوي هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد حديث: أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار. والحديث رواه الدارمي في مسنده عن عبد الله بن أبي جعفر مرسلاً، ورواه أيضاً ابن عدي عن عبد الله بن جعفر مرسلاً. ...
وذكره الألباني -رحمه الله تعالى- في السلسلة الضعيفة، وفي ضعيف الجامع الصغير.
وعلى هذا؛ فالحديث ضعيف كما قال الشيخ الألباني.
وقال ابن القيم في أعلام الموقعين في معنى الحديث: قال ابن هاني سألت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد عن الذي جاء في الحديث: أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار.
قال أبو عبد الله: يفتي بما لم يسمع. قال: وسألته عمن أفتى بفتيا يعي فيها؟ قال: فإثمها على من أفتاها.
والحاصل: أن الحديث ضعيف، وأن المقصود به الذي يفتي بما لم يعلم أو يسمع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1423(3/1134)
العلة في النهي عن القعود بين الظل والشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[هات صحيح الحديث القائل خاب من نصفه في الظل والنصف الآخر في الشمس هل هذا الحديث لرسول الله صلعم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد النهي عن أن يجلس الشخص نصفه في الظل ونصفه في الشمس، وذلك فيما رواه ابن ماجه بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد بين الظل والشمس. صححه الألباني.
وعلَّل العلماء هذا النهي بأن الشخص يتضرر منه لاختلاف المؤثرين المتضادين، والأولى أن يعلل بما ورد: أنه مجلس الشيطان. كما في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُجلس بين الضح والظل، وقال: مجلس الشيطان. وصححه الألباني في صحيح الجامع، فكما ورد النهي عن مشابهة الشيطان في الأكل والشرب بالشمال فكذلك هنا.
وأما الحديث باللفظ الذي ذكره السائل فلمن نقف عليه بعد البحث عنه في مظانه.
كما ننبه السائل إلى أن كتابة: صلعم اختصاراً للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مكروهة، كما نص على ذلك السيوطي وغيره، وانظر في ذلك الفتوى رقم:
7334
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1423(3/1135)
"من سئل عن علم فكتمه.." دروس مستفادة
[السُّؤَالُ]
ـ[• (من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار) ما العلم المقصود في هذا الحديث أهو العلم الشرعي أم أي نوع من العلوم سواء شرعيا أو علميا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة. وله روايات أخرى بألفاظ متقاربة، ويُحْمَل العلم في هذا الحديث على علوم الشريعة، قال في عون المعبود: وهو علم يحتاج إليه السائل في أمر دينه. انتهى.
ولقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159] قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: نزلت في اليهود والنصارى، وقيل في اليهود لكتمهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم التي في التوراة، وقيل إنها عامة، وهو الصواب، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية، وكتمان الدين يناسب استحقاق اللعن، فوجب عموم الحكم عند عموم الوصف. إلى أن قال: قيل وفي الآية دلالة على أن من أمكنه بيان أصول الدين بالدلائل الفعلية لمن كان محتاجاً إليها ثم تركها، أو كتم شيئاً من أحكام الشرع مع الحاجة إليه فقد لحقه هذا الوعيد.
هذا؛ ولزوم التعليم يختلف حكمه باختلاف حال المستفتي.
جاء في الموسوعة الفقهية 13/8: ويلزم تعليم العلم اللازم تعليمه كاستعلام كافر يريد الاستعلام عن الإسلام، أو استعلام حديث عهد بالإسلام عن صلاة حضر وقتها، وكالمستفتي في الحلال والحرام، فإنه يلزم في هذه الأمور الإجابة، ومن امتنع كان آثماً. وليس كذلك الأمر في نوافل العلم التي لا ضرورة بالناس إلى معرفتها. انتهى.
وقال الإمام الخطابي عند شرح الحديث المتقدم: وهذا في العلم الذي يتعين عليه فرضه، كمن رأى كافراً يريد الإسلام، يقول علموني الإسلام، وما الدين؟ وكيف أصلي؟ وكمن جاء مستفتياً في حلال أو حرام فإنه يلزم في مثل هذا أن لا يمنعوا الجواب عما سئلوا عنه، ويترتب عليه الوعيد والعقوبة، وليس الأمر كذلك في نوافل العلم التي لا ضرورة بالناس إلى معرفتها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1423(3/1136)
معنى حديث: "عقل الكافر نصف عقل المؤمن"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الحديث الشريف:
(عقل الكافر نصف عقل المؤمن) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عقل الكافر نصف عقل المؤمن. رواه النسائي والترمذي والبيهقي وصححه الألباني.
والمراد بالعقل في الحديث: الدية، أي دية الكافر نصف دية المؤمن، وسميت الدية عقلاً لأنها تعقل لسان ولي المقتول.
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة -أي مقدار دية الكافر- بعد اتفاقهم على أنه لا دية للكافر الحربي أياً كان يهودياً أو نصرانياً أو غيره، ويمكن الرجوع إلى الفتوى رقم:
21224 للفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1423(3/1137)
معنى كلمة (الآنك)
[السُّؤَالُ]
ـ[ ((من استمع إلى قينة، صب في أذنيه الآنك)) ما معنى الآنك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآنك -كما في لسان العرب لابن منظور- هو: الأُسْرُبُّ. وهو: الرصاص القلعيُّ، أو القزدير، أو الرصاص الأبيض، وقيل: الأسود، وقيل هو: الخالص منه.
والحديث رواه ابن عساكر من حديث أنس، ولفظه: " من استمع قينة صب في أذنيه الآنك يوم القيامة." وقال الألباني: في ضعيف الجامع الصغير: حديث موضوع.
والقينة: المغنية.
وقد سبق بيان حكم استماع الغناء في الفتوى رقم:
987
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1423(3/1138)
معنى حديث "لا وصية لوارث"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معنى الحديث أن لا وصية لوارث أنه لا يجب مطلقا الوصية للوارث أو انها فقط تكون في حدود الثلث ولا تزيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الذي أشار إليه السائل أخرجه الإمام أحمد في المسند، وأصحاب السنن، وهو حديث مشهور بين أهل العلم حتى أصبح قاعدة معروفة.
ولفظه كما في الترمذي عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته فسمعته يقول: " إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ولا وصية لوارث." قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ومعنى الحديث كما جاء في شرح عون المعبود وغيره أن الله تعالى بين نصيب كل ذي حق في آية المواريث، وكانت الوصية قبل نزول آية المورايث واجبة للأقربين، وذلك بآية الوصية التي نسخت بآية المواريث عند كثير من أهل العلم.
وآية الوصية المنسوخة هي قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف وإنما تبطل الوصية للوارث في قول أكثر أهل العلم من أجل حقوق سائر الورثة، فإذا أجازوها جازت، كما إذا أجازوا الزيادة على الثلث للأجنبي جاز.
وذهب بعضبهم إلى أن الوصية للوارث لا تجوز وإن أجازها سائر الورثة لأن المنع إنما هو لحق الشرع.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أن الوصية لا تجوز للوارث، ولا في ما زاد على الثلث إلا إذا أجاز ذلك الورثة فتكون جائزة، وهذا بشرط أن يكون الورثة المجيزون لها بالغين عقلاء، قال العلامة المرداوي الحنبلي في الإنصاف: ولا يجوز لمن له وارث الوصية بزيادة على الثلث لأجنبي، ولا لوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1423(3/1139)
الفهم الصحيح لحديث "يا حنظلة ساعة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[س/ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ساعة لك وساعة لدينك)) فما تفسير هذا الحديث وأنا أرى الناس يرقصون ويغنون وإذا قلت لهم إن هذا حرام قالوا هذا الحديث]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى مسلم عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟." قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات." أي لا يكون الرجل منافقاً بأن يكون في وقتٍ على الحضور والتدبر والتفكر وأداء حقوق الله، وفي وقتٍ على الفتور وقضاء حوائج نفسه ومخالطة أولاده وزوجه وأمواله، وليس معنى الحديث ما ذكر في السؤال إن كان قد حرفه بعض الناس وجعلوه سلما لمواقعة المحرمات والمنكرات، فإذا ما أنكر عليهم شخص قالوا: ساعة لك وساعة لربك ودينك. ويزيد بعضهم تحريفاً لحديث آخر وهو: "إن لنفسك حقاً." رواه البخاري.
والمقصود من هذين الحديثين وأمثالهما: أنه ينبغي للمسلم أن يعطي نفسه حقها من الراحة، ونحو ذلك من المباحات، وألا تكون حياته كلها في العبادة، وليس معناه مقارفة الحرام والمنكر! نسأل الله السلامة.
وهذا التحريف من هؤلاء أكبر إثماً وأعظم جرماً من مقارفتهم للمنكر، بل إن هذا النوع من التحريف قد يصل بصاحبه إلى الكفر المخرج من ملة الإسلام، والعياذ بالله، لأن هذا من تحريف الكلم عن مواضعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1423(3/1140)
حديث "مثل المدهن في حدود الله.." معناه وفوائده
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أين يمكنني أن أجد تفسيراً لحديث (سفينة المجتمع) ؟ علماً بأنني بحثت عنه في جميع الكتب الموجودة لديكم في الموقع ولم أجده.
وأتمنى أن أحصل على الإجابه في أقرب وقت.
هذا وجزاكم الله عني ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه البخاري وأحمد والترمذي والبيهقي والطبراني في الأوسط وابن حبان.
ولفظ البخاري في كتاب الشهادات: باب القرعة في المشكلات: وقوله عز وجل: (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) [آل عمران:44] .
عن الشعبي أنه سمع النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها، مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا، فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك، قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم".
وإليك ملخص ما ورد فيه: قال الحافظ ابن حجر في الفتح: المداهن: يراد به من يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر.
وقد تقدم في الشركة من وجه آخر عن عامر وهو الشعبي "مثل القائم على حدود الله والواقع فيه" وهو أصوب، لأن المداهن والواقع -أي مرتكبها- في الحكم واحد، والقائم مقابله.
وقد رواه الترمذي من طريق أبي معاوية عن الأعمش بلفظ: "مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها".
