كلمة الله وروح الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة معنى ما ورد في القرآن الكريم من أن عيسى هو كلمة الله وما ورد (فنفخنا فيه من روحنا) ما معنى هذه الآية؟ جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ... فمعنى أن عيسى هو كلمة الله أنه كان بكلمة الله "كن" كما قال السلف من المفسرين. قال الإمام أحمد بالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: (كن) فكان عيسى بكن، قال تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) [آل عمران: 59] . وقال أبي ابن كعب معنى قوله تعالى: (فنفخنا فيه من روحنا) [التحريم: 12] .: عيسى روح من الأرواح التي خلقها الله تعالى واستنطقها بقوله: (ألست بربكم قالوا بلى) [الأعراف: 172] . قال الحافظ: ووصفه بأنه منه فالمعنى أنه كائن منه، كما في قوله تعالى: (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه) [الجاثية: 13] . أي سخر هذه الأشياء كائنة من الله تعالى فهو مكون ذلك وموجده بقدرته وحكمته. وإضافة الأعيان إلى الله تعالى على وجهين: الأول: أن تضاف إليه لكونه خلقها وأبدعها فهذا شامل لجميع المخلوقات كما تقول: أرض الله وسماء الله. الثاني: أن تضاف إليه لما خصها به من معنى يحبه ويأمر به ويرضاه كما خص البيت العتيق بعبادة لا تكون في غيره فتقول بيت الله. وكذلك القول في كلمة الله. الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3057)
الشيطان يسترق السمع بقدر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول تعالى (إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) [الصافات: 10] السؤال ولا اعتراض لماذا يستطيع الشيطان أن يخطف الخطفة ألا تمكن الحراسة المشددة حيث لايتمكن الشيطان أن يخطف حتى الخطفة الواحدة بمعنى آخر ألا يمكن أن يمنع من السمع دون أن يخطف الخطفة ودون أن يلحقه الشهاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: ...
فذكر ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية من سورة الصافات ما نصه: (أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته ويلقيها الآخر إلى الذي تحته فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه فيذهب بها الآخر إلى الكاهن) .
وهو بذلك يشير إلى الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان أي راوي الحديث بكفه فحرفها وبدّد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء".
فالحاصل: أن ما يخطفه مسترق السمع إنما هو بقدر الله كما قال ابن كثير رحمه الله. والأمر الآخر أنّ مثل هذا الأمر من باب الفتن عافانا الله حتى يتمايز المؤمنون حقاً بالغيب من غيرهم ممن يعتقدون علم الغيب قد يكون عند بعض الناس كالكهان والسحرة فيسمع كلمة واحدة حقاً ومائة كذبة ومع ذلك ومن ضعف نفوسهم يصدقون ولا حول ولا قوة إلا بالله. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(2/3058)
ترتيب نزول آيتي الأحزاب [آية: 52-53] .
[السُّؤَالُ]
ـ[الآيتان فى الأحزاب الأولى 52 والآية 58 أيهما نزلت أولاً وهل هذا دليل على النقاب أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فلم نطلع في كتب علوم القرآن على ذكر لترتيب نزول الآيتين المذكورتين والأصل أن نزولهما مرتب حسب ترتيبهما في المصحف. وفي الآية الأخيرة دليل على أمر النساء بالنقاب الذي يستر الوجه كما فسر ابن عباس رضي الله عنه الآية بذلك وقد ورد هذا في تفسير القرطبي وغيره. وليس في ذلك تعارض مع ما يبدو أنك توهمته من قوله تعالى في الآية الأخرى (ولو أعجبك حسنهن) لأن إعجاب النبي صلى الله عليه وسلم بحسن امرأة قد يكون مصدره إخبار بعض نسائه له بذلك. وقد يحصل بالنظر المشروع بأن يهم بزواج امرأة فينظر نظر الخطيب إلى مخطوبته، إلى غير ذلك مما ذكره المفسرون هنا. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3059)
إصرار الكافر على كفره ولو رأى من آيات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... سؤال لم أجد له جوابا وأسأل الله أن أجد الجواب عندكم ... ... ...
في قوله تعالى في سورة الأنعام: (ولو ردوا لعادو لما نهوا عنه ... ) [الأنعام: 28] هل يعقل إذا عاد الكافر إلى الدنيا أن يعود إلى الكفر بعدما رأى من أهوال يوم القيامة..هل يعقل أن يعود لمانهي عنه وقد رأى الحقيقة رأي العين..؟ لم أجد إجابة شافية رغم أني باحث في الشؤون الإسلامية ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ... ... ... يقول تعالى في سورة الأنعام: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) [الأنعام: 27، 28] يبين الله تعالى في هاتين الآيتين حال الخاسرين يوم القيامة عندما يحبسون على النار، حيث تكون تحتهم وهم فوقها على الصراط أو وهم بقربها يعاينونها فعندئذ يتمنون العودة إلى الدنيا ولا يكذبون بآيات الله تعالى، ولكن الله تعالى أخبر أنهم في زعمهم هذا كاذبون. لأنه طلب منهم في الدنيا فلم يعملوا بل وكذبوا الرسل والبينات لما جاءتهم. وهذا حال المعاند المكابر، ولا غرو أن من كان هكذا في الدنيا يعود إلى ما كان عليه من باطل إن زال عنه الأمر العسير الذي ألمّ به. قال تعالى: (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير) [فاطر: 37] . وقال تعالى في سورة العنكبوت: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) [العنكبوت: 65] . فانظر إلى هؤلاء لما عاينوا الغرق أخلصوا إلى الله الدعاء فلما كشف الله عنهم الضر أشركوا بالله تعالى وقال عز من قائل في سورة يونس: (وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون) . والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا وهي تبين حال هؤلاء إذا أصابهم الضر ونزل بهم البلاء أقسموا بالله ليكونن على الطاعة وليفارقن من كانوا عليه من المعاصي فلما جاءهم الرخاء والأمن عادوا لما كانوا عليه قبل ذلك. ... وقد تحدث القرآن عن قوم حدث معهم مثل ذلك وعادوا إلى ما كانوا عليه قال تعالى في سورة الزخرف: (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون *فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) (49-50) فرجعوا إلى سابق عهدهم بعد كشف الضر عنهم ومثل ذلك ذكر في سورة الأعراف. هذا والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3060)
تفسير قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[وددت أن أطرح سؤالا حول هذه الآية الكريمة: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) السؤال هو:
من هي هذه الفئة المذكورة في الآية أعلاه التي نبرها ونقسط إليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ...
للعلماء كلام طويل حول هذه الآية فذهبت طائفة منهم إلى أنها منسوخة بآية السيف التي في سورة التوبة: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [التوبة: 5] . وذهبت طائفة أخرى إلى أنها محكمة أي غير منسوخة وأن المراد بها الكفار المعاهدون أو الذميون الذين لم يحاربوا المسلمين ولم يعينوا على حربهم، ومعنى (تقسطوا إليهم) تعطوهم قسطاً من أموالكم على وجه الصلة، وليس المراد به مجرد العدل فإنه واجب مع من حارب ومن لم يحارب. أما تهنئتهم بأعيادهم وصحبتهم ومحبتهم فهذه لا تجوز بحال فالكافر بطبيعته محارب لربه، ولا تجتمع مودته في القلب مع الإيمان بالله جل وعلا يقول: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) [المجادلة: 8] . ولأن في تهنئتهم بأعيادهم إقراراً لهم على ما هم عليه من باطل، بل والرضا بذلك، ولا يشك مسلم في أن الرضا بالكفر كفر والله المستعان. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3061)
قوله تعالى: (فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: ... ... ... ((فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ... )) هناك من الناس من يقول إن الإسلام ينتقص من حق المرأة بأنه قال شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد، كما ذكرت الآية. أرجو من فضيلتكم توضيح هذا الأمر؟. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم * إن الله عليم خبير) [الحجرات: 13] . فامتن الله تعالى على عباده وبين لهم أنه خلقهم من ذكر وأنثى، وجعل للذكر صفات مميزة وكلفه بما يناسب خلقته، وجعل للأنثى صفات مميزة - كذلك - وكلفها بما يناسب خلقتها، وبين الذكر والأنثى تكاليف مشتركة. والمرأة لم تعرف حقوقها إلا في ظل الإسلام، فأكرمها الله بهذا الدين وشرفها به، فهي الأم المقدمة على الأب في البر والأخت المقدمة على الأخ في الصلة، والبنت التي لو جاز للأب أن يفاضل بين أولاده لفضل البنات على البنين. "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ ، قال أمّك: قال ثم من؟ قال أمّك، قال ثم من؟ قال أمّك، قال ثم من؟ قال أبوك ". [متفق عليه] . وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: من أبرّ؟ فقال " أمّك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة ". [رواه أبو داود] . وقال صلى الله عليه وسلم: " سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء". [رواه البيهقي في سننه] . والمرأة يعتريها مالا يعتري الرجل من حيض ونفاس وحمل وولادة ورضاعة والرجل يقوم على أمرها وملزم بنفقتها ورعايتها وصيانتها، فناسب حال المرأة وضع بعض التكاليف عنها لما يعترى جسدها من تغيرات قد كتبها الله على بنات حواء. فوضع عنها الصلاة حال الحيض والنفاس وأمرت بالفطر أثناءه ولم تكلف بالجهاد وحمل السلاح. وأما ما يدعيه أعداء الإسلام من أن المرأة قد انتقص من حقوقها في ظل شرعية الله فما أبعد دعواهم عن الحقيقة لأنهم يريدون من المرأة أن تنخلع من دينها لكي تكون لقمة سائغة في أفواه اللئام، كما هو مشاهد في الحضارات المادية المعاصرة. ومما يمثلون به لهذه الدعوى أن شهادة رجل بشهادة امرأتين، وهو صحيح لأنه حكم الله تعالى وهو أعلم بخلقه ويحكم فيهم تعالى بما شاء: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . [الملك:14] . (ألا له الخلق والأمرتبارك الله رب العالمين) . [الأعراف:54] . وقال تعالى: (فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) [البقرة: 282] . والعلة في ذلك ذكرها الله تعالى: (أن تضل إحداهما) بالنسيان (فتذكر إحداهما الأخرى) وقد ثبت علمياً أن النسيان في النساء أكثر من الرجال. وكون شهادة الرجل بشهادة امرأتين ليس مطلقاً بل ذلك يكون في المعاملات المالية ونحوها، وهناك مواطن تقبل فيها شهادة النساء وحدهن ولو امرأة واحدة كما أن هناك مواطن لا تقبل فيها شهادة المرأة. فتقبل شهادة المرأة وحدها في الرضاع وفي البكارة والثيوبة وعيوب النكاح وكل مالا يطلع عليه الرجال غالباً، ولا تقبل شهادة المرأة فيما يطلع عليه الرجال غالباً كالشهادة على الزنا والعقوبات (الحدود والقصاص) ونحو ذلك. هذا وإن شريعة الله جاءت موافقة للفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى عباده عليها لتكون صالحة لكل زمان ومكان، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3062)
صلاة الله تعالى هي ثناؤه على عبده
[السُّؤَالُ]
ـ[اللهم صل وسلم على سيدنا محمد "إن الله وملائكته يصلون على النبي" كيف يصلي الله على الرسول؟ وما معنى يصلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال ابن كثير في تفسيره: قال البخاري: قال أبو العالية:
... ... ... صلاة الله سبحانه وتعالى: ثناؤه عند الملائكة.
... ... ... وصلاة الملائكة: الدعاء.
... وصلاة المؤمنين: طلب الرحمة من الله عليه صلى الله عليه وسلم.
... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(2/3063)
تعليل سؤال الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء.."البقرة30.. من المعني بقول الملائكة بمن يعلمونه عن جنس من الخلق أفسد في الأرض وسفك الدماء؟ هل عن بشر سكنوا الأرض قبل آدم؟ وإن كان ذلك.. فهل في خلق آدم بعد أقوام مثله من البشر سبقوه ما يستحق أن يعلنه الله سبحانه لملائكته في معرض التبجيل والإشادة؟ وأي ميزة تدعوا للحفاوة بهذا المخلوق (آدم) والتمهيد له قبل ظهوره إن كان سيخلف بشرا لهم نفس خصائصه؟ وإن كان المقصود بمن سبق آدم جناً..فلا دماء لها تسفك كالإنسان..وإن كان ملائكة.. فهي ذوات نورانية لاتعرف الفساد ولا سفك الدماء.. وهل يجوز لنا بعد ذلك أن نوفق بين هذا وما جاء في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا عليه" ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم".. أو ماورد في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه " ... إن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع..". بأن هناك سبع أرضين، يسكن بنوا آدم واحدة منها الآن وأن آدم عليه السلام أبو البشر هو أول من سكنها، وست اخر في كون الله الواسع يسكنها جنس آخر مغاير للجن والملائكة خلق قبل آدم من لحم ودم وله طبائع شريرة أفسدت وسفكت الدماء، وأن هذا الجنس لم يحظ في تقويمه بما حظي به آدم من تفرده بخلق الله سبحانه له بيده والنفخ فيه من روحه، والتي تبوأ بها آدم مكانة الخلافة عنه سبحانه دون خلق الله أجمعين في هذا الكون. هل يستقيم هذا المعنى مع صحيح العقيدة أم يتعارض مع نصوص أخرى؟ وهل لنا كمسلمين أن نجعل ذلك تفسيرا نستند إليه شرعا لما يذكر كفرضية علمية عن وجود كائنات ذكية في أماكن أخرى من هذا الكون الشاسع..وأن هؤلاء هم المقصودون في قول الملائكة عن من أفسد وسفك الدماء قبل خلق آدم عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً: ذكر المفسرون أوجها في بيان قوله تعالى: (وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) [البقرة: 30] .
الوجه الأول: أن الملائكة قالت ذلك بعد إعلام الله تعالى لهم بطبيعة ذرية آدم عليه السلام، وأنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، وهذا مروي عن ابن عباس وابن مسعود وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم كما نقل ذلك القرطبي وابن كثير، فعن ابن عباس وابن مسعود أن الله تعالى قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً.
وقال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فلذلك قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها.
الوجه الثاني: أنهم لما سمعوا لفظ:خلفية، فهموا أن في بني آدم من يفسد إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد، والفصل بين الناس فيما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم.
الوجه الثالث: ما نقله القرطبي رحمه الله وغيره أن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء، وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء.
فبعث الله إليهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق الله آدم فأسكنه إياها. وهذا مروي عن ابن عباس وأبي العالية.
وما ذكره السائل من أن الجن ليس لها دماء تسفك ليس صحيحاً فإن الجن تأكل وتشرب وتنكح وفيها الرطوبة والبرودة، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد في المسند: قال صلى الله عليه وسلم: " مر علي الشيطان فأخذته فخنقته حتى إني لأجد برد لسانه في يدي فقال: أوجعتني أوجعتني ". وكون الجن خلقت من نار لا يمنع ذلك، فإن الإنسان خلق من تراب وفيه اللحم والدم والرطوبة وغيرها.
فهذه أشهر الأوجه التي ذكر المفسرون في هذه الآية الكريمة.
وليعلم أن قول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، وإنما هو كما قال ابن كثير رحمه الله: سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: ياربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك، ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟
قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال: (إني أعلم ما لا تعلمون) أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والخاشعون له والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم. انتهى كلام ابن كثير.
ثانياً: كون الأرضين سبعاً ثابت بالقرآن والسنة، قال الله تعالى: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) [الطلاق:12] .
والأحاديث في بيان ذلك مشهورة.
وأما كون هذه الأراضين الست يسكنها الجن أو توجد فيها كائنات حية فهذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ولا ينبغي للمسلم أن يشتغل بالبحث عن ذلك، وحسبه أن يعلم أن في الكون من الملائكة والجن والدواب ما لا يحصيه إلا الله، كما قال الله تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) [الشورى:29] .
وربما ظهر الجن لبعض الناس، كما أنه قد يرى الملك على صورة نور أو نحوه، كما رأى أسيد بن حضير مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت في الجو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر عنهم " رواه أحمد والنسائي في فضائل الصحابة.
وكثير من المشتغلين بالعلوم الكونية الحديثة ربما فسر حدوث مثل هذا بأنه أطباق طائرة أو غزو من الفضاء الخارجي، لعدم إيمان كثير منهم بالملائكة وعدم معرفتهم بوظائفهم وأعمالهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3064)
إزالة شبهة في إعادة العزير إلى الحياة بعد أن أماته الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كيفية الجمع بين حديث والد جابر عندما طلب العودة الى الدنيا بأن الله أخبره أنهم إليها لايرجعون وعودة العزير والذين أحياهم عيسى عليه السلام بإذن الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا، إلا الشهيد فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة) . وروى أحمد في مسنده عن جابر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعلمت أن الله أحيا أباك فقال له: تمن. فقال له: أرد إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى قال: إني قضيت أنهم لا يرجعون". وقد قضى الله الموت على عبد الله بن عمرو بن حرام واستكمل عبد الله أجله. قال تعالى: (كلا إنها كلمة هو قائلها) [المؤمنون:100] وقال تعالى: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) . [الأنبياء: 95] وقد قال تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) . [غافر:11] فقد قضى الله على كل أحد موتتين وحياتين، وقد استثنى الله من ذلك بعضا من خلقه لبيان قدرته على إحياء الموتى. ومن هؤلاء من ذكر السائل: عزير والذين قد أحياهم الله تعالى على يد عيسى عليه السلام وكذلك قتيل بني إسرائيل الذي ضربوه ببعض البقرة قال تعالى: (أو كالذي مر علي قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ….) الآية. فبين الله لعزير قدرته على إحياء الموتى في نفسه وفي حماره. قال تعالى: (وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) . وأما إحياء عيسى للموتى فإنه لبيان قدرة الله تعالى وهو معجزة أجراها الله على يد عيسى ابن مريم، وذلك أن الله تعالى بعث كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً يوم القيامة". متفق عليه. وكان الغالب على زمان عيسى عليه السلام الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيداً من الذي شرع الشريعة. فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الحمار أو مداواة الأكمة والأبرص وبعث من هو في قبره وكذلك قتيل بني إسرائيل.
قال تعالى: (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) . هذا، والعلم عند الله.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1422(2/3065)
الفرق بين النعمة بكسر النون وفتحها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين النعمة بكسر والنون والنعمة بفتح النون؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: ... جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة (نعم) قوله: النعيم والنَّعْمي والنعماء والنَّعمة كله الخفض والدعة والمال وهو ضد البأساء والبؤس. وقوله عز وجل: (ومن يبدل نعمة الله من بعدما جاءته) [البقرة: 211] يعني في هذا الموضوع حجج الله الدالة على أمر النبي صلى الله عليه وسلم. والنعمة بالفتح: التنعيم، وهو مصدر نعّم تنعيما، وفي الحديث: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه؟! " أي كيف أتنعم، من النعّمة بالفتح وهي المسرة والفرح والترفه، ومنه قوله تعالى: (ونعمة كانوا فيها فاكهين) [الشعراء:27] ويراد بالنعَّمة المنة والضيعة وما أنعم به عليك وكذا المال الواسع. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3066)
الفرق بين العدل والقسط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين العدل والقسط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
القِسط: بكسر القاف هو العدل وبفتحها ضد العدل. والعدل: معروف وهو: إعطاء كل ذي حقٍ حقه.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3067)
معنى كلمة: (آلاء)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة (آلآء) في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ...
الآلاء، في القرآن الكريم معناها: النِّعم.
نحو: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ، أي: فبأي نعم ربكما تكذبان.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3068)
لا تعارض بين إحياء الله الموتى بعد موتهم وقوله تعالى: (أنهم إليهم لا يرجعون)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله أن وجدت هذه الثلة الطيبة من العلماء أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين وبعد لم أستطع أن أجمع بين حديث ومجموعة من الآيات بمعنى أنكم تعرفون تماما قصة والد جابر بن عبد الله حينما استشهد رضي الله عن الصحابة أجمعين قال له الحق تمن والشاهد أنه تمنى العودة إلى الدنيا لكن أخبره الله كفاحا أنه سبق منه القول إنهم اليها لايرجعون سؤالي تحديدا الله قال إنهم إليها لايرجعون وسبق القول منه كما في حديث جابر أنه من خرج من الدنيا فلايعود إلى الدنيا وهذا قضاء نافذ إذا ما الجمع بين هذا الكلام وبين إحياء عيسى لبعض الأموات بإذن الله وعزير وأصحاب الكهف وغيرهم ماتوا ثم عادوا الخلاصة أن والد جابر لم يعد الى الدنيا لأن الله سبق القول منه ولا مبدل لكلماته فلو قيل لماذا لا ينطبق هذا الحديث على عزير وأصحاب الكهف الخ ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما من نفس منفوسة إلاّ وكتب الله عليها الموت والفناء في الدنيا قال عزوجل: (كل نفس ذائقة الموت) . [آل عمران: 185] . وقال تعالى: (كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) . [الرحمن: 26-27] . وقال تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروجٍ من سبيل) . [غافر: 11] . فكان الخلق نطفاً لا حياة لهم في أصلاب آبائهم ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدنيا. والمراد بالإحياءتين: أنه أحياهم الحياة الأولى في الدنيا ثم أحياهم عند البعث. ومن مات الموتة الثانية فإنه لا يرجع إلى الدنيا مرة أخرى، فقد أخبر تعالى عن حال المحتضرين من المفرطين والكافرين وعن تمنيهم الرجعة إلى الدنيا بعد موتهم أنهم لا يرجعون إليها قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون) . [المؤمنون:99 - 100] . وقال تعالى: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) . [الأنبياء: 95] . وهذا حكم من الله تعالى على عباده وقضاء ومبرم منه. وقد استثنى الله تعالى من هذا الحكم وهو عدم الرجوع إلى الدنيا لمن مات الموتة الثانية، استثنى بعض الأشخاص الذين قد ماتوا في الدنيا ثم عادوا إليها لحكمة بينها الله تعالى في كتابه وهي بيان قدرته تعالى على البعث بعد الموت. ومن هؤلاء القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت - قال تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) . [البقرة:243] . ومن هؤلاء أيضاً قتيل بني إسرائيل - قال تعالى: (وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها والله مخرجٌ ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) . [البقرة:72-73] . ومنهم أيضاً الذين أحياهم المسيح ابن مريم عليه السلام وذلك معجزة من الله تعالى لقومه ليؤمنوا بقدرة الله تعالى وليتبعوا المسيح فيما يأمرهم به، وعددهم أربعة كما جاء في كتب التفسير. ومنهم عزير وأصحاب الكهف آيات من الله تعالى إلى خلقه: (ولنجعلك آية للناس) . [البقرة: 259] . (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً) . [الكهف: 9] . فهؤلاء سبق في علم الله تعالى - لحكمة عظيمة وهي بيان قدرته على البعث والنشور بعد الموت والفناء - أنهم يرجعون إلى الدنيا بعد موتتهم الثانية وأما عبد الله بن حرام رضي الله عنه فقضى الله تعالى عليه كما قضى على الناس أجمعين الاّ يعود إلى الدنيا: (ألا له الخلق والأمر) . [الأعراف: 54] . والله تعالى أعلى وأعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1422(2/3069)
ضوابط الاستشهاد بالحديث الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاستشهاد بالحديث الصحيح من الكتاب الثابت النسبة لمؤلفه، علماً بأن المستشهد به ليس له رواية ولا إجازة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحديث صحيحاً وغلب على الظن صحة الألفاظ الموجودة في الكتاب بأن كان الكتاب محققاً أو مقابلاً على نسخة صحيحة، فإنه يجوز لمن هو أهل للاحتجاج من طلاب العلم أن يحتج به، وقد ذكر السخاوي في شرح ألفية العراقي أنه لا يشترط في المحتج أن يكون عنده رواية بذلك الحديث، ونقل عن ابن برهان أنه قال: ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صحت عنده النسخة من الصحيحين مثلاً أو من السنن جاز له العمل بها وإن لم يسمع، ثم ضعف السخاوي ما نقل عن ابن خير من عدم جواز النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دون رواية.
وقال ابن الملقن في كتابه المقنع في علوم الحديث: من أراد العمل بحديث من كتاب فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات ليحصل الاعتماد، قلت: ولو قابلها بأصل معتمد محقق فلا يبعد الاكتفاء وبه جزم النووي في التقريب.
وقال في شرح مسلم ما ذكره الشيخ محمول على الاستظهار والاستحباب أي لعسر ذلك غالباً أو تعذره ولأن الأصل الصحيح تحصل به الثقة، ومن النقول الغريبة ما ذكره الحافظ أبو بكر محمد بن خير الأموي الإشبيلي خال السهيلي في برنامجه حيث نقل اتفاق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مروياً ولو على أقل وجوه الروايات، ثم استدل بحديث من كذب علي وليس مطابقاً لما ادعاه. انتهى.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن المقلد إذا وجد حديثاً صحيحاً يتعين عليه أن يبحث عن مجتهد من المجتهدين أخذ به ثم يقلده في العمل به.
وراجع شرح ألفية العراقي وشرح طلعة الأنوار وشروح مقدمة ابن الصلاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1430(3/1)
الأحاديث القدسية والنبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا نجد في موقعكم الموقر الأحاديث القدسية؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائلة الكريمة على ملاحظتها ومطالعتها للموقع واهتمامها بما ينشر فيه ... وننبها إلى أن الموقع مليء بالأحاديث القدسية.. وإن لم تخصص لها صفحة خاصة بها، ولكنها مبثوثة ومنثورة في المكتبة الحديثية في الفتاوى والمقالات.... ويستشهد بها كلما دعت الحاجة إلى ذلك لأنها جزء من الأحاديث النبوية، فكلاهما وحي من الله، كما قال الله تعالى: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم:3-4} ، والفرق بينهما أن الحديث القدسي هو ما نزل بلفظه مما ليس بقرآن، ولذلك فالحديث القدسي يعتريه ما يعتري الحديث النبوي من الصحة والحسن والضعف.
ولهذا اعتبرناه جزءاً من الأحاديث النبوية الشريفة، كما اعتبرته كتب الحديث ودواوين السنة، فلم تخصص له زاوية، وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 18787.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1427(3/2)
مظان الأحاديث الصحيحة والضعيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو مساعدتي بمعرفة كلّ حديث عن رسول الّله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح أو حسن أو ضعيف أو موضوع، وفي ذلك تمكين لي من أجل إحياء سنّة رسول الّله صلى الله عليه وسلم إن شاء الّله تعالى؟
وجزاكم الّله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أعظم الكتب التي جمعت الأحاديث الصحيحة، والكتب التي اهتمت بجمع الأحاديث الضعيفة في الفتوى رقم: 66864.
هذا وإن للشيخ الألباني جهوداً مشكورة في خدمة كتب السنة وتمييز صحيحها من ضعيفها، ومن ذلك خدمته لكتب السنن الأربعة، وتجريده لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم القولية في ((صحيح الجامع الصغير))
ونوصيك قبل دراسة الصحيحين والسنن أن تبدئي برياض الصالحين للإمام النووي، والأذكار للإمام النووي أيضاً، وعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر.
وانظري برنامجاً عملياً للمبتدئين في طلب العلم في الفتويين: 56544 // 59729.
واعلمي أنه لا ينبغي لمن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعظم جنابه أن يختصر الصلاة عليه في حرف (ص) . وانظري الفتوى رقم: 7334. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1426(3/3)
الأحاديث الصحيحة والأحاديث التي لا يعمل بها
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الأحاديث التي أجمع العلماء على صحتها وفي أي الكتب موجودة، وما هي أنواع الحديث التي لا يعمل بها، وهل يوجد كتب احتوت على هذه الأحاديث ما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن تحديد عدد الأحاديث التي أجمع العلماء على صحتها، فإنها متناثرة في دواوين السنة المختلفة، وإن كان أعظمها هي أحاديث الصحيحين، فقد أجمعت الأمة على تلقيهما بالقبول، قال الإمام النووي: اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب -بعد القرآن العزيز- الصحيحان، البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول. انتهى.
ثم إن أهل العلم وضعوا ضوابط للحديث الصحيح فأي حديث توفرت فيه تلك الضوابط فهو صحيح، ولو لم يكن في الصحيحين، ولمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع تراجع الفتوى رقم: 11828.
وأما أنواع الحديث التي لا يعمل بها، فهي الأحاديث المنسوخة، وكذا ما كان موضوعاً أو شديد الضعف، أما الضعيف فللعماء تفصيل في العمل به، فقد جوز بعض العلماء العمل به في فضائل الأعمال بشروط، منها: أن يندرج تحت أصل معمول به وأن لا يعتقد ثبوته عند العمل به وإنما يعتقد الاحتياط وأن لا يشتد ضعفه.
وأما الكتب التي اعتنت بجمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة فكثيرة، منها: كتاب (الموضوعات) و (العلل المتناهية) وكلاهما لابن الجوزي، وكتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) لابن عراق، وكتاب (اللآلئ المصنوعة) للسيوطي، وكتاب (الفوائد المجموعة) للشوكاني، و (وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) للألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(3/4)
عنترة بن شداد في الحديث النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد أي أخبار أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن عنترة بن شداد وهل عاصر البعثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع فيما وقفنا عليه على حديث ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيه عنترة بن معاوية بن شداد العبسي، وقد تحدثت عنه كتب الأدب والأخبار والتاريخ، وتواترت الأخبار بشجاعته حتى أصبح مضرب المثل، قيل إنه توفي قبل الهجرة بحوالي سبع سنين، جاء ذلك في كتاب جواهر الأدب وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1425(3/5)
أول جامع للحديث النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أول من جمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السنة لم تدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما دون القرآن، وإنما كانت محفوظة في الصدور نقلها الصحابة إلى من بعدهم من التابعين مشافهة، إلا ما كان لبعض الصحابة من صحف يدونون فيها بعض ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عبد الله بن عمرو، وفكر عمر بن الخطاب في تدوينها ولكنه عدل عن ذلك. وأول من أمر بجمعها عمر بن عبد العزيز فأرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دوس العلم وذهاب العلماء. ولكنه لم يدون كل ما في المدينة من سنة وأثر وإنما فعل هذا الزهري وكان معاصراً لعمر بن عبد العزيز وكان يأمر جلساءه أن يذهبوا إليه، لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم بالسنة منه، فدون كل ما سمعه من أحاديث وأقوال للصحابة غير مبوَّب على أبواب العلم، وبذلك كان الزهري أول من وضع حجر الأساس في تدوين السنة ثم شاع التدوين في الجيل الذي يلي جيل الزهري فجمعه بمكة ابن جريج وابن إسحاق وبالمدينة سعيد ابن أبي عروبة والربيع والإمام مالك وبالبصرة حماد وبالكوفة الثوري وبالشام الأوزاعي وهكذا، ثم جاء القرن الثالث فكان أزهى عصور السنة فصنفت المسانيد كمسند الإمام أحمد ومسدد وإسحاق بن راهويه ثم الصحاح البخاري ومسلم ثم ألفت بعدها السنن لأبي داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1425(3/6)
أطول حديث للنبي عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أطول حديث للنبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكتب التي صنفت في علوم الحديث لا تذكر ضمن مباحثها كلاماً عن أطول حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما اطلعنا عليه، وإنما لم تذكر لسببين:
الأول: أن الإحاطة بجميع الأحاديث الواردة بحيث يتمكن من معرفة أطول حديث منها أمر من الصعوبة بمكان.
الثاني: وهو الأهم.. أن معرفة أطول حديث لا ينبني عليه أمر عملي بالنسبة للمكلف أو بالنسبة لعلوم الحديث، والعاقل لا يسعى إلى علم ما لا فائدة من وراء علمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(3/7)
تعريف الحديث الشريف، وأعدادها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وما عددها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية، أو سيرة، سواء كان قبل البعثة أو بعدها، وهو بهذا التعريف يرادف السنة، قال الإمام السيوطي في ألفيته:
والمتن ما انتهى إليه السند ... ... ... ... من الكلام والحديث قيدوا
بما أضيف للنبي قولاً أو ... ... ... ... فعلاً وتقريراً ونحوها حكوا
أما عن عدد الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن حصرها من الصعوبة بمكان، نظراً لورود الأحاديث بروايات مختلفة، وألفاظ متفاوتة، قال الإمام السيوطي في تدريب الراوي: وقال ابن الجوزي: حصر الأحاديث يبعد إمكانه، غير أن جماعة بالغوا في تتبعها وحصرها. انتهى.
وليعلم السائل الكريم أن المطلوب تجاه السنة هو العمل بها والحرص على حفظها ونشرها، فإن معرفة العدد لا يغني شيئاً عن عارفه، ولكن العمل به هو المطلوب الأول لكل طالب علم أو سائل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1423(3/8)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، أريد أن أسال عن شخص يريد الذهاب إلى الحج وهو يتعامل بالربا من فترة طويلة والآن بقي عليه دين فماذا يفعل بعد عودته من الحج، وهل حجه صحيح وجائز أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
تم إلغاؤه لتكرره
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1422(3/9)
أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التشريعية وغير التشريعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك سنة تشريعية وغير تشريعية وسنة أخلاقية وهل تارك السنة غير التشريعية لا يعاقب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل يقصد السؤال عن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم منها ما هو تشريعي محض، وما هو جبلي محض فلا يعتبر تشريعياً، وراجع للتفصيل في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 52924، 24214، 53441، 59080، 105811، 7412.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1429(3/10)
الحيوانات التي مسخها الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الحيوانات التي مسخها الله وما سبب مسخها مثل القرد والخنزير والثعبان؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
مسخ الله تعالى بعض الأمم قردة وخنازير لما عصوه وخالفوا أمره ليكونوا عبرة لمن يأتي بعدهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد مسخ الله عز وجل أمة من بني إسرائيل قردة وخنازير، وهم أصحاب السبت، وسبب ذلك انتهاكهم لما حرم الله. وسبق بيان ذلك في الفتوى: 18655.
وليس معنى ذلك أن القردة والخنازير الموجودة هي من نسلهم بل هذه كانت موجودة قبل ذلك، والممسوخ لا يولد له كما جاء في صحيح مسلم مرفوعا: إن الله عز وجل لم يهلك قوماً أو يعذب قوماً فيجعل لهم نسلاً، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك.
وذكر الطبري وغيره من أهل التفسيرأن الحية كانت من أحسن الدواب، لها أربع قوائم كقوائم البعير، وكانت من خزان الجنة فأدخلت إليها إبليس فوسوس لآدم وحواء عليهما السلام فمسخها الله تعالى، وأهبط الجميع إلى الأرض بعضهم لبعض عدو.
وقد جاء في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع الصغير للألباني رحمه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل.
وانظر الفتوى: 13601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(3/11)
أثر الحديث النبوي في المجتمع الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أثر الحديث في المجتمع الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على هذه الأمة بأن أرسل إليها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ليزكيها ويعلمها ويتمم فيها صالح الأخلاق، وكان هو صلى الله عليه وسلم أتقى الناس وأحسنهم خلقاً، وكان لتعليمه للأمة أعظم الآثر في تغيير المعتقدات والسلوك والأخلاق والمعاملات، فصاغ المجتمع صياغة جديدة، طهرته من الظلم والتفرق والعصبية وحمية الجاهلية، فأصبح المجتمع مجتمعاً متآلفاً يحرص بعضه على الإحسان لبعض وعلى إيثاره وعلى النصح له ورعاية مصالحه، وأصبح التفاضل بينهم بحسب تقواهم وسابقتهم في الإسلام.
ومن الأمثلة العظيمة على رعايتهم مصالح الآخرين عند المعاملة ما رواه الطبراني في ترجمة جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه فذكر أن غلاماً له اشترى له فرساً بثلاثمائة فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال إن فرسك خير من ثلاثمائة فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثمانمائة.. كذا في فتح الباري. وكان هذا بسبب تأثره بمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم كما في حديث البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(3/12)
السنن الأربعة واصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معلومات في ورقتين فقط عن كل من سنن النسائي للإمام النسائي؟ وعن جامع الترمذي للإمام الترمذي؟ وعن سنن ابن ماجه للإمام ابن ماجه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسوف نعطيك تعريفا عن كل واحد من الأئمة أصحاب السنن الذين سألت عنهم. ثم تعريفا عن كتاب كل إمام.
تعريف بالإمام أبي داود: هو سليمان بن الأشعث السجستاني المولود سنة 202هـ تلقى العلم على كثير من علماء الحديث، ورحل في طلبه إلى كثير من البلاد الإسلامية، حتى صار إماما من أئمة الحديث في عصره، وتوفي – رحمه الله – سنة 275هـ بالبصرة.
سنن أبي داود: اعتنى أبو داود بأحاديث الأحكام خاصة وانتقى كتابه من خمسمائة ألف حديث واشتمل على أربعة آلاف حديث من أحاديث الأحكام خاصة، لذلك فهو مرجع للفقهاء في أحاديث الأحكام. وهذا الكتاب هو أول السنن الأربعة وأقدمها منزلة بعد الصحيحين. قال أبو داود: " قد ذكرت فيه الصحيح وما يقاربه وما كان فيه وهن شديد بيَّنتُه وليس في كتابي هذا الذي صنَّفتُه عن رجل متروك الحديث شيء ". ولكن مع هذا فهو لا ينص على صحة الحديث ولا ضعفه، فيسكت عنه. وما سكت عنه في منهجه صالح للاحتجاج به ولكن العلماء تتبعوا أحاديث السنن ودققوا فيها وحكموا عليها.
تعريف بالإمام الترمذي: هو الحافظ أبو عيسى محمد الترمذي، ولد سنة 209هـ بترمذ، وكان ورعا تقيًا ثقة، روى عن البخاري، وصار إمامًا من أئمة الحديث، توفي –رحمه الله- سنة 279هـ
جامع الترمذي: ويسمى سنن الترمذي، ويُعتبَر في المرتبة الثانية بعد سنن أبي داود. التزم فيه الترمذي بأن لا يخرج إلا حديثا عمل به فقيه أو احتج به مجتهد. ولم يلتزم الترمذي بإخراج الصحيح فقط ولكنه أخرج الصحيح ونص على صحته وأخرج الحسن وبينه ونوه به وأكثر من ذكره وهو الذي شهره، وأخرج الحسن الصحيح.
ويعتبَر كتاب الترمذي من مظان الحديث الحسن. وأخرج أيضا الضعيف ونص على ضعفه وأبان علته وأخرج بعض الأحاديث المنكرة في باب الفضائل ونبَّه عليها غالباً.
وقد تميز كتابه بالاستدلالات الفقهية واستنباط الأحكام من الأحاديث وبيان من أخذ بها أو عمل بها من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين من فقهاء الأمصار. وقد تضمن كتابه أيضا كتابا آخر سماه " العلل"، كشف فيه علل بعض الأحاديث وبذلك يكون جامع الترمذي قد تضمَّن فوائد كثيرة.
تعريفه بالإمام النسائي: هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب الخراساني، ولد سنة 215هـ، وكان إمام عصره في علوم الحديث، وقدوتهم في معرفة الجرح والتعديل، توفي – رحمه الله- سنة 303هـ.
سنن النَّسائي: صنَّف النسائي "سننه الكبرى" التي تُعتبَر أقل الكتب - بعد الصحيحين - حديثا ضعيفا ورَجُلاً مجروحا، ثم استخلص منه "السنن الصغرى" وتسمى " المجتبى" وهذا الكتاب هو أقل السنن حديثاً ضعيفاً وعدد أحاديثه 5761 حديثاً.
تعريف بالإمام ابن ماجه: هو أبو عبد الله محمد بن ماجه القزويني، ولد سنة 207هـ، وسمع الحديث من علماء كثيرين منهم أصحاب الإمام مالك، والليث بن سعد وغيرهم، وروى عنه الكثيرون، وقال عنه ابن كثير: صاحب كتاب السنن المشهورة، وهي دالة على علمه وتبحره واطلاعه واتباعه للسنة في الأصول والفروع، وتوفي – رحمه الله- سنة 273هـ.
سنن ابن ماجه: يُعتبَر هذا الكتاب أدنى الكتب الستة في الرتبة. رتب ابن ماجه الأحاديث فيه على أبواب الفقه شأنها شأن السنن الأخرى. جمع فيه 4341 حديثاً منها 3002 حديثاً أخرجها أصحاب الكتب الخمسة و 1339 حديثاً زائداً عن الكتب الخمسة، منها 428 حديثاً صحيح الإسناد و613 حديثاً ضعيفاً والباقي 99 حديثاً ما بين واهٍ أو منكر أو موضوع.
ولك أن تراجعي لمزيد الفائدة كتب التراجم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(3/13)
طريقة المنذري في الترغيب والترهيب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد فقط أن أسألكم حول كتاب الترغيب والترهيب للإمام الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري- دار الكتب العلمية لبنان -..فأنا أملك أربعة أجزاء من هذا الكتاب وكنت أداوم على قراءتها قبل أن أتوقف عن قراءتها وأريد أن أسأل هل الأحاديث الواردة في هذا الكتاب كلها صحيحة وأي الكتب تنصحوني بقراءتها بالنسبة لأشهر الكتب في الأحاديث الصحيحة..
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري من أعظم الكتب التي جمعت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحث على فضائل الأعمال ويرهب من رذائلها المردية، وقد انتفع به الناس قديماً وحديثاً. ولكن الحافظ المنذري لم يشترط الصحة في كل حديث يورده في كتابه، وبين ذلك في المقدمة، وذكر طريقته في التمييز بين الأسانيد الصحيحة والضعيفة التي أوردها في كتابه. ولكن كان في كلامه عن طريقته بعض الغموض والإجمال والمؤاخذات مما يجعل طالب العلم المبتدئ في حيرة من أمره، وذلك ما حدا بالشيخ المحدث الألباني أن يشتغل به، فأخرجه في قسمين، قسم للصحيح في ثلاث مجلدات، وقسم للضعيف في مجلدين، فأصبح الجميع في خمس مجلدات، فاحرص على تحصيل هذه الطبعة فإنها أنفع لك من طبعة دار الكتب العلمية المشار إليها. وأما كتب الحديث التي ندلك عليها فهي: في الآداب: " رياض الصالحين" للإمام النووي، وفي الرقائق، " الزهد" لعبد الله بن المبارك، وفي الأذكار: " الأذكار" للإمام النووي، وفي الأحكام: " بلوغ المرام" للحافظ ابن حجر. وهذه الكتب أغلب ما فيها من الحديث صحيح. ونسبة الضعيف فيها قليلة جداً، وإن أردت كتاباً خالصاً من الضعيف فليكن أحد الصحيحين " صحيح البخاري وصحيح مسلم".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1426(3/14)
اكتحال النبي صلى الله عليه وسلم وأكله العلكة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال حول أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم - هل مضغ اللبان (العلكة) ؟ هل اكتحل (وضع الكحل في العين) ؟ سامحونا إذا كنتم تظنون أنها أسئلة ثقيلة وهي كذلك - ولكنها قيلت أمامي ولم أعرف بماذا أرد - جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب على سؤالكم هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اكتحل وأمر بالاكتحال، ففي الترمذي مانصه: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر. وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل بها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه. قال وفي الباب عن جابر وابن عمر، وصححه الألباني. وأما مضغ اللبان فلم نقف عليه بعد البحث في دواوين السنة الموجودة بين أيدينا. لكن عدم فعله لذلك لا يدل على حرمته ولا على كراهته، كما أن فعله إياه لا يدل على سنيته لما قرره الأصوليون من أن أفعاله الجبلية كالأكل والشرب ونحوها ليست من السنة إلا مع لمح صفتها والهيئة التي كان يفعل ذلك عليها، كأكله بثلاث أو متربعا ونحو ذلك. وللاستزادة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 42915.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(3/15)
كيف تتقرب إلى ربك وتعبده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله، لا تفوت علي صلاة الفجر أبداً بالإضافة إلى أني غالباً ومن جديد لا تفوتني صلاة الضحى وقيام الليل وأجعل تلاوة القرآن وسماعه كعادة يومية، والآن بصدد ترتيب أمر الصيام كل اثنين وخميس.
ولكن سؤالي: ماذا أفعل أكثر من ذلك أشعر أن هذا قليل وأريد أشياء أكثر, أكبر, أعظم. أريد أن أعبد الله عبادة لا مثيل لها. كيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك رغبتك في الخير وحرصك على العبادة، ونسأله تعالى لنا ولك المزيد من التوفيق، ثم اعلم أننا لسنا مأمورين بعبادة لا مثيل لها، ولكن الذي أمرنا الله به وشرعه لنا هو أن نستفرغ وسعنا فيما شرع لنا من أنواع العبادات، مجتهدين فيها ما استطعنا، متأسين في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أعبد الناس لله تعالى، واستقصاء ما يمكن الاجتهاد فيه من أنواع القربات شيء يطول جدا ولكننا نضع لك بعض القواعد الكلية والأصول المجملة التي تعينك على التقرب إلى الله تعالى:
فأول ذلك الحرص على الفرائض والواجبات وعدم الإخلال بشيء منها، ففي الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه. رواه البخاري.
فتحرص على أداء الصلوات في أوقاتها في جماعة محافظا على الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها، وإذا وجبت الزكاة عليك بادرت بإخراجها في وقتها لمستحقها، وهكذا في جميع ما افترض الله عليك فعله، مثل بر والديك إن كانا حيين، وصلة أرحامك.
وثانيا: عليك بالإكثار من النوافل. ففي الحديث القدسي: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. رواه البخاري.
فتحرص على رواتب الصلاة وسننها القبلية والبعدية، وعلى صلاة الضحى وقيام الليل وعلى التنفل بالصلاة مطلقا في أي وقت أمكنتك الصلاة فيه سوى وقت النهي، فإن الصلاة خير موضوع كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتكثر من الصدقة بما فضل من مالك عن نفقتك ونفقة من تلزمك نفقته، وإن استطعت أن تصوم يوما وتفطر يوما فذلك أفضل الصيام، وإن لم تستطع هذا ففي صيام ثلاثة من كل شهر أجر صيام الدهر، وصوم الاثنين والخميس قد ثبتت مشروعيته بالسنة الصحيحة ومهما اجتهد العبد فيما شرع من العبادات فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
وثالثها: عليك بحسن الخلق ومعاشرة الناس بالتي هي أحسن فتأخذ العفو وتأمر بالعرف وتعرض عن الجاهلين، وتحسن إلى الناس ما وسعك فتوقر الكبير وتحنو على الصغير وتكظم غيظك وتعفو عمن أساء إليك، فإن حسن الخلق من أهم العبادات وأولاها بالعناية، والعبد يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورابعها: خذ من العبادة ما تطيق، والقصد القصد تبلغ، ولا تحمل نفسك فوق طاقتها فتنقطع عن المواصلة والاستمرار وتكون كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، واعلم أن أحب العبادة إلى الله ما داوم العبد على فعله، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل.
وفي الصحيح أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1430(3/16)
اقتراح يجمع بين الدعوة إلى الله والتصدق على المحتاجين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي مثلا: أن أقترح في منتدى ما أن يسجلوا محاضرات ما عن مواضيع ما كالدعاء ونضعها بالموقع ونضع إشهارات لمواقع إسلامية ونجمع الأموال من خلال تلك الإشهارات ونتبرع بها لفائدة فلسطين؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اقتراح جيد، يجمع بين الدعوة إلى الله والتصدق على المحتاجين ونصرة المستضعفين.
ولا شك أن إخواننا في فلسطين في أمس الحاجة إلى المال، فهم من أولى من تصرف إليه الصدقات.
واقتراحك هذا من باب الدلالة على الخير والتواصي بالحق، والدال على الخير كفاعله.
فجزاك الله خيرا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1430(3/17)
الأعمال التي تؤهل الإنسان لدخول الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن يكون لي نظام في كل يوم أمشي عليه، وهذا النظام يشتمل على كل شيء من أدعية وأحاديث وقرآن وفي نفس الوقت لا يكون ثقيلا علي، من أجل أن أدخل الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يبارك فيك وأن يجعلك قرة عين لوالديك، ونبشرك بأن ثواب الشاب الذي ينشأ في طاعة الله عظيم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ. رواه البخاري ومسلم.
وأما عن النظام الذي تريد أن تسير عليه، فخير ما يعمر به المسلم وقته هو تعلم الإيمان وتوحيد الله عز وجل وأداء الصلوات الخمس جماعة، وبر الوالدين، وصيام رمضان، والمحافظة على أذكار الصباح بعد الفجر، وأذكار المساء بعد العصر، وأذكار النوم وغيرها مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولمعرفة هذه الأذكار ننصحك بشراء كتيب صغير، ولكنه مفيد وهو: حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة، للشيخ سعيد القحطاني، وأكثر من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تجعل لنفسك وقتا تقرأ فيه القرآن، ووقتا تحفظ فيه فالحفظ في الصغر سهل ويسير، فاحفظ ما استطعت ولو شيئا يسيرا، وحافظ على السنن الرواتب للصلوات الخمس، ونوصيك بصحبة الأخيار فهم نعم العون على طاعة الله، وابتعد عن صحبة من لا يتقي الله من أصحاب السوء فهم من أعظم أسباب دخول النار، وإن كان بقربك دروس علم وخير لمن يوثق بدينه فواظب عليها ففيها خير كثير، مع التزام حسن الخلق فهو من أكبر أسباب دخول الجنة، والقاعدة العظمى التي تتمسك بها: هي المحافظة على أركان الإيمان وأركان الإسلام، وأن تعرف ما أوجب الله فتعمله، وما نهى الله عنه فتجتنبه، فإن كنت بالغا فقد أتيت بالواجب مع الثواب والفضل، وإن لم تكن بالغا فهو في حقك زيادة خير وثواب وقربة إلى الله، وراجع في الفتوى رقم: 5935، معنى الإسلام وأركانه، وفي الفتوى رقم: 8577، ماهية أصول الدين، وفي الفتوى رقم: 17543، عبادة الله تعالى غايتها وفوائدها، وفي الفتوى رقم: 4014، بيان أحب الأعمال إلى الله، وفي الفتوى رقم: 1208، طريق الاستقامة، وفي الفتوى رقم: 9163، الخطوات المعينة على تجنب رفاق السوء، ونسأل الله أن يدخلك الجنة ويباعدك عن النار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1430(3/18)
هل يكتب للعبد ثواب المعروف بدون استحضار النية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن عملت لي جدولا للأمور الدينية التي أعملها يوميا ومن ضمن هذا الجدول أنني أحتسب أجر عمل طبخة معينة لأهلي، أو أميط الأذى في سبيل أنه صدقة، فهل تحسب لي صدقة؟ وهل يلزمني أن أنوي الصدقة أولا؟ أم أثناء العمل؟ أم بعده؟.
وهل أي شيء أقول: أريد أن يكون هذا صدقة يحسب لي؟ وخاصة أنني مستحضرة كلام نبينا صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات.
الرجاء أن تقولو لي، هل تصير صدقه أم لا؟.
وكثر الله خيركم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما ذكرته السائلة من الأعمال إذا فعلتها ونوت بها التقرب إلى الله تعالى واحتساب الأجرعنده، فإنه يكتب لها صدقة ـ إن شاء الله تعالى ـ والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي وأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ , زاد أحمد والترمذي: وَمِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَائِهِ. اهـ.
قال ابن بطال ـ رحمه الله تعالى: دَلَّ هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ كُلّ شَيْء يَفْعَلهُ الْمَرْء أَوْ يَقُولهُ مِنْ الْخَيْر يُكْتَب لَهُ بِهِ صَدَقَة. اهـ.
ونقل الحافظ في الفتح عن اِبْن أَبِي جَمْرَة قال: يُطْلَق اِسْم الْمَعْرُوف عَلَى مَا عُرِفَ بِأَدِلَّةِ الشَّرْع أَنَّهُ مِنْ أَعْمَال الْبِرّ سَوَاء جَرَتْ بِهِ الْعَادَة أَمْ لَا، قَالَ: وَالْمُرَاد بِالصَّدَقَةِ الثَّوَاب، فَإِنْ قَارَنَتْهُ النِّيَّة أُجِرَ صَاحِبه جَزْمًا، وَإِلَّا فَفِيهِ اِحْتِمَال. اهـ.
فنرجو للأخت السائلة أن يكتب الله لها الأجر بما تقدمه لأهلها من خدمة الطبخ ونحوها أو إماطة الأذى أو غير ذلك من أعمال الخير، وأما هل تنوي بداية العمل إلخ، فالأصل في النية أنها تكون أول العمل لا في آخره ولا في أثنائه، جاء في الموسوعة الفقهية: وقْتُ النِّيَّةِ: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ النِّيَّةِ هُوَ أَوَّل الْعِبَادَاتِ، أَوْ أَنَّ الأَْصْل أَنَّ أَوَّل وَقْتِهَا أَوَّل الْعِبَادَاتِ. اهـ.
وعلى هذا فلتنو الأخت السائلة في أول عملها ولو غابت عنها النية أول العمل ونسيتها فلتنو في أثناء العمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1430(3/19)
استعيني على قضاء حاجات قريبك المعاق بأخواته
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد وفاة أم زوجي رحمها الله قمت بأخذ أخ زوجي المعاق والذي لديه تأخر في النمو العقلي بإسكانه معنا لكونه مريض بداء السكري إلى منزلي وهذا نظرا لأني كنت فى أحد الأيام في دردشة مع أم زوجي والتي كانت تخاف دائما مما يحصل بعد موتها لهذا المريض والذي يبلغ من العمر 49 سنة، ولكوني تعاطفت معها وقلت لها سيبقى عندي، ولكن شاءت الأقدارأن تموت في الحج، وأنا عند كلمتي ولكن أريد أن أستفسر، في بعض الأحيان أتعب وأتكلم مع نفسي متى يموت وأرتاح؟ لأن هذا الشخص عند دخوله إلى الحمام لا ينظف نفسه بعد قضاء الحاجة وأحيانا أجد بعض بقايا الفضلات في الحمام وفي سريره وهذا يقلقني وينرفزني ولكن دون إهانته بيني وبين نفسي، فكيف أتعامل مع كونه لا يغتسل عند البول وقضاء حاجاته، ويتحرك من مكان إلى مكان؟ هل لي أن ألزمه أن يبقى في مكان مخصص له على الأريكة مثلا؟ أحب النظافة ونحن نصلي والصلاة تحب طهارة المكان مع العلم أن لدي 3 أطفال صغار أكبرهم عمره أربع سنوات ونصف وأصغرهم 8 شهور، هل علي ذنب وهل هذا يدخل في ابتلاء من الله لكي يجزيني به يوم القيامة إذا صبرت؟ وهل لي أن أطلب من أختيه أن تساعداني فيه عندما تكونان في العطلة الصيفية أوالأسبوعية أوالمدرسية؟ بما أنه يقيم عندي طوال السنة، مع أن له أختا تسكن قريبا مني، هل لي أن أطلب منها أن تساعدني فيه لأني في بعض الأحيان أتعب؟ وأنا إنسانة عصبية، وهذا قبل زواجي لأني ـ حتى مع أولادي أقلق ـ وأريد من فضلكم الجواب الصريح والمفهوم لأنني أحس أحيانا بتأنيب الضمير والقلق في نفسي، من جهة أريد ابتغاء مرضاة الله عز وجل، ومن جهة أخرى أتعب. فما هي فتواكم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
اعلمي أن الصبر على ما تجدينه من تعب وضيق جراء قيامك بمصالح هذا المريض من أعظم الأعمال الصالحات التي تتقربين بها إلى الله جل وعلا ولك – إن شاء الله - عظيم الأجر وجزيل الثواب على ذلك, بل ستجدين بإذن الله ثمرة هذا في الدنيا من معونة الله لك ولطفه بك, ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
ولا مانع من أن تستعيني على خدمته ببعض أخواته, فهن في الحقيقة أولى برعايته منك لأنهن من محارمه, وهذا ما يفهم من كلام أهل العلم حين ذكروا أن المجنون لا يزوج إلا لحاجة، ومن حاجته أن يحتاج إلى الخدمة ولا يوجد في محارمه من يقوم بها، جاء في روضة الطالبين للنووي: أو بأن يحتاج (المجنون) إلى من يخدمه ويتعهده ولا يجد في محارمه من يحصل هذا. انتهى.
فالذي نراه تفاديا لما تجدين من ضيق وتعب جراء انفرادك بخدمته أن تتعاوني مع أخواته للقيام بمصالحه ولا يعد هذا من إخلاف وعدك مع أمه, مع التنبيه على أن الوعد لا يجب الوفاء به أصلا وإنما يستحب على الراجح من كلام أهل العلم، كما بيناه في الفتوى رقم: 17057.
أما ما تسألين عنه من إلزامه بالبقاء في مكان معين حذرا من انتشار النجاسة في المكان فهذا لا حرج عليك فيه, ولكن مع مراعاة مصلحته بحيث لا يتحول الأمر إلى حبس يتضرر به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1430(3/20)
النية تحول الأعمال المباحة إلى طاعة وقربة
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا عند ما أسمع عن استلام السياسيين، والمغنيين، والفنانيين، وغيرهم أجورهم الباهظة والملايين. أقول في نفسي: لو أن لدي هذه الملايين لأنفقتها في أعمال الخير. فماذا أعمل لكي يكون لدي من الحسنات كأمثال الجبال مثل من ينفق هذه الملايين في أعمال الخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نزف إليك البشرى في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء.. الحديث. أخرجه الإمام أحم د والترمذي وابن ماجه.
فإذا كانت نيتك صادقة في إنفاق مثل هذه الأموال في سبيل الله لو كانت لك، فإن لك أجرها إن شاء الله.
وأبواب الخير كثيرة، وهناك أعمال لها ثواب عظيم ولا تتطلب مالا كثيرا، ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة وفي بضع -الجماع أو الفرج- أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا. الدثور: الغنى والمال الكثير.
ففي هذا الحديث أمثلة متعددة لأعمال الخير، وفيه أيضا بيان أن النية تحول الأعمال المباحة إلى طاعة وقربة لله تعالى. فالنية أمرها عظيم، ورُب عمل صغير تعظمه النية، ورُب عمل كبير تصغره النية.
وانظر الفتوى رقم: 93234.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1430(3/21)
معالم لاستجلاب فضل الله وعافيته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن قول ابن الجوزي (أعطوا الله ما يحب، يعطيكم ما تحبون، استجيبوا لله إذا دعاكم يستجب لكم إذا دعوتموه) فإذا كان صحيحا فما شرح هذا القول؟
ثانيا ورد في بعض المواضيع التي أقرؤها بأن اتباع بعض الخطوات للشفاء من المرض أو أي شيء تريده من الله عز وجل 1- أن تكون على وضوء طيلة الوقت طوال أسبوع 2- أن تتصدق 3- أن تقول الكلمات المحببة إلى الله (سبحان الله والحمد لله والله اكبر ولا إله إلا الله) 4- كثرة مدح الله ... فهل هذه الطريقة صحيحة أم هي بدعة ... ولك أحب أن أشير لشيء هذه المواضيع لا يقصد بها ثبوت هذه الأشياء على الرسول، وإنما يقصد بها فعل ما يحب الله لكي يفعل لنا ما نحب. فما قولكم؟ وما هي الأشياء التي نفعلها ليرضى عنا الله ويشفينا من الأمراض. شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلفظ كلام ابن الجوزي في كتاب (التذكرة في الوعظ) هكذا: كونوا كما أمركم الله يكن لكم كما وعدكم، أجيبوا الله إذا دعاكم يجبكم إذا دعوتموه، أعطوا الله ما طلبه من طاعته يعطكم من رحمته ما طلبتموه اهـ.
وفي معناه ما قاله ابن القيم في طريق الهجرتين: إن الله سبحانه قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، فمن أقبل إليه تلقاه من بعيد، ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد، ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد، ومن أراد مراده الديني أراد ما يريد. اهـ.
ومعنى هذا الكلام يتبين بشرح شيخ الإسلام ابن تيمية لما نقله عن ابن النحاس أنه رأى الشيخ عبد القادر في منامه وهو يقول إخبارا عن الحق تعالى: من جاءنا تلقيناه من البعيد، ومن تصرف بحولنا ألنا له الحديد، ومن اتبع مرادنا أردنا ما يريد، ومن ترك من أجلنا أعطيناه فوق المزيد.
قال شيخ الإسلام: التقرب بحوله هو الاستعانة والتوكل عليه، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي الأثر: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله. وعن سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان. وقال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطَّلاق:3} وقال: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ {الأنفال: 9} وهذا على أصح القولين في أن التوكل عليه بمنزلة الدعاء على أصح القولين أيضا سبب لجلب المنافع ودفع المضار، فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون، ولهذا هو الغالب على ذوي الأحوال متشرعهم وغير متشرعهم، وبه يتصرفون ويؤثرون تارة بما يوافق الأمر، وتارة بما يخالفه. وقوله: ومن اتبع مرادنا يعني المراد الشرعي ... هذا هو طاعة أمره، وقد جاء في الحديث: وأنت يا عمر لو أطعت الله لأطاعك. وفى الحديث الصحيح: ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه. وقد قال تعالى: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ {الشورى: 26} . وقوله: ومن ترك من أجلنا أعطيناه فوق المزيد يعني ترك ما كره الله من المحرم والمكروه لأجل الله رجاء ومحبة وخشية أعطيناه فوق المزيد، لأن هذا مقام الصبر، وقد قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزُّمر:10} مجموع الفتاوى (10/549) .
والخلاصة أن الله تعالى يجازي عبده من جنس عمله، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، كما قال تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى {النجم:31} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن يعلم ما له عند الله فليعلم ما لله عنده. رواه أبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يُعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة. رواه مسلم. وقال صلوات الله وسلامه عليه: إن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم وصححه الألباني.
وعلى ذلك فمن أراد فضل الله تعالى ورحمته وعافيته، فلن يجد مثل طاعة الله تعالى لينال ما يريد، فهذا أصل المسألة.
أما أن يُرتَّب لهذه الطاعة أورادا وطرقا معينة تضاهي الشريعة، كتلك المذكورة في السؤال، فيخشى أن يكون هذا داخلا فيما يعرف بالبدعة الإضافية، وفي ما عندنا من كتاب الله وما بلغنا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم غنية وكفاية. فليحرص السائل الكريم على تقوى الله والاجتهاد في طاعته بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في يومه وليلته، وراجع في بيان الوسائل الناجعة لتلمس الشفاء بإذن الله، الفتوى رقم: 49953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(3/22)
حكم فعل الخير بنية تيسير الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم أن أعمل بعمل وتكون نيتي بهذا العمل الزواج. مثال أن يكون لدي بقايا أرز وأضعه للطيور في الخارج بنية زواجي، وأيضا عندما أجهز الطعام بنية زواجي وغيره من الاعمال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نرى مانعا شرعيا من فعل ما ذكر وغيره من الأمور المباحة من أجل الحصول على الزواج أو غيره مما أباحه الله تعالى، ولكن الأفضل أن يقصد المسلم بعمله كله التقرب إلى الله تعالى، ثم حصول حوائجه الأخروية والدنيوية، فبهذه النية يجمع بين خيري الدنيا والآخرة بحصول الأجر والثواب وتيسير أموره العادية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.. الحديث. متفق عليه.
قال العلماء: الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القربة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1430(3/23)
الأعمال التي تقرب العبد من الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ هل من قول أداوم عليه يدخلني الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل. ولتعلم أن دخول الجنة وما يوصل إليه أمر عظيم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ عندما سأله أن يدله على عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار فقال له: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، ثم قال له: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ قوله تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع.... حتى بلغ: يعملون. ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقلت له بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: كف عليك هذا، فقلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم في النار أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه أحمد وغيره وصححه الأرنؤوط.
وروى الإمام أحمد وغيره عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيان فقال أحدهما: من خير الرجال يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: من طال عمره وحسن عمله، وقال الآخر: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فباب نتمسك به جامع قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل. صححه الأرنؤوط.
وأفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه هو أداء ما فرض عليه كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه. الحديث رواه البخاري.
والذي يجمع لنا ذلك كله هو امتثال أوامر الله تعالى في السر والعلانية، واجتناب نواهيه في السر والعلانية. وهذا هو حاصل التقوى الذي وعد الله أصحابه بدخول الجنة.
وللمزيد انظر الفتاوى التالية أرقامها: 107812، 119559، 59782.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1430(3/24)
قربك من أمك ورعايتك لأهلك من أفضل الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معيل لأسرة مكونة من 6 أفراد: أم، وزوجة، وأربعة أولاد، أكبرهم ولد في صف خامس ابتدائي. أعمل معلما بالسعودية والعائلة مقيمة بمصر. فهل أذهب لمصر برًا لأمي وحسن صحبتها وتربية أبنائي عن قرب. أم أبقى لعام آخر فقط. جمعًا لمدخر يعين على مستقبل الأبناء علما بما يلي:
الوالدة عمرها 64 سنة، أملك بيتا مكونا من 3 طوابق، راتبي وزوجتي يقضي حوائجنا شهريا تقريبا بغير ادخار.
الحياة بمصر صعبة.
شيخي الجليل أحب ما ترتضيه لدينك أنت أمام الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت ترغب في البقاء سنة أخرى أو أكثر لجمع زيادة من المدخر، فلا حرج عليك في ذلك، إن لم يترتب عليه تضييع لشيء من حقوق الزوجة أو الأولاد أو الأم.
ولكن الذي ننصحك به ما دمت تجد الكفاية في بلدك، أن ترجع لتقيم مع أمّك وزوجتك وأولادك، فإنّ وجود الأب مع أولاده وزوجته مصلحة عظيمة تعين على حسن تربية الأولاد، وذلك ما لا يقارن بما يجلبه سفرك لهم من فضول الدنيا، فإن أعظم ما يهبه الأب لأولاده هو الأدب الحسن، والتنشئة القويمة، وذلك أفضل تأمين لمستقبل الأولاد، فإن المستقبل الحقيقي هو الآخرة، قال تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى*يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي. {الفجر23،24}
كما أنّ قربك من أمّك خاصة في هذه السنّ وقيامك على رعايتها وبرّها، هو من أفضل الأعمال التي تقربّك إلى الله وتنال بها رضاه، وذلك خير لك من الدنيا وما فيها، كما أنّ برّها سبب في البركة في العمر والرزق وسبب لتوفيق الله لك في كلّ أمورك.
ولا يترك العبد شيئاً من الدنيا ابتغاء وجه الله إلا أبدله الله خيراً منه، والعاقل من آثر دينه على دنياه ووثق بما عند الله وتوكّل عليه وحده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(3/25)
حكم فعل الخير وقراءة القرآن بنية الحصول على عمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة سور من القرآن والتصدق بنية أن يرزقني الله بالوظيفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة القرآن والصدقة من أعظم أعمال البر وأفضل الطاعات، وعلى العبد إذا عمل شيئا من ذلك أن يجعله خالصا لله تعالى، ولا مانع بعد ذلك أن ينوي حصول خير لنفسه أو لغيره أو دفع ضر عن نفسه أو عن غيره.
ولاشك أن فعل الخير وتلاوة القرآن العظيم والصدقة على المحتاجين والفقراء والمساكين من أعظم أسباب دفع الضر وجلب الخير والبركة لمن فعل ذلك، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ {الأعراف:96} .
وروى الطبراني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة.
وللمزيد انظر الفتويين: 56773، 58637.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1429(3/26)
الأعمال الصالحة المتعدي نفعها للغير يستمر ثوابها بعد الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي لي أخ رحمه الله في سنة 1999 كان عمره حينها يناهز 14.. كان أخا حنونا كالنسمة.. اسمه بدر وهو بالفعل كان بدرا ينير بيتنا..رغم صغر سنه ورغم أني كنت أكبره بسنوات إلا أنه كان يعلمني أمور ديني بل وأستشيره في أمور الدنيا لأني جربت رأيه وكان في الغالب يصيب..فعندما كان يرجع من المسجد كان يعلمني أمور ديني كطريقة التشهد والدعاء بعد الصلاة.. بل وكان يدعو أصدقاءه وأبناء العائلة الذين في عمره إلى الخير..بل وحتى الكبار.. أنا الآن لا زلت أتخذه قدوتي طبعا بعد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، خاصة في مسألة بر الوالدين..فهو رحمة الله عليه كان يبرهما ويحرص على عدم أذيتهما أو تكليفهما ما لا يطيقان من الناحية المادية.. بل كان يقبل بما يختار أنه له من ملا بس بصدر رحب رغم حبه لأخرى إنه أخي رحمة الله عليه مهما قلت وقلت لن أنتهي.. وإني وددت الإسهاب في وصفه من أجل طرح الأسئلة التالية..هل ما علمه لي أخي ولغيره من علم يعتبر من العلم المنتفع به؟ .. وهل كلما قرأت مثلا دعاء علمنيه أخي أخذ هو الثواب أيضا؟ وهل كل معاملة حسنة تعاملت بها مع أبوي أردت من خلالها الاقتداء به له بها أجر؟ أفيدوني بارك الله فيكم وجزاكم خيرا وجعلكم من الفاعلين للخير والدالين عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى الرحمة لأخيك وأن يجبرمصابكم بفقده وأن يسكنه فسيح جناته.
والذي يظهر مما كتبت أنه كان ولدا صالحا متصفا بكثير من الصفات الطيبة.
والميت ينتفع بعد موته بعلم نافع علَّمه لغيره فلا ينقطع الثواب بالموت لأن هذه من المسائل الثلاث التي تبقى من عمل الميت بعد موته؛ كما ثبت في الحديث الصحيح.
وعليه؛ فما علَّمه الولد المذكور وبثه من أدعية أو حث على برور الوالدين أو غير ذلك من العلوم النافعة يجد ثوابه بعد موته، وراجعي الفتوى رقم: 32151.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1429(3/27)
يرجى لمن يعد للصائم طعامه نوال ثواب من يفطر الصائم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة سافرت لأقيم مع ثلاثة من إخواني الذكور وأربعة من أبناء خالاتي وأنا من يعد لهم الفطور وأقوم بكل أعمال المنزل.
سؤالي هو هل أعتبر كمن فطر صائما عند تحضيري للفطور خصوصا وأن أعمالي بالمنزل تؤثر على عبادتي, وأؤخر صلاة العصر لانهماكي في أعمال المنزل وهم لا يساعدونني لأنهم يعودون من العمل متعبون. وهل لي من أجر على أعمال المنزل خصوصا أني أنويها في سبيل الله؟
جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من فطر صائما كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
وتفطير الصائم لا يبعد أن يدخل فيه الذي يعد له طعام الإفطار ويحفظه له ويناوله إياه..
ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها، وله مثله بما اكتسب، ولها بما أنفقت، وللخازن مثل ذلك من غير أن ينتقص من أجورهم شيئا.
والخازن هو الذي يتولى حفظ النفقة..
وعلى ذلك؛ فإنه يرجى لك أجر من قمت بتفطيرهم بما قمت به من خدمتهم وحفظ نفقتهم وعونهم على طاعة الله وعبادته من إخوانك وغيرهم إن شاء الله تعالى.
وكل ما تقومين به من الأعمال تؤجرين عليها ما دمت تحتسبين ثواب ذلك عند الله تعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
لكننا ننبهك إلى أنه لا يجوز للمسلم تأخير الصلاة عن وقتها، فقد قال الله تعالى إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {النساء:103} .
وقد ورد الوعيد الشديد لمن فعل ذلك؛ كما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله.
وعن بريدة رضي الله عنه أنه قال: بكروا بالصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة العصر حبط عمله.
ولذلك فإذا كان قصدك بتأخير صلاة العصر تأخيرها عن الوقت الاختياري الذي حدده الشارع، فهذا من المحرمات.. وعليك بالمبادرة إلى التوبة النصوح من ذلك وعقد العزم على عدم العودة إليه؛ فقد فسر العلماء قول الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً {مريم:59} فسروا إضاعة الصلاة بتأخيرها حتى يخرج وقتها.
وأما إذا كان قصدك بتأخيرها: تأخيرها عن أول وقتها فلا حرج عليك في ذلك- إن شاء الله تعالى- ولكنك قد فوَّتِّ على نفسك فضيلة أول الوقت.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1429(3/28)
هل الفرض في رمضان يعدل سبعين فرضا فيما سواه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الفرض في رمضان بسبعين فرضا، والنافلة بأجر فرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في صحيح ابن خزيمة وغيره حديث طويل فيه: أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى فيه سبعين فريضة فيما سواه.
وقد ضعف الحديث جمع من أهل العلم، ويدل على ذلك تبويب ابن خزيمة للحديث بقوله: باب فضائل شهر رمضان إن صح الخبر.
وقد قال بعض العلماء بمضاعفة ثواب الأعمال على هذا النحو مستأنسين بهذا الحديث، والذي لا شك فيه أن الطاعة في الشهر لها مزية وثوابها فيه مضاعف، وأما هذا التحديد فلم يصح فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1429(3/29)
التزم بكفالة يتيم ثم عجز
[السُّؤَالُ]
ـ[التزمت منذ فترة بكفالة يتيم والآن لا أستطيع الالتزام ولقد ترتب علي مبلغ 100 دينار للجنة المسؤولة ولا أستطيع سدادها وأخبرتهم أني لا أستطيع الاستمرار فقالوا لا مشكلة، ولكن يجب أن أدفع المبلغ المترتب، إذا لم أدفعه فهل يترتب علي أي إثم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إذا كانت اللجنة تخصص حصص كل متبرع ليتيم (أو يتامى) بعينهم ولا تدفع له حتى تحصل من المتبرع فلا إثم عليك في عدم دفع المبلغ المتبقي إلا إذا كانت هذه الكفالة نذراً فتجب بقولك، وعند عدم الاستطاعة يكون عليك كفارة يمين، والأفضل هو سداد المبلغ إذا كان ذلك في وسعك، ولو على أقساط صغيرة؛ وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
أما إذا كانت تدفع من حصيلة ما يتجمع لديها من أموال وقد دفعت ليتيمك بالفعل وذلك بإذنك لها في ذلك -وهو تعهدك بدفع هذا المبلغ الشهري- فيكون هذا المبلغ ديناً للجنة عندك، والتخلص من الدين يكون بالوفاء أو الإبراء، فعليك التفاهم مع اللجنة للإبراء أو تقسيط المبلغ على أقساط صغيرة كما سبق، أو الإبراء من جزء وسداد الباقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(3/30)
حكم إنزال موضوع في يوم الجمعة باسم (استراحة الجمعة)
[السُّؤَالُ]
ـ[في المنتديات يقوم بعض الأعضاء بإنزال موضوع يوم الجمعة تحت اسم (استراحة الجمعة) ، والموضوع يحتوي على تلاوة للقرآن الكريم، فهل هذا جائز أم هو بدعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في المشاركة بتنزيل تلاوة للقرآن في المنتديات واختيار عنوان مناسب لتلك المشاركة، وصاحبها مأجور إن شاء الله تعالى لأن ذلك من نشر الخير والتعاون على البر والتقوى، فهو عمل مشروع وليس بدعة، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 46379، والفتوى رقم: 61881.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1429(3/31)
إصلاح ذات البين.. آمال ومعوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا محتارة ياشيخ في موضوع رسالتي في الحياة.
أريد التخصص في إصلاح ذات البين.
لكني أواجه مشاكل مع أرحامي وكلما حاولت الإصلاح يلفقون لي مشكلة ويعاملونني بطريقة مهينة.
الآن أنا لا أستطيع دعوة الناس وإصلاح ذات بينهم وآمر الناس بالبر وأنسى نفسي وفي نفس الوقت رسالتي في الحياة متوقفة على هذا الأمر، ماذا أفعل جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياك برحمته وأن يرزقنا عافيته وأن يوفقنا إلى طاعته.
واعلمي أن رسالة المسلم في الحياة هي تحقيق العبودية لله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته ودعوة الناس إلى ذلك، ولا شك أن إصلاح ذات البين من أهم القربات وأجل الطاعات، وراجعي الفتوى رقم: 53747.
وقد أحسنت بحرصك على التخصص في هذا الجانب، ولا شك أن مثل هذا الأمر يحتاج إلى مقومات، ومن أهمها الإخلاص لله والصبر على الأذى والصد الذي قد يجده المسلم في هذا السبيل. هذا بالإضافة إلى حرص المرء على أن يصلح ما بينه وبين أرحامه، والصبر عليهم. وإذا سعيت في الإصلاح ولم تجدي منهم استجابة فلا يضرك صدودهم، ولا ينبغي أن يكون هذا مانعا في سعيك للإصلاح بين الآخرين، وانظري الفتوى رقم: 1764.
وعلى فرض أنك عجزت ولم تتمكني من تحقيق مثل هذا الهدف -نعني الإصلاح بين الناس- فهنالك كثير من سبل الخير وتحصيل الأجر غيره، ورحم الله من قال:
إذا لم تستطع شيئا فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع
وننبه في الختام إلى أمر مهم وهو أنه على المرء أن يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وقد سبق بيان ذلك بالفتوى رقم: 18468.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1429(3/32)
بقدر همة العبد ونيته يقع الأجر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج مثل الصدقة لأن الصدقة على القريب صلة وصدقة وأجرها مضاعف. سؤالي هو إذا تزوجت من ابنة خالتي اليتيمة هل أحصل على أجر القرابة وأجر الصدقة وأجر كفالة اليتيمة؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا، وزادك حرصا على أبواب الخير وسبل الأجر. واعلم أن المرء يثاب على قدر نيته، ويعطى بقدر همته، فإن تزوجت ذات رحمك اليتيمة بقصد إعفافها وكفالتها والإحسان إليها فنرجو أن تجد أجر ذلك كله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه
وقال ابن القيم رحمه الله: بقدر همة العبد ونيته يعطيه الله تعالى.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1429(3/33)
الإحسان إلى الأقرباء الفقراء من القربات العظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد 5 أولاد أعمارهم 19-17-9-7-5 تركهم والدهم في منزلهم مع والدتهم وبدون أي مصدر للنفقة وذهب للعيش مع والدته بحجة أنه لا يستطيع النفقة على الأسرة ومهما طلب منه الأولاد أو الزوجة أموالا لا يرد عليهم - الأم تعمل ولكن لا يكفي المرتب للنفقة وبعد فترة ظلت سنتين فكرت الأم بطلب المساعدة للاحتياج وفي نفس الوقت لن تترك أولادها أبدا ولقد اختلف الأهل منهم من ساعد ومنهم من قال هي تملك مرتبا فهي لا تستحق فما هو رأيكم هل أخطأت الأم في طلب المساعدة وأولادها لم ينتهوا من تعلمهم---وهل أولادها في مرتبة الأيتام لان أباهم الآن وبعد مرور 4 سنوات من تركهم أصيب بسبب السكر ببتر في الساق لحد تحت الركبة فأصبح لا ينفق وعاجزا حتى لا يستطيع رعاية أي شؤون لهم---هل من يساعدها من الأهل يعتبر منفقا عليها ومحسنا عليها أم على أولادها حتى يطمئن أصحاب الإحسان أين توضع أمواالهم..........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من شهد بفقره جماعة من أهله الذين يعرفونه تجوز له المسألة بقدر حاجته؛ لما في حديث مسلم: إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش.
وأما الأولاد في الحال فلا يعتبرون مثل الأيتام لأن اليتيم هو من توفي أبوه عنه قبل البلوغ سواء كان غنيا أو فقيرا، وأما هم فإنهم فقراء، والله تعالى حض على رعاية ومساعدة الأقارب لليتامى والاقربين والفقراء كما في قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ {البقرة:215} .
وبناء عليه.. فالإحسان إليهم وإلى أمهم من آكد وأعظم القربات، هذا وننبه إلى أن ما فعله هذا الوالد حتى وإن لم يكن له عذر فيه لا يسقط حقه في البر به ورعايته ولاسيما مع مرضه وعجزه.
وراجع للمزيد في الأمر وفي خطر تضييع الأب لعياله الفتاوى الآتية: 17909، 57511، 74348، 28745، 28493، 106394.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1429(3/34)
ينال ثواب العمرة لكن لا يجزئ عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الدنيا والآخرة ... لقد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه من صلى الفجر في جماعة وقعد في مكانة حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين كان له أجر عمرة تامة تامة.. أو كما قال، فهل يجوز لي أن أنوي بها أي أجر العمرة هذه إلى ثواب أحد الموتى قياساً على العمرة في البيت العتيق، لنية الميت فلان الفلاني مثلاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في ما أخرجه الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامة تامة. وصححه الألباني، ولكن ينبغي أن تعلم أن هذا في الجزاء لا في الإجزاء فيكون له ثواب عمرة لكن لا يجزئ عن العمرة إن كانت قد وجبت عليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 54394.
وأما إهداء هذا الثواب إلى الأموات فجائز على ما رجحه كثير من أهل العلم، وقد بينا ذلك مفصلاً في الفتوى رقم: 79657، والفتوى رقم: 69039 فراجعهما ففيهما كفاية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1429(3/35)
فضل المشي وكثرة الخطا إلى المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسكن في المدينة المنورة للعمل وأبعد عن المسجد النبوي الشريف مسافة 11 كيلو متر تقريبا وأريد أن أعمل بالحديث الذي يقول في معناه الخاص بيوم الجمعة من غسل واغتسل وبكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام كان له بكل خطوة عدل صيام سنة وإقامتها، أريد أن أخرج من البيت الساعة السادسة صباحا وأمشي إلى المسجد النبوي بغية العمل بالحديث وابتغاء الثواب الكبير والمسافة كما ذكرت سابقا، فهل هذا العمل فيه غلو أو تشدد أو تحميل للحديث ما لم يحتمل، وهل هذا العمل يدخل في نطاق الحديث وهل قصد المسجد النبوي له أجر زائد عن المساجد الأخرى لفضل الصلاة فيه، علما بأن عمري 28 عاما؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على السائل في الذهاب إلى الحرم من المسافة المذكورة -إذا لم يترتب عليه ضرر- ولا يعد هذا تشدداً ولا غلواً، ونرجو أن يكتب الله له الأجر والمثوبة الواردين في الحديث المشار إليه، وهو حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وقد دلت السنة على مشروعية القدوم للمسجد من المسافة البعيدة احتساباً للأجر، فقد روى مسلم عن أبي بن كعب قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله..
ولما أراد بنو سلمة الانتقال من محلتهم إلى قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم عليه الصلاة والسلام: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم ... رواه مسلم.
أي إلزموا دياركم يكتب الله لكم أجر خطواتكم، قال ابن رجب في شرح البخاري:.. وبنو سلمة: قوم من الأنصار، كانت دورهم بعيدة عن المسجد ... ومثله في مرقاة المفاتيح: ... كان بينهم وبين المسجد مسافة بعيدة.. وقد ذكر الحافظ أن المسافة كانت قدر ميل، وهي دون مسافة السائل؛ لكن الحديث يدل على احتساب الأجر عند القدوم من المسافة البعيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1429(3/36)
العمل الصالح أنيس المؤمن في قبره
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل القرآن عند موت قارئه؟ هل يأتيه على شكل رجل وسيم يقف بجواره يدافع عنه سؤال منكر ونكير؟؟ يَدْخلُ ذلك الرجلِ بين الكفنِ وصدرِ الميّتِ ويتحول الرجل الوسيم إلى رفيقه الميت ويَقُولُ له: ' أَنا القرآن الذيّ كُنْتَ تَقْرأُه, بصوتٍ عال أحياناً وبصوت خفيض أحياناً أخرى. لا تقلق. فبعد سؤال مُنكرٍ ونكير لا حزن بعد اليوم. هل هذا صحيح.
وبارك الله فيكم وجزاكم كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سأل عنه السائل لم نقف له على دليل وهو من الأمور التوقيفية، وقد ورد في فضل حملة القرآن والعاملين به فضائل كثيرة، منها:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ:" هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ. رواه أحمد وابن ماجه والدارمي وصححه الألباني.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا. رواه أبو داود والترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وكذا قال الألباني.
ومن الثابت أن القرآن يشفع لأصحابه الذين كانوا يتلونه ويعملون به يوم القيامة، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ قَالَ مُعَاوِيَةُ - أحد الرواة-: بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ.
وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ/ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِز قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ. رواه أحمد وصححه الألباني.
ومن الثابت في الأحاديث أن الذي يأتي المؤمن في قبره هو عمله الصالح، ففي حديث البراء الطويل، قال صلى الله عليه وسلم: فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
ونسأل الله الثبات في الدنيا والآخرة، والله الموفق.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35857، 16596، 1018، 10941، 103757.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1429(3/37)
المطلوب التوازن في إعطاء كل ذي حق حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[إن زوجتي والحمد لله ملتزمة متدينة تقوم الليل وتصوم الاثنين والخميس وتصوم 13 و14 و15 من كل شهر عربي، السؤال هو: أنها لا تنام إلا قليلا لا تزيد على ساعتين في الليل لتتفرغ لحفظ القرآن والصلاة، مع العلم بأنها تبلغ من العمر 54 سنة، فهل هذا القيام والسهر لأداء شعائر الله يؤثر على صحتها وخاصة أنها بين الفيئة والأخرى تشتكي من آلام في رأسها، فهل هذا من كثرة السهر، وهل هناك نصيحة تقدمونها إلى زوجتي في هذا الشأن، لكم كل الشكر والاحترام ... وللتوضيح فإن زوجتي عندها مرض مزمن في قشرة جلد الرأس فهل تتفادى الماء على الرأس عند الغسل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بما أكرمك الله به من وجود امرأة صالحة تواظب على نوافل الصلاة والصيام وتشتغل بحفظ القرآن، فعليك أن تحمد الله على ذلك وأن تكون عوناً لها على المواصلة، ففي الحديث: من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة. رواه أحمد.. وفي الحديث: ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيراً له من زوجة صالحة. رواه ابن ماجه ... وفي الحديث: فاظفر بذات الدين ... متفق عليه.
وأما تأثير القيام والاغتسال على صحتها فننصحك باستشارة الأطباء في شأنه، فإن كان لذلك تأثير فننصحها بالحرص على التوازن بين القيام بحق دينها وحق بدنها وحق أهلها عملاً بحديث البخاري أن سلمان قال: إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً.... وقد صدقه النبي صلى الله عليه وسلم، كما ننصحها بالإكثار من سؤال الله العافية والدعاء آخر الليل بالإعانة على مواصلة مسيرتها في التعلم والعبادة، وراجع في حكم تفادي زوجتك لغسل رأسها بسبب المرض الفتوى رقم: 22910.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1429(3/38)
ثواب من يعتني بالورود والنباتات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاعتناء بالورد الموجود داخل منزلي وخارجه، كسقايته الماء وتعريضه إلى الضوء، يزيد من ميزان حسناتي؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إذا احتسب المسلم اعتناءه بالورود وغيرها من النباتات التي ينتفع بها كان له بذلك أجر عند الله، إن شاء الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام حث على الزراعة والغرس وإصلاح االأرض ... فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل. رواه أحمد. وفي الصحيحين وغيرهما عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة.
والورود داخلة في هذا -إن شاء الله تعالى- وإن كان لا يؤكل منها ... لكنها تحيي الأرض وتصلحها وتلبي حاجة الإنسان الفطرية من التمتع بالنظر إلى جمال منظرها واستنشاق رائحتها الطيبة ... وقد امتن الله علينا بزينة السماء بالمصابيح وجمال منظر الأنعام ... وعلى ذلك فمن اعتنى بشيء من النبات واحتسب أجره عند الله تعالى فإنه ينال الخير والثواب في الآخرة إن شاء الله تعالى. وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 63087.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1429(3/39)
كيف تساعد المظلومين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستطيع أن نساعد أهلنا في غزة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يفرج عن إخوتنا في غزة وأن ينصرهم. وكنا قد أجبنا عن مثل هذا السؤال بالفتوى رقم: 2161، فنرجو من السائلة مراجعتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(3/40)
المساعدة على قضاء حوائج الناس صدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أن اعرف حكم الدين في أنا أناس لا يقومون بمساعدة أي شخص في حاجة ماسة للمساعدة، فهم يردون فقط المجاملات، فهل عليهم إثم وخاصة وأنهم أخوات زوجي وجيران، وأنا في فتره المرض والولادة وزوجي مسافر، ويكفى أن أقول أني أخذت ابني في اليوم السابع للولادة ونزلت به للمستشفى كي أقيس نسبة الصفرا ومعي طفلان آخران وكنت متعبة جدا وهم يعلمون بذلك، ولكنهم يعتبرون أن أهلي أولى بالمساعدة وأمي كانت معي ولكنها كبيرة في السن وأختي مطلقة ومعها ولدان وأخي يعمل وغير ذلك من أمثلة كثيرة تدمي قلبي بالألم وخاصة وأني دائما ما أساعدهم وأقف بجوارهم في كل المواقف، وأساعد كل الناس عموما، وأتساءل لماذا يحدث لي هذا وهل سوف يحاسبون على هذا غير أنهم يخافون الحسد جدا ويخفون كل أخبارهم حتى ولو كانت تافهة جدا بطريقه تجرح المشاعر، وأنا الحمد لله لا احتاج حاجة من أحد بل نحن والحمد لله من نعطي ولا نأخذ مما يثير الغيظ من أسلوبهم،هذا علاوة على أن الأخت الصغرى دائما ما تحكي لي مشاكلها فقط وأشك أن تفعل ذلك من اجل الحسد، أرجو الرد على رسالتي لأني أصبحت لا أطيق التعامل معهم وأتعامل لوجه الله، ولكني لا أعرف هل أنا على الحق ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا بالفتوى رقم: 78402، فضل مساعدة المحتاجين وأن ذلك من أعظم أعمال البر فراجعيها، فنوصيك بالمحافظة على ثواب ما تقدمين من بر لهؤلاء الجيران أو لغيرهم فلا تبطلي ثوابك بشيء من المن والأذى.
ولا شك أنه مهما أمكن المسلم أن يساعد أخاه المسلم فليفعل، ولكن لا يأثم من امتنع عن مساعدة أخيه في كل حال، وراجعي تفصيل القول في حكم المساعدة بالفتوى رقم: 75950.
ومن أعرض عن تقديم المساعدة فلا ينبغي أن تظهري شيئا من حاجتك إليه لأن هذا قد يكون فيه شيء من مذلة النفس، ولعلك أن تجدي من النساء الخيرات من يساعدك إذا احتجت.
وأما اتقاء الحسد وفعل الأسباب التي تعين على ذلك فأمر مشروع في الجملة، ولكن لا ينبغي أن يؤدي بالمرء إلى الوقوع في شيء من الوساوس، وراجعي الفتوى رقم: 74187.
وعلى كل حال فمن جهتك أنت فلا ينبغي أن تشغلي نفسك بأمر هؤلاء الناس بل اصرفيها إلى ما ينفعها من أمر دينها ودنياها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1429(3/41)
يستحب للإخوة الإعانة على تزويج إخوتهم ولا يجب
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أخوان توفي والدنا منذ سنتين ونصف يبلغ عمر الأكبر منا20 والأصغر15 من الأولاد الصغار الذي نعيش عند والدتي حاليا لدينا أخوان يملكون مالا ولهم نفوذ في بلادنا والدي رحمة الله أوصى بثلث ما يملك من ماله وذلك لزواج أبنائه القصر بعد وفاته فإن زوجونا سقط الثلث الذي أوصى به المرحوم تبرئة لذمته فهل وصيته صحيحة أم هي تبرئة للذمة؟
وهل على إخواننا أن يزوجونا كوننا إخوانهم الصغار أيتام ليس لنا سوى الله وإخواني بعد الله أم ماذا أرجو منكم إفتاءنا بذلك ونصح إخواني بشيء مفيد تجاهنا بعد ذلك وهل هما ملزمان بتزويجنا أم ماذا؟
علما بأن الأخ الأوسط والثاني يستخدمون معنا لغة العنف وسوء الفهم ولا نستطيع العيش معهم في المدينة لكي نكمل تعليمنا وذالك بسب جحيم زوجاتهم أفتونا حفظكم الله وبارك الله فيكم لما فيه مصلحة الأمة.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
اليتم ينتهي عند سن البلوغ، ولا تصح الوصية للوارث إلا أن يجيزها الورثة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن اليتيم شرعا هو: من مات عنه أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم، ويستمر وصفه باليتم حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد احتلام " رواه أبو داود.
والسن التي يحكم بها على الشخص بأنه بالغ هي سن الخامسة عشر، كما ذهب إليه جمهور أهل العلم، ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 18947.
ومن هذا يتبين لك أنكما قد تجاوزتما سن اليتم.
وفيما يخص وصية أبيكم فإنها لا تصح إلا أن يجيزها بقية الورثة، وبشرط أن يكونوا بالغين رشداء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث". رواه الترمذي وأبو داود، وابن ماجة وحسنه السيوطي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
وكما أن الوصية غير صحيحة، فإنها لم تدخل الذمة أصلا حتى نقول بتبرئة الذمة منها.
ثم إن أخويكما ليسا ملزمين شرعا بتزويجكما، ولكنه يحسن بهما أن يفعلا ذلك، ولهما فيه أجر كثير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم صدقة وصلة" رواه الترمذي والنسائي وأحمد.
فننصح أخويكما بأن يعطفا عليكما، ويساعداكما بما يستطيعانه، ولا يسلماكما للضيعة. ولا يطيعا فيكما زوجتيهما، وأن يعلما أن من بر أبيهما بعد موته رعايتكما والإحسان إليكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(3/42)
الترغيب في السعي في الإصلاح بين الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أخوان متشاجران قرابة الثلاث سنوات بسبب مشاكل أحد ابنيهم.وحاولت عدة مرات لكي أصلح بينهما لكني لم أفلح الرجاء دلوني إلى الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إصلاح ذات البين من أفضل الأعمال الصالحة؛ كما جاء في الحديث: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر ولكن تحلق الدين. رواه أبو داوود والترمذي وقال: حسن صحيح.
وقد أوردنا هذا الحديث لننبه على أمرين هما ما يرشد لهما الحديث:
الأول: فضل ما تقوم به من الإصلاح بين إخوتك فاستمر على ذلك ولا تيأس.
الثاني: خطورة فساد العلاقات بين المسلمين عموما وبين الإخوة خاصة.
فالشرع حث بقوة على الوحدة والترابط وصلاح ذات البين، وإذا كان مثل هذا التوجيه لعموم المسلمين فمن كانت بينهم رابطة النسب أولى وآكد في حقهم؛ لما بينهم من الرحم التي أوجب الله وصلها ونهى عن قطيعتها، فأعد وكرر تذكير أخويك بذلك، واستثمر الأوقات المناسبة كأوقات الأفراح والمناسبات السعيدة أو قبيل دخول شهر رمضان والأعياد ونحو ذلك.
فليجتمع في السعي في إصلاحك بين الترغيب والترهيب، ومن أعظم ما ورد في ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا.
وما رواه البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. أي أكثرهما ثوابا الذي يبدأ بالسلام.
ثم عليك بالدعاء والتضرع إلى الله بأن يهدي أخويك إلى ما فيه خيرهما وهو الصلاح.
وننبه في ختام هذا الجواب إلى وجوب الحذر من المعاصي، فقد تكون سببا في وجود البغضاء ونفرة قلوب الأحبة بعضها عن بعض. روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي محمد بيده؛ ما تواد اثنان ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما.
نسأل الله أن يصلح أحوالكم وأحوال المسلمين وأن يؤلف بين قلوبهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(3/43)
فوائد التعجيل بقضاء حوائج المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد فوائد لقضاء الحاجة خلال أيام من أحاديث صحيحة مثلاً خلال ثلاثة أيام أو أكثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال غير واضح ولذلك لم يتبين مراد السائل منه، لكن إذا كان يقصد هل توجد أذكار أو أدعية تقال لأجل قضاء الحاجة خلال فترة معينة.. فإننا لم نطلع على ذلك، لكن من أراد حاجة فليأخذ بأسباب إجابة الدعاء، ويصلي صلاة الحاجة، ويسأل الله حاجته ويلح في ذلك، فإنه بإذن الله لن يعدم واحدة من ثلاث: إما أن تعجل له حاجته، وإما تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
وإذا كان يقصد بالسؤال فوائد التعجيل بقضاء حوائج المسلمين فإنه من أفضل أعمال البر، وفوائده غير منحصرة، ومن أعظمها أنه سبحانه وتعالى يكون في حاجة من يسعى في حاجة أخيه المسلم، غير أننا لم نجد ما يدل على تحديد فترة مرغب في قضاء الحاجة خلالها، كما أنه لا دليل على فترة محددة تظهر فيها نتائج القيام بذلك، والله وحده هو الذي يعلم متى يكافئه وكيف يكافئه، فقد يعجل ذلك له، وقد يدخره للآخرة، وقد يجمع له بين ذلك. وللمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11571، 3749، 78402، 67951.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1429(3/44)
فضل إطعام الطعام وجمع الناس عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يا فضيلة الشيخ هو هنا في أوروبا في أحد مساجدها يقوم شخص كل يوم اثنين وخميس بتحضير إفطار صائم في المسجد ويحضر للأكل الصائم وغير الصائم حتى البعض لا يحضر إلا في هذه الأيام إلا للأكل واستمر هذا مدة على مدار 2 سنوات تقريبا ويحضر لهذا الطعام معظمهم من الميسورين الحال ونية صاحب الفكرة هو أن يشجع الناس على الصيام وان كان عدد الصائمين 3 أو 4 فقط فاقترح عليه أحد الإخوة أن يوقف هذا الإطعام لأنه لا جدوى منه، وهناك أناس جائعون يحتاجون للأكل فقراء ومساكين، وتكلم عن فضل إطعام المساكين والفقراء، ولكنه لم يكن هذا هو السبب الحقيقي فهم أو هو يقول إن في أيام الإفطار هناك أناس يأتون ليتجسسوا على الحضور ونقل المعلومات، وهذا ظن فقط، والله أعلم لأنه يحتاج إلى دليل قطعي لإثبات ذلك لأنه بعد الأكل يحضر الشاي فيجلسون ويتكلمون في أمور الدين والدنيا، ولكن صاحب فكرة الإطعام رفض أن يوقف وأصر على إكمال إطعام الصائمين ولو كانوا أصحاب مال واستطاعة، فهل هذا قول حسن؟ وهل فكرة الإطعام حسنة؟ وما رأيكم في المعترضين؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فكل من الأمرين حسن ولا شك، ولكن من لم يمكنه الجمع بينهما فالأولى تقديم ما كنت الحاجة إليه أمس، والفائدة منه أعم، وهو الإطعام الذي يجتمع إليه الناس، أو يراد لجمع الناس، ويتذاكرون عنده أمور دينهم ودنياهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إطعام الطعام وجمع الإخوان عليه من أجل الأعمال وأفضلها، ولا سيما إن كان من بينهم من هو صائم، ولو كان بعضهم أصحاب أموال لأن إطعام الطعام والصدقة التي ليست واجبة لا يختص بالفقراء، ولذلك ورد عن علي رضي الله عنه موقوفا: لأن أجمع إخواني على صاع من طعام أحب إلي من أن أعتق رقبة. وهو ضعيف كما ذكر الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب، لكنه في فضائل الأعمال.
وفي إحياء علوم الدين للغزالي: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: من كرم المرء طيب زاده في سفره وبذله لأصحابه، وكان الصحابة رضي الله عنهم يقولون: الاجتماع على الطعام من مكارم الأخلاق، وكانوا رضي الله عنهم يجتمعون على قراءة القرآن ولا يتفرقون إلا عن ذواق، وقيل: اجتماع الإخوان على الكفاية مع الأنس والألفة ليس هو من الدنيا. انتهى.
ولا يتنافى هذا مع فضل التصدق على الفقراء والمحتاجين فيمكن لمن أنعم الله عليه بالمال ووفقه لأعمال البر أن يقوم بذلك كله، أي يستمر فيما ذكر من إطعام الطعام وإفطار الصائم ويتصدق على الفقراء والمحتاجين أيضا، لكن لو دار الأمر بين أن يفعل هذا أو ذاك لكونه لا يستطيع الجمع بينهما أو لا يريده، فالظاهر أن إطعام الطعام وجمع الناس مع ما ينضم إلى ذلك من الحديث في أمور الدين أفضل، فقد علمنا من أكثر من ثقة ممن عاشوا في تلك البلاد أن حاجة الناس إلى مثل هذا الاجتماع الذي يتحدث فيه عن أمور الدين ولا يخلو من تعليم جاهل أو تذكير ناس أو تنبيه غافل أكثر من حاجتهم هناك إلى الطعام، وإذا أمكن أن يكون هذا الاجتماع والأكل في غير المسجد فهو أولى، لأن من العلماء من يرى عدم جواز الأكل في المسجد إلا ما كان خفيفا وجافا مثل التمر ونحوه، وإذا لم يوجد غير المسجد فقد أجاز الكثير من أهل العلم الأكل بالمسجد من غير تقييد؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 68828، لكن تجب المحافظة على المسجد من أن يتلوث ببقايا الطعام، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 95980، 6322، 50606.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1429(3/45)
أحكام الإعارة
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان يأتي بعض الأشخاص لاستعارة أشياء مني ويماطلون في ردها وربما تحصل مشاكل بيننا بسبب المماطلة، فهل يجوز أن أقول لهم بأني لا أملك ما يطلبونه تفاديا لما قد يحصل من مماطلة في الرد أم ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإعارة تعتريها الأحكام الخمسة: وجوبا وحرمة وكراهة وإباحة وندبا، وفي التورية والمعاريض مندوحة عن الكذب. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإعارة أو العارية جائزة وهي نوع إحسان، وجاء في تعريفها أنها تمليك منفعة أو إباحة منفعة على قولين عند أهل العلم، وفائدة الخلاف هل يحق للمستعير إعارة الإعارة أم لا؟ فعلى القول بأنها تمليك منفعة يحق له، وعلى القول الثاني لا يحق له.
والإعارة تعتريها الأحكام الخمسة: الوجوب والحرمة والكراهة والإباحة والندب.
والأصل فيها الندب، وقد يعرض وجوبها كإعارة الشيء لمن يخشى عليه من عدمه الهلاك، وحرمتها ككونها تعين على معصية، وكراهتها وإباحتها بحسب ما يترتب على ذلك.
وعليه؛ فإذا كان السائل لا يريد أن يعير من لا يجب عليه أن يعيره فإنه غير ملزم، وليتخلص منه بدون كذب كأن يستعمل التورية أو المعاريض.
وراجع في معنى المعاريض الفتوى رقم: 37533، والفتوى رقم: 4512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1429(3/46)
من الأعمال الصالحة التي شرعت للأمم السابقة والأمة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف أولا ما يثبت تاريخيا وعلميا أن الإسلام هو آخر وأنسب الأديان أود أن يطمئن قلبي.
ثانيا أود أن اعرف ما هي الأعمال التي كانت تقبل في الديانات الأخرى وتقبل الآن مثل الزكاة كانت توضع فوق جبل والآن لا يحدث ذلك.
ثانيا: ما هي مصادر التحريف في المسيحية واليهودية وما معنى قاعدة التثليث وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يخفى على المطلع على تاريخ الرسالات الربانية أن آخر رسول أرسله الله تعالى للناس هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظم مرجع عرفه البشر هو القرآن الكريم الذي هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد ذكر الله تعالى فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين كما قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ {الأحزاب:40} وقد ذكر في القرآن أيضا أن الإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله غيره كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} وقال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {آل عمران:19} وأما الأعمال التي شرعت في الديانات التي جاءت بها الرسل سابقا ولا تزال مشروعة الآن في الدين الإسلامي فهي كثيرة فمنها: الحج والصدقات والذكر والدعاء، ومن أدلة ذلك ما في حديث الحارث الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فكأنه أبطأ بهن فأتاه عيسى فقال: إن الله أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تخبرهم وإما أن أخبرهم، فقال: يا أخي لا تفعل فإني أخاف أن تسبقني بهن أن يخسف بي أو أعذب، قال: فجمع بني إسرائيل ببيت المقدس حتى امتلأ المسجد وقعدوا على الشرفات، ثم خطبهم فقال: إن الله أوحى إلي بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، أولهن: أن لا تشركوا بالله شيئا فإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق ثم أسكنه دارا فقال اعمل وارفع إلي، فجعل يعمل ويرفع إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك!! فإن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئا. وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا فإن الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده ما لم يلتفت. وآمركم بالصيام ومثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة مسك كلهم يحب أن يجد ريحها، وإن الصيام أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصدقة، ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقربوه ليضربوا عنقه فجعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه. وآمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذكر الله كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره حتى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله، ومن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإيمان والإسلام من رأسه؛ إلا أن يرجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فهو من جثي جهنم، قيل يا رسول الله: وإن صام وصلى؟ قال: وإن صام وصلى تداعوا بدعوى الله الذي سماكم بها المؤمنين المسلمين عباد الله. رواه ابن خزيمة. وقال الأعظمي: إسناده صحيح.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للاطلاع على المزيد في الموضوع وفي مسألتي التثليث والتحريف: 61499، 30506، 10326، 8310، 54711، 6828، 58961.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(3/47)
التيمن من السنن الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم التيمن باليد في الإسلام وهل هناك إجازة في هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
التيمن سنة يحبها النبي صلى الله عليه وسلم وكفاه ذلك إجازة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التيمن هو من السنن الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام. فقد كان عليه الصلاة والسلام يحب التيمن في طهوره ولباسه وتنعله وترجله وفي شأنه كله.
جاء في الصحيحين عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله، في نعليه وترجله وطهوره.
وفي رواية عند النسائي وغيره عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره ونعله وترجله. قال شعبة: ثم سمعت الأشعث بواسط يقول: يحب التيامن فذكر شأنه كله، ثم سمعته بالكوفة يقول: يحب التيامن ما استطاع.
وإذا تقرر أن التيمن سنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، كان ذلك يكفيه إجازة؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ورجاله ثقات، وقد صححه النووي في آخر الأربعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1429(3/48)
يرجى لمن حافظ على الصلوات من مغفرة الذنوب ما لا يرجى لغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث يقول: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله.... إلى آخر الحديث، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل إذا صلى أحدهم الفجر في جماعة ثم أحدث ذنبا كان قد تاب منه قبل ذلك ثم أتاه عن غير قصد وقام به مع أنه كان من الممكن أن يتجنب حدوثه، فهل معنى ذلك أن الله غاضب عليه، فأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه بلفظ: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم..
واعلم أخي السائل أن من وقع في ذنب وجبت عليه التوبة منه ولو كان ممن يحافظ على صلاة الفجر، والذنوب عموماً سواء وقعت ممن يصلي الفجر أو غيره هي مظنة سخط الله تعالى وعذابه والعياذ بالله، ولكن يرجى لمن حافظ على الصلوات عموماً وصلاة الفجر خصوصاً من مغفرة الذنوب ما لا يرجى لغيره، لقول الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} ، وقوله صلى الله عليه وسلم عن الصلوات الخمس:.... مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر. رواه أحمد ومسلم.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 16965، والفتوى رقم: 19151.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(3/49)
لا بأس بالاهتمام بتجديد ملابس العجوز الكبيرة بدون علمها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا جدة كبيرة في السن وهي بحكم سنها لا تهتم كثيرا بملابسها ولا تريد أي شخص بأن يتدخل، فتقوم أمي حفظها الله بأخذ ملابسها القديمة وتبدلها بأخرى مرتبة وغيرها من الأشياء بدون علم جدتي وجدتي لا تعترض على ذلك ولا تتكلم وأمي تسأل هل عليها شيء؟ وجزاكم خيرالجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لا حرج في تصرف أمك بتبديل هذه الملابس بملابس نظيفة، فإن في هذا مصلحة هذه الجدة، خاصة وأنها لا تعترض على هذا التبديل، وهذا مما قد يشير إلى أنها قد أصابها شيء من الخرف لا تعي به بعض تصرفاتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1428(3/50)
الواجب الصبر على خدمة من بلغ أرذل العمر
[السُّؤَالُ]
ـ[جدتى المسنة تأتي بأفعال أحيانا تخرج من يقوم على خدمتها عن شعوره بزجرها ونهرها لما تفعله من أشياء لأنها كبيرة ووصلت إلى أرذل العمر ولا تدري من هي فهل هذا يحبط العمل الصالح حيث إننا نرجو من الله خير الجزاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي وصل به الحال إلى هذا الحد من العمر بحيث يصبح لا يعي تصرفاته فإنه معذور، فينبغي الصبر عليه، واحتساب الأجر بخدمته، وخاصة الجدة فهي بمنزلة الأم، فلا يجوز زجرها أو انتهارها على كل حال. وراجع الفتوى رقم: 100029. وأما القيام على خدمة هذه الجدة فيثبت به الأجر إذا احتسب صاحبه أجره عند الله، وإن حدثت منه إساءة لها فعليه وزره الذي يجب عليه التوبة منه، وهذا الوزر لا يبطل به ذلك الأجر إن شاء الله تعالى. وانظر الفتوى رقم: 46030.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1428(3/51)
حكم تخصيص يوم للاحتفال باليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تخصيص يوم للاحتفال باليتيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنه لا حرج في جعل يوم معين يقام فيه نشاط أو توعية بأهمية رعاية اليتامى والإحسان إليهم، ويجب ألا يقام في ذلك عمل محرم شرعاً، بل يكتفى بسعي وسائل الإعلام بالتوعية للمجتمع في هذا الشأن، وأن تقام محاضرات لبعض الدعاة ترغب في رحمة اليتامى والإحسان إليهم، ويدل لهذا أن ابن مسعود كان يخصص يوماً في الأسبوع لتذكير الناس ووعظهم؛ كما في الصحيحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(3/52)
الذبح عند تجدد النعمة أفضل أم التصدق بالثمن
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بشراء سيارة جديدة وأود أن أذبح عنها شاة كفدو, هل الأفضل أن أقوم بذبح الشاة أم أن أتصدق بثمنها بدلا من الذبح؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
اعلم أن الذبح في مثل هذه الحالة إن كان شكرا للنعمة فهو مشروع، وإن كان اتقاء لأذى الجن ونحو ذلك مما يعتقده بعض الناس فلا يجوز.
ويكون التصدق بالثمن أفضل إن كان هناك فقراء محتاجون للمال، وإلا فالذبح أفضل لما فيه من إطعام الطعام وهو من أعظم القربات.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يبارك لك في هذه السيارة وأن يهنئك بها، وبخصوص الذبح فإن كان شكرا لهذه النعمة فلا بأس به، وإن كان كما يعتقد بعض الناس اتقاء للجن ونحو ذلك فلا يجوز، وهذا ما نخشى أن يكون المقصود من كون الذبح فدية.
وأما أيهما أفضل الذبح أم التصدق بثمنها؟ فالأمر فيه يختلف باختلاف المستفيدين.. فإن كانوا فقراء -مثلا- وفي حاجة إلى مال فقد يكون ذبح الشاة وصنع الطعام وجمع الفقراء عليه أفضل، فإن إطعام الطعام من أعظم القربات، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف. وورد في الأثر عن علي رضي الله عنه قال: لأن أجمع نفرا من إخواني على صاع أو صاعين من طعام أحب إلي من أدخل سوقكم فأشتري رقبة فأعتقها.
ونذكرك بسنة الدعاء لمن اشترى دابة، روى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك. قال أبو داود: زاد أبو سعيد: ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة في المرأة والخادم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1428(3/53)
منع الماء عن الآخرين ... الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤال أعزكم الله ... نحن مجموعة من الشباب ونعمل بشركة فى وسط الصحراء يوجد بها مسجد صغير فى منتصف المعسكر ويوجد بجانبه دورة مياه ومجموعة صنابير للمياة، المشكلة بأن خزان المياه فى الأرض وأحيانا تنقطع المياه لتأخر السيارة أو عطل بها ويوجد بالمعسكر غرفة لبعض الزملاء وبها برميل يأخذ من نفس الخزان وعند تأخر المياه عن الخزان الكبير نذهب إلى هذا البرميل ونتوضأ منه للصلاة ويوجد أخ بهذه الغرفة يقابل الناس الذين يأتون للوضوء بوجه عابس وأحيانا كان يرفض دخول أي أحد لأخذ مياه من البرميل الخاص بهم وكلما قال له أخ لا تحرم نفسك من الثواب يقول لا أريد ثوابا من أحد اذهبو إلى المدير يأتي لكم بمياه وكان بعض الزملاء يذهب ولا يتوضأ بسبب هذا الشخص، ومع العلم زملاء هذا الشخص بالغرفة لا يقولون له أي شيء ويفضلون الصمت أو الضحك على أسلوبه فى التعامل مع الناس بهذه الطريقة برجاء كلمة من حضراتكم لهذا الشاب وما يجب عليه فعله حال هذا الأسلوب مع التعامل مع الناس الذين يريدون الوضوء أو احتياج للماء لشيء ما وما عقوبة فعل هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز لأحد أن يمنع غيره من الوضوء أو غيره من ماء مشترك ولا يختص الشخص بملكه، فإن كان مختصاً بملكه فله منع غيره منه إلا في حالة الاضطرار للشرب مثلاً، لكن منع ما لا يحتاج إليه من الماء والعبوسة في وجوه الجيران والمسلمين مناف للأمر بالإحسان إلى الناس والسعي في قضاء حوائجهم ومساعدتهم على طاعة الله تعالى ومراعاة حقوق الجار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الماء الذي في البرميل لا يختص بالشخص المذكور فلا يجوز له أن يمنع غيره منه، وأما إن كان خاصاً به فله أن يمنع منه غيره إلا في حالة الأضطرار للشرب مثلاً، ويرجع في حكم الاختصاص بالماء في هذه الحالة إلى العرف، فإن كان المتعارف عليه عند المسؤولين عن الشركة أن البرميل الذي بجانب الغرفة يختص به ساكنها دون بقية الموظفين كان خاصاً به، وإن كان المتعارف عليه أو المقرر أن الماء ملك لسائر الموظفين العاملين في هذا القطاع فلا يختص به أحد دون أحد لم يكن صاحب الغرفة أحق من غيره بالبرميل ...
وعلى كل حال فإن منع ما لا يحتاج إليه من الماء والعبوسة في وجوه الإخوان والجيران مخالف لما أمر به الله تعالى وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم من الإحسان إلى الناس والبشاشة في وجوههم وقضاء حوائجهم ومساعدتهم على طاعة الله ومراعاة حقوق الجيران وغير ذلك من مكارم الأخلاق، وكذلك سكوت زملائه على فعله وضحكهم منه إذ إن ذلك عبارة عن رضاهم عما يقوم به، وأقل ما يحمل عليه أنه تقصير في نصيحة المسلم لأخيه حيث إن عليهم أن يقدموا له النصح ويقفوا ضده في هذه المعاملة.. اللهم إلا إذا لم يأمنوا شره.
أما علم هذا الشخص ومن يرضى عمله أن مجرد الابتسام في وجه المسلم صدقة، وملاقاته بوجه طلق من المعروف، قال الله تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83} ، وقال أيضاً: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا {الإسراء:53} ، وفي الترمذي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة. والحديث صححه الألباني.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
وفي المقابل فإن على هؤلاء الإخوة أن يصبروا ويتحملوا ويقابلوا ذلك بالإحسان فإن ذلك من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فلعل هذا الأخ يتعظ يوماً أو يتأثر بصبرهم وأخلاقهم فيغير طريقته في التعامل مع الآخرين، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 75950.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1428(3/54)
مدى دخول العامل في نقل المصابين والمرضى في مفهوم إحياء النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بالحماية المدنية في سيارة الإسعاف أنقل الجرحى والمرضى ونساء حوامل على وشك الولادة وهذا عملي منذ سنين وأنا مأجور عليه، فهل ينطبق علي قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم: من احيا نفس كانما احيا الناس جميعا. صدق الله العظيم.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
مهنة نقل الجرحى والمرضى والنساء الحوامل إلى المستشفى.. داخلة في أعمال الخير، وتعتبر مساهمة كبيرة في إحياء الأنفس إذا صاحبها التقوى وإخلاص النية لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف قبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن نصحح لك الآية الكريمة التي أشرت إلى شيء منها، وهي قوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً {المائدة: 32} .
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فليس من شك في أن نقل الجرحى والمرضى والنساء الحوامل إلى المستشفى.. هو داخل في أعمال الخير، ويعتبر مساهمة كبيرة في إحياء الأنفس.
وعليه، فإذا كنت متقيا في مهنتك هذه، ومخلصا لله تعالى فيها فإنك تكون مساهما في إحياء الأنفس، وداخلا في جملة ما بشرت به الآية الكريمة.
ولا يقدح في الإخلاص في مثل هذا العمل أن يتقاضى عليه العامل أجرة يعيش بها، لأنها تابعة فلا تؤثر على الأصل، لكن بشرط أن تجعلها تابعة وأمرا ثانويا ليست هي المقصود الرئيسي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1428(3/55)
حكم تألف العاصي بشيء من المال
[السُّؤَالُ]
ـ[خالتي تسرق النقود من زوجها. فهل يكمن أن أعطيها أنا نقودا حتى أجنبها الإثم. مع العلم أنه حتى إذا أعطيتها لن تقلع عن السرقة منه. يعني تأخذ مني النقود وإذا وجدت نقودا في ثياب زوجها تسرق أيضا.
اذا كانت امراة لا تلتزم بالحجاب وتستعمل أدوات الزينة في وجهها وتخرج من البيت ف هل يكمن أن أعطيها نقودا ومن الممكن ان تشتري بها مواد زينة محرمة؟
إذا كانت امرأة لا تلتزم بالحجاب وأنا اعطيها ثيابا تصف جسم المرأة ف هل يلحقني إثم؟ مع العلم أن هذه المرأة ستأخذ ثيابا من امرأة أخرى وستلبسها إذا لم أعطها أنا. يعني هذه المرأة غير مقتنعة بالحجاب.
إذا كانت فتاة لا تعترف بوجوب محرم في السفر ف هل يجوز أن أستدعيها إلى مدينتي وتأتي بدون محرم مسافة طويلة؟ هل علي إثم؟
عفوا على الإطالة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت خالتك كما ذكرت فإنها لا تحتاج إلى نقود فقط بل تحتاج أيضا إلى نصح دائم ووعظ نافع وتخويف بالله تعالى، فاستعيني بالله واجتهدي في نصحها ووعظها على قدر قدرتك واستطاعتك، ولا مانع أن تتألفيها بإعطائها بعض المال بشرط أن تطمئني إلى أنها لن تستخدمه إلا فيما يرضي الله.
هذا بالنسبة للسؤال الأول، أما بالنسبة للسؤال الثاني، فسفر المرأة بدون محرم لا يجوز كما هو موضح في الفتوى رقم: 6219.
وعليه؛ فلا يجوز استدعاء هذه الفتاة بدون محرم ولو كانت لا تعتقد وجوب وجود محرم. أولاً لأنه لا عبر ة باعتقادها، وثانيا: لما في استدعائها بدون محرم من التعاون معها على الإثم والحرام، وقد قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1428(3/56)
الجمع بين الكسب والتعلم وإعطاء الأهل حقهم هدي الصحابة والسلف
[السُّؤَالُ]
ـ[موظّف من تونس يعمل بشركة يخرج من بيته للعمل السّادسة مساء ولا يعود إلّا الخامسة مساء.
ولم يبق لي من الوقت إلّا القليل للتفرغ للعبادة وللأسرة.
فهل يجوز إطلاق مصطلح "عبادة الشّياطين" على نمط هذا العمل اليومي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نرجو لهذا الموظف إن كان محافظا على الفرائض أن يكون عمله وكسبه عبادة لله تعالى، إذا انضبط عمله بالضوابط الشرعية، وكان ينفق ماله على نفسه وعياله وأرحامه.
وعليه أن يحرص على الجمع بين الكسب والتعلم وإعطاء الأهل حقهم، كما هو هدي الصحابة والسلف الكرام رحمهم الله.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 96234، 80494، 58722، 61995.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1428(3/57)
ثواب من مات غريبا عن وطنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي سؤالي هو: هل صحيح من مات بالغربة وهو مسلم يبنى له بيت بالجنة كبير بمسافة بعد بلده عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم في هذا إلا ما في الحديث عن عبد الله بن عمرو قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا ليته مات بغير مولده. قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة. رواه النسائي وحسنه الألباني.
