تفسير قوله تعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) وما الفرق بين فضل الله ورحمته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف في تفسير قول الله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا {يونس: 58} . قال صاحب فتح القدير: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، المراد بالفضل من الله سبحانه: هو تفضله على عباده في الآجل والعاجل بما لا يحيط به الحصر، والرحمة: رحمته لهم. وروي عن ابن عباس أنه قال: فضل الله: القرآن، ورحمته: الإسلام. وروي عن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة أن فضل الله: الإيمان، ورحمته: القرآن. والأولى: حمل الفضل والرحمة على العموم، ويدخل في ذلك القرآن وما اشتمل عليه دخولاً أولياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1426(2/2452)
تفسير قوله تعالى (..وأورثنا الأرض..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالأرض فى الآية:...... وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء. صدق الله العظيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآية المشار إليها جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن أهل الجنة، وبداية السياق قول الله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ* وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {الزمر:73-74} .
والمقصود بالأرض هنا -كما رجح أكثر المفسرين- الجنة، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ {الأنبياء:105} ، وقوله تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا {مريم:63} ، وقوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {الزخرف:72} ، وهو مروي عن غير واحد من السلف، والمعنى أن أهل الجنة يقولون عند دخولها: الحمد لله صدقنا وعده بالجنة نتبوأ فيها من المنازل ما نشاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1426(2/2453)
معنى (الرقيم)
[السُّؤَالُ]
ـ[مالمقصود بالرقيم في سورة الكهف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل التفسير في المقصود بالرقيم قال الطبري في تفسيره: وأما الرقيم فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به فقال بعضهم: هو اسم قرية أو واد، وقيل: كتاب، وقيل: لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف ثم وضعوه على باب الكهف. وقيل غير ذلك. ثم قال: وأولى هذه الأقوال بالصواب في الرقيم أن يكون معنيا به لوح أوحجر أو شيء كتب فيه كتاب.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1426(2/2454)
إشادة القرآن الكريم لمن يستجيب لله والرسول
[السُّؤَالُ]
ـ[الاستجابة لله وللرسول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستجابة معناها الإجابة أي إجابة الداعي، والاستجابة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، واتباع الإرشادات والتوجيهات التي أوحى الله تعالى بها في محكم كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر أهل التفسير عدة معان للاستجابة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم عند تفسير قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ {الأنفال:24} ، ترجع إلى المعنى المذكور.
قال الطبري: ... استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق، وذلك أن ذلك إذا كان معناه؛ كان داخلا فيه الأمر بإجابتهم لقتال العدو والجهاد، والإجابة إذا دعاهم إلى حكم القرآن، وفي الإجابة إلى كل ذلك حياة المجيب، أما في الدنيا فبقاء الذكر الجميل، وذلك له فيه حياة، وأما في الآخرة فحياة الأبد في الجنان والخلود فيها. اهـ
وقد استجاب المؤمنون الأوائل لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم في ساعة العسرة، وفي أصعب الأوقات وأشد الأحوال، فاستحقوا بذلك إشادة القرآن الكريم ومدح الله تعالى لهم حيث قال: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ* الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ {آل عمران:171-172} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(2/2455)
معنى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن الآية الكريمة بعد بسم الله الرحمن الرحيم:\" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل\". صدق الله العظيم. هل تقول الآية بأنه لم يكن هناك رسل قبل النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام. أم هناك معنى آخر. ألم يكن إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام رسلا وأنبياء أيضاً.
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية نزلت في أحد لما أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فانهزم بعض الناس لذلك، فأنزل الله الآية كما قال ابن أبي حاتم وابن العربي والشوكاني وابن كثير وغيرهم. والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو إلا كغيره من الرسل الذين جاءوا من قبله ثم ماتوا فهو سيموت مثلهم، قال ابن كثير: أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه. فهذا هو معنى الآية، وليس كما توهمت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1426(2/2456)
تفسير قوله تعالى (..بعوضة فما فوقها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى \"إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضه فما فوقها\"
فما الشيء الموجود فوق البعوضة؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في التفسير أن قوله تعالى (فما فوقها) فيه قولان: أحدهما: فما دونها في الصغر والحقارة كما إذا وصف رجل باللؤم والشح فيقول السامع: نعم وهو فوق ذلك يعني فيما وصفت.
وهذا قول الكسائي وابن عبيد، قاله الرازي وأكثر المحققين، وفي الحديث: لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء.
والثاني: فما فوقها لما هو أكبر منها لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة، وهذا قول قتادة بن دعامة، واختيار ابن جرير، فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(2/2457)
تفسير (ولا تنس نصيبك من الدنيا)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لنا أن نعرف ماذا أراد الله بهذا أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم. \"ولا تنس نصيبك من الدنيا\" صدق الله العظيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في تفسير الآية المسؤول عنها، قال ابن العربي في أحكام القرآن: المسألة الأولى في معنى النصيب، وفيه ثلاثة أقوال: الأول: لا تنس حظك من الدنيا، أي: لا تغفل أن تعمل في الدنيا للآخرة، كما قال ابن عمر: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
الثاني: أمسك ما يبلغك فذلك حظ الدنيا، وأنفق الفضل فذلك حظ الآخرة.
الثالث: لا تغفل شكر ما أنعم الله عليك.
وفي تفسير البغوي: ولا تنس نصيبك من الدنيا، قال مجاهد، وابن زيد: لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة، وقال السدي: بالصدقة وصلة الرحم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(2/2458)
الفرق بين (فانكحوا) و (أن أنكحك) .
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية الثالثة في سورة النساء: (فانْكِحوا) الآية 27 في سورة القصص: (أُنكِحَكَ) أفهم من ذلك أن أَنْكِحوا تعني: زَوِّجوا اليتامى (ذكوراً وإناثاً) ولا تعني تَزَوَّجوا أنتم هل أنا على صواب أم ضلال]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الإقدام على تفسير القرآن الكريم بالرأي المجرد من غير بصيرة بلسان العرب وأساليب كلامهم، ومعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وكلام السلف والخلف. قال السيوطي رحمه الله تعالى: أجمعوا على حظر تفسير القرآن بالرأي من غير لغة ولا نقل. اهـ.
وقد استدل العلماء على ذلك بقوله سبحانه: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. وبما رواه أبو داود والترمذي والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار. وقوله: من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ. رواه أبو داود والنسائي.
وبهذا تعلم خطورة الإقدام على تفسير القرآن بالرأي، ومنه قولك في تفسير الآيتين اللتين سألت عنهما، إذ معنى "انكحوا" في آية النساء: تزوجوا. قال في لسان العرب: نكح فلان امرأة ينكحها إذا تزوجها. قال الأعشى في نكح بمعنى تزوج.
ولا تقربن جارة أن سرها * عليك حرام فانكحن أو تأبدا
الأزهري: وقوله عز وجل: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ {النور: 3} تأويله: لا يتزوج الزاني إلا زانية، وكذلك الزانية لا يتزوجها إلا مشرك. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 10994.
وأما قوله سبحانه في آية القصص: أَنْ أُنْكِحَكَ. فمعناه أن أزوجك.
قال في لسان العرب: وأنكحه المرأة زوجه إياها.
وبهذا يتبين لك الفرق بين الفعلين في الآيتين، وأن نكح يختلف عن أنكح، فنكح متعد لفعل واحد. وقوله تعالى: (فَانْكِحُوا) في سورة النساء فعل أمر من نكح. وأما قوله تعالى: (أَنْ أُنْكِحَكَ) . فهو متعد لمفعولين، وهو مضارع ماضيه أنكح، بهمزة القطع.
على أن ما توهمه السائل فاسد من جهة المعنى أيضا، وذلك أنا لو سلمنا له أن معنى (فَانْكِحُوا) تزوجوا اليتامى ذكورا وإناثا يبقى ما تعلق بالفعل من قوله تعالى: مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ إلى آخر الآية. وهو أمر واضح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(2/2459)
تفسير الآيات من رقم 4-7 من سورة الإسراء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير قوله تعالى \"وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا......\" إلى الآية السابعة.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي تفسير قوله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً {الإسراء:4} . إلى قوله تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ {الإسراء: 7} . الآية. قال الشيخ السعدي: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ، الآية. أي تقدمنا وعهدنا إليهم وأخبرناهم في كتابهم أنهم لا بد أن يقع منهم إفساد في الأرض مرتين بعمل المعاصي والبطر لنعم الله، والعلو في الأرض والتكبر فيها، وأنه إذا وقع واحد منها سلط الله عليهم الأعداء وانتقم منهم، وهذا تحذير لهم وإنذار لعلهم يرجعون فيتذكرون. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا، أي أولى المرتين اللتين يفسدون فيهما أي إذا وقع منهم ذلك الفساد" بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ، بعثاً قديراً وسلطنا عليكم تسليطاً كونياً جزائياً" عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، أي ذوي شجاعة وعدد وعدة فنصرهم الله عليكم فقتلوكم وسبوا أولادكم ونهبوا أموالكم" فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ، وهتكوا الدور ودخلوا المسجد الحرام وأفسدوه" وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً، لا بد من وقوعه لوجود سبب منهم. واختلف المفسرون في تعيين هؤلاء المسلطين، إلا أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار إما من أهل العراق أو الجزيرة أو غيرها سلطهم الله على بني إسرائيل لما كثرت فيهم المعاصي وتركوا كثيراً من شريعتهم وطغوا في الأرض. " ثم رددنا لكم الكرة عليهم. أي على هؤلاء الذي سلطوا عليكم، فأجليتموهم من دياركم." وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ، أي أكثرنا أرزاقكم وكثرناكم وقويناكم عليهم." وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً، منهم وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم لله. "إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ، لأن النفع عائد إليكم حتى في الدنيا كما شهدتم من انتصاركم على أعدائكم. "وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا. أي فلأ نفسكم يعود الضرر كما أراكم الله من تسليط الأعداء. "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ، أي المرة الأخرى التي تفسدون فيها في الأرض سلطنا علكيم الأعداء. "لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ، بانتصارهم عليكم وسبيكم. " وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، والمراد بالمسجد مسجد بيت المقدس." وَلِيُتَبِّرُوا، أي يخربوا ويدمروا" مَا عَلَوْا عليه" تَتْبِيراً. فيخربوا بيوتكم ومساجدكم وحروثكم. اهـ. وراجع: 28825، 48985.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(2/2460)
القربى في قوله تعالى (إلا المودة في القربى)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو المقصود ب (القربى) في عدة آيات كريمة مثل (ما أسالكم عليه من أجرا إلا المودة في القربى) (لله خمسه وللرسول ولذي القربى)
أفيدونا.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير أن القربى المشار إليها في الآيتين المذكورتين قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، قالوا: يا رسول الله؛ من هم قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولداها. والحاصل أن المقصود بالقربى قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته على اختلاف في تحديدهم. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين: 58248، 6344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1426(2/2461)
الفرق بين بلوغ الأشد والاستواء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو السر في ذكر كلمة استوى في قصة موسى عليه السلام: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وعدم ذكرها في قصة يوسف عليه السلام: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن عاشور في التحرير والتنوير عند تفسير قوله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى، وتقدم نظير هذه الآية في سورة يوسف إلا قوله واستوى، فقيل: إن استوى بمعنى بلغ أشده فيكون تأكيدا. والحق أن الأشد كمال القوة لأن أصله جمع شدة بكسر الشين بوزن نعمة وأنعم وهي هيئة بمعنى القوة، ثم عومل معاملة المفرد. وأن الاستواء كمال البنية؛ كقوله تعالى في وصف الزرع: فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ {الفتح: 29} . ولهذا أريد لموسى الوصف بالاستواء ولم يوصف يوسف إلا ببلوغ الأشد خاصة لأن موسى كان رجلا طوالا كما في الحديث: كأنه من رجال شنوءة. فكان كامل الأعضاء، ولذلك كان وكزه القبطي قاضيا على الموكوز. ويدل لما ذكره ابن عاشور من التفريق بين بلوغ الأشد وبين الاستواء ما روي عن مجاهد وابن عباس وقتادة أن الأشد ثلاث وثلاثون سنة، والاستواء أربعون سنة، وراجع في ذلك تفسير البغوي والقرطبي والألوسي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(2/2462)
معنى (مبلسون) و (الأعراف)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة مبلسون؟
وما معنى قوله تعالى\\\"وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم\\\"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى كلمة مبلسون أن هؤلاء انقطع عندهم الرجاء في رحمة الله؛ كما قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ {الأنعام: 44} .
وأما قوله تعالى: وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ فمعناه هو أن على سور الجنة رجالا استوت حسناتهم وسيئاتهم؛ كما ذكره غير واحد من السلف كحذيفة وابن عباس وابن مسعود، وهو الذي قرره القرطبي في تفسيره، وهؤلاء يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم أي بعلاماتهم وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين، كما قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فتبيض وجوه أهل الطاعة، وتسود وجوه أهل المعصية.
وأصحاب الأعراف -كما قال المفسرون- هم أقوام استوت حسناتهم وسيئاتهم فبقوا عند سور الجنة لم يدخلوها وهم يطمعون. روى الحاكم عن حذيفة بسند حسن قال: بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال: قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم.
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الإبلاس وأن يجعلنا ممن يدخلون الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إنه سميع مجيب، وللاستزادة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 33299.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(2/2463)
تفسير قوله تعالى (وإن كادوا ليفتنونك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير قوله تعالى \"وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره واٍذا لاتخذوك خليلا. ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا.\"
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية الكريمة: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ.. مثل قول الله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً {النساء:113} . وسبب نزول الآية كما قال بعض أهل التفسير: أن قريشا قالو للنبي صلى الله عليه وسلم لا نمكنك من استلام الحجر (في الطواف بالبيت) حتى تمس آلهتنا بيدك فحدث نفسه بذلك وقال: ما علي لو فعلت والله يعلم مني خلافه فأنزل الله تعالى ردا على حديث النفس الذي جرى منه صلى الله عليه وسلم الآية المذكورة. وقيل كان سبب نزولها أن ثقيفا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لا ندخل في دينك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب وذكر منها: لا ننحني في صلاتنا وكل رباً لنا فهو لنا، وكل رباً علينا فهو موضوع عنا وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة.. وذكروا غير ذلك من أسباب نزولها. قال العلامة ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: (وللمفسرين محامل لهذه الآية استقصاها القرطبي فمنها ماليس له حظ من القبول لوهن سنده وعدم انطباقه على معاني الآية، ومنها ماهو ضعيف السند وتتحمله الآية بتكلف ... ومرجع ذلك إلى أن المشركين راودوا النبي صلى الله عليه وسلم ألا يُسوّيهم مع من يعدونهم منحطين عنهم من المؤمنين المستضعفين عندهم مثل بلال وعمار وخباب وصهيب.. وأنهم وعدوا النبي صلى الله عليه وسلم إن هو فعل ذلك بأن يجلسوا إليه ويستمعوا القرآن حين لا يكون تنقيص آلهتهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بأن يظهر بعض اللين رغبة في إقبالهم على سماع القرآن لعلهم يهتدون فيكون المراد من (الذي أوحينا إليك) بعض الذي أوحينا إليك، وهو ما فيه فضل المؤمنين.. أوما فيه تنقيص الأصنام.. وإن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في اقترابهم من الإسلام وفي تأمين المسلمين أجالت في خاطره أن يجيبهم إلى بعض ما دعوه إليه مما يرجع إلى تخفيف الإغلاظ عليهم أو إنظارهم، أو إرضاء بعض أصحابه بالتخلي عن مجلسه حين يحضره صناديد المشركين وهو يعلم أنهم ينتدبون إلى ذلك لمصحلة الدين أو نحو ذلك مما فيه مصلحة لنشر الدين وليس فيه فوات شيء على المسلمين، أي كادوا يصرفونك عن بعض ما أوحاه الله إليك مما هو مخالف لما سألوا، ثم قال رحمه الله في معنى قول الله تعالى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ.. والمعنى. . أن الركون مجمل في أشياء هي مظنة الركون ولكن الركون منتف من أصله لأجل التثبيت بالعصمة، كما انتفى أن يفتنه المشركون عن الذي أوحي إليه بصرف الله إياهم عن تنفيذ فتنتهم. (أو المعنى، (ولولا أن عصمناك من الخطإ في الاجتهاد وأريناك أن مصلحة الشدة في الدين والتنويه بأتباعه ولو كانوا من ضعفاء أهل الدنيا لا تعارض مصلحة تأليف قلوب المشركين، فإن إظهار الهوادة في أمر الدين تطمع المشركين في الترقي إلى سؤال ماهو أبعد مدى مما سألوه، فمصلحة ملازمة موقف الحزم معهم أرجح من مصلحة ملاينتهم وموافقتهم. . وقال البيضاوى:..ولولا تثبيتنا إياك {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} ، لقاربت أن تركن إليهم وتميل إلى اتباع مرادهم.. لقوة خداعهم وشدة احتيالهم لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقترب من الركون فضلا عن أن تركن إليهم، وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ماهم بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها ودليل على أن العصمة بتوفيق الله تعالى وحفظه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1426(2/2464)
المراد بناشئة الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال عن ناشئة الليل، هل صحيح أن ناشئة الليل تبدأ من بعد صلاة المغرب أي ما بعد العشائين، وهل هي صلاة؟ إن كان ذلك صحيحا فكم عدد ركعاتها؟ وإن كان هذا غير صحيح فمتى يبدأ وقت ناشئة الليل؟
جزاكم االله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختف العلماء في المراد بناشئة الليل هل هي ساعات الليل أو قيام الليل ـ وعلى أنها ساعات الليل فقيل هي ما بين المغرب والعشاء وقيل هي الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: قال العلماء ناشئة الليل أي أوقاته وساعاته لأن أوقاته تنشأ أولا فأولا يقال نشأ الشيء إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شيء فهو ناشئ والمراد إن ساعات الليل الناشئة فاكتفى بالوصف دون الاسم ـ وقيل إن ناشئة اليل قيام الليل. انتهى. ثم إنه على تقدير أن المراد بناشئة الليل أوقاته وساعاته فإن المعنى أن الصلاة في هذه الأوقات من الليل أفضل من صلاة النهار، قال القرطبي: بين الله في هذه الآية فضل صلاة الليل على صلاة النهار وأن الاستكثار من صلاة الليل بالقراءة فيها ما أمكن أعظم للأجر وأجلب للثواب، قال واختلف العلماء في المراد بناشئة الليل، فقال ابن عمر وأنس بن مالك هي ما بين المغرب والعشاء، وقال وكان علي بن الحسين يصلى بين المغرب والعشاء ويقول هذا ناشئة الليل، وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: هي الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار، وهو الذي اختاره مالك بن أنس، وقالت عائشة وابن عباس أيضا ومجاهد: إنما الناشئة القيام باليل بعد النوم. انتهى. بتصرف قليل. وفي المسألة أقوال كثيرة، وبهذا يتبين للسائلة أن المراد بناشئة الليل الصلاة في أوقاته وسواء كانت أوله أم آخره حسب أقوال كثير من المفسرين، وعلى المرء أن ينظر فيما يتيسر له من ذلك فإن استطاع الصلاة بعد المغرب وقبل العشاء فقيل هذه ناشئة ولا حد لعدد الركعات فيها، وإن أخر بعد العشاء فهو ناشئة أيضا. وإن صلى بعد النوم فهو ناشئة أيضا والأمر في هذا واسع، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 31638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1426(2/2465)
الفتنة في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءت الفتنة في القرآن الكريم بمعاني كثيرة فما هي الفتنة في الآيات الآتية
1- قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)
2- قوله تعالى: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات)
3- قوله تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) ما معنى أن السورة مكية أو مدنية، ما الحديث الذي افتتح به البخاري صحيحه، وما آخر حديث ختم به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفتنة في لغة العرب تطلق على الابتلاء والامتحان والاختبار، قال العلماء: وتستعمل فيما أخرجه الاختبار من المكروه، وفي المكروه نفسه ... وتارة تستعمل في الكفر، وتارة تستعمل في الإثم، وتارة تستعمل في الإحراق، وتارة تستعمل في الإزالة عن الشيء والصرف عنه.
ومعناها في قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ {البقرة:193} ، أي شرك وكفر، قال الطبري في التفسير: يعني حتى لا يكون شرك بالله، وحتى لا يعبد دونه أحد، وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان.
وأما قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ {البروج:10} ، فمعناها حرقوهم وعذبوهم بالنار، قال القرطبي: والعرب تقول: فتن فلان الدرهم إذا أدخله الكور لينظر جودته. وقال الطبري: حرقوهم بالنار.
وأما قوله (يفتنون) في قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {العنكبوت:2} ، فمعناها كما قال أهل التفسير: وهم لا يختبرون ويبتلون في أنفسهم وأموالهم ...
وأما قول أهل العلم فهذه السورة مكية أو مدنية فأرجح أقوالهم فيه -كما قال السيوطي في الإتقان -: أن المراد بالمكي ما نزل قبل الهجرة وإن نزل في مكان آخر، وأن المدني ما نزل بعد الهجرة وإن نزل بمكان آخر ولو كان هذا المكان مكة نفسها.
وأما الحديث الذي بدأ به الإمام البخاري صحيحه فهو حديث: إنما الأعمال بالنيات ... في باب بدء الوحي، وأما الحديث الذي ختم به فهو حديث: كلمتان حبيبتان إلى الرحمن حفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(2/2466)
خلافة الله في الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة البقرة آية 30 قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة ... ) هل حقق الإنسان خلافة الله في الأرض أم لا مع ذكر الأسباب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر القرطبي وغيره عند تفسير هذه الآية أن معنى الخلافة المذكورة في الآية هو خلافة الله في الأرض بتنفيذ أحكامه وعمارة الأرض وسياسة الناس بها. وهذا بناء على القول بأن الخليفة خليفة الله تعالى، وقد قام الأنبياء علهيم الصلاة والسلام وأتباعهم بإحسان بخلافة الله في هذا المجال خير قيام، فدعوا إلى الله وحكموا في أتباعهم بعدل وسياسة حسنة وطبقوا الحدود على أرض الله، وإن من المؤكد عندنا ما اطلعنا عليه من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فقد كانوا خير مثال في هذا الميدان، فقد حققوا ما أراد الله منهم أتم تحقيق، وليراجع سيرهم من أراد الاطلاع على ذلك، وليراجع الفتاوى التالية أرقامها: 40112، 51848، 1099.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1426(2/2467)
تفسير (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت)
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً عندي استفسارات في القرآن آية مضمونها سلام على هذا النبي (يوم ولدت ويوم أموت) هكذا كتبت حسب ما أظن، سؤالي لماذا استعمل الفعل الأول في الماضي والفعل الثاني في المضارع، هل في ذلك دلالة على أن هذا الرسول لم يمت، أرجوكم دلوني على التفاسير العلمية الشرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نص الآية هو: وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {مريم:33} ، وهذه الآية من جملة كلام عيسى عليه الصلاة والسلام الذي بدأه بقوله: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {مريم:30-31-32-33}
وإذا عرفنا أن هذا من كلام عيسى فإن استعمال الماضي في ولدت واستعمال المضارع في أموت وأبعث هو الذي يقتضيه السياق، فإن ميلاده قد حصل سابقاً قبل كلامه في المهد، وأما موته وبعثه فسيأتيان فيما بعد، ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام وقت كلامه حينئذ لم يمت بعد.
وأما كون عيسى لا يزال حيا حتى الآن وسينزل من السماء في آخر الزمن ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقاتل اليهود ويقتل المسيح الدجال فهذا ثابت فعلاً، ولكنه يؤخذ من أدلة أخرى، فراجع فيه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47614، 8295، 6238، 1770.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1426(2/2468)
الجمع بين الشيئين بحرف الواو
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} طبيعة البشر أنهم يخافون ومن شدة الخوف يهربون، لكن في القرآن هربوا ثم خافوا، أرجو توضيح الأمر، (قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ) طبيعتنا أننا نقبل على الناس ثم نتكلم معهم، لكن في القرآن تقدم القول على الاقبال، فكيف تفسرون هذا؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا {الكهف} ، (الواو) لا تفيد الترتيب الزمني بين الأشياء ولكنها تفيد مطلق الجمع بخلاف (الفاء) التي تفيد الترتيب مع التعقيب و (ثم) التي تفيد الترتيب مع التراخي، قال في العناية: والواو لمطلق الجمع بإجماع أهل اللغة.
قال في كشف الأسرار شرح أصول البزدوي: قال الإمام عبد القاهر: معنى الواو الجمع بين الشيئين في الحكم لا في الوقت ولا ترتيب فيه لأنها في الاسمين المختلفين بإزاء التثنية في المتفقين فإذا قلت جاءني زيد وعمرو لم يجب أن يكون المبدوء به في اللفظ سابقاً بل كل منهما بمنزلة صاحبه في جواز تقديمه ... ولو استعمل الفاء مكانه لبطل المراد ... وإذا كان المراد الجمع وجب الثبات على الواو دون الفاء لأن الواو تدل على الجمع والفاء تدل أن الثاني بعد الأول. انتهى.
أما قوله تعالى: قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ {يوسف:71} ، أي قالوا حال كونهم مقبلين نتيجة انزعاجهم، قال في روح المعاني: والجملة في موضع الحال من ضمير قالوا جيء بها للدلالة على انزعاجهم مما سمعوه لمباينته لحالهم أي قالوا مقبلين عليهم ماذا تفقدون. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1426(2/2469)
تفسير (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير قوله تعالى: (ربما يود الذين کفروا لو کانوا مسلمين)
جزاکم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نص الآية الكريمة: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ {الحجر:2} . وخلاصة ما ذكره المفسرون في هذه الآية أن الكفار يتمنون أن يكونوا مسلمين حين يعاينون حال المسلمين عند حلول الموت، أو عند نزول النصر، أو في يوم القيامة، قال ابن كثير في تفسيره: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا.. الآية: إخبار عنهم أنهم سيندمون على ما كانوا فيه من الكفر، ويتمنون لو كانوا في الدنيا مسلمين، وقيل: إن المراد أن كل كافر يود عند احتضاره أن لو كان مؤمنا، وقيل هذا إخبار عن يوم القيامة. وبإمكانك أن تطلع على أكثر من هذا في تفسير الطبري وتفسير القرطبي وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1426(2/2470)
استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الكريم، هنالك آية كريمة في سورة الأحزاب وهي آية 52 وأود توضيحها حيث إنني في حيرة من الأمر
وهي \\\" لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حُسنهن ... \\\" إلى آخر الآية الكريمة، أستغفر الله قبل أن أكتب ما أقصده لأنني لا أعرف حقاً كيف سأسأل عن قصدي بكل بساطة شيخنا الفاضل، نحن نعلم أن الله عز وجل أمرنا بغض أبصارنا ذكوراً وإناثاً عن كل ما حرمه عز وجل ومن ضمنه غض بصر الرجال عن النساء المحرمات عليهم، فكيف تبينوا معنى هذه الآية لنا \\\"ولو أعجبك حُسنهن\\\" حيث المعنى أن كيف سيعجب الإنسان الشخص إلا برؤيته له ولأنني على يقين أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أكثرنا طاعة لأوامر الله عز وجل، فلا يعقل أن يكون قد أطلق العنان لبصره في رؤية النساء وأعجب بحسنهن.
أرجو من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت لتوصيل ما أقصده من شرحكم الوافي لما ورد من خلال هذه الآية الكريمة
وجزاكم الله عز وجل خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الخلق أجمعين وأخشاهم لله وأعلمهم بما يتقي، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. وفي رواية عن أحمد: إني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده.
أما قوله تعالى: وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ {الأحزاب: 52} فإعجاب النبي صلى الله عليه وسلم بحسن امرأة قد يكون مصدره الإخبار بذلك، وقد يكون بالنظر المشروع بأن ينظر إلى من يريد زواجها، كما في حديث سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعَّد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه. الحديث متفق عليه.
وهذا ليس خاصا به صلى الله عليه وسلم بل هو عام، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. رواه أحمد وأبو داود عن جابر بن عبد الله. وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما. رواه الترمذي وحسنه. وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال لا، قال: فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا.
قال الإمام النووي: وفيه استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها، وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1426(2/2471)
أمران ونهيان وخبران وبشارتان
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) ما هما الأمران والنهيان والخبران والبشارتان في الآية الكريمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمرين هما: أرضعيه وفألقيه، وأما النهيان فهما: لا تخافي، ولا تحزني ـ وأما الخبران فهما: أوحينا، وخفت ـ وأما البشارتان فهما: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1426(2/2472)
تفسير قوله تعالى (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير الآية الكريمة (مسافحات غير متخذي أخدان) ، وما المقصود منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نص الآية الكريمة هو محصنات غير مسافحات ولا متخذان أخدان، والمحصنات هن العفائف، والمسافحات المجاهرات بالسفاح وهو الزنى والمتخذات الأخدان هن المتخذات أصدقاء في السر يمارسون معهن الرذيلة، وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24284، 21808، 30194، 11945.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(2/2473)
التعبير القرآني: قال سلام، قالوا سلاما
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً، عندي استفسارات في القرآن، السؤال لغوي لماذا في القرآن في قصة نبي الله إبراهيم مع ضيوفه اختلف إعراب كلمة (سلام مرة تأتي سلام وأخرى سلاما) ، إنها تبدو لي تشغل نفس الوظيفة لغويا، أرجوكم بينوا لي سبب ذلك لغويا، ذلك أن معلوماتي محدودة في اللغة، أرجوكم دلوني على التفاسير العلمية الشرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة سلام الواردة في تحية ضيوف إبراهيم عليه السلام له يختلف إعرابها عن كلمة سلام الواردة في رده عليهم لاختلاف موقعهما من الإعراب، فقول الضيوف: سلاما بالنصب مفعول مطلق من فعل محذوف، والمعنى: سَلّموا سلاما، أو قالوا: نُسِلّم سلاما.
وأما قول إبراهيم في رده عليهم سلام بالرفع فإنه مبتدأ أي سلام عليكم، أو عليكم سلام، فكانت تحيتهم بجملة فعلية وكان رده عليه السلام بجملة اسمية، قال أهل التفسير: رد عليهم التحية بأحسن منها كما أمر الله تعالى بقوله: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا {النساء:86} ، وذلك لأن الجملة الاسمية التي تدل على الثبات والاستمرار أبلغ من الجملة الفعلية ... ...
وبخصوص كتب التفسير المفيدة فإننا نذكر لك منها تفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وتفسير التحرير والتنوير للعلامة ابن عاشور، وتفسير أضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(2/2474)
تفسير قوله تعالى (يا مريم اقنتي لربك واسجدي..)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة آل عمران (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) ، ما السبب في ترتيب القنوت ثم السجود ثم الركوع، وهل كانت هناك صلاة مفروضة قبل مجيء الإسلام؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من معنى الآية -والله أعلم- أنها اشتملت على مطلق العبادات وتفصيلها فذكر سبحانه الأعم ثم الأخص ثم الأخص، قال ابن القيم في بدائع الفوائد: فذكر القنوت أولا وهو الطاعة الدائمة فيدخل فيه القيام والذكر والدعاء وأنواع الطاعة، ثم ذكر ما هو أخص منه وهو السجود- والذي يشرع وحده كسجود الشكر والتلاوة، ويشرع في الصلاة فهو أخص من مطلق القنوت-، ثم ذكر الركوع الذي لا يشرع إلا في الصلاة ولا يسن الإتيان به منفردا فهو أخص مما قبله. ففائدة الترتيب النزول من الأعم إلى الأخص إلى أخص منه ... ونظيرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. فذكر أربعة أشياء أخصها الركوع ثم السجود أعم منه ثم العبادة أعم من السجود ثم فعل الخير العام المتضمن لذلك كله. انتهى.
وننبه الأخ السائل إلى أن الواو لا تفيد الترتيب الزمني بخلاف (ثم) فإنها تفيده مع التراخي، وبخلاف (الفاء) فإنها تفيده مع التعقيب، قال القرطبي: قدم السجود على الركوع لأن الواو لا توجب الترتيب ... وقيل كان شرعهم السجود قبل الركوع، وراجع الفتوى رقم: 27607، والفتوى رقم: 52958.
أما كون الصلاة مشروعة في الشرائع السابقة فقد سبق تفصيله في الفتوى رقم: 56147 فليرجع إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(2/2475)
سبب التعريف في قوله (ويهب لمن يشاء الذكور)
[السُّؤَالُ]
ـ[يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً، لماذا جاءت كلمة إناثاً نكرة والذكور جاءت معرفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالألف واللام أدخلت على كلمة (الذكور) للتمييز والتفضيل، قال القرطبي في تفسيره الآية: قال أبو عبيدة وأبو مالك ومجاهد والحسن والضحاك: يهب لمن يشاء إناثاً لا ذكور معهن ويهب لمن يشاء ذكوراً لا إناث معهم وأدخل الألف واللام على الذكور دون الإناث لأنهم أشرف فميزهم بسمة التعريف. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1426(2/2476)
تفسير قوله تعالى (وقالت اليهود عزير ابن الله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في سورة البقرة إن بعض اليهود بدلوا كلمة \\\"حطة\\\" فقال (فبدل الذين ظلموا) . فخص الله تعالى القول بالذين ظلموا. ولكن في مكان آخر قال تعالى (وقالت اليهود عزير ابن الله) ونحن نعلم أن طائفة فقط قالت بهذا. فلماذا لم يخصص الله تعالى في هذه الآية كما خصص في الآية الأولى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل القرآن الكريم يشير بذلك إلى أن القائلين بهذا القول الشنيع هم من زعماء اليهود وقادتهم.
وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام القرطبي في تفسيره حيث قال: هذا لفظ أخرج على العموم ومعناه الخصوص، لأن ليس كل اليهود قالوا ذلك، وهذا مثل قول الله تعالى: قَالَ لَهُمُ النَّاسُ. ولم يقل كل الناس ذلك، وقيل إن قائل ما حكي عن اليهود: سلام بن مشكم ونعمان ابن أبي أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف، قالوه للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: قال النقاش لم يبق يهودي يقولها، بل انقرضوا، فإذا قالها واحد فتوجه أن تلزم الجماعة شنعة المقالة لأجل نباهة القائل فيهم، وأقواال النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها، فمن هنا صح أن تقول الجماعة يقول نبيهها
وأسلوب العموم الذي يراد به الخصوص معروف في اللغة والعرف.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 3920.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1426(2/2477)
سر تخصيص الغراب دون غيره في قصة ابني آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[في قصة هابيل وقابيل بعث الله تعالى غرابا للقاتل ليعلمه كيف يواري أخاه المقتول.
السؤال لماذا تم ذكر الغراب في هذه القصة ولم يتم ذكر طير آخر أو حيوان وما شأن الغراب حتى يذكر في هذا الموضع أفتوني وبارك الله لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى العليم الحكيم اللطيف الخبير لم يضرب لنا مثلا في كتابه أو يقص علينا قصة إلا لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها. ومن ذلك القصة التي أشار إليها السائل الكريم.
وبخصوص ذكر الغراب فيها دون غيره من الطيور والحيوانات فقد جاء في تفسير التحرير والتنوير: وكأن اختيار الغراب لهذا العمل إما لأن الدفن حيلة في الغربان من قبل، وإما لأن الله تعالى اختاره لمناسبة ما يعتري الناظر إلى سواد لونه من الانقباض بما للأسيف الخاسر من انقباض النفس، ولعل هذا هو الأصل في تشاؤم العرب بالغراب، فقالوا: غراب البين.
وفي روح المعاني: والحكمة من كون الغراب هو المبعوث دون غيره من الحيوانات كونه يتشاءم به في الفراق والاغتراب، وذلك مناسبة لهذه القصة.
والغراب بطبيعته يبحث في الأرض دائما بمنقاره ورجليه عن رزقه، وربما دفن الأماكن التي نبشها، ولعل من الحكم في ذلك أن على المسلم أن يتعلم من كل ما حوله ولو كان دونه في المنزلة، فإن الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
فقد بعث الله تعالى هذا الحيوان لابن آدم الأول ليتعلم منه كيفية دفن الموتى والتي هي فريضة على جميع الناس على الكفاية، فيجب دفن الإنسان ولو كان غير مسلم، كما قال سبحانه وتعالى: ألَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا {النبأ: 25-26} . وقال: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ {عبس: 21} .
والحاصل أن قصص القرآن الكريم كلها عظات وعبر ودروس إذا تأمل فيها المؤمن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(2/2478)
كركرة وقول الله تعالى (وما كان لنبي أن يغل)
[السُّؤَالُ]
ـ[\"وما كان لنبي أن يغل\"هل نزلت في كركرة خادم النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المفسرون عدة أقوال في سبب نزول هذه الآية، ولم نقف في كلامهم على ما يدل على أنها نزلت في كركرة على وجه الخصوص قال ابن الجوزي في تفسيره: قوله تعالى: وما كان لنبي أن يغل، في سبب نزولها سبعة أقوال أحدها أن قطيفة من المغنم فقدت يوم بدر، فقال ناس لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فنزلت هذه الآية رواه عكرمة عن ابن عباس، والثاني أن رجلا غل من غنائم هوازن يوم حنين فنزلت هذه الآية رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث أن قوما من أشراف الناس طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصهم بشيء من الغنائم فنزلت هذه الآية نقل عن ابن عباس أيضا. والرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث طلائعا فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة ولم يقسم للطلائع فقالوا قسم الفيء ولم يقسم لنا فنزلت هذه الآية قاله الضحاك. والخامس أن قوما غلوا يوم بدر فنزلت هذه الآية قاله قتادة والسادس أنها نزلت في الذين تركوا مركزهم يوم أحد طلبا للغنيمة وقالوا نخاف أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ألم أعهد إليكم ألا تبرحوا أظننتم أنا نغل فنزلت هذه الآية قاله ابن السائب ومقاتل. والسابع أنها نزلت في غلول الوحي قاله القرظي وابن إسحاق وأصح هذه الأقوال هو الأول لحديث الترمذي قال ابن عباس: نزلت هذه الآية: ما كان لنبي أن يغل، في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله: ما كان لنبي أن يغل. إلى آخر الآية والحديث صححه الألباني. وأما خبر كركرة فقد ثبت عن عبد الله بن عمرو أنه قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1426(2/2479)
عين اليقين وعلم اليقين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو حل الاسئلة في أقرب وقت للأهمية لذلك وجزاكم الله خيرا.
ما الفرق بين عين اليقين وعلم اليقين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على سؤالك بالفتوى رقم: 36735.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1426(2/2480)
التعبير بتسطع وتستطع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الآية (ما لم تستطع عليه صبراً) والآية (ما لم تسطع عليه صبرا) ، نفعنا الله وإياكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن كثير في التفسير: قوله: (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) أي هذا تفسير ما ضقت به ذرعاً، ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء، ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل، قال: تسطع، وقبل ذلك كان الإشكال قوياً ثقيلاً، فقال: (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً) ، فقابل الأثقل بالأثقل، والأخف بالأخف، كما قال: فما اسطاعوا أن يظهروه- وهو الصعود إلى أعلاه- وما استطاعوا له نقباً، وهو أشق من ذلك، فقابل كلاً بما يناسبه لفظاً ومعنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1426(2/2481)
الحظ والنصيب
[السُّؤَالُ]
ـ[أقول كثيرا إن حظى غير موفق فهل يوجد حظ في الدين مع العلم قوله تعالى \"وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم\"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالحظ المذكور في الآية هو النصيب، كما قال ابن كثير في التفسير، فقد فسر قوله تعالى: ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 35} . بأنه ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة، وذكر غير ابن كثير نقلا عن بعض السلف تفسيره بالجنة والثواب وغير ذلك، ولكن هذا يدخل في عموم قول ابن كثير: ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة.
وراجع في الفتوى رقم: 9040، في بقية السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1426(2/2482)
تفسير قوله تعالى (..والطيبات للطيبين..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسيركم لآية (الطيبون للطيبات) وإذا كنتم تعتبرون سيدنا نوحا وسيدنا لوطا من الطيبين، فما تفسيركم لعصيان زوجتيهما لأمر الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذا السؤال في الفتوى رقم: 33972، والفتوى رقم: 53577.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1426(2/2483)
دفع وهم التعارض بين آيات كريمات
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين قول الله تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) الآية الكريمة وبين قول الله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار) ؟ فإن الآية الأولى تفيد أن نفس الأرض التي منها خلقنا هي التي سنعود إليها وهي التي سنخرج منها والآية الأخرى تفيد أن الأرض ستبدل؟ هل عندكم من علم في هذا الشأن؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الآيات الكريمات التي ذكرها السائل الكريم، وتوضيح ذلك أن الآية الأولى جاءت في سياق بيان أن الله تعالى هو رب هذا الكون وخالقه والمتصرف فيه وحده لا شريك له: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى {طه: 53-55} . قال ابن كثير: أي الأرض مبدؤكم، فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض، وفيها نعيدكم، أي إليها تصيرون إذا متم وبليتم، ومنها نخرجكم تارة أخرى، بتأليف أجزائكم المتفرقة وجمع أشلائكم المختلطة بالتراب على الصورة السابقة ورد الأرواح إليها للبعث والحساب.
وأما الآية الثانية فهي رد على الكفار الذين ينكرون البعث ويقولون: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. يستبعدون الرجوع إلى حياة أخرى، لأن أجزاءهم قد تفرقت في الأرض فيرد الله عز وجل عليهم بقوله: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُم. ْ من أجسادهم وما يتفرق فيها من دمائهم وأشعارهم، فالله تعالى قادر على جمع ذلك وإعادته من جديد.
وبذلك تعلم أن هذه الآية متفقة ومنسجمة مع التي قبلها، وهما كقوله تعالى: قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ {الأعراف: 25} . وما أشبهها.
وأما الآية الثالثة فهي عن أحوال يوم القيامة وأهوالها وانقلاب الكون وتبديله، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {إبراهيم: 47-48} .
قال ابن كثير: سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه الأرض، أي وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض وهي على غير هذه الصفة المألوفة المعروفة كما جاء في الصحيحين: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد.
قال الحافظ في الفتح: فيه إشارة إلى أن أرض الدنيا اضمحلت وأعدمت وأن أرض الموقف تجددت، فالحديث في هذه الآية عن أرض الميعاد التي يجمع عليها الأولون والآخرون، وأما في الآيتين الأوليين فعن أرضنا التي نعيش عليها في هذه الدنيا، وبذلك يتضح أنه لا تعارض بين الآيات المذكورة، ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 35709.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1426(2/2484)
تفسير (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[سورة البقرة صفحة 29 (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم ... ) الرجاء تفسير الجملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المذكورة وردت في سياق الحديث عن الصوم وما يباح للصائم في ليالي رمضان، وبداية السياق قول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ {البقرة:187} .
وبمعرفة سبب نزول الآية يتضح معناها، فقد ورد في كتب السنة وكتب التفسير أن المسلمين كانوا في بداية الأمر إذا نام أحدهم في ليل رمضان لا يحل له أن يأكل أو يشرب أو يأتي أهله بعد ذلك.. ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام والشراب في شهر رمضان بعد ما ناموا، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ.... قال ابن كثير في التفسير: تختانون أنفسكم، يعني تجامعون النساء وتأكلون وتشربون بعد العشاء، وبعد النوم.
وقال غيره: تخونون أنفسكم وتظلمونها بالمجامعة وتعرضونها للعقاب ونقص حظها من الثواب، والاختيان أبلغ من الخيانة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1426(2/2485)
قصة تبع وقومه
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الكرام بارك الله بكم على جهودكم الرائعة هذه، وسامحوني على سؤالي الذي سوف أطرحه وهو قد يكون غريبا ويحتاج إلى عالم بأمور التاريخ ومطلع بها؟ ولحبي للعلم ولفضولي بعض الشيء طرحت هذا السؤال، وأخشى أن تعتبروه سؤالا تافها. ما أريد أن أسأله يتعلق بقصة قوم تبع وقد ورد ذكرهم بالقرآن الكريم بسورة ق وبأماكن أخرى بالقرآن الكريم، فكنت قد قرأت بتفسير الجلالين بأن تبع اليمني كان رسولاً وقد كذبه قومه، ولكن حسب ما قرأت بالتاريخ وبالأخص عندما قرأت قصة الزير سالم وحرب البسوس حيث تروي القصة من بدايتها كيف أباد أهل بلاد الشام (أبناء ربيعة مثل كليب وجساس) تبع وهزموا قومه، والقصة مروية على شكل شعر وهي تقول إن الملك تبع كان ظالما جدا، فكيف يكون لنبي أن يكون ظالماً، ثم أود أن أسأل لم يذكر القرآن كيف تم إبادة قوم تبّع، فهل هناك من يدلني؟ لست إخوتي أصدق القصص والشعر وأكذب القرآن لا سمح الله،فالقرآن أصدق قولاً فهو من عند الله العزيز ونقله الصادق الأمين. ولكن أخشى أنني لم أفهم الأمر جيداً وبصراحة فقد حاولت الوصول لتفسير ابن كثير ولكنني لم أستطع؟ أرجو منكم الاجابة إن كان سؤالي يستحق ذلك.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تبع هو اسم جنس يطلق على من ملك اليمن، قال في التحرير والتنوير: تبع لقب لمن يملك جميع بلاد اليمن حميرا وسبأ وحضرموت، فلا يطلق على الملك لقب تبع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة. وقال ابن كثير: وقد كانت حمير وهم سبأ كلما ملك فيهم رجل سموه تبعا، كما يقال كسرى لمن ملك الفرس، وقيصر لمن ملك الروم، وفرعون لمن ملك مصر كافرا، والنجاشي لمن ملك الحبشة، وغير ذلك من أعلام الأجناس. أما سبب التسمية قال في التحرير والتنوير: قيل سموه تبعا باسم الظل لأنه يتبع الشمس كما يتبع الظل الشمس، ومعنى ذلك: أنه يسير بغزواته إلى كل مكان تطلع عليه الشمس، كما قال تعالى في ذي القرنين: فأتبع سببا * حتى إذا بلغ مغرب الشمس.. إلى قوله: لم نجعل لهم من دونها سترا، وقيل لأنه تتبعه ملوك مخاليف اليمن، وتخضع له جميع الأقيال والأذواء من ملوك مخاليف اليمن وأذوائه، فلذلك لقب تبعا لأنه تتبعه الملوك. وتبع المذكور في القرآن والذي هو محل سؤال السائل هو المسمى أسعد، والمكنى أبا كرب، كان قد عظم سلطانه وغزا بلاد العرب ودخل مكة ويثرب وبلغ العراق، ويقال: إنه الذي بنى مدينة الحيرة في العراق، وكانت دولة تبع في سنة ألف قبل البعثة المحمدية، وقيل كان في حدود السبعمائة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
أما عن سؤالك هل كان تبع نبيا أم ملكا؟ قال الإمام القرطبي: واختلف هل كان نبيا أو ملكا؟ فقال ابن عباس: كان تبع نبيا، وقال كعب: كان تبع ملكا من الملوك، وكان قومه كهانا، وكان معهم قوم من أهل الكتاب، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قربانا ففعلوا، فتقبل قربان أهل الكتاب فأسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا. وحكى قتادة أن تبعا كان رجلا من حمير، سار بالجنود حتى عبر الحيرة وأتى سمرقند فهدمها، حكاه الماوردي. وحكى الثعلبي عن قتادة أنه تبع الحميري، وكان سار بالجنود حتى عبر الحيرة، وبنى سمرقند وقتل وهدم البلاد. وقال الكلبي: تبع هو أبو كرب أسعد بن ملك يكرب، وإنما سمي تبعا لأنه تبع من قبله، وقال سعيد بن جبير: هو الذي كسا البيت الحبرات، وقال كعب: ذم الله قومه ولم يذمه.اهـ.