وبيان وجود الفرق الثلاث في المثل المضروب أن الذين أرادوا خرق السفينة بمنزلة الواقع في حدود الله، ثم من عداهم إما منكر وهو القائم، وإما ساكت وهو المدهن.
وقوله: (استهموا سفينة) أي اقترعوها، فأخذ كل واحد منهم سهماً أي نصيباً من السفينة بالقرعة.
وقوله: (فأخذ فأسا) بهمزة ساكنة، معروف ويؤنث.
وقوله: (ينقر) بفتح أوله وسكون النون وضم القاف أي يحفر ليخرقها.
وقوله: (فإن أخذوا على يديه) أي منعوه من الحفر (أنجوه ونجوا أنفسهم) أي كل من الآخذين والمأخوذين. وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه، وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها.
قال الحافظ: وفيه -أي من الفوائد- استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف، وتبيين العالم الحكم بضرب المثل، ووجوب الصبر على أذى الجار إذا خشي وقوع ما هو أشد ضرراً، وأنه ليس لصاحب السفل أن يحدث على صاحب العلو ما يضر به، وأنه إن أحدث عليه ضرراً لزمه إصلاحه، وأن لصاحب العلو منعه من الضرر، وفيه جواز قسمة العقار المتفاوت بالقرعة، وإن كان فيه علو وسفل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1423(3/1141)
معنى حديث "حبب إلي من الدنيا النساء.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير الحديث النبوي الشريف؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم {حبب إلي من دنياكم
الطيب والنساء} ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه أخرجه الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة.
والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم حبب إليه النساء. واختلف في حكمة تحبيب النساء إليه، فقيل: لينقلن عنه ما لا يطلع عليه الرجال من أحواله ويستحيا من ذكره، ومن جملة ذلك: أحكام الغسل والحيض والنفاس والعدة وما شابه ذلك.
وقيل: حبب إليه صلى الله عليه وسلم النساء زيادة في الابتلاء في حقه حتى لا يلهو بما حبب إليه عما كلف به من أداء الرسالة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه وأعظم لأجره.
وقد نقل السيوطي عند شرحه لهذا الحديث كلا ما نفيسا عن السبكي حيث قال: السر في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه.. إلى أن قال:.. ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح، ولا كان يحب الوطء للذة البشرية -معاذ الله- وإنما حبب إليه النساء لينقلن عنه ما يستحي هو من الإمعان في التلفظ به، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة.
أما حبه صلى الله عليه وسلم للطيب فلكونه يناجي الملائكة وهم يحبون الطيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1423(3/1142)
شرح حديث "اشتكت النار إلى الله ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى الحديث: "اشتكت النار إلى الله، أكل بعضي بعضا" ما المقصود جعل لها نفسين
نفس في الصيف ونفس في الشتاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب آكل بعضي بعضا. ً فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: وأما قوله: اشتكت النار.....، فإن أهل العلم اختلفوا في ذلك.. فحمله بعضهم على الحقيقة وحمله منهم جماعة على المجاز، فالذين حملوه على الحقيقة قالوا: أنطقها الله الذي أنطق كل شيء..... وأما الذين حملوا ذلك كله وما كان مثله على المجاز قالوا: قول النبي صلى الله عليه وسلم "اشتكت النار إلى ربها" من باب قول عنترة: وشكا إلى بعيره وتحمحم
وقول الآخر:
شكا إلي جملي طول السرى ... صبراً جميلاً فكلانا مبتلى
وكقول الحارثي
يريد الرمح صدر أبي براء ... ويرغب عن دماء بني عقيل
ثم قال ابن عبد البر: القول الأول يعضده عموم الخطاب وظاهر الكتاب وهو أولى بالصواب. والله أعلم. انتهى من الاستذكار
وقال النووي في شرح مسلم: قال القاضي: اختلف العلماء في معناه.. فقال بعضهم: هو على ظاهره واشتكت حقيقة، وشدة الحر -الذي نجده في الصيف- من وهجها وفيحها، وجعل الله تعالى فيها إدراكاً وتمييزاً بحيث تكلمت بهذا.
قال القاضي عياض: وقيل ليس هو على ظاهره بل هو على وجه التشبيه والاستعارة والتقريب، وتقديره: إن شدة الحر يشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا حروره. قال: والأول أظهر، قلت - النووي -: والصواب الأول لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته فوجب الحكم بأنه على ظاهره. والله أعلم. انتهى
وجاء في تحفة الأحوذي: قال الحافظ في الفتح: قد اختلف في هذه الشكوى هل هي بلسان القال أو بلسان الحال؟ واختار كلاً طائفة. وقال ابن عبد البر: لكلا القولين وجه ونظائر والأول أرجح.... ورجح البيضاوي حمله على المجاز فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكلها بعضها بعضاً مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها، وقال الزين ابن المنير: المختار حمله على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك، ولأن استعارة الكلام للحال وإن عهدت وسمعت لكن الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن والقبول والتنفس وقصره على اثنين فقط بعيد عن المجاز خارج عما ألف من استعماله. انتهى.
وقال ابن عبد البر: وأحسن ما قيل في معنى الحديث ما ورد عن الحسن البصري قال: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فخفف عني، قال: فخفف عنها وجعل لها كل عام نفسين، فما كان من برد يهلك شيئاً فهو من زمهريرها، وما كان من سموم يهلك شيئاً فهو من حرها، فقوله: من زمهرير يهلك شيئاً وحر يهلك شيئاً يفسر ما أشكل من ذلك لكل ذي فهم، ومعلوم أن نفسها في الشتاء غير الشتاء، ونفسها في الصيف غير الصيف لقوله نفس في الشتاء ونفس في الصيف. الاستذكار 1/102 ... ... ...
والذي نراه هو أنه ينبغي أن لا يستريب بصير محقق في أن المراد من اللفظ هو ظاهره، وأنها قد اشتكت بكلام واضح ككلا منا: وذلك لسببين:
الأول: أنه يجب حمل اللفظ على المعنى الظاهر فلا يعدل عن ذلك إلا لدليل صارف ولا دليل يصرف هنا.
الثاني: أنه لا إشكال في هذا الحمل على الظاهر، وليس هنالك ما يدعو إلى الاستشهاد ببيت عنترة أو غيره، والاستشهاد به هنا ينظر من طرف خفي إلى استشهاد المؤولة والمعطلين ببيت الأخطل - قطع الله دابر كل مبتدع - وبيت الأخطل هو قوله:
قداستوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق.
أقول: قد استشهدوا به على نفي صفة الاستواء عن الله فحرفوا الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به.
وبالجملة فليس هنالك ما يدعو إلى التأويل في المسألة المسؤول عنها هنا، ولا إشكال في كون النار تتكلم، فقد ذكر الله أنها ستتكلم يوم القيامة فقال تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [قّ:30] .
وما الذي يدعو إلى استشكال نطقها، وقد أنطقها الله الذي أنطق كل شيء، فهو الذي سيختم على أفواه العصاة يوم القيامة، ويستنطق الجلود وغيرها يوم القيامة: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1423(3/1143)
شرح بعض عبارات حديث سؤال اليهود النبي عن تسع آيات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أود ان أعرف معنى الكلمات:
- ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان؟
- ولا تقذفوا المحصنة؟
- ولا تولوا يوم الزحف؟
- وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الكلمات المسؤول عنها وردت في حديث طويل أخرجه الترمذي عن صفوان بن عسال وفيه: فقال لهم - يعني لليهود - لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود ألا تعدوا في السبت.
وإليك معاني الكلمات التي سألت عنها:
1- ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان: أي لا تتكلموا بسوء فيمن ليس له ذنب عند السلطان ليقتله.
2- ولا تقذفوا المحصنة: أي لا ترموا العفيفة بفاحشة الزنا.
3- ولا تولوا يوم الزحف: لا تهربوا من ساحة المعركة مع الكفار.
وقد ثبت في الصحيحين أن قذف المحصنة والتولي يوم الزحف من الكبائر.
وبالجملة فإن هذه المسائل السالفة شاملة للجميع، إلا أنه خص اليهود بالتنبيه على حرمة الصيد يوم السبت على أسلافهم كما جاء ذلك مبينًا في القرآن، قال سبحانه: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ [الأعراف:163] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1423(3/1144)
معنى حديث "اعدد ستا بين يدي الساعة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الحديث التالي:
روى البخاري وابن ماجه وأحمد عن عوف بن مالك قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة..ِ مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَة، ً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ست علامات من علامات الساعة الصغرى، وقد وقع منها خمس علامات، وبقيت السادسة، والخمس التي وقعت هي:
1/ موت النبي صلى الله عليه وسلم.
2/ فتح بيت المقدس، وكان ذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة السادسة عشرة من الهجرة النبوية، كما ذهب إلى ذلك أئمة السيرة، وقد ذهب عمر رضي الله عنه بنفسه إلى بيت المقدس وبنى فيها مسجداً في قبلة بيت المقدس، كما روى الإمام أحمد وحسنه أحمد شاكر من طريق عبيد بن آدم قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب الأحبار: أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر: ضاهيت -شابهت- اليهود، لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس.
3/ كثرة الموت، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم" وعقاص الغنم هو: داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. قال أبو عبيدة: ومنه أخذ الإقعاص وهو القتل مكانه. قال ابن حجر: ويقال إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس.
وقال الشيخ يوسف الوابل في كتابه (أشراط الساعة) : ففي سنة ثمان عشرة للهجرة على المشهور الذي عليه الجمهور وقع طاعون في كورة عمواس، ثم انتشر في أرض الشام فمات فيه خلق كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ومن غيرهم. قيل: بلغ عدد من مات فيه خمسة وعشرون ألفاً من المسلمين، ومات فيه من المشهورين أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة رضي الله عنه.