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى: وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ ... أنه قال: ما ازداد قوم في سبيل الله بعداً من أهليهم إلا ازدادوا قرباً من الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1428(3/58)
العمل الخيري والإغاثي يشمل كل ذي روح
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتساءل عن المقاصد الشرعية للعمل الإغاثي في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العمل الإغاثي مقصد إسلامي أصيل وعمل إنساني نبيل ... فهو من فعل الخير الذي حث عليه الإسلام في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* {الحج:77} ، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أعمال الخير عموماً وعلى إغاثة الملهوف خاصة في أحاديث كثيرة، فمن ذلك قوله: على كل مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال: قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة. متفق عليه.
والعمل الخيري والإغاثي لا يقتصر على المسلم أو الإنسان فقط بل يشمل كل ذي روح من إنسان وحيوان، ففي حديث أبي هريرة المتفق عليه: في كل كبد رطبة أجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1428(3/59)
إطعام الطعام يوم الجمعة من أعمال الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[في القرية التي أسكن فيها لدينا كل جمعة وليمة وهي عبارة عن ذبيحة تعد للغداء نجتمع عليها بعد صلاة الجمعة في القرية وليس لهذه الوليمة ضيف إنما نحن نعدها على أنها وليمة جمعة لكي نجتمع فيها نحن وأقاربنا وأهل قريتنا، فهل هي حلال أم غير ذلك، وهل يجوز الاستمرار عليها أم لا، مع العلم بأنه بعد انتهاء الصلاة يقوم الذي عليه الدور بالعزيمة في المسجد وبصوت عال ويقول تفضلوا على غدائكم حياكم الله، فهل تجوز العزيمة في المسجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نرى مانعاَ شرعياً مما ذكر السائل الكريم، بل ربما يكون من أعمال الخير وإطعام الطعام التي أمر بها الإسلام إذا أحسن القصد، وخاصة إذا كان يحضره الفقراء والمساكين ... فقد حث نبيناً صلى الله عليه وسلم على إطعام الطعام، فقال: أيها الناس أطعموا الطعام ... الحديث رواه الترمذي وغيره.
وكان الأولاد يفرحون بيوم الجمعة لأنهم ربما وجدوا الطعام من بعض المحسنين في المسجد ... ففي صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كنا نفرح يوم الجمعة، قلت: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة (نخل بالمدينة) فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر، وتكركر (تطحن) حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها، فتقدمه إلينا فنفرح من أجله، وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة.
وعلى ذلك فيكون ما تفعلونه من أعمال الخير وصلة الرحم إن شاء الله تعالى، كما أننا لا نرى ما يمنع من تذكير من عنده الغداء بذلك في المسجد، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 56849.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1428(3/60)
التفاضل بين المزارع والممول
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد الكتب قرأت الحديث "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه أناس أو طير أو بهيمة إلا كان له صدقة" وأسئلتي هي:
1 ـ هل هذا الحديث صحيح؟
2 ـ أنا أمول زراعة وأستأجر مزراعين ولا أزرع بيدي، هل أنال هذا الفضل؟
3 ـ أيهما أفضل المزراع الأجير الذي يعمل بيده، أم الممول الذي يدفع للتمويل ولا يزرع بيده؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نرجو أن يعطيك الله بتمويل المشروع الزراعي أجر من يغرس غرسا، ويُستأنس لذلك بما ثبت في الوحي من نيل الدال على الخير مثل أجر فاعله، ومن نيل من جهز غازيا في سبيل الله مثل أجر الغازين. ففي حديث مسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه. وفي حديث الصحيحين: من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا.
وأما الحديث المذكور في السؤال فهو حديث صحيح متفق على صحته، فقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وأما التفاضل بين المزارع والممول.. فلعل الممول إذا كانت عنده بعض أعمال الخير الأخرى يستخدم فيها من طاقته ووقته أفضل من المزارع، ولاسيما إذا نوى الخير بإعانة المحتاجين على استعمار الأرض والاستفادة منها، وأما إذا كان الممول فارغا لا شغل عنده فلعل المزارع أفضل منه لما يقوم به من السعي والتكسب وأكله من عمل يده واستعماره الأرض. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 4472، 16689، 63087، 58722، 25289.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1428(3/61)
شروط نوال من صلى الفجر جماعة على أجر العمرة والحجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علي حتى أنال أجر الحجة والعمرة تامتين أن أستيقظ من أذان الفجر أم يجوز أن أستيقظ قبل الإقامة بقليل ثم أجلس بعد الصلاة للشروق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحصول على أجر العمرة والحج مترتب على الجلوس في المصلى إلى شروق الشمس ثم صلاة ركعتين، وليست مترتباً على الاستيقاظ عند الأذان أو قبله أو بعده، فمن صلى الفجر في وقته المحدد له شرعاً وجلس في مصلاه إلى الشروق فإنه ينال الأجر المذكور -إن شاء الله تعالى- ولو استيقظ بعد الآذان، وانظري للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 53410.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(3/62)
إعانة العاصي في غير معصيته.. نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إعانة فتاة على الدراسة يعني مدها بمراجع ومعلومات من الإنترنت، مع العلم بأن العلم الذي تدرسه مباح، لكن الفتاة سافرة وتدرس في كلية مختلطة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في معنى السفور أنه يراد به كشف المرأة عن وجهها، جاء في لسان العرب لابن منظور: سفرت المرأة وجهها إذا كشف النقاب عن وجهها تسفر سفوراً. وفي كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي: السفور سفر المرأة نقابها عن وجهها فهي سافر وهن سوافر، قال توبة بن الحمير:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت * فقد رابني منها الغداة سفورها
فجواز السفور بهذا المعنى محل اختلاف بين أهل العلم، مع اتفاقهم على منعه عند خشية الفتنة، وليس من شك في أن السفور للفتاة إذا اقترن بالدراسة المختلطة كان داعياً كبيراً إلى الفتنة، وأما إن كان المقصود بالسفور هنا كشف الرأس أو بعض منه، فلا خلاف حينئذ في تحريمه، وأنه من التبرج الذي نهى الله سبحانه وتعالى النساء عنه فقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33} ، وأمر نساء المؤمنين بالحجاب فقال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:59} ، ونهى سبحانه نساء المؤمنين أن يبدين زينتهن لغير أزواجهن ومحارمهن وإمائهن ونسائهن، إلا ما ظهر من الزينة، فقال سبحانه: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ {النور:31} ، كما أنه من المعلوم أن الاختلاط في الكليات بالمعنى المعهود الآن من المنكرات المتفشية التي جاءتنا عن طريق ضعاف النفوس ممن تعلقت قلوبهم بحب التشبه بغير المسلمين، فأخذوا ما عندهم من غير تمحيص ولا تدقيق.
والواجب على المسلم هو أن يسعى -ما استطاع- في تغيير أي شيء من هذه المنكرات استطاع تغييره، وإن لم يستطع لها تغييرا فالواجب -على الأقل- أن لا يصدر منه ما يدعمها به أو يرسخها.
وهنا نشير إلى أن إعانتك للفتاة في تعليمها إذا كنت تقصد بها مجالستها لتزويدها بالمراجع والمعلومات، فلا يخفى أن ذلك لا يجوز، لا لأنه إعانة لها في تلك الدراسة، وإنما من باب أن أية علاقة بين شاب وفتاة قد يكون فيها من الخطر على دينهما ما لا يحسب له أي منهما حساباً، وإذا كانت الإعانة ليست مباشرة، بل بواسطة بعض أخواتك أو محارمك ونحو ذلك.. فإذا كانت تلك الإعانة يمكن أن تؤثر سلبا أو إيجابا في سلوكها، فالواجب أن تفعل من ذلك ما يوافق المصلحة، وإن لم يكن لإعانتك لها أي تأثير في الموضوع، فلا حرج في إعانتها، لأنها -حينئذ- لا تعتبر إعانة على المعصية، وإنما هي إعانة للعاصي في غير الوجه الذي منه معصيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(3/63)
هل يؤجر من أنقذ الذبابة من الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للمسلم أجر في إنقاذ الذبابة من الماء، وما هو الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام دين الرحمة والإحسان ... فقد أمر الله عز وجل بالإحسان في كل شيء وعلى كل شيء، فقال الله تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء ... رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: في كل كبد رطبة أجر. متفق عليه.
وعلى هذا فإن في إنقاذ حياة كل ذي روح أجر -ولو كان حشرة أو غيرها لعموم نصوص الوحي التي لا مخصص لها- إذا قصد المسلم بذلك وجه الله تعالى، وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 53798، والفتوى رقم: 68790.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(3/64)
الترغيب في السحور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصلي الله على عباده المتسحرين في رمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السحور أكلة بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين. رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه وصححه الألباني.
وصلاة الله على عباده تعني الرحمة المقرونة بالتعظيم، وقيل ثناؤه عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1428(3/65)
أكثر أعماله صلى الله عليه وسلم وأحبها إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفعل الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به أكثر من غيره من الأفعال, أو ما هو الأمر الذي كان الأحب لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم حياة طبيعية وعادية في بيته ومع أهله ومع الناس عامة، ففي صحيح البخاري وغيره عن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: يكون في مهنة أهله -تعني في خدمتهم وفي حياته العادية- فإذا سمع الأذان خرج للصلاة، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من السواك ويداوم عليه ويحث الأمة على فعله وخاصة مع كل وضوء وعند كل صلاة حتى ظن الصحابة أنه سينزل فيه وحي، وقال صلى الله عليه وسلم: أكثرت عليكم في السواك. رواه البخاري وغيره، وقال صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة. متفق عليه، وفي المسند وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أول ما يبدأ به إذا دخل بيته السواك، وآخره إذا خرج من بيته. وقال صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة. رواه النسائي وغيره وصححه الألباني.
وعلى هذا؛ فقد كان السواك من أكثر أعماله صلى الله عليه وسلم وأحبها إليه، كما كان صلى الله عليه وسلم يحب النساء والطيب وكانت قرة عينه في الصلاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1427(3/66)
الترغيب في إكثار النسل
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في خطبة أن المرأة لا يجب عليها أخذ حبوب منع الحمل على أن الله هو الذى يدبر الأرزاق لمخلوقاته وعندما ذهب رسول الله إلى رحلة الإسراء والمعراج شاهد نساء يعذبن بسبب ذلك فهل هذا صحيح أم لا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من المتصور إيجاب أخذ حبوب منع الحمل على المرأة، لذلك فإن قول السائل الكريم: سمعت أن المرأة لا يجب عليها أخذ حبوب منع الحمل، يظهر أنه إنما يقصد به أن المرأة لا يجوز لها أخذ حبوب منع الحمل.
وللجواب على ذلك نقول: إن الشريعة الإسلامية ترغب في كثرة النسل وتعتبره نعمة من نعم الله تعالى، فقد امتن الله تعالى على عباده بقوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً {النحل:72} .
وقال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
فهذه النصوص تفيد أن الأفضل للأسرة أن لا تسعى في أي أمر يقلل النسل، ولكنها مع ذلك إذا احتاجت إلى تنظيم الحمل والفطام، فلا مانع من اتخاذ الوسائل المشروعة مثل: العزل واستعمال الأدوية التي لا تضر.
ولتفاصيل ذلك والمدة التي ينبغي أن تكون بين كل مولودين يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 11479، والفتوى رقم: 18375.
وأما ما ذكره السائل من أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج شاهد نساء يعذبن بسبب تناول حبوب الحمل، فهذا الخبر لم نقف له على أصل، ولعله يقصد ما أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه حيث قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح فقال: إني رأيت رؤيا هي حق فاعقلوها: أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى بي جبلا طويلا وعرا، فقال لي: ارقه، فقلت: لا أستطيع فقال: إني سأسهله لك، فجعلت كلما رقيت قدمي وضعتها على درجة، حتى استوينا على سواء الجبل، فانطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يقولون ما لا يعلمون، ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مسمرة أعينهم وآذانهم، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يرون أعينهم ما لا يرون، ويسمعون آذانهم ما لا يسمعون، ثم انطلقنا فإذا نحن بنساء معلقات بعراقيبهن مصوبة رؤوسهن تنهش ثديانهن الحيات، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يمنعون أولادهن من ألبانهن........... إلى آخر الحديث. قال الطبراني: ورجاله رجال الصحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1427(3/67)
ثواب التاجر الصدوق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الشراء من البائع الذي يقول إن متجره هو أكبر متجر في السوق-على سبيل المثال- أو أن بضاعته هي أفضل بضاعة في السوق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول البائع: إن متجره هو أكبر متجر في السوق، وإن بضاعته هي أفضل بضاعة في السوق.. إن كان صادقا في ذلك فلا حرج عليه فيه، وإن كان كاذبا فقد ارتكب إثما كبيرا؛ لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:.. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا. كما أنه في الكذب يكون قد فاته الثواب الكثير الذي أعده الله تعالى للتاجر الصدوق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء. صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة وصحيح الترغيب والترهيب. وعلى أية حال فلا حرج في الشراء من البائع الذي يقول مثل هذا الكلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1427(3/68)
ثواب من تحملت مصاريف العلاج عن مريضة فقيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنة خال زوجي لها أربعة أطفال وتعاني من مرض مزمن يحتاج إلى مصاريف التحاليل والأدوية طوال عمرها, إلا أن الدخل المادي لزوجها لا يكفي إلا للأكل والشرب ومصاريف الدراسة حتى أنها تضطر للسلف لشراء الدواء، ولهذا قررت أن أساعدها وأتحمل مصاريف العلاج إن شاء الله, فهل هذا العمل يعتبر صدقة جارية أم لا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصدقة الجارية هي الوقف (الذي يحبس أصله وتسبل منفعته ويستمر ثوابه) ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.
وعليه فما قررته من أنك ستساعدين بنت خال زوجك وتتحملين عنها مصاريف العلاج لا يعتبر صدقة جارية، ولكنه صدقة حسنة وفعل يحبه الله تعالى، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس. رواه الطبراني وحسنه الألباني، وفي لفظ آخر: خير الناس أنفعهم للناس. رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني.
ومن ذلك ما في مسلم والمسند وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(3/69)
فضل من يعمل لنفع الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في رمضان لا أستطيع أن أقرأ كثيرا من القرآن لأني بعد الانتهاء من بعض الصلوات أقرأ قليلا ثم أذهب لإعداد الطعام وتجهيزه، أما أختي فهي تقرأ كثيرا لأنها لا تعمل شيئا في البيت، فما الأفضل عملي أم عملها.مع العلم أني أحيانا أغضب في داخلي لماذا لا تساعدني ولا تعمل شيئا، فهل أأثم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من أنك بعد الانتهاء من الصلوات تقرئين قليلا من القرآن ثم تذهبين لإعداد الطعام وتجهيزه لأهلك ستكونين به -إن شاء الله- أكثر أجرا من أختك، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلا في يوم حار فسقط الصوامون وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس. رواه الطبراني في المعجم الصغير، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فلا تغضبي على أختك واهنئي بما يدخر لك من المثوبة عند الله تعالى، مع أنه لا إثم عليك فيما تطلبينه من المساعدة من أختك لأن ذلك هو الإنصاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(3/70)
فضل مصافحة المسلم لأخيه المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في مدرسة لكن عندي مشاكل، الحارس العام يجبرني على أن لا أصافح الإخوة في المدرسة، الحارس العام يجبرني على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن التكلم عن الدين داخل المدرسة، ما العمل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصافحة المسلم لأخيه المسلم مرغب فيها شرعاً لما في حديث أحمد وأبي داود: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا. كما أن التناصح بين المسلمين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر من آكد المطالب الشرعية، فقد قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، وفي الحديث القدسي: حقت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ، وحقت للمتناصحين فيَّ. رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وفي الحديث: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ونحن لا نعرف ملابسات الموضوع ولا سبب منع الحارس لك، ولكن إن خشيت حصول المشاكل من قيامك بدعوة الناس وأمرهم ونهيهم فحاول أن تفعل ذلك عن طريق الاتصال بهم خارج المدرسة أو دعوتهم فرداً فرداً، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 31768، والفتوى رقم: 62938، والفتوى رقم: 71199.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(3/71)
مدة كفالة اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[عائلة كفلت يتيماً صغير السن من دار الأيتام على أن يعيش معها، إلى أي عمر توقف الكفالة، هل يوجد عمر محدد توقف الكفالة سواء كان ذكراً أو أنثى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لهذه العائلة أن تستمر في كفالة اليتيم حتى يستغني بنفسه أو بغيره عن الكفالة، وينبغي أن يكون ذلك بعد إكمال الدراسة وحصوله على العمل، أو تزوج البنت. وأما السن التي يرتفع بها وصف اليتيم فهي البلوغ, فإذا بلغ اليتيم مبلغ الكبار سمي رجلاً أو امرأة ويكون ذلك غالباً بعد ما يتجاوز خمس عشرة سنة، قال الله تعالى: وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ {النساء: 6} ، وللمزيد من الفائدة حول فضل كفالة الأيتام والأحكام المتعلقة بذلك نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 3699، والفتوى رقم: 35697.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1427(3/72)
الهموم في طلب المعيشة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث (إن من الذنوب ما لا يكفره إلا السعي في طلب الرزق) أرجو شرحه وبيان درجته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الطبراني في الأوسط, والديلمي في مسند الفردوس, وأبو نعيم في الحلية بألفاظ مختلفة متقاربة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة، قالوا: فما يكفرها يا رسول الله؟ قال: الهموم في طلب المعيشة.
وروى الطبراني في الأوسط مرفوعا: من أمسى كالا من عمل يديه أمسى مغفورا له. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: وفيه رجال لم أعرفهم. وقال عن الحديث الأول: وفيه محمد بن سلام المصري، قال الذهبي: حدث عن يحيى بن بكير بخبر موضوع. وقال عنه صاحب أسنى المطالب: سنده ضعيف. وقال عنه الألباني: موضوع.
ولا شك أن من أنفق على عياله وأقاربه أو غيرهم وسعى في كسب الحلال لهم بنية صادقة لا شك أنه مأجور من الله تعالى؛ لما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ل سعد: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(3/73)
السعيد من عامل الخلق لله لا لهم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب البلاغة للإمام علي (كرم الله وجهه) موعظة تقول \"من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لدينه كفاه أمر دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس\".. فهمت الجزء الأول والثاني ولكني لم أفهم الجزء الثالث.. جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه العبارة مشهورة في كتب الوعظ، وهي مما يتواصى به الفقهاء. قال أبو نعيم في حلية الأولياء: عن عون قال: كان الفقهاء يتواصون بينهم بثلاث ويكتب بذلك بعضهم إلى بعض: من عمل لآخرته كفاه الله دنياه, ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته, ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس. وفي كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري جمل من ذلك.
ومعنى جملة (ومن أحسن فيما بينه وبين الله.. إلخ) أن من أطاع الله تعالى, وقام بما أوجب عليه, وأحسن فيه كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس بصرف قلوبهم إليه وملئها من محبته, وكف أذاهم عنه.
وقد شرح ذلك العلامة المناوي في فيض القدير فقال: هذا يدل على أن صلاح حال العبد وسعادته وفلاحه واستقامة أمره مع الخلق إنما هو في رضا الحق, فمن لم يحسن معاملته معه سرا واعتمد على المخلوق وتوكل عليه انعكس عليه مقصوده وحصل له الخذلان والذم واختلاف الأمر وفساد الحال ... والسعيد من عامل الخلق لله لا لهم، وأحسن إليهم لله، وخاف الله فيهم ولم يخفهم مع الله، ورجا الله بالإحسان إليهم، وأحبهم لحب الله ولم يحبهم مع الله.انتهى منه بتصرف يسير. فهذا هو معنى الأثر، ولكن ننبهك إلى أن في نسبة كتاب نهج البلاغة إلى علي رضي الله عنه ما فيها. وانظر الفتوى رقم: 16145.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1427(3/74)
روح الإسلام وآدابه وتعاليمه تتجلى بأمثال هؤلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق له بعض التصرفات تصدر منه، أرجو إفادتي علام تدل هذه التصرفات، كثيراً ما يقول الحمد لله أو يارب لك الحمد بشكل عفوي إن كان ماشياً أو راكباً أو في عمله ... عندما يدعو لأحد لا يستطيع إلا وأن يدعو لجميع المسلمين.... محبوب من الجميع بسبب أخلاقه الحسنة، وأهم شيء أن والديه يحبانه جداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان صديقك كما تقول فاعلم أنه قد جمع من خصال الخير ما لم يجتمع في كثير من الناس اليوم.
الخصلة الأولى: كثرة حمد الله تعالى وذكره، والحمادون هم أفضل الناس يوم القيامة، فقد روى الطبراني عن عمران بن حصين: إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون. صححه الألباني.
وكثرة حمد الله تعالى من صفات هذه الأمة في كتب الأنبياء من قبل، ففي مشكاة المصابيح عن كعب يحكي عن التوراة قال: نجد مكتوبا: محمد رسول الله عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام، وأمته الحمادون يحمدون الله في السراء والضراء، يحمدون الله في كل منزلة، ويكبرونه على كل شرف، رعاة للشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها، يتأزرون على أنصافهم، ويتوضؤون على أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء، صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دوي كدوي النحل. انتهى. ومثله عند الدرامي، وقال عنه الشيخ حسين أسد: مرسل وإسناده صحيح.
وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله. رواه الترمذي وصححه الألباني. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبق المُفَرِّدون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات.
الثانية: كونه يشرك المسلمين في دعائه، وهذه أيضاً خصلة عظيمة يعود نفعها عليه وعلى المدعو لهم، وهي تدل على حسن السريرة وصفاء القلب للمسلمين ومحبتهم، قال النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم عند الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل. وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضاً، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها. انتهى.
وليس غريباً أن يوضع القبول لمثل هذا الرجل الذي يذكر الله كثيراً ويحمده ويتصف بالأخلاق الحسنة والسمات الطيبة من بر الوالدين إلى غير ذلك، وانظر الفتوى رقم: 17279،
وعلى كل حال فإن هذه التصرفات هي تصرفات المسلم المؤمن الذي يمثل روح الإسلام وآدابه وتعاليمه، فينبغي أن يكون قدوة لغيره نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لدوام ذكره وأن يصلح أحوالنا وأحوال جميع المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1426(3/75)
مضاعفة ثواب الأعمال في الحرمين الشريفين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فعلا كل الأعمال في مكة والمدينة مضاعفة وهل ذلك بمجرد دخول مكة والمدينة أم يشترط في المسجد أرجو تفصيل هذا الموضوع بكل جوانبه وجزيتم خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في مضاعفة الثواب في الحرم المكي هل هو في كل الحرم أم في المسجد الحرام فقط.
فذهب بعض أهل العلم إلى أن المضاعفة في كل الحرم وهو مشهور مذهب الشافعية كما قاله الولي العراقي وهو الأصح قال الشرواني في حاشيته على التحفة: الأصح عند النووي أن تضعيف الصلاة يعم جميع الحرم ولا يختص بالمسجد ولا بمكة كذا نقله ابن زياد في الاعتكاف عن فتاويه عن الكوكب للرداد وأقره ولم يتعقبه. اهـ.
وقال الخطيب الشربيني: المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم لا موضع الطواف فقط، جزم الماوردي بأن حرم مكة كمسجدها في المضاعفة وتبعه المصنف في مناسكه وجزم به الحاوي الصغير ونقل الإمام عن شيخه أنه لو نذر الصلاة في الكعبة فصلى في أطراف المسجد خرج عن نذره لأن الجميع من المسجد الحرام وإن كان في الكعبة زيادة فضيلة.
وقال ابن حزم في المحلى: فصح أن الحرم كله هو المسجد الحرام
وذهب المحب الطبري ورجحه ابن حجر الهيتمي في التحفة وهما من الشافعية أنها خاصة بالمسجد الحرام وهو مذهب الحنابلة.
قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: وظاهر كلامهم.....أن المسجد الحرام نفس المسجد ومع ما يزيد فيه، وقيل الحرم كله مسجد فتحصل فيه المضاعفة المذكورة وهو ضعيف. اهـ.
أما المسجد النبوي فالمشهور أن المضاعفة فيه وفيما زيد فيه فقط، لا في عموم حرم المدينة وقيل خاص بمسجده الذي كان في عهده وهو ما ذهب إليه الإمام النووي رحمه الله تعالى حيث قال: فإذا عرفت حال المسجد فينبغي أن تعتني بالمحافظة على الصلاة في الموضع الذي كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فإن الحديث السابق: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة إنما يتناول ما كان في زمانه صلى الله عليه وسلم لكن إن صلى في جماعة فالتقدم إلى الصف الاول ثم ما يليه أفضل فليتفطن لهذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1426(3/76)
\"من صلى الصبح فهو في ذمة الله\" هل ينالها من يؤديها منفردا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي استفسار حول صلاة الصبح والمتمثلة في حماية الله وحفظه (في ذمة الله) تنطبق على المسلم الذي يصلي صلاة الصبح مع جماعة المسلمين في المسجد أو الذي يصلي منفردا في الغرفة (بدون سبب شرعي) وفي وقته أرجو ذكر حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)
بارك الله فيكم ودمتم في نشر نور الإسلام خدمة المسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معظم عبارات الحديث الوارد في هذا المعنى ليس فيها تقييد الصلاة بكونها في الجماعة، ولفظ الحديث كما في مسلم: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم. لكن رواية الطبراني وابن ماجه كما في صحيح الترغيب والترهيب ل لألباني تفيد التقييد بصلاة الصبح في جماعة، ولفظ الحديث: من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه.
وعلى هذا، فإن هذه الرواية مقيدة لإطلاق الروايات الأخرى حيث إن الروايات الأخرى ظاهرها أن كل من صلى صلاة الصبح في جماعة أو منفردا فقد حصل على هذه الفائدة، ورواية الطبراني وابن ماجه تصرح بصلاته جماعة فقيدت إطلاق الروايات الأخرى فدلت على أن المراد من صلى الصبح في جماعة، ويؤيد هذا ما في تحفة الأحوذي عند شرح الحديث الوارد في هذا المعنى ورواية الترمذي: من صلى الصبح فهو في ذمة الله. فقال شارحه: من صلى الصبح في جماعة، ويؤيده أيضا ما في فيض القدير ل لمناوي حيث قال: من صلى الصبح في رواية مسلم في جماعة وهي مقيدة للإطلاق. انتهى.
وخلاصة القول أن الظاهر من خلال ما مر أن الذي يحصل على هذه المزية هو من يصلي صلاة الصبح في الجماعة، ولا يبعد أن يحصل عليها من تخلف عن الجماعة لعذر، أو من كان الأفضل له الصلاة في بيته (النساء) .
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 16965، والفتوى رقم: 5153.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1426(3/77)
خطة نبوية كاملة لدخول الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله ساعدوني أريد أن أرضي الله كثيراً، أرتدي الحجاب وأصلي وأصوم الحمد لله، ولكن أريد أن أعمل مجهوداً لكي أرضي ربي أكثر ولكي أكون من نساء الجنة إن شاء الله؟ وجزاكم الله خيراً، وأحبكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك ويهديك ويعينك على ما تطمحين إليه من الاستقامة والفوز بمرضاة الله تعالى، واعلمي أن ملخص ما يجب على المرء هو: امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.
فلكي تحصلي على هذا المقصد النبيل، فعليك -أيتها الأخت الكريمة- أن تبتعدي عن كل ما حرم الله تعالى، وتحافظي على جميع الفرائض، وتتقربي إلى الله بما تستطيعينه من النوافل، وتحرصي على حفظ لسانك عن جميع الزلات، فإن فعلت ذلك فقد فزت بمحبة الله ونلت رضاه.
وقد قدم من أوتي جوامع الكلم عليه الصلاة والسلام خطة متكاملة لمعاذ رضي الله عنه لما سأله عن عمل يدخله الجنة ويبعده عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه ثم قال: كف عليك هذا، قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!. رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1426(3/78)
الأكل من موائد الرحمن في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ينتشر في مصر في رمضان ما يسمى بمائدة الرحمن ويدعى إليها من يريد، هل مائدة الرحمن مخصصة لأصناف معينة من الناس، أم أن أي شخص مغترب أو طالب ولا يجد من يصنع له الطعام أو يجد مشقة في إعداد الطعام من حقه الذهاب إليها، وهل هي مخصصة للفقراء فقط، نرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يسمى بمائدة الرحمن هو طعام يعده بعض الأغنياء من أهل الخير ليكون إفطاراً للصائمين، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء. رواه أحمد وابن ماجه والدارمي والترمذي من حديث زيد بن خالد الجهني.
والغالب أن أصحابه يقصدون به الفقراء والمحتاجين من غير تمييز بين المغترب وغيره، ومع ذلك فلا مانع من أن يكون لبعض من يعدونه نية في تخصيصه لأصناف معينة دون غيرهم، ولا بد لمن له نية في تخصيصه أن يعلن عن نيته فيه، وفي تلك الحالة لا يجوز أن يأكل منه من ليس متصفا بالصفة التي عينها صاحب الطعام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1426(3/79)
العمل الذي يكون صاحبه في ظله حتى يقضى بين الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد أنه سبحانه يُظل أصنافاً سبعة في ظل عرشه يوم القيامة.. ولكن هناك عمل معين يكون صاحبه في ظله يوم القيامة إلى القضاء بين الناس.. فما هو هذا العمل، مع ذكر الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العمل الذي يكون صاحبه في ظله إلى القضاء بين الناس هو الصدقة لما في الحديث: كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1426(3/80)
كيف تنال أجر تفطير الصائم
[السُّؤَالُ]
ـ[رمضان على الأبواب وأود أن أقوم بعمل شنط بها بعض المستلزمات الرمضانية وتوزيعها هل تعادل من يفطر صائما أم أنه يجب أن يكون طعاما جاهزا للأكل وقت الإفطار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتفطير الصائم الذي ورد النص بأن له مثل أجر الصائم هو أن يقدم للصائم شيئا صالحا للأكل، ويكون أول ما يتناوله الصائم هو طعامه حتى يصدق عليه أنه فطره، فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: من فطر صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء، قلنا: يا رسول الله ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة من ماء، ومن أشبع صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة. رواه البيهقي وابن خزيمة في صحيحه. وأبو الشيخ وابن حبان في الثواب باختصار عنهما.
وفي رواية لأبي الشيخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فطر صائما في شهر رمضان من كسب حلال صلت عليه الملائكة ليالي رمضان كلها، وصافحه جبريل ليلة القدر، ومن صافحه جبريل عليه السلام يرق قلبه وتكثر دموعه. قال: فقلت: يا رسول الله من لم يكن عنده؟ قال: فقبضة من طعام، قلت: أفرأيت إن لم يكن عنده؟ قال: فشربة من ماء.
والحديث وإن كان في إسناده ضعف إلا أنه تغتفر روايته لكونه في فضائل الأعمال.
وإذا أراد الشخص الحصول على أجر تفطير الصائم فلا بد أن يكون أول ما يتناوله الصائم من طعامه أو شرابه حتى يصدق عليه أنه فطره، وهذا بين واضح. وما قمت به فيه أجر عظيم ولكنه ليس بإفطار صائم بالمعنى المذكور سابقا.
وراجع الفتوى رقم: 56654.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1426(3/81)
فضل تفريج كرب المكروبين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المأثور في الاهتمام بالصحة والإغاثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحة والإغاثة داخلان في عموم عون المسلم وقضاء حوائجه وتفريج كربه والتيسير عليه ... وفي ذلك من الأجر ما لا يعلم قدره إلا الله. ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ... ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.
وفي صحيح مسلم والمسند وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(3/82)
التأسي بالرسول عليه الصلاة والسلام قدر الوسع والطاقة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: كيف السبيل لتقليد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في صيام النافلة وصلاة النافلة فضلا عن الفريضة في كل منهما، ما معنى حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وعن أبيها وأرضاه: ومن يستطيع عمل رسول الله فقد كان عمله كله ديم. إن صح قولي في كتابة الحديث الشريف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى الأخ السائل الكريم أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة في الصلاة والصيام وغيرهما، وفي كل عمل من أعمال الطاعات والعادات، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {الأحزاب:1} ، وقال صلى الله عليه وسلم: وصلوا كما رأيتموني أصلي. رواه البخاري، والعبارة الصحيحة هي الاقتداء أوالاتباع أو التأسي.
وأما التقليد عند أهل الأصول فهو الأخذ بقول غير المعصوم من غير معرفة دليله، وأما اقتفاء النبي صلى الله عليه وسلم في سننه فلا يسمى تقليداً شرعاً، مع أن السائل يريد هنا التشبه به في أعماله، ثم إن العبادة على قسمين: فرائض وغير فرائض.
أما الفرائض فلا بد من الإتيان بها على الوجه الذي تجزئ معه، والإتيان بها على الوجه الأكمل أمر مطلوب مثل الزيادة على الطمأنينة في الصلاة والخشوع فيها، والقراءة فيها بتمهل إن لم يكن إماماً يضر بمن وراءه، ومثل الصيام لا عن الطعام والشراب والشهوات فقط بل عن النظر المحرم والكلام المحرم وغير ذلك مما ينبغي اجتنابه في العبادة وغيرها، كل ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وأما النوافل فمن غير السهل على أي أحد أن يعمل مثل عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المداومة على الأعمال مثل صلاة الليل وصيام التطوع واستحضار ذكر الله تعالى وتعظيمه وكثرة الاستغفار، إلا أن المسلم مطالب بهذه السنن أيضاً على وجه السنية بقدر استطاعته، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة.
وهذا معنى قول عائشة كما في صحيح مسلم عن علقمة قال: سألت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل كان يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: لا؛ كان عمله ديمة. وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع، ولبيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم يرجى مطالعة الجزء الأول والثاني من زاد المعاد لابن القيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1426(3/83)
فضل خواتيم سورة البقرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي خواتم سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخواتيم سورة البقرة هي الآيتان الأخيرتان منها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه. متفق عليه.
وهما من قوله تعالى: آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ... إلى نهاية السورة، كما في تحفة الأحوذي. قال النووي في تبوبيه لصحيح مسلم باب الحث على قراءة الآيتين الأخيرتين من سور البقرة: وساق جملة من الأحاديث منها: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي في ليلة الإسراء ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات.
ومنها: أيضاً حديث عبد الله بن عباس وفيه: أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته. إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في فضل خواتيم سورة البقرة، فينبغي على المسلم الإكثار من قراءتها والتعوذ بها وفقه معناها.
نسأل الله تعالى أن نكون ممن قرأ القرآن فأقامه ظاهراً وباطناً، وأن لا نكون ممن أقام حروفه وضيع حدوده إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1426(3/84)
الداعي إلى الهدى له من الأجر مثل متابعيه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إذا وزعت بطاقات الأذكار اليومية مثل أذكار الصباح والمساء، هل لي أجر مع كل قراءة يقرؤها الإنسان من هذه البطاقة؟
وإذا علمت أحدا قراءة القرآن أو حفظته سورا منه هل أؤجر مع كل قراءة له؟
أرجو الإفادة في هذا الموضوع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. قال النووي رحمه الله تعالى: من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام متابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه، وسواء كان تعليم علم أو عبادة أو أدب أو غير ذلك. وروى أبو داود والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدال على الخير كفاعله.
وعليه؛ فلك مثل أجر القارئ الذي علمته القرآن ومثل أجر من قرأ الأذكار التي كنت سببا في نشرها والدلالة عليها للحديثين السابقين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1426(3/85)
خطوات عملية للقضاء على البطالة
[السُّؤَالُ]
ـ[الدكتور عبد الله ممكن أن تبدي لي رأيك:أنا طالبة أعد رسالة ماجستير عن البطالة في مجتمع الإمارات دراسة مقارنة وقد أوردت في رسالتي مبحثا عن آراء وفتاوى الفقهاء والمفكرين المعاصرين ومن له علم شرعي وأود من حضرتك أن تخبرني عن رأيك في أحكام البطالة وهل لها أحكام خاصة وما نصائحك للشباب الذين يعانون المر في ظل الاقتصاديات الحديثة دون مراعاة من قبل هؤلاء لحال الشعوب التي أهلكتها النظم الرأسمالية وغيرها وتركت شباب هذه الأمة يصارعون دوامة البطالة ودفعهم للكسب الحرام والسخط على مجتمعاتهم وماهي نصيحتك للمسؤولين والمعنيين بالأمر؟
علما بأني سأورد جوابكم موثقا باسمكم الكريم في رسالتي ولكم جزيل الشكر إن قبلتم ذلك وجزاكم الله الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البطالة مشكلة من مشاكل المجتمعات التي لابد من تعاون المجتمع على حلها، وننصح الشباب والصالحين للعمل من أفراد الأمة بالحرص على التكسب بحسب ما يتوفر لهم مع الحرص على الحلال، فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في التكسب والسعي والتحرك واستغناء المرء عن الآخرين وأكله من كسب يده، وهذا هو هدي الأنبياء والصحابة والعلماء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على عمل اليد: ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني.
وقال: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. رواه الترمذي وقال فيه: حسن صحيح.
وقال: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً. رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني.
وقد رغب صلى الله عليه وسلم في الاستغناء عن الناس والقناعة وعدم الإشراف والسؤال للآخرين، ودعاء الله والالتجاء إليه والاستعانة به، فقد كان يبايع أصحابه على أن لا يسألوا الناس، كما في حديث مسلم، وقد قال: قد أفلح من أسلم وزرق كفافا وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم.
وقال: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه. رواه البخاري.
وقال: من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل. رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقد كان أصحاب النبي يتاجرون ويزرعون ويؤجرون أنفسهم، وكان من سلف هذه الأمة من يمتهن المهن ويتكسب بها حتى اشتهر بعضهم بنسبته لمهنته أو مكان عمله كالبزار والخواص والدارقطني والدباغ والحداد والبقال، وكان من الصحابة من يؤجر نفسه عند الحاجة بشيء من التمر ثم يرجع بعدما يحقق مهمته.
فقد روى الطبراني في الأوسط عن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيراً! فقلت: بأبي أنت ما لي أراك متغيراً؟ قال: ما دخل في جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث. قال: فذهبت، فإذا بيهودي يسقي إبلا له، فسقيت له على كل دلو بتمرة فجمعت تمراً، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين لك يا كعب؟ فأخبرته ... الحديث. والحديث حسنه الألباني في صحيح الترغيب.
فهذا الحديث يدل على عدم استنكاف الصحابة عما تيسر من الأعمال مهما قل إنتاجها، وعلى أخذهم ما يحتاجونه عن طريق التكسب لا عن طريق السؤال.
ثم من الأمور المهمة التي يتعين الاعتناء بها أن يحرص العاملون على تنمية الإيمان والأمانة عندهم، فإن الإيمان والأعمال الصالحة من أعظم الوسائل لتحقيق طموحات الإنسان، كما أن الأمانة والقدرة على الأعمال من أعظم الوسائل المساعدة لقبول أصحاب رؤوس الأموال لمعاملة العمال، كما قالت بنت الرجل الصالح لأبيها في شأن موسى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {القصص: 26} .
وعليهم أن يستشعروا مسؤولية العباد في إعمار الأرض، وأهمية الاستفادة مما خلق فيها وسخر فيها من الأشياء النافعة، فقد قال الله تعالى: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا {هود: 61} .
قال ابن كثير في التفسير: أي جعلكم عماراً تعمرونها وتستغلونها.
وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً {البقرة: 29} .
كما يتعين كذلك أن يحرصوا على الكسب الحلال، والبعد عن الحرام مهما كانت الأحوال؛ ففي الحديث: إ ن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم والطبراني والبزار وصححه الألباني.
وننصح كذلك من حملهم الله تعالى مسؤولية أمور هذه الأمة أن يستشعروا أنهم مسئولون بين يدي الله تعالى عما استرعاهم، فعليهم أن يهتموا بحال أصحاب البطالة وحال المحتاجين من العجزة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته. رواه البخاري.
وقال: إ ن الله سائل كل راع عما استرعاه. رواه الترمذي وله شاهد في الصحيحين.
وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشعر هذه المسؤولية دائماً ويذكر عماله بها، فقد روى ابن سعد في الطبقات عنه أنه قال: لو مات جمل ضياعاً على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه.
وقد شكت امرأة من المسلمين إلى عمر رضي الله عنه عدم إعطاء ساعيه محمد بن مسلمة لها من الزكاة، فدعا محمد بن مسلمة وقال له: كيف أنت قائل إذا سألك الله عز وجل عن هذه؟ فدمعت عينا محمد ثم أعطى عمر المرأة حمل ثلاثة جمال من القوت، وأمر محمد أن يعطيها حقها لهذا العام والعام الماضي.
والقصة مسبوطة في كتاب الأموال لأبي عبيد.
فعلى المسؤولين أن يحرصوا على إيجاد فرص العمل للصالحين للعمل ويغنوهم بما أمكن من الأعمال عن الحاجة للناس، فقد روى أبو داود وابن ماجه والبيهقي في السنن والحارث في مسنده والطحاوي في شرح معاني الآثار قصة الرجل
الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فأمره بالتكسب وعلمه مهنة الاحتطاب، وقد نص أهل العلم على أن المحترف الذي تنقصه آلات حرفته تشترى له الآلات من أموال الزكاة أو من بيت المال.
فلو أن ولاة الأمور علموا الشباب المهن ووفروا لهم الآلات وأماكن العمل لساعد هذا كثيراً في حل مشكلة البطالة، ولا سيما إذا علمنا ما يتوفر في البلاد الإسلامية من الطاقة البشرية والأراضي الصالحة للزراعة والمعادن الهامة التي يمكن أن يوفر بها المسلمون الأغذية والصناعات للعالم لو حصل بينهم التكافل الاجتماعي واستثمر أصحاب رؤوس الأموال أموالهم في استصلاح الأراضي الزراعية واستخراج المعادن ووظفوا طاقات العمال فيها.
ولو أنه جمعت أموال الزكاة والثروات العامة من طرف أمناء لا يريدون شيئاً لأنفسهم ووزعت على مستحقيها بعدالة لاستغنى كثير من الناس أو كلهم كما حصل في عهد السلف الأول، فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وأمره بأخذ زكاة أغنيائهم وإعطائها لفقرائهم، ولم يمض إلا زمن يسير حتى لم يعد هناك من يقبل الصدقة.
وكان الخلفاء يأمرون عمالهم بتوزيع الزكوات في البلاد التي جبيت بها فيوزعونها ويرجع العمال ولا شيء معهم، ونقل أبو عبيد في كتاب الأموال الإجماع على أن أهل كل بلد أحق بصدقاتهم ما دام فيهم محتاج وإن أتى ذلك على جميع صدقاتهم حتى يرجع الساعي ولا شيء معه، ونقل في ذلك قصصاً عن معاذ وطاووس أن الواحد منهم كان يمشي ساعياً فيقسم الصدقات في فقراء البلد ثم يرجع ولا شيء معه، ثم ذكر أبو عبيد أن معاذاً بعث بثلث صدقة أهل اليمن إلى عمر، فأنكر عليه عمر! وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء حتى وأنا أجد أحداً يأخذه مني، فلما كان العام الثاني بعث إليه شطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه قبل، فقال معاذ: ما وجدت أحداً يأخذ مني شيئاً.
وقد تجلى بهذه القصة وغيرها مما حصل أيام عمر بن عبد العزيز صدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ليأتين الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحداً يأخذها منه. رواه البخاري ومسلم.
وقد كان عمال عمر بن عبد العزيز يبحثون عن فقراء يعطونهم الزكاة فلا يجدونهم، فيشتروا بها العبيد ويعتقونهم، وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عمر رحمه الله اجتهد في مدة ولايته فرد المظالم وصرف إلى كل ذي حق حقه، وكان مناديه ينادي في كل يوم ينادي: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغني كلا من هؤلاء.
وقد وزع بالعراق الأعطيات على الناس من بيت المال ثم بقي شيء فزوج منه العزاب وقضى الديون، ثم بقي شيء فأمر أن يعان منه أهل الذمة. قال أبو عبيد في كتاب الأموال: كتب عمر بن العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن وهو بالعراق أن أخرج للناس أعطياتهم، فكتب إليه عبد الحميد إني قد أخرجت للناس أعطياتهم، وقد
بقي في بيت المال مال! فكتب إليه أن انظر كل من أدان في غير سفه ولا سرف فاقض عنه، فكتب: إني قد قضيت عنهم، وبقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه: أن انظر كل بكر ليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه، فكتب إليه: إني قد زوجت كل من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه بعد مخرج هذا: أن انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه.
ثم إنا ننصح وجهاء هذه الأمة وأصحاب رؤوس الأموال بالسعي فيما يستطيعون به مساعدة العاطلين عن العمل، فعلى الوجيه أن يشفع لهم ويمشي معهم حتى يفتح لهم الأبواب التي لا يمكنهم فتحها بأنفسهم، وأن يحتسب الثواب عند الله في ذلك، وعلى الغني أن يقرضهم من ماله وأن يوظفهم في مؤسسته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. رواه مسلم.
وقال: اشفعوا تؤجروا. رواه البخاري.
وقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعاً. ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهراً. رواه الأصبهاني وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني.
وقد رغب الشارع في الإحسان إلى الناس والقرض الحسن، فقال تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة: 195} .
وفي الحديث القدسي: يا عبدي أنفق أنفق عليك. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: كل قرض صدقة. رواه الطبراني وحسن المنذري والألباني سنده.
فعلى هؤلاء أن يسعوا في مساعدة إخوانهم من قرضهم الأموال ليعملوا بها وتكوين دورات مهنية في ميادين الأعمال وتعليم الحرف واللغات ومساعدتهم بالشفاعة لهم في إيصال طلباتهم إلى المسؤولين وإقناعهم بضرورة توظيفهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1425(3/86)
من قام إلى بقعة أخرى من المسجد ناويا الجلوس إلى الشروق
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث أن من جلس في مصلاه بعد الفجر إلى الشروق نال أجر عمرة، سؤالي هل إذا انتقلت من مكان إلى آخر داخل المسجد نفسه أكون خالفت نص الحديث ولم أنل الأجر مع العلم أني لم أخرج من المسجد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك إذا انتقلت من المكان الذي صليت فيه إلى مكان آخر من المسجد، ولا يترتب على ذلك نقص في الثواب الذي ذكرت، ولا مخالفة للحديث الشريف.
ففي فتح الباري عند شرح الحديث المشتمل على أهمية انتظار الصلاة: قوله: في مصلاه أي المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد، وكأنه خرج مخرج الغالب؛ وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمراً على نية انتظار الصلاة كان كذلك. انتهى
وراجع الفتوى رقم 53410.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1425(3/87)
أم محجن التي كانت تقم المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد أرسلت سؤالا عن قصة خادمة مسجد الرسول السيدة أم محجن وجاءت الإجابة منكم على غير النقطة التي أريدها فقد أجبتموني بشأن صلاة الجنازة ولكن أسأل عن السيدة أم محجن هل ماتت وكلمها الرسول بعد موتها فأخبرته أن خير الأعمال كنس المساجد ,, فما صحة هذه الرواية ومن هو الراوي وما تخريجها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قصة خادمة المسجد قد ثبت منها ما رواه الشيخان أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، فسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: دلوني على قبرها، فدلوه فصلى عليها.
وأما قصة سؤاله إياها وأنها أخبرته أن خير الأعمال كنس المسجد، فقد جاء معناها في زيادة أخرجها أبو الشيخ الأصبهاني عن عبد الله بن مرزوق قال: كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت، فلم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، فمر على قبرها، فقال: ما هذا القبر؟ فقالوا: أم محجن، قال: التي كانت تقم المسجد؟ قالوا: نعم، فصف الناس فصلى عليها. ثم قال: أي العمل وجدت أفضل؟ قالوا: يا رسول الله: أتسمع! قال: ما أنتم بأسمع منها، فذكر أنها أجابته: قم المسجد. وهذه الزيادة ذكرها السيوطي في شرح مسلم، والمنذري في الترغيب، وقد ضعفها صديق حسن خان والشيخ الألباني.
قال صديق حسن خان في حسن الأسوة أنها مرسلة. وقال الشيخ الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب ضعيف معضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(3/88)
أعمال تعدل الحج في الجزاء لا الإجزاء
[السُّؤَالُ]
ـ[يرجى معرفة شرح وتعريف الحديثين التاليين، وهل الحجة كمحو ذنوبي كلها كأني أديت الحج أم الحج كأجر وحسنات في الميزان، يرجى الإفادة، وجزاكم الله خيراً عنا وعن جميع المسلمين وجعلها في ميزان حسناتكم يوم القيامة
589 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو ظِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِى جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ» . قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ» . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِى ظِلاَلٍ فَقَالَ هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَاسْمُهُ هِلاَلٌ.
1782 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - يُخْبِرُنَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَنَسِيتُ اسْمَهَا «مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّى مَعَنَا» . قَالَتْ كَانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلاَنٍ وَابْنُهُ - لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا - وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ قَالَ «فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِى فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِى رَمَضَانَ حَجَّةٌ» . أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:.... كانت له كأجر حجة وعمرة. أن أجر الذكر والصلاة في هذه المدة مثل أجر الحجة والعمرة الكاملة غير الناقصة الأجر، لا أنه يقوم مقام الحج في كل شيء من مغفرة الذنوب أو إسقاط حجة الإسلام، وهذا هو ظاهر الحديث قال في تحفة الأحوذي: قوله -تامة تامة- صفة لحجة وعمرة وكررها ثلاثاً للتأكيد.
قال الطيبي: هذا التشبيه من باب إلحاق الناقص بالكامل ترغيباً أو شبه استيفاء أجر المصلي تاما بالنسبة إليه باستيفاء أجر الحاج تاما ًبالنسبة إليه. انتهى بتصرف.
أما الحديث الآخر: فإن عمرة في رمضان تعدل حجة معي. أخرجه البخاري ومسلم، والمعنى: أنها تساويها في الأجر لا أنها تقوم مقامها عن الحج الواجب، قال الحافظ في الفتح: فيه دليل على أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوعا لإجماع الأمة على أن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة. فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن الفرض. انتهى.
قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: أي تقوم مقامها في الثواب لا أنها تعدلها في كل شيء. انتهى.
وقال القاضي ابن العربي: هو فضل الله ونعمته فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها. وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد.
وبهذا يتبين أن هذه الأعمال كالحج في الجزاء لا في الإجزاء فمن عملها لا يسقط عنه حجة الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1425(3/89)
طلب العلم من الجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن أجر الإنسان الذي يتأتئ أو يتعتع عند قوله الحديث الشريف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على أجر معين لمن يتعتع في قراءة الحديث، إلا أن أهل العلم قد عدوا طلب العلم من الجهاد، فقد عده ابن القيم في الزاد أول مراتب جهاد النفس، وقد وعد الله المجاهدين بالفلاح على العموم فقال: وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة: 35} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1425(3/90)
الترغيب في السعي لقضاء حوائج الناس وتفريج كرباتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل، وقد مرت إحدى صديقاتي بمشكلة مالية، وأنا أريد مساعدتها، ولكني لا أعرف ما نوع المشكلة، والذي أعرفه أن عليها دينا، هل أساعدها وأنا لا أعرف أين تذهب الأموال، حيث هدفي هو إفراج همها في مرضات الله سبحانه وتعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تريدين القيام به من مساعدة صديقتك هو من أعظم أعمال البر، ومن أفضل أعمال الخير، وقد ورد الترغيب في السعي في قضاء حوائج الناس، ففي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وتألمك لما وقعت فيه صديقتك دليل الإيمان، ففي الحديث: ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. رواه البخاري.
وعليه، فمساعدتك لهذه المرأة ليست أمراً مباحاً فحسب، بل هي من الطاعات والقربات فلك فيها عظيم الأجر إن شاء الله، هذا ما لم تعلمي يقيناً أو ظناً غالباً أن هذا المال سيستخدم في الحرام، أما مجرد الشك فلا عبرة به، لأن الأصل في المسلمين السلامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(3/91)
من غلبه النوم وقد صلى الصبح جماعة وقعد يذكر الله وأخر الضحى
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم جميعاً أن هناك حديثاً شريفاً أن من يصلي ركعتا تهجد ويصلي الصبح ويظل جالساً يذكر الله لطلوع الشمس ويصلي ركعتا الضحى يأخذ أجر حجة وعمرة تامة تامة ... ما يحصل معي أنني أتهجد وأظل لطلوع الشمس أذكر الله ولكني بعد أن أشاهد شروق الشمس أقول في نفسي أن انتظر لو 10 دقائق إلى أن تصبح الشمس أكثر شروقاً ووضوحاً، ولكن دائماً يغلبني النعاس وأنام، وعندما أستيقظ أصلي الضحى، فهل أعتبر من الذين عملوا حجة وعمرة، أم يذهب أجر الحجة والعمرة أي هل يشترط أن تكون الأعمال متصلة، أرجو أن أكون قد أوضحت سؤالي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن صلى الفجر في جماعة وجلس في مصلاه يذكر الله تعالى أو يتذاكر مع غيره في الأمور النافعة حتى تطلع الشمس مقدار رمح في رأي العين وهو مقدار ربع ساعة تقريباً، ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة، ولو أخرها عن هذا الوقت فإنه يندب له قضاؤها كما صرح بذلك الشافعية القائلون بأنها غير الضحى، أما القائلون بأنها الضحى وهو المعتمد في المذهب وعليه أكثر الفقهاء فإن وقتها يمتد إلى استواء الشمس في كبد السماء، ولا حرج عليك في تأخيرها.
وليس في الحديث الوارد اشتراط التهجد، وهذا نص الحديث، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تامة تامة تامة. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. وما دمت تحرصين على حصول هذا الفضل إلا أنه يغلبك النوم أحياناً فإن عليك أن تتطهري وتصلي، ونرجو الله جل وعلا أن يكتب لك الأجر تاماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1425(3/92)
حكم تخيل الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخنا المبارك هل يجوز أن أصطنع الموت، يعني أن أكون في خلوة ونائم على ظهري وأتذكر حال موتي ثم أموت ثم يأتي أهلي فيبكون ولا أتحرك ثم أتذكر أنهم يحملونني إلى المغسلة وأنا لا أستطيع أن أتكلم ثم عند غسيلى أسمع من يغسلني من أصدقائي بأنه صادقني لمصلحة وهكذا.. ثم أتخيل أنني في المقبرة والأهل يحثون التراب. فهذا ما هو اصطناع الموت فهو من نسج الخيال فهل هذا يعد كذبا، فهل هناك دليل صحيح على جواز اصطناع الموت وبيان أنه ليس من الكذب وما معنى الكذب المحرم؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه على وجه العلم والتعمد، وهو كبيرة من الكبائر تجر صاحبها إلى النار، والعياذ بالله، روى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
ولكن اصطناع الموت أو تخيله على النحو الذي ذكرته لا يعد كذباً، لأنه ليس فيه إخبار بشيء حتى يوصف بالصدق أو الكذب، وقد يكون هذا التخيل الذي ذكرته محموداً إذا كان المرء يريد من ورائه الحصول على الموعظة والخوف من الله والحث لنفسه على الإكثار من الخير والبعد عن الشر، وأما أن يفعله عبثاً فإن ذلك لا ينبغي لما فيه من تضييع الوقت فيما لا فائدة فيه.
وعلى العاقل أن يستغل عمره فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، لأنه مسؤول عما أفنى فيه وقته.
وراجع الجواب: 6603، والجواب: 22947، والجواب: 29469، والجواب: 43006.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1425(3/93)
أحب الناس والأعمال إلى الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث لا أذكر جيدا إن كان صحيحا أو بالمعنى التالي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم <<لأن تغدوا في خدمة أخيك خير لك من صلاتي في مسجدي هذا......>>
... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجته حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(3/94)
النفع المتعدي أفضل من النفع القاصر
[السُّؤَالُ]
ـ[أساعد أولادي فى حفظ القرآن وصيام النفل يعطلني، هل الأفضل لي تحفيظ أولادي القرآن أم صيام النفل؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ننصحك به هو الجمع بين الأمرين ما أمكن، فإن عجزت عن ذلك فالأفضل هو القيام بتربية أولادك، وتعليمهم كتاب الله عز وجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. رواه البخاري.
ولأن الوالدين مطالبان بتربية أولادهما وتأديبهما، ولأن النفع المتعدي إلى الغير أفضل من النفع القاصر على النفس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(3/95)
أفضل الأعمال بعد صلاة الفريضة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أفضل الأعمال إلى الله بعد صلاة الفريضة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه -أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم- أنه سئل: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة، وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم. فهذا تفضيل في جنس الصلاة، فقيام الليل أفضل الصلوات بعد الفريضة.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله، قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.
قال ابن دقيق العيبد في الإحكام: وقد اختلفت الأحاديث في فضائل الأعمال وتقديم بعضها على بعض، والذي قيل في هذا: إنها أجوبة مخصوصة لسائل مخصوص أو من هو في مثل حاله، أو هي مخصوصة ببعض الأحوال التي ترشد القرائن إلى أنها المراد. ولمزيد من الفائدة نحيل السائل على الفتوى رقم: 2944.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1424(3/96)
أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله أداء فرائضه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا أريد أن أتقرب من الله وأحبه وأحب رسوله صلى الله عليه وسلم، السؤال:- كيف أتقرب من الله ورسوله الكريم وأرضيهما بأعمالي؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أراد حب الله والتقرب إليه فليكن متبعاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله إذ لاسبيل للقرب من الله إلا بهذا، قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31] وقال سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] .
وهذا على وجه العموم.
اماعلى الخصوص فهناك أعمال كثيرة تقرب العبد إلى خالقه جل وعلا كالصلاة والحج والإنفاق وبر الوالدين وغيرها من أعمال الطاعات لكن أهم الأعمال على الإطلاق واحبها إلى الله وأزكاها هي المحافظة على الفرائض وتأديتها على الوجه الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه "" رواه البخاري وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1423(3/97)
استحباب الذكر بعد الصبح وملازمة مجلسها
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث من صلى الفجر في جماعة ثم قعد هل يشترط أن يجلس في نفس المكان الذي صلى فيه أم يمكن أن يجلس في أي مكان بالمسجد، هل لا بد من الذكر أم يمكن أن يقرأ القرآن، هل لا بد أن يكون وحده أم يمكن أن يكونوا مجموعة يذكرون الله سويا أو يقرءون القرآن كل منهم يقرأ عدة أيات والباقي يستمعون، هل لا بد أن يكون في المسجد أم يمكن أن يكون في البيت وإذا كان لا بد في المسجد فماذا تفعل المرأة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي أشار إليه السائل رواه الترمذي في سننه بإسناد حسن عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة....
فالرواية قد وردت مطلقة غير مقيدة بجلوس المرء في المكان الذي صلى فيه فتبقى هكذا على إطلاقها، ففي أي مكان من المسجد جلس استحق هذا الفضل بإذن الله تعالى.
لكن ننبه إلى أنه قد ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم جلوسه في مصلاه الذي يصلي فيه، فقد روى مسلم في صحيحه عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: فيه استحباب الذكر بعد الصبح وملازمة مجلسها ما لم يكن عذر.
قال القاضي: هذه سنة كان السلف وأهل العلم يفعلونها ويقتصرون في ذلك الوقت على الذكر والدعاء.
ويشمل الذكر تلاوة القرآن وغيره من الأذكار المشروعة، كما أنه يدخل في هذا الفضل الوارد في الحديث من جلس منفرداً يذكر الله تعالى أو جلس مع جماعة يذكرون الله تعالى على وجه مشروع، ولمزيد من الفائدة نحيل السائل على الفتوى رقم:
17018.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(3/98)
تعصب أم تمسك بالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله
الحمد لله ربي رزقني زوجة صالحة ولكنها مطلعة ومعتنيه في كل الأمور الدينية ومتعصبه دينيا لدرجه أنها زهقتني من حياتي الرجاء إفادتي بما أقوم به تجاهها؟ وجزاكم الله خيراً....
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاحمد الله تعالى على أن رزقك زوجة صالحة، لأن الزوجة الصالحة قرة عين لزوجها تعينه على طاعة الله، والقيام بواجباته، وتعينه في تربية أولاده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة. أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وعليك أن تتقي الله فيها، أما ما ذكرته من تعصبها الديني، فإن كان ما تسميه تعصباً هو تمسك منها بأمور دينها كالتزام الحجاب، وعدم مخالطة الرجال، وعدم مصافحتهم، فهذا ليس بتعصب بل هو تمسك بالدين وعمل بشريعة الله، وهذا أمر محمود لا تذم عليه، وعليك أن تفرح بهذا، قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] .
وأما إن كان ذلك تشدداً وتنطعاً أو فيه تضييع لحقوقك وحقوق بيتها وأولادها مثل إكثار الصلاة والصيام، وقيام الليل والانشغال بطلب العلم عن واجبات الزوجية، فإنها تنصح بالقيام بواجباتها، وعليك بالصبر عليها، وتوجيهها بلطف، ويفضل لو عرضت ما تظنه تعصباً حتى يتم الحكم عليه هل هو تعصب أم لا؟.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1423(3/99)
كيف تكرم نفسك وتكرم غيرك
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية تكريم الإنسان لنفسه ولغيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تكريم الإنسان لنفسه يحتاج فيه إلى مادة الإيمان بالله تعالى إيماناً سليماً من شوائب الشرك والنفاق، وإلى معرفة ما أوجب الله عليه، وكلفه به في رحلة الحياة القصيرة من العلم والعمل، وأن يسأل التوفيق لذلك والإخلاص ممن يملك الحكم في جميع الأمور، والقضاء فيها بمشيئته وعدله، وأن يقبل على جمع الزاد قبل الارتحال إلى يوم المعاد، وأن يسخر يومه لغده، ويتأكد من سلامة الطريق الذي يسلكه، وأنه الطريق القويم، فما أكثر السبل وما أقل السالكين المصيبين.
أما إكرامه لغيره فهو بذل النصح لهم، وإرشادهم إلى الخير وإعانتهم عليه، وكف الأذى عنهم، والدعاء لهم والتعاون معهم على البر والتقوى، وأن يحب لهم مثل الذي يحبه لنفسه من الفوز والفلاح، وأن يكره لهم مثل الذي يكره لنفسه.
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1423(3/100)
الفطور الجماعي في رمضان يحقق مقاصد كبرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الفطور الجماعي في رمضان؟ وما حكمه في غير رمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس بالفطور الجماعي في رمضان، أو في غيره.
فإن الإسلام يدعو إلى الإلفة والمحبة، وتوثيق الصلات بين المسلمين، فإذا كان الإفطار الجماعي بدعوة من أحد الأشخاص لتفطير الجميع، ففي هذا من الخير ما لا يخفى على المسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً" رواه الترمذي عن زيد بن خالد رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام" رواه الترمذي عن عبد الله بن سلام.
وسواء كان ذلك من أحد الحاضرين أو من غيرهم، فهذا كله مما يوجب الوئام والمحبة بين المسلمين، ويدعو إلى التنافس في الخير، وهذه مقاصد شرعية كبرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1423(3/101)
فضل إسباغ الوضوء على المكاره
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
((إسباغ الوضوء على المكاره)) ما جزاء فاعل هذا الشيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام مسلم وأحمد والنسائي والترمذي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط.
فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة إسباغ الوضوء على المكاره، وأنه من الأعمال التي تكفر الذنوب، وترفع الدرجات، وتجلب الحسنات، وقد ثبت ذلك في هذا الحديث المذكور، وفي غيره من الأحاديث الكثيرة، ويمكن الرجوع إليها في كتاب صحيح الترغيب والترهيب للشيخ الألباني الجزء الأول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1423(3/102)
ثواب من توضأ في بيته ثم مشى إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أيهما أفضل الوضوء في المسجد أم في المنزل؟ جزاكم الله خيرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوضوء في البيت أفضل من الوضوء في المسجد، وذلك لما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة.
فدل على أن هذه الفضيلة تكون للذي يتوضأ في بيته دون من يتوضأ في المسجد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(3/103)
هل الفقير شريك للغني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قول بأن رب المال والمساكين شركاء في المال؟
والسؤال: هذا القول لمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال السلف الصالح تحث على الإنفاق على الفقراء والمساكين والمحتاجين ومواساتهم، فمن ذلك قول الله تعالى: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) وقوله تعالى: (وأنفقوا مما رزقناكم) وقوله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) .
وما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له" قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل.
وقد فرضت الزكاة مجملة في القرآن المكي، وكان الحث على الإنفاق في بداية الأمر بدون تحديد، لأن الدعوة تحتاج للمال والبذل والتضحية لأنها في مرحلة التأسيس والبناء، فلما استقر الأمر، وقامت الدولة في المدينة، وفرضت الزكاة بمقاديرها المعلومة وبُينت في السنة، أصبح الواجب على المسلم أن يؤدي زكاته المفروضة فقط، وما زاد على ذلك فهو تطوع.
قال القرطبي: كانت النفقة على قدر جدتهم حتى نزلت فرائض الصدقات، وقد اختلف العلماء هل في المال حق سوى الزكاة؟ قال: والحديث الذي استدل به القائلون إن في المال حقاً سوى الزكاة -وإن كان فيه ضعف- فقد دل على صحته معنى الآية: (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) فهذه الزكاة المفروضة، وبعدها: (وآتى المال على حبه) وهذه ليست الزكاة المفروضة، ثم قال: واتفقوا أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها.
وما أشار إليه السائل في سؤاله هو ثمرة شطر القاعدة الفقهية المعروفة، وهي: هل الزكاة تتعلق بالمال فيكون الفقير شريكاً لرب المال بالقدر الواجب إخراجه؟ أو الزكاة تتعلق بذمة الغني؟ وقد ذكرنا هذه القاعدة وسبب الاختلاف فيها وما يترتب عليه في الجواب رقم:
4641 فليرجع إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(3/104)
فضل من صلى الفجر جماعة وقعد يذكر الله، وهل تشرك المرأة في ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صليت الفجر في المسجد وجلست إلى شروق الشمس وصليت ركعتين. ما الرأي في هذا الأمر. وهل للنساء مثل ذلك إذا صلين في البيت.أفيدونا ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في سنن الترمذي بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
فهذا ما ورد في فضل صلاة الفجر في الجماعة ثم الجلوس إلى شروق الشمس وصلاة ركعتين.
وظاهر هذا الحديث العموم لكل من صلى الصبح في جماعة وجلس الجلوس المذكور ثم صلى الركعتين.
ولا شك أن المرأة إذا فعلت ذلك في بيتها سيكون لها الأجر العظيم، وليس معنا من الدليل ما يدل على أن لها أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة؛ إلا أننا نرجو لها ذلك من الله ما دامت قد جلست في مكان صلاتها ذاكرة الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن صلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/105)
ثواب من كفل داعية إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كفلت داعية يدعو الكفار إلى الإسلام، وأسلم أحد على يده هل لى أجر وهل ينطبق علي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلا خيرا لك من حمر النعم" أفتونى جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على ما تقوم به من الدعوة إلى الإسلام، ونسأل الله لك التوفيق، ونرجو أن يأجرك الله أجرين: أجر كفالتك للداعية وحضه على الدعوة، وأجر دخول الكافر في الإسلام، كما نرجو أن ينطبق عليك الحديث الذي ذكرته وهو: "لأن يهدي الله على يديك أو بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" رواه البخاري ومسلم.
ولعلك تكون من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص من أجورهم شيئاً ... " رواه مسلم.
"ومن سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ... إلخ" رواه مسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة" الحديث. وفي الحديث الآخر: "من دعا إلى هدى ومن دعا إلى ضلالة" هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة، وتحريم سن الأمور السيئة، وأن من سن سنة حسنة كان له مثل أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل ورز كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقاً إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم، أو عبادة، أو أدب، أو غير ذلك) . شرح النووي على صحيح مسلم كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة.
والدعوة إلى الله سبحانه من أجل الأعمال وأفضلها، وهي وظيفة الأنبياء وسبيل الصادقين، فأبشر أخي الكريم بالخير، وزادك الله حرصاً على نشر الإسلام والدعوة إليه، واحرص على إخلاص النية في القول والعمل لتحظى من الله بالقبول، ونذكرك بقول الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108] .
وبقوله سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1422(3/106)
الترغيب في تفطير الصائمين ولو لم يكونوا فقراء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكسب المسلم أجرا حين يفطر أخواته وأقربائه في رمضان.. وان كانوا ليسوا فقراء
(ما يعرف بعزيمة الأرحام) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من يطعم إخوانه وأقرباءه له أجر، سواء في رمضان، أو في غير رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم "في كل كبد رطبة أجر" متفق عليه. ولعموم الأحاديث الواردة في الترغيب في تفطير الصائم فإنها لم تقيد ذلك بفقره. والتي منها ما رواه أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه، عن زيد بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً" ثم إن الشرع يرغب ويدعو إلى كل ما من شأنه أن يقوي أواصر الأخوة بين المسلمين عموماً، وخصوصاً الأقارب والجيران.
فالتزاور والتواصل بين الأقارب والجيران، وتبادل الهدايا بينهم، لا شك أنه من أقوى أسباب الألفة بين القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس، وهذا من أسمى الغايات التي يهدف إليها الإسلام ويرشد إليها، ولهذا فقد قال صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" أخرجه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي. قال الحافظ إسناده حسن. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1421(3/107)
فضل السعي في حوائج الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[ان لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس. حببهم الى الخير وحبب الخير اليهم اولئك الامنون من عذاب الله يوم القيامه. من هم العباد الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس ... (جزاكم الله خيرا) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم..... وبعد:
فهذا الحديث في المعجم الكبير للطبراني وفي مسند الشهاب. وهو ضعيف وليس هنالك عباد بأعيانهم اختصهم الله بقضاء حوائج الناس، وقد ورد كثير من الترغيب في السعي في قضاء حوائج الناس فمن ذلك ما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. ومن ذلك ما في مسلم والمسند وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.. إلى آخر الحديث فمن سعى في حوائج الناس عملاً بهذا الترغيب ورجاء للمثوبة عند الله تعالى يسر الله له ذلك وكان سعيه سبباً في أمنه يوم القيامة إذا قصد به وجه الله تعالى.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/108)
لمة الملك ولمة الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للمرء أن يرى ملكا أو وليا في منامه، أم أنه جن تمثل بذلك، وهل يجوز إعطاؤه المال عن طريق وضعه في مكان معين لا يجده بعده إن طلبه على أنه يوزعه صدقات وبماذا أنصح من تراه في منامها وتصدقه وهو يطلب منها أن أعطيها أنا مالاً للصدقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أعطى الله الملائكة القدرة على التشكل والتصور، وقد رأى الصحابة جبريل عليه السلام في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، والحديث رواه مسلم وأحمد والنسائي وغيرهم.
وكما تمكن رؤية الملك في صورة رجل ونحو ذلك تمكن رؤية الشيطان في صورة رجل أيضاً، ففي الحديث الذي رواه البخاري والنسائي وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكله بحفظ زكاة رمضان، فجاء الشيطان فجعل يحثو من الطعام ... الحديث.
وإذا أمكنت رؤية الملك والشيطان في اليقظة، أمكنت في المنام من باب أولى.
ومما يرجح الفرق عند المسلم في حال الذي شاهده في المنام هل هو ملك أم شيطان؟ أن الملك يأمر بخير ويرشد إلى خير ويحذر من شر، وأما الشيطان فيأمر بمعصية أو بدعة أو كفر، ونحو ذلك من الذنوب والمعاصي، ولا يأمر بخير إلا من باب التدليس، وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ. حسنه الترمذي.
وننبه السائل إلى أن الرؤى والأحلام لا تبنى عليها أحكام شرعية، فلا يباح بها مكروه ولا محرم، ولا يجب بها مباح ولا مندوب، ولا يلزمك منها دفع المال ولا غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(3/109)
التمادي في العشق والهوى ينتهي بصاحبه إلى هاوية سحيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أعجبت بفتاة (كان الإعجاب بطريقة لا أعلمها بحيث أعرف أهلها وأعرفها من فترة طويلة) لكن تعلقت بها بحيث أتمنى من الله تعالى أن تكون لي زوجة وأدعو الله في كل الصلوات وحتي في قيام الليل أن تكون تلك الفتاة زوجة لي لكن أريد منكم النصح بدعاء مأثور عن الرسول الكريم لكي يطمئن قلبي حيث لا أستطيع الآن الزواج منها لأني لا أعمل ووضعنا في فلسطين صعب فساعدني بدعاء منك وأرسل لي دعاء مأثورا أدعو به الله.
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان ما حصل لك دون سعي منك أو كسب فلا شيء عليك فيه، لكن يجب عليك التخلص منه والقضاء عليه، لأن التمادي في العشق والهوى ينتهي بصاحبه إلى هاوية سحيقة قد لا يستطيع أن يخرج منها فيما بعد.
أما إذا كنت قد سعيت للتعرف على هذه الفتاة، وبناء على ذلك حصل الإعجاب المذكور، فقد أذنبت بذلك في حقها، وفي حق نفسك، والواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى بالإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه، وعليك أن تسعى لمعالجة نفسك مما وقعت فيه من عشق لهذه البنت، ولمعرفة علاج ذلك راجع الجواب رقم: 9360، ورقم: 22206.
ولمعرفة الدواء الذي يعينك على الصبر عن الزواج الآن راجع الجواب رقم: 30242.
ولمعرفة الأمور التعبدية التي يقضي الله بها حاجتك راجع الجواب رقم: 29609.
وإننا لننصح الأخ السائل بالتحلي بالصبر، وملازمة أهل الخير والصلاح، والمسارعة قدر إمكانه إلى خطبة امرأة ذات دين وخلق، سواء كانت هذه الفتاة أو غيرها، والله نسأل لنا وله الهداية والتوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(3/110)
معنى عبارة (بأبي أنت وأمي) و (ثكلتك أمك)
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع كثيراً في الأحاديث بأبي أنت وأمي، فهل هذا من الحلف بغير الله، وأيضاً معنى ثكلتك أمك، وشكراً على ما تفعلونه للمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة بأبي أنت وأمي تدل على التوقير والاحترام وليست بيمين شرعاً، ومعنى ثكلتك أمك يعني فقدتك، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح الترمذي: ثكلتك بكسر الكاف أي فقدتك وهو دعاء عليه بالموت على ظاهره ولا يراد وقوعه بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة وتعجيب وتعظيم للأمر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(3/111)
مثل شعبي دارج على الألسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ (يخلق الله من الشبه 40) هل هي حديث أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم حديثاً ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، والذي نعرفه أن هذا من الأمثال الشعبية الدارجة عند بعض الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1423(3/112)
الأربعة الذين أهدر دمهم يوم فتح مكة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي أن أعرف لماذا أمر الرسول _صلى الله عليه وسلم_ بقتل الأربعة الذين أمر بقتلهم يوم فتح مكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلفت الأسباب التي جعلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهدر دم الأربعة المذكورين في الحديث، وهم: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح. فمنهم من ارتد وقتل أحدا من المسلمين، ومنهم من ارتد وكان يدعي أنه كان يصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض كلمات الوحي، فيكتب غير ما أنزل، ومنهم من كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: عن ابن إسحاق قال وأما قتل عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه وهو رجل من بني تيم بن غالب. قال وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه بعثه مصدقا، وكان مسلما وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما، فنزل ابن خطل منزلا وأمر المولى أن يذبح له شاة ويصنع له طعاما. فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركا. قال أبو عمر فهذا القتل قود من مسلم. ومثل هذا قصة مقيس بن صبابة قتل مسلما بعد أخذ الدية وهو أيضا مما هدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه في حين دخوله مكة، ... قال لما كان فتح يوم مكة أمن رسول الله أهل مكة إلا أربعة نفر ... وقال
اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح. فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله ...
وفي الاستيعاب: أن عبد الله بن سعد بن أبي السرح كان قد أسلم قبل الفتح، وهاجر وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد مشركا وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملي علي: "عزيز حكيم " فأقول: أو عليم حكيم فيقول: " نعم كل صواب ". فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ... ففر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال: نعم فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله: " ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ". وقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول الله فقال: " إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين ".
وأسلم عبد الله بن سعد بن أبي السرح أيام الفتح فحسن إسلامه فلم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك ...
وأما عكرمة بن أبي جهل، فلم نقف على سبب مباشر لإهدار دمه، إلا أنه كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية. وقد أسلم بعد فتح مكة وحسن إسلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(3/113)
من مهن الأنبياء والصحابة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مهن الأنبياء والصحابة نبي الله نوح عليه السلام نبي الله آدم عليه السلام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه الزبير بن العوام رضي الله عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أعظم المهن التي كان يمارسها هؤلاء هي الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله.
وقد ثبت في القرآن أن نوحاً عليه الصلاة والسلام صنع السفينة وأخذ منه بعضهم أنه كان نجاراً، وقد ذكر أصحاب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم مارس التجارة قبل النبوة وقد سافر فيها إلى الشام، ولكنه بعد البعثة لم يسافر إلا في جهاد أو هجرة أو دعوة أو حج أو عمرة وقد ثبت عنه أنه قال: بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري. رواه أحمد.
وكان أبو بكر والزبير تاجرين، وقد انشغلا بالجهاد والدعوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر قيامهما بالتجارة في مسند الطيالسي والاستيعاب لابن عبد البر، وراجع الفتوى رقم: 55846، والفتوى رقم: 7290.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(3/114)
قصة أصحاب الكساء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
من هم أصحاب الكساء، وما هي القصة، هل كان جبريل عليه السلام؟ ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
فهؤلاء الخمسة هم أصحاب الكساء، وأما جبريل فلم نطلع فيما وقفنا عليه من الآثار على ذكر له في القصة، والظاهر أن في السؤال سقطا إن كنت تقصد أشياء خارج القصة، وهي كما أخرج الترمذي والحاكم وصححاه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين، فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهر هم تطهيراً ثلاث مرات. وكل الروايات تدور حول هذا المعنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(3/115)
قصة إرضاع ابنة سهيل لسالم مولى أبي حذيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر لي أحد الذين يعيشون في البلاد الأجنبية هذا الحديث من صحيح مسلم \"سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لعائشة: والله! ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة. فقالت: لم؟ قد جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله! والله! إني لا أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم \"أرضعيه\" فقالت: إنه ذو لحية. فقال \"أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة \". فقالت: والله! ما عرفته في وجه أبي حذيفة.\" وكان سؤال هذا الذي يعيش في الخارج:
كيف أن أبا حذيفة الذي يغار على زوجته من مولاه بمجرد دخوله عليها يقبل أن تظهر زوجته له ثديها ويرتضعه؟
فأين الغيرة تلك؟ أليس بقاء حال ابي حذيفة على الوضع السابق خير له من هذا الحل الغريب؟
أرجو الإيضاح المقنع حتى يمكن الرد على أمثال هؤلاء. وجزاكم الله عنا خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت تعني ابنة سهيل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوه، وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة، فرجعت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة، وفي رواية أخرى لمسلم: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه، قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد علمت أنه رجل كبير.
وبهذا يتبين للسائلة صحة هذا الرضاع أعني رضاع سالم، أما كيفيته، فللعلماء فيها رأيان نص عليهما النووي عند شرحه للحديث، فقال: قوله صلى الله عليه وسلم أرضعيه: قال القاضي: لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما، وهذا الذي قاله القاضي حسن، ويحتمل أنه يعفى عن مسه للحاجة، كما خص بالرضاع مع الكبر. اهـ.
والواضح أن غيرة أبي حذيفة من مولاه إنما هي من جهة أنه رجل أجنبي على زوجته، فلما زال ذلك برضاع زوجته لسالم زالت الغيرة وكانت هذه خصوصية لهم جميعا. وراجع الجواب: 3901.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(3/116)
أبو رغال دليل أبرهة إلى البيت الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أبو رغال حيث ذكر في حرب أبرهة الأشرم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أبارغال رجل من ثقيف أرسلوه مع أبرهة يدله على البيت الحرام لهدمه، فلما وصل مع أبرهة إلى موضع يسمى المغمس مات أبورغال، فصارت العرب ترجم قبره بذلك الموضع، ذكر هذا الطبري في تاريخه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1424(3/117)
قصص الأنبياء بين القبول والرد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أوسوس عندما تحكى لي قصص الأنبياء ولا أكون واثقة ـ أصلا ـ من وجود قصص كهذه.
فأرجو مساعدتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قصص الأنبياء ينظر فيها، فما كان منها مأخوذا من نص القرآن أو الحديث الثابت يجب على المسلم اليقين بثبوته ووقوعه والبعد عن تحكيم العقل فيه، وأما المأخوذ من الإسرائيليات والكتب التي لا تعتني بما صح وثبت من الأخبار والرويات، فبعض هذه القصص تنكره العقول ولا حرج في عدم الثقة به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1430(3/118)
من هم القوم الذين صدقوا فدخلو النار
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم القوم الذين صدقوا فدخلو النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيذكر في القصص أن أبا يزيد السبطامي سأله بعض النصارى هذا السؤال فأجابه بأنهم اليهود والنصارى واحتج له بقوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {البقرة:113} .
ثم إنه يتعين أن يعلم أن الصدق ليس سبباً لدخول النار، فالصدق سبب لدخول الجنة كما في قوله تعالى: قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {المائدة:119} ، وأما هؤلاء فإنهم دخلو النار بسبب كفرهم، وهذه الآية تقتضي ذم أهل الكتابين، فقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: وهذا القول يقتضي أن كلا من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأخرى، ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم فيما قالوه، مع علمهم بخلاف ذلك، ولهذا قال تعالى: وهم يتلون الكتاب. أي: وهم يعلمون شريعة التوراة والإنجيل، كل منهما قد كانت مشروعة في وقت، ولكن تجاحدوا فيما بينهم عناداً وكفراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(3/119)
النجاشي هل هو تابعي أم صحابي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يعتبر النجاشي رضي الله عنه صحابياً أم تابعياً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النجاشي رضي الله عنه يعتبر تابعياً رغم أنه أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب لما مات، ولم يعتبر صحابياً لأنه لم يجتمع به صلى الله عليه وسلم، فهو من سادات التابعين أسلم على يديه الصحابي الجليل عمرو بن العاص فصار يلغز بها، فيقال صحابي أسلم على يد تابعي، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 39655.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1429(3/120)
مدى صحة قصة تنزل النصر بعد الأخذ بسنة السواك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القصة التي سمعتها وهي أن الصحابة في إحدى الغزوات نسوا سنة السواك فكانوا سيخسرون المعركة صحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة لم نقف عليها في شيء من الكتب الملتزمة صحة النقل، وبالتالي فلا نجزم بصحتها، لكننا لم نزل نسمع أن ثمت جيشاً من المسلمين قد وقع في معركة مع الكفار، ولما يئس من النصر أخذ يبحث عن عوامل النقص التي اعترته، فوجدوا أنهم لم يطبقوا سنة السواك، فأخذوا به فرآهم العدو فظن أنهم يشحذون أسنانهم لأكلهم فدب فيهم الرعب، فكان تطبيق السنة سبباً في النصر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(3/121)
هل نادى تعالى موسى من جوف شجرة بطور سيناء
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أسأل عن صحة هذا الحديث
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما أوحى الله إلى موسى بن عمران: إني مكلمك على جبل طور سيناء، صار من مقام موسى إلى جبل طور سيناء أربعة فراسخ في أربعة فراسخ، رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر، فجاء موسى حتى وقف بين يدي صخرة جبل طور سيناء، فإذا هو بشجرة خضراء، الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها، فوقف موسى متعجبا فنودي من جوف الشجرة: يا ميشا. فوقف موسى مستمعا للصوت. . .
فقال موسى: من هذا الصوت العبراني يكلمني؟ فقال الله له: يا موسى إني لست بعبراني، إني أنا الله رب العالمين...........
الرابط الذي نقلت منه هذا الخبر
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=248&CID=192]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الأثر قد ذكره السيوطي رحمه الله تعالى في الدر المنثور وقال: أخرج ابن مردويه بسنده. وساقه ولم نقف عليه عند غيره, وليس بين أيدينا تفسير ابن مردويه أو غيره من كتبه كي نطلع على السند الذي أخرجه به لنعلم صحته من ضعفه. ولكن الأثر لا يتضمن حكما شرعيا وإنما هو مجرد قصة من القصص يستأنس بها ويعتبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1427(3/122)
صحابيان عاشا ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من هما الصحابيان اللذان عاش كل واحد منهما 60سنة في الجاهلية و60سنة في الإسلام وماتا في المدينة المنورة سنة 45هجرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحابيان اللذان عاش كل منهما ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام وماتا سنة أربع وخمسين هجرية، وليست خمسا وأربعين هجرية هما حكيم بن حزام بن خويلد القرشي المكنى أبا خويلد، وحويطب بن عبد العزى القرشي. وراجع مشاهير علماء الأمصار (1/ 12، 33) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1425(3/123)
عمر فاطمة الزهراء وقت زواجها
[السُّؤَالُ]
ـ[كم كان عمر السيدة/ فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ وشكراً لكم، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان عمر السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها عندما تزوجها علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه ثمانية عشر عاماً، فقد روى ابن سعد في الطبقات: عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال: تزوج علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر، وبنى بها مرجعه من بدر، وفاطمة يوم بنى بها علي بنت ثماني عشرة سنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1425(3/124)
أعمال قوم لوط
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:
أنا لدي سؤالان وأرجو منكم الإجابة وهما:
1- ما هي كل أعمال قوم لوط، وهل تقبيل ولعق القبل من عمله؟
2- هل استمناء رجل بيد رجل آخر من عملهم وحتى دون نظر إلى العورة بل فوق السروال؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي وردت به النصوص الصحيحة من عمل قوم لوط هو إتيان الرجال الرجال في أدبارهم دون تستر في فعل هذه الفاحشة النكراء، وكانوا أيضاً قطاع طريق، وكانوا يتعاطون أنواعا من المنكر في مجالسهم، قال الله تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ {النمل:54} ، وقال تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ {العنكبوت:28-29} ، قال ابن كثير في تفسيره: فمن قائل كانوا يأتون بعضهم بعضا في الملأ، قال مجاهد، ومن قائل كانوا يتضارطون ويتضاحكون قالته عائشة رضي الله عنها والقاسم، ومن قائل كانوا يناطحون بين الكباش ويناقرون بين الديوك، وكل ذلك يصدر عنهم وكانوا شرا من ذلك....
وعن أم هانئ قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ، قال: يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، وذلك المنكر الذي كانوا يأتونه ...
وعن مجاهد: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ قال: الصفير ولعب الحمام والجلاهق، والسؤال في المجلس، وحل أزرار القباء ... ولم نقف على أن تقبيل ولعق القبل من عملهم، وكذلك استمناء رجل بيد رجل آخر، وهي محرمات شنيعة وفواحش قبيحة، وعلى المسلم أن يبتعد عنها، ولو لم تكن من عمل قوم لوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(3/125)
دفاع عن أبي هريرة راوية الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح ما يقال عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البحرين، ثم عزله لأنه أخذ ما لا يحل له، ويقال أيضاً إن في رواياته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الخرافات والضعف يستندون في هذا الافتراء على ابن الأثير، أفيدونا أفادكم الله حتى نرد على أهل التزوير والتدليس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أكثر أعداء الإسلام والسنة الطعن في أبي هريرة رضي الله عنه منذ الصدر الأول ليتوصلوا بهذا للطعن في الدين، فحاكوا أكاذيب وأباطيل كتلك التي ذكرت، ولكن الجهابذة من أهل العلم كانوا دوما لهم بالمرصاد، قال الحاكم أبو عبد الله (المتوفي سنة 405هـ) في المستدرك عن إمام الأئمة ابن خزيمة (المتوفى 311هـ) : وإنما يتكلم في أمر أبي هريرة لدفع أخباره، من قد أعمى الله قلوبهم، فلا يفهمون معاني الأخبار، إما معطل جهمي يسمع أخباره التي يرويها خلاف مذهبهم -الذي هو كفر- فيشتمون أبا هريرة ويرمونه بما الله تعالى نزهه عنه، تمويها على الرعاع والسفل أن اخباره لا تثبت بها الحجة، وإما خارجي أو قدري اعتزل الإسلام وأهله أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه، إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما يخالف مذهب من قلد تكلم في أبي هريرة ودفع أخباره. انتهى بتصرف.
أما ما ذكرته فهو من بعض كذبهم في أبي هريرة وأجاب عنها فأحسن الشيخ مصطفى السباعي في كتاب (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) فانظره، أما قصة ولاية أبي هريرة على البحرين ثم عزله من قبل عمر، فالقصة الحقيقية: أنه قدم ببعض بمال فحاسبه عمر كما كان يحاسب جميع الولاة، فم يجد في مكسبه مدخلاً لإثم رفض أن يلي العمل مرة ثانية لعمر، وكان مما قاله: أخشى أن أقول بغير علم وأقضي بغير حلم. انتهى من البداية والنهاية لابن كثير.وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 38593.
قال ابن الأثير: قال البخاري: روى عن أبي هريرة أكثر من ثمانمائة رجل من صاحب وتابع ومن بعدهم فمن الصحابة ابن عباس وابن عمر وجابر وأنس ووائلة بن الأسقع، واستعمله عمر على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل فامتنع، وسكن المدينة وبها كانت وفاته. انتهى أسد الغابة 6/315، ولم يذكر ابن الأثير ما ورد في السؤال في حق أبي هريرة رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1425(3/126)
زنيرة من السابقين الأولين
[السُّؤَالُ]
ـ[مادا تعرف عن كل من: زنيرة, مهاجرة الهجرتين ومصلية القبلتين?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زنيرة صحابية جليلة من السابقين الأولين ومن مستضعفي المسلمين الذين كان يعذبهم كفار قريش بمكة في بداية الدعوة.
وكانت أمة رومية قيل لآل الخطاب وهي من السبعة الأرقاء الذين اشتراهم أبو بكر رضي الله عنه وأعتقهم لينقذهم من تعذيب أسيادهم، وقد فقدت بصرها فقال المشركون أعمتها اللات والعزى، فقالت: كذبوا.. وما ينفع اللات والعزى، ولا يضران، فرد الله بصرها.
وقد ترجم لها الحافظ ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" ولم يذكر ما ذكره السائل الكريم من أنها هاجرت الهجرتين أو صلت إلى القبلتين، كما أنه لم يذكر تاريخ وفاتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1425(3/127)
عبد الله بن أبي بن سلول لم يكن يهوديا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان عبد الله بن سلول يهوديا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبد الله بن أبي بن سلول لم يكن يهودياً، وإنما كان من أكابر قبيلة الخزرج الأنصارية العربية، وقد كان مهيأ لزعامة الأوس والخزرج قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سيداً معظماً عندهم لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان، ولم يجتمع الأوس والخزرج قبله على رجل من أحد الفريقين غيره، ولكنه والعياذ بالله كان رأس المنافقين، وهو الذي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وهذا الذي تولى كبر إشاعة تهمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالزنا.
وقد استمر على نفاقه وحقده على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، وفيه نزل قوله تعالى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ [التوبة:80] ، قوله تعالى: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(3/128)
موقف سليمان من الهدهد والخيل لا ينافي الرفق بالحيوان
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في الآية الكريمة {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [سورة ص33] ، في تفسير هذه الآية وفي أصح الروايات أنه بدأ يضرب أعناقها وأرجلها بالسيف، وفي خطاب سليمان للهدهد عندما لم يجده {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [النمل:21] ، سؤالي هو: لماذا لم يكن سليمان رحيما بالحيوانات كما أمرنا في الإسلام، هل من توضيح؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففعل سليمان عليه السلام بالخيل وتهديده بعقاب الهدهد لا يتنافى مع الرفق بالحيوانات، فإن سليمان نبي من أنبياء الله تعالى، ومن المعلوم أن الأنبياء هم أتقى العباد لله تعالى وأخشاهم له وأرحمهم بخلقه ... وكما أشار السائل الكريم، فإن المفسرين اختلفوا في تفسير قول الله تعالى: فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ [ص: 33] ، فذهب بعضهم إلى أنه كان يمسح أعناقهم وسوقها حباً وإكراماً لها، وقال بعضهم: جعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف، لأنها كانت سبب فوات وقت الصلاة عليه، وهذا الذي يتناسب مع السياق، ولم يكن سليمان عليه السلام ليفعل ذلك إلا أن يكون الله عز وجل أباح له ذلك.
قال الشوكاني في فتح القدير: وهذا القول أولى بسياق الكلام، فإنه ذكر أنه آثرها على ذكر ربه حتى فاتته الصلاة، ثم أمرهم بردها ليعاقب نفسه بإفساد ما ألهاه عن ذلك وما صده عن ذكر ربه ...
ثم قال: ولا متمسك لمن قال: إن إفساد المال لا يصدر عن نبي، فإن هذا مجرد استبعاد باعتبار ما هو مقرر في شرعنا مع جواز أن يكون مباحاً في شرع سليمان على أن إفساد المال في شرعنا إنما هو لمجرد إضاعته لغير غرض صحيح، وأما لغرض صحيح فهو جائز في شرعنا ...
وقيل إن سليمان تصدق بلحمها على المحتاجين، وليس في هذا عدم رفق بالحيوان، لأن الله تعالى سخر الحيوان لخدمة الإنسان فله ذبحه لمصلحة معتبرة وهي هنا عقوبة لنفسه على اشتغالها بحب هذا المال عن عبادة الله تعالى التي هي الأساس الذي من أجله خلق الإنسان.
وأما تهديده عليه السلام بعقاب الهدهد، فإنه تهديد وارد وأمر طبيعي بالنسبة لجندي جعله قائده أو ملكه حارساً أو على ثغرة يتخلى عنها ويتركها بدون إذن أو علم من قائده، وخاصة أن بعض الروايات تقول إن الهدهد كان دليلاً على الماء ومكلفاً بالتنقيب عنه لسليمان وجنوده.
ومع ذلك، فإن سليمان عليه السلام قال بعد تهديده بعقوبة الهدهد إلا أن يأتيني بحجة واضحة أو مبرر شرعي على تخلفه وتغيبه، وهو معنى قوله تعالى حكاية عن سليمان: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ.
وبهذا تعلم أن تصرفات سليمان عليه السلام في غاية الحكمة والمعقول، والناس اليوم يتشدقون بحقوق الإنسان والرفق بالحيوان وهم أكبر منتهك لحقوق الإنسان فضلاً عن الحيوان، وقد انتكست فطرة بعضهم فأصبحوا يخدمون الحيوانات والكلاب والقطط ... ويكرمونها.
ومع ذلك لا يقيمون وزنا لهذا المخلوق (الإنسان) الذي شرفه الله تعالى وكرمه على سائر مخلوقاته، كما قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء: 70] .
وختاماً ننبه السائل الكريم إلى أن مفهوم الرفق بالحيوان واحترام حقوق الإنسان بالنسبة للمسلم يجب أن يكون نابعاً من دين الله تعالى، فالشريعة الإسلامية كرمت الإنسان كما رأيت وحثت على الرفق بالحيوان كما جاء في صحيح مسلم مرفوعاً: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(3/129)
هل لعمر بن الخطاب أخ شقيق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو اسم شقيق عمر بن الخطاب؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لعمر بن الخطاب أخا اسمه زيد بن الخطاب وقد ذكر بعض الباحثين أنه شقيقه ولكن الواقع أنه أخوه لأبيه كما ذكره ابن عبد البر وابن حجر وابن كثير والمزني والهيثمي والعيني، وقد ذكروا أن اسم أم زيد أسماء بنت وهب وأن اسم أم عمر حنتمة بنت هاشم.
وكان له أخ بمكة من الأم اسمه عثمان بن حكيم أهدى له عمر حلة وهو على شركه بمكة ذكر ذلك العيني وابن حجر ولم نعثر بعد البحث على ذكر شقيق لعمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(3/130)
من آمن بموسى من المصريين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل أمر الله تعالى كل من آمن مع سيدنا (موسى) عليه السلام بالخروج من مصر أم بنى إسرائيل فقط.
وهل أمن معه من المصرين أحد , جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن موسى عليه الصلاة والسلام آمن به بعض أهل مصر، فقد آمن به السحرة كما نصت عليه الآيات أنهم قالوا آمنا برب هارون وموسى كما في سورة طه، وقال في سورة الأعراف: قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (لأعراف:122) وقد آمنت به زوجة فرعون كما قال الله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (التحريم:11) ، وقد آمن به بعض آل فرعون كما قال الله تعالى: وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ (غافر:28)
وآمنت به ماشطة ابنة فرعون وأولادها كما رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وأما الذين أمروا بالسرى مع موسى فظاهر كلام ابن كثير والقرطبي أنهم بنوا إسرائيل فقط.
ويدل لذلك قوله تعالى: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ (يونس: من الآية90) ، وقوله تعالى في خطاب بني إسرائيل: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ (البقرة: من الآية50) .
ومع هذا فلا نرى مانعا من أنه يمكن أن يوجد معهم غيرهم ممن آمن به من بقية أهل مصر ويكون ذكر بني إسرائيل دون غيرهم من باب التغليب وهو أسلوب عربي معروف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1425(3/131)
قطوف من سيرة أم حرام بنت ملحان الأنصارية
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن اسم إحدى الصحابيات، أو زوجة صحابي جليل، حيث إني أعلم قصتها، ولا أعلم اسمها، وأحتاجه بأسرع وقت كما أني أحتاج تفاصيل القصة إن أمكن، وذلك لأني أكتب مقالا بخصوص القصة، وأحتاج كل التفاصيل.
وقصتها أن زوجها كان في سفر، وكان لهما صبي صغير، وأثناء سفر الزوج مرض الصبي فمات، وعند عودته لم تشأ مفاجأته بهذا الخبر، فتزينت له، وأعدت له الطعام، وبعد ان أكل وارتاح سأل عن الصبي، فقالت -على ما أذكر- إنه نائم، ثم تحدثا في شؤونهما، ثم قالت له: أرأيت يا فلان إن أعار جار جاره شيئا؟ قال: نعم، قالت: ثم أراد الجار أن يسترد عريته، أفمن حق جاره أن يغضب لهذا؟ قال: لا، بل عليه الشكر والثناء للجار الكريم. فقالت: فإن الصبي الذي كان قد أخذه مالكه. فحزن الزوج وسكت ولم يبهت، وأعجب بذكاء وحكمة زوجته.
فأرجوكم، دلوني على اسم هذه المرأة الجليلة، وقصتها بالتفصيل والنص وذلك بأسرع وقت ممكن لو سمحتم حيث ينتهي الوقت المحدد لاستلام المقال يوم 15/6/2004؟ وجزاكم الله خيراًَ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحابية المسؤول عنها هي أم سليم بنت ملحان الأنصارية أم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات زوجها مالك بن النضر فتزوجها أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري فولدت له أبا عمير وعبد الله شهدت عدة مشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منها أحد وحنين.
كان أبو طلحة قد خطبها وهو يومئذ مشرك فقالت له: مثلك لا يرد ولكنك مشرك، فإن أسلمت قبلتك وكان ذلك صداقي.. أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم لا تضر ولا تنفع ولو أشعلت فيها النار لا حترقت ... فانصرف عنها وفي قلبه من كلامها شيء ثم أتاها وقال لها قبلت الذي عرضت علي فتزوجها على الإسلام فما كان لها مهر غير ذلك.
وأما قصتها مع زوجها أبي طلحة وابنه فهي باختصار كما في الصحيحين وغيرهما عن أنس رضي الله عنه قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي (مريض) فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني قالت أم سليم -وهي أم الصبي- هو أسكن ما كان، فقربت له العشاء فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟ (المراد الجماع) قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما فولدت غلاماً، فقال لي أبو طلحة: احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فبعث معه بتمرات فقال: أمعه شيء؟ قلت: نعم تمرات، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في في الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله. وفي رواية للبخاري: فقال رجل من الأنصار فرأيت له تسعة أولاد كلهم قد قرأوا القرآن من أولاد عبد الله المولود.
ولتفاصيل هذه القصة يرجى الاطلاع على صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتب السنن والسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(3/132)
لمحات من سيرة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو عن: السيدة زينب رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حياتها ومماتها؟ ولكم وافر الشكر، وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زينب هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة بنت خويلد وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم -فولدت له أبناءه كلهم إلا إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمه مارية القبطية المصرية رضي الله عنها.
وزينب هي كبرى بناته وقد ولد قبلها أخوها الأكبر القاسم الذي كان يكنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوجت زينب رضي الله عنها بأبي العاص بن الربيع قبل البعثة ... فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به، وأرادت قريش من أبي العاص أن يطلقها كما طلق أبناء أبي لهب أم كلثوم ورقية فرفض رضي الله عنه وظل معها محسنا صحبتها حتى وقعت معركة بدرا فأسر أبو العاص مع أسرى قريش فلما بعثت قريش فداء أسراها بعثت زينب رضي الله عنها قلادتها في فداء زوجها فمن المسلمون عليه وأطلقوا سراحه دون مقابل وقد تعهد للنبي صلى الله عليه وسلم بإرسال زينب إليه فوفى بعهده وأرسلها إليه معززة مكرمة.
وقبل فتح مكة خرج أبو العاص في تجارة لقريش إلى الشام وفي طريق العودة لقيته سرية من سرايا المسلمين فأخذوا قافلته وهرب هو حتى إذا جاء الليل دخل خفية على زوجته زينب واستجار بها فأجارته، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر قامت زينب من بين صفوف النساء وصرخت: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع ... فقال النبي صلى الله عليه وسلم.. والذي نفسي بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم، وإنه يجير على المسلمين أدناهم، ثم ذهب إليها صلى الله عليه وسلم فقال لها: أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له.
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى السرية الذين أخذوا ماله فقال لهم: إن هذا الرجل منا حيث علمتم وقد أصبتم له مالا فإن تحسنوا وتردوه فإنا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فَيْءُ الله فأنتم أحق به، قالوا: بل نرده، فردوه كله، ثم ذهب به إلى مكه فأدى إلى كل ذي مال ماله، ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي شيء، قالوا: لا فجزاك الله خيراً، قال: فإني أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا خوف أن تظنوا أني أردت أكل أموالكم، ثم هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها فعاشت معه بقية حياتها ... توفيت زينب رضي الله عنها سنة ثمان من الهجرة فغسلتها أم عطية رضي الله عنها ونساء معها فأعطاهن النبي صلى الله عليه وسلم حقوه وقال: أشعرنها إياه.. وكان صلى الله عليه وسلم يحبها ويثني عليها، وهي أم أمامة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حملها في الصلاة، وتزوجها علي رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة، وانظر لما ذكرنا سيرة ابن هشام، والسير للذهبي، والبداية والنهاية لابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1425(3/133)
من الأدلة الدالة على خلق حواء من ضلع آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الأحاديث الصحيحة عن خلق حواء من ضلع آدم، ولماذا خلقت من ضلع أعوج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت أحاديث كثيرة تبين أن المرأة (حواء عليها السلام) خلقت من ضلع، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ للبخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً.
فهي عليها السلام مخلوقة من ضلع آدم عليه السلام كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1] ، قال العلماء: خلقها منه وأخرجها منه كما تخرج النخلة من النواة أو النبتة من البذرة.
وأما الشطر الثاني من السؤال فالله أعلم به ولكننا ننبه السائل الكريم إلى أن ذلك لا بد أن يكون لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فالله تعالى لم يخلق شيئاً عبثاُ ولا يلزم من ذلك أن يعلم الناس الحكمة من وراء كل شيء أو كل خلق أو كل تشريع.
فهو سبحانه وتعالى الخالق لما يشاء لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 23346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1425(3/134)
جمع الله لداود الملك والحكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة في ذكر إيتاء الحكمة لدوواد بعد ذكر قتله لجالوت في سورة البقرة 251؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد امتن الله سبحانه وتعالى على عبده داود عليه السلام بنعم كثيرة ذكر بعضها في هذا الموضع في ختام قصة الملإ من بني إسرائيل وطالوت وجالوت، وذكر بعضها في مواضع أخرى، مثل قوله تعالى: [وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا] (سبأ: 10-11) . وقوله: [وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ] (الأنبياء: 79-80) . وقوله تعالى: [وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ] (ص: 17-20) .
وجاء ذكر هذه النعمة العظيمة (الملك والنبوة وتعليم العلم (لداود في قوله تعالى: [وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ] (البقرة: 251) تعقيبا على جهاده في سبيل الله وبلائه البلاء الحسن في تلك المعركة التاريخية من معارك الإيمان والكفر، والتي قتل فيها داود عليه السلام رأس الكفر والطغيان جالوت، فكان ذلك بمنزلة المكافأة له على صبره وبلائه وجهاده.
ولهذا قال المفسرون: جمع الله تعالى لداود الملك أي السلطان والحكمة وهي النبوة ولم تكن تجمع لأحد قبله بعد ما قتل جالوت، فقد وعده طالوت أن يزوجه ابنته ويشركه في ملكه إذا قتل جالوت، فوفى له بوعده وآل إليه الحكم بعد وفاة طالوت. قال الله تعالى: [وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ] (البقرة: 251) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1425(3/135)
ابن أمير المؤمنين الذي جلد في شرب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان لعمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - ابن أقام
عليه الحد من الخمر؟؟؟ ما اسمه؟؟؟ ومتى ولد؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ما يلي:
وقد روي عن عمر بن الخطاب أن ابنه عبد الرحمن لما شرب الخمر بمصر وذهب أخوه إلى أمير مصر عمرو بن العاص ليجلده الحد جلده الحد سرا، وكان الناس يجلدون علانية فبعث عمر بن الخطاب إلى عمرو ينكر عليه ذلك ولم يعتد عمر بذلك الجلد حتى أرسل إلى ابنه فأقدمه المدينة فجلده الحد علانية ولم ير الوجوب سقط بالحد الأول وعاش ابنه بعد ذلك مدة ثم مرض ومات ولم يمت من ذلك الجلد ولا ضربه بعد الموت كما يزعمه الكذابون. انتهى.
ولم نقف على تاريخ ميلاد الولد المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(3/136)
اسم ابن نوح الذي كان من المغرقين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم ابن نوح الغريق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلفت الرواية في اسم ابن نوح الذي لم يسلم وكان من المغرقين، فقال ابن كثير في تفسيره: هذا هو الابن الرابع واسمه يام، وكان كافرا ... (2/586) ومثل ذلك في تفسير الطبري، وفي تفسير البيضاوي أن اسمه كنعان، وقال القرطبي: " ونادى نوح ابنه: قيل كان كافرا، واسمه كنعان، وقيل يام ". (9/35) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(3/137)
قصة مالك بن دينار وشربه للخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل قصة مالك بن دينار وشربه للخمر وابنته التي ماتت ورؤيته للثعبان في المنام صحيحة؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه القصة ذكرها الإمام ابن الجوزي في كتاب التوابين، وذكرها العجلوني في كتاب كشف الخفاء عند ذكر حديث: أطفال المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة..، فقال: ومما يناسب هنا ما حكاه الأستاذ أبو الحسن البكري في نبذته المتعلقة بالكلام على ليلة النصف من شعبان عن الإمام ابن الجوزي ... وذكر القصة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1424(3/138)
أقوال العلماء في اسم أم موسى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو اسم والدة سيدنا موسى عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اسم أم موسى عليه السلام ذكر فيه العلماء عدة أقوال وكلها مأخوذة من الإسرائيليات، فقيل اسمها أيارخا، وقيل أياذخت، وقيل يوحاند، وقيل بادونا، وليراجع في ذلك تفسير القرطبي وابن الجوزي والبغوي، وفتح الباري والبداية والنهاية والإتقان في علوم القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1424(3/139)
قصة الصحابي الذي نسج العنكبوت عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابي الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم لقتل أحد رموز الكفر والذي اختبأ بالغار ثم نسج العنكبوت على الغار لكي لا يراه اليهود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحابي المذكور هو عبد الله بن أنيس الجهني، فقد ذكر ابن سعد سرية عبد الله بن أنس إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي بعرنة، فقال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سفيان بن خالد الهذلي ثم اللحياني وكان ينزل عرنة وما والاها في ناس من قومه وغيرهم قد جمع الجموع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس ليقتله، فقال: صفه لي يا رسول الله، قال: إذا رأيته هبته فرقت منه وذكرت الشيطان. قال: وكنت لا أهاب الرجال، واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول فأذن لي، فأخذت سيفي وخرجت أعتزي إلى خزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ووراءه الأحابيش ومن ضوى إليه، فعرفته بنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته، فرأيتني أقطر فقلت: صدق الله ورسوله، فقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك، قال: أجل إني لأجمع له فمشيت معه وحدثته واستحلى حديثي، حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه، حتى إذا هدأ الناس وناموا اغتررته فقتلته وأخذت رأسه، ثم دخلت غاراً في الجبل وضربت العنكبوت علي، وجاء الطلب فلم يجدوا شيئاً فانصرفوا راجعين. الطبقات الكبرى.
ونسج العنكبوت على عبد الله بن أنيس ذكره محمد بن الحسن الشيباني في كتاب السير الكبير، والواقدي في المغازي، وابن سمعون في أماليه، وعلي الحلبي في السيرة الحلبية، وهذه القصة رواها الإمام أحمد دون ذكر العنكبوت في المسند، وكذا أبو داود باختصار وضعفها الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1429(3/140)
الصحابي الذي تحققت رؤياه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابى الذى كانت تتحقق رؤياه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أحدا من الصحابة اشتهر دون بقيتهم بأنه كلما رأى رؤيا تحققت. وإذا كنت تسأل عن صاحب الرؤيا المشهورة في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فهو عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه، وقصته أنه كان قد خرج مع قومه بني غطفان يوما حاجا إلى مكة في الجاهلية، فرأى في منامه وهو بمكة نورا ساطعا من الكعبة أضاء كل ما حولها حتى أضاء جبل يثرب، وأضاء قصور الحيرة والمدائن، وسمع صوتا وسط النور يقول انقشعت الظلماء، وسط الضياء، وبعث خاتم الأنبياء، وظهر الإسلام، وكسرت الأصنام، ووصلت الأرحام. فاستيقظ فزعا ثم نادى على قومه وحكى لهم رؤياه ثم قال والله ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث.
وبعد أن عاد إلى بلده، سمع أن رجلا من قريش اسمه محمد يدعو إلى عبادة الله الواحد الأحد، فأسرع إلى مكة، وقابل الرسول- صلى الله عليه وسلم -: وأخبره بالرؤيا التي رآها في منامه، فقال له رسول الله: يا عمرو بن مرة أنا النبي المرسل إلى العباد كافة أدعوهم إلى الإسلام، وآمرهم بحقن الدماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله وحده ورفض الأصنام، فقال: أشهد أن إله إلا الله وأنك رسول الله، آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وإن رغم ذلك كثير من الأقوام.
وقد أخرج هذا الخبر الطبراني وابن عساكر وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(3/141)
آثار تجسد صدق الصحابة الكرام رضي الله عنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إعطاء أمثلة واقعية من حياة الصحابة رضي الله عنهم تجسد فيه الصدق وظهوره فيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم مظاهر الصدق في حياة الصحابة رضي الله عنهم ما في الصحيحين عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب كان قائد كعب من بنيه حين عمى قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحداً تخلف عنه، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، واستقبل عدواً كثيراً فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد بذلك الديوان، قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئاً، وأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئاً، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم فيا ليتني فعلت ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك، قال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو على ذلك رأى رجلاً مبيضاً يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون، فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب وأقول بم أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك، كل ذي رأى من أهلي، فلما قيل لي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبداً، فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله، حتى جئت فلما سلمت تبسم تبسم المغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك، قال: قلت: يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك، فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي قال: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد، قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، قال: قلت: من هما، قالوا: مرارة بن ربيعة العامري، وهلال بن أمية الواقفي، قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما إسوة، قال: فمضيت حين ذكروهما لي، قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبنا الناس وقال تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطواف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا، ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي في جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله ورسوله، قال: فسكت فعدت فناشدته فسكت فعدت فناشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك، قال: فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك غسان وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه: أما بعد ... فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك، قال: فقلت: حين قرأتها وهذه أيضاً من البلاء فتياممت بها التنور فسجرتها بها حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل، قال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها، قال: فأرسل إلي صاحبي بمثل ذلك، قال: فقلت: لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: له يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه، قال: لا، ولكن لا يقربنك، فقالت: إنه والله ما به حركة إلي شيء، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب، قال: فلبثت بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حيث نهى عن كلامنا، قال: ثم صليت الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا قد ضاقت على نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر، قال فخررت ساجداً وعرفت أن قد جاء فرج، قال فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، قال فكان كعب لا ينساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور ويقول: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، قال: فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله، فقال: لا بل من عند الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأن وجهه قطعة قمر قال: وكنا نعرف ذلك، قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله: أمسك بعض مالك فهو خير لك، قال: فقلت: فأني أمسك سهمي الذي بخيبر، قال: وقلت: يا رسول الله إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، قال: فوالله ما علمت أن أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقى، قال: فأنزل الله عز وجل: لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.. حتى بلغ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ. قال كعب: والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كماهلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ {التوبة:95-96} ، قال كعب كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول صلى الله وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك، قال الله عز وجل: وعلى الثلاثة الذين خلفوا. وليس الذي ذكر الله مما خلفنا تخلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. انتهى.
وعن شداد بن الهاد: أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبياً فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: قسمته لك قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك. فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه: ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه عليه، فكان فيما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك. رواه النسائي وقال الشيخ الألباني: صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(3/142)
دفن إبي أيوب الأنصاري في القسطنطينية
[السُّؤَالُ]
ـ[شهادة ودفن سيدنا أبي أيوب الأنصاري في القسطنطينية متى, وهل كان بعد فتحها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد كانت محاولة فتح القسطنطينية عام (52هـ) ، وهي المعركة التي توفي فيها أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وقد طلب من يزيد بن معاوية أمير الجيش أن يحمل جثمانه فوق فرسه، ويمضي به أطول مسافة ممكنة في أرض العدو، وهنالك يدفنه، ثم يزحف بجيشه على طول الطريق حتى يسمع وقع حوافر خيل المسلمين فوق قبره فيدرك آنئذ أنهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز، وقد دفن رضي الله عنه في قلب القسطنطينية (اسطنبول) مع سور المدينة، وكان استشاهده في حصارها -كما ذكر ابن خلدون في تاريخه- مما يفيد أن وفاته كانت قبل انتهاء المعركة، وراجع الفتوى رقم: 39642.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(3/143)
ديون الزبير وما تحصل من بيع أملاكه بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الكريم:
في صحيح البخاري في كتاب فرض الخمس حديث رقم 3129 أن الزبير بن العوام كانت ديونه اي ألف ومائتي ألف..
.. فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف.
لقد أشكل علي والمعروف أن ألف ألف مليون فهل كان عليه أكثر من مليونين من الديون..
لقد أشكل علي أرجو منكم توضيح هذه الأرقام بلغة عصرنا وبيان ذلك كما عودتمونا مع جزيل الشكر وفقكم الله تعالى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبه السائل إلى أن الديون التي كانت على الزبير كان مبلغها مليونين ومائتي ألف، وقد ترك الزبير رضي الله عنه ما تقضى به وأكثر منه، فكان لكل من زوجاته الأربع بعد الدين والوصية ربع الثمن وهو حوالي مليون ومائتي ألف.
وراجع شرح فتح الباري للزيادة والتوضيح حول كلام أهل العلم في قضية مبلغ المال وتقسيم التركة، فقد فصل في الروايات المذكورة في تركة الزبير، وذكر أن بعض الرواة قد يكون ترك الكسر أو كمله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(3/144)
لا يدخل الكافر والمنافق في مسمى الصحابة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن الأعراب جزء من الصحابة (لكن قولوا أسلمنا) فكيف تقولون إن الصحابة كلهم عدول مع أن الله يقول فيهم: الأعراب أشد كفراً ونفاقا؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الصحابة عدول بإجماع من يعتد به في الإجماع، ولا يدخل في مسمى الصحابة أهل الكفر والنفاق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدالة الصحابة محل إجماع عند علماء السلف، وأما من كان من الأعراب منافقاً كافراً وأسلم بلسانه ولم يؤمن بقلبه فلا يدخل في مسمى الصحابة، وأما من آمن منهم حقيقة فهو من الصحابة العدول، وقد فرق الله في كتابه بين الأعراب (الكفار والمنافقين) وبين الأعراب المؤمنين، فقال تعالى في المؤمنين منهم: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {التوبة:99} ، وقال في المنافقين والكفار: الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَعَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {التوبة:97-98} .
وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 62826، 19304، 26368، 47533، 36680.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1428(3/145)
توضيح حول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة بأن يحب من جميع المؤمنين تقتصر على حياته أم أبدية إذ نجد اليوم من حتى لا يعترف برواياته في الأحاديث ثم هل أني بسؤالي هذا قد اغتبت الصحابي رضي الله عنه؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم حبب عبيدك هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين، فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.
وظاهر هذا الحديث أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم هذه لأبي هريرة رضي الله عنه لا تقتصر على حياته وإنما هي أبدية، لأن لفظ المؤمنين في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على العموم، كما أن عبارة: فما خلق مؤمن في كلام أبي هريرة هي نكرة في سياق النفي، وهي من صيغ العموم أيضاً.
وعليه فإنه يخشى على إيمان من لا يحبون أبا هريرة أو لا يعترفون بروايته للحديث، وأما سؤالك عما إذا كانت بهذا السؤال قد اغتبت هذا الصحابي رضي الله عنه، فجوابه أن هذا لا يعد غيبة، بل هو استفتاء، وقد قال الناظم: القدحُ ليس بغيبة في ستّة * متظلّم ومعرِّفٍ ومحذّرِ
ولمُظهرٍ فسقاً ومستفتٍ ومَن * طلب المعونة في إزالة منكرِ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(3/146)
قائد المسلمين في معركة أجنادين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابي الذي قاد معركة أجنادين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم أن وقعة أجنادين أول وقعة بين المسلمين والروم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وكان على الناس يومئذ عمرو بن العاص رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1428(3/147)
هل يوجد صحابي ظهر في يده نور عرش الرحمن
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابى الذى ظهر فى يده نور عرش الرحمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم دليلا صحيحا ولا ضعيفا أن أحدا من الصحابة ظهر في يده نور عرش الرحمن، ولكن ثبت في البخاري أن أسيد بن الحضير ورجلا من الأنصار وفي رواية عبادة بن بشير خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا فتفرق النور معهما.
وليس في هذا الحديث أنه نور عرش الرحمن، وليس فيه أن النور خرج من أيديهما، وإنما بين أيديهما أي أمامهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1428(3/148)
نبذة عن أبي مسعود البدري وشداد بن أوس وتميم الداري رضي الله عنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[شيوخنا الكرام بارك الله فيكم.. وجزاكم الله عنا خيراً، أريد السؤال عن صحابي هو أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، هل شهد غزوة بدر، أيضا أريد أن أعرف هل أبو يعلى شداد بن أوس هو أخ لأبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنهم، أرجو إجابة بأسرع وقت ممكن لو سمحتم لأن اليوم عندي درس ولازم أعرف أنا بحثت كثيرا لكن لم أجد جوابا عن سؤالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحابي الجليل أبا مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة أنصاري لم يشهد بدراً -على الصحيح- كما قال الذهبي في السير، وإنما نزل ماء بدر فاشتهر بذلك، وهو ممن شهد بيعة العقبة الثانية وكان أصغر القوم، وشهد أحداً وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معدود من علماء الصحابة، نزل الكوفة وبنى بها دارا، واستخلفه علي رضي الله عنه على الكوفة عندما خرج إلى صفين، وتوفى بالمدينة سنة إحدى وأربعين.
وأما أبو يعلى فهو شداد بن أوس بن ثابت.. الخزرجي الأنصاري وهو ابن أخي حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من فضلاء الصحابة وعبادهم جمع بين العلم والحكمة والعبادة والجهاد.. ولا علاقة له بتميم بن أوس الداري من جهة النسب ... ولاه عمر رضي الله عنه إمارة حمص، ولما قتل عثمان اعتزل الفتنة وتفرغ للعبادة والعلم.. حتى توفي ببيت المقدس سنة ثمان وخمسين عن خمس وسبعين سنة.