أما كيف تم هلاك قومه؟ فقد ذكر القرآن أن الله أهلكهم ولم يذكر كيفية إهلاكهم، وقد ذكر بعض المفسرين أن إهلاكهم كان بسيل العرم المذكور في سورة سبأ، قال ابن كثير: قوم تبع، وهم سبأ، حيث أهلكهم الله عز وجل وخرب بلادهم وشردهم في البلاد وفرقهم شذر مذر، كما تقدم ذلك في سورة سبأ. وقال في التحرير والتنوير: فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلا آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون وأولئك قوم تبع، فإن العرب يتسامعون بعظمة ملك تبع وقومه أهل اليمن، وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلاك بسيل العرم. فتبين مما تقدم أن تبع المذكور في القرآن مسلم صالح إن لم يكن نبياً، وأنه نجا من العذاب الذي أصاب قومه. قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: تعليق الإهلاك بقوم تبع دونه يقتضي أن تبعاً نجا من هذا الإهلاك، وأن الإهلاك سلط على قومه، قالت عائشة: ألا ترى أن الله ذم قومه ولم يذمه. والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وغيره أنه قال: لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم، وفي رواية كان مؤمنا، وفسره بعض العلماء بأنه كان على دين إبراهيم عليه السلام، وأنه اهتدى إلى ذلك بصحبة حبرين من أحبار اليهود لقيهما بيثرب حين غزاها وذلك يقتضي نجاته من الإهلاك. ولعل الله أهلك قومه بعد موته أو في مغيبه.
ويتبين مما ذكر أن هلاك قوم تبع المذكور في القرآن لم يكن على يد أهل الشام (أبناء ربيعة) كما ذكر السائل ولعل هذا من الأساطير التي تكثر في كتب القصص التاريخية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1426(2/2486)
المقصود بقول يوسف (وهذا أخي)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة يوسف عندما ذكر يوسف لإخوته (أنا يوسف وهذا أخي) لماذا أخبر إخوته بأن هذا أخي!!! ؟ أليس كلهم إخوان أم هناك معنى آخر للآية الكريمة؟
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بقول يوسف: وهذا أخي شقيقه بنيامين، أما إخوته الآخرون فهم لأب وليسوا بأشقاء له، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: إذ قالوا ليوسف وأخوه بنيامين، وتخصيصه بالإضافة لا ختصاصه بالأخوة من الطرفين. وقال أيضا: يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه بنيامين وأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته وأفاض عليهم الصلة والألطاف والإحسان واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه وما جرى له وعَرَّفه أنه أخوه وقال له: لا تبتئس أي لا تأسف على ما صنعوا بي، وأمره بكتمان ذلك عنهم وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه. وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده معززا مكرما معظماً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1426(2/2487)
تفسير قوله تعالى (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
من سورة النحل
هل المقصود أن زوجة الرجل تكون جزءا منه ثم يلتقيان بعد الزواج أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية الكريمة التي أشرت إليها هي من سورة النحل المباركة، وهي قوله سبحانه: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا.... الآية. {النحل: 72} . هذه الآية جاءت في سياق بيان بعض النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده، ومنها أنه جعل زوجاتنا من جنسنا وشكلنا حتى يحصل الأنس بذلك، ولو كن غير ذلك لاضطررنا إلى طلب التأنس بنوع آخر، وبالتالي يفوت الأنس بالزوجات. قال ابن كثير عند تفسيره للآية المذكورة: يذكر تعالى نعمه على عبيده بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم وزيهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر لما حصل ائتلاف ومودة ورحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثا وجعل الإناث أزواجا للذكور. اهـ.
ومن هنا يتضح أن المقصود "من أنفسكم" هو من جنسكم، وهذا التعبير كثير في القرآن. قال ابن عاشور في تفسيره: ومعنى " من أنفسكم " كقوله تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ {النور: 61} . أي على الناس الذين بالبيوت، وقوله: رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم {التوبة: 128} . وقوله: ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ {البقرة: 85} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1425(2/2488)
معنى قوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنكم أن تفسروا لي الآية التالية (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) من الناحية اللغوية والنحوية؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبه المفسرون لهذه الآية على مسألتين مهمتين:
الأولى: الاختلاف في القدر الواجب مسحه من الرأس نظراً لاختلافهم في الباء في برؤوسكم هل هي للإلصاق أو للتبعيض؟ والأكثر على أنها للإلصاق، قال الزمخشري في الكشاف: المراد إلصاق المسح بالرأس، وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح برأسه، فقد أخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب أو آثره على اختلاف الرواية، وأخذ الشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه المسح، وأخذ أبو حنيفة ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما روي أنه مسح ناصيته، وقدَّر الناصية بربع الرأس. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: والباء للالصاق، فكأنه قال: وامسحوا رؤوسكم فيتناول الجميع؛ كما قال في التيمم: وامسحوا بوجوهكم، وقولهم الباء للتبعيض غير صحيح ولا يعرف أهل العربية ذلك، قال ابن برهان: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه. انتهى.
الثانية: قراءة وأرجلكم بالنصب أو بالجر تبعاً لاختلاف القراءات، وراجع تفصيل هذه المسألة في الفتوى رقم: 1223، والفتوى رقم: 9837.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1425(2/2489)
معنى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قول الله عز وجل: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) ..هل نزلت في مشركي مكة؟ إن كان الأمر كذلك فهل معناه أن استغفار الكافر يقبله الله؟
وجزاكم الله خيرًا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير أن الآية الكريمة المذكورة نزلت بمكة، وقد ذكروا أن المراد بالاستغفار من بقي فيهم من المسلمين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقيل: المراد باستغفارهم استغفار بعضهم برجوعه إلى الإسلام والدخول فيه من جديد كما وقع لبعضهم. وقيل قولهم: غفرانك، وقد استبعده بعض المفسرين لأنه لاعبرة باستغفار المشرك. قال ابن عاشور في التحرير: من البين أن ليس المراد بيستغفرون أنهم يقولون: غفرانك ونحوه، إذ لا عبرة بالاستغفار بالقول والعمل يخالفه "وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" تحريض لهم على الاستغفار والرجوع إلى الإسلام، وتلقينا للتوبة، وزيادة في الإعذار لهم، على معنى قول الله تعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ، وقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ.
وعلى ذلك. فليس معنى الآية أن الله تعالى يقبل استغفار المشركين لأن الإيمان شرط في قبول الطاعة كلها. ولا شك أن الكافر إذا عمل عملا صالحا في الدنيا يثيبه الله تعالى عليه في الدنيا، ولكن لا نصيب له في الآخرة، فهذا من عدل الله تعالى ورحمته أنه يعطي كل ذي حق حقه، قال القرطبي: والاستغفار إن وقع من الفجار يدفع به ضرب من الشرور والأضرار. ونقل عن بعض السلف قوله: أربع من كن فيه كن له: الشكر، والإيمان، والدعاء، والاستغفار. وثلاث من كن فيه كن عليه: المنكر، والبغي، والنكث.
والحاصل أن الله تعالى لا يقبل أعمال المشركين الصالحة، وإنما يجازيهم عليها في الدنيا بالرزق أو رفع العذاب.. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 45340.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(2/2490)
تفسير (والله يريد أن يتوب عليكم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توضيح معنى قوله تعالى {وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} (27) سورة النساء؟ نشكركم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتفسير هذه الآية الكريمة وضحه القرطبي في تفسيره فقال: والمعنى: يريد توبتكم أي يقبلها فيتجاوز عن ذنوبكم ويريد التخفيف عنكم. قيل: هذا في جميع أحكام الشرع وهو الصحيح. وقيل: المراد بالتخفيف نكاح الأمة أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء، قاله مجاهد وابن زيد وطاووس، قال طاووس: ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء. واختلف في تعيين المتبعين للشهوات فقال مجاهد: هم الزناة، وقال السدي: هم اليهود والنصارى، وقال ابن زيد: ذلك على العموم، قال القرطبي: وهذا هو الأصح. والميل العدول عن طريق الاستواء، فمن مال عن طريق الاستواء أحب أن يكون أمثاله كذلك حتى لا تلحقه معرة.
وإرادة الله تعالى تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إرادة كونية قدرية، وهي التي بمعنى المشيئة، وضابط هذا القسم أمران:
1- أنها لا بد أن تقع.
2- أنها قد تكون مما يحبه الله تعالى، وقد تكون مما لا يحبه الله، ومثال هذا القسم: قوله تعالى عن نوح عليه السلام: وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {هود:34} .
القسم الثاني: إرادة دينية شرعية: وهي التي بمعنى المحبة، وضابط هذا القسم أمران أيضاً:
1- أنها قد تقع وقد لا تقع.
2- أنها لا تكون إلا مما يحبه الله تعالى ويرضاه، ومثال هذا القسم قوله تعالى: وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ {النساء:27} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1425(2/2491)
المقصود بالمثوبة في الآية (فأثابكم غما بغم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد امتنعت عن سماع الأغاني والحمد لله، أسمع القرآن الكريم أو الأناشيد الإسلامية وقد سمعت في سورة آل عمران آية تقول {فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ، فما هي هذه المثوبة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي تفسير الطبري: قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: فأثابكم غما بغم، يعني: فجازاكم بفراركم عن نبيكم وفشلكم عن عدوكم، ومعصيتكم ربكم، غما بغم، يقول: غماً على غم، وسمى العقوبة التي عاقبهم بها، من تسليط عدوهم عليهم حتى نال منهم، ما نال ثواباً، إذ كان عوضاً من عملهم الذي سخطه ولم يرضه منهم. وعليه فالمثوبة هنا هي مجرد المجازاة على مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1425(2/2492)
السر في عودة بصر نبي الله يعقوب بعد إلقاء قميص يوسف -عليهما السلام- على وجهه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أمر يثيرني عند قراءة سورة يوسف لما فيها من دروس وحكم وعلم واسع، وبخاصة آية رقم (93) {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين} فهذه الآية تثير في نفسي تساؤلا كبيرا وهو: ترى ما الذي يمكن أن يكون في قميص يوسف عليه السلام حتى يحدث هذا الشفاء؟ أهو معجزة أيد بها الله نبيه سيدنا يوسف عليه السلام؟ أم هو نوع من الإعجاز العلمي الذي يزخر به كتاب الله العزيز؟
ولكم جزيل الشكر والعرفان،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قصص القرآن الكريم كلها دروس وعظات وعبر وحكم ... كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ {يوسف: 111} . والسعيد من وفقه الله تعالى للتدبر في معاني كلامه والاعتبار بما فيه. ... وقد تناقلت كتب التفسير عن أنس وابن عباس وربما رفعه بعضهم من طريق ابن أبي حاتم.. أن قميص يوسف الذي أرسله إلى يعقوب عليهما السلام من الجنة، وهذا هو السر في أن يعقوب ارتد بصيرا من ساعته. وخلاصة القصة التي ذكروها: أن نمرود لما ألقى إبراهيم في النار عاريا نزل إليه جبريل بقميص وطنفسة من الجنة، فألبسه القميص وأجلسه على الطنفسة، وبقي القميص عند إبراهيم حتى كساه إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب، فأخذه يعقوب فجعله في قصبة من حديد أو فضة وعلقه في عنق يوسف لما كان يخشى عليه من العين، فأخبر جبريل يوسف أن يرسل به إلى يعقوب ليعود إليه بصره لما فيه من ريح الجنة؛ لأن ريح الجنة لا يقع على مريض إلا شفي ولا مبتلى إلا عوفي. وقد عقب العلامة محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير على هذه الرواية بقوله: ومن البعيد ما قيل إن القميص كان قميص إبراهيم عليه السلام مع أن قميص يوسف جاء به إخوته إلى أبيهم حين جاءوا عليه بدم كذب. والأظهر أنه جعل إرسال قميصه علامة على صدق إخوته فيما يبلغونه إلى أبيهم من خبر يوسف وسلامته.. وأما كونه يأت بصيرا فحصل ليوسف عليه السلام بالوحي فبشرهم به من ذلك الحين. وعلى هذا فحصول الشفاء ليعقوب بالقميص كان كرامة من الله تعالى على يوسف وبشارة له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1425(2/2493)
الفرق بين (اصبروا) و (صابروا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين (اصبروا) و (صابروا) في خواتيم سورة آل عمران؟.
وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في الفعل الأول أمرا لهم بالصبر على مشاق الطاعات وما يصيبهم من الشدائد.
وأما الفعل الثاني، ففيه أمرهم بمغالبة أعداء الله بالصبر على شدائد الحرب أكثر من صبر الأعداء، كذا قال البيضاوي وابن عاشور في تفسيريهما، وكذا قال الشوكاني ونسبه للجمهور.
وقد ذكر ابن كثير في التفسير أن الحسن البصري قال: أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام، فلا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء.
قال ابن كثير: وكذا قال غير واحد من علماء السلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1425(2/2494)
تفسير قوله تعالى (لينذر من كان حيا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الاختلاف بين الروايتين للقرآن الكريم، رواية حفص، رواية قالون. وما تفسير الاختلاف في كلمة (لتندر) . (ليندر) .فى سورة (يس) .بين الروايتين؟ وبارك الله فيكم وجزاكم كل خير. ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قرأ هذا الحرف (لينذر) بتاء الخطاب المدنيان (نافع، وأبو جعفر) ، وابن عامر، ويعقوب. وقرأه بقية العشرة بياء الغيبة. وعلى ذلك فهما قراءتان متواترتان
وعلى قراءة التاء فإن الخطاب يكون للنبي صلى الله عليه وسلم وبداية الكلام " وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ *لتنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ "، أي لتنذر أنت يا محمد من كان حيا..، وأما على قراءة ياء الغيبة فيكون المعنى لينذر الله تعالى، أو لينذر هذا القرآن المذكور في قوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ.... قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: المقصود التعريض بهؤلاء الكافرين المعرضين عن دلائل القرآن الكريم وتشبيهم بالأموات الذين لا يسمعون ولا ينفعون.. . كما قال تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ... ، وكما قال تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ. والمعنى لينذر من كان حيا فيزداد حياة بالقرآن والامتثال والإيمان.. فيفوز، ومن كان ميتا فلا ينتفع بالإنذار فيحق عيه القول فيهلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1425(2/2495)
تفسير قوله تعالى (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عرضت سيارتي للبيع وأتاني أحد تجار السيارات المستخدمة وعرض علي سعرا يساوي نصف قيمتها في وقتها، وقال إن هذا سعرها في السوق ولا تستحق أكثر، مع العلم بأنهم يشترون السيارات بمبلغ زهيد ويبيعون بأرباح طائلة، فهل يعتبر ذلك من بخس الناس أشياءهم، أرجو التفصيل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ {الشعراء: 183} ، قال القرطبي: البخس النقص وهو يكون في السلعة بالتعيب والتزهيد فيها أو المخادعة عن القيمة والاحتيال في التزيد في الكيل والنقصان منه، وكل ذلك من أكل المال بالباطل. انتهى.
وقال الشوكاني: وفيه النهي عن البخس على العموم.
وعليه فقول التاجر عن سيارتك إنها تساوي كذا، أي النصف من سعرها في السوق يُعد بخساً لا يحل له تعاطيه ولا اتخاذه وسيلة للبيع والشراء، وليتأمل هذا التاجر وأمثاله حديث جرير بن عبد الله الذي رواه مسلم قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.
قال النووي: روى الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده أن جريرا أمر مولاه أن يشتري له فرساً فاشترى بثلاث مائة درهم وجاء به وبصاحبه لينتقد الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس فرسك خير من ثلاثمائة درهم أتبيعه بأربع مائة درهم.. ولم يزل به حتى بلغ ثمان مائة درهم فاشتراه بها فقيل له في ذلك فقال: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم. انتهى.
هذا وإن كان هؤلاء التجار لا يريدون نصح البائع فلا أقل من أن لا يعمدوا إلى غشه والكذب عليه وإلا فليبشروا بالمحق لأموالهم، ففي الحديث: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما. رواه البخاري.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1425(2/2496)
السر في ذكر الاستبدال في قوله تعالى (وإن أردتم استبدال زوج..)
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله, لقد أشكل علي تفسير الآية 20 من سورة النساء \"وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا\" لقد قرأت تفسير هذه الآية في تفسير ابن كثير وتفسير القرطبي وكلا التفسيرين ذكرا أن معنى \"اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ\"هو الطلاق. وسؤالي هو لماذا استخدم الله سبحانه وتعالى هذا للفظ ولم يقل وَإِنْ أَرَدْتُمُ تطليق أزواجكم.
وجزاكم الله عنا كل خير وأسأله سبحانه وتعالى أن يهب لكم من علمه الذي وسع كل شيء وأن ينشر لكم من رحمته التي وسعت كل شيء وأن يشملكم بمغفرته التي وسعت كل شيء إ نه واسع عليم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من بلاغة القرآن تنويع الأسلوب وإعطاء كل سياق ما يناسبه من التعبير. والمقصود من الاستبدال في الآية الكريمة هو التطليق للسابقة والتزوج من أخرى، كما بين ذلك أهل التفسير. قال البيضاوي في تفسيره: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، تطليق امرأة وتزويج أخرى. وقال فيه صاحب الدر المنثور: إن كرهت امرأتك وأعجبتك غيرها فطلقت هذه وتزوجت تلك ...
ولما كان الطلاق في بعض الأحيان لا يكون له سبب إلا إرادة التزوج من امرأة أخرى ناسب هذا التعبير بالاستبدال، ونهى الأزواج عن اضطرار الزوجة وتلجئتها إلى الافتداء بما أعطيت من صداق. قال ابن عاشور في تفسيره: إن لم يكن سبب للفراق إلا إرادة استبدال زوج بأخرى، فيلجئ التي يريد فراقها حتى تخالعه ليجد مالا يعطيه مهرا للتي رغب فيها، نهى عن أن يأخذوا شيئا مما أعطوه أزواجهم من مهر وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(2/2497)
تفسير قوله تعالى (..ما أتاهم من نذير من قبلك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان على العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم إتباع دين إسماعيل عليه السلام، وإذا كان ذلك صحيحا فما مدى توافق ذلك مع قوله تعالى \"..... وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ \" (القصص 46) ، إذ الظاهر من الآية أنه لم يكن هناك نذير في العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان إسماعيل عليه السلام نبياً ورسولاً إلى العرب في مكة وما حولها من جزيرة العرب، قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا {مريم:54-55} ، قال ابن كثير: وكان إسماعيل عليه السلام رسولاً إلى أهل تلك الناحية وما والاها من قبائل جرهم والعماليق وأهل اليمن.. صلوات الله وسلامه عليه.
وعلى ذلك فإنه كان من الواجب عليهم اتباع دينه عليه السلام، ولطول الفترة وانقضاء الأجيال نسي الناس دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فأصبحوا أهل جاهلية جهلاء لا يوجد فيها من دين إسماعيل إلا تقاليد لا تكاد تذكر. وما جاء في هذه الآية الكريمة وما أشبهها ليس المقصود به العرب مطلقاً لأن الله تعالى أرسل لهم عدة رسل قبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم هود وصالح وشعيب، ولأن الله تعالى يقول: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {فاطر:24} ، وأمة العرب من أعظم أمم الأرض.
والمقصود بالقوم كما قال غير واحد من أهل التفسير: قريش ومن حولها من القبائل فهم المخاطبون ابتداء ولم يأتهم نذير قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما إبراهيم وإسماعيل فكانا قبل وجود هذه القبائل، فقريش من العدنانيين، وبين عدنان وإسماعيل قرون كثيرة، وكذلك ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ما يقدر بستمائة سنة. وقال بعضهم: المراد بالقوم في الآية الكريمة المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم إذ هم الذين يتصور إنذاره لهم دون أسلافهم الماضين، قال الألوسي: ولعله الأظهر، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 4723، والفتوى رقم: 37485.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1425(2/2498)
الفرق بين الثعبان والحية
[السُّؤَالُ]
ـ[القرآن يقول حينا:\\\"فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين\\\" في سورة الشعراء, حين آخر يقول:\\\"فألقاها فإذا هي حية تسعى\\\" في سورة طه
فهل هي ثعبان أم حية, أي هل هي ذكر أم أنثى
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين الآيتين، فإن الحية تطلق على الذكر والأنثى معا، وأما الثعبان فهو الذكر، كما قال ابن عباس، فقد ذكر البخاري في الصحيح أن ابن عباس قال: الثعبان الحية الذكر منها.
وذكر ابن حجر في الفتح قولا آخر في الثعبان، وهو أنه يطلق على الكبير من الحيات ذكرا كان أو أنثى.
وبمثل ما قال ابن حجر في القولين يقول الزرقاني والعيني وصاحب اللسان.
وإذا ثبت القولان بقي احتمال الذكورة والأنوثة فيها موجودا، مع أنه ليس هناك كبير فائدة من معرفة كونها ذكرا أو أنثى.
وقد ذكر بعض أهل العلم أنها كانت في أول الأمر حية صغيرة على قدر العصا، ثم تضخمت فأصبحت ثعبانا عظيما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1425(2/2499)
تفسير الآية الخامسة والسادسة من سورة لقمان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله أما بعد:
فأنا أريد تفسير الآيتين 5-6 من سورة لقمان.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية رقم 5 من سورة لقمان هي قول الله تعالى: أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وتفسيرها مرتبط بما قبلها، فقد قال الله تعالى في أول السورة: الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ... {لقمان: 1-4} .
ثم جاءت الآية المسؤول عنها تبين أن هؤلاء المذكورين هم على هدى من ربهم، أي أنهم هم المهتدون، وهم المفلحون أي الفائزون بما أعده الله لهم من الجزاء الوافر في دار القرار.
وأما الآية السادسة، فهي قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ {لقمان: 6} . وقد فسر الصحابة والتابعون لهو الحديث بأنه الغناء، صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، وكنا قد فسرنا هذه الآية في بعض الفتاوى السابقة، فراجع فيها فتوانا رقم: 18955.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1425(2/2500)
تفسير قوله تعالى (وباؤوا بغضب من الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفيد الباء في كلمة (بغضب) في قوله تعالى: وباؤوا بغضب من الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن نعلم معنى الآية أولاً قبل أن نحدد ماذا تفيد الباء، لأن ذلك فرع عن تفسير الآية الكريمة.
قال أهل التفسير: وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ. أي: رجعوا وانصرفوا وانقلبوا بغضب من الله تعالى، فعديت بالباء لأن الفعل (باء) قاصر أو لازم.
وقال ابن جرير: وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ. انصرفوا ورجعوا، ولا يقال باء إلا موصولاً إما بخير وإما بشر ... يقال: باء فلان بذنبه يبوء به بوءاً وبواءاً، ومنه قوله تعالى: إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ {المائدة: 29} .
وقال ابن كثير: رجعوا منصرفين محتملين غضب الله تعالى.
وعلى هذا، فإن باء الجر في الآية الكريمة جاءت للتعدية، والتعدية من معاني الباء الأربعة عشر التي ذكرها علماء اللغة للباء. قال ابن هشام في المغني: وأكثر ما تعديه الباء الأفعال القاصرة.
ويحتمل أن تكون للإلصاق وهو من معانيها أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(2/2501)
الفرق بين (تستطع) و (تسطع)
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبرونا عن الفرق بين معنى الآية في سورة الكهف (ما لم تستطع عليه صبرا) و (ما لم تسطع عليه صبرا) أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير أن الخضر عليه السلام لما كان في بداية الأمر، ووعد موسى أن يفسر له تلك الأمور التي رآها ولم يستطع الصبر والسكوت عليها، بعد ما أمره أن لا يسأله عن شيء حتى يكون الخضر هو المخبر والمفسر لما يرى موسى، جاءت الصيغة بتستطع في قوله تعالى: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا {الكهف:78} ، فكان الإشكال وانتظار حله ثقيلا فناسب التعبير عنه بتستطع، ولما فسر له ما أشكل عليه ووضحه كان التعبير بتسطع أخف ليقابل الأخف بالأخف والأثقل بالأثقل، كما يقول علماء اللغة: الزيادة في المبنى زيادة في المعنى.
وقال ابن كثير في التفسير:..... ولما فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال: تسطع، وقبل ذلك كان الإشكال قويا ثقيلاً، فقال: سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. فقابل الأثقل بالأثقل والأخف بالأخف، كما في قوله تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ) وهو الصعود إلى أعلاه، (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) وهو أشق من ذلك، فقابل كلاً من المعنيين بما يناسبه لفظا.
الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(2/2502)
تفسير (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة القصص توجد آية رقم 24 ما معنى (إني لما أنزلت إليّ من خير فقير) ؟ وما هي الحجج الثماني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآية المذكورة جاءت في سياق قصة موسى عليه السلام، وخروجه من مصر إلى مدين خائفاً يترقب.
فبعدما وصل مدين مرهقا وسقى للمرأتين غنمهما تولى إلى ظل شجرة فجلس إليها جائعاً متعباً من بعد الشقة وطول السفر وتعب العمل ... فدعا بهذا الدعاء يعرض فيه بسؤال الله تعالى من خيره العميم، فقال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ {القصص: 24} .
أي رب إني محتاج وفقير لما أعطيتني من خيرك ورحمتك ...
فاستجاب الله تعالى دعاءه، فجاءته إحدى المرأتين تقول له: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا {القصص: 25} .
فوجد عندهم الأمن والطعام والراحة والاطمئنان، فقال له شيخ مدين: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ {القصص: 27} . أي ثمان سنين تعمل فيها في أغنامي. فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ {القصص: 27} . أي: من فضلك، وليس شرطا، فوافق موسى عليه السلام وأتم أبعد الأجلين، واستجاب الله تعالى دعاءه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1425(2/2503)
قواعد في ضبط وحفظ الآيات المتشابهة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: يلتبس علينا أثناء حفظ القرآن أواخر الآيات المتشابهة، فتارة نجد (إن الله غفور رحيم) ، وتارة (والله غفور رحيم) ، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى يضع كل حرف في مكانه المناسب، فهل هناك فضيلة الشيخ بعض القواعد التي تعيننا على حفظ هذه الآيات؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكما أشار السائل الكريم فإن كل كلمة بل كل حرف في موضع من كتاب الله تعالى جاء في مكانه المناسب، وهذا مظهر من مظاهر إعجاز القرآن الكريم يبين أنه من كلام الله تعالى الذي: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {فصلت:42} ، أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82} ، وهذه الآيات المذكورة وأمثالها تأتي غالبا في ختام الآيات القرآنية والتعقيب عليها وعلى ما ذكر فيها من أحكام وأخبار.. وتغير ألفاظها أو بعض حروفها مناسب للمعنى الذي سيقت من أجله الآية، ومما يفيد على ضبطها وحفظها التأمل في معنى الآية التي ختمت بهذا النوع من التعقيب، وأيضاً كثرة التكرار والمراجعة حتى تثبت في ذهنك بدون تأمل.
فالقرآن الكريم ميسر للحفظ لمن بذل جهداً وفرغ وقتا لحفظه، كما قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ {القمر:17} ، وهناك تآليف في علوم القرآن تعد كل آية تشتبه بالأخرى وتحدد موضعها ويحفظها الطلبة ليستعينوا بها في ضبط الآيات المتشابهة يمكنك الرجوع إليها، ويمكن الاستغناء عن هذا النوع بكثرة التكرار والمراجعة والتثبيت حتى يستقر الحفظ في ذهنك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(2/2504)
شبهة وجوابها حول قوله تعالى (..أفإن مات أو قتل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي شبهة أريد جوابها: إذا كان الله يعلم الغيب فما الجواب عن قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) الآية فهي توحي بأن الله جل شأنه لا يعلم هل سيموت نبيه أم سيقتل؟ وهي شبهة أريد الجواب عنها وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى علام الغيوب، كما أخبر عن نفسه وأخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ {التوبة: 78} .
وفي صحيح البخاري ذكر في حديث الاستخارة: فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب.
فالواجب على المسلم أن يوقن بما ثبت صريحاً في نص الوحي، ويسأل عما لم يفهم، ولا يحمل الآية معنى لا تحتمله.
وأما الآية المذكورة، فقد أجاب الشوكاني في تفسيره عن هذا الإشكال الذي ذكرت، فقال: إنما ذكر القتل مع علمه سبحانه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقتل لكونه مجوزاً عند المخاطبين.
يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجوز عندهم أن يموت أو يقتل كما حصل لمن خلا قبله من الرسل، فإذا حصل هذا فلا يليق بكم أن ترتدوا عن دينكم وتنقلبوا على أعقابكم، بل الواجب أن تواصلوا سيركم في نصر دينكم، والجهاد في سبيل الله تعالى، ثم أنه يتعين علينا نحن المسلمين الآن أن نوجه أفكارنا وطاقاتنا إلى التأمل في الآيات التي تحض على نصر الدين والتمسك به والذود عن أهله، وألا نولد الشبه ونشتغل بالخواطر الشيطانية عن المعاني الواضحة في القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(2/2505)
معنى قوله تعالى (والذين إذا فعلوا فاحشة)
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير لفظ الفاحشة في الآية (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ... ) هل المقصود الزنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عزا ابن جرير وابن حاتم لجابر بن زيد والسدي ومقاتل أن المراد بالفاحشة في الآية الزنا، وظاهر كلام ابن كثير والشوكاني في تفسيريهما اختيار أنها عامة في كل ذنب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(2/2506)
تفسير (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون)
[السُّؤَالُ]
ـ[آية في المصحف وهي \\\"قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ \\\" من سورة سبأ. وتفسيرها كما ورد عن القرطبي لَا تُسْأَلُونَ أَنْتُمْ عَمَّا أَجْرَمْنَا نَحْنُ مِنْ جُرْم , وَرَكِبْنَا مِنْ إِثْم , وَلَا نُسْأَل نَحْنُ عَمَّا تَعْمَلُونَ أَنْتُمْ مِنْ عَمَل ,
الذي أريد تفسيره هو لماذا وصف الله عمل السيئات بالنسبة لنا المسلمون بالإجرام. بينما وصفه بالنسبة للكفار بالعمل.
أرجو أن أكون قد أوصلت إليكم ما أواجهه من التباس.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية الكريمة بينت صورة من صور بلاغة القرآن، وذلك لأن من يناظر غيره إذا خطَّأه عند البداية سيغضب وينصرف عن المناظرة، فلا يصغي إلى الحق ويبقى مكابرا، وأما إذا بين له أن القصد من المناظرة هو البحث عن الصواب، وأن أحد الطرفين على خطأ، وينبغي الانتباه والتزام الحكمة في البحث عن الصواب، فإن ذلك سيدعوه إلى الإصغاء والانتباه. لذلك جاءت الآية التي قبل الآية المسؤول عنها تقول: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {سبأ 24} . ثم يأمر تعالى نبيه في تعليمه مجادلة الكفار أن يضيف الإجرام إلى النفس ويقول في حقهم: وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ. تفاديا للإغضاب المانع من الفهم. يقول البيضاوي في تفسيره: هذا أدخل في الإنصاف وأبلغ في الإخبات، حيث أسند الإجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين.
والحاصل أن الذي ورد في الآية الكريمة من إسناد الإجرام إلى النفس والعمل إلى الغير وهو نوع من أدب المناظرة يحمل الخصم إلى مواصلة الحديث والبحث من خلاله عن الصواب، ويعترف بموجبه بأن هذا الشرع منصف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(2/2507)
الأرض المقدسة وهل هي هبة لليهود على التأبيد
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في محكم تنزيله \"يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين\" صدق الله العظيم الآية 21 من سورة المائدة.
1) ما هي هذه الأرض وما هي حدودها؟
2) هل معنى كتب الله لكم، وهبها الله لكم؟
3) وهل هذه الهبة دائمة أم وقتية؟ أرجو الإفادة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في تحديد الأرض المقدسة المذكورة في القرآن، فقيل إنها أرض الشام، وقيل أريحا، وقيل مصر، وأخرج ابن عساكر عن معاذ بن جبل قال: الأرض ما بين العريش إلى الفرات، والذي صححه العلماء من ذلك أنها بيت المقدس، قاله ابن كثير وغيره، راجع كتب التفسير.
ومعنى كتب الله لكم: قسمها لكم أو كتب في اللوح أنها تكون مسكناً لكم، قاله البيضاوي في تفسيره، وقال بعده: ولكن إن آمنتم وأطعتم لقوله لهم بعد ما عصوا: فإنها محرمة عليهم.
وبذلك تعلم أن هبة الأرض لهؤلاء ليست على التأبيد، بل مقيدة بإيمانهم وطاعتهم، وكنا قد بينا ذلك من قبل، فراجع فيه فتوانا رقم: 28089.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1425(2/2508)
تفسير قوله تعالى (قالت إني أعوذ بالرحمن إن كنت تقيا)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة مريم الآيه رقم \"17و18 \"فاتخذت من دونهم حجابا*فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا* قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا. فكيف تعوذ بالرحمن منه وهو تقي.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآيات المذكورة جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن قصة مريم عليها السلام من سورة مريم، وفي بداية السياق يقول الله تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً* فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابا.. ً {مريم:16ـ17} . قال أهل التفسير: اتخذت من دونهم حجابا، أي جعلت بينها وبينهم سترا لتغتسل أو لتمتشط ... فأرسل الله تعالى إليها الملك جبريل عليه السلام في صورة بشر إنسان فلما رأته بادرته قبل أن يكلمها بقولها ـ إنكارا عليه مجيئه لها في ذلك المكان وموعظة له وتخويفا له من الله تعالى: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً {مريم:18} . أي إني أعوذ بالله تعالى منك وأستجيربه منك أن تنال مني ما حرم الله تعالى.. إن كنت تتقي الله تعالى وتخافه في استعاذتي به واستجارتي به منك، لأنها تظن أنه رجل من بني آدم ـ فإن كنت تتقي الله تعالى فستنتهي. قال صاحب التحرير والتنوير: ومجيء التذكير بصيغة الشرط المؤذن بالشك في تقواه قصد به التهييج لخشيته وتقواه.. وهذا أبلغ في الوعظ والتذكير والحث على العمل بالتقوى. ومثل هذا الأسلوب كثير في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وفي كلام الناس. يقول الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {لأنفال: 1} . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر.. . وأما ذكرها لصفة الرحمن دون غيرها من صفاته سبحانه وتعالى فذلك لأنها أرادت أن يرحمها بدفع من تخشاه وتحسب أنه يريد بها الشر فناسب دفعه عنها الرحمة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1425(2/2509)
الإعجاز العلمي في قوله تعالى (والسماء ذات الرجع)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الإعجاز العلمي في الآية \\\" بسم الله الرحمن الرحيم \\\": والسماء ذات الرجع \\\" الطارق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر بعض المعاصرين في هذه الآية أنواعا من الإعجاز العلمي:
منها: أن السماء تقوم برجع بخار الماء إلى الأرض على شكل أمطار، وترجع الحرارة إليها في الليل على شكل غاز ثاني أكسيد الكربون.
ومنها أنها ترجع وتعكس موجات الراديو القصيرة والمتوسطة إلى الأرض، كما ترجع ما يبث إليها من الأمواج اللاسلكية والتلفزيونية.
ومنها أنها ترجع وتعكس ما ينقذف إليها من الكواكب الأخرى، وهي بذلك تحمي الأرض من قذائف الأشعة الكونية المميتة ومن الأشعة فوق البنفسجية القاتلة.
وراجع كتاب "رحيق العلم والإيمان" للدكتور أحمد فؤاد باشا، وراجع موسوعة إعجاز القرآن والسنة، وهي منشورة على الإنترنت، ومؤلفات الدكتور زغلول النجار في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(2/2510)
دفع شبهات حول الزنا واللعان والقذف
[السُّؤَالُ]
ـ[الشيخ الفاضل حفظك الله وبعد،
اود لو تكرمت توضيح من الآية 6- الآية9 من سورة النور حيث إنني في حيرة شديدة وبدأت الشكوك السيئة تراودني مع إنني أؤمن بكل ما أنزله الله عز وجل الواحد القهار وكم كنت استمتع بتلاوة كتابه الكريم واشعر براحة عظيمة واحب الله عز وجل وأحرص على رضاه ومن هذا ولكن قبل فترة قصيرة جداً بدأت أركز على الآيات التي لم افهمها جيداً من خلال التفسير وبدأت الأفكار السيئة تقذف في قلبي وعقلي
فاتسائل من خلال هذه الاية الكريمة، لماذا توضع المرأة في هذا الموقف لو رماها زوجها بالزنا وتحلف وإلى آخر الآية،، طيب لماذا لا يوضع الرجل اي الزوج بنفس الموقف من الحلف وكذا فيما لو رمته زوجته بالزنا
وهناك آية كريمة لا تحضرني الآن صيغتها جيداً ولكن مفهومها أن المرأة لو اقترفت فاحشة فإنها تحبس في بيتها حتى يجعل الله لها سبيلاً
فلماذا لم يوضع الرجل بنفس الموقف لو اقترف فاحشة بحق زوجته
أرجو ثم أرجو رجاءاً حاراً من الله عز وجل أن توضحوا لي توضيحاً شاملاً لأنني في حيرة شديدة ومن حبي لله تعالى وحرصي ألا أجعل اي تفكير سئ يراودني بحق الله تعالى أرجو مرة أخرى أن تساعدوني بتوضيح الأمور لي
وكيف لي أن أحصل على تفسير شامل لكلام الله تعالى ولا أقصد التفسير المتعارف عليه الذي يتواجد بنفس القرآن الكريم
أريد أن أفهم كلام ربي جل شأنه وتقدست أسماؤه
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
أسألكم بالله الدعاء لي ولزوجي وأولادي بالثبات وقوة الإيمان واليقين
وأسأل الله العلي القدير أن يجزيكم الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات التي أشارت إليها السائلة الكريمة من سورة النور هي الآيات المعروفة عند أهل العلم بآيات اللعان.
واللعان معناه في اللغة الإبعاد والطرد، فإذا تلاعن الزوجان ابتعد كل واحد منهما عن الآخر وتأبد التحريم بينهما، هذا بالإضافة إلى ما يلحق كل واحد منهما عند دعائه على نفسه بالطرد من رحمة الله إن كان كاذبا وكان الطرف الآخر صادقا
ومعناه شرعا قسم الزوج المسلم المكلف على زنا زوجته أو نفي حملها منه، وقسمها أيضا على تكذيبه، كما جاء في الآيات الكريمة.
وحكمه أنه رخصة واجبة لنفي الحمل، جائزة لرؤية الزنا، والستر أولى، واختصاص الزوجة بذلك دون الزوج سببه هو ما قد يترتب على زناها من إلحاق ولد بالزوج ليس منه، بخلاف الزوج إذا زنا ونشأ عن زناه حمل، فلا علاقة لها هي بهذا الحمل.
ولا يعني ذلك أن المرأة تترك زوجها إذا رأته يرتكب الفاحشة، بل يجب عليها أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر.
وإذا رفعت أمره إلى ولي الأمر فعليها البينة وهي أربعة شهداء، وإلا، فعليها حد القذف.
وعلى المسلم أن يسلم بحكم الله تعالى، سواء فهم الحكمة من ورائه أو لم يفهمها مع الاعتقاد التام والجزم القاطع بأن الله تعالى لم يشرع حكما لعباده إلا لمصلحتهم، وأن من وراء ذلك حكما بليغة علمها من علمها وجهلها من جهلها.
ولا يكون المسلم مسلما بمعنى الكلمة إلا إذا سلم بهذه الحقيقة، فالإسلام معناه الاستسلام والانقياد لله سبحانه وتعالى الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وقد قال تعالى في محكم كتابه: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء: 65} . وقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور: 51} .
فلا ينبغي لك أختنا الكريمة أن تتركي الشيطان يلعب بقلبك ويلقي فيه الأفكار السيئة التي ربما تجر المسلم إلى الاعتراض على حكم الله تعالى والتشكيك فيه، وقد انجر بعض الضعفة من أبناء المسلمين إلى الطعن في أحكام الله تعالى بسبب ما يلقيه شياطين الإنس من التشكيك والاتهام عبر وسائل الإعلام ومناهج التدريس، ولكن القرآن الكريم والشرع الإسلامي سيظل جبلا شامخا تتحطم عليه مكائدهم ووساوس شياطينهم.
وأما الآية الأخرى التي أشرت إليها فهي قول الله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا {النساء: 15} .
وهذه الآية كانت في بداية الإسلام قبل نزول سورة النور في الجلد والرجم، فنسخ حكمها وبقيت تلاوتها واستقر الحكم بالجلد مائة حتى البكر والرجم على الموت على الثيب.
وعقوبة الزنا كانت بالتدريج كما هي سنة الله تعالى في التشريع وفي الكون كله، فكانت عقوبته في أول الأمر بالتوبيخ والتعنيف والإيذاء.. كما قال سبحانه وتعالى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا {النساء: 16} . ثم تدرج الحكم إلى الحبس في البيوت فقال تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ الآية.
ثم نزل الحكم بالرجم والجلد وعليهما استقر الحكم الشرعي.
وبخصوص الإرشاد إلى تفسير فإننا لا ننصحك بالاقتصار على تفسير واحد معين، لأن بعض التفاسير يوجد فيها ما لا يوجد في غيرها، ولهذا ينبغي أن تنوعي المطالعة في أكبر قدر ممكن من التفاسير وخاصة تفسير ابن كثير، وتفسير القرطبي، وابن عطية، وتفسير ابن عاشور من المتأخرين.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك حسن اليقين وزيادة الإيمان وطمأنينة القلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(2/2511)
تفسير قوله تعالى (وقالوا مهما تأتنا به من ءاية..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يريد الله سبحانه وتعالى أن يقول في الآية الكريمة: وسلطنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية الكريمة التي يشير إليها السائل الكريم وردت في سياق الحديث عن قصة موسى عليه السلام في سورة الأعراف وعناد فرعون وقومه وكفرهم وجحودهم بآيات الله تعالى.
وسياق الآية المشار إليها يبدأ من قوله تعالى: وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ الأعراف: 132-133} .
وأما قول السائل: "وسلطنا عليهم الطوفان" فإنه لم يرد في نص قرآني، والمراد من قصص القرآن هو إعلامنا بأخبار السابقين لنأخذ منها الدروس والعظات والعبر ونستفيد منها فيما ينفعنا في واقع حياتنا، كما قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ {يوسف: 111} . وقال تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {هود: 120} .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا من الآيات التي عذبت بها الأمم السابقة كالريح والمطر ... تغير لونه وخشي أن يكون عقابا من الله تعالى، فسألته عائشة عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا.. قال الله تعالى: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ {الأحقاف: 24} . رواه مسلم وغيره. وقد تبلدت أحاسيس كثير من الناس اليوم وفقدوا الخشية من الله تعالى، فأصبحوا يمرون على الآيات وتمر بهم لا تحرك منهم ساكنا ولا تثير لهم انتباها.
ونعوذ بالله تعالى من الغفلة والأمن من مكر الله تعالى.
وقد قال أهل التفسير في معنى الآيات وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ. يعني: قال قوم فرعون لموسى مهما تأتنا به من علامة لتنقلنا بها عما نحن عليه من الدين فما نحن لك بمصدقين، فعند ذلك نزلت بهم العقوبة من الله عز وجل المبينة بقوله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ..الآية.
والطوفان هو المطر الشديد والمياه والسيول التي تغمر الزروع وتدمر المباني، وقيل الطوفان: الموت. وقيل: ما كان مهلكا ومدمرا من موت أو سيل.
والجراد: هو الحشرات المعروفة، أرسله الله لأكل محاصيلهم وإتلاف زروعهم ومراعيهم.
والقمل: هو البراغيث. وقيل السوس، وقيل: هو الجراد قبل أن يطير.. وقيل غير ذلك.
والضفادع: الحيوان المعروف الذي يكون في الماء.
والدم: قيل إنه كان يسيل من أنوفهم، وقيل: يجدونه في الماء.
والمعنى: أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات ظاهرات بينات على كمال قدرة الله تعالى وصدق نبيه موسى عليه السلام فعاندوا واستكبروا ورفضوا الإيمان بالله تعالى وتصديق نبيه عليه السلام فأهلكهم الله تعالى، وهكذا تكون عاقبة المكذبين الكفرة المجرمين، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1425(2/2512)
مرجع الضمير في قوله تعالى (فأنساه الشيطان ذكر ربه)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما فهمته من هذه الآية صحيح: فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين، الفاء في كلمة فلبث هي فاء السبب يعني سبب مكوث يوسف عليه السلام في السجن هو من كيد الشيطان الذي يعلم أن خروج يوسف من السجن سيكون فيه إصلاح للأمة وبما أنه نبي الله سيعم العدل ويقل الفساد وهذا لا يرضي الشيطان وأما قول من قال بأن لبث يوسف عليه السلام في السجن هو عقاب من الله لأن يوسف عليه السلام طلب الإغاثة من الناجي وفعله ينافي تمام التوحيد فهذا لا يصح والدليل في الكتاب والسنة:
الله علام الغيوب وصف نبيه في الآية 24 من سوره يوسف بأنه من عبادنا المخلصين, هل يعقل أن يصف رب العزة, علام الغيوب, نبيه بهذا الوصف إن كان سيرتكب خطأ ينافي تمام التوحيد, وهذا مستحيل.
وفي الآية وتعاونوا علي البر والتقوى, وخروج نبي الله من السجن فيه منفعة للناس وتقوى، والأحاديث كثيرة تدل علي مشروعية الاستغاثة بالأحياء وهذا بدون شك ما يسمى الأخذ بالأسباب، الرجاء يا شيخ دكتور عبد الله أن تعلقوا على ما قلته لا أن تمدوني بأقوال سلفنا الصالح لأني قد سبق وسألتك على هذا السؤال وأجبتموني وأود أن تقولوا لي هل ما كتبته صحيح أم لا؟ جزآك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في الضمير في كلمة (فأنساه) هل هو عائد على يوسف أم على الناجي من رفيقيه في السجن، وهو: ساقي الخمر والذي رجحه ابن كثير وجمع من العلماء هو أن الضمير عائد على الساقي لا على يوسف عليه السلام وعلل ذلك النسيان بحرص الشيطان على عدم خروج يوسف من السجن، وعدم خروج يوسف من السجن يؤدي إلى فوات مصالح كثيرة ومن هذه المصالح ما ذكرت أنت في السؤال، وإن كان لبث يوسف في السجن فيه مصالح أيضاً إذ في السجن تربية للنفس على الخلوة، واعتماد القلب على الله تعالى لمن وفق إلى اغتنام المحن واعتبارها لوناً من المنح، وفي تأخر خروج يوسف من السجن منفعة عظيمة حصلت له فيما بعد ألا وهي ظهور فضيلته بالعلم، وتبوؤه المكانة العالية به، إذ لو خرج بشفاعة الساقي لما حصل له ذلك، قال الحافظ الحكمي:
كذلك يوسف لم تظهر فضيلته * للعالمين بغير العلم والحِكَمِ
فكان مكث يوسف في السجن بسبب إنساء الشيطان للساقي لحكمة يعلمها الله تعالى، وحكمة الله تعالى في أقداره لا تتنافى مع الألم الحاصل معها أحياناً، فإن الله تعالى يربي عباده بالأقدار مع ما فيها من الآلام، فهو سبحانه رب العالمين.