4/ استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار، فيظل ساخطاً، وقد تحقق هذا في زمن عمر بن عبد العزيز فقد كثر المال في عهده، وفاض حتى كان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله منه، وسيكثر أيضاً في آخر الزمان حتى يعرض الرجل ماله، فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وذلك عند ظهور المهدي، ونزول عيسى عليه السلام، ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان: ... ثم يقال للأرض أنبتي تمرتك وردي بركتك، فيومئذٍ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل -اللبن- حتى إن اللقحة من الإبل، وهي قريبة العهد بالولادة لتكفي الفئام من الناس، والفئام هي الجماعة الكثيرة، واللقحة من البقر تكفي الفخذ، وهم الجماعة من الأقارب وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة، والشاة من الغنم تكفي أهل البيت.
وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة. قال: فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع، فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً.
وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لينزلن عيسى ابن مريم حكماً وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد".
وهذه الاستفاضة للمال لم تقع بعد، لأنها تكون بعد ظهور المهدي، ونزول عيسى عليه السلام، وهذا ما لم يقع بعد.
5/ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، وهي كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: والفتنة المشار إليها افتتحت بقتل عثمان، واستمرت الفتنة بعده.
6/ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً، وهذه لم تقع بعد، وقد نص جماعة من أهل العلم على أنها لم تقع حتى زمنهم، منهم: ابن حجر وابن المنير. وقال: أما قصة الروم فلم تجتمع إلى الآن، ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد، فهي من الأمور التي لم تقع بعد، وفيه بشارة ونذارة، وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه بشارة إلى أن عدد جيش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه.
ونحن نقول ما قاله ابن المنير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1423(3/1145)
معنى قوله عليه الصلاة والسلام "إسباغ الوضوء على المكاره"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم إسباغ الوضوء على المكاره.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط "
ففي هذا الحديث حث على بعض الأعمال الصالحة التي تكون سبباً في غفران الذنوب وإعلاء المنازل في الجنة.
ومن هذه الأعمال إسباغ الوضوء على المكاره.
وأما عن معنى الحديث فقد قال النووي في شرح مسلم: وإسباغ الوضوء إتمامه، والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحو ذلك انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1423(3/1146)
معنى زيادة"حلوه ومره" في حديث جبريل الطويل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق في قوله صلى الله عليه وسلم: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره) بين (خيره وشره) و (حلوه ومره) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لفظ: أن تؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. بزيادة حلوه ومره، قد جاءت في عدة أحاديث:
فمنها حديث عمر الطويل في قصة جبريل، وأصل الحديث في الصحيح، ولكن هذه الزيادة عند ابن حبان.
حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة والبيهقي والطبراني كذلك في حديث جبريل الطويل.
حديث عبد الله بن عمر عند الطبراني في الأوسط.
حديث عدي بن حاتم عند ابن ماجه.
حديث أنس عند ابن النجار.
وقد ضعف الألباني هذه الزيادة من بعض طرقها في تخريجه لكتاب السنة لابن أبي عاصم وحكم عليها بالنكارة.
وعلى فرض صحتها، فقد قال الحافظ في الفتح (1/118) إنها من باب التقرير بالإبدال، يعني أنها وردت لتأكيد المعنى.
ويمكن أن يقال: إن لفظ خيره وشره أعم من حلوه ومره، فهو من باب ذكر الخاص بعد العام.
وذلك لأن الخير قد يكون مراً، والشر قد يكون حلواً، قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [البقرة:216] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1423(3/1147)
معنى "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معنى الحديث التالي أن سورة الإخلاص من قرأها ثلاث مرات يأخذ ثواب قراءته القرآن كله مع أن عدد حروف القرآن أكثر بكثير جداً وعلى كل حرف حسنة عند قراءته؟
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي ذكره السائل رواه البخاري وغيره، وقد اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن" وذلك على أقوال:
القول الأول: أنها ثلث باعتبار معاني القرآن، لأن القرآن أحكام وأخبار وتوحيد، وقد اشتملت هي على القسم الثالث، فكانت ثلثاً بهذا الاعتبار.
والقول الثاني: أنها ثلث القرآن باعتبار الثواب. أي أن ثواب قراءتها يعدل ثواب قراءة ثلث القرآن، وقيل مثله من غير تضعيف، والأقرب أنه مع التضعيف للإطلاق.
والقول الثالث: أن المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن.
والقول الرابع: أن هذا الثواب خاص بذاك الرجل الذي كان يرددها في ليلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لتعدل....الحديث".
وقيل غير ذلك، وراجع فتح الباري.
والأقرب هو أن ثوابها كثواب ثلث القرآن مع التضعيف.
وفضل الله واسع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1423(3/1148)
قدر المسافة بين الأرض والسماء الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[سممعت من أحد الخطباء أنه ورد حديث أخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسافة بين الأرض والسماء والأولى مسيرة خمسمائة عام...........
أين يمكن أن أجد هذا الحديث؟ وما مدى صحته؟ وهل المقصود با المسيرة هي مسيرة الأشخاص أثناء السفر في ذالك العصر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم ذكر الحديث في الفتوى رقم 9692 والفتوى رقم 21022
والحديث بطوله تكلم عليه العلماء فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه؛ ولكن القدر المذكور في السؤال (وهو ذكر المسافة بين السماء والأرض والمسافة بين السموات) صحيح، فإن له شواهد ومتابعات يصح بها.
أما عن المقصود هنا: فالظاهر أن المراد أن بعد المسافة هو مسافة خمسمائة عام لو قدر للماشي أن يسيرها. وعلى العموم فإن معرفة ما هو الذي تقاس به هذه المسافة مما ليس تحته عمل، فالجهل به لا يضر، ولذا فإننا نرشد الأخ السائل وجميع الداخلين على مركز الفتوى إلى أن يسألوا عما تحته عمل.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1423(3/1149)
المقصود بجوف الليل الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث الشريف أن صلاة الليل في جوف الليل الأخر لها أجر عظيم فما المقصود بجوف الليل الأخر ومتى يبدأ بالساعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجاء في لسان العرب لابن منظور قوله: في الحديث قيل له: أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر أي ثلثه الآخر، وهو الجزء الخامس من أسداس الليل. انتهى
وأما عن وقته بالساعة، فانظر الفتوى رقم:
19243.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1423(3/1150)
معنى حديث (لا تنصرف حتى تسمع..)
[السُّؤَالُ]
ـ[توضأت للصلاة ثم خرج مني ريح ولكن ليس له صوتً أو ريح فهل أتوضأ؟ وهل يدخل في مضمون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم {لا تنصرف حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا} ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معنى الحديث أن الوضوء لا ينتقض بمجرد الشك في حصول الحدث، بل لا بد من اليقين.
فمن تيقن خروج شيءٍ من أحد السبيلين، فقد انتقض وضوؤه سواء أسمع الصوت أم لم يسمع، وجد الريح أم لم يجده.
ومن شك هل خرج منه شيء أم لم يخرج؟ فلا ينتقض وضوؤه بذلك الشك، بل لا بد من اليقين بما يفيد اليقين من سماع صوت أو وجود ريح أو نحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1423(3/1151)
موقف تبسم له سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حديث الابتسامة الذي ابتسم في آخره الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحاديث التي ابتسم أو ضحك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، ومن جملتها ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فلم يفتحها، فقال: إنا قافلون غدًا إن شاء الله، فقال المسلمون: نقفل ولم نفتح، قال: فاغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم جراحات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون غدًا إن شاء الله، فكأن ذلك أعجبهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1423(3/1152)
انتفاء التضاد عن أحاديث زيادة العمر ونقصانه
[السُّؤَالُ]
ـ[أطال الله في عمرك..!
هل هذا الدعاء يغير في عمر الإنسان من شيء!! هل عمر الإنسان ينقص ويزيد..
وهناك حديث للرسول..عندما سمع فاطمة (على ما أعتقد) تدعو اللهم متعني بزوجي اللهم متعني برسول الله! (بما معناه أن الله يطيل في عمرهم) ؟ الرجاء التفسير!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي أشار إليه السائل يرويه الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَتْ أُمّ حَبِيبَةَ، زَوْجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي، رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَبِأَبِي، أَبِي سُفْيَانَ. وَبِأَخِي، مُعَاوِيَةَ. قَالَ: فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ سَأَلْتِ اللهِ لاَِجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ. لَنْ يُعَجّلَ شَيْئاً قَبْلَ حِلّهِ. أَوْ يُؤَخّرَ شَيْئاً عَنْ حِلّهِ. (حِلِّه: بفتح الحاء وكسرها: وجوبه وحينه) وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهِ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَ خَيْراً وَأَفْضَلَ". كتاب القدر.
فظاهر هذا الحديث يدل على أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عمَّا سبق به القدر.
وقد رويت أحاديث أخرى قد يظن بعض الناس أن ظاهرها التعارض مع ما سبق، منها ما رواه مسلم عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط عليه رزقه أو ينسأ في أثره فليصل رحمه.
وما رواه الترمذي وحسنه عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر.
وفي رواية ثوبان: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء.
وللعلماء في الجمع بين هذه النصوص أوجه، منها ما ذكره النووي - رحمه الله- في شرح مسلم: أن هذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.
والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة، وفي اللوح المحفوظ، ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة؛ إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع، وهو من معنى قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39] .
فالنسبة إلى علم الله وما سبق به قدره لا زيادة، بل هي مستحيلة.
وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تُتصور الزيادة، وهو مراد الحديث.
والثالث: أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده، فكأنه لم يمت. (حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل) . انتهى.
وقال الإمام الطحاوي في مشكل الآثار 4/170 بعد أن ذكر الأحاديث المختلفة في ذلك: إن هذا مما لا اختلاف فيه، إذْ كان يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برَّت كذا وكذا، وإن لم تبر كذا وكذا، لما هو دون ذلك، وإن كان منها الدعاء رد منها كذا، وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا، وإن عملت كذا حرمت كذا، وإن لم تعمله رزقت كذا، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه، وفي هذا بحمد الله التئام هذه الآثار واتفاقها وانتفاء التضاد عنها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(3/1153)
فوائد حديث (إياكم والدخول ... ) وأمثلة واقعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث "إياكم والدخول على النساء قيل يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت الحمو الموت" ما الأحكام الفقهية المستفادة من هذا الحديث وما أمثلته التطبيقية في حياتنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
وفي هذا الحديث فوائد منها:
1- المنع من الدخول على النساء لما فيه من الفتنة على الداخل والمدخول عليها.