وأما تميم بن أوس الداري فهو أبو رقية تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة اللخمي الفلسطيني والداري نسبة إلى الدار بطن من لخم، ولخم فخذ من يعرب بن قحطان وفد تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع فأسلم وكان نصرانياً، ثم انتقل إلى الشام بعد مقتل عثمان فنزل ببيت المقدس، وكان كثير التهجد والعبادة توفي سنة أربعين رضي الله عنه، ويمكن أن تطلع على المزيد عن هؤلاء الأعلام في كتاب السير للذهبي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1428(3/149)
قصة إسلام صهيب الرومي
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم أود معرفة قصة إسلام صهيب الرومي رضي الله عنه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عمار بن ياسر أنه قال: لقيت صهيبا على باب دار الأرقم وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلنا فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا ثم مكثنا يوما على ذلك حتى أمسينا فخرجنا ونحن مستخفون.
وذكر الذهبي أن صهيبا كان في قوم من المسلمين يعذبهم المشركون بسبب الإسلام، وأن الكفار ألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ، فأعطوهم ما سألوا يعني التلفظ بالكفر فجاء كل رجل قومه بأنطاع فيها الماء فألقوهم فيها إلا بلالا، وأنه نزل فيهم قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {النحل:110}
وقد ذكر ابن حجر في الإصابة أنه لما هاجر تبعه نفر من المشركين فسئل فقال يا معشر قريش إني من أرماكم ولا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم معي ثم أضربكم بسيفي، فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه، فرضوا فعاهدهم ودلهم، فرجعوا فأخذوا ماله، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ربح البيع. فأنزل الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ {البقرة: 207} وروى ذلك ابن سعد.
وقال ابن حجر: وروى الحميدي والطبراني من حديث صهيب من طريق الستة عنه قال: لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة إلا كنت حاضرها، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزاة إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدو قط حتى توفي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1428(3/150)
سبب اختيار علي الكوفة دارا للخلافة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال وهو: لماذا ترك علي بن أبي طالب رضي الله عنه المدينة التي كانت مركز الخلافة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وتوجه إلى الكوفة مع أنها كانت مركزا للفتن والمؤامرات واجتمع بها قتلة عثمان رضي الله عنه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بويع علي رضي الله عنه بالمدينة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، قال السيوطي في تاريخ الخلفاء نقلا عن ابن سعد: بويع علي بالخلافة الغد من قتل عثمان بالمدينة، فبايعه جميع من كان بها من الصحابة رضي الله عنهم.... ثم خرج منها إلى البصرة ... لما علم بخروج عائشة وطلحة والزبير إليها يطلبون دم عثمان ... فكانت واقعة الجمل ... وأقام على البصرة خمس عشرة ليلة.
وبعد المعركة أسند ولاية البصرة إلى عبد الله بن عباس وانصرف إلى الكوفة ليستعد لإخضاع معاوية بن أبي سفيان أمير الشام الذي أعلن المعارضة من دون الولاة، وحاول الخليفة أن يحسم الأمر بالحسنى والسلم، لكن المفاوضة بينهما لم تصل إلى حل يحقن الدماء لإصرار معاوية على مطلبه بتسليم قتلة عثمان ليقتلوا به، ثم يكون الأمر للأمة إن شاءت اختارت عليا وإن شاءت رفضت بيعته.
وهكذا انفرط عقد الأمور من يد علي رضي الله عنه، فاستقل معاوية بالشام وأعلن نفسه خليفة، وخرجت مصر واليمن ومكة والمدينة نفسها والبصرة، ولم يبق لعلي إلا الكوفة فاستقر بها ومن ثم كانت دار الخلافة.
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: إن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم.
وربما كانت هناك أسباب أخرى رآها علي رضي الله عنه لم يعلنها أو لم نقف عليها فيما اطلعنا عليه، ولا ضرورة لتقصي ذلك، فعلى فرض العلم به فإنه لا يفيد المرء دينا أو دنيا، والعاقل إنما يفني وقته وجهده فيما ينفعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1428(3/151)
من شجعان الصحابة رضي الله عنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أقوى الصحابة في القتال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شجعانا أقوياء في الحق والجهاد في سبيل الله وقتال أعداء الله، فقد رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصبر والجهاد والقوة في الحق والزهد في الدنيا، وتشربوا هذه المعاني من القرآن الكريم والاقتداء بنبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم وكان ممن تحدث الركبان بشجاعتهم وتواترت الأخبار بقوتهم على بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعبادة بن الصامت، وسعد بن عبادة، وأبو دجانة، والقعقاع بن عمرو التيمي، والمثنى بن حارثة الشيباني، وكان بعضهم يقدر بألف رجل، فقد طلب عمرو بن العاص المدد من الخليفة عمر رضي الله عنه عندما أبطأ عليه فتح مصر فأمده عمر بأربعة الآف رجل على كل ألف رجل يقوم مقام الألف وهؤلاء هم: الزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مخلد، انظر كنز العمال.
وقال عمر رضي الله عنه عن القعقاع بن عمرو: لا يهزم جيش فيهم هذا، وقال عنه أبو بكر رضي الله عنه: صوته في الجيش خير من ألف رجل.
وبإمكانك أن تطلع على تفاصيل قوتهم وشجاعتهم بقراءة أخبارهم وأيامهم من موقعة بدر الكبرى إلى فتوح الشام وفارس، وتجد ذلك مفصلا في كتب السيرة والتاريخ والأعلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1428(3/152)
مواقع تهتم بسير الصحابة رضي الله عنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنكم إعطائي بعض المواقع الموثوق بها والتي تحكي قصصا عن سيرة الصحابة رضى الله عنهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبإمكان الأخ السائل الدخول على موقع خاص بسيرة الصحابة رضوان الله عليهم واسم الموقع هو (موقع الصحابة) تحت هذا الرابط مباشرة:
www.al-sahabah.com
وكذلك يوجد موقع آخر خاص بسيرة الصحابة رضوان الله عليهم تحت هذا الرابط:
www.shaabah.jeeran.com
وبإمكان الأخ السائل الوصول إلى هذين الموقعين عن طريق محرك البحث الشهير (google) تحت اسم موقع الصحابة، وانظر الفتوى رقم: 32291، حول بعض الكتب المصنفة في الصحابة رضي الله عنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1427(3/153)
أول فارس في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أول فرسان الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أول فارس في الإسلام هو الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، وفي ذلك يقول أحد أحفاده كما في السير للحافظ الذهبي:
جدي ابن عمة أحمد ووزيره * عند البلاء وفارس الشقراء
وغداة بدر كان أول فارس * شهد الوغى في اللامة الصفراء
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1427(3/154)
الصحابي الذي لقب بالمنحور
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الملقب بالمنحور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالملقب بالمنحور هو الصحابي كلثوم بن الحصين بن خلف بن عبيد أبو رهم الغفاري، جاء في الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر: كلثوم بن الحصين بن خلف بن عبيد أبو رهم الغفاري ... أسلم بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولم يشهد بدراً وشهد أحداً، وكان ممن بايع تحت الشجرة، وكان إذ شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً قد رمي بسهم في نحره فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق فيه فكان أبو رهم يسمى المنحور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1427(3/155)
بطلان ما نسب إلى عمرو بن العاص يوم صفين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنشد أحد الحاضرين البيت التالي: ولا خير في رد الردي بمذلة إلى آخره، وقال إن عمرو المذكور هو عمرو بن العاص، فهل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبيت المذكور هو من قصيدة طويلة لأبي فراس الحمداني أنشأها في السجن يقول في مطلعها:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر * أما للهوى نهي عليك ولا أمر
إلى قوله:
ولا خير في دفع الردى بمذلة * كما ردها يوما بسوءته عمرو ...
وقد ذكرها الثعالبي في ثمار القلوب قال عبد الرحيم العباسي في معاهد التنصيص على شواهد التخليص: يريد (الشاعر) عمرو بن العاص رضي الله عنه لما ضربه علي رضي الله عنه يوم صفين فاتقاه بسوأته كاشفا عنها فأعرض وقال عورة المرء حمى.... ووقع مثل ذلك لبشر يقول الحارث بن النضر السهمي:
أفي كل يوم فارس ليس ينتهي * وعورته وسط العجاجة باديهْ
يكف بها عنه علي سنانه * ويضحك منه في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بشر مثلها حذو حاذية ... ألخ.
إذاً فالبيت لأبي فراس والمقصود بعمرو فيه كما قالوا هو عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولكنه خبر من أخبار الشعراء والأدباء وروايتهم فيها ما فيها، وقد قال الله تعالى: وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ {الشعراء:224-225-226} ، وكل من ذكر تلك القصة هم من مناوئي عمرو بن العاص ومعاوية ولا تقبل شهادة الخصم على خصمه فهو ظنين، ولذا قيل تاريخ الأمويين كتبه العباسيون وهم خصومهم فزادوا فيه ونقصوا فينبغي الحذر كل الحذر.
والخلاصة: أن هذا الخبر لا يثبت به شيء سيما في حق أحد الصحابة الكرام ودهات العرب وعظماء الإسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1427(3/156)
الصحابي الذي سأل الله أن يعمي بصره بعد موت رسول الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابي الذي قال عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم خذ بصري حتى لا أرى أحداً بعد رسول الله؟، فأخذ الله بصره.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقائل هذه العبارة هو الصحابي الجليل عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي أري الأذان في منامه كما أفاد ذلك القرطبي في تفسيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1427(3/157)
الصحابي الذي ولد في جوف الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[من الصحابي الذي ولدته أمه وهي تطوف حول الكعبة؟ أريد أن أعرف موقعا يعطيني معلومات عن الصحابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ولد حكيم بن حزام رضي الله عنه داخل الكعبة نص على ذلك مسلم في صحيحه: فقال: ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة وعاش مئة وعشرين سنة. وذكر الحاكم في مستدركه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولدته أمه فاطمة بنت أسد في جوف الكعبة.
وأما طلبك عنوان موقع يفيدك عن سير الصحابة وأخبارهم فنقول إن أغلب المواقع الإسلامية يمكن الدخول عليها في ذلك وهذا عنوان أحدها:
www.altareekh.com
وإذا دخلت عليه فتصفح مكتبة المشكاة ونزل منها من كتب السير والتاريخ ما تشاء, وننصحك بكتاب الذهبي سير أعلام النبلاء, والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1427(3/158)
صحابة ولدوا لآباء كانوا من صناديد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم صناديد الكفر الذين أخرج الله من أصلابهم صناديد الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصناديد الكفر الذين عارضوا الإسلام ودعوته كثيرون بعضهم دخل في الإسلام, وبعضهم مات على الكفر عياذا بالله, وأغلب أبنائهم دخلوا في الإسلام. وممن يذكر هنا خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ فوالده الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم كان من صناديد الكفر, وعكرمة بن أبي جهل ـ رضي الله عنه ـ والده أبو جهل كان من أعتى صناديد الكفر, ومنهم عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول ـ رضي الله عنه ـ قال ابن حجر في الإصابة: وكان أبوه رأس المنافقين, ومنهم عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ فأبوه العاصي بن وائل السهمي كان من صناديد الكفر, ومنهم أبوعبيدة بن الجراح ـ رضي الله عنه ـ كان والده الجراح من صناديد الكفر وتعرض له يوم بدر فقتله وفيه نزلت الآية: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْ مُفْلِحُونَ) {المجادلة:22}
كما ذكر ابن كثير وغيره
وهكذا فإن صناديد الكفر الذين ماتوا عليه وقد أخرج الله من أصلابهم صناديد في نصرة الإسلام كثير. وللاستزادة انظر كتب التاريخ والسير. فالموقع مشغول عن استقصائهم واحدا واحدا وقد ضربنا لك أمثلة تقرب لك ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(3/159)
محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ليس لدي سؤال ولكن لدي استفسار.... بحثت كثيراً عن أقوال الصحابة في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أجد رداً على بحثي في موقعكم، أم الخطأ في تصفحي أو أنكم لم تدرجوا موضوعا عن هذا البحث؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية لمعرفة أقوال بعض الصحب في حبه صلى الله عليه وسلم: 29056، 61088، 56599، ويمكنك الاطلاع على النصوص مخرجة عند البحث عنها في مكتبة الشبكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(3/160)
صحابة كان للعقيدة أثر عظيم في حياتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لو سمحتم أريد قصة قصيرة يتبين فيها أثر العقيدة في حياة أحد الصحابة الكرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقصص المأثورة عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم تدل جميعها على مدى تأثير العقيدة في نفوسهم وإيمانهم بوعد الله وتضحيتهم من أجل ذلك، فهم كما وصفهم الله تعالى بقوله: رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا {الأحزاب: 23} وللوقوف على نماذج من سيرهم العطرة وتضحيتهم من أجل عقيدتهم انظر سيرة بلال بن رباح وتعذيب قريش إياه ليصدوه عن دينه وهو يقول أحد أحد، وكذلك خبيب رضي الله عنه وعمار وسمية وحبيب بن زيد يوم استعذب العذاب في الله من مسيلمة فقطع جسده مزقا وهو يشهد أن محمدا رسول الله وأن مسيلمة كذاب، وكذا قصة عبد الله بن حذافة السهمي،وغيرها من قصص القوم وثباتهم وتضحيتهم من أجل عقيدتهم في مواطن يعز فيها الإباء وتتزعزع الثوابت لكنهم ثبتوا، ولنا فيهم معاشر المسلمين أسوة حسنة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن وأوشك أن يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا، وانظر في تراجم أولئك وسيرهم البداية والنهاية لابن كثير وتاريخ الطبري وسيرة ابن هشام والروض الأنف للسهيلي ورجال حول الرسول وحياة الصحابة وغيرها من كتب التاريخ والسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1427(3/161)
عدة أصحاب الصفة وطرف من أخبارهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد أصحاب الروضة وما هي أسماؤهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت أيها السائل الكريم تقصد أصحاب الصفة فقد بوب البخاري لهم فقال: باب نوم الرجال في المسجد وقال أبو قلابة عن أنس قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا في الصفة وقال عبد الرحمن بن أبي بكر كان أصحاب الصفة الفقراء.
وذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو أحدهم قال: رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته.
وكان من خبرهم كما عند البيهقي من حديث عثمان بن اليمان قال: لما كثر المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم دار ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وسماهم أصحاب الصفة فكان يجالسهم ويأنس بهم وروينا عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن النوم في المسجد فقال: فأين كان أهل الصفة يعني ينامون فيه. انتهى.
ونقل الحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقد كان أصحاب الصفة سبعين رجلا ما لهم أردية. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قال الحاكم تأملت هذه الأخبار الواردة في أهل الصفة فوجدتهم من أكابر الصحابة رضي الله عنهم ورعا وتوكلا على الله عز وجل وملازمة لخدمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، اختار الله تعالى لهم ما اختاره لنبيه صلى الله عليه وسلم من المسكنة والفقر والتضرع لعبادة الله عز وجل وترك الدنيا لأهلها ... قال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم. وفي تحفة الأحوذي قال: هم زهاد من الصحابة فقراء غرباء وكانوا سبعين ويقلون حينا ويكثرون حينا يسكنون صفة المسجد لا مسكن لهم ولا مال ولا ولد وكانوا متوكلين ينتظرون من يتصدق عليهم بشيء يأكلونه ويلبسونه. ومنهم أبو هريرة كما في صحيح ابن حبان، وسالم بن عبيد كما في كنز العمال، والعرباض بن سارية كما في المصنف لابن أبي شيبة، وواثلة بن الأسقع كما عند الطبراني، وقيس الغفاري وطلحة بن عمرو كما في المسند وغيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
وأما أصحاب الروضة فلم نقف على خبر في ذلك فيما اطلعنا عليه ولعلك تقصد أصحاب الصفة ولذا ذكرنا لك طرفا من أخبارهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(3/162)
زوجات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
[السُّؤَالُ]
ـ[من هن زوجات الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فصل ابن سعد رحمه الله في طبقاته القول في زوجات أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ونسبهن وأبنائهن فقال: وكان لعمر من الولد عبد الله، وعبد الرحمن، وحفصة وأمهم زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وزيد الأكبر ورقية وأمهما أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيد الأصغر وعبيد الله قتل يوم صفين مع معاوية وأمهما أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو من خزاعة، وكان الإسلام فرق بين عمر وبين أم كلثوم بنت جرول، وعاصم وأمه جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح واسمه قيس بن عصمة بن مالك بن أمة بن ضبيعة بن زيد من الأوس من الأنصار، وعبد الرحمن الأوسط وهو أبو المجبر وأمه لهية أم ولد، وعبد الرحمن الأصغر وأمه أم ولد، وفاطمة وأمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وزينب وهي أصغر ولد عمر وأمها فكيهة أم ولد، وعياض بن عمر وأمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ... وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم أم عاصم بن عمر وكان اسمها عاصية قال لا بل أنت جميلة.
وذكر العيني في عمدة القاري أن عمر رضي الله عنه كانت له زوجة أخرى واسمها قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة فرق الإسلام بينهما لما نزل قوله تعالى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ {الممتحنة: 10} فتركها هي وأم كلثوم بنت جرول الخزاعية.
هذا ما وقفنا عليه من زوجاته رضي الله عنه ونرجو أن يكون فيه جواب سؤالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(3/163)
أول من سل سيفا في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أول من سل سيفا في سبيل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أول من سل سيفاً في سبيل الله هو الزبير بن العوام رضي الله عنه، فقد رواه عبد الرزاق والطبراني والزبير بن بكار عن عروة بن الزبير، وقال الهيثمي في سند الطبراني: رجاله ثقات، وذكره غير واحد من أهل العلم منهم ابن عبد البر وابن كثير وابن الجوزي والذهبي وابن حجر والعيني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1426(3/164)
فضل عمربن الخطاب وموافقاته للقرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أمكن يا فضيلة الشيخ أن تسرد الأيات التي وافقت عند نزولها كلام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الأحاديث التي خصها به سيد الخلق محمد صلى عليه وآله وصحبه وسلم وبعض الصحابة رضي الله عنهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء، والهيثمي في مجمع الزوائد كثيراً من الأحاديث النبوية وأقوال الصحابة في فضل عمر رضي الله عنه، وقد فصل السيوطي في بيان موافقات الوحي لكلام عمر فقال: فصل في موافقات عمر رضي الله عنه: قد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين، أخرج ابن مردويه عن مجاهد قال: كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن، وأخرج ابن عساكر عن علي قال: إن في القرآن لرأيا من رأي عمر. وأخرج عن ابن عمر مرفوعاً ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر.
وأخرج الشيخان عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى. وقلت: يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت كذلك.
وأخرج مسلم عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث في الحجاب وفي أساري بدر وفي مقام إبراهيم ففي هذا الحديث خصلة رابعة، وفي التهذيب للنووي: نزل القرآن بموافقته في أسرى بدر وفي الحجاب وفي مقام إبراهيم وفي تحريم الخمر فزاد خصلة خامسة، وحديثها في السنن ومستدرك الحاكم أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تحريمها.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في أربع نزلت هذه الآية: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. الآية فلما نزلت قلت: أنا فتبارك الله حسن الخالقين فنزلت: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. فزاد في هذا الحديث خصلة سادسة وللحديث طريق آخر عن ابن عباس أوردته في التفسير المسند.
ثم رأيت في كتاب فضائل الإمامين لأبي عبد الله الشيباني قال: وافق عمر ربه في أحد وعشرين موضعاً فذكر هذه الستة وزاد سابعاً قصة عبد الله ابن أبي، قلت: حديثها في الصحيح عنه قال: لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه فقمت حتى وقفت في صدره فقلت: يا رسول الله أو على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا كذا، فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا. الآية، وثامناً: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ. الآية، وتاسعاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ. الآية، قلت: هما مع آية المائدة خصلة واحدة والثلاثة في الحديث السابق.
وعاشراً لما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستغفار لقوم: قال عمر: سواء عليهم فأنزل الله: سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. قلت: أخرجه الطبراني عن ابن عباس، الحادي عشر لما استشار صلى الله عليه وسلم الصحابة في الخروج إلى بدر أشار عمر بالخروج فنزلت: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ. الآية، الثاني عشر لما استشار الصحابة في قصة الإفك قال عمر: من زوجكها يا رسول الله قال: الله، قال: أفتظن أن ربك دلس عليك فيها سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت كذلك.
الثالث عشر قصته في الصيام لما جامع زوجته بعد الانتباه وكان ذلك محرما في أول الإسلام فنزل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ. الآية، قلت: أخرجه أحمد في مسنده.
الرابع عشر قوله تعالى: قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ. الآية، قلت: أخرجه ابن جرير وغيره من طرق عديدة وأقر بها للموافقة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا لقي عمر فقال: إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا، فقال له عمر: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين فنزلت على لسان عمر.
الخامس عشر قوله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. الآية، قلت أخرج قصتها ابن أبي حاتم وابن مروديه عن أبي الأسود قال اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما فقال الذي قضى عليه ردنا إلى عمر بن الخطاب فأتيا إليه فقال الرجل قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا فقال ردنا إلى عمر فقال أكذاك قال: نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكم فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا إلى عمر فقتله وأدبر الآخر فقال يا رسول الله قتل عمر والله صاحبي، فقال: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن، فأنزل الله: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ. الآية، فأهدر دم الرجل وبرئ عمر من قتله وله شاهد موصول أوردته في التفسير المسند.
السادس عشر الاستئذان في الدخول وذلك أنه دخل عليه غلامه وكان نائماً فقال: اللهم حرم الدخول فنزلت آية الاستئذان. السابع عشر قوله في اليهود إنهم قوم بهت.
الثامن عشر قوله تعالى ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، قلت أخرج قصتها ابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد الله وهي في أسباب النزول.
التاسع عشر رفع تلاوة الشيخ والشيخة إذا زنيا الآية. العشرون قوله يوم أحد لما قال أبو سفيان أفي القوم فلان،لا نجيبنه، فوافقه رسول اله صلى الله عليه وسلم، قلت: أخرج قصته أحمد في مسنده.
وفي مجمع الزوائد للهيثمي في باب مناقب عمر كثير من الأحاديث وأقوال الصحابة نذكر أثبتها مع كلام الهيثمي على سنده فمن ذلك ما روى عن أبي وائل قال: قال عبد الله لو أن علم عمر وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علمه بعلمهم، قال وكيع: قال الأعمش فأنكرت ذلك فأتيت إبراهيم فذكرته له، فقال: وما أنكرت من ذلك فوالله لقد قال عبد الله أفضل من ذلك قال إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر رواه الطبراني بأسانيد ورجال هذا رجال الصحيح غير أسد بن موسى وهو ثقة.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في النوم أني أعطيت عسا مملوءا لبنا فشربت حتى تملأت حتى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم ففضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطاب فأولوها قالوا: يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأك منه ففضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطاب فقال: أصبتم، قلت: هو في الصحيح بغير سياقه رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول اللهم أخرج ما في صدر عمر من غل وأبدله إيماناً يقول ذلك ثلاث مرات. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط ورجال البزار رجال الصحيح غير الجهم ابن أبي الجهم وهو ثقة.
وعن علي قال: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر ما كنا نبعد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن السكينة تنطق على لسان عمر. رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.
وعن ابن مسعود قال: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. رواه الطبراني وإسناده حسن، وعن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن السكينة تنزل على لسان عمر. رواه الطبراني ورجاله ثقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1426(3/165)
أبو محذورة مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[نعرف أن من ضمن المؤذنين على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أبا محذورة، نريد من سيادتكم إلقاء الضوء عليه وإعطاء نبذة عن سيرته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأبو محذورة الجمحي رضي الله عنه اسمه سلمة بن معير وقيل سمرة، وفي قصة أذانه يحكى أنه لما سمع الأذان وهو مع فتية من قريش خارج مكة أقبلوا يستهزؤون ويحكون صوت المؤذن غيظاً، فكان هو من أحسنهم صوتا، فرفع صوته مستهزئاً بالأذان فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به فمثل بين يديه وهو يظن أنه مقتول فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته وصدره بيده قال: فامتلأ قلبي والله إيماناً ويقيناً وعلمت أنه رسول الله، فألقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان وعلمه إياه وأمره أن يؤذن لأهل مكة، وهو ابن ست عشرة سنة، فكان مؤذنهم حتى مات، ثم كان عقبه بعد يتوارثون الأذان كابرا عن كابر، وفي أبي محذورة يقول الشاعر:
أما ورب الكعبة المستوره * وما تلا محمد من سوره
والنغمات من أبي محذوره * لأفعلن فعلة مذكوره
يقول صاحب الإصابة في تمييز الصحابة: وروى أبو محذورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه علمه الأذان وقصته بذلك في صحيح مسلم وغيره، وفي رواية همام عن ابن جريج أن تعليمه إياه كان بالجعرانة، وقال ابن الكلبي لم يهاجر أبو محذورة بل أقام بمكة إلى أن مات بعد موت سمرة بن جندب، وقال غيره: مات سنة تسع وخمسين، وقيل: سنة تسع وسبعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1426(3/166)
الذي تولى تعذيب بلال الحبشي
[السُّؤَالُ]
ـ[من كان يضرب بلالا بالسوط في مكة، وهل صحيح أنه عمار بن ياسر؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي كان يضرب بلالاً بمكة هو أبو جهل وأمية بن خلف ومن طاوعهما وليس عمار بن ياسر رضي الله عنه، وراجع الفتوى رقم: 29498.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1426(3/167)
رفض الحسين البيعة ليزيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحسين بن علي بن أبي طالب خرج عن حاكم زمانه؟ عندما حارب يزيد بن معاوية
وما حكم من خرج عن حاكم زمانه؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن حكم الخروج على الحاكم فتقدم في الفتوى رقم 29130
أما هل خرج الحسين على الحاكم في زمانه، فلم يكن ما فعله الحسين خروجا، لأنه لم يكن قد بايع ليزيد أصلا فإنه لم يكن يرى شرعية تولية يزيد الخلافة، ولذا أبى أن يبايع ليزيد ولم يكن وحده الذي رفض المبايعة ليزيد بل كان معه جمع من الصحابة قال ابن العماد في شذرات الذهب: أنه كان قد أبى من البيعة ليزيد حين بايع له أبوه رابع أربعة عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1426(3/168)
الصحابي القائل فزت ورب الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف بالتفصيل قصة الصحابي الذي قتله جبار فقال وهو يموت (فزت ورب الكعبة) فتأثر قاتله وأسلم بعد ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الرجل هو حرام بن ملحان فقد روى الشيخان واللفظ لمسلم عن أنس بن مالك قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، قال وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1426(3/169)
الصحابي الذي ولد بجوف الكعبة والصحابة المكيون
[السُّؤَالُ]
ـ[أي من الصحابة ولد في مكة المكرمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد من ولد في جوف الكعبة المشرفة بمكة المكرمة حرسها الله تعالى، فإن كان الأمر كذلك، فقد ذكر أهل العلم أن حكيم بن حزام رضي الله عنه ولد بداخل الكعبة المشرفة.
نقل ذلك النووي في شرح مسلم، والحافظ ابن حجر في الإصابة وغير واحد عن الزبير بن بكار، ولم يولد بداخل الكعبة غيره رضي الله عنه.
وأما إن كان قصدك من ولد بمدينة مكة المكرمة، فإن أكثر المهاجرين من الصحابة والقرشيين خاصة ولدوا بمكة، ومن هؤلاء الخلفاء الأربعة والعشرة المشهود لهم بالجنة وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1425(3/170)
عينا أبي سفيان قلعتا في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[يراودنى شك كبير في إسلام أبي سفيان بن حرب وأنه أسلم مجبرا ويدعم ذلك موقفه يوم حنين عندما رأى هزيمة المسلمين في أول الأمر ومقولتة (دونكم البحر) أو نحو ذلك؟ أفتونا يرحمنا ويرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أبا سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه صحابي جليل من فضلاء الصحابة الكرام الذين نتعبد لله تعالى بحبهم وموالاتهم، ولا يجوز لنا أن نبغضهم أو نعاديهم فضلاً عن أن نسبهم، وقد أسلم أبو سفيان رضي الله عنه في أول الأمر خائفاً ثم حسن إسلامه وقوي إيمانه وثبتت قدمه في دين الله. قال الذهبي رحمه الله في سير الأعلام والنبلاء: وله هنات وأمور صعبة لكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح فأسلم شبه مكره خائف ثم بعد أيام صلح إسلام هـ. انتهى، وقال أيضاً رحمه الله: ولا ريب أن حديثه عن هرقل وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على إيمانه ولله الحمد. انتهى
ويعني بحديثه عن هرقل ما أخرجه البخاري في صحيحه في بدء الوحي في قصته مع هرقل، وفي الحديث أن أبا سفيان قال: فما زلت موقناً أنه صلى الله عليه وسلم سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام. ومما يدل على حسن إسلامه أن عينيه قلعتا في سبيل الله إحداهما في قتال الطائف، وفي ذلك يقول الحافظ بن حجر في الإصابة: وروى الزبير من طريق سعيد بن عبيد الثقفي قال: رميت أبا سفيان يوم الطائف فأصبت عينه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه عيني أصيبت في سبيل الله قال: إن شئت دعوت فردت عليك وإن شئت فالجنة، قال: الجنة.
وأما عينه الثانية فقلعت يوم اليرموك قال الذهبي في السير: ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك وكان يومئذ قد حسن إن شاء الله إيمانه، فإنه يومئذ كان يحرض على الجهاد وكان تحت راية ولده يزيد، فكان يصيح يا نصر الله اقترب. انتهى
وأما مقولته يوم حنين التي أشرت إليها ونصها: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر. فهذه كانت في أول إسلامه وقد علمت أن إسلامه قد حسن بعد ذلك، واعلم أنه رضي الله عنه حتى لو أسلم مجبراً خائفاً على نفسه من القتل فلا يضره ذلك ما دام قد حسن إسلامه وجاهد في سبيل الله، بل كما علمت فقدْ فقدَ حبيبتيه في سبيل الله، فدع عنك الشكوك والوساوس وأحبه، واعلم أنك بحبه تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(3/171)
قصة الحسين رضي الله تعالى عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قيل في الشهيد الحسين بن السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آل بيته أجمعين.. حياته, تضحيته؛ شهادته. رضي الله عنه رضوانا كريما. وجزاكم الله عني خيرا الجزاء ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى في بيان قصة الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه فنحيل السائل إليها، وهي برقم: 5568، ورقم: 45709.
وللفائدة نحيل السائل أيضاً إلى الفتاوى التالية فإنها مهمة: 26019 / 4112 / 8483.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(3/172)
من فضائل الحسن بن علي رضي الله عنهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قيل في السيد الحسن رضي الله عنه، حياته، وجهاده، ووفاته، رضي الله تعالى عنه وأرضاه؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه نبذة مختصرة عن حياة الصحابي الجليل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، ولد في النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذنه وكان له من الولد خمسة عشر ذكراً وثمان بنات.
بايعه المسلمون بعد وفاة أبيه بيعة بالأكثرية، إذ لم يشارك فيها معاوية رضي الله عنه ومن معه، حج خمساً وعشرين حجة ماشياً والنجائب بين يديه وخرج عن ماله ثلاث مرات وشاطره مرتين، وأعطى إنساناً يسأله خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار وأعطى حمال ذلك طيلسانه وقال يكون كراؤه من عندي، ومر بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه فنزل عن فرسه وأكل معهم ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم وقال البدء لهم لأنهم لم يجدوا إلا ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه.
تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه فبايعه الناس جميعاً وسمي ذلك العام بعام الجماعة واستحق الحسن بذلك أن يكون سيداً كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين. رواه البخاري.
وقد كان ذلك بعد مسيره بجيوشه نحو الشام للقاء جيش معاوية فالتقوا في ناحية الأنبار، ولما تم الصلح بشروطه برز الحسن بين الصفين وقال إني قد اخترت ما عند الله وتركت هذا الأمر لمعاوية. انتهى.
مرض الحسن رضي الله عنه أربعين يوماً وتوفي لخمس ليالٍ خلون من ربيع الأول سنة خمسين وقيل تسعه وأربعين ودفن بالبقيع، وقيل إنه مات مسموماً ولما سئل من تتهم قال: إن يكن الذي أظن فالله أشد بأساً وأشد تنكيلاً، وإلا يكن فما أحب أن يقتل بي بريء، ثم قضى رضي الله عنه، وتراجع الفتوى رقم: 42242، والفتوى رقم: 45709.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(3/173)
يوسف هذه الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابي الذي قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقد أحسن الله خلقتك فأحسن خلقك فقلت إنه لقب يوسف هذه الأمة لشدة جماله
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحابي هو جرير بن عبد الله البجلي، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك امرؤ قد أحسن الله خلقك فأحسن خلقك. أخرجه ابن عساكر، عزاه إلى ابن عساكر المتقي الهندي في "كنز العمال" وعزاه إلى الديلمي أيضا، قال الحافظ العراقي: وفيه ضعف.
ولقبه عمر رضي الله عنه بيوسف هذه الأمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1425(3/174)
الصحابي الذي جعلت شهادته بشهادتين
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن الصحابي الذي شهادته بشهادتين؟ وماذا تعني الشهادة بشهادتين؟؟
... ... ... ... ... وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحابي الجليل الملقب بذي الشهادتين هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري ثم الأوسي، ومعنى كون شهادته بشهاتين يعني أن شهادته وحده في الأمور التي لا تثبت إلا إذا شهد عليها رجلان كافية ومقبولة، وظهر ذلك عندما أراد أبو بكر جمع القرآن وأمر بزيد بن ثابت أن يتتبعه ويجمعه، كان لا يقبل آية إلا بشاهديْ عدل، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا عند خزيمة بن ثابت فقال: اكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين فكتبوها، وإن عمر بن الخطاب أتى بآية الرجم فلم يكتبها زيد لأن عمر كان وحده، ذكره السيوطي في الإتقان عن ابن أبي شيبة في المصاحف عن الليث بن سعد، وقال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في كتابه عون المعبود شرح سنن أبي داود عند كلامه على قصة الأعرابي الذي ابتاع منه النبي صلى الله عليه وسلم فرساً ثم أنكر، فشهد خزيمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قال شهادة خزيمة قد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بشهادتين دون غيره، وهذا المخَصِّص اقتضاه وهو مبادرته دون من حضر من الصحابة إلى الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قبل الخلفاء الراشدون شهادته وهي له خاصة. ا. هـ والحديث الذي يذكر القصة بكاملها في سنن أبي داود في باب القضاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(3/175)
الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانتاه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كيف قتل الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم، وأين تم دفنهما، وأي مرجع أستفيد منه؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه نبذة مختصرة عن الحسن والحسين -سيدي شباب أهل الجنة ابني الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، وابني فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء الجنة، فأما الحسن فهو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته أمير المؤمنين أبو محمد ولد في نصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة قاله ابن سعد وابن البرقي وغير واحد، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث حفظها عنه منها ما في السنن الأربع، قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر وذكر دعاء القنوت المشهور الذي أوله اللهم اهدنا في من هديت....
واختلف في سنة وفاته فنقل ابن حجر عن الواقدي أنه مات سنة تسع وأربعين، وقال المدائني مات سنة خمسين، وقيل سنة إحدى وخمسين، وقال الهيثم بن عدي سنة أربع وأربعين، وقال بن منده مات سنة تسع وأربعين، وقيل خمسين وقيل سنة ثمان وخمسين، ويقال إنه مات مسموماً، قال ابن سعد أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا بن عون عن عمير بن إسحاق دخلت أنا وصاحب لي على الحسن بن علي فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي وإني قد سقيت السم مراراً فلم أسق مثل هذا، فأتاه الحسين بن علي فسأله من سقاك فأبى أن يخبره رحمه الله تعالى. انتهى، ودفن في البقيع رضي الله عنه.
وأما الحسين فهو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبو عبد الل هـ سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، قال الزبير وغيره ولد في شعبان سنة أربع وقد حفظ الحسين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أحاديث منها ما رواه ابن ماجه وأبو يعلى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة وإن قدم عهدها فيحدث لها استرجاعاً إلا أعطاه الله ثواب ذلك. لكن في إسناده ضعف كما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله، وقد قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، كذا قال الجمهور وشذ من قال غير ذلك، ودفن في كربلاء رضي الله عنه.
وللحسن والحسين فضائل كثيرة منها ما هو لهما ومنها ما هو لأحدهما، وقد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك أشياء ضعيفة وموضوعة ولذلك قال الحافظ ابن حجر وقد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين والصحيح والسقيم وفي هذه القصة التي سقتها غنى، ولذا ننصح الأخ السائل وغيره بالرجوع إلى الإصابة لابن حجر العسقلاني وأن يقرأ ترجمة الحسن والحسين منها، وفيما ذكره كفاية ولله الحمد.
وهذه نبذة من فضائلهما فقد روى الترمذي وحسنه من حديث أسامة بن زيد قال: طرقت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما.
وفي الترمذي أيضاً من حديث بريدة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ... الحديث.
وفي البخاري عن أسامة كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلسني والحسن بن علي فيقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما. وعند أحمد من طريق زهير بن الأقمر بينما الحسن بن علي يخطب بعدما قتل علي إذ قام رجل من الأزد آدم طوال فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعه في حبوته يقول: من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب.
ومن طريق عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم -أي يقبل- هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا، فقال: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.
وعند أبي يعلى من طريق عاصم بن زر عن عبد الله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فإذا قضى الصلاة وضعهما في حجره، فقال: من أحبني فليحب هذين. وله شاهد في السنن وصحيح ابن خزيمة عن بريدة وفي معجم البغوي نحوه بسند صحيح عن شداد بن الهاد، وفي المسند من حديث أم سلمة قالت: دخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين فوضعهما في حجره فقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة بالأخرى فجعل عليهم خميصة سوداء، فقال: اللهم إليك لا إلى النار، وله طرق في بعضها كساء. وأصله في مسلم، ومن حديث حذيفة رفعه: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. وله طرق أيضا وفي الباب عن علي وجابر وبريدة وأبي سعيد، وفي البخاري عن أبي بكر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي معه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.، وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: لو كنت في من قاتل الحسين ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الحسن والحسين: هما ريحانتاي من الدنيا. رضي الله عنهما وأرضاهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1425(3/176)
ذو الخويصرة ليس صحابيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أهل النهروان وذو الخويصرة صحابة؟ ولماذا؟
الرجاء الإجابة بالتفصيل مع ذكر أمثلة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك، وأهل النهروان ليسوا كذلك، وأما زعيمهم ذو الخويصرة، فهو وإن رأى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان منافقا، ويدل على ذلك مواقفه من النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم، فقال: اعدل، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قال: خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه، فأضرب عنقه، فقال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه –وهو قدحه- فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس، قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته.
وروى أبو يعلى وغيره عن أنس قال: كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، وقد ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه، فوصفناه بصفته، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل، قلنا هو هذا؟ قال: إنكم لتخبروني عن رجل إن في وجهه لسفعة من الشيطان، فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنشدك الله هل قلت حين وقفت على المجلس ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني؟ قال: اللهم نعم، ثم دخل يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقتل الرجل؟ قال: أبو بكر: أنا، فدخل عليه فوجده يصلي، فقال: سبحان الله، أقتل رجلا يصلي وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل المصلين؟! فخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعلت؟ قال: كرهت أن أقتله وهو يصلي وأنت قد نهيت عن قتل المصلين، قال: من يقتل الرجل؟ قال عمر: أنا، فدخل فوجده واضعا جبهته فقال عمر: أبو بكر أفضل مني، فخرج، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مه، قال: وجدته واضعا وجهه لله، فكرهت أن أقتله، فقال: من يقتل الرجل؟ فقال علي: أنا، فقال: أنت إن أدركته فدخل عليه فوجده قد خرج، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: مه، قال: وجدته قد خرج: قال: لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان كان أولهم وآخرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(3/177)
مذهب ابي ذر رضي الله عنه في كنز المال
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو منكم توضيح القصة أو ما حدث بين علي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين. وأيضا أود أن أعلم لماذا لم يرض أبو ذر عن طريقة تصرف عثمان ومعاوية بأموال المسلمين. أريد شرحاً مفصلاً في هذا الأمر وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلتوضيح ما حدث بين علي ومعاوية نحيلك على كتب التاريخ المعتمدة كالبداية والنهاية، وتاريخ الطبري وغيرها، ولمعرفة الموقف الصحيح الذي يجب على المسلم أن يقفه حيال ذلك، راجع الفتوى رقم: 36055 والفتوى رقم: 40767
وسبب عدم رضا أبي ذر عن تصرف معاوية وعثمان بأموال المسلمين رضي الله عنهم أجمعين، أن أبا ذر رضي الله عنه كان يرى وجوب التصدق بما زاد على النفقة اللازمة، التي يحتاج إليها المسلم، وكان يفتي بذلك، ويحث الناس عليه، ويغلظ في كلامه، ويحتج على ذلك بقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (التوبة: من الآية34) ، وخالفه في ذلك باقي الصحابة، وذهبوا إلى أن المقصود بالكنز: المال الذي لم تؤد زكاته، ولا ريب أن الحق مع الصحابة في ما ذهبوا إليه، فقد روى أبو داود عن ابن عباس قال: لما نزلت (والذين يكنزون الذهب والفضة) قال: كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلق فقال: يا نبي الله إنه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم.، قال في عون المعبود: وحاصل الجواب أن المراد بالكنز منع الزكاة لا الجمع مطلقاً.
وقال الإمام النووي في شرحه لمسلم عند قول أبي ذر رضي الله عنه: بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل.
"أما قوله بشر الكانزين، فظاهره أنه أراد الاحتجاج لمذهبه في أن الكنز كل ما فضل عن حاجة الإنسان، هذا هو المعروف من مذهب أبي ذر وروي عنه غيره، والصحيح الذي عليه الجمهور أن الكنز هو المال الذي لم تؤد زكاته، فأما إذا أديت زكاته فليس بكنز سواء كثر أم قل."
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(3/178)
دفنته الملائكة.... من هو؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابي الذي دفنته الملائكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد في بعض كتب السنن والآثار أنه عامر بن فهيرة ذكر ذلك الطبراني في المعجم الكبير ضمن قصة أصحاب بئر معونة، وكذا ذكره عبد الرزاق في المصنف، وفيه عن الزهري قال: وبلغني أنهم لما دفنوا التمسوا جسد عامر بن فهيرة فلم يقدروا عليه، فيرون أن الملائكة دفنته.
وعامر بن فهيرة هذا هو الذي كان يتتبع بغنمه آثار أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر رضي الله عنه عند الهجرة، فيمحو آثارهما حتى لا يتتبعها المشركون، فيظفروا بهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1424(3/179)
أثر الحديث النبوي في اللغة والأدب ظاهر
[السُّؤَالُ]
ـ[تعريف الحديث النبوي الشريف وتأثيره على اللغة والأدب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث النبوي هو كل ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقية أو خُلُقية، وراجع فيه فتوانا رقم: 18457.
وتأثير الحديث النبوي في اللغة العربية وفي الأدب العربي أمر معروف, فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبلغ البلغاء وأفصح الفصحاء، وقد حيرت أساليبه في التعبير عقول أفصح الناس في زمانه، فأثرت أمثاله وحكمه ونصائحه والمواعيظ التي كان يخاطب بها عقول الناس وقلوبهم التراث الأدبي واللغوي.
وننصح الأخ الكريم بالرجوع إلى كتب الأدب واللغة ليدرك مدى التأثير الذي أفاده لكل منها الحديث النبوي الشريف، فالموضوع في الحقيقة موضوع بحث وليس سؤالاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1425(3/180)
البلاغة النبوية اقتضت التعبير بـ (يجلس)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم كلمة (يجلس) ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع قبل أن يجلس. رواه البخاري (كتاب الصلاة) ، كلمة \"يجلس\" تقال في اللغة للشخص المتكئ أو المضطجع أو المتمدد على الأرض، أما كلمة \"يقعد\" تقال في اللغة للشخص الواقف أو القائم على قدميه، والشخص يدخل المسجد بطبيعة الحال واقفاً وليس متكئاً، فلماذا استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم كلمة يجلس وليس كلمة يقعد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرته مروي في الصحيحين والسنن والمسانيد، وهو حديث صحيح، وقد عبر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجلوس، ولم يعبر بالقعود كما ذكرت. وذلك لأن الجلوس والقعود يعبران عن معنى واحد. قال في لسان العرب: الجلوس: القعود. وقال: قعد يقعد قعودًا ومقعدًا أي جلس. وقال في مختار الصحاح: قعد من باب دخل ... أي جلس.
وتعتبر جلس هنا أبلغ من قعد؛ لأن جلس في اللغة لا تعني غير القعود، وأما قعد فتدل على الأمرين معاً: القعود والقيام. قال ابن منظور في اللسان: وقال أبو زيد: قعد الإنسان أي قام، وقعد جلس وهو من الأضداد.
وأظن أن هذا كافٍ للدلالة على أن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم بليغ، وليس فيه ما يقال. وواجب المسلم أن يعتقد أنه صلى الله عليه وسلم هو أبلغ البلغاء، ولو كان في فصاحته وبلاغته مقال لامتلأت الكتب بملاحظات أهل الكفر والنفاق والإلحاد لكثرة ما بحثوا عن الثغرات في القرآن الكريم وفي حديثه الشريف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(3/181)
سبب ابتعاد النبي صلى الله عليه وسلم عن السجع في الكلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبتعد عن السجع بالرغم أن القرآن مليء بالسجع ما سبب ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ذكر أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره السجع المتكلف والداعي للباطل حذرا من مشابهة الكهان ومن التكلف المنهي عنه، وأما السجع الذي يأتي في غاية الانسجام من غير تكلف فكان يفعله في كثير من الأحيان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يحبون السجع في الخطب وفي الدعاء حذرا من التكلف ومشابهة الكهان، وأما السجع الذي يأتي بغير تكلف فكان يفعله أحيانا.
ويدل لهذا قول ابن عباس: انظر السجع في الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك، يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب. رواه البخاري.
وقالت عائشة رضي الله عنها: واجتنب السجع في الدعاء فإني عهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يكرهون ذلك. رواه ابن حبان وأحمد.
والمكروه عندهم ما كان فيه تكلف، وأما السجع الذي يأتي بغير تكلف فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي به أحيانا؛ كما في حديث أم زرع.
قال النووي في شرح مسلم عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع".
هذا الحديث وغيره من الأدعية المسجوعة دليل لما قاله العلماء أن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلف فإنه يذهب الخشوع والخضوع والاخلاص ويلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب، فأما ما حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر لكمال الفصاحة ونحو ذلك أو كان محفوظا فلا بأس به بل هو حسن.اهـ.
وقال ابن حجر في الفتح عند قوله: ... وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده.
قال: هو من السجع المحمود والفرق بينه وبين المذموم، أن المذموم ما يأتي بتكلف واستكراه، والمحمود ما جاء بانسجام وإتقان، ولهذا قال في مثل الأول: أسجع مثل سجع الكهان؟! وكذا قال كان يكره السجع في الدعاء ووقع في كثير من الأدعية والمخاطبات ما وقع مسجوعا لكنه في غاية الانسجام المشعر بأنه وقع بغير قصد. اهـ.
وقد ذكر ابن دقيق العيد في شرح العمدة: أن ما ورد من ذم السجع محمول على السجع المتكلف لإبطال حق وتحقيق باطل أو لمجرد التكلف بدليل أنه قد ورد السجع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي كلام غيره من السلف ... اهـ.
هذا وننبه إلى أن أهل العلم اختلفوا هل في القرآن سجع أم لا؟
فبعضهم يرى أنه لا سجع فيه وإنما توجد فيه فواصل وهي تخالف السجع في عدة أمور، وقد بسط الكلام في المسألة السيوطي في الإتقان في علوم القرآن، والزركشي في البرهان في علوم القرآن، وابن مفلح في الفروع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1429(3/182)
توضيح حول قول المحدث لا يصح الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ألاحظ عندما يجيب أحد العلماء عن صحة حديث ما ترد عبارة لا يصح ولم أجد من يستعمل كلمة لم يصح بالجزم، فلماذا هذا الذي يجعل الإنسان في حيرة من أمره، ولم لا يكون الأمر محسوم بالنفي القاطع واستعمال لم بدلاً من لا، فأرجو تنويري؟ وجزيتم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس في الأمر ما يدعو للحيرة فهون عليك ... واعلم أن كثيراً ممن يتكلمون في هذا الأمر يصرحون بكلمة لم يصح حديث ... ولو بحثت في كتب الحديث وكتب التخريج في الموسوعة الشاملة لوجدت العشرات من ذلك، وحيث استعملوا لا فمرادهم لم يصح لأن كلمة لا تستعمل في اللغة محل لم وليس.. كما جزم به إمام النحاة الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله في كتاب الجمل حيث قال في معاني لا: ولا بمعنى لم كقوله تعالى: فلا صدق ولا صلى أي لم يصدق ولم يصل ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1430(3/183)
المتابع والشاهد معناهما والفرق بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[تعريف المتابع والشاهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمتابع هو أن يتابع أو يروي راو حديثاً يشارك فيه غيره في الرواية عن شيخه، فإذا روى عبد الله بن وهب عن الإمام مالك، فرواية عبد الله بن وهب تسمى فرداً، لكن إذا وجدنا شخصاً آخر يتابع عبد الله بن وهب، كما لو جاء التنيسي فروي عن مالك نقول: التنيسي تابع ابن وهب، فشيخهما واحد وحديثهما واحد، فهذا يسمى متابعة تامة، لاشتراكها في شيخ واحد.
وأما لو تفرد ابن وهب بحديث عن مالك، ولم نجد أحداً من الرواة يرويه عن مالك إلا ابن وهب، لكن وجدنا راوياً آخر يرويه عن شيخ مالك كما لو كان شيخ مالك الزهري، ووجدنا راوياً آخر كابن عيينة مثلاً يرويه عن الزهري نقول إن هذه متابعة قاصرة لرواية عبد الله بن وهب.
وأما الشاهد فمعناه أن يأتي الحديث بلفظه أو بمعناه من طريق صحابي آخر، فإذا كان عندك حديث لأبي هرير ة وجاء حديث بمعناه أو بلفظه من حديث أنس أو من حديث ابن عمر، فهذا يسمى شاهداً، فيشترط في الشاهد أن يكون الصحابي مختلفاً ويشترط في المتابع أن يكون الصحابي واحداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(3/184)
مسائل في طهارة وصلاة من يتكرر منه خروج المذي
[السُّؤَالُ]
ـ[أبدأ كلامي بهذه المقدمة ثم أطرح مشكلتي وأبدأ مقدمتي بهذه المقولة " الذي يحمل الجمرة ليس كالذي هو بعيد عنها " أي الذي غير واقع في المشكلة لا يحس بالذي هو واقع في المشكلة والذي يعايش لحظاتها المريرة وخاصة مع الوسواس الذي يجعل الشيء الهين البسيط كبيرا وعظيما وعندما نتحدث لكم عن الوسواس ترونه لا أدري شيئا بسيطا وذلك من خلال اطلاعي على بعض الفتاوى حيث عندما أقرأ تلك الفتاوى وأنا أتفكر مشكلتي أحس أني لن أجد إجابة شافية وسأبقى أعاني من مشكلتي واعذروني على هذه المقدمة والتي أريد منها أن تتفهموا وضعنا ووتكونو أكثر إحساسا وتفاعلا اتجاه مشاكلنا.
وانأ قد طرحت لكم مشكلتي سابقا وأحلتموني إلى فتوى أخرى وعندما قرأتها لم أجد منها ما يحل مشكلتي
ملاحظة: أرجوا أن تقرؤوا كامل الرسالة وتتمعنوا فيها جيدا بما فيها من تفاصيل دقيقة ومهمة للغاية بالنسبة لي وأرجو إجابة دقيقة واضحة ومفصلة شافية للأسئلة المطروحة كما هي مفصلة.
أنا لدي سائل يلازم ذكري تقريبا وهو شفاف لزج وبلا شك هو المذي وهو في ذكري بدون شهوة وهو يخرج:
- أولا: عندما أريد أن أبول يخرج منه شيء مع أنه لدي مشكلة هنا مع البول حيث أني أنتظر حوالي 25 دقيقة حتى أتأكد من نزول البول ومن شدة الوسواس في الطهارة أصبحت لا أتطهر في بيت الخلاء بل في الحمام وهذا مازاد الطين بلة وأحيانا أبول ثم بعد مدة قليلة تحضر كمية أخرى وذلك أني عندما ذهبت إلى الطبيب وأجريت الفحوصات قال لي الطبيب أنه عندما أبول تبقى كمية من البول في مجمع البول لم تخرج مع العلم أني أتطهر في الحمام وليس في بيت الخلاء كلما حضر البول.
- ثانيا: أحيانا يخرج بعد ما أطهر نفسي ويخرج في بعض الأحيان دون شهوة وأحيانا يخرج مرات متتالية في أوقات الصلاة.
وعندما علمت أن المذي نجس أصبحت كلما أراه أتطهر منه وأبول حتى لا يخرج لأحافظ على طهارتي وهذا مازاد في مشكلتي وضيق علي حياتي حتى أنه أصبحت أحس أني لا أفكر إلا في مشكلتي طوال الوقت وليس لدي متسع من الوقت لأمارس حياتي العادية بوجود الوسواس مع أني مازلت شابا وأدرس فما بالك إذا مد الله في عمري وتزوجت وأصبحت رجلا هناك تكثر المشاكل ويضيق حالي أكثر وأنا مقبل على الدراسة الآن وأنا أعلم أني سأعاني كثيرا لأن الوقت يصبح ضيقا علي أكثر والذي لا يسمح لي بالطهارة (الطهارة في الحمام) وهذا كثير علي وسيشتت ذهني ويجعلني دائما غير مستقر فأرجو فأرجو أن تأخذوا مشكلتي هذه بعين الاعتبار بقدر ما أعاني منها وأرشدوني جازاكم الله كل خير.
- ثالثا: ويخرج أيضا عندما أشبع أو تكون معدتي مليئة وحدث هذا بعد أن تطهرت كالعادة وذهبت إلى صلاة المغرب ثم أفطرت عند أحد أقاربي بعد ترج منهم لمرتين والثالثة أجبت دعوتهم وبعد أن انتهيت من الفطور وعدت إلى البيت وأردت أن أتوضأ لصلاة العشاء خرج مع أن الوقت ضيق لكي أتطهر منه مع أني تطهرت قبل ذلك (وتستغرق الطهارة حوالي 50 دقيقة) مع أني بلت كي لا يخرج هذا السائل لأحافظ على طهارتي لكنه خرج فهل يجب أن أعيد الصلاة أم لا. وخرج مني لعدة مرات بعد صلاة المغرب.
سؤال2: هل يجب عليا عندما أتطهر وأنتهي ويخرج بعدها المذي أن أعيد الطهارة وإذا لم أعد وصليت على حالي هل يجب علي بعدها أن أتطهر أو أغسل ثيابي كي أكون طاهرا في الصلاة الموالية""وهذا كثير علي "" أم أبقى على حالي.
سؤال3: هنا أيضا مشكلتي في بعض الأحيان وإن لم أقل عدة مرات بعد صلاة الفجر أو في أثنائها أجد أنه قد خرج (المذي) فهل يجب علي الإعادة مع أن هذه الإعادة تسبب لي المشقة طبعا مع الوسواس ولا تقولوا لي لا تلقي للوسواس بالا لأنه وسواس قوي ولا أستطيع مجاراته لأني أعزم في بعض الأحيان مع نفسي أن لا ألقي له بالا لكن دون جدوى.
سؤال4: وهل تأخيري للصلاة من أجل السؤال عنها أولا أعتبر آثما أم لا؟
هذه مشكلتي التي سببت لي القلق والإزعاج وضيق الوقت وأخرجتني عن حالتي العادية أي شيء بسيط يصبح كبيرا وعظيما وهذا ما أتعبني كثيرا. فأرجوا أن تتفهموا وضعي وتحسوا بي قليلا، وأرجوا إجابة وافية شافية وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل مما تشكوه من وساوس وشكوك، وننبهك على أن أفضل علاج للوساوس هو الإعراض عنها وعدم الاسترسال فيها، ثم إن الأصل في المذي أنه نجس وناقض للوضوء، ويترتب على خروجه غسل الذكر فقط على الراجح، ومن أهل العلم من قال بلزوم غسل الأنثيين ومن فعل ذلك احتياطا فقد أحسن وراجع الفتوى رقم: 9170.
ثم إذا كان خروج المذي متواصلا بحيث لا يتوقف وقتًا يتسع للوضوء والصلاة فهو في حكم السلس، وإذا كان كذلك فعليك بعد دخول وقت الفريضة غسل المحل وشده بخرقه منعاً لانتشار النجاسة ثم تتوضأ وتصلي وتفعل هذا عند كل صلاة، ولا يكفيك الوضوء الواحد لأكثر من صلاة فريضة واحدة ما دام الخارج مستمراً.
وإن علمت أن المذي سينقطع وقتاً يتسع للوضوء والصلاة قبل خروج وقتها وجب عليك انتظار ذلك الوقت، فتتوضأ بعد أن ينقطع ولو بعد فوات صلاة الجماعة، وبناء عليه فإذا كان المذي المذكور لا ينطبق عليه حكم السلس فخروجه مبطل للوضوء بعد فعله، كما يبطل الصلاة إذا خرج أثناءها أو قبلها، أما إذا صليت بطهارة ثم شككت بعد الفراغ منها هل خرج منك شيئ أم لا فصلاتك صحيحة ولا تلتفت لهذا الشك، وكذلك لوجدت شيئا خارجا بعد الصلاة وشككت هل خرج في الصلاة أم بعدها فالأصل أنه خرج بعدها والصلاة صحيحة فلا تلتفت للشك، وبخصوص انتظارك وقتاً طويلاً للتخلص مما يبقى في مجرى البول فالتخلص من ذلك يكون بما سهل من الأسباب كسلت الذكر أوعصره عصرا خفيفا حتى يغلب على ظنك خلو مجرى البول مما يمكن خروجه، ولا تبالغ في عصر الذكر لأن ذلك مضر بالصحة وسبب لترسيخ الوسوسة وراجع الفتوى رقم: 55332، والفتوى رقم: 64562.
وما تشعر به من ضيق ومن حرج من مشاكل قد تحدث لك في المستقبل فهذا من مكائد الشيطان ووساوسه لإدخال الحزن إلى قلبك، وشغل تفكيرك عما يفيد، فأكثر في الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى وارج الخير، وابتعد عن التشاؤم واليأس.
وإن كان تأخير الصلاة من أجل السؤال عما تترتب عليه صحتها فلا تأثم بذلك ما لم يؤد التأخير إلى خروج وقتها، مع التنبيه على أن أداء الصلاة جماعة واجبة على الراجح في حق الرجل المستطيع الذي يسمع النداء ولايجوز له التخلف عنها إلا بعذر شرعي من الأعذار المذكورة في الفتويين رقم: 36118، 51601
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1428(3/185)
أبرز الأعلام الذين شيدوا بنيان علوم الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أسماء الدين صنفوا في علم الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الصعب حصر جميع من صنفوا في علم الحديث؛ وذلك لأن التأليف في علوم الحديث قد وجد منذ قرون بعيدة وما زال مستمرا.
ولكننا سوف نذكر لك أسماء بعض من ألفوا في القرون الأولى للدولة الإسلامية، والذين تعتبر الكتب التي ألفوها أمهات في هذا الفن، وذلك على النحو التالي:
1. القاضي أبو محمد الرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد المتوفى سنة (360) ، ومصنفه هو: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي. وهو أكبر كتاب وضع في علوم الحديث حتى ذلك العصر، استوفى فيه مؤلفه البحث في آداب الراوي والمحدث، وطرق التحمل والأداء، واجتهاد المحدثين في حمل العلم، وما يتعلق بهذا الفن من الأمور، فهو في الحقيقة من كتب علوم الحديث بمعناه الإضافي لا باعتبار كونه اسمًا ولقبًا للعلم الخاص المعروف.
2. الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي المتوفى سنة (463هـ) ، وكتابه هو: الكفاية في علم الرواية، وقد استوفى فيه البحث في قوانين الرواية، وأبان فيه عن أصولها وقواعدها الكلية، ومذاهب العلماء فيما اختلفت آراؤهم فيه، ولا يزال حتى يومنا أعظم كتاب في هذا الباب.
3. الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المتوفى سنة (405هـ) ، ومصنفه هو: معرفة علوم الحديث، وقد بحث فيه اثنين وخمسين نوعًا من علوم الحديث، وقد طبع في مصر سنة 1937م.
4. أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى سنة (430هـ) ، وقد ألف المستخرج، وزاد فيه على الحاكم أشياء فاتته، ولذلك سماه مستخرجًا.
5. القاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى (سنة 544هـ) ، وكتابه هو: الإلماع في أصول الرواية والسماع، وهو كتاب مفيد جدًا.
6. الميانجي أبو حفص عمر بن عبد المجيد المتوفى سنة (580هـ) ، وهو مؤلف: ما لا يسع المحدث جهله، وهو عبارة عن رسالة مختصرة في علوم الحديث.
وعلى أية حال، فقد ذكر أهل العلم أن أبرز الأعلام الذين شيدوا بنيان علوم الحديث واعتمد عليهم من جاء بعدهم هم: الحاكم النيسابوري، والخطيب البغدادي، وابن الصلاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1428(3/186)
صحيحا البخاري ومسلم وتصحيحات الألباني
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الرد على سؤالي هذا والذي بات يؤرقني ولا أجد من يرشدني إلى جواب شاف لا اسأل أحداً بعده، هل جميع الأحاديث النبوية الموجودة في صحيحي مسلم والبخاري وكذلك صحيح الألباني هي أحاديث صحيحة بنسبة 100%، ولا يمكن التشكيك فيها، إذا كان الإجابة بنعم فما هو تفسير وجود حديث الشاب الأمرد، أما إذا كانت الإجابة بلا فما هو السبيل للمسلم غير المتخصص في علوم الدين من التمييز بين الحديث الصحيح وعكسه، وما هو مدى صحة حديث الافتراق (الفرقة الناجية) ؟ وفقكم الله وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا القول في حديث الافتراق في الفتوى رقم: 52059.
كما تكلمنا على صحة ما في الصحيحين في عدة فتاوى منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13678، 35094، 56789.
وأما الأحاديث التي صححها العلامة محدث العصر الشيخ الألباني فقد خالفه بعض المعاصرين من أهل العلم فيما ذهب إليه. وهو على كل من أمثل أهل الفن من المعاصرين، ولا يمنع أن يخطئ في بعض ما ذهب إليه، وراجع في تصحيحاته الفتوى رقم: 58756.
وأما حديث الشاب الأمرد فنرجو أن تذكره حتى نبين لك ما عندنا فيه، وننصح غير المتخصصين أن يصطحبوا الكتب التي تعتني بالصحيح والحسن كرياض الصالحين وكالصحيحين والكتب التي خرجها المحدثون كصحيح الترغيب وكمجمع الزوائد وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1427(3/187)
تعريف بكتاب "التاج الجامع للأصول الخمسة"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن إعتماد كتاب " الجامع للأصول في أحاديث الرسول" لعلي ناصف كمرجع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاسم الكتاب هو "التاج الجامع للأصول الخمسة" لمؤلفه الشيخ منصورعلي ناصف رحمه الله.
وقد جمع المؤلف في هذا الكتاب القيم بين صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وجامع الترمذي والمجتبى للنسائي، وقال في مقدمته: وهذه هي الأصول الخمسة التي اشتهرت في الأمة وارتضتها لما لها من المكانة العليا في الحديث التي فاقت كل كتاب ظهر إلى الآن في علم الحديث لأنها جمعت من الشريعة ما عز وغلا ثمنه؛ بل هي الشريعة كلها، كما قال الإمام النووي رضي الله عنه: ما شذ عن الأصول الخمسة من صحيح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلا النزر اليسير ولا شك ففيها حاجة الإنسان لسعادة الدنيا والآخرة.
وقد اعتمد المؤلف الأصول الخمسة ولم يضم إليها ابن ماجه تمشياً مع رأي القدماء قبل المائة السادسة.
وقال مبينا منهجه في الكتاب: نظرت فيها نظرة عامة وطفقت أدمجها كلها بتمامها في مؤلف واحد، أهذب كتبه تهذيباً، وأحرر أبوابه تحريراً، لكي أشفي به غليلي وأتحف به عشاق علم الحديث.
وهو من أهم المراجع لمن أراد أن ينهل من هذا المورد العذب الزلال، ولكن لا ينبغي الاعتماد التام عليه وحده فقد فاته بعض الصحيح، وكثير من الحسن، ولا شك أن الحاجة ماسة إلى الاطلاع على أكبر ما يمكن الاطلاع عليه من الصنفين -الصحيح والحسن- خصوصا لمن أراد أن يكون من المستبصرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1427(3/188)
المقصود بطبقات السند
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى طبقات السند؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطبقات السند هي مجموع رواته، فكل راو يمثل طبقة من طبقات السند كقولنا رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، فمالك طبقة ونافع طبقة وابن عمر طبقة، ويظهر ذلك جليا في المتواتر حيث يشترط في كل طبقة من طبقات السند أن تكون جماعة يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، فيرويه جماعة عن جماعة إلى آخره، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 71234 وما أحيل إليه من فتاوى خلالها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(3/189)
متن الحديث معناه وسبب التسمية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: لماذا سمي المتن (متن الحديث) بهذا الاسم؟ وأرجو الرد السريع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن متن الحديث هو ما انتهى إليه سنده أو بعبارة أخرى هو ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم أو أفعاله أو تقريراته، والمتن في الأصل هو ما صلب من الشيء وقوي أو ارتفع، فكأن المسند أو الراوي يقويه ويرفعه بالسند، أو هو من المماتنة وهي المباعدة في الغاية، فكأن الراوي يتوصل إليه بالسند هذا باختصار ملخص ما عرفه به علماء الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1426(3/190)
التقيد بالمروي من لفظ الصحابي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من ضرر في القول إذا كانت بداية الحديث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول عن أبي هريرة إن رسول الله قال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنه لا ضرر في هذا الأمر لأن المعنى واحد على كل، إلا أن الأولى هو التقيد بالمروي من الألفاظ عن الصحابي وعدم تعمد التبديل فيه، وقد كان الإمام أحمد والإمام مسلم يتحريان الدقة في ألفاظ الرواة، فكان الإمام مسلم إذا روى عن راويين وعبر أحدهما بأنبأنا والآخر بأخبرنا ينبه رحمه الله على لفظ كل راو: وكان الإمام أحمد إذا سمع من لفظ المحدث كلمة رسول الله محا من كتابه كلمة نبي الله وكتب بدلها كلمة رسول الله، وقد ذكر الخطيب أن ذلك ليس على وجه اللزوم، بل على الاستحباب في اتباع المحدث في لفظه، وراجع شرح السخاوي لألفية العراقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(3/191)
نسبة الحديث للكتاب المأخوذ منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح عندما نأخذ أي حديث من كتاب رياض الصالحين، ليست النسخة الأصلية أن نقول إن هذا الحديث من رياض الصالحين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في نسبة الحديث لكتاب ما إذا تؤكد أنه منتسخ منه أو مأخوذ منه بواسطة كتاب آخر.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(3/192)
كتاب الباعث الحثيث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الباعث الحثيث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت الأخت السائلة تقصد كتاب الباعث الحثيث للعلامة أحمد محمد شاكر فهو كتاب في مصطلح الحديث شرح فيه مؤلفه اختصار علوم الحديث (1309-1377هـ) وأصل هذا الكتاب هو علوم الحديث لابن الصلاح المتوفي سنة 643هـ، فاختصره الحافظ ابن كثير (701-774هـ) في كتاب اختصار علوم الحديث ثم شرحه الشيخ أحمد شاكر وعلق عليه في كتاب سماه (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) ، وراجع الفتوى رقم: 38740.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(3/193)
الرواية بالوجادة، وروايات عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد عند البيهقي في سننه حدثنا أبو عبد الله الحاكم ثنا أبو العباس الأصم ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي ثنا أبو أسامة ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن معاوية بن سويد بن مقرن عن أبيه عن علي قال (لا نكاح إلا بولي..... الحديث) وقال الإمام البيهقي وهذا إسناد صحيح، والسؤال: أولا: وجدت هذا الحديث نفسه في الأم للإمام الشافعي: الربيع ثنا الشافعي عن وكيع عن سفيان عن سلمة عن معاوية أنه قرأ في كتاب أبيه عن علي..... الحديث وزاد فيه وإذا بلغ الحقائق النص فالعصبة أولى، فهل بهذا يطعن في تصحيح الإمام البيهقي وينزل بالحديث من رتبة الصحيح، أي هل لا يحتج العلماء بصحيفة تركها الصحابي لابن ثقة، أم يشترط قوله حدثني.
ثانيا: أورد البيهقي نفسه جزء (وجدت في كتاب أبي عن علي.... الحديث) في الآثار والسنن له، وأورد قول الإمام أحمد: هذا من أصح ما روي عن علي في هذا وله شواهد، فهل هذا تصحيح من الإمام أحمد أم مجرد تقوية لأنه قال وله شواهد، كأنما يقول تعضده وترفع به لرتبة الصحيح شواهده، (السؤال لتأكيد ثبوت ذلك عن علي أم لا، وأعلم أن هناك من الأحاديث الأخرى المرفوعة والموقوفة الصحيحة في نفس الموضوع) ، ومبعثي للشك في كون الصحيفة حجة عند أهل الأثر هو أني طالما رأيتهم يختلفون وأكثرهم يضعف رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ويقولون هي صحيفة، أفيدونا؟ أكرمكم الله وبارك لكم في مالكم وعيالكم وصحتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتصحيح الإمام البيهقي للحديث لصحة الرواية بالوجادة عنده، وكذلك هي مقبولة عند عامة المتأخرين وأكثر المتقدمين، قال ابن الصلاح: فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شروطها. انتهى من علوم الحديث.
وقال النووي في التقريب: وقطع بعض المحققين الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه في هذه الأزمان غيره.
أما قولك (أورد قول الإمام أحمد) فكأنك بنيته على أن المراد بقوله (قال أحمد) أنه أحمد بن حنبل وهو خطأ ظاهر؛ بل هو (أحمد بن الحسين البيهقي) نفسه صاحب الكتاب، وهي طريقة كثير من أهل العلم عند التعقيب على كلام أوردوه، ومثاله أيضاً مما هو مشهور عند طلبة العلم قول ابن حزم في المحلى قال (أبو محمد) أو قال (علي بن أحمد) والمراد ابن حزم نفسه.
وأما قوله (هذا أصح ما روي عن علي في هذا) : فلا يلزم من هذه العبارة صحة الحديث، وإنما المراد بها أرجح وأقوى ما روي عن علي، وعلى كلٍ فإن البيهقي صحح إسناد الحديث بعبارة صريحة كما تقدم.
أما رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فأكثر أهل العلم على قبولها والاحتجاج بها، قال الشوكاني في نيل الأوطار: وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه مقال مشهور، قال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل: رأيت أحمد وإسحاق وذكر غيرهما يحتجون بحديث عمرو بن شعيب قال: وقد سمع شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وقال أبو عيسى: ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب إنما ضعفه لأنه يحدث من صحيفة جده، كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده. انتهى.
وقال السيوطي في تدريب الراوي: الخامس: أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم لم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم إلا عنهم كعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.... أجدادهم صحابة وأحفادهم ثقات فهذا أيضاً محتج به ومخرجه في كتب الأئمة دون الصحيحين. قال شيخ الإسلام: ليس المانع من إخراج هذا القسم في الصحيحين كون الرواية وقعت عن الأب عن الجد؛ بل لكون الراوي أو أبيه ليس على شرطهما. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(3/194)
تصحيحات العلامة الألياني وتضعيفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت كتاب صحيح الألباني فوجدت فيه حوالي 1000 حديث صحيح؟ وفي ضعيفه حوالي 5000؟
هذا أكيد اجتهاد وربما أنا مخطئ في الفهم، لكن أليس كل ما في صحيح مسلم والبخاري أحاديث صحيحة؟ والكثير في السنن أيضا؟؟
أرجو أن أعلم هل يمكن تضعيف حديث أوتصحيحه الآن من قبل العلماء؟ ولو أن العلماء القدامى أرى أنهم أفضل لأنهم الأقرب؟
أرجو أن يكون السؤال واضحا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتبين لنا المقصود من قولك صحيح الألباني، فإن كنت تقصد صحيح الجامع الصغير ففيه ثمانية آلاف ومائتان وحديثان ما بين صحيح وحسن، وله كذلك صحيح الترغيب وصحيح الأدب المفرد وصحيح أبي داود وصحيح ابن ماجه وصحيح النسائي وصحيح الترمذي، وفيها آلاف الأحاديث التي صححها أو حسنها الشيخ رحمه الله، وله كذلك السلسلة الصحيحة فيها أكثر من أربعة آلاف حديث.
واعلم أن أكثر الأحاديث التي خرجها الألباني في السلسلة الصحيحة وفي صحيح الجامع غير موجودة في الصحيحين.
ثم اعلم أن الحكم على الحديث من حيث الصحة أو الضعف يكون بعد البحث في سنده وفي متنه وهو علم قائم على قواعد وأصول، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 35715، والشيخ لم ينفرد بتصحيح أو تضعيف، وإنما يعتمد على كلام أهل العلم السابقين ويرجح بين أقوالهم بميزان دقيق.
أما الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الحكم على الحديث، فقد تقدم في الفتوى رقم: 9224.
أما أحاديث البخاري ومسلم فمقطوع بصحتها. قال ابن الصلاح: جميع ما حكم مسلم بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه، وقال أيضاً:.... سوى أحرف يسيرة حكم عليها بعض أهل النقد كالدارقطني وغيره، وراجع الفتوى رقم: 35370.
أما السنن فتشتمل على أحاديث صحيحة وضعيفة، لأن أصحابها لم يشترطوا الصحة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 58266.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1425(3/195)
تصحيح الوادعي وتضعيفه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن تصحيح الشيخ الوادعي لبعض الأحاديث، هل هو معتد به في التصحيح
والتضعيف؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله من علماء الحديث الذين شهد لهم بالمعرفة والاطلاع في علم الحديث.
أما تصحيح الشيخ وتضعيفه فإنه تابع فيه لكلام العلماء السابقين له، شأنه في ذلك كشأن كثير من المتأخرين، فيترجح عنده قول دون آخر، وليس قول أحد من أهل العلم بهذا الفن حجة على غيره، فلا يزالون يرد بعضهم على بعض في التصحيح والتضعيف والعبرة بالحجة النيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1425(3/196)
الرموز المستخدمة في كتاب صحيح الجامع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الرموز المستخدمة في كتاب (صحيح الجامع) للعلامة الألباني رحمه الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرموز المستعملة في صحيح الجامع قد بينها المؤلف في أول الكتاب وهي كالتالي:
1- خ............................ صحيح الإمام البخاري
2- م............................. صحيح الإمام مسلم
3- ق............................ للبخاري ومسلم
4- د............................. سنن أبي داود
5- ت........................... سنن الترمذي
6- ن........................... سنن النسائي
7- هـ.......................... سنن ابن ماجه
8- 4........................... لهؤلاء الأربعة
9- 3........................... لهم إلا ابن ماجه
10- حم........................ مسند أحمد بن حنبل
11- عم....................... عبد الله بن أحمد في المسند
12- ك........................ للحاكم
13- خد....................... الأدب المفرد للبخاري
14- تخ....................... التاريخ للبخاري
15- حب..................... صحيح ابن حبان
16- طب..................... الطبراني في الكبير
17- طس.................... الطبراني في الأوسط
18- طص................... الطبراني في الصغير
19- ص..................... سنن سعيد بن منصور
20- ش..................... مصنف ابن أبي شيبة
21- عب.................... مصنف عبد الرزاق
22- ع........................ مسند أبي يعلى
23- قط....................... الدارقطني
24- فر....................... مسند الفردوس للديلمي
25- حل....................... الحلية لأبي نٌُعيم
26- هب........................ شعب الإيمان للبيهقي
27- هق........................ سنن البيهقي
28- عد.......................... الكامل لابن عدي
29- عق........................ الضعفاء للعقيلي
30- خط......................... للخطيب البغدادي
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1425(3/197)
مسائل من مصطلح الحديث وعلم الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[عمرو بن مرزوق الباهلى. شيخ أبي داود بل هو من كبار شيوخه.وثقه ابن معين وحمده جدا ووثقه أبو حاتم وقال ثقة ما رأينا أحدا من أصحاب شعبة أحسن حديثا منه.ووثقه أحمد بن حنبل وقال ثقة وصاحب غزو وفضل وخير وقرآن ووثقه سليمان بن حرب وبالطبع هو ثقة عند أبي داود ووثقه ابن سعد وقال ثقة. ذكر كل هذا الذهبى في سير أعلام النبلاء. ولكن وجدت فيه هذه الفقرة فلم أفهمها فأعينونى بارك الله فيكم (وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ سَعْدٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ:
كَانَتِ الكُتُبُ الَّتِي عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ لِعَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ، وَكَانَ عَمْرٌو رَجُلاً غَزَّاءً يَغْزُو فِي البَحْرِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو دَاوُدَ، حَوَّلَ عَمْرٌو كُتُبَهُ.) فما معناه؟ وقال أيضا عن أحد علماء الحديث (سماع أبي داود وعمرو بن مرزوق من شعبة واحد) فماذا يعنى؟ وذكر الذهبى أن على بن المديني كان يلينه وذكر أيضا دهشة أحمد بن حنبل من هذا التجريح فى حق عمرو. فبرجاء التعليق على هذا كله رحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى كلمة مسلم بن إبراهيم هو أن عمرو بن مرزوق كان مالك الكتب التي كانت عند أبي داود الطيالسي، وكان عمرو رحمه الله مشغولاً بالغزو والجهاد في سبيل الله، فترك الكتب عند أبي داود، فلما مات أبو داود استرجع عمر وكتبه.
وأما قول بعضهم سماع أبي داود وعمرو بن مرزوق من شعبة واحد، فإنهما كانا يطلبان العلم معاً، وكانا يحضران مجلس شعبة معا، فكان سماعهما واحداً بسبب ذلك.
وأما ما ذكر عن علي بن المديني من الطعن في عمرو، فقد رده الإمام أحمد، وقال: بحثنا عما ذكر فيه فلم نجد له أصلاً، وذكر أن أهل العلم ارتضوه.
وقد وثقه هو وابن معين ومحمد بن سعيد وأبو حاتم وابنه، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى له البخاري مقروناً بغيره، وصحح حديثه الشيخ الألباني، وراجع للمزيد من كلام السلف فيه تهذيب الكمال للمزني، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(3/198)
التوضيح في دراسة علم مصطلح الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتسنى لي أن أشرع في دراسة علم مصطلح الحديث مع بعض إخواني؟ وبأي الكتب أبدأ؟ مع بيان أفضل طريقه للدراسة إن أمكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى على ذي عقل سليم مستقيم وجوب طلب علم الحديث الشريف وإتقانه وحفظه، لأن به يحفظ الأصل الثاني للشريعة وهو السنة المطهرة، ولدراسة هذا العلم نبدأ بمختصر لطيف سهل العبارة جامع لقواعده، ونختار لك كتاب "شرح المنظومة البيقونية" للعلامة محمد بن صالح العثيمين، فهو سهل العبارة، عظيم الفائدة، على أن تحفظ متن البيقونية وتُلم بالشرح إلماما جيدا، فإذا انتهيت منه فانتقل إلى كتاب "نزهة النظر" شرح نخبة الفكر. للحافظ ابن حجر، فإن من صنف في المصطلح بعد الحافظ إما شارح أو ناقل منه، ثم كتاب "النكت" للحافظ ابن حجر على مقدمة ابن الصلاح، ثم عليك بدراسة كتب التخريج، ومن أعظمها فائدة في هذه المرحلة "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للزيلعي، أو "التلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر، ومقدمة "تمام المنة" للألباني، ثم دراسة أجزاء من السلسلتين الصحيحة والضعيفة للألباني، واحرص في المذاكرة على حفظ القواعد والأدلة إن وجدت وكلام أهل العلم، ثم لخص كل هذا ودون الفوائد لتسهل عليك المراجعة، والله نسأل أن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(3/199)
علم الحديث وقواعده من أفضل العلوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الخبثاء قال لي إن القرآن والسنة لا تقول إن الكتب السابقة تم تحريفها, وعندما أريته الآيات والأحاديث التي تخبرنا بذلك قال إنها لا تعني أن الكتب محرفة ولكن إنها تعني أن النصارى واليهود كذبوا عندما قرأوا الكتاب للمسلمين, وأيضاً أن علم اختلاف الحديث يعني أننا لا نستطيع أن نعلم مكانة أي حديث.
أرجو أن تدعو الله أن يهيئني لكي أقيم الحجة عليه.
وأيضا أريد بعض التوضيح لمعنى علم اختلاف الحديث, وأيضا بعض الآيات التي تتحدث عن التحريف فى الكتب السابقة!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبق لنا فتاوى في إثبات تحريف التوراة والإنجيل، ومن ذلك الفتاوى التالية: 29326 / 43148 / 20706 / 12746.
وأما الكلام عن اختلاف الرواة وتغاير الحكم على الأحاديث فيرجع إلى أسباب كثيرة، ولكن الذي ينبغي علمه أن علم الحديث وقواعده من أعظم العلوم، والمنهج الذي سلكه المسلمون في التثبت من صحة الأحاديث من أدق المناهج في نقل الأخبار، والإسناد من خصائص الأمة المحمدية، ويمكنك الدخول من خلال العرض الموضوعي، وستجد الحديث الشريف فإذا دخلت هذا القسم فستجد فتاوى كثيرة تحت عنوان شبهات حول السنة، وفتاوى أخرى حول الشبهات المثارة حول رجال السنة، وستجد ما يثلج صدرك ويكون عوناً لك في بيان الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1425(3/200)
تعريف الحديث الحسن الغريب
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الحديث الحسن الغريب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الحديث الحسن قد عرفه ابن الصلاح في المقدمة بما معناه أنه: الحديث الذي يكون جميع رواته مشهورين بالصدق والأمانة إلا أنهم لم يبلغوا درجة رجال الحديث الصحيح لأنهم يقصرون عنهم في الحفظ والإتقان. وهم مع ذلك أرفع درجة ممن يعد ما انفرد به من حديثه منكراً، بالأضافة إلى سلامة الحديث من أن يكون منكراً أو شاذاً أو معللاً. أما الحديث الغريب فقد عرفه أيضاً بقوله: الغريب: الذي ينفرد به بعض الرواة، وكذلك الحديث الذي يتفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيره إما في متنه أو إسناده. فإذا وصف الحديث بأنه حسن غريب معا فهذا يعني أنه قد جمع شروط الحديث الحسن مع تفرد بعض الرواة به أو بأمر في متنه أو سنده، وترد عبارة حديث حسن غريب في سنن الترمذي كثيراً، من بين أمثلته ما ذكره الترمذي في السنن حيث قال: حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا مالك بن إسماعيل عن إسرائيل بن يونس عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك. قال أبو عيسى (الترمذي) هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1424(3/201)
درجة حديث: إذا سميتم محمدا فلا تضربوه ولا تحرموه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث: "إذا سميتم محمداً فلا تضربوه، ولا تحرموه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه رواه البزار عن أبي رافع قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه البزار عن شيخه غسان بن عبيد وثقه ابن حبان وغيره وفيه ضعف وضعف الحديث الشيخ ناصر الدين الألباني في السلسلة الضعيفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1424(3/202)
الأدب عند الاستشهاد بالحديث النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أوّلا أودّ أن أشكركم على الرّد الرّاقي الّذي وصلني من طرفكم.
أما عن السّؤال فهو كالآتي: ورد عن مجموعة من الشباب طرح قضيّة دينية وتوسع النقاش والجدال حتى استشهد أحدهم بحديث للرّسول (ص) ولم يذكر السّند ولا الصّيغة الصحيحة للحديث، ولكنه يقول قال الرسول (ص) فعارضه أحدهم وقال له لا يجوز لك أن تسرد حديثا من غير سند لتدعم موضوعك فأجابه إنه ليس بالضّرورة ذكر السّند، وأنّ هذا الأسلوب ليس من دواعي إقناع العام والخاص.
السؤال: ما مدى ضرورة ذكر السّند، وهل يجوز أن نسرد الأحاديث بهده الطريقة؟
المعذرة إن كان الموضوع طويلا أو غير مفهوم ولكم مني خالص الدعاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة يختلف حكمها باعتبارين:
ـ الأول: موضوع النقاش، هل هو موضع بيان اعتقاد أو حكم من أحكام الشريعة في الحلال والحرام، فهذا لا يتسامح في الاستشهاد فيه بما لا يعلم بوثوق نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتصر ذلك على الصحيح والحسن، أما المواعظ والرقائق والفضائل والقصص والأخبار فمما يتساهل فيه من حيث الجملة.
فقد رخص جماعة من أهل الحديث في رواية الحديث الضعيف والعمل به في غير العقائد والأحكام بقيود، كما سبق التنبيه عليها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 16194، 41058، 19826، 19651، 27850،هذا بخلاف الأحاديث الموضوعة والمكذوبة فلا يجوز الاستشهاد بها مطلقا، بل لا يجوز ذكرها إلا إذا قرن هذا الذكر ببيان حالها أي أنها مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 27801.
والاعتبار الثاني: مصدر تلقي الحديث، فمن يعتمد على الكتب المعروفة، حتى ولو كان فيها الضعيف ـ ككتاب (الترغيب والترهيب) مثلا، بحيث يقرأ فيه وينقله منه للناس، فهذا لا يستوي مع يعتمد على القصاصات والصحف والمجلات غير المتخصصة ولا الموثوق فيها، ولا يستوي كذلك مع من يذكر الحديث على التوهم، لا يذكر أين قرأه ولا ممن سمعه.
هذا من حيث العزو والإسناد، أما من حيث المعنى، فجمهور العلماء يجوزون رواية الحديث بالمعنى لمن يعرف اللغة ويأمن من اللحن وتغيير المعاني، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 62130.
وعلى أية حال فلابد من مراعاة أن التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كالحديث عن غيره، فينبغي التوقي والتيقظ والتحري في النقل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. رواه البخاري.
وذكر عمرو بن ميمون حال عبد الله بن مسعود عند التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول بشيء قط: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله قال صلى الله عليه وسلم. فنكس، قال: فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه قد اغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيها بذلك. رواه ابن ماجه، وبوب عليه: (التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وصححه الألباني. وقد سبق لنا بيان طرق الحكم بصحة الحديث أو ضعفه في الفتويين رقم: 118992، 18973.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(3/203)
أهمية التمسك بالسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد إرشادات حول السنة....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا تعريف السنة لغة واصطلاحا في الفتوى رقم: 25309.
ومن الإرشادات التي نذكرها لأخينا السائل حول السنة ما يلي:
1- أن السنة مصدر من مصادر التشريع لأنها وحي من الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه.. رواه أحمد. وانظر الفتوى رقم: 77994، ولذا كان جاحدها ومنكرها كافرا كفرا مخرجا من الملة كما بيناه في الفتوى رقم: 25570.
2- السنة شارحة للقرآن ومبينة له، قال شيخ الإسلام في الواسطية: فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه.. انتهى.
وقال في مجموع الفتاوى: فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له؛ بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. قال الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا. وقال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. وقال تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. انتهى.
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التمسك بالسنة ورغب فيها لاسيما وقت الفتن والاختلاف، فقال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
3- أن التمسك بالسنة والحرص عليها -وليس مجرد الادعاء والكلام والعاطفة- هو الدليل الحقيقي على كمال محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فكم من إنسان يدعي كمال محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخالف سنته صباحا مساء ويرتكب ما يبغضه النبي صلى الله عليه وسلم ويبغض فاعله، فتجد مثلا بعض الناس يعلق على سيارته عبارة جميلة كدليل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم: كلنا فداك يا رسول الله. ومع ذلك هو آكل للربا أو عاق لوالديه أو مضيع للصلوات، ولأمثال هؤلاء يقال:
تعصي النبي وأنت تزعم حبه *هذا لعمرك في القياس شنيع.
لو كان حبك صادقا لأطعته *إن المحب لمن يحب مطيع.
4- أن التمسك بالسنة سبب للنجاة وعصمة من الوقوع في الضلال؛ كما قال مالك رحمه الله: السنة كسفينة نوح من ركبها فقد نجا، ومن تخلف عنها غرق. اهـ
وقال الإمام الزهري: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، وكتب عمر بن عبد العزيز وصية لرجل فقال فيها: فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة. انتهى.
5- أن العمل بالسنة سبيل لمحبة الله تعالى للعبد ومغفرته لذنوبه، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران:31} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1429(3/204)
السنن التعبدية والسنن العادية
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم أولا، وأسأل ألله أن يعينكم وأن يجازيكم عن الإسلام والمسلمين خيرا. بارك الله فيكم
أريد التوضيح في مسألة السنة التعبدية والسنة العادية0 ما الفرق بين الاثنتين وما حكمهن؟
إذا أردت أن أفعل شيئا، كيف أستطيع أن أعرف هل هو من السنة التعبدية أو من السنة العادية؟
على سبيل المثال، هل السواك أو التسوك من هذا أم هذا؟
وأخيرا، هل يمكن أن تنصحوني بكتب نافعة في هذا الموضوع؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
السنن التعبدية هي ما ثبت التعبد بفعلها وفعلها سنة يثاب فاعلها، والسنن العادية هي الجارية على وفق العادة وفعلها جائز ويثاب فاعلها إذا قصد موافقة النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الفعل، والسواك من السنن التعبدية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسنن التعبدية هي السنن التي ثبت الدليل على التعبد بها وفعلها سنة يثاب عليه صاحبه، أما السنن العادية فهي الجارية على وفق العادة كطول الشعر مثلا إذ لم يقصد بها التشريع وهي جائزة ولا يتعبد بها إلا إذا قصد فاعلها موافقته صلى الله عليه وسلم في صفة الفعل وراجع الفتوى رقم: 24214. والفتوى رقم 66475.
وبخصوص السواك فهو سنة تعبدية ثبت الترغيب فيه في أحاديث كثيرة، وليست من سنن العادة. وراجع المزيد في الفتوى رقم: 80149، والفتوى رقم: 29647.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1429(3/205)
السنة وحي كالقرآن وليست مقصورة على فهم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن أن تكون السنن عن الرسول صلى الله عليه وسلم مذكورة في القرآن، وقد خص الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بفهمها؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يبعد أن تكون كثير من السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فهمها من القرآن، وقد قال الشافعي رحمه الله: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من الق رآن.
ولكن هذا لا يعني أن كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن يكون موجودا في القرآن، وقد ثبت في السنة أشياء كثيرة أنها أوحيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي ليست من القرآن، ومن ذلك ما رواه الجارود في المنتقى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وكذلك البيهقي في شعب الإيمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع طعاما فقال: كيف تبيعه؟ فأخبره فأوحي إليه أن أدخل يدك فيه فأدخل فإذا هو مبلول ... الحديث.
وكثير من الأمور الغيبية كأشراط الساعة بتفصيلها أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوجد تفصيلها في القرآن كالجنة والنار اللتان مع الدجال.
وبهذا تعلم أن السنة وحي كالقرآن، وليس الأمر مقصورا على فهم القرآن فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى: (13/363) : والسنة تتنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن لا أنها تتلى كما يتلى. اهـ.
ولبيان مكانة السنة النبوية نحيلك للفتوى رقم: 4588، والفتوى رقم: 6417.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(3/206)
السنة واتباع شرع من قبلنا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
من أركان الإيمان الستة: الإيمان بالرسل.
هل يمكن اعتبار تعريف السنة بأنها كل (قول, فعل, تقرير) جاء مع جميع الرسل مع تأكيد سنة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته وصحبه أجمعين إلى يوم الدين يوم الآخرة يوم الساعة
في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعريف أهل العلم للسنة بأنها قول وفعل وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم تعريف اصطلاحي لعلماء الأصول وضعوه لتعريف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يقول فيه السيوطي في نظم جمع الجوامع: قول النبي والفعل والتقرير سنته وهمه المذكور
وهذا أمر اصطلاحي.
وأما اتباع ما لم ينسخ ولم يأت ما يعارضه من هدي وسنن الأنبياء السابقين فإن أهل الأصول تناولوه عند تناولهم مسألة الاحتجاج بشرع من قبلنا، وقد بسطنا الكلام عليها في الفتوى رقم: 62554، فراجعيها، وراجع الفتوى رقم: 57867، والفتوى رقم: 25309.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1426(3/207)
وظيفة السنة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شرع الله شيئا في السنة؟ أم السنة جاءت لتبين ما أنزل في القرآن؟ لأنه كما أعلم أن السنة ليست محفوظة من التحريف.
أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من السنة النبوية ما جاء مبينا للقرآن الكريم وشارحاً له، ومنها هو مصدر رئيسي من مصادر التشريع، فقد حرم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أموراً لم ترد في القرآن الكريم، ومنها: تحريم وصل المرأة شعرها بشعر غيرها، وتحريم لحوم الحمر الأهلية.. إلى غير ذلك، ولمعرفة تفاصيل ذلك بأدلته راجع الفتوى رقم: 3879، والفتوى رقم: 38113، ولمعرفة هل السنة محفوظة من التحريف أم لا؟ راجع الفتوى رقم: 28205.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1426(3/208)
أقسام السنة ودورها في تفصيل وبيان القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف قسم الله الصلاة بينه وبين العبد؟
إن القرآن الكريم نزل على النبي (صلى الله عليه وسلم) مشتملاً على جميع الأغراض والأهداف التي بعث من أجلها فى صيغ عامة تحتاج إلى توضيح وتفصيل، بيّن الدور الدي تلعبه السنة فى توضيح وتفصيل أحكام القرآن، مركزاً على ذكر أنواع هذه السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثاً غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: "الحمد لله رب العالمين" قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: "الرحمن الرحيم" قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: "مالك يوم الدين" قال: مجدني عبدي، وقال مرة فوض إلي عبدي، فإذا قال: "إياك نعبد وإياك نستعين" قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
قال الإمام النووي رحمة الله تعالى: المراد بالصلاة هنا الفاتحة سميت بذلك -أي الصلاة- لأنها لا تصح إلا بها كقوله صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة.
ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة، قال العلماء: والمراد قسمتها من جهة المعنى، لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار ... انتهى.
وأما أقسام السنة ودورها في تفصيل وبيان القرآن، فهذا بحث طويل ولا تتسع له الفتوى، ولكن نذكر لك أشياء رئيسة تهتدي بها إلى المقصود، وتعرف من خلالها أوجه بيان السنة للقرآن وارتباطها الوثيق به، فالسنة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تؤكد ما في القرآن وتوضحه، كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: بني الإسلام على خمس شهادة إلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان.
القسم الثاني: تبين ما في القرآن، وذلك من عدة جوانب:
الأول: بيان مجمله، كبيان عدد ركعات الصلاة وما يتبع ذلك، وبيان الحج والعمرة ونحو ذلك.
الثاني: تخصيص عامه، كالنص على البيوع المحرمة وإخراجها من قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ.
الثالث: تقييد مطلقه، كتقييد قول الله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ قيدتها بالثلث فما دون.
الرابع: توضيح المشكل، كتوضيح قول الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ حين أشكل هذا على الصحابة وشق عليهم، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. فبين لهم أن المراد ظلم الشرك.
الخامس: بسط مختصره، كبسط قصة أصحاب الأخدود التي جاءت موجزة في القرآن الكريم.
السادس: نسخ بعض أحكامه، كنسخ الوصية للوالدين وعموم الورثة في قوله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ.
السابع: تُفرع على أصل مقرر في القرآن، كمنع أكل أموال الناس بالباطل، ولو كان عن رضا من الطرفين في العقود المحرمة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] .
وبينت السنة أن العقود المحرمة لا تجوز ولو حصل التراضي.
القسم الثالث: أن تكون السنة موجبة أو محرمة لحكم سكت القرآن عنه، كإيجاب زكاة الفطر، وكتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، وتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، وتحريم الذهب والحرير على الرجال وغير ذلك، وما أوردناه هنا ملخص من كتاب موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية لمؤلفه الأمين الصادق الأمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1424(3/209)
حكم إنكار السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: رجل يقوم بالدعوة إلى الله لشخص آخر، أثناء الحديث الداعية قال للمدعو: "الحديث ... " يريد الاستدلال بقول الرسول، وإذا بالمدعو يقول له أي حديث؟ هل يكفر بقوله هذا؟ أم تأخذ النية بالحسبان؟
أفتونا؟ جزاكم الله خيراً، وثبتكم الله وأقامكم على الحق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنكار السنة النبوية كمصدر للتشريع، أو إنكار ما ثبت منها تواتراً سنداً ومتناً، كفر أكبر، وأما إنكار ما سوى ذلك بغير تأويل معتبر فضلال، وعليه فلا نستطيع الحكم على هذا القائل لعدم معرفتنا بملابسة الواقع ونوع الحديث الذي أنكره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1424(3/210)
أنواع السنة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أنواع السنة النبوية؟ مع ضرب مثال لكل منهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد أولاً من تعريف السنة لغة وشرعاً، فالسنة لغة: عبارة عن السيرة والطريقة المعتادة، وهي في الشرع: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته.
وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع: سنة قولية وسنة عملية وسنة تقريرية.
فالسنة القولية: هي الأحاديث التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف الأغراض والمناسبات، مثل قوله: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه.
والسنة الفعلية: هي الأعمال التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل أداء الصلاة وأداء شعائر الحج وقضائه بشاهد ويمين المدعي ... وغير ذلك.
والسنة التقريرية: هي أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار قول أو فعل صدر أمامه، أو في عصره وعلم به، وذلك إما بموافقته أو استبشاره أواستحسانه، وإما بمجرد عدم إنكاره، مثل أكل الضب على مائدته صلى الله عليه وسلم، ومثل استبشاره بحكم القائف.
وراجع للفائدة الفتوى رقم:
26320
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1424(3/211)
منزلة السنة في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأهمية للأحاديث في حياة المسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السنة مصدر رئيس من مصادر التشريع، وهي تبيين لأحكام القرآن، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44] .
وكذلك وصف الله ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [لنجم:3-4] .
وكذلك ثبت في الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه".
وقد أجمع المسلمون المتقدمون منهم والمتأخرون على أن السنة حجة في الدين، ودليل من أدلة الأحكام الشرعية التي تثبت بها الأحكام العملية، بل حفظ القرآن الكريم متوقف على حفظ السنة، لأنها الشارحة والمبينة له.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الله حفظ السنة كما حفظ القرآن، وأن لفظ: (الذِّكْرَ) في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] . يشمل القرآن والسنة، لأن الله سمى السنة ذكراً في قوله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44] .
ولا يمكن تطبيق الإسلام إلا بالرجوع إلى السنة، فأين يجد المسلم في القرآن أن الظهر أربع ركعات، وأن العصر والعشاء كذلك، وأين يجد أيضاً الزكاة، وتفاصيل أحكام الحج، وغير ذلك.
والسنة كما أنها مبينة وشارحة للقرآن، فهي تستقل ببعض الأحكام، كإيجاب صدقة الفطر، وتحريم الذهب والحرير على الرجال، وغير ذلك من الأحكام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/212)
ترتيل الحديث ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[نلاحظ من بعض الإخوة عند قراءتهم للحديث الشريف أنهم يرتلونه ويزينون أصواتهم بقراءته فهل لهذا العمل أصل؟ وهل هو صحيح أم لا؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي أمرنا الله بترتيله هو القرآن الكريم، فقال عز وجل: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل:4]
والذي أمرنا الله أن نزينه بأصواتنا هو القرآن الكريم، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به" رواه البخاري.
وروى أحمد في المسند عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم" وصححه الأرناؤوط.
أما الحديث الشريف، فلا نعلم نصاً قرآنياً ولا نبوياً أمر بترتيله، إلا ما ورد في كتب الاصطلاح من استحباب التؤدة في قراءته، وعدم الاستعجال عند روايته.
قال السيوطي رحمه الله في الألفية:
ورتل الحديث واعقد مجلساً ... يوماً بأسبوعٍ للملاء إئتسا
قال الشيخ محمد الولوي في شرح الألفية: أي تمهل في قراءته ولا تعجل، ولا تسردها سرداً يمنع فهم بعضه. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1423(3/213)
السنة مفسرة لكتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما دخل السنة بالكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت تسأل عن علاقة السنة بكتاب الله تعالى؟ فالجواب أن السنة مفسرة لكتاب الله مبينة له، كما قال الله (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل:44] ، وراجع الفتوى رقم:
3879
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1423(3/214)
السنة الحسنة والسنة السيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد بدع حسنة وبدع سيئة.. وسنة حسنة وسنة سيئة.. نرجو منكم التوضيح مع ذكر الأمثلة التوضيحية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على معنى البدعة الحسنة والبدعة السيئة، في الفتوى رقم: 2741.
أما السنة فلها أيضا إطلاقان: إطلاق شرعي، وإطلاق لغوي.
أما بالمعنى الشرعي، فليس فيها سيء أبداً، وذلك لأنها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته.
وأما بالمعنى اللغوي، فإن منها ما هو حسن: ومنها ما هو قبيح، لأن معناها السيرة: حسنة كانت أو قبيحة، وهذا المعنى هو المذكور في الحديث: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1422(3/215)
اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم واجب على كل المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في المذاهب التي لا تتبع السنة النبوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقد فرض الله على الأمة أن تتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به من عند الله، يقول الله في كتابه: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) . [النساء: 80] .
ويقول في آية أخرى: (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) . [الأحزاب: 36] .
ويقول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو أن موسى بن عمران كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني"
وقال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
فمن حاد عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يأخذ بقوله، وقد عهد إلينا الأئمة المجتهدون رضي الله عنهم بأنه إذا خالف قولهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نترك قولهم ونتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1422(3/216)
السنة هي المصدر الثاني للتشريع
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... السلام عليكم ورحمة الله تعالى. ما هي السنة وما معناها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
السنة في اللغة: الطريقة، ومنه قال صلى الله عليه وسلم: "لتركبن سنن من كان قبلكم" يعني طريقتهم [رواه البخاري ومسلم] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وفي الاصطلاح هي: (قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله وإقراره) . فتشمل الواجب والمستحب. والسنة هي: المصدر الثاني في التشريع، ومعنى ذلك في العدد، وليس في الترتيب، فإن منزلتها إذا صحت من حيث السند -أي إذا تيقنا بأن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم- تكون بمنزلة القرآن من حيث الحكم. فإن الناظر في القرآن يحتاج إلى شيء واحد، وهو صحة الدلالة على الحكم، والناظر في السنة يحتاج إلى شيئين الأول: صحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني: صحة دلالتها على الحكم، فكان المستدل بالسنة يعاني من الجهد أكثر مما يعانيه المستدل بالقرآن، لأن القرآن قد كفينا سنده، فسنده متواتر، وليس فيه ما يحمل الناظر على الشك. بخلاف ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فإذا صحت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت بمنزلة القرآن تماماً في تصديق الخبر والعمل بالحكم، كما قال تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) [النساء: 113] يعني السنة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، يقول: لا ندري؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه" [رواه الأمام أحمد، والترمذي وابن ماجه] .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/217)
الكتب المروية بالإسناد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد كتب تحكي قصصا بالأسانيد غير كتب العلوم الشرعية، هل الإسناد مستعمل في علوم أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا علم لنا بوجود كتب تحكي قصصا بالأسانيد غير الكتب المتعلقة بالسنة الشريفة. وقد ذكر أهل العلم أن علم الرواية والإسناد من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن العرب قبل الإسلام كان حظهم من ذلك وجود بعض الرواة الذين ينقلون الشعر، ويؤدونه في بعض المحافل في حياة الشاعر نفسه، دون مراعاة لحال هؤلاء من حيث العدالة والضبط، ودون أن يأخذ ذلك صورة الإسناد المنقول عن أكثر من واحد.
كما أنه من المعروف أن الأناجيل الأربعة التي يعتمد عليها النصارى منقطعة السند بالنسبة للمسيح عليه السلام.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(3/218)
تحقيق المقال في كتاب مسند السراج
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا رأيكم في كتاب مسند السراج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسند السراج هو مسند الإمام محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي النيسابوري وهو أحد المحدثين الكبار سمع من البخاري وإسحاق بن راهويه وقتيبة بن سعيد وغيرهم، قيل عنه إنه كتب عن ألف وخمسمائة وزيادة وحدث عنه البخاري ومسلم خارج الصحيحين وأبو حاتم الرازي وابن أبي الدنيا وابن خزيمة وابن حبان.
وقال عنه الخطيب: كان من المكثرين الثقات الصادقين الأثبات عني بالحديث وصنف كتبا كثيرة وهي معروفة مشهورة.
وهذا الكتاب ليس مسندا من المسانيد المرتبة حسب أسماء الصحابة كمسند الإمام أحمد ومسند بقي بن مخلد والطيالسي وغيرها بل إنه سمي مسندا لكون أحاديثه مسندة، وهو مرتب على الأبواب، وقد حققه وخرج أحاديثه الشيخ الأستاذ إرشاد الحق الأثري وطبع في الباكستان، وبالنظر في التحقيق يعلم أن الكتاب يحوي الأحاديث المسندة وكثير منها صحيح أو حسن وقد يوجد منها ما هو ضعيف.
ومما يدل على أهمية الكتاب كثرة نقل الحافظ ابن حجر في الفتح منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1428(3/219)
القول في كتاب مسند الشهاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا رأيكم في كتاب مسند الشهاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسند الشهاب كان أصله ما ألفه المصنف رحمه الله أولًا وسماه كتاب الشهاب، وقد قال في مقدمته:
" وقد جمعت في كتابي هذا مما سمعته من حديث (ألفَ كلمة -يعني ألف متن حديث- من الحكمة في الوصايا والآداب والمواعظ والأمثال، وجعلتها مسرودة يتلو بعضها بعضا محذوفة الأسانيد مبوبة أبوابا على حسب تقارب الألفاظ، ثم زدت مائتي كلمة فصار الكتاب ألف كلمة ومائتي كلمة، وختمت الكتاب بأدعية مروية عنه عليه السلام، وأفردت لأسانيد جميعها كتابا يرجع إليه في معرفتها ".
فعبارته الأخيرة: " وأفردت ... " تشير إلى قصة هذا المسند، وكيف كان الكتاب محذوف الأسانيد مقصورًا على المتون، ثم أسنده المصنف فخرج على ما هو عليه.
والكتاب يعج بالأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ حتى إن الصغاني صنف عليه رسالة تكشف ما به سماها: "الدر الملتقط في بيان الغلط"، وبناء عليه، فلا بد من النظر في أسانيده ومدار جل أسانيده على أبي محمد عبد الرحمن بن عمر التجيبي المعروف بابن النحاس، وقد يسميه الصفار أو البزاز.
وتبلغ عدة أحاديث الكتاب ألفا وثلاثمائة وواحدا وسبعين حديثًا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1428(3/220)
القول في مسند علي بن الجعد الجوهري
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا رأيكم في كتاب مسند علي بن الجعد الجوهري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا المسند من المسانيد المعروفة، والمسانيد هي الكتب التي رتبها مؤلفوها حسب الصحابة فيذكر كل صحابي على حدة مع عدم الالتزام بصحة السند. ومؤلف هذا المسند أحد شيوخ الإمام البخاري رحمه الله تعالى، وقد زكاه ابن معين وأبو حاتم الرازي وأبو زرعة والنسائي والدارقطني.
وقال فيه ابن عقدة: ليس في الدنيا أسند من رجلين علي بن الجعد ولوين؛ لأنهما جمعا شيوخ الأمصار العالية وعمرا. اهـ
وبهذا يعلم أن مؤلف الكتاب أحد الرجال المحدثين الكبار، إلا أن الكتاب لم يلتزم فيه بالصحة، فلا بد من النظر في أسانيده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1428(3/221)
القول في مسند البزار
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا رأيكم في كتاب مسند البزار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسند البزار أحد المسانيد المشهورة التي ألفها مؤلفوها حسب الصحابة دون مراعاة ولا التزام بالصحة، وقد تكلم الهيثمي في المجمع على كثير من أحاديثه التي انفرد بها عن الكتب الستة، فهو كتاب جيد إلا أنه لا بد من النظر في أسانيده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1428(3/222)
مظان وجود عبارات مثل: ثنا ونا وأنا
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي كتاب يمكنني الحصول على توضيح مختصرات صيغ الأداء التي يستعملها المحدثون مثل ثنا ونا وأنا أرجو منكم الإفادة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يمكنك الحصول على توضيح هذه العبارات في شرح السخاوي لألفية العراقي، وشروح ألفية السيوطي، وطلعة الأنوار، ومقدمة ابن الصلاح، وتدريب الراوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(3/223)
لم يشترط مدونو السنة الصحة كما اشترطها الشيخان في صحيحيها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أي حديث بكتب الأحاديث المشهورة غير الصحيحين للبخاري ومسلم مثل (سنن أبي داود, الترمذي, النسائي, ابن ماجه, الموطأ, مسند الإمام أحمد, صحيح ابن حبان, البيهقي, مستدرك الحاكم, معاجم الطبراني, سنن الدارقطني, مصنفات عبد الرازق, ابن أبي شيبة, أبى يعلى الموصلي) يكون حديثا يؤخذ به أم لا؟ أليس هؤلاء جميعا أئمة حديث أجلاء كانوا يتحرون الدقة في تدوين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يشترط أصحاب السنن والمسانيد والمعاجم والمستخرجات والمستدركات وغيرها الصحة فيما رووه من أحاديث، لذلك تجد عندهم الصحيح والحسن والضعيف الذي لم يستكمل شروط الصحة، بل والموضوع أحياناً.
قال أبو داود صاحب السنن في مقدمة سننه: فما كان فيه من ضعف بينته، وما سكت عنه فهو صالح.
وعليه، فلا يحكم على أحاديث هذه الكتب بالصحة بمجرد إخراج أصحابها لها، ولذلك لابد من التنصيص على صحتها من مؤلفي هذه الكتب أو من غيرهم من علماء الحديث، كما سبق في الفتوى رقم: 54410.
وقد خرج العلماء عامة هذه الأحاديث كما في نصب الراية للزيلعي، والتلخيص الكبير للحافظ والفتح له، وكتب الألباني وتعليقاته على السنن، وتعليقات الشيخ أحمد شاكر وغير ذلك كثير.
أما كون هؤلاء أئمة أعلاما، فلا يلزم منه تصحيح كل ما رووه، لأنهم لم يشترطوا الصحة كما اشترطها البخاري ومسلم في صحيحيهما، حتى ما رواه البخاري في بقية كتبه كالأدب المفرد وخلق أفعال العباد والتاريخ فيه الصحيح والضعيف، وكانوا رحمهم الله يروون الأحاديث الضعيفة بأسانيدها لينظر فيها العلماء فيعلمون علة الضعيف، ومن أسند فقد سلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1425(3/224)
المدة التي قضاها الإمام مسلم في جمع وترتيب صحيحه
[السُّؤَالُ]
ـ[كم سنة قضاها الإمام مسلم في جمع وترتيب صحيحه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قضى الإمام مسلم في تنقيح كتابه الصحيح وتهذيبه وانتقائه ست عشرة سنة نقل عنه ذلك الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، كما نقله صاحب السراج الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج.
وهذه المدة المذكورة مدة التهذيب والانتقاء.. أما مدة التبييض والتأليف فإنها أكثر من ذلك.
قال الإمام النووي: وقد انتخب علمه ولخص ما ارتضاه في هذا الكتاب، وبقي في تهذيبه وانتقائه ستة عشر سنة، وجمعه من ألوف مؤلفة من الأحاديث الصحيحة.
وقال صاحب السراج الوهاج وقد انتخب عمله ولخص ما ارتضاه من الصحيح في هذا الكتاب وبقي في تهذيبه وانتقائه ست عشرة سنة.. ثم قال: قال مسلم: لو أن أهل الحديث يكتبون الحديث مائتي سنة فمدارهم على هذا المسند يعني صحيح مسلم. ..) .
وصحيح مسلم هو أصح الكتب المصنفة في الحديث بعد صحيح الإمام البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1425(3/225)
حول سنن الترمذي
[السُّؤَالُ]
ـ[أفادنا الله بعلمكم، وسؤالي هو: هل كل الأحاديث المروية عن الترمذي صحيحة، ومنها أن من قرأ الدخان في ليلة بات يستغفر له سبعون ملكاً، لأنني أصادف أحاديث غير مروية عن الشيخين ولا يذكر إذا كانت صحيحة فكيف التعامل معها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سنن الترمذي يحوي أحاديث صحيحة أو حسنة، كما يحوي كثيرا من الأحاديث الضعيفة، وقد نبه الترمذي نفسه على تضعيفها. وقد أفرد الألباني جزءاً منه يقارب ثلثه وذكر أنه ضعيف، وأما حديث قراءة الدخان، فقد سبق بيان تضعيفه في الفتوى رقم: 5110.
وأما الأحاديث التي تجدها في الكتب غير معزوة إلى الكتب التي تختص بالصحيح فإنه لا بد لمعرفة تخريجها من الرجوع إلى أهل العلم ليبينوا صحتها من ضعفها، قال السيوطي في ألفية المصطلح في الحديث عن الصحيح وطرق معرفته:
وخذه حيث حافظ عليه نص * أو من مصنف بجمعه يخص
كابن خزيمة ويتلو مسلما * وأوله البستي ثم الحاكما
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1425(3/226)
تدوين الفقه والحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هو تاريخ تدوين الفقه وتاريخ تدوين السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي ما يتعلق بتدوين السنة يمكنك الدخول على محور الحديث من الصفحة الرئيسية، ثم على تدوين السنة وعلوم الحديث، وراجع أيضاً الفتوى رقم: 8516.
وأما تدوين الفقه: فالكلام عنه طويل لأن محاور الفقه ثلاثة:
الأول: أصول الفقه.
الثاني: قواعد الفقه.
والثالث: فروع الفقه.
ولكل واحد من هذه الثلاثة مراحل تدوينه، وكل واحد منها يحتاج إلى بحث طويل، ولكن يمكن للسائل الرجوع إلى كتاب تدوين المذاهب الفقهية لمحمد أبو زهرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(3/227)
[السُّؤَالُ]
ـ[متى بدأت كتابة الأحاديث، لأن بعض أهل البدع الذين يقسمون البدعة إلى حسنة وسيئة يحتجون بأن كتابة الأحاديث لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالبدعة كلها سيئة وليس فيها ما هو حسن، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة..، وإن كنت تقصد السؤال عن بدء التدوين الرسمي للأحاديث النبوية نهاية القرن الأول الهجري بأمر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، فراجع للفائدة الفتوى رقم: 8516.
وهذا التدوين الرسمي للحديث الشريف بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يعد بدعة، لأن من ضوابط البدعة أن: كل عملٍ لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي له وعدم المانع من فعله، ففعله الآن بدعة، وبهذا يخرج تدوين الحديث عن نطاق البدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تدوينه لقيام المانع في عهده وهو خشية اختلاط الحديث بالقرآن، فلما جمع القرآن وكثر حافظوه وأُمن من اختلاط القرآن بغيره انتفى هذا المانع.
وإن كنت تقصد السؤال عن بدء التدوين الفردي للأحاديث، فقد بدأ هذا التدوين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهناك كثير من الروايات بالأسانيد الثابتة تدل على كتابة الحديث في عصره صلى الله عليه وسلم، وتبلغ درجة التواتر.
فقد أذن صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بالكتابة، وأمر بعضهم بها، ومن ذلك أن رجلاً من أهل اليمن قال في فتح مكة: اكتب لي يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: اكتبوا لأبي شاة. كما عند أبي داود.
وأخرج البخاري من حديث وهب بن منبه عن أخيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب.
وكان عبد الله بن عمرو قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يكتب بيده ما سمعه منه فأذن له، يقول عبد الله: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بأصبعه إلى فيه -أي فمه- فقال: اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق. رواه أبو داود.
وروى البخاري عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا ما في كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر.
وكتب صلى الله عليه وسلم للملوك والعظماء كتباً يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكتب أيضاً إلى أمرائه وعماله كتباً حدد لهم فيها الأنصبة ومقادير الزكاة والجزية والديات.
ولا تعكر على هذا الأحاديث التي تدل على النهي عن الكتابة، كحديث أبي سعيد الذي رواه الإمام مسلم وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: لاتكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه.
فإن هذا النهي كان في أول الأمر حين خيف اشتغال الصحابة عن القرآن واختلاط غيره به، ولتوجيه جهود الصحابة الذين كانوا يحسنون الكتابة إلى كتاب الله، وقد استقر الإجماع بعد ذلك وانعقد -كما يقول الحافظ ابن حجر - على جواز كتابة العلم، بل على استحبابه، بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم.
فقام جماعة من الصحابة بكتابة ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم كتب ذلك في صحف خاصة، كالصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص، وكصحيفة جابر بن عبد الله وغير ذلك، وقد ذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب في كتابه "السنة قبل التدوين" جملة كبيرة مما كتبه الصحابة رضي الله عنهم في صدر الإسلام، ومما كتبه التابعون رحمهم الله، كصحيفة همام بن منبه، حتى كثرت الكتابة وانتشرت، ولمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 631، 16874، 29016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(3/228)
علم الحديث.. رواية ودراية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لكم أن تقدموا لنا بحثا أو عرضا مفصلا لموضوع علم الحديث؟
أرجو ألا تتعطلوا في الرد علي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلم الحديث لا يمكن الحديث عنه بتوسع في فتوى من طبيعتها الإيجاز والاختصار، نظرا لسعة هذا العلم وكثرة متعلقاته، شأنه في ذلك شأن باقي العلوم الإسلامية، وسنتكفي بأن نعَرِّف به في إيجاز، فنقول: قد قسم العلماء علم الحديث إلى قسمين: علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية.
فأما تعريف علم الحديث رواية فهو: علم يشتمل على أقوال النبي وأفعاله وتقريراته وصفاته، وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها، ويُبْحث في هذا العلم عن رواية الأحاديث وضبطها ودراسة أسانيدها، ومعرفة حال كل حديث من حيث القبول والرد، ومعرفة شرحه ومعناه وما يُستنبط منه من فوائد.
وأما تعريف علم الحديث دراية -ويطلق عليه مصطلح الحديث أو أصول الحديث أو علوم الحديث-: فهو العلم بقواعد يُعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول أوالرد، أو هو القواعد المُعَرِّفة بحال الراوي والمروي.
وعلم الحديث دراية يُوَصِّل إلى معرفة المقبول من المردود بشكل عام، أي بوضع قواعد عامة، فأما علم رواية الحديث، فإنه يَبْحث في هذا الحديث المُعَيَّن الذي تريده، فيُبَيِّن بتطبيق تلك القواعد أنه مقبول أو مردود، ويضبط روايته وشرحه، فهو إذاً يبحث بحثا جزئيا تطبيقيا، فالفرق بينهما كالفرق بين النحو والإعراب، وكالفرق بين أصول الفقه وبين الفقه.
وتمكنك الاستعانة بالفهرس الموضوعي في موقعنا، وستجد تحت تصنيف الحديث كثيرا من الفتاوى المتعلقة بعلم الحديث.
وكذلك يوجد في قسم المحاور الشرعية في موقعنا العديد من الأبحاث والمقالات عن علم الحديث، يمكنك الاطلاع عليها.
ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(3/229)
تشدد عمر بن الخطاب مع رواة الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر أحد الخطباء في خطبة الجمعة أن عمر بن الخطاب سجن ابنه عبد الله وأبا هريرة وصحابيا ثالثا نسيت اسمه لأنهم كانوا يكتبون الحديث بدعوى أنه يشغلهم عن القرآن. فما صحة هذه القصة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر يفيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سجن ابنه عبد الله أو أبا هريرة أو أحدا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كتابة الحديث، وكل ما وقفنا عليه في هذا الموضوع هو أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يتشدد مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما يروون حديثا عنه. حتى إنه قد ورد في الصحيحين أن أبا موسى الأشعري حينما روى حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الاستئذان من صاحب الدار، قال له عمر: والله لتقيمن عليه بينة، وزاد مسلم: وإلا أوجعتك. أمنكم أحد سمعه من النبي؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فشهدت معه.