قال ابن كثير رحمه الله: قال: أذكرني عند ربك، يقول: أذكر قصتي عند ربك –وهو الملك- فنسي ذلك الموصي أن يذكر مولاه الملك بذلك، وكان من جملة مكايد الشيطان لئلا يطلع نبي الله يوسف من السجن، هذا هو الصواب أن الضمير في قوله: فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ عائد على الناجي.
وهذا الكيد من الشيطان شر في نظره، لأنه لا يعلم مآلات الأمور، والله وحده هو العالم بذلك: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65} ، وقال تعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا {النساء:76} .
فكان كيده ليوسف كي لا يخرج، وقدر الله تعالى ليوسف ألا يخرج لحكمة أرادها ولا راد لقضاء الله، وراجع الفتوى رقم: 53995.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1425(2/2513)
الدروس المستفادة من قصة العبد الصالح فى سورة الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الدروس المستفادة من قصة العبد الصالح في سورة الكهف]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الدروس المستفادة من قصة موسى والخضر عليهما السلام والتي حكاها الله تعالى في سورة الكهف ما يلي:
أولا: تحمل المشقة في طلب العلم، ولذا بوب البخاري في صحيحه: باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر.
ثانيا: الخروج في طلب العلم، وبذلك بوب البخاري في صحيحه أيضا.
ثالثا: سعة علم الله تعالى، لذا جاء في هذه القصة أن الخضر عليه السلام قال لموسى عليه السلام: إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه.
رابعا: تواضع موسى عليه السلام، فهو من أولي العزم من الرسل، فطلب العلم ممن هو دونه فضلا.
خامسا: نبوة الخضر عليه السلام على الراجح من أقوال أهل العلم، لقوله تعالى عنه: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي {الكهف: 82} .
والمقام لا يتسع لذكر كل الدروس المستفادة من هذه القصة، فراجع كتب التفسير وشروح السنة لمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1425(2/2514)
تفسير قوله تعالى (..ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ (يا أيها الذين أمنوا أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) كيف يكونون مؤمنين ويموتون وهم غير مسلمين؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن المرء قد يعمل بعمل أهل الجنة إلى آخر حياته، ثم تسوء خاتمته - والعياذ بالله - فيعمل بعمل أهل النار، أخرج البخاري ومسلم واللفظ له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
وكان الصالحون من سلف الأمة يخشون سوء الخاتمة، ولا يفترون عن ذكر الموت مع ما هم عليه من الإيمان والطاعة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الموت، قال: أكثروا ذكر هاذم اللذات. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد.
وكل هذا من أجل أن يبقى المرء متمسكاً بما وجب عليه ومبتعداً عما نهي عنه حتى يموت وهو كذلك.
قال ابن كثير في تفسيره: وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذاً بالله من خلاف ذلك ...
وعليه، فلا غرابة في أن يؤمر المؤمنون بأن لا يموتوا إلا وهم مسلمون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1425(2/2515)
الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة البقرة الآية 36 \\\"فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم \\\"
ماهي هذه الكلمات ولكم جزيل الشكر
وفقكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نقل أهل التفسير عن غير واحد من السلف الصالح أن الكلمات التي تلقى آدم من ربه فتاب عليه هي المذكورة في سورة الأعراف في قوله تعالى: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الأعراف: 23} . وقيل: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
وقيل غير ذلك، ولكن أكثر أهل العلم على أنها الآية المذكورة.
قال القرطبي في تفسيره: سئل بعض أهل العلم ما يقول المذنب إذا أراد التوبة؟ فقال: يقول ما قاله أبواه: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا. الآية.
أو يقول ما قاله موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي أو ما قاله يونس: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(2/2516)
الهوى يهوي بصاحبه إلى النار
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدى الفاضل جزاكم الله خير الجزاء وجعله فى ميزان حسناتكم - من هو من جعل إلهه هواه؟ - كيف يكون؟ - وما رأيكم فيمن يلقى (يرمي) بورقة فيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يقرأها - وعندما نقول له على أي شيء (ردها إلى الله ورسوله) يقول أنا أعرف أنا أعرف - ويرفض استشارة أهل الذكر فيما اختلفنا فيه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ {الفرقان: 43} قال: لا يهوى شيئا إلا تبعه. وروي عن قتادة أنه قال في تفسيرها: كلما هوى شيئا ركبه، وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، كذا نقله السيوطي في الدر المثور عنهما، وذكر غير ذلك من الأقوال، فراجعه.
وأما إلقاء الأوراق التي تحوي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كانت فيها نصائح موجهة له فالواجب قبول النصح والسمع والطاعة لله ولرسوله، فإن رد الحق من الكبر المذموم والإجرام العظيم. وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور: 51} . وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ {السجدة: 22} .
وقال صلى الله عليه وسلم: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم.
وأما إلقاء الأوراق على الأرض فهو مناف لتعظيم شعائر الله الذي هو من تقوى القلوب، وقد بينا حرمته وخطورته في الفتوى رقم: 1064.
وأما الرجوع للعلماء المحققين عند الخلاف لمعرفة حكم الله في أمر ما فهو واجب المسلم عملا بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا {النساء: 59} .
وقد فسر أهل العلم أولي الأمر بالعلماء والأمراء المستقيمين، وراجع في خطورة اتباع الهوى والتكبر الفتاوى التالية أرقامها: 39475، 28477، 24081، 30224.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(2/2517)
هل كان ابن عباس يقرأ (فما استمتعتم به منهن.. إلى أجل مسمى)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل خالف ابن عباس بقية الصحابة في الآية 23 من سورة النساء، قرأت أنه كان يقرؤها فما استمتعم به منهن إلى أجل مسمى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان بعض الصحابة ومنهم ابن عباس يقرأون: فما استمتعتم به منهن ... إلى أجل مسمى، ولعل ذلك على جهة التفسير، قال الإمام السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان متعة النساء في أول الإسلام وكان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح حاله ويحفظ متاعه فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته.... وكان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ... ثم نسختها محصنين غير مسافحين. وكان الإحصان بيد الرجل يمسك متى شاء ويطلق متى شاء.
وأخرج الطبراني والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال: كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرأون هذه الآية {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ... إلى أجل مسمى} فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه وتصلح له من شأنه حتى نزلت هذه الآية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ...... إلى آخر الآية، فنسخ الأولى فحرمت المتعة، وتصديقها من القرآن الكريم قول الله تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ. وما سوى هذا الفرج فهو حرام.
وعلى هذا فابن عباس كان يرى نكاح المتعة كما كان جائزاً في أول الإسلام ثم رجع عن ذلك، واستقر الأمر عند أهل السنة قديماً وحديثاً على نسخ نكاح المتعة وتحريمه إلى يوم القيامة، وللمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 485.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1425(2/2518)
الرواسي صفة للجبال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الجبال والرواسي من الناحية العلمية في القرآن الكريم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا فرق بين الجبال والرواسي، لأن الرواسي هي صفة للجبال، والجبال كما ورد في لسان العرب لا بن منظور: اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال من الأعلام والأطواد والشناخيب، وأما ما صغر وانفرد فهو من القنان والقور والأكم والجمع أجبل وأجبال وجبال ... . ورسا الجبل يرسو إذا ثبت أصله في الأرض، والرواسي من الجبال الثوابت الرواسخ، راجع معاجم اللغة. وقد بين الله تعالى أن الجبال الرواسي جعلت في الأرض لتثبتها عن الحركة والميد، قال تعالى: وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِم ْ {الانبياء: 31} . قال ابن كثير في تفسيره: وجعلنا في الأرض رواسي أي جبالا أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(2/2519)
تفسير قوله تعالى (فلا أقسم بالخنس # الجوارالكنس)
[السُّؤَالُ]
ـ[فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ماذا يقصد بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر أكثر أهل العلم الخنس والكنس بالنجوم تظهر بالليل وتختفي بالنهار روي عن علي، وفسرها بعضهم ببقر الوحش تخنس أي تتأخر في كناسها وهو مأواها روي عن ابن عباس وابن مسعود، قال الشوكاني في تفسيره: وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن علي بن أبي طالب في قوله: فلا أقسم بالخنس قال: هي الكواكب تكنس بالليل وتخنس بالنهار فلا ترى.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن سعد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه من طرق عن ابن مسعود في قوله: بالخنس* الجوار الكنس قال: هي بقر الوحش، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هي البقر تكنس إلى الظل، وأخرج ابن المنذر عنه قال: تكنس لأنفسها في أصول الشجر، وذكر ابن الجوزي عن الماوردي أن المراد بها الملائكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(2/2520)
كيف خلقت حواء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو المعذرة أريد تفسير الآية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) من تفسير مسلم عن خلق حواء وهل هي خلقت من آدم؟ وذلك للرد على أخت كريمة وجزاكم الله خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خطاب يعم بني آدم. وقوله: اتَّقُوا رَبَّكُمُ: أي اعبدوه وامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه. الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ: هي آدم. وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا: عطف على خلقكم أي خلقكم من شخص واحد وخلق منه أمكم حواء من ضلع من أضلاعه، وهي حواء عليها السلام خلقت من ضلعه الأيسر، من خلفه وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليها وأنست إليه، كذا قال ابن كثير، وفي الحديث الصحيح: إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج. وقوله: وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً: أي نشر منهما أي من آدم وحواء رجالاً كثيراً ونساء، نشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم. وراجع تفسير ابن كثير والشوكاني، وراجع في شأن خلق حواء الفتاوى التالية أرقامها: 18218، 23346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(2/2521)
تفسير الآية (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من السادة العلماء الكرام تفسير الآية القرآنية التالية (بسم الله الرحمن الرحيم: يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) صدق الله العظيم، وليوفقكم الله في مسعاكم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المفسرون في هذه الآية عدة تفسيرات، فمنها أنه يخرج الحيوان وهو حي من النطفة وهي ميتة، ويخرج النطفة وهي ميتة من الحيوان وهو حي، والدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، والزرع من الحب، والحب من الزرع، والنخلة من النواة، والنواة من النخلة، وما جرى هذا المجرى من جميع الأشياء، وراجع في ذلك تفسير ابن كثير والقرطبي والبغوي والشوكاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1425(2/2522)
أنواع الجهاد وحقيقة كل نوع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معنى الآية التي تقول \"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا\" هي الدعوة إلى الله أم الجهاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن القيم في الزاد وابن حجر في الفتح أنواع الجهاد فذكروا أنه يطلق على مجاهدة النفس والشيطان والفساق والكفار.
فأما مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها والصبر على ذلك، وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات، وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب، وأما مجاهدة الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب، ومن إطلاق الجهاد على الدعوة قوله تعالى: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا {الفرقان:52} ، ومن إطلاقه على الدعوة والقتال قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {التوبة:73} .
قال ابن القيم في الزاد: وأمره الله تعالى بالجهاد من حيث بعثه، وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا* فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا. فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار، بالحجة، والبيان، وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين، إنما هو بتبليغ الحجة، وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. انتهى.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الكفار ويقاتلهم كما كان يدعو المؤمنين ويذكرهم فكل ذلك من هديه الذي يتعين على المسلم متابعته فيه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم عرض الإسلام والدعاء إليه قبل القتال كما بوب عليه الهيثمي في المجمع وأورد فيه الحديث عن ابن عباس قال: ما قاتل النبي صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم. وقال في تخريجه: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح، وقال الأرناؤوط في تحقيق حديث المسند: صحيح.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أمر سراياه بدعوة الكفار قبل القتال، فقد روى مسلم في الصحيح من حديث بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم.....
وقد صرح أهل العلم بحمل الآية المسؤول عنها على أنواع الجهاد، وقد حملها بعضهم إلى الدعوة والعبادة وحملها بعضهم على العلم والعمل، وحملها بعضهم على القتال، ولا تعارض بين شيء من ذلك لأن الجميع من أنواع الجهاد، وإليك بيان كلام أهل التفسير في الآية التي سألت عنها:
قال القرطبي في تفسيرها: قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا أي جاهدوا الكفار فينا، أي في طلب مرضاتنا، وقال السدي وغيره: إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال، وقال ابن عطية: فهي قبل الجهاد العرفي، وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته. قال الحسن ابن أبي الحسن: الآية في العباد. وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم: هي في الذي يعملون بما يعلمون. وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكافر فقط بل هو نصر الدين، والرد على المبطلين، وقمع الظالمين، وأعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله، وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول: لنهدينهم. وقال عبد الله بن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وهذا يتناول بعموم الطاعة جميع الأقوال.
وقال البغوي في تفسيره: والذين جاهدوا فينا، الذين جاهدوا المشركين لنصرة ديننا. قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور، فإن الله قال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا. وقيل: المجاهدة هي الصبر على الطاعات، قال الحسن: أفضل الجهاد مخالفة الهوى. وقال الفضيل بن عياض: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به، وقال سهل بن عبد الله: والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وروي عن ابن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا.
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، أخبرنا عباس الهمداني أبو أحمد من أهل عكا في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. قال: الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون. قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت به أبا سليمان الداراني، فأعجبه. وقد روى ابن أبي حاتم أيضاً بسنده عن أصبغ قال: سمعت عبد الرحمن بن زيد بن اسلم في قول الله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا قيل له. قاتلوا فينا قال: نعم.
وروى بسنده عن الربيع في قوله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا. قال: ليس على الأرض عبد أطاع ربه ودعا إليه ونهى عنه إلا وأنه قد جاهد في الله.
بهذا يعلم أنه لا مانع من إيراد الأدلة الواردة في الجهاد عند الحض على الدعوة لأنها من الجهاد وقد ذكر النووي عند شرح حديث مسلم: لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب اللون لون دم والريح ريح مسك.
نقل النووي في شرحه كلام أهل العلم فقال: قوله صلى الله عليه وسلم (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) هذا تنبيه على الإخلاص في الغزو وأن الثواب المذكور فيه إنما هو لمن أخلص فيه وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، قالوا: وهذا الفضل وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من خرج في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع الطريق وفي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك. والله أعلم.
وأورد الإمام البخاري في باب المشي إلى الجمعة حديث: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار. وذكر أن الصحابي استدل به على ذلك، فقال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا يزيد بن أبي مريم قال: حدثنا عباية بن رفاعة قال: أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة فقال: سمعت النبي صلى الله عيله وسلم يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار.
قال ابن حجر في الفتح: أورده هنا لعموم قوله في سبيل الله فدخلت فيه الجمعة ولكون راوي الحديث استدل به على ذلك. وأورده كذلك في باب الجهاد، وراجع كلام ابن القيم في الزاد عن أنواع الجهاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1425(2/2523)
تفسير (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي 34 عام وبعد 8 سنوات طلبت الطلاق وأنا رافض ثم طلبت الخلع وبعد تحديد ميعاد الجلسة وافقت على الطلاق ولكنها قالت سيب الخلع يمكن ربنا يعقد لنا الأمور ولا يحدث الخلع، ولكن إذا طلاقنا الآن كدة كل شيء انتهى، أحنا بنحاول ننجب أولاد من حوالي 8 سنوات وهي كل ما تحمل تسقط في الشهور الأولى، وكان آخر مرة من حوالي 4 سنوات، والآن وقبل الجلسة بـ 15 يوما أصبحت حاملا، واتفقنا أن لا نحضر الجلسات ونترك الأمر بيد الله إذا سقطت الخلع يكون عادي وإذا تم الحمل بخير نعمة من عند ربنا والحمد لله، ولكن من 3 أيام قررت هي وأختها المطلقة وأمها الذهاب إلى المصيف لوحدهم من غيري وعندما قلت هذا لا يصح تغير كل شيء تاني وقالت إن الطلاق لازم يتم، وحتى إذا خلفت أنا سوف أربي الطفل لوحدي، والسبب أنني لن أتغير ودائم كابت حريتها.
زوجتي حجت وهي لظروف صحية لا تلبس الحجاب ولا تصلي وتحملني أنا مسؤولية عدم الصلاة والسبب أنها لا تستطيع غسل شعرها بعد كل مرة ننام مع بعض وهي تغسل شعرها مرة في الأسبوع وحتى إذا لم أنم معها لا تصلي حتى إذا طلبت ذلك منها وفكرتها تقول دي حاجه بيني وبين ربنا وهكذا، هي الآن مسافرة غدا للمصيف وهذه تاني مرة في ظرف خمس أسابيع ومن غير موافقتي أيضاً، وهي الآن حامل حاولت كلامها من ناحية الدين وإطاعة الله ورسوله وطاعة الزوج واجبة، ولكن هي مقتنعة أني إنسان عايز أجعلها زي الكرسي في البيت وأمنعها من كل حاجة هي تريدها مثل الحرية دائماً تقول إن الله قال اتروكهن بمعروف يعني سيبني وبعد ذلك سوف أحاسب من ربنا لو أنا غلط هذا هو تفكيرها، ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على الزوج أمر زوجته بطاعة الله واجتناب معصيته سبحانه، وإن من أعظم ما ينبغي أمر الزوجة به الصلاة فإنها عماد الدين والصلة بين العبد وربه، وانظر الفتوى رقم: 20353.
ويمكن أن تعرض على زوجتك الفتوى رقم: 1195، والفتوى رقم: 6061، وليس هناك عذر صحي يسقط الصلاة مهما عظم، فإن الصلاة لا تسقط بحال، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 52394.
ومما يعين على أداء الصلاة:
أولاً: استحضار المعاني المذكورة في الفتاوى المحال عليها من أهمية الصلاة ومنزلتها من الدين، وخطورة تركها.
ثانياً: تذكركم نعم الله تعالى عليكم، فهو الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، فالواجب مقابلة ذلك بالشكر، ومن أعظم الشكر خضوع هذه الجوارح بالذكر والركوع والسجود لرب العالمين.
ثالثاً: الخوف من الله تعالى، والبعد عن سوء عاقبة ترك الصلاة، وهو دخول نار جهنم بالخلود فيها أبداً عند بعض أهل العلم.
رابعاً: صدق الرغبة، وسؤال الله تعالى الهداية.
وأما الحجاب فإن كان المقصود به غطاء الرأس فهذا مجمع على وجوبه بين العلماء لا يجوز للمرأة تركه بحال، وإن كان المقصود بالحجاب غطاء الوجه والكفين فهو محل خلاف، وإذا تحققت الفتنة وجب الستر، كما في الفتوى رقم: 50794.
وأما عن نقض الضفيرة في غسل الجنابة فلا يجب إذا وصل الماء إلى جميع الشعر، وقد وضح الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم المسألة فقال: فمذهبنا ومذهب الجمهور أن ضفائر المغتسلة إذا وصل الماء إلى جميع شعرها ظاهره وباطنه من غير نقض لم يجب نقضها، وإن لم يصل إلا بنقضها وجب نقضها، وحديث أم سلمة محمول على أنه كان يصل الماء إلى جميع شعرها من غير نقض لأن إيصال الماء واجب. وحكى عن النخعي وجوب نقضها بكل حال عن الحسن وطاوس وجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة ودليلنا حديث أم سلمة. انتهى، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 23732، والفتوى رقم: 17244.
وأما خروج المرأة بدون إذن زوجها فحرام لا يجوز وهو نشوز بثبوته، يسقط حق المرأة في النفقة. والسكنى، وانظر الفتوى رقم: 12867، والفتوى رقم: 19570.
وأما قولها: إن الله قال: اتركوهن بالمعروف فغير صحيح وليس هذا من كلام الله، وإنما نص الآية (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) {البقرة: 229} ، ومعناها كما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في زاد المسير: قوله تعالى: فإمساك بمعروف، معناه فالواجب عليكم إمساك بمعروف وهو ما يعرف من إقامة الحق في إمساك المرأة، وقال عطاء ومجاهد والضحاك والسدي: المراد بقوله تعالى: فإمساك بمعروف الرجعة بعد الثانية. وفي قوله تعالى: أو تسريح بإحسان قولان:
أحدهما: أن المراد به الطلقة الثالثة. قاله عطاء ومجاهد ومقاتل.
والثاني: أنه الإمساك عن رجعتها حتى تنقضي عدتها قاله الضحاك والسدي. انتهى.
وأما الطلاق فلا ننصح به إلا في حال عدم استجابة الزوجة للوعظ والتذكير واليأس من صلاح حالها، وتذكر أيها الأخ الكريم قوله صلى الله عيله وسلم: فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحد خيرا لك من أن يكون لك حمر النعم. رواه البخاري وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1425(2/2524)
تفسير آيات مباركات من سورة النجم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الآيات 8- 10 من سورة النجم؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآيات التي أشار إليها السائل الكريم جاءت في وصف جبريل عليه السلام، عندما جاء بالوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أقسم الله عز وجل في بداية السورة بالنجم إذا هوى على أن النبي صلى الله عليه وسلم متبع للحق وليس بضال ولا غاو..... كما قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {النجم} وهو جبريل عليه السلام.
والضال هو الجاهل الذي يمشي على غير طريق بغير علم، والغاوي هو العالم بالحق العادل عنه قصدا إلى غيره ... وقد نفى الله عز وجل هذه الصفات عن نبيه صلى الله عليه وسلم وأقسم على ذلك، وفيه تعريض بأن خصومه هم الضالون الغاوون ... وفي هذا السياق يقول الله تعالى عن جبريل عليه السلام: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى {النجم} ، وهي الآيات الثامنة، والتاسعة، والعاشرة، والحادية عشر، قال المفسرون: ثم دنا جبريل فتدلى نازلاً مقتربا من النبي صلى الله عليه وسلم فكان أقرب ما يكون منه على بعد ما بين القوسين أو أقرب، وهو تعبير عن منتهى القرب، فأوحى جبريل عليه السلام إلى عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم -ما أوحى ... - وذكر الوحي هنا مجملا للتفخيم والتعظيم والتهويل "فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى" فهو وحي وتعليم ورؤية ومشاهدة ويقين ... وهي حالات لا يمكن معها شك ولا ريب ولا كذب في الرؤية ولا تحتمل المماراة والمجادلة والمماحكة ... ولهذا قال سبحانه وتعالى معقبا على هذا المشهد "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(2/2525)
الزمن الذي حرمت فيه طيبات كانت حلا لبني إسرائيل
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين قوله تعالى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} وقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الآيتين الكريمتين، فقول الله تبارك وتعالى: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ {آل عمران:93} ، قال عنه أهل التفسير: كل المطعومات كانت حلالا لبني يعقوب عليه السلام لم يحرم منها شيء عليهم إلا ما حرمه يعقوب على نفسه، وكان ذلك قبل نزول التوراة، لأن التوراة لم تنزل إلا بعد ذلك بزمن طويل على موسى عليه السلام.
وكان الذي حرمه يعقوب على نفسه هو لحوم الإبل وألبانها بنذر أقره لله تعالى عليه، وكان ذلك جائزاً في شريعته، وكان ما عدا ذلك من المطعوم حلالا عليهم قبل نزول التوراة، فلما نزلت التوراة على موسى حُرّم عليهم فيها بعض الطيبات التي كانت حلالا عليهم قبل ذلك بسبب ظلمهم وبغيهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء:160-161} ، فكان التحريم والتضييق عليهم عقاباً لهم من الله تعالى لهم على تلك الجرائم التي أشار القرآن الكريم إلى بعضها، ولم يكن ذلك في عهد إسرائيل (يعقوب عليه السلام) وإنما كان بعده في عهد موسى عليه السلام، وبذلك تعلم أنه لا تعارض بين الآيتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1425(2/2526)
معنى (لأملأن جهنم من الجنة والناس..) و (.. وتقول هل من مزيد)
[السُّؤَالُ]
ـ[جادلني أحد الزملاء في آيات عجزت أن أرد عليه. أفيدوني رعاكم الله عن الآية التي أقسم فيها رب العزة \"لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين \" والأية \" ... وتقول هل من مزيد \" ولسان حال زميلي يقول أعاذنا الله وإياكم من الزلل أن الله عازم على تعذيب عباده وأنهم لا حول لهم ولا قوة.
بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العذاب المذكور في الآيات التي ذكرتها لمن استحقه من الكافرين ومن أهل الكبائر من هذه الأمة، وليس لعباد الله المؤمنين، أما قوله تعالى: قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ {الأعراف:18} قال الإمام الطبري: هذا قسم من الله عز وجل ثناؤه أن من اتبع من بني آدم عدو الله إبليس وأطاعه وصدق ظنه عليه أن يملأ من جميعهم، يعني من كفرة بني آدم أتباع إبليس ومن إبليس وذريته جهنم. فرحم الله امرءاً كذب ظن عدوالله في نفسه وخيب فيها أمله وأمنيته، ولم يكن ممن أطمع فيها عدوه واستغشه ولم يستنصحه. ا. هـ
وقوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ*إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {هود: 118ـ119} ، قال ابن كثير: يقول الله تعالى: ولو شاء ربك يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلهم، ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى. ا. هـ
وأما قوله تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ {قّ:30} ، فروى الطبري في تفسيره عن ابن عباس قال: إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. فلما بعث الناس أحضروا وسيق أعداء الله إلى النار زمراً فجعلوا يقتحمون جهنم فوجاً فوجاً، لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب، ولا يملؤها شيء، قالت: ألست قد أقسمت لتملأني من الجنة والناس أجمعين، فوضع قدمه، فقالت حين وقع قدمه فيها: قط قط فإني قد امتلأت فليس لي مزيد. ا. هـ.
وأخيرا ننبه السائل وغيره إلى أن المسلم يستسلم لحكم الله تعالى وينقاد له، فحكمه سبحانه وتعالى عادل وحكمته بالغة لا يسأل عما يفعل، على أن عقوبة من استحقها من أهل الكفر أو المعاصي من العدل الواضح الذي يقره الفكر السليم والعقول النيرة. لذا فلا يجوز الاعتراض على قضائه وقدره سبحانه وتعالى في جميع ما حكم به لا نطقا ولا ضمنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1425(2/2527)
تفسير قوله تعالة (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سورة النساء (ياايها اللذين امنوا اتقوا ربكم) الاية اذا سمحتم بتفسير مسلم أو البخارى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً. وهي الآية الأولى التي افتتحت بها سورة النساء، لأنه لا يوجد في سورة النساء ولا في غيرها "يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم". وعلى ذلك، فهذه الآية مدنية كما هو شأن السورة كلها.
وقول بعض أهل العلم إن القرآن المدني لم يكن النداء فيه بيا أيها الناس، وإنما كان بيا أيها الذين آمنوا. ليس على إطلاقه، وإنما المقصود به في الغالب، لأن سورة البقرة مدنية باتفاقهم، وفيها: يا أيها الناس في موضعين.
وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم نداء علوي من الله تبارك وتعالى لعباده عامة، وهو يشعر بالتشريف والتكليف للجميع بهذا الأمر العظيم، وهو تقوى الله تعالى، التي هي امتثال أوامره سبحانه وتعالى كلها في السر والعلانية واجتناب نواهيه كلها في السر والعلانية، وهو خطاب لمن كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من الآدميين ومن جاء بعده من المكلفين من سائر الأعصار والأمصار، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وما ذكرناه حول الآية الكريمة ملخص من عدة تفاسير، وليس من بينها تفسير للإمام البخاري أو مسلم، لعدم اطلاعنا على تفسير لهما خاص بهذه الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1425(2/2528)
المقصود بالإعراض في قوله (..ثم أعرض عنها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تفسير هذه الآية: {ومن أظلم ممن ذٌكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} هوالإعراض للفرد عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به، وهل يؤدي ذلك إلى كفره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عد الشيخ ابن باز رحمه الله وبعض أهل العلم قبله نواقض الإسلام وذكروا فيها الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، واستدلوا لذلك بهذه الآية.
هذا وننبه إلى أن الإعراض المذكور في الآية أعم من ترك تعلم الدين والعمل به، فقد فسرها المفسرون بالجحود لآيات الله، وعدم قبولها والتهاون بالعمل بها، وتركها وتناسيها، وراجع تفسير ابن كثير والقرطبي وابن الجوزي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1425(2/2529)
تفسير قوله تعالى (يا أيها المزمل)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو المزمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمزمل كما قال القرطبي رحمه الله: قال الأخفش: (المزمل) أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي وكذلك (المدثر) وقرأ. أبي بن كعب على الأصل المتزمل والمتدثر. انتهى.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير المزمل: قال ابن عباس والضحاك والسدي: يا أيها المزمل، يعني يا أيها النائم. وقال قتادة: المزمل في ثيابه. وقال إبراهيم النخعي: نزلت وهو متزمل بقطيفة، وقال شبيب بن بشر: عن عكرمة عن ابن عباس يا أيها المزمل قال: يا محمد زملت القرآن. انتهى.
وقال الطبري رحمه الله: يعني بقوله: يا أيها المزمل هو الملتف بثيابه، وإنما عنى بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية من التزمل، فقال بعضهم: وصفه بأنه متزمل في ثيابه، متأهب للصلاة. وقال آخرون: وصفه بأنه متزمل النبوة والرسالة. قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك، ما قاله قتادة ـ يعني الملتف بثيابه ـ لأنه قد عقبه بقوله: قم الليل، فكان ذلك بياناً عن أن وصفه بالتزمل بالثياب للصلاة، وأن ذلك هو أظهر معنييه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1425(2/2530)
ما بغت امرأة نبي قط
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى المناقشات في ساحة المسجد تساءلنا قد يبتلى العبد الصالح في عرضه أهل بيته \"بخيانة الزوجة\" وكيف نفسر بأن الطيبين للطيبات وإذا ما استشهدنا بما ذكر في القرآن الكريم بخيانة زوجتي نوح ولوط عليهما السلام كانتا في الدين وليس العرض، يرجى الإيضاح وجزاكم الله عنا خيراً، ونسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ {النور:26} ، جاء تعقيباً على قصة الإفك، ومعناه -والله تعالى أعلم- أن المعتاد واللائق بكل واحد من هؤلاء هو ما يشابهه، أي أن شأن الخبيثات أن ينكحن الخبيثين، وشأن الطيبات أن ينكحن الطيبين، وربما تغير هذا فتزوج طيب من خبيثة أو العكس، وراجع في هذا الموضوع فتوانا رقم: 33972.
وأما الأنبياء فمعصومون من نكاح البغايا، وخيانة امرأتي نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام كانت في الدين ولم تكن في الفراش، ذكر ذلك العلماء وأهل التفسير، قال ابن كثير: فخانتاهما أي في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان ولا صدقاهما في الرسالة ...
وفي أحكام القرآن لابن العربي، قال ابن عباس لما قرأ الآية:.... والله ما بغت امرأة نبي قط، ولكنهما كفرتا. ومثل هذا لا يقال بالرأي.
وقال الطبري في تفسيره: فخانتاهما قال: أما إنه لم يكن الزنا، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون، وكانت هذه تدل على الأضياف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1425(2/2531)
تفسير قوله تعالى (ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام)
[السُّؤَالُ]
ـ[رغم مراجعة عدة جهات لفهم هذه الآية (رقم 196 من سورة البقرة) ( ... ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... ) لم أستطع التوصل إلى تفسير مبسط وسهل الفهم.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى هذه الآية أن ذلك أي وجوب فدية التمتع المذكورة في قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ {البقرة: 196} . انما يلزم من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، والمراد بمن لم يكن حاضري المسجد الحرام من لم يكن ساكنا بمكة المكرمة أو في حدود الحرم وقيل إن المراد به من لم يكن ساكنا في المواقيت فما دونها. كذا قال الشوكاني في تفسيره. وقال القرطبي في التفسير: أجمع العلماء على أن رجلا من غير أهل مكة لو قدم مكة معتمرا في أشهر الحج عازما على الإقامة بها، ثم أنشأ الحج من عامه فحج أنه متمتع عليه ما على المتمتع، وأجمعوا في المكي يجيء من وراء الميقات محرما بعمرة ثم ينشئ الحج من مكة وأهله بمكة ولم يسكن سواها أنه لا دم عليه. وكذلك إذا سكن غيرها وسكنها وكان له فيها أهل وفي غيرها. وأجمعوا على أنه إن انتقل من مكة بأهله ثم قدمها في أشهر الحج فأقام بها حتى حج من عامه أنه متمتع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(2/2532)
تفسير قوله تعالى (..اتقوا الله وذروا مابقي من الربا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية الكريمة \"يا أيها الذين آمنوا اتقو الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين*فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون\".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإليك ملخص ما قال الشوكاني في تفسير هذه الآية، قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {البقرة:278} . اتَّقُوا اللَّهَ: أي قوا أنفسكم من عقابه، وَذَرُوا: أي اتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا. قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: قيل: هو شرط مجازي على جهة المبالغة، والظاهر أن المعنى: إن كنتم مؤمنين على الحقيقة، فإن ذلك يستلزم امتثال أوامر الله ونواهيه. قوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ {البقرة: 279} . يعني: فإن لم تفعلوا ما أمرتم به من الاتقاء وترك ما بقي من الربا فأذنوا بحرب من الله ورسوله أي فاعلموا بها، من أذن بالشيء إذا علم به، قيل: هو من الإذن بالشيء وهو الاستماع لأنه من طرق العلم. وقرأ شعبة عن عاصم وحمزة فآذنوا على معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهم. وقد دلت هذه الآية على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر، ولا خلاف في ذلك، وتنكير الحرب للتعظيم، وزادها تعظيماً نسبتها إلى اسم الله الأعظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته. قوله تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ {البقرة: 279} . فإن تبتم أي من الربا فلكم رؤوس أموالكم تأخذونها لا تظلمون غرماءكم بأخذ الزيادة ولا تظلمون أنتم من قبلهم بالمطل والنقص، والجملة حالية أو استئنافية. وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم التوبة حلال لمن أخذها من الأئمة ونحوهم ممن ينوب عنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(2/2533)
تفسير قوله تعالى (..لنبلوهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... ... اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
18/6} إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. صدق الله العظيم..الكهف
.......السؤال ... لنبلوها أي الأرض أم نبلوهم أي الناس..
..أفيدوني جزاكم الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآية الكريمة لفظها: لنبلوهم والضمير راجع على العباد المكلفين كما يفيده كلام المفسرين، ويدل عليه قول الله تعالى في آية هود والملك: " لِيَبْلُوَكُمْ أيكم أَحْسَنُ عَمَلاً ".
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(2/2534)
الحكمة من الجمع بين التأنيث والتذكير في قوله تعالى (بلدة ميتا)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في سورة ق \\\" ... وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج \\\"
السؤال: لماذا لماذا عبر بالتأنيث والتدكير في كلمتي بلدة وميتا؟ لماذا لم يقل بلدا ميتا أو بلدة ميتة؟ وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر القرطبي في التفسير عند قوله تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا {الفرقان: 49} . أن الله تعالى قال: ميتا ولم يقل ميتة، لأن معنى البلدة والبلد واحد، وقيل: لأنه أراد بالبلد المكان، وقد اقتصر القرطبي على هذا التعليل الأخير في آية سورة ق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(2/2535)
تفسير (سنسمه على الخرطوم)
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ أرجو منكم أن تكرمتم شرح قوله تعالى\\\"هماز مشاء بنميم\\\" إلى آخر السورة
وما هي شكل العلامة التي تكون على أنف الشخص النمام وتوضيح معنى النميمة وجميع أشكالها.
لكم منا جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الهماز هو المغتاب للناس، وقيل الهماز الذي يذكر الناس في وجوههم، واللماز الذي يذكرهم في مغيبهم. والمشاء بنميم: الذي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم، يقال: نم ينم إذا سعى بالفساد بين الناس.
وأما العلامة التي تكون على أنف النمام فإنه لا علم لنا بها، وأما السمة المذكورة في آية القلم، فإنها توعد بها من اتصف بعدة صفات مذكورة في قوله تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ {القلم: 10-16} .
وقد قال ابن كثير في تفسير تلك السمة: سنسمه على الخرطوم: قال ابن جرير: سنبين أمره بيانا واضحا حتى يعرفوه ولا يخفى عليهم، كما لا تخفى عليهم السمة على الخراطيم، وهكذا قال قتادة: سنسمه على الخرطوم: شين لا يفارقه آخر ما عليه، وفي رواية عنه سيما على أنفه، وكذا قال السدي، وقال العوفي عن ابن عباس: سنسمه على الخرطوم: يقاتل يوم بدر فيخطم بالسيف في القتال.
وقال آخرون: سنسمه سمة أهل النار، يعني نسود وجهه يوم القيامة، وعبر عن الوجه بالخرطوم. حكى ذلك كله أبو جعفر بن جرير، ومال إلى أنه لا مانع من اجتماع الجميع عليه في الدنيا والآخرة، وهو متجه.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 41438، 1174، 40863، 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(2/2536)
تفسير قوله تعالى (ولحم طير مما يشتهون)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى ولحم طير مما يشتهون في سورة الواقعة لماذا خص الطير فقط في هذه الآية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ {الواقعة: 21} جاءت في سياق ذكر بعض نعيم أهل الجنة، ومعلوم أن نعيم الجنة لا يقتصر على هذا فقط، وإنما فيها من النعيم المقيم الأبدي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف: 71} . ولعل تخصيص لحم الطير بالذكر هنا لطيبه ولذته وخفته.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(2/2537)
لفظ التحطيم أوسع مدلولا من لفظ القتل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التفسير للآية (لا يحطمنكم سليمان وجنوده) فلماذا لم يقل لا يقتلنكم وقال لا يحطمنكم؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله أعلم بسر ما يأتي في كتابه، ولكنه يحتمل أن النملة عبرت بالتحطيم المتوقع حصوله بدوس خيول الجيش للنمل من غير قصد، والغالب في لفظ القتل أن لا يستخدم إلا عند إرادة الموت، ولأنه قد تنكسر الدابة بدعسها من غير أن تموت، ينضاف إلى هذا أن لفظ التحطيم أبلغ في الإهلاك الجماعي من لفظ القتل فهو أوسع منه مدلولاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(2/2538)
تفسير (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى متاع الغرور هل هو دم الحيض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام الطبري في تفسير: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور يقول: وما لذات الدنيا وشهواتها وما فيها من زينتها وزخارفها، إلا متاع الغرور، يقول: إلا متعة يمتعكموها الغرور والخداع المضمحل الذي لا حقيقة له عند الامتحان، ولا صحة له عند الاختيار، فأنتم تلتذون بما متعكم الغرور من دنياكم، ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره، يقول تعالى ذكره: ولا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها، فإنما أنتم منها في غرور تمتعون، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون. ثم قال: والغرور مصدر من قول القائل: غرني فلان فهو يغرني غروراً بضم الغين، وأما إذا فتحت الغين من الغرور، فهو صفة للشيطان الغرور، الذي يغر ابن آدم حتى يدخله من معصية الله فيما يستوجب به عقوبته.
وقد حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبدة وعبد الرحيم قالا: حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرأوا إن شئتم: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور: أي تغر المؤمن وتخدعه فيظن طول البقاء وهي فانية، والمتاع ما يتمتع به وينتفع، كالفأس والقدر والقصعة ثم يزول ولا يبقى ملكه، قاله أكثر المفسرين، قال الحسن: كخضرة النبات، ولعب البنات لا حاصل له، وقال قتادة: هي متاع متروك توشك أن تضمحل بأهلها، فينبغي للإنسان أن يأخذ من هذا المتاع بطاعة الله سبحانه ما استطاع، ولقد أحسن من قال:
هي الدار دار الأذى والقذى * ودار الفناء ودار الغير
فلو نلتها بحذافيرها * لمت ولم تقض منها الوطر
أيا من يؤمل طول الخلود * وطول الخلود عليه ضرر
إذا أنت شبت وبان الشباب * فلا خير في العيش بعد الكبر
وقال ابن كثير في تفسيره وقوله تعالى: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور: تصغير لشأن الدنيا، وتحقير لأمرها، وأنها دنيئة فانية، قليلة زائلة، كما قال تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى. وقال تعالى: وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ. وفي الحديث: والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع إليه. وقال قتادة في قوله تعالى: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، قال: هي متاع، هي متاع متروكة أوشكت -والله الذي لا إله إلا هو- أن تضمحل عن أهلها، فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله.
ولم يرد عن أحد من أهل العلم والتفسير فيما اطلعنا عليه القول بأن متاع الغرور معناه الحيض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(2/2539)
تفسير (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون)
[السُّؤَالُ]
ـ[قوله تعالى: وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون، سورة القلم 43 سؤالي: أحبك الله هل هناك من سلفنا الصالح من فسر هذه الآية بدعوة المؤذن أي الذين يصلون ويتخلفون عن الصلاة في المسجد دون عذر يشملهم هذا الوعيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال السيوطي في الدر المنثور عند تفسير هذه الآية ما نصه: وأخرج ابن مردويه عن كعب الحبر قال: والذي أنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على محمد، أنزلت هذه الآيات في الصلوات المكتوبات حيث ينادى بهن، يوم يكشف عن ساق، إلى قوله: وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون. الصلوات الخمس إذا نودي بها.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن جبير في قوله: وقد كانوا يدعون إلى السجود. قال: الصلوات في الجماعات.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله: وقد كانوا يدعون إلى السجود. قال: الرجل يسمع الأذان فلا يجيب الصلاة.
وقال الطبري في التفسير: وقد قيل: السجود في هذا الموضع: الصلاة المكتوبة.
ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم التيمي، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون قال: إلى الصلاة المكتوبة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير وقد كانوا يدعون إلى السجود قال: يسمع المنادي إلى الصلاة المكتوبة فلا يجيبه.
قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم التيمي وقد كانوا يدعون إلى السجود قال: الصلاة المكتوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1425(2/2540)
تفسير (قولوا آمنا بالله ومآ أنزل إلينا) و (تلك الرسل فضلنا بعضهم)
[السُّؤَالُ]
ـ[بينما كنت أقرأ سورة البقرة، مررت بقول الله تعالى: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ، وقوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، إلى آخر الآية، فهل يمكن تفسير هاتين الآيتين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآية المذكورة جاءت في سياق الرد على اليهود والنصارى الذين قالوا للمسلمين: كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ. فأمر الله تعالى عباده المؤمنين -أن يقولوا لهؤلاء اليهود والنصارى الذين يقولون لهم ذلك- بقوله تعالى: قُولُواْ آمَنَّا. أي صدقنا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا. وهو القرآن الكريم الذي أنزل إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ. أي صدقنا أيضاً بما أنزل إلى إبراهيم، وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ. وهم الأنبياء من ولد يعقوب، وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى. وآمنا أيضاً بالتوراة التي آتاها الله تعالى موسى وبالإنجيل الذي آتاه الله عيسى، وبالكتب التي آتى الله تعالى النبيين كلهم ... وأن جميع الأنبياء كانوا على حق يصدق بعضهم بعضا، وعلى منهاج واحد في الدعوة والتوحيد والعمل بطاعة الله تعالى، لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض كما يفعل اليهود والنصارى، ومثل هذه الآية قول الله تبارك وتعالى في آخر هذه السورة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
وأما قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ ... فهو إشارة إلى الأنبياء المذكورين في سورة البقرة، وقيل إشارة إلى جميع الأنبياء فتكون الألف واللام للاستغراق، والمراد بتفضيل بعضهم على بعض أن الله تعالى جعل لبعضهم من المزايا والكمال فوق ما جعله للآخر، فكان الأكثر مزايا فاضلاً والآخر مفضولاً، مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ. ومن كلمه الله تعالى: هو موسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآدم عليه السلام، ورفع بعضهم درجات بالكرامة ورفعة المنزله وهو محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ومن رآهم من الأنبياء تلك الليلة في السماوات العلا بحسب تفاوت منازلهم عند الله عز وجل، ومثل هذا قول الله تعالى: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. انتهى ملخصاً من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1425(2/2541)
تفسير قوله تعالى ((..فليبتكن آذان الأنعام..))
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام الطبري في تفسير الآية: وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ. قال: يعني بقوله جل ثناؤه مخبراً عن قيل الشيطان المريد الذي وصف صفته في هذه الآية، ولآمرن النصيب المفروض لي من عبادك بعبادة غيرك من الأوثان والأنداد حتى ينسكوا له ويحرموا ويحللوا له الذي شرعته لهم فيتبعوني ويخالفونك.
والبتك القطع، وهو في هذا الموضع قطع آذان البحيرة ليعلم أنها بحيرة وإنما أراد بذلك الخبيث أنه يدعوهم إلى البحيرة فيستجيبون له، ويعملون بها طاعة له، وعن ابن جريج قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة عن عكرمة: فليبتكن آذان الأنعام، قال دين شرعه لهم إبليس كهيئة البحائر والسوائب. انتهى بتصرف
قال ابن كثير: قال قتادة والسدي وغيرهما: يعني تشقيقها وجعلها سمة وعلامة للبحيرة والسائبة والوصيلة. انتهى.
قال الشوكاني: التبتيك في البحيرة والسائبة، يبتكون آذانها لطواغيتهم، والبحيرة هي الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكراً شقوا آذانها ولم ينتفعوا بها، أما السائبة فهي الناقة التي كانت تُسيب في الجاهلية لنذر أو نحوه. انتهى.
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: ومن ههنا كره جمهور أهل العلم تثقيب أذني الطفل للحلق، ورخص بعضهم في ذلك للأنثى دون الذكر لحاجتها إلى الحلية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(2/2542)
تفسير (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التفسير لقوله تعالى (كبر مقتاً عند الله) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية سياق الآية الكريمة قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ {الصف:2-3} ، قال الإمام الطبري شيخ المفسرين:.... لم تقولون القول الذي لا تصدقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة لأقوالكم "كبر مقتا.." عظم مقتا وكرها عند ربكم قولكم ما لا تفعلون. والمقت شدة الكراهة.
والآية وإن كانت نزلت في قوم قالوا إنهم لو علموا أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملوا بها، فلما علموا ذلك لم يعملوا فوبخهم الله تعالى بهذه الآية، فهي كذلك بعمومها تدل على كل من يعد ولم يف بوعده، أو يأمر بالمعروف ولا يأتيه، أو ينهى عن المنكر ويأتيه ... وجاء هذا المعنى في قول الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ {البقرة:44} ، وقوله تعالى حكاية عن نبيه شعيب عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {هود:88} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(2/2543)
تفسير قوله تعالى ((والصافات صفا * فالزاجرات زجرا))
[السُّؤَالُ]
ـ[ماتفسير قول الحق تعالى: (والصافات صفا * فالزاجرات زجرا)
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في تفسيره والقرطبي رحمهما الله أن ابن مسعود فسر الصافات والزاجرات بالملائكة، وكذا قال ابن عباس ومسروق وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وقتادة والربيع بن أنس.