2- تأكيد المنع بالنسبة للحمو، قال النووي في شرح مسلم: فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر، لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا: أقارب الزوج غير أبائه وأبنائه. انتهى.
3- في هذا الحديث تكمن قاعدة عظيمة يبنى عليها كثير من الأحكام، وهي (سد الذرائع إلى الفساد) فقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدخول على النساء لسد ذرائع الفتنة والوقوع في المحرمات.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
19664، والفتوى رقم:
19833، والفتوى رقم:
20009.
أما عن الأمثلة التطبيقية لهذا الحديث، فحدث عنها ولا حرج، لأنك ستجد أن كثيراً من جرائم الزنا عموماً، وزنا المحارم خصوصاً تنتج عن التساهل في الدخول على النساء والخلوة بهن، بدعوى التحضر أحياناً، وبدعوى الثقة أحياناً أخرى، وبدعوى القرابة من الزوج.
وليعلم أنه من الواجب على أولياء الأمور أن يربوا من ولاهم الله أمرهم على عدم الاختلاط أو السماح للأقارب بالدخول على بناتهم، لما يفضي إليه من الفتنة والشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1423(3/1154)
شرح حديث "اثبت أحد ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما وقف النبي على جبل أحد اهتز فقال اثبت أحد أن عليك نبي وصديق وشهيدان؟ من هم الشهيدان]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشهيدان المقصودان في هذا الحديث هما: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والصديق هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوضح ذلك ما رواه البخاري عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1423(3/1155)
شرح حديث: ثلاث جدهن جد ... "
[السُّؤَالُ]
ـ["ثلاث جدهن جد وهزلهن جد"الطلاق والنكاح والعتق" هل هذا الحديث صحيح وما تفسيره بالتفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث صحيح رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة.
ومعنى الحديث أنه لو طلق أو نكح أو راجع وقال: كنت فيه لاعباً هازلاً لا ينفعه قوله هذا، قال الخطابي: اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعباً أو هازلاً أو لم أنوه طلاقاً.. أو ما أشبه ذلك من الأمور.
وفي الطبراني بسند حسن عن فضالة بن عبيد: ثلاث لا يجوز اللعب فيهن: الطلاق والنكاح والعتق.
والنكاح هو أن يقول: الولي زوجتك فلانة. ويقول: الزوج قبلت. والطلاق معلوم.
والرجعة: هي عود المطلقة إلى العصمة جبرا عنها.
والعتق: معلوم وهو أن يقول أنت حر أو نحو ذلك، ولا ينفعه في شيء من ذلك أن يقول كنت لاعباً أو هازلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1423(3/1156)
شرح حديث "من رآني في المنام ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. من رآني فقد رآني ومن رآني فسيراني..
ما معنى الشطر الأول من الحديث هل صورته التي كان بها في الحياة الدنيا أو على أي هيئة المهم أنك تدري أنك ترى الرسول صلى الله عليه وسلم، وما معنى الشطر الثاني من الحديث ... فسيراني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت عدة أحاديث في باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رأني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي.
وفي المتفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي.
في البخاري من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رآني فقد رأى الحق.
وذكر الحافظ في الفتح أن الحديث قد روي بثلاثة ألفاظ: فسيراني في اليقظة، فكأنما رآني في اليقظة، فقد رآني في اليقظة، وذكر أن أكثر الروايات كالثالثة إلا قوله في اليقظة. وبعد تفصيل طويل للحافظ -يراجع في موطنه من الفتح- خلص إلى أن لأهل العلم في المسألة ستة أقوال:
أحدهما: أنه على التشبيه والتمثيل، ودل عليه قوله في الرواية الأخرى "فكأنما رآني في اليقظة".
ثانيها: أن معناها: سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير.
ثالثها: أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه.
رابعها: أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك، وهذا من أبعد المحامل كما قال الحافظ.
خامسها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصيته لا مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام.
سادسها: أنه يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه.
قال القرطبي: منكراً على من قال بالقول السادس: وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن، ويخرج من قبره، ويمشي في الأسواق، ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده، فلا يبقى في قبره منه شيء، فيزار مجرد القبر، ويسلم على غائب، لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره. وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1423(3/1157)
بين معنى حديث " ... عامة من دخلها المساكين.."
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد الأئمة يفسر حديث: "مررت على الجنة فوجدت أكثر أهلها المساكين". وحديث: "المساكين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم". ففسر المساكين بأنهم المتواضعون ما صحة هذا التفسير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصاحب الجَدّ محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار. وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء".
وفي الصحيحين أيضاً: "اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء".
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً".
ولا تعارض بين هذه الأحاديث، فإن الفقراء هم أهل التواضع والمسكنة غالباً، وقد جاء في شأن التواضع وفضل المتواضعين ما رواه البخاري ومسلم من حديث حارثة بن وهب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة: كل ضعيف متضعِّف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار: كل عتل جواظ مستكبر".
قال النووي -رحمه الله-: ضبطوا قوله متضعف بفتح العين وكسرها. المهشور الفتح، ولم يذكر الأكثرون غيره، ومعناه: يستضعفه الناس ويحتقرونه، ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا، يقال: تضعّفه واستضعفه، وأما رواية الكسر فمعناها: متواضع متذلل خامل واضع من نفسه.
قال القاضي: وقد يكون الضعف هنا: رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان، والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء، كما أن معظم أهل النار القسم الآخر، وليس المراد الاستيعاب في الطرفين. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1423(3/1158)
شرح حديث..القوم الذين تقرض شفاههم
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنىالحديث (مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت (أنس) من هؤلاء؟ قالوا: خطباء من أمتك من أهل الدنيا، كانو يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم) فهل الإنسان حينما ينشر منشورات أو أشرطه أو كلمة نافعة وهو يجاهد نفسه على فعلها وفي بعض الأحيان لا يعمله ولكن يحب الناس أن يعملوا هذا الخير كي يكسب الأجر ويسقط الإثم عنه. أرجوا الإجابه والتوضيح ونصحي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً ننبه الأخ السائل إلى أن السائل في الحديث هو النبي صلى الله عليه وسلم وليس أنساً كما فهمنا من صنيع الأخ السائل، والمجيب هو جبريل عليه السلام، كما ورد التصريح بذلك في بعض روايات الحديث في مسند أحمد وغيره.
وأما عن معنى الحديث ففي الحديث الزجر والتهديد الشديد لمن ترك المأمور مع أمره لغيره به، أو أتى المنكر مع نهيه لغيره عنه.
وترك المأمور وإتيان المنكر مذموم على كل حال وصاحبه متوعَد، سواء أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أم لا، ولكن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر سبب في أمره نفسه بطريق الأولى، فإذا لم يفعل قبح منه ذلك جداً.
وأقبح منه ما لو جمع بين الإثمين فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعل هو في نفسه المنكر وترك المعروف.
ولا بأس أن نضرب مثالاً يتضح به المقال أكثر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق. رواه أحمد.
فالرفث والفسق منهي عنهما للصائم وغيره، ولكن فعلهما من الصائم أقبح لأن الصوم سبب مؤكد لاجتنابهما.
فهل يجوز لأحد أن يقول: لن أصوم لأنني لا أستطيع أن أوفي الصوم حقه فلا أستطيع اجتناب الرفث والفسوق، والجواب معلوم وهو أن هذا لا يجوز.
فإن فعل ذلك فقد ارتكب إثمين، إثم ترك الصيام وإثم الوقوع في الرفث والفسوق.
وإن صام ثم رفث أو فسق فقد قام بواجب وارتكب إثماً، وهذا أخف من الأول.
والخلاصة: أن الذم في هذا الحديث وما شابهه من الآيات والأحاديث إنما هو واقع على ارتكاب ما نهي عنه لا عن نهيه عن المنكر.
فنحن ننصح الأخ السائل بمواصلة ما هو عليه من الدعوة إلى الله عز وجل بنشر المنشورات والأشرطة النافعة وتذكير من يستطيع تذكيره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع مجاهدة النفس على فعل الواجبات واجتناب المحرمات والمسابقة إلى الفضائل بقدر الاستطاعة، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1423(3/1159)
معنى حديث ( ... فإنما هو استدراج)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما شرح هذا الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الحديث رواه أحمد في مسنده، وورد فيه ذكر سنة من سنن الله عز وجل، وهي الإمهال للعاصي، واستدراجه بما يحب حتى يفرح ويغتر، ثم يأتيه عقاب الله على حين غفلة. نسأل الله العافية.
فيبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن بسط الدنيا للعاصي ليس دليلاً على كرامته على الله عز وجل أو محبة الله عز وجل له.. بل الحقيقة أن ذلك من مكر الله عز وجل به فيعطيه من الدنيا ما يحب، ويبسط له الأرزاق، فيغتر ويفرح، ثم يأخذه الله عز وجل بغتة، فلا يغني عنه ذلك شيئاً، كما قال سبحانه: (أفرأيت إن متعناهم سنين* ثم جاءهم ما كانوا يوعدون*ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) [الشعراء:205-207]
كما أن في الحديث إشارة إلى حقارة الدنيا عند الله عز وجل، ولحقارتها عنده لم يجعلها ثواباً للطائعين، كما لم يجعل الحرمان منها عقوبة للعاصين. فتراه سبحانه يبسط الدنيا لأهل المعصية، ويزويها عن أهل الطاعة، وما ذاك إلا لدناءتها، وأما الجنة فلقدرها وعظمتها جعلها الله عز وجل ثواباً لأهل طاعته، وجعل الحرمان عقاباً لأهل معصيته.