وروى البيهقي وعبد الزراق أن عمر أراد أن يكتب السنن، فاستفتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له. فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا، فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله. وإني لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا.
ولما وصلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، أرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة وقال له: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء. وعلى هذا الحال من كتابة الحديث وتدوين السنة استقر أمر المسلمين إلى يومنا هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1426(3/230)
أول من صنف الحديث الشريف المجرد
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أول من صنف الحديث الشريف المجرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتدوين الحديث النبوي مّر بمراحل ابتداء من عصر الصحابة، فقد دوّن بعضهم ما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهم أول من كتب الحديث غير أنه لم يصل إلينا من ذلك شيء.
وفي خلافة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- كتب إلى جماعة أن يجمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جمع الحديث في تلك الفترة مختلطاً بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
ومازال الأمر كذلك حتى رأى بعض العلماء أن يفرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهج آخر، فصنف عبيد الله بن موسى مسنداً، وصنف مسدد البصري مسنداً، وكذلك فعل أسد بن موسى، ونعيم بن حماد الخزاعي.
ونهج المسانيد أن يُفرد أحاديث كل صحابي على انفراد. ثم اقتفى الحفاظ آثار هؤلاء.
وأما أول من صنف في الحديث الصحيح المجرد فهو الإمام البخاري كما هو مقرر عند علماء المصطلح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1423(3/231)
كتابة الحديث وتدوينه
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تم منع تدوين الأحاديث الشريفة لمدة عشرات السنين وأذكر الحديث عن عبد الله بن عمر قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا أتكتب كل شيء ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضى فأمسكت عن الكتاب فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في جواز كتابة الحديث، فكرهها عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد الخدري في جماعة آخرين من الصحابة، كما كرهها بعض التابعين. وأباحها علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، والحجة للفريق الأول ما روى أبو سيعد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه" رواه مسلم.
والحجة للفريق الثاني قصة أبي شاهٍ اليمني في التماسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئاً سمعه في خطبته عام فتح مكة" وقوله صلى الله عليه وسلم " اكتبوا لأبي شاة" متفق عليه من حديث أبي هريرة.
وفي الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه أنه قال في حديث له (وما في هذه الصحيفة) ثم ذكر أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة فيها.
وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لم يكن أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب" وفي رواية: استأذن رسول الله في الكتابة فأذن له. وفي السنن: أن عبد الله بن عمرو قال يا رسول الله: أكتب عنك في الرضا والغضب؟ فقال اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق" وأشار بيده إلى فيه… ولعله صلى الله عليه وسلم أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان، ونهى عن الكتابة عنه لمن وثق بحفظه مخافة الاتكال على الكتابة، أو نهى عن كتابته حين خاف عليهم اختلاط ذلك بصحف القرآن وأذن في كتابته حين أُمِنَ من ذلك، ثم زال الاختلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه لدرس في الأعصر الأخيرة.
أما تدوين الحديث بصورة عامة فقد همَّ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه به، واستشار الصحابة رضي الله عنهم فأشاروا عليه بذلك، ثم استخار الله شهراً، ثم قال: إني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله عز وجل، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً، رواه البيهقي. وفي هذا ما يؤكد أن علة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث هي ما ذكرنا قبل، من خشية أن يختلط على البعض القرآن بالسنة، لذا كان نهيه عن تدوين السنة عاماً، وإذنه كان خاصاً لظروف وملابسات معينه.
وأما تدوين السنة تدويناً عاماً، فتكاد تجمع الروايات أن أول من فعله هو الخليفة الراشد (عمر بن عبد العزيز) إذ أرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة قائلاً: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء) وأمره أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن، والقاسم بن محمد. ورغب إلى محمد بن مسلم الزهري أن يكتب بقية حديث أهل المدينة.
بل أرسل إلى ولاة الأمصار كلها وكبار علمائها يطلب منهم مثل هذا، فقد أخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل الآفاق (انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه)
ثم بعد ذلك شاع التدوين، وظهرت الكتب. فلله الحمد والمنة أن حفظ كتابه، وهيأ رجالاً حفظوا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1422(3/232)
البخاري ومسلم لم يستوعبا كل الأحاديث الصحيحة في كتابيهما
[السُّؤَالُ]
ـ[في كتب أحاديث أهل السنن كثير من الأحاديث صحيحة فيها تضعيف الحسنات غير موجودة في صحيحيّ البخاري ومسلم مثل حديث غسل يوم الجمعة عند أحمد.
لماذا لم يذكرها الشيخان (البخاري ومسلم) ؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبخاري ومسلم رحمهما الله تعالى لم يستوعبا كل الصحيح في كتابيهما، بل صرحا بنفي ذلك.
قال ابن الصلاح في مقدمته: لم يستوعبا الصحيح في صحيحيهما ولا التزما ذلك، فقد روينا عن البخاري أنه قال: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لملال الطول. وروينا عن مسلم أنه قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا يعني في كتابه الصحيح، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه.
قلت: أراد والله أعلم أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم.
وقال النووي في مقدمته على شرح صحيح مسلم: لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله، لا أنه يحصر جميع مسائله، لكنهما إذا كان الحديث الذي تركاه أو تركه أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه، فالظاهر من حالها أنهما اطلعا فيه على علة، إن كانا روياه، ويحتمل أنهما تركاه نسيانا، أو إيثارا لترك الإطالة، أو رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده، أو لغير ذلك.
وعلى ذلك فلا يشكل عدم إخراج البخاري ومسلم لكثير من الأحاديث الصحيحة في فضائل الأعمال وتضعيف الحسنات وغير ذلك. وانظر الفتوى رقم: 108617
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(3/233)
عدد أحاديث مسند الإمام أحمد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحديث الصحيح؟ وما هي شروطه؟ وكم عدد أحاديث مسند الإمام أحمد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أحاديث المسند عددها أربعون ألفا؛ كما قال السيوطي في تدريب الراوي، ويوجد منها حوالي عشرة آلاف مكررة. وراجع في الحديث الصحيح الفتوى رقم: 11828.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1429(3/234)
المدة التي استغرقها الإمام أحمد في جمع مسنده
[السُّؤَالُ]
ـ[في كم سنة جمع الإمام أحمد مسنده؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
جمع الإمام أحمد المسند في اثنتين وستين سنة تقريباً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسند الإمام أحمد يعتبر من أكبر دواوين السنة وأشهرها وأهم مراجعها، فقد أراد له جامعه أن يكون القاموس الأول للحديث والمرجع المفضل لطلبة هذا الفن، فكان كما أراد، وقد بدأ في جمعه بداية طلبه للحديث عندما كان في بداية شبابه في السادسة عشر من عمره، واستمر في جمعه مدة حياته، وقد ولد رضي الله عنه سنة اثنين وستين ومائة، وتوفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين، ولذلك فتكون مدة جمعه حوالي اثنين وستين سنة.
قال أبو زهرة في كتابه عن الإمام أحمد: المسند هو مجموعة الأحاديث التي رواها الإمام أحمد رضي الله عنه وضرب في مناكب الأرض ... ساعياً في جمعها.. ابتدأ جمعه من وقت ابتدائه لطلب الحديث في السادسة عشر من عمره ... سنة ثمانين ومائة.. وقد روى عنه ابنه عبد الله قال: قلت لأبي: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا إليه ... وقد استمر في جمعه هذا مدى حياته غير مرتب فلما أحس بدنو أجله جمع أولاده وأهل بيته وخاصته فأسمعهم إياه وأملاه عليهم دون ترتيب.. ثم إن ابنه عبد الله ألحق به ما يشاكله وضم إليه من مسموعاته ما يشابهه. انتهى بتصرف من كتاب أبي زهرة عن الإمام أحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1428(3/235)
مسند الشافعي فوائده جمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا رأيكم في كتاب مسند الشافعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسند الشافعي هو أحد المتون التي ألفها الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، المولود سنة: 150هـ، والمتوفى سنة: 204هـ.
وقد جاء في أوله: باب ما خرج من كتاب الوضوء، أخبرنا مالك بن أنس عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة رجل من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته.اهـ
وكان في آخره: أخبرنا ابن عيينة عن منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عبد الله أنه لبى على الصفا في عمرة بعد ما طاف بالبيت. والله أعلم.اهـ
وهو كتاب جليل القدر وعظيم الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1428(3/236)
كتاب مسند أبي حنيفة وشرحه للملا علي القاري
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تنصحون بقراءة كتاب مسند أبي حنيفة من أبو نعيم الأصفهاني وكتاب شرح مسند أبي حنيفة من الملا علي القاري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسند أبي حنيفة من المسانيد المعروفة؛ إلا أنه يوجد فيه الصحيح والحسن وغيرهما، وقراءته على العموم مفيدة إن شاء الله. والملا علي قاري أحد المحدثين والفقهاء من الحنفية وشروحه ومؤلفاته مفيدة جيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1428(3/237)
اسم صحيح البخاري كما سماه البخاري
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم صحيح البخاري؟
أرجو الرد بسرعة أثابكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري هدي الساري أن الإمام البخاري قد سمى كتابه الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، وذكره الحافظ أيضا في تغليق التعليق باسم الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1426(3/238)
دفاع عن الحديث الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يريد أحدهم الأخذ بالأحاديث لأنها جمعت بعد 200 سنة من موت الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، ووضع الكثير منها. فمتى جمعت الأحاديث؟ وهل أعنتموني في الرد عليه لأنه يصرح بذلك أمام جماهير ومنهم من يسمع منه. وأعلم أنه يريد الإضلال. الرجاء الرد بسرعة لأن لدي فرصة للرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رفض الحديث بحجة تأخير التدوين ووجود الوضع في بعض الأحاديث يعتبر تملصا من أحكام الشرع، فإن الله تعالى قد أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره، واتباعه في هديه، وجعل طاعته طاعة لله. قال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {آل عمران:132} . وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ {النساء: 80} . وقال: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا {النور: 54} . وقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63} . وفي حديث البخاري: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.
فلا يسوغ شرعا ولا عقلا ترك العمل بالسنة احتجاجا بهذه الحجج.
أما شرعا فلما قدمنا من وجوب طاعة الرسول في نصوص الوحي.
وأما عقلا فلأن أغلب تفصيلات أعمال الشرع كأفعال الصلاة وأنصبة الزكاة وما يخرج منها وأعمال الحج والعمرة إنما علمت بالسنة القولية والفعلية. فكيف تتم عبادة الله والقيام بأمره في هذه المسائل التي هي من أركان الإسلام إذا كان الإنسان لا يعمل بالسنة النبوية.
ثم إنا ننبه إلى أن كتابة الحديث وجمعه ليس صحيحا أنها تأخرت مائتي سنة. فإن الصحابة كان منهم من يكتب الحديث في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، منهم: عبد الله بن عمرو بن العاص. وقد بدأ التدوين الفعلي وجمع الحديث في عهد التابعين، حيث بدأه الإمام الحافظ الزهري بطلب من عمر بن عبد العزيز. ومن المعلوم أن عمر توفي في السنة الأولى من المائة الثانية. وأما أتباع التابعين في المائة الثانية فقد كثر في عصرهم التأليف في الحديث، حيث ألف فيه الإمام مالك وابن إسحاق والشافعي وابن جريج وغيرهم. ولو افترضنا أن الجمع لم يحصل إلا بعد مائتي سنة فإن الاعتماد فيما ثبت من السنة ليس على الجمع والتدوين، وإنما كان الاعتماد على ما نقل بالأسانيد المتصلة برواية العدول الثقات إلى الصحابة الناقلين عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمشافهة.
وأما الاحتجاج بوجود الوضع في الأحاديث.. فالجواب عليه أن من حفظ الله لدينه ولسنة نبيه أن قيض لهذه الأمة من بينوا صحيح الحديث وضعيفه وموضوعه من فطاحل العلماء المتخصصين المتبحرين في هذا الفن. فقد اهتم بعضهم بجمع الصحيح والحسن، واهتم بعضهم بجمع الموضوع والضعيف.
والمتأمل في المدون من الأحاديث بين أيدينا اليوم يلاحظ أن الصحيح والحسن من الحديث أكثر من الموضوع، فكيف يترك الحديث نهائيا بسبب وجود بعض الأحاديث الموضوعة. فالواجب على المسلم أن يبحث عما ثبت من الأحاديث فيعمل به وينشره، وما حكم عليه بالوضع فيجتنبه ويحذر الناس منه، وليستعن في ذلك بجهود العلماء السابقين فقد أبدعوا في خدمة هذا المجال إبداعا فائقا، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 38113، 26320، 13196، 52104، 53148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(3/239)
مسند بقي بن مخلد
[السُّؤَالُ]
ـ[يتكلم كثير من الحفاظ والمؤرخين عن مسند بقي بن مخلد وذكره الذهبي وابن كثير وأثنى ابن حزم عليه جدا وفضله على مسند الإمام أحمد وأتساءل:
1- لماذا لم يحتج ابن حزم بأي حديث من مسند بقي في كل كتاب المحلى؟؟؟!!! بل لم يذكره أصلا. ولم يذكر من طريق بقي شيئا أصلا ولكن وقع بعض الروايات في محلاه يقع في سندها بقي يرويها ابن حزم من طريق حمام (شيخ ابن حزم) وكلها عن بقي عن أبي بكر بن أبي شيبة وأيضا ليس فيها حديث مرفوع! ولا موقوف حتى على صحابي! بل كلها عن التابعين (عدد هذه الروايات حوالي 36) ولا أثر لبقي ولا مسنده في المحلى
2- قرأت أنه فقد!!! فكيف تأتى هذا؟ بل هذا محال! وهل لو صح هذا يكون فقد قبل ابن حزم؟ (ذكر الذهبي عن نفسه أن عنده مجلدين لبقي) فلزم أن لا يكون فقد وقت ابن حزم
3- هل مسند بقي كله عن النبي؟ حيث إن كل من كتب عنه يباهي بأنه روى عن أكثر من ألف ونيف من الصحابة. وظاهر كلمة المسند أنه كله عن النبي
4-قال ابن حزم إن بقياً له أيضا كتاب جمع فيه كثيرا من أحكام التابعين وفتاواهم. فلماذا لم يذكر أيا منها في كتبه وهو كثير الاحتجاج والسرد لأحكام الصحابة والتابعين وكل كتبه مدارها على مصنف عبد الرازق وأبي بكر بن أبي شيبة وغيره ولم أره مرة قال ومن طريق بقي!!!!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أبو محمد بن حزم أحاديث مرفوعة وآثارا عن الصحابة والتابعين من طريق بقي بن مخلد عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة منها: حديث ابن عمر عن عمر قال: نذرت نذرا في الجاهلية ثم أسلمت، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأمرني أن أوفي بنذري. ومنها: حديث جابر مرفوعا: لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إلا تبوأ معقده من النار. ومنها: حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا من امرأة على أن يعلمها سورة من القرآن. وحديث عروة بن مسعود الثقفي، وروى عدة آثار عن عمر، وروى عن معاذ وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو.
ومما سبق يتبين أن ابن حزم روى أحاديث مرفوعة وآثارا من طريق بقي في كتابه المحلى.
واعلم أن المحلى مختصر من كتاب الإيصال وكلاهما لابن حزم، قال أبو محمد: وقد جمعنا فيه -أي كتاب الإيصال- كل ما روي من نصوص القرآن والسنة والإجماع منذ أربعمائة عام ونيف وأربعين عاما من شرق الأرض إلى غربها. اهـ.
وقال الحكيم صاعد الأندلسي وهو معاصر لابن حزم: إنه في أربعة وعشرين مجلدا بخط في غاية الإدماج. اهـ. ومن جملة ما اختصره أبو محمد الأسانيد، فقد يكون من جملة ما اختصره أسانيد أحاديث رواها عن بقي من مسنده، وأيضا لبقي بن مخلد مصنف في فتاوى الصحابة والتابعين فمن دونهم. قال الإمام الذهبي: قال ابن حزم: قد أربى على مصنف ابن أبي شيبة وعلى مصنف عبد الرزاق وعلى مصنف سعيد بن منصور. اهـ. فيحتمل أن تكون الآثار التي ذكرها ابن حزم في المحلى من مصنفه أو من مصنف ابن أبي شيبة، فإنه لم يدخله في الأندلس غيره ولم يرو هناك إلا من طريقه، فلا نستطيع أن نجزم أن ابن حزم لم يخرج في المحلى عن بقي بن مخلد.
أما مسند بقي فنحن نجزم أن ابن حزم اطلع عليه بدليل أنه قدمه على غيره، وذكر أنه أكبر مسند على الإطلاق، ولم يتيسر لنا الاطلاع عليه، ولكن المعلوم عند جمهور المحدثين أن أحاديث المسند كلها مرفوعة وظاهرها الاتصال وإن كان بعضها معلولا، إلا أن ظاهرها اتصال السند، ولا نستطيع أن نجزم أن ابن حزم لم يرو عن بقي لما تقدم ذكره، والمعلوم عند أهل الحديث أن بقيا أدخل في مسنده مسند أحمد وغيره من المسانيد، لأن وفاته تأخرت عن وفاة أصحاب المسانيد فاستفاد منهم.
وعليه؛ فالسنة التي فقدت بفقد مسند بقي محفوظة في بقية المسانيد الأخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1426(3/240)
من أصحاب المسانيد
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو صاحب كتاب المسند؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أصحاب المسانيد كثيرون، منهم داود الطيالسي، وأبو يعلى، والدرامي، والبزار، والإمام أحمد بن حنبل، وغيرهم. وأشهرهم الإمام أحمد، فلعله هو من يسأله عنه السائل الكريم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(3/241)
منهج الإمام مسلم في ترتيب أحاديث صحيحه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد انقسم العلماء إلى فريقين في بيان ترتيب الأحاديث في صحيح مسلم، فالفريق الأول قال إنه قدم الأحاديث الصحيحة، أما الفريق الثاني فقال إنه لم يتخذ منهجاً في ترتيب الأحاديث من حيث الصحة.. فأي الرأيين أصح مع التعليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإمام مسلم -رحمه الله- قد أعلن في مقدمة صحيحة أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام: الأول ما رواه الحفاظ المتقنون، والثاني ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والإتقان، والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون، وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني، وأما الثالث فلا يعرج عليه، بل يتركه.
وقد اختلف العلماء في المراد بهذا التقسيم، فمنهم من رأى أنه سيفرد لكل طبقة كتاباً، ومنهم من رأى غير ذلك، والصحيح أنه إنما أراد أن يرتب أحاديث كل باب حسب التقسيم الذي اعتمده في الصحة، قال النووي في مقدمته على صحيح مسلم: فالحاكم تأول أنه إنما أراد أن يفرد لكل طبقة كتاباً، ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة، وليس ذلك مراده، بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه وبان من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب ويأتي بأحاديث الطبقتين، فيبدأ بالأولى ثم يأتي بالثانية على طريق الاستشهاد والاتباع ... 1/23.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(3/242)
سبب عدم رواية البخاري عن الشافعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل فضيلتكم: لماذا لم يرو الإمام البخاري عن الإمام الشافعي مطلقا, وأريد منكم الإجابة المقنعة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإمام البخاري لم يسمع من الإمام الشافعي ولم يلتق به، فقد مات الإمام الشافعي والبخاري لم يزل صغيراً، لأن البخاري من مواليد 194هـ والشافعي توفي سنة 204، وكانت وفاة الشافعي في مصر وولادة البخاري في بخارى، ولم يفد على المغرب إلا بعد أن بلغ السادسة عشرة من عمره، كما ذكره الذهبي في السير.
وإذا كنت تعني لِمَ لم يروِ البخاري حديثاً في إسناده الشافعي؟ فلعل السبب هو أن البخاري قد تحصل على أسانيد عاليه من غير طريق الشافعي، فلو روى عن طريقه لنزل كثيراً، فمثلاً البخاري قد روى عن الطبقة الأولى من أصحاب مالك فيكون بذلك قريباً للشافعي، فإذا أراد أن يروي من طريق الشافعي فسيروي مثلاً عن أحمد عن الشافعي عن مالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(3/243)
الكتب التسعة ومؤلفوها
[السُّؤَالُ]
ـ[من جمع السنن التسعة وفي أي سنة كان ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل يقصد الكتب التسعة والتي هي:
- صحيح البخاري وقد جمعه الإمام البخاري، المتوفى سنة 256هـ.
- وصحيح مسلم وقد جمعه الإمام مسلم، المتوفى سنة 261هـ.
- وسنن أبي داود وقد جمعها الإمام أبو داود، المتوفى سنة 275هـ.
- وسنن الترمذي، وقد جمعها الإمام الترمذي، المتوفى سنة 279هـ.
- وسنن النسائي، وقد جمعها الإمام النسائي، المتوفى سنة 303هـ.
- وسنن ابن ماجه، وقد جمعها الإمام ابن ماجه، المتوفى سنة 273هـ.
- ومسند أحمد، وقد جمعه الإمام أحمد، المتوفى سنة 241هـ.
- وموطأ مالك، وقد جمعه الإمام مالك، المتوفى سنة 179هـ.
- وسنن الدارمي، وقد جمعها الإمام الدارمي، المتوفى سنة 255هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(3/244)
متى بدأ تدوين الحديث الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أريد أن أستفسر عن ما يقوله البعض من أن الحديث لم يكتب إلا بعد فترة من موت الرسول \"صلى الله عليه وسلم\" تصل هذه الفترة إلى قرون طويلة لذلك فقد دخل على الحديث ما ليس منه، وأن الامام البخاري اختار ستة آلاف حديث فقط من مائتي ألف حديث وإننا إذا قمنا بإعادة تصنيف هذه الأحاديث مرة أخرى سنجد فيها أحاديث موضوعة كثيرة.
أرجو الإجابة سريعا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس صحيحاً أن الحديث النبوي لم يكتب إلا بعد قرون من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان الصحابة يكتبون الحديث في حياته صلى الله عليه وسلم، وكانوا يحفظونه أيضاً، ثم نقله عنهم التابعون، وقد بدأ تدوين الحديث تدويناً عاماً وجمعه في زمن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وهو من التابعين رضي الله عنهم. وراجع الفتوى رقم:
8516
وأما قول من قال: إنه أُدخل على الحديث النبوي ما ليس منه فهو صحيح، إلا أن أهل العلم قد بينوا الدخيل، وذلك وفقاً لضوابط علمية عظيمة ودقيقة، تفردت بها أمة الإسلام، حيث اشترطوا لقبول الحديث أن يكون راويه عدلاً ضابطاً لما يرويه، وأن يتصل السند إلى منتهاه، بحيث أن يكون كل راو سمعه ممن فوقه، واشترطوا أيضاً سلامة الحديث من الشذوذ والعلة، فإذا اختل شرط من ذلك لم يقبلوا الحديث، وتفصيل كل ذلك في كتب مصطلح الحديث، وقد ألف العلماء كتباً في الأحاديث الضعيفة والموضوعة وهي كثيرة جداً، وكذلك ألفوا في الأحاديث الصحيحة والمقبولة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1422(3/245)
حول ترقيم الأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال تقني، دائما عند ذكر حديث من البخاري ومسلم نجدهم يستعملون أرقاما كبيرة للأحاديث مثل 3625
ولكن عندما تستعمل كتب الصحاح فتجد أن الكتب مبوبة ولا وجود لأرقام كبيرة إلى هذا الحد فما تفسيركم لذلك
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلماء الذين ألفوا كتب السنة لم يرقموا الأحاديث في كتبهم؛ وإنما رقمها المحققون والطابعون المعاصرون، فمن بحث في الكتب الموجودة في موسوعة الحديث -مثلاً- فسيجد الأحاديث مرقمة، وباطبع سيجد أرقاما كبيرة إذا كان الحديث المذكور في آخر الكتاب. بينما سيجد أرقاما صغيرة إذا كان الحديث في أول الكتاب.
ولا مانع أن تجد في بعض الطبعات والموسوعات الألكترونية عند بحثك في هذه الكتب أو غيرها أن الأحاديث غير مرقمة لأن الترقيم طارئ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1425(3/246)
رتبة أحاديث المستدرك للحاكم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة صحة أحاديث الحاكم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحاكم ألف المستدرك والتأريخ، فأما كتاب المستدرك فقد أراد أن يكون على شرط الشيخين وقد أتى فيه بكثير من الأحاديث الصحيحة والحسنة، وانتقد عليه كثير من الأحاديث ـ بعضها ضعيف وبعضها منكر أو موضوع ـ ولذا تعقبه الذهبي في التلخيص فضعف كثيرا مما ذكره.
وقال السيوطي في ألفيته في المصطلح في كلامه على المستدرك:
وكم به تساهل حتى ورد * فيه مناكر وموضوع يرد
وابن الصلاح قال ما تفردا * فحسن إلا لضعف فارددا.
وأما كتاب التاريخ للحاكم فهو من مظنة الأحاديث الضعيفة، كما قال صاحب طلعة الأنوار:
وما نمى لعق وعد وخط وكر *ومسند الفرودس ضعفه شهر
كذا نوادر الأصول وزد للحاكم التاريخ ولتجتهد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1430(3/247)
هل يجب التثبت من الأحاديث المذكورة في المحاضرات العلمية
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك محاضرات لشيوخنا السلفيين المعتبرين مثلا عن الصلاة. فهل يجب علي أن أتأكد من صحة الأحاديث التي يسردونها لا نسمع خطبهم عبر الأشخاص.
كتاب حصن المسلم به قليل من الأحاديث الضعيفة، فهل يجب علي أن أبين للناس الأحاديث الضعيفة فيه إذا أردت أن أنشره للناس علما أنني عامي مقلد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه الخطب والمحاضرات لأهل العلم الثقات، فلا يلزمك التحقق مما ورد فيها من أحاديث؛ لأن أغلب الظن أن هؤلاء الشيوخ يتحرون صحة ما يتكلمون به.
كما أن الغالب على الأحاديث التي تتضمنها الخطب والمحاضرات العامة كونها في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال، وقد جوَّز كثير من العلماء العمل بالأحاديث الضعيفة من هذا الصنف بشروط سبق ذكرها في الفتاوى التالية أرقامها: 13202، 19826، 19651.
أما كتاب حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة لسعيد بن وهف القحطاني، فهو من الكتب الجيدة المعروفة بالتزام الأذكار الصحيحة، إلا أن التصحيح والتضعيف من العلوم الاجتهادية؛ لأن مبناها على القواعد والضوابط التي وضعها أهل العلم بالحديث، فقد يصحح أحد العلماء حديثا ويضعفه عالم آخر، وبالعكس، وعلى ذلك فلا تتعجل بالحكم على حديث ما بالصحة أو الضعف لمجرد حكم أحد العلماء عليه بذلك، لاسيما وأنك لست من المتخصصين في هذا العلم، بل ولا يجوز لك حمل الناس على رأي عالم معين. وانظر الفتويين رقم: 75826، 79795.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1430(3/248)
أحاديث الصحيحين هل هي قطعية الثبوت والدلالة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاديث البخاري ومسلم من حيث الصحة هل قطعية الثبوت والدلالة أم ظنية الثبوت والدلالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأحاديث البخاري ومسلم مما تلقتها الأمة بالقبول واتفقت على صحتها في الجملة. ومنها ما هو قطعي الثبوت وهي الأحاديث المتواترة، ومنها ما هو ظني الثبوت وهي أحاديث الآحاد وتشمل سائر الأحاديث غير المتواترة. وهذا التفصيل نقله النووي عن أكثر العلماء. وذهب آخرون إلى أنها قطعية الثبوت، ومن هؤلاء الإمام أبو عمرو بن الصلاح.
قال النووي في التقريب:
وذكر الشيخ -يعني: ابن الصلاح- أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته، والعلم القطعي حاصل فيه، وخالفه المحققون والأكثرون، فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر.
وفي النكت على مقدمة ابن الصلاح: وأيضا فينقض بفعل العلماء في سالف الأعصار من تعرضهم لأحاديث الصحيحين، وترجيح بعضها على بعض باعتبار من سلم من الكلام على من لم يسلم منه وغير ذلك من وجوه الترجيحات، فلو كان الجميع مقطوعا به لانسد باب الترجيح.
قال السيوطي في تدريب الراوي:
وقال شيخ الإسلام- يعني ابن حجر -: ما ذكره النووي في شرح مسلم من جهة الأكثرين أما المحققون فلا، فقد وافق ابن الصلاح أيضا محققون.
وقال في شرح النخبة: الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك.
وقال ابن كثير:
وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه. قلت- أي السيوطي - وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه.
واستثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته فيهما ما تكلم فيه من أحاديثهما فقال:
سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره. اهـ بتصرف.
وقال ابن حجر في النكت:
واعلم أن هذا الذي قاله ابن الصلاح هو قول جماهير الأصوليين من أصحابنا وغيرهم، قد جزم به الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني فقال في كتابه أصول الفقه: الأخبار التي في الصحيحين مقطوع بصحة أصولها ومتونها ولا يحصل الخلاف فيها بحال، وإن حصل في ذلك اختلاف في طرقها أو رواتها فمن خالف حكمه خبرا منها وليس له تأويل سائغ للخبر نقضنا حكمه لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول. انتهى.
كل هذا من حيث الثبوت. أما من حيث الدلالة فتنقسم أحاديثهما أيضا إلى ما هو قطعي الدلالة وما هو ظني الدلالة، شأنها في ذلك شأن غيرها من نصوص الكتاب والسنة.
وننبه السائل إلى أنه لا تلازم بين قطعية أو ظنية الثبوت وبين قطعية أو ظنية الدلالة؛ فالأول من مباحث الإسناد، والثاني من مباحث المتن.
وأيضا فلا يشترط للاحتجاج والعمل أن يكون النص قطعي الثبوت والدلالة؛ لأننا متعبدون بغلبة الظن.
وبعض المبتدعة يرد نصوص السنة بحجة أنها آحاد لا يلزمه اتباعها، أو ظنية الدلالة فلا يلزمه قبولها، وهو بذلك يحرم نفسه نور الوحي، وهدي الله؛ فإن القرآن وإن كان قطعي الثبوت، فأكثره ظني الدلالة، والسنة أكثرها ظني الدلالة ظني الثبوت، فمن اشترط للاحتجاج بالأدلة أن تكون قطعية الثبوت والدلالة، فقد رد معظم الشريعة، وناقض إجماع الأمة.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 13678.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1430(3/249)
حكم نشر الأحاديث النبوية عن طريق الجوالات والمنتديات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جميع الأحاديث صحيحة؟ لأني أريد نشرها في الجوالات وفي المنتديات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل الأخ السائل يقصد بـ (صحيحة) أي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقصد بلفظ صحيحة ما هو متعارف عليه في علم مصطلح الحديث، فإن كان كذلك فليست كل الأحاديث الموجودة في الكتب -حاشا البخاري ومسلم - يصح نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك فإن توزيع الأحاديث على من يستفيد منها عن طريق الجوال والمنتديات وغيرها يتوقف حكمه على ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدمه، فإن ثبتت نسبتها إليه جاز نشرها، وإن لم تثبت لم يجز نشرها، ومن نشرها متعمدا فقد عرض نفسه لغضب الله وعقابه، فعن عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. وهو حديث متواتر، وفي مسند أحمد عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين. ولذلك فإن على من أراد أن ينشر حديثا أو يحدث به أن يتثبت منه أولا قبل نشره، فإن نشرها من عمل الخير والتعاون على البر والتقوى والدلالة على الأعمال الصالحة.
فعليك أخي الكريم ـ بارك الله فيك ـ أن تتحرى عن الحديث الذي ستقوم بنشره خاصة إن كان في العقائد أو الأحكام فإنه لا يجوز العمل إلا بالحديث الصحيح, أو ما يكون ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وأما إن كان هذا الحديث في فضائل الأعمال فقد اختلف أهل العلم في هل يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أم لا؟
فقد جوَّز الجمهور العمل به في فضائل الأعمال بشروط وهي:
1- أن يكون الحديث في فضائل الأعمال.
2- أن يكون ضعفه غير شديد.
3- أن يندرج تحت أصل معمول به.
4- أن لا يعتقد ثبوته عند العمل به، بل يعتقد الاحتياط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1429(3/250)
حديث (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحتم أريد أن أسأل عن هذا الحديث من أي أنواع الأحاديث ... قال ابن مسعود: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كَذُباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا، وأشار الراوي بيده فوق أنفه (القصد حينما يستخدم الإشارة في الحديث كقوله أشار الراوي بيده فوق أنفه) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول الصحابي وفعله يسميه أهل المصطلح الحديث الموقوف، كما قال صاحب البيقونية:
وما أضفته إلى الأصحاب من قول وفعل فهو موقوف زكن.
وهذا الحديث ورد عن ابن مسعود موقوفاً ومرفوعاً، وأما إشارة الراوي بيده فوق أنفه فهو توضيح من الراوي لفعل ابن مسعود وهو من إطلاق القول على الفعل يعني أنه نحى الذباب بيده عن وجهه كما قال العيني في شرح البخاري.
وإذا ثبت أن أبا شهاب الذي نقلت إشارته بيده قد نقلها عن شيخه ثم عن شيخه إلى ابن مسعود فإن هذا يسمى عند المحدثين بالمسلسل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1429(3/251)
الحديث المرسل والمعنعن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث المرسل والمعنعن؟ وهل هما قسمان من أقسام الصحيح؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المرسل هو ما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل ما رفعه الكبير من التابعين وهو ما كانت أغلب رواياته عن الصحابة.
قال صاحب طلعة الأنوار:
ما رفع التابع مرسل وقيل * كبيرهم لكن ذاك المستطيل
ثم الكبير عند ذي النجابة * أكثر ما يروي عن الصحابة
وأما المعنعن فهو الذي رواه الراوي عمن عاصره بصيغة عن، وهو محمول على الاتصال إن لم يكن الراوي من المدلسين.
وأغلب المراسيل تعتبر من الأحاديث الضعيفة للجهل بمن روى عنه التابعي هل هو تابعي آخر وهل هو ثقة، كما قال العراقي في ألفيته:
ورده جماهير النقاد للجهل بالساقط في الإسناد
واستثنى بعضهم مراسيل سعيد بن المسيب، فذكر أنها محمولة على أنه روى عن أبي هريرة كما قال الناظم:
سوى مراسيل سعيد بن المسيـ * ـــــب فما فيها من الإرسال شي.
وأما عنعنة من ليس معروفا بالتدليس فتحمل على الاتصال، ولكن لا يجزم بصحة الحديث إلا بالنظر في توافر شروط الصحة فيه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 58513، 70192، 27171.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(3/252)
الحديث المبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى الحديث المبهم في الحديث الشريف]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المبهم هو الحديث الذي يوجد في سنده أو متنه رجل أو امرأة لم يسمَّيا، بل عُبِّرَ عنهما بلفظ عام.
والحديث المبهم نوعان:
الأول: أن يكون الإبهام في سند الحديث، وذلك بأن يكون بعض رواته غير مسمى. ومثاله: عن سفيان، عن رجل ...
الثاني: أن يكون الإبهام في متن الحديث. ومثاله: ما جاء في كثير من الأحاديث الصحيحة وغيرها من قولهم: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم. ونحو ذلك ...
والإبهام إذا كان في السند ولم يُعلم فإنه ضعيف، وأما إذا كان في المتن فإنه لا يضر. وكذلك لا يضر إبهام الصحابة في السند؛ لأنهم كلهم عُدول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1429(3/253)
كيفية التوفيق بين الحديثين المتعارضين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف توفق بين القول بإفادة الصحيحين في العلم النظري وبين إسقاط أحدهما بالترجيح عند التعارض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فإن الصحيحين تلقتهما الأمة بالقبول. فجميع ما فيهما من الأحاديث المسندة صحيح عند أهل العلم، ثم إن الأحاديث المقبولة سواء كانت صحيحة أو حسنة إن سلمت من المعارضة فهي محكمة يجب العمل بها، وأما إذا عارضها غيرها فيعتبر المتعارضان عند أهل الفن من المختلف، والمختلف ألف فيه الإمام الشافعي، ثم ألف فيه ابن قتيبة.
وقد ذكر أهل المصطلح أن المتعارضين إن أمكن الجمع بينهما تعين الجمع لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، فإن لم يمكن الجمع نظر فيهما، فهل يمكن أن يكون أحدهما ناسخا للآخر فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ، فإن لم يعلم أن أحدهما ناسخ للآخر فيفزع إلى الترجيح، ووجوه الترجيح أكثر من خمسين وجها، فإن تبين رجحان أحدهما عملنا بالأرجح، وليس في هذا غض من الصحيح، غاية ما في الأمر أنه قدم الحديث الأرجح على غيره.
وراجع للبسط في الموضوع مقدمة ابن الصلاح وشروح ألفية العراقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1428(3/254)
توضيح حول حديث أنس في الفاتحة وحديث السبعة الذين يظلهم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله العظيم أن يزيدكم علما ويجازيكم خير الجزاء على نشر العلم.
سؤالي هو بخصوص ما قرأته في موقعكم من فتوى تتعلق بتفصيل بسيط في علم الحديث وأنواع الحديث وما إلى ذلك.
وقد ورد فيها أن من أمثلة الحديث المعلل في المتن: حديث أنس في مسلم: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها، وقد فهمت منكم الحمد لله سبب العلة ولكن سؤالي هو كيف يكون الحديث معلولا ويوجد في صحيح الإمام الجليل مسلم رضي الله عنه، والمعروف بين عامة الناس أن أحاديث الصحيحين كلها صحيحة.
وكذلك الحديث المدرج عن أبي هريرة في مسلم عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله حيث قيل فيه: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله.
أرجو الأفادة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسألة صحة ما في الصحيحين فصلنا القول فيها وبينا الحق في مسألة حديث أنس في البسملة في عدة فتاوى سابقة سنحيلك عليها لاحقا، وأما حديث السبعة فقد روي عن يحيى القطان بوجهين أحدهما يوافق الرواية المعروفة المروية عن غيره وهي: حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وهذه رواية البخاري ومالك وأحمد، وأما الأخرى فقد أخطأ فيها يحيى فرواها بالقلب: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، وهذه رواية مسلم.
وقد جزم بخطأ يحيى القطان في هذه الرواية ابن خزيمة وبعض أهل العلم، وينبغي التنبه إلى أن هذا الخطأ يسمى عند أهل المصطلح بالمقلوب، ولا يسمى المدرج، كذا سماه عياض وابن حجر والزرقاني.
وراجع فتح الباري لابن حجر وشرح النووي لمسلم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 70003، 99615، 35370.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(3/255)
من طرق معرفة صحة الحديث أو ضعفه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مر معي حديث لا أعرف هل هو صحيح أو ضعيف أو موضوع مثلاً رواه الترمذي أو ابن ماجه أو غيرهم، فكيف أعرف صحة الحديث إذا لم يكن مخرجاً، فهل هناك موقع مباشر إذا أرسلت إليه هذا الحديث يبين لي ذلك وبشكل سريع، وما اسم هذا الموقع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نرحب بك ونشكرك على اتصالك، ونفيدك بأن من طرق معرفة صحة الحديث أو ضعفه البحث عن كلام أهل العلم في تخريجه، فيمكن أن تبحث عن الحديث في تخريجات المحققين من أهل الحديث، كالشيخ الألباني أو الأرناؤوط، وهناك مؤلفات تختص بالصحيح، وبعضها تختص بالضعيف والموضوع.
وأما عن المواقع فنحن نرحب بأسئلتك عن تخريج الأحاديث، ويمكنك أن تراسل موقع الإسلام اليوم أو طريق الإسلام، أو أن تبحث بنفسك في موقع الدرر السنية، وراجع في الكتب المختصة بالصحيح والضعيف الفتاوى ذات الأرقام التالية: 93679، 72449، 54410، 61464، 68524، 27850.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1428(3/256)
حكم العمل بالحديث العام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل بالحديث العام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العام (هو اللفظ الذي يستغرق جميع المعاني الصالحة له -أو الصالح هو للدلالة عليها- دفعة من غير حصر) هكذا عرفه الولاتي في شرح المراقي عند قول الشنقيطي: ما استغرق الصالح دفعة بلا حصر من اللفظ كعشر مثلاً. ومن أمثلته في الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما إهاب دبغ فقد طهر. رواه أحمد والترمذي وغيرهما وصححه الألباني.
والأصل حمل النص العام على عمومه فيعمل به ويحتج بدلالة عمومه على جميع أفراده حتى يرد دليل بتخصيصه فيعمل بذلك التخصيص، ولكن ينبغي للمسلم -وخاصة العامي- ألا يتسرع في العمل بالعام حتى يسأل أهل العلم عن العام الذي يريد العمل به هل له مخصص أم لا، فقد نص أهل العلم على أن على العالم والمفتي ألا يتسرع في الإفتاء بمقتضى النص العام حتى يبحث لعله يكون قد خصص بنص آخر يتعلق بالمسألة المسؤول عنها أو المعمول بها، لأن أدلة الشرع قد وردت منجمة حسب الحوادث وبعضها بيّنَ بعضا. وإذا كان هذا في حق العالم فالعامي من باب أولى. قال ابن عاصم في مرتقى الأصول:
والأخذ بالعموم قبل البحث عن * مخصص مما له المنع اقترن.
وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 8101.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1428(3/257)
ترتيب كتب السنة من حيث الصحة وكيفية الاستفادة منها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كتب السنة الصحيحة وترتيب صحتها، ونبذة عن أصحابها، وكيفية استفادة المسلمين منها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هناك كتباً من كتب السنة أراد أصحابها الاقتصار على الصحيح من الحديث، وأصحها صحيح البخاري ومسلم، ثم يليهما صحيح ابن خزيمة، ثم صحيح ابن حبان ثم مستدرك الحاكم، قال النووي: اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان وتلقتهما الأمة بالقبول.
وقال السيوطي في الألفية:
وخذه حيث حافظ عليه نص * أو من مصنف بجمعه يخص
كابن خزيمة ويتلو مسلما * وأوله البستى ثم الحاكما
وهناك كتب أخرى حوت الصحيح من الحديث وغيره ككتب السنن والموطأ والمسند، ولمعرفة ضابط الصحيح من غيره راجع الفتوى رقم: 11828 وأكثر من مطالعة كتب التخريج.
وراجع سير أعلام النبلاء وشروح ألفية العراقي والسيوطي وشروح كتب السنة ونيل الأوطار لمعرفة تراجم مؤلفي الكتب، وأما كيفية الاستفادة منها فبمطالعتها وقراءتها على العلماء والعمل بما فيها مما هو ثابت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1427(3/258)
الأحاديث الصحيحة والأحاديث التي لا يعمل بها
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الأحاديث التي أجمع العلماء على صحتها وفي أي الكتب موجودة، وما هي أنواع الحديث التي لا يعمل بها، وهل يوجد كتب احتوت على هذه الأحاديث ما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن تحديد عدد الأحاديث التي أجمع العلماء على صحتها، فإنها متناثرة في دواوين السنة المختلفة، وإن كان أعظمها هي أحاديث الصحيحين، فقد أجمعت الأمة على تلقيهما بالقبول، قال الإمام النووي: اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب -بعد القرآن العزيز- الصحيحان، البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول. انتهى.
ثم إن أهل العلم وضعوا ضوابط للحديث الصحيح فأي حديث توفرت فيه تلك الضوابط فهو صحيح، ولو لم يكن في الصحيحين، ولمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع تراجع الفتوى رقم: 11828.
وأما أنواع الحديث التي لا يعمل بها، فهي الأحاديث المنسوخة، وكذا ما كان موضوعاً أو شديد الضعف، أما الضعيف فللعماء تفصيل في العمل به، فقد جوز بعض العلماء العمل به في فضائل الأعمال بشروط، منها: أن يندرج تحت أصل معمول به وأن لا يعتقد ثبوته عند العمل به وإنما يعتقد الاحتياط وأن لا يشتد ضعفه.
وأما الكتب التي اعتنت بجمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة فكثيرة، منها: كتاب (الموضوعات) و (العلل المتناهية) وكلاهما لابن الجوزي، وكتاب (تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة) لابن عراق، وكتاب (اللآلئ المصنوعة) للسيوطي، وكتاب (الفوائد المجموعة) للشوكاني، و (وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) للألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(3/259)
الأثر لغة واصطلاحا
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في بعض الفتاوى كلمة (الأثر) .ما المعنى اللغوي الاصطلاحي للكلمة؟ وما مدى مدلولها الشرعي؟ هل يعتد بأقوال الأثر في الأحكام الشرعية؟ جزاكم الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 39585، 35830، 26984، 39721.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1426(3/260)
تعريف وشروط الحديث الصحيح والحسن والضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف مفهوم الحديث الصحيح والحديث الحسن والحديث الضعيف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الصحيح هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه مع السلامة من الشذوذ والعلة، ومعنى هذا أن الحديث الصحيح هو ما توافرت فيه الشروط التالية: اتصال السند، والعدالة في الرواة، وضبط الرواة، وعدم الشذوذ، وعدم العلة.
ولبيان معنى هذه الشروط يرجى الرجوع إلى الكتب التي عنيت ببيان مصطلح علم الحديث، ومن أيسرها كتاب: "تيسير مصطلح الحديث" للدكتور محمود الطحان.
وأما الحديث الحسن فهو الذي توفرت فيه شروط الحديث الصحيح إلا شرطا واحدا وهو ضبط الرواة، فإن راويه أقل ضبطا من رواي الحديث الصحيح.
وعلى ذلك، فإن الحديث الحسن هو: ما اتصل سنده بنقل عدل لم يكن مستوى الضبط عنده على نفس المستوى المشترط في الصحيح، وسلم من الشذوذ والعلة.
وأما الحديث الضعيف، فهو الذي لم تتوفر فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن المذكور فيما تقدم.. وانظر الفتوى رقم: 11828.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(3/261)
من مرويات الطبراني في معجمه حول المسح على الخفين وغيرهما
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ورد في المسح على الجوربين والنعلين من حديث بلال من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الجوربين والخفين)
والسؤال من فضيلتكم هو تزويدي بالإسناد الثاني لنفس حديث بلال والذي رواه الطبراني في المعجم الكبير أو الأوسط على ما أظن والذي في سنده (يزيد بن أبي زياد)
ويرجى الإجابة في أقرب وقت ولعدم الإمكانية لي في الحصول على معاجم الطبراني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسناد الثاني لحديث بلال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الجوربين والخفين) في الطبراني الكبير هو حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي حدثني أبي ثنا ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والجوربين
ووردت روايات أخرى كثيرة في الطبراني الكبير والأوسط لهذا الحديث من رواية بلال رضي الله عنه ولكن فيها المسح على الخفين فقط أوالخمار بدل الجوربين
من هذه الروايات
1- حدثنا محمد بن النضر الأزدي ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب عن بلال رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين
2- حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ح وحدثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا عيسى بن يونس ح وحدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثني أبي ثنا أبو معاوية ومحمد بن فضيل كلهم عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار
3- حدثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن يعلى عن ليث عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والخمار
4- حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين وعلى الخمار
5- حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن عبد الله بن محرر عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن عن بلال قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين وعلى الخمار
6- حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا داود بن الزبرقان ثنا ميمون أبو سفيان عن عبد الرحمن عن بلال قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين
7- حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ح وحدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا يحيى الحماني ثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن مكحول عن الحارث بن معاوية عن بلال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار
8- حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الهيثم بن حميد عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن الحارث بن معاوية عن معاوية الكناني قال: كان هو ورجل من قريش يتوضآن من مطهرة المسجد فتنازعا في المسح على الخفين فقال بلال كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار
9- حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال مسح بلال على موقيه فقيل له ما هذا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار لم يذكر معمر في حديثه أبا إدريس وكذلك رواه يحيى بن أبي إسحاق عن أبي قلابة
10- حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ثنا زهير عن حميد الطويل عن أبي رجاء عن عمه أبي إدريس أنه كان قاعدا بدمشق في يوم بارد يتوضأ فمر به بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا بلال كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ قال يمسح على الخفين والخمار
11- حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا معتمر بن سليمان عن حميد عن أبي المتوكل الناجي عن أبي إدريس عن بلال قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار
12- حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني وورد بن أحمد بن لبيد البيروتي قالا ثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن بشير عن مطر الوراق عن أبي قلابة الجرمي عن أبي الأشعث الصنعاني عن بلال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار
13- حدثنا بكر قال نا محمد بن أبي السري العسقلاني قال نا معتمر بن سليمان عن ليث عن حبيب بن أبي ثابت عن شريح بن هانئ عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والخمار.
14- حدثنا محمد بن أحمد بن لبيد نا صفوان بن صالح نا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن مطر الوراق أنه حدثه عن أبي قلابة عن الأشعث الصنعاني أن أبا جندل بن سهيل والحارث بن معاوية مرا على بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ على ميضأة مسجد دمشق فسألاه عن المسح على الخفين فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1425(3/262)
الحديث المتواتر والمرفوع والمقطوع والموقوف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحديث المتواتر والمرفوع والمقطوع والموقوف، وأين يمكن الحصول على علم مصطلح الحديث مثلاً من أي موقع؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المتواتر: هو ما رواه جماعة يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب وأسندوه إلى شيء محسوس، وهو ينقسم إلى قسمين:
أ- متواتر لفظاً ومعنى: وهو ما اتفق الرواة فيه على لفظه ومعناه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ستين صحابياً منهم العشرة المبشرون بالجنة، ورواه عن هؤلاء خلق كثير.
ب- متواتر معنى: وهو ما اتفق فيه الرواة على معنى كلي، وانفرد كل حديث بمعناه الخاص، مثل أحاديث الشفاعة والمسح على الخفين، وخروج الدجال في آخر الزمان.
وينقسم الخبر باعتبار من يضاف إليه إلى ثلاثة أقسام:
1- المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وينقسم إلى:
- المرفوع صريحاً: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من قول أو فعل أو تقرير أو وصف في خلقه أو خلقته، فمثاله من القول هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان. ومثاله من الفعل: كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك. ومثال التقرير: تقريره الجارية حين سألها أين الله؟ قالت: في السماء. فأقرها صلى الله عليه وسلم. ومثاله من الوصف في خلقه: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأشجع الناس. ومثاله في الوصف في خلقته: كان النبي صلى الله عليه وسلم ربعة من الرجل.
- المرفوع حكماً: ما كان له حكم المضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مثل إخبار الصحابي عن الغيبيات كأشراط الساعة وأحوال القيامة بشرط أن يكون الصحابي غير معروف بالأخذ عن أهل الكتاب، أو قول الصحابي من السنة كذا، أو إضافته الفعل إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ كقوله: كنا نفعل على عهد النبي كذا. أو قوله: أُمرنا أو نُهينا.
2- الموقوف: ما أضيف إلى الصحابي ولم يثبت له حكم الرفع، مثل قول عمر: يهدم الإسلام زلةالعالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين.
3- المقطوع: ما أضيف إلى التابعي فمن بعده، مثل قول ابن سيرين: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. ويمكنك الدخول على هذه المواقع للحصول على علم مصطلح الحديث، والمواقع هي:
http://hadith.al-islam.com
http://www.eladawy.net
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1425(3/263)
معنى قولهم صححه الألباني وضعيف سندا عند الجمهور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث صححه الألباني أو غيره, وهذا الحديث ضعيف السند عند الجمهور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالألباني هو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ الذي سخر عمره في تصحيح وتحرير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال فيه العلامة عبد العزيز بن باز: " ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني.
وسئل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ". فسئل من هو مجدد هذا القرن؟. فقال رحمه الله: " الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني، والله أعلم ".
ومعنى عبارة صححه الألباني وغيره أن الحديث ورد في الأحاديث التي اعتبرها الألباني صحيحة، وأنه صححه كذلك غير الألباني.
وسند الحديث هو سلسلة الرجال الذين رووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناقلوه إلى أن وصلنا، فإن كان فيهم من هو غير عدل أو مجهول، أو كان في السند انقطاع ونحو ذلك عد الحديث ضعيف السند، وعند الجمهور معناها عند أكثر أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(3/264)
\"التمس لأخيك سبعين عذرا\" ليس بحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[التمس لأخيك 70 عذرا هل هذا حديث؟ وإذا كان حديثا أريد التكملة والسند وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هذا حديثا، بل هو قول لجعفر بن محمد، أخرج الإمام البيهقي بسنده في شُعَب الإيمان إلى جعفر بن محمد قال: إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا، قل لعل له عذرا لا أعرفه.
وأخرجه ابن عساكر بسنده إلى محمد بن سيرين من قوله أي من قول ابن سيرين، ولفظه: قال ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد له عذرا فقل لعل له عذرا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(3/265)
من أنواع الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تتكرمون بشرح الألفاظ التالية:
حديث صحيح - حديث حسن - حديث غريب - حديث ضعيف - حديث منقطع - جمهور العلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق لنا فتوى في بيان أنواع الحديث وتعريف الحديث الصحيح والحديث الحسن والحديث الغريب والحديث الضعيف، فنحيل السائل إليها وهي برقم: 11828.
وأما الحديث المنقطع، فهو من أقسام الحديث الضعيف.
والمنقطع هو: ما سقط من رواته راو واحد قبل الصحابي من أي موضع كان، فإن سقط راويان فأكثر، فهو المعضل.
قال في الألفية:
وواحد قبل الصحابي سقط منقطع قيل أو الصاحب قط
وأما لفظ "جمهور العلماء" فهذا يختلف بحسب مراد المتكلم به.
فمنهم من يعني به ثلاثة من الأئمة الأربعة، ومنهم من يعني به أكثر العلماء بمن فيهم الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء، ولا شك أن هذا التعبير الأخير أدق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1424(3/266)
أوجه الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين الحديث القدسي والحديث غير القدسي، مع أن كليهما غير متعبد بتلاوته، ومعنى كلا الحديثين من الله عزوجل (إن هو إلا وحي يوحى) ، واللفظ من عند الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق أن عرفنا بكل من الحديث القدسي والحديث النبوي، وذلك في الفتوى رقم: 18457، ويتضح من ذلك بعض أوجه الفرق بينهما على النحو التالي:
أولاً: أن الحديث القدسي ينسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرب تبارك وتعالى فيقول فيه: "قال الله تعالى كذا"، فيما لم يكن من القرآن، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه بلفظه من الله تعالى، وأما الحديث النبوي فلا يذكر فيه ذلك اللفظ.
ثانياً: أن الحديث النبوي يشمل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية، ولا يدخل هذا في الحديث القدسي، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 27450، والفتوى رقم: 24371.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1424(3/267)
أنواع الحديث، وأمثلة عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أنواع أحاديث الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأبرار؟ مع ذكر مثال على كل نوع
هذا وجزاكم الله عنا ألف خير ولكم مني جزيل الشكر والعرفان......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث قسمان: الحديث النبوي والحديث القدسي، فأما الحديث النبوي فثلاثة أنواع: قول، وفعل، وتقرير، فمثال الحديث القولي: قوله صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. متفق عليه من حديث أبي هريرة.
ومثال الفعل حديث حمران مولى عثمان عند البخاري ومسلم: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات ثم مضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، توضأ مثل وضوئي هذا..... إلى آخره.
ومثال التقرير ما رواه أبو داود والحاكم وأحمد عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب؟! فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29] ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئاً.
وإذا كان الحديث مرادفاً لكلمة "السنة" فيدخل فيه نوع رابع هو صفاته صلى الله عليه وسلم الخُلُقية والخَلْقية، مثل ما جاء في صحيح ابن حبان ومسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها، وقد سئلت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعمل في بيته فقالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم.
وأما الحديث القدسي أو الإلهي فهو ما أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تبارك وتعالى، ومثاله ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني...... إلى آخره.
وللمزيد من هذا يمكنك مراجعة محور الحديث في موقعنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1423(3/268)
أقسام الحديث من حيث العمل به
[السُّؤَالُ]
ـ[1-العلماء الأفاضل
1-ما المقصود بخبر الآحاد؟ وما مدى جواز الأخذ به؟
2- ما مدى جواز الأخذ بالأحاديث غير الصحيحة مثل الضعيف والموضوع الخ؟ هل نتركها على الإطلاق؟ أم نأخذ بها أحيانا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
1-فإن حديث الآحاد يجب العمل به إن كان صحيحاً أو حسناً وسلم من وجود معارض له صالح أقوى منه سنداً أو دلالة، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وراجع في ذلك الفتوى رقم:
8406
2-فإن الأحاديث تنقسم من حيث العمل بها إلى أربعة أقسام:
أولها: الصحيح: وهو: "ما رواه عدل تام الضبط متصل السند، غير معلٍّ ولا شاذ"
ثانيها: الحديث الحسن: وهو ما جمع شروط الحديث الصحيح، غير أن رواته أخف ضبطاً من رواة الصحيح.
فهذان القسمان يجب العمل بهما، لأنهما يشتركان في الحجية، غير أن الصحيح أعلى مرتبة من الحسن.
وثالثها: الحديث الضعيف، وهو: "الذي لم تجتمع فيه صفات القبول"
وهذا القسم لا يجوز الاحتجاج به في العقائد ولا في الحلال والحرام، وإنما جوَّز بعض المتأخرين العمل به في فضائل الأعمال بشروط وهي:
1-أن يكون الحديث في فضائل الأعمال.
2-أن يكون ضعفه غير شديد.
3-أن يندرج تحت أصل معمول به.
4-أن لا يعتقد ثبوته عند العمل به، بل يعتقد الاحتياط.
ورابعها: الموضوع وهو: الكلام الذي اختلقه وافتراه واحد من الناس، ونسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا القسم لا يحل لأحد أن يرويه منسوباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمه بوضعه، وذلك لحديث سُمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين" رواه مسلم.
قال السخاوي: "وكفى بهذه الجملة وعيداً شديداً في حق من روى الحديث، وهو يظن أنه كذب" ا. هـ
وقال الخطيب البغدادي: يجب على المحدث أن لا يروي شيئاً من الأخبار المصنوعات، والأحاديث الباطلة، فمن فعل ذلك باء بالإثم المبين، ودخل في جملة الكذابين. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1422(3/269)
جواب شبهة حول ما شهده جمع غفير من الصحابة ولم يتواتر
[السُّؤَالُ]
ـ[المشايخ الأفاضل.. كنت طرحت هذا السؤال في أحد المنتديات المتخصصة, لكنني لم أجد جوابا.. فأرجو أن أناله عندكم.. السؤال هو: جاء في كتاب "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" قصة نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم -نقل الشهاب في شرح الشفا عن النووي ويعني في شرح مسلم أنها متواترة وقال القرطبي تكررت منه صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن في مشاهد عظيمة ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي وقال عياض في الشفا قصة نبع الماء وتكثير الطعام رواها الثقات والعدد الكثير عن الجم الغفير عن العدد الكثير من الصحابة ومنها ما رواه الكافة عن الكافة متصلاً عمن حدث بها من جملة الصحابة وأخبارهم أن ذلك كان في مواطن اجتماع الكثير منهم يوم الخندق وفي غزوة بواط وعمرة الحديبية وغزوة تبوك وأمثالها من محافل المسلمين ومجتمع العساكر ولم يوثر عن أحد من الصحابة مخالفة للراوي فيما حكاه ولا إنكاره لما ذكر عنهم أنهم رأوه كما رآه إلى أن قال فهذا النوع كله ملحق بالقطعي من معجزاته كما بيناه. اهـ. وراجع المواهب وشرحها.
الإشكال هو: أليس من المستغرب -حتى على منهج المتقدمين من المحدّثين- أن يروى الحدث الذي شهده الجمّ الغفير والذي من طبعه أن يشيع بين الناس, برواية الواحد أو الاثنين.. فأرجو من طلبة العلم المبجّلين الردّ على هذا الاستشكال بالدليل المبسوط, وحبذا لو كان بالنقل عن أئمة الفنّ.. سؤال ثان: قول المؤلف "ومنها ما رواه الكافة عن الكافة متصلاً عمن حدث بها من جملة الصحابة", هل يعني تواتر ذكر الحادثة الواحدة، وهل هو تواتر عن الصحابي أم عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ بارك الله فيكم سلفا.. وصلّى الله على محمد وآله وصحبه والسالكين طريق الهدى إلى يوم الدين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن الحدث الكبير إذا وقع بحضرة عدد كبير من الناس كان ذلك داعياً إلى نقله بالتواتر.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن عدم نقل الخبر بالتواتر مع توفر دواعي ذلك هو من أدلة ضعفه، كما بينه صاحب مراقي السعود بقوله:.......... * وخبر الآحاد في السني
حيث دواعي نقله تواترا * نرى لها لو قاله تقررا.
لكن اعتبار هذا أحد الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على ضعف الخبر ليس معناه أن كل حدث توفرت دواعي نقله بالتواتر ولم ينقل كذلك كان ضعيفاً، فكم من أحداث حصلت أمام جماهير الناس مراراً ولم ترو بالتواتر، ولم يمنع ذلك من الحكم بثبوتها، فحجة النبي صلى الله عليه وسلم حصلت أمام عشرات الآلاف من الصحابة رضي الله عنهم، وقال لهم: لتأخذوا عني مناسككم.. ولم ترو عنه تفاصيل حجته إلا من حديث بعض قليل جداً كجابر رضي الله عنه، ووضوؤه وصلاته تكررا آلاف المرات أمام الصحابة ولم ترو صفة صلاته ووضوئه صلى الله عليه وسلم إلا عن قلة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولم يفد ذلك شكاً في ثبوتها مع توفر الأسباب الداعية لنقلها بالتواتر.
من ذلك تعلم أنه ليس من المستغرب أن يروى الحدث الذي شهده الجم الغفير برواية الواحد أو الإثنين.
ولكن ينبغي أن تعلم أن نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وما ذكرت معه من المعجزات ليس من هذا، لأنه كان قد نقل بالتواتر، فقد جاء في شرح الزرقاني على الموطأ: قال عياض: نبع الماء رواه الثقات من العدد الكثير والجم الغفير عن الكافة متصلة بالصحابة وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومجامع العساكر ولم يرد عن أحد منهم إنكار على راوي ذلك فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته ...
وفي الجواب الصحيح لابن تيمية: ... ومنها ما هو متواتر يعلمه العامة والخاصة كنبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وحنين الجذع ونحو ذلك، فإن كلا من ذلك تواترت به الأخبار واستفاضت ونقلته الأمة جيلاً بعد جيل وخلفاً عن سلف فما من طبقة من طبقات الأمة إلا وهذه الآيات منقولة مشهورة مستفيضة فيها ينقلها أكثر ممن ينقل كثيراً من القرآن وقد نقلها وسمعها من الأمة أكثر ممن سمع ونقل كثيراً من آيات القرآن..
وفي هذا القدر كفاية على ما استشكلته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(3/270)
مظان وجود الأحاديث المتواترة
[السُّؤَالُ]
ـ[أين أجد الأحاديث المتواترة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ألف في الحديث المتواتر جملة من أهل العلم ذكر بعضهم الشيخ محمد بن جعفر الكتاني في كتابه (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) ، وممن ذكر من هؤلاء العلماء:
1) الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، وقد سمى كتابه (الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة) ثم جرد مقاصده في جزء لطيف سماه (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) .
2) شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن طولون الحنفي الدمشقي الصالحي، واسم كتابه (اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة) .
3) الشيخ أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني الزبيدي المصري، واسم كتابه (لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة) ، ومنه أخذ الشيخ صديق بن حسن بن علي القنوجي البخاري الحسيني الأربعين التي جمعها مما بلغ حد التواتر وسماها (الحرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون) .
وههنا أمر ينبغي التنبه له، فقد نقل الكتاني في كتابه المذكور آنفا عن الشيخ أبي الحسن محمد صادق السندي المدني أنه قال في شرح النخبة: وقد تساهل السيوطي في الحكم بالتواتر فحكم على عدة من الأحاديث بذلك وأوردها في كتاب سماه: الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة. انتهى، ثم قال الكتاني معلقاً: وهو كذلك فإنه ذكر عدة أحاديث ربما يقطع الحديثي بعدم تواترها، ويظهر أيضاً من كلامه أنه قصد جمع المتواتر اللفظي، ثم إنه كثيراً ما يورد أحاديث صرح هو أو غيره في بعض الكتب بأن تواترها معنوي. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(3/271)
درجات قبول الحديث من حيث الاستشهاد والعمل به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة الحديث التي يعتد بها عند الاستشهاد به؟
وهل تختلف الدرجة على حسب الإمام الراوي له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي يجب به العمل ويصلح للاحتجاج به هو ما توفرت فيه شروط القبول، وقد بينا ذلك في الفتويين: 11828، 61780 ... ... ...
ودرجات القبول متفاوته فأعلاها المتواتر، ثم ما اتفق عليه الشيخان، ثم ما انفرد به الب خاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما جاء على شرطهما، ثم ما جاء على شرط البخاري، ثم ما جاء على شرط مسلم، ثم ما جاء على شرط غيرهما. وهذه هي أقسام الصحيح، ثم يأتي بعد ذلك الحسن ويجب العمل به أيضاً، وكل حديث توفرت فيه شروط القبول يجب به العمل ويصلح للاستشهاد بغض النظر عن درجته أو راويه أو مخرجه، وفائدة معرفة هذه الدرجات هي للترجيح عند التعارض أو للاختلاف كما قال الشيخ سيدي عبد الله في طلعة الأنوار عند كلامه على الحديث الحسن وهو من المقبول الذي يجب العمل به ولكنه دون الصحيح في الدرجة، قال:
وهو في الحجة كالصحيح ودونه إن صير للترجيح
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1426(3/272)
أنواع الحديث ومعنى: المتواتر والحسن ... والفرق بين السند والمتن
[السُّؤَالُ]
ـ[العلماء الأفاضل ما الفرق بين درجة الحديث وأنواع الحديث وما المقصود بالحديث الصحيح والضعيف والحسن والحسن الصحيح والمتواتر والمرسل والآحاد والمشهور والموضوع والمرفوع والمدلس وإسناده صحيح وما الفرق بين المتن والسند وشكراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي السائل أن الحديث باعتبار وصوله إلينا ينقسم إلى قسمين:
متواتر، وآحاد.
أما المتواتر فهو: ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، ولابد من وجود هذه الكثرة في جميع الطبقات، وهذا النوع من الخبر مقبول كله، ولا حاجة إلى البحث عن رواته.
أما القسم الثاني وهو حديث الآحاد فهو: ما لم يجمع شروط المتواتر، وهو ينقسم من حيث عدد رواته إلى ثلاثة أقسام: مشهور، عزيز، غريب.
أما المشهور فهو: ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة، ما لم يبلغ حد التواتر.
والعزيز: ما لا يقل رواته عن اثنين في جميع طبقات السند.
والقسم الثالث: - وهو الغريب - هو ما ينفرد بروايته راو واحدٌ.
هذه الأقسام الثلاثة هي المسماة بحديث الآحاد، وهو بأقسامه الثلاثة من مشهور، وعزيز، وغريب ينقسم بالنسبة إلى قوته، وضعفه إلى قسمين، وهما مقبول ومردود.
أما المقبول فهو: ما ترجح صدق المخبر به، وأنواعه أربعة:
- صحيح لذاته.
- حسن لذاته.
- صحيح لغيره.
- حسن لغيره.
أما الصحيح لذاته فهو: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.
والحسن لذاته هو: ما اتصل سنده بنقل العدل الذي خف ضبطه عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.
والصحيح لغيره هو: الحسن لذاته إذا روي من طريق آخر مثله، أو أقوى منه، وسمي صحيحاً لغيره، لأن الصحة لم تأت من ذات السند، وإنما جاءت بانضمام غيره إليه.
والحسن لغيره هو: الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه، ولم يكن سبب ضعفه فسق الراوي ولا كذبه، هذه هي الأقسام الأربعة كلها داخلة في الحديث المقبول الذي يحتج به، وإذا وصف الحديث في آن واحد بأنه حسن وصحيح كما يقول الترمذي غالباً، فمعنى ذلك - كما قال ابن حجر وارتضاه السيوطي - أنه إن كان للحديث إسنادان فأكثر، فالمعنى أنه حسن باعتبار إسنادٍ وصحيح باعتبار إسناد آخر، وإن كان له إسناد واحدٌ، فالمعنى حسن عند قوم صحيح عند قوم آخرين.
أما القسم الثاني من قسمي حديث الآحاد وهو المردود فهو: ما لم يترجح صدق المخبر به، لفقد شرط أو أكثر من شروط القبول التي مرت بنا في الكلام على الحديث المقبول بأنواعه الأربعة، وقد قسم العلماء المردود إلى أقسام كثيرة، وأطلقوا على كثير من تلك الأقسام أسماء خاصة بها، ومنها ما لم يطلقوا عليها اسما خاصاً بها، بل سموها باسم عام، وهو الضعيف، وهذا الاسم يعتبر هو الاسم العام لنوع الحديث المردود، وهو ما لم تتوفر فيه صفة الحسن التي هي أدنى درجات القبول.
قال البيقوني في منظومته: وكل ما عن رتبة الحسن قصر* فهو الضعيف وهو أقسام كثر.
أما الحديث الموضوع فهو المختلق المصنوع المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أقبح أنواع الضعيف، بل من العلماء من يعتبره قسماً مستقلاً وليس نوعاً من أنواع الحديث الضعيف.
وبهذه العجالة نرجو أن يتضح للسائل الفرق بين المتواتر والآحاد بأنواعه الثلاثة، وبين الصحيح بأنواعه الأربعة، وأن يعرف الضعيف والموضوع.
أما الحديث المرسل فهو ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعي، وصورته أن يقول التابعي صغيراً كان أو كبيراً:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فعل أو نحو ذلك.
والمرفوع هو: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير وصفة، سواء أضافه الصحابي، أو من دونه، فهو أعم من المرسل.
أما المدلس فقد سبقت الإجابة عنه برقم: 11551.=
وقول المحدث هذا حديث صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد، ومثلهما إسناده صحيح كما في عبارة السائل دون مرتبة قوله حديث صحيح أو حسن، لأن الحديث قد يصح أو يحسن إسناده ولا يسلم متنه من الشذوذ أو العلة.
فكأن المحدث إذا قال إحدى الجمل الثلاث الأول قد تكفل بثلاثة من شروط الصحة، وهي: اتصال السند، وعدالة الرواة، وضبطهم.
بخلاف ما إذا قال: حديث صحيح أو حسن، فإنه قد حكم بتوافر شروط الصحة الخمسة التي هي الثلاثة المتقدمة والسلامة من الشذوذ والعلة، هذا هو الأصل، لكن لو اقتصر حافظ معتمد على قوله حديث صحيح الإسناد أو حسنه، ولم يذكر علة ولا شذوذاً، فالظاهر صحة المتن، لأن الأصل عدم العلة والشذوذ.
أما السند فهو: سلسلة الرجال الموصلة للمتن إلى قائله.
والمتن هو: ما ينتهي إليه السند من الكلام.
هذا وننبه السائل الكريم إلى أن أغلب هذه الأقسام متشعب إلى شعب أكثر مما ذكرنا، ومختلف في بعض الأحيان في تعريفه، فإذا أراد الاطلاع أكثر، والمزيد من الفائدة، فليرجع إلى كتب المصطلح المخصصة لهذا الباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1422(3/273)
موقف الإمام النووي من حديث الآحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفيد حديث الآحاد عند الإمام النووي ـ رحمه الله؟.
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ كان يرى العمل بأحاديث الآحاد، فقد قال في شرح مسلم: قد تظاهرت دلائل النصوص الشرعية والحجج العقلية على وجوب العمل بخبر الواحد، وقد قررالعلماء في كتب الفقه والأصول ذلك بدلائله وأوضحوه أبلغ إيضاح، وصنف جماعات من أهل الحديث وغيرهم مصنفات مستكثرات مستقلات في خبر الواحد ووجوب العمل به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1430(3/274)
حديث الآحاد حجة عند الحافظ ابن حجر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفيد حديث الآحاد عند الإمام ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله؟.
جزاكم الله خيراً وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خبر الواحد حجة عند الحافظ ابن حجر، وقد تكلم عليه في عدة مواضع من فتح الباري، واحتج لذلك بكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الأفراد، وبكون الصحابة كانوا يعملون بخبر الواحد، ومن المواضع التي بسط الكلام على الموضوع فيها شرحه لباب: ما جاء في إجازة خبر الواحد، ويمكنك مراجعة معنى خبر الواحد في الفتوى رقم: 8406.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1430(3/275)
مسائل حول العمل بخبر الآحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الفضلاء بالشبكة الإسلامية أتقدم إليكم بسؤالي راجياً الله العلي أن ينفع بكم الإسلام والمسلمين وسؤالي هو: حول حديث الآحاد ما تعريفه؟ كم أعداده في كتب الصحاح ولو تقريبا؟ هل هو ظني الثبوت؟ هل يعمل به في العقيدة في الفقه في قصص الأنبياء والسيرة؟ من قبله من العلماء ومن رفضه وما دليل كل فريق؟ هل يجوز رده إذا تعارض مع قواعد الشريعة العامة وأصولها الكلية؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما سؤالك عن تعريف حديث الآحاد، وهل هو ظني أم لا، فقد أجبنا عنه بالتفصيل في فتاوى كثيرة، وراجع فيه فتوانا رقم: 8406.
وأما سؤالك عن أعداده في الصحاح فنعتذر عن الإجابة عليه، لأنه يحتاج إلى قدر كبير من الوقت قد لا يكون متاحاً لنا لكثرة ما عندنا من الأسئلة الشرعية التي تتوقف على الإجابة عنها مصالح كثيرة.
وعما إذا كان يعمل به في العقيدة والفقه والقصص والسير، فنقول لك فيه إن الصحيح من أقوال أهل العلم أن خبر الآحاد يعمل به في كل ذلك، وراجع فيه الفتوى رقم: 14050، والفتوى رقم: 28926.
وعن الذي قبله من أهل العلم والذي رفضه، فنقول فيه إن جماهير أهل العلم من السلف والخلف على أن خبر الآحاد مقبول، وهو حجة في الدين كله، ومنع قوم قبوله، منهم: ابن أبي داود وبعض المعتزلة وبعض القدرية والظاهرية، وكذلك الرافضة. وراجع في هذا الفتوى رقم: 6906.
وإذا تعارض خبر الواحد مع القواعد العامة للشريعة، فإن أهل العلم اختلفوا في أيهما يقدم، قال الشاطبي في كتابه الموافقات: قال ابن العربي: إذا جاء خبر الواحد معارضا لقاعدة من قواعد الشرع هل يجوز العمل به أم لا؟ فقال أبو حنيفة: لا يجوز العمل به، وقال الشافعي: يجوز، وتردد مالك في المسألة ومشهور قوله والذي عليه المعول أن الحديث إن عضدته قاعدة أخرى قال به وإن كان وحده تركه..... 3/24.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(3/276)
الشيخان لم يستوعبا في صحيحهما جميع الأحاديث الصحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا أعرض الشيخان في الصحيحين عن ذكر رواية (وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد) واكتفيا بذكر ثواب الصلاة في المسجد النبوي؟ مع العلم أنهما ذكرا في حديث واحد كما في رواية ابن الزبير وغيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد نقلا عن الشيخين يبين سبب إعراضهما عن تخريج هذا الحديث، ومن المعلوم أن الشيخين لم يستوعبا في صحيحهما جميع الأحاديث الصحيحة، وهذا الحديث صحيح على كل. فقد تكلم عليه ابن عبد البر وابن حجر والمنذري وصححوه وتابعهم الشيخ الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1430(3/277)
طرق الحكم بصحة الحديث أو ضعفه
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو توضيح الطرق التي يتم التوصل فيها إلى تحديد الحديث الصحيح عن غيره؟ وما هي الخطوات المتبعة في ذلك؟ ونرجو أن ترفق لنا حديثا غير ثابت أو ضعيف وتشرح فيه لماذا سمي بحديث ضعيف أو غير ثابت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلم بصحة الحديث أو ضعفه يتم بالدراسة لحال سند الحديث ومتنه، فإذا تؤكد من اتصال سنده وعدالة ناقليه وضبطهم وسلامته من الشذوذ والعلة القادحة فهو حديث ثابت صحيح أو حسن، وإذا اختل شيء مما ذكرنا فهو ضعيف ومن أمثلة الضعيف حديث: لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا. وقد بينا علته في الفتوى رقم: 20866.
ومن طالع السلسلة الضعيفة للألباني سيجد فيها كثيرا من الأحاديث الضعيفة مع بيان علتها.
وارجع للبسط فيما ذكرنا الفتاوى التالية أرقامها: 11828، 40162، 13202، 18973.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1430(3/278)
طريقة العلم بصحة الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي بالطريقة الصحيحة للكشف عن صحة حديث نبوي أو حديث مروي عن أحد الصحابة أو التابعين بالتفصيل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تعرف صحة الحديث بوجوده في كتاب التزم مؤلفه فيه الصحة أو بنص الحفاظ على صحته أو بتوفر ضوابط الصحيح التي ذكرها أهل الحديث.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طريقة العلم بصحة الحديث هي أن تبحث عمن أخرجه، فإن كان مخرجه ممن يلتزم بالصحة كالبخاري ومسلم فبها ونعمت، ومثلهما ما في صحيح ابن خزيمة وابن حبان والمستدرك للحاكم إن لم ينتقده الحفاظ، وإلا فابحث عنه في كتب التخريج فانظر هل تكلم عليه النووي أو الزيلعي أو العراقي أو الهيثمي أو ابن حجر أو غيرهم ممن ألفوا في التخريج، ومثلهم من المتأخرين الشيخ أحمد شاكر والألباني والأرناؤوط وحسين أسد، فإن حكم عليه الحفاظ والمحققون بالصحة فهو صحيح، قال السيوطي في الكلام على الحديث الصحيح:
وخذه حيث حافظ عليه نص * أو من مصنف بجمعه يخص
كابن خزيم ويتلو مسلما * وأوله البستي ثم الحاكما
فإن لم تجد من تكلم على صحته أو ضعفه فطبق فيه الضوابط التي ذكر أهل العلم في شروط الصحيح، وهي اتصال السند بنقل العدول الضابطين دون شذوذ ولاعلة قادحة، فإن تأكدت من اتصال سنده وعدالة وضبط ناقليه وسلامته من الشذوذ والعلة فهو صحيح، وينبغي التنبه إلى أن قول بعض المخرجين في الحديث إسناده صحيح لا يلزم منه في بعض الأحيان أن يكون متصل السند، أو سالماً من العلة القادحة والشذوذ، وللبسط في الموضوع طالع كتب المصطلح كمقدمة ابن الصلاح، والباعث الحثيث لابن كثير، وألفية العراقي والسيوطي مع شروحهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(3/279)
أول من صنف في الحديث الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول من اهتم من العلماء بالأحاديث الصحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أول من ألف في الصحيح مؤلفاً خاصاً الإمام البخاري.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أول من ألف من المحدثين مؤلفاً خاصاً بالأحاديث الصحيحة هو الإمام البخاري ثم ألف بعده الإمام مسلم.
وقد اهتم بالصحيح قبلهما الإمام مالك ولكن كتابه لم يكن خاصاً بالصحيح، قال العراقي في ألفيته في المصطلح:
أول من صنف في الصحيح * محمد وخص بالترجيح.
ومسلم بعد.....
قال السخاوي في شرح الألفية نقلا عن ابن السكن ومسلمة بن قاسم وغيرهما أن البخاري أول من صنف كتاباً خاصاً بالصحيح، وأما الموطأ فهو وإن كان سابقاً على صحيح البخاري فمصنفه لم يتقيد بما اجتمعت فيه شروط الصحة، لإدخاله فيه المرسل والمنقطع على سبيل الاحتجاج. وراجع تدريب الراوي للسيوطي والنكت على مقدمة ابن الصلاح.
وأما الاهتمام بتصحيح الأحاديث والتدقيق فيها ورد ما ليس مقبولاً فقد اهتم به التابعون لما ظهرت فرق الضلال المروجة لبدعها بالأحاديث المختلقة، فقد روي عن ابن سيرين أنه قال: كانوا لا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وإلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. رواه أحمد في العلل ومسلم في الصحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1428(3/280)
معنى عبارة (جاء فيما صح عن النبي)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الشخص وهو يريد أن يروي حديثا فيقول: وجاء فيما صح عن النبي، فهل هذا يعني أن الحديث صحيح أم حسن أم غير ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة (جاء فيما صح عن النبي) صلى الله عليه وسلم تفيد بأن المتحدث قد وصف الحديث المذكور بالصحة وليس بالحسن، إلا إن كان يقصد بالصحيح المقبول الذي يدخل فيه الصحيح الاصطلاحي والحسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(3/281)
معنى قول الترمذي: حسن صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مقصد الترمذي من: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول الترمذي: حسن صحيح، يحمل على التردد في وصفه بالصحة أو الحسن، هذا إذا كان سنده واحداً كما في الحديث الذي قال فيه: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأما إن روي بعدة أسانيد فيحمل على ما ذكرناه سابقاً، ويحمل أيضاً على اتصاف أحد أسانيده بالصحة واتصاف الآخر بالحسن.
قال صاحب طلعة الأنوار:
وفي صحيح حسن أقوال * في كلها قد ظهر اختلال
ثم الجواب بتنوع السند * لحسن ولصحيح معتمد
أو بالتردد لوصف من نقل *..............
وراجع التقييد والإيضاح للحافظ العراقي، وشرح السخاوي لألفية العراقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1427(3/282)
شروط قبول الحديث عند الشيخين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط قبول الحديث عند البخاري ومسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال السخاوي في فتح المغيث:
اعلم أنه لم يصرح أحد من الشيخين بشرط في كتابه ولا في غيره كما جزم به غير واحد منهم النووي، وإنما عرف بالسبر كتابيهما، ولذا اختلف الأئمة في ذلك، فقال أبو الفضل بن طاهر الحافظ في جزء سمعناه أفرده لشروط الستة: شرطهما أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلا غير مقطوع، وإن كان للصحابي روايان فصاعدا فحسن، وإن لم يكن له إلا راو واحد وصح الطريق إليه كفى، وما ادعاه من الاتفاق على ثقة نقلتهما قد لا يخدش فيه وجود حكاية التضعيف في بعضهم ممن قبلهما لتجويز أنهما لم يرياه قادحا فنزلا كلام الجمهور، والمعتمد عندهما منزلة الإجماع، وكذا قوله: من غير اختلاف بين الثقات ليس على إطلاقه، فإنه ليس كل خلاف مؤثر، وإنما المؤثر مخالفة الثقة لمن هو أحفظ منه أو أكثر عددا من الثقات ...
وقال الحافظ أبو بكر الحازمي في جزء شروط الخمسة مما سمعناه أيضا ما حاصله: أن شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلا، وأن يكون راويه مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط متصفا بصفات العدالة ضابطا متحفظا سليم الذهن قليل الوهم سليم الاعتقاد.
وإن شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنه ملازمة طويلة سفرا وحضرا، وإنه قد يخرج أحيانا ما يعتمده عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن رووا عنه فلم يلزموه إلا ملازمة يسيرة
وأما مسلم فيخرج أحاديث الطبقتين على سبيل الاستيعاب، وقد يخرج حديث من لم يسلم من غوائل الجرح إذا كان طويل الملازمة لمن أخذ عنه؛ كحماد بن سلمة في ثابت البناني فإنه لكثرة ملازمته له وطول صحبته إياه صارت صحيفة ثابت على ذكره وحفظه بعد الاختلاط كما كانت قبله، وعمل مسلم في هذه كعمل البخاري في الثانية.
قلت: ولا يمنع من هذا اكتفاء مسلم في السند المعنعن بالمعاصرة والبخاري باللقاء ولو مرة لمزيد تحريهما في صحيحهما.
وقال ابن الجوزي: اشترط البخاري ومسلم الثقة والاشتهار. قال: وقد تركا أشياء تركها قريب وأشياء لا وجه لتركها، فمما تركه البخاري الراوية عن حماد بن سلمة مع علمه بثقته لأنه قيل إنه كان له ربيب يدخل في حديثه ما ليس منه، وترك الراوية عن سهيل بن أبي صالح لأنه قد تكلم في سماعه من أبيه وقيل صحيفة، واعتمد عليه مسلم لما وجده تارة يحدث عن أبيه وتارة عن عبد الله بن دينار عن أبيه ومرة عن الأعمش عن أبيه، فلو كان سماعه صحيفة كان يروي الكل عن أبيه. انتهى كلام السخاوي.
وقد ذكر ابن الصلاح رحمه الله: أنه شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ ومن العلة، وهذا هو حد الحديث الصحيح في نفس الأمر، فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(3/283)
تخريج حديث \"إنما الأعمال بالنيات\"
[السُّؤَالُ]
ـ[تخريج الحديث الشريف التالي من عدة مصادر (إنما الأعمال بالنيات) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى هذا الحديث جمع من الأئمة أصحاب المصنفات، ومنهم البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، والترمذي في جامعه، وأبو داود في سننه، والنسائي في سننه الكبرى وفي سننه الصغرى، وابن ماجه في سننه، وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي في سننه الكبرى وفي سننه الصغرى وفي الزهد الكبير، والدارقطني في سننه، والإمام أحمد في مسنده، والحميدي في مسنده، وأبو داود الطيالسي في مسنده، والبزار في مسنده، وأبو عوانة في مسنده، والقضاعي في مسند الشهاب، والطبراني في معجمه الأوسط، والطحاوي في شرح معاني الآثار، والطبري في تهذيب الآثار، وهناد في الزهد، وابن المبارك في الزهد.
هذا.. وليعلم أن عزو الحديث للصحيحين مُعْلِم بصحة الحديث، ولا ينبغي التوسع في التخريج لحديث هذه صفته إلا لحاجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(3/284)
الصحيح لذاته.. تعريفه.. أمثلة عليه.. مظان وجوده
[السُّؤَالُ]
ـ[تعريف الصحيح لذاته ومثال عليه، وماهي الكتب التي تحوي هذا الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحيح لذاته هو ما اتصل سنده بنقل عدل تام الضبط عن مثله غير معلل ولا شاذ، وليس بينه وبين الصحيح لغيره إلا تمام الضبط، وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 11828. وأما مثاله فإن أغلب أحاديث الصحيحين منه، ومن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه قال: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا. ومنه كذلك ما رواه الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن المزابنة. وأخرجه البخاري قال: حدثنا عبد الله بن يوسف عن مالك.. إلخ. وأخرجه مسلم فقال: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: قرأت على مالك.. إلخ. فهذان الحديثان صحيحان، وهما من الصحيح لذاته، فالرواة فيهما عدول تامو الضبط، وليس فيهما شذوذ ولا علة. وسلسلة الحديث الثاني هي سلسلة الذهب " مالك عن نافع عن ابن عمر " يجمتع فيها أعلى درجات العدالة والضبط والإتقان.
وأما الكتب التي اعتنت بذلك فأولها كتابا الشيخين " البخاري ومسلم " ثم كتب السنن، فقد اعتنت بالصحيح لكنها لم تشترطه فأخرجت غيره، وأيضا الكتب التي اشترطت الصحة كصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان وغيرهما، وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 21893.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1426(3/285)
معنى قولهم صحيح على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بكتب الأحاديث صحيح على شرط مسلم أو على شرط الشيخين، فما معنى صحيح على شرط مسلم أو الشيخين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولهم صحيح على شرط البخاري أو شرط مسلم أو شرط الشيخين يحتمل معنيين: أحدهما أن رواة الحديث المذكور هم رواة البخاري أو مسلم أو رواة كل منهما. الثاني: أن رواة الحديث مثل رجال البخاري أو مسلم في العدالة والضبط ... والصحيح الاحتمال الأول وهو ما يعبر عنه في أحيان كثيرة بعبارة " ورجاله رجال الصحيح، أو مافي معناها. ويشترط البخاري تحقق لقاء الراوي بمن روي عنه وروايته عنه ولا يكتفي بالمعاصرة وإمكان الأخذ. وأما مسلم فلا يشترط تحقق اللقاء والرواية إذا تحققت العدالة والضبط، وإنما يكتفي بالمعاصرة وإمكان اللقي بين الراوي ومن روى عنه. وفي هذا يقول أحد العلماء:
شرط البخاري تحقق اللقي * ومسلم إمكانه فحقق. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 14194.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(3/286)
مسائل حول المستخرجات على الصحيحين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أصح المستخرجات على الصحيحين؟ وما هي الفوائد من تصنيف المستخرجات؟ وما ضابط الأخذ منها؟ وهل يصح أن نأخذ منها ثم نقول رواه البخاري أو مسلم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلماء المصنفين في علم مصطلح الحديث لم ينصوا على أصح المستخرجات، ولكن نص بعضهم على أصح الأحاديث في المستخرجات، وذلك فيما وقفنا عليه من كتب ومراجع، لأن مقصود أصحاب المستخرجات ليس الصحة، وإنما هو علو الإسناد فإن حصل وقع الغرض فإن كان مع ذلك صحيحاً أو فيه زيادة حسن حصل ذلك اتفاقاً وإلا فليس ذلك هو المقصود.
أما فائدة المستخرجات، فقال الإمام النووي في التقريب: وللكتب المخرجة عليهما فائدتان: علو الإسناد وزيادة الصحيح فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما. انتهى.
وتعقبه الحافظ: بأن هذا مسلم في الرجل الذي التقى فيه إسناد المستخرج وإسناد مصنف الأصل، وفيمن بعده، وأما من بين المستخرج وبين الرجل فيحتاج إلى نقد، لأن المستخرج لم يلتزم الصحة في ذلك. انتهى.
قال السيوطي في التدريب: وبقي له فوائد أخرى منها: القوة بكثرة الطرق للترجيح عند المعارضة، ومنها أن يكون مصنف الصحيح روى عمن اختلط ولم يبين له سماع ذلك الحديث في هذه الرواية قبل الاختلاط أو بعده فيبينه المستخرج.. ومنها أن يروي في الصحيح عن مدلس بالعنعنة فيرويه المستخرج بالتصريح بالسماع، ومنها أن يروي عن مبهم كحدثنا فلان أو رجل فيعينه المستخرج، ومنها أن يروي عن مهمل، كمحمد من غير ذكر ما يميزه عن غيره من المحمدين فيميزه المستخرج، قال شيخ الإسلام: وكل علة أعل بها حديث في أحد الصحيحين جاءت رواية المستخرج سالمة منها، فهي من فوائده، وذلك كثير جداً. انتهى بتصرف بسيط.
أما ضابط الأخذ منها فهو صحة الإسناد بين المستخرج وبين الرجل الذي التقى فيه إسناده مع إسناد صاحب الصحيح، لأن المستخرج أخرج أحاديث الصحيح بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه، قال الحافظ العراقي، قال الحافظ: أما من بين المستخرج وبين الرجل فيحتاج إلى نقد لأن المستخرج لم يلتزم الصحة في ذلك.
ولا يصح أن ننقل من المستخرجات حديثا ونقول رواه البخاري أو مسلم أو أخرجاه وإن كانا أخرجا أصله إلا أن يقول المستخرج أخرجه بلفظهما أو بلفظ أحدهما أو أن تقابله بهما، قال الإمام النووي في التقريب: وكذا ما رواه البيهقي والبغوي وشبههما قائلين رواه البخاري أو مسلم وقع في بعضه تفاوت في المعنى فمرادهم أنهما رويا أصله، فلا يجوز أن تنقل منها حديثاً وتقول هو كذا فيهما إلا أن تقابله بهما، أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه. انتهى.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1425(3/287)
درجة حديث (من تزوج فقد أحرز نصف دينه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يسمى اليوم بالرقية الشرعية وهل وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال الثاني:
يتردد كثيرا على أفواه الناس أن الزواج نصف الدين ولقد بحثت كثيرا في كتب السنة ولم أجد بابا يذكر هذا فهل صحيح هذا القول.
السؤال الثالث:
الصلاة صلة العبد بربه، هناك صنف من الناس يصلي لكنه يرتكب المعاصي، وهناك صنف آحر لا يصلي ويرتكب المعاصي قأي الفئتين أزكى.
وفي الأحير أتمنى لكم كل التوفيق من الله عز وجل.]ـ
[الفَتْوَى]
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1424(3/288)
حديث "لأن يطعن احدكم ... " صحيح سندا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
ما هي صحة الحديث الذي يقول معناه أنه خير للمرء أن ينقر بشيء على رأسه من أن تمسه امرأة لا تحل له ... وما مدى خطورة هذا الحديث؟
وبارك الله فيكم ورعاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المشار إليه حديث صحيح رواه الطبراني والبيهقي عن معقل بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " وصححه الألباني - رحمه الله- في السلسلة الصحيحة رقم (226) وفي صحيح الجامع برقم (5045) ، وإن كان الخلاف قائماً بين شراح الأحاديث هل المراد بالمس هنا مجرد اللمس أم الجماع؟ والراجح أن المراد به الظاهر وهو مجرد اللمس بالمصافحة ونحوها، وذلك لأن المصافحة محرمة لذاتها كما ثبتت بذلك الأحاديث، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى مجرد اللمس زناً كما في الحديث الذي أخرجه أحمد والحاكم وصححه الألباني " كل ابن آدم أصاب من الزنا لا محالة، فالعين زناها النظر، واليد زناها اللمس، والنفس تهوى وتحدث، ويصدق ذلك ويكذبه الفرج".
ومن هنا تأتي خطورة لمس المرأة الأجنبية وما يحصل منه من التلذذ، ولأنه من أقوى الطرق المؤدية للوقوع في الفاحشة الكبرى والعياذ بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1424(3/289)
معنى: حديث حسن صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث الحسن الصحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك أيها السائل إن كنت تقصد السؤال عن تعريف الحديث الحسن فقط أو الحديث الصحيح فقط، فقد تقدمت الإجابة على كل منهما مفصلة في الفتوى رقم: 11828.
وإن كنت تقصد الحديث الموصوف بأنه حسن صحيح معاً، كما يذكر الإمام الترمذي، فمعناه -كما ذكره الحافظ ابن حجر وارتضاه السيوطي -أنه إذا كان للحديث إسنادان فأكثر فإنه حسن باعتبار إسناد، وصحيح باعتبار إسناد آخر.
وإن كان له إسناد واحد، فالمعنى حسن عند قوم صحيح عند قوم آخرين، وللمزيد من الفائدة والتفصيل يمكن الرجوع إلى الفتوى المحال عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1424(3/290)
السبب في تميز الصحيحين عن باقي كتب السنن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين البخاري ومسلم من جهة وباقي كتب الحديث من جهة أخرى في شروط منح الحديث درجة الصحيح]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن علماء الحديث متفقون على أنه لا يحكم على الحديث بالصحة إلا بشروط هي:
أولاً: اتصال السند. ثانياً: عدالة الراوي.
ثالثاً: ضبط الراوي. رابعاً: عدم الشذوذ.
خامساً: عدم العلة.
وإنما يأتي الخلاف بينهم في تطبيق هذه الشروط على الحديث المعين، وليس في نفس هذه الشروط.
ومما تميز به البخاري ومسلم عن غيرهما، اشتراطهما ألا يخرجا في كتابيهما من الحديث إلا ما كان في أعلى درجات الصحة، ومما عرف رواته بالمبالغة في الحفظ والإتقان، أما غيرهما فلم يشترط ذلك، فمنهم من اشترط الصحيح دون أن يشترط ما كان في أعلى درجات الصحة كابن خزيمة وابن حبان، ومنهم من جمع الصحيح والحسن من الأحاديث كأصحاب السنن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1423(3/291)
حديث "أحب الناس إلى الله أنفعهم ... " إسناده حسن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تكملة حديث أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المذكور أخرجه الطبراني في الكبير وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أوتقضي عنه ديناً، أوتطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل. والحديث حسنه الألباني -رحمه الله-
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1423(3/292)
"من أشار إلى أخيه بحديدة ... " حديث صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تشاجرت مع شخص وفي أثناء الشجار رفعت عصا حديدية لكي أضربه بها ولكني لم أضربه. وقد سمعت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه بما معناه: من رفع عصا ليضرب بها مسلماً ولو على سبيل الممازحة فهو في النار. فكيف أكفر عن ذنبي هل أبحث عنه لكي يسامحني أم ماذا. أرجوكم الإفادة ولكم جزيل الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه.
وأما عن كفارة ما فعلت فإنه يكفيك أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره مما حصل منك، وتدعو لأخيك وتستغفر له، وإن استطعت أن تلتقي به وتطلب منه المسامحة فلا شك أن هذا هو الأفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1423(3/293)
أسس الحكم على صحة الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن البحث عن معرفة صحة الحديث؟ ماهي المواقع المعينة على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن علماء الحديث قد وضعوا أسساً وضوابط يحكم بها على صحة الحديث، هذه الضوابط تتمثل فيما يلي:
1) عدالة الراوي.
2) ضبط الراوي.
3) اتصال السند.
4) عدم الشذوذ بمخالفة الثقات.
5) والسلامة من العلة.
وللشيخ الألباني -رحمه الله- جهد مشكور تمثل في جمع سلسلة الأحاديث الصحيحة، وصحيح الجامع الصغير، وصحيح سنن الترمذي، وصحيح سنن النسائي، وصحيح سنن أبي داود، وصحيح الترغيب والترهيب.
وكتبه تغمده الله بفسيح رحمته من أنفع الكتب في هذا المجال، وللحديث الصحيح مظان يوجد فيها على رأسها صحيح البخاري، وصحيح مسلم فهي أصح كتب السنة، ومن مظانه أيضاً موطأ الإمام مالك، والسنن الأربع، وكتب الصحاح كصحيح ابن خزيمة وابن حبان، وغير ذلك من كتب السنة مع مراعاة وجود بعض الأحاديث الضعيفة في غير الصحيحين بيَّنها بعض العلماء الذين قاموا بتخريج الأحاديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(3/294)
درجة حديث: فحق على المزور
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل أحدكم المسجد فهو زائر "إلى الله فحق على المزور أن يكرم الزائر. من الراوي؟ هل هو ضعيف أم صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
هذا الحديث ذكره المنذري في كتاب الترغيب والترهيب 1/214
عن سلمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم آتى المسجد فهو زائر الله تعالى، وحق على المزور أن يكرم زائره.
قال المنذري: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين أحدهما جيد، وروى البيهقي نحوه موقوفاً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، وحسن الشيخ الألباني -رحمه الله- رواية الطبراني، وصحح الرواية الموقوفة على الصحابة في سنن البيهقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(3/295)
حكم الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري هل هي صحيحة أم لا؟ مع الدليل وجزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحاديث المعلقة في صحيح الإمام البخاري على قسمين:
1- ما ذكره بصيغة الجزم نحو: قال فلان، أو ذكر فلان، أو نحو ذلك، وذكره البخاري له بهذه الصيغة حكم منه بصحته إلى من نسب إليه، لأن البخاري لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه إلا وقد صح عنده عنه.
2- ما ذكره بصيغة لا تقتضي الجزم، نحو: يقال، ويروى، ويذكر عن فلان ونحو ذلك فإن هذا ليس حكماً بصحته، لأن هذه العبارات قد تستعمل في الحديث الضعيف.
وكثير مما ذكره البخاري معلقاً وصله في موضع آخر من الصحيح، وإنما أورده في الموضع المعلق فيه اختصاراً أو مجانبة للتكرار.
والذي لم يذكره موصولاً في موضع آخر من الصحيح هو مئة وستون حديثاً وقد وصلها كلها الحافظ ابن حجر في كتابه: تغليق التعليق، ولخص ذلك في مقدمة فتح الباري على صحيح البخاري فراجعه إن شئت.
ومما يجدر التنبه له أن ما عزاه البخاري إلى بعض شيوخه بصيغة الجزم كقوله قال فلان أو زاد فلان، ونحو ذلك، فليس حكمه حكم التعليق كما يتوهمه البعض، وإنما حكمه حكم المعنعن، والبخاري سالم من التدليس، فعنعنته محمولة على الاتصال، وكذلك ما في حكم العنعنة، كحديث المعازف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/296)
أحاديث صحيح البخاري بدون المكرر 2761 حديثا
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الأحاديث التي رواها البخاري في صحيحه عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...
كتاب الجامع الصحيح المسند للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المعروف بين الناس بصحيح البخاري، وقد اتفق جمهور العلماء على أنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى وقد جمعه الإمام البخاري في ست عشرة سنة، وكان لا يثبت حديثاً فيه مع توفر شروط الصحة فيه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، واستغفر الله تعالى، وتيقن صحته. وقد قال رحمه الله: خرجته من نحو ستمائة ألف حديث. وأما عدد أحاديثه فسبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً كما قال ابن الصلاح والنووي رحمهما الله، إلا أن ابن حجر تعقبهما، وتتبع البخاري بابا بابا وحديثا حديثا فألفاه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعين حديثاً. والخالص من ذلك بلا تكرار ألفان وستمائة وحديثان. وإذا أضيف إلى ذلك المتون المعلقة المرفوعة وهي مائة وتسعة وخمسون حديثا فمجموع ذلك (2761) وعدد أحاديثه بالمكرر وبما فيه من التعليقات والمتابعات واختلاف الروايات (9082) وهذا غير ما فيه من الموقوف على الصحابة والتابعين.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/297)
العمل بفضائل الأعمال الواردة في الأحاديث الضعيفة ليس على إطلاقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب علم في حيرة من أمري ... يقول بعضهم إن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وعليه فإنه يجوز تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام أو قيام على الرغم من أن الأحاديث الواردة فيها ضعيفة، وذلك لأن القيام والصيام من فضائل الأعمال، وعلماء آخرون يقولون إنه بدعة لأن الأحاديث ضعيفة والحديث الضعيف لا يعمل به , وكذلك موضوع الدعاء عند الوضوء للأعضاء كأن يدعو المتوضئ بدعاء خاص عند وضوئه كل عضو من الأعضاء وذلك للقول بأن الأحاديث في الأدعية الخاصة بوضوء كل عضو من الأعضاء ضعيفة ولكن بما أنه من فضائل الأعمال فإنه يباح الدعاء بها لأنها من فضائل الأعمال فما هو الجواب؟ وأنا كنت أعتقد بأن كل عبادة فيها حديث ضعيف فان العمل بها بدعة لأنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف وعلى حد علمي فان تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام أو قيام والدعاء عند وضوء الأعضاء عبادات لا تصح لأنها أحاديثها ضعيفة وبالتالي فهي بدعة!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكرَ الله لكَ حرصكَ على الخير وتحريكَ للحق، وللجوابِ على سؤالك، نحبُ أن نزيلَ عنك شبهة، فإن من رخص في العمل بالحديث الضعيف من العلماء لا يُفهمُ من كلامه إمكانُ إحداث عبادةٍ لم تثبت مشروعيتها بحديثٍ صحيح، ولزيادة البيان نقول:
إن العلماء اختلفوا في العمل بالحديث الضعيف، فذهبَ جماعةٌ منهم إلى منع الاحتجاج به مطلقا ولم يرخصوا في روايته إلا مع بيان ضعفه كابن معين والبخاري ومسلم وأبي بكر بن العربي الفقيه وغيرهم..
وذهبَ جمهور العلماء وحكاه غيرُ واحدٍ اتفاقا إلى أن الحديث الضعيف يمكن الأخذ به في الفضائل، لكنهم قيدوا ذلك بشروط انظرها في الفتوى رقم: 13202.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبيناً هذا المعنى في "مجموع الفتاوى": ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع.. فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا المجهول حاله. اهـ.
إذا علمتَ هذا ظهرَ لكَ بوضوح أن إحياءَ ليلة النصف من شعبان وتخصيص يومها بالصيام، والدعاء عند كل عضوٍ من أعضاء الوضوء ليس مما يجوزُ الاحتجاجُ فيه بالحديثِ الضعيف.
أما أولاً: فلأن ضعف الأحاديث في المسألتين جميعاً ضعفٌ شديدٌ جدا، بل عامة الأحاديث في المسألتين موضوعات ومناكير، ومثل هذه الأحاديث لا يُجوّز الاحتجاج بها أحد، نعم حسَّن بعض العلماء أحاديث في فضل ليلة النصف، لا تدلُ على جواز تخصيص ليلتها بقيام ولا يومها بصيام، وانظر الفتوى رقم: 15513،
وفي مسألة الدعاء عند أعضاء الوضوء فقد بينا أنه لم يثبت عند غسل كل عضو من أعضاء الوضوءِ شيءٌ.
وأما ثانياً: فلو فرضنا سلامة هذه الأحايث من الضعف الشديد فهي لا تندرجُ تحت أصلٍ عام، أي لا يوجدُ ما يشهدُ لها من الصحيح، وقد مر بك كلامُ شيخ الإسلام الدال على أن مثل هذا لا تقوم به حجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1429(3/298)
الأحاديث الضعيفة والإسرائيليات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل الأحاديث التي رويت عن الرسول صحيحة, أم هنالك بعض الأحاديث الملفقة رواها البعض لنشر الفتنة بين المسلمين؟.
وما الفرق بين الأحاديث الضعيفة والإسرائيليات؟
ولماذا سميت الأولى بالضعيفة والثانية بالإسرائيليات؟ أريحوني من فضلكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليست كل الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة الإسناد إليه، بل فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وهذا كله معلوم عند أهل العلم بمصطلح الحديث والحمد لله، وتختلف أغراض الذين يضعون الحديث وينسبونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فمنهم من تكون نيته حسنة فيضعها للترغيب في القرآن مثلا لما يرى من صدود الناس عنه، لكن حسن النية لا يبيح الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يختلق الحديث لغرض نشر الزندقة والإلحاد في الدين كما اعترف ببعض ذلك من عاقبهم بعض الخلفاء إلى غير ذلك من أسباب وضع الحديث.
أما الحديث الضعيف فهو ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تتوفر فيه شروط صحة الحديث وهي عدالة الراوي وضبطه واتصال السند والسلامة من العلة والشذوذ، وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 13202.
أما الإسرائيليات فهي ما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى سواء أخذوا ذلك عنهم مشافهة أو من كتبهم، ولبيان موقف الشرع من الإسرائيليات راجع الفتوى رقم: 81026، والفتوى رقم: 71171.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1429(3/299)
سبب ذكر بعض الأحاديث الضعيفة في كتب الأئمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو سبب استخدام أحاديث ضعيفة وموضوعة في مسانيد كبار علماء السنة مثل ابن حنبل والترمذي وغيرهم وكذلك الإمام البخاري في الأدب المفرد يدرج أحاديث جاء من بعده وضعفها؟
وهل كانت أدوات البحث غير متوفرة لديهم وتوفرت الآن؟
وهل يمكن بعد ذلك تتوفر أساليب أحدث للحكم على أحاديث قد حكم عليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هؤلاء الأئمة كانوا أكثر اطلاعا ممن بعدهم على صحة الأحاديث وضعفها، وعلى أحوال الرجال. والمتأخرون عالة عليهم، وأحكام المتأخرين على الحديث مبينة على أقوال من تقدمهم، وهؤلاء الأئمة لم يشترطوا في كتبهم أن يلتزموا بما صح من الأحاديث، وبإت يانهم بالأسانيد يعلم المطلع عليها بعد البحث حال الحديث من حيث القبول وعدمه، وقديما قال أهل العلم: من أسند لك فقد أحالك.
ثم إنه يتعين شكر من اهتم من المتأخرين بكتب هؤلاء الأئمة وحققها وبين صحيحها من ضعيفها، ولا مانع أن يحكم أحد من المحدثين بحكم على حديث، ثم يأتي من بعده فيتوصل بعد البحث إلى حكم آخر، ولم يزل هذا دأب أهل هذا الفن، فهذا الإمام الحاكم تعقبه الذهبي فصوب حكمه على كثير من الأحاديث، وقد تعقب الذهبي بعض من تأخر عنه.
وأما سبب ذكر بعض الأئمة لأحاديث علموا ضعفها، فقد تكلم عليه النووي في شرح مسلم وهو يتكلم عن سبب رواية الأئمة لأحاديث الضعفاء والمتروكين: فقد يقال: لم حدث هؤلاء الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يحتج بهم؟ ويجاب عنه بأجوبة:
أحدها: أنهم رووها ليعرفوها وليبينوا ضعفها لئلا يلتبس في وقت عليهم أو على غيرهم أو يتشككوا في صحتها.
الثانى: أن الضعيف يكتب حديثه ليعتبر به أو يستشهد كما قدمناه في فصل المتابعات، ولا يحتج به على انفراده.
الثالث: أن روايات الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض، وذلك سهل عليهم معروف عندهم، وبهذا احتج سفيان الثوري رحمه الله حين نهى عن الرواية عن الكلبي، فقيل له: أنت تروي عنه، فقال: أنا أعلم صدقه من كذبه.
الرابع: أنهم قد يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال والقصص وأحاديث الزهد ومكارم الاخلاق ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الاحكام، وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به؛ لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله. وعلى كل حال فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الأحكام فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين ولا محقق من غيرهم من العلماء..... ..اهـ
وقد نقل القاسمي في قواعد التحديث عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه قال: قد يكون الرجل عندهم ضعيفاً لكثرة الغلط في حديثه، ويكون حديثه الغالب عليه الصحة فيروون عنه لأجل الاعتبار به والاعتضاد به، فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوي بعضها بعضاً حتى قد يحصل العلم بها، ولو كان الناقلون فجاراً وفساقاً، فكيف إذا كانوا علماء عدولاً ولكن كثر في حديثهم الغلط، وهذا مثل عبد الله بن لهيعة فإنه من أكابر علماء المسلمين، وكان قاضياً بمصر كثير الحديث، ولكن احترقت كتبه فصار يحدث من حفظه فوقع في حديثه غلط كثير مع أن الغالب على حديثه الصحة، قال أحمد: قد أكتب حديث الرجل للاعتبار به مثل ابن لهيعة.
وأما من عرف منه أنه يتعمد الكذب فمنهم من لا يروي عن هذا شيئاً، وهذه طريقة أحمد بن حنبل وغيره لم يرو في مسنده عمن يعرف أنه يتعمد الكذب، لكن يروي عمن عرف منه الغلط للاعتبار به والاعتضاد. ومن العلماء من كان يسمع حديث من يكذب ويقول إنه يميز بين ما يكذبه وبين ما لا يكذبه، ويذكر عن الثوري أنه كان يأخذ عن الكلبي وينهى عن الأخذ عنه، ويذكر أنه يعرف. ومثل هذا قد يقع لمن كان خبيراً بشخص إذا حدثه بأشياء يميز بين ما صدق فيه وما كذب فيه بقرائن لا يمكن ضبطها، وخبر الواحد قد يقترن به قرائن تدل على أنه صدق، وقرائن تدل على أنه كذب. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1429(3/300)
بيان ضعف حديث: من لزم الاستغفار جعل الله له
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الكرام تحية طيبة وبعد:
رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(من لَزِم الاستغفار جعل اللهُ له من كلّ ضيقٍ مخرجاً، ومن كلّ همّ فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب)
وفي لفظ آخر:
(من أكثر الاستغفار جعل اللهُ له من كلّ همّ فرجاً، ومن كلّ ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب)
سمعت الشيخ عائض القرني يرد في اتصال لأحد السائلين بهذا الحديث. كما سمعت الأستاذ عمرو خالد يستدل بهذا الحديث في أحد حلقاته. أضف إلى ذلك أني استمعت إلى هذا الحديث يستدل به في إذاعة القرآن.
في الحقيقة أنا بصدد إصدار الطبعة الثانية من كتيب فرص ذهبية كنوز منسية ويحتوي هذا الكتيب على مجموعة من الأحاديث التي تشمل العمل والثواب وكلها من الأحاديث الصحيحة والحسنة بإذن الله. ولكني استبعدت هذا الحديث من الإصدار في الطبعة الأولى وذلك لأني عند بحثي عن تخريج هذا حديث تبين الآتي
أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند (1/248) وأبو داود في السنن (1518) وابن ماجه في السنن (3819) وأبو نعيم في الحلية (3/211) والحاكم في المستدرك (4/262) من طريق الحكم بن مصعب قال حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم........ الحديث.إلا في رواية ابن ماجه فلم يذكر عن أبيه.
وكان الحكم على الحديث من قبل بعض أهل العلم بناء على أن السند ضعيفٌ منكرٌ، تفرّد به الحكم بن مصعب، وهو مجهول، قليل الحديث جداً، لا يحل الاحتجاج به.
وإذا كان هذا حكم بعض أهل العلم فما تفسيركم على ما قاله الإمام أبو داود في الحكم على الحديث؟
حديث رقم (1518) سنن أبي داود > كتاب الصلاة > باب في الإستغفار حدثنا هشام بن عمار ثنا الوليد بن مسلم ثنا الحكم بن مصعب ثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه أنه حدثه عن ابن عباس أنه حدثه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) .
الحكم على الكتاب بشكل عام: ذكر الإمام أبو داود مصنف هذا الكتاب أن الأحاديث التي في كتابه هي أصح ما عرف في الباب وقال ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح.
- سؤالي هل يكفي الحكم على السند بالحكم على المتن في الحديث، رغم أنه يوجد عدد من الأحاديث صحيحة المتن وضعيفة السند؟
- أرجو الإفادة بالحكم على المتن في هذا الحديث؟
- وهل تنصحون بوضع أو حذف الحديث في الطبعة الثانية من الكتيب الذي سوف يصدر؟
عذرا على الإطالة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الحديث ضعيف السند ويمكن أن تستغني عنه بما ثبت.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث ضعفه كثير من أهل العلم قديما وحديثا لأن مداره في جميع الروايات على الحكم بن مصعب، فقد ضعفه البغوي والمنذري والمناوي وابن باز والألباني لجهالة الحكم المذكور.
ويمكن أن تستغني عنه بما ثبت من النصوص في فضل الاستغفار، وأما سكوت الإمام ابن داود فلا يقدم على تصريح من صرحوا بالتضعيف، ولذلك لم يعتبر سكوته صاحب عون المعبود؛ بل نقل تضعيف المنذري للحكم بن مصعب.
وأما الحكم على السند بالصحة أو الحسن فيفيد صحة أو حسن الحديث في الغالب كما قال صاحب طلعة الأنوار في مصطلح الحديث:
واقبل لإطلاقه لصحة السند * أو حسنه إن كان ممن يعتمد.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن إطلاق الهيثمي والمنذري في قولهم الحديث رجاله ثقات أو ما أشبهها لا يكفي في الحكم بصحة حديث؛ بل لا بد معه من التأكد من اتصال السند والسلامة من العلة والشذوذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(3/301)
العمل بالأحاديث الضعيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال: هل کتاب فضائل الأعمال الذي هو من تأليف شيخ الحديث مولانا محمد زکريا، أحاديثه ضعيفه أم لا، أرجو أن تفيدوني؟ وشکراً لکم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على الكتاب المذكور حتى نتبين ما إذا كانت أحاديثه ضعيفة أم لا، وعلى أية حال، فإن أهل العلم قد اختلفوا في العمل بالأحاديث الضعيفة، والذي عليه الجمهور أنها يعمل بها في فضائل الأعمال بثلاثة شروط:
أولاً: أن لا يشتد ضعفها.
ثانياً: أن تندرج تحت أصول معمول بها.
ثالثاً: أن لا يُعتقد عند العمل بها ثبوتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(3/302)
هل نعمل بفضائل الأعمال الواردة في الحديث الضعيف أم لا
[السُّؤَالُ]
ـ[1. ما حكم الإنكار على من يعمل بحديث ضعيف في فضائل الأعمال" كالتسبيح أو الذكر أو بعض النوافل"؟
2. إذا عملنا بحديث ضعيف في فضائل الأعمال هل نقول إننا نقوم بسنة أو مستحب أو ماذا يطلق عليها؟
3. عندما نرى نحن " العامة" أحاديث عليها تخريج (كالترمذي , ابن ماجه, النسائي, ابن السني, الحاكم.....) نأخذ بها في النوافل وفضائل الأعمال ونحن لا نعرف درجة صحتها فهل في هذا إشكال خاصة وان البحث عن الصحة والضعف يحتاج الى شخص متخصص في علم الحديث , فهل الأفضل ترك هذه الأحاديث أم العمل بها في فضائل الأعمال رغبة في الثواب وزيادة الحسنات؟.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العمل بالضعيف في فضائل الأعمال مختلف فيه، وقد ذهب كثير من المحققين لجوازه بشروط؛ كما ذكر في الفتاوى التالية أرقامها: 19826، 19651، 41058.
وبناء عليه، فلا يسوغ الإنكار على من يعمل به لقول كثير من العلماء بجوازه، ولأن أهل العلم شرطوا في النهي عن المنكر أن يكون متفقا على منعه, أو يكون القول بمنعه راجحا. وقد بينا في الفتاوى السابقة أن من شروط العمل بالضعيف اندراجه تحت أصل شامل. وبناء عليه.. فمن عمل بالضعيف فقد عمل بما دل عليه الأصل الذي اندرج تحته الضعيف من ندب أو غيره, فثبوت حكم العمل يؤخذ من الأصل, والثواب الخاص يؤخذ من الحديث الضعيف.
هذا، وننصح طالب العلم باقتناء الكتب المهتمة بالصحيح كرياض الصالحين, أو التي تميز الصحيح من غيره كالمتجر الرابح، والترغيب والترهيب, وليأخذ منها نسخا محققة تحقيقا علميا, وإذا لم يتيسر لك بعض هذه الكتب فلا مانع من الاستفادة من كتب القدامى التي لا تميز بين الصحيح والضعيف مع الحرص على سؤال أهل العلم عن مستوى الاحتجاج بها, وإن لم يتيسر معرفة الحكم عليها فالأولى العمل بها وعدم تركها لأن الأصل هو قبولها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1427(3/303)
فتاوى في حكم العمل بالحديث الضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحديث الضعيف عندما يعمل به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 41058، 13202، 19826، 19651، 15789.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(3/304)
لم يلتزم البخاري في (الأدب المفرد) بالصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفصيل القول في مسألة العمل بالحديث الضعيف ولماذا وضع البخاري في الأدب المفرد أحاديث ضعيفة؟ وهل نبه هو إلى ذلك؟ وهل الأمة بالفعل مجمعة على العمل بالحديث الضعيف إلا في الأحكام الكبيرة كالدم والفروج كما زعم أحدهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا الكلام على العمل بالحديث الضعيف والاحتجاج به في الفتاوى التالية أرقامها: 16194، 13202، 19826، 41058.
وأما البخاري رحمه الله، فإنه لم يتعهد في الأدب المفرد بالالتزام بالصحيح، ولم ينبه على شيء من ذلك في كتاب الأدب المفرد، ولكنه ذكر الأسانيد، وعلى القارئ أن ينظر في السند، ويستفيد من تخريجات المحدثين، ومن أهمها تحقيق الشيخ الألباني له.