فهم يصفون في عبادتهم وصلاتهم، ويزجرون الريح والسحب، أو يزجرون عن المعاصي، ويرجح هذا القول حديث مسلم: فضلنا على الناس بثلاث جلعت صفوفنا كصفوف الملائكة. وذكر البغوي معاني أخرى للصافات، فذكر منها أن الملائكة يصفون بأجنحتهم في الهواء واقفين حتى يأمرهم الله بما يريد، ومنها أن الطيور تصف باسطة أجنحتها في السماء.
كما قال في الآية الأخرى: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ، وذكر أن الملائكة تزجر السحاب.
وذكر أن قتادة فسر الزاجرات بزواجر القرآن تنهى وتزجر عن القبائح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(2/2544)
تفسير آيتي العرش في سورة يونس وهود
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أكثر من سؤال من سورة يونس (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ... مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) السؤال ما المقصود ب (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) وأريد تفسيرا كاملا للآ ية. ومن سورة هود (وهوالذي خلق السموات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) صدق الله العظيم السؤال ما المقصود ب (وكان عرشه على الماء) مع تفسير كامل للآ ية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى قول الله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ {يونس:3} هو إن سيدكم ومصلح أموركم هو المعبود الذي له العبادة من كل شيء، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ. هي كأيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة وهو قول مجاهد. وقال غيره: هي من أيام الآخرة اليوم ألف سنة. قال سعيد بن جبير: كان الله تعالى قادراً على خلق السماوات والأرض في لمحة ولحظة فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأني. ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ. قال الطبري: علا. وهو قول مجاهد. وقال أبو العالية: ارتفع. وروى ابن عبد البر في التمهيد عن مالك: أن الله في السماء وعلمه في كل مكان. قال الأوزاعي: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى فوق عرشه. قال الخليل بن أحمد وابن الأعرابي، وسيبويه ـ وهم أئمة اللغة ـ استوى بمعنى علا، قالوا: ولا يجوز استوى بمعنى استولى إلا فيما كان منازعا مغالباً، فإن غلب أحدهما صاحبه قيل استولى، والله لم ينازعه أحد في عرشه، وقال الخليل: هذا ما لا تعرفه العرب ولا هو جائز في لغتها. وقال الأشعري (في الإبانة) : معنى (استوى) اعتلى، كما تقول: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح. قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. وأجمع أهل السنة أن الله فوق جميع مخلوقاته مستوٍ على عرشه في سمائه، عاليا على خلقه، بائنا منهم، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى حركاتهم وسكناتهم ولا تخفى عليه خافية، واستدلوا بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ {البقرة: 255} ، وقوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {الأعلى:1} وقوله: الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ {الرعد: 9} ، وقوله: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ {الأنعام: 18} وقوله: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ {النحل: 50} وقوله: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ {الملك: 16} . وأما السنة فالأحاديث متواترة منها حديث: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء. متفق عليه، وحديث: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا. متفق عليه. وحديث: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال صلى الله عليه وسلم: اعتقها فإنها مؤمنة. رواه مسلم. وقوله تعالى: يدبر الأمر. قال مجاهد: يقضيه وحده. وقال ابن عباس: لا يشركه في تدبيره أحد. مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ، قال الطبري: لا يشفع عنده يوم القيامة شافع في أحد إلا من بعد أن يأذن في الشفاعة. وهو رد على الكفار في قولهم فيما عبدوه من دون الله: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا الذي هذه صفته سيدكم ومولاكم فأخلصوا له وحده العبادة، والعبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ أفلا تتعظون وتعتبرون.
أما آية هود، وهي قوله تعالى: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ {هود: 7} فقد روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض. وعن أبي رزين قال: قلت يارسول الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء. رواه الترمذي وحسنه. قال أبو عبيد: العماء في كلام العرب السحاب. وسئل ابن عباس على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح. وقوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ليختبركم أيكم أحسن طاعة له. والعمل الصالح هو ما كان موافقا للسنة مخلصا لله كما قال الفضيل بن عياض. هذا ولتعلم ـ وفقنا الله وإياك ـ إلى أن مذهب أهل السنة هو إثبات ما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بذلك على ظاهره من غير تحريف ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(2/2545)
تفسير قوله تعالى: ((ولما سكت عن موسى الغضب..))
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قول الحق تعالى (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) ؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى سكت عن موسى الغضب: سكن عنه، وسبب غضبه ما رأى من عبادة قومه العجل.
والمراد بالألواح التي أخذها: الألواح التي كتبت فيها التوراة، وكان قد ألقاها بسبب شدة الغضب، كما قال تعالى في الآية الأخرى: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأعراف:150} .
اختلف المفسرون في المراد من قوله تعالى: وفي نسختها، فقيل: أراد الألواح لأنها نسخت من اللوح المحفوظ، وقيل: إن موسى لما ألقى الألواح تكسرت فنسخ منها نسخة أخرى، ونقل السيوطي عن ابن عباس أن المراد بنسختها ما بقي منها، فروي عنه أنه لما ألقاها رفع بعضها وبقي بعضها.
وقوله: (هدى ورحمة) : الهدى ضد الضلال، والرحمة ضد العذاب.
وقوله: (للذين هم لربهم يرهبون) : يعني يخافون.
ولا شك أن مخافة الله سبب للانتفاع والاهتداء بالوحي، كما قال في الآية الأخرى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ {الأنبياء:48-49} .
ولمزيد في الموضوع راجع تفسير البغوي وابن كثير والسيوطي والقرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1425(2/2546)
كلام أهل العلم في أصحاب الأعراف
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت بحثا لصالح الدين إبراهيم أبو عرفة عن: من هم أصحاب الأعراف؟ فقال: هي أشرف المنازل يوم القيامة. والحقيقة كلامه مقنع.
فأسأل حضراتكم: هل تنصحونني بقراءة أبحاثه؟
وهل هو سلفي؟
وهل لديكم رأي الألباني رحمه الله في أصحاب الأعراف؟
الرجاء أجيبوني كي لا أضل.
مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحكم على الأشخاص ليس من اختصاص الشبكة، وإنما تعني الشبكة بإفتاء الناس فيما يشكل عليهم من أحكامهم، ثم إنه قد تقدم لنا نقل كلام أهل العلم في أصحاب الأعراف في الفتوى رقم: 51849 والفتوى رقم: 28909.
وأما رأي الشيخ الألباني فيهم فإنه لم يتيسر لنا العثور عليه فيما بعد، فراجع كتبه في موقعه على الإنترنت لعلك تجده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1425(2/2547)
لا يعدل عن أقوال المفسرين إلا بدليل راجح
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والشَّمْسِ وَضُحَاهَا {1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا {2} وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا {3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا {4} .
لقد لاحظت أن معظم التفاسير المتوفرة لا تفسر الأربع آيات السابقة إلا تفسيرا مباشرا وهو تعاقب الليل والنهار..بينما الآية وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا {2} .. توضح ثبات مكان الشمس بينما يمر القمر أمامها وهذا تفسير يدل على آية كسوف الشمس وليس تعاقب الليل والنهار, وتفسير الآية الثالثة وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا {3} فهي تدل على السراب والسراب معروف يحدث إذا اشتدت حرارة الشمس على سطح الأرض, وفي الآية الرابعة وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا {4} فهي تدل على خسوف القمر وهذه الآيات من آيات الله العظيمة وهذا التفسير هو الأقرب للواقع من وجهة نظري والله أعلم, أفتوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العدول عن تفسير علماء التفسير القدامى لا مبرر له إلا بوجود ما يدل على أرجحية خلافه، وذلك لا يكون إلا بنص وهو غير موجود فيما تذكره أو بدلالة اللغة أو الواقع عليه، وهو غير موجود فيما ذكرت.
أما من ناحية دلالة اللغة، فإن كلمة تلا معناها تبع، كما قال صاحب مختار الصحاح وصاحب اللسان، وتبع تدل على أن هناك تابعاً ومتبوعاً، والمتبوع يمشي والتابع يتبعه، وعليه فلا دلالة في تلاها على ثبات مكان الشمس، وكلمة جلى معناها أظهر والضمير هنا مؤنث وهو راجع على الشمس لا على السراب، وأما من ناحية الواقع فإن السراب لا يظهر في بعض الأحيان كالأوقات الباردة ولا في البلاد الباردة أحياناً، فالأولى أن يعني بالآية ظهور الشمس لأنه الواقع كل يوم ولا يعني به السراب إذ لم يسبق ما يدل عليه.
ثم إنه كان الأولى بنا جميعاً أن نعتني بالحقيقة الكبرى التي أقسم عليها القرآن في هذه السورة أحد عشر قسما وهي فلاح من زكى نفسه وخيبة من دساها، فعلينا أن نهتم بتزكية نفوسنا بالوحي المنزل من عند الله، وأن لا نتكلف في حمل القرآن على ما لا يوجد ما يدل عليه، وراجع الفتوى رقم: 43698 في الكلام على تفسير القرآن بالنظريات العلمية إذا افترضنا ثبوت حقيقة علمية ما، ويمكنك أن تستشير بعض المهتمين بالإعجاز العلمي في القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1425(2/2548)
معنى (..لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[في قوله تعالى ما معنى لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر -الآية- ما معنى كلمة نفد وما الفرق بينها وبين نفذ بالذال؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى نفد فنى وذهب، كذا قال صاحب اللسان ونقل عن الزجاج أنه قال في قول الله تعالى: مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ -أي ما انقطعت ولا فنيت، ولا علاقة بينها وبين نفذ بالذال المعجمة.
فنفذ بالذال المعجمة تأتي بمعنى خرج ومضى وجاز، يقال نفذ الشيء من الشيء إذا خلص منه وخرج كما يخرج السهم من الرمية، وأنفذ وصية أبيه أمضاها، وأمره نافذ أي ماض مطاع، قال المفسرون في قوله تعالى: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ {الرحمن:33} ، أي إن قدرتم أن تخرجوا، كذا قال الشوكاني والبيضاوي في تفسيريهما، وابن منظور في اللسان.
وأما معنى الآية فقد بينه ابن كثير في تفسيره فقال: يقول تعالى: قل يا محمد: لو كان ماء البحر مداداً للقلم الذي يكتب به كلمات الله وحكمه وآياته الدالة عليه، لنفد البحر قبل أن يفرغ كتابة ذلك، ولو جئنا بمثله أي بمثل البحر آخر، ثم آخر وهلم جرا بحور تمده ويكتب بها، لما نفدت كلمات الله، كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وقال الربيع بن أنس: إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها، وقد أنزل الله ذلك: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي. يقول لو كانت تلك البحور مداداً لكلمات الله، والشجر كله أقلام لانكسرت الأقلام، وفني ماء البحر، وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء، لأن أحداً لا يستطيع أن يقدر قدره، ولا يثني عليه كما ينبغي حتى يكون هو الذي يثني نفسه، إن ربنا كما يقول وفوق ما نقول، إن مثل نعيم الدنيا أولها وآخرها في نعيم الآخرة كحبة من خردل في خلال الأرض كلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1425(2/2549)
تفسير قوله تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. صدق الله العظيم [الحجرات:13] ، السؤال: ماذا يقصد بكلمة شعوباً في هذه الآية الكريمة هل تعني العرب أو الأتراك أو الفرس أو الإنكليز أو الألمان، أم تعني معنى آخر، وماذا تعني كلمة قبائل في هذه الآية الكريمة، هل تعني القبائل العربية أي النجدي أو الجبوري أو الشمري أو بني أسد أو بني هاشم أو الهاشمي أو أية قبيلة أو عشيرة عربية أخرى، يرجى الإجابة وجزاكم الله تعالى ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلمة شعوب هي جمع شعب، والشعب تطلق على عدد كبير من الناس ينتمي إلى أصل واحد، مثل العرب والأتراك والفرس والإفرنج وغيرهم، فكل واحد من هؤلاء شعب.
والقبائل جمع قبيلة وهي عبارة عن التجزئات التي تتجزأ إليها الشعوب، نحو: قريش وغطفان، وسبأ، فهذه قبائل عربية، وللروم قبائل وللأتراك، وتتجزأ القبيلة إلى عمائر، والعمارة إلى بطون والبطون تجمع الأفخاد والأفخاد تجمع الفصائل.... قال صاحب روح المعاني: وجعلناكم شعوباً وقبائل، الشعوب جمع شعب بفتح الشين وسكون العين وهم الجمع العظيم المنتسبون إلى اصل واحد وهو يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة.... تجمع البطون والبطن تجمع الأفخاذ والفخذ تجمع الفصائل ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1425(2/2550)
معنى (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت لفضيلتكم العديد من الفتاوى حول إطعام الطعام لغير الملتزمين بهذا الدين وقد اقتنعت بما قدمتم من أدلة ولكن كيف أستطيع أن أوفق بين أدلتكم وقول الله تعالى \"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة\"، وقوله هنا \"للذين آمنوا\" ألا يدل على أن الكافر زيادة عن كفره سيحاسب عما أكله في الدنيا لأن الله جعلها للذين آمنوا فقط. وإن كان الأمر كذلك فكان بالأحرى عدم إطعام هذا الكافر أو العاصي حتى يتوب إلى الله. وسؤالي هنا ليس ردا على فضيلتكم إنما هو لغموض رموز هذه الآية التي لم أفقه معناها.
وشكرا لرحابة صدركم وأسكنكم الله فسيح جنانه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إطعام الكافر لا حرج فيه، فإن الله يصبر عليهم ويطعمهم كما في الحديث: ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله إنهم يجعلون له ندا ويجعلون له ولدا وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم. رواه البخاري ومسلم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطعم ضيوف الكفار وأساراهم كما في قصة ثمامة بن أثال وغيره. ومتاع الدنيا شيء زهيد لا يساوي جناح بعوضة، فلذلك سمح الله للكفار بالا ستفادة منه. ففي الحديث: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء. رواه الترمذي وصححه. وأما الآية فهي لا تفيد اختصاص المؤمنين بمتاع الدنيا دون الكفار، وإنما اختص المؤمنون بالطيبات في الآخرة، كذا قال ابن كثير والقرطبي. وقد ذكر القرطبي أيضا أن قوله: قل هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ {الأعراف: 32} ، يحتمل أن يكون المراد منه أن الطيبات خالصة في الآخرة لمن آمنوا في الحياة الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(2/2551)
معنى (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير الآية القرآنية ((رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)) التي وردت في سورة القصص في قصة سيدنا موسى عليه السلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية الكريمة جاءت في سياق قصة موسى عليه السلام وخروجه إلى مدين في تلك الرحلة الشاقة التي حدثنا القرآن الكريم عنها، وفي بدايتها يتضرع إلى الله ويدعوه بقوله: عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ {القصص: من الآية22} ، وفي هذه الآية يثني على الله تعالى ويسأله من الخير، والخير كلمة جامعة لما يلائم الإنسان وينتفع به مادياً كان أو معنوياً، قال أهل التفسير: سأل الله تعالى أن يطعمه في ذلك الوقت، وذلك لما كان عليه من الجوع والتعب وهو أكرم خلق الله تعالى عليه في ذلك الوقت، وكان لم يذق طعاماً منذ سبعة أيام، وفي هذا مُعتبر وإشعار بهوان الدنيا على الله تعالى.
والمعنى: يا رب إني محتاج إلى ما أعطيتني من الخير، ووصف الخير بالمنزل للإشعار برفعة المعطي وهو الله سبحانه وتعالى.
وقد استجاب الله دعاء موسى عليه السلام، فأحسن خير للغريب وجود مأوى يأوي إليه وفيه ما يحتاج إليه من الطعام والزوجة التي يأنس بها ويسكن إليها..
فقد تيسرت هذه الأمور كلها لموسى عليه السلام عندما وصل إلى مدين وارتبط بذلك البيت الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(2/2552)
مات عن أخت لأم وإخوة وأخوات
[السُّؤَالُ]
ـ[المسألة
رجل توفي وله خمسة إخوة وثلاث أخوات من أبيه المتوفى ومن أمه وله أيضا أخت من أمه فقط
كيف يرثون وما نصيب كل وارث
برجى إرسال الإجابة عل العنوان التالي:]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ورثة الرجل المتوفى محصورين فيمن ذكرت فإن تركته تقسم حسب الآتي:
لأخته من الأم السدس فرضاً لعدم وجود الأصل والفرع الوارث. قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ {النساء: من الآية12} ، فالإخوة في هذه الآية الإخوة لأم بإجماع أهل العلم.
وما بقي يقسم على إخوته وأخواته تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {النساء: من الآية176} والإخوة في هذه الآية المراد بهم الأشقاء أو لأب إن لم يوجد الأشقاء.
والحاصل أن للأخت للأم السدس، وما بقي يقسم بين الإخوة الأشقاء للذكر مثل حظ الأنثيين.
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وراث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(2/2553)
مضمون لفظ (الدابة)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أفهم معنى هذه الآية: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) ، هل يقصد بالدابة أن كل ما في الأرض من إنسان وحيوان هو دابة، أي هل الإنسان دابة وهل قارن الإنسان بالحيوان، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدابة تطلق في اللغة على كل ما دب على الأرض، سواء كان ممن يمشي على رجلين أو أربع أو على بطنه، ويدخل في ذلك الناس والحيوانات والحشرات، ويدل لذلك قول الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {النور:45} .
فكل هذه المخلوقات تكفل الله تعالى برزقها بما فيها الإنسان، ولكن قد يذكر الله تعالى الإنسان وحده، تشريفا له، كما في قوله تعالى: وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {العنكبوت:60} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1425(2/2554)
معنى قوله تعالى (وإلهنا وإلهكم واحد..)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة العنكبوت الآية (46) يقول الله تعالى: وإلهنا وإلهكم واحد، والمخاطب هم أهل الكتاب، كيف هذا ونحن نعلم أن الإله هو ما يعبد وأن أهل الكتاب بعضهم يعبد المسيح وبعضهم مريم ... إلخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية الكريمة لا تعني الآلهة المزعومة من طرف أهل الكتاب، وإنما تعني الإله الحق الواحد الذي ينسب إليه الضر والنفع والخلق والإحياء والإماتة وسائر التصرفات في هذا الكون، وهو الله وحده، وقد أقر بذلك سائر الخلائق، قال الله تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ {آل عمران:83} ، وكان جميع ذرية آدم قد أخذ عليهم الميثاق بالإقرار بربوبيته تعالى وهم في عالم الذر، قال الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {الأعراف:172} ، وأقر بربوبية الله المشركون من أهل الجاهلية وغيرهم وهم أبعد الناس عن الهدى، قال الله تعالى عنهم: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ {الزخرف:87} ، وقال تعالى: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ {يونس: 31} .
وبين الله كفر أهل الكتاب باتخاذهم آلهة غيره، قال الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ {المائدة:72} ، وقال تعالى: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ.... {المائدة:73} .
ودعا القرآن أهل الكتاب إلى عبادة الله وحده ونبذ كل معبود سواه، قال الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {آل عمران:64} ، والآيات في هذا كثيرة جداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1425(2/2555)
الله تعالى يقلب القلوب كيف شاء
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يحول الله عز وجل بين المرء وقلبه؟ ومتى يكون ذلك إن كان هناك زمن لذلك الأمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله يحول بين المرء وقلبه بمنعه من بعض ما لا يريده الله له فيحول بين المؤمن والكفر والمعاصي ويحول بين الكافر والإيمان، ويحول بين الشخص وبعض ما يريد القيام به.
فهو سبحانه مصرف القلوب يقلبها كيف يشاء. فقد روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: قال ابن عباس في قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ {الأنفال: 24} قال يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار، وقال الحسن، وذكر أهل المعاصي هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم، وقال ابن مسعود: إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له فينظر الله إليه فيقول للملائكة اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار فيصرفه الله عنه فيظل يتطير بقوله سبني فلان وأهانني فلان، وما هو إلا فضل الله عز وجل. وخرجه الطبراني من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، وإن بسطت عليه أفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا السقم، ولو أصححته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من يطلب بابا من العبادة فأكفه عنه لكيلا يدخله العجب، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم، إني عليم خبير. انتهى
وقد ذكر العيني في شرح البخاري، وابن كثير في التفسير أن ابن عباس قال: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان. رواه الحاكم في مستدركه موقوفا. وقال صحيح، ولم يخرجاه. ورواه ابن مردويه من وجه آخر مرفوعا، ولا يصح لضعف إسناده، والموقوف أصح، وعن مجاهد: يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل، وقال السدي: يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.
وليس هناك زمن محدد لذلك، ففعل الله ليس محدودا بزمان، فهو يفعل ما شاء متى شاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1425(2/2556)
هل تطلب الزوجة بتلاوة آية سورة القصص
[السُّؤَالُ]
ـ[أهنئكم على هذا الموقع الرائع والمميز؛ إذ يحتوي على مواضيع في شتى المجالات التي أرجو من الله العلي القدير أن ينفع بها رواد هذا الموقع وأن يتقبل منكم هذا العمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وبعد
ورد في بعض المحطات الفضائية أن قراءة الآية الكريمة (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وتكرارها إن صح التعبير ييسر لقائلها الحصول على زوجة صالحة!، وهذه الآية كما تعلمون وردت على لسان سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، فما مدى صحة هذه المقولة وهل تمت هذه المقولة بصلة إلى أي حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. فأفيدوني بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية الكريمة من سورة القصص وقد وردت على لسان موسى عليه السلام، قالها لما كان جائعاً وخائفاً لا يأمن، فسأل ربه ولم يسأل الناس، فلم يفطن لحاله الرعاء الذين كانوا قربه وفطنت لحاله الجاريتان اللتان سقى لهما، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بقصة موسى وبما قاله، فأمر إحداهما بدعوته، وقد هيأ له عشاء، وبعد ما أخبره وقص عليه قصصه طلب منه أن يتزوج إحدى ابنتيه على أن يأجره ثمان سنين إلى آخر القصة التي وردت في القرآن الكريم، وراجع في تفصيلها سنن الدارمي ومصنف ابن أبي ش يبة ومسند أبي يعلى وكتب التفسير ...
ولم نقف على أي أثر ينص على أن تكرار هذه الآية ييسر الحصول على زوجة صالحة.
ولكن القرآن لما نوي له، فلا مانع من حصول من دعا بهذه الآية على حاجته، وليحذر السائل من إحداث أمر في الدين لم يرد له دليل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. رواه البخاري ومسلم.
ومن البدع الإضافية أن يلتزم المرء كيفيات معينة في التلاوة أو العبادة مما لم يرد له دليل، قال الشاطبي -رحمه الله- في تعريف البدعة: ... ومنها البدع الإضافية التزام الكيفيات والهيئات المعينة ... ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1425(2/2557)
أقوال العلماء في معنى أصحاب الأعراف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى أصحاب الأعراف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أصحاب الأعراف قد اختلف أهل التفسير في تأويلهم، قال القرطبي في تفسيره وقد تكلم العلماء في أصحاب الأعراف على عشرة أقوال، نذكر منها: أنهم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وهذا القول مروي عن عدد من السلف من الصحابة والتابعين.
ومنها: أنهم أهل الجنة. ومنها: أنهم الشهداء، أو أنهم فضلاء المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم، وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس، وقيل هم قوم أنبياء، وقيل هم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل دخولهم الجنة والنار ... وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 28909.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1425(2/2558)
معنى (إني جاعل في الأرض خليفة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كانت مخلوقات تعيش على وجه الأرض قبل خلق آدم عليه السلام، وما معنى الآية \"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ\" هل كانت الملائكة تعلم أن ذرية آدم عليه السلام ستفسد في الأرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول السائل الكريم هل كانت هناك مخلوقات تعيش على وجه الأرض....؟ فقد ذكر أهل التفسير أن الجن كانت تسكن الأرض قبل آدم فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس قبل أن يعصي الله تعالى ويمتنع من السجود لآدم، فقاتلهم حتى لجؤوا إلى جزائر البحار والجبال ... ولهذا عندما قال الله تعالى للملائكة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة ً أجابوه بقولهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء {البقرة:30} قياساً على ما فعل الجن في الأرض من الفساد ...
وأما معنى الآية الكريمة ملخصاً من أقوال أهل التفسير: فإنها جاءت في تعداد نعم الله تعالى على الناس، واستنكار الكفر به سبحانه وتعالى، وهو الذي أحياهم بعد ما كانوا أمواتاً.... وخلق لهم ما في الأرض جميعاً.. وجعلهم خلفاءه في أرضه، وأعلن ذلك لملائكته في الملأ الأعلى بقوله: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً. فهذا كله يدل على تكريم الإنسان وتشريفه على غيره من المخلوقات. ولهذا بدأ السياق بقول المولى تبارك وتعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
وقول الملائكة عليهم السلام: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء. ليس باعتراض على المولى تبارك وتعالى، ولا طعناً في بني آدم ... وإنما هو تعجب واستكشاف عن ما خفي عليهم من الحكمة ... واستخبار عما يرشدهم ويزيح شبهتهم.. لأنهم "عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون"
وأما سؤالكم هل كانت الملائكة تعلم أن ذرية آدم عليه السلام ستفسد في الأرض؟ فالظاهر أنهم علموا ذلك، وقد قال أهل التفسير: يحتمل أن يكون الله تعالى أعلمهم بطبيعة بني آدم وأنهم سيفسدون في الأرض، ويحتمل أن يكونوا فهموا ذلك من قول الله تعالى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً. فالمقصود من الخليفة الإصلاح ورد الفساد والعدل بين الناس فيما يقع بينهم من مظالم ... ويحتمل أن يكون قياسا منهم على فساد الجن في الأرض عندما كانوا فيها قبل بني آدم ...
وقد أخذ أهل العلم من هذه الآية ومن أمثالها في القرآن الكريم وجوب نصب إمام وخليفة للمسلمين، قال القرطبي في تفسيره: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يُسمع له ويطاع لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة، ولا بين الأئمة.... وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 1099.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1425(2/2559)
معنى (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير الآية بسم الله الرحمن الرحيم (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المومنين) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الفقرة جزء من الآية الواردة في غزوة أحد، وهي قول الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152] .
وقد قال ابن كثير وابن الجوزي والشوكاني في تفسيرها ما ملخصه: قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ) قال ابن عباس: وعدهم الله النصر (إِذْ تَحُسُّونَهُم) أي تقتلونهم (بِإِذْنِهِ) أي بتسليطه إياكم عليهم (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم) كما وقع للرماة (مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ) وهو الظفر منهم، (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا) وهم الذين رغبوا في المغنم حين رأوا الهزيمة (وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) وهم الذين بقوا على الجبل امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) ثم أدالهم عليكم ليختبركم ويمتحنكم (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ) أي غفر لكم ذلك الصنيع، وذلك- والله أعلم- لكثرة عدد العدو وعددهم، وقلة عدد المسلمين وعددهم. قال ابن جريج: قوله (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ) قال: لم يستأصلكم، وكذا قال محمد بن إسحاق: رواهما ابن جرير. (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) روي عن ابن عباس أن فضله عليهم هو عفوه عنهم، وروي عن مقاتل أنه حفظهم من أن يقتلوا جميعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1425(2/2560)
الحكمة من قول يعقوب لأبنائه \" بل سولت لكم أنفسكم أمرا\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن توضحوا لي المسألة التالية:
في سورة يوسف عندما كاد الله ليوسف عليه الصلاة والسلام وتمكن من أخذ أخيه، ولما رجع إخوته إلى أبيهم وأخبروه القصة وأكدوا له أنهم صادقون \"وهم كانوا كذلك بالفعل\"،لماذا قال لهم أبوهم:\"بل سولت لكم أنفسكم أمرا\"وهو عليه الصلاة والسلام معصوم عن الظلم.
أفيدونا جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجاب الألوسي في تفسيره عن هذا الإشكال فذكر أن الإضراب في "بل سولت" ليس المراد به الإضراب عن صريح كلامهم، فإنهم صادقون فيه في الظاهر، بل عما يتضمنه من ادعاء البراءة من التسبب فيما نزل به، وأنهم لم يصدر عنهم ما أدى إلى ذلك من قول أو فعل، بل صدر منهم ما يسبب ذلك، يريد فتياهم بأخذ السارق بسرقته، وليس ذلك من دين الملك، وإنما هو من دين يعقوب.
وذكر ابن الجوزي أن المراد سولت لكم أنفسكم أنه سرق وهو لم يسرق بالفعل.
وذكر ابن عطية وابن عاشور أنه اتهمهم قياسا على فعلهم بيوسف سابقا واستنادا إلى علمه بأن ابنه لا يسرق وأنه يجوز على النبي الخطأ في الظن في أمور العادات كما جاء في حديث ترك إبار النخل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1425(2/2561)
معنى (ولقد جعلنا في السماء بروجا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الآية رقم (15 ـ 16) من سورة الحجر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية التي أشار إليها السائل الكريم هي قول المولى تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} (الحجر:16)
ففي الآية الكريمة يعرض الله عز وجل بعض مظاهر قدرته وجمال صنعه في هذا الكون.
قال أهل التفسير: البروج هي النجوم والكواكب الضخمة، سميت بذلك لا رتفاعها وظهورها وضخامتها، والبرج في اللغة: البناء الضخم المرتفع العالي، والمراد بالبروج هنا: المنازل التي تنزلها أو تسير فيها الشمس والقمر والكواكب السيارة..
وأما قوله تعالى: {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} ففيه عرض لجمال الكون وتناسقه، ولفت الانتباه للتأمل في السماء وما زينت به من النجوم والكواكب، ليعتبر الناظر في عظيم قدرة الله تعالى.
يقول سيد قطب - رحمه الله تعالى- في الظلال معقبا على تفسيره لهذه الآية: والبروج قد تكون هي النجوم والكواكب بضخامتها، وقد تكون هي منازل النجوم والكواكب التي تنتقل في مدارجها، وهي في كلتا الحالتين شاهدة بالقدرة، وشاهدة بالدقة، وشاهدة بالإبداع الجميل.. وفي الآية لفتة إلى جمال الكون، وبخاصة تلك السماء ـ تشي بأن الجمال غاية مقصودة في خلق هذا الكون، فليست الضخامة وحدها، وليست الدقة وحدها، إنما هو الجمال الذي ينتظم المظاهر جميعا، وينشأ من تناسقها جميعا.. إن نظرة واحدة شاعرة لكفيلة بإدراك حقيقة الجمال الكوني، وعمق هذا الجمال في تكوينه، ولإدراك معنى هذا اللفتة العجيبة: {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} ، ومع الزينة الحفظ والطهارة: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1425(2/2562)
الحكمة من جمع الفعل \"تسوروا\" مع أن الخصم اثنان
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة ص
{إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ} آية22
في هذه الآية قال الله تعالى منهم وقال قالوا وقال خصمان ثم قال بعضنا إلى آخر الآية
أرجو الايضاح حيث جاءت صيغةالجمع وايضا جاءت صيغةالمثنى
مع أنهما خصمان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المذكورة جاءت في قصة داود عليه السلام وفي بدايتها يقول الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ *} (صّ:22)
قال أهل التفسير وإنما جمع الفعل {تَسَوَّرُوا ... دَخَلُوا..} وهما اثنان لأن الخصم اسم يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، ومعنى الجمع في الاثنين موجود لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شيء
وقد جاء مثل هذا في القرآن الكريم وفي كلام العرب
مثل قول الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} (الحج: 19)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(2/2563)
الفرق بين (يعملون) و (يصنعون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الدلالات البيانية والفروق في ما يخص هذه الصيغ في بعض الآيات القرآنية:1- (الله بما تعملون بصير) و (الله بصير بما تعملون)
2- (الله بما يعملون خبير) و (الله خبيربما يعملون)
3- ما الفرق بين (الله خبيربما يعملون) و (الله خبير بما يصنعون)
وجزاكم الله عنا خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبه بداية إلى أن القرآن الكريم ليس فيه "والله بما يعملون خبير" ولا "والله خبير بما يعملون"، ولا "والله خبير بما يصنعون"
ولكن يوجد فيه "والله خبير بما تعملون" ويوجد فيه "والله بما تعملون خبير" بتاء الخطاب فيهما.
وقد نبه أهل العلم إلى أن تقديم المعمول على العامل - أعني تقديم "بما تعملون" على "خبير" أو على "بصير" وتأخيره أحيانا فيه تنويع للأسلوب ومجانسة للفواصل في بعض الأحيان، وأما "يعملون" و "يصنعون" فقد ذكر أهل العلم أن معناهما واحد، ونقله ابن كثير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وذكر ابن عاشور أنه للتفنن في العبارات، وذكر هو والشوكاني في "فتح القدير" والقرطبي في تفسيره أن معناهما واحد، إلا أن الصنع يقتضي الجودة أكثر.
قال الشوكاني عند قوله تعالى في سورة النساء موبخا لليهود المنحرفين وعلمائهم التاركين للنهي عن المنكر: [وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] (المائدة: 62- 63) . وبخ علماءهم في تركهم لنهيهم فقال: [لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] وهذا فيه زيادة على قوله: [لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] لأن العمل لا يبلغ درجة الصنع حتى يتدرب فيه صاحبه، ولهذا تقول العرب: سيف صنيع إذا جود عامله عمله، فالصنع هو العمل الجيد لا مطلق العمل، فوبخ -سبحانه- الخاصة وهم العلماء التاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو أغلظ وأشد من توبيخ فاعل المعاصي، فليفتح العلماء لهذه الآية مسامعهم ويفرجوا لها عن قلوبهم، فإنها قد جاءت بما فيه البيان الشافي لهم بأن كفهم عن المعاصي مع ترك إنكارهم على أهلها لا يسمن ولا يغني من جوع، بل هم أشد حالا وأعظم وبالا من العصاة، فرحم الله عالما قام بما أوجبه الله عليه من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو أعظم ما افترضه الله عليه، وأوجب ما أوجب عليه النهوض به. اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الذين لا يخافون فيك لومة لائم، وأعنا على ذلك وقونا عليه ويسره لنا وانصرنا على من تعدى حدودك وظلم عبادك إنه لا ناصر لنا سواك ولا مستعان غيرك، يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(2/2564)
سبب خفض \"حي\" في قوله تعالى \"كل شيء حي\"
[السُّؤَالُ]
ـ[لم قال الله سبحانه في سورة الأ نبياء (آية ـ.3) وجعلنا من الماء كل شيء حي\".ولم يقل:كل شيء حيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول المولى سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (الأنبياء: 30)
جاء بخفض: {حَيٍّ} لأنه صفة لشيء وهو ما قرأ به القراء العشر.
وقرئ شذوذا: {حيّا} بالنصب على أنه صفة لكل، أو مفعول ثان لجعلنا.
وبداية الآية الكريمة: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} (الأنبياء:30) ، وهي حجة على المشركين لما تضمنته من عظيم قدرة الله تعالى وبديع صنعه.
قال أهل التفسير: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ، أي أحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء فيشمل الحيوان والنبات، والمعنى أن الماء سبب لكل حياة أو لحياة كل شيء، وقيل المراد بالماء ماء النطفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(2/2565)
ورود لفظ \"عليما حكيما\" و \"عليم حكيم\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في بعض الآيات أو نهاية الآيات نجد مثلا (إن الله كان عليما حكيما) وفي بعضها نجد (إن الله عليما حكيما) بدون كان وهذا ينطبق على كثير من الأمثلة فما الفرق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد هذا اللفظ "عليما حكيما" وقبلها "كان" في ثمان مواضع من كتاب الله عز وجل: أولها: في سورة النساء، وهي قول الله تعالى تعقيبا على آية المواريث: [فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا] (النساء: 11) وآخرها: في سورة الإنسان في ختام سياق الحديث عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وتنزل القرآن عليه وأمره بالصبر وعدم طاعة الكفار.. حيث يقول تعالى: [وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا] (الإنسان: 30)
وأما "إن الله عليما حكيما" بالنصب فلا تصح لغة ولا توجد في القرآن الكريم، ولعل السائل الكريم يقصد لفظ "عليم حكيم" بدون كان، فإن كان الأمر كذلك.. فقد جاء لفظ "عليم حكيم" بالرفع في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعا، أولها: في سورة النساء في قول الله تعالى: [وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] (النساء: 26) وآخرها: في سورة الممتحنة في قوله تعالى: [ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] (الممتحنة: 10) وفي كلا السياقين يخبر الله عز وجل عن اتصافه بهذه الصفات العلى: العلم بما يصلح خلقه والحكمة في تدبير أمورهم.
وزيادة "كان" في السياق الأول معناها: لم يزل على ذلك، فهي للتأكيد وزيادة المعنى، وليس المقصود بها الإخبار عما مضى أو حصر الصفة فيه، وكل ما ورد من صفات الله تعالى وأسمائه على هذا السياق فهو على هذا المعنى، يقول المختار بن بونا الشنقيطي في زياداته على ألفية ابن مالك:
... ... وكان ضاهى لم يزل كثيرا كالله كان عالما بصيرا
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6457.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(2/2566)
سبب تذكير الضمير في قوله تعالى \"وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار\"
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة البقرة الآية (74) وإن من الحجارة لما يتفجر منه الماء
السؤال: لماذ قال الله تعالى منه ولم يقل منها؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الضمير ذكر لأنه عائد على لفظ ما في قول تعالى: {لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} (البقرة: 74) ، كما ذكر القرطبي في التفسير.
ومن المعلوم أن الموصول المشترك بين المفرد والجمع والمذكر والمؤنث يجوز عند أهل اللغة أن يرد الضمير عليه مذكرا مفردا باعتبار لفظه
ويجوز أن يرد الضمير عليه باعتبار معناه، فيجوز في غير القرآن أن تقول هنا كما يتفجر منها، باعتبار المعنى كما قال القرطبي.
وقد جاء على اعتبار اللفظ والمعنى معا قول الله تعالى:
{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} (الأحزاب:31)
فقد رجع الضمير مذكرا في يقنت، ورجع مؤنثا في باقي الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(2/2567)
تفسير قوله تعالى \"وإذا بطشتم بطشتم جبارين\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو تفسير قوله تعالى:\" وإذا بطشتم بطشتم جبارين \"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية الكريمة: وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [سورة الشعراء:130] ، قد جاءت في سياق الحديث عن عاد، قوم هود عليه السلام، وفي بداية السياق يقول الله تعالى: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ َ [سورةالشعراء: 124،123] ، ثم يذكر سبحانه وتعالى بعض صفاتهم وأن منها البطش والظلم والانتقام، والبطش معناه: الأخذ بالعنف والغلظة والجبروت، والمعنى أنهم متسلطون ظالمون غاشمون يفعلون ذلك ظلما ودون حق، والجبار الذي يقتل ويضرب ظلما وبدون حق، كما في قوله تعالى: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ [سورة القصص: 19] ، وقيل: هو المتسلط العاتي كما في قوله تعالى: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [سورة قّ: 45] .
قال القرطبي: والآية نزلت خبرا عن من تقدم من الأمم ووعظا من الله عز وجل في مجانبة ذلك الفعل القبيح الذي ذمهم الله تعالى به وأنكره عليهم. ثم قال: وقد كثرت هذه الأوصاف المذمومة في هذه الأمة فيبطشون بالناس ويضربونهم بالسياط والعصي في غير حق شرعي، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك يكون، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
ولا شك أن هذه الصفات الذميمة المحرمة قد تفشت في عالم المسلمين فلا تكاد تجد بلدا إسلاميا إلا ويمارس فيه البطش والقهر والسجن والتعذيب بكل وسيلة، ورحم الله الإمام القرطبي فلو رأى هذا الزمان لقال أكثر من هذا.
والحاصل أن معنى (بطشتم جبارين) : سطوتم قتلا بالسيوف وغيرها من آلات القتل وضربا بالسياط والعصي والأيدي والأرجل ظلما وعدوانا بغير حق شرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1425(2/2568)
تفسير قوله تعالى \"وأصلحنا له زوجه\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في كتابه الكريم: (وأصلحنا له زوجه) ما معنى: وأصلحنا له زوجه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أكثر المفسرين في تفسير هذه الآية: أنها كانت عاقراً لا يصلح رحمها للحمل وللولادة، فأصلح الله رحمها للحمل. روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، ويدل لذلك قول زكريا: قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ [آل عمران: 40] .
وقد روي عن ابن عباس: أنه كان في لسانها طول فأصلحه الله تعالى. رواه الحاكم وقال الذهبي فيه طلحة بن عمرو واه. وقد رجح ابن كثير القول الأول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1425(2/2569)
سبب نزول قوله تعالى \"وإن طائفتان من المؤمنين..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم:
ما سبب نزول الاية (وان طائفتان من المؤمنين) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سبب نزول الآية الكريمة المذكورة كما في تفسير القرطبي قال: عن أنس بن مالك: قيل: يا نبي الله: لو أتيت عبد الله بن أبي فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، فو الله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم حرب بالأيدي والنعال والجريد، فبلغنا أنه أنزل فيها هذه الآية. وقيل غير ذلك.
ويمكن أن يكون للآية الواحدة أكثر من سبب، والطائفة من الشيء القطعة، وهي تطلق على الفرد والجماعة، والآية الكريمة محكمة عامة توجب على جماعة المسلمين وولي أمرهم أن يقوموا بالصلح كلما وقع خلاف أو قتال بين طائفتين من المسلمين وجبر الفئة الباغية على النزول على حكم الله.
وقد رغب الله عز وجل في الصلح بين الناس فقال تعالى: [لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا] (النساء: 114) والحاصل أن أهل العلم ذكروا عدة روايات وحوادث وأنها سبب نزول الآية الكريمة، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما قرر أهل العلم.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 17962.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1425(2/2570)
المقصود بالإخوة في الآية رقم:12 و 176 في سورة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[عفوا سادتي، أنا لم أسأل عن معنى الكلالة وإنما عن كون الآية12 يفرض الله فيها للأخ أو الأخت السدس بينما نجده عز وجل يفرض في الآية 176 إما الكل-إن كان أخا-أو النصف أو الثلثان -إن كانت أختا أو أختين- أو للذكر مثل حظ الأنثيين.
ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآية التي أشار إليها السائل الكريم هي قول الله تبارك وتعالى: وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ [سورة النساء: 12] .
فالمقصود بالإخوة هنا الإخوة لأم، ونقل القرطبي الإجماع على ذلك، وقال: وكان سعد بن أبي وقاص يقرأ: وله أخ أو أخت من أمه. والإخوة للأم هم الذين يستوي نصيب ذكرهم وأنثاهم، ففردهم له السدس بغض النظر عن جنسه، وجمعهم له الثلث بالتساوي لا فرق بين ذكر وأنثى، ولهذا قال تعالى: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ [سورة النساء: 12] .
أما الآية الأخرى، فهي قوله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [سورة النساء: 176] .
فالمراد بالإخوة هنا إخوة العصبة، الأشقاء أولاً، فإن لم يكونوا فإن الإخوة لأب يحلون محلهم، وميراث هؤلاء عند اجتماعهم وفي حالة انفراد بعضهم هو ما بينته الآية الكريمة.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(2/2571)
تفسير قوله تعالى \"وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا
هل كلمة كثير تعني أن هناك خلقا أفضل من الإنسان]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر البغوي خلاف العلماء في هذه المسألة فقال: وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا، وظاهر الآية أنه فضلهم على كثير ممن خلقهم لا على الكل، وقال قوم: فضلوا على جميع الخلق إلا على الملائكة.
وقال الكلبي: فضلوا على الخلائق كلها إلا على الملائكة: جبريل وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، وأشباههم.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع راجع رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية المسماة: المفاضلة بين الملائكة والناس، وهي موجودة في مجموع الفتاوى الجرء الرابع، ومجموع الفتاوى موجود على شبكة الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(2/2572)
تفسير قوله تعالى \"ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه بناء على قوله تعالى: [وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا]
فإنه من حق الجارية أن ترفض مجامعة سيدها؟ وإذا كان كذلك فهل وردت آثار أخرى حول هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما أشار إليه السائل الكريم غير صحيح
والآية الكريمة يوضح معناها معرفة سبب نزولها فقد ذكر غير واحد من المفسرين أن سبب نزولها: أنه كان لعبد الله بن أبي ـ رأس النفاق بالمدينة ـ جوار (إماء) وكان يكرههن على البغاء (الزنا) ليكسب المال بذلك ويستكثر بأولادهن كما كان أهل الجاهلية يفعلون، فكانت الإماء مصدر كسب بالنسبة لهم لما يأتون به من المال والولد, فرفضت إماء عبد الله بن أبي الزنا بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأراد إكراههن فشكينه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فأنزل الله تعالى في شأنهن وفي أمثالهن: [وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ] (النور: 33)
والبغاء ليس معناه معاشرة الزوج أو السيد الذي أحله الله تعالى في محكم كتابه وعلى لسان
رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: [وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ] (المؤمنون:6)
فقرن إتيان السيد لأمته بإتيانه لزوجته الحلال.
والحاصل: أنه لا علاقة للآية الكريمة بالمعنى الذي أشار إليه السائل الكريم.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 40300.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(2/2573)
معنى (تأجرني ثماني حجج)
[السُّؤَالُ]
ـ[في قصة موسى عليه السلام ولقائه بشعيب عليهما السلام اشترط عليه شعيب أن يأجره ثماني حجج
ما هي تلك الحجج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في قول الله تبارك تعالى حكاية عن صالح مدين قوله: [قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ] (القصص: 27)
أي على أن تعمل عندى ثمان سنين، فإن تبرعت بزيادة سنتين فذلك إليك؛ وإلا ففي الثماني كفاية، فالحجج: السنون، وكان العمل رعي الغنم.
هذا ما ذكره غير واحد من المفسرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(2/2574)
تفسير قوله تعالى \"وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًاِ} ما هي الآية؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المذكورة هي الآية السابعة عشرة من سورة الكهف، وقد جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وفروا بدينهم من طغيان الكفر والضلال، فلجأوا إلى كهف في جبل فناموا فيه ثلاثمائة سنة وتسع لم يتغير فيها شيء من حالهم، فكانوا عبرة للمعتبر ... وقصتهم جاءت في السورة المذكورة وبها سميت.
وفي الآية الكريمة يقول الله تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف: 17] .
أي وترى أيها المخاطب الشمس إذا طلعت تميل عن كهفهم إلى جهة اليمين، وإذا غربت تبعد عنهم إلى جهة الشمال، والغرض أن الشمس لا تصيبهم عند طلوعها ولا عند غروبها طيلة تلك الفترة لئلا تؤذيهم أو تحرقهم، وهم في متسع من الكهف يتقلبون يميناً وشمالاً، فهذا من آيات الله الباهرة وعظيم قدرته الشاملة فلو أن الشمس أصابتهم لاحترقوا ولو أنهم لا يتقلبون لأكلتهم الأرض ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(2/2575)
معنى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن
نريد شرحا مفصلا إذا أمكن, وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر أهل العلم الآية الكريمة: [هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] (البقرة: 187) بالستر، أي هن ستر لكم وأنتم ستر لهن، لأن كلا الزوجين يستر صاحبه ويمنعه من الفجور ويغنيه عن الحرام، والعرب تكني عن الأهل بالستر واللباس والثوب والإزار.