نسأل الله عز وجل أن يجنبنا فتنة الدنيا، وأن يجعلنا من أهل الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1423(3/1160)
المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام "من قال في القرآن ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالحديث الشريف "من قال في القرآن برأيه فقد اخطأ ولو أصاب" وهل يعني هذا أن يتوقف التفسير على ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وما أخبر به ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وما الموقف من التفاسير الحديثة التي تتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن وكيف تعدد المفسرون القدامى وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه رواه الترمذي رحمه الله في جامعه من حديث جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال في القرآن برأية فأصاب فقد أخطأ. وضعفه جماعة من أئمة الحديث وتكلم فيه الترمذي، ولكن معناه صحيح.. فلا يجوز القول في القرآن بالرأي.
ولكن ما المقصود بالرأي هنا؟
المقصود به -كما يقول أهل العل- الرأي المجرد الذي يعتمد على الحدس والتخمين، فهذا تعد على كتاب الله تعالى لا يجوز ولو صادف الصواب، لأنه أخطأ الطريق في الوصول إلى هذا الصواب.
وأما من اجتمعت فيه أسباب الأهلية التي تؤهله للكلام في تفسير القرآن، وذلك بأن اجتمعت له العلوم المطلوبة للتفسير، وهي خمسة عشر علماً كما عدها بعض أهل العلم منها: اللغة والنحو والتصريف والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع والقراءات وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والفقه والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم، وهذه العلوم كانت موجودة لدى السلف بعضها بالتعلم، وبعضها بالطبع. فلم يقولوا في القرآن بالرأي المجرد حتى يستشكل الأخ السائل ما ورد من كلامهم في القرآن، والآثار عنهم في الترهيب من القول في القرآن بالرأي كثيرة وافرة، وراجع الفتوى رقم:
8600 والفتوى رقم:
9186 والفتوى رقم:
20711.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1423(3/1161)
الأحكام المتعلقة بحديث (زادك الله حرصا ولا تعد)
[السُّؤَالُ]
ـ[يحكى أن أحد صحابة سيدي سيد خلق الله صلى الله عليه وسلم وهو الصحابي أبو بكرة رضي الله عنه أنه دخل المسجد ذات مرة فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ومن خلفه راكعون فركع عند باب المسجد ثم أسرع في الخطا ودخل الصف فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له: زادك الله حرصا ولا تعدُ ولا تعيد ولا تعود
فهل يجوز للمتأخر من الجماعة أن يركع عند باب المسجد ثم يسرع الخطا ويسجد مع الساجدين حيث أن بعض مفسري الأحاديث يجيزون ذلك هنا في غزة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المشار إليه في السؤال رواه البخاري في صحيحه.. ورواه غيره بلفظ: زادك الله حرصاً ولا تعد. بفتح التاء المثناة من فوق وضم العين المهملة، وحكى بعض الشراح أنه روي بضم التاء وكسر العين من الإعادة ولكن المشهور الأول، وهو ما رجحه الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه للبخاري. ...
وقد حمله أكثر شراح الحديث على أن أبا بكرة قد ركع خلف الصف ثم خطا خطوتين أو خطوة حتى دخل في الصف، فنهاه عن العود إليه لأن هذا العمل وإن كان لا يفسد الصلاة لكن التحرز عنه أولى، وهذا بناءً منهم على أن ثلاث خطوات متواليات يفسدن الصلاة لأنهن عمل كثير، ولكن الصحيح ما قاله الحنابلة رحمهم الله، فقد قال صاحب المغني منهم: ولا يتقدر الجائز من هذا بثلاث ولا بغيرها من العدد. إلى أن قال رحمه الله: ولكن يرجع في الكثير واليسير إلى العرف فيما يعد كثيراً أو يسيراً، وكل ما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو معدود يسيراً. وهذا القول قوي ظاهر موافق للسنة، وهو قريب من قول المالكية. وعليه فنقول: إن كان المشي من خارج الصف إلى الصف يعد كثيراً في العرف بحيث يظن الظان أن هذا ليس مصلياً، فإن ذلك لا يجوز لأنه مبطل للصلاة، وأما إن كان يسيراً، فلا بأس.
وتبقى هنا مسألة أخرى، وهي تكبيرة الإحرام خلف الصف مع وجود فرجة في الصف، وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله الاتفاق على كراهيته، قال: وذهب إلى تحريمه أحمد وإسحاق وبعض محدثي الشافعية، فالأولى اجتناب ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(3/1162)
معنى حديث (كان الله ولم يكن شيء ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذه العبارة, ولماذا؟ (كان الله ولا شيء معه, وهوالآن على ما كان عليه) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم. قالوا: قد قبلنا يا رسول الله. قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر. قال: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض.
وفي رواية: لم يكن شيء قبله. قال ابن حجر: وفي رواية غير البخاري: ولم يكن شيء معه.
وقال أيضاً: تنبيه: وقع في بعض الكتب في هذا الحديث: كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث، نبه على ذلك العلامة تقي الدين ابن تيمية، وهو مسلَّم في قوله:" وهو الآن" ... إلىآخره.
وأما لفظ "ولا شيء معه" فرواية الباب بلفظ ولا شيء غيره بمعناها. انتهى من فتح الباري.
ولا شك أن جملة وهو الآن على ما كان عليه لا تصح بحال، فقد خلق الله السموات والأرض وغيرهما، كما هو معلوم، وكيف يسوَّى بين أول الأمر - كما جاء في الحديث، وبين وقت النبي صلى الله عليه وسلم المعبر عنه بلفظ الآن؟!
وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لم يتكلم على الحديث بتمامه، وإنما أنكر الجملة الأخيرة منه، وهي قوله وهو الآن على ما عليه كان خلافاً لما توهمه عبارة ابن حجر.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن أعظم الأصول التي يعتمدها هؤلاء الاتحادية الملاحدة المدعون للتحقيق والعرفان ما يؤثرونه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان وهذه الزيادة وهي قوله: وهو الآن على ما عليه كان كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اتفق أهل العلم بالحديث على أنه موضوع مختلق، وليس هو في شيء من دواوين الحديث لا كبارها ولا صغارها، ولا رواه أحد من أهل العلم بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا بإسناد مجهول، وإنما تكلم بهذه الكلمة بعض متأخري متكلمة الجهمية فتلقاها منهم هؤلاء الذين وصلوا إلى آخر التجهم وهو التعطيل والإلحاد.
ثم قال رحمه الله: وهذه الزيادة الإلحادية وهي قولهم: وهو الآن على ما عليه كان. قصد بها المتكلمة المتجهمة نفي الصفات التي وصف بها نفسه من استوائه على العرش ونزوله إلى السماء الدنيا وغير ذلك، وقالوا: كان في الأزل ليس مستوياً على العرش، وهو الآن على ما عليه كان، فلا يكون على العرش. مجموع الفتاوى 2/272.
وقصد بها الاتحادية تأييد مذهبهم الإلحادي في أن الله هو عين الموجودات، ونفس الكائنات، وأنه ليس إلا هو، فليس معه شيء آخر لا أزلاً ولا أبداً. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(3/1163)
شرح حديث (بلغوا عني ولو آية)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما شرح بلغوا عني ولو آية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفقرة المسؤول عنها هي جزء من حديث صحيح أخرجه البخاري وغيره.
وأما بخصوص معناها فهو أن المسلم مطالب بتبليغ ما وصل إليه من القرآن والأحاديث النبوية إلى غيره ممن لم يبلغه.
قال المباركفوري في كتابه تحفة الاحوذي في شرحه للحديث المشار إليه نقلاً عن صاحب اللمعات ما نصه: بلغوا عني: أي ولو كانت آية قصيرة من القرآن، والقرآن مبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الجائي به من عند الله، ويفهم منه تبليغ الأحاديث بالطريق الأولى.
وقد ذكر بعض العلماء أن المراد بالآية في الحديث هو الكلام المفيد نحو: من صمت نجا، والدين النصيحة. وعلى هذا فيكون المعنى بلغوا عني أحاديث ولو كانت قليلة.
إلا أن الصحيح هو القول الأول حسبما رجحه المباركفوري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(3/1164)
بيان معنى التيسير في حديثه صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم اطلاق اللحية والرجاء توضيح آراء المعاصرين من العلماء دون تشدد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان خلاف العلماء في حكم حلق اللحية والأخذ منها في الفتوى رقم:
14055 والفتوى رقم: 2711 والفتوى رقم:
3707 >
وليعلم الأخ السائل أن التشدد في الدين مذموم، لقوله صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا. رواه البخاري ومسلم. وهذا لفظ البخاري وفي رواية أخرى: إن الدين يسر، ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
وقد بين العلماء معنى التشديد المنهي عنه في الحديث، فقال ابن حجر في شرح هذا الحديث: وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل. اهـ
وقال أيضًا: وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع، كمن ترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء، فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر. اهـ
فعُلم بذلك أن التشدد هو: المبالغة في تنفيذ الأمر بما يشق على النفس، ويكون سبباً في نفورها ومللها، وعُلم كذلك أن التيسير هو: الأخذ بالرخصة عند الحاجة إليها، وتنفيذ الأوامر الشرعية بأسهل الطرق المشروعة، وليس معناه التفريط أو التساهل في أداء التكاليف الشرعية.
وقد سبق أن بينا بالأدلة الشرعية في أجوبة متقدمة أحلناك عليها قبلُ.
وننصحك بمراجعة كتاب أدلة تحريم حلق اللحية، للشيخ محمد بن إسماعيل.
وقد ذهب بعض المعاصرين إلى أن حلقها مكروه، منهم: الشيخ جاد الحق علي جاد الحق - رحمه الله - شيخ الأزهر سابقًا، والدكتور: يوسف بن عبد الله القرضاوي وغيرهما.
والمسلم يقف من هذا الخلاف موقف العازم على اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أثره، لا موقف المتهاون المفرط الذي يبحث عن رخص العلماء وزلاتهم، وقد مضى بيان حكم تتبع الرخص في الفتوى رقم: 4145.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1421(3/1165)
معنى أن: بين السماء والتي تليها خمسمائة عام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (ما بين السماء الأولى إلى السماء الثانية 500 عام) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الترمذي عن أبي هريرة في حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن ما بين السماء والسماء خمسمائة عام، وكذا ما بين السماء والأرض، والمعنى أن المسافة التي بين السماء والأرض تقدر بمسيرة خمسمائة عام، وكذا ما بين كل سماء والتي تليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(3/1166)
معنى حديث (نية المؤمن خير من..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث: "نية المؤمن خير من عمله وعمل المنافق خير من نيته"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الطبراني عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نية المؤمن خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيته، وكل يعمل على نيته، فإذا عمل المؤمن عملاً نار في قلبه نور" والحديث ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، وفي ضعيف الجامع.