وهذا الأمر لا ينقم على البخاري، فإن كثيراً من الأئمة جمعوا في كتبهم بين الصحيح والضعيف، وليس هذا معيباً عليهم، لأنهم لم يلتزموا بإيراد الصحيح، منهم الإمام أحمد وأصحاب السنن وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1425(3/305)
الحديث الضعيف يعمل فيه في فضائل الأعمال بشروط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل بالأحاديث الضعيفة في الفضائل، مثل الأذكار وما شابهها، وخاصة الأحاديث التي ضعفها الشيخ الألباني رحمه الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الإمام النووي في المجموع: قدمنا اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال دون الحلال والحرام. ا. هـ
وقال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: والذي قطع به غير واحد ممن صنف في علوم الحديث حكاية عن العلماء أنه يعمل بالحديث الضعيف في ما ليس فيه تحليل ولا تحريم كالفضائل، وعن الإمام أحمد ما يوافق هذا. ا. هـ
وقال محمد الحطاب المالكي في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. ا. هـ
وقال شهاب الدين الرملي في فتاويه مجيباً على فتوى وجهت إليه بشأن العمل بالحديث الضعيف وهل يثبت به حكم، فقال: حكى النووي في عدة من تصانيفه إجماع أهل الحديث على العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها خاصة، وقال ابن عبد البر أحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به، وقال الحاكم: سمعت أبا زكريا العنبري يقول الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً ولم يحلل حراماً ولم يوجب حكماً، وكان فيه ترغيب أو ترهيب، أغمض عنه وتسهل في روايته ... إلخ اهـ
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: فائدة: شرط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أن لا يكون شديد الضعف، وأن يدخل تحت أصل عام، وأن لا يعتقد سنيته بذلك الحديث. اهـ
والحكم بالتصحيح أو التضعيف مقبول إن صدر من متأهل متقدماً كان أو متأخراً، إلا أن أحكام المتقدمين أولى لسعة اطلاعهم وقوة عارضتهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي: بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير، لأن كثيراً مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول أو بإسناد منقطع أولا يبلغنا بالكلية، فكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين، وهذا أمر لا يشك فيه من علم القضية. انتهى. وانظر الفتوى رقم:
13202
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(3/306)
الحديث الضعيف الموافق للقواعد والأصول يعمل به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحديث الذي لم يستوف شروط القبول وتلقته الأمة بالقبول؟ دلل على ما تقول بأقوال العلماء مع التوضيح بمثالين؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم شروط قبول الحديث وهي خمسة شروط، العدالة، والضبط، واتصال السند، والسلامة من الشذوذ، ومن العلة، فما توافرت فيه هذه الشروط كان مقبولاً، أي صحيحاً أو حسناً، وقد يختل بعض هذه الشروط فيحكم على الحديث بالضعف أو غيره، ولكن من الأحاديث ما حكم عليه بالضعف، ولكن اشتهر بين العلماء، لكونه موافقاً للأصول والقواعد الشرعية، فيعمل به لأجل ذلك، ومن أمثلة هذه الأحاديث:
الأول: ما رواه أبو داود والترمذي من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد رأي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله..، وهو حديث ضعيف.
الثاني: ما رواه البغوي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل قرض جر نفعاً فهو ربا.، وهو حديث ضعيف كذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1424(3/307)
العمل بالحديث الضعيف والتحديث به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة ما ورد في مقالة (مائة حديث من الأحاديث الضعيفة والموضوعة منتشرة بين الخطباء والوعاظ للشيخ إحسان العتيبي) وما حكم العمل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن العمل بالحديث الضعيف والتحديث به، وذلك في الفتاوى التالية: 16194،
19651، 19826.
وأما عن المقالة المذكورة في السؤال، فقد اطلعنا عليها ووجدنا أن الكاتب قد نقل أقوال أهل العلم في الأحاديث التي أوردها فجزاه الله خيرًا، على أن بعضًا من الأحاديث التي أوردها من المختلف في صحته وضعفه عند أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1424(3/308)
من الأحاديث الضعيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أود من فضيلتكم التأكد من صحة هذه الأحاديث:
1- عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قال حين يمسي كان بتلك المنزلة) .
2- وهناك حديث آخر بما معناه (من قرأ سورة آل عمران الآيتين 18,19 ثم قال وأنا أشهد بما شهد الله به واستودع الله هذه الشهادة، وهي لي عنده وديعة، جيء به يوم القيامة فقيل عبدي هذا عهد إلي عهداً وأنا أحق من أوفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة ... ) .
3- قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحديث معقل بن يسار المذكور في السؤال رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ورواه الدارمي وهو حديث ضعيف كما قال الألباني وشعيب الأرناؤوط.
وأما الحديث الثاني فرواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه قائلاً: عمار بن عمر بن المختار عن أبيه ضعيفان وهذا لم يأت به غيرهما. انتهى.
وأما الحديث الثالث فرواه ابن أبي أدنيا في الفرج والطبراني في الأوسط وضعفه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(3/309)
كلام نفيس لابن تيمية بشأن العمل بالحديث الضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل بالحديث الضعيف وما شروط العمل به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالراجح جواز العمل بالحديث الضعيف بشروط هي:
الأول: أن يكون ذلك في فضائل الأعمال.
الثاني: أن يكون العمل مندرجاً تحت أصل معمول به.
الثالث: أن لا يكون الحديث شديد الضعف.
الرابع: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد صاحبه الاحتياط، مع التنبه للمراد من العمل بالحديث الضعيف كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى حيث قال: ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به، فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملاً من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب والتحريم...... وإنما مرادهم بذلك: أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه بنص أو إجماع، كتلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس وكراهة الكذب والخيانة ونحو ذلك.
فإذا روي حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها وكراهة بعض الأعمال وعقابها فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به، بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب، كرجل يعلم أن التجارة تربح لكن بلغه أنها تربح ربحاً كثيراً، فهذا إن صدق نفعه وإن كذب لم يضره، ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العلماء ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي لا استحباب ولا غيره، ولكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب والترجية والتخويف.
فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة أوعلى صفة معينة لم يجز ذلك لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي، بخلاف ما لو روي فيه من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله ... كان له كذا وكذا، فإن ذكر الله في السوق مستحب لما فيه من ذكر الله بين الغافلين ...
فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته.
فالحاصل أن هذا الباب يروى ويعمل به في الترغيب والترهيب لا في الاستحباب، ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي. انتهى
فتأمل هذا الكلام فإنه نفيس جداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1423(3/310)
معنى: أن يندرج الحديث الضعيف تحت أصل معمول به
[السُّؤَالُ]
ـ[من شروط العمل بالحديث الضعيف أن يندرج تحت أصل معمول به ما معنى هذه العبارة؟ أرجو البيان والتوضيح مع المثال؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأمر كما ذكر الأخ السائل أن من شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال أن يندرج تحت أصل معمول به، وقد سبق وأن بينا شروط العمل بالحديث الضعيف في فتوى سابقة برقم:
13202.
ومعنى هذا الشرط: أن يأتي حديث في سنده ضعف يتضمن ترغيباً أو ترهيباً في فعل أو ترك، ويكون هذا الفعل أو الترك قد دل على حكمه وجوباً أو استحباباً أو حرمة أو كراهة دليل آخر، ولكن جاء هذا الحديث الضعيف بثواب خاص على فعله أو تركه، أو وعيد خاص على فعله أو تركه.
فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به، بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب، هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى 18/65.
ومثَّل لذلك بحديث دخول السوق المعروف وهو مما اختلف العلماء في تحسينه وتضعيفه، وهو ما رواه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة. ...
قال شيخ الإسلام: فإن ذكر الله في السوق مستحب لما فيه من ذكر الله بين الغافلين، -أي وقد دلت النصوص على فضيلة الذكر واستحبابه- فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته. انتهى
ومما يؤكد ما قاله شيخ الإسلام أن أول من صرح باشتراط هذا الشرط للعمل بالضعيف هو الإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله- وقد بين مراده بنفسه، قال الزركشي -رحمه الله- في النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/311 نقلاً عن ابن دقيق العيد في شرح العمدة قوله: حيث قلنا يعمل بالضعيف لدخوله تحت العمومات، مثاله: الصلاة المذكورة في أول جمعة من رجب، فإن الحديث فيها ضعيف، فمن أراد فعلها وإدراجها تحت العمومات الدالة على فضل الصلاة والتسبيحات لم يستقم، لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام، وهذا أخص من العمومات الدالة على فضيلة مطلق العبادة، قال: وهذا الاحتمال الذي قلناه من جواز إدراجه تحت العمومات نريد به في الفعل لا في الحكم باستحباب ذلك الشيء المخصوص بهيئته الخاصة، لأن الحكم باستحبابه على هيئته الخاصة يحتاج إلى دليل عليه ولا بد، بخلاف ما إذا بني على أنه من جملة الخيرات التي لا تختص بذلك الوقت، ولا بتلك الهيئة. وهذا هو الذي قلنا باحتماله وجواز العمل به. انتهى كلامه -رحمه الله-
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1423(3/311)
إيضاح مسألة أخذ الإمام أحمد بالحديث الضعيف والمرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[عمل بعض السلف بأحاديث ضعيفة كأحمد وفسر ذلك بعض العلماء كابن تيمية وابن العربي بأنه غير الضعيف المردود المصطلح عليه وبأنه قسيم الصحيح. والذي يتبين لي أن الضعيف في زمان السلف هو ذاته المقصود في زماننا من الأدلة عليه ما يرويه ابن حزم في إحكامه أن عبد الله بن أحمد سأل أباه عن قوم معهم حديث وليس معهم فقه وعن قوم معهم فقه أو رأي وليس معهم حديث أيجوز له أن يأخذ بأقوالهم؟ أي أن يدع الحديث. فلو كان الضعيف ما فسره المذكورون لما ساغ لإمام السنة أحمد أن يخير بينه وبين الرأي ولما لاق بابنه أن يسأله هذه المسألة، إذ في ترك الحديث المقبول الهلكة. ثم قولهم: "إذا لم يكن في الباب غيره" لو كان زعمهم صحيحا لما احتيج إلى غيره في الباب ولعمل به رأسا. بينوا لنا الصواب فيما ترون مأجورين مع ذكر المصادر ما أمكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكلام الحنابلة هو المعمول عليه هنا، لأنهم أعرف من غيرهم بكلام إمامهم وأصول مذهبه، ولقد وجدنا قدماءهم ومعاصريهم، محدثيهم وفقاءهم يقولون: عند عدهم لأصول مذهبهم: الأصل الرابع: كان -رحمه الله- أحمد بن حنبل يأخذ بالحديث المرسل والضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه وهو الذي يرجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه، فالعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه ولا قول صحابي ولا إجماعاً على خلافه كان العمل به عنده أولى من القياس.
وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافق له على هذا الأصل من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد إلا وقد قدم الحديث الضعيف على القياس.
انظر هذا الكلام في إعلام الموقعين لابن القيم 12/31-32 وفي المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران 106 وأصول مذهب أحمد لبكر بن عبد الله أبي زيد 1/157، والشرح الممتع لابن عثيمين 1/ المقدمة.
فلا ندري هل نترك ما فهمه وقدره هؤلاء الأعلام إلى ما تبين للأخ السائل؟!!.
أما ما ذكره من تخيير أحمد بين الفقه أو الحديث، فمقصوده أنه لا يصلح الاشتغال برواية الحديث من أكثر من طريق وترك التفقه فيه، يعني الاهتمام بالحديث رواية لا دراية. يقول أحمد بن الحسن: سمعت أبا عبد الله يقول: إذا كان يعرف الحديث ومعه فقه أحب إلي من حفظ الحديث لا يكون معه فقه. وقال الأثرم: سأل رجل أبا عبد الله عن حديث، فقال أبو عبد الله: الله المستعان! تركوا العلم وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه فيهم!. وقال ابن الجوزي: قال أحمد: الاشتغال بالأخبار القديمة يقطع عن العلم الذي فرض علينا طلبه، قال ابن الجوزي: إنما الإشارة إلى ما ذكرت من التشاغل بكثرة الطرق والغرائب فيفوت الفقه. انظر الآداب الشرعية لابن مفلح فصل: فضل الجمع بين الفقه والحديث وكراهية طلب الغريب والضعيف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(3/312)
حكم التحديث بأحاديث ضعيفة والعمل بها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن يقوم بنشر أحاديث غير صحيحة عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان مقصود السائل بقوله (أحاديث غير صحيحة) الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن التحديث بها لا يجوز إلاَّ لبيان أنها مكذوبة وقد قال صلى الله عليه وسلم "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وقال صلى الله عليه وسلم "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" رواه مسلم.
وأما إن كان مقصود السائل الأحاديث الضعيفة، فإن جماعة من أهل الحديث وغيرهم قد رخصوا في رواية الحديث الضعيف والعمل به في غير العقائد والأحكام، وممن نقل عنهم ذلك عبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وآخرون.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف بشروط، لا مطلقا. وهذا هو الراجح إن شاء الله، وذهب فريق ثالث إلى منع العمل بالحديث الضعيف مطلقاً. وراجع الجواب رقم:
13202
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/313)
شروط الأخذ بالحديث الضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
1- هل يؤخذ بمسألة ما في الوضوء إذا كان هناك أحاديث ضعيفة تأخذ درجة الحسن؟
2- يمكن للأحاديث الضعيفة أن تأخذ درجة الحسن؟
3- متى يؤخذ فيها؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الضعيف يرتقي إلى درجة الحديث الحسن إذا تعددت طرقه، ولم يكن سبب ضعفه فسق راويه أو كذبه، ويسمى حينئذ الحسن لغيره، ويدخل في قسم الحديث المقبول الذي يحتج به، ويعمل بمقتضاه بالأولى.
أما الحديث الضعيف وهو ما لم يصل إلى درجة الحسن، فقد اختلف العلماء في العمل به، والذي عليه الجمهور أنه يعمل به في فضائل الأعمال بثلاثة شروط:
الأول: أن لا يشتد ضعفه.
ثانياً: أن يندرج تحت أصل معمول به.
ثالثاً: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد صاحبه الاحتياط.
وعليه، فما ورد من الأحاديث الضعيفة في الوضوء لا بأس بالعمل به إذا توفرت الشروط الثلاثة المتقدمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(3/314)
"إذا رفع الرجل بناء.."."إذا أراد الله بعبد.." حديثان لا يصحان
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب الترغيب والترهيب هذه الأحاديث
1 اذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين إلى أين
2 اذا أراد الله بعبد هوانا أنفق ماله في البنيان
ما صحة هذه الأحاديث ونحن نرى ناطحات السحاب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فالحديث الأول قال عنه الإمام المنذري في (الترغيب والترهيب) إنه لا يصح، وقد رواه ابن أبي الدنيا عن عمار بن عامر. وهو تابعي، فالحديث مرسل، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الحديث الثاني فرواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب، وضعفه السيوطي في الجامع الصغير، والمناوي في فيض القدير، والألباني في ضعيف الجامع.
فالحديثان لا يصحان، لكن المقرر عند أهل العلم أن البناء يذم إذا كان لغير غرض شرعي، أو أدى لترك واجب، أو فعل منهي عنه، أو زاد على الحاجة، لأن الدنيا ليست بدار قرار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1423(3/315)
الحديث المكذوب والحديث الموضوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الحديث المكذوب والحديث الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا فرق بين الحديث المكذوب والحديث الموضوع في اصطلاح أهل العلم، فتارة يعبرون عنه بإحدى العبارتين وربما عبروا عنه بالمختلق، أو بالمصنوع كما جاء في المقدمة البيقونية:
والكذب المختلق المصنوع ... ... على النبي فذلك الموضوع.
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة وبيان حكم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من أكبر الكبائر، وعلى أنواع الحديث وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 53903، 54747، 11828.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(3/316)
رواية الحديث الموضوع بين الجواز والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم راوي الأحاديث الضعيفة والموضوعة مع العلم أنهم ينقسمون إلى قسمين:
قسم لا يعلم أن الحديث المروي هو ضعيف أو موضوع.
وقسم يعلم أن الحديث المروي هو ضعيف أو موضوع ومع ذلك يرويه؟
افيدونا جزيتم خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الموضوع لا تجوز روايته إلا مع بيان وضعه والتحذير من العمل به سواء كان عالما بوضعه أم لا. قال العراقي في ألفيته:
شر الحديث الخبر الموضوع * الكذب المختلق المصنوع
وكيف كان لم يجيزوا ذكره * لعالم ما لم يبين أمره
ويتعين على من يروي الأحاديث أن يتثبت فيما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يسند إليه ما لم يقله، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين. رواه مسلم، وقال: من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار.
وقال صاحب طلعة الأنوار في مصطلح الحديث: ولا يقول مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم بلا رواية لخوف الكذب.
وراجع في الكلام على الحديث الضعيف وللمزيد فيما ذكرنا الفتاوى التالية أرقامها: 19826، 13202، 41058، 17381، 27850.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1428(3/317)
معنى الحديث الموضوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحديث الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الموضوع هو الكلام المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذباً، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 27850، وللفائدة في هذا المعنى يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 68524.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1428(3/318)
من علامات الحديث الموضوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تفيدوني عن مدى صحة هذا الحديث بعد أن سمعت بأنه حديث ضعيف، جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى خلق ملكاً له جناح في المشرق وجناح في المغرب ورأسه تحت العرش ورجلاه تحت الأرض السابعة وعليه بعدد خلق الله ريش فإذا صلى رجل أو امرأة من أمتي علي أمره الله تعالى أن ينغمس في بحر من نور تحت العرش فينغمس فيه ثم يخرج وينفض جناحه فيقطر من كل ريشة قطرة فيخلق الله من كل قطرة ملكاً يستغفر له إلى يوم القيامه.؟ هذا وبارك الله فيكم، وجزاكم كل خير.. ونستودعكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه من دواوين السنة على هذا الحديث، ولعله لا يصح ... فإن من علامات الحديث الموضوع -عند المحدثين- أن يتضمن الحديث ثواباً عظيماً مقابل عمل قليل، أو وعيداً شديداً على صغيرة ... قال السيوطي في ألفية الحديث:
ومَا به وَعُدٌ عَظِيم أو وَعيِدْ * عَلَى حَقيِرٍ وَصَغيرةٍ شَديد
وفيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كفاية وهو كثير بحمد الله، ومنه ما جاء في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1427(3/319)
رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد ...
أحسن الله إليك فضيلة الشيخ وبارك الله فيك وفي علمك اللهم آمين
أما سؤالي:فهناك أحد الأطباء المسلمين ونحسبه على خير والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا , وهو ما شاء الله متدين ولله الحمد ولديه عدة مؤلفات من الكتب المهمة بالنسبة للغذاء، وبفضل من الله هذه الكتب لاتخلو من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية , ولكن هناك مشكلة هي أن في كتبه التي صدرت إلى الآن- 3 كتب- بها الكثير من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، ونحسبه اجتهادا لم يتعمده الدكتور، ولكنه قد يكون أخطأ واجتهد ونقل هذه الأحاديث , فنريد منكم نصيحة بارك الله فيكم لهذا الطبيب بالنسبة لنقل الأحاديث الضعيفة وغيرها، والأدلة على ذلك بأسلوبكم الجيد الرائع، وأنا أعرف الدكتور وعدة مرات كلمته، فهو رجل صالح نحسبه على خير وسأعطيه الإجابة إن شاء الله, وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع الفتاوى التالية أرقامها، فقد قدمنا فيها بيان حكم رواية الضعيف والموضوع: 41058، 19826، 16194، 19651، 27801، 27850.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1427(3/320)
مراجع تناولت الأحاديث الموضوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أهم الكتب والمراجع التي أستطيع الاعتماد عليها في كتابة بحث بعنوان \"الأحاديث الموضوعة\"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكتب التي اعتنت بجمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة كثيرة، منها:
- كتاب الموضوعات لابن الجوزي.
- كتاب العلل المتناهية، لابن الجوزي أيضاً.
- كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة، لابن عراق.
- كتاب اللآلئ المصنوعة للسيوطي.
- كتاب الفوائد المجموعة للشوكاني.
- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة للعلامة ملا علي القاري.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني.
فيمكنك -أيتها الأخت الكريمة- الاعتماد على هذه الكتب وعلى غيرها من المراجع الثمينة التي اعتنت بالموضوع الذي أردتِ الكتابة فيه، وعليكِ أن تعلمي أن هذا مجال صعب ومسلك وعر، فابن الجوزي على جلالة قدره ورسوخ قدمه وقعت له أوهام كثيرة ومشهورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1426(3/321)
تعامل المعلم مع الأحاديث الموضوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما دور مدرس الصف الابتدائي الذي وجد في المناهج المدرسية أحاديث نبوية موضوعة، إذا أراد تنبيه الأطفال على أنها موضوعة فلن يستطيعوا فهمه، وإذا أراد حذفها من البرنامج وتعويضها بأحاديث أخرى صحيحة فقد يكون القسم قسم أمتحان وتأتي الأسئلة من الدروس التي حذفها المدرس، وبالتالي يكون تسبب في رسوبهم، رجاء زودوني بالجواب مفصلا؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الموضوع لا يجوز تقريره في المناهج الدراسية، ولا تجوز روايته إلا لبيان وضعه والتحذير منه، كما ذكره العراقي في ألفية مصطلح الحديث وغيره.
وبناء عليه فإن تنبيه الطلاب على أن هذا الحديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ضروري وفهمه سهل عليهم، ولا بأس بتوضيح الفكرة التي يتضمنها الحديث للطلاب إذا كان محتواها لا يصادم الشرع، حتى يستفيدوا من المعلومة ولا يرسبوا في الامتحان.
والأحسن أن تبحث عن أحاديث صحيحة تحتوي الفكرة التي تضمنها الحديث وتدرسها لهم، وإن لم تجدها فبين لهم درجة الحديث ووضح لهم فكرته، وبين بطلانها إن كانت باطلة، وإن لم تكن باطلة فاجعلها حكمة لا تضر الاستفادة منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1424(3/322)
الوضع في الحديث.. معناه.. حكمه.. وأسبابه
[السُّؤَالُ]
ـ[الوضع في الأحاديث والأسباب التي تؤدي لذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخبر الموضوع: هو الكلام الذي اختلقه بعض الناس ونسبوه للرسول صلى الله عليه وسلم
قال البيقوني في منظومته:
والكذب المختلق المصنوع ... على النبي فذلك الموضوع.
وقد سبق بيان حكم روايته والعمل به في الفتوى رقم: 13202.
ومتعمد الوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرتكب لكبيرة من الكبائر، يجب عليه أن يتوب منها، بالإقلاع عنها والندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وهو حديث متفق عيه. بل إنه قد بلغ مبلغ التواتر.
وذهب بعض العلماء إلى القول بكفر واضع الحديث متعمداً، وعلى رأسهم الشيخ العلامة عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف الجويني، وهو والد إمام الحرمين الشافعي المعروف، وأيد الجويني في هذا العلامة ابن الوزير، واستدل عليه في التنقيح بقوله: ويدل على قوله، قول الله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [يونس:17] .
فسوى بين الكذب على الله وتكذيبه. انتهى.
ونقل الحافظ ابن كثير عن أبي الفضل الهمذاني شيخ ابن عقيل من الحنابلة أنه وافق الجويني في هذا الكلام، قال السيوطي رحمه الله في الألفية:
وجزم الشيخ أبو محمد ... بكفره بوضعه إن يقصد.
والراجح أن الوضع كبيرة من الكبائر بل هو من أكبر الكبائر.
أما عن الأسباب التي تحمل الوضاعين على الوضع فهي كثيرة.. ومنها:
1- إفساد دين الإسلام، ورأس هذا النوع هم الزنادقة والملحدون، ليلبسوا على المسلمين دينهم، قال حماد بن زيد: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أربعة عشر ألف حديث، لكن الله تعالى منَّ على أمة الإسلام بالنقاد والمحققين الذين نخلوا السنة، فأخرجوا منها ما كان من هذا الباب وأشباهه، وصنفوا في ذلك الكتب والمؤلفات.
2- نصرة الرأي والمذهب، كأهل الأهواء والبدع، قال عبد الله بن زيد المقرئ: إن رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول: انظروا هذا الدين عمن تأخذونه، فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً.
3- التكسب والاقتيات برواية الموضوعات، وهذا منتشر في القصاص والمداحين، حيث يروون الأحاديث الكاذبة لنيل المال والحطام، وأمثلته كثيرة مبثوثة في كتب مصطلح الحديث.
4- التقرب إلى الملوك والسلاطين، وذلك بأن يرووا لهم من المعاني ما يحبون، تسويغاً لأفعالهم وتأييداً لطريقهم، كما فعل غياث بن إبراهيم مع أمير المؤمنين المهدي، لما رآه يلعب بالحمام، فذكر له حديثاً بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناحٍ. فأضاف "أو جناح" وليس ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل ذلك مجاملة للأمير وطلباً للنوال.
5- الوضع المشتهر عن الصوفيه لترغيب الناس في طريقتهم وحثهم على الأعمال.
وقد لخص الحافظ السيوطي رحمه الله ذلك في ألفيته فقال:
والواضعون بعضهم ليفسدا ... ديناً وبعض نصر رأي قصدا
كذا تكسباً وبعض قد روى ... للأمراء ما يوافق الهوى
وشرهم صوفية قد وضعوا ... محتسبين الأجر فيما يدعوا
فقبلت منهم ركوناً لهم ... حتى أبانها الأولى همُ همُ
كالواضعين في فضائل السور ... فمن رواها في كتابه فذر.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
18178 - والفتوى رقم: 18526.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1423(3/323)
راوي الموضوعات يدخل في جملة الكذابين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماصحة الحديث: أن أعرابياً كان يطوف بالكعبة وعندما يصل إلى ميزاب الكعبة يقول يا كريم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه يقول مثل قوله فاعتقد الأعرابي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يهزأ به فقال له سأشكوك إلى النبي والحديث طويل....
أرجو منكم جزاكم الله خير تنويرنا عن صحة هذا الحديث من ضعفه؟ وهل أنقله للغير؟ أم أعتبر الموضوع كأن لم يكن؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نعثر على هذا الكلام المسؤول عنه منسوباً إلى الحديث الشريف فيما لدينا من المصادر، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك، فلا أصل له.
والحديث الموضوع لا يحل لأحد روايته منسوباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمه بوضعه، وذلك لحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" رواه مسلم.
قال السخاوي: وكفى بهذه الجملة وعيداً شديداً في حق من روى الحديث وهو يظن أنه كذب.
وقال الخطيب البغدادي: يجب على المحدث أن لا يروي شيئاً من الأخبار المصنوعات والأحاديث الباطلة، فمن فعل ذلك باء بالإثم المبين، ودخل في جملة الكذابين. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1423(3/324)
من الأحاديث الموضوعة حديثا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحديث الذي يخاطب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إبليس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل يقصد بالحديث ما انتشر بين الناس عبر الإنترنت من حوار طويل جداً دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وإبليس في مجلس الصحابة رضوان الله عليهم.
وهذا الحديث مكذوب، ولا أصل له، وليس موجوداً في أي شيء من كتب الحديث لا الصحيح ولا الحسن، وقد سئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية فأجاب: الحمد لله، بل هذا حديث مكذوب مختلق ليس هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة لا الصحاح ولا السنن ولا المسانيد ومن علم أنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يرويه عنه ومن قال إنه صحيح فإنه يُعلم بحاله فإن أصر عوقب على ذلك ولكن فيه كلام كثير قد جمع من أحاديث نبوية فالذي كذبه واختلقه جمعه من أحاديث بعضها كذب وبعضها صدق فلهذا يوجد فيه كلمات متعددة صحيحة وإن كان أصل الحديث وهي مجئ إبليس عياناً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة أصحابه وسؤاله له كذباً مختلقاً لم ينقله أحد من علماء المسلمين. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1423(3/325)
حكم رواية الحديث الموضوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن يقوم بنشر أحاديث غير صحيحة عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان مقصود السائل بقوله (أحاديث غير صحيحة) الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن التحديث بها لا يجوز إلاَّ لبيان أنها مكذوبة وقد قال صلى الله عليه وسلم "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وقال صلى الله عليه وسلم "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" رواه مسلم.
وأما إن كان مقصود السائل الأحاديث الضعيفة، فإن جماعة من أهل الحديث وغيرهم قد رخصوا في رواية الحديث الضعيف والعمل به في غير العقائد والأحكام، وممن نقل عنهم ذلك عبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وآخرون.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف بشروط، لا مطلقا. وهذا هو الراجح إن شاء الله، وذهب فريق ثالث إلى منع العمل بالحديث الضعيف مطلقاً. وراجع الجواب رقم:
13202
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1423(3/326)
ما ورد عن قائد الروم في كتاب ابن حماد مجرد آثار
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته
ما صحة حديث قائد الروم بأنه أعرج وأنه من كندا أو كندة كما في لفظ الحديث المذكور فعلاً في كتاب الفتن لنعيم بن حماد المعروف باسم ريتشارد مايرز]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فما ذكره نعيم بن حماد من آثار في كتابه الفتن عن قائد الروم وأنه أعرج فإنه مجرد آثار وليس بأحاديث مرفوعة وإنما هي مقاطيع من أقوال ذي قرنات وكعب الأحبار ونحوهم. من ذلك ما قاله كعب "علامة خروج المهدي ألوية تقبل من المغرب عليها رجل أعرج من كندة" ومثل هذا لا يحتج به ولا يبنى عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1423(3/327)
حكم رواية الحديث القدسي بالمعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز رواية الحديث القدسي بالمعنى أم بالنص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز للمسلم رواية الحديث القدسي بالمعنى كغيره من الأحاديث النبوية على قول جمهور أهل العلم، وذلك لمن كان عارفا باللغة ويأمن من تحريف المعنى، وهذا ما لم يكن الحديث من الأحاديث المتعبد بألفاظها أو من جوامع الكلم.
وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 62130، وما أحيل عليه فيها.
ولمزيد من الفائدة فيما يتعلق بهذا الموضوع انظر الفتويين: 40177، 24371.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1429(3/328)
الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي والحديث النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه يمكن الصلاة بالحديث القدسي بدل القرآن الكريم، وما الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي الشريف، وما هي مرتبة الحديث القدسي بين القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي والحديث النبوي يتبين بعد تعريف كل واحد منها، فالقرآن الكريم هو: كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز وللتعبد بألفاظه، فهو من الله لفظاً ومعنى.
والحديث القدسي هو: ما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى بألفاظه هو، ولكن دون التعبد بهذه الألفاظ، وليس للتحدي والإعجاز، فمعناه من الله، ولفظه من النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث النبوي الشريف هو: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.
وعليه.. فالقرآن أشرف الأنواع الثلاثة، ثم الحديث القدسي الصحيح، ثم الحديث النبوي الصحيح، والفرق بين الحديث النبوي والقدسي من جهتين:
1- أن الحديث القدسي ينسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرب تبارك وتعالى، فيقول فيه (قال الله تعالى كذا) ، وأما الحديث النبوي فلا يذكر فيه ذلك اللفظ.
2- أن الحديث النبوي يشمل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من فعل أو تقرير، ولا يدخل هذا في الحديث القدسي بل هو قولي فقط، وبناء على ما تقدم يتبين لك أن الحديث القدسي لا يجزئ في قراءة الصلاة بدل القرآن فهو غير متعبد بلفظه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(3/329)
المراد بالحديث القدسي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث القدسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث القدسي هو: ما أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تبارك وتعالى، ويعبر عن ذلك فيقال هو: ما كان لفظه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه من الله تعالى، أو هو ما أوحاه الله إلى نبيه، فأخبر صلى الله عليه وسلم عن ذلك المعنى بعبارة من نفسه.
ومثاله ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني..... إلى آخره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(3/330)
عدد الأحاديث القدسية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هو الفرق بين الحديث القدسي والحديث الصحيح وكم عدد الأحاديث القدسية؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي في الفتوى رقم: 27450، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 24371.
وأما عن عدد الأحاديث القدسية، فيمكنك الدخول على محور الحديث من الصحفة الرئيسية للشبكة الإسلامية، ثم على الأحاديث القدسية، ثم على مقدمة حول الأحاديث القدسية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1424(3/331)
الأحاديث القدسية والنووية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم س: هل من الأحاديث القدسية حديث إنماالأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما...........) ... وماهو الفرق بين الأحاديث القدسية والأحاديث النووية..) ؟ وهل عددها أربعون أم اثنان وأربعون..) ؟ ....وشكرا وبارك الله فيكم ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 18457 تعريف كل من الحديث القدسي والحديث النبوي، وبالرجوع إلى تلك الفتوى يتضح الحديث القدسي، ويتميز عن الحديث النبوي.
أما الحديث النووي فإذا كان المقصود به الأربعين حديثًا التي جمعها النووي أو غيرها من الأحاديث التي جمعها، فمنها ما هو قدسي، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب ... إلى آخر الحديث. وقوله أيضًا: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني ... إلى آخر الحديث.
ومنها ما هو نبوي وهو الأكثر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. ومثل قوله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(3/332)
الحديث القدسي ... معناه..والفرق بينه وبين القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الحديث القدسي والقرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي يتبين بعد تعريف كل منهما.
فالقرآن هو: كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز وللتعبد بألفاظه.
والحديث القدسي هو: ما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى بألفاظه، ولكن دون التعبد بهذه الألفاظ، وليس للتحدي والإعجاز.
وعلى هذا، فالكل من عند الله، ولكن القرآن متعبد بألفاظه لا تصح الصلاة إلا به، وهو المعجزة الكبرى التي تحدى الله بها الخلق أجمعين، قال تعالى:) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء:88] .
ومن خصائص القرآن الكريم أنه لا يجوز مسه إلا لطاهر.
أما الحديث القدسي فهو نسبة إلى القدس، وهي نسبة تدل على التعظيم والتنزيه والتطهير، وهو ما يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تبارك وتعالى على أنه من كلام الله تعالى.
وقد اختلف العلماء هل ألفاظه من عند الله تبارك وتعالى؟ أم المعنى فقط؟ وعبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه.
ويلحق بهذين النوعين من الوحي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم معبراً عن معنى أوحي إليه أو مبيناً للقرآن الكريم، ولهذا قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [لنجم:3-4] .
والحديث القدسي حكمه حكم الحديث النبوي، فمنه: الصحيح، والحسن، والضعيف ...
ويطلق عليها جميعاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحاصل أن الفرق بين القرآن والحديث القدسي يتضح في كون القرآن نزل للإعجاز وللتعبد، وليس الحديث القدسي كذلك، ومن الفروق بينهما أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وليس كذلك الحديث القدسي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1423(3/333)
مظان وجود الأحاديث القدسية
[السُّؤَالُ]
ـ[أين أجد الأحاديث القدسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحاديث القدسية توجد منثورة في كتب السنة المعروفة، وقد حاول جمع ما تيسر منها بعض أهل العلم وطلابه، ومنهم مصطفى العدوي فله كتاب أفرد فيه الأحاديث القدسية.
ويمكن الأخ السائل الوصول إلى الأحاديث القدسية من خلال موقع الإسلام على الإنترنت وعنوانه:
Hadith.al-islam.com
ففيه ترتيب للأحاديث القدسية في الكتب التسعة، وهي صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربع ومسند أحمد وموطأ مالك وسنن الدارمي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(3/334)
تعريف الحديث القدسي والنبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تعريف الحديث القدسي وتعريف الحديث النبوي الشريف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث القدسي هو: ما كان لفظه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه من الله تعالى، أو هو ما أخبر الله نبيه بالإلهام أو المنام، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك المعنى بعبارة من نفسه.
وتعريف الحديث النبوي: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ونحوها من أوصاف خَلقية أو خُلقية أو همِّ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(3/335)
قول الصحابي كنا نفعل كذا في عهده صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث أخرجه أبوداود عن أنس قال \"كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون \" زاد أبو داود في رواية: زاد شعبة عن قتادة: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسؤال هو هذه الزيادة التي قالها أبوداود هل هي مرسلة؟ لأنها قالها قتادة وهو تابعي ولم ينميها إلى أنس رضي الله عنه؟
شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث وقفنا عليه في سنن أبي داود كما يلي: عن قتادة عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون. قال أبو داود: زاد فيه شعبة عن قتادة قال: كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر. انتهى. وعليه فهذه الزيادة هي من كلام أنس لأنه هو الذي كان حاضرا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف قتادة فإنه تابعي. وقول الصحابي كنا نفعل كذا في عهده صلى الله عليه وسلم في حكم الحديث المرفوع لأن ذلك يدل على اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره له. ففي التقرير والتحرير في أصول الفقه: فأما قول الصحابي ذلك بزيادة نحو في عهده أي النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع، لأن ظاهره حينئذ مشعر باطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقرير هم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة. انتهى. ويدل على اللفظ المذكور لأنس ما رواه البخاري من حديث أنس قال: أقيمت الصلاة ورجل يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يناجيه حتى نام أصحابه ثم قام فصلى. وفي لفظ لمسلم عن أنس أيضا قال: أقيمت صلاة العشاء فقال رجل لي حاجة فقام النبي صلى الله عليه وسلم ينا جيه حتى نام القوم أو بعض القوم ثم صلوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1426(3/336)
هل تبنى الأحكام الفقهية على الحديث المرفوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أثر الحديث المرفوع على الحكم الفقهي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث المرفوع هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، أو ما في حكمه كقول الصحابي من السنة، وأمرنا أو كنا نؤمر أو نهينا.
فإذا صح سنده وسلم من العلة (توفرت فيه شروط الصحة) وجب العمل به، وصحَّ به الاحتجاج، سواء كان ذلك في الفقه أو العقائد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1424(3/337)
معنى الحديث المرفوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى "حديث غير محفوظ وهو حديث مرسل" برجاء الشرح لأني لا أفهم ماذا يعني حديث موقوف أو مرفوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعبارات التي سألت عنها؟ هي مصطلحات وضعها علماء الحديث للحكم عليه، وإليك بيان لمعانيها:
1- المرسل: هو الحديث الذي سقط من سنده الصحابي مثاله قول: سعيد بن المسيب وأمثاله من التابعين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحذف الصحابي الذي روى عنه، والحديث المرسل من أنواع الحديث الضعيف.
2- الموقوف: هو ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم ونحوها، فيوقف عليهم ولا يتجاوز بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النوع من الصحيح والحسن والضعيف.
3- المرفوع: هو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو صفة. وقد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً بحسب حال سنده ومتنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/338)
قول الصحابي.. متى يأخذ حكم المرفوع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ,
إذا قال أحد من علماء الصحابة أمرا من الأمور التي لا تدرك إلا بالوحي ولكن لم ينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهل يكون لها حكم الرفع أم أنها ربما أخذت من أهل الكتاب؟
مثل ما ورد عن بن عباس (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) وهل لنا أن نقبل قول الصحابي في الأمور الغيبية إذا لم ترفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قول الصحابي الذي لا مجال فيه للاجتهاد ولا له علاقة بلغة العرب له حكم الرفع، وذلك مثل الإخبار عن الأمور الماضية وقصص الأنبياء، والملاحم والفتن، وأحوال الآخرة، والإخبار عن ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص فكل هذا مما يحكم له بالرفع، لأنه لا مجال فيه للاجتهاد.
وأما إذا كان قوله مما له علاقة بالأحكام الشرعية أو كان تفسير لفظة من القرآن، فهذا يرد عليه احتمال أن يكون من باب الاجتهاد في النص، أو النقل من لسان العرب، فلا يجزم والحالة هذه برفعه.
وهذا هو ما حرره الحافظ ابن حجر رحمه الله، وذكر أنه معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كالبخاري ومسلم والشافعي والطبري والطحاوي والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم.
إلا أنهم استثنوا من ذلك من كان من الصحابة معروفاً بالاطلاع على الإسرائيليات كمسلمة أهل الكتاب وبعض الصحابة الآخرين كعبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان قد حصل في وقعة اليرموك على كتب كثيرة من أهل الكتاب، فكان يحدث بما فيها من أخبار الأمم السابقة والأنبياء، وغير ذلك من الوقائع والأحداث.
وأثر: الحجر الأسود يمين الله في الأرض. أخرجه عبد الرازق موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن جابر.
قال ابن الجوزي: حديث لا يصح. وقال ابن العربي: حديث باطل.
وذكره الألباني في الضعيفة، ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ: وهو يمين الله عز وجل يصافح بها خلقه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/242: وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن حبان وقال: يخطئ، وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1423(3/339)
معنى الحديث المرفوع والموقوف وحكم العمل بهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث المرفوع والحديث الموقوف وهل يتم الأخذ بهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرفوع يقصد به: كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، صح السند أو لم يصح، اتصل أو انقطع. واشترط الخطيب البغدادي -رحمه الله- أن يكون الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من صحابي. وبعض علماء الحديث يقصد بالمرفوع: ما اتصل سنده فيجعله مقابلاً للمرسل.
والمرفوع إذا توفرت فيه شروط الصحة أو الحسن وجب قبوله.
وأما الموقوف فالمقصود به: قول الصحابي وفعله، هذا إذا أطلقت كلمة الموقوف -أي قيل موقوف فقط ولم يزد عليه قولهم على فلان- وأما إذا قيدت بقولهم على فلان كقولهم -مثلاً- موقوف على الشافعي أو موقوف على سعيد بن المسيب ونحو ذلك فهو كلام من ذكر.
والموقوف على الصحابي قسمان:
الأول: ما كان للرأي فيه مجال -أي يمكن أن يقوله الصحابي عن اجتهاد- فهذا ليس بحجة إلا إذا وافقه الصحابة عليه، فإنه يكون إجماعاً.
الثاني: ما لا مجال فيه للرأي، وهذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا إذا علم أن هذا الصحابي كان يأخذ من كتب أهل الكتاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/340)
معنى الحديث المرفوع والموقوف وحكم العمل بهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث المرفوع والحديث الموقوف وهل يتم الأخذ بهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرفوع يقصد به: كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، صح السند أو لم يصح، اتصل أو انقطع. واشترط الخطيب البغدادي -رحمه الله- أن يكون الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من صحابي. وبعض علماء الحديث يقصد بالمرفوع: ما اتصل سنده فيجعله مقابلاً للمرسل.
والمرفوع إذا توفرت فيه شروط الصحة أو الحسن وجب قبوله.
وأما الموقوف فالمقصود به: قول الصحابي وفعله، هذا إذا أطلقت كلمة الموقوف -أي قيل موقوف فقط ولم يزد عليه قولهم على فلان- وأما إذا قيدت بقولهم على فلان كقولهم -مثلاً- موقوف على الشافعي أو موقوف على سعيد بن المسيب ونحو ذلك فهو كلام من ذكر.
والموقوف على الصحابي قسمان:
الأول: ما كان للرأي فيه مجال -أي يمكن أن يقوله الصحابي عن اجتهاد- فهذا ليس بحجة إلا إذا وافقه الصحابة عليه، فإنه يكون إجماعاً.
الثاني: ما لا مجال فيه للرأي، وهذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا إذا علم أن هذا الصحابي كان يأخذ من كتب أهل الكتاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1423(3/341)
معنى كلمة (مرفوعا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قولهم (مرفوعا) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرفوع في اصطلاح المحدثين: هو الحديث الذي أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قولاً أو فعلاً أو تقريراً، سواء كان متصلاً، أو منقطعاً.
والمنقطع: ما سقط من رواته راوٍ واحد قبل الصحابي في موضع واحد. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1422(3/342)
درجة حديث: ليحذر امرؤ أن تلعنه قلوب المؤمنين....
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث؟ وإذا كان صحيحاً، أرجو ذكر المحدث، والراوي، وخلاصة الدرجة: ليحذرِ امرؤُ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله بُغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نعثر على حديث بهذا اللفظ مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما عثرنا عليه موقوفا على أبي الدراداء، رواه أبو نعيم في الحلية، وذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم، وابن القيم في الجواب الكافي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(3/343)
الحديث المضاف إلى الصحابي
[السُّؤَالُ]
ـ[في علم الحديث ماذا يسمى الحديث الذي يضاف لصاحبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المضاف للصحابي يسمى موقوفاً كما قال صاحب البيقونية:
وما أضفته إلى الأصحاب من قول وفعل فهو موقوف زكن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(3/344)
حديث (دخل رجل الجنة في ذباب..) موقوف
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن صحة الحديث (عن طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟! قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب! قال: ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباً فخلوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب! فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة" رواه الإمام أحمد في الزهد. لأن هنالك من يقول إن هذه الرواية هي من طريق الأعمش وهو مدلس وقد عنعن فالرجاء تقديم السند كاملا مع التفصيل العلمي حول صحته أو عدمها؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الحديث لم يصح مرفوعاً والصحيح وقفه على سلمان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد، وأبو نعيم في حلية الأولياء بسنديهما كلاهما من طريق الأعمش، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله أخبرنا أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن سلمان قال: دخل رجل الجنة في ذباب ... وقال الحافظ أبو نعيم: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أخبرنا جرير وأبو معاوية عن الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن سلمان رضي الله عنه قال: دخل رجل الجنة في ذباب ...
وقد أعله أهل العلم بثلاث علل:
الأولى: عنعنة الأعمش، وقد قال عنه الحافظ ابن حجر: سليمان بن مهران الأعمش محدث الكوفة وقارئها وكان يدلس، وصفه بذلك الكرابيسي والنسائي والدارقطني وغيرهم.
الثانية: احتمال إرساله لأن طارقاً لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت له صحبة، وهذا في الحقيقة ليس بعلة لأن مثل طارق بن شهاب غالب رواياته عن الصحابة، وقد قال فيه العلامة ابن حجر رحمه الله تعالى: إذا ثبت أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي على الراجح، وإذا ثبت أنه لم يسمع منه فروايته عنه مرسل صحابي وهو مقبول على الراجح. على أن سند هذا الحديث قد ثبتت فيه رواية عن سلمان وبهذا انتفت شبهة الإرسال.
الثالثة: أن الأثر موقوف على سلمان ويحتمل أنه من روايته عن أهل الكتاب، وهذه العلة لا شك أنها مؤثرة في رفع الأثر فلا يكون له حكم المرفوع؛ ولكنها لا تمنع من صحته موقوفاً على سلمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1428(3/345)
نسبة مقولة (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة الحديث الذي يقول: الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذاللفظ هو من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وليس حديثا كما قال الشيخ الملا علي القاري في كتابه الأسرار المرفوعة، والشيخ محمد بن درويش بن محمد الحوت في كتابه أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1427(3/346)
معنى الموقوف والمقطوع والاحتجاج بهما
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ! هل يصح الاحتجاج بحديث موقوف صحيح ومقطوع صحيح؟ وما دليله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالموقوف: هو المروي عن الصحابة قولاً لهم أو فعلاً أو نحوه، ويستعمل في غيرهم مقيداً، كما قاله النووي في التقريب.
والمقطوع: هو الموقوف على التابعي قولاً له أو فعلاً، واستعمله الشافعي ثم الطبراني في المنقطع، كما قاله النووي أيضاً، وعليه فالمقطوع بمعناه المشهور ليس حجة قطعاً ولكن يستأنس به.
أما الموقوف ففي الاحتجاج به كلام طويل وخلاف كبير، وفي ذلك أقوال كثيرة، ولنذكر منها ما تيسر:
القول الأول: أنه ليس بحجة وهو جديد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد.
والقول الثاني: أنه ليس بحجة إلا في التعبدي، وادعى الرازي أنه جديد مذهب الشافعي.
والقول الثالث: أنه حجة وهو فوق القياس، وهو قول مالك وأكثر الحنفية والحنابلة، وقديم قولي الشافعي، وعليه فتعارض أقوال الصحابة كتعارض الأدلة.
القول الرابع: أنه حجة وهو دون القياس، حكاه الزركشي في شرح جمع الجوامع.
والقول الخامس: أنه إن انتشر ولم يخالف فهو حجة، قال الزركشي نقله الأصوليون عن القديم أي للشافعي.
والقول السادس: أنه إن خالف القياس كان حجة وإلا فلا، قال ابن برهان: وهو الحق ونصوص الشافعي تدل عليه.
والقول السابع: أنه حجة إن انضم إليه قياس، حكاه الماوردي قولاً للشافعي.
والقول الثامن: أن قول الشيخين أبي بكر وعمر حجة دون غيرهما، حكاه الزركشي.
والقول التاسع: أن قول الخلفاء الأربعة حجة دون غيرهم، حكاه الزركشي أيضاً.
والقول العاشر: أن قول الخلفاء حجة إلا علياً، نسبه بعضهم إلى الشافعي.
وهذه الأقوال إنما هي في حجة قول الصحابي على غير الصحابي، أما على الصحابي فليس بحجة اتفاقاً، حكاه الزركشي، وأقرب هذه الأقوال إلى الصواب هو أن قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف فهو حجة وإجماع سكوتي، وأما إذا لم ينتشر أو كان له مخالف من الصحابة، فليس بحجة ولكن يستأنس به، هذا ما لم يجمعوا، فإن أجمعوا فإجماعهم حجة قاطعة اتفاقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1424(3/347)
أوجه الاحتجاج بالحديث الموقوف
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ، هل يجوز أن نقبل الحديث الموقوف الصحيح الذي بين تاريخ الأمة الماضية وأسماءها، وأحوال القيامة؟ ما الفرق بين معصوم وغير معصوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الموقوف من الآثار هو ما نسب إلى الصحابي من قوله، وقد ذكر أهل العلم أن ما كان من الآثار موقوفاً ولا مدخل للاجتهاد فيه، أن له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يتجرأ الصحابي على التكلم به إلا لكونه قد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما إذا لم يعرف عن هذا الصحابي الأخذ عن أهل الكتاب، فإن عرفت عنه الرواية عن أهل الكتاب، فلا يكون لموقوفه حكم المرفوع، وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 26984.
وبخصوص العصمة فإن أصلها الوقاية من شيء مكروه، وهي صفة جعلها الله تبارك وتعالى لأنبيائه، فقد عصمهم في التبليغ، فلا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم، وعصمهم من الكذب والوقوع في الكبائر، وكل هذا محل اتفاق بين أهل العلم، وأما العصمة من الوقوع في الصغائر فأكثرهم على أنهم غير معصومين منها، وأنهم لا يقرون على الخطأ بل ينبهون عليه، لأنهم قدوة للناس، ولم يجعل الله تعالى العصمة لغير الأنبياء، وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 25834.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1424(3/348)
معنى الحديث الموقوف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى \"حديث غير محفوظ وهو حديث مرسل\" برجاء الشرح لأني لا أفهم ماذا يعني حديث موقوف أو مرفوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعبارات التي سألت عنها؟ هي مصطلحات وضعها علماء الحديث للحكم عليه، وإليك بيان لمعانيها:
1- المرسل: هو الحديث الذي سقط من سنده الصحابي مثاله قول: سعيد بن المسيب وأمثاله من التابعين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحذف الصحابي الذي روى عنه، والحديث المرسل من أنواع الحديث الضعيف.
2- الموقوف: هو ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم ونحوها، فيوقف عليهم ولا يتجاوز بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النوع منه الصحيح والحسن والضعيف.
3- المرفوع: هو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو صفة. وقد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً بحسب حال سنده ومتنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/349)
الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع ... تعريفه ... وأمثلته
[السُّؤَالُ]
ـ[1-ماالفرق بين الحديث المرفوع والمقطوع والموقوف ... مع التمثيل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث المرفوع هو: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، وسواء كان المضيف هو الصحابي أو من دونه، متصلاً كان الإسناد أو منقطعاً.
وقد سمي هذا النوع من الحديث بالمرفوع، نسبة إلى صاحب المقام الرفيع وهو: النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلته قول الصحابي أو غيره: قال رسول الله كذا..
ومن أمثلته أيضا: فعل رسول الله صلى الله عليه كذا، أو فُعِل بحضرته كذا، أو كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس.
أما الموقوف فهو: ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل أو تقرير، سواء كان السند متصلاً أو منقطعاً، مثاله قول الراوي: قال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله.
ومن أمثلته أيضاً قول البخاري: وأمَّ ابن عباس وهو متيمم.
أما المقطوع فهو: ما أضيف إلى التابعي، أو من دونه من قول أو فعل، سواء اتصل السند إلى التابعي أو انقطع، مثاله قول الحسن البصري في الصلاة خلف المبتدع: "صل، وعليه بدعته" وبذكر تعريف الأقسام الثلاثة والتمثيل لكل واحد منها يتضح للسائل الفرق بينها.
ثم إن ما ذكرناه هنا كلام فيه إجمال، ولا تتسع الفتوى للتفصيل فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1422(3/350)
الحديث المشهور هل هو مقبول أم مردود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث مشهور؟ هل الاحاديث المشهورة صحيحة ام ضعيفة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشهور واحد من أقسام حديث الآحاد، وتعريف الحديث المشهور عند علماء مصطلح الحديث هو: ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة من طبقات السند، ما لم يبلغ حد التواتر.
وهذا النوع من الحديث كغيره من أحاديث الآحاد قد يكون مقبولا، وقد يكون مردودا، وراجع تفصيل ما ذكرنا هنا بالفتوى رقم: 11828.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1428(3/351)
الحديث العزيز.. تعريفه.. أمثلة عليه.. وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[مثلا نقول إن الحديث العزيز هو الذي رواه اثنان فقط كحديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. ما معنى رواه 2 هل نقصد البخاري ومسلم أم ماذا، لأني عندما بحثت عنه وجدته في مسند أحمد وأبي يعلى وسنن ابن ماجه، وماذا نقصد براوي الحديث هل هو الاسم الأول في السند أم الاسم الآخر في السند أو البخاري مثلا أو غيره، وما الفرق بين العزيز والصحيح؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالحديث العزيز هو ما رواه اثنان في طبقة من طبقات سنده؛ كما قال السخاوي في فتح المغيث. وهذا التعريف هو الذي عليه أكثر المتأخرين، ومعناه: أن ينفرد بروايته راويان في طبقة من طبقاته أولها أو وسطها أو آخرها، ولو رواه أكثر من اثنين في غيرها من الطبقات، وانظر الفتوى رقم: 11828.
ومما يمثل له به ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس، والبخاري فقط من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده.... الحديث، فلم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أنس وأبي هريرة، كما قال السخاوي فهو حديث عزيز.
وأما حديث: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. فلم نقف عليه مما يُمثَّل به للعزيز فيما اطلعنا عليه من كتب المصطلح والحديث، والجزم بذلك يحتاج إلى استقصاء لطرقه.
وأما رواي الحديث فيطلق على الاسم الأول من السند، أي الصحابي الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويطلق على الاسم الأخير في السند، أي الذي أخرجه في كتابه كالبخاري وغيره.
وأما عن العلاقة بين العزيز والصحيح؟ فنقول: وصف الحديث بالعزيز ينظر فيه إلى عدد الرواة في طبقات السند، فإن كان رواه اثنان قيل فيه عزيز كما بينا قبل بغض النظر عن الصحة والضعف، فإن توفرت شروط الصحة قيل صحيح، فاتضح بهذا أن العزيز قد يكون صحيحاً وقد يكون ضعيفاً، والصحيح قد يكون عزيزاً وقد يكون غير ذلك، وقد بينا شروط الصحة في الفتوى رقم: 18973 فلتراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1426(3/352)
الفرد المطلق والفرد النسبي.. معناهما.. وأمثلة عليهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الفرق بين الحديث الفرد والحديث الغريب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفرد والغريب مترادفان في الاصطلاح كما ذكر ابن حجر في النخبة، والمناوي في التعريفات وفي شرح النخبة، وأبو الطيب الآبادي في عون المعبود.
ولكنهم ذكروا أن الغرابة إذا كانت في أصل السند أي في الموضع الذي يدور الإسناد عليه ولو تعددت الطرق بعد ذلك، فإنه يسمى فرداً مطلقاً.
وإما إذا تعددت طرقه ابتداء وحصل التفرد عن بعض الرواة مثل ما رواه عن الصحابي عدة من التابعين وتفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد، فإنه يسمى فرداً نسبياً، وسمي بذلك لكون التفرد حصل بالنسبة لشخص معين أو صفة معينة أو بلد أو مدينة.
وقد مثلوا للفرد المطلق بحديث إنما الأعمال بالنيات، فقد تفرد به عمر، وتفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التميمي، وتفرد به عن محمد يحيى بن سعيد، ثم رواه عن يحيى كثيرون.
ومثلوا للفرد النسبي الذي حصل التفرد فيه بالنسبة لشخص معين بحديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ... الحديث.
فإن هذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما عن عدة من الصحابة، ولكن في إحدى روايات مسلم تفرد بروايته عن عبد الملك بن الصباح راو واحد وهو أبو غسان المسمعي.
ومثلوا لما حصل التفرد به بالنسبة لصفة معينة بما روى مسلم والترمذي وأبو داود في السنن وعبد الرزاق في المصف وابن أبي شيبة في المصف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأضحى والفطر بـ ق والقرآن المجيد واقتربت الساعة.
فهذا الحديث رواه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي واقد الليثيـ ولم يروه عن عبيد الله من الثقات إلا حمزة بن سعيد، وقد رواه عن حمزة الأئمة كمالك وابن عيينة وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1425(3/353)
أحاديث شريفة مسلسلة بالضحك
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف الحديث المتسلسل بالابتسامة لرسولنا صلى الله عليه وسلم مع شرح بسيط.
جزاكم الرحمن كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث المسلسل هو ما توارد رجال إسناده واحدا فواحداً على حالة واحدة أو صفة واحدة، سواء كانت أحوال الرواة أو صفاتهم أقوالاً أو أفعالاً.
فهو مشتق من اتصال الشيء بعضه ببعض، ومنه سلسلة الحديد -أو غيرها- سميت بذلك لاتصال حلقاتها.
ومن أمثله الحديث المسلسل بالتبسم ما رواه أحمد عن حُمران قال: كنا عند عثمان بن عفان رضي الله عنه فدعا بماء، فلما فرغ من وضوئه تبسم، فقال: هل تدرون ممّ ضحكت؟ قال: فقال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما توضأت ثم تبسم، ثم قال: "هل تدرون ممّ ضحكت؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: إن العبد إذا توضأ فأتم وضوءه ثم دخل في صلاته فأتم صلاته خرج من صلاته كما خرج من بطن أمه من الذنوب".
وما أخرجه الترمذي عن علي بن ربيعة قال: شهدت علياً أُتِي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله ثلاثاً، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. ثم قال: الحمد لله ثلاثاً، والله أكبر ثلاثاً، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك قلت: من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت ثم ضحك، فقلت: من أي شيء ضحكت يا رسول الله؟ قال: "إن ربك ليعجب من عبده إذا قال رب اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب غيرك".
وعلى هذا، فالتسلسل من مباحث الإسناد، وهو يدل على زيادة الضبط في الرواية لذكر ملابساتها وأوصافها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1423(3/354)
تعريف الحديث المرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى "حديث غير محفوظ وهو حديث مرسل" برجاء الشرح لأني لا أفهم ماذا يعني حديث موقوف أو مرفوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعبارات التي سألت عنها؟ هي مصطلحات وضعها علماء الحديث للحكم عليه، وإليك بيان لمعانيها:
1- المرسل: هو الحديث الذي سقط من سنده الصحابي مثاله قول: سعيد بن المسيب وأمثاله من التابعين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحذف الصحابي الذي روى عنه، والحديث المرسل من أنواع الحديث الضعيف.
2- الموقوف: هو ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم ونحوها، فيوقف عليهم ولا يتجاوز بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النوع من الصحيح والحسن والضعيف.
3- المرفوع: هو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قول أو فعل أو صفة. وقد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً بحسب حال سنده ومتنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/355)
الحديث المعضل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحديث المفصل في علم الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد الحديث المعضل وليس الحديث المفصل. وإذا كان الحال كذلك فالحديث المعضل عند علماء الحديث هو ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي، سواء كان السقوط في أوله أو وسطه أو منتهاه [وهو ما يرسله تابع التابعي فمن دونه] .
ومن المحدثين من استثنى ما إذا كان السقوط في أول السند، فجعله خاصا بالمعلق.
والحديث المعضل يعد ضعيفا، وهو أسوأ حالا من المنقطع لكثرة المحذوفين من الإسناد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1429(3/356)
لا اضطراب في الأحاديث المانعة من التطهر بفضل وضوء المرأة والمجيزة
[السُّؤَالُ]
ـ[س: هل صحيح أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل وضوء المرأة وفي جواز ذلك مضطربة،فإن كان كذلك أرجو توضيح الاضطراب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد جاء في جواز طهارة الرجل بفضل طهور المرأة أحاديث، كما ورد في منع ذلك أيضا أحاديث أخرى، والمعروف عند أهل مصطلح الحديث أن الأحاديث إذا تعارضت واختلف الرواة في متنها أو سندها ولم يمكن الترجيح بينها تسمى مضطربة. قال الحافظ ابن كثير في الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث: والمضطرب هو الحديث الذي اختلف الرواة فيه على شيخ بعينه أو من وجوه أخرى متعادلة لا يترجح بعضها على بعض، وقد يكون تارة في الإسناد وتارة في المتن. انتهى. والاضطراب يوجب ضعف الحديث.
قال السيوطي:
ما اختلفت وجوهه حيث ورد * من واحد أو فوق متنا أو سند
ولا مرجح هو المضطرب * وهو لتضعيف الحديث موجب
انتهى.
ولذلك رأى الإمام أحمد أن هذه الأحاديث الواردة في الأمرين مضطربة كما نقل عنه الميموني، لكن قد أجاب الحافظ ابن حجر عن كلام أحمد هذا بقوله: وقول أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو محكي بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي. أو يحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة. انتهى. قال في تحفة الأحوذي: حمل النهي على التنزيه أولى. ومما يجدر التنبيه عليه أن الإمام أحمد لا يرى بأسا في اغتسال الرجل والمرأة معا في إناء واحد. قال ابن قدامة في المغني أنه قا ل: إذا خلت به فلا يعجبني أن يغتسل به، وإذا شرعا فيه جميعا فلا بأس. انتهى.
وعليه، فإن كلام الإمام أحمد إنما هو في الأحاديث التي فيها التصريح بجواز طهور الرجل بفضل المرأة مثل حديث ميمونة في اغتسالها من الجفنة كما رواه أصحاب السنن، وما في معناه، والأحاديث التي فيها التصريح بالنهي عن تطهر الرجل بفضل طهور المرأة مثل حديث ابن عبد الرحمن الحميري الذي رواه أبو داوود والنسائي، وما في معناه مثل حديث الحكم عن ابن عمر كما في أبي داود، أما اغتسالهما من إناء واحد الذي هو ثابت في الصحيحين فلا يعتبره أحمد من هذا الباب، لذلك فهو لا يرى به بأسا كما تقدم.
وعليه، فإن أحاديث الصحيحين الدالة على الاغتسال من إناء واحد غير داخلة فيما نسب إلى الإمام أحمد من اضطراب أحاديث الطرفين بدليل أنه يقول بمضمونها ولا إشكال عنده فيها.
وخلاصة القول أن أحاديث الصحيحين غير معنية بما نقل عن الإمام أحمد، وأن الأحاديث الأخرى قد أجاب عن كلامه فيها الحافظ ابن حجر بأن الجمع ممكن فهي غير مضطربة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1426(3/357)
لا يكون الحديث مضطربا إذا أمكن الجمع والترجيح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال في مصطلح الحديث.
وجدت في كثير من كتب الحديث أمثلة للحديث المضطرب من البخاري ومسلم.
فكيف يستقيم هذا الأمر علما بأن المضطرب من بين شر أنواع الضعيف كما بين ذلك ابن حجر رحمه الله تعالى.
الرجاء الإجابة بسرعة عن هذا السؤال لأن كثيرا من الإخوة عندنا هنا في المسجد ينتظرون الجواب.
جزاكم الله خيرا
الجمعية الثقافية الإسلامية بمدينة ماينز بألمانيا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قدمنا نقل كلام أهل العلم على صحة ما جزم الشيخان بصحته من أحاديث الصحيحين في الفتوى رقم: 13687.
ثم إن المضطرب من الحديث ما حصل الخلاف بين رواته في السند والمتن مع عدم إمكان الجمع والترجيح، فإن أمكن الجمع والترجيح فلا يكون الحديث مضطربا، وهناك أحاديث ادعى بعض أهل العلم أنها مضطربة، وبالنظر في أسانيدها وطرقها تؤكد من سلامتها من ذلك، ففي البخاري مثلا اتهم حديث: أحرم ما بين لا بتيها. بالاضطراب حيث روي مابين جبليها ومابين مأزميها، وقد تعقب ابن حجر ذلك القول ورده بإمكان الجمع بين الروايات وبترجيح رواية مابين لا بتيها
وحصل مثل ذلك في حديث الصحيحين:
البيعان بالخيار، وتعقبه ابن حجر أيضا بإمكان الجمع
ومثله حديث المصراة حيث وردت روايات في تعويض المشتري اللبن بالتمر أحيانا وبالقمح في بعضها وباللبن في بعضها، وتعقبه ابن حجر بأن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها، وأما الضعيف فلا يعل به الصحيح
وراجع للمزيد في الموضوع هدي السارى مقدمة فتح الباري لابن حجر
ويمكن أن ترسلوا لنا بعض الأحاديث التي اطلعتم على أنها مضطربة لنبين لكم التحقيق فيها إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(3/358)
متى يحكم على الحديث بأنه مضطرب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله, روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها حديثا يعرف بحديث الكساء وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أبى أن يدخل أم سلمة مع علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وقال: (أنت على مكانك وأنت على خير) وقد روي هذا الحديث بطرق أخرى تخالف ما سبق , منها ما رواه ابن جرير عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة وفيه قوله: (أنت من أهلي) وروى أحمد عن شهر بن حوشب عن أم سلمة وفيه: (بلى فادخلي في الكساء) وروى البغوي في التفسير عن عطاء عن أم سلمة وفيه: (بلى إن شاء الله) وروى ابن جرير أيضا عن واثلة بن الأسقع وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (وأنت من أهلي) فهل يعد هذا الحديث مضطربا وما هو المضطرب وما مدى صحة الاحتجاج به؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي رواه الترمذي وفيه: "أنت على مكانك وأنت على خير." حديث صحيح صححه أهل الحديث.
ولا يخالفه ما رواه ابن جرير وفيه: " أنت من أهلي." ولكن ما يخالفه هو ما رواه أحمد وفيه: "بلى فادخلي.
ولكن هذه الرواية ضعيفة لضعف شهر بن حوشب فإنه وإن كان صدوقاً كما قال الحافظ عنه في التقريب؛ لكنه قال عنه كثير الإرسال والأوهام، فمثله لا يقوى على المخالفة لمن هو أرجح منه.
فخرج الحديث بهذا عن حد الاضطراب، إذ المضطرب من الحديث ما اجتمع فيه أمران:
الأول: الاختلاف بين رواته في السند أو المتن مع عدم إمكان الجمع بين هذا الاختلاف.
الثاني: تكافؤ الطرق والأسانيد. أما مع رجحان بعضها على بعض فالحكم للراجح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1423(3/359)
مسألة حول الحديث الشاذ
[السُّؤَالُ]
ـ[شكرا لإجابتكم علي ما سألتكم، وجوابكم مذكور تحت رقم:2193704
سؤالي الآن: هل من الشذوذ أن يخالف الحديث أمرا معلوما من الدين ضرورة؟ في أي كتاب أجد هذا التعريف؟ ولا أستطيع حتى الآن بأن أعرف موضع الشذوذ في الحديث. علما ولهذا الأثر سند آخر: شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن عباس.. وهذا السند صحيح. فما رأيكم الآن في هذا الأثر؟. أفيدوني بالإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في بحث (غاية الفرح في تيسير المصطلح) تعريف الحديث الشاذ بأنه: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه، إما بكمال العدالة أو تمام الضبط أو كثرة العدد أو ملازمة المروي عنه أو نحو ذلك، والشذوذ قد يكون في الحديث الواحد وقد يكون في حديثين منفصلين، وهذا يعني أنه لا يشترط في الشذوذ أن الرواة قد اختلفوا في حديث واحد، بل قد يكون الشذوذ أتى من حديث آخر، ومن الشذوذ أيضاً أن يخالف الحديث المعلوم من الدين بالضرورة انتهى.
وقال د/ عبد الرحمن الزيد في بحث (مناهج القدماء في التعامل مع السنة تصحيحاً وتضعيفا) : المتأمل لكلام المتقدمين يجد أنهم أطلقوا الشذوذ والنكارة على بعض ما انفرد به الثقات بدون مخالفة، ولذلك قال ابن الصلاح: وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث. أقول:. . ومن هذا الباب ما يقولون عنه: إسناده صحيح وهو شاذ. يعني للتفرد، كما في حديث أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس.. اهـ. فذكر هذا الأثر كمثال على ما حكم عليه بالشذوذ مما ظاهر إسناده الصحة، فتأمل. ولذلك لما نقل السيوطي في (الحاوي) حكم البيهقي على الإسناد بالصحة، وقوله: إنه شاذ بمرة، لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا اهـ. قال بعدها: وهذا الكلام من البيهقي في غاية الحسن، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما تقرر في علوم الحديث، لاحتمال أن يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ أو علة تمنع صحته، وإذا تبين ضعف الحديث أغنى ذلك عن تأويله لأن مثل هذا المقام لا تقبل فيه الأحاديث الضعيفة. انتهى.
وكلام السيوطي هذا نقله ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الحديثية) وذكر الرملي معناه في فتاويه. وكذلك فعل ابن عليش في (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك) فقال: ولا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما هو معروف عند المحدثين، فقد يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ وعلة تقدح في صحته. انتهى.
والحاصل أنه مما يعلل به الآثار التي ظاهر أسانيدها الصحة، أن يكون المتن مخالفا لما هو مقطوع به، ولا سيما مع التفرد، فقد اشترط أهل العلم للصحة عدم الشذوذ وعدم العلة، سندا ومتنا.
وهذا الأثر المسؤول عنه سابقا فيه دلالة ظاهرة على أمر مخالف لما هو معلوم ومستقر، فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو. رواه مسلم. وهذا لا يتفق مع ما في هذا الأثر من أن في كل أرض نبيا كنبينا صلى الله عليه وسلم، وإلا فمن منهم صاحب درجة الوسيلة؟! على أن الله تعالى قد قال في كتابه: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا {الفرقان: 1}
وقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {الأنبياء: 107} فكيف يكون نذيرا ورحمة للعالمين، وفي كل أرض نبي مثله؟!
وقد نبه جماعة من أهل العلم على أن الحديث الشاذ عند أبي عبد الله الحاكم وجماعة من أهل الحديث أنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات، وليس للحديث أصل بمتابع لذلك الثقة، وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك.
قال ابن حجر: وهو على هذا أدق من المعلل بكثير، فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة العليا من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة ورزقه الله نهاية الملكة اهـ. ونقل السيوطي ذلك ثم قال: ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف ... انتهى
ثم ذكر أثر ابن عباس هذا وذكر نحو ذلك السخاوي وطاهر الجزائري في (توجيه النظر 1 / 514) .
ومما ينبغي مراعاته وأخذه بعين الاعتبار أن من حَكموا بالشذوذ أوالضعف لهذا الأثر ليسوا إلا أهل هذا الشأن الموثوقين والأئمة المتبعين، كالإمام أحمد والبيهقي وا بن كثير والذهبي والمعلمي اليماني، حتى قال أبو حيان الأندلسي: هذا حديث لا شك في وضعه. وقد سبق ذكر نصوص أقوالهم في الفتوى المشار إليها في السؤال.
كما سبق لنا أيضا في الفتوى رقم: 102205 تعريف الحديث الشاذ، وبيان أن الشذوذ يكون في المتن وقد يكون في السند، وقد يكون في كليهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1430(3/360)
الحديث الشاذ تعريفه وأنواعه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو تعريف الحديث الشاذ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الشاذ هو الحديث الذي يرويه الثقة ويخالف فيه الرواة الثقات، قال الشافعي: هو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره.
وقد يكون الشذوذ في اللفظ وقد يكون في السند وقد يكون في كليهما، ومثال الشذوذ في اللفظ والسند جمعيا الحديث الذي رواه أبو داوود والنسائي وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا وقعت الفأرة في السمن، فإن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوها.
فهذا الحديث شاذ سندا ومتنا أي لفظا، أما شذوذ سنده فلأن معمر بن راشد وهو وإن كان ثقة لكنه خالفه غيره من الرواة في رواية هذا الحديث عن الزهري، فمعمر رواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، بينما بقية الرواة رووه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة.
وأما شذوذه لفظا فلأن، معمر رواه باللفظ الذي ذكرناه وفيه تفصيل بين السمن الجامد والمائع ولكن غيره من الرواة رووه بلفظ: انزعوه وما حوله فاطرحوه. ليس فيه التفصيل الذي في رواية معمر: فإن كان جامدا فألقوها ... وراجع السلسة الضعيفة للألباني رحمه الله (4/31)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(3/361)
زيادة الثقة المقبولة وغير المقبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما الصواب من أقوال المحدثين في الحديث الذي اتحد مخرجه، ورواه جماعة من نفس الطريق، إلا أن أحد الرواة الثقات جاء بزيادة على أولئك، هل تكون هذه الزيادة من قبيل (زيادة الثقة) ، أو من قبيل (الشذوذ) ؟
2- إذا أدركت الإمام في ثانية من رباعية، فهل أرفع يدي عند القيام من التشهد أم عند القيام للثالثة بالنسبة لي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزيادة من الثقة التي ليس فيها خلاف لما روى الثقات مقبولة عند أهل العلم، وأما الشذوذ فهو مخالفة الثقة للثقات، كما نص عليه أهل المصطلح.
قال الناظم: وذو الشذوذ ما يخالف الثقة * فيه الملا والشافعي حققه
وأما من أدرك الإمام في الركعة الثانية فإنه يتابعه في جميع أعمال الصلاة، ومن ذلك متابعته في رفع اليدين عند القيام من الركعتين، فإنما جعل الإمام ليؤتم به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1425(3/362)
معنى: الحديث المنكر والمقطوع، وحسن غريب
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو من فضيلتكم أن تشرحوا لنا معاني هذه الكلمات التي تبين نوع أو إسناد الحديث: = حديث-- غريب, مرسل, موقوف, مرفوع, منكر, حسن, لا بأس به, حسن غريب , صحيح الإسناد , منقطع , حسن صحيح , وضعيف.
وهل يعمل بمثل هذه الأحاديث؟ نرجو من فضلتكم توضيح وشرح هذه الكلمات, وفقكم الله لما فيه خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبق في الفتوى رقم: 11828 بيان تعريف كل من المتواتر والآحاد والمشهور والعزيز والغريب والمقبول والصحيح والحسن والموضوع والمرفوع والسند والمتن والضعيف، وستجد في الفتوى رقم: 27172 تعريف المرفوع والمرسل، وفي الفتوى رقم: 39721 تعريف الموقوف والمقطوع.
وأما الحديث المنكر فهو كما يقول الذهبي في الموقظة: ما انفرد الراوي الضعيف به.
وأما قول بعض المحدثين عن الحديث بأنه حسن غريب فجمع له بين حكم ووصف، ومعنى ذلك أنه حكم على الحديث بالحسن، وسبق معناه، ووصف له بأنه غريب أي انفرد راو بروايته، وقد يكون هذا المنفرد هو الصحابي، وهذا الغريب المطلق، أو حصل الانفراد في طبقة من الطبقات دون الصحابي، وهذا الغريب النسبي
وأما المنقطع: فهو ما سقط من إسناده واحد أو اثنان أو أكثر غير متواليين، قال ابن دقيق العيد في الاقتراح: وما سقط منه رجل في أثنائه يسمى بالمنقطع، وهو السادس عند الجمهور، وهو غير المقطوع. ا. هـ ثم عرَّف المقطوع فقال: وهو ما روي عن من دون الصحابي وقطع عليه. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1425(3/363)
شرح تعريف العلامة العثيمين لخبر الآحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقصد الشيخ العثيمين رحمه الله بهذا الكلام عن حديث الآحاد في كتابه مصطلح علم الحديث:
وتفيد أخبار الآحاد سوى الضعيف:
أولاً: الظن وهو: رجحان صحة نسبتها إلى من نقلت عنه، ويختلف ذلك بحسب مراتبها السابقة، وربما تفيد العلم إذا احتفت بها القرائن، وشهدت بها الأصول.
ثانياً: العمل بما دلت عليه بتصديقه إن كان خبراً، وتطبيقه إن كان طلباً؟
لأن منكري حديث الآحاد يستدلون بهذا القول.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخبر الآحاد هو الخبر الذي لم يصل إلى درجة التواتر؛ وهو يشمل المشهور والعزيز والغريب.
ولما كانت أخبار الآحاد تشمل الخبر الضعيف قال- رحمه الله- سوى الضعيف؛ فاستثنى الخبر الضعيف؛ لأنه لا يفيد ما يفيده خبر الآحاد الصحيح؛ فلا يجب العمل به إن كان متضمنا لحكم، ولا تصديق ما أخبر به إن كان متضمنا لخبر، فكأنه قال: وتفيد أخبار الآحاد الصحيحة أو الحسنة ما يلي:
1- الظن، ثم عرف الظن بقوله: رجحان صحة نسبتها إلى من نقلت عنه؛ فلم تصل إلى حد اليقين الجازم الذي يفيده المتواتر؛ لاحتمال وقوع الخطإ أو النسيان أو الغلط.. من الرواة أو بعضهم، إلا إذا احتف بها من القرائن ما يرفع عنها هذه الاحتمالات
2-وجوب العمل بمقتضاها، إن كانت تتضمن حكما، والتصديق بخبرها إن كانت تتضمن خبرا.
فحديث الآحاد إذا وصل إلى درجة الصحة أو الحسن يجب العمل به في العقائد والعبادات والمعاملات.
وعلى هذا فلا حجة لمنكري العمل بأحاديث الآحاد الصحيحة، كما بينا في الفتوى: 8406.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1430(3/364)
الأئمة جميعا يدينون بخبر الواحد العدل في الاعتقادات
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الرد على هذه الشبهة تحديداً بالنسبة للرد على من قال إن حديث الآحاد لا يُؤخَذ به في العقيدة.. حيث قالوا إن الاحتجاج بأن الرسول كان يرسل الصحابي الواحد ليبلغ القبيلة ليس بدليل حيث إن هذا الصحابي هو اختيار المعصوم وأن الصحابي إن أخطأ فهناك الوحي يخبر النبي فيصحح الأمر بعكس مع التابعين وما بعد ذلك فقد انقطع الوحي بموت النبي، كما ردوا على الآية \"فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة\" أنه ولو كان الطائفة تطلق على الجمع وعلى المفرد وأن الآيات جاءت عامة في الأخذ من رسول الله بدون تفريق بين آحاد ومتواتر ردوا على هذا بأن العقل والورع في قبول العقيدة يخصص هذا كله بأن المقصود بالطائفة الجمع المتواتر وكذلك بالنسبة لعموم الآيات تخصص بأن المقصود المتواتر أو على الأقل الآحاد الذي هو معه قرائن أو الذي تقبلته الأمة بالقبول وما دون ذلك يرد بدليل عموم آية \"وما آتاكم الرسول فخذوه\" إلا أنها خصصت في الأحاديث المتيقن صحة سندها في الفقه وتيقن نسبتها للنبي في العقيدة فقط، أرجو الرد على هذه الشبهات.. حتى لا أفتن بها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاحتجاج بخبر الآحاد في العقائد والأحكام قد أشبعنا القول فيه في عدة فتاوى سنحيلك على بعضها لاحقا إن شاء الله، وأما التفريق بين أخبار الآحاد من الصحب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبين أخبار الآحاد بعد عهده صلى الله عليه وسلم، فإنه مردود بقبول الخلفاء الراشدين لأحاديث الآحاد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكذا أئمة المذاهب بعدهم.
وقد ذكر أهل العلم كثيراً من الأمثلة في ذلك في أحاديث خفيت على الخلفاء الراشدين ونبههم عليها غيرهم من الصحابة، وقد نص ابن عبد البر على أن كل الأئمة يدينون بخبر الواحد العدل في الاعتقادات.
وأما حمل اللفظ المشترك على بعض معانيه من غير دليل فهو خلاف ما هو معروف عند الأصوليين من كون حمل المشترك على جميع معانيه إن أمكن أولى من قصره على بعضها، والأولى كذلك حمل اللفظ العام على جميع أفراده ما لم يثبت التخصيص.
وأما ادعاء الورع في ترك العمل بما روي من الوحي فإنه واضح البطلان فإن الورع والاحتياط يكون بترك ما شك في تحريمه، وفي الإتيان والعمل بما يظن ثبوته، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38186، 6906، 8406، 28926، 14050، 49999، 61928.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1426(3/365)
دحض شبهتين حول قبول خبر الآحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من الموقنين بوجوب الأخذ بما صح من أحاديث الآحاد، سواء كان ذلك في العقائد أم الأحكام، وذلك للأدلة التي قال بها الإمام الشافعي في رسالته، وغيره كابن حزم مثلاً، وابن القيم، والألباني رحمهم الله جميعًا.. لكن عرضت لي شبهة، أبذل وسعي للإجابة عنها دون جدوى حتى الآن، ألا وهي:
روى أبو داود بإسناد صححه الألباني، حدثنا أحمد بن عبدة، أخبرنا سفيان، عن يزيد بن خصيفة، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري قال: كنت جالسا في مجلس من مجالس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعا، فقلنا له: ما أفزعك؟ قال: أمرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قلت: قد جئت فاستأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع\"، قال: لتأتين على هذا بالبينة، فقال أبو سعيد: لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فقام أبو سعيد معه فشهد له..
ففي هذا الحديث رفض عمر بن الخطاب الأخذ بحديث أبي موسى الذي حدثه به عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما تكون في هذا حجة لمن يرفض الأخذ بالآحاد.. وحاولت أن أرد هذه الشبهة بالرواية عن عمر والتي فيها: (إني لم أتهمك، ولكن الحديث عن رسول الله شديد) ، ولكن هذا ليس سديدًا، فقد يحتجون علينا بقولهم: (نحن لم نتهم الرواة، لكن الحديث عن رسول الله شديد) .. صراحةً هذه هي أقوى شبهة عرضت لي في موضوع حديث الآحاد، ويقاربها حديث عائشة التي ردت فيه حديثًا للنبي الذي فيه تعذيب الميت ببكاء أهله عليه، لا يحضرني لفظه الآن، لكنه صحيح على ما أذكر.. لذا أرجو منكم جزاكم الله خيراً رد هذه الشبهة المتمثلة في هذين الحديثين أو هذين الأثرين.. وأيضًا أريد معرفة هل موضوع الأخذ بالآحاد مجمع عليه عند أهل السنة.. أم هو محل خلاف بينهم.. أرجو التفصيل ما أمكن بارك الله فيكم، مع الرد القاطع الذي لا يبقى معه كلام بإذن الله.. ولا تنسوا أخاكم أسامة عباس من دعوة بظهر الغيب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه القصة ليس فيها حجة لمن يرفض الأخذ بأحاديث الآحاد، وإنما أراد عمر التثبت، ويدل لذلك أن عمر قبله لما شهد له أبو سعيد، ومن المعلوم أن خبر الإثنين يدخل في الآحاد، قال ابن حجر في الفتح: وتعلق بقصة عمر من زعم أنه كان لا يقبل خبر الواحد ولا حجة فيه لأنه قبل خبر أبي سعيد المطابق لحديث أبي موسى ولا يخرج بذلك عن كونه خبر واحد واستدل به من ادعى أن خبر العدل بمفرده لا يقبل حتى ينضم إليه غيره كما في الشهادة، قال ابن بطال وهو خطأ من قائله وجهل بمذهب عمر فقد جاء في بعض طرقه أن عمر قال لأبي موسى أما إني لم أتهمك، ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: وهذه الزيادة في الموطأ عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى فذكر القصة وفي آخره فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية عبيد بن حنين التي أشرت إليها آنفاً فقال عمر لأبي موسى والله أن كنت لأمينا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أحببت أن أستثبت ونحوه، وفي رواية أبي بردة حين قال أبي بن كعب لعمر: لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت، قال ابن بطال: فيؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره وقد قبل عمر خبر العدل الواحد بمفرده في توريث المرأة من دية زوجها وأخذ الجزية من المجوس إلى غير ذلك لكنه كان يستثبت إذا وقع له ما يقتضي ذلك. انتهى.
وقال الكرماني في شرح البخاري: أراد عمر رضي الله عنه التثبت لما يجوز فيه من السهو والنسيان بدليل أنه قبل خبر حمل بن مالك وحده في أن دية الجنين غرة وخبر عبد الرحمن بن عوف في الجزية ثم نفس هذه القصة دليل على قبوله ذلك لأنه بانضمام شخص آخر إليه لم يصر متواتراً فهو خبر واحد وقد قبله بلا خلاف. انتهى.
وأما ما ذكرته عن عائشة فإنه ليس رداً منها لخبر الواحد ولكنها حسبت ابن عمر لم يرو الحديث بلفظه واحتجت بالآية وبالحديث الذي حفظته هي رضي الله عنها فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه بمكة وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وإني لجالس بينهما أو قال جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قد كان عمر رضي الله عنه يقول بعض ذلك ثم حدث قال: صدرت مع عمر رضي الله عنه من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب، قال: فنظرت فإذا صهيب فأخبرته، فقال: ادعه لي، فرجعت إلى صهيب فقلت: ارتحل فالحق أمير المؤمنين، فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول واأخاه واصاحباه، فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك والله {هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} قال ابن أبي مليكة والله ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئاً.
وفي رواية لمسلم عن عروة أنه ذكر عند عائشة قول ابن عمر الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فقالت: رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئاً فلم يحفظه إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال: أنتم تبكون وإنه ليعذب.
وفي رواية له عن عمرة أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها. وراجع الفتوى رقم: 25255.
وراجع كلام أهل العلم على قبول خبر الواحد في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6906، 8407، 1405، 49999، 28926.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1426(3/366)
حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
هل يعمل بحديث الآحاد في العقيدة، أفيدونا بارك الله فيكم، فقد ثار جدل كبير بين بعض السلفيين وأطراف أخرى وقد قال هؤلاء السلفيون إن الشيخ محمد الغزالي مرتد لأنه أنكر صفة من صفات الله ثبتت بحديث الآحاد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن العمل بأحاديث الآحاد في العقائد وغيرها، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28926 14050 8406 29069 6906
وتقدم الكلام عمن أنكر حديثاً صحيحاً، وذلك في الفتوى رقم: 11128
وتقدم الكلام عن التكفير وشروطه وضوابطه، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية:
11129 / 721 / 12883
وعليه فلا يجوز تكفير المسلم -فضلاً عن الشيخ أو العالم- إلا إذا وقع في الكفر الصراح، وتوافرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع.
وتأويل عالم لصفة من صفات الله بما يسوغ في لسان العرب ليس من الكفر، فقد وقع التأويل في الصفات لجمع غفير لا يحصون من علماء الأمة، ولم يكفرهم أحد من أهل السنة والجماعة، نعم كانوا يبينون الخطأ وينفرون عنه، أما عن الجدال في الدين فإن له شروطاً وضوابط إذا لم تتوافر فإن الجدال يكون غير مشروع، ومن هذه الشروط:
- أن يكون بالحسنى، قال الله تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] ، وقال سبحانه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46] ، فإذا كان ذلك في مجادلة أهل الكتاب، فمن باب أولى في مجادلة المسلم، وأولى منه في مجادلة طالب العلم والعالم.
- ومن ذلك أن يكون قصد المجادل معرفة الحق وبيانه لا التعصب والانتصار للنفس، قال الإمام الشافعي رحمه الله: ما جادلت أحداً إلا تمنيت أن يجري الله الحق على لسانه.
- ومن ذلك أن يكون مثمراً غير عقيم، وأن يكون بعلم، فإذا لم يكن كذلك فالترك أسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً. رواه أبو داود وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1424(3/367)
الأدلة على قبول خبر الواحد
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما00) فهل يقبل خبر الواحد إن كان عدلا؟ ماهو الذي ورد بالقرآن والسنة عن عدالة الصحابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خبر الواحد العدل مقبول عند جماهير المسلمين، وقد دلت على قبوله الآية التي جئت بها، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قبوله، مثل خبر بريرة في الهدية، وخبر سلمان في الهدية والصدقة، وبعثه صلى الله عليه وسلم أفراد الصحابة إلى الآفاق، مثل علي ومعاذ ودحية وغيرهم ... ولم يأبَ ذلك إلا طوائف من المبتدعة، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 6906.
وأما عن سؤالك الثاني فإن الصحابة كلهم عدول، وتقدم الحديث عن ذلك في الفتوى رقم:
28325 فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(3/368)
مدى ثبوت الخبر الظني في الشرع والمعتقد
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: هل في الأمور العقائدية يجب أن يكون النص فيها قطعي الثبوت وقطعي الدلالة أم يكتفى أن يكون قطعي الثبوت وإن كان ظني الدلالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت الأدلة الشرعية على أن المسلم متعبد بما دلت عليه آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من عقائد وعبادات ومعاملات وغيرها، دون تفريق بين ما هو ظني الدلالة أو قطعيها، بل لا يشترط في الأحاديث أن تكون قطعية الثبوت.
وقد ذهب فريق من المتكلمين إلى أن أدلة العقائد لا بد أن تفيد اليقين، فلا يؤخذ فيها إلا بما هو قطعي الثبوت والدلالة، واحتجوا على ذلك بأن الأدلة الظنية لا تفيد إلا الظن، والظن لا يجوز أن يُحتج به في مجال العقائد؛ لقوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ [النجم:23] .
وقوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [النجم:28] .
ونحو ذلك من الآيات التي يذم الله فيها المشركين لاتباعهم الظن، واحتجاجهم بهذه الآيات وأمثالها مردود؛ لأن الظن في الآيات ليس هو الظن الذي عنوه، فإن النصوص التي ردوها ورفضوا الاحتجاج بها في مسائل العقيدة تفيد الظن الراجح، والظن الذي ذمه الله في قوله: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ الشك الذي هو الخرص والتخمين، فقد جاء في النهاية واللسان وغيرهما: الظن: الشك يعرض لك في الشيء فتتحققه وتحكم به. فهذا هو الظن الذي نهاه الله على المشركين، ومما يؤكد ذلك قولُ الله فيهم: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116] .
أما الظن الراجح فليس داخلاً في ذلك، وإلا للزم أن تكون أدلة الشرع كلها قطعية، وليس كذلك باتفاق، فأكثر الأدلة الشرعية ظنية الدلالة أو الثبوت أو الدلالة والثبوت معاً، ولم يتوقف الصحابة أو التابعون في الأخذ بها في العقائد وغيرها.
وقد لخص ابن عبد البر رحمه الله مذاهب الأئمة في ذلك بقوله: وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده، وعلى ذلك جماعة أهل السنة. انتهى
ولمزيد من التفصيل راجع الفتوى رقم:
6906 - والفتوى رقم: 14050.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1423(3/369)
أحاديث الآحاد تثبت بها العقيدة والأحكام الفرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين العقيدة والأحكام الشرعية من حيث أدلتها فنحن نعلم أن دليل العقيدة يجب أن يكون قطعي الدلالة والثبوت إلا أن الكثير من المسلمين اليوم يقولون بأن العقيدة تثبت بدون القطع أي بادلة ظنية وهم من أهل السنة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقول الحق وهو قول أهل السنة والجماعة هو أن كلاً من العقيدة والأحكام الفرعية يثبت بأحاديث الآحاد، ولا يشترطون القطعية في الثبوت ولا في الدلالة، بل يقولون: متى صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب على المسلم العمل به، سواء كان في العقائد أو الأحكام، وسواء كان قطعي الدلالة أو ظنيها، ودليلهم على هذا اتفاق الصحابة وأئمة الهدى من بعدهم على عدم التفريق بين العقائد والأحكام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الواحد من أصحابه إلى بعض البلدان يعلمهم التوحيد والعقيدة والأحكام، ويرى أن الحجة قد قامت عليهم بذلك، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
6906
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1422(3/370)
هل تثبت الأحكام بالأدلية الظنية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم الشرع في من يقول إن الاحكام الشرعية لا تثبت إلابدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة ويناظرعلى هذاالقول؟ وهل من قائل بهذا القول سلفا أوخلفا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا القول المذكور من أفسد الأقوال وأشنعها، وحقيقته ومؤداه اطّّراح عامة أدلة الشريعة من القرآن والسنة، فالقرآن الكريم قطعي الثبوت، لكن كثيراً من آياته ظنية الدلالة، ولهذا اختلف العلماء في تفسيرها ودلالتها على الحكم الشرعي المنتزع منها.
وقطعي الدلالة هو ما لا يحتمل إلا معنى واحداً، وهو ما يطلق عليه الأصوليون: النص. كقوله تعالى: (تلك عشرة كاملة) [البقرة:196] .
أما السنة النبوية فهي متواترة أو آحاد، والمتواتر وإن كان قطعي الثبوت، إلا أنه قد يكون ظني الدلالة.
والآحاد اختلف فيه هل يفيد الظن أو القطع؟ فالجمهور على أنها تفيد الظن، وذهب جماعة من أهل العلم إلى إفادتها العلم واليقين، وفصل آخرون بين ما احتفت به القرائن، وما لم يكن كذلك.
ومن أمثلة ما احتفت به القرائن: أحاديث الصحيحين، لأن القرائن دالة على صدقها لجلالة صاحبيهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق، واختار هذا القول جماعة منهم ابن الحاجب، وإمام الحرمين، والآمدي، والبيضاوي، وابن تيمية.
وعلى القول بأن خبر الآحاد يفيد الظن، فهو حجة يوجب العمل عند جماهير أهل العلم من السلف والخلف.
قال ابن القاص: لا خلاف بين أهل الفقه في قبول خبر الآحاد.
وقال القاضي أبو يعلى: يجب عندنا سمعاً، وقاله عامة الفقهاء والمتكلمين، وهو الصحيح المعتمد عند جماهير العلماء من السلف والخلف.
قال في شرح الكوكب المنير: ومنع قوم من قبول أخبار الآحاد مطلقا، منهم: ابن أبي داود، وبعض المعتزلة، وبعض القدرية والظاهرية، وكذلك الرافضة.
وقال ابن القاص أيضا: وإنما دفع بعض أهل الكلام خبر الآحاد لعجزه عن السنن، زعم أنه لا يقبل منها إلا ما تواتر بخبر من يجوز عليه الغلط والنسيان، وهذا ذريعة إلى إبطال السنن، فإن ما شرطه لا يكاد يوجد إليه سبيل. انتهى.
واستدل الجمهور على وجوب التعبد بخبر الواحد بأدلة ذكرها ابن قدامة وغيره ومنها:
1/ إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قبوله، فإنه قد اشتهر ذلك عنهم في وقائع لا تنحصر، إن لم يتواتر آحادها حصل العلم بمجموعها.
منها أن الصديق رضي الله عنه لما جاءته الجدة تطلب ميراثها نشد الناس من يعلم قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها؟ فشهد له محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فرجع إلى قولهما" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.
وروي عن عمر رضي الله عنه في وقائع كثيرة منها: أنه سأل عن قضية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: كنت بين امرأتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل، فقال عمر: لو لم نسمع هذا لقضينا بغيره" رواه البخاري ومسلم وأبو داود، واللفظ له.
ومنها أن عمر رضي الله عنه كان لا يورث المرأة من دية زوجها، حتى أخبره الضحاك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
ورجع إلى حديث عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" أخرجه البخاري.
ومنها: رجوع عثمان رضي الله عنه إلى قول فريعة بنت مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرها بالسكنى في دار زوجها لما قتل حتى تنقضي عدتها" رواه مالك وأحمد وأصحاب السنن.
وتحول أهل قباء إلى القبلة وهم في الصلاة بخبر الواحد. رواه مسلم وغيره.
وقال ابن عمر: ما كنا نرى بالمزارعة بأسا، حتى سمعت رافع بن خديج يقول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فتركتها من أجله" رواه البخاري ومسلم.
ولما اختلف المهاجرون والأنصار في الغسل من المجامعة من غير إنزال أرسلوا أبا موسى إلى عائشة، فأجابه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مس الختان الختان وجب الغسل" رواه مسلم.
والمقصود المثال لا الحصر، وعلى هذا سار التابعون من بعد الصحابة، ولم ينقل عن واحد منهم أنه توقف في الأخذ بدليل من الكتاب، أو السنة الصحيحة حتى يبحث عنه هل هو قطعي الثبوت أم لا؟ أو هل هو قطعي الدلالة أم لا؟
وقد علم بالاضطرار أنهم كانوا يتعبدون لله تعالى بما أمرهم به من الصلاة الزكاة والصيام والحج، وغير ذلك من شعائر الإسلام، وأكثر هذه الأحكام ثابت بأدلة ظنية الدلالة، أو ظنية الثبوت.
2/ ما تواتر من إنفاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراءه ورسله وقضاته وسعاته إلى الأطراف لتبليغ الأحكام والقضاء، وأخذ الصدقات، وتبليغ الرسالة، ومن المعلوم أنه كان يجب عليهم تلقي ذلك بالقبول ليكون مفيداً، والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغ الرسالة، فلولا أن خبر الواحد يوجب العمل، ما بعث إليهم ما لا يجب العمل عليهم بقوله.
وقد قال البخاري في صحيحه: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام. وساق رحمه الله أحاديث في وقائع متعددة كلها دالة على إلزامه صلى الله عليه وسلم بقبول خبر الآحاد.
والحاصل أن القول المسئول عنه قول محدث باطل مخالف للأدلة الشرعية، ولما عليه سلف الأمة وخلفها الصالحون. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1421(3/371)
Reason for revelation of Surah at-Tahrim
[السُّؤَالُ]
ـ[What is the reason for the descend of Surah at-Tahrim?]ـ
[الفَتْوَى]
Praise be to Allah, the Lord of the Worlds; and blessings and peace be upon our Prophet Muhammad and upon all his Family and Companions.
There are two reasons narrated in Ahadith for the revelation of the Sura at-Tahrim.
Aisha (May Allah pleased with her) narrated that the Prophet used to stay (for a period) in the house of Zainab bint Jahsh (May Allah pleased with her) (one of the wives of the Prophet) and he used to drink honey in her house. Hafsa (May Allah pleased with her) and I decided that when the Prophet entered upon either of us, she would say, "I smell in you the bad smell of Maghafir (a bad smelling raisin) . Have you eaten Maghafir?" When he entered upon one of us, she said that to him. He replied (to her) , "No, but I have drunk honey in the house of Zainab bint Jahsh, and I will never drink it again." Then the following verse was revealed: - O Prophet! Why do you ban (for you) that which Allah has made lawful for you? ... (up to) ... If you two (wives of the Prophet) turn in repentance to Allah." (66.1-4) The two were 'Aisha and Hafsa. And also the Statement of Allah: - And (Remember) when the Prophet disclosed a matter in confidence to one of his wives! '- (66.3) i.e., his saying, "But I have drunk honey." Hisham said: It also meant his saying, "I will not drink anymore, and I have taken an oath, so do not inform anybody of that." [Sahih Bukhari] .
There is another reason for the descending of Surah at-Tahrim. Imam Ibn Hajar narrated in his known book al-Fathul-Bari that Imam Nasaiee narrated through a sound chain from Anas that Hafsah said: "The Prophet had a female slave and he used to have sex with her. Hafsah the wife of the Prophet kept on insisting that he give up going to that woman slave till he agreed with her and even made her forbidden to him. Then Allah descended the above Surah".
If more than one authentic narration is given citing the reason for the revelation of a Surah, the scholars accept them as reasons for the Surah being revealed more than one time.
Allah knows best.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1421(3/372)
أخبار الأنبياء السابقين ودعوتهم مذكورة في القرآن والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم تصلنا أية أحاديث عن الأنبياء الأولين؟ علماً بأنهم كانو جميعاً يدعون إلى الإسلام، ولماذا لا توجد نسخ من الكتب التي كان الأنبياء السابقون يبشرون فيها بالدين الإسلامي كالإنجيل والزبور والتوراة؟ حيث إن كل النسخ الموجودة منها الآن محرفة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يجب عليه الإيمان بجميع الرسل وبما جاؤوا به من عند الله تعالى على سبيل الإجمال، فقد قال الله تعالى: قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة:136} .
ولكن الأنبياء السابقين لم يعتن أتباعهم وأتباع أتباعهم بنقل ما جاؤوا به بالأسانيد الصحيحة، مع ضبط الألفاظ والبعد عن التحريف، كما أعتنت هذه الأمة المحمدية التي جعل الله الإسناد من خصائصها، وأولئك لم يحفظوا الكتب المنزلة التي استحفظوها، كما حفظت هذه الأمة كتاب الله وتناقلته بالأسانيد الثابتة عبر العصور، ومن أسباب ذلك أن الله تعهد بحفظ القرآن ولم يتعهد بحفظ الكتب الأخرى، بل تجرأ كثير من أهل الكتاب على الافتراء والتحريف.
وأما كوننا لم تصلنا أية أحاديث فليس صحيحا على إطلاقه، فإن أخبار الأنبياء ودعوتهم لأممهم كثرالحديث عنها في القرآن، وحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من أخبارهم أيضا، فقد ذكر المحدثون بعض أخبار الأنبياء في مؤلفاتهم وبوبوا لها، وذكروا كثيرا من الأحاديث النبوية في ذلك، وقد ذكر أصحاب السير والمؤرخون كثيرا من أخبار الأنبياء، ولكن ما لم يكن مأخوذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوثق به، لأن مرويات أهل الكتاب نهينا عن تصديقها، لما في الحديث: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم. رواه البخاري.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 22275، 52579، 50460، 62554، 120881.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(3/373)
قصة جرجيس من الإسرائيليات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة قصة نبي الله جرجيس عليه السلام.
بعث الله تعالى جرجيس عليه السلام إلى ملك الشام، يقال له دازانه يعبد صنماً، فقال له جرجيس عليه السلام: أيها الملك اقبل نصيحتي لا ينبغي للخلق أن يعبدوا غير الله تعالى ولا يرغبوا إلا إليه، فقال له الملك: من أي أرض أنت؟ قال: من الروم من قاطنين بفلسطين، ثم أمر بحبسه ثم مشط جسده بأمشاط من حديد حتى تساقط لحمه ونضح جسده بالخل ودلكه بالمسوح الخشنة، ثم أمر بمكاوٍ من حديد تحمى فيكوى بها جسده، ولما لم يقتل أمر بأوتاد من حديد فضربوها في فخذيه وركبتيه وتحت قدميه، فلما رأى أن ذلك لم يقتله أمر بأوتاد طوال من حديد فوتدت في رأسه فسال منها دماغه وأمر بالرصاص فأذيب وصب على إثر ذلك، ثم أمر بسارية من حجارة كانت في السجن لم ينقلها إلا ثمانيه عشر رجل فوضعت على بطنه.
فلما أظلم الليل وتفرق عنه الناس رآه أهل السجن وقد جاءه ملك فقال له: يا جرجيس إن الله جلت عظمته يقول: اصبر وأبشر ولا تخف إن الله معك يخلصك وإنهم يقتلونك أربع مرات، في كل ذلك أرفع عنك الألم والأذى.
فلما أصبح الملك دعاه فجلده بالسياط على الظهر والبطن ثم رده إلى السجن، ثم كتب إلى أهل مملكته أن يبعثوا إليه بكل ساحر، فبعثوا بساحر استعمل كل ما قدر عليه من السحر، فلم يعمل فيه.
ثم عمد إلى سم فسقاه، فقال جرجيس: بسم الله الذي يضل عند صدقه كذب الفجره وسحر السحرة، فلم يضره، فقال الساحر: لو أني سقيت بهذا أهل الأرض لنزفت قواهم وعميت أبصارهم، فأنت يا جرجيس النور المضيء والسراج المنير والحق المبين، أشهد أن إلهك حق وما دونه باطل، آمنت به وصدقت رسله واليه أتوب مما فعلت، فقتله الملك.
ثم أعاد جرجيس صلوات الله عليه إلى السجن وعذبه ألوان العذاب ثم قطعه قطعاً وألقاه في جب.
ثم خلا الملك الملعون وأصحابه على طعام له وشراب، فأمر الله تعالى إعصاراً نشأت سحابة سوداء وجاءت بالصواعق ورجفت الأرض وتزلزلت الجبال حتى أشفقوا أن يكون هلاكهم، وأمر الله ميكائيل فقام على رأس الجب وقال: قم يا جرجيس بقوة الله الذي خلقك فسواك، فقام جرجيس حياً سوياً وأخرجه من الجب وقال: اصبر وأبشر.
فانطلق جرجيس حتى قام بين يدي الملك وقال: بعثني الله ليحتج بي عليكم فقام صاحب الشرطة وقال: آمنت بإلهك الذي بعثك بعد موتك وشهدت أنه الحق وجميع الآلهه دونه باطل، واتبعه أربعة آلاف آمنوا وصدقوا جرجيس، فقتلهم الملك جميعا بالسيف، ثم أمر بلوح من نحاس أوقد عليه النار حتى احمر فبسط عليه جرجيس وأمر بالرصاص فأذيب وصب في فيه (فمه) ، ثم ضرب الأوتاد في عينيه ورأسه ثم ينزع ويفرغ الرصاص مكانه.
فلما رأى أن ذلك لم يقتله، أوقد عليه النار حتى مات وأمر برماده فذرّ في الرياح، فأمر الله تعالى الرياح والأرضين في ليلة فجمعت رماده في مكان، فأمر ميكائيل عليه السلام فنادى يا جرجيس، فقام حياً سوياً باذن الله تعالى.
فانطلق جرجيس عليه الصلاة والسلام إلى الملك وهو في أصحابه، فقام رجل وقال: إن تحتنا أربع عشر منبراً ومائده بين أيدينا وهي من عيدان شتى منها ما يثمر ومنها ما لا يثمر، فسل ربك أن يلبس كل شجره منها لحاها وينبت فيها ورقها وثمرها، فان فعل ذلك فإني أصدقك، فوضع جرجيس ركبتيه على الأرض ودعا ربه تعالى عظم شأنه، فما برح مكانه حتى أثمر كل عود فيها ثمره.
فأمر الملك فمد بين الخشبتين ووضع المنشار على رأسه فنشر حتى سقط المنشار من تحت رجليه ثم أمر بقدر عظيمه فألقي فيها الزفت والكبريت والرصاص وألقي فيها جسد جرجيس عليه السلام، فطبخ حتى اختلط ذلك كله جميعا، فأظلمت الأرض لذلك وبعث الله اسرافيل فصاح صيحه خر منها الناس لوجوههم، ثم قلب إسرافيل عليه السلام القدر، فقال: قم يا جرجيس بإذن الله تعالى، فقام حياً سوياً بقدرة الله تعالى.
وانطلق جرجيس إلى الملك، ولما رآه الناس عجبوا منه فجاءت امرأة وقالت: أيها العبد الصالح كان لنا ثور نعيش به فمات، فقال لها جرجيس عليه السلام: خذي عصاي فضعيها على ثورك وقولي: إن جرجيس يقول: قم بإذن الله تعالى، ففعلت، فقام حياً، فآمنت به.
فقال الملك إن تركت هذا الساحر أهلك قومي، فاجتمعوا كلهم أن يقتلوه، فأمر به أن يخرج ويقتل بالسيف، فقال جرجيس عليه السلام: اللهم إن هلكت على يد عبدة الأوثان أسألك أن تجعل اسمي وذكري صبراً لمن يتقرب إليك عند كل هول وبلاء، ثم ضربوا عنقه فمات، ثم أسرعوا إلى القرية فهلكوا كلهم.
فسبحان الله تعالى إن الله على كل شيء قدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قصة جرجيس ذكرها الطبري في تاريخه بسنده عن وهب بن منبه، ووهب تابعي كان يأخذ من الإسرائيليات، وذكرها ابن الأثير في الكامل من دون إسناد، وقد تكلم أهل العلم في نبوة جرجيس، فقد ضعف ابن حجر القول بنبوته لأن المؤرخين ذكروا أنه كان بين عيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يرده حديث الصحيحين: أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياء أبناء علات وليس بيني وبين عيسى نبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1430(3/374)
ذكر إسحاق وسارة بدلا من إسماعيل وهاجر في هذه الرواية الإسرائيلية من تحريف اليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[ملاحظة للسائل وهي: أن نص الحديث يحتوي على خطإ وهو: ذكر سيدنا إسحاق، والصواب أنه سيدنا إسماعيل وكذلك ذكر السيدة سارة، والصواب السيدة هاجر؟.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأ ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية أخبره أن كعباً قال لأبي هريرة: ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيم النبي؟ قال أبو هريرة: بلى، قال كعب: لما رأى إبراهيم أن يذبح إسحاق قال الشيطان: والله لئن لم أفتن عندها آل إبراهيم لا أفتن أحداً منهم أبداً، فتمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه قال: فأقبل حتى إذا خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل على سارة امرأة إبراهيم فقال لها: أين أصبح إبراهيم غادياً بإسحاق؟ قالت سارة: غدا لبعض حاجته، قال الشيطان: لا والله ما غدا لذلك، قالت سارة: فلم غدا به؟ قال: غدا به ليذبحه، قالت سارة: وليس في ذلك شيء لم يكن ليذبح ابنه، قال الشيطان: بلى والله، قالت سارة، ولم يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، فقالت سارة: فقد أحسن أن يطيع ربه إن كان أمره بذلك، فخرج الشيطان من عند سارة حتى إذا أدرك إسحاق وهو يمشي على أثر أبيه فقال: أين أصبح أبوك غادياً؟ قال: غدا بي لبعض حاجته، قال الشيطان: لا والله ما غدا بك لبعض حاجته ولكنه غدا بك ليذبحك، قال إسحاق: فما كان أبي ليذبحني، قال: بلى،قال: لم؟ قال: زعم أن الله أمره بذلك، قال إسحاق: فو الله إن أمره ليطيعنه، فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم فقال: أين أصبحت غادياً بابنك؟ قال: غدوت لبعض حاجتي قال: لا والله ما غدوت به إلا لتذبحه، قال: ولم أذبحه؟ قال: زعمت أن الله أمرك بذلك، قال: فو الله لئن كان الله أمرني لأفعلن، قال: فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق، عافاه الله وفداه بذبح عظيم، قال إبراهيم لإسحاق: قم يا بني فإن الله قد أعفاك، وأوحى الله إلى إسحاق أني أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها، قال إسحاق: فإني أدعوك أن تستجيب لي: أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة.
قال الحاكم: سياقة هذا الحديث من كلام كعب بن مانع الأحبار ولو ظهر فيه سند لحكمت بالصحة على شرط الشيخين، فإن هذا إسناد صحيح لا غبار عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصواب أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر، وهما اللذان كانا بمكة وقت أمر الله الخليل بذبح ابنه، وأما إسحاق وأمه سارة فلم يكونا بمكة، وليس هو الذبيح على الراجح من أقوال أهل العلم، والأثر المذكور عن كعب الأحبار هو من الإسرائيليات التي تخالف ظاهر القرآن، فكعب ـ رحمه الله ـ من التابعين وقد كان يهوديا فأسلم، وقد كان يحدث عن التوراة، ومعلوم أن أكثرها محرف ومبدل، فهذا كأنه من تبديل اليهود وتحريفهم، فقد ذكر ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره لآية الصافات ـ 99-100ـ حديثا مشابها للسابق وفيه أن الذبيح هو إسحاق عليه السلام، ثم قال ابن كثير: الأشبه أن السياق إنما هو عن إسماعيل، وإنما حرفوه بإسحاق، حَسَدًا منهم كما تقدم، وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة، حيث كان إسماعيل لا إسحاق ـ عليهما السلام ـ فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام. انتهى.
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في منهاج السّنّة: وكلّ من قال: إنّه إسحاق، فإنّما أخذه عن اليهود أهل التّحريف والتّبديل، كما أخبر الله تعالى عنهم.
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: وَأَمّا الْقَوْلُ بِأَنّهُ إسْحَاقُ فَبَاطِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ ـ قَدّسَ اللهُ رُوحَهُ ـ يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ إنّمَا هُوَ مُتَلَقّى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ أَنّهُ بَاطِلٌ بِنَصّ كِتَابِهِمْ فَإِنّ فِيهِ ـ إنّ اللهَ أَمَرَ إبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ بِكْرَهُ وَفِي لَفْظٍ وَحِيَدَهُ ـ وَلَا يَشُكّ أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَنّ إسْمَاعِيلَ هُوَ بِكْرُ أَوْلَادِهِ، وَاَلّذِي غَرّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ فِي التّوْرَاةِ الّتِي بِأَيْدِيهِمْ ـ اذْبَحْ ابْنَك إسْحَاقَ ـ قَالَ وَهَذِهِ الزّيَادَةُ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَكَذِبِهِمْ، لِأَنّهَا تُنَاقِضُ قَوْلَهُ اذْبَحْ بِكْرَك وَوَحِيدَك وَلَكِنّ الْيَهُودَ حَسَدَتْ بَنِي إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الشّرَفِ وَأَحَبّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَأَنْ يَسُوقُوهُ إلَيْهِمْ وَيَحْتَازُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ دُونَ الْعَرَبِ، وَيَأْبَى اللهُ إلّا أَنْ يَجْعَلَ فَضْلَهُ لِأَهْلِهِ. وانظر تمام الكلام لفائدته.
والأحاديث الواردة في أن الذبيح هو إسحاق لا يصح منها شيء، قال الألباني رحمه الله: وقد جاءت أحاديث في أنّ إسحاق هو الذّبيح، ولكن كلّها ضعيفة. اهـ من سلسلة الأحاديث الضّعيفة.
وبهذا يتبين للسائل أن ما قرأه ليس مجرد خطإ في الطباعة ونحوها، بل هو قول قديم لكنه خلاف الصواب كما أسلفنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(3/375)
ليس لكل أحد الاطلاع على كتب أهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في إنجيل برنابا، فصل 54 رقم 2-3 ما يلي: ومتى مرت الأربعون سنة يحيى الله رسوله الذي سيطلع أيضا كالشمس....فيجلس ولا يتكلم لأنه سيكون كالمخبول. ألا يعتبر ذلك إساءة للرسول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 14742. بيان الأدلة من النصوص وكلام أهل العلم في منع المطالعة للأناجيل الموجودة اليوم، وأنه لا يجوز تصديق ما فيها، لما في الحديث: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم. رواه البخاري.
فمن لم يكن متسلحا بالعلم الشرعي، ويريد الرد على أهل الباطل لا يسوغ له الاشتغال بمطالعة هذه الكتب والنظر فيها، فإن ما فيها من الحق يغني عنه ما عندنا من نصوص الكتاب والسنة، وما لم يذكر في القرآن والسنة الثابتة لا يجوز لنا تصديقه ولا مطالعته.
وهذا الكلام المذكور حمله على الإساءة الدكتور الأشقر في كتابه الرسل والرسالات.
وقد ثبت بيان حال النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة في الأحاديث الصحيحة، وأنه أول من يفيق، وأن الرسل يعتذرون عن الشفاعة، ثم ينتدب لها النبي صلى الله عليه وسلم فيقول الله له: اشفع تشفع. كما في صحيح البخاري ومسلم.
وقد سبق ذكر حديث الشفاعة في الفتوى رقم: 64621.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1430(3/376)
قصة مرور السيدة مريم ويوسف النجار بمصر
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلب منكم الدعاء بالهداية وحسن الختام ... سؤالي إليكم أن النصارى في مصر يقيمون موالد واحتفالات كل عام احتفالاً بذكرى مرور السيدة مريم العذراء والسيد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ويوسف النجار فهل هذه الرحلة التي يسمونها الرحلة المقدسة حصلت فعلا وأنهم هبطوا إلى مصر، فأرجو سرد الأحداث الصحيحة حتى أكون على بينة من أمري، فأفيدونا مشكورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن مريم ويوسف النجار رحلا من الشام إلى مصر، ولا نعلم أحاديث صحيحة في هذا المجال، وإنما ورد في روايات تاريخية الله أعلم بصحتها، ويكفيك أن تراجع قصة عيسى عليه السلام في كتب التفسير وكتب السنة والتاريخ، وراجع كلام المفسرين عند قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ {المؤمنون:50} .
وننبهك -وفقك الله- إلى أنه ينبغي لك أن تصرف وقتك فيما ينفعك من العلم، وأن تحذر من الفضول الذي لا يترتب عليه عمل لما فيه من إضاعة الوقت في غير فائدة، كما ننبهك أيضاً إلى أنه لا تجوز مشاركة النصارى في هذه الموالد أو الاحتفالات، سواء ثبتت القصة التي ذكرت أم لم تثبت لما في ذلك من إقرار المنكر وترك إنكاره، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 4586، والفتوى رقم: 4589.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1428(3/377)
قصة الجمجمة
[السُّؤَالُ]
ـ[تلقيت كتابا من عند صديق لي واسمه المناجاة الكبرى لسيّدنا موسى عليه الصلاة والسلام كما اشتمل هذا الكتاب على قصة الجمجمة الّتي أحياها الله لسيّدنا عيسى. كتب هذا الكتاب الأستاذ العالم الشيخ عبد الله الكفيف المتوفى عام 1100، وقد سألني هذا الأخ عن مدى صحتّه, فما مدى صحتّه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه على هذا الكتاب, وقصة المناجاة هي من جملة القصص الإسرائيلية, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وزاد ابن أبي شيبة في مصنفه: فإنه كانت فيهم أعاجيب. وقد صحح الألباني هذه الزيادة.
قال أهل العلم: وهذا دالٌّ على حل سماع تلك الأعاجيب للفرجة لا للحجة، أي لإزالة الهم عن النفس، لا للاحتجاج بها، والعمل بما فيها. وقد بينا حكم قراءتها والموقف منها في الفتوى رقم: 16467
وأما قصة الجمجمة فقد ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب الموت بصيغة التمريض، وقد قال الطبري وغيره: يُذكَر عن عيسى قصص في إحياء الموتى لا يمكن الوقوف على صحتها, وقال الشوكاني: في الإنجيل بعضها.
فهي داخلة في حكم القصص الإسرائيلي يستأنس به فحسب ولا يعمل ولا يحتج به, وقد بينا ضوابط ذلك آنفا كما بينا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1427(3/378)
حكم تحديث الأطفال بالإسرائيليات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تدريس الأطفال للإسرائيليات أو نشرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا ضوابط تلك القصص ما يقبل منها وما يرد، وما يجوز الاستئناس به وما لا يجوز، وحكم نشرها وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16467، 17575، 8036.
فإن كانت تلك القصص مما يجوز الاستئناس به فلا حرج في تحديث الأطفال بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. رواه البخاري وغيره.
ولكن لا بد من مراعاة عقولهم ومدى إدراكهم، وألا يكثر من ذلك، والأولى تحديثهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته الكرام لغرس القيم النبيلة وحبهم في نفوس أولئك النشئ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(3/379)
"يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب.." خبر إسرائيلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن حديث قدسي يخاطب فيه المولى سبحانه وتعالى عبده ويقول بجزء منه:....... قسمت لك رزقك فلا تتعب ... فإن أنت رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبذلك كنت عندي محموداً ... وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا ... و... (ثلاثة أمور) أرجو الإفادة بنص الحديث القدسي كاملا ومراجعه.
وجزاكم الله الجنة ونعيمها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن هذا الحديث من الإسرائيليات، كما في مجموع الفتاوى، فقال: وفي حديث إسرائيلي: يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، فاطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء. انتهى.
وذكر قريباً منه ابن كثير في البداية والنهاية، وهو أيضاً من الإسرائيليات فقال: وقال عبد الرزاق: حدثني بكار بن عبد الله عن وهب قال: قرأت في بعض الكتب فوجدت الله تعالى يقول: يا ابن آدم ما أنصفتني تذكرني وتنساني، وتدعو إلي وتفر مني، خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد، ولا يزال ملك كريم قد نزل إليك من أجلك، يا ابن آدم إن أحب ما تكون إلي وأقرب ما تكون مني إذا رضيت بما قسمت لك، وأبغض ما تكون إلي وأبعد ما تكون مني إذا سخطت بما قسمت لك، يا ابن آدم أطعني فيما أمرتك، ولا تعلمني بما يصلحك، إني عالم بخلقي، وأنا أعلم بحاجتك التي ترفعك من نفسك، إني إنما أكرم من أكرمني، وأهين من هان عليه أمري، لست بناظر في حق عبدي حتى ينظر العبد في حقي.
وبناء على ذلك.. فلا يصح نسبة هذا الكلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يجوز التحديث به للعظة والاعتبار، مع بيان أنه ليس من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، روى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج."
قال في عون المعبود: وقال مالك: المراد بجواز التحديث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما عُلم كذبه فلا، قاله في الفتح. ا.هـ
ولمعرفة المزيد عن ضوابط التحديث عن بني إسرائيل راجع الجواب رقم: 9067
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1424(3/380)
أعرج كندة الذي يخرج في آخر الزمان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل ورد حديث عن الرسول صلي الله عليه وسلم بظهور قائد عسكري أعرج في آخر الزمان؟
ولكم الشكر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل يقصد ما جاء عن أعرج كندة الذي يخرج في آخر الزمان، فهذا لم يثبت فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما جاء أثر عن كعب الأحبار أورده نعيم بن حماد في كتابه (الفتن) ، حيث أورد بسنده عن كعب أنه قال: علامة خروج المهدي ألوية تقبل من المغرب عليها رجل أعرج من كندة.