وقال بعضهم: هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن. وقال بعضهم: هن سكن لكم وأنتم سكن لهن، أي يسكن بعضكم إلى بعض، كما في قوله تعالى: [وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا] (الأعراف: 189) وفي قوله: [وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً] (الروم: 21) .
وقال صاحب الظلال عند تفسير قوله تعالى: [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] (البقرة: 187) . والرفث مقدمات المباشرة أو هو المباشرة ذاتها، وكلاهما مقصود هنا ومباح، ولكن القرآن الكريم لا يمر على هذا المعنى دون لمسة حانية رفافة تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقا ونداوة.. وتنأى بها عن غلظ المعنى الحيواني وعرامته، وتوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة.
والحاصل أن التعبير القرآني: [هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] يشمل المعاني التي أشار إليها المفسرون وزيادة، فهو يشمل القرب والملاصقة والستر والتجميل والغطاء والمتعة والوقاء من الحر والبرد، ويرتفع بمشاعر الإنسان عن المستوى البهيمي في الوقت الذي يلبي فيه متطلبات جسده، فكلا الزوجين بهذا المعنى لصاحبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(2/2576)
الحكمة من إنبات اليقطين على يونس عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني أفادكم الله عن ورود اليقطين في القرآن الكريم وهل حقاً أنها ارتبطت بالنبي يونس عليه السلام عندما خرج من بطن الحوت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد ذكر اليقطين في القرآن الكريم مرة واحدة في سورة الصافات الآية (146) ، وذلك في سياق حديث القرآن الكريم عن قصة نبي الله يونس عليه السلام، قال الله تعالى: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ* فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ*لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ* وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ [الصافات] ، واليقطين: القرع كما ذكره غير واحد من المفسرين.
قال ابن كثير في قصص الأنبياء: قال العلماء في إنبات القرع عليه حكم جمة منها أن ورقه في غاية النعومة وكثير وظليل ولا يقربه ذباب ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره نيئاً ومطبوخاً وبقشره وببزره أيضا، وفيه نفع كثير للدماغ وغير ذلك ... ثم قال: "وسخر له أروية (أنثى الوعل) تأتيه بكرة وعشياً ترضعه من لبنها وترعى في البرية وهذا من رحمة الله به وإحسانه إليه ...
والذي لا شك فيه أن تخصيص اليقطين بالإنبات عليه له حكم يعلمها الله عز وجل قد يطلع عليها البشر وقد لا يطلعون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1425(2/2577)
تفسير قوله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية التالية
بسم الله الرحمن الرحيم
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية:
حافظوا خطاب لجميع الأمة، والآية أمر بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها بجميع شروطها، والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه، والوسطى تأنيث الأوسط، ووسط الشيء خيره وأعدله، ومنه قوله تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا] (البقرة: 143) إلى أن قال: وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر وقد دخلت قبل في عموم الصلوات تشريفا لها. انتهى. ثم ذكر خلاف أهل العلم في تعيين الصلاة الوسطى على عشرة أقوال مبينا كون جمهور أهل العلم على أنها صلاة العصر، حيث قال: الثاني: أنها العصر، لأن قبلها صلاتي نهار وبعدها صلاتي ليل، إلى أن قال: وممن قال إنها وسطى علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري، وهو الذي اختاره أبو حنيفة وأصحابه، وقاله الشافعي وأكثر أهل الأثر، وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب، واختاره ابن العربي في قبسه وابن عطية في تفسيره، قال: وعلى هذا القول الجمهور من الناس، وبه أقول، واحتجوا بالأحاديث الواردة في هذا الباب خرجها مسلم وغيره، وأنصها حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الوسطى صلاة العصر. خرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. انتهى.
وعليه، فالآية مشتملة على الأمر بالمحافظة على جميع الصلوات مؤكدة على خصوص الصلاة الوسطى التي هي صلاة العصر عند جمهور أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1425(2/2578)
تفسير قوله تعالى (ولا على الأعرج حرج)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود من قوله تعالى \" ولا على الأعرج حرج \"؟
نرجوا الإجابة فى أسرع وقت إن أمكن مع الأدلة.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قال الله عز وجل: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [سورة الفتح: 17] . والعرج هو الظلع؛ كما جاء في المعاجم اللغوية.
وقال القرطبي: والعرج آفة تعرض لرجل واحدة، وإذا كان ذلك مؤثرا فخلل الرجلين أولى أن يؤثر.
والمقصود أن الأعرج لا حرج عليه في التخلف عن الجهاد، ومثله الأعمى والمريض.
قال القرطبي: أي لا إثم عليهم في التخلف عن الجهاد لعماهم وزمانتهم وضعفهم ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(2/2579)
تفسير مجموعة من الآيات من سور مختلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[- {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25- 28] .
2- {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16] .
3- {رَبَّنَا ءامَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53] .
4- {رَبَّنَا ءاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] .
5- {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] .
6- {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] .
7- {حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129] .
8- {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} [القصص: 22] .
9- {رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 21] .
10- {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] .
11- {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47] .
12- {رَبَّنَا ءامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109] .
13- {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 65- 66] .
14- {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] .
15- {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28] .
16- {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127-128] .
17- {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40] .
18- {رَبَّنَا ءامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83] .
19- {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] .
20- {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] .
21- {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: 4] .
22- {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89] .
23- {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] .
24- {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [يونس: 85-86] .
25- {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 147] .
26- {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 118] .
27- {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] .
28- {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 191-194] .
29- {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15] .
30- {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] .
31- {رَبَّنَا ءاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10] .
32- {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] .
33- {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97-98] .
34- {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41] .
35- {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء: 83-85] ، {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] .
36- {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100] .
37- {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8] .
38- {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16] .
39- {رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت: 30] .
40- {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 47] .
41- {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:5] .
42- {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19] .
43- {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38] .
ما معنى جميع الدعاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اعتمدنا بعد الله في تفسير ما سألت عن تفسيره من أدعية على تفسيري الإمامين ابن كثير والقرطبي غالبا وسيكون ترتيب الأدعية حسبما كتبت,
1ـ[رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي] قال ابن كثير: أي إن لم تكن عوني ونصري وعضدي وظهيري فلا طاقة لي بذلك "واحلل عقدة من لساني ". قال ابن عباس: شكا موسى إلى ربه مايتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه فآتاه سؤله فحل عقدة من لسانه.
2ـ[رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي] هذا من دعاء موسى عليه الصلاة والسلام بعد قتله للقبطبي، قال ابن كثير: من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر وأيضا فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم.
3ـ[رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ] هذا من دعاء الحواريين الذين آمنوا بالله تعالى وصدقوا رسوله عيسى ابن مريم عليهما وناصروا دعوته إلى التوحيد، قال الإمام القرطبي: ربناء آمنا بما أنزلت، أي يقولون ربنا آمنا بما أنزلت يعني في كتابك وما أظهرته من حكمك واتبعنا الرسول يعني عيسى، فاكتبنا مع الشهدين يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
4ـ[رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
قال القرطبي: ومنهم أي الناس وهم المسلمون يطلبون خير الدنيا والآخرة إلى أن قال: والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعم الدنيا والآخرة. انتهى، ثم سألوا الله تعالى النجاة من عذاب النار.
5ـ[سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ] قال ابن كثير: أي سمعنا قولك ياربنا وفهمناه وقمنابه وامتثلنا العمل بمقتضاه، غفرانك ربنا سؤال للمغفرة والرحمة واللطف، وإليك المصير أي المرجع والمآب يوم الحساب.
6ـ[رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ] قال ابن كثير: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، أي إن تركنا فرضا على جهة النسيان أو فعلنا حراما كذلك، أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلا منا بوجهه الشرعي، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا أي لا تكلفنا الأعمال الشاقة وإن أطقناها كماشرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والآصار التي كانت عليهم. ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به أي من التكليف والمصائب والبلاء لا تبتلنا بما لا قبل لنا به، واعف عنا أي فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا، واغفر لنا أي فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوئنا وأعمالنا القبيحة، وارحمنا أي فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر، أنت مولانا أي أنت ولينا وناصرنا وعليك توكلنا، فانصرنا على القوم الكافرين أي الذين جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك.
7ـ[حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم] ِ قال ابن كثير: أي هو مالك كل شيء وخالقه لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السماوات والأرضين وما بينهما.
8ـ[قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ] هذا من دعاء موسى عليه الصلاة والسلام، قال ابن كثير: سواء السبيل أي الطريق الأقوم، ففعل الله به ذلك وهداه إلى الطريق المستقيم في الدنيا والآخرة فجعله هاديا مهديا.
9ـ[قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] وهذا أيضا من دعاء موسى سأل الله تعالى أن ينجيه من فرعون وملئه، كما قال ابن كثير.
10ـ[رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ] هذا من كلام آدم وحواء اعترفا بالخطيئة وأعلنا توبتهما إلى الله تعالى؛ كما قال الإمام القرطبي.
11ـ[رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ] قال القرطبي: فقال نوح ربي إني أعوذبك أن أسألك ما ليس لي به علم.. وهذه ذنوب الأنبياء عليهم السلام، فشكر الله له تواضعه، وإلا تغفر لي ما فرط من السؤال وترحمني أي بالتوبة أكن من الخاسرين أي أعمالا.
12ـ[رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ] هذا من دعاء بعض السابقين إلى الإسلام من أفاضل الصحابة حيث قال تعالى عنهم: [إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي]
قال القرطبي: قال مجاهد هم بلال وخباب وصهيب وفلان وفلان من ضعفاء المسلمين، كان أبو جهل وأصحابه يهزؤون بهم.
13ـ " [رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً] هذا من دعاء عباد الرحمن الذين أضافهم الله تعالى إليه إضافة تشريف وتعظيم، قال القرطبي: يقولون ذلك في سجودهم وقيامهم، إن عذابها كان غراما أي لازما دائما غير مفارق، إنها ساءت مستقرا ومقاما أي بئس المستقر وبئس المقام، أي أنهم يقولون ذلك عن علم.
14ـ[رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً] قال القرطبي: قرة أعين أي مطيعين لك، واجعلنا للمتقين إماما أي قدوة يقتدى بنا في الخير، وهذا لا يكون إلا أن يكون الداعي متقيا قدوة.
15ـ[رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ]
هذا من دعاء نوح عليه الصلاة والسلام، قال القرطبي: دعا لنفسه ولوالديه وكانا مؤمنين، ولمن دخل بيتي مؤمنا أي مسجدي ومصلاي مصدقا بالله.
16ـ[رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] هذا من دعاء ابراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام أثناء بنائهم لبيت الله الحرام، حيث قال الله تعالى: [وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] قال القرطبي: والمعنى ويقولان ربنا إنك أنت السميع العليم اسمان من أسماء الله تعالى.
17ـ[رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ]
هذا من دعاء ابراهيم عليه الصلاة والسلام، قال القرطبي: رب اجعلني مقيم الصلاة أي من الثابتين على الإسلام والتزام أحكامه، ومن ذريتي أي واجعل من ذريتي من يقيمها، ربنا وتقبل دعاء أي عبادتي.
18ـ[رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ]
هذا من دعاء الرهبان النصارى الذين أعلنوا إسلامهم، قال القرطبي: فاكتبنا مع الشاهدين أي مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون بالحق.
19ـ[رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ]
هذا من دعاء ابراهيم عليه الصلاة والسلام، قال القرطبي: هذا البلد آمنا يعني مكة، واجنبني.... أي اجعلني جانبا عن عبادتها، وأراد بقوله بني بنيه من صلبه، وكانوا ثمانية فما عبد أحد منهم صنما، وقيل هو دعاء لمن أراد الله أن يدعو له.
20ـ[رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ]
هذا من دعاء موسى عليه الصلاة والسلام، قال القرطبي: ثم تولى إلى الظل إلى ظل سمرة، قاله ابن مسعود: وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله: إني لما أنزلت إلي من خير فقير، وكان لم يذق طعاما سبعة أيام وقد لصق بطنه بظهره، فعرض بالدعاء ولم يصرح بسؤال.
21ـ[رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ]
قال القرطبي: هذا من دعاء إبراهيم عليه السلام وأصحابه، وقد علم المؤمنين أن يقولوا هذا أي تبرؤوا من الكفار وتوكلوا على الله وقولوا إليك أنبنا أي رجعنا، وإليك المصير لك الرجوع في الآخرة.
22ـ[رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ] هذا من دعاء زكرياء عليه الصلاة والسلام قال القرطبي: رب لا تذرني فردا أي منفردا لا ولد لي وأنت خير الوارثين، أي خير من يبقى بعد كل من يموت.
23ـ[لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ]
قال الإمام القرطبي: يريد فيما خالف فيه من ترك مداومة قومه والصبر، وقيل في الخروج من غير أن يؤذن له. انتهى، وهذا من دعاء ذي النون.
24ـ[رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] قال القرطبي: أن لا تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين، أو لا تمتحنا بأن تعذبنا بأيديهم، ونجنا برحمتك أي خلصنا من القوم الكافرين أي فرعون وقومه.
25ـ[رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ] قال الشوكاني في فتح القدير: وما كان قول أولئك الذين كانوا مع الأنبياء إلا هذا القول، وقوله: إلا أن قالوا استثناء مفرغ أي ما كان قولهم عند أن قتل منهم ربانيون أو قتل نبيهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا، قيل هي الصغائر، وقوله: وإسرافنا في أمرنا قيل هي الكبائر، والظاهر أن الذنوب تعم كل ما يسمى ذنبا من صغيرة أو كبيرة، وثبت أقدامنا في مواطن القتال.
26ـ[وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ] قال ابن كثير: هذا إرشاد من الله تعالى إلى هذا الدعاء فالغفر إذا أطلق فمعناه محو الذنب وستره عن الناس، والرحمة معناها أن يسدده ويوفقه في الأقوال والأفعال.
27ـ[رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا] قال ابن كثير: أي لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه، ولا تجعلنا من الذين في قلوبهم زيغ، وهب لنا من لدنك أي من عندك رحمة تثبت بها قلوبنا وتجمع بها شملنا.
28ـ[رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ] قال ابن كثير: ربنا ما خلقت هذا باطلا أي ما خلقت هذا الخلق عبثا بل بالحق لتجزي الذين أساؤوا بما عملوا وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ثم نزهوه عن العبث وخلق الباطل سبحانك أي عن أن تخلق شيئا باطلا، فقنا عذاب النار بحولك وقوتك، ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته أي أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع، وما للظالمين من أنصار أي يوم القيامة لا مجير لهم منك.
ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان، أي داعيا يدعو إلى الإيمان وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، أن آمنوا بربكم فآمنا أي يقول آمنوا بربكم فآمنا أي فاستجبنا له واتبعناه أي بإيماننا واتباعنا نبيك، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا أي استرها، وكفر عنا سيئاتنا فيما بيننا وبينك، وتوفنا مع الأبرار أي ألحقنا بالصالحين، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك قيل معناه على الإيمان برسلك، وقيل معناه على ألسنة رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة أي على رؤوس الخلائق إنك لا تخلف الميعاد أي لا بد من الميعاد الذي أخبرت عنه رسلك وهو القيام يوم القيامة بين يديك.
29ـ[رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ] قال ابن كثير: رب أوزعني أي ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه أي في المستقبل، وأصلح لي في ذريتي أي نسلي وعقبي، إني تبت إليك وإني من المسلمين، وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها.
[رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ] قال القرطبي: والذين جاؤوا من بعدهم يعني التابعين ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة يقولون ربنا اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان فيه وجهان: أحدهما: أمروا أن يستغفروا لمن سبق هذه الأمة من مؤمني أهل الكتاب، الثاني: أمروا أن يستغفروا للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنو ا، قال الشوكاني في فتح القدير: أي غشاً وبغضا وحسدا.
31ـ[رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً] هذه من دعاء أصحاب الكهف، فقالوا ربناء آتنا من لدنك رحمة، قال الشوكاني: أي رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك وهي المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء والرزق في الدنيا، وهيء لنا من أمرنا رشدا أي أصلح لنا، والمراد بأمرهم الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار والرشد نقيض الضلال.
32ـ[وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ] قال ابن كثير: أمره الله تعالى أن يستعيذ من الشياطين لأنهم لا تنفع معهم الحيل ولا ينقادون بالمعروف، وأعوذ بك رب أن يحضرون أي في شيء من أمري، ولهذا أمر بذكر الله في الأمور وذلك لطرد الشياطين.
34ـ[رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ] هذا من دعاء إ براهيم عليه الصلاة والسلام، قال ابن كثير: رب اغفرلي ولوالدي وللمؤمنين أي كلهم، يوم يقوم الحساب أي يوم تحاسب عبادك فتجازيهم بأعمالهم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
35ـ[رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً] قال ابن كثير: وهذا سؤال ابراهيم عليه السلام أن يؤتيه ربه حكما، قال ابن عباس: وهو العلم، وقال عكرمة هو اللب، وقال مجاهد هو القرآن، وقال السدي هو النبوة، وألحقني بالصالحين أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والآخرة، واجعل لي لسان صدق في الآخرين أي واجعل ذكرا جميلا بعدي أذكر به ويقتدى به في الخير، واجعلني من ورثة جنة النعيم أي أنعم علي في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي وفي الآخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم، ولا تخزني يوم يبعثون أي أجرني من الخزي يوم القيامة يوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم.
36ـ[رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ] هذا من دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال ابن كثير: يعني أولادا مطيعين عوضا عن قومه وعشيرته الذين فارقهم.
37ـ[رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ٌ]
قال ابن كثير: قال مجاهد والضحاك والحسن البصري وغيرهم، هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طفئ.
38ـ[رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] قال ابن كثير: ربنا آمنا أي بك وبكتابك وبرسولك، فاغفرلنا ذنونبنا أي بإيماننا بك وبما شرعته لنا.
39ـ[رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ] قال الشوكاني في فتح القدير: أي بإنزال عذابك عليهم وإفسادهم بما سبق من إتيان الرجال وعمل المنكر في ناديه، م فاستجاب الله سبحانه وبعث لعذابهم ملائكة.انتهى. وهذا من دعاء لوط عليه الصلاة والسلام.
40ـ[رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] هذا من دعاء أصحاب الأعراف، قال ابن كثير: قال السدي: إذا مروا بهم يعني بأصحاب الأعراف بزمرة يذهبون بها إلى النار قالوا ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين.
41ـ[رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] قال ابن كثير: قال مجاهد: معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذ ا، وقال قتادة: لا تظهرهم علينا فيفتنونا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه.
42ـ[رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ]
هذا من دعاء سليمان عليه الصلاة والسلام، قال ابن كثير: أي ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها علي من تعليمي منطق الطير والحيوان، وعلى والدي بالإسلام لك والإيمان بك، وأن أعمل صالحا ترضاه أي عملا تحبه وترضاه، وأدخلني برحتمك في عبادك الصالحين أي إذا توفيتني فألحقني بالصالحين من عبادك والرفيق الأعلى من أوليائك.
43ـ[رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ]
هذا من دعاء زكرياء عليه الصلاة والسلام، قال ابن كثير: رب هب لي من لدنك أي من عندك ذرية طيبة أي ولدا صالحا إنك سميع الدعاء.
فهذا تفسير ما رأينا أنه قد يشكل من تفسير هذه الآيات، ومن أراد التوسع والمزيد فليراجع كتب التفسير التي أشرنا إليها وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1425(2/2580)
الإجابة عن استشكال نسبة الطائفتين المقتتلتين إلى الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد في إحدى المناقشات قال قائل قولاً عظيماً لا أستيطيع أن أقوله لأحد من المشايخ مباشرة، ولولا أن الرسالة كأنها من وراء حجاب ما سألته لأحد وقد جاوبت عليه على قدر علمي غير أنه لو كان هناك زيادة ليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وأحب ألا تذكر هذه الرسالة في الفتاوى ولكن أحب أن ترسل لي خاصة على الإيميل
والسؤال: ((قال القائل في الآية وإن طائفتان من المؤمنين ... أن الصحابة الذين نزلت فيهم قد كفروا كفراً لا ينقل عن الملة)) ... نستغفر الله من ذكرالسؤال فأرجو أن لا تجدوا علي في ذكره وآسف لتلويث نظركم ومسمعكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الشيخان في سبب نزول هذه الآية من حديث أنس رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حمارا، فانطلق المسلمون يمشون معه، وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها أنزلت: [وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا] (الحجرات: 9)
والقصة كما يتضح من سياق الحديث نزلت في طائفة من المؤمنين اقتتلت مع طائفة من الكفار. الطائفة الأولى تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأخرى تدافع عن عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وقد استشكل بعض العلماء نسبة الطائفتين للإيمان مع أن القصة أن إحدى الطائفتين كانت كافرة آنذاك، وجاء ذلك صريحا في رواية أسامة حيث قال: فاستب المسلمون والمشركون. وأجيب عن الاستشكال بأن ذلك محمول على التغليب.
ونستنتج من القصة أن الصحابة الذين نزلت فيهم الآية لم يكفروا كفرا مخرجاً عن الملة أو غير مخرج عنها، بل على النقيض من ذلك كانوا مدافعين عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تأخذهم في الله لومة لائم، وعلى كافة المسلمين أن يعتقدوا في الصحابة الخير والصلاح، فهم خيار هذه الأمة بلا منازع، وكيف لا؛ وقد رباهم النبي صلى الله عليه وسلم على أحسن منهج وأجمل سيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1425(2/2581)
لا تعارض بين قوله تعالى (فإذا تطهرن فأتوهن) وقوله (فأتوا حرثكم أنى شئتم)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي الأول: يقول المولى القدير في محكم آياته من سورة البقرة (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) ، والسؤال هنا: أنه في المفهوم اللغوي لما ذكر فإنه قد تم تحديد المكان الذي تؤتى منه المرأة من قبل، فمتى كان ذلك وأين من كلام المولى القدير، يقول المولى عز وجل في نفس السورة: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) ، ما المقصود من ذلك وما هو وجه المقارنة بين هذه الآية الكريمة والتي سبق ذكرها أعلاه (أريد توضيحاً حتى لأنه ربما يتبادر إلى ذهني تناقض في مفهوم الآيتين والحال أن القرآن الكريم لا يشوبه شك ولا اختلاف) ؟ وجزاكم الله خيراً، ووفقكم الله لما فيه خير البلاد والعباد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية الأولى التي سأل عنها السائل الكريم بدايتها قول الله تبارك وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [سورة البقرة:222] ، وبسياق الآية وجوها العام تفهم الجملة المسؤول عنها، ويُعلم أنه لا تعارض بين الآيتين المذكورتين.
ففي الآية الأولى: يخبر الله عز وجل عباده المؤمنين أن المحيض أذى لكلا الطرفين (المرأة والرجل) حساً ومعنى، لأنه مستقذر طبعاً ونجس شرعاً، فيأمر الله عباده المؤمنين باعتزال النساء في المحيض وتجنب إتيانهن في موضع الحيضة، فإذا طهرت بانقطاع دم الحيض وتطهرت بالغسل منه أمر الله تعالى -أمر إباحة- بإتيانهن في المكان الذي أمر أن يعتزل ويجتنب في وقت المحيض وهو القبل، وهو مكان الحرث المشار إليه في الآية الأخرى.
وهذا هو معنى قوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ أي: من حيث أمركم أن تعتزلوهن وهو مكان الحيض.
ولهذا قال المفسرون: أُمِروا أن يأتوهن من حيث أمروا أن يعتزلوهن، ولا يعدوه إلى الدبر المنهي عنه في كل الأوقات. وبهذا تعلم متى كان الأمر ومكانه من كلام الله تعالى.
وأما قوله تعالى: نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ... [سورة البقرة: 223] .
فهو نص في إباحة الهيئة والكيفية والحالة التي يجوز عليها الوطء إذا كان ذلك في موضع الحرث (القبل) فلا مانع من إتيانها من الخلف أو الأمام أو الجانب ...
قال القرطبي في تفسيره: ويباح الإتيان على كل حالة إذا كان الوطء في موضع الحرث: أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ...
وأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحاً ولا يباح، وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم ... وأنه مزدرع الذرية، فلفظ (الحرث) يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة؛ إذ هو المزدرع فهو كالأرض، والنطفة كالبذرة، والولد كالنبات، فالحرث بمعنى المحترث ...
وبهذا يتضح لنا معنى الآيتين الكريمتين وأنه لا تعارض بينهما ولا تناقض، وأن الآية الثانية وضحت الأولى كما وضحتهما السنة النبوية المطهرة، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 2902، 3533.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1425(2/2582)
معنى (..لولا أن رأى برهان ربه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم: (لولا أن رءا برهان ربه) صدق الله العظيم، ما هو البرهان الذي رءاه سيدنا يوسف عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البرهان الذي رءاه يوسف عليه السلام وجاء ذكره في قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] .
اختلف فيه العلماء فلم يذكر في آية من كتاب الله تعالى ... قال بعض المفسرين: نودي بالنهي عن الوقوع في الخطيئة.
وقال بعضهم رأى صورة أبيه يعقوب على الجدران عاضا على أصبعه يتوعده.... وقال بعضهم: قامت المرأة إلى صنم لها في البيت فسترته حياء منه واحتراماً له فقال يوسف: أنا أولى أن أستحيي من الله تعالى.
وقال بعضهم رأى في سقف البيت مكتوباً " وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً " وقيل رأى مكتوبا " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ "، " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " ذكر هذه الأقوال وغيرها الطبري والقرطبي وغيرهما ...
وعقب عليها القرطبي بقوله: وبالجملة فذلك البرهان آية من آيات الله تعالى رءاها يوسف عليه السلام حتى قوي إيمانه وامتنع عن المعصية. كما قال الله تعالى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ.
فالصواب أن يقف المسلم في هذه الأمور عند قول الله تعالى، أو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أنه لم يرد في كتاب الله ولا في الثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي تحديد لهذا البرهان فالوقوف متعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1425(2/2583)
الحكمة من التعبير عن الزنا بالبغاء في سورة النور
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النور الآية 33: (ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) .
السؤال: ماذا تعني كلمة البغاء في هذه الآية الكريمة؟ هل تعني الزنا؟ وإذا كانت تعني الزنا فلماذا لم يقل الله تبارك وتعالى الزنا بدل البغاء لأن الله تعالى أشار إلى الزنا بكل وضوح في الآية الثانية من نفس السورة في قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذكم بهما رأفة في دين الله) هل أن الرجل عندما يكره بنته أو بناته على أن يصبحن راقصات أو عارضات أزياء أو يعلمهن السباحة بالملابس العارية مع الرجال أو يعلمهن الغناء بأن يصبحن مغنيات في الفرق الغنائية يعتبر هذا العمل هو الإكراه على البغاء أي يختلف عن الزنا لأن الزنا يعني الجماع أو الوطء في القبل أو في فرج المرأة ولكن الرقص بصورة عارية أمام أنظار الرجال أو الغناء بصورة شبه عارية من الملابس أو السباحة هذه الأعمال هل تعتبر إكراهاً على البغاء؟ أي البغاء الذي جاء ذكره في الآية الثالثة والثلاثين من سورة النور في القرآن الكريم.
يرجى الإجابة على السؤال وتبيان الفرق بين الزنا والبغاء لأن كل واحدة منهما جاءت في آية مختلفة
من سورة النور.
وجزاكم الله تعالى خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلمة البغاء في اللغة وفي الشرع تعني الفجور، وبغت المرأة تبغي بغاء إذا فجرت أي ارتكبت فاحشة الزنا.
وكلمة البغاء في الآية المذكورة تعني الزنا، ولكن السياق الذي جاء فيه يختلف عن السياق الذي جاء فيه ذكر الزنا باللفظ.
ومن بلاغة القرآن الكريم وإعجازه أن يأتي بالألفاظ المناسبة لكل سياق، فإذا عرفنا سبب نزول الآية الكريمة: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء ... والسياق الذي ورد فيه هذا اللفظ علمنا أن التعبير بهذا اللفظ في غاية البلاغة ذلك أن المقام مقام تربية وتوجيه وإبطال لما كان عليه أهل الجاهلية.
ومعرفة سبب نزول الآية والجو العام لها والسياق الذي وردت فيه معينة على فهمها، ولهذا اهتم أهل العلم بمعرفة أسباب النزول وعقدوا له الأبواب وأفرده بعضهم بكتب مستقلة.
وسبب نزول هذه الآية كما ذكر غير واحد والجو العام الذي جاءت فيه أن أهل الجاهلية كانوا يرسلون إماءهم للتكسب بكل وسيلة ومنها الزنا ... وكان لعبد الله بن أبي - رأس النفاق - إمَاءً يكرههن على البغاء كسباً للمادة ورغبة في أولادهن فشكين ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {سورة النور: 33} .
وأما قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ... {سورة النور: 2} . فإنها جاءت في مقام التشريع وبيان حد الزنا الحقيقي، ولهذا جاء التعبير عنه بهذا اللفظ.
وأما من يكره بنته أو بناته على الأعمال المذكورة، فإن عمله أقبح من عمل أهل الجاهلية لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالإماء التي جلبوها من سوق النخاسة.. وأما بناتهم والحرائر بصفة عامة فكانوا في غاية الصيانة.
والذي يعمل الأعمال التي أشار إليها السائل الكريم يعتبر ديوثاً فاقداً للغيرة والكرامة والمروءة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يدخلون الجنة ... وذكر منهم الديوث الذي يقر في أهله الخبث. رواه أحمد.
وبدلاً من رعاية الأمانة التي جعل الله تعالى تحت يديه وحفظها وتوجيهها ووقايتها من النار كما أمر الله تعالى بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ... {سورة التحريم: 6} . يدفع بها إلى الخنا والحرام لاشك أن هذا خيانة للأمانة وتضييع للدين.
نسأل الله تعالى أن يهدي الجميع ويرشدهم إلى طريق الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1425(2/2584)
تفسير (الجبت والطاغوت)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الجبت والطاغوت مع الدليل.
وجزاكم الله عنا خير الجزاء
... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف في الجبت والطاغوت. روى البخاري تعليقا: قال جابر: كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحدة، وفي أسلم واحد. وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان. وقال عمر: الجبت السحر والطاغوت الشيطان. وقال عكرمة: الجبت بلسان الحبشة شيطان والطاغوت الكاهن. وفي فتح الباري تفسيرات أخرى كثيرة للجبت والطاغوت منها: الجبت الشيطان، والطاغوت الكاهن، وقيل: الجبت الأصنام، والطواغيت الذين كانوا يعبرون عن الأصنام بالكذب، وقيل الجبت الكاهن والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف، وقيل: الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف ...
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1425(2/2585)
معنى (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله تعالى في سورة تبارك
\" ما يمسكهن إلا الرحمن\"
في الآية رقم19]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجملة المذكورة جزء من الآية الكريمة: [أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ] (الملك: 19) . وجاءت في سياق الخطاب للكافرين الجاحدين المكذبين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى: [وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ. ..] (الملك: 18-19) .
وهذا مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى يلفت انتباههم إليه بأسلوب الاستفهام الإنكاري.
والمعنى: أولم ينظروا نظر اعتبار إلى الطير فوقهم باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها وتحليقها.
"ويقبضن" ويضمن أجنحتهن إذا ضربن جنوبهن وقتا بعد وقت. "ما يمسكهن إلا الرحمن" ما يمسكهن في الجو عن السقوط في حال البسط والقبض إلا الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته الأكوان. "إنه بكل شيء بصير" يعلم كيف يخلق وكيف يبدع العجائب بمقتضى علمه وحكمته.. فالحق سبحانه وتعالى الذي ذلل الأرض للناس ليمشوا في مناكبها ويأكلوا من خيراتها ذلل الهواء للطيور تحلق في أرجائه كيف شاءت، فهو سبحانه وتعالى الذي يمسك الجميع بنواميس متناسقة ذلك التناسق العجيب الملحوظ في كل صغيرة وكبيرة.
يقول صاحب الظلال: وإمساك الطير في الجو كإمساك الدواب على الأرض الطائرة في الفضاء بما عليها.. كإمساك سائر الأجرام التي لا يمسكها في مكانها إلا الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1425(2/2586)
الحكمة من تقديم كلمة (رغدا) في البقرة وتأخيرها في موضع آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة في تقديم قوله (وكلا منها رغدا حيث شئتما) وتأخيرها في آية أخرى الموضع الأول سورة البقرة58 وفي موضع آخر.. (كلوا حيث شئتم رغدا) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الألوسي رحمه الله في تفسيره: أن تأخير رغدا في قصة بني إسرائيل لمناسبة الفاصلة في قوله تعالى بعد ذلك: وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً
هذا؛ وليعلم أن النكت التي يذكرها أهل العلم في القرآن إنما هي أمور محتملة، وقد مثلها بعض أهل العلم بمهندس معماري دخل دارا قد انتهى بناؤها، فقال: هذه الأسطوانة وضعت هنا لمناسبة كذا، وهذا الباب وضع هنا لمناسبة كذا، فإن وافق ما أراد الباني فقد أصاب؛ وإلا فقد أبدى ما ناسب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(2/2587)
تفسير قوله تعالى \"فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني\"
[السُّؤَالُ]
ـ[فى سورة البقرة249لمادا قال..فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه. فإنه..لماذاقال لم يطعمه ولم يقل ومن لم يشربه؟ ما الفرق فى هده الحالة بين الشرب والطعم؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا المقطع [فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي] جاء في قصة طالوت في السورة والآية اللتين أشارإليهما السائل الكريم.
والفرق بين الشرب والطعم في الآية الكريمة أن الذي يريد أن يشرب يتناول الكثير من المشروب حتى يروي عطشه ويقضي نهمه.
وأما الطعم فإنه يصدق على أقل متناول من المشروب، وإن كان مجرد الذوق، وهذا كان لاختبار قوة إرادتهم والتحكم في شهواتهم ومدى طاعتهم لقيادتهم، وهذا ما يبدو واضحا من سياق الآية الكريمة فإن بدايتها قول الله تبارك وتعالى: [فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ] البقرة: 249.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفوائد عن هذه الآية الكريمة وعن قصة طالوت عموما في الفتوى التالية: 19489.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1425(2/2588)
معنى (وزداه بسطة في العلم والجسم)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير ... وزداه بسطة في العلم والجسم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البسطة الزيادة والفضيلة والسعة، فقد زاده الله علما، فكان أعلم بني إسرائيل بالشرع وبفنون الحرب، وزاده سعة في الجسم فكان عظيما جسيما كما روي عن ابن عباس، وقد ذكر القرطبي وابن كثير أن أهلية القيادة تحصل بهذين الأمرين، فيجب أن يكون القائد من أفضل قومه في العلم وأقواهم.
وراجع الفتوى رقم: 19489.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(2/2589)
معنى أن (عيسى) هو كلمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى عيسى كلمة الله وروح الله يدعي المسيحوين أنها توافق عقيدتهم ما ردكم على هذه الشبهة ويا ليت تكون الإجابة كثيرة وليست منتقاة من أسئلة سابقة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى أن عيسى هو كلمة الله أنه كان بكلمة الله "كن" كما قال السلف من المفسرين. قال الإمام أحمد بالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: (كن) فكان عيسى بكن، قال تعالى: [إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] آل عمران: 59. وقال أبي ابن كعب معنى قوله تعالى: [فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا] [التحريم: 12] عيسى روح من الأرواح التي خلقها الله تعالى واستنطقها بقوله: [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى] [الأعراف: 172] . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ووصفه بأنه منه، فالمعنى أنه كائن منه، كما في قوله تعالى: [وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ] الجاثية: 13. أي سخر هذه الأشياء كائنة من الله تعالى، فهو مكون ذلك وموجده بقدرته وحكمته. اهـ.
وإضافة الأعيان إلى الله تعالى على وجهين:
الأول: أن تضاف إليه لكونه خلقها وأبدعها، فهذا شامل لجميع المخلوقات، كما تقول: أرض الله وسماء الله.
الثاني: أن تضاف إليه لما خصها به من معنى يحبه ويأمر به ويرضاه، كما خص البيت العتيق بعبادة لا تكون في غيره، فتقول: بيت الله. وكذلك القول في كلمة الله.
فتبين أن عبارة عيسى كلمة الله وروح منه لا توافق عقيدة النصارى القائلين كما أخبر الله عنهم [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ] [المائدة:17]
وقال تعالى: [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ] [المائدة:73] وقال تعالى: [وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ] التوبة:30]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(2/2590)
تفسير قوله تعالى \"أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود\"
[السُّؤَالُ]
ـ[فى سورة البقرة 125 لماذا لم يقل الراكعين والسجدين.. وقال الركع السجد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي هذه الآية الكريمة من سورة البقرة يأمر الله تعالى نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام أن يطهرا بيته الحرام ويصوناه من الأرجاس والأنجاس والأوثان ليكون مأوى ومثابة لعباد الله الصالحين الموحدين الطائفين حوله والمعتكفين فيه الملازمين له والمصلين فيه، فالآية جمعت أصناف العابدين في البيت الحرام فكان الجمع للصنفين الأولين جمع سلامة (للطائفين والعاكفين) واللصنف الأخير وهم المصلون بصفتين بارزتين من صفات الصلاة هما الركوع والسجود، وجمعا جمع تكسير لدلالة ذلك على الحال والتلبس بالعبادة والوصف القائم وذلك لمنزلة الصلاة وشرفها والتنبيه على أنها أم الدعائم ثم عماد الدين، أو للتنويع في اللفظ وتغيير الأسلوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1425(2/2591)
الحكمة في الأمر بالمحافظة على الصلوات وسط الحديث عن الأسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة في الأمر بالمحافظة على الصلوات وسط حديث عن الطلاق والزواج في سورة البقرة238]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على شيء يبين الحكمة من ورود الأمر بالصلاة في المحل المذكور غير آكدية الصلاة، وأنها يجب أن تؤدى على كل حال، فلا تسقط بمواجهة العدو وقت الطعان بالسيوف والرماح، ولا تسقط عن المتزوج أول دخوله بعرسه، ولا بشيء آخر.
وننبه السائل هنا إلى أن الأمر بالصلاة في الآية المذكورة لم يكن وسط حديث عن الطلاق والزواج. بل الحديث عن الزواج والطلاق قبل الآية المذكورة، والذي ذكر بعدها إنما هي عدة المتوفى عنها والمتعة للمطلقة، فأما الأولى فكانت سنة في الجاهلية وفي صدر الإسلام. قال الله تعالى: [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ] (البقرة: 240) ثم نسخت بعد بقول الله تعالى: [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً] (البقرة: 234)
وأما الثانية فذكرت قبل في قول الله تعالى: [وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ] (البقرة: 236)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(2/2592)
تفسير (والذاريات ذروا ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قوله عز وجل؟ (والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا) من سورة الذاريات]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن "الذاريات" هي الرياح تذرو التراب، "ذروا" أي تثيرها.
وأما "الحاملات وقرا" فهي السحب التي تحمل الماء، والوقر ما يوقر أي يحمل، والمراد به هنا الماء.
وأما "الجاريات" فهي السفن الجارية في البحر تجري جريا ذا يسر أي سهل، واليسر السهل في كل شيء.
وأما "المقسمات أمرا" فهي الملائكة تقسم الأمور.
وقد روي تفسيرها بما ذكرنا عن عمر وعلي وابن عباس ومجاهد والحسن، ذكر ذلك القرطبي في التفسير والسيوطي في الدر المنثور وابن كثير في تفسيره. وقال ابن كثير في التفسير إن ذلك ثبت عن علي من غير وجه، وذكر أن الطبري وابن أبي حاتم لم يذكرا غير هذا التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(2/2593)
تفسير (وآخرون مرجون لأمر الله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية الكريمة: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ، من المقصود بهؤلاء، أفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية الكريمة هي الآية السادسة بعد المائة من سورة التوبة، وهي تتحدث عن قسم من أقسام المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهم المرجون أو المرجئون (بالهمز) المؤخرون في تلك الحال لا يقطع لهم بالتوبة ولا بعدمها، بل هم على ما يتبين من أمر الله سبحانه وتعالى في شأنهم، إما يعذبهم إن بقوا على ما هم عليه ولم يتوبوا، وإما يتوب عليهم إن تابوا توبة نصوحاً وأخلصوا إخلاصا تاما.... "والله عليم" بأحوالهم "حكيم" فيما يفعله بهم من خير أو شر.
ومرجون: من الإرجاء وهو التأخير، ولهذا قرئ بالهمز وبغيره كما في قوله تعالى: قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ [الأعراف:111] ، وهؤلاء المرجون هم الثلاثة الذين تأتي قصتهم في هذه السورة في سياق قوله تعالى: لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:117-118] .
والثلاثة هم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار، والأخيران شهدا بدراً، والأول شهد بيعة العقبة.... وكانوا تخلفوا عن غزوة تبوك في بضع وثمانين رجلا جُلُّهم من المنافقين، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة صدقه الثلاثة حديثهم فأخبروه بحقيقة أمرهم، واعترفوا بذنبهم وكذب غيرهم، فحلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حبسهم إلا العذر فقبل منهم علانيتهم وبايعهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، ونهى عن كلام الثلاثة وقال لهم حين حدثوه حديثهم واعترفوا بذنبهم: قد صدقتم فقوموا حتى يقضي الله فيكم، فلما أنزل الله تعالى القرآن تاب على الثلاثة المرجئين الذين أخر النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم والحكم في شأنهم حتى يحكم الله فيهم، وقال للآخرين: سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [التوبة:95] إلى قوله تعالى: يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:96] ، وقد نزلت توبة الثلاثة بعد خمسين ليلة وكانوا على الحال التي وصف الله عز وجل: وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:118] ، هذا باختصار خلاصة ما ذكره المفسرون في هذه الآية الكريمة، وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من قصة الثلاثة المذكورين بأسلوب شيق رائع وتفصيل ممتع بليغ صاغه الصحابي الجليل والشاعر الأديب كعب بن مالك رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة والتفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(2/2594)
تفسير قوله تعالى \" لتفسدن في الأرض مرتين \"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: لعلون في الأرض مرتين، المرة الأولى نعرفها عندما أتاهم بختنصر، أما المرة الثانية فهل هي الآن أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره الأخ السائل ليست هي كلمات الآية، فقد قال الله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا* فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً* ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا* إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا* عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا [الإسراء] .
وقد اختلف المفسرون في العباد الذين أخبر الله تعالى أنه سيبعثهم لقتال بني إسرائيل في المرة الثانية، فقال بعضهم أفسدوا في المرة الأولى فأرسل الله عليهم جالوت، وأفسدوا في المرة الثانية فأرسل الله عليهم بختنصر، ثم قال تعالى: وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا أي إن عدتم إلى الإفساد عدنا إلى تسليط من يذلكم فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين، قال قتادة: فعادوا فبعث الله عليهم محمداً صلى الله عليه وسلم.
ولمعرفة أقوال المفسرين في ذلك يمكن للسائل الرجوع إلى كتب التفسير، وإننا لنبشر الأخ الكريم والمسلمين جميعاً بأن النصر على اليهود قادم لا شك فيه وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود. وللمزيد من الفائدة نحيل السائل إلى الفتوى رقم: 28825 والفتاوى المرتبطة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1425(2/2595)
أضواء على قوله تعالى (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الكريم أريد أن تعينني على فهم الآية 128 من سورة النساء والتي تدعو المرأة أن تتنازل على بعض حقوقها من أجل حماية بيتها وأولادها، فما هي حدود التنازل للمرأة عن حقوقها هل تتنازل عن جميع حقوقها المادية وإن كانت عاملة (موظفة) ، تتنازل عن جميع راتبها وكذلك هل لها أن تتحمل جميع أذى زوجها من سوء المعاملة وعدم حفظ الجميل لها، وما هي حدود الشح في هذا، وهل يقصد شح المرأة خاصة في هذه الآية، أفيدوني أفاكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المسؤول عنها هي قول الحق سبحانه وتعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحّ َ [النساء:128] .
ومجمل المعنى كما يقول المفسرون أن المرأة تكون عند الرجل فتخاف منه النشوز والإعراض عنها بألا يكلمها ولا يأنس بها، وذلك لما كره من أمرها إما لكبرها أو لدمامتها أو لسوء خلقها أو شبه ذلك، فيرغب زوجها في طلاقها ليتزوج غيرها وهي كارهة لفراقه، فتصالحه على البقاء معه زوجة، إما بإعطائه شيئاً من المال أو بالتخلي عن حقوق المعاشرة بأن تصرف ذلك لضرتها كما هو الحال في سبب نزول هذه الآية فيما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي منك لعائشة، ففعل فنزلت: فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.
قال القرطبي: قال علماؤنا: ومن هذا أن أنواع الصلح كلها مباحة، بأن يعطي الزوج على أن تصبر هي، أو تعطي هي على أن يؤثر الزوج، أو على أن يؤثر ويتمسك بالعصمة، أو يقع الصلح على الصلح على الصبر والأثرة من غير عطاء فهذا كله مباح. انتهى.
ومن هنا تعلم أن التنازل قد يقع من الرجل كما يقع من المرأة، وأن البذل في ذلك حسب ما يتفقان عليه وهذا غاية الإنصاف للمرأة حيث تكون مختارة وراضية في كلا الحالتين، وليس في هذا انتقاص لشأن المرأة كما يظن البعض لأن من حق الرجل تركها أو التزوج عليها إذا قبلت التنازل، ولا يعارض هذا إلا من استحكم الجهل فيهم وعميت أبصارهم عن شرع الله عز وجل.
قال القرطبي: وفي هذه الآية من الفقه الرد على الرعن الجهال الذين يرون أن الرجل إذا أخذ شباب المرأة وأسنت لا ينبغي أن يتبدل بها.
ثم أخبر سبحانه بأن الشح مستحكم في بني آدم بحكم خلتهم وجبلتهم وهو هنا: شح المرأة بالنفقة من زوجها وبقسمه لها أيامها، قال هذا ابن جبير، وقال ابن زيد: الشح هنا منه -أي من الرجل، ومنها -أي المرأة- قال: ابن عطية: وهذا حسن، فإن الغالب على المرأة الشح بنصيبها من زوجها، والغالب على الزوج بنصيبه من الشابة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1425(2/2596)
تفسير (ولا يؤوده حفظهما)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا) البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام ابن كثير في تفسير الآية: وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا: أي لا يثقله ولا يكرثه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما؛ بل ذلك سهل عليه يسير، لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء، والأشياء كلها حقيرة بين يديه. انتهى.