وقد رواه البيهقي في الشعب مختصراً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "نية المؤمن أبلغ من عمله".
وقال البيهقي بعد روايته: هذا إسناد ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع.
أما عن معنى الحديث، فقال البيهقي في الشعب: نية المؤمن خير من عمله، لأن النية لا يدخلها الفساد، والعمل يدخله الفساد ... وقد قيل: النية دون العمل قد تكون طاعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة".
قالوا: والعمل دون النية لا يكون طاعة. انتهى كلام البيهقي.
وروى البيهقي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: سئل الأستاذ أبو السهل الصعلوكي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: نية المؤمن خير من عمله، فقال: النية في مخلص الأعمال لمقابلة الرياء والعجب. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1423(3/1167)
معنى قوله عليه الصلاة والسلام "اللهم أبدله دارا ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى الدعاء للميت اللهم أبدله أهلا خيرا من أهله وداراً خيراً من داره]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الجملة جزء من حديث رواه مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه في الدعاء للميت.
ومعنى كلمة (أبدله) أي عوضه، (داراً خيراً من داره) الدار الأولى دار الدنيا، والثانية: الدار الآخرة وتشمل حياة البرزخ، ويوم القيامة.
ومعنى: (أهلاً خيراً من أهله) قال في مرقاة المفاتيح: خدماً، ويحتمل أن يكون المراد عموم الأهل.
يراجع: مرقاة المفاتيح، والشرح الممتع على زاد المستقنع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1423(3/1168)
شرح حديث (بين كل أذانين صلاة ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاة النوافل أقوم بصلاتها على أساس الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام (رحم الله امرء صلى أربعا قبل العصر) ولقوله عليه الصلاة والسلام (بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثه لمن شاء) وبالتالي هي أربع قبل الظهر وأربع قبل العصر واثنتين قبل المغرب واثنتين قبل العشاء نريد معرفة المقصود بالثالثه في هذا الحديث وكيفية صلاة النوافل وهل يوجد فيها نية ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: بين كل أذانين صلاة. بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء. رواه البخاري.
أي: بين كل أذان وإقامة، وإنما قال: أذانين تغليبًا كما يقال: القمرين، يعني الشمس والقمر، والمقصود بالصلاة: أي النافلة، فيجوز للمصلي أن يصلي ما شاء من التطوع بين الأذان والإقامة إلا ما استثنى، كالاقتصار على ركعتي سنة الفجر، وهذه فائدة تنكير لفظ صلاة فيتناول كل عدد نواه المصلي.
أما قول الراوي: ثم قال في الثالثة: لمن شاء.: فمعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة الثالثة: لمن شاء.
وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الثالثة لمن شاء رفعاً للحرج واللزوم الذي قد يتوهم من تكريره لجملة "بين كل أذانين صلاة".
لا أن كلمة الثالثة تعني صلاة جديدة كما فهم السائل.
وأما كيفية صلاة النوافل فتفصيلها تجده في الفتوى رقم:
2116.
وبالنسبة للنية في صلاة النافلة، فالنافلة تنقسم إلى قسمين:
معينة: كصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح والوتر والرواتب، فهذه تحتاج إلى نية الصلاة مع التعيين بأن ينوي المصلي مثلاً أن هذه سنة الظهر، وتلك سنة المغرب، وهكذا..
والقسم الثاني من النافلة: هو النافلة المطلقة، كصلاة الليل، فهذا تجزئ فيه نية الصلاة لا غير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1423(3/1169)
الحكمة من سؤال الله للملائكة (كيف تركتم عبادي؟)
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الروايات يذكر فيها أن الله أرسل الملك إلى المكان الفلاني مع ذكر (والله أعلم) أي اعلم بما سيجيء الملك من الأخبار السؤال: ما الحكمة من إرسال الملك ونحن كلنا موقنون بأن الله يعلم كل شيء وأن الملك سيجيء بخبر يعلمه الله سبحانه وتعالى؟
ملاحظة أنا مؤمن بأن الله يعلم ويعلم ويعلم كل شيء ولكن سؤالي لأستزيد علما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعلك تشير إلى نحو ما في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم -وهو أعلم- فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
وما في الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادَوْا هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. قال: فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون يسبحونك ويكبرونك ويَحْمدونك" الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرح الحديث الأول: قوله: "فيسألهم" قيل: الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير، واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال: إني أعلم ما لا تعلمون.
أي قد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم.
وقال عياض: هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة، كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم، وهو سبحانه وتعالى أعلم من الجميع بالجميع. انتهى من الفتح.
ولا حرج عليك في هذا السؤال، فإن هذا من التفقة في الدين الذي جاءت النصوص بمدح أهله، ونسأل الله أن يزيدك علماً وتوفيقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1423(3/1170)
شرح حديث (العزل)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالمقصود بالعزل الوارد في هذا الحديث:"وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر قالوا حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز أنه قال: دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري فسأله أبو صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل، فقال: نعم، غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بالمصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون" رواه مسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجمل معنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا هو وأصحابه بني المصطلق وانتصروا عليهم وغنموا أموالهم واتخذوا نساءهم سبايا وكانوا لم يكونوا قريبي عهد بالنساء وأرادوا مضاجعة النساء بعد تقسيم الغنائم، ومن نيتهم أنهم يفدونهم بعد ذلك بالمال إذا رغب أهلهن في ذلك، ولم يجدوا وسيلة للجمع بين الأمرين إلا بواسطة العزل -ومعناه- وطء المرأة وإنزال المني خارج فرجها- تخوفاً من وقوع الحمل، فتشاوروا واستقر رأيهم على أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم المسألة؟ فقال لهم صلى الله عليه وسلم: لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون. ومعنى -لا عليكم أن لا تفعلوا- لا حرج عليكم أن تفعلوا ذلك، أي أن تطؤوا وتعزلوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1423(3/1171)
معنى قوله عليه الصلاة والسلام "قل آمنت بالله ثم استقم"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إلى فضيلة الشيخ جزاك الله عني كل خير وأرجو اتساع صدرك علينا. ما معنى: قل آمنت بالله ثم استقم.... أرجو شرحها لي بالتوضيح الشامل لها ومع بعض الأمثله عليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقصود بالاستقامة هو الاستمرار على امتثال أمر الله تعالى على وجهة واحدة من غير أخذ جهة اليمين والشمال، قال ابن العربي عند شرحه للحديث الذي أشرت إليه: الاستقامة: هو لفظ جامع لجميع الأوامر والنواهي، فإنه لو ترك أمراً أو فعل منهياً عنه فقد عدل عن الطريق المستقيمة حتى يتوب، ومنه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] .
فإن من آمن بالله ورضي به رباً: يؤدي مقتضيات الربوبية ويحقق مراضيه ويشكر نعماءه.
وروى الدارمي في مسنده عن عثمان بن ماضي الأزدي قال: دخلت على ابن عباس فقلت أوصني، فقال: نعم.. عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولاتبتدع.
ومن هذا يتضح للسائل أن الاستقامة هي المداومة على طريق الحق من غير انحراف حتى يأتي الإنسان أجله وهو على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1423(3/1172)
هل كل قاتل ومقتول من المسلمين في النار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[القاتل والمقتول في النار فلماذا المقتول في النار؟ وهل يخرجون من النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار" فقيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" رواه البخاري ومسلم.
يقول الإمام النووي -رحمه الله- في شرحه للحديث: وأما كون القاتل والمقتول في النار فمحمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها، ثم كونه في النار معناه مستحق لها، وقد يجازى بذلك، وقد يعفو الله تعالى عنه، هذا مذهب أهل الحق.
وقال أيضاً قوله: صلى الله عليه وسلم: إن المقتول في النار لأنه أراد قتل صاحبه، فيه دلالة للمذهب الصحيح الذي عليه الجمهور أن من نوى المعصية، وأصر على النية يكون آثماً؛ وإن لم يفعلها ولا تكلم. ا. هـ شرح مسلم للنووي. 18/11.
وأما سؤالك هل يخرجون من النار؟ فالجواب عنه أن كل من مات على التوحيد لا يخلد في النار وإن دخلها، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وعليها دلت النصوص الشريعة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار كل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1423(3/1173)
حديث افتراق الأمة يتضمن الإخبار، لا تكريس الفرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نتقدم إليكم بالسؤال عن حديث شريف ما معناه "افترقت اليهود على واحد وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اتنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي" فهذا الحديث والله أعلم يعزز الفرقة بين المسلمين مثلا بين من يلتزمون السنة ومن لا يلتزمونها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الحديث المذكور في الفتوى رقم:
17713.
وليس في الحديث تعزيز للفرقة.. بل فيه إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم بما سيحصل من الافتراق، وهذا إنما هو من إطلاع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على بعض الغيبيات.
والمطلوب من الأمة أن تتوحد، وتجتمع، وتتفق على الكتاب والسنة، ولا يجوز لها أن تفترق وتختلف وتتشتت. وقد دل على ذلك آيات وأحاديث كثيرة جداً.
والخلاف المذموم إنما هو في مسائل العقائد والأصول كالخلاف بين من يلتزمون بالسنة ومن لا يلتزمون بها، وليس من ذلك الخلاف بين أهل المذاهب الفقهية كالخلاف بين أهل المذاهب الأربعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(3/1174)
معنى حديث (..لا دين لمن لا عهد له)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: (من لا عهد له لا دين له) وهل له علاقة بنقض الصحابة لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته بأخذ البيعة لعلي بعده وعهود أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".