ومثل هذه الآثار لا يحتج بها، ولا يبنى عليها حكم، لأنها من أخبار أهل الكتاب، وقد أمرنا ألا نصدقهم ولا نكذبهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1423(3/381)
من أخبار أهل الكتاب: يا ابن آدم: لا تخافن من ذي سلطان
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الجليل
أود معرفة النص الكامل لهذا الحديث القدسي الذي قاله لي أحد أصدقائي ولكني لا أتذكره تماما.
"يا عبدي خلقتك للعبادة وليس للعب0000ورزقك 000فان رضيت 0000وان لم ترض لأجعلنك (تركض) وراء الدنيا كما تركض الوحوش في البرية ولن تنال شيئا ولن أرضى عنك"
أسأل الله أن يجعل جهدكم الطيب في ميزان حسناتكم يوم القيامة0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس هذا حديثاً قدسياً ولا نبوياً، ولم يرد في شيء من كتب الحديث، وغايته أن يكون من الأحاديث الإسرائيلية كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى حيث قال: وفي حديث إسرائيلي.. واستشهد بطرف منه، ونصه كما يلي:
يا ابن آدم: لا تخافن من ذي سلطان، ما دام سلطاني باقياً، وسلطاني لا ينفد أبداً.
يا ابن آدم: لا تخش من ضيق الرزق وخزائني ملآنة، وخزائني لا تنفد أبدا.
يا ابن آدم: لا تطلب غيري وأنا لك، فإن طلبتني وجدتني، وإن فتني فتك وفاتك الخير كله.
يا ابن آدم: خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب، فإن أنت رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبدنك، وكنت عندي محموداً، وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحوش في البرية ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك، وكنت عندي مذموماً.
يا ابن آدم: خلقت السموات السبع والأراضي السبع ولم أعيى بخلقهن، أيعييني رغيف عيش أسوقه لك بلا تعب؟
يا ابن آدم: إنه لم أنس من عصاني، فكيف من أطاعني، وأنا رب رحيم وعلى كل شيئ قدير.
يا ابن آدم: لا تسألني رزق الغد كما لم أطلبك بعمل الغد.
يا ابن آدم: أنا لك محب فبحقي عليك كن لي محباً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(3/382)
أخبار النبي عن قصص بني إسرائيل لا توصف بالإسرائيليات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما معنى أن هذه القصة من الإسرائيليات وهل هناك حديث شريف من الإسرائيليات وهل نأخذ بها أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلفظ الإسرائيليات نسبة إلى إسرائيل وهو نبي الله يعقوب عليه السلام، وقد أصبح لفظ الإسرائيليات علماً على ما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى سواء أخذوا ذلك عنهم مشافهة أو من كتبهم وقد أخذ المسلمون عنهم ذلك ونقلوا أخبارهم للعبرة والاتعاظ انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، هذا فيما لم نعلم كذبه أو مخالفته لما أخبر به الكتاب والسنة، وإلا فلا تجوز روايته والاعتبار به.
قال صاحب عون المعبود شرح سنن أبو داود: قال مالك: المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا. وانظر في ذلك الفتوى رقم:
16467.
وأما أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فليست من الإسرائيليات، وما كان منها أخبارا عن بني إسرائيل، فإنه من الأخبار التي جاء بها الإسلام، وما ثبت منها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم فهو حق لأنه صلى الله عليه وسلم قد قال عنه ربه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1423(3/383)
أخبار أهل الكتاب بين القبول والرد والاستئناس
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم قصص الأمم السابقة المذكورة في كتب أهل الكتاب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما رود إلينا من أخبار أهل الكتاب يقسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام:-
الأول: ما يوافق القرآن فهذا نصدقه ونحدث به.
الثاني: ما يكذبه القرآن فهذا يجب علينا تكذيبه.
الثالث: أخبار لم يكذبها القرآن ولم يصدقها، فهذه نحدث بها على جهة الاستئناس بها، مع عدم تصديقها أو تكذيبها. بل نقول: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم.
ويدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" رواه البخاري وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1423(3/384)
شبهة في غير محلها والرد عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث آية الكرسي الثابت فيه ـ صدقك وهو كذوب ـ
إذاكان راوي الحديث شيطان كذوب ولكنه صدق، وبالتالي رفض أي حديث أو تضعيفه لأن أحد رواته أو أكثر كاذب ـ كلام خطأ ـ بل يجب الأخذ بهذه الأحاديث أو البحث عن طرق أخرى لرفضها غير قول أن الراوي كاذب، ما الرد على من يقولون ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرد عليهم أننا لم نقبل رواية الشيطان الكذوب فإن الشيطان ليس أحد رجال إسناد هذا الحديث الثابت عند البخاري هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا لم نأخذ بوصية الشيطان بقراءة الكرسي بل أخذنا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أقره على هذه الفضيلة لآية الكرسي: بمعنى أنه لو لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة: صدقك وهو كذوب. لما أخذنا بوصية الشيطان ولما أثبتنا هذه الفضيلة لآية الكرسي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1430(3/385)
من مسائل الميراث
[السُّؤَالُ]
ـ[مات والدي منذ 8 سنوات، وترك لنا العقار الذي نسكن به، وعقارين صغيرين آخرين، ومحلا هو مصدر رزقنا وعيشنا. ولكن هذا المحل مكتوب باسم إخوتي الذكور وذلك فقط ليتمكنوا من توريثه لأولادهم حسب قوانين الإيجار الجديدة, الورثة الشرعيون هم: الزوجة، وولدان، وبنتان، والجدة. ونظراً لكونها عقارات وليست نقودا اتفقت أمي مع الجدة على إعطائها مبلغا من المال كل شهر 300 جنيه وقتها، وبعد فترة وجدنا إعلان محكمة منها بخصوص ميراثها فتضايقت والدتي من هذا الموقف ورفضت دفع النقود لها إلا بإيصالات طالما أنها رفعت قضية، فرفضت جدتي ومن وقتها توقفت أمي عن دفع هذه النقود لها، وبعد انتهاء المحاكم منذ سنة حكمت لها المحكمة بريع قدره 115 جنيها كل شهر وذلك فقط عن العقارات لأن المحل لا يعتبر لها فيه إرث.
السؤال: هل يجب اعتبار المحل كسائر العقارات وتوريثنا كلنا فيه بغض النظر عن كونه باسم الولدين؟ وكيف يحدث ذلك هل بتقسيم مبلغ كل شهر علينا كلنا أم نقوم بتثمينه ويأخذ كل منا نصيبه؟ وهل يأثم والدي على كتابته لهم؟
السؤال الآخر هو: كيف نوزع التركة فيما بيننا؟ فمنذ وفاة والدي ولم يكن أحدنا بلغ سن الرشد, أمي تقول عندما تتزوجون جميعا سنقوم بتوزيع الباقي، مع العلم بأن زواج الولد ليس كالبنت فالولد يتكلف أشياء أكثر بكثير أهمها الشقة، أما أنا وباعتباري البنت الكبرى فكل ما تكلفته فى زواجي كان 20 ألف جنيه، فكيف نقسمها هل من وقت الوفاة، أم بعد بلوغ أصغر واحد فينا سن الرشد أم حقا بعد زواجنا جميعا؟ وهل يجوز اعتبار المبلغ المأخوذ للزواج من الميراث ثم نتحاسب فيما بعد على أساس ذلك؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء لم يتبين لنا المقصود بقول السائلة- ليتمكنوا من توريثه لأولادهم حسب قوانين الإيجار الجديدة-والذي يمكننا قوله هو أن كتابة الوالد للمحل باسم أبنائه الذكور هذه الكتابة لا عبرة بها، ولا يصير بها المحل ملكاً للورثة، لأنه إن كتبه باسمهم على أن يأخذوه بعد مماته فهذه وصية لوارث، وهي ممنوعة شرعاً ولا تمضي إلا بإذن الورثة، كما فصلناه في الفتويين رقم: 120499، 119764.
فإذا لم يرض الورثة رجع المحل إلى الميراث واقتسمه الورثة القسمة الشرعية، وإن كان الوالد كتب المحل باسم الأبناء وأعطاهم إياه في حياته فهذه هبة، ولكنه إن لم يكن أعطى للبنات ما يتحقق به العدل الواجب بين الأولاد -ذكوراً وإناثاً- فإن الهبة باطلة، ويرد المحل إلى التركة بعد مماته على الصحيح من أقوال الفقهاء في المفتى به عندنا، كما في الفتوى رقم: 6242.
وفي كلا الحالين لا يكون المحل للأبناء، ويدخل في جملة التركة التي يتقاسمها الورثة، وأما اتفاق الأم مع الجدة على أن تدفع لها حقها الشهري على أقساط، فإن كان المقصود أن ذلك القسط الشهري هو نصيب الجدة من الإيجار الشهري للعقار الموروث فهذا لا حرج فيه، وإن كان المقصود أنها تعطى حقها من التركة ككل على أقساط، فالأصل أن الجدة تأخذ حقها كاملاً من غير أقساط، وكون التركة عقارات لا يبرر منعها من التملك في العقارات -بحسب نصيبها الشرعي- ولكن لو كانت الجدة رشيدة ورضيت بذلك طائعة مختارة فلا حرج في ذلك الاتفاق، بشرط أن يحدد نصيبها كاملاً من التركة، وتحدد كل المدة التي ستستغرقها الأقساط.
وأما كيفية تقسيم المحل فيقسم بينكم القسمة الشرعية، ويملك كل واحد منكم فيه بقدر نصيبه الشرعي.
وإذا كان مؤجراً فإنكم تقتسمون إيجاره على الأنصبة الشرعية من الميراث، وإذا أردتم بيعه فتقتسمون ثمنه على الأنصية الشرعية أيضاً، وبإمكانكم أن يبيع بعضكم حصته للآخرين، والأمر في هذا سهل.
وأما كيف توزع التركة بينكم فإن كان والدكم توفي عن زوجة، وابنين، وابنتين، وأم، ولم يترك وارثاً غيرهم. فإن لزوجته الثمن، ولأمه السدس، والباقي يقسم بين الابنين والبنتين للذكر مثل حظ الأنثيين. فتقسم التركة على (144) سهماً، للزوجة ثمنها (18) سهماً، وللأم سدسها (24) سهماً، ولكل ابن (34) سهماً، ولكل بنت (17) سهماً، والعبرة بالتركة التي تقسم هي تركة الميت فإذا أخذت الأم نصيب وارث وأعطته لوارث آخر بحجة الإنفاق والزواج فهي ضامنة ويلزمها رده، وليس لها أن تتصرف بهواها، ولا يجوز لها أن تزوج أحداً من الورثة بمال أو ببعض مال الوارث الآخر، ولا يحق لأمكم منعكم من قسمة التركة حتى تتزوجوا، وليس لها أصلاً حق التصرف في نصيب الورثة سواء من كان منهم دون سن الرشد أو من كان بالغاً رشيداً، إلا أن تكون وصية على القاصرين من قبل الأب قبل مماته، لأن من كان دون سن الرشد يتولى التصرف في ماله وصي الأب، فإن لم يكن فجدهم، فإن لم يكن فالحاكم على تفصيل ذكرناه، في الفتويين رقم: 28545، 107179.
ومن كان بالغاً رشيداً فهو ولي نفسه ولا يحجر عليه في التصرف في ماله إلا من قبل القضاء الشرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(3/386)
الإسناد خصيصة تميزت بها الأمة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الحبيب في الله: دار حوار بيني وبين بعض الأشخاص عن مصداقية الوثائق التاريخية فقال أحدهم وهو دكتور في علم الاجتماع ما يلي:
تتفاوت المصادر التاريخية في دقتها تبعاً للزمن ولطبيعة المصدر والناقل ... فالوثائق الصحيحة 100% هي النقوش على الحجر أو الطين: مثل مسلة حمورابي أو مكتبة إبلا. يليها الوثائق المكتوبة التي يدقق المتخصصون في مدى صدقها-الخط، الزمن الذي كتبت فيه، مدى توافق المضمون مع ما يحتمل أن يكون صحيحاً في زمان ومكان معينين-. وأقل الوثائق مصداقية هي المنقولة شفوياً: روى فلان عن فلان عن فلان.. هنا يعتمد المؤرخون على شخص ناقل الخبر ومصداقيته، إضافة لفحص المضمون.
فكيف نثبت صدق الأحاديث النبوية ونرد على مثل هؤلاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الدكتور المذكور لا علم عنده بمنهج المحدثين في تدوين السنة، ثم بمنهجهم فيما يتعلق بالحكم على ما يقبل منها وما يرد وفق أصول لا توجد عند أمة من الأمم، وهي خصيصة الإسناد التي تفردت بها الأمة الإسلامية، ويعدها هذا الدكتور مثارا للشبهة لجهله بها، فإثبات صدق الأحاديث النبوية قائم على منهج علمي متكامل يقوم على دراسة الأسانيد والمتون، وبيان ما يقبل منها وما يرد، ولن نستطيع مناقشة هذا في فتوى واحدة، فننصحك بالرجوع إلى الفتاوى التالية أرقامها وما أحيل عليه فيها: 8516، 34537، 62536.
وفيما يتعلق بتدوين السنة يمكنك الدخول على محور الحديث من الصفحة الرئيسية، ثم على تدوين السنة وعلوم الحديث.
والرجوع لكتاب: السنة قبل التدوين - محمد عجاج الخطيب، وكتاب: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه للأعظمي، وللاستزادة حول ما أثير حول السنة من شبه، والجواب عنها راجع كتاب زوابع في طريق السنة للشيخ صلاح الدين مقبول أحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(3/387)
منهج المحدثين لقبول الحديث الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطريقة العلمية المتبعة في رواية الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتبع المحدثون منهجاً لقبول الحديث الشريف فاشترطوا له خمسة شروط لا بد من توفرها، وهذه الشروط هي:
1- عدالة الرواة من أول السند إلى منتهاه.
2- ضبط الراوي بحيث يستطيع أداء ما سمع أو كتب على النحو الذي سمعه ...
3- الاتصال وهو سماع الراوي ممن حدثه مباشرة.
4- عدم الشذوذ وهو مخالفة الراوي لمن هو أرجح منه.
5- عدم العلة القادحة ...
وهذا المنهج من خصائص هذه الأمة، وبه حفظ العلماء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلينا منقى من كل الشوائب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1430(3/388)
أحكام مجهول الحال عند المحدثين
[السُّؤَالُ]
ـ[على من يطلق المحدثون مصطلح مجهول الحال؟ وماهو مذهب الجمهور في الأخد عنه؟ ولماذا؟
أرجو الإجابة في أسرع وقت وإرسالها إلى البريد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الراوي المجهول عند علماء مصطلح الحديث ينقسم إلى قسمين:
مجهول العين وهو الذي لا يُعرف شخصه مثل قول بعضهم: حدثنا رجل أو شيخ..
ومجهول الحال: وهو الذي يُجهَل حاله ومستواه العلمي، مثاله قول بعضهم: حدثنا زيد، فزيد هذا معروف العين لكنه مجهول الحال من العدالة والضبط، ورواية المجهول بنوعيه لا تقبل عندهم إلا إذا ارتفعت عنه الجهالة وعلم من حاله أنه ممن يؤخذ عنهم.
جاء في مقدمة صحيح مسلم عن محمد بن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه. وقال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم، لذلك لا تقبل إلا رواية المعلوم عينا وحالا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1429(3/389)
ما معنى قولنا: الحديث أخرجه البخاري
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: الحديث أخرجه البخاري، أو لم يخرجه البخاري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبخاري هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله من أجل أئمة الحديث, له مؤلفات كثيرة أعظمها وأشهرها كتابه المعروف بصحيح البخاري, أي جمع فيه الأحاديث الصحيحية عنده، وقد تلقت الأمة المسلمة هذا الكتاب بالقبول، فإذا قيل في حديث أخرجه البخاري هكذا بإطلاق فمعناه أنه رواه في صحيحه مسنداً لا معلقاً، وأما إذا رواه في صحيحه معلقاً فيقال: رواه البخاري تعليقاً أو معلقاً.
وإذا رواه في غير صحيحه فلا بد من تقييده فيقال مثلاً: في الأدب المفرد أو في تاريخه, أو في خلق أفعال العباد أو غير ذلك من كتبه..
والفرق بين الثلاثة أن الحديث المسند في صحيح البخاري صحيح مطلقاً، وأما المعلق فإن كان بصيغة الجزم فهو صحيح إلى من علق إليه البخاري، هذا ما استقر عليه الأمر عند جمهور العلماء، وقد خالف ذلك بعض العلماء -منهم ابن حزم - فلم يجعلوا لمعلقات الصحيح مزية على غيرها، سواء كان بصيغة الجزم أو بصيغة التمريض، وإنما جعلوا لها حكم غيرها من المنقطعات.
وأما العزو لغير الصحيح من كتب البخاري فلا يلزم منه الصحة، فإن البخاري لم يشترط الصحة إلا في صحيحه، وقولنا: لم يخرجه البخاري يقصد بها غالباً أنه لم يروه في صحيحه، وإن كان قد رواه في غيره من كتبه، ولذلك فهذه العبارة تحتاج إلى تدقيق لمعرفة مراد صاحبها، هل يعني أن البخاري لم يروه في الصحيح أم يعني أنه لم يره مطلقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(3/390)
عدد معلقات صحيح البخاري
[السُّؤَالُ]
ـ[كم معلقات صحيح البخاري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن حجر في فتح الباري: جملة ما في الكتاب ـ يعني صحيح البخاري ـ من التعاليق ألف وثلاثمائة وأحد وأربعون1341 حديثا، وأكثرها مكرر مخرج في الكتاب أصول متونه، وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق أخرى إلا مائة وستون حديثا، قد أفردتها في كتاب مفرد لطيف متصلة الأسانيد إلى من علق عنه.
وانظر للفائدة كتاب: توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار للأمير الصنعاني..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1429(3/391)
أمير المؤمنين في الحديث الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أمير المؤمنين في الحديث النبوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أمير المؤمنين في الحديث هو لقب يلقب به أئمة الحديث الذين هم في أعلى درجات التوثيق وهم النقاد أئمة الجرح والتعديل، الجهابذة من علماء الحديث، لذا لم يظفر بهذا اللقب إلا القليل جداً من العلماء، قال السيوطي في ألفية الحديث: وبأمير المؤمنين لقبوا * أئمة الحديث قدماً نسبوا
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعليقاً على هذا البيت: أطلق المحدثون ألقاباً على العلماء بالحديث: فأعلاها: أمير المؤمنين في الحديث، وهذا لقب لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر، الذي هم أئمة هذا الشأن والمرجع إليهم فيه، كشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري والدارقطني، وفي المتأخرين ابن حجر العسقلاني رضي الله عنهم جميعاً.
ثم أورد رتبة الدرجات التي تلي درجة أمير المؤمنين وتعريفها وهي: الحافظ ويليه المحدث ويليه المسند -بكسر النون- ولكني اكتفيت بتعريف أمير المؤمنين فقط كما ورد في السؤال، ولعل السائل على دراية ببقية المصطلحات.
انظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على ألفية السيوطي تحت النظم رقم 583.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1429(3/392)
أسانيد هذا الحديث تنتهي كلها إلى ابن عمر
[السُّؤَالُ]
ـ["إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها تؤتي أكلها كل حين" الحديث.
هل يروي الحديث غير ابن عمر؟ إذا كان نعم فأين وفي أي كتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد في كتب السنة رواية للحديث عن غير ابن عمر، وقد تكلم العيني في شرح البخاري، على بيان تعدد المواضع التي ذكر فيها هذا الحديث في البخاري وعلى بيان من أخرجه غير البخاري، وجميع الأسانيد التي ذكرها تنتهي كلها إلى ابن عمر رضي الله عنهما.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1429(3/393)
الفرق بين علوم الحديث ومصطلح الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين علوم الحديث ومصطلح الحديث؟ وبارك الله فيكم.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمصطلح الحديث هو علم بقواعد يعرف بها أحوال السند والمتن من صحة وحسن وضعف، وعلو ونزول، وكيفية تلقيه وروايته، وصفات الرجال وغير ذلك.
وأما علوم الحديث فإنها تعني كل العلوم المتعلقة بالحديث الشريف، سواء كان تعلقها بحفظ متونه أو بمعرفة مصطلحه أو تاريخه أو شرحه أو غير ذلك من الأمور المتعلقة به.
وعليه، فعلوم الحديث أعم من مصطلح الحديث؛ لأنها تشمله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(3/394)
متى يقول الراوي: أو كما قال صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أقول في خطبة الجمعة أو غيرها - بعد أن أقرأ حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.. - أن أقول: (أو كما قال..) - حتى لو كان الحديث صحيحا..؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
ينبغي لراوي الحديث إذا لم يتأكد من لفظه أن يقول: أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وكذلك قارئه أيضا سواء كان ذلك في الخطبة أو غيرها، فإن كان متأكدا من لفظ الحديث فلا يطالب بذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الجملة يؤتى بها عندما يشتبه لفظ الحديث على الراوي أو القارئ، أو يشك هل أتى به على الوجه الصحيح أم لا، أو يكون قد روي بالمعنى، فعند ذلك ينبغي أن يقول: أو كما قال صلى الله عليه وسلم؛ كما ذكر أهل العلم، أما إذا كان متأكدا من لفظ الحديث فلا يطالب بما ذكر.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء: وينبغي للراوي وقارئ الحديث إذا اشتبه عليه لفظة فقرأها على الشك أن يقول عقيبه: أو كما قال والله أعلم، وقد قدمنا في الفصول السابقة الخلاف في جواز الرواية بالمعنى لمن هو كامل المعرفة، قال العلماء: ويستحب لمن روى بالمعنى أن يقول بعده: أو كما قال أو نحو هذا كما فعلته الصحابة فمن بعدهم. والله أعلم. انتهى
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1428(3/395)
توضيح حول رواية الحديث بالمعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رواية حديث لكن الراوي نسي شيئا منه فأتى بالمعنى ولم يقل بأنه غير بالحديث لمن يسمعه، فهل هذا كذب على النبي وهل يأثم على فعلته، وهل يجب على من يريد أن يروي حديثا أن يكون حافظا له بشكل تام حرفا حرفا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اقتصار راوي الحديث على ما يحفظ منه جائز، بل إنه يجوز الاقتصار على محل الشاهد من الحديث وترك رواية بقيته، وكثيراً ما يفعل البخاري وابن حجر وغيرهما ذلك في كتبهم.
وأما رواية الراوي بعض ما نسيه بالمعنى فهي جائزة عند الجمهور إذا كان عالماً بمعاني الأحاديث ودلالات الألفاظ، ولم يكن ذلك من الأحاديث المتعبد بها كالأذكار ولم يكن من جوامع الكلم، والأولى أن يقول في نهايته أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ويتعين كذلك على طلاب العلم أن يحسنوا الظن بالعلماء والخطباء ويحترموهم، وراجع مقدمة ابن الصلاح وشروح ألفية العراقي والسيوطي في المصطلح للاطلاع على كلام أهل الفن في الرواية بالمعنى.
ويمكنك أن تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34181، 62130، 67484، 70819.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(3/396)
سبب اختلاف الرواة في ألفاظ الحديث الواحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعدد ألفاظ الحديث الواحد الذي له نفس المعنى لكن يختلف كل راو عن الآخر في روايته مثل أن يروي مسلم نفس حديث البخاري لكن يبدل بعض الكلمات في الحديث أو كل الحديث لكن بنفس المعنى فهل هذا يعني أن الصحابة كانوا يفهمون الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينقلونه لمن بعدهم من التابعين أو غيرهم من الصحابة بالمعنى فقط دون النص الحرفي لكلام الرسول عليه الصلاة والسلام فتتعدد روايات الحديث بتعدد رواته أم أن ذلك الحديث قد رواه الرسول صلى الله عليه وسلم عدة مرات بألفاظ مختلفة ربما أو بتغيير كلمة.....
ولماذا نجد أحيانا أن أحد الرواة يروي نفس الحديث الذي رواه راو آخر لكن تتغير فيه كلمة واحدة وتكون الروايتان صحيحتين أهو بسبب شك أحد المشايخ في هذه اللفظة أنها من أصل الحديث أم لم تكن كذلك , ولو كان الأمر كذلك لكان هذا الشيخ متهما في حفظه وبالتالي الحديث ضعيف فلماذا يكون صحيحا.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من أسباب تعدد ألفاظ الحديث الواحد أن يكون كل راو سمعه من النبي- صلى الله عليه وسلم- في مجلس أو مناسبة غير التي سمعه فيها غيره، أو يكون الراوي نقل الحديث بالمعنى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اختلاف ألفاظ الحديث لا يعني ضعف الحديث ولا سوء حفظ الراوي ما دام ثقة ضابطا. سواء كان ذلك من الصحابي أو من غيره لاحتمال أن يكون ذلك لتعدد ألفاظ النبي- صلى الله عليه وسلم- في مناسبات مختلفة أو لرواية الحديث بالمعنى- وهي جائزة عند الجمهور- وكذلك الأمر بالنسبة لزيادة كلمة فيمكن أن يكون أحد الرواة سمعها وغيره لم يسمعها، أو قيلت في مناسبة حضرها بعضهم ولم يحضرها آخرون، أو من اقتصار بعض الرواة عند الاستشهاد بالحديث على محل الشاهد منه؛ فزيادة الثقة الحافظ مقبولة كما قال الحافظ ابن حجر وغيره من أهل الاختصاص.
والقاعدة عندهم أن الحديث إذا رواه راويان واشتملت إحدى الروايتين على زيادة فإن لم تكن مخالفة لما رواه الآخرون قبلت وحمل ذلك على نسيان الراوي الذي لم يرو الزيادة أو ذهوله أو اقتصاره على المقصود منه في صورة الاستشهاد، وإن كانت مخالفة وتعارضت الروايتان تعين طلب الترجيح بطريق من طرق الترجيح التي بينها أهل الأصول في محلها، ويلجأ إلى هذه الحالة عند تعذر الجمع بين النصوص أو الروايات.
وقد قال هاهنا الإمام ابن الصلاح كلاما نفيسا جيدا يحسن إيراده في هذا الموضع، فقد قال رحمه الله: قد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام: أحدهما أن يقع مخالفا منافيا لما رواه سائر الثقات، فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ.
الثاني: أن لا تكون فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة، ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا فهذا مقبول وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء عليه وسبق مثاله في نوع الشاذ.
الثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث.
ثم ذكر أمثلة على ذلك تمكن مراجعتها في كتابه الموسوم بمقدمة ابن الصلاح.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 62130، 46718، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1428(3/397)
معنى (رواه الجماعة) ومدى الفرق بينه وبين صحيح الجامع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح الجامع له معنى آخر عن رواه الجماعة وإذا وجد اختلاف أيهما أقوى، وما المقصود بهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صحيح الجامع هو كتاب أفرد فيه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ما يراه من الأحاديث الصحيحية والحسنة من الجامع الصغير للسيوطي.
وأما معنى رواه الجماعة فالمراد به ما اتفق عليه الشيخان وأصحاب السنن وأحمد، وهو مصطلح ذكره المجد ابن تيمية في المنتقى، وما رواه الجماعة بهذا المصطلح أقوى سنداً من كثير مما في صحيح الجامع لأن رواه الجماعة تفيد أنه رواه الشيخان، وما اتفق عليه الشيخان هو أصح الأحاديث، ولكنه قد يوجد في صحيح الجامع ما رواه الجماعة فيتفق الأمران.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1428(3/398)
أساسيات في فهم السنة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد مثالا على أساسيات في فهم السنة النبوية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الأساسيات في فهم السنة العلم بلغة العرب التي كان يتحدث بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ألف أهل العلم في غريب الحديث، واعتنى شراح أمهات الكتب بشرح الغريب.
ومنها العلم بأسباب ورود الحديث، وقد تكلم عليها شراح كتب الحديث، وقد ألف فيها السيوطي رحمه الله، وألف فيه الحسيني كتاب البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف.
ومنها العلم بناسخ الحديث ومنسوخه، وقد ألف فيه الحازمي كتابه الأعشار في الناسخ والمنسوخ من الأخبار، وألف فيه الإمام أحمد وأبو داود والأثرم.
ومنها العلم بمصطلح الحديث حتى يعلم ما يحتج به وما لا يحتج به، وقد ألف فيه ابن الصلاح والنووي، وقد نظم مقدمة ابن الصلاح الحافظ العراقي، ونظمها وزاد عليها السيوطي.
ومنها العلم بأصول الفقه حتى يعلم دلالات الألفاظ كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والتوفيق بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1427(3/399)
معنى قول الترمذي: حسن صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مقصد الترمذي من: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول الترمذي: حسن صحيح، يحمل على التردد في وصفه بالصحة أو الحسن، هذا إذا كان سنده واحداً كما في الحديث الذي قال فيه: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأما إن روي بعدة أسانيد فيحمل على ما ذكرناه سابقاً، ويحمل أيضاً على اتصاف أحد أسانيده بالصحة واتصاف الآخر بالحسن.
قال صاحب طلعة الأنوار:
وفي صحيح حسن أقوال * في كلها قد ظهر اختلال
ثم الجواب بتنوع السند * لحسن ولصحيح معتمد
أو بالتردد لوصف من نقل *..............
وراجع التقييد والإيضاح للحافظ العراقي، وشرح السخاوي لألفية العراقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1427(3/400)
معنى ودلالة (روي في الأثر)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث القدسي:
ابن ادم إنك ما استحيت مني أنسيت الناس عيوبك وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك ومحوت من أم الكتاب زلاتك ولا ناقشتك الحساب يوم القيامة.
وقد ذكر في كتاب مدارج السالكين بعبارة:
"وفي أثر إلهي يقول الله عز وجل: ابن آدم إنك ما استحييت مني أنسيت الناس عيوبك وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك ومحوت من أم الكتاب زلاتك وإلا ناقشتك الحساب يوم القيامة " فما معنى روي في الأثر أيضا ... وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه من كتب السنة ودواوين العلم على هذا الأثر مرفوعا متصلا سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكل من ذكره من أهل العلم يقف به عند أبي سليمان الداراني يقول: قال الله تعالى، وممن ذكره من أهل العلم البيهقي في شعب الإيمان، وابن كثير في البداية والنهاية، وابن القيم في مدارج السالكين، وأبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي في تاريخ مدينة دمشق، ولم يذكره أحدهم كامل الإسناد، وأبو سليمان الداراني ذكره أبو الحسن بن سميع في الطبقة السادسة. وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم: لا أعلمه إلا ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبو داود: ضعيف. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. وقال أبو أحمد بن عدي: عامة أحاديثه مستقيمة وفي بعضها بعض الإنكار، وقد روى عنه الوليد بن مسلم ونظراؤه من الناس من أهل دمشق، وأرجو أنه لا بأس به. انتهى من تهذيب الكمال للمزي. والله تعالى أعلم.
وأما قولهم (روي في الأثر) فهذه صيغة تمريض تدل على ضعف الأثر المحكي، أو شك الحاكي في صحته فيحيكيه بما يفيد ذلك، ومثلها قيل، قال العيني: قد أكثر البخاري من أحاديث وأقوال الصحابة وغيرهم بغير إسناد، فإن كان بصيغة جزم كقال وروى ونحوهما فهو حكم منه بصحته، وما كان بصيغة التمريض كروي ونحوه فليس فيه حكم بصحته ولكن ليس هو واهيا؛ إذ لو كان واهيا لما أدخله في صحيحه.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: فإني لم أقف على من خرج هذا الحديث من هذه الطريق؛ إلا ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في إ علام الموقعين.. بلفظ: وقد قيل، ... ولفظة " قيل " صيغة تمريض كما هو معروف. انتهى محل الشاهد منه.
وقال النووي في المجموع: وقد سبق في الفصول في مقدمة الكتاب أنه لا يقال في حديث صحيح روي؛ بل يقال بصيغ الجزم، وهكذا فروي وقيل وحكي ونُقِل ونحوها من صيغ التمريض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1427(3/401)
مسوغات عدول المخرج عن الطريق الأقرب إلى الطريق البعيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[نقول إن المستخرج أن يأتي المصنف إلى كتب الحديث فيخرج أحاديثه بنفسه فيجتمع معه في شيخه أو من فوق أو صحابي وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد، سؤالي هو: أن هذا غير معقول يعني حافظ يأتي إلى كتاب ويروي أحاديث لنفسه لأنه لو كان له سند إلى حديث معين لسبق صاحب الكتاب ولا يحتاجه، ونقول أيضاً: إنه يجتمع معه في شيخه أو من فوق أو صحابي ويشترط أن لا يصل إلى شيخ أبعد، كيف هذا يصل إلى صحابي والصحابي أبعد من الشيخ، وأريد بعض الأمثلة عن المستخرجات وأين يجتمع اللقاء؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المستخرجات صرح أهل المصطلح أنه يمكن للمخرج لها العدول عن الطريق التي يقرب اجتماعه فيها مع مصنف الأصل إلى الطريق البعيدة إذا كان ذلك لغرض من علو أو زيادة حكم مهم أو بيان مبهم في السند أو التصريح بتحديث مدلس أو نحو ذلك، فإن كان هناك غرض ساغ العدول عن الطريق الأقرب ولو لم يجتمع مع صاحب الصحيح إلا في الصحابي، فالمهم هو الاجتماع مع صاحب الصحيح في أقرب ما يمكن من السند بأن يجتمع معه في شيخه أو شيخ شيخه أو الصحابي، فقد قال السخاوي في فتح المغيث: والاستخراج أن يعمد حافظ إلى صحيح البخاري -مثلاً- فيورد أحاديثه حديثاً حديثاً بأسانيد لنفسه غير ملتزم فيها ثقة الرواة وإن شذ بعضهم، حيث جعله شرطا من غير طريق البخاري إلى أن يلتقي معه في شيخه أو في شيخ شيخه، وهكذا ولو في الصحابي كما صرح به بعضهم، لكن لا يسوغ للمخرج العدول عن الطريق التي يقرب اجتماعه مع مصنف الأصل فيها إلى الطريق البعيدة إلا لغرض من علو أو زيادة حكم مهم أو نحو ذلك، ومقتضى الاكتفاء بالالتقاء في الصحابي أنهما لو اتفقا في الشيخ -مثلاً- ولم يتحد سنده عندهما ثم اجتمع في الصحابي إدخاله فيه؛ وإن صرح بعضهم بخلافه. انتهى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 52535.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(3/402)
رواية الحديث بالمعنى.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تناقشت مع أحد الإخوة الذين أحسبهم على خير ولا نزكي على الله أحداً، فقال لي: إن أغلب الأحاديث الصحاح هي بمعنى الحديث لا بلفظ الحديث، نرجو من فضيلتكم تعليقاً وجواباً قاطعاً ومفصلاً عن هذا أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذهب جمهور السلف والخلف إلى جواز رواية الحديث بالمعنى إذا كان الراوي عارفاً بدقائق الألفاظ بصيراً بمقدار التفاوت بينها خبيراً بما يحيل معانيها, فإذا أبدل اللفظ الذي بلغه بلفظ آخر يقوم مقامه بحيث يكون معناه مطابقاً لمعنى اللفظ الذي بلغه جاز ذلك.
قال السيوطي في تدريب الراوي: وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف منهم الأئمة الأربعة: يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى، لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة.
واستدل الجمهور على ذلك بعدة أدلة، ذكر بعضها الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية في علم الرواية، فقال: ويدل على ذلك أيضاً اتفاق الأمة على أن للعالم بمعنى خبر النبي صلى الله عليه وسلم وللسامع بقوله أن ينقل معنى خبره بغير لفظه وغير اللغة العربية، وأن الواجب على رسله وسفرائه إلى أهل اللغات المختلفة من العجم وغيرهم أن يرووا عنه ما سمعوه وحملوه مما أخبرهم به وتعبدهم بفعله على ألسنة رسله؛ سيما إذا كان السفير يعرف اللغتين فإنه لا يجوز أن يكل ما يرويه إلى ترجمان وهو يعرف الخطاب بذلك اللسان لأنه لا يأمن الغلط وقصد التحريف على الترجمان فيجب أن يرويه بنفسه. وإذا ثبت ذلك صح أن القصد برواية خبره وأمره ونهيه إصابة معناه وامتثال موجبه دون إيراد نفس لفظه وصورته, وعلى هذا الوجه لزم العجم وغيرهم من سائر الأمم دعوة الرسول إلى دينه والعلم بأحكامه, ويدل على ذلك أنه إنما ينكر الكذب والتحريف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيير معنى اللفظ , فإذا سلم راوي الحديث على المعنى من ذلك كان مخبراً بالمعنى المقصود من اللفظ وصادقاً على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبمثابة من أخبر عن كلام زيد وأمره ونهيه وألفاظه بما يقوم مقام كلامه وينوب منابه من غير زيادة ولا نقصان، فلا يعتبر في أن راوي ذلك قد أتى بالمعنى المقصود وليس بكاذب ولا محرف, وقد ورد القرآن بمثل ذلك؛ فإن الله تعالى قص من أنباء ما قد سبق قصصا كرر ذكر بعضها في مواضع بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، ونقلها من ألسنتهم إلى اللسان العربي وهو مخالف لها في التقديم والتأخير والزيادة والنقصان ونحو ذلك.
واشتراط علم الرواي بمعاني الحديث حيث يروي بالمعنى شرط لا بد منه، وهو داخل في شرط الضبط الذي يشترط في راوي الحديث الصحيح؛ كما ذكرت كتب مصطلح الحديث كتدريب الراوي للسيوطي وغيره.
وعلى هذا.. فإن القول بأن أكثر الأحاديث مروية بالمعنى غير بعيد، إلا أن العلماء استثنوا الألفاظ المتعبد بها كالأذكار والأدعية المأثورة وجوامع الكلم والكتب المصنفة، قال السيوطي في تدريب الراوي: ولا شك في اشتراط أن لا يكون مما تعبد بلفظه..... وعندي أنه يشترط أن لا يكون من جوامع الكلم.
وقال ابن الصلاح في المقدمة: ليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظاً آخر بمعناه، فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب؛ ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1426(3/403)
الاجتهاد وتمييز صحيح الحديث من سقيمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ألم يحن الوقت لأن يضع علماء المسلمين الموثوقين حدا لتوقف الاجتهاد، الاجتهاد جار على قدم وساق شئنا أم أبينا، أصبح لدينا رهبانية إسلامية تخرج مفتيين بالعشرات أو حتى بالمئات، أليس من المفروض أن نبدأ بتنظيف كتب الصحاح من الأحاديث المدسوسة، أليس زواج المتعة حديثا مدسوسا يخالف القرآن الكريم، فكيف لا زال هذا الحديث موجودا في الصحاح، ألم يحن الوقت لغربلة الصحاح من الأحاديث المدسوسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاجتهاد لم يتوقف، ولم يزل العلماء الذين لهم أهليته يجتهدون ويستنبطون الأحكام، وكنا قد بينا هذا من قبل فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 2673.
ثم إن الحديث المتعلق بنكاح المتعة ليس من الأحاديث المدسوسة، وإنما هو مروي في الصحيحين وغيرها، ولكن العمل به قد نسخ، وقد بينا ذلك من قبل، فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 485.
واعلم أن أهل العلم قد غربلوا الحديث، وميزوا ما هو منه صحيح وما هو ضعيف، وقد تخصص في ذلك علماء كثيرون، وليس علم غربلة الحديث وتنقيحه وليد العصر الحديث، بل هو أهم ما كان يشتغل به طلبة العلم في سالف الزمن.
يصف أبو نعيم سعة علم زفر بالحديث يقول: كنت أعرض الحديث على زفر، فيقول هذا ناسخ وهذا منسوخ، وهذا يؤخذ به وهذا يُرفض. وبلغ من سعة علمه وتمكنه من فنون الحديث وقدرته على التمييز بين درجات الحديث من حيث الصحة والضعف أنه كان يقول للحافظ أبي نعيم: هات أحاديثك أغربلها لك غربلة. وهذا مثال بسيط لما كان عليه الناس.
ونعطيك نموذجاً من كيفية تدقيق أهل العلم في تصحيح الحديث. فصحيح البخاري مثلا، قد جمعه الإمام البخاري في ست عشرة سنة، وكان لا يثبت حديثا فيه مع توفر شروط الصحة فيه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، واستغفر الله تعالى، وتيقن صحته، وقد قال رحمه الله: خرجته من نحو ستمائة ألف حديث.
ولم يستبق من هذا العدد إلا سبعة آلاف ومائتين وخمسة وسبعين حديثاً كما قال ابن الصلاح والنووي رحمهما الله، إلا أن ابن حجر تعقبهما، وتتبع البخاري بابا بابا وحديثا حديثا فألفاه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعين حديثا، والخالص من ذلك بلا تكرار ألفان وستمائة وحديثان فقط، فنرجو أيها الأخ الكريم أن تراجع معلوماتك حول السنة، ونسأل الله أن يتقبل منك غيرتك للدين، وحرصك على تنقيحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1426(3/404)
التعبير رواه فلان أو أخرجه فلان
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الفرق بين قول روى هذا الحديث فلان وأخرجه فلان؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا فرق بين أن يقال عن حديث ما رواه البخاري أو أخرجه البخاري فهما بمعنى واحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1426(3/405)
الخطأ في النطق بالحديث الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النطق في الحديث الشريف بنطق غير صحيح بدون قصد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخطأ معفو عنه لقوله تعالى: وَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب: 5} .
ولما في الحديث: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه.
وأما تعمد الخطأ في قراءة الحديث فهو حرام، لما فيه من نطق لفظ يخالف نطق النبي صلى الله عليه وسلم مع نسبته إليه، وهذا يدخل في عموم القول على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وقد صح عنه أنه قال: من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. رواه مسلم.
وراجع في حكم رواية الحديث بالمعنى الفتوى رقم: 62130.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(3/406)
تعريف الحديث المعلل
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة المشايخ
أما بعد: فما هو الحديث المعلل وما حكمه أفتونا مأجورين إن شاء الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المعلل هو ما كانت فيه علة خفية تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها، كأن يكون في السند انقطاع أو إبدال راو ضعيف بثقة أو تدليس خفي أو يكون في متن الحديث إدراج أو زيادة شاذه، وراجع للزيادة في شأنه مقدمة ابن الصلاح وشرح ألفية العراقي للسخاوي، وتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1426(3/407)
الفرق بين (رجاله رجال الصحيح) و (على شرط البخاري)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين حديث رجاله رجال الصّحيح وحديث على شرط البخاري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قولهم (حديث رجاله رجال الصحيح) معناه: أن رجال هذا الحديث الذين رووه يروي لهم صاحب الصحيح.
وأما قولهم (حديث على شرط البخاري) معناه: أن يكون رجال إسناده ممن أخرج لهم البخاري في صحيحه على صورة الاجتماع سالماً من العلل.
ومعنى (على صورة الاجتماع) : أي ليس على صورة الانفراد، فلا يكتفى بكون رجال الحديث هم نفس الرجال الذين يروي عنهم البخاري، بل يجب أن يكونوا في الإسناد بنفس السياق الذي في صحيح البخاري ولو في موضع من الصحيح.
فإن البخاري احتج برواية سفيان بن حسين وبراوية الزهري، واحتج بكل منهما على صورة الانفراد ولم يحتج برواية سفيان بن حسين عن الزهري، لأن سماعه من الزهري ضعيف.
ومعنى (سالماً من العلل) أي: يشترط أن لا يكون في رجال الحديث من وصف بالتدليس أو اختلط في آخر عمره، فالبخاري لم يخرج في الجملة من رواية المدلسين بالعنعنة إلا ما تحقق أنه مسموع له من جهة أخرى، وكذا لم يخرج من حديث المختلطين عمن سمع منهم بعد الاختلاط إلا ما تحقق أنه من صحيح حديثهم قبل الاختلاط. وانظر (النكت على ابن الصلاح) للحافظ ابن حجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1426(3/408)
الدراسة النظرية لكتب مصطلح الحديث لا تكفي وحدها للحكم على الأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ جزاكم الله عنا خيراً
سمعت الشرح الكامل لمتن نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر للشيخ د/ سعد الحميد وإن شاء الله سأقوم بحفظ المتن وسؤالي هو كيف لي أن أستفيد من المتن وشرحه في قراءتي لكتب الحديث أو مثلاً تفسير ابن كثير حتى أستطيع أن أحكم على الحديث من حيث القبول أو الرد وهل صحيح أن من فهم متن النخبة جيداً ذلك يغنيه عن الكثير في هذا الفن خاصةً لمن لن يتخصص في علم الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بدراسة متن (نخبة الفكر) للحافظ ابن حجر، فإنه من أفضل المختصرات في علم المصطلح للمبتدئين، وإذا أتقنته وفهمته فإنك تستطيع أن تفهم مصطلح القوم إذا مر بك عند قراءتك في كتب التفسير وشروح الأحاديث وغيرها، واعلم أن متن (النخبة) يكفي طالب العلم المبتدئ ولكنه لا يغني عن غيره من الكتب لمن أراد التخصص.
واعلم كذلك أن دراسة كتب المصطلح نظرياً ليست كافية لوحدها للحكم على الأحاديث من حيث القبول أو الرد، لأن ذلك يحتاج إلى دراسة علوم أخرى مثل علم العلل وعلم التخريج عملياً، وهذا إنما يكون للمتخصصين في علم الحديث رواية، ولمزيد فائدة انظر الفتويين: 51291، 6167.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1426(3/409)
معنى: رواه الثلاثة أو رواه الخمسة أو رواه الستة..
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود برواه الثلاثة أو رواه الخمسة أو رواه الستة أو رواه السبعة، وهل هؤلاء فقط هم رواة الأحاديث ومن هم؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه كان الأفضل للسائل أن يذكر لنا الكتب التي تذكر هذه المصطلحات، وبما أن ذلك لم يحصل فسنحاول إيضاح هذه المصطلحات في بعض كتب أهل العلم المشهورة، فإن من أشهر الكتب التي تذكر هذه الاصطلاحات كتاب منتقى الأخبار للجد ابن تيمية، وبلوغ المرام لابن حجر، والجامع الصغير للسيوطي.
فأما ابن تيمية الجد فإنه يرمز برواه الخمسة لما رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وإذا أضيف إليهم الصحيحان رمز لهم برواه الجماعة، وذكر الشوكاني في النيل وابن حجر في التلخيص أن المحب الطبري يرمز لهم بالسبعة.
وأما ابن حجر فإنه يرمز في البلوغ بالسبعة ويقصد بها ما في مسند الإمام أحمد والصحيحين وكتب السنن الأربعة.. أعني سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ويرمز بالستة لهؤلاء باستثناء مسند أحمد، ويرمز بالخمسة لكتب السنن والمسند، وبالثلاثة لسنن أبي داود والترمذي والنسائي.
وأما السيوطي فإنه يرمز في الجامع الصغير برمز 3 لما رواه أبو داود والنسائي والترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1426(3/410)
الصحابة المكثرون في رواية الحديث النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الصحابة الستة الأكثر رواية للحديث النبوي، كم مرة وردت كلمة الملائكة في القرآن، كم مرة وردت كلمة الشياطين في القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أكثر من روى عنه الحديث، وهؤلاء هم: أبو هريرة، عبد الرحمن بن صخر الدوسي المتوفي سنة 58 أو 59 بالمدينة، وعبد الله بن عباس المتوفي سنة 68 بالطائف، وأنس بن مالك الأنصاري المتوفى سنة 90 بالبصرة، وأم المؤمنين عائشة توفيت سنة 58 بالمدينة، وجابر بن عبد الله الأنصاري المتوفى سنة: 78 بالمدينة، وعبد الله بن عمر العدوي القرشي المتوفى سنة 84 بالمدينة.
وزاد بعضهم أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري المتوفي سنة 74 بالمدينة، قال بعضهم:
والمكثرون في رواية الخبر * أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري * وجابر وزوجة النبي
وأما كلمة الملائكة فقد وردت في القرآن الكريم تسعا وعشرين مرة، وأما كلمة الشياطين فقد وردت أربع عشرة مرة، وبإمكانك أن تطلع على أرقام الآيات والسور والأجزاء التي وردت فيها في موقع البحث في القرآن الكريم على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(3/411)
طرق تحمل الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل: ما هي طرق حمل الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر علماء المصطلح في كلامهم على تحمل الحديث ثماني طرق لتحمل الحديث، فذكروا سماع الطالب من الشيخ، ثم القراءة على الشيخ الحافظ أو الناظر في كتابه المصحح، والإجازة وهي أن يجيز الشيخ للطالب رواية كتاب أو كتب عنه وهي أنواع، والمناولة وهي أن يناوله كتابا ويأذن له في روايته أو لا يأذن، والمكاتبة وهي أن يرسل له رسالة، وإعلام الشيخ الطالب بشيء من مروياته، ووصية الشيخ للطالب بكتاب، والوجادة، وهذه الأقسام الثمانية تكلم عليها أهل المصطلح وذكروا ضوابطها وشروطها والخلاف فيها، فراجع فيها شروح ألفية العراقي والسيوطي، وطلعة الأنوار، ومقدمة ابن الصلاح، وتدريب الراوي.
وراجع الفتاوى التالية: 28415 - 38740 - 49770 - 51291
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(3/412)
رواية الحديث النبوي بالمعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يروي الإنسان الحديث النبوي ويغير في بعض ألفاظه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز عند جمهور العلماء رواية الحديث بالمعنى لمن يعرف اللغة ويأمن من اللحن وتغيير المعاني، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 34181 والفتوى رقم: 21219.
وننبه إلى أن ظاهر كلام أهل العلم هو أن الألفاظ المتعبد بها كالأذكار والأدعية المأثورة لا تجوز روايتها بالمعنى بالاتفاق، وألحق بها بعضهم أحاديث جوامع الكلم.
قال الناظم:
راوي أحاديث جوامع الكلم * أو التعبد بمعناها أثم
في الغير للداري بمدلولات * الألفاظ أن يروي بالمعناة
ولا شك أن الأولى عدم تعمد تغيير الألفاظ النبوية لغير حاجة لأن كلامه صلى الله عليه وسلم هو أفصح الكلام البشري، فلا يعدل عنه لغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(3/413)
الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والمصنفات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والمصنفات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحاح تمتاز بعناية مؤلفيها بجمع صحيح الحديث وترك ضعيفه وترتيب الحديث حسب الموضوعات، كما عمل البخاري ومسلم.
وأما كتب السنن فإنها اعتنت بجمع الأحاديث حسب الموضوعات، ولم يلتزم مؤلفوها بالاقتصار على الأحاديث الثابتة، بل أدخلوا فيها بعض الأحاديث الضعيفة، كما عمل الترمذي وأبو داود.
وأما المسانيد فإنها تمتاز بأن أصحابها جمعوا مسند كل صحابي على حدة من دون اعتبار لحال الحديث صحة وضعفاً ومن غير ترتيب موضوعي، كما عمل الإمام أحمد والحميدي.
وأما المعاجم فإنها تمتاز بجمع المؤلفين أحاديث رووها حسب ترتيب الصحابة أو شيوخهم، حيث يأتي المؤلف بمرويات كل شيخ أو صحابي وحده من دون عناية بالموضوعات ولا اعتبار للصحة مثل ما عمل الطبراني في الأوسط، فقد جمعه حسب شيوخه، وفي الكبير فقد ذكر ما تيسر له عن كل صحابي.
وأما المصنفات فإنها تمتاز بجمع الأحاديث حسب الموضوعات مع إضافة الآثار المروية عن السلف في ذلك الموضوع دون التزام بالصحة، فاجتمع فيها المرفوع الصحيح وغيره مع الموقوف والمقطوع، كما عمل عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1426(3/414)
روايات مصنف عبد الرزاق
[السُّؤَالُ]
ـ[يقع كثيرا في مصنف عبد الرازق نحو هذا: عبد الرزاق ثنا معمر ثنا...... وفي البعض يكون الراوي هو عبد الرزاق نفسه فيقول: حثنا معمر ثنا.... فمن هذا الذي يروي عن عبد الرزاق هذه الروايات المدرجة في مصنفه وهل هو ثقة حيث أشك أنه إسحاق بن إبراهيم الدبري أو إبراهيم بن إسحاق الدبري وهو يروي كثيرا
من المنكرات عن عبد الرزاق وقال البعض إنه سمعها عنه وهو ابن سبع سنين! أرجو الإفادة؟ بارك الله فيكم وفي أهليكم آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتب السنة المشهورة وصلت إلينا عن طريق الرواية، وقد يكون للكتاب أكثر من رواية إلى مصنفه وأحياناً ما يكرر راوي الكتاب اسم المصنف عند بداية كل إسناد كما فعل القطيعي في مسند الإمام أحمد فتراه يقول كثيرا في أول كل إسناد حدثنا عبد الله قال حدثني أبي ... ثم يذكر الإسناد.
وبالرجوع لنسخة المصنف لعبد الرزاق يتبين أنه عند كل إسناد (حديث) يبدأ بذكر شيخ عبد الرزاق مباشرة كمعمر وسفيان الثوري وغيرهما، وقلما يعيد ذكر عبد الرزاق وهذه النسخة المطبوعة من المصنف لعبد الرزاق ملفقة من عدة روايات:
1- رواية محمد بن علي النجار الصنعاني عن عبد الرزاق روى عنه كتاب الصلاة والبدع.
2- رواية إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري عن عبد الرزاق روى عنه كتاب النكاح وغيره.
3- رواية محمد بن يوسف الحذاقي عن عبد الرزاق روى عنه كتاب أهل الكتابية وغيره، وقد أشار إلى هذه الروايات ابن خير الأشبيلي في (فهرسته) .
أما بالنسبة لصحة روايات إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري فهي معتبرة عند أكثر المحدثين ما لم تخالف روايات الثقات، وأما سماعه لها في الصغر فيجعلها أشبه بالوجادة بل هي أقوى منها، والوجادة مقبولة عند بعض المتقدمين وعامة المتأخرين، وقد قطع بعض المحققين الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة بروايتها.
قال السيوطي: وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه غيره في هذه الأزمان قال ابن الصلاح فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شروطها. انتهى.
وقال ابن خير الأشبيلي في الفهرسة: إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري وكان يستصغر في عبد الرزاق وكان العقيلي يصحح روايته عن عبد الرزاق وأدخله في كتاب صحيح الحديث الذي ألف، توفي في المحرم سنة 286 وقرأت بخط الحكم أمير المؤمنين: نا أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن المشاط، نا أبو عثمان سعيد بن عثمان الأعناقي قال: رحل ابن السكري محمد بن عبد الله إلى صنعاء اليمن فامتحن أصحاب عبد الرزاق من بقي منهم، فألفى أبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري أفضلهم، فسأله عن مصنف عبد الرزاق كيف رواه. فقال كان أبي إبراهيم بن عباد القارئ للديوان على عبد الرزاق وحضرت السماع حتى انقضى، وكان إذا مضى حديث يستحسن أصحاب الحديث إسناده قالوا له: يا أبا بكر، حدثنا فكان يقرؤه لنا وكان أبي يعلم على ذلك الحديث، فقال له السكري أقرأه يا أبا يعقوب، فقرأه عليهم فلم يرد عليه السكري شيئا من تصحيف ولا غيره إنما أسمع حتى فرغ بقراءته، فقال له السكري يا أبا يعقوب لا تقرئ هذا المصنف لأحد إلا كما قرأته لنا، ولا تقبل تلقين أحد، فما كان مقيد اقرأه كما كان، وما لم يكن مقيدا قرأه كما بقي، وقال السكري: إذا استفتحت الكتاب فقل: قرأنا على عبد الرزاق وإذا جاء الحديث الذي حدثكم به وقرأه فقل: نا عبد الرزاق. انتهى.
أما الأحاديث التي خالف فيها الدبري الثقات فقليلة جداً، تصحفت عليه ونبه عليها أهل العلم وجمعها أبو عبد الله بن مفرج القرطبي في رسالة سماها: إصلاح الحروف التي كان إسحاق بن إبراهيم الدبري يصحفها في مصنف عبد الرزاق.
وأما سبب اشتهار رواية الدبري عن غيرها من روايات المصنف الكثيرة فهو حرص الرواة على علو الإسناد لأن الدبري عمر طويلاً بعد موت عبد الرزاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1426(3/415)
اشتراط ثبوت اللقاء والتصريح بالسماع
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير بن مرة الحضرمي ثقة كبير الشأن وهم البعض فجعله من الصحابة وقال البعض مخضرم ونسبوه للطبقة الثانية بلا جدال وهو موثق أدرك سبعين من البدريين وروى عنهم. والسؤال: هل تصح روايته عن عائشة؟ فهو روى عن معاذ بن جبل وأبى الدرداء وغيرهم ممن ماتوا سراعا. وهل لكي تصح رواية الراوى عمن قبله يجب أن نثبت أنه لقيه وصرح بالسماع ولا يكتفي بتوثيقه وقدم عمره ولقياه للعديد من البدريين وممن ماتوا سريعا؟ مع الإشارة لرأي الإمام مسلم ورده علي البخاري رحمهما الله ورأي ابن حزم مع أيهما؟ ولو سنح لكم الوقت زدتم آراء آخرين بارك الله لكم ورزقكم من حيث لا تحتسبون آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثير بن مرة ثقة روى عن كبار الصحابة ممن تأخرت وفاتهم كمعاذ، وعاصر عائشة رضي الله عنها ولم يصفه أحد بالتدليس، فروايته عنها صحيحة، فقد ذكر روايته عن عائشة عبد بن حميد في مسنده، وكذلك هو مذكور في كتب المراسيل، كجماع التحصيل للعلائي، وكتاب رواة المراسيل للحافظ العراقي، ولم ينصا على أن روايته عن عائشة مرسلة، والمشهور عند جمهور المحدثين أن من هذه حاله حملت روايته على السماع، لأنه يشترط عندهم المعاصرة، وإمكانية السماع وعدم التدليس.
أما رواية الراوي بلفظ يحتمل السماع مثل (عن) عمن عاصره مع إمكانية سماعه منه فصحيحة ما دام الراوي لم يعرف بالتدليس.
قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: ذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً وجائز وممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً، فأما والأمر مبهم، على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا.
ويقول في موطن آخر: وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس، فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعم من حكينا قوله فما سمعنا ذلك عن أحد ممن سمينا ولم نُسِّم من الأئمة. اهـ
وننبه السائل الكريم إلى أن كلام الإمام مسلم في مقدمة صحيحه لم يكن رداً على الإمام البخاري، وإنما قال مسلم إن أحد الجهلة الخاملي الذكر قد عرض لشروط قبول الحديث المعنعن مضيفاً شرطاً زائداً عما عليه أهل الحديث قاطبة، ثم بين أن قوله مبتدع مخالف للإجماع، وكذلك لا يوجد للإمام البخاري نص صريح في اشتراط ما يدل على اللقاء والسماع كما ذكر ابن رشيد البستي في كتابه السنن الأبين، بل حكى ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي أن مذهب البخاري أنه تكفي المعاصرة مع احتمال اللقاء، وأول من حكى هذا المذهب عن الإمام البخاري القاضي عياض ثم أخذه عنه كل من جاء بعده. ولمزيد فائدة لهذا البحث راجع كتاب (إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين) . وكتاب (موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنن بين المتعاصرين) وهو رسالة ماجستير.
أما أبو محمد بن حزم رحمه الله فلم نقف له على نص في هذا الموضوع، ولكن المتتبع لتصحيحاته في المحلى يعلم أنه على مذهب الجمهور في عدم اشتراط اللقاء والسماع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(3/416)
حكم قول المحدث حدثني الثقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماصحة رواية محدث يبهم رجال السند يقول حدثنى الثقة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بحث الشوكاني هذه المسألة في إرشاد الفحول، فأجاد وأفاد قال رحمه الله: اختلف أهل العلم في تعديل المبهم كقولهم: حدثني الثقة أو حدثني العدل، فذهب جماعة إلى عدم قبوله ومنهم، أبو بكر القفال الشاشي والخطيب البغدادي والصيرفي والقاضي أبو الطيب الطبري والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والماوردي والروياني. وقال أبو حنيفة يقبل، والأول أرجح لأنه وإن كان عدلاً عنده فربما لو سماه كان مجروحاً عند غيره. قال الخطيب لو صرح بأن جميع شيوخه ثقات ثم روى عمن لم يسمه لم نعمل بروايته لجواز أن نعرفه إذا ذكره بخلاف العدالة، قال نعم لو قال العالم كل ما أروي عنه وأسميه فهو عدل رضى مقبول الحديث كان هذا القول تعديلاً لكل من روى عنه وسماه كما سبق.
ومن هذا قول الشافعي في مواضع كثيرة: حدثني الثقة، وكذا كان يقول مالك. وهذا إذا لم يعرف من لم يسمه، أما إذا عرف بقرينة حال أو مقال كان كالتصريح باسمه فينظر فيه.
قال أبو حاتم: إذا قال الشافعي أخبرني الثقة عن ابن أبي ذئب فهو ابن أبي فديك، وإذا قال أخبرني الثقة عن الوليد بن كثير فهو عمرو بن أبي سلمة، وإذا قال أخبرني الثقة عن ابن جريح فهو مسلم بن خالد الزنجي، وإذا قال أخبرني الثقة عن صالح مولى التوأمة فهو إبراهيم بن أبي يحى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1425(3/417)
ترجمة (الحجاج بن دينار) و (حجاج بن فضيل)
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونا رحمكم الله بأقوال علماء الجرح والتعديل في هذين الراويين مع عدم الاكتفاء بقول ابن حجر في التقريب، الأول (الحجاج بن دينار) الثاني (حجاج بن فضيل) ؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحجاج بن دينار السلمي الواسطي وثقه أكثر أهل العلم، فقد نقل ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل عن ابن المبارك قوله عنه: ثقة، وقال عنه الإمام أحمد: ليس به بأس، وقال عنه يحيى بن معين: صدوق ليس به بأس، وقال عنه أبو زرعة: لا بأس به مستقيم الحديث.
وأما حجاج بن فضيل فلم نقف له على ترجمة أو ذكر فيما اطلعنا عليه من كتب الرجال إلا ما ذكره الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة حيث قال عند ذكره في الترجمة: أربعة وثمانين ومائة: ما ملخصه.... قلت هذا خطأ نشأ عن تصحيف وبيان ذلك أن أحمد قال: حدثنا أبو معاوية ثنا حجاج عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان ينام مستلقيا حتى ينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ. حدثنا إسماعيل بن محمد ثنا يحيى بن زكريا ثنا حجاج عن فضيل عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ... فذكر الحديث فحجاج هذا هو ابن أرطاة لا شك فيه، وفضيل هو ابن عمرو الفقيمي فتصحفت عن فضيل فصارت ابن فضيل ... وعلى هذا فحجاج بن فضيل غير موجود وإنما هو تصحيف لحجاج عن فضيل.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(3/418)
ثبوت التدليس عن الحسن البصري مع إمامته وورعه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان الحسن البصري مدلسا للحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحسن البصري كان يدلس فعلاً، ويرسل كما نص عليه غير واحد من أهل العلم منهم أبو الوفاء في التبيين لأسماء المدلسين، وذكر ابن حجر في طبقات المدلسين أنه وصفه بتدليس الإسناد النسائي وغيره، ووصفه به كذلك ابن حبان في الثقات.
ولكنه كان عالماً ورعاً، فالمظنون به أنه لا يحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بما تأكد من ثبوته، وعده ابن حجر في الطبقات في المرتبة الثانية، وذكر أن هذه الطبقة احتمل الأئمة تدليسها، وأخرجوا لها في الصحيح لإمامتها لكون بعضها قليل التدليس، وكون بعضها لا يدلس إلا عن ثقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(3/419)
التثبت فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر لازم
[السُّؤَالُ]
ـ[بعثت لكم من فترة وجيزة عدداًمن الأحاديث للتأكد من صحتها أنها رويت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد التأكد من أن معظمها ليست أحاديث واردة عن الرسول بل هي مدسوسة وكاذبة، فإن طلبي منكم ليس فتوى أو استشارة بل أرجو منكم رجاء شديد فالأمر ليس بالهين، وذلك بالنظر إلى الجهل الشديد الذي نعيش فيه حالياً، أرجوكم بالإضافة إلى جهودكم في هذا الموقع والذي أسأل الله أن يثيبكم عليه خير الثواب أطلب منكم تخصيص فقرة في موقعكم هذا تحضون فيه الناس على التأكد من الأحاديث التي يتداولونها وذلك بأسلوبكم المرغب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التحري فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتأكد من ثبوته أمر متعين، فلا يحق للإنسان أن يعزو إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل ما يتداوله الناس ويزعمون أنه حديث نبوي من قبل التأكد من ثبوته، بل ينبغي أن يعتمد على المراجع الموثوق بها، وعلى تحقيقات أهل العلم، فإن علم صحته أو حسنه احتج به، وإن علم ضعفه تحرى في الاحتجاج به الشروط التي ذكرها أهل العلم في الاحتجاج بالضعيف، وأما الموضوع فإنه لا يذكر إلا مع بيان وضعه، وعلى من لا يميز بين الصحيح والسقيم أن يبتعد عن مطالعة الكتب التي تشتمل على الأحاديث الموضوعة، وقد سبق الكلام على هذا الموضوع بالتفصيل في الفتاوى التالية أرقامها: 41058، 13202، 11828، 19826، 41661، 18330، 16192، 38849، 45458، 50652، 19651.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1425(3/420)
من أسباب اختلاف الصحابة في بعض الروايات
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الاستفسار عن معنى الاختلاف في متن الحديث الواحد من سند لآخر, ويكون كلاهما يؤخذ به؟
فمثلا الحديث الذي يذكر السنن المؤكدة على أنها اثنتا عشرة ركعة، وهناك حديث آخر يقول إنها عشرة وكلاهما صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيرجع اختلاف ألفاظ الحديث إلى أمور:
منها: أن يحدث كل صحابي بما رآه من حال النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن ينسى الراوي بعض ألفاظ الحديث فيحدث الاختلاف زيادة ونقصاً إلى غير ذلك مما ذكره علماء مصطلح الحديث، ولا يمكن الجواب عن كل حديثين بينهما اختلاف بجواب واحد، لأن ذلك يتوقف على القرائن ككثرة الرواة والمتابعات والشواهد وغير ذلك من جمع أو ترجيح.
وأما بشأن حديث السنن المؤكدة فيقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال الداودي وقع في حديث ابن عمر أن قبل الظهر ركعتين، وفي حديث عائشة أربعاً وهو محمول على أن كل واحد منهما وصف ما رأى، قال ويحتمل أن يكون نسي ابن عمر ركعتين من الأربع، قلت هذا الاحتمال بعيد، والأولى أن يحمل على حالين فكان تارة يصلي ثنتين وتارة يصلي أربعاً، وقيل هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين، وفي بيته يصلي أربعاً.... ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(3/421)
المقصود بالحديث المتفق عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحديث المتفق عليه، هل يجب أن يكون مرويا عن صحابي واحد واتفاق واللفظ والمعنى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المتفق عليه هو ما رواه الشيخان البخاري ومسلم، قال السيوطي رحمه الله في "تدريب الراوي": وإذا قالوا صحيح متفق عليه أو على صحته، فمرادهم اتفاق الشيخين. وقد يكون الحديث المتفق عليه مرويا من طريق صحابي واحد، وقد يكون من طريق اثنين، وقد يكون من طريق جماعة من الصحابة، وليس معنى متفق عليه أن الرواة اتفقوا في لفظ الحديث ومعناه، فقد يكون الحديث ورد بألفاظ مختلفة.
الحاصل أن الحديث الذي يقال له متفق عليه، هو ما رواه الإمامان البخاري ومسلم، وأخرجاه في كتابيهما، سواء اتفقا على لفظه أو اختلفا فيه، المهم هو الاتفاق في المعنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(3/422)
أبوهريرةهوأكثرالصحابة رواية للحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[من أكثر من روى الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأكثر الصحابة رواية للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو هريرة رضي الله عنه، وقد تقدم ذكر المكثرين من الرواية من الصحابة في الفتوى رقم:
38338
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(3/423)
سبب تضعيف حديث "إن من شر الناس منزلة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة سبب تضعيف بعض العلماء لحديث في صحيح مسلم الذي في معناه إن شر الناس يوم القيامة الرجل يفضي إلى زوجته فينشر سرها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان: البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول.
قال الحافظ ابن الصلاح: جميع ما حكم مسلم -رحمه الله- بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه.
ويستثنى من هذا أحاديث قليلة انتقدها بعض النقاد من المحدثين.
قال ابن الصلاح: ما انفرد به البخاري ومسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول، سوى أحرف يسيرة حكم عليها بعض أهل النقد كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن.
ويدخل فيها الحديث المذكور: إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها.
ففي إسناده: عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف. قال الذهبي في الميزان بعد أن ساق له هذا الحديث: هذا مما استُنكر لعمر.
وتعقب ابن القطان عبد الحق الإشبيلي في "بيان الوهم والإيهام" بقوله: سكت عنه، وهو حديث إنما يرويه عند مسلم عمر بن حمزة العمري عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي سعيد، وعمر بن حمزة ضعفه ابن معين، وقال: إنه أضعف من عمر بن محمد بن زيد، وهذا تفضيل لعمر بن محمد بن زيد عليه فإنه ثقة -أعني عمر بن محمد-، فهو في الحقيقة تفضيل أحد ثقتين على الآخر، وأما ابن حنبل فقال: أحاديثه مناكير فالحديث به حسن
وتعجب الألباني من تحسين ابن القطان له في آداب الزفاف، وقال: ولا أدري كيف حكم بحسنه مع التضعيف الذي حكاه هو بنفسه، فلعله أخذته هيبة الصحيح.
وننبه على أن هناك أحاديث تشهد لهذا الحديث بقبح الفعل المذكور، وذم من يفعله، إلا أنه ليس فيها أن من يفعل ذلك يكون "من شر الناس منزلة يوم القيامة".
من هذه الأحاديث ما رواه البزار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق باباً ثم يرخي ستراً، ثم يقضي حاجته، ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك، ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها، وترخي سترها، فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها.
فقالت امرأة سفعاء الخدين: والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون.
قال: فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق فقضى حاجته منها ثم انصرف وتركها. وحسنه الألباني.
ومنها ما رواه الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال: هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره ثم يخرج فيحدث فيقول: فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا؟ فسكتوا، فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت ليراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع كلامها، فقالت: أي والله، وإنهم يتحدثون وإنهن ليتحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل من فعل ذلك، إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1424(3/424)
حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز أنا مدينة العلم وعلي بابها، هل هذا حديث صحيح أم موضوع؟
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فيقول العجلوني في كشف الخفاء عن هذا الحديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها. رواه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير، وأبو الشيخ في السنة وغيرهم كلهم عن ابن عباس مرفوعا مع زيادة: فمن أتى العلم فليأت الباب. ورواه الترمذي وأبو نعيم وغيرهم عن علي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها. وهذا حديث مضطرب غير ثابت كما قاله الدارقطني في العلل، وقال الترمذي: منكر، وقال البخاري ليس له وجه صحيح، ونقل الخطيب البغدادي عن يحيى بن معين أنه قال إنه كذب لا أصل له، وقال الحاكم في الحديث الأول إنه صحيح الإسناد، لكن ذكره ابن الجوزي بوجهيه في الموضوعات، ووافقه الذهبي وغيره، وقال أبو زرعة كم خلق افتضحوا فيه، وقال أبو حاتم ويحيى بن سعد: لا أصل له، لكن قال في الدرر نقلا عن أبي سعيد العلائي: الصواب أنه حسن باعتبار تعدد طرقه، لا صحيح ولا ضعيف فضلا أن يكون موضوعا، وكذا قال الحافظ ابن حجر في فتوى له، قال: وبسطت كلامهما في التعقبات على الموضوعات. انتهى. وقال في اللآلي بعد كلام طويل: والحاصل أن الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتج به. انتهى. وقال في شرح الهمزية لابن حجر المكي عند قولهما: كم أبانت عن علوم، أنه حسن، خلافا لمن زعم ضعفه. انتهى. وقال في الفتاوى الحديثية: رواه جماعة وصححه الحاكم وحسنه الحافظان العلائي وابن حجر.انتهى. وقال ابن دقيق العيد: لم يثبتوه، وقيل إنه باطل، وهو مشعر بتوقفه في ما قالوه من الوضع، بل صرح العلائي بذلك فقال: وعندي فيه نظر. ثم بين ما يشهد لكن أبا معاوية حدث به عن ابن عباس وهو ثقة حافظ يحتج بإفراده كابن عيينة وأضرابه، قال: فمن حكم على الحديث مع ذلك بالكذب فقد أخطأ، وليس هو من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول، بل هو كحديث: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.، فليس الحديث بكذب، لا سيما وقد أخرج الديلمي بسند ضعيف جدا عن ابن عمر أنه قال: علي بن أبي طالب: باب حطة، فمن دخل فيه كان مؤمنا، ومن خرج منه كان كافرا.، وأخرجه أيضا عن أبي ذر رفعه بلفظ علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبه إيمان وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة. ورواه أيضا عن ابن عباس رفعه: أنا ميزان العلم وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها. وروي أيضا عن أنس مرفوعا: أنا مدينة العلم وعلي بابها ومعاوية حلقتها. قال في المقاصد: وبالجملة، فكلها ضعيفة وألفاظ أكثرها ركيكة، وأحسنها حديث ابن عباس بل هو حسن. انتهى. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1424(3/425)
مسائل في مصطلح الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث غريب؟ وما هي أصناف الحديث؟ وأيهم يأخذ به وأيهم لا؟
جزاكم الله كل الخير وجعلها في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغريب معناه المنفرد، فهو مشتق من الغربة التي هي الانفراد، سمي بذلك لانفراد راويه عن غيره.
وفي اصطلاح المحدثين: هو الحديث الذي انفرد به راوٍ واحد فقط.
والحديث الغريب تتناوله أحكام الحديث كلها، فمنه ما هو في أعلى درجات الصحة كحديث: إنما الأعمال بالنيات ...
وحديث: السفر قطعة من العذاب ...
ومنه ما هو حسن، وهو كثير في جامع الترمذي.
ومنه ما هو ضعيف، وهو الغالب على الغرائب، ولهذا نقل عن كثير من المحدثين أنهم كانوا يقولون: لا تكتبوا الغرائب، فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء.
وفي هذا النوع يقول الإمام مالك: شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي رواه الناس. انتهى ملخصاً من شرح طلعة الأنوار في مصطلح الحديث، وفيه فوائد كثيرة وتفاصيل جزئية لا يتسع المقام لذكرها وبإمكانك الرجوع إليها في الشرح المذكور أو في غيره.
وأما أقسام الحديث أو أصنافه من حيث القبول والرد فهي اثنان:
- صحيح.
- ضعيف.
فالصحيح يجب العمل به، ويصح به الاحتجاج والاستدلال.
وأما الضعيف فلا يعمل به، ولا يحتج به على الراجح من أقوال أهل العلم.
وينقسم الصحيح إلى: متواتر، ومشهور، وآحاد، ومن جهة أخرى إلى: صحيح، وحسن ...
وينقسم الضعيف إلى أقسام كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، ومنها: الموضوع، ولا تجوز روايته وذكره إلا للتحذير منه.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 11828.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1424(3/426)
إيضاحات حول علم الجرح والتعديل والكتب المؤلفة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ألف أحد من العلماء المعاصرين كتابا في الجرح والتعديل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا المراد بعلم الجرح والتعديل في الفتوى رقم: 6167.
فإن كان مراد السائل تأليف كتاب معاصر في الجرح والتعديل على نسق كتب المتقدمين ككتاب (التاريخ الكبير) وكتاب (الضعفاء) للبخاري، و (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم، و (الكامل) لابن عدي.. ونحو ذلك، فهذا لا يتسنى للمعاصرين مثله!! وقد سبق أن بينا أن هذا العلم لا يقوم به إلا الجهابذة من علماء الحديث الذين خبروا الرواة ومروياتهم من أمثال البخاري، وابن المديني، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وابن عدي وابن معين. وأن كل من تكلم في هذا العلم من علماء العصر لا بد له من أن يعتمد على أقوال هؤلاء ويستضيء بحكمهم على الرواة، وإلا لم يسلم من الخطأ.
فليس أحد منهم مجتهداً وإنما هو ناقل، وغاية أمره أن يجمع أقوالهم ويتخير منها أو يرجح بينها عند الخلاف، وراجع في ذلك الفتويين: 29801، 51204.
كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 18051. صفة من له الحق في الجرح والتعديل والشروط الواجب توافرها فيه، ومنها: الخبرة الكاملة بالحديث وعِلله ورجاله. وكيف يتسنى ذلك لمن فاته عصر الرواية والإسناد؟! وانظر للفائدة الفتوى رقم: 39014.
وأما إن كان مراد السائل بهذه المؤلفات جمع أبحاث في مسائل مخصوصة في علم الجرح والتعديل وشرح مصطلحاته، أو جمع ما يتعلق براو معين أو عدة رواة، أو تبيين منهج إمام معين في الجرح والتعديل.. ونحو ذلك، فهذا فيه مؤلفات ورسائل علمية كثيرة جدا لا يأتي عليها الحصر، مثل كتاب ضوابط الجرح والتعديل للدكتورعبد العزيز بن محمد العبد اللطيف. وكتاب جرح الرواة وتعديلهم، الأسس والضوابط. للدكتور محمود عيدان الدليمي. وكتاب عناية العلماء بالإسناد وعلم الجرح والتعديل وأثر ذلك في حفظ السنة النبوية. للدكتور صالح بن حامد الرفاعي. وكتاب: اختلاف أقوال النقاد في الرواة المختلف فيهم. للأستاذ الدكتور سعدي مهدي الهاشمي.
وأما إن كان مراد السائل: الكتب التي عنيت بجرح المنسوبين للعلم بيانا ونصحا للأمة، فهذه أيضا كثيرة جدا، ككتاب: التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل. للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني.
وينبغي أن ننبه على أن مثل هذه الكتب منها الحق ومنها الباطل ومنها ما بين ذلك، كما ننبه على أن عنوان الجرح والتعديل قد اتخذ في بعض الأحيان مطية للطعن في الدعاة وأهل العلم بالباطل، ولقد تصدى للرد على أصحاب هذه الطريقة طائفة من أهل العلم المعاصرين كالشيخ عبد العزيز بن باز، وانظر الفتوى رقم: 18788. وكذلك الشيخ بكر أبوزيد في كتاب: تصنيف الناس بين الظن واليقين. والشيخ محمد إسماعيل في كتاب: الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 70367، 99273، 103867، 56482.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1430(3/427)
حكم قبول رواية التائب من الفسق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رواية التائب من الفسق (الحديث) إذا كان ممكنا مع ذكر المراجع؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص بعض أهل العلم على أن رواية الفاسق لا ترد مطلقا ولا تقبل مطلقا، بل يتثبت فيها كما أمر بذلك القرآن في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات 6]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " الجواب الصحيح " معلقا على هذه الآية: (فأمر بالتبين والتثبت إذا أخبر الفاسق بخبر ولم يأمر بتكذيبه بمجرد إخباره لأنه قد يصدق أحيانا فلما أمر سبحانه بالتبين والتثبت في خبر الفاسق دل ذلك على أنه لا يجوز تصديقه بمجرد إخباره إذ كان فاسقا قد يكذب ولايجوز أيضا تكذيبه قبل أن يعرف أنه قد كذب وإن كان فاسقا لأن الفاسق قد يصدق) اهـ.
وقال ابن القيم في كتابه " مدارج السالكين " معلقا على هذه الآية أيضا: (وههنا فائدة لطيفة. وهي أنه سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق وتكذيبه ورد شهادته جملة، وإنما أمر بالتبين. فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه عمل بدليل الصدق ولو أخبر به من أخبر. فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثير منهم يتحرى الصدق غاية التحري. وفسقه من جهات أخر، فمثل هذا لا يرد خبره ولا شهادته. ولو ردت شهادة مثل هذا وروايته لتعطلت أكثر الحقوق، وبطل كثير من الأخبار الصحيحة، ولا سيما من فسقه من جهة الاعتقاد والرأي، وهو متحر للصدق. فهذا لا يرد خبره ولا شهادته، وأما من فسقه من جهة الكذب: فإن كثر منه وتكرر، بحيث يغلب كذبه على صدقه، فهذا لا يقبل خبره ولا شهادته) اهـ.
وهذا كله في الفاسق الذي لم يتب أما إذا علمت توبته وظهرت عليه علامتها ولم يقم به مانع آخر من موانع قبول الرواية كسوء الحفظ مثلا، فإن قبول خبره متعين لتحقق التخلص من تهمة الذنب بالتوبة، فظواهر نصوص الشرع طافحة بقبول التوبة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا وقد نص أهل العلم على أن العبرة في عدالة الراوي هي بما عليه حاله وقت الأداء قال بعضهم:
وزمن الأداء لا التحمل * صح اعتباره لمقتضى جلي
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(3/428)
سلوك العلماء لدى تعارض الجرح والتعديل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اختلف العلماء في راو من الرواة فهل نعتمد على قول من ضعفه أو من وثقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإذا تعارض الجرح والتعديل ولم يمكن الجمع بينهما فللعلماء في ذلك أربعة أقوال: قول بتقديم الجرح، وقول بتقديم التعديل، وقول بتقديم الأكثر من المعدلين والجارحين، وقول بأنه لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بمرجح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة تسمى عند العلماء بتعارض الجرح والتعديل، فإذا تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما فللعلماء في ذلك أربعة أقوال:
القول الأول: أن الجرح مقدم على التعديل وإن كان المعدلون أكثر من الجارحين وبه قال الجمهور، وقال الرازي والآمدي وابن الصلاح إنه الصحيح، لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل.
القول الثاني: أنه يقدم التعديل على الجرح، لأن الجارح قد يجرح بما ليس في نفس الأمر جارحاً، والمعدل إذا كان عدلاً لا يعدل إلا بعد تحصيل الموجب للقبول، قال الشوكاني: ولا بد من تقييد هذا القول بالجرح المجمل إذ لو كان الجرح مفسراً لم يتم ما علل به من أن الجارح قد يجرح بما ليس في نفس الأمر جارحاً.. إلخ. انتهى.
القول الثالث: أنه يقدم الأكثر من الجارحين والمعدلين.
القول الرابع: أنهما يتعارضان فلا يقدم أحدهما على الآخر إلا بمرجح.
ذكر هذه الأقوال الشوكاني في كتابه (إرشاد الفحول) ثم قال: والحق الحقيق بالقبول أن ذلك محل اجتهاد للمجتهد، وقد قدمنا أن الراجح أنه لا بد من التفسير في الجرح والتعديل، فإذا فسر الجارح ما جرح به والمعدل ما عدل به لم يخف على المجتهد الراجح منهما من المرجوح، وأما على القول بقبول الجرح والتعديل المجملين من عارف فالجرح مقدم على التعديل، لأن الجارح لا يمكن أن يستند في جرحه إلى ظاهر الحال بخلاف المعدل فقد يستند إلى ظاهر الحال.. انتهى المقصود.
ومن أراد المزيد فيمكنه مراجعة هذا الكتاب أو غيره من كتب الأصول أو كتب المصطلح كتدريب الراوي للسيوطي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(3/429)
ضوابط الجرح والتعديل
[السُّؤَالُ]
ـ[قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: السب في اللغة الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيبه، والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشرع الخروج عن الطاعة، وأما معنى الحديث: فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.. ف ما هو وجه الحق المذكور فى شرح الإمام النووي، وهل هذا التلفظ موجود بعلم الجرح أصلاً وهل يصح إذا أخطأ أحد في إصدار فتوى أو مجموعة فتاوى أن يطلق عليه لفظ كلب؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من حق من وُجه إليه السب أو الشتم أن يرد على من سبه أو شتمه، ولا يحق له أن يسب مسلماً أو يشتمه بغير حق شرعي ولو كان ذلك على سبيل الجرح والتعديل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النووي -رحمه الله- يقول إنه لا يجوز سب المسلم بغير حق شرعي، وإن ذلك فسق وخروج عن طاعة الله تعالى، فقد قال: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ {النساء:148} ، فالحق في كلامه رحمه الله هو الرد على من سبك أو شتمك أو ظلمك ... كما قال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} .
وأما ما يتعلق بالجرح والتعديل فإنه لا يجوز للجارح السب ولا الشتم.. ويجب عليه أن يقتصر على ما تحصل به الفائدة من الجرح، ولا يجوز له أن يتعداه إلى غيره من عيوب الراوي أو الشاهد ... فإن ذلك من الغيبة وانتهاك أعراض الناس بغير حق شرعي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح، وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن يكون بينهم عداوة دنيوية، أو تحاسد أو تباغض أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساوئه مظهراً للنصح، وقصده في الباطن القدح في الشخص، فهذا من عمل الشيطان، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، بل يكون الناصح قصده أن يصلح ذلك الشخص، وأن يكفي المسلمين ضرره في دينهم ودنياهم، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه.
وبهذا تعلم أنه لا يجوز إطلاق الألفاظ البذيئة على من أخطأ في فتواه؛ بل الواجب نصحه وإرشاده، فإذا لم يقبل وجب التحذير من فتاواه والاقتصار في جرحه على محل الخطأ منها كما سبق، ومن تعدى وسب المسلم بغير حق فإنه فاسق؛ كما جاء في الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1428(3/430)
شروط الأئمة التسعة في كتبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط الأئمة التسعة في كتبهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تعني بالأئمة التسعة مؤلفي الكتب التسعة التي هي (صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، ومسند أحمد، وموطأ مالك، وسنن الدارمي) فإن هؤلاء جميعاً متفقون على أنه لا يحكم على الحديث بالصحة إلا بشروط هي:
أولاً: اتصال السند.
ثانياً: عدالة الراوي.
ثالثاً: ضبط الراوي.
رابعاً: عدم الشذوذ.
خامساً: عدم العلة.
وقد تميز البخاري ومسلم عن غيرهما باشتراطهما ألا يخرجا في كتابيهما من الحديث إلا ما كان في أعلى درجات الصحة، ومما عرف رواته بالمبالغة في الحفظ والإتقان، واشترط البخاري في السند المعنعن أن يثبت اللقاء ولو مرة بين الراوي والمروي عنه، بينما اكتفى مسلم فيه بثبوت المعاصرة بينهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1428(3/431)
المقصود بالجرح والتعديل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد جزاكم الله خيراً الشرح لي بالتفصيل مع الأمثلة المعاشة لأفهم جيداً مصطلح الحديث الجرح والتعديل كيف يكون ومتى بتفصيل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجرح والتعديل علم يعنى بالرجال الناقلين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم والآثار والأخبار، والنظر في شرائط قبولهم، وأسباب ردهم، فما استوفى من الأسانيد شروط الصحة حكم بقبوله، وما كان فيه سبب أو أكثر من أسباب الرد رد.
مثال الحديث المستوفي لشروط الصحة ما أخرجه البخاري قال: حدثنا مسدد عن يحيى عن سفيان حدثني عبد الله بن دينار، قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالاً فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود، فقال من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاء، قال: هل ظلمتكم من حقكم، قالوا: لا، قال: فذاك فضلي أوتيه من شئت. فمسدد وثقه يحيى بن معين والنسائي وغيرهما، ويحيى قال عنه ابن مهدي لا ترى عيناك مثله -يعني في الضبط والعدالة- وسفيان وثقه مالك وغيره، وعبد الله بن دينار وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما، وابن عمر رضي الله عنه هو من الصحابة ورتبتهم هي أسمى مراتب العدالة والتوثيق.
ومثال الحديث الذي لم يستوف شروط الصحة ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا أبو عبد الرحمن ثنا عبد الله بن عياش عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا. فأبو عبد الرحمن وثقه النسائي وغيره، وعبد الله بن عياش ضعفه أبو داود السجستاني والنسائي. وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وثقه ابن معين وغيره، وأبو هريرة رضي الله عنه هو من الصحابة ورتبتهم هي أسمى مراتب العدالة والتوثيق. فقد رأيت أن في رواة هذا الحديث من لم يوثق، وبالتالي فهو لم يستوف شرط الصحة، ويمكنك أن تراجعي للاستزادة من هذا الفن الكتب المذكورة في الفتوى رقم: 26226.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1428(3/432)
منزلة راوي الأحاديث في الإسلام ومتى يكون ضعيفا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مكانة راوي الأحاديث في الإسلام وما هي أسباب ضعف الراوي ومثال على راوي سرقت كتبه وراوي ابتلي بوراق؟
ولكم جميل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراوي الحديث هو مبلغ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبلغ عن الله تعالى.
وإذا تقرر هذا فلا يخفى عليك بعدُ ماذا تكون مكانة راوي الحديث في الإسلام!!
ويقال عن الراوي إنه ضعيف إذا كان ناقص العدالة أو الضبط،.
والعدالة هي اجتناب المرء جميع الكبائر، وهي الذنوب الكبيرة كالشرب للخمر والزنا والسرقة والكذب ونحوها، وتركه صغائر الذنوب في غالب أحواله، وتجنب الأمور المباحة التي تقدح في المروءة. قال ابن عاصم في تحفته:
والعدل من يجتنب الكبائرا * ويتقي في الغالب الصغائرا
وما أبيح وهو في العيان * يقدح في مروءة الإنسان.
وقال صاحب رد المحتار على الدر المختار: العدل من يجتنب الكبائر كلها، حتى لو ارتكب كبيرة تسقط عدالته، وفي الصغائر العبرة الغلبة أو الإصرار على الصغيرة فتصير كبيرة ... قال في الهامش: لا تقبل شهادة من يجلس مجلس الفجور والمجانة والشرب وإن لم يشرب.
والضبط هو: تيقظ الراوي حين تحمله وفهمه لما سمعه، وحفظه لذلك من وقت التحمل إلى وقت الأداء.
ثم ما طلبته من التمثيل لراو سرقت كتبه فيمكن أن نأخذ له مثالا: عبد الرزاق بن عمر الثقفي أبا بكر الدمشقي، فقد جاء عنه في في تهذيب التهذيب لابن حجر: ... قال النسائي: ليس بثقة، وقال الآجري عن أبي داود: ضعيف الحديث، سرقت كتبه، وكانت في خرج، وكان يتبع حديث الزهري ومن ها هنا وها هنا وليس حديثه بشيء ...
كما يمكن أن نمثل لراو ابتلي بوراق بسفيان بن وكيع بن الجراح أبي محمد، فقد جاء في كتاب المجروحين لأبي حاتم محمد بن حبان البستي قال: ... وكان شيخا فاضلا صدوقا إلا أنه ابتلي بوراق سوء كان يدخل عليه الحديث، وكان يثق به فيجيب فيما يقرأعليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1427(3/433)
الطريق إلى معرفة أحوال رواة الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو: ما هي المسالك التي يتعرف من خلالها على دقة راوي الحديث؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طريق التعرف على ثقة الراوي وقبول روايته وعدم ذلك يرجع فيها إلى كتب التراجم والتواريخ والطبقات والجرح والتعديل، وكتب مصطلح الحديث وشروح متونها.... أو بسؤال أهل العلم من أهل الاختصاص، ومن أهم الكتب في هذا الموضوع (تهذيب الكمال للمزي، وسير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، وطبقات ابن سعد، وطبقات النسائي، والتاريخ الكبير والصغير للإمام البخاري..) ، وللمزيد عن من تقبل روايته ومن لا تقبل نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 11055.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1427(3/434)
نبذة عن بعض رواة الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال في الجرح والتعديل
لماذا لم يرو البخاري ومسلم في صحيحيهما عن آل بيت رسول الله كجعفر الصادق وهل صحيح أن بعض رجال الصحيحين وقع جرحهما أو ليسوا على تمام الضبط والعدالة مثل إسماعيل بن عبد الله أبي أويس بن عبد الله الأصبحي أبو عبد الله المدني. . قال ابن معين فيه: لا يساوي فلسين. هو وأبوه يسرقان الحديث. وهو مخلط يكذب ليس بشئ. . وقد روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. ومجالد بن سعيد الهمداني الكوفي. . قال فيه أحمد: ليس بشيء. . وقال الدارقطني: لا يعتد به. . ونقل البخاري أن ابن مهدي لم يكن يروي عنه. .وروى له مسلم وغيره. عمران بن حطان الدوسي. . قال الدارقطني: متروك الحديث لسوء اعتقاده وخبث مذهبه. . شاعر الخوارج وله قصيدة يمدح فيها ابن ملجم قاتل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. . روى له البخاري وأبو داود والنسائي. .
وهناك أسماء أخرى
أنا أدرك أن هذا ناتج لقصر فهمي وقلة علمي لذا أنا أستعين بالله عن طريقكم لإفادتي بالأدلة الصحيحة.
بارك الله فيكم وأحسن إليكم ونفع بكم المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد روى الشيخان عن جماعة من آل البيت منهم صحابة ك علي وفاطمة وابن عباس وغيرهم, ومنهم تابعون ك علي بن الحسين وابنه محمد الباقر, وقد روى مسلم في الصحيح عن جعفر الصادق وروى عنه البخاري في الأدب المفرد كما قال ابن حجر في لسان الميزان، ثم إن الشيخين لم يرويا عن جميع رجال السلف، فلا عبرة بتركهما للرواية عن شخص ما.
وأما ما ذكرت من الرجال فقد ورد فيهم تكلم من بعض أهل العلم وزكاهم البعض.
فأما إسماعيل فقد قال فيه أحمد: لا بأس به، وذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب عن أبي حاتم أنه كان ثقة, ونقل عن عثمان الدارمي عن ابن معين أنه لا بأس به, وذكر أنه مهما قيل فيه فإنه لا يظن بالشيخين أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح عنه من حديثه الذي شارك فيه الثقات.
وأما عمران بن حطان فقد روي أنه رجع عن مذهب الخوارج، وقد وثقه العجلي وابن حبان, وقال فيه قتادة: لا يتهم في الحديث. ومن المعلوم عن الخوارج عموما أنهم يشتهرون من دون بقية الفرق الخارجة عن منهج الحق بأنهم يتقون الكذب ولو كان لصالح مذهبهم. والعبرة في الحكم بالصحة أو الضعف تكون بما هو معلوم من حال الراوي في موضوعي الصدق والكذب.
وأما مجالد فقد قال فيه البخاري: صدوق, وكذا قال يعقوب بن سفيان, ووثقه النسائي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1427(3/435)
التلقين وسبب تضعيف من يقبله
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد: فما معنى قبول التلقين ولماذا يضعف من يقبله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن حجر في الفتح معنى التلقين عند أهل مصطلح الحديث وسبب تضعيف من يقبله فذكر أن التلقين هو أن يقول الطالب للشيخ قل حدثنا فلان بكذا فيحدث به من غير أن يكون عارفا بحديثه ولا بعدالة الطالب فلا يؤمن أن يكون ذلك الطالب ضابطا لذلك القدر فيدل على تساهل الشيخ فلذلك عابوه على من فعله اهـ
وقال الصنعاني في توضيح الأفكار:
والتلقين في اللغة التفهيم، وفي العرف إلقاء كلام إلى الغير في الحديث أي إسنادا أو متنا وبادر إلى التحديث بذلك ولو مرة وهو أن يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه فلا يقبل لدلالته على مجازفته وعدم تثبته وسقوط الوثوق بالمتصف به.
قال ابن الصلاح في وجه رده وذلك لأنه يخرم الثقة بالراوي وضبطه كما قال شعبة لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ أي النادر وجوده في الرواة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1426(3/436)
مرويات المسعودي قبل اختلاطه
[السُّؤَالُ]
ـ[يعد المسعودي من المختلطين واختلف العلماء في تحديد زمن اختلاطه كما في التقييد والإيضاح وغيره من الكتب فما هو الراجح في ذلك ومتى زمن سماع أسد بن موسى وقرة بن حبيب وزيد بن الحباب منه وكيف أميز مروياته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسعودي اختلط في آخر عمره كما قال ابن سعد وابن نمير، وذكر الإمام أحمد أنه اختلط ببغداد، وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه تغير قبل موته بسنة أو سنتين، وهو قد توفي سنة 160، وقيل بعدها، وعزا المزني والذهبي وابن حجر والحاكم وابن الصلاح إلى يحيى بن معين أن من سمع منه في أيام أبي جعفر فهو صحيح السماع، ومن سمع منه أيام المهدي فليس سماعه بشيء.
ومن المعروف عند المؤرخين أن أبا جعفر توفي سنة ثمان وخمسين، كما قال ابن كثير في البداية والطبري في تاريخه، وقال أبو البركات في الكواكب النيرات والعراقي في التفسير والإيضاح: قال الفلاس سمعت أبا قتيبة يقول: رأيت المسعودي سنة ثلاث وخمسين وكتبت عنه وهو صحيح ثم رأيته سنة سبع وخمسين والذر يدخل في أذنيه.
وبناء على كلام أحمد وابن أبي حاتم وابن معين وأبي قتيبة يعلم أنه اختلط سنة سبع وخمسين كما يفيده كلام أبي قتيبة أو سنة ثمان وخمسين أو تسع وخمسين كما يفيده كلام ابن معين وابن أبي حاتم.
وأما هؤلاء الشيوخ الثلاثة الذين سألت عنهم فلم يذكرهم أحمد وابن أبي حاتم والمزني والعراقي فيمن رووا عنه بعد الاختلاط، ولم نجد بعد البحث من نص على روايتهم عنه قبل الاختلاط، وبناء عليه، فإنه يتوقف في روايتهم عنه حتى يعلم حالها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(3/437)
مرويات مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الكريم أود أن تفيدونا عما إذا كانت أحاديث مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل على الاتصال أم لا
فمسعر بلديه وعصريه ولم يرو عنه إلا القليل جدا مع أن شعبة وسفيان أكثرا عن سلمة وهما من أقران مسعر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المزي في تهذيب الكمال أن مسعر بن كدام ممن روى عن سلمة بن كهيل، وقد حسن الشيخ الألباني في الإرواء حديث: الأئمة من قريش.
وفي سند هذا الحديث مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل، ولم يعبه الشيخ بعدم الاتصال، ومسعر من رجال البخاري ولم نر من اتهمه بالتدليس، وقد أثنى عليه ووثقه كبار الأئمة منهم أحمد وابن معين وأبو حاتم وا بن سعد والعجلي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(3/438)
توثيق محمد بن عجلان والثناء عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قال الإمام أحمد وابن معين إن رواية الليث بن سعد عن ابن عجلان هي أصح الروايات في كل من روى عن ابن عجلان وأنه أخذها منه قبيل اختلاط أحاديث المقبري عليه عن أبي هريرة؟ فلقد سمعت ولا أدري المصدر أن أحمد وابن معين رحمهما الله قالا إن أصح الناس عن ابن عجلان وعن المقبرى هو الليث.
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نقل المزي في تهذيب الكمال عن أحمد وابن معين توثيق محمد بن عجلان والثناء عليه، ونقل الذهبي مثل ذلك عنهما في سير أعلام النبلاء وفي الميزان.
وأما كون رواية الليث هي أصح الروايات فلم نعثر على نقل عنهما رحمهما الله فيها، فنوصيك بزيادة البحث في كتب الرجال والتراجم لعلك تعثر عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1426(3/439)
توثيق العلماء لأبي النضر محمد بن محمد بن يوسف الطوسي
[السُّؤَالُ]
ـ[أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه، كنت قد استفتيتكم فيه من قبل فوافيتموني بما أورده الإمام الذهبي عنه وقول الحاكم فيه بارك الله فيكم، ولكن ما ذكره الحاكم عنه من جهة الأخلاق والعبادة فهل وثقه، (أعلم أنه روى له ما يربو عن المائة حديث في المستدرك) وهل توثيق الحاكم لشخص عاصره راجح، ذكرتم أنه صنف مستخرجا على صحيح مسلم كذلك ذكره الذهبي رحمه الله فمن غير الذهبي ذكر عنه تصنيفه لهذا المستخرج، وهل المسعودي صاحب طبقات الحفاظ ثقة، هل من أحد آخر غير الحاكم وثقه كالبيهقي أو الدارقطني أو غيرهم من العلماء خلا الذهبي طبعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الطوسي الفقيه شيخ الشافعية بخراسان، ومن أئمة خراسان بلا منازع، وثقه الحاكم، ووثقه الحافظ ابن كثير والحافظ الذهبي، والحاكم لم يكتف بمدح أخلاقه فقط وإنما وثقه بقوله وكان إماماً، وتوثيق الحاكم النيسابوري أبو عبد الل هـ معتبر عند علماء الجرح والتعديل فإنهم ينقلون أقواله في التوثيق ولا يتعقبونه، وكذلك الذهبي أقواله معتبرة لأنه ينقل كلام المتقدمين ويحكم بها على الرواة بميزان دقيق.
أما كتابه المستخرج على صحيح مسلم فيكفي في نسبته إليه ذكر الحافظ الذهبي له لأنه من أئمة هذا الشأن، وقد يكون اطلع عليه.
أما المسعودي فإن كنت تقصد علي بن الحسين بن علي بن عبد الله صاحب كتاب مروج الذهب وكتاب أخبار الزمان فلم نقف له على كتاب بهذا الاسم، والكتب المصنفة في طبقات الحفاظ لم نقف على شيء منها منسوباً للمسعودي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1426(3/440)
حكم الرواية عن مبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[وقع فى أحد كتب الحديث هذا السند: حدثنا دحيم عن رجل سماه عن (تكملة السند) ؛
والسؤال:
1-ما معنى عن رجل سماه؟ ولماذا لم يذكره المصنف مع أنه الثاني فقط من جهته؟
2- هل مثل هذا السند يحتج به كون الراوي عن المجهول لنا هو دحيم وهو من كبار علماء الجرح والتعديل؟
بارك الله فيكم ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله في السند: عن رجل سماه يعني سماه دحيم وأبهمه الراوي عن دحيم.
أما عدم ذكره الراوي عن دحيم فله احتمالان، الأول: وهو الراجح، والأكثر من حال الرواة أن يكون نسيه فأبهمه. والثاني: أن يكون الراوي المبهم ليس على شرط الراوي عنه في الصحة، فأبهمه كما هو فعل الإمام مالك في الموطأ، فقد أبهم كثيرين لأنهم ليسو على شرطه في الصحة والتوثيق.
أما هذا الإسناد فلا يحتج به كما نص عليه أئمة الجرح والتعديل أن رواية المبهم مردودة، وإن كان الذي أبهمه إماما في هذا الشأن، بل لو أبهمه مع التوثيق كأن يقول: حدثنا الثقة، لا تقبل روايته على الصحيح، وراجع النكت للحافظ ابن حجر، والكفاية في علم الدراية للخطيب البغدادي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1426(3/441)
كلام علماء الجرح والتعديل في عمرو بن مرزوق
[السُّؤَالُ]
ـ[قد سألت من قبل عن عمرو بن مرزوق الباهلي وقد تفضلتم بشرح ما خفي علي من كلام بعض العلماء فيه بارك الله فيكم وأريد أن أسأل عن قول علي المديني الذي ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (تركوا حديث العمرين والفهرين) فما معناه؟ فقد فسره الذهبي بعمرو بن مرزوق وآخر اسمه عمرو أيضا ولكني استشكلت حيث البديهي أن يقال (حديث العمروين او العمروان) ولأنه لا يخفى على المديني أقوال جهابذة علم الرجال في عمرو بن مرزوق وهو وإن أراد مخالفتهم فلن يكذب عليهم
والسؤال: إن كان بالفعل يقصد عمرو بن مرزوق الباهلي من هؤلاء الذين تركوا حديثه؟ (وثقه سليمان بن حرب! (متعنت جداً) وعفان! (أشدهم تعنتا) يحيى بن معين ومدحه جدا! وكذلك أحمد بن حنبل! وبلغ به منتهى الثقة والتعديل أبو حاتم!!! وأرجو توضيح أيضا لماذا لم يرو عنه البخاري إلا مقرونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علماء الجرح والتعديل اختلفوا في عمرو بن مرزوق كما اختلفوا في غيره من الرواة، فضعفه يحيى القطان شيخ علي بن المديني والعجلي والدارقطني والحاكم، وقال ابن حبان: ربما أخطأ، ووثقه الأكثرون وردوا على من ضعفه.
قال أبو زرعة: سمعت أحمد. وقلت له: علي بن المديني يتكلم في عمرو بن مرزوق فقال: رجل صالح لا أدري ما يقول علي..... وقال: ثقة، ففتشنا على ما قيل فيه فلم نجد له أصلاً، ووثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وابن سعد، وابن القطان وابن المديني من المتشددين في الجرح، ولذلك اعتمد الذهبي والحافظ وغيرهما توثيق من وثقه.
أما قولك فسره الذهبي، فغير صحيح، لأن عبارة علي بن المديني رواها العقيلي في الضعفاء قال: قال علي بن المديني تركوا حديث ... يعني عمرو بن مرزوق وعمرو بن حكام، فالظاهر أنها من كلام العقيلي أو أحد الرواة عن ابن المديني.
أما قوله: (العَمرين) بفتح المهملة فصحيح من جهة اللغة، لأن الواو الزائدة في عمرو ترسم في الاسم المفرد فقط للتفريق بينه وبين عمر، أما في المثنى فلا ترسم كما هو معلوم عند أهل اللغة، فيقال: العَمران والعَمرين.
أما عدم رواية البخاري عنه إلا مقروناً، فإن البخاري لم يرو عن جميع الثقات، فقد ترك كثيراً من الثقات لم يدخلهم صحيحه، فربما لم يكن على شرطه أو تأثر بكلام يحيى القطان فيه، لأنه أدركه وسمع منه، أو تأثر بكلام ابن المديني، لأنه شيخه في هذا الباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1425(3/442)
ترجمة أبي جعفر بن محمد بن أحمد وقبيصة بن عقبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة بجرح أو تعديل عن (أبو جعفر محمد بن أحمد الضبعي ببغداد) وأرجو الإفادة عن (قبيصة بن عقبة) يروي عن (يونس بن أبي إسحاق السبيعي) وما معنى قول ابن حجر فيه (صدوق ربما خالف) وهل هذا جرح أم تعديل مع ذكر قول العلماء فيه.
بارك الله فيكم وجزاكم عنا خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبيصة بن عقبة أبو عامر السوائي الكوفي قال الحافظ في التهذيب: قال أبو عبد الله: كان رجلاً صالحاً ثقة لا بأس به.... وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: قبيصة أثبت منه جداً، يعني من أبي حذيفة قال: وكتبت عنهما جميعاً. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: قبيصة ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان، فإنه سمع منه وهو صغير ... قال أبو زرعة: فذكرته لابن نمير فقال: لو حدثنا قبيصة عن النخعي لقبلنا منه ... سئل أبو زرعة عن قبيصة وأبي نعيم فقال: كان قبيصة أفضل الرجلين، وأبو نعيم أتقى الرجلين ... وقال الآجري عن أبي داود: كان قبيصة وأبو عامر وأبو حذيفة لا يحفظون ثم حفظوا بعد. وقال ابن خراش: صدوق ... وقال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات. روى عنه البخاري أربعة وأربعين حديثاً. اهـ بتصرف.
وقال في الرواة الثقات المتكلم فيهم: قبيصة بن عقبة شيخ البخاري حديثه في الكتب وهو ثقة. اهـ. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: وقال أبو حاتم: لم أر في المحدثين من يحفظ ويأتي بالحديث على لفظه لا يغيره سوى قبيصة وأبي نعيم في حديث سفيان ... وقال ابن القطان: يروي عبد الحق في أحكامه لقبيصة وأبي نعيم ولا يعرض له وهو عندهم كثير الخطأ. قلت: بل هو محتج به عندهم موثق مع وجود غلطه. اهـ
أما قول الحافظ في التقريب: صدوق ربما خالف من التاسعة. اهـ
فالمقصود بالمخالفة هو مخالفة رواياته لروايات الثقات أحياناً، وإتقان الراوي يعرف بما يوافق الثقات ويخالفهم. فحديثه مقبول إن لم تتبين مخالفته. وكلام الحافظ تعديل له كما سبق في التهذيب، ولكن إن خالف رد حديثه.
أما أبو جعفر محمد بن أحمد الضبعي ببغداد فلم نجد من ترجم له، وربما يكون اسمه محرفاً، لاسيما وقد روى الحاكم حديثاً في المستدرك قال: حدثنا أبو على الحافظ أنبأنا أبو جعفر بن محمد بن أحمد الضبعي ببغداد حدثنا محمد بن سهل بن عسكر حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي.
فقول الحاكم: أبو جعفر بن محمد بن أحمد فيحتمل أن يكون أحمد بن محمد بن نصر بن الهيثم أبو جعفر الضبعي الأحول مترجم له في تاريخ بغداد، وقال: صدوق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(3/443)
ترجمة حفص بن أخي أنس بن مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة عن هذا الراوي.هل هو مجهول كما يقول ابن حزم (مع اليقين بأنه كثير التجهيل لأعلام الرواة فضلا عن غير مشهوريهم كما ذكر ذلك ابن حجر وغيره عنه. وقد قال ابن حجر:أما ابن حزم فنادى على نفسه بعدم الاطلاع إذ أطلق الجهالة على أعلام كالشمس منهم الترمذي! فلم يعرفه وعد معه آخرين من الأعلام وقال كان يتجرأ على القول فى الرجال فيجهل وكان خير له أن يقول لا أعرفه) رحمهما الله اسم الراوي المذكور هو حفص ابن أخي أنس. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: وهو ثقة. وقال ابن حجر: صدوق وذكر نسبه وطريق قرابته لأنس (التقريب) ، الرجاء الإفادة بقول العلماء الآخرين فيه وهل جهله أحد كابن حزم أم هي من سقطاته العديدة كرده كل روايات إسرائيل وشريك وغيرهما مما حتى احتج بها الشيخان في الصحيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال أبو محمد بن حزم في المحلى في حفص بن أخي أنس: لا يعرف لأنس ابن أخ اسمه حفص، ولا أخ لأنس إلا البراء بن مالك من أبيه. اهـ. ولكن حفص المذكور هو ابن أخي أنس لأمه لا لأبيه. فنفي ابن حزم رحمة الله عليه له حق من وجه. قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال: حفص بن أخي أنس بن مالك الأنصاري أبو عمر المدني، قيل: إنه حفص بن عبد الله بن أبي طلحة، وقيل: حفص بن عبيد الله بن أبي طلحة، وقيل: حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي طلحة، وقيل: حفص بن محمد بن عبد الله بن أبي طلحة.روى عن عمه أنس بن مالك، وروى عنه خلف بن خليفة وعامر بن يساف ... قال الدارقطني: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال أبو حاتم: لا أعلم أحدا روى عنه غير خلف بن خليفة، روى له البخاري في الأدب وأبو داود والنسائي....انتهى. قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب: وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال الذهبي في الكاشف: ثقة. اهـ.
ولم نجد من تابع أبا محمد بن حزم على تجهيل حفص بن أخي أنس. فالمعتمد هو كلام أهل الشأن، لا سيما وقد وثقه أئمة مثل: الدارقطني وأبو حاتم والذهبي والمزي والحافظ ابن حجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1425(3/444)
من الرواة الثقات
[السُّؤَالُ]
ـ[ملازم بن عمرو يروي عن عبد الله بن بدر، فهل هو ملازم بن عمرو اليمامي أم الحنفي أم كلاهما واحد؟ وهل عبد الله بن بدر أبوه؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر الحنفي اليمامي من أهل اليمامة ذكره بالنسبتين البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل والعجلي في الثقات وهو ثقة.
قال الحافظ في التقريب: صدوق من الثامنة. اهـ وقال في لسان الميزان: وثقة ابن معين والنسائي وأبو زرعة. اهـ
أما عبد الله بن بدر فجده. قال العجلي: يروي عن جده عبد الله بن بدر. اهـ
وقال أبوحاتم في الجرح والتعديل: عبد الله بن بدر جد ملازم بن عمرو ... قال يحيى بن معين ثقة، وقال أبو زرعة: يمامي ثقة. اهـ
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(3/445)
ثبوت سماع الحسن البصري من أبي بكرة
[السُّؤَالُ]
ـ[يروي الحسن البصري عن أبي بكرة، فهل سمع الحسن من أبي بكرة كل الأحاديث التي حدث بها عنه؟ مع ذكر أقوال العلماء بارك الله فيكم. وغرض السؤال أن معظم أحاديث الحسن عن أبي بكرة في الصحيحين معنعنة فهل هو محمول على الاتصال؟ وأرجو الإفادة هل الحسن البصري كثير التدليس؟ حيث إني قرأت لابن حجر من قبل وضل عني المصدر الآن أنه وضع البصري في أول الطبقات وقال إن الأولى أنه ليس مدلسا من كان في هذه الطبقة ولكنهم يلحقون بالمرسلين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت سماع الحسن من أبي بكرة عند أهل العلم لتصريحه بسماعه في أكثر من حديث. قال البخاري في صحيحه....: وتابعه موسى عن مبارك عن الحسن قال: أخبرني أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال في موضع آخر: ... وقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة، ثم قال البخاري بعد أن ساق الحديث: قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث. اهـ.
قال الحافظ: الحسن كان يرسل كثيرا عمن لم يلقهم بصيغة عن، فخشي أن تكون روايته عن أبي بكرة مرسلة، فلما جاءت هذه الرواية مصرحة بسماعه من أبي بكرة ثبت عنده أنه سمعه منه. اهـ.
وأما ما في الصحيحين مما عنعنه محمول عند أهل العلم على أن صاحبي الصحيح اطلعا على كونه متصلا من طريق أخرى.
وأما كونه مدلسا فقال الذهبي: قال ابن سعد: كان جامعا عالما رفيعا ثقة حجة مأمونا عابدا ناسكا كثير العلم فصيحا جميلا وسيما، إلى أن قال: وما أرسله فليس هو بحجة. قلت: وهو مدلس فلا يحتج بقوله عن في من لم يدركه، وقد يدلس عمن لقيه ويسقط من بينه وبينه، والله أعلم، ولكنه حافظ علامة من بحور العلم فقيه النفس، كبير الشأن عديم النظير. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(3/446)
أبو مصعب الزهري المحدث
[السُّؤَالُ]
ـ[في الشريعة للآجرى حديث فيه (حدثنا الفريابي قال قرأت على أبي مصعب من كتابه وهو ينظر في كتابه حدثك عبد العزيز بن أبي حازم.الحديث) والسؤال من هو أبو مصعب المذكور آنفا وما قول علماء الجرح والتعديل فيه.أفيدونا مأجورين إن شاء الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل أبا مصعب المذكور في السؤال هو أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، من كبار تابعي التابعين، وقد توفي سنة 242 هجرية، وقد روى له البخاري في صحيحه وقال أبو زرعة وأبو حاتم إنه صدوق، وقال فيه الباجي ثقة لا نعلم أحدا ذكره إلا بخير، وقال ابن حبان إنه متقن. وقال فيه الحاكم عالم بمذاهب أهل المدينة.
ويدل لما قلناه ما ذكره ابن كثير في البداية أن الفريابي روى عن أبي مصعب الزهري عن عبد العزيز بن أبي حازم حديث تكثير الطعام بتبوك.
وذكره أيضا ابن هبة الله في "تاريخ دمشق" بنفس السند فقال بعد كلامه: أنبأنا جعفر الفريابي قال: قرأت على أبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، قلت حدثكم عبد العزيز بن أبي حازم..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(3/447)
مرويات إبي سعيد الساحلي
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء الإفادة بجرح أو تعديل لهذا الراوي (أبو سعيد الساحلي وهو عبد الله بن سعيد) ولعل له اسما أخر وهو (أبو سعيد الأخطل بن المرفل الساحلي من أهل جبيل) .وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الراوي ذكر ابن الجزري في كتابه "التحقيق في أحاديث الخلاف" أنه مجهول، وذكر الزيلعي في كتابه " نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" أنه لا يحتج به.
وقد ذكره ابن هبة الله في "تاريخ مدينة دمشق" وقال فيه: كان من أصحاب الحديث، ولم يذكر فيه تعديلا ولا تجريحا. وقد روى له حديث وافدة النساء، وهو حديث ضعيف عند أهل العلم، كما ذكر الشيخ الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(3/448)
ترجمة (الحجاج بن دينار) و (حجاج بن فضيل)
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونا رحمكم الله بأقوال علماء الجرح والتعديل في هذين الراويين مع عدم الاكتفاء بقول ابن حجر في التقريب، الأول (الحجاج بن دينار) الثاني (حجاج بن فضيل) ؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحجاج بن دينار السلمي الواسطي وثقه أكثر أهل العلم، فقد نقل ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل عن ابن المبارك قوله عنه: ثقة، وقال عنه الإمام أحمد: ليس به بأس، وقال عنه يحيى بن معين: صدوق ليس به بأس، وقال عنه أبو زرعة: لا بأس به مستقيم الحديث.
وأما حجاج بن فضيل فلم نقف له على ترجمة أو ذكر فيما اطلعنا عليه من كتب الرجال إلا ما ذكره الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة حيث قال عند ذكره في الترجمة: أربعة وثمانين ومائة: ما ملخصه.... قلت هذا خطأ نشأ عن تصحيف وبيان ذلك أن أحمد قال: حدثنا أبو معاوية ثنا حجاج عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان ينام مستلقيا حتى ينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ. حدثنا إسماعيل بن محمد ثنا يحيى بن زكريا ثنا حجاج عن فضيل عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ... فذكر الحديث فحجاج هذا هو ابن أرطاة لا شك فيه، وفضيل هو ابن عمرو الفقيمي فتصحفت عن فضيل فصارت ابن فضيل ... وعلى هذا فحجاج بن فضيل غير موجود وإنما هو تصحيف لحجاج عن فضيل.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(3/449)
الراوي سعيد المقبري وأبوه روى لهما الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[المقبري عن أبى هريرة.ذكر النووي أنها قد تطلق على المقبري الابن والأب أيضا.فهل كلاهما ثقة محتج بهما عند مسلم؟ وهل كلاهما ثبت تلقيه عن أبى هريرة فيصح الحديث بأيهما كان؟ أفيدونا بارككم الله (هناك حديث محل السؤال اختلفوا هل هو عن الأب أم الابن لذا سألنا. الحديث (تصدقن فأنى رأيتكن أكثر أهل النار عند مسلم من رواية أبي هريرة) شكرا. رأيت للألباني كلاما في الإرواء عن هذه الرواية من طريق أبي هريرة ولم أفهم شيئا فإن كان هناك وقت عندكم أفدتمونا أيضا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث صحيح على كل، فقد أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد وابن عمر، وأما رواية سعيد عن ابيه عن أبي هريرة فقد ثبتت في صحيح مسلم، والموطأ، كما ثبتت رواية سعيد عن أبي هريرة في مسلم وغيره، وأثبت النووي في شرح مسلم والسيوطي في شرح مسلم وفي تنوير الحوالك رواية سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وذكر كذلك أن سعيدا روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وأنس كل من سعيد وأبيه روى لهم الجماعة كما قال ابن حجر في تهذيب التهذيب.
وأما هذا الحديث فقد رواه جمع من أهل العلم عن سعيد المقبري، منهم الإمام أحمد وأبو يعلى بسند صحيح.
ورواه جمع عن أبيه أبي سعيد المقبري، منهم ابن خزيمة والنسائي وأبو نعيم في الحلية، والأصبهاني في المستخرج على صحيح مسلم.
ورواه جمع عن المقبري من دون تصريح باسمه، فاختلف فيه هل هو سعيد أو أبوه، كما قال النووي.