فإن الله تعالى لا يشق عليه حفظ السماوات والأرضين وما فيها من الكائنات؛ بل ذلك يسير عليه جل وعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1425(2/2597)
تفسير قوله تعالى \" وصدف عنها \"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الآية (وصدف عنها) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت هذه الجملة في سياق قول الله تبارك وتعالى من سورة الأنعام،: [فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ] (الأنعام: 157)
ومعنى صدف عن الشيء: أعرض عنه وانصرف أو صرف غيره عنه وبهذا يتضح لك معنى الجملة المذكورة، فمن صدف عن آيات الله لم ينتفع بها ولم يترك غيره ينتفع بها فجمع بين الضلال والإضلال فحمل أوزاره وأوزار من تبعه ومعنى المقطع بإجمال:أنه لا أحد أظلم لنفسه ولخلق لله تعالى من أحد كذب بآيات الله وأعرض عنها وانصرف وعمل كل مافي وسعه لصرف الناس وصدهم عن هذه الآيات التي بسبب اتباعها يسعدون في الدنيا والآخرة وينالون رضى الله الأكبر.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(2/2598)
تفسير (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله عز وجل\"يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله\"
ماالمقصود جزاكم الله بالإيمان في الأخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في المقصود بالإيمان في الآية الكريمة المذكورة، ففي تفسير القرطبي رحمه الله تعالى قال: والمعنى: يا أيها الذين صدقوا أقيموا على تصديقكم واثبتوا عليه ... وقيل: نزلت فيمن آمن بمن تقدم محمدا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء عليهم السلام، وقيل إنه خطاب للمنافقين، والمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله، وقيل المراد المشركين، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى والطاغوت آمنوا أي صدقوا بالله وبكتبه، وكل ذلك محتمل؛ ولكن المعنى الأول أولى، إذ لا يسوغ صرف اللفظ عن ظاهر مدلوله إلا بدليل آخر ولا دليل هنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1425(2/2599)
تفسير قوله تعالى \" أن بورك من في النار ومن حولها \"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير بورك من فى النار ومن حولها آية 8 سورة النمل والله الموفق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى بورك ذكر المفسرون فيه قولين:
1- ... تقدس وهو مروي عن ابن عباس والحسن، وعليه يكون الله تعالى عنى نفسه، فالمعنى كما قال ابن الجوزي والبغوي قدس من سمع نداؤه من جهة النار، وليس المراد أن الله يحل في الأشياء كما قال بعض المنحرفين من أهل الضلال، وقيل إنه عنى الشجرة، ويدل لذلك قوله في الآية الأخرى: [فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى] (طه: 12) .
2- ... ... إن المراد بالتبريك الدعاء بالبركة لمن في النار، وهو موسى على هذا القول، وهذا تحية من الله لموسى كما حيى إبراهيم عليه السلام على ألسنة الملائكة فقال: [رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ] (هود: 73) . وقيل عنى الملائكة أو هما معا، كذا قال البغوي وابن الجوزي في تفسيريهما.
وأما النار فالمراد بها نور الله الذي رآه موسى فحسبه نارا، وإطلاق النار على النور سائغ في اللغة، وقد روي تفسيرها به عن ابن عباس والحسن وقتادة، ويدل لذلك ما في الحديث: إ ن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره، ثم قرأ أبو عبيدة: [نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] (النمل: 8) . رواه أحمد وابن ماجه وصححه الأرناؤوط والألباني، والمراد بالنار هنا النور كما تفيده رواية مسلم للفظين في رواية حجابه النور، وفي رواية حجابه النار.
وأما المراد بمن حولها فقيل المراد الملائكة، وهو مروي عن ابن عباس والحسن وقتادة وعكرمة، وقيل المراد الملائكة وموسى، وهو مروي عن محمد بن كعب، كذا قال ابن الجوزي والطبري في تفسيريهما، وراجع الفتوى رقم: 1557.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1425(2/2600)
تفسير قوله تعالى \"ويحذركم الله نفسه\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير هذه الآية في سورة آل عمران 30 ويحذركم الله نفسه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قول الله عز وجل: " ويحذركم الله نفسه " أي يحذركم ويخوفكم من نفسه إذا ارتكبتم معاصيه، فإنه سينزل بكم عقابه. قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: يعني تعالى ذكره بذلك ويخوفكم الله من نفسه أن تركبوا معاصيه أو توالوا أعداءه. وقال البغوي: أي يخوفكم الله عقوبته على موالاة الكفار وارتكاب المنهي ومخالفة المأمور، وهكذا فسرها عامة المفسرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1425(2/2601)
الحكمة من إدخال آية الحكمة وسط آيات الإنفاق في سورة البقرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما سر ذكر آية الحكمة فى وسط آيات تتحدث عن الإنفاق من سورة البقرة269؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أشار الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير إلى الحكمة من ذكر الله عز وجل لآية الحكمة وهي قوله تعالى: يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [البقرة:269] ، وسط آيات الانفاق، فقال: هذه الجملة اعتراض وتذييل لما تضمنته آيات الأنفاق من المواعظ والآداب، وتلقين الأخلاق الكريمة مما يكسب العاملين به رجاحة العقل واستقامة العمل فالمقصود التنبيه إلى نفاسة ما وعظهم الله به وتنبيههم إلى أنهم قد أصبحوا به حكماء بعد أن كانوا في جاهلية جهلاء، فالمعنى: هذا من الحكمة التي آتاكم الله فهو يؤتي الحكمة من يشاء وهذا كقوله: ْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231] .
قال الفخر نبه على أن الأمر الذي لأجله وجب ترجيح وعد الرحمن على وعد الشيطان هو أن وعد الرحمن ترجحه الحكمة والعقل ووعد الشيطان ترجحه الشهوة والحس.... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1425(2/2602)
معنى (الفلق) و (غاسق إذا وقب)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (الفلق) وما معنى (غاسق إذا وقب) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفلق فسر بالصبح وفسر بكل ما انفلق عن شيء من مخلوقات الله تعالى، ويدل لذلك قول الله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى] (الأنعام: 95) [فَالِقُ الْإِصْبَاحِ] (الأنعام: 96) .
وأما الغاسق إذا وقب فقيل هو الليل إذا أظلم، وهذا مذهب الجمهور، وفسره بعضهم بالقمر إذا طلع.
وقد روى الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدها فأشار بها إلى القمر فقال: استعيذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب. صححه الترمذي والحاكم، ووافقهما الذهبي والألباني.
وراجع للمزيد في الموضوع تفسير القرطبي وابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(2/2603)
تفسير (ومن يعش عن ذكر الرحمن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذه الآية / ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين/ سوره الزخرف الآيه36
وجزاكم الله خيرا لأن لي زوجة تصلي وتصوم وجعلتني إنسانا أصلي وأحافظ على الصلاة في المسجد لكن بها وسواس سب الإله وكيف خلق الله الكون وكيف ولد المسيح والجنة ووو الخ
وتجلس تبكي خوفا أن يدخلها الله النار بسبب هذه الوسوسة وتجلس تقول أريد أن أموت أو أنتحر ولا تظل الأفكار في رأسي مع العلم بأنه تجلس في جميع الأوقات أمام القرآن والاستماع للقرآن والشيوخ وحياتنا جحيم بسب الوسواس وتظل تبكي على طول الوقت أريد حلا جزاكم الله خيرا وجعله الله في ميزان حسنتاكم وقد ترددت في إرسال السؤال لكني وجدت السؤال في مركز الفتوى وأردت أن أعرف معنى الآية الله يخليكم ما أعمل أنا تعبان ما أعمل لها أراها تنهار أمامي وأخاف عليها حالتها إلى الأسوإ يوما بعد يوم حتى صارت تغضب بسرعة وتسب لي ولكن الله يشفيها لأنه طيبة القلب لكن ليس بيده شي وأخاف من الذهاب إلى الدكتور النفسي لكي لا أدمرها بيدي وأنا أحبها وهي تحبني وتعود للاعتذار مني على السب والغضب لكني صرت أفكر بها حتى عملي لا أقوم به مثل أول أنا تعبان تعبان أكثر منها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الآية الكريمة أن من يعرض عن ذكر الله تعالى يجعل الله له شيطانا يلازمه، قال الإمام القرطبي في تفسيره: وهذه الآية تتصل بقوله أول السورة: [أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً] (الزخرف: 5) . أي نواصل لكم الذكر، فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم نقيض له شيطانا، أي نسبب له شيطانا جزاءً له على كفره، فهو له قرين: قيل في الدنيا، يمنعه من الحلال ويبعثه على الحرام، وينهاه عن الطاعة ويأمره بالمعصية، وهو معنى قول ابن عباس، وقيل في الآخرة إذا قام من قبره، وفي الخبر أن الكافر إذا خرج من قبره يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخلا النار، وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه، ذكره المهدوي، وقال القشيري: والصحيح فهو له قرين في الدنيا والآخرة.
- ... وأما الذي أصاب زوجتك فهو الوسواس القهري، ويعالج بالذكر والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، فالذكر يسكن القلب ويطمئنه.
قال تعالى: [أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ] (الرعد: 28) . وراجع الفتوى رقم: 3086، والفتوى رقم: 19691.
ولا مانع من أن تعرضها على الطبيب النفسي، لأن سبب المرض قد يكون عضويا أو نفسيا.
والله أعلم. ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1425(2/2604)
تفسير قوله تعالى \" واتقوا الله ويعلمكم الله \"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير هذه الآية: (واتقوا الله ويعلمكم الله) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قول الله تعالى: وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282] ، واضح وهو أن تحقيق التقوى سبب للحصول على العلم النافع، قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه أي يجعل في قلبه نوراً يفهم به ما يلقى إليه وقد يجعل في قلبه ابتداء فرقاناً أي فيصلاً يفصل به بين الحق والباطل ومنه قوله تعالى: يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:29] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1425(2/2605)
تفسير (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قوله..وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون سورة يوسف 106]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: [وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ] (يوسف:106) . قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: قال ابن عباس: من إيمانهم أنهم كانوا إذا قيل لهم من خلق السماوات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله. وهم مشركون به.
وفي الصحيحين: أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك؛ إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وفي صحيح مسلم: أنهم كانوا إذا قالوا لبيك لا شريك لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قد أي حسب حسب، لا تزيدوا على هذا. وقال الله تعالى: [إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] (لقمان: 13) . وهذا هو الشرك الأعظم يعبد مع الله غيره، كما في الصحيحين عن ابن مسعود: قلت يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. وقال الحسن البصري في قوله: [وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ] (يوسف:106) . قال: ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس وهو مشرك بعمله ذلك، يعني قوله تعالى: [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ..] إلى قوله: [يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً] (النساء:142) . وثم شرك آخر خفي لا يشعر به غالبا فاعله، كما روى حماد بن أبي سلمة أن حذيفة دخل على مريض فرأى في عضده سيرا فقطعه أو انتزعه ثم قال: [وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ] وفي الحديث: من حلف بغير الله فقد أشرك. رواه الترمذي وحسنه من رواية ابن عمر.
وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرقى والتمائم والتولة شرك. وفي لفظ لهما: الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل. وروى الإمام أحمد عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: رأى عبد الله بن مسعود في عنقي خيطا فقال: ما هذا الخيط؟ قالت قلت: خيط رقي لي فيه، فأخذه فقطعه ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك، إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما. وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد قيل لعبد الله بن حكيم وهو مريض لو تعلقت شيئا، فقال: أتعلق شيئا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعلق شيئا وكل إليه. رواه النسائي عن أبي هريرة. وفي مسند أحمد من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من علق تميمة فقد أشرك. وفي رواية: من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم. وروى أحمد عن محمود بن السيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء. الحديث.
وروى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: يا رسول الله: ما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك. وروى أحمد عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل، ثم قال: ألا أدلكم على ما يذهب عنك صغير ذلك وكبيره؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك مما لا أعلم.
انتهى من تفسير ابن كثير باختصار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1425(2/2606)
تفسير (إن الله لا يهدي القوم الفاسقين)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في كتابه إنه لا يهدي الفاسقين ولا الكافرين.
فكيف اهتدى كثير من الناس بعد أن كانوا فساقا وكفارا؟؟؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه لا يمكن لأي أمر أن يكون إلا بإرادة الله ومشيئته، قال تعالى: فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ. [الأنعام:149] ، وقال: ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد [البقرة:253] وقال: وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً. وقوله تعالى: إن الله لا يهدي القوم الفاسقين. وما في معناها من الآيات، فالمقصود منه أن الله تعالى لا يهدي من سبق في علمه وإرادته أنه يموت فاسقاً أو كافراً، وأما من أراد الله لهم الهداية قبل أن يموتوا فإنه يهديهم، ولا خلاف في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1425(2/2607)
السر في تقديم كلمة (يزكيهم) في البقرة وتأخيرها في الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السر في تقديم قوله تعالى في سورة البقرة129 لقوله..يزكيهم ... وبين تأخير هده الكلمة في سورة الجمعة2]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية الأولى من سورة البقرة برقم: 129، وهي قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: [رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] (البقرة:129) .
قال ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" معلقا على هذه الآية: وقد جاء ترتيب هذه الجمل في الذكر على حسب ترتيب وجودها، لأن أول تبليغ الرسالة تلاوة القرآن، ثم يكون تعليم معانيه، قال تعالى: [فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ] (القيامة: 18-19) .
ثم العلم تحصل به التزكية وهي في العمل بإرشاد القرآن. انتهى.
والآية الثانية من سورة الجمعة وهي قوله تعالى: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ] (الجمعة:2) .
وقد علق عليها ابن عاشور أيضا قائلا: وابتُدئ بالتلاوة لأن أول تبليغ الدعوة بإبلاغ الوحي، وثنى بالتزكية لأن ابتداء الدعوة بالتطهير من الرجس المعنوي وهو الشرك وما يعلق به من مساوي الأعمال والطباع، وعقب بذكر تعليمهم الكتاب، لأن الكتاب بعد إبلاغه إليهم تبين لهم مقاصده ومعانيه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1425(2/2608)
الحكمة من إفراد النور وجمع الظلمات في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الأنعام آية (1) (الظلمات والنور ... ) لماذا جمع الظلمات وأفرد النور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجاب الشيخ الطاهر بن عاشور على هذا السؤال في التحرير والتنوير قائلاً: وإنما جمع الظلمات وأفرد النور اتباعا للاستعمال، لأن لفظ الظلمات بالجمع أخف، ولفظ النور بالإفراد أخف ولذلك لم يرد لفظ الظلمات في القرآن إلا جمعاً ولم يرد لفظ النور إلا مفرداً، وهما دالان على الجنس، والتعريف الجنسي يستوي فيه المفرد والجمع. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1425(2/2609)
تفسير (ووضع الكتاب فترى المجرمين..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإني أريد أن أستفسركم عن تفسير هذه الآية:
\" ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتب لا يغادر صغيره ولا كبيره إلا أحصها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا\"الكهف
فما هو هذا الكتاب ومدى صحة ما يقال لكل عبد \" كتاب سجلت فيه أفعاله من كل شيء من قبل أن يخلقنا الله في الأرض؟
هل صحيح أن الجنين يكتب على جبينه مسيرة حياته من عمل وزواج وتاريخ الوفاة؟
في ماذا يخير الإنسان وفي ماذا يسير؟
أرجو منكم إجابتي بكل وضوح وجازاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالكتاب في قوله تعالى: [وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ] (الكهف: 49) . أي الكتاب الذي دونت فيه أعمال العبد، وقد فصل هذا المعنى ابن جرير الطبري رحمه الله فقال: القول في تأويل قوله تعالى: [وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً] (الكهف: 49) . يقول عز ذكره: ووضع الله يومئذ كتاب أعمال عباده في أيديهم فأخذ واحد بيمينه وأخذ واحد بشماله [فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ] يقول عز ذكره: فترى المجرمين المشركين بالله مشفقين: يقول: خائفين وجلين مما فيه مكتوب من أعمالهم السيئة التي عملوها في الدنيا أن يؤاخذوا بها، ويقولون يا ويلتنا ما ل هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة لا أحصاها، يعني أنهم يقولون إذا قرأوا كتابهم ورأوا ما قد كتب عليهم فيه من صغائر ذنوبهم وكبائرها نادوا بالويل حين أيقنوا بعذاب الله وضجوا مما قد عرفوا من أفعالهم الخبيثة التي قد أحصاها كتابهم ولم يقدروا أن ينكروا صحتها..
وقد كتب الله كتابا فيه مقادير الخلائق وما يجري لهم في حياتهم قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، لما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وفي سنن أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما خلق القلم، فقال له: اكتب، قال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.
وأما قولك هل صحيح أن الجنين يكتب على جبينه مسيرة عمره وحياته من عمل وزواج وتاريخ وفاة؟ فلم نقف له على أصل صحيح بهذا التفصيل، وإن كان قد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.. ولا شك أن هذا يشمل ما قدر له من زواج وغيره، ومن تاريخ وفاة.
وأما هل الإنسان مسير أم مخير؟ فالجواب أنه لا يصح أن يقال: إن الإنسان مخير أو مسير، لأنه مخير ومسير، فهو مسير لما خلق له، ومخير لأن الله تعالى أعطاه عقلا وسمعا وإدراكا، فهو يعرف الخير من الشر والضار من النافع، وانظر الفتوى رقم: 4054، أما الكتاب الذي يكتب عند نفخ الروح ففيه سعادة المرء وشقاوته، وكلٌ ميسر لما خلق له من الأعمال التي هي سبب لذلك.
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من أحد وما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة. قال رجل: يا رسول الله: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاوة؟ قال: أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ: [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى] (الليل: 5-6) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1425(2/2610)
تفسير (وجوه يومئذ ناضرة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[آبائي الأجلاء العلماء الأفاضل ما هو التفسير الصحيح لقوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها نا ظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة)
جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام ابن كثير في تفسيره هذه الآية: وجوه يومئذ ناضرة من النضارة أي حسنة بهية مشرقة مسرورة، إلى ربها ناظرة، أي تراه عياناً كما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه: إنكم سترون ربكم عياناً، وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها لحديث أبي سعيد وأبي هريرة، وهما في الصحيحين أن ناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهمان سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترون ربكم كذلك.
وما قاله ابن كثير هنا هو الحق الذي لا شك فيه، وهو معتقد أهل السنة والجماعة من الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان، إلى أن قال: ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة، هذه وجوه الكفار تكون يوم القيامة باسرة، قال قتادة كالحة، وقال السدي: تغير ألوانها، وقال ابن زيد: باسرة أي عابسة تظن أي تستيقن أن يفعل بها فاقرة، قال مجاهد: داهية، وقال قتادة شر، وقال السدي: تستيقن أنها هالكة، وقال ابن زيد: تظن أن ستدخل النار، وهذا المقام كقوله تعالى: َيوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ (آل عمران: من الآية106) ، وكقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ*ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ*وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ*تَرْهَقُهَا *أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (عبس:38-42) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(2/2611)
تفسير قوله تعالى \"كأنهن الياقوت والمرجان\"
[السُّؤَالُ]
ـ[خلال قراءتي لسورة الرحمن ذكر الله سبحانه وتعالى في وصف الحور العين (كأنهن الياقوت والمرجان) سيدي:
أرجو منكم أن تشرحوا لي قمة الإعجاز والبلاغة المتناهية في هذا التشبيه بين الياقوت والمرجان وكلاهما متضاد في الصفات المادية وكلاهما متشابه في الجمال.
وجزاكم الله خير اً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن عاشور في التحرير والتنوير معلقاً على هذا التشبيه: ووجه التشبيه بالياقوت والمرجان في لون الحمرة المحمودة أي حمرة الخدود، كما يشبه الخد بالورد، ويطلق الأحمر على الأبيض فمنه حديث بعثت إلى الأحمر والأسود.
ويجوز أن يكون التشبيه فيهما في الصفاء واللمعان. انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (الرحمن:58) : روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقيها من وراء سبعين حلة، حتى يُرى مخها، وذلك بأن الله يقول: كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (الرحمن:58) ، فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم استصفيته لأريته من ورائه، ويروى موقوفاً، وقال عمرو بن ميمون إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من وراء ذلك كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء، وقال الحسن: هن في صفاء الياقوت وبياض المرجان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(2/2612)
تفسير (وإسرافنا في أمرنا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قوله تعالى:..وإسرافنا في أمرنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه جزء من دعاء المؤمنين الصادقين حيث حكى الله تعالى عنهم قولهم: وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (آل عمران:147) ، قال الإمام القرطبي في تفسيره: ربنا اغفر لنا ذنوبنا يعني الصغائر، وإسرافنا يعني الكبائر. والإسراف الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد، وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني. وذكر الحديث.
فعلى المسلم أن يستعمل ما في كتاب الله، وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه، ولا يقول أختاره كذا، فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1425(2/2613)
تفسير قوله تعالى \"تبرج الجاهلية الأولى\"
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذه الاية (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب:33] . الجاهلية الأولى معناها أنه يوجد جاهلية ثانية؟. وماهي إن وجدت؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في معنى الأولى من قوله تعالى: تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (الأحزاب: من الآية33) ، فقال بعضهم إنها أي الأولى وصف كاشف للجاهلية، لأنها أولى قبل الإسلام، وجاء الإسلام بعدها فهو كقوله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى (لنجم:50) ، وكقولهم العشاء الآخرة، وليس ثمة جاهلية أولى وثانية، وذهب البعض الآخر من أهل العلم إلى أن الأولى وصف مقيد، وجعلوا الجاهلية جاهليتين، ولهم في الجاهلية الأولى أربعة أقوال.
الأول: أنها كانت بين إدريس ونوح، وكانت ألف سنة.
والثاني: أنها كانت على عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
والثالث: أنها كانت بين نوح وآدم.
الرابع: أنها كانت بين عيسى ومحمد عليهما أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1425(2/2614)
الجنان الأربع في سورة الرحمن
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في سورة الواقعة ذكر صنفان من أهل الجنة الصنف الأول وهم المقربون (السابقون) والصنف الثاني وهم اصحاب اليمين فأيهم أعلى درجة من الآخر وما الفرق بينهما؟
وأيضا بسورة الرحمن ذكر صنفان من أصحاب الجنة فأيهم أعلى درجة وما الفرق بينهما؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقربون أعلى درجة عند الله تعالى من أصحاب اليمين، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: فأما إن كان المحتضر من المقربين وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات فروح وريحان وجنة ونعيم، أي فلهم روح وريحان، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت. انتهى.
وقال أيضاً: أصحاب اليمين هم الأبرار كما قال ميمون بن مهران أصحاب اليمين منزلتهم دون المقربين. انتهى.
والصنفان المذكوران في سورة الرحمن اختلف فيهما علماء التفسير على قولين:
القول الأول: أنهما المقربون وأصحاب اليمين، قال القرطبي في تفسيره: وقال ابن جريج: هي أربع، جنتان منها للسابقين المقربين فيهما من كل فاكهة زوجان وعينان تجريان، وجنتان لأصحاب اليمين فيهما فاكهة ونخل ورمان، وفيهما عينان نضاختان، وقال ابن زيد: إن الأوليين من ذهب للمقربين، والأخريين من ورِق لأصحاب اليمين.
قلتُ: إلى هذا ذهب الحليمي أبو عبد الله الحسن بن الحسين في كتاب منهاج الدين، واحتج بما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (الرحمن:46) إلى قوله: مُدْهَامَّتَانِ (الرحمن:64) ، قال: تانك للمقربين، وهاتان لأصحاب اليمين. انتهى.
القول الثاني: أنهما صنفان من أهل الجنة متفاوتان في الخشية والخوف من الله تعالى، قال القرطبي أيضاً: فإن قيل: كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين؟.
قيل: الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى، والجنتان الأخريان لمن قصرت حاله في الخوف من الله تعالى. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1425(2/2615)
معنى (فمحونا آية الليل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.. هل يعني ذلك أن من مراحل خلق الكون أنه كان في نهار دائم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول الإمام ابن الجوزي في زاد المسير: فمحونا آية الليل فيه قولان، أحدهما: أن آية الليل القمر ومحوها ما في بعض القمر من الاسوداد وإلى هذا المعنى ذهب علي عليه السلام وابن عباس في آخرين.
والثاني: آية الليل محيت بالظلمة التي جعلت ملازمة لليل فنسب المحو إلى الظلمة إذ كانت تمحو الأنوار وتبطلها ذكره ابن الأنباري. ويروى أن الشمس والقمر كانا في النور والضوء سواء، فأرسل الله جبريل فأمَرَّ جناحه على وجه القمر وطمس عنه الضوء.
ويمكنك الدخول على الرابط التالي ففيه توضيح لبعض ما وصل إليه العلم التجريبي في ذلك، والرابط هو:
http//www.islampedia.com/ijaz/html/moon.htm
وفيه بيان أن القمر كان مضيئاً كالشمس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(2/2616)
تفسير قوله تعالى \"فلا تعلم نفس ماأخفي لهم من قرة أعين\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المعنى اللغوي لقوله تعالى (قرة أعين) الواردة في سورة السجدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بقرة أعين ما تقر به العين، كذا فسره البيضاوي والشوكاني، وأصله من القرار وهو السكون والاستقرار، يقال: أقر الله عينه أي أعطاه حتى تقر، فلا تطمح إلى من هو فوقه. كذا قال ابن منظور في اللسان والرازي في مختار الصحاح.
وقد وضح ابن كثير والقرطبي ما حقق الله من الطموحات في الجنة للمؤمنين المذكور جزاؤهم في قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة:17) ، فذكرا أنه لا يعلم أحد ما أخفى الله لهم من النعيم المقيم واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، واستشهد في ذلك بالحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال أبو هريرة اقرأوا إن شئتم: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(2/2617)
القيم التربوية في سورة النور
[السُّؤَالُ]
ـ[القيم التربوية التي تحويها سورة النور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقيم التربوية التي تحويها سورة النور أكثر من أن تحصى، مَثَلها في ذلك مثل سائر الذكر الحكيم، ومن هذه القيم:
1- الأمر بالعفة عن الفواحش والمحرمات.
2- الدعوة إلى الإنفاق ابتغاء مرضاة الله.
3- آداب الاستئذان.
4- الدعوة إلى غض البصر.
5- ذم الإفك، والدعوة إلى صدق القول.
6- ضرب الأمثال والعبر ليكون ذلك أرسخ للمفاهيم في النفس.
7- الإعجاز العلمي.
8- ذم القذف.
9- ذم الزنا.
10- تعليم أحكام اللعان ليكون في ذلك مخرج لكل واحد من الزوجين، وغير ذلك من القيم والفوائد كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(2/2618)
تفسير (وتكون لكما الكبرياء في الأرض)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله في سورة يونس (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالكبرياء أي الملك والسلطان، وقد بين تفسير الآية الإمام البغوي، فقال: قالوا: يعني: فرعون وقومه لموسى، أجئتنا لتلفتنا: لتصرفنا، وقال قتادة: لتلوينا، عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء، الملك والسلطان في الأرض، أرض مصر، وقرأ أبو بكر: ويكون بالياء، وما نحن لكما بمؤمنين: بمصدقين.
وقال البيضاوي رحمه الله تعالى: وتكون لكما الكبرياء في الأرض، الملك فيها، سمي بها لاتصاف الملوك بالكبر، أو التكبر على الناس باستتباعهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(2/2619)
تفسير (منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) هل يعني هذا أن كل كتابي مؤمن يدخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من كان يهودياً أو نصرانياً وبلغته دعوة الإسلام ولم يدخل الإسلام ولم يؤمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومات على يهوديته أو نصرانيته فإنه كافر قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وراجع الفتوى رقم: 5750، والفتوى رقم: 2924، وراجع عقائدهم في الفتوى رقم: 30506.
وأما قول الله تعالى: مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران110] ، فالمعنى كما قال ابن جرير الطبري: المؤمنون المصدقون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم به من عند الله وهم: عبد الله بن سلام وأخوه، وثعلبة بن سعية وأخوه، وأشباههم ممن آمنوا بالله وصدقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم واتبعوا ما جاءهم به من عند الله. انتهى.
وكما قال ابن كثير: أي قليل منهم من يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم. انتهى، فالمعنى على هذا أن المقصود من أسلم منهم وآمن وصدق برسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(2/2620)
(لأولي النهى) معناها.. وموضعها من القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أولو النهى في أي سورة ذكرت ومن هم أولو النهى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولى النهو وردت في سورة طه، قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى [طه:54] ، والنهى تقال للعقول، قال ابن كثير في تفسيره: لأولى النهى أي لذوي العقول السليمة المستقيمة. 3/210، وفي لسان العرب: النهى العقل، يكون واحداً وجمعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(2/2621)
تفسير ما تتلوه الشياطين على ملك سليمان بالماسونية قول بغير علم
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أدعو أحد الملحدين الإنجليز إلى الإسلام قال لي إنه لا يؤمن بوجود إله ولكنه يشعر بوجود شيء ما لا يعرف ما هو, تحدثت معه طويلا وفي نهاية الحديث ذكر لي أنه كان ماسونيا ثم بدأ يتحدث عن الماسونية وعن سيدنا سليمان عليه السلام وعن الهيكل ذكرت له أن قصة سيدنا سليمان عليه السلام وردت في القرآن وقلت له إن سليمان عليه السلام لم يدع إلى الماسونية وإنما شأنه كشأن والده وإخوانه الأنبياء عليهم السلام دعو إلى عبادة الله وحده وذكرت له أيضا أن من جاء بالماسونية هم الشياطين بعد موت سيدنا سليمان عليه السلام واستشهدت بالآية في سورة البقرة\" واتبعو ماتتلوا الشياطين على ملك سليمان ... \" في اليوم التالي أحضرت له القرآن مترجماً وكتب عن الإسلام وتركت له رسالة (إذ أنه لم يأت إلى العمل) أشرت فيها إلى الآيات التي تحدثت عن سيدنا سليمان عليه السلام ودعوته إلى الإسلام. وسؤالي هو هل الآية 102 في سورة البقرة تتحدث عن نشأة الماسونية؟ وهل أنا أفتيت بالقرآن بغير علم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتفسير الآية سبق في الفتوى رقم: 35801، وأما الكلام عن نشأة الماسونية فسبق في الفتوى رقم: 5893، وأما القول بأن ما تلته الشياطين هو الماسونية فقول لا دليل عليه، وحمل الآية عليه من القول بغير علم، فعلى قائله أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(2/2622)
تفسير قوله تعالى \"إلا امرأته كانت من الغابرين\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى في القرآن الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم (إلا امرأته كانت من الغابرين) صدق الله العظيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف: أن الله سبحانه وتعالى أنجى لوطاً وأهله المؤمنين به واستثنى امرأته من الأهل لكونها لم تؤمن، ومعنى كانت من الغابرين أي من الباقين في عذاب الله تعالى، قال القرطبي: يقال غبر الشيء إذا مضى وغبر إذا بقى فهو من الاضداد. وقال الزجاج: من الغابرين أي الغائبين عن النجاة. قال الشوكاني في فتح القدير: قال أبو عبيدة معنى من الغابرين أي من المعمرين وكانت قد هرمت وأكثر أهل اللغة على أن الغابر هو الباقي كما تقدم في التفسير الأول.
قال الراجز: فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر
، أي ما بقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(2/2623)
تفسير قوله تعالى \"واذكرن ما يتلى في يوتكن ... \"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية الكريمة في سورة الأحزاب00من آيات الله والحكمة؟ جزاكم الله كل الخير0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه جزء من الآية 34 من سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى خطاباً لأزواجه صلى الله عليه وسلم: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (الأحزاب:34) ، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: أي واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في بيوتكن من الكتاب والسنة، قاله قتادة وغير واحد، واذكرن هذه النعمة التي خُصِصتنَّ بها من بين الناس أن الوحي ينزل في بيوتكن من دون الناس. انتهى.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره أيضاً:
احفظن أوامر الله ونواهيه، وذلك هو الذي يتلى في بيوتكن من آيات الله فأمر الله سبحانه وتعالى أن يخبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن، وما يرين من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمعن من أقواله حتى يبلغن ذلك إلى الناس فيعملوا ويقتدوا وهذا يدل على جواز قبول خبر الواحد من الرجال والنساء في الدين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(2/2624)
المقصود بيسر الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المقصود بالقول: إن الدين يسر وليس بعسر، أرجو من فضيلتكم أن توضحوا لي ذلك بالأمثلة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى كون دين الله يسرا وليس بعسر أن الله تعالى رفع فيه الحرج عن هذه الأمة فلا يكلفون إلا ما يطيقون، قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] ، وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] ، وقال تعالى: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] ، وقال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] .
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
وقال ابن كثير في تفسيره عند قوله الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ: أي ما كلفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعاً، وفي السفر تقصر إلى اثنتين وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة، كما ورد به الحديث، وتصلى رجالاً وركباناً، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط لعذر المرض، فيصليها المريض جالساً، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات. 3/317.
وفي شرح سنن النسائي للسندي عند شرح يسر هذا الدين: قال السيوطي: سماه يسراً مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله، لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(2/2625)
تفسير قوله تعالى \"حتى عاد كالعرجون القديم\"
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى قوله تعالى (حتى عاد كالعرجون القديم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعنى أن القمر إذا سار في منازله، فإن كان في آخرها دق وتقوس وضاق حتى صار كالعرجون القديم، قال القرطبي: قال قتادة: العرجون هو العذق اليابس المنحني من النخلة، وقال الخليل بن أحمد: العرجون أصل العذق وهو أصفر عريض يشبه الهلال إذا انحنى، وقال الزجاج: هو عود العذق الذي عليه الشماريخ، وقال الجوهري: العرجون أصل العذق الذي يعوج وتقطع منه الشماريخ، فيبقى على النخل يابسا، فالعرجون إذا أعتق ويبس وتقوس شبه القمر في دقته وصفرته، ومعنى القديم، أي الذي مضى عليه حول فأكثر، وهو إذا قدم دق وانحنى واصفر فشبه القمر به منه ثلاثة أوجه: الدقة والانحناء والاصفرار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(2/2626)
توضيح حول آيتين من كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[وإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي - وإن خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى فـ الخ، (إن) ثم (ف) من بعدها ألا يوجد لها دور في تحديد شروط معينة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك المتعلق بالآيتين يحتاج إلى توضيح، والذي يظهر أن الآيتين كل واحدة منهما تشتمل على شرط وجوابه، ولا يخفى الترابط بين الشرط والجواب، فإذا حصل الشرط ترتب عليه حصول جوابه، والعكس صحيح، فمثلا في الآية الأولى إباحة التحلل من الحج أو العمرة بشرط الإحصار بعدو أو مرض، ونحوهما من كل مانع يمنع من إتمام النسك الذي أحرم به الحاج أو المعتمر، فيفهم من هذا حرمة التحلل المذكور عند عدم حصول الإحصار، وفي الآية الثانية الكف عن تزوج اليتيمة عند خوف حصول عدم العدل في معاملتها، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: إذا كانت تحت أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء، فإنهن كثير، ولم يضيق عليه. انتهى. فيفهم من هذا إباحة التزوج بها عند اليقين بالعدل في معاملتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(2/2627)
مواضع ذكر (مصر) في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مرة ذكر اسم مصر في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد ذكر مصر في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها قول الله تعالى في سورة يوسف: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:21] ، وقوله تعالى: فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ [يوسف:99] ، وقوله تعالى: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] ، أما قوله تعالى: اهْبِطُواْ مِصْراً [البقرة:61] ، فقد اختلف العلماء في معناه، فذهب بعضهم إلى أن المقصود اهبطوا مصراً من تلك الأمصار، قال القرطبي: قال مجاهد وغيره: فمن صرفها أراد مصراً من الأمصار غير معين، وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله (اهبطوا مصراً) قال: مصراً من الأمصار. انتهى.
ومن أدلتهم أن ظاهر القرآن دل على أن الله أمرهم بدخول القرية وقد كانت إقامتهم بعد فترة التيه ببلاد الشام، وذهب آخرون إلى أن المقصود بمصر في هذه الآية مصر فرعون وهي مصر الموجودة الآن، ودليلهم على ذلك ما ورد في القرآن من أن الله أورث بني إسرائيل ديار آل فرعون وآثارهم كما استدلوا بقراءة من قرأ (اهبطو مصر) بترك التنوين على أنها غير مصروفة، وقالوا: هي مصر فرعون، قال القرطبي: قال أشهب: قال لي مالك: هي عندي مصر قريتك مسكن فرعون، ذكره ابن عطية. انتهى، هذه هي المواضع التي ورد فيها ذكر مصر في القرآن، وراجع الفتوى رقم: 37538.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(2/2628)
معنى قوله عز وجل: (لتعارفوا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المقصود بالآية: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
ما المقصود بإلتعارف.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته، وقال مجاهد في قوله عز وجل: (لتعارفوا) ، كما يقال فلان بن فلان من كذا وكذا أي قبيلة كذا وكذا. انتهى.
وقال الشوكاني في فتح القدير: والفائدة في التعارف أن ينتسب كل واحد منهم إلى نسبه، ولا يعتزى إلى غيره، والمقصود من هذا أن الله سبحانه خلقهم كذلك لهذه الفائدة، لا للتفاخر بأنسابهم، ودعوى أن هذا الشعب أفضل من هذا الشعب، وهذه القبيلة أكرم من هذه القبيلة، وهذا البطن أشرف من هذا البطن. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(2/2629)
تفسير (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
نسمع ونؤمن بأن القرآن منزل، ولكن كيف ورد القرآن ((ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث))
حيث عبر عن الآيات بمحدثة، ومحدثة لا تكون إلا مخلوقة راجع لسان العرب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن كلام الله تعالى وليس بمخلوق، وأما الآية فلا دلالة فيها لأهل البدع لأنها لا تتحدث عن حدوث القرآن، وإنما تتحدث عن حدوث نزوله إلينا، وشتان بين الأمرين ومن أراد الوقوف على معنى الآية فهاهي كتب المفسرين بين أيدينا
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وفي هذا الذكر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه القرآن قاله ابن عباس. فعلى هذا تكون الإشارة بقوله محدث إلى إنزاله له لأنه أنزل شيئا بعد شيء.
والثاني: أنه ذكر من الأذكار وليس بالقرآن. حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال النقاش: هو ذكر من رسول الله وليس بالقرآن
والثالث: أنه رسول الله بدليل قوله في سياق الآية هل هذا الا بشر مثلكم. قاله الحسن بن الفضل اهـ
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: أي ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث، يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة، وآية بعد آية، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت، لا أن القرآن مخلوق. وقيل: الذكر ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به. وقال: من ربهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي، فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر، وهو محدث، قال الله تعالى: فذكر إنما أنت مذكر [الغاشية: 21] . ويقال: فلان في مجلس الذكر. وقيل: الذكر الرسول نفسه، قاله الحسين بن الفضل بدليل ما في سياق الآية هل هذا إلا بشر مثلكم [الأنبياء: 3] ولو أراد بالذكر القرآن لقال: هل هذا إلا أساطير الأولين، ودليل هذا التأويل قوله تعالى: ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكر للعالمين [القلم: 51 - 52] يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال: قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا [الطلاق: 10 - 11] . إلا استمعوه يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، أو القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أمته.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقوله: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه، وبهذا احتج الامام أحمد ثم ساق البيهقي حديث نيار -بكسر النون وتخفيف التحتانية- بن مكرم ان أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم فقالوا: هذا كلامك أو كلام صاحبك؟ قال: ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله، وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا، وعن علي بن أبي طالب: ما حكمت مخلوقا ما حكمت إلا القرآن. ومن طريق سفيان بن عيينة سمعت عمرو بن دينار وغيره من مشيختنا يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وقال ابن حزم في الملل والنحل: أجمع أهل الإسلام على أن الله تعالى كلم موسى، وعلى أن القرآن كلام الله، وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف، ثم اختلفوا فقالت المعتزلة أن كلام الله صفة فعل مخلوقة وأنه كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة. وقال أحمد ومن تبعه: كلام الله هو علمه لم يزل وليس بمخلوق. وقالت الأشعرية: كلام الله صفة ذات لم يزل وليس بمخلوق وهو غير علم الله وليس لله إلا كلام واحد، واحتج لأحمد بأن الدلائل القاطعة قامت على أن الله لا يشبهه شيء من خلقه بوجه من الوجوه، فلما كان كلامنا غيرنا وكان مخلوقا، وجب أن يكون كلامه سبحانه وتعالى ليس غيره وليس مخلوقا. وأطال في الرد على المخالفين لذلك. انتهى من الفتح.
وقال الإمام البيهقي -رحمه الله تعالى- في كتابه الاعتقاد: وقوله: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون يحتمل أن يكون معناه ذكرا غير القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ووعظه إياهم بقوله: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ولأنه لم يقل: لا يأتيهم ذكر إلا كان محدثا وإنما قال: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون، فدل على أن ذكرا غير محدث. ثم إنه إنما أراد ذكر القرآن لهم وتلاوته عليهم وعلمهم به وكل ذلك محدث، والمذكور المتلو المعلوم غير محدث، كما أن ذكر العبد لله وعلمه به وعبادته له محدث، والمذكور المعلوم المعبود غير محدث، وحين احتج به على أحمد بن حنبل رحمه الله قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه محدث.
وراجع الفتوى رقم: 3988
والله أعلم.
... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(2/2630)
تفسير قوله تعالى \"لابثين فيها أحقابا\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى لابثين فيها أحقابا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي تفسير الإمام ابن كثير ما يلي:
وقوله تعالى: [لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا] (النبأ: 23) أي: ما كثين فيها أحقابا، وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان، وقد اختلفوا في مقداره فقال ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري: ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل؟ قال: نجده ثمانين، كل سنة اثنا عشر شهرا، كل شهر ثلاثون يوما، كل يوم ألف سنة. انتهى.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره: [لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا] أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، فكلما مضى حقب جاء حقب، والحقب بضمتين الدهر، والأحقاب الدهور، إلى أن قال: وهذا الخلود في حق المشركين، ويمكن حمل الآية على العصاة الذين يخرجون من النار بعد أحقاب. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1425(2/2631)
تفسير (هل أتى على الإنسان حين من الدهر)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى:
(هل أتى على الإنسان حين من الدهر)
ما معنى هذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتلخيص تفسير الآية المذكورة من تفسير القرطبي كما يلي:
هل: بمعنى قد، قاله الكسائي وأبو عبيدة.
والإنسان هنا: آدم عليه السلام، قاله قتادة والثوري وعكرمة والسدي.
حين من الدهر: قال ابن عباس في رواية أبي صالح: أربعون سنة مرت به قبل أن ينفخ فيه الروح، وقيل الحين المذكور هنا لا يعرف مقداره، عن ابن عباس أيضا، حكاه الماوردي.
لم يكن شيئا مذكورا: قال الضحاك عن ابن عباس: لا في السماء ولا في الأرض، وقيل: أي كان جسدا مصورا ترابا وطينا لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا يدرى به، ثم نفخ فيه الروح، فصار مذكورا.
وقال يحيى بن سلام: لم يكن شيئا مذكورا في الخلق، وإن كان عند الله شيئا مذكورا، ثم لخص القرطبي المعنى العام للآية قائلا: أي قد أتى على الإنسان حين لم يكن له قدر عند الخليقة، ثم لما عرَّف الله الملائكة أنه جعل آدم خليفة وحمَّله الأمانة التي عجز عنها السموات والأرض والجبال ظهر فضله على الكل، فصار مذكورا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(2/2632)
الحكمة من وصف الرجال بالكثرة دون النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما البلاغة في قوله تعالى
وخلق منكم رجالا كثيرا ونساء،
لماذا وردت كلمة كثيرا للرجال ولم ترد للنساء
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس نص الآية كما ذكرت بل نصها هو: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ ال لَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1) ، قال الإمام البيضاوي في تفسيره في بيان سر ذكر الكثرة في حق الرجال: واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها، إذ الحكمة تقتضي أن يكن أكثر، وقال الألوسي رحمه الله تعالى: واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها لأن الحكمة تقتضي أن يكن أكثر، إذ للرجل أن يزيد في عصمته على واحدة بخلاف المرأة، قاله الخطيب.
وقال صديق حسن خان في كتابه حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة: رجالاً كثيراً ونساء أي نساء كثيرة، وترك التصريح به استغناء أو اكتفاء بالوصف الأول. انتهى.
وفي هذا إيجاز بالحذف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(2/2633)
تفسير قوله تعالى \"تبارك الله أحسن الخالقين\"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الحيم والصلاة والسلام على رسول الله ما معنى قوله تعالى < تبارك الله أحسن الخالقين>وما المقصود بـ <الخالقين>]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية: وقوله تبارك: تفاعل من البركة، أحسن الخالقين: أتقن الصانعين، يقال لمن صنع شيئاً خلقه، ومنه قول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ*ـض الناس يخلق ثم لا يفري
وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس، وإنما يضاف الخلق إلى الله تعالى، وقال ابن جريج: إنما قال: أحسن الخالقين لأنه تعالى أذن لعيسى عليه السلام أن يخلق، واضطرب بعضهم في ذلك، ولا تُنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع، وإنما هي منفية بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم. انتهى.
وقال الشوكاني في فتح القدير: فتبارك الله أحسن الخالقين: أي استحق التعظيم والثناء، وقيل مأخوذ من البركة أي كثر خيره وبركته، والخلق في اللغة التقدير، يقال خلقت الأديم إذا قسته لتقطع منه شيئاً، فمعنى أحسن الخالقين أتقن الصانعين المقدرين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1425(2/2634)
سبب إفراد يعوق ونسر عن النفي في الآية من سورة نوح
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحت سؤالي طويل قليلا، ولكن السؤال هو: لماذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} سورة نوح، السؤال هو: لماذا قال الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ودا ولا سواعا ولا يغوث أي أضاف كلمة \"لا\"، أما في الاسمين الأخيرين يعوق ونسرا لم يذكر ولا يعوق ولا نسرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر العلامة الألوسي رحمه الله تعالى في تفسيره روح المعاني سر ذلك فقال: ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا، أي ولا تتركوا عبادة هؤلاء خصوصاً بالذكر مع اندراجها في ما سبق، لأنها كانت أكبر أصنامهم ومعبوداتهم الباطلة وأعظمها عندهم، وإن كانت متفاوتة في العظم في ما بينها بزعمهم، كما يؤمئ إليه إعادة لا مع بعض وتركها مع آخر، وقيل أفرد يعوق ونسر عن النفي لكثرة تكرار لا وعدم اللبس. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(2/2635)
المقصود بالأحد عشر كوكبا والشمس والقمرفي رؤيا يوسف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى في سورة يوسف (ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) صدق الله العظيم لم قال يوسف إني ومن الذي سجد له ولماذا قال ياأبت بدلا من أبي وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول يوسف إني إخبار عن نفسه حيث جاء بحرف إنَّ الدال على التأكيد، ثم أتبعه بياء المتكلم ليدل على أن الرائي هو نفسه، أما الذين سجدوا فهم إخوته الأحد عشر وأبوه وأمه.
قال القرطبي: قال ابن عباس وقتادة: الكواكب إخوته والشمس أمه والقمر أبوه، وقال قتادة: أيضاً الشمس خالته، لأن أمه كانت قد ماتت، وكانت خالته تحت أبيه. انتهى.
أما استعمال كلمة أبت فقد قال الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: والتاء في أبت تاء خاصة بكلمة الأب وكلمة الأم في النداء خاصة على نية الإضافة إلى المتكلم، فمفادها مفاد يا أبي ولا يكاد العرب يقولون يا أبي. انتهى.