وليس معنى الحديث نفي الإيمان أو الدين جملة عن الخائن أو ناقض العهد، وإنما معناه: أن من يخون أمانته ولا يؤديها، وينقض عهده ولا يوفي به ليس من أهل الكمال في الإيمان والدين.
ولا صحة ولا علاقة لما ذكرت بهذا الحديث.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد بالخلافة لعلي رضي الله عنه، حتى يقال: إن الصحابة خانوا العهد وأعطوا الخلافة لغيره، بل الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً وفوا بما عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من القيام بأمر هذا الدين، وإسناد الأمر إلى أهله، وما ذكرته هو من أكاذيب وأغاليط أهل البدع والأهواء التي لا يلتفت إليها لظهور زيفها وبطلانها.
وعليك أن تعلم أن الصحابة قد زكاهم الله جل وعلا، فقال: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) .
وزكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ضرهم بعد ذلك طعن طاعن، ولا كيد كائد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(3/1175)
معنى ذكر الله في حديث القيام من المجلس
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار ... ) السؤال: ما المراد بقوله يذكرون الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة".
ومعنى لا يذكرون الله فيه واضح أي: أنه قد مضى عليهم المجلس، ولم يذكروا الله فيه بتسبيح أو تكبير أو تحميد أو تهليل ونحو ذلك، ويزداد الأمر شناعة إذا كان المجلس قد شغل بالغيبة والنميمة وغيرها من المحرمات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(3/1176)
معنى حديث (دواء عرق النسا إلية شاة ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذا الحديث: (دواء عرق النسا إلية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم تشرب على الريق في كل يوم جزء) .
شكرا جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الحديث رواه الإمام أحمد، وقال إسناده صحيح، كما نص على ذلك شعيب الأرناؤوط.
ومعنى الحديث: أن دواء عرق النَّسا: وهو مرض، أو وجع يبتدئ من مفصل الورك، وينزل من خلف على الفخذ، وربما على الكعب، دواؤه أن يؤتى بشحم أرداف شاة من غنم البادية.
قال ابن القيم: لقلة فضولها، وصغر مقدارها، ولطف جوهرها، وخاصية مرعاها، لأنها ترعى أعشاب البر الحارة، فتذاب لتصير دهناً، فتجزأ ثلاثاً، ثم يشرب منها كل يوم جزء.
قال ابن القيم -رحمه الله-: فإن هذا العلاج من أنفع العلاج، فإن هذا المرض يحدث من يُبس، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة، فعلاجها بالإسهال، والألية فيها الخاصيتان. الإنضاج والتليين.
الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1423(3/1177)
معنى حديث (والإثم ما حاك في صدرك)
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى حديث "والإثم ما حاك في صدرك ... "؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعن النواس بن سمعان قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس. رواه مسلم 4/1980
قال الإمام النووي في شرحه: قال العلماء: البر يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق.
ومعنى حاك في الصدر: أي تحرك فيه وتردد ولم ينشرح له الصدر، وحصل في القلب منه الشك وخوف كونه ذنباً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(3/1178)
معنى حديث "استحيوا من الله حق الحياء.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو ذكر حديث للرسول عن الحياء وكيف يكون الحياء من الله ومن راوي الحديث واسم كتاب من كتب السنة التي ذكر فيها هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل يقصد بسؤاله عن الحياء من الله ما رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء".
قال المباركفوري في شرح الحديث: قوله: "استحيوا من الله حق الحياء" أي: حياء ثابتاً ولازماً صادقاً. قال المناوي: وقيل: أي اتقوا الله حق تقاته.
"قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي" ولم يقولوا: حق الحياء اعترافاً بالعجز عنه، "والحمد لله" أي: على توفيقنا به، "قال: ليس ذاك" أي: ليس حق الحياء ما تحسبونه، بل أن يحفظ جميع جوارحه عما لا يرضي، "ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس" أي: عن استعماله في غير طاعة الله، بأن لا تسجد لغيره، ولا تصلي للرياء، ولا تخضع به لغير الله، ولا ترفعه تكبراً، "وما وعى" أي: جمعه الرأس من اللسان والعين والأذن عما لا يحل استعماله، "وتحفظ البطن" أي: عن أكل الحرام، "وما حوى" أي: ما اتصل اجتماعه به من الفرج والرجلين واليدين والقلب، فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف، وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي، بل في مرضاة الله تعالى، "وتتذكر الموت والبلى" بكسر الباء من بلى الشيء إذا صار خَلِقاً متفتتاً يعني: تتذكر صيرورتك في القبر عظاماً بالية، "ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا" فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء، قاله القارئ.
وقال المناوي: لأنهما ضرتان، فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى، "فمن فعل ذلك" أي: جميع ما ذُكر، فقد استحيا من الله حق الحياء. ا. هـ تحفة الأحوذي 7/131.
والحديث أخرجه أيضاً أحمد والبيهقي.
قال المناوي: قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي، وحسنه الألباني. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(3/1179)
أعلى المراتب تكون للحافظ القارئ المجود العامل بالقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ما المقصود بصاحب القرآن أهو حافظ القرآن أو الملازم له؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه أبو داود والترمذي وأحمد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".
والمراد بصاحب القرآن من يلازم تلاوته.
قال في عون العبد شرح سنن أبي داود لصاحب القرآن: أي من يلازمه بالتلاوة والعمل، لا من يقرؤه ولا يعمل به.
لكن ارتقاء المؤمن في الدرجات إنما يكون على قدر ما يرتله من آيات القرآن، وهذا مبني على الحفظ، ولهذا قال في الشرح المذكور: ويؤخذ من الحديث أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن وأتقن أداءه وقراءته كما ينبغي له.
قال الخطابي: جاء في الأثر عداد آي القرآن على قدر درج الجنة، يقال للقارئ: اقرأ وارتق الدرج على قدر ما تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءاً منه كان رقيه من الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة. انتهى
ثم قال: قال بعض العلماء: إن من عمل بالقرآن، فكأنه يقرؤه دائماً وإن لم يقرأه، ومن لم يعمل بالقرآن فكأنه لم يقرأه، وإن قرأه دائماً، وقد الله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [صّ:29] . فمجرد التلاوة والحفظ لا يعتبر اعتباراً يترتب عليه المراتب العلية في الجنة العالية. انتهى من عون المعبود شرح سنن أبي داود لمؤلفه: محمد شمس الحق رحمه الله.
والحاصل أن أعلى المراتب تكون للحافظ القارئ المجود العامل بالقرآن.
جعلنا الله وإياك منهم بمنه وكرمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(3/1180)
معنى قوله عليه السلام "مهر البغي خبيث"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ومهر البغي خبيث في الحديث الشريف: "ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث" رواه مسلم؟ وهل يجوز للراقي طلب مبالغ هائلة مثل 7000 ريال لحل الربط وما إلى ذلك؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمهر البغي المذكور في الحديث المراد به: الأجرة التي تأخذها الفاجرة على الزنا.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: مهر البغي وهو: ما تأخذه الزانية على الزنا، سماه مهراً مجازاً، وجمع البغي بغايا، والبِغاء بكسر أوله: الزنا والفجور. انتهى
وأما من يرقي بالرقية الشرعية المبين شروطها في الفتوى رقم: 4310 فلا حرج عليه في أن يأخذ جعلاً أو أجرة على رقيته، كما هو مبين في الفتوى رقم: 6125.
لكن عليه أن لا تكون أجرته مجحفة بحق المرقي، إذ ذلك ينافي سماحة الإسلام الذي حث على الرفق بالناس والإحسان إليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(3/1181)
معنى كلمة "المتشدقون" من حديثه صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء إفادتي بمعنى كلمة (المتشدقون) في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المعروف.. بالتفصيل
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أحبكم إليَّ وأقربكم من مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيقهون؟ قال: المتكبرون. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني.
وقال الترمذي عقب رواية الحديث: والمتشدق الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبذو عليهم.
ومن معاني المتشدق: المستهزى بالناس يلوي بشدقه بهم وعليهم.
وكذلك المتشدق الذي يلوي شدقه للتفصح، ويتوسع في منطقة من غير احتياط وتحرز، والتشدق من شدق الفم، أي جانبه.. فالمتشدق هو المتكلم بملء شدقه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه.
والمتفيهق: أصله من الفهق وهو الامتلاء، وهو بمعنى المتشدق لأنه الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه، إظهاراً لفصاحته وفضله، واستعلاء على غيره. تحفة الاحوذي 6/136.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1423(3/1182)
شرح حديث " اللهم أحيني مسكينا ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
ما المقصود بصفات المساكين المذكورة كقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بدعائه إلى الله عز وجل اللهم احشرني في زمرة المساكين؟
وجزاكم الله عني كل الخير وبارك الله فيكم إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا اللفظ ورد في حديث رواه عبد بن حميد في مسنده وابن ماجه في سننه، بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" فالمقصود بالمسكنة هنا: العوز والحاجة إلى المال، وأصلها من السكون وهو الخمول والتواضع، فكأن المسكين جعله فقره خاملاً متواضعاً، وقد فهم ذلك ابن ماجه فأورد الحديث في كتاب الزهد باب مجالسة الفقراء، وفهم ذلك أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال في بداية الحديث: أحبوا المساكين فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... فذكر الحديث.
وهذا يدل على كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم وزهده وتواضعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(3/1183)
مؤلفات في شرح الأحاديث النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي الكتب أجد تفسيراً لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يتعذر علي فهم بعضها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اهتم العلماء بشرح الأحاديث النبوية اهتماماً كبيراً، توضيحا لمفرداتها، وضبطاً لألفاظها، واستنباطاً للأحكام منها.
ولهذا تعددت الشروح وتنوعت، فمنها شروح للكتب الستة، والمقصود بالكتب الستة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، والنسائي، وأبي داود، وابن ماجه.
ومن أشهر هذه الشروح: فتح الباري شرح صحيح البخاري، وشرح النووي على صحيح مسلم، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، وتحفة الأحوذي شرح الترمذي، وهذه الكتب لا تكاد تخلو منها مكتبة عامة.