ووفق بين الروايات بأن يكون سعيد سمعه من أبيه عن أبي هريرة، وسمعه أيضا من أبي هريرة، فكان يحدث بكل منهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1425(3/450)
تفصيل القول في وائل بن مهانة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة عن هذا الراوي (وائل بن مهانة) بجرح أو تعديل (الأرجح عندى أنه مجهول الحال) .المشكلة أنه ليس له في كل المصنفات ولا المسانيد ولا السنن إلا حديث واحد عن ابن مسعود وفي هذا الحديث يوقف ما رفعه الثقات (أعني حديث تصدقن فإنكن أكثر أهل النار وما رأيت من ناقصات عقل ودين إلى آخره …..) وعنه رواية في مسند أبي يعلى رفعها كالآخرين وأخرى في المستدرك رفعها أيضا. والروايات المخالفة عند النسائي في السنن الكبرى والسنة لأبي بكر الخلال وأبي يعلى في مسنده (بخلاف الأولى) ومسند الحارث ومسند أبي بكر بن أبي شيبة. أفيدونا رحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وائل بن مهانة وثقة ابن حبان في الثقات وترجم له البخاري في التاريخ وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يجرحاه.
وترجم له الذهبي في الكاشف وقال فيه: وثق.
وترجم له ابن حجر في التقريب وقال فيه: مقبول. وترجم له في تهذيب التهذيب، وقال ذكره ابن حبان في الثقات وقال: قلت وذكره ابن سعد ومسلم في الطبقة الأولى من أهل الكوفة.
وأما الحديث الذي ذكرت أنه وقفه ورفعه غيره، فإنه لا ينبغي أن يشكل عليك أمره، فقد ثبت رفعه في حديث الصحيحين من رواية أبي سعيد وابن عمر وقد رفعه وائل نفسه كما في صحيح ابن حبان ومسند الشاسي.
وقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد رواية رفعه ورواية وقفه وصوب رواية رفعه، ثم إن أهل المصطلح ذكروا أنه يقدم قول من رفع الحديث على من وقفه إذا كان من رفعه ثقة إذ أقصى ما فيه أنها زيادة من الراوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1425(3/451)
أقوال أهل العلم في عبد الملك بن ربيع
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الحافظ ابن حجر في التهديب «قال أبو خيثمة: سئل يحيى بن معين عن أحاديث عبد الملك بن الربيع عن أبيه عن جده فقال: ضعاف. وحكى ابن الجوزي عن ابن معين أنه قال: عبد الملك ضعيف. وقال أبو الحسن ابن القطان: لم تثبت عدالته، وإن كان مسلم أخرج له فغير محتج به. انتهى، ومسلم إنما أخرج له حديثاً واحداً في المتعة متابعة. وقد نبه على ذلك المؤلف» فكيف يكون ضعيفا وقد روى مسلم عنه؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عبد الملك بن الربيع اختلف فيه أهل العلم، فنقل تضعيفه عن ابن معين وابن القطان، كما ذكر السائل، ووافقهم ابن حبان في المجروحين؛ ولكنه وثقه غير واحد.
فقد وثقه الذهبي في الكاشف، وقال عنه في الميزان: صدوق إن شاء الله، ووثقه العجلي كذلك، ونقل ابن حجر توثيقه له في التقريب ولم يتعقبه، وترجم له البخاري في التاريخ ولم يذكر فيه جرحاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(3/452)
عكرمة ثقة عند الإمام مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[قد قرأت في إحدى فتاويكم أن الإمام مالك رحمه الله كان يروي عن ثور بن زيد عن ابن عباس مسقطا ما بينهما وهو عكرمة لأنه ليس بحجة عند الإمام مالك، وسؤالي فضيلة الشيخ هو لماذا فعل الإمام مالك ذلك فإذا كان عكرمة ليس بحجة فلماذا يروي عنه أصلا وإذا روى عنه فلماذا يسقطه؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على نص للإمام مالك يفيد أن عكرمة ليس بحجة عنده، وقد وثق عكرمة واحتج به كثير من أهل العلم منهم أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وأبو حاتم والعجلي، ثم إن مالكاً أسقط كثيرا من رجال سنده، فأكثر فيه من البلاغات والمراسيل، ولا يدل ذلك بالضرورة على طعن فيمن سقط من السند، ومع هذا فإنه قد روى عن عكرمة في الموطأ، ففي الموطأ 1/381: قال الراوي: وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي. وحدثني عن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن ابن عباس قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
وقد ناقش ابن عبد البر في التمهيد مسألة سقوط عكرمة من السند بين ثور وبين ابن عباس في بعض أحاديث الموطأ، فأورد له سندا متصلا عن مالك يذكر فيه عكرمة، وطعن في زعم أن مالكا أسقطه لطعن فيه: فقال عند حديث: لا تصوموا حتى تروا الهلال. حديث ثان لثور بن زيد مقطوع مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين. هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك عن ثور بن زيد عن ابن عباس ليس فيه ذكر عكرمة، والحديث محفوظ لعكرمة عن ابن عباس، وإنما رواه ثور عن عكرمة، وقد روى عن روح بن عبادة هذا الحديث عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان ثم ساقه إلى آخره سواء، وليس في الموطأ في هذا الإسناد عكرمة، وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كره أن يكون في كتابه لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه، ولا أدري صحة هذا لأن مالكاً قد ذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس، وترك رواية عطاء في تلك المسألة وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة. روى مالك عن أبي الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن رجل وقع على امرأته وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة، وروى مالك أيضاً عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال: أظنه عن ابن عباس أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي، وبه قال مالك. انتهى.
وقد أثبت ابن عبد البر في التمهيد أيضاً في الضحية رواية مالك عن ثور عن عكرمة قال: وقد روي في فضل الضحايا آثار حسان، فمنها: ما رواه سعيد بن داود بن أبي الزبير عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله: ما من نفقة بعد صلة الرحم أعظم عند الله من إهراق الدم.
ثم إن الجواب الذي ذكرت كنا قد بينا فيه عين ما رجحناه هنا فراجعه مرة أخرى بتأن تام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(3/453)
شروط قبول رواية المبتدع
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ هل المبتدع تقبل روايته عند علماء الحديث، ومتى لا تقبل، وهل يشترط فيها قيام الحجة؟ وشكراً على جهودكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المبتدع إذا لم يكفر ببدعته ولم يكن من أهل الغلو، وكان معروفاً بالصدق والضبط فإن روايته تقبل عند أهل الحديث، وراجع في هذا فتوانا رقم: 11055.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1425(3/454)
ترجمة (علي بن الحسين الخواص) غير موجودة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة بجرح أو تعديل عن اسم هذا الراوي أم أنه مجهول (علي بن الحسين الخواص) ؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على ترجمة (علي بن الحسين الخواص) مع كثرة البحث في كتب الرجال والتاريخ.... وكذلك صرح الألباني في إرواء العليل أنه لم يجد له ترجمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1425(3/455)
أقوال العلماء في (نهار العبدي)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة عن التابعي نهار العبدي صاحب أبا سعيد الخدري رضي الله عنه بجرح أو تعديل مع ذكر أسماء من وثقه. جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهار العبدي قال عنه الذهبي في الكاشف: نهار العبدي عن أبي سعيد، وعنه أبو طوالة ومحمد بن يحيى بن حبان ثقة. وفي الثقات لابن حبان: يخطئ.. كان يسكن في بني النجار بالمدينة. قال في تاريخ دمشق: سمع أبا سعيد، ويذكر بالفضل والصلاح، صدوق مدني. قال الحافظ في التقريب: صدوق من الرابعة.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال: قال ابن خراش: صدوق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(3/456)
كلام أهل العلم في محمد بن مسلم الطائفي
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم بن محمد الطائفي نرجو الإفادة عنه بما ذكره الحفاظ عنه بالجرح أو التعديل مفصلا؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصد محمد بن مسلم الطائفي فإليك كلام أهل العلم فيه، قال عنه يحيى بن معين: إذا حدث من كتابه فلا بأس به، وإذا حدث من حفظه فإنه يخطئ (الجرح والتعديل) . انتهى.
قال في الثقات: يروي عن عمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة، وروى عنه يحيى بن سليم الطائفي وأهل العراق، كان يخطئ، وزعم عبد الرحمن بن مهدي أن كتبه صحاح. انتهى.
قال الإمام أحمد: ما أضعف حديثه. قال (في الكاشف) : فيه لين وقد وثق. له في مسلم حديث واحد. توفي سنة 177هـ.
قال (في الكامل في ضعفاء الرجال) : حدثنا ابن حماد حدثني عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول: محمد بن مسلم الطائفي ما أضعف حديثه وضعفه أبي جدا ً، ثم روى عن عبد الرازق قوله: ما كان أعجب محمد بن مسلم الطائفي إلى سفيان الثوري، وكان سفيان يكتب بين يديه محمد بن مسلم، وفي تقريب التهذيب: صدوق يخطئ من حفظه من الثامنة.
قال العقيلي: قال أحمد: إذا حدث محمد بن مسلم من غير كتاب يعني أخطأ. قلت: الطائفي. قال: نعم. ثم ضعفه على كل حال من كتاب وغير كتاب، فرأيته عنده ضعيفاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1425(3/457)
حديث أبي الزبير
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت حديثا وأرجو الإفادة هل هو من الأحاديث المنتقدة على الصحيحين أم لا. الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المرأة تقبل في صورة شيطان وأن من رأى امرأة أعجبته فليأت أهله. الحديث رواه الإمام مسلم ولكني وجدت في سنده (عن أبي الزبير عن جابر) فهل هذا هو أبو الزبير المشهور جدا بالتدليس؟ وإن كان هو فكيف أخرجه مسلم وقد عنعنه عن جابر؟ وهل للحديث طرق أخرى صحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث ليس مما انتقد على مسلم، وقد ذكره العراقي والنووي وابن حجر ولم ينتقدوه، ومن المعلوم أن ابن حجر لا يحتج في الفتح إلا بحديث صحيح أو حسن، فإن كان ضعيفاً ضعفه، وقد صححه الترمذي في السنن فقال: حديث جابر حديث حسن صحيح.
وقد صححه كذلك الأرناؤوط والألباني.
وأما أبو الزبير المذكور في السند فهو محمد بن مسلم بن تدرس المعروف بأنه يدلس مع توثيق أهل العلم له، فقد وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وابن عدي وابن المديني والنسائي، وقد عده ابن حجر في المرتبة الثالثة من طبقات المدلسين، ولكن عنعنته في هذا الحديث لا تضر، فإن العنعنة في الصحيحين محمولة على ثبوت الاتصال عندهم من جهة أخرى، كما قال النووي وابن الصلاح، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 38641.
وقد ذكر الشيخ الألباني في تحقيق مختصر مسلم وفي الإرواء والصحيحة أنه روى هذا الحديث من عدة طرق فذكر في الإرواء أن أبا الزبي ر عنعنه في جميع طرقه إلا من طريق واحدة عند أحمد وفي سندها ابن لهيعة وهو سيء الحفظ، وذكر أن له شواهد مرسلة عند ابن أبي شيبة في المصنف وآخر عن أبي كبشة موصولا.
وذكر له في السلسلة الصحيحة شاهدا آخر عن ابن مسعود رواه الدارمي.
واعلم أن نص الحديث كما في صحيح مسلم هو: إ ن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه. وفي رواية له: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1425(3/458)
ضوابط في الجرح والتعديل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقصد بالجرح والتعديل؟ وهل يجوز قول فلان مجروح فلا يؤخذ منه؟ ومن هو حامل لواء الجرح والتعديل في وقتنا هذا؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلمعرفة المقصود بالجرح والتعديل راجع الفتوى رقم: 6167.
أما هل يجوز قول فلان مجروح فلا يؤخذ منه؟
فإذا كان المقصود به جرح المجروحين من الرواة والشهود، فذلك جائز بالإجماع، بل واجب صوناً للشريعة، وممن نص على ذلك الإمام ابن حجر الهيتمي والإمام النووي وغيرهما.
وأما من هو حامل لواء الجرح والتعديل في وقتنا؟ فكل من تكلم في هذا العصر في هذا العلم فلا بد أن يعتمد على أقوال علماء الجرح والتعديل المتقدمين ويستضيء بحكمهم على الرواة، وإلا لم يسلم من الخطأ والتفرد ومخالفة الأئمة، وليس أحد منهم مجتهداً إنما هو ناقل، ولذا فلا يصح أن يحكم على أحد منهم بحمل لواء الجرح والتعديل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1425(3/459)
قد يدلس الراوي عن شيخ ولا يدلس عن غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك من الرواة من يدلس في شيخ معين ولا يدلس في آخر..؟ وهل إبراهيم التيمي مدلس كما قال الكرابيسي؟ وهل يدلس عن كل من روى عنه؟ أرجو التحقيق والتفصيل بعض الشيء, أعانكم الله , وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الرواة من يدلس عن شيخ معين أو أكثر ولا يدلس عن غيره.
منهم أبو نعيم الأصفهاني، فقد كان يدلس عن بعض الشيوخ الذين أخذ عنهم إجازة وكان يحدث عمن سمعه، ومنهم أيوب السخستياني، فقد كان يحدث عن هشام بن عروة وعمرو بن دينار، وكان يدلس عن أنس.
ومنهم إبراهيم بن يزيد التيمي المذكور في السؤال، فقد كان يحدث عن أبيه وكان يروي عن عائشة وعلي وابن عباس وأنس مع أنه لم يسمع منهم، فقد أثبت روايته عن أبيه ابن حجر في الإصابة، والذهبي في السير.
وأثبت روايته عمن لم يسمع منهم ابن حجر في تهذيب التهذيب، وقد أقر قول الكرابيسي فيه إنه حدث عن زيد بن وهب أحاديث أكثرها مدلسة، وللمزيد من التفصيل في الموضوع راجع طبقات المدلسين لابن حجر، والتبيين لأسماء المدلسين لأبي الوفاء الحلبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1425(3/460)
معنى قول المحدث \" صدوق يغرب \"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول المحدث عن أحد الرواة (صدوق يغرب) ، وهل تقبل روايته؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الكلمة تعني وصف الراوي بالصدق، وأنه ينفرد عن غيره بروايات لا يشاركه فيها غيره، ولا ينفي هذا قبول روايته.
فإنه قد وصف بهذه العبارة بعض رجال البخاري ومسلم كما في التقريب لابن حجر والكاشف للذهبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1425(3/461)
من ألفاظ التعديل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معني هذه العبارة, وهي في ترجمة سعيد بن بشير البصري في التقريب:\"قلت لهما يحتج بحديثه؟ قالا: يحتج بحديث أبا عروبة والدستوائي هذا شيخ يكتب حديثه\". أرجو شرح هذه العبارة الغامضة ومن هو المقصود بها؟ ولكم جزيل الشكر والعرفان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه العبارة التي سألت عنها في "تهذيب التهذيب" وليست في "تقريب التهذيب" وإن كان الكتاب لمؤلف واحد، وهو ابن حجر العسقلاني.
والمقصود بهذه العبارة هو: سعيد بن بشير الأزدي البصري.
والكلام المذكور بتمامه هو كما يلي:
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان محله الصدق عندنا، قلت لهما: يحتج بحديثه، قالا: يحتج بحديث أبي عروبة والدستوائي هذا شيخ يكتب حديثه.
فهذا الكلام يشتمل تزكية لسعيد بن بشير من الإمامين أبي حاتم وأبي زرعة، لكنه ليس في مرتبة الثقات في الإتقان والحفظ، بل هو ممن يكتب حديثه، فإن وجد من يتابعه عليه صلح الاحتجاج به، وإلا بأن انفرد هو برواية الحديث فإنه لا يصلح للاحتجاج بخلاف من ذكر من الثقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(3/462)
كلام النقاد في الحارث بن عبد الله الأعور
[السُّؤَالُ]
ـ[قال ابن سعد في الطبقات (الجزء السادس, صفحة 83) في حق الحارث الأعور: ضعيف في \"حديثه\", أم قال في \"رأيه\" (كما قال الحافظ في التقريب نقلا عن ابن سعد) . أرجو تحقيق تلك الكلمة بشكل دقيق جدا فإنها مهمة للغاية. وأرجو بيان مرتبة الحارث الأعور في الحديث, وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه الأخ السائل أن مركز الفتوى خصص للفتوى، وما أكثر الفتاوى التي ينتظرها السائلون، وليس من أعمال المركز القيام بالأبحاث وإن كانت لها فائدة علمية، لذا نرجو من الأخ أن يعذرنا إن لم نجب عن أسئلة من هذا النوع.
وأما السؤال الذي بين أيدينا، فقد رأينا الإجابة عنه ونعتذر عن أمثاله فيما يستقبل فنقول:
الحارث بن عبد الله الأعور: الراجح فيه أنه ضعيف في الحديث، وهو ما عليه جمهور النقاد من المحدثين، قال الذهبي في "الميزان": والجمهور على توهين أمره، مع روايتهم لحديثه في الأبواب.
وقد كذبه عامر الشعبي، لكن حمله بعض المحدثين على أنه كذّبَه من جهة رأيه واعتقاده، لا أنه يتعمد الكذب في الحديث، وهو ما اختاره ابن حجر في التقريب.
فقد قيل للحافظ أحمد بن صالح المصري -بعد ثنائه على الحارث- قال: الشعبي: "كان يكذب" قال: لم يكن يكذب في الحديث، إنما كذبه في رأيه.
وقال ابن عبد البر: وأظن الشعبي عوقب بقول إبراهيم فيه كذاب، لقوله في الحارث: كذاب، ولم يبن من الحارث كذب، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله له على غيره، ومن هاهنا -والله أعلم- كذبه الشعبي، لأن الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر، وإلى أنه أول من أسلم.
وعلى قول الجمهور من النقاد جاء قول ابن سعد في الطبقات: كان له قول سوء، وهو ضعيف في روايته.
ونقل الحافظ ابن حجر في تهذيبه عبارة ابن سعد، إلا أنه جاء فيها: "في رأيه" بدلا من "في روايته" والذي يظهر لنا أن ما في "التهذيب" تصحيف عما في "الطبقات" لما عرف عن طبعة "التهذيب" من كثرة التصحيف.
كما أنه لو صحت عبارة التهذيب لكان فيها تكرار، إذ جملة: "له قول سوء" في معنى الجملة التي بعدها: "ضعيف في رأيه" وحمل الجملة الثانية على التأسيس –أي تأسيس معنى جديد- كما في الطبقات أولى من حملها على التوكيد.
ملاحظة: ورد في السؤال: "كما قال الحافظ في التقريب نقلا عن ابن سعد " والصواب: "التهذيب" وليس "التقريب".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(3/463)
معنى عبارة هشام بن عمار:\"حديثي قد روي فلا أبالي من حمل الخطأ\".
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى عبارة هشام بن عمار:\"حديثي قد روي فلا أبالي من حمل الخطأ\". وما معنى قول محمد بن سيار\"فسألته عنها (فكان يمر فيها) \". وكل ذلك في ترجمته في التقريب للحافظ ابن حجر, وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد نقل أهل هذا الفن (علم الجرح والتعديل) عن هشام بن عمار أنه كان يتلقن بمعنى (يلقن الشيء من الحديث، فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه) راجع "تدريب الراوي" 339.
فقوله (حديثي قد روي) فلا أبالي من حمل الخطأ.
هو عذر من الأعذار لمّا تغير وقد كبر فصار يخلط ويتلقى ولا يعرف أحاديثه، فصار يقول: (حديثي قد روي) أي قد رويته قديما صحاحا مسندة؛ كما جاء عنه في روايات أخرى، ومعنى ذلك فلا يهم التلقن والخلط لها الآن، ولهذا لما سأله عبد الله بن محمد بن سيار عن تلك الأحاديث التي فيها قليل اضطراب فكان (يمر فيها) أي يعرفها كما قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/427) . والله أعلم.
لكن هذا كله ليس في ترجمته في "التقريب"، بل هو في "تهذيب التهذيب لابن حجر، وتذهيب التهذيب والسير للإمام الذهبي، وكذا في "تهذيب الكمال" للمزي، فيرجى التثبت في النقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(3/464)
الربط بين طول الحديث وضعفه غير مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد من الذين يريد ون الخير للناس قال إن الحديث إذا كان طويلا جدا
يحكم عليه بالضعف 75 بالمائة و 25 بالمائة يحكم عليه بالصحة
لأن الرسول أوتي جوامع الكلم ما صحة قوله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صحة الحديث وضعفه يعلمان بالنظر في سنده وضوابط التصحيح والتضعيف التي ذكرها أهل مصطلح الحديث.
وأما الربط بين طول الحديث وضعفه، فغير صحيح، لكثرة الأحاديث الطويلة في الصحيحين، ولكثرة ما صح من الأحاديث في رواية غيرهما، ولكثرة ما ورد من الموضوعات والأحاديث الضعيفة، وهو قصير.
وأما كونه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، فهذا ثابت في حديث الصحيحين، وقد فسرت جوامع الكلم بالقرآن وبالألفاظ الموجزة التي تتضمن معاني كثيرة جدا، كذا فسرها ابن حجر والنووي وغيرهما.
ثم إن الأحاديث الصحيحة ليست كلها من جوامع الكلم، فهناك أحاديث مختصرة نصوا على أنها من جوامع الكلم.
وكثيرا ما يذكرها ابن حجر والنووي في شرحيهما عند المرور على شيء منها.
وهناك أحاديث أخرى صحيحة كثيرة لا يعدونها من جوامع الكلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(3/465)
سبب عدم رواية البخاري عن الشافعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل فضيلتكم عن: لماذا لا يروي الامام البخاري عن الامام الشافعي مطلقا, وأريد منكم الإجابة المقنعة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على مثل سؤالك في الفتوى رقم: 42996.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(3/466)
من طرق تخريج الأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أقوم بكتابة بحث وتواجهني مشكلة عدم قدرتي على تخريج الأحاديث والآثار النبوية، فهل يمكن تزويدي بأسماء مواقع تقدم هذه الخدمة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيمكنك أخي تخريج الأحاديث وعزوها إلى الكتب المعتمدة من خلال ثلاث طرق:
أما الأولى: فمن خلال المكتبات الموجودة في بلادك.
وأما الثانية: فمن خلال الأقراص الكمبيوترية، ومن أحسن ما نعرف أربعة أقراص:
الأول: المكتبة الألفية للسنة النبوية، إعداد مركز التراث بالأردن.
الثاني: موسوعة الحديث الشريف، إعداد شركة حرف.
الثالث: مكتبة الأجزاء الحديثية، إعداد مركز التراث.
وأما الثالثة: فمن خلال مواقع على شبكة الإنترنت، ومن ذلك المواقع التالية:
http://www.al-eman.com/default.asp
http://www.alwaraq.com
http://www.elazhar.com/al-sonna/Default.sap?action=start
http://arabic.islamicweb.com/Book/albani.asp
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(3/467)
العنعنة في الصحيحين
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا العنعنة في الصحيحين محمولة على الاتصال وفي غيرهما تدل على غير الاتصال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد عرض لهذه المسألة الحافظ ابن حجر في كتابه: النكت على كتاب ابن الصلاح، ونقل هذا القول -وهو كون ما في الصحيحين محمولاً على الاتصال- عن ابن الصلاح والنووي وغيرهما، قالوا: إنه محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى، وذكر اعتراض بعض العلماء كابن دقيق العيد وغيره على استثناء الصحيحين من ذلك.
وحصر الحافظ ابن حجر هذا الخلاف في ما أورده الشيخان على سبيل الاحتجاج، حيث قال: قلت: وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط. أما ما كان في المتابعات، فيحتمل أن يكون حصل التسامح في تخريجها كغيرها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(3/468)
بعض ألقاب المحدثين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف عن ألقاب المحدثين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن ألقاب المحدثين الذين عرفوا بها ما يلي:
1- أمير المؤمنين في الحديث: وممن لقب به: البخاري ومسلم وغيرهما.
2- الحافظ: وهو لقب لمن جمع الأحاديث الصحيحة والضعيفة مع درايته بالأسانيد وأحوال الرجال جرحا وتعديلا وغيرها، وممن لقب بهذا اللقب: ابن كثير وغيره.
3- المحدث: وهو لقب لكل من جمع كثيرا من صفات الحافظ، لكنه لم يبلغ مرتبته.
4- المُسْنِد: وهو لقب لمن اقتصر على سماع الأحاديث وإسماعها من غير معرفة بعلومها وإتقان لها.
قال السيوطي:
وذو الحديث وصفوا فاختصا ... بحافظ كذا الخطيب نصا
وهو الذي إليه في التصحيح ... يرجع والتعديل والتجريح
أن يحفظ السنة ما صح وما ... يدري الأسانيد وما قد وهما
فيه الرواة زائدا أو مدرجا ... وما به الإعلال فيها نهجا
ودونه محدث إن تبصره ... من ذاك يحوي جملا مستكثرة
ومن على سماعه المجرد ... مقتصر لا علم سِمْ بالمسنِد
وبأمير المؤمين لقبوا ... ذوي الحديث قدما ذا منقب
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(3/469)
حول عبد الله بن معبد في حديث صيام عرفة وعاشوراء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على الإجابة لكن السؤال رقم 82899 وصلت إجابة عليه برقم 35437
والذي أريده كما هو في السؤال الكلام على طرق الحديث إن أمكن أو الدلالة على من جمع ذلك.
أما وقد ذكرتم أن الحديث أخرجه مسلم وهو حديث صحيح، فأنا كنت أعلم هذا قبل إرسال السؤال، وكان غرضي كما قلت الطرق التي روي منها هذا الحديث.
والحديث الذي في مسلم من طريق عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة، وقد تكلم فيه البخاري وأورده ابن عدي في الكامل، والذهبي في الميزان من أجل كلام البخاري.
وروي من طرق أخرى وعن غير أبي قتادة، وإن كان أحسنها حديث أبي قتادة.
السؤال كان وما زال: ماهي الطريقة المثلى للتوفيق بين كلام البخاري وفعل ابن عدي والذهبي؟ وهل كلامهم مقبول أم هو اختلاف وجهة النظر واللاجتهاد؟
وإن أمكن الدلالة على من توسع في طرق الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعبد الله بن معبد الزماني متفق على توثيقه، وكلام البخاري عنه ليس في ذلك، إنما قال في تاريخه الكبير: لا يعرف له سماع من أبي قتادة.
ولأجل ذلك أورده ابن عدي في الكامل، والذهبي في الميزان، والحافظ ابن حجر في لسانه.
والحديث صحيح على شرط مسلم، وإن لم يكن صحيحًا على شرط البخاري، فشرط البخاري في السماع أشد- كما هو معلوم-، وأكثر أهل الحديث على اعتبار شروط مسلم، وهو إمكان السماع لا العلم به، كما هو مبسوط ومقرر في كتب أصول الحديث.
ومع ذلك فللحديث طرق أخرى ليس فيها الزماني، وللحديث شواهد أيضًا.
أما عن طرق الحديث التي طلب السائل منا إيرادها، فإننا نعتذر عن عدم القيام بذلك، نظرًا لضيق الوقت، وكثرة الأسئلة المهمة الملحة التي ينتظر أصحابها الإجابة عنها، وقد أورد الألباني رحمه الله بعض طرقه في "الإرواء" (4/111) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1424(3/470)
كيف تتم عملية الحكم على الأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على الرسول الكريم وبعد:
نسمع كثيرا هذا حديث ضعفه الألباني وهذا حديث صححه فلان مثلا، وهذا حسنه غيرهم، اشرحوا لنا كيف تتم عملية تصحيح أو تضعيف أو غير ذلك، وما هي الطرق التي يعتمد عليها هؤلاء العلماء في ذلك؟ نرجوكم أن تفصلوا لنا تفصيلا يكون في متناول الجميع حتى نستطيع أن نوصل للناس ذلك، ووفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلمين قد اعتنوا بالحديث الشريف قريبًا من عنايتهم بالقرآن الكريم، ذلك أنه المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، فقد كان من الصحابة من يكتبه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبدأ جمعه وتدوينه تدوينًا شاملاً في زمن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أواخر القرن الأول ومطلع القرن الثاني للهجرة.
وكانت الوسيلة إلى تصحيح الحديث وتضعيفه هي معرفة أحوال الرجال: من عدالة وضبط وغيرهما، ومن هنا نشأ ما يسمى بعلم الجرح والتعديل الذي يبحث عن ذلك.
والحديث من حيث قبوله ورده ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف. فالصحيح هو: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه، من غير شذوذ ولا علة. والضبط هو: تيقظ الراوي حين تحمله وفهمه لما سمعه، وحفظه لذلك من وقت التحمل إلى وقت الأداء. فإذا خف ضبط الراوي كان الحديث في رتبة الحسن. والحديث الضعيف هو: كل حديث لم تجتمع فيه صفات القبول. وقال أكثر العلماء هو: ما لم يجمع صفة الصحيح والحسن. والشذوذ هو: مخالفة الثقة من هو أرجح منه. والعلة هي: سبب غامض يقدح في الحديث مع ظهور السلامة منه.
وإذا حكم الشيخ الألباني أو غيره من علماء الحديث بصحة حديث ما، فمعناه أنهم بعد البحث فيه وفي سنده وجدوه مستوفيًّا لشروط الصحة، وإذا حكموا بتضعيف حديث فمعناه أنه لم يستكمل عندهم شروط الصحة، وهكذا.
وللمزيد يمكنك أن تراجع الفتوى رقم: 11828، كما يمكنك أن تطالع بعض الكتب المؤلفة في مصطلح الحديث وتاريخه. نحو: أصول الحديث للدكتور محمد عجاج الخطيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(3/471)
الحكم على رتبة الأحاديث أمر اجتهادي
[السُّؤَالُ]
ـ[يكثر الإمام في خطبة الجمعة من الأحاديث الغريبة والموضوعة والتي تعجب العامة، فماذا يجب علي أن افعل؟ مع العلم بأني نصحتة كثيرا ولا يستجيب، ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحكم على حديث بالصحة أو الحسن أو الضعف أو الوضع أمر اجتهادي. قال السيوطي في تدريب الراوي: قال ابن الصلاح: بعد الحد - أي تعريف الصحيح -، فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث، وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه، أو لاختلافهم في اشتراط بعضها. اهـ
وقال الإمام النووي في التقريب: وإذا قيل: صحيح فهذا معناه لا أنه مقطوع به.
ولذا فلا ينبغي الإنكار على من أورد بعض الأحاديث المختلف في تصحيحها وتضعيفها. وانظر الفتوى رقم:
16515 والفتوى رقم: 16192 والفتوى رقم: 30374.
وعلى افتراض أن الأحاديث التي أوردها خطيبكم ضعيفة شديدة الضعف أو موضوعة، فعليكم أن تنصحوه برفق وتبينوا له خطر القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1424(3/472)
علم الجرح والتعديل وضوابط العمل به
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف علم الجرح والتعديل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان المقصود بعلم الجرح والتعديل، وما ينبغي أن يكون عليه من أراد التصدي لتعلمه والعمل به وذلك بالفتاوى ذات الأرقام التالية:
6167، 29801، 18051.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1424(3/473)
حكم الاشتغال بعلم الجرح والتعديل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأيكم في التجريح والتعديل، وما هي شروطه وهل ينبغي للطلاب الاطلاع عليه أم يجب عليهم أن يجتنبوه؟ بارك الله فيكم وأعانكم على فعل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلم الجرح والتعديل أحد فروع علم الحديث، وهو علم جليل الشأن، تعرف به صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته من رجال الحديث، وما يتعلق بذلك من قدح وجرح وتوثيق وتعديل.
ولا يقوم بهذا العلم إلا الجهابذة من علماء الحديث الذين خبروا الرواة ومروياتهم من أمثال البخاري وابن المديني وأبي زرعة وأبي حاتم وابن عدي وابن معين وغيرهم كثير.
وكل من تكلم في هذا العلم من علماء العصر لا بد له من أن يعتمد على أقوال هؤلاء ويستضيء بحكمهم على الرواة، وإلا لم يسلم من الخطأ والتفرد ومخالفة الأئمة، وأما هل ينبغي للطلاب الاطلاع عليه فالجواب أن الطلاب يتفاوتون في ذلك؛ لأن هذا العلم من فروض الكفايات، فمن حصل العلم الواجب الذي يصح به اعتقاده وعبادته ومعاملاته فلا حرج عليه في أن يشتغل بهذا العلم، بل قد يجب إذا لم يقم به غيره، وأما من لم يحصل العلم الواجب فلا ينبغي له أن يشتغل بعلم غير واجب عن علم واجب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1424(3/474)
صفة من له الحق في الجرح والتعديل
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم العلماء الذين لهم الحق في التجريح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان القصد هو تعديل الرواة وتجريحهم، فالعلماءُ الذين لهم الحقُّ في التجريح والتعديل لا بدَّ أن يتوفر فيهم:
1-الورع التامّ.
2-البراءة من الهوى والميل.
3-الخبرة الكاملة بالحديث، وعِلله، ورجاله.
4-التثبت من مستند التجريح فيمن جّرحه الواحد والاثنان، وعَّدله الجمهور، وكذا التثبت من مستند التعديل فيمن عَّدله الواحد والاثنان، وجَّرحه الجمهور.
فإذا وُجدَ العالم الذي تنطبق عليه هذه الشروط حُقَّ له التجريح والتعديل.
والله أعلى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(3/475)
من تقبل روايته للحديث ومن لا تقبل
[السُّؤَالُ]
ـ[البخاري ومسلم رحمهما الله قبلوا رواية الخوارج لصدقهم وعدم تواطئهم على الكذب ولكن ألم يكن من شروط الصحيح العدالة ومنها عدم وجود بدع مكفرة عند الراوي، فنرجو توضيح هذا الإشكال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مدار قبول رواية الراوي وردها حقيقة عند الأئمة هو على متانة الحفظ، ولزوم الصدق، وإظهار الديانة والورع، وعدم وجود البدع المتفق على التكفير بها. يدل على ذلك صنيعهم في كتبهم، وروايتهم عن آحاد من الخوارج، ومن وصفوا بالتشيع والإرجاء.
وقد ذكر الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي في (ميزان الاعتدال) هذا الإشكال الذي ذكرته، وأجاب عليه فقال: (فلقائل أن يقول: كيف شاع توثيق مبتدع، وحد الثقة العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلاً وهو صاحب بدعة؟
وجوابه: أن البدعة على ضربين، فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو، ولا تحرق. فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين، والورع، والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة. ثم بدعة كبرى بالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أو الدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.
وأيضاً فلا أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقاً مأموناً، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل من هذا حاله، حاشا وكلا …) إلى آخر كلامه.
ونرشدك إلى أن تقرأ ما يتعلق بقبول رواية المبتدع من الباعث الحثيث، شرح اختصار علوم الحديث، فإن فيه نقولا طيبة، وتحقيقاً في هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1422(3/476)
علم الجرح والتعديل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد بعلم الجرح والتعديل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فعلم الجرح والتعديل علم يعنى بالرجال الناقلين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم والآثار والأخبار، والنظر في شرائط قبولهم، وأسباب ردهم، فما استوفى من الأسانيد شروط الصحة حكم بقبوله، وما كان فيه سبب أو أكثر من أسباب الرد رد. وهو علم جليل ثمرته معرفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم صحة وضعفاً قبولاً ورداً، وكذلك الآثار والأخبار. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(3/477)
عدم التعارض بين الحقائق العلمية والنصوص الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ:
قال الله تعالى في سورة النازعات الآيه30 "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" والمعروف بمعنى دحاها أنه بَسَطَها, الدَّحْوُ: البَسْطُ. دَحَا الأَرضَ يَدْحُوها دَحْواً: بَسَطَها، فكيف تكون الأرض مبسوطة والمعروف علميا وللجميع أنها بيضاوية الشكل, وأيضا في حديث شريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة. كذا وقع في أكثر الأحاديث وفي حديث أبي هريرة عند مسلم جزء من خمسة وأربعين. ووقع عند مسلم أيضا من حديث ابن عمر (جزء من سبعين جزءا) وعند الطبراني عن ابن مسعود (جزء من ستة وسبعين) ، وأخرج ابن عبد البر عن أنس (جزء من ستة وعشرين) ، وفي رواية (جزء من خمسين جزءاً من النبوة) ، وفي رواية (جزء من أربعين) ، وفي رواية (جزء من أربعة وأربعين) ، وفي رواية (جزء من تسعة وأربعين) ، فلماذا هذا التعارض في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فأرجو إعطائي الإجابات المقنعة, فكلما أتذكر هذه المواضيع يضيق صدري؟ وشكراً جزيلاً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن أن تتعارض حقيقة علمية مع نصوص الوحي الثابتة، لأن الوحي من عند الله تعالى وهو سبحانه وتعالى خالق هذا الكون: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14} ، ولذلك فإن كلمة "دحا" في الآية الكريمة لا تتعارض مع كون الأرض كروية الشكل أو بيضوية، لأن الدحو والبسط هنا هو حسب ما يبدو للرائي ... وللمزيد من الفائدة والتفصيل انظر الفتوى رقم: 22383، والفتوى رقم: 54842 وما أحيل عليه فيهما.
وأما روايات الحديث المختلفة -وهي أكثر مما ذكرت وبعضها تكلم فيه- فقد أجاب عنها أهل العلم: بأن المراد من الحديث بمختلف رواياته تعظيم رؤيا المؤمن الصالح ... وتحقيق أمر الرؤيا وأنها مما كان الأنبياء عليه، وأنها جزء من أجزاء العلم الذي كان يأتيهم والأنباء التي كان ينزل بها الوحي عليهم ... وأن النبوة جاءت بالأمور الواضحة وفي بعضها ما يكون فيه إجمال وغموض مع كونه مبيناً في موضع آخر، وكذلك المرائي منها ما هو صريح لا يحتاج إلى تأويل ومنها ما يحتاج إليه، فالذي يفهمه العارف من الحق الذي يعرج عليه منها جزء من أجزاء النبوة، وذلك الجزء يكثر مرة ويقل أخرى بحسب فهمه، فأعلاهم من يكون بينه وبين درجة النبوة أقل ما ورد من العدد، وأدناهم الأكثر من العدد ومن عداهما يكون بين ذلك، فبما أن الأنبياء نبوتهم متفاوتة والله تعالى فضل بعضهم على بعض، فكذلك رؤيا المؤمن. انتهى ملخصاً م ن فتح الباري.
هذا وبإمكانك الرجوع إلى كتاب فتح الباري للاطلاع على أكثر من هذا، وإذا لم تستوعبه فلا تضق ذرعاً ودعه إلى ما تستطيع استيعابه كما قال الحكيم: إذا لم تستطع شيئاً فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(3/478)
القول في الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بكلام ظني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا: الرسول صلى الله عليه وسلم والأشعة الحمراء والفوق البنفسجية، أما بعد: فهذا الموضوع الغريب التالي بحث فيه منذ أربع سنوات "طبيب عربي" حتى أثبته، ويقول في بحثه "فأنا طبيب عيون وقد تعمقت كثيراً في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا) ، ومن هذا الحديث يتضح لنا أن قدرة الجهاز البصري للإنسان محدودة ... وتختلف عن القدرة البصرية للحمير والتي بدورها تختلف في قدرتها عن القدرة البصرية للديكة وبالتالي فإن قدرة البصر لدى الإنسان محدودة لا ترى ما تحت الأشعة الحمراء ولا ما فوق الأشعه البنفسجية ... لكن قدرة الديكة والحمير تتعدى ذلك!!! والسؤال هنا: كيف يرى الحمار والديك الجن والملائكة؟ الجواب هو:
أن الحمير ترى الأشعة الحمراء والشيطان وهو من الجان خلق من نار أي من الأشعه تحت الحمراء!! لذلك ترى الحمير الجن ولا ترى الملائكة ... أما الديكة فترى الأشعة البنفسجية والملائكة مخلوقة من نور أي من
الأشعة البنفسجية لذلك تراها الديكة.. وهذا يفسر لنا لماذا تهرب الشياطين عند ذكر الله ...
والسبب هو لأن الملائكة تحضر إلى المكان الذي يذكر فيه الله فتهرب الشياطين! وهذا يذكرنا بالمثل الذي يقول: (إذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين) والسؤال هو: لماذا تهرب الشياطين عند وجودالملائكة؟ الجواب: لأن الشياطين تتضرر من رؤية نور الملائكة ... بمعنى آخر: إذا اجتمعت الأشعة الفوق بنفسجية والأشعة الحمراء في مكان فإن الأشعة الحمراء تتلاشى! المهم في موضعنا بل الأهم هو: عن ابن عباس وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء. عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: رأيت الملائكة تغسل حمزة بن عبد المطلب وحنظله ابن الراهب. عن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذى نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصفوف كأنها الحذف. والحذف هي الأغنام السوداء الصغيرة، هذه الأحاديث الثلاثة تبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمتع بميزة وهي: في الحديث الأول أنه كان يرى بالليل كرؤيته بالنهار ... وهذا ما توصل إليه العلم بعد 1420 عاما! وذلك عن طريق المناظير الليلية التي ترى بالليل ... ورغم ذلك فإن الرسول يتفوق بصرياً على هذه المناظير ... لأنه كان يرى بالليل بكل وضوح كرؤيتنا نحن بالنهار، أما المناظير الليلية المصنوعة الآن فإنها لا ترى بالليل بشكل واضح ... فأكثر هذه المناظير تكون فيها الرؤية ذات لون واحد ... أخضر أو أحمر مثلا....
أما في الحديث الثاني وهو رؤيته للملائكة ... فهذا يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرى الأشعة الفوق بنفسجية.. وإلى الآن وبعد 1420 عاما لم يتمكن العلم من اختراع جهاز يرى الأشعة الفوق بنفسجية وإلا لكانوا رأوا الملائكة!
أما الحديث الثالث فأعتقد أنه قد اتضح لكم ولا يحتاج لشرح ... قال تعالى: فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد ... الآية، قال تعالى في وصف حور العين: وعندهم قاصرات الطرف عين.. الآية، حابسات الأعين عن أزواجهن فقصرت أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفاً إلى غيرهم والعين، النجل العيون ... توضيح علمي: عندما اجتمعت كلمتا قاصرات وعين في آية واحدة تبادر إلى ذهني موضوع قصر النظر وهى الحالة التي لا يرى المصاب بها إلا عن قرب وكبر حجم العدسة هو أحد الأسباب الهامة لقصر النظر الذي في نفس الوقت يضفى لصاحبته حسنا وبهاء، وقصير النظر لا يستطيع رؤية الأشياء البعيدة بوضوح بدرجة تتفاوت بتفاوت شدته، الإسراء والمعراج بالروح والجسد والبصر الخارق (بصر حديد) ، قال تعالى لنبيه الكريم (فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد) كل إنسان يوجد على بصره غطاء يمنعه من رؤية أشياء كثيرة.. وبعد الموت يصبح بصر الإنسان قويا بعد أن يزاح هذا الغطاء عن العين.. عندها سيرى كل شيء الجن والملائكة وغير ذلك.. والرسول صلى الله عليه وسلم كان لديه بصر حديد، وكما ورد في الآية، فإن الله أزاح عنه هذا الغطاء ليرى كل شيء (فبصرك اليوم حديد) فكان يرى الملائكة ... وكان يستطيع رؤية المصلين من ورائه: أقيموا الركوع والسجود فوالله أني لأراكم من بعد ظهري إذا ركعتم وإذا سجدتم) رواه البخاري ومسلم، وكان يرى بالليل بوضوح كما يرى بالنهار في الضوء ... وكأن بصر الرسول صلى الله عليه وسلم هو نفسه بصر أي شخص منا بعد الممات.. إلى آخر الرواية أنتظر الإجابة؟ وجزاكم الرحمن خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أوردت من أمور في هذا السؤال نجمل جوابها في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أن القرآن والسنة مصدرا هداية للبشرية، وليسا بمصدر للعلوم الطبيعية، وقد سبق لنا كلام جيد في هذا النحو في الفتوى رقم: 27999.
النقطة الثانية: أن القرآن والسنة لم يخلوا من الإشارة إلى بعض مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون، مما تضمن إعجازاً علمياً ثابتاً بما لا يدع مجالاً للشك، وتراجع ذلك في الفتوى المذكورة آنفاً، والفتوى رقم: 74391.
النقطة الثالثة: أن الواجب الحذر من الكلام في هذا المجال -نعنى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة- بمجرد الظنون والأوهام أو التكلف، لئلا يقع المسلم تحت طائلة القول على الله تعالى بغير علم، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} ، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 28373، والفتوى رقم: 59623.
النقطة الرابعة: أن الأحاديث المذكورة بالسؤال منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف أو موضوع، فحديث الدعاء عند سماع صوت الديكة رواه البخاري ومسلم، وحديث التعوذ عند سماع نهيق الحمير صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 73993.
وكذا حديث تخلل الشياطين للصفوف حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وحديث غسل الملائكة حمزة وحنظلة رضي الله عنهما حديث حسن رواه الطبراني في الكبير.
وأما ما روى ابن عدي والبيهقي عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء. فقد ضعفه بعض العلماء وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في كتابه (ضعيف الجامع الصغير) .
النقطة الخامسة: أن اجتماع الملائكة والشياطين في مكان واحد لا نعلم دليلاً ينفيه، بل قد ورد ما يشير إلى إمكانية اجتماعهما، وتراجع الفتوى رقم: 37370، والفتوى رقم: 16408.
النقطة السادسة: أن العلماء قد اختلفوا في المخاطب بقوله سبحانه: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ {ق:22} ، وقد ذكرنا أقوالهم في ذلك بالفتوى رقم: 26749، ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية والنظر قد ثبتت بها الأحاديث المذكورة آنفاً وغيرها، فلا تحتاج إلى الاستدلال عليها بهذه الآية، وأما الجزم بكون السبب في هذه الرؤية كونه صلى الله عليه وسلم كان يرى الأشعة الفوق البنفسجية، فلا يجوز إلا بدليل.
النقطة السابعة: أن تفسير قوله تعالى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ {الصافات:48} ، بالمصطلح الطبي المعروف وهو قصر النظر بحيث لا يستطيع صاحبه رؤية الأشياء البعيدة، لا نعلم أحداً من أهل العلم قال به، وقد ذكر ابن القيم أن المفسرين كلهم على أن المعنى: قصرن أطرافهن على أزواجهن، فلا يطمحن إلى غيرهم. وفي هذا إشارة إلى أن رؤيتهن لغيرهم ممكنة، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 5147.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1427(3/479)
عظمة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتسوك
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاديث نبوية شريفة تتمثل فيها صور للإعجاز العلمي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأحاديث النبوية التي تتمثل على إعجاز علمي كثيرة جداً لا يمكن حصرها كلها في فتوى كهذه، ويمكن أن نذكر لك بعض الأمثلة على ذلك.
فمن هذه الأحاديث ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء. وقد بينا الإعجاز العلمي في هذا الحديث في الفتوى رقم: 18338 فراجعها.
ومنها: ما ورد في بحث للدكتور محمود رجائي بعنوان (استعمال السواك لنظافة الفم وصحته) دراسة سريرية وكيميائية، وهو منشور ضمن أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي، الذي انعقد بالكويت 1401هـ الموافق 1981م، وجاء فيه: كما نشعر بعظمة أمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا بالتسوك: تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب، وما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي. رواه ابن ماجه، الطهارة باب 7، حديث رقم 289. المسند 6/121. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك، وحث النبي أمته على دوام استعمال السواك، في قوله صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. رواه مسلم، النووي 2/116، حديث رقم 252.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حض ورغب في السواك وملازمته حتى أثناء الصيام، وذلك لما فيه من الفوائد العظيمة للفم والأسنان، ومن هذه الفوائد ما يلي:
1- القضاء على الجراثيم، وثبت بالبحث أنه يقضي على خمسة أنواع على الأقل من الجراثيم الممرضة، والموجودة بالفم أهمها البكتريا السبحية (streptococci) والتي تسبب بعض أنواع الحمى الروماتزمية (براون وجاكوب عام 1979م) .
2- جرف الفضلات، وإزالة القلح وتلميع الأسنان.
3- تطهير الفم بقتل الجراثيم ومعالجة جروح اللثة والتهاباتها.
4- منع نمو الجراثيم بزيادة حموضة الفم مما يقلل فرصة نمو هذه الجراثيم الموجودة بأعداد هائلة.
5- يزيل اللويحة الجرثومية قبل عتوها وتأثيرها على الأنسجة.
6- يقي أمراض الفم والأسنان.
7- كما ثبت أن له تأثيراً مهبطاً للسكر وتأثيراً مضاداً للسرطان. انتهى.
ونحيل الأخ السائل إلى هذين الرابطين وهما:
http://www.raid7.50megs.com
http://www.geocities.com/rr_eem/ala3gaz-al3alme.htm
ونرجو أن تجد فيهما بغيتك، وننبهك أن ما فيهما عهدته على ناشره وليست علينا، وللمزيد من الفائدة يمكن مراجعة بعض مواقع الإعجاز العلمي، خصوصاً التي تعتني بأبحاث الشيخ عبد المجيد الزنداني حفظه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1426(3/480)
لا تعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول
[السُّؤَالُ]
ـ[الدين والعلم افتراق أم اتفاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدين الحق دين الله تعالى الذي بعث به أنبياءه عليهم السلام، وختمه برسالة محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتعارض أو يتناقض مع الحقائق العلمية التجريبية الثابتة ولا مع العقول الصحيحة.
لأن الدين الصحيح من عند الله تعالى خالق الكون ومن فيه وما فيه كما قال تعالى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {الفرقان: 6} .
وقال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك: 14} .
يقول فضيلة العلامة عبد المجيد الزنداني حفظه الله: لا يمكن أن يقع تعارض بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر فلابد أن هناك خللاً في اعتبار قطيعة أحدهما.
وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول وهو مطبوع في عشرة أجزاء، وقد قرر فيه أنه لا يمكن تعارض صحيح النقل مع صريح العقل، أما الدين المحرف فإنه يمكن أن يفترق مع حقائق العلم ومسائل العقل.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 16595، 43698، 28511.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1426(3/481)
لا يبعد أن يظهر الله تسبيح الحيوانات والنباتات والجماد للناس
[السُّؤَالُ]
ـ[معجزة إلهية تحير العلماء في أمريكا ... الله أكبر والعزة للإسلام في بحث علمي نشر في المجلة العلمية المشهورة Journal of Plant Molecular Biology , وجد فريق من العلماء الأمريكيين أن بعض النباتات الاستوائية تصدر ذبذبات فوق صوتية تم رصدها وتسجيلها بأحدث الأجهزة العلمية المتخصصة. وكان العلماء الذين أمضوا قرابة ثلاث سنوات في متابعة ودراسة هذه الظاهرة المحيرة قد توصلوا إلى تحليل تلك النبضات فوق الصوتية إلى إشارات كهروضوئية بواسطة جهاز الرصد الالكتروني oscilloscope , وقد شاهد العلماء النبضات الكهروضوئية تتكرر أكثر من 100 مرة في الثانية!!!! وأشار البرفسور وليام بروان الذي كان يقود فريقا متخصصا من العلماء لدراسة تلك الظاهرة، أنه بعد النتائج التي تم التوصل إليها لم يكن ثمة أمامنا تفسيراً علمياً لتلك الظاهرة، وقد قمنا بعرض نتائج بحثنا على عدد من الجامعات والمركز العلمية المتخصصة في الولايات المتحدة وأوربا ولكنهم عجزوا عن تفسير تلك الظاهرة وأصيبوا بالدهشة. وفي المرة الأخيرة تم إجراء تلك التجربة أمام فريق علمي من بريطانيا، وكان من بينهم عالم بريطاني مسلم من أصل هندي. وبعد خمسة أيام من التجارب المخبرية التي حيرت الفريق البريطاني وقف العالم البريطاني المسلم وقال: نحن المسلمون لدينا تفسيرا لهذه الظاهرة ومنذ 1400 سنة. اندهش العلماء من كلام ذلك العالم وألحوا عليه أن يفسر لهم ما يريد أن يقوله. فقرأ عليهم قوله سبحانه وتعالي: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء، وما النبضات الكهروضوئية إلا لفظ الجلالة كما ظهر على شاشة الجهاز!!! وقد ساد الصمت والذهول في القاعة التي كان يتحدث بها العالم المسلم. سبحان الله , فهاهي معجزة أخرى من معجزات هذا الدين الحق. فكل شيء يسبح باسم الله عز وجل وقد قام المسؤول عن فريق البحث البروفسور وليام براون بالتحدث مع العالم الإسلامي لمعرفة هذا الدين الذي أنبأ الرسول الأمي قبل 1400 سنة بهذه المعجزة. فشرح له العالم المسلم الإسلام وقام بعد ذلك بإعطائه القرآن وتفسيره باللغة الإنجليزية. وبعد عدة بأيام قليلة عقد البروفسور وليام براون محاضرة في جامعة كارنيح-ميلون. وقال البرفسور:\\\" لم أر في حياتي مثل هذه الظاهرة طوال فترة عملي التي استمرت 30سنة ولم يستطع أي من العلماء في فريق البحث تفسير هذه الظاهرة , ولا توجد أي ظاهرة طبيعية تفسرها، والتفسير الوحيد وجدناه في القرآن. لا يسعني حيال ذلك إلا أن أقول أشهد أن لا إله إلا الله وان محمد عبده ورسوله\\\". وقد أعلن العالم إسلامه وسط دهشة الحضور.
أرجوكم: سؤالي هو: ما مدى صحة هذا الموضوع؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على هذا الموضوع حتى نحكم بصحته وعدمها، والذي لا شك فيه أن الله تبارك وتعالى أودع هذا القرآن العظيم من المعجزات والعجائب ما يجعل العاقل يقطع يقينا أنه حق وأنه من عند الله تعالى، وهذه الآيات والمعجزات تنكشف في كل زمان ومكان من وقت لآخر، كما قال سبحانه وتعالى: سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ {فصلت: 53} وقال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {النمل: 93}
فآيات الله تعالى مبثوثة في هذا الكون لمن تدبر وتأمل فيه فهو كتاب الله المفتوح الذي يقرؤه الأمي والقارئ، كما قال تعالى: وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {الجاثية:5} وقال تعالى: وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ {الجاثية:4}
فكل ما نشاهده في هذا الكون آية من آيات الله تعالى شاهدة له بالوحدانية والقدرة كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية * تدل على أنه الواحد
بل كل ذرة في هذا الكون الكبير تنبض بالتسبيح لله تعالى بلسان حالها ودلالتها على خالقها سبحانه وتعالى أو بلسان مقالها الذي لا نفهمه كما قال سبحانه وتعالى: وإن من شيء إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا {الإسراء: 44}
ولهذا فنحن لا نستعبد أن يكشف الله تعالى عن بعض هذه الآيات بوسائل حديثة في بعض الأزمنة والأمكنة من تسبيح الحيوانات أو النباتات أو الجماد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1426(3/482)
القرآن فيه من الأسرار الرياضية ما يعجز عنه أهل الرياضيات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اكتشفت نظاما رياضيا عظيما من القرآن الكريم وأنا الآن أتناقش به عبر الشبكة في إحدى المواقع إلا أن هناك من ينبهي لعدم القول بأن ما اكتشفته هو نت القرآن فماذا أقول إذا كان هو فعلا من القرآن وبالتحديد من سورة الكهف الآية 22 حاولت مرارا أن أجد من يساعدني بإثبات كونه من القرآن أم العكس يقولون يجب أن يكونوا لجنة لدراسته وأنا ليس لدي أي مانع الآن من سيدرس هذا الأمر ويفتي في نهايته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن القرآن في الأصل كتاب هداية، قال الله تعالى: [ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] (البقرة: 2) . وليس هو كتاب رياضيات أو علوم تجريبية كالطب والفلك، وإن كان فيه من الأسرار الرياضية ما يعجز عنه أهل الرياضيات ويندهش له الأطباء ويأسر عقول الفلكيين والخبراء، وكيف لا، وهو كلام رب العالمين الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، وأحاط بكل شيء علما، وما ذكرت أنك اكتشفته من نظام رياضي اعتمدت فيه الآية: 22 من سورة الكهف، قد تحدث عنه بعض الباحثين اعتمادا على الآية: 25 من نفس السورة، ويمكنك أن تتوجه بسؤالك هذا إلى الهيآت المهتمة بالإعجاز العلمي في القرآن.
وراجع للفائدة الفتوى المتعلقة بالإعجاز العددي بين المثبتين والنافين: 17108 وراجع أيضا الجواب: 18220 والجواب رقم: 32263.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(3/483)
التفسير العلمي لحديث الذبابة
[السُّؤَالُ]
ـ[يقولون إن الذبابة لها جناح فيه داء والآخر فيه دواء أريد تفسيرا علمياً واضحاً من فضلكم عن هذا القول وشكرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء. رواه البخاري من حديث أبي هريرة. وهذا الحديث ذكر قضيتين كلتاهما لم تكن معروفة قديماً:
أولاهما: أن الذباب ناقل داء وهذا شيء أصبح الآن معروفاً لدى الجميع.
وثانيهما: وهي التي يجهلها الكثير أن الذباب يحمل مضادات للجراثيم من النوع الممتاز كذلك. وهذا تحقيق كتبه الدكتور عز الدين جوالة حول هذا الموضوع ننقل منه ما يلزمنا هنا، يقول: قبل الخوض في هذا الموضوع لنتذكر ما يلي:
1- من المعروف منذ القديم أن بعض المؤذيات يكون في سمها نفع "ودواء" فقد يجتمع الضدان في حيوان واحد، فالعقرب في إبرتها سم "نافع" وقد يداوى سمها بجزءٍ منها، وفي ذلك يقول العلماء: وقد وجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء وشفاء فيما أقامه الله من عجائب خلقه وبدائع فطرته شواهد ونظائر، منها: النحلة يخرج من بطنها شراب "نافع" ويكمن في إبرتها السم الناقع، والعقرب تهيج الداء بإبرتها ويتداوى من ذلك بجرمها.
2- وفي الطب: يحضر لقاح من ذبيب الأفاعي والحشرات السامة يحقن به لديغ العقرب أو لديغ الأفعى، بل وينفع في تخفيض آلام السرطان أيضاً.
3- إن الطب الحديث استخرج من مواد مستقذرة أدوية حيوية قلبت فن المعالجة رأساً على عقب "فالبنسلين" استخرج من العفن، و"الستربتومايسين" من تراب المقابر.... إلخ، أو بمعنى أدق من طفيليات العفن وجراثيم تراب المقابر.
أما والحالة كذلك، فهل يمتنع عقلاً ونظرياً أن يكون الذباب هذه الحشرة القذرة، والتي تنقل القذر طفيلي أو جرثوم يخرج أو يحمل دواء يقتل هذا الداء الذي تحمله.
4- من المعروف في فن الجراثيم أن للجرثوم "ذيفان" مادة منفصلة عن الجرثوم، وأن هذا "الذيفان" إذا دخل بدن الحيوان كون البدن أجساماً ضد هذا "الذيفان" لها قدرة على تخريب "الذيفان" والتهام الجراثيم تسمى بمبيدات الجراثيم.
فهل يستبعد القول بأن الذباب تلتهم الجراثيم فيما تلتهم، فيكون في جسم الذباب الأجسام الضدية المبيدة للجراثيم، والتي مر ذكرها، ولها القدرة على الفتك بالجراثيم الممرضة التي ينقلها الذباب إلى الطعام والشراب، فإذا وقعت في الطعام فما علينا إلا نغمس الذبابة فيه فتخرج تلك الأجسام الضدية فتبيد الجراثيم التي تنقلها وتقضي على الأمراض التي تحملها.
وبعد كلام الدكتور عز الدين يستمر فينقل تحقيقاً للطبيبين المصريين محمود كمال ومحمد عبد المنعم حسين في إثبات ما في الحديث ننقل بعضاً منه، يقولان: ما تقوله المراجع العلمية: في سنة 1871، وجد الأستاذ الألماني بريفلد من جامعة "هال" بألمانيا أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الفطريات سماها "امبوزاموسكي" وهو طفيلي يعايش الذبابة على الدوام، وبالتدقيق فيه وجده من نوع من الفطور التي تسمى "انتوموفترالي" تنتمي إلى أهم فصيلة في الفطور الأشنية وهي المسماة بالفطور الأشنية المرتبطة أو المتحدة، وهو من النوع الثاني للفطر المسمى الفطور الأشنية الطفيلية، وهذا الطفيلي يقضي حياته في الطبقة الدهنية الموجودة داخل بطن الذبابة بشكل خلايا مستديرة فيها خميرة خاصة سيأتي ذكرها، ثم لا تلبث هذه الخلايا المستديرة أن تستطيل فتخرج من الفتحات أو من بين مفاصل حلقات بطن الذبابة فتصبح خارج جسم الذبابة.
ودور الخروج هذا يمثل الدور التناسلي لهذا الفطر، وفي هذا الدور تتجمع بذور الفطر داخل الخلية، فيزداد الضغط الداخلي للخلية من جراء ذلك، حتى إذا وصل الضغط إلى قوة معينة لا تحتملها جدر الخلية انفجرت الخلية وأطلقت البذور إلى خارجها بقوة دفع شديدة، تدفع البذور إلى مسافة 2سم خارج الخلية، على هيئة رشاش مصحوباً بالسائل الخلوي.
وعلى هذا إذا أمعنا النظر في ذبابة ميتة ومتروكه على الزجاج نشاهد:
أ- مجالاً من بذر هذا الفطر حول الذبابة المذكورة.
ب- ويشاهد حول القسم الثالث والأخير من الذباب على بطنها وعلى ظهرها وجود الخلايا المتفجرة، والتي خرجت منها البذور وقد برز منها رؤوس الخلايا المستطيلة التي مر ذكرها.
وقد جاءت مكتشفات العلماء الحديثة مؤيدة ما ذهب إليه "بريفلد" ومبينة خصائص عجيبة لهذا الفطر الذي يعيش في بطن الذبابة، منها:
1- في عام 1945 أعلن أكبر أستاذ في علم الفطريات وهو "لانجيرون" أن هذا الفطر الذي يعيش دوماً في بطن الذبابة على شكل خلايا مستديرة فيها خميرة خاصة (إنزيم) قوية تحلل وتذيب من أجزاء الحشرة الحاملة للمرض.
2- في عام 1947- 1950 تمكن العالمان الإنجليزيان آرنشتين وكوك والعالم السويسري روليوس من عزل مادة سموها "جافاسين" استخرجوها من فصيلة الفطور التي تعيش في الذباب، وتبين لهم أن هذه المادة مضادة للحيوية تقتل جراثيم مختلفة من بينها جراثيم غرام السالبة والموجبة والديزانتريا والتيفوئيد.
3- في عام 1948 تمكن بريان وكورتيس وهيمنغ وجيفيرس وماكجوان من بريطانيا من عزل مادة مضادة للحيوية أسموها "كلوتيزين" وقد عزلوها عن فطريات تنتمي إلى نفس فصيلة الفطريات التي تعيش في الذباب وتؤثر في جراثيم غرام السالبة كالتيفوئيد والديزنيتريا.
4- وفي عام 1949 تمكن عالمان إنجليزيان هما كومسي وفارمر وعلماء آخرون من سويسرا هم جرمان وروث واثلنجر وبلاتز من عزل مادة مضادة للحيوية أيضاً أسموها "انياتين" عزلوها من فطر ينتمي إلى فصيلة الفطر الذي يعيش في الذباب، ووجدوا لها فعالية شديدة جداً وتؤثر بقوة على جراثيم غرام وسالب وعلى بعض الفطريات الأخرى كالزحار والتيفوئيد والكوليرا.
5- وفي عام 1947 عزل موفيس مواد مضادة للحيوية من مزرعة للفطريات الموجودة على نفس جسم الذبابة، فوجدها ذات مفعول قوي على الجراثيم السالبة لصيفة غرام، كالزحار والتيفوئيد وما يشابهها، ووجدها ذات مفعول قوي على الجراثيم المسببة لأمراض الحميات ذات الحضانة القصيرة المدة، وأن غراماً واحداً من هذه المادة يمكنه أن يحفظ أكثر من 1000 ليتر من اللبن المتلوث بالجراثيم المذكورة.
والخلاصة أنه يستدل من كل ما سبق على الآتي:
أ- يقع الذباب على الفضلات والمواد القذرة والبراز وما شابه ذلك، فيحمل بأرجله أو يمج كثيراً من الجراثيم المرضية الخطرة.
ب- يقع الذباب على الأكل فيلمس بأرجله الملوثة الحاملة للمرض هذا الطعام أو هذا الشراب، فيلوثه بما يحمل من سم ناقعٍ، أو يتبرز عليه فيخرج مع ونيمها تلك الجراثيم الدقيقة الممرضة.
ت- فإذا حملت الذبابة من الطعام، وألقيت خارجه دون غمس، بقيت هذه الجراثيم في مكان سقوط الذباب، فإذا التهمها الآكل وهو لايعلم طبعاً، دخلت فيه الجراثيم، فإذا وجدت أسباباً مساعدة، تكاثرت ثم صالت وأحدثت لديه المرض، فلا يشعر إلا وهو فريسة للحمى طريحاً للفراش.
ث- أما إذا غمست الذبابة كلها، أو مقلت في الطعام فماذا يحدث؟ إذا غمست الذبابة أحدثت هذه الحركة ضغطاً داخل الخلية الفطرية الموجودة مع جسم الذبابة فزاد توتر البروز والسائل داخلها زيادة تؤدي لانفجار الخلايا، وخروج الأنزيمات الحاملة لجراثيم المرض والقاتلة له، فتقع على الجراثيم التي تنقلها الذبابة بأرجلها فتهلكها وتبيدها، ويصبح الطعام طاهراً من الجراثيم المرضية.
ج- وهكذا يضع العلماء بأبحاثهم تفسيراً للحديث النبوي المؤكد لضرورة غمس الذبابة كلها في السائل أو الغذاء ليخرج من بطنها الدواء الذي يكافح ما تحمله من داء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1423(3/484)
سبب التذكير والتأنيث وشبه الولد ... رؤية شرعية طبية علمية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد بعض الأحاديث تخص علم الوراثة؟ مع شرحها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين أيده الله بالمعجزات الظاهرات، والآيات الباهرات، والحجج الساطعات.
وجاء ذكر هذه المعجزات في كتاب الله تبعاً للغرض الذي من أجله أنزل الله الكتاب، وهذا ظاهر بلا ارتياب، حيث يقول الله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة:2] .
فهو كتاب هداية وإعجاز، فقد أعجز البلغاء ببلاغته والفصحاء بفصاحته، وليس القرآن كتاب طب، وإن كان فيه ما يدهش الأطباء، وليس كتاب فلك، وإن كان فيه ما يأسر عقول الفلكيين الخبراء، وكيف لا يكون القرآن كذلك، وهو كلام رب العالمين الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً الذي أحاط بكل شيء علماً.
وكذا السنة المطهرة فقائلها هو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، ومما ورد على لسان الصادق المصدوق ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه قال: بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم: "خبرني بهن آنفاً جبريل. قال: فقال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوتٍ، وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها". قال: أشهد أنك رسول الله..
وفي مسند أحمد من حديث ابن عباس، وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للجماعة من اليهود حين جاؤوه: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان الولد والشبه بإذن الله، إن علا ماء الرجل على ماء المرأة كان ذكراً بإذن الله، وإن علا ماء المرأة على ماء الرجل كان أنثى بإذن الله. قالوا: نعم ...
وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان، وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله".
ويستخلص من هذه الأحاديث: أن السبق سبب الشبه والعلو سبب التذكير أو التأنيث، وهذا ما أثبته الطب الحديثوالحيوانات المنوية للرجل هي التي تحمل الذكورة والأنوثة، أما المرأة فلا علاقة لها بذلك، فهي كالأرض تنبت ما زرع فيها، وهذا مصداق قوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) [البقرة:223] .
هـ.
وفي سنن الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منَّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على ما عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.
وفي الحديث إشارة إلى توارث الصفات من السابق للاحق، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "واجعله" أي المذكور من الأسماع والأبصار والقوة (الوارث) أي الموروث.
كما ذكر الحافظ نقلاً عن صاحب اللمعات، وهذا ما أثبته العلم التجريبي اليوم.
وللمزيد يمكن مراجعة بعض مواقع الإعجاز العلمي، خصوصاالتي تعتني بأبحاث الشيخ عبد المجيد الزنداني حفظه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1422(3/485)
حديث (مفتاح الجنة شهادة ألا إله إلا الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف متن حديث: لا إله إلا الله مفتاح الجنة. وما أسنان مفتاح الجنة؟ وأرجو منكم التوضيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الجملة بعضها مرفوع وبعضها منسوب لبعض التابعين. فأما الحديث المرفوع فهو: مفتاح الجنة شهادة أن إلا إله إلا الله. راوه البزار وفي سنده شهر بن حوشب عن معاذ ولم يسمع منه وضعفه الأرناؤط والألباني.
وينسب لوهب بن منبه: أنه قيل له أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال: بلى ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك. رواه البخاري معلقا.
وبعضهم رفع هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ابن حجر يرى احتمال كونه مدرجا من بعض الرواة أدرج كلام وهب في الحديث المرفوع كما قال في الفتح، وذكر في تعليق التعليق تضعيف السند الذي روى به المرفوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1430(3/486)
أذكار وأدعية نبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم نشر هذه الأذكار وتوصية الناس بنشرها وهل هي صحيحة؟
الورد اليومي
العدد
أثره وفضله
1-آية الكرسي
عند النوم، وبعد كل صلاة مفروضة
حارس من الملائكة يحرسه، وطارد للشياطين.
2-آخر آيتين من سورة البقرة
قبل النوم أو مرة بعد المغرب
تكفي من شرور كل شيء وطارد للشيطان لمدة ثلاث ليال.
3-الإخلاص والمعوذتين
ثلاث مرات في الصباح وثلاث في المساء وقبل النوم وبعد كل صلاة مفروضة
تكفي من شرور كل شيء وتحفظ من شر الجان وعين الإنسان.
4-قول: لا حول ولا قوة إلا بالله
الإكثار منها بدون تحديد
كنز من كنوز الجنة أو دواء من 99 داء، أيسرها الهم.
5-قول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم
ثلاث مرات في الصباح وثلاث في المساء.
حامية من كل ضرر، ولا تصيبه فجأة بلاء، ولا يضره شيء مع ذكرها.
6-قول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق
ثلاث مرات في المساء أو من نزل منزلا
مضاد لسم العقرب ومحصنة للأماكن والدور من شر ما يدب فيها
7-قول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
سبع مرات في الصباح وسبع في المساء
الكافية من هم الدنيا والآخرة
8-قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير..... وإذا دخل السوق زاد بعد (له الحمد) (يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير)
عشر مرات صباحا وعشر مرات مساء أو مائة مرة في اليوم أو أكثر أو عند دخول السوق.
حرز عظيم تكتب له مائة حسنة وتمحى عنه مائة سيئة وله عدل عشر رقاب، وإذا دخل السوق كتب له ألف ألف حسنة ومحي عنه ألف ألف سيئة وفي وراية يبنى له بيت في الجنة.
9-قول: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مرة بعد كل خروج من البيت
10-قوة ثلاثية تحصينية من الشيطان وتجعل الشيطان يتنحى عنه
قول: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم مرة واحدة عند دخول المسجد
تحفظه من الشيطان ليوم كامل.
11-استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه
الإكثار منها دون تحديد
غفرت ذنوبه وإن كان فارا من الزحف
12-الإكثار من الصلاة على النبي
عشر مرات في الصباح وعشر في المساء أو أكثر من ذلك.
كفاية الهموم وغفران الذنوب أو إدراك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
13-المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد
جميع الصلوات
تحصن وتحفظ من شياطين الإنس والجن ومن شر كل ذي شر
14-قول: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
كل شيء يراد حفظه مرة واحدة.
حفظ الأموال والأولاد وغيرهما من السرقة والتعدي
15-الدعاء الذي يخاف منه الشيطان:
اللهم انك سلطت علينا عدوا عليما بعيوبنا - يرانا هو وقبيلة من حيث لا نراهم اللهم أيسه منا كما آيسته من رحمتك وقنطه منا كما قنطته من عفوك - وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك وجنتك بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم.
السلام عليكم
إذا رفع العبد يديه للسماء وهو عاصي فيقول يا رب فتحجب الملائكة صوته، فيكررها يا رب، فتحجب الملائكة صوته، فيكررها يا رب، فتحجب الملائكة صوته، فيكررها في الرابعة، فيقول الله عز وجل: إلى متى تحجبون صوت عبدي عنى؟
لبيك عبدي لبيك عبدي لبيك عبدي لبيك عبدي
سبحانك يا لله يا رحيم يا غفور يا ودود
أرسلها إلى كل من تعرفين لتشاركيهم الأجر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
1- أما بخصوص آية الكرسي، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال الشيطان له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب ذاك شيطان.
وفي سنن النسائي الكبرى وصحيح ابن حبان عن أبي أمامة: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت. صححه الألباني.
2- وأما آخر آيتين في سورة البقرة، ف عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ كفتاه. متفق عليه.
قيل في معنى الحديث: كفتاه المكروه تلك الليلة. وقيل كفتاه من قيام الليل.
وفي صحيح ابن حبان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال، ومن قرأها نهاراً لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام. وفي المستدرك مثله عن أبى هريرة رضي الله عنه.
فعلى ذلك يكون عدم دخول الشيطان إلى البيت مترتبا على قراءة السورة كلها.
3- وأما قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين، ففي سنن أبي داود والترمذي والنسائي: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء. وصححه الألباني.
وعن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة. رواه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه الألباني. وفي رواية الترمذي بالمعوذتين في دبر كل صلاة.
وفي صحيح البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.
4- في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم له: قل: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة، أو قال: ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي مسند أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة. وصححه الألباني.
وأما حديث: لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم. فرواه ابن أبي الدنيا في الفرج والطبراني في الأوسط وضعفه الألباني.
5- وفي سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ومسند أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي. وفي رواية: لم يضره شيء.
صححه الألباني.
6- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك. رواه مسلم.
وفي سنن الترمذي ومسند أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يمسي ثلاث مرات أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره حمة تلك الليلة. الحمة: السم. صححه الألباني.
7- حديث: من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم. سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. رواه ابن السني مرفوعًا وأبو داود موقوفًا وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في زاد المعاد.
ولكن يوجد لفظ في سنن أبي داود أيضًا، وفيه زيادة منكرة، وهي في آخره بلفظ: كفاه الله ما أهمه صادقًا كان أو كاذبًا. حكم عليها بالوضع الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود، وبالنكارة في السلسلة الضعيفة والموضوعة وغيرهما.
8- في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك.
وفي سنن الترمذي وابن ماجه ومسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال في السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتا في الجنة. وحسنه الألباني.
وحديث: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير بعد ما يصلي الغداة عشر مرات كتب الله عز وجل له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكن له بعدل عتق رقبتين من ولد إسماعيل فإن قالها حين يمسي كان له مثل ذلك وكن له حجابا من الشيطان حتى يصبح. أخرجه الخطيب وابن صصرى في أماليه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
9- في سنن أبي داود عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي. صححه الألباني.
10- عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
11- في سنن أبي داود والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. غفر له وإن كان فرَّ من الزحف. صححه الألباني.
12- وفي سنن الترمذي عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه. قال أبي: قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت. قال: قلت الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: النصف؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك. قال: قلت فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك. قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك. قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني. وانظر الفتوى رقم: 45359.
وحديث: من صلى عليّ حين يصبح عشراً، وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة. قال المنذري في الترغيب والترهيب: أخرجه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد، وكذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع ثم ضعفه في ضعيف الترغيب والترهيب وفي السلسلة الضعيفة.
13- وأما بخصوص المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد، فلا نعلم حديثا بالمعنى المذكور في السؤال، ولكن ورد في صلاة الجماعة في المسجد أحاديث معروفة. وانظر الفتويين: 36825، 11306.
14- وأما بخصوص قول: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
من أراد أن يسافر، فليقل لمن يخلف: استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودع أحدا قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك. ويجيب المسافر: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
وفي سنن ابن ماجه ومسند أحمد عن أبي هريرة قال: ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه وصححه الألباني.
أما الفضل المذكور في السؤال ف لا نعلم حديثا في معناه.
15- وبخصوص الدعاء الذي يخاف منه الشيطان انظر الفتوى رقم: 35456.
16- البسملة مستحبة عند بدء كل عمل. وانظر الفتوى رقم: 36290.
17- أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.
18- قول: السلام عليكم. إن كان السائل يقصد مخاطبة الله بها فهذا خطأ، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله؛ فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله. ..الخ. الحديث.
19- وبخصوص دعاء العبد العاصي انظر الفتوى رقم: 73508.
20- قول: سبحانك يا لله يا رحيم يا غفور يا ودود. كلام طيب لكن لا نعلمه ثابتا عن النبي عليه الصلاة والسلام.
ومما سبق يتبين لك أخي السائل أن هذه الأذكار والأدعية منها ما ثبت في السنة ومنها ما هو مختلف في ثبوته، ومنها ما لم يثبت إلا أنه كلام طيب، فالأولى الحرص على نشر الأدعية والأذكار المأثورة الثابتة، كما أن غيرها من الدعوات والأذكار الطيبة فلا بأس بنشرها أيضا، لكن مع الحذر من نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وبخصوص الأحاديث المختلف في صحتها والتي فيها ضعف راجع الفتويين: 16192، 13202.
وانظر أيضا لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 123015.وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1430(3/487)
الأمر بتقسيم الميراث في السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أحاديث تتحدث عن ضرورة تقسيم الميراث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقسمة التركة على مستحقيها فقال: اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض فلاولى رجل ذكر. رواه أحمد وأبو داود ابن ماجه. وهو في الصحيحين بلفظ: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 39731، 99010، 58993.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1430(3/488)
الدعاء المستجاب الذي رواه أنس بن مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ما هو دعاء أنس ابن مالك الذي إذا دعا به الإنسان بإذن الله تعالى يتحقق دعاؤه؟ وهل هو دعاء للزواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء الذي إذا دعا به المسلم استجيب له ورواه أنس بن مالك رضي الله عنه، هو ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَرَجُلٌ قَدْ صَلَّى وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَدْرُونَ بِمَ دَعَا اللَّهَ؟ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى. والحديث صححه الألباني.
وللمسلم أن يدعو به في الزواج أو غيره مما فيه نفعه من أمر الدنيا أو الآخرة.
وهذا الدعاء لا ينسب لأنس بن مالك رضي الله عنه بل هو الراوي له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الرجل الذي دعا بهذا الدعاء فهو الصحابي زيد بن الصامت أبو عياش الزرقي، كما في رواية للإمام أحمد في المسند وكما ذكر الخطيب البغدادي في كتابه: الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة.
وننبه السائل إلى حديث منتشر يروى عن أنس بن مالك أنه قاله أثناء لقائه للحجاج وهو حديث طويل لا يصح، ويعرف بدعاء الاحتراس، وبوب عليه ابن السني بقوله:
باب ما يقول إذا خاف سلطانا أو شيطانا أو سبعا وفيه: فقال الحجاج: لولا كتاب أمير المؤمنين فيك لضربت الذي فيه عيناك فقلت: ما تقدر على ذلك قال: ولم؟ قلت: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أقوله لا أخاف معه من شيطان ولا سلطان ولا سبع ... إلى آخر الحديث.
وقد رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة وإسناده ضعيف جدا؛ لأنه من رواية أبان وهو متروك الحديث كما قال الحافظ في التقريب.
وراجع الفتويين رقم: 45886، 57358، ففيهما نص الحديث والكلام عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1430(3/489)
من النصائح النبوية الجامعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو نصائح نتخدها نظاما لحياتنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام كلّه منهج للحياة يكفل لأتباعه السعادة في العاجل والآجل، وهذا المنهج مبيّن ميّسر في القرآن والسنة، فالقرآن نور وهدى وبيان وفرقان، فمن تدبّر آياته صلح قلبه وصلح أمره كلّه، وسنّة النبّي صلى الله عليه وسلم فيها تفصيل وبيان لهذا المنهج الربّاني المبارك، فبقدر ملازمة السنّة تكون سعادة العبد في الدنيا والآخرة.
ومن أمثلة النصائح الجامعة في السنة، ما جاء في سنن الترمذي عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كنت خلف النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يوماً، فَقَالَ: يَا غُلامُ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ.
ومنها، ما جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.
والنصوص في هذا الشأن كثيرة لا يسع لها مجال وحال الفتوى، ويمكنك أن تستفيد من البحث الموضوعي في موقعنا للحصول على جملة نافعة من النصائح والوصايا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1430(3/490)
نصوص واردة في زيت الزيتون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأحاديث المذكورة في زيت الزيتون وهل هناك حديث يربط بين عدم استخدام زيت الزيتون والخرف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الترمذي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة. ورواه أحمد والترمذي أيضاً من طريق أبي سيد رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني رحمه الله بمجموع طرقه.
وهناك أحاديث أخرى لكن لم تثبت صحتها، مثل حديث: نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة يطيب الفم ويذهب بالحفر هو سواكي وسواك الأنبياء قبلي. رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في كتاب السواك له. وقال الألباني: موضوع.
. وحديث: عليكم بهذه الشجرة المباركة زيت الزيتون فتداووا به فإنه مصحة من الباسور. رواه الطبراني وأبو نعيم عن عقبة بن عامر، وقال الألباني: موضوع..
وحديث: عليكم بزيت الزيتون فكلوه وادهنوا به فإنه ينفع من الباسور. رواه ابن السني عن عقبة بن عامر وضعفه الألباني.
أما بخصوص الخرف فلا نعلم حديثاً يربط بينه وبين عدم تناول زيت الزيتون، وراجع للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23305، 56753، 76407.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(3/491)
نصوص نبوية تحث على الإكثار من النسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو نص الحديث النبوي الذي يدل على تحريم تحديد النسل. أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم حديثا في خصوص تحريم تحديد النسل، ولكن التحديد يخالف ما جاءت به الأحاديث النبوية الحاثة على إكثار النسل وما ثبت من النهي عن التزوج بالمرأة العاقر فعن معقل بن يسار رضي الله عنه: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة. رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
ولأحمد والطبراني في الأوسط وسنن سعيد بن منصور عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيا شديدا، ويقول: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة. وصححه الحاكم وابن حبان.
وروى ابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء. قال الشيخ الألباني: حسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1430(3/492)
درجة الأحاديث الواردة في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو قول أغلب العلماء حول الأحاديث الواردة في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت عدة أحاديث في فضل سورة الكهف وفضل قراءتها يوم الجمعة بعضها في الصحيحين وبعضها في غيرهما.
قال البخاري في صحيحه: باب فضل سورة الكهف، ثم ذكر بسنده عن البراء بن عازب قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: تلك السكينة تنزلت بالقرآن. متفق عليه.
وفي صحيح مسلم مرفوعاً: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال
وروى الحاكم في المستدرك مرفوعا إ ن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين. وصححه الألباني..
ولا شك أنه قد ورد فيها أحاديث ضعيفة مثل حديث: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة تكون فإن خرج الدجال عصم منه.
ومثل حديث: ألا أخبركم بسورة.... ومن قرأها غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وثلاثة أيام..
وعلى ذلك فإن الأحاديث الواردة في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها غير ذلك، وتراجع الفتوى رقم: 10977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1430(3/493)
من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذه أحاديث للحبيب المصطفى:
ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء.
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
افعل ماشئت فكما تدين تدان.
خير الكلام ما قل ودل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء. رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
وأما: خير الكلام ما قل ودل. فلم نطلع عليه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يعزوه الفقهاء لعلي أو للحسن ابنه رضي الله عنهما. وراجع في حديث: كما تدين تدان. الفتوى رقم: 75710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1429(3/494)
نصوص تدل على تحريم السرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أحاديث تحريم السرقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما ورد في تحريم السرقة قول الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {المائدة:38} ، وما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن.. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1429(3/495)
الأحاديث النبوية التي تبدأ بلفظة (رغم أنف)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأحاديث الصحيحة التي تبدأ بلفظة (رغم أنف امرؤ) ؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه. رواه الترمذي وبعضه في مسلم.
هذا ما وقفنا عليه من الأحاديث التي بدئت بلفظ (رغم أنف..) وقد روي بألفاظ مختلفة متقاربة، ومعنى قوله رغم أنف ... أي لصق أنفه بالتراب كناية عن حصول الذل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(3/496)
أحاديث نبوية وآثار في فضل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذه الأحاديث التي وردت في فضل طلب العلم:
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة}
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا في المسجد مجلسان: مجلس يتفقهون، ومجلس يدعون الله ويسألونه، فقال: كلا المجلسين إلى خير، أما هؤلاء فيدعون الله تعالى، وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل. هؤلاء أفضل، بالتعليم أرسلت ثم قعد معهم} رواه أبو عبد الله ابن ماجه.
وحديث: {فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم} وحديث: {فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد} وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {أفضل العبادة الفقه} وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يسير الفقه خير من كثير العبادة} وعن أبي الدرداء: (ما نحن لولا كلمات الفقهاء؟) ، وعن علي رضي الله عنه: (العالم أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل الله) وعن أبي ذر، وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: (باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوع، وباب من العلم نعلمه عمل به أو لم يعمل أحب إلينا من مائة ركعة تطوعا) ، وقالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا جاء الموت طالب العلم، وهو على هذه الحال مات وهو شهيد.} (لأن أعلم بابا من العلم في أمر ونهي أحب إلي من سبعين غزوة في سبيل الله) ، وعن أبي الدرداء: (مذاكرة العلم ساعة خير من قيام ليلة) ، وعن الحسن البصري، قال: لأن أتعلم بابا من العلم فأعلمه مسلما أحب إلي من أن تكون لي الدنيا كلها في سبيل الله تعالى، وعن يحيى بن أبي كثير: دراسة العلم صلاة. وعن سفيان الثوري والشافعي: (ليس شيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم) ، وعن أحمد بن حنبل، وقيل له: أي شيء أحب إليك؟: (أجلس بالليل أنسخ أو أصلي تطوعا، قال فنسخك تعلم بها أمر دينك لهو أحب) ، وعن مكحول: ما عبد الله بأفضل من الفقه. وعن الزهري: ما عبد الله بمثل الفقه. وعن سعيد بن المسيب قال: ليست عبادة الله بالصوم، والصلاة، ولكن بالفقه في دينه. يعني ليس أعظمها، وأفضلها الصوم، بل الفقه.
قال سفيان:: (ما أعلم عملا أفضل من طلب العلم وحفظه، لمن أراد الله به خيراً. قال: قال الحسن بن صالح إن الناس ليحتاجون إلى هذا العلم في دينهم كما يحتاجون إلى الطعام والشراب في دنياهم.) .
ثم هل لفظة العلم المجملة التي وردت فيما سبق يندرج تحتها كل علم مفيد، أرجو التفصيل وذكر أقوال أهل العلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة رواه الديلمي في الفردوس، وهو من الكتب التي يغلب عليها الضعف، ولكنه ثبت في الحديث: إن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما. رواه الترمذي وحسنه الألباني. وتعلم العلم وتعليمه في سبيل الله.
وفي الحديث: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع. رواه الترمذي والضياء وحسنه الألباني.
واما حديث: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. فقد أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وأما حديث: فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. فقد أخرجه جماعة من المحدثين وحكم عليه بعض النقاد بالضعف منهم الشوكاني والبيروتي وحكم عليه الألباني بالوضع.
وأما حديث: أفضل العبادة الفقه. فقد رواه الطبراني وقال الهيثمي فيه محمد بن أبي ليلى ضعفوه لسوء حفظه وضعفه الألباني.
وأما حديث: كلا المجسلين إلى خير. فقد رواه البزار والطيالسي وابن المبارك والحارث. ومدار أسانيدهم كلها على عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع وكلاهما ضعيف.
وأما حديث: يسير الفقه خير من كثير العبادة. فقد أخرجه الطبراني.
وقال فيه الهيتمي: فيه خارجة بن الصعب وهو ضعيف جدا.
وأما قول أبي ذر وأبي هريرة في فضل تعلم باب على ألف ركعة تطوع فقد قال فيه الألباني: ضعيف جدا.
ومثله: إذا جاء الموت لطالب العلم..
وأما قول أبي الدرداء: مذاكرة العلم ساعة خير من قيام ليلة. فلم نجده بهذا اللفظ، وقد ذكر الألباني في ظلال الجنة أنه روى ابن المبارك عنه أنه كان يقول: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وقال الألباني: قال يحيى بن صاعد: تفرد به ابن المبارك غريب الإسناد صحيح.
وصح مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود. رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وأما ما لم نتكلم عليه من آثار الصحابة فلم نجده.
وأما ما نسب إلى التابعين فمن بعدهم فلا يسمى حديثا وإنما يسمى المعزو للتابعين مقطوعا وهو من أقسام الضعيف، ومن بعد التابعين حاله أشد فهو لا يعدو إن صح أن يكون حكمة من أحد علماء السلف.
وأما العلم إذا أطلق في الحديث وكلام السلف الأول فيعنى به علم الشرع.
وأما العلوم التي يستفاد منها في أمور الدنيا فيؤجر صاحبها إذا تعلمها ليخدم بها نفسه وأمته.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 48284، 54742، 75780.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(3/497)
مظان الأحاديث الواردة في الصراط المستقيم
[السُّؤَالُ]
ـ[الأحاديث المتعلقة بالصراط المستقيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأحاديث الواردة في الصراط المستقيم كثيرة ويمكنك الاطلاع عليها عند البحث في الموسوعة الشاملة أو في موقع الدرر السنية أو الموسوعات الحديثية، وجزاك الله خيراً على الاتصال بنا ونرحب بك دائماً بارك الله فيك وسلك بنا وبك الصراط المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(3/498)
حديث (لا تأكل متكئا ولا على غربال..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: لا تأكل متكئاً ولا على غربال.... ماذا يقصد بكلمة غربال في الحديث؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور رواه الطبراني في مسند الشاميين، وابن عساكر وغيرهما عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تأكل متكئاً، ولا على غربال، ولا تتخذن من المسجد مصلى لا تصلي إلا فيها، ولا تخط رقاب الناس يوم الجمعة فيجعلك الله لهم جسراً يوم القيامة.
والغربال في اللغة كما في لسان العرب: ما يغربل به الدقيق وغيره، والمغربل المنتقى كأنه نقي بالغربال.
والغربال الدف لأنه يشبه الغربال في استدارته، ولم نقف على من صرح بالمراد بالغربال في الحديث المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1428(3/499)
حكم العمل بكل ما ورد في رياض الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أنا ملزم بالأخذ بالأحاديث الواردة فى كتاب رياض الصالحين بحيث أعتبرها كلها صحيحة أم أن هناك وسيلة أخرى للتعامل مع الأحاديث النبوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النووي رحمه الله تعالى تعهد في كتابه رياض الصالحين ألا يذكر فيه إلا ما ثبت من الحديث فقال رحمه الله: فرأيت أن أجمع مختصرا من الأحاديث الصحيحة وألتزم فيه ألا أذكر إلا حديثا صحيحا من الواضحات مضافا إلى الكتب الصحيحة المشهورات..اهـ
وقد حققه جماعة من أهل العلم المعاصرين فضعفوا بعض أحاديث الرياض ومن أجلهم الشيخ الألباني والأرناؤوط.
فعلى طالب العلم أن يعمل بما اتفق على أنه ثابت. وأما ما ضعفه بعض أهل العلم فينظر فيه فإن وجد له ما يعضده عمل به، وإن عارضه ما هو أثبت منه عمل بما هو أثبت.
وعليك أن تستعين بأهل العلم في تلك الأحاديث التي تعقبت على النووي لتعلم هل لها ما يعضدها أو ما يعارضها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(3/500)
هل خطف الجن تميما الداري
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب صغير اسمه مجموع لطيف أن تميم الداري خطفه الجن إلى الأرض السابعة تحت الأرض، فهل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على ما يفيد صحة خطف الجن لتميم الداري، ولكنه ثبت أنه ركب سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم نزلوا في جزيرة ولقوا بها المسيح الدجال، والقصة مبسوطة في صحيح مسلم، وراجعها في الفتوى رقم: 10491.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(3/501)
من الأحاديث النبوية المروية عن سيد المرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث أفيدوني يرحمكم الله، لقد وصلني عن طريق الشبكة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يأتي زمان على أمتي يحبون خمساً وينسون خمساً ... يحبون الدنيا وينسون الآخرة يحبون المال وينسون الحساب يحبون المخلوق وينسون الخالق يحبون القصور وينسون القبور يحبون المعصية وينسون التوبة، فإن كان كذلك ابتلاهم الله بالغلاء والوباء والموت الفجأة وجور الحكام. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"من صلى علي فى يوم ألف صلاة لم يمت حتى يبشر بالجنة" و"من صلى علي فى يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته وثلاثين منها لدنياه" وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة" وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات" وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام" وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" انشر ولك الأجر بإذن الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا ما وقفنا عليه من كلام لأهل العلم حول الأحاديث التي ذكرتها الأخت السائلة، الحديث الأول: من صلى علي في يوم ألف صلاة لم يمت حتى يبشر بالجنة. رواه أبو الشيخ عن أنس بلفظ: ... لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة. والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع، وقال عنه: منكر. وفي السلسلة الضعيفة قال عنه: ضعيف جداً.
الحديث الثاني: من صلى علي في يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة.... رواه ابن النجار عن جابر ولم نقف على سنده، ولم نقف على كلام لأهل العلم في الحكم عليه.
الحديث الثالث: من صلى علي حين يصبح وحين يمسي عشراً أدركته شفاعي.. قال في مجمع الزوائد: رواه الطبراني بإسنادين، وإسناد أحدهما جيد رجاله وثقوا. انتهى، وقال عنه الألباني في ضعيف الجامع: ضعيف.
الحديث الرابع: من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع.
الحديث الخامس: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني وحسنه شعيب الأرناؤوط.
الحديث السادس: ... إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة. رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وأبو يعلى في مسنده، وحسنه الألباني في صحيح الجامع وصحيح الترغيب.
الحديث السابع: يأتي زمان على أمتي يحبون خمساً...... لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر على كثرتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(3/502)
نصوص نبوية في البخاري حول الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تذكيري بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري عن الكبائر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري في صحيحه أحاديث كثيرة عن الكبائر فمن تلك الأحاديث حديث أنس رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور.
ومنها أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: إن من الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل: يا رسول الله: وكيف يلعن الرجل والديه قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلت لا يسكت.
وفي حديث ابن عمر مرفوعا: الكبائر: الإشراك بالله.. واليمين الغموس.
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. رواه مسلم.
فهذه بعض الأحاديث التي أوردها الإمام البخاري في صحيحه عند الكبائر، لعل أحدها عناه السائل بسؤاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1428(3/503)
تثبت الخطيب فيما يرويه من الأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذه الأحاديث: "إن الله عز وجل قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا أكملهم الله عز وجل من الملائكة". "من صبر على حر مكة باعد الله عنه حر جهنم" " إن الله يبعث الركن الأسود له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد لمن استلمه بحق " وهل صح حديث في أن الحجر الأسود نزل من الجنة أبيضاً فسودته ذنوب بني آدم، وهل فعلا أن البيت الحرام رفع إلى السماء الرابعة عندما حدث طوفان نوح عليه السلام، غاية ما وجدت بنفسي هو أن حديث "من صبر على حر مكة باعد الله عنه حر جهنم" قال فيه الحافظ أبو جعفر العقيلي: لا أصل له, ولا أدري هل صح هذا النقد أم لا، أما بقية الأحاديث فلم أقف لها على أقوال العلماء، كلها قالها خطيب مسجدنا فوق المنبر، وأخبروني إذا كانت هناك نصائح يجب أن أبلغه إياها أو بالأحرى إذا ما تعلق الأمر بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتهاون في عدم التثبت في صحتها فمتى تكون النصيحة فرضا لا مفر منه ومتى يكون في الأمر سعة؟ أسأل الله العظيم أن يثبتكم وأن يجعل عملكم خالصا لوجهه الكريم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإليك أخي السائل ما وقفنا عليه من كلام العلماء حول الأحاديث الواردة في السؤال، وعلى حسب ترتيبها:
الحديث الأول: إن الله عز وجل قد وعد هذا البيت..... الحديث ذكره الإمام الغزالي في الإحياء وقال عنه الحافظ العراقي: لا أصل له، وأورده الشوكاني في كتابه (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) ، وكذا الملا علي القاري في كتابه (الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة) ، وبهذا يعلم أن هذا الحديث لا أصل له.
الحديث الثاني: من صبر على حر مكة ساعة من نهار.... قال عنه الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة: هكذا ذكره أبو الوليد الأزرق في تاريخ مكة بغير سند ثم الزمخشري في آل عمران من تفسيره، وقد أخرجه العقيلي من ترجمة الحسن بن رشيد من الضعفاء ... وهذا باطل لا أصل له وابن رشيد يحدث بالمناكير، فالحديث إذاً غير ثابت.
الحديث الثالث: إن الله يبعث الحجر الأسود.... هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه واللفظ له من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر: والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق. قال الترمذي حديث حسن وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط، فالحديث صحيح ثابت.
الحديث الرابع: الحجر الأسود من الجنة. رواه أحمد والنسائي والترمذي واللفظ له مرفوعاً: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بنى آدم. والحديث قال عنه الترمذي حسنه وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.
وأما خبر رفع الكعبة عند الطوفان إلى السماء الرابعة فلم نقف فيه على حديث موصول لا صحيح ولا ضعيف، ولكن روى ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفاً عليه قال: لما أهبط الله آدم من الجنة، قال: إني مهبط معك بيتاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ويصلى عنده كما يصلي حول عرشي، فلما كان زمن الطوفان رفعه الله إليه، فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله بعد لإبراهيم ...
وهذا موقوف على عبد الله بن عمرو رضى الله عنه وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فربما يكون أخذه من أهل الكتاب، وإننا ننصح إخواننا من الأئمة والخطباء وسائر المسلمين أن يتثبتوا فيما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية الأحاديث الموضوعة والمكذوبة، فقال عليه الصلاة والسلام: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين. وانظر لذلك الفتوى رقم: 77467.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1427(3/504)
أدعية مأثورة وغير مأثورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد سند هذا الحديث هذا جزء منه، عبارة عن دعاء
الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلا الله الملك الحق المبين، لا إله إلا الله العدل اليقين، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين، سبحانك إني كنت من الظالمين، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك والحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وإليه المصير وهو على كل شيء قدير.
لا إله إلا الله إقرارا بربوبيته سبحان الله خضوعا لعظمته.
اللهم يا نور السموات والأرض، يا عماد السموات الأرض، يا جبار السموات والأرض، يا ديان السموات والأرض، يا وارث السموات والأرض، يا مالك السموات والأرض، يا عظيم السموات والأرض، يا عالم السموات والأرض، يا قيوم السموات والأرض، يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.
اللهم إني أسألك، أن لك الحمد، لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السموات والأرض، ذو الجلال والإكرام، برحمتك يا أرحم الراحمين.
بسم الله أصبحنا وأمسينا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
الحمد لله الذي لا يرجى إلا فضله الله أكبر ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير.
اللهم إني أسألك في صلاتي ودعائي. بركة تطهر بها قلبي، وتكشف بها كربي، وتغفر بها ذنبي، وتصلح بها أمري، وتغني بها فقري، وتذهب بها شري، وتكشف بها همي وغمي، وتشفي بها سقمي، وتقضي بها ديني، وتجلو بها حزني، وتجمع بها شملي، وتبيض بها وجهي. يا أرحم الراحمين اللهم إليك مددت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي. فأقبل توبتي، وأرحم ضعف قوتي، واغفر خطيئتي، واقبل معذرتي، واجعل لي من كل خير نصيبا، وإلى كل خير سبيلا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا هادي لمن أضللت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا باسط لما قبضت، ولا مقدم لما أخرت، ولا مؤخر لما قدمت.
اللهم أنت الحليم فلا تعجل، وأنت الجواد فلا تبخل، وأنت العزيز فلا تذل، وأنت المنيع فلا ترام، وأنت المجير فلا تضام، وأنت على كل شيء قدير.
اللهم لا تحرم سعة رحمتك، وسبوغ نعمتك، وشمول عافيتك، وجزيل عطائك، ولا تمنع عني مواهبك لسوء ما عندي، ولا جازني بقبيح عملي، ولا تصرف وجهك الكريم عنى برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تحرمني وأنا أدعوك ... ولا تخيبني وأنا أرجوك.
اللهم إني أسألك يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، يا مجيب دعوة لمضطرين، يا رحمن الدنيا، يا رحيم الآخرة، ارحمني برحمتك.
اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لى ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وأنت المقدم وأنت المؤخر. لا إله إلا أنت الأول والأخر والظاهر والباطن، عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم.
اللهم آت نفسي تقواها، وزكها يا خير من زكاها، أنت وليها ومولاها يا رب العالمين.
اللهم إني أسألك مسألة البائس الفقير- وأدعوك دعاء المفتقر الذليل، لا تجعلني بدعائك رب شقيا، وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين، يا أكرم المعطين، يا رب العالمين.
اللهم رب جبريل وميكائيل وأسرافيل وعزرائيل، أعصمني من فتن الدنيا ووفقني لما تحب وترضى، وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة – ولا تضلني بعد أن هديتني وكن لي عونا ومعينا، وحافظا وناصرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على هذا الدعاء بهذه الصيغة, ولكنه قد وردت بعض الجزئيات منه في أحاديث ثابتة فقوله: اللهم آت نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها. جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه.
وروى ابن حبان عن أنس بن مالك قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في الحلقة ورجل قائم يصلي فلما ركع سجد وتشهد دعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيام، اللهم إني أسألك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون بما دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: والذي نفسي بيده لقد دعا باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى.
وروى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: اللهم لك الحمد, اللهم لك أسلمت, وبك آمنت, وعليك توكلت, وإليك أنبت, وبك خاصمت, وإليك حاكمت, فاغفر لي ما قدمت وما أخرت, وما أسررت وما أعلنت, أنت المقدم وأنت المؤخر, لا إله إلا أنت, ولا إله غيرك ... الحديث.
وراجع الفتوى رقم: 16990.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1427(3/505)
نصوص نبوية صحيحة وضعيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن مجموعة من الأحاديث وهل وردت عن سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلنا الله من الذين يتبعونه ويحبون الله ورسوله وإياكم إن شاء الله.
هل الحديث \"واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان \"
والحديث \"من شرب واقفا فليتقيأ\"
والحديث \"اطلب العلم من المهد إلى اللحد \"
والحديث \"اطلب العلم ولو في الصين\"
والحديث \" الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها \"
والحديث \" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق\"
حديث صحيح أم موضوع أم ضعيف؟
وكيف يمكن التعامل مع الأحاديث الضعيفة وهل يؤخذ بها وكذلك الموضوعة وما الفرق بينهما؟
وبارك الله فيكم وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يشرب أحد منكم قائما فمن نسي فليتقيأ. وأما حديث: الحكمة ضالة المؤمن. فقد ضعفه كثير من أهل العلم منهم ابن الجوزي في العلل، والسخاوي في المقاصد وتابعهما العجلوني والألباني.
وأما حديث: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. فقد رواه البيهقي والبزار وغيرهما، وقد صححه الألباني في الصحيحة، وراجع لما بقي من السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 43797 // 60804 // 10111 // 13202.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1427(3/506)
الفروق بين الكتب التي أطلق عليها اسم السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوة الإسلام, هناك كتابان من كتب الحديث اسمهما \"السنة\", ما القول في هذين الكتابين، وما الفرق بينهما، ما هي كتب الحديث التي أخذ منها الكتابان؟ وجزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكتب التي أطلق عليها (السنة) كثيرة، منها: (السنة) للإمام أحمد، و (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد، و (السنة) لابن نصر، و (السنة) لابن أبي عاصم وغيرها.
وموضوع هذه المصنفات واحد، وهو رواية السنن والآثار في باب الاعتقاد بالأسانيد المتصلة، وعلى ذلك فإن الفروق بين هذه المصنفات طفيفة، ومنها: عدد السنن والآثار الواردة في كلٍ، ومنها: إسناد صاحب المصنف ونزوله، وأصحاب هذه المصنفات يروون السنن والآثار بأسانيدهم الخاصة، وليس على طريقة الانتخاب من دواوين السنة المشهورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(3/507)
حديث (رأيت عمود الكتاب كأنه لؤلؤة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم أجيبوني عن هدا السؤال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن الذي رواه الطبراني عن ابن حوالة: رأيت عمود الكتاب كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة فأتبعته بصري فادا هو نور ساطع حتى وضع بالشام. هل الكلمة الصحيحة في هدا الحديث هي لؤلؤة أم لواء؟ أجيبوني من فضلكم الحديث عندي مذكور في مقدمة إجازة في القرآن الكريم. وهناك عدة إجازات للإخوة هنا مكتوبة بنفس اللفظ. لذلك إن كانت لفظة لؤلؤة غلط. فأخبروني حتى أصححها لي ولإخواني. وأجركم على الله عز وجل. شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث له روايات بعضها فيه لواء، وبعضها فيه لؤلؤة، وانظر الفتوى رقم: 65485.
وفي رواية بمسند الشاميين وفي كنز العمال ومجمع الزوائد عمود أبيض كأنه لؤلؤة، وهذه الرواية ضعفها الألباني رحمه الله في ضعيف الترغيب والترهيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(3/508)
من الأحاديث النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الرد على من يقول إن الحديث (تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي) ، ليس كما ذكرت بل (كتاب الله وعترة آل بيتي) ، وكذلك في حديث آخر يقولون (ما أنا عليه وشيعة علي) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اللفظين الأولين ثابتان فراجع فيها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51824، 18311، 32750، 53149.
وأما اللفظ الثالث فإنا لم نعثر عليه في شيء من مراجع الحديث التي بين أيدينا، وهو لفظ لا يصح بحال، فعلامة الوضع عليه بادية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1425(3/509)
درجة حديث (من استجهل مؤمنا فعليه إثمه)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث التالي: من استجهل مؤمنا فعليه إثمه؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نقف على سند لهذا الحديث حتى نتأكد من صحته أو ضعفه، وإنما وجدناه في لسان العرب، وفي النهاية في غريب الحديث، ودليل الفالحين ولم يذكر المؤلفون له سندا، وبناء عليه فإنا لا نستطيع الحكم عليه بصحة ولا ضعف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1425(3/510)
خمسة أحاديث نبوية شريفة تثبت أن الله واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن خمسة أحاديث شريفة تثبت أن الله واحد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه خمسة أحاديث تثبت أن الله واحد:
1- ... عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود وأسود على أحمر إلا بالتقوى. روه أحمد.
2- ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: كذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الله الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد ولم يكن له كفؤا أحد. رواه البخاري وغيره.
3- ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله تسعا وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، إنه وتر يحب الوتر، من حفظها دخل الجنة، وهي: الله الواحد الأحد ... الحديث. رواه ابن ماجه وأصله في الصحيحين.
4- ... عن عبد الله بن بريدة الأسلمي رضي الله عنه عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد. قال: فقال: والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان.
5- ... عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تضور من الليل قال: لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار. رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، وفي الكبرى، وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(3/511)
من مشكاة النبوة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما تتمة الحديثين الشريفين الآتيين:
الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع.
الثاني: قال عليه الصلا ة والسلام إذا ضاعت الأمانة فارتقب الساعة. قالوا: وكيف إضاعتها يا رسول الله قال:
مع ذكر الرواة جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما وضعه، وعن علمه ماذا عمل فيه.
فهذه تتمته كما في سنن الترمذي والدارمي بألفاظ متقاربة عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما.
وأما الحديث الثاني، فقد رواه البخاري وغيره، ولفظه كما في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: لم يسمع حتى قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله، قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله.
وفي رواية له: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(3/512)
درجة حديث: من قرأ سورة الكهف كما أنزلت......... الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله:
أرجو من حضرتكم إفتائي بصحة ما يلي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة الكهف \"كما أنزلت\" كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره، ومن توضأ فقال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأ توب إليك كتب في رق ثم جعل في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث صححه الحاكم والذهبي والمنذري والهيثمي والألباني، ورجح النسائي وقفه، ولكن ذكر المنذري والألباني أن له حكم الرفع. وراجع الفتوى رقم: 15871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(3/513)
مرويات وردت في أن الطائف قطعة من الشام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث شريف فيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الطائف هي قطعة من الشام؟ ما نص هذا الحديث وما مدى صحته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر السيوطي في الدر المنثور عند تفسير قوله تعالى: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ {البقرة: 126} ، بعض الآثار الدالة على هذا فقال: أخرج الأزرقي عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم: لما وضع الله الحرم نقل له الطائف من فلسطين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال: بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} نقل الله الطائف من فلسطين. وأخرج ابن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري قال: إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم عليه السلام. وأخرج الأزرقي عن سعيد بن المسيب قال: سمعت بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم وغيره. يذكرون أنهم سمعوا: أنه لما دعا إبراهيم بمكة أن يرزق أهله من الثمرات نقل الله أرض الطائف من الشام فوضعها هنالك رزقا للحرم. وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي ثنا عيسى بن مرحوم العطار ثنا يحيى بن سليم قال: سمعت عبد الرحمن بن علي بن نافع بن جبير وهو يقول: سمعت الزهري يقول: إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها في الطائف لدعوة إبراهيم خليل الله، ذكر أبي عن هشام بن عبيد الله عن محمد بن مسلم الطائفي قال: بلغني أن إبراهيم عليه السلام لما دعا للحرم: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ. من الثمرات نقل الله الطائف من فلسطين. قوله: من آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ {البقرة:126} . وقال الشوكاني: وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال: بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم فقال: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ. نقل الله الطائف من فلسطين، وأخرج نحوه ابن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري، وأخرج نحوه أيضاً الأزرقي عن بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم. وقد أخرج الأزرقي نحوها مرفوعاً من طريق محمد بن المنكدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(3/514)
درجة أثر (..حييت مساء وحييت صباحا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الأثر؟
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: (كانوا في الجاهلية يقولون: حييت مساء، وحييت صباحا، فغير الله ذلك بالسلام) .
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على من حكم على هذا الأثر بالصحة والضعف من أهل العلم، ولكن يؤيده ما في سنن أبي داود ومصنف عبد الرزاق وشعب الإيمان للبيهقي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنا نقول في الجاهلية: "أنعم الله بك عينا وأنعم صباحا" فلما جاء الإسلام نهينا عن ذلك. قال ابن حجر في فتح الباري ورجاله ثقات، لكنه منقطع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1425(3/515)
درجة أثر \"كنا نأخذ الصبيان ليقوموا بنا في رمضان\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمان الرحيم
أاشكركم كثيرا على هذا الموقع الرائع وأتمنى لكم النجاح والتوفيق من الله تعالى.
أرجوا منكم إجابتى على هذا السؤال:
من هو قائل هذا الأثر \"كنا نأخذ الصبيان ليقوموا بنا في رمضان \" رواه البيهقي
واجركم علي الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الأثر روي عن عائشة رضي الله عنها، كما في سنن البيهقي، رقم الحديث: 4718، ولم نقف على حكم إمام عليه بالصحة أو الضعف، ودراسة إسناده تحتاج إلى وقت وبحث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1425(3/516)
ألفاظ خطبة الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيوخنا الأفاضل.. قرأت ما كتبه الألباني فيما كتبه في خطبة الحاجة ولكن للأسف ما فهمت شيئاً.. أريد أن أعرف الآن عندما أريد أن أقول خطبة الحاجة فما هي الروايات الصحيحة وأيضا الزيادات وماذا أقول أما بعد هل في رواية تقول فإن أصدق الحديث كتاب الله ... الخ وهل ثبت شيء في هذه الخطبة أن نقول فيها اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات..إلخ وهل هناك دليل على الترتيب فيما بين خطبة الحاجة والآيات الثلاث وغيرها وهل لي أن أزيد غير هذه الآيات وماهي الروايات التي أستطيع أن أقتصر عليها أنا سأتزوج قريباً وأيضا في معاملاتي ولا أدري ماذا أفعل شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاءت خطبة الحاجة [وهي الخطبة التي كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي كلامه في خطبه ومواعظه، وعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي حاجاتهم، كالخطبة والعقود ونحو ذلك] جاءت هذه الخطبة في السنة على ألفاظ متنوعة مشتركة ومختلفة في بعضها، لكن يجمعها البدء بالحمد والشهادة فتقول كما جاء: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يقرأ الآيات الثلاث. هذا اللفظ المشترك بين كل روايات الحديث، وجاء في رواية (ويقرأ الآيات الثلاث) يعني يجوز التقديم والتأخير، لكن معظم الروايات تقول: (ثم يقرأ الآيات الثلاث) مما يدل على لزوم هذا الترتيب بدون تقديم للآيات.
-وجاء في بعض الروايات في المسند لأحمد أنه يقول: إن أحسن الحديث كتاب الله.... إلخ.
ولا تعارض، فيجوز قول الخطبة على اللفظ الأول أو الزيادة عليها بما ورد، فهذه زيادة ثقة لا تعارض أصل الحديث.
-ثم اعلم أنه قد أجاز بعض العلماء النكاح بغير خطبة، كما نقل ذلك الإمام الترمذي في جامعه، واستدلوا لذلك بحديث: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد. رواه البخاري في التاريخ الكبير، وقال إسناده مجهول، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفيه (يعني حديث سهل بن سعد) أنه لا يشترط في صحة العقد تقدم الخطبة إذ لم يقع في شيء من طرق هذا الحديث وقوع حمد ولا تشهد ولا غيرهما من أركان الخطبة، وخالف في ذلك الظاهرية فجعلوها واجبة. ا. هـ
والوارد في السنة تقديم الخطبة أعني خطبة الحاجة بين يدي الخطبة، وهي حاجة من الحاجات التي تشرع عندها، وأما عقد النكاح فهو شيء من ذلك.
وراجع للاستفادة الفتوى رقم: 12860، والفتوى رقم: 12788.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1425(3/517)
من الأحاديث النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[قال صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً، فمن هم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الترمذي وحسنه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون.، فهؤلاء هم الثلاثة الذين سألت عنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(3/518)
فاتحة البخاري وخاتمته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أول حديث افتتح به البخاري صحيحه وما هو آخر حديث اختتم به صحيحه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
افتتح الإمام البخاري صحيحه بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.، وقد ذكر هذا الحديث في "باب كيف كان بدء الوحي.."
وآخر حديث ذكره في صحيحه في باب قوله تعالى: (ونضع الموازين القسط) هو قوله صلى الله عليه وسلم: كلمتان حبيبتان إلى الرحمان، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(3/519)
رقية جبريل الصحيحة والضعيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: بين يدي نسختان مختلفتان من دعاء سيدنا جبريل، الرجاء مدي بالنص الصحيح لهذا الدعاء، ومتى قرئ على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ومتى تندب قراءته؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد اشتكيت، فقال: نعم، قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك بسم الله أرقيك.
وفي رواية ابن ماجه ما يوضح أن جبريل قرأها على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقال: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حسد حاسد ومن كل عين الله يشفيك.، وحسنه الألباني.
أما الرواية الضعيفة لرقية جبريل (دعاء جبريل) فهي ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فقال لي: ألا أرقيك برقية جاءني بها جبريل، قلت: بأبي وأمي بلى يا رسول الله، قال: بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك (من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد) ، ثلاث مرات. ضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه.
أما متى يسن هذا الدعاء؟
فالجواب: أنه يسن عند عيادة المريض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(3/520)
تحقيق المقال حول حديث "إياكم والنساء"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف هل هذا حديث صحيح أم لا ... إياكم والنساء إياكم والنساء إياكم والنساء ثم اليهود والنصارى....
أريد معرفة دقيقة لهذا
شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا لم نطلع على هذا الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره السائل، ولكن ثبت التحذير من الخلوة بالنساء والدخول عليهن، كما في الحديث: إياكم والدخول على النساء. رواه البخاري ومسلم
وفي الحديث: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.
وقد صحت أحاديث في التحذير من فتنة النساء، وثبت التحذير من موالاة اليهود والنصارى.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة: 51] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1424(3/521)
تخريج حديث "مفتناح الجنة الصلاة"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث (مفتاح الجنة الصلاة) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى هذا الحديث الترمذي في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء ". وقال الشيخ الألباني: صحيح لغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1424(3/522)
علم من أعلام التنبوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة حديث وصية رسول الله لصحابته أن يتخذوا من مصر جندا كثيفا لو فتحوا مصر، لأن ذلك الجند خير أجناد الأرض؟ وماهو تخريج الحديث والتعليق عليه من جانب المحدثين؟ ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لأحد صحابته: "ستجد رجلين يقتتلان فيها على موضع لبنة فاخرج منها" وهي في نفس الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حال هذا الحديث في الفتوى رقم: 8717، وقد نسبه صاحب كنز العمال إلى ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وفيه ابن لهيعة، وابن لهيعة قد ضعفه أهل الحديث، فالخبر ضعيف إذا.
ولا شك أنه قد وردت بعض الأحاديث في فضل مصر، ويرجى أن يكون ما وقع من أهلها من دفاع عن الدين، ومن نصر للحق، في مختلف العصور دالا على هذا الفضل.
وبخصوص الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وفيه: فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها. فمضمونه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر بالخروج من مصر إذا رأى رجلين يختصمان في موضع لبنة، وقد وقع ذلك حين اختصم ربيعة وعبد الرحمن ابنا شرحبيل بن حسنة في موضع لبنة، فخرج أبو ذر منها، وكان هذا علما من أعلام النبوة.
وننبه إلى أن قول السائل وهي في نفس الحديث، إن قصد به الحديث الأول الذي سأل عن صحته، فالأمر ليس كذلك، بل هي جزء من الحديث الذي رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1424(3/523)
النهي عن غمس اليدين من كل نوم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله، عندي مسائل في حديث: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء.. الحديث، ما هو فقه الحديث؟ وهل لا بد لي لما أستيقظ أن أغسل يدي ثلاثا أو اثنتين كما في رواية أخرى، وكيف لي أن أغمس يدا وأنا أستعمل الصنبور؟ وهل الغمس سنة أو واجب؟ .. وهل الغمس من نوم ليلا أو أي نوم؟.. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 36103 شيء من فقه الحديث المشار إليه في السؤال، فلتراجع، وأما قول السائل: كيف لي أن أغمس يدي وأنا أستعمل الصنبور.. الخ: فنقول إن الغمس منهي عنه، وليس مأمورا به، والمقصود غسل اليد، سواء بالصنبور أو بغيره قبل إدخالها في الإناء.
وأما هل يكون الغسل من نوم الليل أو النهار؟
فجوابه: أن علماء الحنابلة خصوا ذلك بمن قام من نوم الليل، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: فإنه لا يدري أين باتت يده.
وقال الجمهور: يستحب الغسل بعد كل نوم، لأن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وقول الجمهور أولى، وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1424(3/524)
معنى حديث ((يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق))
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد.. ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الخوارج، وقال في آخره {يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق} البخاري، ما معنى هذا الكلام وهل الخوارج كفار ولماذا أمر بقتلهم كقتل عاد..؟ والسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
رواه الإمام مسلم في صحيحه وأحمد وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفترق أمتي فرقتين فتمرق بينهما مارقة فيقتلها أولى الطائفتين بالحق. هذا لفظ الإمام أحمد.
وهذا الحديث له طرق متعددة وألفاظ كثيرة، ومعناه هو ما وقع في خلافة علي رضي الله عنه، حيث خرج الحرورية والخوراج وكفروا علياً رضي الله عنه ومعسكره، ومعاوية رضي الله عنه ومعسكره.
فقاتلهم علي رضي الله عنه في النهروان وتغلب عليهم، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 4/467: فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلا الطائفتين المقتتلتين علي وأصحابه ومعاوية وأصحابه على حق، وأن علياً وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه. انتهى.
وأما هل الخوارج كفار فقد سبقت فتوى في هذا عن ذلك برقم:
25436.
وأما قولك لماذا أمر بقتلهم كقتل عادٍ، فجوابه أنه لأجل المفاسد التي ارتكبوها، فإنهم سفكو دماء المسلمين وكفروا سادات الصحابة من الأنصار والمهاجرين يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان، كما حرفوا كلام رب العالمين، حيث ذهبوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(3/525)
تخريج حديث "لو كان موسى حيا"
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن حديث وأتذكر جزءاً منه وهو عندما قال الرسول لعمر بن الخطاب لو كان موسى عليه السلام حيا ما وسعه إلا أن يتبعني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الذي تسأل عنه نصه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: حين أتاه عمر فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. رواه أحمد والبيهقي في كتاب شعب الإيمان، وهو حديث حسن.