وقد قال ابن مالك في ألفيته في النحو:
والندى "أبت أمتي" ورد واكسر أو افتح ومن اليا التّا عوض
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(2/2636)
تفسير الكلمة الطيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة عن معنى الكلمة الطيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلمة الطيبة هي (لا إله إلا الله) كما قاله ابن عباس وغيره عند تفسير قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (ابراهيم:25) ، فقد مثلها الله سبحانه بالشجرة الطيبة وهي النخلة في قول أكثر المتأولين، فهذه الكلمة أصلها ثابت في قلوب المؤمنين، وفضلها وما يصدر عنها من الأفعال الزكية وأنواع الحسنات هو فرعها يصعد إلى السماء من قبل العبد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(2/2637)
تفسير (فإنك بأعيننا)
[السُّؤَالُ]
ـ[اشرح \"إنك بأعيننا\" في ضوء العقيدة الصحيحة في الصفات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الآية الكريمة إثبات العينين لله جل وعلا على ما يليق به سبحانه وتعالى، وإنما جمعتا للتعظيم كقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] ، قال شيخ الإسلام: وإن له عينين كما قال "تجري بأعيننا" والمعنى أن السفينة تجري تحت نظر الله وحفظه ورعايته وليس في داخل عين الله إذ لا يقول هذا عاقل، والعرب تقول "أنت في عيني" أي تحت نظري لا أنه داخل عينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(2/2638)
تفسير قوله تعالى (من نطفة إذا تمنى)
[السُّؤَالُ]
ـ[قوله تعالى..من نطفة إذا تمنى ... مالمقصود بتمنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى ذكر في هاتين الآيتين الكريمتين في سورة النجم 45/64 أنه خلق الزوجين أي النوعين الذكر والأنثى من أولاد آدم، ومن كل حيوان من نطفة، وهي نطفة المني، مشتقة من نطف الماء إذا قطر (إذا تمنى) أي تصب وتراق في الرحم، قال الشنقيطي في كتابه أضواء البيان عند تفسير هذه الآية: ج/7/ص:468 هذا أوضح القولين، أي هذا التفسير لقوله (إذا تمنى) هو أصح القولين، قال: والعرب تقول أمنى الرجل ومنى إذا أراق المني وصبه، ثم ذكر القول الآخر بقوله: وقال بعض العلماء: معنى من نطفة إذا تمنى أي تقدر، بأن يكون الله قد قدر أن ينشأ منها حمل، من قول العرب مني الماني إذا قدر، قال: ومن هذا المعنى قول أبي قلابة الهذلي:
لا تأمن الموت في حل وفي حرم إن المنايا توافي كل إنسان
واسلك سبيلك فيها غير محتشم حتى تلاقي ما يُمني لك الماني.
أي ما يقدر لك المقدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1425(2/2639)
تفسير (يهب لمن يشاء إناثا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في سورة الشورى لم قدم الإناث على الذكور مع (يهب) ، ولم قدم الذكور على الإناث مع يزوجهم وذلك في الآيات 49-50؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قال الله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50] .
قدم سبحانه وتعالى الإناث على الذكور في أول الآية وعكس ذلك في آخرها، وفيه وجه من الحسن، كما هو الحال في الأساليب القرآنية، فأما تقديم الذكران، فهو الأصل ولا حاجة إلى تعليله، وأما تقديم الإناث، فهو مناسب في المحل الذي جعل فيه، لأن الآية تدل على أن الله يفعل ما يشاء ولا دخل لإرادة العبد في فعله تعالى، فهو يفعل ما يشاء حتى في الأسلوب وسياق الكلام، قال الألوسي في روح المعاني:.... وناسب هذا المساق أن يدل في البيان من أول الأمر على أنه تعالى فعل لمحض مشيئته سبحانه، لا مدخل لمشيئة العبد فيه، فلذا قدمت الإناث وأخرت الذكور.... كأنه قيل: يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء من الأناسي ما لا يهواه، ويهب لمن يشاء منهم ما يهواه. 13/53.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(2/2640)
تفسير قوله تعالى \"إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية رقم 23من سورة ص وما أسباب نزولها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المشار إليها هي قوله تعالى: [إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً] (ص: 23) .
قال الإمام البيضاوي في تفسير هذه الآية: "إن هذا أخي" بالدين أو بالصحبة. "له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة": هي الأنثى من الضأن، وقد يكنى بها عن المرأة، والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض أبلغ في المقصود، وقرئ: "تَسع وتسعون" بفتح التاء، ونِعجة بكسر النون، وقرأ حفص بفتح ياء "لي نعجة". "فقال أكفلنيها": ملكنيها، وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي، وقيل اجعلها كفلي أي نصيبي، "وعزني في الخطاب" وغلبني في مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أقدر على رده، أو في مغالبته إياي في الخطبة يقال: خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطابا حيث زوجها دوني، وقرئ "وعازني" أي غالبني" "وعزني" على تخفيف غريب. اهـ.
ويمكنك الرجوع إلى أي تفسير من التفاسير المعتبرة، كتفسير الإمام الطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم لمعرفة تفسير هذه الآية وغيرها، وننبه إلى أن ما يذكر في تفسير هذه الآية والتي تليها من أمر لا يليق بالأنبياء لا يجوز اعتقاده.
قال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان": واعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة مما لا يليق بمنصب داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معول عليه، وما جاء منه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منه شيء.
وقال الإمام ابن العربي في "أحكام القرآن": والذي أوقع الناس في ذلك رواية المفسرين وأهل التقصير من المسلمين في قصص الأنبياء مصائب لا قدر عند الله لمن اعتقدها.
ولم نقف على سبب نزول هذه الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(2/2641)
تفسير قوله تعالى \"فاستمعوا له وأنصتوا\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قوله تعالى ... وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ... ما الفرق بين الإنصات والاستماع؟ كما هو معلوم أن اللغة العربية واسعة المعاني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستماع والإنصات بمعنى، وقيل إن الإنصات يشمل الاستماع وزيادة معنى.
قال ابن عاشور في تفسيره: الاستماع الإصغاء، وصيغة الافتعال دالة على المبالغة في الفعل والإنصات الاستماع مع ترك الكلام، وذلك في مقابل قولهم: [لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ] (فصلت: 26) .
ويجوزأن يكون الاستماع مستعملا في معناه المجازي، وهو الامتثال للعمل بما فيه، كقوله: [وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا] (لأعراف: 198) ويكون الإنصات جامعا لمعنى الإصغاء وترك اللغو. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(2/2642)
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال يخص سورة الرحمن
لمادا يقول الله عز وجل, متكلما عن الجنتين, أحيانا فيهما وفي مواضع أخرى فيهن.؟؟؟؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت الجنتان بصيغة التثنية في قوله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (الرحمن:46) ، ثم ذكر تعالى أن هناك جنتين أخريين في قوله: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (الرحمن:62) ، ثم أتى بصيغة الجمع التي تعود إلى الجنان الأربع المتقدمة حيث قال تعالى: فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (الرحمن:70) ، قال الشيخ الطاهر ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير: فيهن عائد إلى الجنان الأربع الجنتين الأوليين والجنتين اللتين من دونهما، فيجوز أن يكون لصاحب الجنتين الأوليين جنتان أخريان، فصارت له أربع جنات، ويجوز أن يكون توزيعاً على من خافوا ربهم كما تقدم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(2/2643)
القصود بقوله تعالى \"يمشون على الأرض\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} صدق الله العظيم، جميع الآيات القرآنية ذكرت فيها في الأرض ما عدا هذه الآية على الأرض، لماذا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما وقفنا عليه من المفسرين لكتاب الله تعالى لم يبينوا الحكمة من قوله تعالى: يمشون على الأرض هونا في حين يذكر المشي في الآيات الآخرى بأنه في الأرض، ولعل المعنى من عدم ذكر الفرق بين ما في هذه الآية وغيرها اتفاق المعنى في الجميع، ويكون الأمر من باب تنوع الأساليب وهذا قد يرد أحياناً في القرآن الكريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(2/2644)
تفسير (ظلوما جهولا)
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أحب أن أسجل إعجابي بهذا الموقع الجميل والمفيد وسؤالي هو ما معنى (ظلوما جهولا) في قوله تعالى (انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال)
مع جزيل شكري وامتناني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام القرطبي في تفسيره مفسراً لما سألت عنه: ظلوماً لنفسه جهولاً لربه. انتهى.
وقال الشوكاني في فتح القدير: وحملها الإنسان وهو في ذلك ظلوم لنفسه جهول لما يلزمه، أو جهول لقدر ما دخل فيه، كما قال سعيد بن جبير، أو جهول بربه كما قال الحسن. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(2/2645)
رحلة الشتاء والصيف
[السُّؤَالُ]
ـ[كم من الوقت كانت تستغرق رحلة الشتاء وأيضا رحلة الصيف اللتان كانتا إلى الشام واليمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد امتن الله تعالى على قريش بأن جعلهم في حرم آمن وهو مكة، فكانوا يسافرون إلى الشام واليمن من غير خوف على أنفسهم أو أموالهم لكونهم أهل حرم الله.
قال الإمام القرطبي: في تفسيره لقوله تعالى: إيلافهم رحلة الشتاء والصيف: والتأويل أن قريشاً كانوا سكان الحرم، ولم يكن لهم زرع ولا ضرع، وكانو يمرون في الشتاء والصيف آمنين والناس يتخطفون من حولهم، فكانوا إذا عرض لهم عارض قالوا: نحن أهل حرم الله فلا يتعرض لهم الناس. انتهى.
أما بالنسبة للمدة الزمنية التي تستغرفها الرحلتان فلم نقف على تحديدها في ما بين أيدينا من كتب التفسير، ولعل ذلك راجع إلى عدم أهمية تحديدها، إذ لا يترتب على ذلك كبير فائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1425(2/2646)
توضيح حول آيتين من كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أحسن الله إليكم هل هناك رابط بين قوله تعالى \" الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم \" سورة النجم وبين قوله تعالى في سورة المعارج \" فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون \"أفتونا جزاكم الله خيرا وسدد خطاكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يوجد ترابط أو تنافر بين الآيتين الكريمتين، فقوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (لنجم: 32) . مدح منه لهؤلاء، قال الطبري: الذين يبتعدون عن كبائر الإثم التي نهى الله عنها وحرمها عليهم، فلا يقربونها ... وهذه الكبائر هي الشرك والزنا وغيرهما، واختلف أهل التأويل في معنى "إلا" من قوله تعالى: "إلا اللمم" فقال البعض: هي بمعنى الاستثناء المنقطع، أي إلا اللمم الذي ألموا به من الإثم والفواحش في الجاهلية قبل الإسلام، فإن الله قد عفا لهم عنه، فلا يأخذهم به. وقال البعض: الاستثناء صحيح، "إلا اللمم" معناه: إلا ما دون كبائر الإثم، ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا والعذاب في الآخرة، فإن ذلك معفو لهم عنه. وهو نظير قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (النساء: 31) .الآية. انظر الطبري (11/252)
وأما الآية الأخرى وهي في سورتي المؤمنون والمعارج، فإن الله تعالى بعد ذكر صفات المؤمنين بين صفة مناقضة لتلك الصفات، وأن من التمس لفرجه منكحا سوى زوجته وملك يمينه، فإنه من العادين على حدود الله، والمجاوزين ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم، راجع القرطبي والطبري وابن كثير..
وليس بين الآيتين ترابط إلا في أن كلا منهما تأمر بالابتعاد عن الفواحش، فالأولى تأمر بذلك مجملا، والثانية تخص الفرج.
والله أعلم. ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1425(2/2647)
تفسير (وأقم الصلاة طرفي النهار..)
[السُّؤَالُ]
ـ[وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. سورة هود،
سبب نزول هذه الآيه عندما ذهب رجل للرسول يسأله عن كيفية تكفيره لإصابته قبلة من امرأة
سؤالي عن توقيت هذه الصلوات التي تكفر هذا الذنب خلال اليوم وهل يشترط أن تكون في يوم واحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس لهذا الذنب صلاة تخصه، وأما المراد بقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ (هود: من الآية114) ففيه أقوال:
قال مجاهد رحمه الله تعالى: طرفا النهار صلاة الصبح والظهر والعصر، وزلفاً من الليل صلاة المغرب والعشاء.
وقال مقاتل: صلاة الفجر والظهر طرف، وصلاة العصر والمغرب طرف، وزلفاً من الليل يعني صلاة العشاء.
وقال الحسن: طرفا النهار الصبح والعصر، وزلفاً من الليل: المغرب والعشاء. ا. هـ من البغوي.
قال الطبري: وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال هي صلاة المغرب كما ذكرنا عن ابن عباس. ا. هـ
ويقصد بذلك أن صلاة الطرف الأول صلاة الفجر والطرف الثاني المغرب، وزلفاً من الليل العشاء.
وأما المقصود بقوله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (هود: من الآية114) ، فالمراد بالحسنات في قول أكثر أهل العلم الصلوات الخمس، وقيل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
واعلم أخي أن تكفير الذنب كما يكون بما ذكر من فعل واحدة من الصلوات الخمس يكون بغير ذلك أيضاً، ففي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن أبي بكر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(2/2648)
تفسير (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى تفسير قول الله تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول الشوكاني رحمه الله في تفسيره لهذه الآية وهي قول الحق سبحانه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (قّ:18) ، أي ما يتكلم من كلام فيلفظه ويرميه من فيه إلا لديه، أي ذلك اللافظ، رقيب، أي ملك يرقب قوله ويكتبه، والرقيب الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر، فكاتب الخير هو ملك اليمين، وكاتب الشر ملك الشمال. انتهى.
وليست هذه الكتابة خاصة بالقول فقط، وإنما شاملة للفعل أيضاً، قال ابن كثير في قوله تعالى: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (قّ:18) : أي إلا ولها من يرقبها معد لذلك ليكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَاماً كَاتِبِينَ*يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (الإنفطار:10-12) . انتهى.
واختلف العلماء هل يكتب الملك كل شيء من الكلام أم أنه لا يكتب إلا ما فيه عقاب وثواب؟ قال القرطبي في تفسيره: قال ابن الجوزاء ومجاهد يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه، وقال عكرمة لا يكتب إلا ما يؤجر به أو يؤزر عليه، وقيل يكتب عليه كل ما يتكلم به، فإذا كان آخر النهار محا عنه ما كان مباحاً نحو انطلق اقعد كل مما لا يتعلق به أجر أو وزر.
وذكر ابن كثير أن ظاهر الآية العموم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1425(2/2649)
لفظتا \"فنجيناه\" و\"فأنجيناه\" في سورة الشعراء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
والصلاة على محمد وآله وصحبه إلى يوم الدين
وبعد:
قال الله تعالى في سورة الشعراء:\"فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين; فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون\"
وقال الله تعالى في سورة الشعراء أيضا: \"رب نجني وأهلي مما يعملون; فنحيناه وأهله أجمعين\"
سؤالي رحمك الله: لماذا استعمال فأنجيناه في الآية الأولى وفنحيناه في الآية الثانية, ماهو الفرق بينهما. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلمة "فَأَنْجَيْنَاهُ" في الأولى، و "نَجَّيْنَاهُ" في الآية الثانية، متساويتان في المعنى لا فرق بينهما فيه، وورودهما بصيغتين متغايرتين تفنن في اللفظ فقط والمعنى واحد.
ويدل لهذا ما ذكره الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" حيث قال عند تفسير قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (يونس:103) .
وقرأ الجمهور "نُنَجِّ المؤمنين" بفتح النون وتشديد الجيم على وزن "نُنَجِّي رسلنا" وقرأ الكسائي وحفص عن عاصم "نُنْجِي المؤمنين" بسكون النون الثانية وتخفيف الجيم، من الْإْنْجاء، فالمخالفة بينه وبين نظيره الذي قبله تفنن والمعنى واحد. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(2/2650)
تفسير قوله تعالى: (وليال عشر)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال عن سورة الفجر
(الفجر* وليال عشر* والشفع والوتر) ما المقصود بالليال العشر؟ وهل مستحب فيها الصيام وهل صامها الرسول صلي الله عليه وسلم، وهل صيام جزء منهما لسبب معين يجوز أم لا؟ أفادكم الله مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأكثر المفسرين على أن المقصود بقول الله تعالى في سورة الفجر: وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ هي العشر الأول من ذي الحجة، قال القرطبي: "وليال عشر" أي ليال عشر ذي الحجة وكذا قال مجاهد والسدي والكلبي، وقاله ابن عباس. انتهى.
وقال الطبري: والصواب من القول في ذلك عندنا أنها عشر الأضحي لإجماع الحجة من أهل التأويل. انتهى.
وقال الشوكاني: وليال عشر هي عشر ذي الحجة في قول جمهور المفسرين. انتهى.
وأما حكم صيام هذه الأيام فينظر في الفتوى رقم: 3482، والفتوى رقم: 7166.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(2/2651)
تفسير آيتين من كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرح الآيتين رقم 35، 36 من سورة الذاريات، ولماذا قال فى الآية الأولى مؤمنين والثانية مسلمين؟ وهل يعني ذلك أنهم مسلمون وليسوا مؤمنين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر القرطبي في تفسيره معنى هاتين الآيتين فقال: قوله تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35] ، أي لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قومه من المؤمنين لئلا يهلك المؤمنون وذلك قوله تعالى: "فأسر بأهلك"، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِين َ [الذاريات:36] يعني لوطا وابنتيه. انتهى.
ثم ذكر بعد ذلك وجه ذكر هذين اللفظين "المؤمنين ... والمسلمين، حيث قال: فسماهم في الآية الأولى مؤمنين، لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم. انتهى.
وليس معنى ذلك أنهم مسلمون وليسوا بمؤمنين، بل قد جمعوا بين الصفتين، ولمزيد من الفائدة عن الإيمان والإسلام نرجو مراجعة الفتوى رقم: 19304، والفتوى رقم: 26368.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(2/2652)
الحكمة من تقديم ذكر المال على البنين في آية سورة الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[برجاء الإفادة عن معنى المال والبنون زينة الحياة الدنيا ولماذا قدم الله المال على البنين وهل المال أفضل من الأولاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى قد ذكر المال والبنين في الآية المذكورة، وقدم ذكر المال على البنين لعموم زينته بالنسبة لكل الأفراد والأوقات بخلاف البنين، فإنهم زينة للآباء فقط، وذلك بعد بلوغهم صفة الأبوة، كما أن المال سبب في بقاء النفس، أما البنون فسبب لبقاء النوع، وكذلك الحاجة إلى المال أمسُّ من الحاجة إلى البنين في الغالب، والمال أقدم منهم في الوجود، كما أنه يعتبر زينة بنفسه، بخلاف البنين فلا يكونون زينة إلا بوجود المال، فإن من له بنون ولا مال له فهو في أضيق حال ونكال.
وقد أفاد هذه المعاني الألوسي رحمه الله في تفسيره روح المعاني، ولا نص عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ما ذكر، وإنما هي استنباطات، وتأملات يفتح الله بها على من يشاء من عباده، ويوافق ذلك ما ورد من دعاء سعد على أبي سعدة حينما شكاه لعمر بن الخطاب كاذباً فقال في دعائه: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن. رواه البخاري. وقال الحافظ في الفتح: وفي رواية سيف: وأكثر عياله.
فجعل سعد من الدعاء عليه أن يكثر عياله وأن يقل ماله، وهذا لأن كثرة العيال مع قلة المال شقاء كما قدمنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(2/2653)
تفسير (إلا عابري سبيل)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ممارسة العادة السرية لشاب حرام، وما معني عابري سبيل في هذه الأية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء:43) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان تحريم الاستمناء في الفتوى رقم: 7170، والفتوى رقم: 5524.
وأما قوله تعالى: عابري سبيل فإن العبور هو التجاوز والتخطي، وأما السبيل فهو الطريق، وقد فسر بعض العلماء ذلك فقالوا بحمله على المسافر الذي لا يجد الماء، وحمله بعضهم على الجنب الذي يمر بالمسجد في طريقه إلى الماء، والمراد بالصلاة على هذا المعنى والذي قبله: مكانها الذي هو المسجد، وحمله بعضهم على الجنب الذي يمر بالمسجد مطلقاً، وراجع تفسير ابن كثير وتفسير القرطبي في ذكر من قال بذلك من علماء السلف، وهما موجودان في شبكة الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1424(2/2654)
تفسير (قد جاءكم من الله نور..)
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الزمخشري (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت تسأل عما يفسر به الزمخشري قوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين ٌ [المائدة:15] فإنه فسر النور بالقرآن، قال: يريد القرآن لكشفه ظلمات الشرك والشك، ولإبانته ما كان خافياً عن الناس من الحق، أو لأنه ظاهر الإعجاز.
وإن كنت تسأل عن غير ذلك فبينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1424(2/2655)
تفسير (وقد نزل عليكم في الكتاب ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعد الجلوس لسماع الأخبار التي قد يوجد بها ذكر القوانين الوضعية وغير ذلك مثل من يريد التحاكم للأمم المتحدة، فهل يعد الجلوس لسماع ذلك مما نهى عنه الله تبارك وتعالى بقوله (وقد نزل عليكم في الكتاب ... ) الآية الكريمة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود بالجلوس المنهي عنه في الآية هو جلوس المقر والمداهن لمن يكفر بآيات الله ويستهزئ بها، أما من جلس ليرد ذلك أو ليقف على أخبار هؤلاء ومن ثم يحذرهم ويحذر منهم ويكشف زيغهم وضلالهم، فإن مثل هذا الرجل يعتبر منافحاً عن دين الله عز وجل.
ولهذا قال الإمام القرطبي عند تفسير هذه الآية: فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله: وقوله (وقد نزل عليكم في الكتاب ... ) أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزئ وينتقص بها وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه. انتهى.
ولا يخفى أنه ليس كل من استمع إلى مثل هذا راضياً أو مقراً به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(2/2656)
تفسير آية من كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى الآية رقم 189 من سورة الاعراف؟ وهل المخاطب هو سيدنا آدم عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما تفسير الآية الكريمة فقد تقدم في الفتوى رقم: 24905
وأما من المخاطب بها، فمختلف فيه عند المفسرين والذي يعول عليه أن المخاطبين بهذه الآية هم جنس الآدميين وأن المراد بها بيان حال المشركين من ذرية آدم، قال القرطبي عند تفسيره للآية: "وقال قوم إن هذا راجع إلى جنس الآدميين والتبيين عن حال المشركين من ذرية آدم هو الذي يعول عليه."
ولقد استعرض ابن كثير في تفسيره الآثار المرفوعة والتي ذكرت أن المخاطب بالآية آدم وحواء، وتوصل إلى ضعفها، وذكر أيضاً أن الآثار الموقوفة على الصحابة في ذلك مأخوذة عن أهل الكتاب، ثم روى بالأسانيد الصحيحة عن الحسن البصري أنه فسر الآية بقوله كان هذا في بعض الملل ولم يك آدم.
وقال ابن كثير أن تفسير الحسن من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، وختم ذلك البحث بقوله: "وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس كقوله تعالى: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين [الملك:] ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها السماء ليست هي التي يرمى بها دائماً هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها ولهذا نظائر من القرآن". ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1424(2/2657)
تفسير كلمة وليجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة وليجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعبارة وليجة وردت في الآية 16 من سورة التوبة وهي قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [التوبة:16] .
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه العبارة: وليجة بطانة ومداخلة، من الولوج وهو الدخول، ومنه سمي الكياس الذي تلج فيه الوحوش، والمعنى دخيلة مودة من دون الله ورسوله، وقال أبو عبيدة: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة، والرجل يكون في القوم وليس منهم وليجة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1424(2/2658)
تفسير (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى دعاء سيدنا موسى "رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير"؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلما خرج موسى عليه السلام من مصر وتوجه إلى مدين وصل إليها وقد بلغ منه الجهد والجوع مبلغاً شديداً، فلما سقى للمرأتين جلس تحت ظل شجرة وقال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24] ، أي إني مفتقر للخير الذي تسوقه إلي وتيسره لي، وهذا سؤال منه لربه عز وجل أن يطعمه، هكذا فسره جمع من المفسرين، أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله، فالخير قد يكون بمعنى الطعام كما في هذه الآية.
وقد يكون بمعنى المال كما في قوله: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة:180] ، وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8] ، وقد يكون بمعنى القوة كما في قوله تعالى: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ [الدخان:37] ، وقد يكون بمعنى العبادة كما في قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:73] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1424(2/2659)
معنى (القانطون - القانتون)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم القانطون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقانطون هم اليائسون.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله تعالى: فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ [الحجر: 55] . قال: الآيسين، وعلى هذا عامة المفسرين.
هذا إذا كنت تسأل عن القانطين بالطاء، أما إذا كنت تسأل عن القانتين بالتاء: فقد اختلف أهل التفسير بالمراد بقول الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة: 238] . فقيل: معنى القنوت هنا الطاعة، ويؤيد هذا التفسير قول البخاري في صحيحه: باب وقوموا لله قانتين مطيعين، وقيل هو طول القيام، وقيل: هو الإمساك عن الكلام، ولكل واحد من هذه الأقوال ما يؤيده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2660)
تفسير (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت وشاهدت على شاشة التلفاز كيف يلبس الجني الإنسان , وكانوا جميعهم مسلمين, إذا كان الجني يفعل مع المسلم هكذا, ماذا يفعل مع الكافر الذي لا يذكر الله نهائيا ... وإذا كان الأمر كذلك لأصبح جميع الكفار ملموسين من الجن..
ولم أشاهد هذه الحالات في اوربا بينما تكثر بين المسلمين؟؟
قال تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما حقيقة دخول الجن بدن الإنسان وهو ما يعرف بالمس، فقد سبق أن فصلنا القول فيها في فتاوى عديدة، منها الفتوى رقم: 3352 والفتوى رقم: 15307 والفتوى رقم: 23509
وأما الشبهة الواردة في السؤال فتنظر في جوابها الفتوى رقم: 21656
وأما الآية الكريمة: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) فإن لها تأويلاً غير ما تبادر إلى ذهن السائل، فالسلطان المذكور هو سلطان الحجة كما قال الطبري، ويصدق هذا قول الله تعالى حاكياً عن إبليس: وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي أي من حجة.
وقيل: ليس له سلطان على قلوبهم.
وسئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية فقال: معناه ليس لك عليهم سلطان تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي. ا. هـ
فالمقصود أن الآية ليست على إطلاقها، وإلا للزم أن لا يكون للشيطان تعلق البتة بالصالحين، وهذا معلوم الفساد بالضرورة، فالصالحون يتعرضون لوسوسة الشيطان وإيذائه كما هو معلوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1424(2/2661)
التقية التي أباحها الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
إذا توقع الإنسان أنه ربما يحبس عن قريب بسبب التزامه، فهل يجوز له فعل الآتي:
1- أن يطعن في بعض شيوخه ممن تكرههم الحكومة تقية؟
2- أن يكذب عليهم تقية؟
3- أن يتأول بعض الآيات القرآنية على بعض الأوجه، حتى يبين لهم أنه على بعض الطرق الصوفية ممن لا تكترث الحكومة بهم؟ أرجو التفصيل مع أقوال العلماء والأدلة، وأرجو الدعاء للشباب المأسورين بغير حق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يباح للمسلم إذا خاف على نفسه الضرر أن يتقي ذلك بإظهار ما يضمر خلافه من الحق، قال الإمام السرخسي الحنفي في تعريفه للتقية قال: هي: أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه، ثم قال: وقد كان بعض الناس يأبى ذلك ويقول إنه من النفاق، والصحيح أن ذلك جائز لقول الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28] . انتهى.
وقال الأنصاري الشافعي: والتقية التي أباحها الله في مثل هذه الأحوال هي الحفظ عن الضرر بموافقة في قول أو فعل مخالف للحق. انتهى.
وعليه؛ فإن التقية بهذا التعريف إنما تجوز عند خوف الضرر، كالقتل أو القطع أو الإيذاء، وإلا فإن الأصل فيها الحظر وإنما أبيحت للضرورة.
ثم ليعلم أن التقية لا تجوز بما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال وإطلاع الكفار على عورات المسلمين، قال الجصاص في أحكام القرآن: فأحكام الإكراه مختلفة على الوجوه التي ذكرنا، منها ما هو واجب فيه إعطاء التقية، وهو الإكراه على شرب الخمر وأكل الميت ونحو ذلك..... ومنها ما لا يجوز فيه إعطاء التقية، وهو الإكراه على قتل من لا يستحق القتل والزنا، ونحو ذلك مما فيه مظلمة لآدمي ولا يمكن استدراكه ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(2/2662)
الإعجاز البلاغي في قوله تعالى (فإذا جاءتهم الحسنة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي جوانب الإعجاز القرآني في استخدام أدوات الشرط في قوله تعالى: فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لناهذه، وإن تصبهم سيئة يطَّيروا بموسى ومن معه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي هذه الآية إعجاز بلاغي في استعمال أدوات الشرط فيها كما بين ذلك الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير حيث قال: وجيء في جانب الحسنة بإذا الشرطية، لأن الغالب في "إذا" الدلالة على اليقين بوقوع الشرط أو ما يقرب من اليقين كقولك: إذا طلعت الشمس فعلت كذا، ولذلك غلب أن يكون فعل الشرط مع "إذا" فعلاً ماضياً لكون الماضي أقرب إلى اليقين في الحصول من المستقبل، كما في الآية، فالحسنات أي النعم كثيرة الحصول تنتابهم متوالية من صحة وخصب ورخاء ورفاهية، وجيء في جانب السيئة بحرف "إن"، لأن الغالب أن تدل "إن" على التردد في وقوع الشرط أو على الشك، ولكون الشيء النادر الحصول غير مجزوم بوقوعه ومشكوكاً فيه، جيء في شرط إصابة السيئة بحرف "إن" لندرة وقوع السيئات أي المكروهات عليهم بالنسبة إلى الحسنات أي النعم، وفي ذلك تعريض بأن نعم الله كانت متكاثرة لديهم وأنهم كانوا معرضين عن الشكر، وتعريض بأن إصابتهم بالسيئات نادرة، وهم يعدون السيئات من جراء موسى ومن آمن معه، فهم في كلتا الحالتين بين كافرين بالنعمة وظالمين لموسى ومن معه. انتهى كلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1424(2/2663)
تفسير قوله تعالى "..لا نفرق بين أحد من رسله.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله تعالى "لا نفرق بين أحد من رسله"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود بقوله تعالى: لا نفرق بين أحد من رسله أن المؤمنين يؤمنون ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل، لا يفرقون بين أحد منهم بحيث يؤمنون ببعضهم ويكفرون ببعض، لا بل جميع الرسل عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير والرشاد، ويقرون بأن ما جاءوا به كان من عند الله وأنهم دَعَوْاْ إلى طاعته عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(2/2664)
معنى (المتردية والنطيحة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في كتابه العزيز القرآن الكريم النطيحة والمتردية، فما القصود من ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت هاتان الكلمتان في سياق بعض المحرمات من الأطعمة، وذلك في سورة المائدة الآية رقم: (3)
والمراد بالمتردية: البهيمة التي سقطت من شاهق كجبل أو حائط أو نحوهما، أو سقطت في بئر، فإذا ماتت فلا يحل أكلها.
والمراد بالنطيحة: البهيمة التي نطحتها أخرى فماتت بسبب ذلك، وهي على هذا من باب: فعيلة بمعنى مفعولة أي منطوحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(2/2665)
تفسير قوله تعالى "فقبضت قبضة من أثر الرسول"
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال حول آية من سورة طة: "ففبضت قبضة من أثر الرسول"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل يقصد قوله تعالى في سورة طه عن السامري: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي [طه: 96] .
وقد كان السامري رأى عند خروجهم من البحر عند إغراق فرعون وقومه، رأى جبريل عليه السلام على فرسه فأخذ قبضة من أثر حافر فرسه، وسولت له نفسه أنه إذا ألقى هذه القبضة على شيء صار حيا فتنة وامتحانا.
فألقاها على ذلك العجل الذي صاغه بصورة عجل فصار له خوار، فقال لبني إسرائيل هذا إلهكم وإله موسى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قال للسامري: "فما خطبك يا سامري؟ " فأجابه السامري: "بصرت بما لم يبصروا به"، وهو جبريل عليه السلام على الفرس، "فقبضت قبضة من أثر الرسول"، أي من حافر فرسه، "فنبذتها"، أي ألقيتها على العجل، "وكذلك سولت لي نفسي"، أي أن أقبضها ثم أنبذها فكان ما كان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(2/2666)
لا تفسير الحروف المقطعة بغير ما فسره به الأئمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يهديه الله لمعرفة تفسير الحروف المقطعة في المصحف مثل (ال م/ ك هـ ي ع ص) مطالب بإخبار الناس بها أم الإعراض ولا إثم عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الحروف المقطعة، وذلك في الفتوى رقم: 40000 وما أحلنا عليه فيها من الفتاوى.
ولا يجوز أن تفسر هذه الحروف بغير ما فسرها به السلف، ولهم في ذلك أقوال كما هو معلوم، فمن هداه الله إلى أحد هذه الأقوال فيشرع له أن يعلمه الناس، كما هو الحال في تفسير أي آية من القرآن، وأما إذا كان تفسيراً جديداً لم يسبق إليه من أئمة التفسير فإنه غير معتبر، لأنه لا يجوز إحداث قول لم يقل به أحد من الأئمة، فيجب الإعراض عنه حينئذ سواء في الأخذ به في النفس أو إخبار الناس به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(2/2667)
الآية التي يطلق عليها آية الضمائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض آيات القرآن الكريم تعرف بأسماء مثل آية الكرسي، فما هي الآية التي يطلق عليها آية الضمائر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآية التي يطلق عليها آية الضمائر، هي الآية رقم: 31 من سورة النور.
قال القرطبي: قال مكي رحمه الله تعالى: ليس في كتاب الله تعالى آية أكثر ضمائر من هذه، جمعت خمسة وعشرين ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2668)
تفسير قوله تعالى "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى.."
[السُّؤَالُ]
ـ[وردت في الآيات الأخيرة في سورة الأنبياء:
"إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون"
من هم هؤلاء الذين سبقت لهم الحسنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الآية التي ذكرها السائل من سورة الأنبياء.
قال الله تعالى فيها: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [الانبياء:101-103] .
لما ذكر الله عز وجل قبل هذه الآية أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله، عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسوله، وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا. اهـ. من تفسير ابن كثير بتصرف يسير.
وقال المفسرون أيضا: هم كل من سبقت لهم من الله السعادة، وقال أكثر المفسرين عنى بذلك كل من عُبِد من دون الله وهو لله طائع ولعبادة من يعبده كاره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1424(2/2669)
أصحاب اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أصحاب اليمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في تعيين من هم أصحاب اليمين على عدة أقوال حكاها ابن الجوزي في "زاد المسير"، فقال رحمه الله: فأصحاب الميمنة فيهم ثمانية أقوال:
أحدها: أنهم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت ذريته من صلبه، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، قاله الضحاك والقرطبي.
والثالث: أنهم الذين كانوا ميامين على أنفسهم، أي مباركين، قاله الحسن والربيع.
والرابع: أنهم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم.
والخامس: أنهم الذين منزلتهم عن اليمين، قاله ميمون بن مهران.
والسادس: أنهم أهل الجنة، قاله السدي.
والسابع: أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج.
والثامن: أنهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.
ويمكن رد بعض هذه الأقوال إلى بعض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1424(2/2670)
معنى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في كتابه (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) أرجو أن تفيدونا في شرح هذه الآية فهل كل أنواع الصبر مقصود بها في هذه الآية؟ وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا هو ختام الآية العاشرة من سورة الزمر، يبين الله عز وجل فيها عظم أجر الصابرين، وأن أجرهم قد تعدى الموازين والحساب، فلا يعلم جزاؤهم إلا الله، قال ابن كثير: قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يكال، وإنما يغرف لهم غرفاً. انتهى.
وقال أيضاً: قال ابن جريج: بلغني أنه لا يحسب عليهم ثواب عملهم قط، ولكن يزادون على ذلك.
وقد جاءت الآية عامة، وهذا يفيد أنها تشمل جميع أنواع الصبر، ولمعرفة أنواع الصبر وما يعين عليه، راجعي الفتاوى التالية أرقامها: 9297 / 3293 / 21554
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1424(2/2671)
تفسير قوله تعالى " ... على رجل من القريتين عظيم "
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)
ما اسم القريتين المشار إليهما في الآية؟
وما اسم الرجلين اللذين عناهما القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما القريتان المعنيتان في الآية فهما مكة والطائف.
قاله بن عباس رضي الله عنهما وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي وقتادة السدي
وأما الرجلان فقال بعض المفسرين هما الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي، قاله زيد بن أسلم والضحاك والسدي.
وقال بعضهم يعنون عمير بن عمرو بن مسعود الثقفي وعتبة بن ربيعة، وقال ابن عباس يعنون الوليد بن المغيرة وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: والظاهر أن مرادهم رجل كبير من البلدتين.
وقد رد الله عز وجل على هؤلاء المشركين المعترضين بقوله: أهم يقسمون رحمت ربك [الزخرف:32]
أي ليس الأمر مردوداً إليهم، بل إلى الله عز وجل، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1424(2/2672)
تفسير قوله تعالى"ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى ((ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا)) ؟ وجزاكم الله خيراً
سورة النور آية 33.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره معنى هذه الآية قائلاً: كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني، وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك، وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة -في ما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف- في شأن عبد الله بن أبي بن سلول، فإنه كان له إماء فكان يكرههن على البغاء طلباً لخراجهن، ورغبة في أولادهن، ورياسة منه في ما يزعم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1424(2/2673)
تفسير قوله تعالى "إن الله لا يغفر أن يشرك به"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم السورة التي فيها الآيه (إن الله لا يغفر أن يشرك به) ، ما سبب نزولها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تكرر ورود هذه الآية مرتين في سورة النساء في الآية 48 والآية 116.
وقد أورد القرطبي في تفسيره: أن سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فقال له رجل: يا رسول الله والشرك فنزل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ.. [النساء:48] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1424(2/2674)
الكتاب الذي أمر يحيى بأخذه بقوة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
((يا يحيى خذ الكتاب بقوة)) سورة مريم الآيه12، ما اسم الكتاب الذي أمر يحيى بأخذه بجد واجتهاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر من سياق الآية أن الكتاب الذي أمر يحيى بأن يأخذه بقوة في قوله تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12] .
هو كما قال الشوكاني في فتح القدير: إنه التوارة لأنه المعهود حينئذ، ويحتمل أن يكون كتاباً مختصا به، وإن كنا لا نعرفه الآن.
ولعل القول بأنه التوارة أوضح، لأنه من المعلوم أن كثيراً من أنبياء بني إسرائيل كانوا يحكمون بالتوراة إلى أن جاء عيسى عليه السلام، فنسخ بعض تشريعاتها، ومع ذلك فقد امتن الله عليه بأنه علمه إياها، قال الله سبحانه: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ [المائدة:110] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1424(2/2675)
تفسير اللمم في قوله تعالى "إلا اللمم"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (اللمم) ؟ وفي أي سورة وردت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اللمم معناها كما قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: هي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله تعالى، وقد اختلف في معناها، فقال أبو هريرة وابن عباس والشعبي اللمم كل ما دون الزنا.
إلى أن قال القرطبي: وكذا قال ابن مسعود وأبو سعيد الخدري وحذيفة ومسروق إن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة. انتهى.
وفي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
واللمم وردت في الآية الثانية والثلاثين من سورة النجم، وهي قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [لنجم:32] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1424(2/2676)
تفسير قوله تعالى "وإنه لذكر لك ولقومك"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الله تعالى (وإنه لذكر لك ولقومك) في سورة الزخرف (44) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: قيل معناه لشرف لك ولقومك، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد، واختاره ابن جرير ولم يحك سواه، وأورد البغوي ها هنا حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا الأمر في قريش، لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين. رواه البخاري.
ومعناه أنه شرف لهم من حيث إنه نزل بلغتهم، فهم أفهم الناس له، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين، ومن شابههم وتابعهم، وقيل معناه وإنه لذكر لك ولقومك أي لتذكير لك ولقومك، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1424(2/2677)
تفسير قوله تعالى "آلم"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما معنى قول الله تعالى "ألم"؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في معاني هذه الحروف، ولذلك اختلف المفسرون في تفسيرها، وأرجح ما قيل فيها أنها من مظاهر إعجاز القرآن، وأن الله جل وعلا قد استأثر بعلم مراده منها، فهي داخلة في المتشابه الذي عناه بقوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] ، وللفائدة راجع الفتويين التاليتين: 25401، 3866.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1424(2/2678)
المقصود بصحف إبراهيم وموسى
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أنزل الله سبحانه وتعالى على إبراهيم وموسى؟ وما الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي أنزل الله تعالى على موسى هو التوراة.
وقد سماها الله تعالى: صحفا في قوله تعالى: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [الأعلى:18-19] .
ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الصحف غير التوراة.
كما تبين الآية نزول صحف على إبراهيم.
وقد ذكر الإمام القرطبي المقصود بهذه الصحف عند تفسير هذه الآية حيث قال: صحف إبراهيم وموسى يعني الكتب المنزلة عليهما، ولم يرد أن هذه الألفاظ يعينهما في تلك الصحف، وإنما هو على المعنى، أي معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف.
روى الآجري من حديث أبي ذر قال: قلت يا رسول الله: فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالا كلها: أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر.
إلى أن قال القرطبي أيضا: قال: قلت: يا رسول الله: فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عِبَرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها.. إلى آخره.
وراجع الفتوى رقم: 31905.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(2/2679)
الإعجاز العلمي لقوله "..أن نسوي بنانه"
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول عز وجل ((بلى قادرين على أن نسوي بنانه))
ما هو الإعجاز العلمي لهذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإعجاز العلمي في قوله تعالى: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة:4] هو أن البنان تحتوي على البصمات، والتي في الغاية من الدقة، حيث لا يتشابه اثنان في خريطة البصمات، فأقسم الله تعالى بالقيامة أنه قادر على أن يرد هذه البنان يوم القيامة كما كانت وبنفس الخريطة والدقة، وذلك في معرض الرد على المشركين الذين ينكرون المعاد ويستبعدون حشر الأجسام بعد كونها ترابا، وقد ذكر هذا المعنى كثير من المواقع المتخصصة بالإعجاز، وهذا الأمر أي عدم تطابق البصمات إنما اكتشف مؤخرا، أما المفسرون، فإنهم ذكروا أن البنان التي تحتوي على العظام الصغيرة والأظافر إذا كان الله سيعيدها كما كانت، ويؤلف بينها حتى تستوي، فمن باب أولى أن يعيد ما هو أكبر منها، انظر مثلا تفسير القرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(2/2680)
آية يتبعها دعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[آية من كتاب الله ورد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقرؤها ثم يتبعها بهذا الدعاء: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها، أنت خير من زكها، أنت وليها ومولاها"، ما هي هذه الآية وفي أي سورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة والطبراني وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذ تلا هذه الآية: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قال: اللهم آت نفسي تقواها ... ، وقد حسن الهيثمي في المجمع إسناد الطبراني والآية في سورة الشمس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1424(2/2681)
آيات وتفسيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى المرجفون؟ واذكر الآية التي وردت فيها هذه الكلمة؟
-قال تعالى (والفتنة أشد من القتل) ما المقصود بالفتنة في هذه الآية؟
-ما المقصود بهذه الآية (فبهت الذي كفر) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإرجاف هو الخوض في الأخبار السيئة وذكر الفتن، قال في لسان العرب: أرجف القوم إذا خاضوا في الأخبار السيئة وذكر الفتن، قال الله تعالى: وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ [الأحزاب: 60] .
والمرجفون هنا تعني المنافقين: قال تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ [الأحزاب: 60] .
قال القرطبي: أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد. (14/218) .
وأما عن سؤالك الثاني: فإن الفتنة في الآية الكريمة يقصد بها محاولة الكفار إرجاع المسلمين عن دينهم.
قال القرطبي: والفتنة أشد من القتل: أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجوعكم بها إلى الكفر أشد من القتل. (2/348) .
وأما عن سؤالك الثالث: فمعنى فبهت الذي كفر: هو تحير ودهش وانقطعت حجته، كما في تفسير البغوي وغيره، والمعنى يمكنك أن تفهمه كاملا إذا عدت إلى أول الآية، وكانت تقص محاجة بين نبي الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبين الملك الكافر.
قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1424(2/2682)
إشارات الآيات الأوائل من سورة الإسراء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل تَبيّن للعلماء في هذا الزمان ما تشير إليه أوائل آيات سورة الإسراء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تفسير أوائل سورة الإسراء فقد أوفاه علماء التفسير بحثاً، وأما ما يمكن استنباطه منها من الحكم والأسرار فمجاله مفتوح وفقاً لضوابط التفسير، وهو ما يسمى بالتفسير الإشاري.
وقد وقفنا على شيء من ذلك أورده العلامة صفى الرحمن المباركفوري في كتابه "الرحيق المختوم" ص128، يمكنك الرجوع إليه، وكذلك تمكنك مراجعة ما كتبه سيد قطب في كتاب (في ظلال القرآن) ، وعلى كل حال كلما أفسد اليهود في الأرض بعث الله لهم من يذلهم ويسومهم سوء العذاب، حتى يكون استئصالهم على عهد عيسى ابن مريم عليه السلام، كما دلت على ذلك الأدلة المتكاثرة، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 27697.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(2/2683)
اختلاف الضمائر في سورة الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نجد الرجل الصالح في سورة الكهف حين يبرر لسيدنا موسى ما حصل
نسب الضمير في خرق السفينة لنفسه وفي قتل الفتى لهما معاً، وفي إقامة الجدار نسب الأمر لله سبحانه وتعالى فما السبب في اختلاف ضمير الفاعل في كل منهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسبق بيان سبب اختلاف الضمائر مع التوجيه في الفتوى رقم: 9914.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1424(2/2684)
معنى قوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى هذه الآية إجمالاً -والله أعلم- كما يفهم من تفسير جماعة من المفسرين لها، أنه لا يتأتى أو لا يصح أو لا يسهل على الشمس أن تدرك القمر في مسيرته، لأن لكل منهما مساراً مستقلاً، وهما مساران متباعدان لا مجال لالتقائهما، فكلاهما يسبح في مجال فسيح، ولذلك فلا مجال للقول إن الليل سابق للنهار، أو إن النهار سابق لليل، وكل من الشمس والقمر وغيرهما من الكواكب يسبح في الفضاء في فلك لا يخرج عنه أبداً.
يقول صاحب الظلال -رحمه الله تعالى:.... ولكل نجم أو كوكب فلك أو مدار، لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه، والمسافات بين الكواكب مسافات هائلة ...