وهناك شروح لغير الكتب الستة، مثل دليل الفالحين شرح رياض الصالحين، وفيض القدير شرح الجامع الصغير، وشرح الأربعين النووية، وجامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم.
وهناك شروح مختصة بأحاديث الأحكام مثل: التمهيد شرح الموطأ، وسبل السلام شرح بلوغ المرام، ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار.
فاحرص على اقتناء شيء من هذه الكتب، أو الرجوع إلى المكتبات العامة للوقوف على شرح الحديث المشكل عليك، وقد صارت هذه الشروح أو أكثرها متوفراً على الأسطوانات الكمبيوترية، ولله الحمد والمنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(3/1184)
معنى "لكع بن لكع.." الوارد بالحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو لكع بن لكع المذكور في الحديث الشريف: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع"؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المذكور في السؤال رواه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه، وحسنه البيهقي في دلائل النبوة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
ولكع بن لكع هو: اللئيم ابن اللئيم، أو هو: رديء النسب والحسب، وقيل: من لا يعرف له أصل ولا يحمد له خلق.
قاله في تحفة الأحوذي، وقال في النهاية: اللكع عند العرب العبد، ثم استعمل في الحمق والذم.
والمعنى أن الذين يتولون أمور المسلمين في آخر الزمان ويتصرفون في أموالهم هم أخس الناس وأحقرهم، ويدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة" رواه ابن ماجه وأحمد، وله رواية بلفظ: "السفيه يتكلم في أمر العامة".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(3/1185)
شرح حديث " العلم ثلاثة ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد كتب التفسير أن أفضل العلم ثلاثه هي: آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة. فضلا أعطني تفسيرهم. وجزاكم ألله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا حديث رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل: آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة.
وهذا حديث ضعيف كما نص على ذلك الألباني في ضعيف الجامع الصغير.
والآية المحكمة هي غير المنسوخة، والسنة القائمة هي الثابتة الصحيحة المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفريضة العادلة كل حكم من الأحكام يحصل به العدل. وقيل: كل ما يجب العمل به، فهذه إشارة إلى الإجماع والقياس، كما ذكره صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1423(3/1186)
شرح حديث: ألآ أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين ...
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد تفسيرا للحديث الشريف الآتي وبارك الله فيكم.
الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"من قرأ الخمس آيات الأواخر من سورة الكهف بعثه الله أي الليل شاء".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث أخرجه ابن مردويه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألآ أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض ولكاتبها من الأجر مثل ذلك، ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن قرأ الخمس الأواخر منها عند نومه بعثه الله من أي الليل شاء. قالوا: بلى يا رسول الله قال: سورة أصحاب الكهف. [والحديث ضعيف] .
ومعنى بعثه الله أي الليل شاء: أن من قرأ الخمس الآيات الاواخر من سورة الكهف يبقين وإيمان وتصديق بها وعمل بما تضمنته هذه الآيات ونوى عند قراءتها أن يستيقظ في وقت معين أيقظه الله ذلك الوقت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(3/1187)
معنى: اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى دعاء"اللهم إني أعوذ بك من فتنة المأثم والمغرم"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري في كتاب الصلاة - باب الدعاء قبل السلام، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة، "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات. اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم. فقال قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف.
قال الحافظ ابن حجر: المأثم والمغرم بفتح الميم فيهما وكذا الراء المثلثة وسكون الهمزة والغين المعجمة، والمأثم: ما يقتضي الإثم، والمغرم: ما يقتضي الغرم.
وقال أيضاً: المغرم أي الدين، يقال: غرم بكسر الراء أي أدان. قيل: والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز وفيما يجوز ثم يعجز عن أدائه. ويحتمل أن يراد به ماهو أعم من ذلك (ما يقتضي الغرم) . فتح الباري 2/371، 11/180
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1423(3/1188)
معنى حديث "والإثم ما حاك في صدرك ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو: ما مدى صحة الحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوابصة: جئت تسأل عن البر والإثم؟ قال: قلت: نعم. قال: فجمع أصابعه فضرب بها صدره، وقال: استفت نفسك، استفت قلبك يا وابصة ـ ثلاثا ـ البر: ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم: ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك"؟
وإن كان صحيحا فما المقصود به. جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحديث وابصة أخرجه أحمد والدارمي وأبو يعلى والطبراني وقد ورد في مسلم ما يشبه معناه، ولفظه: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس".
أما بخصوص المعنى: فالحقيقة أن المسائل التي ترد على قسمين: مسائل ورد بها نص، فليس للمؤمن إلا طاعة الله فيها والاذعان لحكمه، ولا عبرة بعد ذلك فيما يقع في القلب من رفض لها، وإن كان المفترض في المسلم انشراح الصدر، وتلقي أحكام الله بالقبول والرضى، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36] .
أما المسائل التي لم يرد فيها شيء عن الله ولا عن رسوله، ولا عمن يقتدى بقولهم من الصحابة وسلف الأمة، وأفتى فيها أكثر من واحد ولم تتفق أقوالهم، فحينئذ يرجع المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان إلى ما ترجح في قلبه من هذه الأقوال، لقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". رواه الترمذي والنسائي وأحمد من حديث الحسين بن علي رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(3/1189)
معنى حديث: من صام يوما في سبيل الله ...
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله علية وسلم يقول: "من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا" فماذا يعني بالصيام في سبيل الله؟ هل المقصود به هو الصيام المعروف أيام الخميس والاثنين وعاشوراء00000 الخ أم هناك قصد آخر للصيام في سبيل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" هو: أن كل من صام يوماً في سبيل الله أي في طاعة وابتغاء وجه الله ورجاء مثوبة الله، فإنه يجازيه على هذا الصيام بأن يباعد بينه وبين النار سبعين سنة، وسواء كان هذا اليوم الذي صامه من الأيام التي رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيامها على وجه الخصوص كالأيام المذكورة في السؤال، أم كان من غيرها من أيام السنة، إلا أن الأيام التي رغب النبي صلى الله عليه وسلم فيها لها فضل خاص بها، فهي أولى بالصيام من غيرها، فصيام الخميس والاثنين وعاشوراء هو صيام في سبيل، وصيام أي يوم آخر من الأيام بقصد طاعة الله هو في سبيل الله أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(3/1190)
شرح حديث: ويل للنساء من الأحمرين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال/ أريد معرفة شرح الحديث الشريف قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
(ويلٌ للنساء منَ الأحمرين: الذهب والمعصفر)
(حسن) (رواه البيهقي في الشعب) عن أبي هريرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المذكور في السؤال هو "ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر". رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الايمان وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأما معناه فقد قال المناوي في فيض القدير: قال في مسند الفردوس ((يعني يتحلين بحلي الذهب ويلبسن الثياب المزعفرة، ويتبرجن متعطرات متبخترات كأكثر نساء زماننا فيفتن بهن.
وذكر ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر هذا الحديث ثم أعقبه بحديث أبي أمامة رضي الله عنه وفيه: " أريت أني دخلت الجنة فإذا أعالي أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المؤمنين، وإذا ليس فيها أحد أقل من الأغنياء والنساء! فقيل لي: أما الأغنياء فإنهم على الباب يحاسبون ويمحصون. وأما النساء فألهاهن الذهب والحرير..... " الخ الحديث. قال: وبه يعلم معنى قوله "ويل للنساء من الأحمرين...." في الحديث الذي قبله/ أي هذين سبب للهوهن وإعراضهن عن الخير وليس المراد به ظاهره لأنهما حلالان لهن إجماعاً. أهـ. إلا أن حديث أبي أمامة الذي ذكره ابن حجر الهيتمي لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رواه أحمد والطبراني في الكبير وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال شعيب الأرناؤوط ضعيف جدا.
إلا أن الجزء المستشهد به منه له شواهد وأدلة أخرى.
ونقل السفاريني في غذاء الألباب حديث: ويل للنساء من الأحمرين وأمثاله من الأحاديث الدالة على تحريم الذهب والحرير والمعصفر على النساء وعقب قائلاً: فكل هذا وأضرابه -على تقدير صحته محمول- على تحريم سابق لصحة أحاديث الإباحة، ولهذا اتفق الأئمة على إباحته لهن. أهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1423(3/1191)
توضيح معنى حديث"افترقت اليهود على ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[قال صلى الله عليه وسلم (تنقسم أمتي إلى بضع وسبعين طائفة واحدة الناجية) في ما معناه.
نرجو التكرم بتوضيح الحديث. وأمثال للطوائف المذكورة. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المذكور روي بألفاظ عديدة في السنن والمسانيد وغيرها من دواوين السنة.
فقد رواه أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقه، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. وفي بعض الروايات: كلها في النار إلاَّ واحدة هي الجماعة. رواها أحمد وأبو داود وابن ماجه وفي بعضها: ما أنا عليه وأصحابي. رواها الترمذي.
والحديث معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر فيه عن أمر غيبي فوقع كما أخبر به.
وفي الحديث إخبار عن تشبه هذه الأمة بمن سبقها من الأمم، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. رواه بهذا اللفظ أحمد في مسنده، ولذا فقد استوعبت فرق الأمم قبلها وهي اثنتان وسبعون فرقة وزادت عليها واحدة، وهي الفرقة التي سلمت من مشابهة اليهود والنصارى، وهي الصحابة رضوان الله عليهم، ومن سار على نهجهم من المسلمين إلى آخر الدهر، وهم أهل السنة والجماعة، ومنهم أئمة الهدى: كالشافعي وأحمد ومالك وأبي حنيفة وسفيان ومن سلك سبيلهم.
أما الفرق الضالة فكثيرة ولعل بعضها لم يوجد إلى الآن، ومما وجد من الفرق الضالة المعتزلة والخوارج والجهمية وغيرهم. وينبغي أن نتنبه إلى أن هذا الافتراق افتراق في مسائل العقائد وأصول الدين، وليس افتراقاً في مسائل الفروع الفقهية. فإن المختلفين في مسائل الفقه لم يفسق بعضهم بعضاً ولم يكفر بعضهم بعضا كحال تلك الفرق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1423(3/1192)