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب ألم آت بها بيضاء نقية، لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. وقد ورد الحديث من طرق أخرى ضعيفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1424(3/526)
حدبث " الغيبة ذكرك أخاك بما يكره"
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة نص الحديث والرواة الذى فيما معناه يوضح أن الحديث عن شخص بصفة لا يحبها سواء كانت فيه أو لا فقد نهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء قول هذه الصفة في وجوده أو عدم وجوده.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل يسأل عن الحديث الذي رواه الإمام مسلم في تعريف الغيبة، وقد سبق أن ذكرناه مع كلام مفصل عن الغيبة في الفتوى رقم: 6710 فليرجع إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(3/527)
حديث "إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال" لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا ابتلت النعال فالصلاة فى الرحال" صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الذي سألت عنه لم نعثر عليه بهذا اللفظ، ولكن هناك حديث متفق عليه قريب منه في المعنى، فعن ابن عمر: أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر فقال: في آخر ندائه ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: ألا صلوا في رحالكم.
وقد ذكر بعض شراح كتب الحديث رواية بلفظ: إذا ابتلت النعال فالصلاة في البيوت.، وذكره صاحب خلاصة البدر المنير وصاحب تحفة الأحوذي، وقال: وأما الحديث بلفظ إذا ابتلت النعال فصلوا في الرحال.، قال الحافظ في التلخيص: لم أره في كتب الحديث، وقال شيخ تاج الدين الفزاري في الإقليد لم أجده في الأصول وإنما ذكره أهل العربية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1424(3/528)
شرح حديث "المؤمن القوي ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف أرجو تفسير هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد شرح الإمام النووي هذا الحديث في شرح صحيح مسلم فقال: المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب
هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبا لها ومحافظة عليها، ونحو ذلك.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل خير، فمعناه في كل من القوي والضعيف خير لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(3/529)
معنى حديث "لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت"
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الأبناء يجنون ثمار الأباء؟ وما تفسير الحديث الذي معناه: ما نبت جسم من سحت إلا والنار أولى به؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سؤالك الأول (لماذا الأبناء يجنون ثمار الآباء) غير واضح، فالرجاء أن تبين المقصود عندك منه.
وأما الحديث الذي سألت عن تفسيره، فإنه ورد في مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي وكتب أخرى، وهو حديث صحيح ونصه عن جابر بن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كعب بن عجرة أعيذك بالله من إمارة السفهاء، قال: وما ذاك يا رسول الله: قال: أمراء سيكونون من بعدي، من دخل عليهم فصدقهم بحديثهم وأعانهم على ظلمهم فليسوا مني ولست منهم ولم يردوا علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بحديثهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وأولئك يردون علي الحوض، يا كعب بن عجرة الصلاة قربان، والصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، يا كعب بن عجرة لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت النار أولى به، يا كعب بن عجرة الناس غاديانٍ فغاد بائع نفسه وموبق رقبته، وغاد مبتاع نفسه ومعتق رقبته. وفي رواية الترمذي: لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به.
قال في تحفة الأحوذي: "لا يربو" أي لا يرتفع ولا يزيد، ربا المال يربو إذا زاد، "لحم نبت" أي: نشأ "من سحت" بضم السين وسكون الحاء أي: حرام جـ3صـ192.
ومعنى الكلام: أن المرء إذا تعود أكل الحرام حتى نما منه جسمه، فإن جهنم أولى به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1424(3/530)
المقصود الانقياد لأحكام الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وكثر الله من أمثالكم وبعد:
فما هو معنى الحديث الشريف >وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقد ضعفه الشيخ الألباني في كتاب "ظلال الجنة في تخريج أحاديث السنة" لابن أبي عاصم، ونسبه إلى الحسن بن سفيان في الأربعين، والسلفي في الأربعين البلدانية، والهروي في ذم الكلام، وابن بطة في الإبانة، وقد أعله ابن رجب في شرحه على الأربعين النووية، هذا من حيث الإسناد.
وأما من حيث المعنى فإن المقصود بالحديث الحض على تمام الانقياد لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من أحكام الشرع، فعلى هذا فهو صحيح المعنى وإن لم يصح إسناده، كما أشار إلى ذلك صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد، وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلا تبعاً لما جاء به الرسول ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال، فيكون قوله تبعاً لقوله، وعمله تبعاً لأمره، فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين. انتهى.
وأصل ما ورد في هذا الحديث موجود في القرآن الكريم كقول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] ، وغيرها من الآيات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1424(3/531)
التوفيق بين حديث "يجمع أحدكم" وحديث "فيما يبدو للناس"
[السُّؤَالُ]
ـ[إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد؛ فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري [رقم: 3208] ومسلم [رقم: 2643] .
هل هذا الحديث مطلق وقيد بالحديث (يعمل بعمل أهل الجنة فيما أو بما يظهر للناس ... ... ..... الحديث)) ..
كيف نوفق بين الحديثين وهل استعمال هذه القاعدة صحيح هنا؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم أخرجه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما، وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم:.... وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة -فيما يبدو للناس- وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار -فيما يبدو للناس- وهو من أهل الجنة.
أن رجلاً من المسلمين أبلى بلاء حسنا وكان يضرب في المشركين فأثنى عليه الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو من أهل النار، فقال رجل: أنا أصاحبه فأتبعه، فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله وقص عليه القصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل....
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله قوله: فيما يبدو للناس فيه إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك.....
وبهذا يتبين أنه ليس بين الروايتين المذكورتين إطلاق وتقييد، بل هو بيان وتفسير لحقيقة العمل الظاهر ومخالفته لما في الباطن، حيث يبدو للرائي خلاف ما في باطن الفاعل، والله تعالى مطلع على الظواهر والسرائر، كما قال عز وجل: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] .
والعبد مؤاخذ عند الله بما يعمل في الباطن والظاهر، ولا يؤاخذ عند العباد إلا بما اطلعوا عليه من الظاهر، فبين النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة الورادة في حديث سهل أن كونه من أهل الجنة أو من أهل النار معلوم عند الله في كل الأحوال، وإن كان عمله يختلف من حال لآخر، فيحكم عليه الناس بما يرون منه، لا على حقيقة الأمر كما هو الأمر في حكم الله عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1424(3/532)
الحدبث الوارد في سبب نزول قوله تعالى "ويل للمطففين" صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة الحديث التالي وهل هو صحيح أم ضعيف ومن الراوى: (لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وجد أهلها من أخبث الناس كيلا فنزل قوله تعالى: " ويل للمطففين") ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الله المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله سبحانه "ويل للمطففين" فأحسنوا الكيل بعد ذلك رواه النسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في سننه، والطبراني في معجمه الكبير، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وفيه "أبخس" بدل "أخبث" وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وقد حسن هذا الحديث الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، وصحيح الترغيب والترهيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1424(3/533)
شرح حديث " الحلال بين والحرام بين "
[السُّؤَالُ]
ـ[عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) هلاّ وضحتم لنا هذا الحديث بالتفصيل؟
أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ... ".
أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية الدين والعرض، وحذر من مواقعة الشبهات ...
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين" فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام:
- حلال بين واضح، كالخبز والفواكه والزيت والعسل والكلام والنظر والمشي....
- وحرام بين، وهو الخمر والخنزير والغيبة والنميمة ...
- والمشتبهات، وهي أمور ليست بواضحة الحل ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها.
أما العلماء، فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو غير ذلك، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة، ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فإذا ألحقه به صار منه، وقد يكون دليله غير خال من الاحتمال البين، فيكون الورع تركه، ويكون داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه".
أي: حصلت له البراءة لدينه من الذم الشرعي، وصان عرضه عن كلام الناس فيه.
وقوله: "إن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه" معناه أن الملوك من العرب وغيرهم يكون لكل منهم حمى يحميه عن الناس، ومن دخله أوقع به العقوبة، ولله تعالى حمى هو محارمه أي المعاصي التي حرمها، كالقتل والزنا والسرقة ... ومن قارب شيئاً من ذلك يوشك أن يقع فيه، "إلا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
قال أهل اللغة: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد، مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب، وفي هذا الحديث التأكيد على السعي في إصلاح القلب وحمايته من الفساد.
واحتُج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس، وفيه خلاف مشهور، ومذهب أهل السنة وجماهير المتكلمين على أنه في القلب، وقال أبو حنيفة: إنه في الرأس.
وحكى ذلك عن الأطباء، ولك أن تنظر شرح الحديث المذكور في فتح الباري على صحيح البخاري، والنووي على صحيح مسلم وغيرهما.
وراجع في المسألة الأخيرة الجواب رقم: 13977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1424(3/534)
مسائل من جوامع الكلم
[السُّؤَالُ]
ـ[- (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ما معنى ذلك؟
- إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ما معنى ذلك؟
- (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) ما معنى ذلك؟
- (لا ضرر ولا ضرار) ما معنى ذلك؟
- (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ما معنى ذلك؟
- (ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) ما معنى ذلك؟
- (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر) ما معنى ذلك؟
- (الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) ما معنى ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
- فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
رواه الترمذي والنسائي من حديث أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنهما.
ومعناه -والله أعلم-: اترك ما يوقعك في الشك والريبة لخفاء حكمه واشتباهه، واتجه إلى الأمر الذي لا يوقعك في الشك والشبهة لوضوح حكمه وبيان أمره.
قال العلماء: إذا اشتبه على المسلم حل شيء وحرمته، فينبغي له أن يتركه إلى ما هو ظاهر الحل الذي لا ريب فيه ولا شك، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه".
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبؤة ... إلخ" فقد رواه البخاري.
ومعنى أدركوه: توارثوه جيلاً بعد جل عبر القرون عن الأنبياء السابقين، ومعنى "فاصنع ما شئت" قيل: معناه التهديد لمن لم يكن عنده حياء، ويرتكب المعاصي كأنه لا يبالي، فهو كقوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) وقيل معناه: أنه على ظاهره، فإذا كان الفعل لا يستحيى منه من جهة الشرع فلا مانع من فعله.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " ... كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ... " فقد رواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
ومعناه -والله أعلم-: أن كل إنسان في هذه الحياة يكدح لتحصيل منافعه وأغراضه وتحقيق أهدافه، وفي سبيل هذا الكدح ينقضي عمر الإنسان، ويلقى ربه، ونتيجة الكدح بعد ذلك مختلفة، فمن قضى عمره في طاعة الله عز وجل، فقد باع نفسه لله تعالى وأعتقها من غضبه وعقابه، ومن قضى عمره في معصية الله تعالى، فقد باع نفسه للشيطان وهوى النفس وأوبقها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقابه.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" فقد رواه مالك في الموطأ.
ومعناه -والله أعلم-: أنه لا يجوز لأحد أن يدخل الضر على نفسه أو على غيره.
وأما أخذ الشخص وعقابه بما يستحق، لأنه اقترف جريمة أو تعدى حداً من حدود الله تعالى، فليس من هذا الباب، لأنه من باب العدل والوفاء بحقوق الله تعالى فلا يتناوله الحديث.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم....الحديث" فقد رواه البيهقي، وله أصل في الصحيحين.
قال العلماء معناه: لو يعطى الناس ما يطلبونه بمجرد إخبارهم عن لزوم حق لهم على الآخرين دون طلب بينة منهم لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم، وأخذوها بمجرد الدعوى طمعاً وجمعاً وحباً للتملك، ولسفكوا دماءهم حقداً عليهم وعداوة لهم، فالشرع لا يُمكن أحداً مما ادعى بمجرد الدعوى، ولكنه فرض إقامة البينة التي تدل على صحة الدعوى وصدق المدعي، فقال صلى الله عليه وسلم: "ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر".
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه" فقد رواه مسلم في صحيحه.
قال النووي معناه: من كان عمله ناقصاً لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي ألا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء.
وقال بعض أهل العلم: من قصر به عمله عن الوصول إلى درجات الصالحين لم ينفعه حسبه ونسبه، ولو انتسب إلى النبيين والصديقين.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها ... " فقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ومعناه -والله أعلم-: الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقسيم مال الميت على أصحاب الفرائض الذين جاء ذكرهم في كتاب الله تعالى، فإذا بقي شيء من المال عن أصحاب الفرائض أعطي لأقرب ذكر من عصبة الميت، وإذا لم يبق شيء بعد الفرائض فلا شيء للعصبة.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" فقد رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.
ومعناه -والله أعلم-": أن الرضاعة يباح بها ما يباح بالنسب، ويحرم بها ما يحرم بالنسب، أي: أنها تكون بمنزلته إلا في أمور نص عليها العلماء.
قال النووي: الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة.
أي: وتبيح ما تبيح، وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه، وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة، وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة، ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام الأمومة من التوارث ووجوب الإنفاق.
والحاصل أن هذه الأحاديث التي سألت عنها من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وتتضمن من المعاني والأحكام ما لا يتسع المقام لذكره، ولهذا ذكرها النووي في أربعينه، وابن رجب في خمسينه، وننصحك بالرجوع إلى جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي رحمه الله، وستجد فيه بغيتك إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1424(3/535)
مسائل من جوامع الكلم
[السُّؤَالُ]
ـ[- (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ما معنى ذلك؟
- إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ما معنى ذلك؟
- (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) ما معنى ذلك؟
- (لا ضرر ولا ضرار) ما معنى ذلك؟
- (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ما معنى ذلك؟
- (ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) ما معنى ذلك؟
- (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر) ما معنى ذلك؟
- (الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) ما معنى ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
- فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
رواه الترمذي والنسائي من حديث أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنهما.
ومعناه -والله أعلم-: اترك ما يوقعك في الشك والريبة لخفاء حكمه واشتباهه، واتجه إلى الأمر الذي لا يوقعك في الشك والشبهة لوضوح حكمه وبيان أمره.
قال العلماء: إذا اشتبه على المسلم حل شيء وحرمته، فينبغي له أن يتركه إلى ما هو ظاهر الحل الذي لا ريب فيه ولا شك، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه".
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبؤة ... إلخ" فقد رواه البخاري.
ومعنى أدركوه: توارثوه جيلاً بعد جل عبر القرون عن الأنبياء السابقين، ومعنى "فاصنع ما شئت" قيل: معناه التهديد لمن لم يكن عنده حياء، ويرتكب المعاصي كأنه لا يبالي، فهو كقوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) وقيل معناه: أنه على ظاهره، فإذا كان الفعل لا يستحيى منه من جهة الشرع فلا مانع من فعله.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " ... كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ... " فقد رواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
ومعناه -والله أعلم-: أن كل إنسان في هذه الحياة يكدح لتحصيل منافعه وأغراضه وتحقيق أهدافه، وفي سبيل هذا الكدح ينقضي عمر الإنسان، ويلقى ربه، ونتيجة الكدح بعد ذلك مختلفة، فمن قضى عمره في طاعة الله عز وجل، فقد باع نفسه لله تعالى وأعتقها من غضبه وعقابه، ومن قضى عمره في معصية الله تعالى، فقد باع نفسه للشيطان وهوى النفس وأوبقها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقابه.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" فقد رواه مالك في الموطأ.
ومعناه -والله أعلم-: أنه لا يجوز لأحد أن يدخل الضر على نفسه أو على غيره.
وأما أخذ الشخص وعقابه بما يستحق، لأنه اقترف جريمة أو تعدى حداً من حدود الله تعالى، فليس من هذا الباب، لأنه من باب العدل والوفاء بحقوق الله تعالى فلا يتناوله الحديث.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم....الحديث" فقد رواه البيهقي، وله أصل في الصحيحين.
قال العلماء معناه: لو يعطى الناس ما يطلبونه بمجرد إخبارهم عن لزوم حق لهم على الآخرين دون طلب بينة منهم لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم، وأخذوها بمجرد الدعوى طمعاً وجمعاً وحباً للتملك، ولسفكوا دماءهم حقداً عليهم وعداوة لهم، فالشرع لا يُمكن أحداً مما ادعى بمجرد الدعوى، ولكنه فرض إقامة البينة التي تدل على صحة الدعوى وصدق المدعي، فقال صلى الله عليه وسلم: "ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر".
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه" فقد رواه مسلم في صحيحه.
قال النووي معناه: من كان عمله ناقصاً لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي ألا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء.
وقال بعض أهل العلم: من قصر به عمله عن الوصول إلى درجات الصالحين لم ينفعه حسبه ونسبه، ولو انتسب إلى النبيين والصديقين.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها ... " فقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ومعناه -والله أعلم-: الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقسيم مال الميت على أصحاب الفرائض الذين جاء ذكرهم في كتاب الله تعالى، فإذا بقي شيء من المال عن أصحاب الفرائض أعطي لأقرب ذكر من عصبة الميت، وإذا لم يبق شيء بعد الفرائض فلا شيء للعصبة.
- وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" فقد رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.
ومعناه -والله أعلم-": أن الرضاعة يباح بها ما يباح بالنسب، ويحرم بها ما يحرم بالنسب، أي: أنها تكون بمنزلته إلا في أمور نص عليها العلماء.
قال النووي: الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة.
أي: وتبيح ما تبيح، وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه، وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة، وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة، ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام الأمومة من التوارث ووجوب الإنفاق.
والحاصل أن هذه الأحاديث التي سألت عنها من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وتتضمن من المعاني والأحكام ما لا يتسع المقام لذكره، ولهذا ذكرها النووي في أربعينه، وابن رجب في خمسينه، وننصحك بالرجوع إلى جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي رحمه الله، وستجد فيه بغيتك إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1424(3/536)
أحاديث في الفتن.....
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد حديث أبي هريرة والذي رواه في آخر حياته والذي أخبر فيه عن الفتن التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى آخر الزمان وجزء من الحديث ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم خطب بنا إلى الظهر ثم صعد المنبر وخطب بنا حتى الظهر.... الحديث)) أو كما معنى الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل الحديث الذي يسأل عنه السائل الكريم هو ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عمرو بن أخطب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا.
ومثل هذا الحديث ما جاء أيضاً في صحيح مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقاماً ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به! حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه.
وفي مثل هذا المعنى جاء حديث أبي سعيد الخدري الطويل الذي رواه الترمذي في سننه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة العصر بنهار "أول الوقت" ثم قام خطبنا فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه...... إلخ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(3/537)
شرح أثر: إني والجن والإنس في نبأ عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث القدسي أنا والجن والإنس معناه وشرح الكلمات وإكماله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي بعض الآثار الإلهية: إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بالنعم، ويتبغضون إلي بالمعاصي. وقد ضعف الحديث الألباني في السلسلة الضعيفة فذكر أن في سنده انقطاعاً بين شريح وأبي الدرداء.
وقال المناوي في شرحه لهذا الحديث: (تنبيه) قال الغزالي: المنعم هو الله، والوسائط مسخرون من جهته، فهو المشكور، وتمام هذه المعرفة في الشك في الأفعال، فمن أنعم عليه ملك بشيء فرأى لوزيره أو وكيله دخلاً في إيصاله إليه فهو إشراك به في النعمة فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه بل منه بوجه ومن غيره بوجه فلا يكون موحداً في حق الملك، وكمال شكره أن لا يرى الواسطة مسخرة تحت قدرة الملك ويعلم أن الوكيل والخازن مضطران من جهته في الإيصال فيكون نظره إلى الموصل كنظره إلى قلم الموقع وكاغده فلا يؤثره ذلك شركاً في توحيده من إضافته النعمة للملك، فكذلك من عرف الله وعرف أفعاله، على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره كالقلم في يد الكاتب، والله هو المسلط على الفعل شاءت أم أبت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1430(3/538)
حول حديث عبد الله بن سلام: (إني سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو عن حديث عبد الله بن سلام عندما سأل النبي عن ثلاثة أشياء لا يعلمها إلا نبي فهل عبد الله بن سلام كان يعرف إجابات هذه الأسئلة؟ وهل هناك أحد غير الأنبياء يعرفون إجابات هذه الأسئلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج أحمد والبخاري عن أنس بن مالك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخبر عبد الله بن سلام بقدومه وهو في نخله فاتاه فقال إني سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي, فإن أخبرتني بها آمنت بك وإن لم تعلمهن عرفت أنك لست بنبي, قال فسأله عن الشبه، وعن أول شيء يأكله أهل الجنة، وعن أول شيء يحشر الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بهن جبريل آنفا، قال: ذاك عدو اليهود، قال: أما الشبه إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ذهب بالشبه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل ذهبت بالشبه، وأما أول شيء يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما أول شيء يحشر الناس فنار تخرج من قبل المشرق فتحشرهم إلى المغرب فآمن، وقال أشهد أنك رسول الله. ...
فإن قيل كيف عرف عبد الله بن سلام هذه الأمور مع كونه غير نبي؟
فالجواب أنه تعلم هذه الأمور عن طريق الأنبياء السابقين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح:" ففي هذه الأحاديث أن علماء اليهود كعبد الله بن سلام وغيره كانوا يسألونه عن مسائل يقولون فيها لا يعلمها إلا نبي أي ومن تعلمها من الأنبياء فإن السائلين كانوا يعلمونها كما جاء أيضا لا يعلمها إلا نبي أو رجل أو رجلان فكانوا يمتحنونه بهذه المسائل ليتبين هل يعلمها وإذا كان يعلم ما لا يعلمه إلا نبي كان نبيا ومعلوم أن مقصودهم بذلك إنما يتم إذا علموا أنه لم يعلم هذه المسائل من أهل الكتاب ومن تعلم منهم وإلا فمعلوم أن هذه المسائل كان تعلمها بعض الناس لكن تعلمها هؤلاء من الأنبياء.
وبذلك يكون قد ثبت للأخ السائل أنه من الممكن أن يكون هناك من يعلم مثل هذه الأشياء، ولكن هو قد تعلمها من نبي من الأنبياء كما هو الحال في حديث عبد الله بن سلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1429(3/539)
معنى حديث: كذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني..
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بـ كذبني ابن آدم وشتمني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التكذيب يقصد به إنكار كلام المتكلم ونسبته للكذب، والمراد به في الحديث القدسي هنا: هو إنكار الكفار قدرة الله على إحيائهم بعد موتهم، وأما الشتم فيراد به السب والاتهام بالباطل، والمراد هنا: ما يقوله الكفار من نسبة الولد إلى الله تعالى، وسبحان الله تعالى عما يصفون.
ففي حديث البخاري قال الله تعالى: كذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا. وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن له كفوا أحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1429(3/540)
الأحاديث القدسية نوع من الأحاديث النبوية وليست صحف إبراهيم أو موسى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الوقت الصحيح الذي نزلت فيه الأحاديث القدسية؟ وهل هي تلك الوصايا التي نزلت على موسى عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأحاديث القدسية تعتبر جزءاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأحاديث القدسية والنبوية كلاهما وحي من الله تبارك وتعالى، والفرق بينهما أن الحديث القدسي هو ما أوحاه الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه مما ليس قرآناً.
وأما الحديث النبوي فهو ما أوحى الله تعالى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المعاني، وعبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه الشريف، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 36884.
ولهذا، فالحديث القدسي نوع من أنواع الوحي، ومدة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثاً وعشرين سنة، ففي هذه المدة كان الوحي ينزل عليه صلى الله عليه وسلم، ومن ضمنه الأحاديث القدسية ولم نقف على وقت خاص لنزولها.
وهذه الأحاديث القدسية ليس هي الصحف التي نزلت على موسى أو على إبراهيم أو غيرهما، وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 39965.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(3/541)
من الأحاديث القدسية التي يخاطب الله فيها عباده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستطيعون أن تكتبوا لي ولو حديثا من الأحاديث التي يخاطب بها رسول الله عليه السلام ربه وآخر يخاطب الله به عباده وجزاكم الله كل الخير وبارك الله فيكم أجمعين. والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الأحاديث التي يخاطب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه قوله في سيد الاستغفار الذي رواه البخاري في الصحيح من حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم: سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ومن الأحاديث القدسية التي يخاطب الله تعالى فيها عباده قوله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.. رواه مسلم في صحيحه وهو حديث طويل.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(3/542)
معنى \"وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على جهودكم العظيمة في هذا الموقع ونفع الله بجهودكم الإسلام والمسلمين وبعد، فسؤالي عن المراد بمعنى (التردد) في قوله تعالى في الحديث القدسي: وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته. رواه البخاري. وهل نستطيع أن نقول إن هذا التردد صفة لله تعالى وهل هو صفة معنى أو غير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التردد في قبض نفس المؤمن صفة فعلية خبرية ثابتة لله تعالى على ما يليق به سبحانه (ليس كمثله شيء) ، والدليل حديث أبي هريرة المذكور في السؤال، وقد بسط الكلام عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى فقال: قالت طائفة: إن الله لا يوصف بالتردد، وإنما يتردد من لايعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب. والتحقيق أن كلام رسوله حق، وليس أحد أعلم بالله من رسوله ولا أنصح للأمة منه ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه. ولكن المتردد منا وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور، لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزله ما يوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ثم هذا باطل فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهل منه بالشيء الواحد الذي يُحب من وجه ويكره من وجه، ومثل هذا إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح (حفت الجنة بالمكاره) وقال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ، ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث. فإنه قال: لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباً له يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة بحيث يحب ما يحب محبوبه، ويكره ما يكره محبوبه، والرب يكره أن يسيء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه، والله سبحانه وتعالى قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه وهو مع هذا كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مرادا للحق من وجه، مكروها له من وجه. وهذا حقيقة التردد. اهـ , من مجموع الفتاوى بتصرف. فعلم من هذا النقل أن إطلاق وصف التردد على الله لا يجوز إلا مقيداً بقبض نفس المؤمن، ومعناه هو ما ذكره ابن تيمية.
قال الشيخ ابن عثيمين (في لقاء الباب المفتوح) : إثبات التردد لله عز وجل على وجه الإطلاق لا يجوز، لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة: ما ترددت في شيء أنا فاعله. الحديث. وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء، بل هو من أجل رحمة هذا العبد المؤمن، ولهذا قال في نفس الحديث: يكره الموت وأكره إساءته ولا بد له منه. وهذا لا يعني أن الله موصوف بالتردد في قدرته أو عمله بخلاف الآدمي. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1425(3/543)
معنى "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن.."
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول الكريم: (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر فإذا خانه خرجت من بينهما" رواه أبو داوود
أشترك مع صديق لي في مصلحة، الاتفاق تم بصورة شفهية حاولت مرارا أن يكون ورقيا إلا أن الشريك يتهرب من ذلك، ناهيك عن أن ما دفعه من مال لا يكفي لتسيير دفة العمل بصورة مريحة، عندما أذكره بأنني لم أستلم رواتبي من أشهر يجاوبني بأنني شريك وعلي أن أضحي، وعندما أذكره بأن من حقي كشريك أن يكون لي مدخل على الحساب البنكي يتهرب، علما بأنه في الآونة الأخيرة فوجئت بسحبه لمبلغ من المال دون سابق اتفاق! هل هذه تصرفات شرعية؟ وهل لا يزال الرسول الكريم شريكاً ثالثاً لنا بعد كل هذه التجاوزات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن نص الحديث الذي ابتدأت به سؤالك هو: عن أبي هريرة رفعه قال: إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهما. رواه أبو داود والبيهقي والدارقطني وقال الشيخ الألباني: ضعيف.
ثم إنك قد فرطت إذ لم توثق أمر الشركة بينك وبين شريكك، والله تعالى يقول: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282] .
والذي يقوم به شريكك الآن من التهرب والمراوغات إنما هو حيل يريد بها الاستيلاء على حصتك من الشركة وتفويت الفرصة عليك، فلتبادر بطرح قضيتك على المحاكم الشرعية لتتدارك الموضوع.
وأما الذي تسأل عنه من أمر الشريك الثالث، فعلى تقدير صحة الحديث، فإن الله تبارك وتعالى وليس الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعنى شركته، جعل البركة والربح في المال.
قال صاحب عون المعبود في شرح الحديث المذكور: أنا ثالث الشريكين.: أي معهما بالحفظ والبركة، أحفظ أموالهما وأعطيهما الرزق والخير في معاملتهما ... وشركة الله تعالى إياهما على الاستعارة، كأنه تعالى جعل البركة والفضل والربح بمنزلة المال المخلوط، فسمي ذاته تعالى ثالثهما، وجعل خيانة الشيطان ومحقه البركة بمنزلة المخلوط، وجعله ثالثهما، وقوله خرجت من بينهما، ترشيح للاستعارة.... ج9-ص 170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1424(3/544)
حديث "كلكم ضال إلا من هديته"
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي باب أجد الحديث القدسي الذي ذكر فيه كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي سألت عنه أخرجه الإمام مسلم في كتاب البر والصلة والآداب تحت باب تحريم الظلم.
والحديث من رواية أبي ذر رضي الله عنه، وفيه: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم ... . الحديث.
ورواه أحمد في مسند أبي ذر والترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع برقم: (2495)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1423(3/545)
معنى حديث "..إلا الصوم فإنه لي.."
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في الحديث القدسي: "إن الصوم لي وأنا أجزي به" فكيف يختلف الصوم عن باقي العبادات لأن جميعها هي لله وهو الذي يجازي بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث القدسي المشار إليه في السؤال هو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم ولفظه: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.
أما معنى: فإنه لي وأنا أجزي به ... فقد أورد النووي -رحمه الله- عدة أقوال للسلف في توجيهه، قيل: لأن الصيام هي العبادة الوحيدة التي عُبِدَ الله بها وحده ولم يعبد أحد سوى الله بالصيام، أي لم يتقرب المشركون على مختلف الأعصار لمعبوداتهم بالصيام.
وقيل: لأن الصوم بعيد عن الرياء لخفائه.
وقيل: لأنه ليس للصائم ونفسه حظ فيه.
وقيل: إن الله تعالى هو المتفرد بعلم ثوابه وتضعيف الحسنات عليه.
وقيل: إضافته لله إضافة تشريف، كما يقال: "ناقة الله" و"بيت الله". بتصرف يسير.
ولا منافاة بين كل هذه الأقوال، ويحتمل أن تكون كلها مرادة.
وما ذكرت من أن العبادات يجب أن يكون كلها لله صحيح.. بل أي عبادة قصد بها غير الله فلا أجر لصاحبها بل هو معاقب على ريائه وقصده السيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1423(3/546)
جواب شبهة حول حديث (من مات وليس في عنقه بيعة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: رقم الفتوى: 111159.
عنوان الفتوى: توضيح المقصود من حديث: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.
تاريخ الفتوى: 04 شعبان 1429 / 07-08-2008
قرأنا فتواكم هذه، لكنها تعارض فتوى الشيخ العثيمين فى المحاضرات التى تنشرونها على موقعكم فى أكثر من محاضرة عن وجوب مبايعة ولي الأمر فى أي من الأقطار العربية والإسلامية، وإحدى فتاواه أسفل وفيها خلاف ما قلتم: في معنى حديث: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.
السؤال حديث: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.
ما معنى هذا الحديث؟ الجواب: معناه: أنه يجب على الإنسان أن يجعل له إماماً، ولا يحل لأحد أبداً أن يبقى بلا إمام، لأنه إذا بقي بلا إمام بقي من غير سلطان، ومن غير ولي أمر، والله -عزَّ وجلَّ - يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {النساء:59} .
وهذا الذي مات وليس في عنقه بيعة شاذٌّ خارجٌ عن سبيل المؤمنين، لأن المؤمنين لا بد أن يكون لهم أمير مهما كانت الحال، فإذا خالَفَ هذا وشذَّ صار خارجاً عن سبيل المؤمنين.
فأ يهما الأصح؟ رأي فضيلتك؟ أو رأي الشيخ العثيمين؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فهمه السائل من الفتوى المذكورة ليس هو المراد، فليس من شرط البيعة أن تجتمع الأمة كلها في المشرق والمغرب على إمام واحد، قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح العقيدة الواسطية: المسلمون أجمعوا ـ بلا نكير ولا اختلاف ـ على انعقاد الإمامة الشرعية لإمامين: هما: إمام بني العباس في بغداد، وإمام بني أمية في الأندلس ومضت الأمة على ذلك قروناً، وكل واحد من هذين الإمامين العلماء وأئمة السنة في بلده يقولون: هذا الإمام الذي تجب بيعته ويحرم الخروج عليه، وهذا إجماع منهم على أن البيعة لا يشترط لها الخلافة الراشدة العامة، بل البيعة منوطة بمن ولي الأمر، لأن البيعة تتجزأ حسب البلد، بحسب الوالي، هذا بحث.
والثاني: في هذه المسألة أن هذا القول - وهو أن البيعة لا تكون إلا مع الإمامة العظمى - يلزمه أن البيعة قد ذهبت منذ أزمان، وأن قول النبي عليه الصلاة والسلام: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.
أن هذا مخصوص ببعض الأزمنة دون بعض، وهذا تحكم في دلالة النص وتحكم أيضاً في كلام أهل السنة، فالبيعة ليس لها زمن يحدها عند أهل السنة، بل هي ماضية ولم يحدها أحد، والقول بأن البيعة منوطة بالإمامة العظمى هذا يلزم منه هذين اللازمين الباطلين. انتهى.
وإنما المراد بالفتوى المحال عليها: التحذير من التحزب بأن تدعي كل طائفة أو جماعة بأن رئيسها هو الإمام الذي تجب طاعته وبيعته، ويأتون بآيات وأحاديث تحض على اجتماع المؤمنين على بيعة إمام واحد للأمة ويسقطونها ـ جهلاً أو اتباعاً للهوى ـ على أحزاب يخترعونها ويحملون ذلك على شخص منهم، كما جاء في نص الفتوى المعنية بالرقم: 111159.
وقد سبق لنا بيان معنى الحديث المذكور والمراد ببيعة الإمام وماهيتها وكيف تتم؟ في الفتاوى التالية أرقامها: 6927، 23027، 31487، 117439.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(3/547)
وجه وصف كلمات الله تارة بأنها تامة وتارة بأنها تامات
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا التامة جاءت مفردة فى الحديث الأول جمعا فى الحديث الثانى؟.
1ـ أعوذ يكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
2ـ أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
وما هى كلمات الله التامة؟.
وما هى كلمات الله التامات؟.
الآية: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي.
فما هى كلمات ربي فى هذه الآية؟ وهل هى نفسها الموجودة فى الحديثين؟.
وبالنسبة للحديث الثانى: هل هذه رواية أخرى له: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ؟.
وإذا كانت رواية أخرى له، فما معنى: ذرأ وبرأ؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة التامة بالإفراد والتامات بالجمع وردتا في أحاديث صحيحة وكلاهما جائز في اللغة وبليغ في المعنى فإذا اعتبرنا أن الإفراد وصف لما لا يعقل، فإن الأفصح في جمع الكثرة لغير العاقل أن يوصف بالإفراد، كما قال الخضري في حاشيته على ابن عقيل عند قول ابن مالك: والله يقضي بهبات وافرة.
وإذا اعتبرنا أن الجمع وصف لكثرتها فهو مناسب أيضا، لكثرة كلمات الله تعالى وعدم حصرها، ويمكن أن يقال: إن الوصف بالإفراد باعتبار الجنس، وبالجمع لاعتبار وصف أفراد هذه الكلمات وكثرتها ولتفخيمها وتعظيمها وقد وردت الألفاظ المذكورة في المسند وغيره من حديث ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين فيقول: أعيذكما بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن كل عين لامة.
قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري.
وقد فسر بعض أهل العلم كلمات الله: بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكتبه المنزلة، كما سبق بيانه في الفتاويينرقم: 50004، ورقم: 72333.
وهو معناها في الآية المشار إليها، قال أهل التفسير: هي علمه وحكمه وآياته الدالة عليه، كما سبق بيانه في الفتوى: 52329، ولذلك فكلمات الله تعالى شاملة لأسمائه وصفاته وما أنزل في كتبه من الحكم والعلوم، كما فسرها بذلك شراح الحديث.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وهي كناية عن عدم تناهي معلومات الله تعالى.
وبرأ معناه: خلق، قال ابن منظ ور في اللسان: برَأَ اللهُ الخَلْقَ: خَلَقَهُم، والبارئُ مِن أَسماءِ الله عزَّ وجلَّ.
وهو الذي خَلَقَ الخَلْقَ لا عن مِثالٍ، ولهذِهِ اللفْظَةِ مِن الاخْتِصاصِ بخِلْقِ الحيَوانِ ما ليس لها بغَيرهِ مِن المخْلوقات وقَلَّما تُسْتَعْمَلُ في غيرِ الحيوانِ فيُقال برَأَ اللهُ النَّسَمَة وخَلَقَ السَّموات والأَرضَ.
وذرأ معناه: خلق، والذرأ مختص بخلق الذرية، كما في لسان العرب: وذرَأَ اللهُ الخَلْقَ يَذْرَؤُهُمْ ذَرْءاً خَلَقَهم. وفي حديث الدُّعاءِ: أَعوذ بكَلِمات اللهِ التامّاتِ من شَرِّ ما خَلَقَ وذرَأَ وبَرَأَ.
وكأَنَّ الذَّرْء مُخْتَصٌّ بخَلْقِ الذّرِّيَّة.
وننبه السائل الكريم إلى أن النص الصحيح للآية الكريمة هو: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا {الكهف:109} .
وفي آية أخرى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {لقمان:27} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(3/548)
معنى: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا - ما معنى صلى الله عليه عشرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. . الحديث رواه مسلم وغيره.
ومعنى صلى علي: أي قال اللهم صل على محمد ... فهذه الجملة تعني أن قائلها يسأل الله تعالى مزيدًا من الرحمة والثناء والأمان.. لرسوله صلى الله عليه وسلم. فبذلك يكون جزاؤه الصلاة من الله تعالى عليه فيستوجب الرحمة والمغفرة والرضوان من الله تبارك وتعالى.
قال صاحب تحفة الأحوذي: صلى الله عليه بها عشرا: أي أعطاه الله بتلك الصلاة الواحدة عشرا من الرحمة.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 98633 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(3/549)
الجمع بين حديث عتقاء الرحمن وحديث العهد الذي بيننا وبينهم..
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقع عندي إشكال, وسوء فهم ناتج عن التوفيق بين حديثين صحيحين، وأرجو منكم أن توضحوا وتوفقوا بين هذين الحديثين وتنفعونا بما عندكم من علم. عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في حديث له طويل عن الشفاعة فذكر القوم الذين يدخلون الجنة بغير عمل عملوه فقال أهل الجنة عنهم: فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه. ففي هذا الحديث أن هناك قوما سيدخلهم الله يوم القيامة الجنة وهم لم يعملوا حسنة واحدة. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك. قال الألباني: صحيح، وفي حديث آخر عن بريدة بن حصيب -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. قال الترمذي: حسن صحيح. ففي الأحاديث المذكورة إشكال كبير, يستحق التساؤل ومعرفة الحق فيه, ففي الحديثين الأخيرين أن تارك الصلاة (مشرك, كافر) ومن المعلوم أن الكفار لا يدخلون الجنة, وأن المشرك لا يغفر الله له, وفي الحديث الأول خروج قوم لم يعملوا خيرا، معناه أنهم كانوا تاركين للصلاة والصيام فكيف يا شيخ تفوض وتوفق بين الحديثين, وتصلح بينهم أرجو أن يكون مقصدي قد وضح. أنتظر الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أن الحديث الأول وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأما حديث أنس فقد رواه مسلم، ففي ذكرك لمجرد تصحيح الشيخ الألباني له قصور واضح في تخريجه، وأما حديث بريدة بن الحصيب فقد رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه. وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيه دليل للجمهور الذين ذهبوا إلى أن تارك الصلاة كسلاً لا يكفر كفراً يخرجه من الملة بل هو كفر دون كفر.
قال الشيخ الألباني في كتابه: حكم تارك الصلاة: فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله أنه لا يخلد في النار مع المشركين. ففي هـ دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء. انتهى.
ويكون الإشكال قائماً على قول من ذهب إلى أن تارك الصلاة كسلا خارج عن ملة الإسلام وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على سنن أبي داود: فيمكن أن يكون المعنى أنهم ما عملوا شيئاً بقي لهم أو ينفعهم، لا أنهم دخلوا في الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله ثم لم يسجدوا لله سجدة، ولم يطعموا مسكيناً، ولم يحجوا ولم يصوموا يوماً من الدهر. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالته عن حكم تارك الصلاة: ولم يرد في الكتاب والسنة أن تارك الصلاة ليس بكافر أو أنه مؤمن، وغاية ما ورد في ذلك نصوص تدل على فضل التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وثواب ذلك وهي إما مقيدة بقيود في النص نفسه يمتنع معها أن يترك الصلاة، وإما واردة في أحوال معينة يعذر الإنسان فيها بترك الصلاة، وإما عامة فتحمل على أدلة كفر تارك الصلاة، لأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة والخاص مقدم على العام. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(3/550)
معنى: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مبتلى بكثرة الحدث ـ والحمد لله ـ أدخل قبل الصلاة دورة المياه لأخرج كل ما في البطن ـ أكرمكم الله ـ حتى لا تفسد صلاتي، ومع ذلك أخرج من الصف أثناء الصلاة في صلاتين على الأقل يوميا ويسبب لي هذا إحراجا شديدا، لأنه يتكرر يوميا وصار البعض يعلق على ذلك مازحا، وأنا أحب صلاة الجماعة ومداوم عليها إلا ما اضطررت إليه وأخرج من الصف بسبب يقيني بخروج ريح، لكن لا أسمع صوتا ولا أشم رائحة فقط أشعر بذلك مع العلم أن باقي الصلوات قد لا يحدث معي ذلك فيها، فهل أفعل كما قال صلى الله عليه وسلم للصحابي: لا تخرج حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا. أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهل المقصود بتجد ريحا: هو شم رائحة؟ وهل يجوز لي حبس الريح ومنعه من الخروج حتى أكمل صلاتي تمشيا مع حالتي التي عرضتها عليكم؟ مع العلم أنني لا أعلم وقتا محددا لا تخرج فيه هذه الغازات من البطن لأصلي فيه، حيث أشعر بأنه لا توجد لدي غازات وبمجرد أن أشرع في الصلاة يخرج الريح ويتكرر معي بهذا الشكل، مع العلم أن عملي كأستاذ مرتبط بمحاضرات بوقت محدد مع وجود وقت يتخلل هذه المحاضرات لأداء الصلاة، فإن لم أصل في هذه الاستراحة قد يخرج وقت الصلاة لدخولي في المحاضرة التي بعدها.
والأمر يحزنني جدا، أفتوني بفتوى خاصة.
وجزاكم الله عني خير الجزاء، وآسف على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك حرصك على أداء الجماعة، واعلم أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً. هو أن يحصل له اليقين بخروج الريح ولا يشترط السماع ولا الشم إجماعاً، قال النووي ـ رحمه الله: وقوله صلى الله عليه وسلم: حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً. معناه: يعلم وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين. انتهى.
فإذا تيقنت أنه قد خرج منك ريح فقد انتقض وضوؤك ـ سواء سمعت صوتاً أو شممت ريحاً أو لا ـ ولكننا نرشدك إلى أدب عال علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ليرفعوا عنهم الحرج في مثل هذه الحال، وذلك فيما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف.
قال أبو الطيب العظيم آبادي في عون المعبود: قال الخطابي: إنما أمره أن يأخذ بأنفه ليوهم القوم أن به رعافاً، وفي هذا الباب من الأخذ بالأدب في ستر العورة وإخفاء القبيح والتورية بما هو أحسن وليس يدخل في باب الرياء والكذب، وإنما هو من التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس. انتهى.
وإذا كنت مصاباً بسلس الريح بحيث لا تجد في أثناء وقت الصلاة زمناً يتسع لفعل الطهارة والصلاة ـ تعلم أو يغلب على ظنك أنك ـ لا تحدث فيه، فإنك تتوضأ للصلاة بعد دخول الوقت وتصلي بوضوئك ذاك الفرض وما شئت من النوافل ولا يضرك ما خرج منك حتى يخرج وقت الصلاة، وانظر لبيان ضابط الإصابة بالسلس الفتوى رقم: 119395.
وأما إذا لم تكن مصاباً بالسلس فإنك تتوضأ وتصلي بصورة طبيعية فإذا غلبك الحدث فإنك تخرج من الصلاة وتعيد الوضوء والصلاة، فاعلاً ما أرشدناك إليه مما يندفع به عنك الحرج ـ إن شاء الله تعالى ـ
وأما الصلاة مع حبس الريح فإنها صحيحة ـ مع الكراهة ـ في قول الجمهور، فإن كانت المدافعة تطرأ في أثناء الصلاة فلا كراهة حينئذ في إتمامها، قال ابن مفلح في نكته على المحرر لمجد الدين ابن تيمية: ولم أجد أحداً صرح بكراهة صلاة من طرأ له ذلك في أثنائها، ولعل من أطلق العبارة رأى أن استدامة الصلاة ليست صلاة. وانظر الفتوى رقم: 8836.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(3/551)
شرح حديث (..ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير " دون أن يحدث نفسه " في حديث الوضوء للنبي صلى الله عليه وسلم (ثم صلي ركعتين دون أن يحدث بهما نفسه) وإذا كان المقصود بها وسوسة الشيطان أثناء أداء الصلاة، فهل أني لم أنل الأجر عندما تأتيني الوسوسة فيها لأنه نادرا ما تمر صلاة إلا وفيها وسوسة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه هو حديث عثمان رضي الله عنه في صفة الوضوء، وهو متفق على صحته، وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم: من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه. وليس معنى هذا ألا يعرض له في تينك الركعتين حديث نفس أصلاً؛ لأن ذلك غير داخل في مقدور العبد، بل معناه ألا يسترسل مع ما يعرض له من حديث النفس بأمور الدنيا وما لا تعلق له بالصلاة، كما بين ذلك العلماء، قال الصنعاني في سبل السلام: وتمام الحديث فقال أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه. أي لا يحدث نفسه فيهما بأمور الدنيا وما لا تعلق له بالصلاة ولو عرض له حديث فأعرض عنه بمجرد عروضه عفي عنه ولا يعد محدثاً لنفسه. انتهى.
وفي عون المعبود: قال النووي: المراد بقوله لا يحدث فيهما نفسه أي لا يحدث بشيء من أمور الدنيا وما لا يتعلق بالصلاة، ولو عرض له حديث فأعرض عنه لمجرد عروضه عفي عنه ذلك وحصلت له هذه الفضيلة إن شاء الله تعالى، لأن هذا ليس من فعله، وقد عفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1430(3/552)
معنى حديث: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين..
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة المقصود من الحديث: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين، هل هوالصلاة فقط؟ أم القراءة أيضا؟.
جزانا الله وإياكم كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المباركفوري في شرح المشكاة: أن القيام المذكور فسر بالصلاة وفسر بالتلاوة من غير صلاة. ورجح ـ رحمه الله ـ تفسيره بالقراءة في الصلاة بالليل، لحديث ابن خزيمة والحاكم: من صلى في ليلة بمائة آية. إلخ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1430(3/553)
شرح حديث (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن صفوف الصلاة: فقد قرأت حديثا عن النبي صلوات ربي وسلامه عليه يقول فيه: إن خير الصفوف أولها وشرها آخرها. أو كما قال.
فلم أفهم معناه، فما موقف المصلي الذي يأتي متأخرا ـ لظروف منعته ـ فيكون في الصفوف الأخيرة؟ وهل هذا الحديث صحيح؟.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا.هـ. والحديث رواه ـ أيضا ـ أحمد وأهل السنن الأربعة فهو حديث ثابت صحيح.
ومعنى خيرها أي أكثرها أجرا ومعنى شرها أي أقلها أجرا، قَالَ النَّوَوِيّ: أَمَّا صُفُوف الرِّجَال فَهِيَ عَلَى عُمُومهَا فَخَيْرهَا أَوَّلهَا أَبَدًا وَشَرّهَا آخِرهَا أَبَدًا، أَمَّا صُفُوف النِّسَاء، فَالْمُرَاد بِالْحَدِيثِ صُفُوف النِّسَاء اللَّوَاتِي يُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَال وَأَمَّا إِذَا صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَات لَا مَعَ الرِّجَال فَهُنَّ كَالرِّجَالِ خَيْر صُفُوفهنَّ أَوَّلهَا وَشَرّهَا آخِرهَا، وَالْمُرَاد بِشَرِّ الصُّفُوف فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء أَقَلّهَا ثَوَابًا وَفَضْلًا وَأَبْعَدهَا مِنْ مَطْلُوب الشَّرْع وَخَيْرهَا بِعَكْسِهِ، وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِر صُفُوف النِّسَاء الْحَاضِرَات مَعَ الرِّجَال لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَة الرِّجَال وَرُؤْيَتهمْ وَتَعَلُّق الْقَلْب بِهِمْ عِنْد رُؤْيَة حَرَكَاتهمْ وَسَمَاع كَلَامهمْ وَنَحْو ذَلِكَ وَذَمَّ أَوَّل صُفُوفهنَّ بِعَكْسِ ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم.هـ.
وبذلك تعلم أنه لا حرج على المصلي إذا فاتته الصفوف الأولى لكنه قد فاته خير كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1430(3/554)
شرح حديث (..يخفض القسط ويرفعه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[آية الكرسي أعظم آية في القرآن فيها أن الله عز وجل لا ينام ولا تأخذه سنة. لكن الحديث فيه أن الله عز وجل يخفض القسط. ما هو القسط؟ منزه ربنا عن كل نقص لكن يخفض تفهم أو فى اللغة العربية تشير أو تلوح لنقص- مفهوم أن الله لا يحتاج ليرتاح كالبشر فيخفض. من فضلك نرجو أن تشرح لنا معنى الخفض وكيف تفهم على أنها صفة كمال لله لا كما تفهم للعوام فهم غير صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
وأولى معاني القسط في هذا الحديث هو الميزان؛ لما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: وبيده الميزان يخفض ويرفع.
ولذلك قال ابن حجر في فتح الباري: وظاهره أن المراد بالقسط الميزان. اهـ.
وقيل: المراد بالقسط هنا الرزق.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (يخفض القسط ويرفعه) فقال القاضي عياض: قال الهروى: قال بن قتيبة: القسط الميزان، وسمى قسطا لأن القسط العدل، وبالميزان يقع العدل. قال: والمراد أن الله تعالى يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة ويوزن من أرزاقهم النازلة. وهذا تمثيل لما يقدر تنزيله، فشبه بوزن الميزان. وقيل: المراد بالقسط الرزق الذى هو قسط كل مخلوق، يخفضه فيقتره، ويرفعه فيوسعه. اهـ.
فليس في هذا الحديث ما يوهم نقصا، أو أن الله جل جلاله يحتاج إلى الراحة، تعالى الله عن ذلك، وليس المعنى خفض الميزان للراحة، وإنما المعنى: أَنَّ اللَّه يَخْفِض وَيَرْفَع مِيزَان أَعْمَال الْعِبَاد الْمُرْتَفِعَة إِلَيْهِ وَأَرْزَاقهمْ النَّازِلَة مِنْ عِنْده كَمَا يَرْفَع الْوَزَّان يَده وَيَخْفِضهَا عِنْد الْوَزْن فَهُوَ تَمْثِيل وَتَصْوِير لِمَا يُقَدِّر اللَّه تَعَالَى وَيُنَزِّل.
وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى {كُلَّ يَوْم هُوَ فِي شَأْن} أَيْ أَنَّهُ يَحْكُم بَيْن خَلْقه بِمِيزَانِ الْعَدْل فَأَمْره كَأَمْرِ الْوَزَّان الَّذِي يَزِن فَيَخْفِض يَده وَيَرْفَعهَا وَهَذَا الْمَعْنَى أَنْسَب بِمَا قَبْله كَأَنَّهُ قِيلَ كَيْف كَانَ يَجُوز عَلَيْهِ النَّوْم وَهُوَ الَّذِي يَتَصَرَّف أَبَدًا فِي مُلْكه بِمِيزَانِ الْعَدْل ... شرح سنن ابن ماجه للسندي.
وعلى ذلك فالحديث يدل على عدل الله سبحانه وحسن تدبيره لأمور خلقه، ولا شك أن هذا من صفات كماله جل وعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1430(3/555)
شرح حديث (صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما)
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث: صلاة في أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين. رواه أبو داود وأحمد وحسنه الألباني.
هل يفهم منه أن أذكار الصلاة تكون في آخر الصلاة -يعني بعد الفرض وسنن الرواتب كما عند الحنفية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اللغو المذكور في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما. يقصد به الكلام الباطل، لا مطلق الكلام وإن كان ذكرًا لله تعالى أو دعاء.
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ شرح سنن أبي داود عند بيانه لمعنى هذا الحديث، قال: صَلَاة فِي إِثْر صَلَاة: أَيْ صَلَاة تَتْبَع صَلَاة وَتَتَّصِل بِهَا فَرْضًا أَوْ سُنَّة أَوْ نَفْلًا، لَا لَغْو بَيْنهمَا: أَيْ لَيْسَ بَيْنهمَا كَلَام بَاطِل وَلَا لَغَط، وَاللَّغْو اِخْتِلَاط الْكَلَام، كِتَاب فِي عِلِّيِّينَ: أَيْ مَكْتُوب وَمَقْبُول تَصْعَد بِهِ الْمَلَائِكَة الْمُقَرَّبُونَ إِلَى عِلِيِّينَ لِكَرَامَةِ الْمُؤْمِن وَعَمَله الصَّالِح، قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ. اهـ.
وبهذا يتبين عدم صلاحية هذا الحديث ليكون حجة لمن يصل النافلة بالفريضة دون الإتيان بالأذكار المشروعة عَقيب الصلاة. والمؤمن الحريص على الخير يقتفي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحواله، وقد كان هديه صلى الله عليه وسلم الفصل بين صلاة الفريضة والصلاة التي بعدها بأذكار وأدعية منصوص عليها في دواوين السنة كالصحيحين وغيرهما، وانظر الفتوى رقم: 47896. ولقد نهى رسول الله أن توصل صلاة بصلاة، بل أرشد إلى صلاة النافلة في البيوت حتى لا تشابه القبور، وفي ذلك مبالغة في الفصل بين الفريضة والنافلة إذ الفريضة تؤدى في المسجد والنافلة تؤدى في البيوت، وانظر الفتوى رقم: 22946.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(3/556)
شرح وتوضيح: من سن في الإسلام سنة حسنة ...
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها
من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
فقد قرأت شرح هذا الحديث للعلامة: العثيمين ـ رحمه الله ـ وسؤالي هو: استنادا إلى الشرح والقصة التي اعتمد عليها في التأويل بأن معنى كلمة سن في هذا الموضع هو: أحيا، فإن الحديث يصبح كالآتي: من أحيا في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن أحيا في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
والشق الثاني من الحديث وقع فيه الإشكال فيما يلي:
1- كلمة ـ سن ـ في الشق الثاني سوف تتبع في تأويلها الكلمة نفسها في الشق الأول، لأنهما مترادفتان وجاءتا في سياق واحد في حديث واحد.
2- وبذلك تصبح الدلالة أنه كان في الاسلام سنن سيئة وماتت ومن أحياها فعليه وزرها، إلى آخره، وهذا غير مقبول، لأن الاسلام لم يأت بأي سنة سيئة من أصله، وبذلك فإن المعنى في الشق الثاني لا يتم بنفس التأويل كما أنه لا يصح تأويل هذه الكلمة بشكل مختلف كما ذكرت وبذلك، فإن تفسير كلمة سن في الشق الأول بمعنى أحيا لا يصح، وإذا ذهبنا الى معناها المباشر، فإن سن تصبح أحدث أو أوجد وهذا التأويل لا مشكلة شرعية فيه، لأننا نفهم من الحديث بأن السنة السيئة في الشق الثاني المقصود بها البدعة وهي: من أحدث شيئا لا أصل له في الدين وهو ليس منه، وهذا يصح شرعا، لأن الدين أتى بالخير والهدى ولم يأتي بأي شر، أما الشق الأول فيصبح: من أوجد في الاسلام سنة حسنة إلى آخره، وهذا لا إشكال شرعي فيه، لأن أبواب الخير لا حصر لها إطلاقا، ووسائل الخير لا حصر لها أيضا، فمن الطبيعي مع مرور الأزمان أن تتعدد وسائل الخير والمناهج الحسنة وهنا يتم المعنى تماما ويصبح إيجاد الضوابط هو مسؤولية العلماء وذوي الاختصاص كي لا تحدث فوضى أو شطط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في لسان العرب: وكل من ابتدأَ أَمراً عمل به قوم بعده قيل: هو الذي سَنَّه.
وعلى ذلك فالسنة الحسنة هي: أن يبتدئ الإنسان فعل طاعة فيقتدي به غيره ويتابعه على ذلك.
وأما السنة السيئة فهي: أن يبتدئ الإنسان فعل معصية فيقتدي به غيره ويتابعه على ذلك، ومن السنة الحسنة أن يبدأ الإنسان فعل شيء لم يسبق إليه مستنداً في ذلك إلى دليل شرعي، ومنها أن تكون هناك سنة مهجورة تركها الناس، ثم فعلها شخص فأحياها، فهذا يقال عنه سنها، بمعنى أحياها، وإن كان لم يشرعها من عنده، ومنها كذلك: فعل الشخص شيئاً وسيلة لأمر مشروع، فهذا لا يتعبد بذاته، ولكن لأنه وسيلة لغيره.
وأما من ابتدأ فعل شيء ولم يستند فيه إلى دليل شرعي معتبر، فهو مبتدع، وانظر الفتوى رقم: 32897.
وبمراجعة كلام فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ لم نجد ما يخالف ذلك، فالشيخ ـ رحمه الله ـ لم يفسر كلمة: سن ـ بمعنى: أحيا عموما، وإنما فسرها أولا بمثل ما ذكرناه من ابتداء العمل، ثم ذكر الإحياء كمثال من أمثلة سن السنة الحسنة.
قال فضيلته في شرحه على رياض الصالحين: والمراد بالسنة في قوله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة ... ابتدأ العمل بسنة، وليس من أحدث، لأن من أحدث في الإسلام ما ليس منه فهو رد وليس بحسن، لكن المراد بمن سنها أي صار أول من عمل بها، كهذا الرجل الذي جاء بالصدقة ـ رضي الله عنه ـ فدل هذا على أن الإنسان إذا وفق لسن سنة حسنة في الإسلام ـ سواء بادر إليها أو أحياها بعد أن أميتت ـ وذلك لأن السنة في الإسلام ثلاثة أقسام:
سنة سيئة: وهي البدعة فهي سيئة وإن استحسنها من سنها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة.
وسنة حسنة: وهي على نوعين:
النوع الأول: أن تكون السنة مشروعة ثم يترك العمل بها ثم يجددها من يجددها مثل قيام رمضان بإمام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته في أول الأمر الصلاة بإمام في قيام رمضان ثم تخلف خشية أن تفرض على الأمة ثم ترك الأمر في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه وفي أول خلافة عمر، ثم رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ أن يجمع الناس على إمام واحد ففعل فهو رضي الله عنه قد سن في الإسلام سنة حسنة، لأنه أحيا سنة كانت قد تركت.
والنوع الثاني من السنن الحسنة: أن يكون الإنسان أول ما يبادر إليها مثل حال الرجل الذي بادر بالصدقة حتى تتابع الناس ووافقوه على ما فعل.
فالحاصل أن من سن في الإسلام سنة حسنة ـ ولا سنة حسنة إلا ما جاء به الشرع ـ فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده. اهـ.
ومن ذلك يتضح أن كلمة ـ سن: تعنى ابتداء العمل بشيء لم يسبق إليه ـ سواء كان شيئا مرضيا أم لا ـ ولا يتعين تفسير ذلك بالإحياء، ومن ثم لا يرد الإشكال المذكور في السؤال.
أما القول بأن كلمة ـ سن ـ تعني: أوجد وأحدث، فإنه يؤدي إلى التباس السنة بالبدعة، وإيهام تضارب الأحاديث النبوية، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه.
وقال: فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
وإنما المعنى الصواب والدقيق هو ما قدمناه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1430(3/557)
معنى: سبحان الله وبحمده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال المناوي في التيسير: سبحان الله وبحمده أي أسبحه حامدا له.اهـ.
وقال القرطبي في المفهم: هذا الكلام على اختصاره جملتان، إحداهما جملة: سبحان الله فإنَّها واقعة موقع المصدر، والمصدر يدلّ على صدره، فكأنه قال: سبحت الله التسبيح الكثير، أو التسبيح كله، على قول من قال: إن سبحان الله اسم علما للتسبيح، وبحمده متعلق بمحذوف تقديره: وأثني عليه بحمده، أي بذكر صفات كماله وجلاله، فهذه جملة ثانية غير الجملة الأولى. اهـ.
وقال الشيخ عطية سالم في شرح بلوغ المرام: سبحان الله هو تنزيه الله عما لا يليق بجلاله، والحمد ثناء على المحمود لكمال ذاته وصفاته، ولا ينبغي هذا أبداً ولا يجمع إلا للمولى سبحانه، لأنه كامل الذات والصفات، فإذا قلت: سبحان الله نزهته عن كل ما لا يليق بجلاله، وإذا قلت: الحمد لله أثبت لله جميع صفات المحامد والكمال، وهذا أقصى منتهى التوحيد. اهـ.
وراجع للاستزادة في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 69617، 75693، 26980، 4513، 50694، 105546.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1430(3/558)
أقوال أهل العلم في تفسير نفسي جهنم في الصيف والشتاء
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي لم أجد له جوابا رغم بحثي المتواصل، وسؤالي هو: في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن للنار نفسين، نفسا في الصيف ونفسا في الشتاء، وأن ما نجده في الصيف والشتاء هو من نفس النار، كيف ذلك؟ والشتاء والصيف يتعاقبان على الوجهات الجنوبي والشمالي للكرة الأرضية، يعني إذا كان عند أستراليا صيف فعندنا شتاء والعكس صحيح، فلا أجد أي تفسير مقنع، وهو لايبدو لي من الغيبيات، بل إنه حقيقة ظاهرة نحس بها بل حتى في الصيف تجد مناطق لاتحس فيها بحر، فهل نفس النار لاتحس به إلا في مناطق معينة؟ يعني مثلا في سويسرا لا تحس بحرارة الصيف؟.
أرجوكم أفيدوني أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل الواجب هو تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما قاله بدون استثناء، لقوله تعالى في تزكية كلامه صلى الله عليه وسلم: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم:4} .
وقد كان الصحابة يحدثون عنه ويقولون: حدثنا رسول الله: وهو الصادق المصدوق. كما في الصحيح عن ابن مسعود.
ثم إنه قد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يارب، أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير. وفي رواية: قالت النار رب أكل بعضي بعضا فأذن لي أتنفس، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم وما وجدتم من حرأو حرور فمن نفس جهنم. رواه مسلم في صحيحه.
وفي رواية: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فجعل لها نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها، وشدة ما تجدون من الحر من سمومها. رواها ابن ماجه وصححها الالباني.
واعلم أنه قد تختلف أحوال الأرضين في الحر والبرد، فما يصدر من الحر سببه حر النار المنتقل بواسطة حر الشمس، وما يصدر من البرد الشديد سببه البرد الذي يأتي من النار، فتنفسها في الحالين سبب للبرد والحر، فالظاهر أن النار يوجد فيها الحر والبرد في وقت واحد، والحر يأتي من النار بواسطة الشمس، فأي منطقة كانت الشمس قريبة منها واشتد فيها الحر بسبب قرب الشمس وبعدها وعدم وجود عارض يمنع التأثر من حرها فذلك بسبب حر النار، وقد يتخلف أثر السبب لعارض آخر في بعض الأمكنة أو لأزمنة، حيث تقرب الشمس ويكون الحر خفيفا بسبب وجود الأمطار أو بسبب التيار البارد الذي يأتي من البحر، كما في بعض الدول الأوربية وشمال إفريقيا الغربية، فقد يكون الصيف فيها خفيف الحر بسبب التيار الهوائي البارد الذي يأتي من البحر أو بسبب الأمطار، ولا مانع أن يأذن الله للنار بتنفس بارد تحصل به برودة الجو في بعض البلدان.
قال ابن عبد البر في التمهيد: وأما قوله: فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف.
فيدل على أن نفسها في الشتاء غير الشتاء، ونفسها في الصيف غير الصيف، وفي رواية جماعة من الصحابة زيادة في هذا الحديث وذلك قوله: فما ترون من شدة البرد فذلك من زمهريرها، وما ترون من شدة الحر فهو من سمومها، أو قال من حرها.
وهذا أيضا ليس على ظاهره وقد فسره الحسن البصري في روايته فقال: اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فخفف عني قال: فخفف عنها وجعل لها كل عام نفسين، فما كان من برد يهلك شيئا فهو من زمهريرها، وما كان من سموم يهلك شيئا فهو من حرها.
وقوله في هذا الحديث: زمهرير يهلك شيئا وحر يهلك شيئا، تفسير ما أشكل من ذلك، والله أعلم.
وقال السيوطي في تنوير الحوالك في تفسير الحديث السابق: قال القاضي عياض: قيل معناه أنها إذا تنفست في الصيف قوي لهب تنفسها حر الشمس وإذا تنفست في الشتاء دفع حرها شدة البرد الى الأرض، وقال ابن عبد البر لفظ الحديث يدل على أن نفسها في الشتاء غير الشتاء ونفسها في الصيف غير الصيف، وقال ابن التين فإن قيل: كيف يجمع بين البرد والحر في النار؟ فالجواب أن جهنم فيها زوايا فيها نار، وزوايا فيها زمهرير وليست محلا واحدا يستحيل أن يجتمعا فيه، وقال مغلطاي: لقائل أن يقول: الذي خلق الملك من ثلج ونار قادر على جمع الضدين في محل واحد قال وأيضا فالنار من أمور الآخرة والآخرة لا تقاس على أمر الدنيا. اهـ.
وقال المباركفوري في شرح المشكاة: فإن شدة الحر من فيح جهنم.
بفتح فاء وسكون ياء ثم حاء مهملة أي: من سطوع حرها وسعة انتشارها وتنفسها.
وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة، وقيل بل هو على وجه التشبيه والاستعارة، وتقديره أن شدة الحر تشبه نار جهنم، فاحذروه واجتنبوا ضرره، والأول أولى، ويؤيده قوله: اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين.
قال النووي: هو الصواب، لأنه ظاهر الحديث، ولا مانع من حمله على حقيقته، فوجب الحكم بأنه على ظاهره. واستبعد هذا بل استشكل، لأن اشتداد الحر في الأرض تابع لقرب الشمس وبعدها، كما هو المشاهد المحسوس. وأجيب بأنه يمكن أن يكون الشمس، بحيث أن جعل الله تعالى بين مادة جرمها وبين جهنم ارتباطاً وعلاقة ومناسبة تقبل بها الشمس حرارة نار جهنم حتى تكون حرارة الشمس سبباً لاشتداد الحر في الأرض في الظاهر، وحينئذ فلا استبعاد في نسبة اشتداد الحر في البلاد إلى فيح جهنم، لأنه هو السبب الأصلي الباطني الغيبي لذلك، والله تعالى أعلم.اهـ.
وقال الملا على القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: قال بعضهم فعلم من الحديث أن في النار شدة الحر وشدة البرد، وقيل كل منهما طبقة من طبقات الجحيم، قال ابن الملك: وهذا من جملة الحكم الإلهية حيث ظهر آثار الفيح في زمان الحر وآثار الزمهرير في الشتاء لتعود الأمزجة بالحر والبرد فلو انعكس لم تحتمله إذ الباطن في الصيف بارد فيقاوم حرالظاهر وفي الشتاء حار فيقاوم برد الظاهر، وأما اختلاف حر الصيف وبرد الشتاء في بعض الأيام، فلعله تعالى: يأمر بأن يحفظ تلك الحرارة في موضع ثم يرسلها على التدريج حفظا لأبدانهم وأشجارهم وكذا البرد. اهـ.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح صحيح مسلم: وفي هذا الحديث: دليل على أن الجمادات لها إحساس لقوله: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً. من شدة الحر، وشدة البرد فأذن الله لها أن تتنفس في الشتاء، وتتنفس في الصيف، تتنفس في الصيف ليخف عليها الحرَّ، وفي الشتاء ليخفَّ عليها البرد، وعلى هذا فأشد ما نجد من الحرِّ: يكون من فيح جهنم، وأشد ما يكون من الزمهرير: من زمهرير جهنم.
فإن قال قائل: هذا مشكل حسَب الواقع، لأن من المعروف أن سبب البرودة في الشتاء هو: بُعد الشمس عن مُسامتة الرؤوس، وأنها تتجه إلى الأرض على جانب، بخلاف الحر، فيقال: هذا سبب حسِّي، لكن هناك سبب وراء ذلك، وهو السبب الشرعي الذي لا يُدرك إلا بالوحي، ولا مناقضة أن يكون الحرُّ الشديد الذي سببه أن الشمس تكون على الرؤوس أيضا يُؤذن للنار أن تتنفس فيزدادُ حرُّ الشمس، وكذلك بالنسبة للبرد: الشمس تميل إلى الجنوب، ويكون الجوُّ بارداً بسبب بُعدها عن مُسامتة الرؤوس، ولا مانع من أنّ الله تعالى يأذن للنار بأن يَخرج منها شيءٌ من الزمهرير ليبرِّد الجو، فيجتمع في هذا: السبب الشرعي المُدرَك بالوحي، والسبب الحسِّي، المُدرَك بالحسِّ.
ونظير هذا: الكسوف والخسوف، الكسوف معروف سببه، والخسوف معروف سببه.
سبب خسوف القمر: حيلولة الأرض بينه وبين الشمس، ولهذا لا يكون إلا في المقابلة، يعني: لا يمكن أن يقع خسوف القمر إلا إذا قابل جُرمُه جرمَ الشمس، وذلك في ليالي الإبدار، حيث يكون هو في المشرق، وهي في المغرب أو هو في المغرب وهي في المشرق.
أما الكسوف فسببه: حيلولة القمر بين الشمس والأرض، ولهذا لا يكون إلا في الوقت الذي يمكن أن يتقارب جُرما النيّرين، وذلك في التاسع والعشرين أو الثلاثين أو الثامن والعشرين، هذا أمر معروف، مُدرك بالحساب لكن السبب الشرعي الذي أدركناه بالوحي هو: أن الله ـ يخوّف بهما العباد ـ ولا مانع من أن يجتمع السببان الحسي والشرعي، لكن من ضاق ذرعاً بالشرع قال: هذا مخالف للواقع ولا نصدق به، ومن غالى في الشرع: قال: لا عبرة بهذه الأسباب الطبيعية، ولهذا قالوا: يمكن أن يكسف القمر في ليلة العاشر من الشهر، لكن حسَب سنَّة الله عز وجل في هذا الكون: أنه لا يمكن أن يَنخسف القمر في الليلة العاشرة أبداً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1430(3/559)
شرح حديث: لا ضرر ولا ضرار.
[السُّؤَالُ]
ـ[مدى صحة وثبوت ودلالة حديث: لا ضرر ولا ضرار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث: لا ضرر ولا ضرار. حديث مشهور عند أهل العلم وقاعدة شرعية من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم. فقد رواه مالك في الموطأ، والحاكم في المستدرك وغيرهما، وصححه غير واحد من أهل العلم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم.
وفي بعض رواياته: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام. وفي بعضها: لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضره الله، ومن شاق شق الله عليه.
وهذه الروايات توضح مدلول الحديث ومعناه، وهو ما أخذ منه الفقهاء قاعدة: إزالة الضرر، أو الضرر يزال.
قال الولاتي في شرح أصول المذهب-مذهب مالك-: القاعدة الثانية: إزالة الضرر، أو الضرر يزال: أي وجوب إزالة الضرر عمن نزل به، والأصل في هذه القاعدة ما رواه مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار. لأن الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد، وتندرج تحت هذه القاعدة، قاعدة: ارتكاب أخف الضررين. ومن فروعها: شرع الزواجر من الحدود، والضمان، ورد المغصوب، أو ضمانه بالتلف، والتطليق بالإضرار، وبالإعسار.
والمعنى الذي يدل عليه الحديث نصا هو: أن الشخص ليس مطلوبا منه أن يضار نفسه، وليس مسموحا له بأن يضار غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1430(3/560)
معنى حديث: الكلب الأسود شيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث: الكلب الأسود بالليل شيطان صحيح وما معناه؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على حديث بهذا اللفظ، وإنما ورد في صحيح مسلم وغيره قوله عليه الصلاة والسلام: الكلب الأسود شيطان. بدون تقييد بكونه في الليل.
واختلف العلماء في معنى هذا، فذهب بعضهم إلى حمله على الحقيقة، وأن شيطان الجن يتمثل في شكل الكلب الأسود، وذهب بعضهم إلى حمله على المجاز، وذلك لأن الكلب الأسود أكثر ضررا وتمردا من غيره من الكلاب وأقلها نفعا، فناسب إطلاق وصف الشيطان عليه، لوجود معنى التمرد والعتوّ والبعد عن المألوف.
جاء في عون المعبود: قال في فتح الودود: حمله بعضهم على ظاهره وقال: إن الشيطان يتصور بصورة الكلاب السود. وقيل: بل هو أشد ضررا من غيره فسمي شيطانا.
وفي تحفة الأحوذي: فإن قيل: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الكلب الأسود إنه شيطان ومعلوم أنه مولود من الكلب؟ وكذلك قوله في الإبل إنها جن، وهي مولودة من النوق؟ فالجواب أنه إنما قال ذلك على طريق التشبيه لهما بالشيطان والجن، لأن الكلب الأسود شر الكلاب وأقلها نفعا.
وممن رجح هذا المعنى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، فقال: والصحيح: أنه شيطان كلاب، لا شيطان جِنٍّ، والشيطان ليس خاصًّا بالجن، قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ {الأنعام: 112} ، فالشيطان كما يكون في الجِنِّ يكون في الإِنس، ويكون في الحيوان، فمعنى شيطان في الحديث، أي: شيطان الكلاب، لأنه أخبثها ولذلك يُقتل على كُلِّ حال، ولا يحلُّ صيده بخلاف غيره. الشرح الممتع.
ولكن لا يمتنع أن يتشكل الشيطان في صورة كلب أسود وغيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيراً، وكذلك بصورة القط الأسود، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره وفيه قوة الحرارة. انظر مجموع الفتاوى ج/19 ص/52.
فالخلاصة أن الراجح في معنى الحديث أنه شيطان كلاب لا شيطان جن، ولكن قد يتشكل شيطان الجن في صورة كلب أسود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(3/561)
الفرق بين العجز والكسل
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم عندي سؤال يجول كثيرا في خاطري وترددت كثيرا في طرحه: يقول الله سبحانه وتعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. سورة البقرة آية 286.
وسؤالي: كيف نعرف عندما نعجز عن العمل أن هذا من عدم القدرة والاستطاعة وليس كسلا أو تهاونا؟ أي كيف أفرق بين العجز والكسل من جهة وبين عدم القدرة والاستطاعة من جهة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر العيني في شرح سنن أبي دواد عند شرح حديث: اللهم أني أعوذ بك من العجز والكسل - ذكر- أن العجز هو عدم القدرة على فعل الخير، والكسل هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه مع إمكانه.
وقال ابن حجر في الفتح: الفرق بين العجز والكسل، أن الكسل ترك الشيء مع القدرة على الأخذ في عمله، والعجز عدم القدرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1430(3/562)
كيفية الجمع بين حديثين ظاهرهما التعارض
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يجمع بين الحديثين: قوله صلى الله عليه وسلم: فر من المجذوم فرارك من الأسد، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يعدي شيء شيئا؟
أتمنى الرد وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جمع أهل العلم بين الحديثين المذكورين بعدة وجوه من الجمع.
منها ما ذكره الحافظ في الفتح فقال: المراد بنفي العدوى أن شيئاً لا يعدي بطبعه، نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله تعالى هو الذي يمرض ويشفي، ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات للأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئاً، وإن شاء أبقاها فأثرت.
وسبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتوى: 119649. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1430(3/563)
شرح حديث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب....إلخ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود من الحديث الشريف: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم. صحيح. الصحيحة 1133 وأخرجه البخاري ومسلم. قال ابن عباس وسكت عن الثالثة أو قال فأنسيتها. وقال الحميدي عن سفيان قال سليمان: لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المشركين معروفون، وهم الكفار من الوثنيين وأهل الكتاب، وجزيرة العرب معروفة وقد سبق بيان تحديدها وحكم دخول الكفار إليها والإقامة بها في الفتويين: 7706، 110014.
قال الحافظ في الفتح: وسميت جزيرة العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم، لكن الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب.
والوفود: هم ضيوف الإسلام، وإجازتهم هي إكرامهم وحسن ضيافتهم وتقديم ما تيسر من الهدايا لهم كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل.
قال النووى في شرح مسلم: قال العلماء هذا أمر منه صلى الله عليه وسلم بإجازة الوفود وضيافتهم وإكرامهم تطبيبا لنفوسهم وترغيبا لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم، وإعانة لهم على سفرهم قال القاضي عياض: قال العلماء سواء كان الوفد مسلمين أو كفارا.
وأما المسألة الثالثة التي سكت عنها الراوي فقال العلماء: هي تجهيز جيش أسامة رضي الله عنه، وقيل هي النهي عن اتخاذ قبره وثنا فقال: ولا تتخذوا قبري وثنا يعبد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(3/564)
معنى حديث: تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن..
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكر في السؤال جزء من حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيحين بألفاظ متقاربة.
ففي صحيح مسلم عن زينب امرأة عبد الله قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن. . الحديث.
وفي رواية للبخاري: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال: أيها الناس تصدقوا، فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء، ثم انصرف، فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه فقيل: يا رسول الله هذه زينب. فقال أي الزيانب؟ فقيل امرأة بن مسعود قال: نعم ائذنوا لها. فأذن لها. قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم.
وللمزيد من الفائدة عن معنى الحديث انظري الفتوى: 36508.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1430(3/565)
معنى حديث: يقتص الخلق ... حتى الذرة من الذرة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقتص الخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة. فما هو المقصود بالذرة؟ ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديثُ المذكور رواه أحمد في مسنده ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنْ الْقَرْنَاءِ وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ. قال الشيخ الأرنؤوط معلقاً عليه: صحيح دون قوله: وحتى للذرة من الذرة. وهذا إسناد حسن رجاله رجال الصحيح، وقال الألباني في الصحيحة عقب ذكره له: إسناده صحيح.
والجماء هي التي لا قرن لها، والذر صغار النمل أو النمل الأحمر واحدته ذرة.
قال في لسان العرب: والذَّرُّ صِغارُ النَّمل واحدته ذَرَّةٌ قال ثعلب: إِن مائة منها وزن حبة من شعير فكأَنها جزء من مائة. وقال: الذَّرُّ النمل الأَحمر الصغير واحدتها ذَرَّةٌ. انتهى.
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة: والذرة: النملة الحمراء؛ عن ابن عباس وغيره، وهي أصغر النمل. وعنه أيضا رأس النملة. انتهى. ثم ذكر أقوالاً أخرى في معنى الذرة وأنسبها للفظ الحديث هو القول الأول الذي ذكرناه.
وعليه؛ فمعنى الحديث واضح، وهو أن الله يقضي بين خلقه بالقسط يوم القيامة حتى إن عدله تعالى ليشمل الحيوانات كلها حتى يُقتص من ذات القرن الناطحة لغير ذات القرن المنطوحة، ويقتص من النملة الظالمة للنملة المظلومة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1430(3/566)
معنى: أعني على نفسك بكثرة السجود
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف -جزاكم الله عنا كل خير- ما هو المقصود بكثرة السجود في حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل؟ فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك. قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود. فهل تتحقق كثرة السجود بأداء السنن الرواتب، وصلاة الوتر، وركعتين قيام ليل، وركعتين صلاة الضحى، وسنة دخول المسجد، وسنة الوضوء أم أن ذلك يكون خارج الصلاة كسجود الشكر وغيره؟ أم على المسلم أن يكثر من قيام الليل ويزيد ركعات صلاة الضحى، ويصلي نوافل غير السنن الرواتب أثناء اليوم وغيرها حتى يحقق هذه الفضيلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور أخرجه مسلم في صحيحه ومعنى: فأعني على نفسك بكثرة السجود، أي بكثرة صلاة التطوع.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: فيه الحث على كثرة السجود والترغيب فيه، والمراد به السجود في الصلاة. انتهى.
وقال الشيخ العثيمين في فتاوى نور على الدرب: وأما: أعني على نفسك بكثرة السجود. فالمراد به كثرة الصلاة، والسجود يطلق على الصلاة لأنه ركن فيها وما كان ركنا في العبادة صح أن يعبر به عنها، ولهذا قال الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ. وقال تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين. والمراد بذلك كل الصلاة. انتهى.
وإنما قيدنا ذلك بصلاة التطوع لأن الفرض لا بُد لكل أحدٍ منه، فلكي ينال العبد الفضيلة الواردة في الحديث، فعليه أن يجتهد في صلاة التطوع.
قال الصنعاني في سبل السلام: حمل المصنف -أي الحافظ في بلوغ المرام- السجود على الصلاة نفلاً فجعل الحديث دليلاً على التطوع، وكأنه صرفه عن الحقيقة كون السجود بغير صلاة غير مرغب فيه على انفراده، والسجود وإن كان يصدق على الفرض، لكن الإتيان بالفرائض لا بد منه لكل مسلم، وإنما أرشده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلى شيء يختص به ينال به ما طلبه. انتهى.
فإذا اجتهد العبدُ في صلاة التطوع من الرواتب، وصلاة الضحى، وقيام الليل، وسنة الوضوء، وغيرها. رُجي له أن ينال هذه الفضيلة، وهي مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وبقدر الاجتهاد في فعلها، والحرص على الإكثار منها يقوى رجاء العبد في تحصيل هذا الخير، نسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهله.
قال الشيخ العثيمين في الشرح المختصر على بلوغ المرام: فأعني على نفسك بكثرة السجود يعني بكثرة الصلاة فدل هذا على أن كثرة الصلاة من أسباب مرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة خير موضوع أكثر منها ما استطعت. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1430(3/567)
معنى: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب
[السُّؤَالُ]
ـ[من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب. هل هو حديث قدسي؟ وهل تعني كلمة ولي الأولياء الصالحين الذين يتبرك بهم الجهلة والسفهاء أم أنها تعني المؤمن الموالي لله وشريعته؟ وما معنى آذنته بالحرب؟ واذا اغتاب الناس شخصا ظاهره الورع والتقوى أو آذنوه بقذفه بتهم باطلة هل ينطبق عليهم معنى هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه حديث قدسي صحيح رواه البخاري في صحيحه ولفظه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته. وفي رواية لغير البخاري: من آذى لي وليا فقد استحل محاربتي.
والمراد بولي الله كما قال الحافظ في الفتح: العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص له في عبادته كما قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ. {يونس: 63، 62} .
فكل من كان مؤمناً تقيًا فهو من أولياء الله تعالى، ولا علاقة لولاية الله تعالى لعبده بالشهرة بين الناس أو وضع شارة معينة. كما سبق بيانه في الفتوى: 4445.
ومعنى آذنته بالحرب أي أعلمته بها، فمن آذى مؤمنا ممن ذكرنا صفتهم بالغيبة أو غيرها من وجوه الأذى فإن الحديث ينطبق عليه، وعليه أن يستعد لما لا قبل له به من غضب الله تعالى وعقابه إن لم يبادر بالتوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1430(3/568)
شرح حديث (..أخذ كفا من ماء فنضح بها فرجه)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير الحديث رقم: 841 من السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني: أتاه جبريل في أول ما..............؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام أتاه أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء والصلاة فلما فرغ من الوضوء أخذ كفا من ماء فنضح بها فرجه.
ومعنى الحديث أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والوضوء عمليا، وعلمه أن ينضح على ثوبه مما يحاذي القبل بعد الانتهاء من الوضوء.
ويدل لهذا ما في مسند أحمد أن جبريل عليه السلام لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه الوضوء، فلما فرغ من وضوئه أخذ حفنة من ماء فرش بها نحو الفرج، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرش بعد وضوئه.
ويحتمل أن يراد النضح على القبل مباشرة، ويدل لهذا ما في سنن ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال: علمني جبرائيل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء.
وفيه أيضا عن جابر قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضح فرجه.
وقد ذكر المناوي في شرح الجامع الصغير أن هذا الأمر في حديث ابن ماجه للندب. وحديث الأمر المذكور ضعفه أهل العلم لوجود ابن لهيعة في سنده.
وأما حديث جابر فقد صححه الألباني، وكذا الحديث المذكور في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1430(3/569)
شرح حديث (أفرأيت الحمو)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الحمو في ًحديث الحمو الموتً، وهل يجوز خلوة زوجة البنت به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فروى البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. والمراد بالحمو هنا أخو الزوج أو قريبه غير آبائه وأبنائه.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: المراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه، ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه، فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث. وأما ما ذكره المازري وحكاه أن المراد بالحمو أبو الزوج وقال إذا نهى عن أبى الزوج وهو محرم فكيف بالغريب فهذا كلام فاسد مردود ولا يجوز حمل الحديث عليه. انتهى
أما سؤالك وهل يجوز خلوة زوجة البنت به؟ فلعلك تقصدين زوج الابن، وعلى ذلك نقول: إن كان المقصود زوج ابنه هو فلا حرج ذلك؛ إذ ليس المراد بالحمو أبا الزوج، كما سبق.
وأما إن كان المقصود زوجة ابن أخيه، فلا يجوز ذلك؛ لأن زوجة ابن الأخ ليست من المحارم المذكورات في آية المحرمات: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:23}
وقال عليه الصلاة والسلام: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 9441، والفتوى رقم: 114422.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1430(3/570)
توضيح حول حديث عائشة وأبي هريرة حول قطع المرأة للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[يرجى التكرم بإفادتي حول الحديث الذي ورد في صحيح مسلم والذي ورد بروايتين: الرواية الأولى: عن عائشة،وذكر عندها ما يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة. فقالت عائشة: قد شبهتمونا بالحمير والكلاب.والله، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير، بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة، فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنسل من عند رجليه. الرواية الثانية: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب. ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل. فكيف يفسر وجود روايتين مختلفتين، حيث الأولى فيها تعقيب للسيدة عائشة رضي الله عنها، والثانية بدون تعقيبها وكلتاهما صحيحة، وهل هذا الحديث مرفوع وله حكم الرفع؟ يرجى الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديثين المشار إليهما حديثان مرفوعان جاءا في الصحيحين وغيرهما. والحديث الأول من رواية عائشة كما أشرت، وقد ذكر عندها أن مرور المرأة والحمار والكلب بين يدي المصلي يقطع صلاته- كما في الحديث الثاني- وهو من رواية أبي هريرة فقالت ردا على ذلك ومستدلة بما كان يقع لها من الاعتراض بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي: قد شبهتمونا بالحمير والكلاب. والله! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة. فتبدو لي الحاجة. فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنسل من عند رجليه.
وفي رواية فقالت: أعدلتمونا بالكلب والحمار، لقد رأيتني مضطجعة على السرير فيجيء النبي صلى الله عليه وسلم فيتوسط السرير فيصلي فأكره أن أسنحه فأنسل من قبل رجلي السرير حتى أنسل من لحافي.
وفي رواية فقالت: إن المرأة لدابة سوء لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي.
هذه الروايات كلها في الصحيحين وغيرهما، ولها حكم الرفع- كما أشرنا- لأن المرفوع هو ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة.
وقد جمع أهل العلم بين الحديثين- كما قال الإمام النووي - بأن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد به بطلانها.
وانظر للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 32586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(3/571)
شرح حديث (نعم الإدام الخل)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الإدام أو خير الإدام الخل. أي نوع من الخل يقصد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نص الحديث هو: نعم الإدام الخل. رواه مسلم.
وقد ذكر صاحب تحفة الأحوذي أن المراد به الخل الذي لم يتخذ من الخمر. والراجح عند أهل العلم تحريم تخليل الخمر وإنها لا تطهر إذا خللت، أما إذا تخللت بنفسها فالراجح طهارتها.
وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 54401، 7496، 61264.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(3/572)
وجه عدم ذكر الجدال في حديث (من حج فلم يرفث..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الله في القرآن النهى عن الجدال، والرفث، والفسوق في الحج، وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه. لماذا لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الجدال في الحديث وذكره الله في القرآن. هل الجدال لا ينقص من أجر الحج؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أبو حيان في تفسيره أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب غفران الذنوب على النهي عن مفسد الحج من المحظور في الحج الجائز في غيره وهو الجماع المكنى عنه بالرفث، ومن المحظور الممنوع في الحج وغيره وهو المعاصي المعبر عنها بالفسوق.
وأما قول الله تعالى: وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ. {البقرة: 197} . فهو من باب التتميم لما ينبغي أن يكون عليه الحاج من إفراغ أعماله للحج وعدم المخاصمة والمجادلة.
ثم ذكر رحمه الله أن الجدال الذي يسعى صاحبه لتقرير الباطل وطلب الجاه هو المنهي عنه وهو داخل في الفسوق. وأما ما يراد به تقرير الحق والدعوة إلى الله والذب عن السنة فغير منهي عنه.
هذا واعلم أن ظاهر كلام السبكي في فتاواه يدل على أن الجدال ينقص من أجر الحج.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 37895، 122143، 7315، 12832.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(3/573)
معنى حديث: المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار فما معنى هذا الحديث وهل يجوز ما يقوم به بعض الناس من بيع للعشب وهو لا يزال نابتا على الأرض (بعلي وليس سقوي) أي أنه يقبض مال من شخص ما على يقوم هذا الأخير برعي أغنامه من هذا العشب حتى يبلى. وجزاكم الله خيرا عن هذه الأمة والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور رواه الإمام أحمد وغيره بلفظ: المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار. صححه الألباني وغيره.
ومعنى الحديث كما قال الحافظ في الفتح: قال الخطابي: معناه الكلأ ينبت في موات الأرض، والماء الذي يجري في المواضع التي لا تختص بأحد، قيل: والمراد بالنار الحجارة التي توري النار، وقال غيره: المراد النار حقيقة. والمعنى لا يمنع من يستصبح منها مصباحا يدني منها ما يشعله منها، وقيل: المراد ما إذا أضرم نارا في حطب مباح بالصحراء فليس له منع من ينتفع بها بخلاف ما إذا أضرم في حطب يملكه نارا فله المنع.
وقال ابن عبد البر في التمهيد عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع نقع بئر: وفي هذا الحديث دليل على أن الناس شركاء في الكلأ وهو في معنى الحديث الآخر: الناس شركاء في الماء والنار والكلأ. إلا أن مالكا رحمه الله ذهب إلى أن ذلك في كلأ الفلوات والصحاري، وما لا تملك رقبة الأرض فيه، وجعل الرجل أحق بكلأ أرضه إن أحب المنع منه فإن ذلك له.
والحاصل: الناس شركاء في الكلأ والماء إذا كانا بفلاة لا يملك أرضها أحد بعينه، وعليه، فيجوز لمن نبت عشب في أرضه التصرف فيه بالبيع والهبة لأنه ضمن ممتلكاته الخاصة.
وللعلماء في تفاصيل فقه هذا الحديث مذاهب وأقوال لا يتسع المقام لها، ويمكنك الرجوع إليها في فتح الباري والتمهيد وغيرهما.
كما أن بإمكانك الاطلاع على المزيد من الفائدة في الفتويين: 18708، 18474.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(3/574)
معنى حديث: كاد الفقر أن يكون كفرا
[السُّؤَالُ]
ـ[الفقر يؤدي إلى الكفر. هل هذاحديث أم لا؟ وما درجته؟ ومامعنى الحديث: في المقاصدالحسنة: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، فقال رجل: ويعتدلان؟ قال: نعم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على حديث بلفظ: الفقر يؤدي إلى الكفر.
لكن جاء في أحاديث ضعيفة: كاد الفقر أن يكون كفرا، وكاد الحسد أن يسبق القدر. ضعفه الألباني.
وفي معجم الطبراني: كاد الحسد أن يسبق القدر، وكادت الحاجة أن تكون كفرا.
قال في فيض القدير: قال الحافظ العراقي: وفيه ضعف، وقال السخاوي: طرقه كلها ضعيفة.
وقال العيني في عمدة القاري: وذلك لأن الفقر ربما يحمل صاحبه على مباشرة ما لا يليق بأهل الدين والمروءة، ويهجم على أي حرام كان ولا يبالي، وربما يحمله على التلفظ بكلمات تؤديه إلى الكفر.
قال المناوي في فيض القدير: (كاد الفقر) أي الفقر مع الاضطرار إلى ما لا بد منه كما ذكره الغزالي -أن يكون كفرا- أي: قارب أن يوقع في الكفر؛ لأنه يحمل على حسد الأغنياء، والحسد يأكل الحسنات، وعلى التذلل لهم بما يدنس به عرضه ويثلم به دينه، وعلى عدم الرضا بالقضاء وتسخط الرزق، وذلك إن لم يكن كفرا فهو جار إليه، ولذلك استعاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم من الفقر. وقال سفيان الثوري: لأن أجمع عندي أربعين ألف دينار حتى أموت عنها أحب إلي من فقر يوم وذلي في سؤال الناس. قال: ووالله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتليت ببلية من فقر أو مرض فلعلي أكفر ولا أشعر. فلذلك قال: كاد الفقر أن يكون كفرا؛ لأنه يحمل المرء على ركوب كل صعب وذلول وربما يؤديه إلى الاعتراض على الله والتصرف في ملكه ... إلخ.
ولذلك جاءت أحاديث بالاقتران بينهما في الاستعاذة، كقوله عليه الصلاة والسلام: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر. رواه أبو داود وأحمد
قال المناوي في فيض القدير: وقرن الفقر بالكفر لأنه قد يجر إليه.
أما بخصوص الحديث الآخر المسؤول عنه فروى النسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، فقال رجل: ويعدلان؟ قال: نعم. وفي رواية: ويعتدلان. قال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: إسناده ضعيف.
وقوله: يعدلان. من العدل وهو: النظير والمثل والمكافئ. وعلى فرض صحة الحديث فالمراد من قوله: يعدلان. ما سبق بيانه من مقاربة الفقر للكفر بمعنى أنه قد يفضي إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1430(3/575)
هل يحصل المرء على الحور العين كلما كظم غيظه
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق فيخيره في أي الحور شاء. هل إذا تكرر غضبي مرات عديدة وكظمت غيظي هل سأحصل على الكثير من الحور العين ما أشاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر بعد البحث على كلام لأهل العلم بخصوص ذلك، ولكن ظاهر الحديث يدل على أن التخيير في الحور العين يحصل بكظم الغيظ ولو مرة، وعلى ذلك فلا يبعد أن يتكرر التخيير أو يزيد عدد الحوريات المختارات منهن بتكرر كظم الغيظ.
وقريب من هذا قوله عليه الصلاة والسلام: من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة. رواه الترمذي.
قال في تحفة الأحوذي: أي: غرست له بكل مرة نخلة في الجنة. وكذلك قال المناوي في فيض القدير.
والله سبحانه واسع عليم، وذو فضل عظيم، فنرجو لك ذلك إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1430(3/576)
معنى حديث: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- سيدا كهول أهل الجنة، من المعلوم أن جميع أهل الجنة يصبحون في سن الشباب فكيف يكون أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- كهلين في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فروى الترمذي وابن ماجه وأحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي. صححه الألباني.
وللعلماء في معنى الحديث أقوال:
الأول: أن ذلك باعتبار ما كانوا عليه في الدنيا حال هذا الحديث، كقوله تعالى: وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ. {النساء:2} . أي: باعتبار ما كانوا عليه قبل البلوغ، وإلا فإنه لا يتم بعد احتلام.
الثاني: أن المعنى أنهما سيدا من مات كهلاً من المسلمين فدخل الجنة.
الثالث: أن المراد بالكهل ههنا: الحليم العاقل، أي: يدخلهما الله الجنة حلماء عقلاء. جاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: الكهول بضمتين جمع الكهل وهو على ما في القاموس من جاوز الثلاثين أو أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين، فاعتبر ما كانوا عليه في الدنيا حال هذا الحديث وإلا لم يكن في الجنة كهل، كقوله تعالى: وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ. وقيل: سيدا من مات كهلا من المسلمين فدخل الجنة لأنه ليس فيها كهل بل من يدخلها ابن ثلاث وثلاثين، وإذا كانا سيدي الكهول فمن أولى أن يكونا سيدي شباب أهلها ... وقيل: أراد بالكهل ههنا الحليم العاقل، أي أن الله يدخل أهل الجنة حلماء عقلاء. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: عنى الكهول عند الموت، لأنه ليس في الجنة كهل، إذ هو من ناهز الأربعين وخطه الشيب. وأهل الجنة في سن ثلاث وثلاثين، فاعتبر ما كان عليه عند فراق الدنيا ودخول الآخرة. كذا قرره القرطبي وغيره وهو غير قويم، إذ لو اعتبر ما كانا عليه عند الموت لما قال كهول بل شيوخ، لأنهما ماتا شيخين لا كهلين، فالأولى ما صار إليه بعضهم من أن المراد بالكهل هنا الحليم الرئيس العاقل المعتمد عليه. يقال: فلان كهل بني فلان وكاهلهم، أي: عمدتهم في المهمات، وسيدهم في الملمات. على أن ما صار إليه أولئك من أن الكهل ما ناهز الأربعين غير متفق عليه، ففي النهاية: الكهل من زاد عن ثلاثين إلى أربعين، وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى خمسين. وفي الصحاح: من جاوز الثلاثين وخطه الشيب. نعم ذكر الحراني أن الكهولة من نيف وأربعين إلى نيف وستين، وعليه يصح اعتبار ما كان عليه قبل الموت. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1430(3/577)
شرح حديث (عن الغلام شاتان مكافئتان..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فجزاكم الله خيراً على ما تقدمونه للمسلمين من نصح وإرشاد.
معلوم أن عقيقة الولد شاتان متكافئتان. فأرجو توضيح المقصود بالمتكافئتين، هل هما متكافئتان فى الوزن أم فى النوع أم فى العمر؟ يعني هل يجوز ذبح خروف ومعزة متكافئتان فى العمر والوزن؟ أو ذبح جدي مع نعجة متكافئتان فى الوزن والعمر؟ أرجو الإفادة؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وورد أيضا بلفظ: مكافأتان. وبلفظ: متكافئتان. والمكافأة قيل في معناها ثلاثة أقوال:
1- المكافأة للسن المعتبر في الإجزاء، فلا تجزئ العقيقة بما دونه.
2- أن المراد ذبحهما معا، فلا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى.
3- التقارب في السن والشبه، وهذا أولى الأقوال.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:
قال داود بن قيس رواية عن عمرو: سألت زيد بن أسلم عن قوله مكافئتان فقال: متشابهتان تذبحان جميعا أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى. وحكى أبو داود عن أحمد المكافئتان المتقاربتان, قال الخطابي: أي في السن. وقال الزمخشرِي: معناه متعادلتان لما يجزي في الزكاة وفي الأضحية, وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرز من وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ: شاتان مثلان. ووقع عند الطبرانِي في حديث آخر قيل: ما المكافئتان؟ قال المثلان. وما أشار إليه زيد بن أسلم من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن, ويحتمل الحمل على المعنيين معا.
وعلى هذا ينبغي أن تكون الشاتان متقاربتين سنا وحجما وشبها وسمنا، وكلما كانتا متقاربتين كان أفضل. وهذا على سبيل الاستحباب لا الإلزام. قال ابن قدامة في المغني: فالمستحب أن تكون الشاتان متماثلتين.
ومما سبق يتضح أن العقيقة بذكر وأنثى مجزئة، سواء من الضأن أو الماعز، ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام: عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أم إناثا. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
قال ابن قدامة في المغني:
والذكر أفضل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بكبش كبش، وضحى بكبشين أقرنين. والعقيقة تجري مجرى الأضحية. والأفضل في لونها البياض, على ما ذكرنا في الأضحية، لأنها تشبهها. ويستحب استسمانها, واستعظامها, واستحسانها كذلك، وإن خالف ذلك أو عق بكبش واحد أجزأ، لما روينا من حديث الحسن والحسين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1430(3/578)
معنى: التمسوا الرزق بالنكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المقصود من حديث النبى صلى الله عليه وسلم: التمسوا الرزق فى النكاح هو عقد النكاح أم حقيقة الزواج بالبناء بالزوجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر -والله أعلم- أن النكاح الوارد في الحديث المذكور يشمل العقد والدخول معا، وذلك لأن الدخول هو المقصود وهو السبب في الطمأنينة النفسية والعفة، وهو لا يأتي بغير عقد، فظهر من هذا أن النكاح الذي هو سبب للغنى في الحقيقة هو الدخول وليس مجرد العقد، لكنه لا يصح بدون عقد. وقد جاء في الحديث: ثلاثة كلهم حق على الله عونه..وذكر منهم: الناكح يريد العفاف ... رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه.
وروي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: عجبت لمن لا يرغب في الباءة والله تعالى يقول: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.
ولمزيد من الفائدة والتوضيح تراجع الفتوى رقم: 54793.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1430(3/579)
معنى حديث: إنما الأعمال بالنيات
[السُّؤَالُ]
ـ[إن سمحتم لي أريد تفسيرا دقيقا لحديث إنما الأعمال بالنيات..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الحديث المتفق عليه: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. فمعناه كما قال الْخَطَّابِيّ: أَنَّ صِحَّة الْأَعْمَال وَوُجُوب أَحْكَامهَا إِنَّمَا تَكُون بِالنِّيَّةِ، وَأَنَّ النِّيَّة هِيَ الْمُصْرِفَة لَهَا إِلَى جِهَاتهَا، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَعْيَان الْأَعْمَال لِأَنَّ أَعْيَانهَا حَاصِلَة بِغَيْرِ نِيَّة. وقوله: (وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنَّ تَعْيِين الْمَنْوِيّ شَرْط، فَلَوْ كَانَ عَلَى إِنْسَان صَلَوَات لَا يَكْفِيه أَنْ يَنْوِي الصَّلَاة الْفَائِتَة بَلْ شَرْط أَنْ يَنْوِي كَوْنهَا ظُهْرًا أَوْ غَيْره فَلَوْلَا هَذَا الْقَوْل لَاقْتَضَى الْكَلَام الْأَوَّل أَنْ تَصِحّ الْفَائِتَة بِلَا تعيين. انتهى.
وقال النووي: أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِظَم مَوْقِع هَذَا الْحَدِيث، وَكَثْرَة فَوَائِده وَصِحَّته، قَالَ الشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ: هُوَ ثُلُث الْإِسْلَام. وَقَالَ الشَّافِعِيّ: يَدْخُل فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْفِقْه.... قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة وَالْأُصُول وَغَيْرهمْ: لَفْظَة (إِنَّمَا) مَوْضُوعَة لِلْحَصْرِ تُثْبِت الْمَذْكُور وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ. فَتَقْدِير هَذَا الْحَدِيث: إِنَّ الْأَعْمَال تُحْسَب بِنِيَّةٍ، وَلَا تُحْسَب إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّة ... قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى) قَالُوا: فَائِدَة ذِكْره بَعْد إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ، بَيَان أَنَّ تَعْيِين الْمَنَوِيّ شَرْط، فَلَوْ كَانَ عَلَى إِنْسَان صَلَاة مَقْضِيَّة لَا يَكْفِيه أَنْ يَنْوِي الصَّلَاة الْفَائِتَة، بَلْ يُشْتَرَط أَنْ يَنْوِي كَوْنهَا ظُهْرًا أَوْ غَيْرهَا، وَلَوْلَا اللَّفْظ الثَّانِي لَاقْتَضَى الْأَوَّل صِحَّة النِّيَّة بِلَا تَعْيِين أَوْ أَوْهَمَ ذَلِكَ. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1430(3/580)
هل الشيطان يأكل حقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث: إذا سقطت اللقمة من يد أحدكم ... ولا يدعها للشيطان) السؤال إذا تركتها للشيطان وأكلها هل تختفي من على الأرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي صحيح مسلم وسنن ابن ماجه ومسند أحمد - واللفظ له - عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سقطت اللقمة من يد أحدكم فليمط ما كان عليها من الأذى، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل، وليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة. ورواه أيضا مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا.
وقد اختلف العلماء في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: " يدعها الشيطان" فذهب بعضهم إلى أن المعنى طاعة الشيطان في إضاعة نعمة الله، ولا يلزم من ذلك أن يتناولها الشيطان.
قال في تحفة الأحوذي نقلا عن التُّورْبَشْتِيُّ: إنما صار تركها للشيطان؛ لأن فيه إضاعة نعمة الله والاستحقار بها من غير ما بأس، ثم إنه من أخلاق المتكبرين، والمانع عن تناول تلك اللقمة في الغالب هو الكبر، وذلك من عمل الشيطان.
وقال المناوي في فيض القدير: جعل تركها إبقاءها للشيطان لأنه تضييع للنعمة وازدراء بها وتخلق بأخلاق المترفين، والمانع من تناول تلك اللقمة غالبا إنما هو الكبر، وذلك من عمل الشيطان. كذا قرره بعض الأعيان فرارا من نسبة حقيقة الأكل إلى الشيطان، وحمله بعضهم على الحقيقة، وانتصر له ابن العربي فقال: من نفى عن الجن الأكل والشرب فقد وقع في حبالة إلحاد وعدم رشاد، بل الشيطان وجميع الجان يأكلون ويشربون وينكحون ويولد لهم ويموتون، وذلك جائز عقلا ورد به الشرع وتظاهرت به الأخبار فلا يخرج عن المضمار إلا حمار. ومن زعم أن أكلهم شم فما شم رائحة العلم.
وقال أيضا: والمانع من تناول تلك اللقمة الكبر غالبا، وذلك مما يحبه الشيطان ويرضاه للإنسان ويدعو إليه إلا أنه يأخذها ويأكلها ولا بد.
وقال النووي في سياق كلامه على هذا الحديث: ومنها إثبات الشياطين وأنهم يأكلون.
وفي شرحه على صحيح مسلم عند قول النبي عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. قال: الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها وأن الشيطان يأكل حقيقة إذ العقل لا يحيله والشرع لم ينكره، بل أثبته فوجب قبوله واعتقاده. والله أعلم. اهـ
وقال ابن عبد البر في التمهيد عند كلامه على حديث: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله. رواه مسلم. قال: وفي هذا الحديث دليل على أن الشياطين يأكلون ويشربون.
وفي ابن حجر في فتح الباري: والأولى حمل الخبر على ظاهره وأن الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله.ا. هـ
وأما كيفية أكل الشيطان فهي من الأمور الغيبية التي نؤمن بها؛ تصديقا لخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا كنا لا نلاحظ أن مادة الطعام تنقص فإن بركته تنقص أو تزول بالكلية.
ولمزيد الفائدة عن أكل الجن ودوابهم راجع الفتوى رقم: 47212.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1430(3/581)
شرح أثر (..يضرب عن ذلك ويقول للخبيث صدقت..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سمع عيسى أيضا في رجل توسوسه نفسه فيقول قد طلقت امرأتي أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه، فقال: يضرب عن ذلك ويقول للخبيث: صدقت، ولا شيء عليه، ما معنى قوله " يضرب عن ذلك ويقول للخبيث: صدقت، ولا شيء عليه "]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه ذكره المواق المالكي في التاج والإكليل: فمعنى قوله: يضرب عن ذلك، يعنى يعرض عنه لا يلزمه طلاق بتلك الوسوسة أو بسبق لسانه ولا يلتفت إلى ما صدر عنه من قول أو وسوسة، أما قوله: صدقت ولاشيء عليه، بمعنى أنه يخاطب الشيطان بهذا القول استخفافا بوسوسته وإعراضا عنها فكأنه يقول له لقد صدقت فيما وسوست به لكن لا أثر لها ولا يلزمني طلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1430(3/582)
شرح حديث (..وقني شر ما قضيت..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الإمام فى دعاء القنوت فى صلاة الفجر: اللهم قني واصرف عني شر ما قضيت. فهل هذا الدعاء صحيح؟ وهل يقضي الله سبحانه وتعالى بالشر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الدعاء صحيح، وهو جزء من حديث القنوت في الوتر، قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت. رواه أصحاب السنن وأحمد وصححه الألباني.
وأما هل يقضي الله بالشر؟ فالجواب يتضح في بيان معنى قوله: وقني شر ما قضيت. فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما قَضَاهُ الله عزّ وجل قد يكون خيراً، وقد يكون شرًّا، فما كان يُلائمُ الإنسانَ وفِطرتَه فإن ذلك خير، وما كان لا يُلائِمه فذلك شرٌّ، فالصِّحَّةُ والقوةُ والعِلْمُ والمالُ والولدُ الصَّالحُ وما أشبه ذلك خير، والمَرَضُ والجهل والضَّعف والولد الطالحُ وما أشبه ذلك شرٌّ؛ لأنه لا يُلائم الإنسانَ.
وقوله: ما قضيت، ما هنا بمعنى الذي، أي: الذي قضيتُه ... والمراد: قضاؤه الذي هو مقضيَّه؛ لأن قضاءَ الله الذي هو فِعْلُه كلُّه خير، وإنْ كان المقضيُّ شرًّا؛ لأنه لا يُراد إلا لحكمةٍ عظيمةٍ، فالمرضُ مثلاً قد لا يَعرفُ الإنسانُ قَدْرَ نِعمة الله عليه بالصِّحَّة إلا إذا مَرِضَ، وقد يُحْدِثُ له المرضُ توبةً ورجوعاً إلى الله، ومعرفةً لِقَدْرِ نفسِهِ، وأنه ضعيفٌ، ومُحتاجٌ إلى الله عزّ وجل، بخلاف ما لو بقيَ الإنسانُ صحيحاً معافى، فإنه قد ينسى قَدْرَ هذه النِّعمة، ويفتخرُ كما قال الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ.
فإن قال قائلٌ: كيف نجمعُ بين قوله: قِني شرَ ما قضيت. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: والشرُّ ليس إليكَ. فالجواب عن ذلك: أنَّ الشَّرَّ لا يُنسب إليه تعالى؛ لأن ما قضاه وإنْ كان شرًّا فهو خير، بخلاف غيره، فإن غيرَ الله رُبَّما يقضي بالشَّرِّ لشرٍّ محضٍ، فربما يعتدي إنسانٌ على مالكَ أو بدنكَ أو أهلكَ لقصد الشَّرِّ والإضرار بك، لا لقصدِ مصلحتِكَ، وحينئذٍ يكون فِعْلُهُ شرًّا محضاً. انتهى من الشرح الممتع على زاد المستقنع.
وقد سبق بيان أن أفعال الله سبحانه وتعالى كلها خير وحكمة وليس فيها شر بإطلاق، وإن كانت شراً على بعض الخلق بسبب كسبهم واختيارهم، وذلك في الفتوى رقم: 2855 فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(3/583)
شرح حديث (من سكن البادية جفا)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث للرسول صلي الله عليه وسلم يقول: خير أمتي في المدن. وما معنى هذا الحديث إن كان موجودا؟ أو ما هو المقصود به لأنني الآن أرى القرى ومناطق البدو خيرا من المدن بكثير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على حديث بهذا اللفظ، ويشهد لأصل معناه قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سكن البادية جفا. رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني.
قال المباركفوري: قَوْلُهُ: مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا. أَيْ جَهِلَ، قَالَ تَعَالَى: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ. قَالَ الْقَاضِي: جَفَا الرَّجُلُ إِذَا غَلُظَ قَلْبُهُ وَقَسَا وَلَمْ يَرِقَّ لِبِرٍّ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى سُكَّانِ الْبَوَادِي لِبُعْدِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقِلَّةِ اِخْتِلَاطِهِمْ بِالنَّاسِ, فَصَارَتْ طِبَاعُهُمْ كَطِبَاعِ الْوُحُوشِ. اهـ.
ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. {التوبة:97} .
قال ابن كثير: لما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي، لم يبعث الله منهم رسولا؛ وإنما كانت البعثة من أهل القرى، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى. {يوسف: 109} . ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه أضعافها حتى رضي؛ قال: لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي، أو ثقفي، أو أنصاري، أو دوسي. لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن: مكة، والطائف، والمدينة، واليمن، فهم ألطف أخلاقا من الأعراب؛ لما في طباع الأعراب من الجفاء. اهـ.
وقال السعدي: الأعراب وهم سكان البادية والبراري أشد كفرا ونفاقا من الحاضرة، الذين فيهم كفر ونفاق، وذلك لأسباب كثيرة منها: أنهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والأعمال والأحكام؛ فهم أحرى وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله من أصول الإيمان، والأحكام الأوامر والنواهي. بخلاف الحاضرة، فإنهم أقرب لأن يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله فيحدث لهم بسبب هذا العلم تصورات حسنة، وإرادة للخير الذي يعلمون منه ما لا يعلم من يكون في البادية. وفيهم من لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية، ويجالسون أهل الإيمان، ويخالطونهم أكثر من أهل البادية؛ فلذلك كانوا أحرى للخير من أهل البادية، وإن كان في البادية والحاضرة: كفار ومنافقون. ففي البادية أشد وأغلظ مما في الحاضرة. ومن ذلك: أن الأعراب أحرص على الأموال وأشح فيها. اهـ.
ولا يعني هذا أن كل أهل البادية كذلك، بل فيهم قطعا من هو خير من أهل المدن، ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك: وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. {التوبة: 99} . وراجع في ذلك الفتوى رقم: 96739.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط: التحقيق أن سكان البوادي لهم حكم الأعراب سواء دخلوا في لفظ الأعراب أم لم يدخلوا، فهذا الأصل يوجب أن يكون جنس الحاضرة أفضل من جنس البادية، وإن كان بعض أعيان البادية أفضل من أكثر الحاضرة مثلا، ويقتضي أن ما انفرد به أهل البادية عن جميع جنس الحاضرة أعني في زمن السلف من الصحابة والتابعين فهو ناقص عن فضل الحاضرة أو مكروه. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(3/584)
شرح حديث: من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية فقبلها ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم تفسير هذا الحديث: عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له عليها هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في سننه وغيرهما، وتكلم بعض أهل العلم في سنده وصححه بعضهم.
وهو في رواية أحمد بلفظ: من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من الربا.
قال صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود: قال في فتح الودود: وذلك لأن الشفاعة الحسنة مندوب إليها وقد تكون واجبة، فأخذ الهدية عليها يضيع أجرها؛ كما أن الربا يضيع الحلال.
وكان أهل الجاه من السلف الصالح يسعون في حاجات الناس ويشفعون لهم دون مقابل، جاء في عمدة القاري عن أبي مسعود عقبة بن عمرو: أنه أتى إلى أهله فإذا هدية، فقال: ما هذا؟ فقالوا: الذي شفعت له، فقال: أخرجوها أتعجل أجر شفاعتي في الدنيا.
وذكر مثل ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وعبد الله بن جعفر.
فالشفاعة، والقرض، والضمان، لا يجوز أخذ مقابل عليها كما قال بعض الفضلاء:
القرض والضمان عوض الجاه *يمنع أن ترى لغير الله
وعلى هذا؛ فمعنى الحديث: حرمة أخذ مقابل على شفاعة المسلم لأخيه، فقد أمرالنبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة فقال: اشفعوا تؤجروا. الحديث متفق عليه.
وقال: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.
وقال: من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه. رواه مسلم.
ومحل المنع إذا كانت الهدية مقابل الشفاعة وبذل الجاه، أما إذا كانت مقابل جهد وعمل؛ فإنه لا حرج فيها.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 40376.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1430(3/585)
شرح حديث (..وجعل رزقي تحت ظل رمحي..)
[السُّؤَالُ]
ـ[شرح الحديث الذى يقول: وجعل رزقي تحت ظل رمحي. وشكرا، وكذلك صحته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المناوي في شرح هذا الحديث: أنه يعنى أن الرمح سبب في تحصيل رزقه لما يحصل به من القتال في الجهاد الذي يغنم فيه الغنائم، وذكر أن هذا يعني معظم رزقه، وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح كالهدية والهبة وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1430(3/586)
معنى: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعنى هو أن ما أعطاه الله تعالى وقدره لعباده من الخير، لا يستطيع أحد مهما كان أن يمنعه عنهم، وما منعه عنهم من الخير لا يستطيع أحد أن يوصله إليهم، فمن أسمائه الحسنى (المانع الضار النافع ... ) وفي الصحيحين وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 4784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(3/587)
المراد بالبر في حديث: ولا يزيد في العمر إلا البر
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن البر يطيل في الأعمار. ما هو البر؟ وهل يشمل جميع الناس أم الوالدين فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث: ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وحسنه الألباني.
والمراد بالبر الإحسان إلى الوالدين وطاعتهما في المعروف، وتدخل فيه أيضا صلة الأرحام والطاعة؛ كما قال المباركفوري في شرح الترمذي: ومن البر والإحسان أن يبر المسلم والديه ويحسن إليهما ويصل أرحامه ويحسن إليهم.
وقد ثبت في الحديث أن من أسباب طول العمر بر الوالدين وصلة الرحم، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه.
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا: إ ن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل.
وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار.
والحديثان صححهما الألباني.
وراجع الفتوى رقم: 23751.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(3/588)
شرح حديث: ثم تكون ملكا عاضا.. ثم يكون ملكا جبريا
[السُّؤَالُ]
ـ[أود من حضراتكم تفسير الحديث الشريف عن الرسول عليه الصلاة والسلام:تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. رواه أحمد والبيهقي في دلائل النبوة، وصححه الألباني. فما معنى ملكا عاضا وملكا جبريا، فهل يقصد به توارث الحكم في الدولتين الأموية والعباسية أم ماذا؟
وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور رواه الإمام أحمد وغيره، وحسنه شعيب الأرنؤوط، وقال عنه الألباني: والحديث حسن على أقل الأحوال إن شاء الله تعالى.
ومعنى الملك العاض أو العضوض -كما قال أهل اللغة- هو الملك الذي فيه عسف وظلم للرعية كأنه يعضهم بأسنانه عضاً. ومنه قولهم: عضتهم الحرب وعضهم السلاح وعضهم الدهر.. كناية عن شدة ذلك عليهم.
والملك الجبري هو: الذي يجبر الناس ويكرههم على ما لا يريدون تعسفاً وظلما. وهذا الوصف شامل لمن اتصف به سواء كان ملكه عن طريق الوراثة أو التغلب.
ولم نقف على قول لأهل العلم أن الحديث في الدولة الأموية والعباسية أو غيرهما بالتحديد. ولكن ورد في بعض روايات الحديث: قال حبيب -أحد رواة الحديث- عن النعمان بن بشير: فلما قام عمر بن عبد العزيز كتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، وقلت: أرجو أن تكون أمير المؤمنين بعد الملك العاض والجبرية فسر به وأعجبه يعني عمر بن عبد العزيز. قال الألباني في السلسلة: ومن البعيد عندي حمل الحديث على عمر بن عبد العزيز لأن خلافته كانت قريبه العهد بالخلافة الراشدة ولم يكن بعد ملكان ملك عاض وملك جبرية. والله أعلم.
وللمزيد من الفائدة يمكنك الاطلاع على الفتويين رقم: 69429، 100344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(3/589)
كالقابض على الجمر
[السُّؤَالُ]
ـ[القابض على دينه كالقابض على جمرة. هل هو حديث صحيح للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ وما معناه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح كما قال أهل العلم، فقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، أو قال على الشوك. صححه الأرناؤوط، وفي رواية الترمذي: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر. وصححه الألباني.
قال العلماء: وذلك لكثرة الفساد والفتن والمغريات وقلة الأعوان على الطاعة، ولمشقة التمسك بالدين واتباع السنة يكون الملتزم بدينه كالقابض على الجمر أو الشوك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(3/590)