وقد قدر الله عز وجل خالق هذا الكون الهائل أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النجوم والكواكب، ووضع تصميم الكون على هذا النحو ليحفظه بمعرفته من التصادم والتصدع حتى يأتي الأجل المعلوم، فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر، والليل لا يسبق النهار ولا يزحمه في طريقه، لأن الدورة التي تجيء بالليل والنهار لا تختل أبداً، ولا يسبق أحدهما الآخر أو يزحمه في الجريان "وكل في فلك يسبحون".
وحركة الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفين في الخضم الفسيح، فهي في ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطا سابحة في ذلك الفضاء المرهوب ...
والحاصل أن الله عز وجل نظم سير الشمس والقمر على نظام يستحيل معه اتصال أحدهما بالآخر لشدة البعد بين مداريهما ... ولأن كل الكواكب تسبح في فلك فسيح هائل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1424(2/2685)
تفسير قوله تعالى "إذ تستغيثون ربكم ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف توضيحا لكلام الله عز وجل
قال تعالى: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم"
يقول الله عز وجل ما غضبت على أحد كغضبي على عبد أتى معصية فتعاظمت عليه في جنب عفوي.
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في تفسيره سبب نزول قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [لأنفال: 9] .
حيث قال: لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا، قال: فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فرده، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا نبي الله: كفاك منا شدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9] .
فالآية تتعلق بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لله تعالى، وطلب النصرة منه على أعدائه من مشركي قريش، فاستجاب الله تعالى دعاءه وأنزل النصر من عنده بواسطة الملائكة الكرام.
أما ما ذكرت أنه من كلام الله تعالى، وهو: "ما غضبت على أحد إلى آخره" فهذا اللفظ جاء في كنز العمال بلفظ: يقول الله عز وجل: "ما غضبت على أحد غضبي على عبد أتى معصية فتعاظمها في جنب عفوي، ولو كنت معجلا العقوبة أو كانت العجلة من شأني لعجلتها للقانطين من رحمتي، ولو لم أرحم عبادي إلا من خوفهم من الوقوف بين يدي لشكرت ذلك لهم، وجعلت ثوابهم منه الأمن مما خافوا.
وهذا الحديث عزاه في "كنز العمال" إلى الديلمي، وهذا علامة على ضعفه، كما قال السيوطي في مقدمته على "جمع الجوامع" والواجب على من أتى معصية أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يحذر من عقابه، فإنه (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب) سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1424(2/2686)
اللفظ إذا جاء بصيغة جماعة الذكور يدخل فيه الإناث
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في القرآن الكريم في آيات مختلفة ازدواج في ألفاظ مثل المؤمنون والمؤمنات والمنافقون والمنافقات والمسلمون والمسلمات، ما عدا لفظ الكافرين فإنه جاء بهذه الصورة فقط ولم يرد لفظ الكافرات، فما هو السر في ذلك، أرجو الرد بسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر علماء الأصول واللغة أن اللفظ إذا جاء بصيغة جماعة الذكور يدخل فيه الإناث، إن لم تدل القرينة على عدم ذلك تغليباً للمذكر على المؤنث، وهذا هو الأغلب في أسلوب القرآن.
فقد ذكر المتقين والمفلحين والمهتدين والمجاهدين والضالين والفاسقين والمجرمين والكافرين، ولم يذكر الإناث لدخول الإناث في عموم اللفظ.
وأما ذكر المنافقات فقد ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير أن الحكمة منه التنصيص على تسوية الأحكام لجميع المتصفين بالنفاق ذكورهم وإناثهم، وكيلا يخطر بالبال أن العفو المذكور في الآية السابقة يصادف نساءهم والمؤاخذة خاصة بذكرانهم، ليعلم الناس أن لنساء المنافقين حظا من مشاركة رجالهن في النفاق فيحذروهن.
وأما ذكر المؤمنات مع المؤمنين في السورة فإن الأسلوب فيه مقابلة بين المؤمنين والمنافقين في الصفات وفي الجزاء، وفيه الإشارة إلى مخالفة نساء المؤمنين للمنافقات، والشهادة لهن بمشاركة رجالهم في الإيمان.
وأما ذكر الصفات العشر المزدوجة في سورة الأحزاب، فإن سببه ما رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال، قالت: فلم يرعني منه يوماً إلا ونداؤه على المنبر يا أيها الناس.... فسمعته يقول إن الله عز وجل يقول: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات إلى آخر الآية. وفي روايات أخرى رواها الطبري والنسائي: أنها قالت: فأنزل الله تعالى: إن المسلمين والمسلمات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1424(2/2687)
الاستفهام في قوله تعالى "هل من خالق غير الله يرزقكم"
[السُّؤَالُ]
ـ[نوع الاستفهام في قوله تعالى (هل من خالق غير الله يرزقكم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاستفهام في هذه الآية استفهام إنكاري، وهو بمعنى النفي، ولذلك اقترن ما بعده بمن التي تزاد لتأكيد النفي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(2/2688)
تفسير قوله تعالى "وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى"يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب"
الرجاء تفسير هذه الآية تفسيرا علميا مع بيان الإعجاز العلمي فيها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخالق جلت قدرته يضرب للناس مثلا عظيما في هذه الآية، وهي قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73] .
وهذا للتنبيه على ضعف المخلوقات المدعوة والمتوسل بها من دون الله عز وجل، حيث لا يستطيعون فرادى ولا جماعة أن يخلقوا كائنا حيا وإن كان صغيرا ضعيفا مثل الذباب، فضلا عما هو أكبر منه كالفيل والجمل، بل إنهم أضعف من ذلك وأحقر، حيث لا يستطيعون تخليص ما يسلبهم الذباب من أشياء.
ويأتي العلم اليوم ويكشف هذه الحقيقة فيقول: إن الذبابة تمتلك خاصية تحليل الطعام خارج جسمها.
فالذبابة تمد فمها من أسفل رأسها لأخذ الطعام، مكونة بذلك أنبوبا لامتصاص الطعام، وتفرز إنزيما ليمكنها من تحليل الطعام وتحويله إلى مادة سائلة لمساعدتها على امتصاصه خلال الأنبوب.
وهذا يعني أنه لو فُرض أخذ الذبابة واستخراج ما بباطنها أو فمها، فإنه لن يكون نفس ما أخذته، بل هو شيء آخر ومركبات أخرى متحللة.
وبهذا تظل الحقيقة القرآنية ناصعة دالة على إعجاز هذا القرآن، فما أخذه الذباب لا يمكن لأحد استنقاذه منه على نفس هيئته، بل متغيرا متحللا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(2/2689)
التعلل بقصة الخضر لقتل الصبيان ظاهر البطلان
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ذكر الله في سورة الكهف أن العبد الصالح الذي التقاه سيدنا موسى وتعلم منه أنه قد قتل غلاما لأنه قد أرهق أبويه الصالحين، فهل هذا مبرر في عصرنا الحالي أن نقتل كل من تنطبق عليه مواصفات الغلام؟ الرجاء شرح هذا الأمر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن ما قام به الخضر عليه السلام من قتله الغلام الكافر وخرقه للسفينة، كان عن وحي من الله له بفعل ذلك، كما قال تعالى حكاية عنه: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف: 82] .
قال ذلك ردا على موسى عليه السلام حينما قال له: "أقتلت نفسا زكية بغير نفس" "أخرقتها لتغرق أهلها"
فلما كان هذا أمر الله العليم العادل، لم يكن من موسى إلا التسليم والخضوع، فلله تعالى أن يفعل في ملكه ما يريد، ويحكم في خلقه بما يشاء مما ينفع أو يضر، فلا مدخل للعقل في أفعاله ولا معارضة لأحكامه.
هذا، وقصة الخضر مع موسى يتذرع بها أهل الزندقة والباطل في كثير من الدعاوى، ومنها هذه الدعوى الواردة في السؤال.
ورحم الله الحافظ ابن حجر عند ما قال: وينبغي اعتقاد كونه نبيا، لئلا يتذرع بذلك أهل الباطل في دعواهم. اهـ.
قال النووي رحمه الله تعالى شارحا رسالة ابن عباس رضي الله عنهما إلى الخوارج: قوله "فلا تقتل الصبيان؛ إلا أن تكون تعلم ما علمه الخضر من الصبي الذي قتل" معناه أن الصبيان لا يحل قتلهم، ولا يحل لك أن تتعلق بقصة الخضر وقتله صبيا، فإن الخضر ما قتله إلا بأمر الله تعالى على التعيين، كما في آخر القصة، "وما فعلته عن أمري".
فإن كنت تعلم من صبي ذلك، فاقتله، ومعلوم أنه لا علم له بذلك، فلا يجوز له القتل. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(2/2690)
تفسير (الزاني لا ينكح إلا زانية..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يتزوج امرأة زنى بها؟ وما تفسيركم للآية (الزاني لا ينكح إلا زانية) ، لأنني سمعت أنه لا يجوز، مع العلم بأنني أعرف أناساً كثيراً متزوجين، وكانت بينهم مثل هذه العلاقات قبل الزواج!! فكيف قبل القاضي أو الإمام تزويجهم على الرغم من معرفته بالأمر؟؟؟ شاكراً لكم ومثمنا جهودكم، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من أن يتزوج الزاني ممن زنا بها إذا تابا إلى الله تعالى، أما بدون توبة فلا يجوز، وهذا مذهب الإمام أحمد ومن وافقه، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 1591، والفتوى رقم: 4115. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً [النور:3] : ومن ها هنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزوج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة. انتهى. فالأمر إذن ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالزانية التي لم تتب، ولتراجع الفتوى رقم: 16706. هذا هو رأي الإمام أحمد، وهو مبني على تفسير الآية: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] ، أي حرم الزنا، وحُرم الزواج بالزانية كذلك حتى تتوب، وأما جمهور العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي فقد ذهبوا إلى جواز نكاح الزانية ولو لم تتب، وهذا بناء على تفسير الآية، بأنها إخبار من الله تعالى بحال الزانيين، قال ابن كثير: هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية، أو مشركة لا ترى حرمة ذلك. انتهى. والراجح -والله أعلم- هو ما ذهب إليه الإمام أحمد ومن وافقه، وهو الذي رجحه ابن تيمية رحمه الله قال: نكاح الزانية حرام حتى تتوب، سواء كان زنى بها هو أو غيره، هذا هو الصواب بلا ريب، وهو مذهب طائفة من السلف والخلف منهم أحمد بن حنبل وغيره، وذهب كثير من السلف إلى جوازه، وهو قول الثلاثة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(2/2691)
تفسير (..عليكم أنفسكم لا يضركم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. ما تفسير هذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (المائدة:105) ، قوله "عليكم أنفسكم" أي اجتهدوا في إصلاحها وكمالها وإلزامها سلوك الطريق المستقيم، واحفظوا أنفسكم من المعاصي وأصلحوها.
قوله: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" أي أنكم إذا أصلحتم أنفسكم، فلا يضركم ضلال من ضل ولم يهتد إلى الدين القويم، لأن كل نفس ستجزى بما كسبت هي، كما قال تعالى: ولا تسألون عما كانوا يعملون، ومن ضل إنما يضر نفسه ولا يضر غيره.
وبعض الناس يفهم من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الفهم غير صحيح لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي إذا تركه الناس أثموا.
ولكن إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ولم يُسمعْ منه، أو كان عاجزاً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده أو بلسانه، فلا حرج عليه ولا يضره ضلال من ضل بعد ذلك، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
30574
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1424(2/2692)
تفسير قوله تعالى "ولقد فتنا سليمان ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد تفسيرا للآية 34 من سورة (ص) وسبب نزولها؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي عليه المحققون من أهل التفسير أن سبب الابتلاء ونوع العقاب الذي عوقب به سليمان عليه السلام المذكور في قوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ [صّ:34] .
مبين في ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال سليمان بن داود -عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام- لأطوفن الليلة على سبعين امرأة. وفي رواية: تسعين امرأة.، وفي رواية: مائة امرأة تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقيل له، وفي رواية قال له الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل فطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته. وفي رواية: ولقاتلوا في سبيل الله فرسانا أجمعون.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان بعد أن ساق هذا الحديث: فإذا علمت هذا، فاعلم أن هذا الحديث الصحيح بين معنى قوله تعالى وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ، وأن فتنة سليمان كانت بسبب تركه قوله "إن شاء الله"، وأنه لم يلد من النساء إلا واحدة نصف إنسان، وأن ذلك الجسد الذي هو نصف إنسان هو الذي ألقي على كرسيه بعد موته في قوله تعالى: وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ. انتهى.
وأما ما عدا هذا مما يذكره أكثر المفسرين، من أن سبب الابتلاء كان بزواج سليمان عليه السلام من امرأة من بنات الملوك، وأنها كانت تعبد الصنم في داره ولم يعلم بها سليمان عليه السلام، وأنه عوقب على ذلك بسلب الملك منه وإلقاء شبهه على شيطان متمرد حكم بني إسرائيل أربعين يوماً، ونحو هذا، فهو من الإسرائيليات التي لا أصل لها، كما نص على هذا ابن كثير والشنقيطي، وذلك لمنافاتها لمقام النبوة والعصمة التي خص الله بها الرسل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(2/2693)
المقصود بالبنين في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بكلمة البنين والبنون في سورة الإسراء والكهف أتعني الذكور فقط أم ماذا؟
الآية رقم 6 سورة الإسراء والآية رقم 46 سورة الكهف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق تفسير الآية التي في سورة الكهف في الفتوى رقم: 16511 فلتراجع.
وأما عن الآية: 6 من سورة الإسراء وهي: ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً فالمقصود بالبنين هنا الأولاد الذكور كما هو المعنى المقصود لهذه الكلمة في القرآن الكريم، وفي لغة العرب عموماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(2/2694)
سورة الأحزاب.. عدد آياتها.. موضوعها الرئيسي
[السُّؤَالُ]
ـ[تعريف سورة الأحزاب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسورة الأحزاب سورة مدنية في جميع أقوال العلماء، كما يقول القرطبي، وهي ثلاث وسبعون آية، نزلت في المنافقين وإيذائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعنهم فيه، ولذا سماها بعض العلماء بالفاضحة.
قال سيد قطب رحمه الله في مقدمة تفسير سورة الأحزاب: هذه السورة تتناول قطاعا حقيقيا من حياة الجماعة المسلمة في فترة تمتد من بعد غزوة بدر الكبرى إلى ما قبل صلح الحديبية، وتصور هذه الفترة من حياة المسلمين في المدينة تصويرا واقعيا مباشرا ... والسورة تتولى جانبا من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة، وإبراز تلك الملامح وتثبيتها في حياة الأسرة والجماعة، وبيان أصولها من العقيدة والتشريع، كما تتولى تعديل الأوضاع والتقاليد أو إبطالها وإخضاعها في هذا كله للتصور الإسلامي الجديد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(2/2695)
تفسير (وهم بها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف مدلول المعنى في الآية رقم 24 من سورة يوسف، وهل همّ سيدنا يوسف بعمل الفاحشة مع امرأة العزيز أم لا؟ وجزاكم الله عنا كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في همِّ يوسف المذكور في الآية، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه هم بها، أي مالت نفسه إليها بمقتضى الغريزة البشرية، ولكن منعه تقواه وخشيته ووازعه الإيماني وعفته من اتباع الهوى، فاستعصم واستعاذ بالله وخرج من عندها هارباً، فأدركته بعدما فتح الباب وقدت قميصه من دبر.
وهذا الهم مثل محبة الصائم العطشان للماء البارد إذا رآه، ولكن يمنعه منه تقواه وعزمه على امتثال أمر الله في إكمال الصيام.
وذهب بعضهم إلى أنه هم بدفعها عنه ولكن آثر الفرار، وذهب بعضهم إلى أنه لم يقع منه هم أصلاً، وأن الهم منفي عنه لوجود البرهان، وقد رجح هذا القول الإمام أبو حيان والشيخ الأمين الشنقيطي في تفسيريهما.
وهذا على أن جواب لولا محذوف دل عليه ما قبله، كما هو مذهب البصريين من النحاة، أو أن الجواب مذكور ولكنه تقدم كما هو مذهب الكوفيين، ونظير هذا قوله تعالى: فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84] .
وللزيادة في الموضوع راجع كتب التفسير في موقع الشبكة وغيره من المواقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(2/2696)
معنى (أولئك هم الصادقون) في الحجرات
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الصادقون في سورة الحجرات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الآية نزلت في بيان صدق الإيمان والرد على المنافقين والأعراب الذين ادعوا الإيمان، فبينت أن المتصفين بصفة الإيمان هم الذين آمنوا بالله ورسوله دون ريب ولا شك، وبصفة الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس هم الصادقون في دعواهم الإيمان والدخول في عداد أهله، لا من عداهم ممن أظهر الإسلام بلسانه وادعى أنه مؤمن، ولم يطمئن قلبه ولا عمل بأعمال أهله وهم الأعراب والمنافقون.
والصدق هو الحق وعكسه الكذب والباطل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1424(2/2697)
تفسير قوله تعالى "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما تفسير الآيه الكريمة: (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) صدق الله العظيم
هل يعني لو أن موظفا يتقاضى راتبا معينا أن يخصص جزء محددا من راتبه الشهري وبشكل مستمر؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت هذه الآية التي ذكرها السائل مرتين:
الأولى: في سورة الذاريات، وهي: قوله تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذريات:19] .
والثانية: في سورة سأل سائل، في قوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم ٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24- 25] .
وفي كلتا الآيتين يثني سبحانه وتعالى على المتقين الذين من صفاتهم أنهم يجعلون في أموالهم نصيبا معلوما يعطونه للسائلين والمحرومين.
قال قتادة ومحمد بن سيرين: المراد الزكاة المفروضة.
وقول السائل: "هل يعني ... "
فالجواب أنه يجب على الإنسان أن ينفق من راتبه على نفسه ومن تلزمه نفقته، كالزوجة والأولاد، فإذا بقي شيء من الراتب في كل شهر وضم هذا الزائد مع بعضه فبلغ النصاب ثم حال عليه الحول، وجب إخراج الزكاة منه.
فالواجب إخراج الزكاة من المال الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول، وليس المعنى أنه يجب أن يخرج الزكاة من كل ماله دون تحقق الشروط السابقة، وقد سبق حكم زكاة الراتب في الفتوى رقم: 1615، والفتوى رقم 19560.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1424(2/2698)
تفسير (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[اشرح لنا معنى الآية الكريمة "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن"؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت هذه الآية المسؤول عنها وهي قول الحق سبحانه وتعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] .
على علو مكانة شهر رمضان، حيث اختاره الله تعالى من بين سائر الشهور ليكون زمان نزول كتابه العزيز، الذي هو أشرف الكتب السماوية على الإطلاق.
قال ابن كثير في تفسيره: يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك فقد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيها على الأنبياء، لما روى أحمد عن واثلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1424(2/2699)
آيتان غير متعارضتين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتفق قول الله -عز وجل- "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" مع قوله "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن الكريم نزل من عند الله عز وجل، وليس فيه أي اختلاف أو تناقض، كما قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] .
وإذا بدا لشخص ما تناقضاً أو اختلافاً، فهذا راجع إلى عدم فهم الآيات، وليس هناك اختلاف بين قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1] ، وبين قوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [الممتحنة:7] .
لأن قوله: "أن يجعل بينكم وبينهم مودة" ذلك بأن يسلموا، أي عسى أن يهديهم الله للإسلام فيصيروا إخواناً لكم ومن أهل دينكم، ويؤلف الله بين قلوبكم بالإيمان.
وفعلاً قد أسلم بعض صناديد قريش بعد فتح مكة، مثل أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام وغيرهم، وصاروا إخوة للصحابة رضي الله عنهم.
كما قال الله تعالى ممتناً على الأنصار: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ [آل عمران:103] .
أما إذا لم يسلموا فهم كفار تحرم مودتهم ويجب بغضهم ومعاداتهم، كما قال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(2/2700)
الراجح في عدد أهل الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في سورة الكهف
"....... ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل" قال ابن عباس أنا من القليل الذي يعلمهم؟
فما هو عددهم الحقيقي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان أن الراجح في عدد أهل الكهف أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، وراجع في هذا الفتوى رقم: 33450، وهو الموافق للمروي عن ابن عباس رضي الله عنه. قال ابن كثير: عن ابن عباس قال: أنا من القليل، كانوا سبعة، فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس أنهم كانوا سبعة وهو موافق لما قدمناه انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(2/2701)
سر ذكر الأنثى مع الرجل في قول الله (لا أضيع عمل عامل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الغرض البلاغي في تقديم لفظ الجلالة في آية (ولله ملك السموات والأرض) في سورة آل عمران
ماالعلاقة المعنوية بين كلمتي ذكر وأنثى في آية (لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) في نفس السورة وما فائدة اجتماعهما معا في التعبير السابق
ما الغرض البلاغي لتقديم لفظ الجلالة في آية ولله ملك السماوات والأرض في سورة آل عمران؟ والعلاقة المعنوية بين كلمتي ذكر وأنثى في آية لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى في سورة آل عمران؟ وما فائدة اجتماعهما معا في التعبير السابق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما جواب السؤال الأول: فإنا لم نقف على شيء لأهل العلم بالتفسير فيه، لكن تقديم الخبر وهو هنا الجار والمجرور في قوله "ولله" على المبتدأ وهو قوله: "ملك السماوات والأرض" يفيد الاختصاص والحصر، أي اختصاص الملك الحقيقي لله وحصر عليه عز وجل.
وأما جواب السؤال الثاني في قوله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران: 195] .
فالمعنى أنه لا تفاوت في الإجابة وفي الثواب بين الذكر والأنثى، فهما في أصل التكليف متساويان، وفي الأجر متساويان، إذا كانا جميعا في التمسك بالطاعة على السوية، وهذا يدل كما يقول الفخر الرازي رحمه الله: إن الفضل في باب الدين بالأعمال لا بسائر صفات العالمين. اهـ وفي ذكر الأنثى مع الرجل هنا دلالة على عظم مكانة المرأة في الشريعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(2/2702)
تفسير قوله تعالى "أو ماملكتم مفاتحه"
[السُّؤَالُ]
ـ[في الآية الكريمة قال تعالى: (....أوما ملكتم مفاتحه ... ) سورة النور السؤال:
إن مع أخي دكانا وأنا أجلس أبيع فيه بعض الأحيان، فهل ذلك يدخل في الآية الكريمة؟ وكذلك معنا بستان فنبيعه وأكون حارسا عليه دون مقابل، فهل ذلك يدخل في الآية الكريمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة على ثمانية أقوال، ذكرها القرطبي في تفسيره، ورجح القول بأنها محكمة، ومفادها أن للرجل أن يأكل من مال قريبه أو وكيله أو صديقه، ما يعلم أن نفسه طيبة له به. إذا ثبت هذا، فلا حرج عليك إن شاء في أن تأخذ من هذا الدكان أو من ذلك البستان ما جرت العادة بالمسامحة في الأخذ منه دون غلو أو شطط.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 3316.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(2/2703)
تفسير قوله تعالى "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود السؤال عن معنى آية:" العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص."
وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآية المسؤول عنها هي قول الله عز وجل في سورة المائدة: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] .
والآية الكريمة نزلت موبخة لليهود الذين يخونون ما أنزل الله ويكتمون الحق، فإن عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس.. وهم يخالفون حكم ذلك عمداً ويكذبون على الله ورسله، وهذه الآية وإن كانت تقرر ما جاء في التوراة من أحكام الجنايات، إلا أن الحكم في الشريعة الإسلامية على وفقها، وقد حكى الإمام الصباغ إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه.
ومعنى الآية أن النفس تقتل بالنفس وأن العين تفقأ بالعين ويقطع الأنف بالأنف وتنزع السن بالسن وأن تصلم الأذن بالأذن وتقتص الجراح بالجراح.
قال ابن كثير: قاعدة مهمة: الجراح تارة تكون في مفصل فيجب فيه القصاص بالإجماع كقطع اليد والرجل والكف والقدم ونحو ذلك، وأما إذا لم تكن في مفصل بل في عظم، فقال مالك رحمه الله: فيه القصاص إلا الفخذ وشبهها.. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يجب القصاص في شيء من العظام إلا السن، وقال الشافعي: لا يجب القصاص في شيء من العظام مطلقاً ... انتهى.
وسبب الخلاف هو تعذر المماثلة في القصاص في العظام، ومن شروط القصاص المماثلة، وقوله تعالى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45] .
أي: فمن عفا وتصدق عليه فهو كفارة للمطلوب وأجر للطالب، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروى عنه أيضاً: كفارة للجارح وأجر للمجروح على الله.
والمعنى أن من عفا وتصدق بحقه في القصاص على الجاني كان التصدق كفارة له يمحو الله بها قدراً من ذنوبه.
وقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] .
أي من لم يحكم بما أنزل الله من القصاص فأولئك هم الظالمون، لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في أمْرٍ أمَرَ الله بالعدل والمساواة فيه بين الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1424(2/2704)
المقصود بالصلب والترائب
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول ابن كثير فى تفسير قوله سبحانه وتعالى فى سورة المؤمنون (ثم خلقنا النطفة علقة) إن الله صير النطفة وهى الماء الدافق، الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره وترائب المرأة وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى السرة، فكيف تخرج البويضات من صدر المرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في تفسير الترائب في هذه الآية هل هي للمرأة وحدها أم للرجل والمرأة معاً، قال ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين مائلاً إلى أن المقصود بالترائب هنا ترائب الرجل: ولا خلاف أن المراد بالصلب صلب الرجل، واختلف في الترائب فقيل: المراد بها ترائبه أيضاً، وهي عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الثندوة، وقيل: المراد بها ترائب المرأة، والأول أظهر لأنه سبحانه قال: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:7] ، ولم يقل يخرج من الصلب والترائب، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجاً من بين هذين الملتقين، كما قال في اللبن: يخرج من بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ [النحل:66] .
وأيضاً فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفة في غير موضع، والنطفة هي ماء الرجل، كذلك قال أهل اللغة، قال الجوهري: والنطفة الماء الصافي قل أو كثر، النطفة ماء الرجل والجمع نطف.
وأيضاً فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل، ولا يقال نضحت المرأة ولا دفقته، والذي أوجب لأصحاب القول الآخر ذلك أنهم رأوا أهل اللغة قالوا: الترائب: موضع القلادة من الصدر، قال الزجاج: أهل اللغة مجمعون على ذلك، وأنشدوا لامرئ القيس:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسجنجل
وهذا لا يدل على اختصاص الترائب بالمرأة بل يطلق على الرجل والمرأة، قال الجوهري: الترائب: عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الثندوة. انتهى.
وذهب الحسن البصري -رحمه الله- إلى أن المقصود بالصلب والترائب هو: صلب الرجل وترائبه وصلب المرأة وترائبها، قال القرطبي: قال الحسن: المعنى يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل، ومن صلب المرأة وترائب المرأة. انتهى.
وهذا هو الذي رجحه الدكتور علي البار في كتابه "خلق الإنسان بين الطب والقرآن حيث قال: تقول الآية الكريمة: إن الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب، ونحن قد قلنا: إن هذا الماء (المني) إنما يتكون في الخصية وملحقاتها، كما تتكون البويضة في المبيض لدى المرأة ... فكيف تتطابق الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية.
إن الخصية والمبيض إنما يتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وترائبه.. والصلب هو العمود الفقري.. والترائب هي الأضلاع. وتتكون الخصية والمبيض في هذه المنطقة بالضبط، أي بين الصلب والترائب، ثم تنزل الخصية تدريجياً حتى تصل إلى كيس الصفن (خارج الجسم) في أواخر الشهر السابع من الحمل ... بينما ينزل المبيض إلى حوض المرأة ولا ينزل أسفل من ذلك.
ومع هذا فإن تغذية الخصية والمبيض بالدماء الأعصاب واللمف تبقى من حيث أصلها.. أي من بين الصلب والترائب، فشريان الخصية أو المبيض يأتي من الشريان الأبهر (الأورطي البطني) من بين الصلب والترائب، كما أن وريد الخصية يصب في نفس المنطقة.. يصب الوريد الأيسر في الوريد الكلوي الأيسر بينما يصب وريد الخصية الأيمن في الوريد الأجوف السفلي.. وكذلك أوردة المبيض وشريانها تصب في نفس المنطقة أي بين الصلب والترائب ... كما أن الأعصاب المغذية للخصية أو للمبيض تأتي من المجموعة العصبية الموجودة تحت المعدة من بين الصلب والترائب.. وكذلك الأوعية اللمفاوية تصب في نفس المنطقة أي بين الصلب والترائب.
فهل يبقى بعد كل هذا شك أن الخصية أو المبيض إنما تأخذ تغذيتها ودماءها وأعصابها من بين الصلب والترائب؟ ... فالحيوانات المنوية لدى الرجل أو البويضة لدى المرأة إنما تستقي مواد تكوينها من بين الصلب والترائب، كما أن منشأها ومبدأها هو من بين الصلب والترائب.
والآية الكريمة إعجاز كامل حيث تقول: من بين الصلب والترائب، ولم تقل من الصلب والترائب، فكلمة بين ليست بلاغية فحسب وإنما تعطي الدقة العلمية المتناهية. انتهى.
هذا والمشهور في التفاسير هو أن الصلب للرجل والترائب للمرأة، وهو مروي عن ابن عباس وغيره، والأولى في مثل هذه الأمور الرجوع إلى الطب الحديث وعلم التشريح للوصول إلى الفهم الأمثل لآيات الإعجاز العلمي، ولعل أقرب ما قيل في ذلك هو ما نقلناه عن الدكتور علي البار، وننصح الأخ السائل بالرجوع إلى الاستشارات الطبية في الشبكة، فلعله يزداد فائدة منهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1424(2/2705)
الحكمة من أمر النبي بالتقوى وتوبة الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد
قال الحبيب: {اللهم نقني من خطاياي..} الحديث.. وقال تعالى {عفا الله عنك} وقال {لقد تاب الله على النبي} وقال {يأيها النبي اتق الله} .. شيخنا الكريم ما الحكمة من وراء ذكر هذه الآيات؟ وما مدى وقوع الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم أو المعصية؟ وبالله التوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم نقني من خطاياي.. جاء ضمن دعاء استفتاح الصلاة الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وأن الله عز وجل غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكن هذا من باب التواضع وإظهار العبودية لله تبارك وتعالى.
قال الحافظ في الفتح: هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وقيل على سبيل التعليم لأمته ...
وأما قول الله تبارك وتعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: 43] . فقد نزلت هذه الآية في صنف من المنافقين استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم دون اعتذار، فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم استبقاء منه عليهم، وأخذا بالأسهل من الأمور، وتوكلا على الله، فعاتبه الله تعالى.
وقيل: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ما شاء ما لم ينزل فيه وحي، واستأذنه المخلفون في التخلف واعتذروا، فاختار أيسر الأمرين تكرما وتفضلا منه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا، يكون قول الله تعالى عفا الله عنك افتتاح كلام وليس عفوا عن ذنب، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق. رواه البزار وما وجبتا أصلا، ومعناه: ترك أن يلزمكم ذلك.. اهـ بتصرف من تفسير ابن عطية.
وأما قول الله تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِي [التوبة:117] . فمعناه: غفر له، أي لم يؤاخذه بالذنوب سواء كان مذنبا أو لم يكن، كقوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ [المزمل:20] . أي فغفر لكم وتجاوز عن تقصيركم وليس هناك ذنب ولا توبة، فمعنى التوبة على النبي والمهاجرين والأنصار: أن الله لا يؤاخذهم بما قد يحسبوه أنه يسبب مؤاخذة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. رواه البخاري ومسلم.
وقال ابن عطية: التوبة من الله تعالى: الرجوع بالعبد من حالة أرفع منها، فقد تكون في الأكثر رجوعا من حالة المعصية إلى حالة الطاعة، وقد تكون رجوعا من حالة طاعة إلى طاعة أكمل منها، وهذه توبته في هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه رجع به من حالة قبل تحصيل الغزوة وأجرها وتحمل مشاقها إلى حاله بعد ذلك كله.
وأما قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب: 1] فمعناه: دم على التقوى، أو داوم على ما أنت عليه من التقوى.
قال ابن عطية ومتى أمر أحد بشيء هو به متلبس، فإنما معناه الدوام في المستقبل على مثل الحالة الماضية.
وبذكر أقوال العلماء في النصوص المذكورة، يتسنى لنا بعض الحكم من ذكرها، فمن ذلك إظهار عبوديته صلى الله عليه وسلم وتواضعه، ومنها: التعليم لأمته من بعده، وأنه لا أحد أكبر من أن يوعظ ويُذكَّر ويؤمر وينهى.
وأما احتمال وقوع الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مستحيل فيما يتعلق بالرسالة والوقوع في المعصية، فالأنبياء جميعا معصومون في التبليغ عن الله تعالى، ومعصومون من كبائر الذنوب إجماعا، وصغائرها على قول الجمهور.
وفيما يخص الجانب البشري والأمور الدنيوية، فإن الخطأ جائز عليهم في هذه الأمور، مع الاعتقاد الجازم بأنهم أكمل الخلق عقلا، وأرجحهم رأيا، وأسدهم تدبيرا.
وهذا ما كان مستقرا في أذهان الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم كانوا يناقشون النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور التي تتعلق بالحرب والتدبير والرأي والمشورة، وربما تنازل عن رأيه إلى رأي بعضهم.
وأما ما يتعلق بأمر الوحي والرسالة، فكانو يسلمون به تسليما.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم، نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 6901، 25834.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1424(2/2706)
تفسير قوله تعالى "فاسألوا أهل الذكر ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وفي الحديث (استفت نفسك وإن أفتوك وأفتوك) . أرجو التوضيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسبب نزول هذه الآية: أن مشركي مكة أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الله تعلى أرسل بشرا، فأنزل الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الانبياء:7] .
وأهل الذكر هنا هم: أهل الكتاب من الأمم السابقة الذين بعث الله إليهم الرسل، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو مقرر في أصول الفقه، ولهذا قال ابن عطية: وأهل الذكر عام في كل من يعزى إليه علم. فأهل الذكر هم أهل الاختصاص في كل فن.
وعلى هذا، فالواجب على من لم يعلم أن يسأل من يعلم، كما أمر الله تعالى.
قال القرطبي: لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الانبياء:7] . ولم يختلفوا أن العامة لا يجوز لها الفتيا لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم.
وأما الحديث، فقد رواه الإمام أحمد في المسند، ولفظه: عن وابصة بن معبد قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت تسأل عن البر والإثم؟ قلت: نعم، قال: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. وقد تكلم أهل العلم في سنده.
وهو يدل على أن الله تبارك وتعالى فطر عباده المؤمنين على معرفة الحق والسكون إليه، وقبوله، وركز في طباعهم محبة ذلك والنفور عن ضده، وفي هذا المعنى جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: إني خلقت عبادي حنفاء مسلمين، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، فحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. رواه مسلم
وقوله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة. رواه البخاري ومسلم وفيه قول الله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم: 30] .
فصاحب الفطرة السليمة إذا اشتبه عليه أمر هل هو حلال أم حرام، أو هو من البر أو الإثم، استفتى قلبه، فما سكن إليه القلب وانشرح له الصدر واطمأنت إليه النفس، فهو البر والحلال، وما كان خلاف ذلك، فهو الإثم والحرام.
أما من تلوثت فطرته بالهوى والشهوات، واقتراف المعاصي، فإنه يفقد هذه الحاسة ولم يعد يميز بين البر والإثم، وهذا في الأمور المشتبهة التي لم يرد فيها نص، وأما ما جاء فيه نص من الكتاب أو السنة أو الإجماع، فليس للمؤمن إلا اتباعه وطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا محل لاستفتاء القلب هنا، وميلُ النفس إلى غير النص، إنما هو اتباع للهوى، كما قال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص: 50] .
وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم [الأحزاب: 36] .
وإذا وجد المسلم في نفسه شيئا من ذلك، فيجب عليه أن يوطن نفسه على اتباع النصوص الشرعية والرضا بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا، فالآية الكريمة جاءت بالأمر بالسؤال لأهل العلم والاختصاص.
وأما الحديث، فهو فيما اشتبه على المسلم من أمر الحلال والحرام، أو البر والإثم، مما لم يرد فيه نص، وليس معناه أن يترك سؤال أهل العلم والتعلم للأحكام الشرعية أو ما يحتاج إليه ويعتمد على قلبه وما اطمأنت إليه نفسه دون الاهتداء بنصوص الوحي والاستعانة بأهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1424(2/2707)
البر في سورة البقرة
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة البقرة آيات أوضحت فيها كلمة البر أوضح كل أية على حدة مع شرح مفهوم البر في ضوء سورة البقرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت كلمة "البر" بالتعريف في سورة البقرة عدة مرات، فمن ذلك قوله تبارك وتعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُون [البقرة:44] .
ومنه قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] .
ومنه قوله تعالى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة: 189] .
والبر في لغة العرب معناه: السعة والتوسع، ومنه البَر الذي هو خلاف البَحر، ومنه اشتق البِرُّ وهو التوسع في فعل الخير، ومن معنى الكلمة في اللغة واشتقاقها نفهم معناها في سياق الآيات المذكورة.
ففي الآية الأولى "أتأمرون الناس بالبر ... " يأتي الاستفهام الإنكاري الذي يحمل معنى التوبيخ للمخاطبين لأمرهم للناس بالبر الذي هو الخير مع نسيان أنفسهم وبعدهم عن فعل الخير ...
وفي الآية الثانية: تبين الآية معنى البر والمقصود منه، وأنه متضمن للاعتقاد والفرائض والفضائل.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر رضي الله عنه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فتلى "ليس البر أن تولوا وجوهكم.." حتى فرغ منها، ثم سأله أيضا فتلاها، ثم سأله أيضا فتلاها، قال: وإذا عملت بحسنة أحبها قلبك، وإذا عملت بسيئة أبغضها قلبك.
وأما الآية الثالثة: وهي قوله تعالى: "وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ... " فقد روى البخاري عن البراء بن عازب قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها، فنزلت "وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ... "
وبناء على ما تقدم، فإن البر كلمة جامعة لمعاني الخير، تشمل العقائد والفرائض والسنن والمستحبات ومكارم الأخلاق..
وليس منه ما يدعيه النصارى واليهود من استقبال المشرق والمغرب، ولا ما يزعمه أهل الجاهلية من إتيان البيوت من ظهورها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1424(2/2708)
الشجرة التي تمت تحتها بيعة الرضوان
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو تفسير قوله تعالى: ((إذ يبايعونك تحت الشجرة)) ؟ وماهو نوع الشجرة التي تمت تحتها المبايعة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية المذكورة قد تناولها الإمام الطبري في تفسيره قائلاً: لقد رضي الله يا محمد عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة، يعني بيعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب، وعلى أن لا يفروا ولا يولوهم الدبر تحت الشجرة، وكانت بيعتهم إياه هناك في ما ذكر تحت الشجرة. انتهى.
والشجرة التي تمت تحتها البيعة هي سمرة وقد اندرست هذه الشجرة في عصر الصحابة ولم يعد لها وجود، قال الإمام الطبري في تفسيره أيضاً: والشجرة التي بويع تحتها بفج نحو مكة، وزعموا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال: أين كانت فجعل بعضهم يقول: هنا وبعضهم يقول ها هنا، فلما كثر اختلافهم، قال: سيروا هذا التكلف، فذهبت الشجرة وكانت سمرة، إما ذهب بها سيل وأما شيء سوى ذلك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1424(2/2709)
تفسير قوله تعالى "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
من المقصود بقوله تعالى (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) ، من هم الذين ظلمو أنفسهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قال القرطبي في تفسيره: قوله: وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ [إبراهيم:45] .
أي في بلاد ثمود ونحوها، فهلا اعتبرتم بمساكنهم بعدما تبين لكم ما فعلنا بهم، وبعد أن ضربنا لكم الأمثال في القرآن، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: ونبين لكم بالنون والجزم على أنه مستقبل ومعناه الماضي، وليناسب قوله "كيف فعلنا بهم" وقراءة الجماعة وتبين، وهي مثلها في المعنى لأن ذلك لا يتبين لهم إلا بتبيين الله إياهم. انتهى كلامه يرحمه الله، ومنه يتبين المراد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1424(2/2710)
السجود أكثر دلالة على الشكر من الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد آية قرآنية تقول (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) مع أن السجدة فى الصلاة قبلها ركعة، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية التي ذكرت هي قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] .
والحكمة من تقديم الأمر بالسجود على الأمر بالركوع، أن السجود أكثر دلالة على الشكر والمقام يقتضي ذلك، قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: وقدم السجود لأنه أدخل في الشكر، والمقام هنا مقام شكر. انتهى.
فالسجود يشتمل على مزيد من التواضع لله تعالى، لأن الإنسان أثناءه يكون ملصقاً أشرف أعضائه بالأرض وهو الوجه، فلذلك يعتبر من المواضع الذي يظن فيها استجابة الدعاء، كما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1424(2/2711)
سر اهتمام سورة محمد بكشف المنافقين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو سر اهتمام سورة محمد بالمنافقين وكشفهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أفاض الله سبحانه في كتابه العزيز في الحديث عن المنافقين في أكثر من سورة، بل إنه سمى سورة باسمهم "سورة المنافقين"، وفي كل هذه السور يكشف المولى جل وعلا عن صفات وملامح هؤلاء القوم لعباده المؤمنين، وما هم عليه من حقد وبغض للإسلام والمسلمين، رغم أنهم إذا لقوا المؤمنين يظهرون الإيمان والمحبة، وهذا ما جعلهم أشد خطراً من الكفار الخُلّص، لأن أولئك أمرهم مكشوف لنا، بينما المنافقون قوم يعيشون بين أظهرنا ويعلنون انتماءهم لديننا، إلا أنهم في حقيقة أمرهم ليسوا منا؛ لما يبطنوه من الكفر، وهذا ما جعل القرآن الكريم يكثر من أوصافهم حتى نحذرهم ونأمن شرورهم، لأنهم معاول هدم وفساد للأمة قديماً وحديثاً.
ومن جملة تلك الأوصاف ما قصه الحق سبحانه علينا في سورة محمد، ومن ذلك سخريتهم واستهزاؤهم بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يتظاهرون بالاستماع لحديثه وحينما يخرجون من عنده يسألون عماذا كان يقول آنفا: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً [محمد:16] .
ومما ذكرته هذه السورة المباركة عن المنافقين أنه إذا أنزل الله تعالى سورة يأمر فيها بالجهاد ينكشف جزعهم وضعف نفوسهم من مواجهة هذا التكليف، إلى غير ذلك من الأوصاف السيئة التي يتمتع بها المنافقون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2712)
تفسير قوله تعالى "ما ننسخ من آية أو ننسها.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) ؟ وما سبب النزول؟ وما هي الآيات التي نسيت وهل نساها الرسول وكم عددها؟ وهل كتبت في القرآن ثم حذفت؟ وكيف عرفت إذا كان الرسول قد نسيها ولم يستبدلها الله؟
وشكراً جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 15632 تفسير قوله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ... [البقرة:106] . وما لم يذكر في تلك الفتوى نذكره هنا، فمن ذلك سبب النزول.
قال القرطبي في تفسيره: ... وهذه آية عظمى في الأحكام، وسببها أن اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة وطعنوا في الإسلام بذلك، وقالوا: إن محمداً يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه، فما كان هذا القرآن إلا من جهته، ولهذا يناقض بعضه بعضا، فأنزل الله: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ. وأنزل: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ.... ا. هـ
وأما ما سأل عنه السائل من الآيات التي نسخت، وكم عددها، وما الحكم من نسخها إلى آخره ... ، فجواب ذلك يطول ونحيله على الفتاوى التالية أرقامها: 3715، 13919، 647.
وليعلم أن ما نسخ من القرآن مستثنى من قول الله عز وجل: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ قال العلماء قوله تعالى: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ هو ما نسخه الله من القرآن، فرفع حكمه وتلاوته. ذكره الطبري في تفسيره.
وننصح بمراجعة كتاب الناسخ والمنسوخ للواحدي، وكتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، والناسخ والمنسوخ للهروي، وكذلك للنحاس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1424(2/2713)
معنى "وتبتل إليه تبتيلا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السرفي أنه لم ترد كلمة التبتل في القرآن إلا في سورة المزمل؟ "وتبتل اليه تبتلا"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ورود كلمة في القرآن مرة واحدة ليس من الضروري أن يكون فيه سر معين، فإن من نظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن وجد كثيرا من الكلمات لم تكرر في القرآن.
ثم إن كلمة "التبتل" لم ترد في القرآن لا في المزمل ولا في غيرها.
وقد استشكل بعض أهل العلم أنه لماذا لم ترد كلمة "التبتل" التي هي مصدر "تبتل" وجاءت بدلها كلمة "التبتيل" التي هي مصدر "بتل".
وقد أجاب بعض المفسرين بأنه عدل عن "التبتل" إلى "التبتيل" لمراعاة المجانسة في فواصل الآيات، حتى تجانس "قليلا" و "ترتيلا" و "ثقيلا" و "وكيلا" في الآيات الواقعة معها في السورة.
ثم إن المصدرين مشتقان من مادة "البتل" بمعنى القطع.
وقد كثر في أساليب لغة العرب إنابة مصدر من المادة عن مصدر آخر، ومنه في القرآن قول الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28] .
ومنه قوله: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً [نوح:17] .
فأبدل "نباتا" الذي هو مصدر "نبت" بالإنبات الذي هو مصدر "أنبت" وقيل إن "نباتا" اسم مصدر من "أنبت".
وراجع في هذا الموضوع تفسير القرطبي والشوكاني وابن عاشور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(2/2714)
سر الاهتمام بدرء الفساد بين آيتي الدعاء بسورة الأعراف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكمة ذكر (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) آية 56 من سورة الأعراف بين دعائين: ادعوا ربكم تضرعا وخفية وبين: ادعوه خوفا وطمعا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء النهي عن الفساد في قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56] .
بين آيتين آمرتين بالدعاء لحكمة هي الجمع بين الترغيب والترهيب، وتوضيح ذلك أن وجود آيتين تشتملان على أمرين بالدعاء فيه ترغيب يدعو النفس البشرية إلى الشعور بالرضا والاسترسال في شهواتها، فناسب أن يأتي ترهيب كبحاً لجماح النفس عن المعاصي ودرءاً للمفسدة، وهذا الأسلوب يرد كثيراً في القرآن الكريم.
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره المسمى "التحرير والتنوير": عطف النهي عن الفساد في الأرض على جملة إنه لا يحب المعتدين عطفاً على طريقة الاعتراض، فإن الكلام لما نبأ عن عناية الله بالمسلمين وتقريبه إياهم إذا أمرهم أن يدعوه، وشرّفهم بذلك العنوان العظيم في قوله (ربكم) عرَّض لهم بمحبته إياهم دون أعدائه المعتدين، أعقبه بما يحول بينهم وبين الإدلال على الله بالاسترسال في ما تمليه عليهم شهواتهم من ثوران القوتين: الشهوية والغضبية، فإنهما تجنيان فسادا في الغالب، فذكّرهم بترك الفساد ليكون صلاحهم منزها عن أن يخالطه فساد، فإنهم إن أفسدوا في الأرض أفسدوا مخلوقات كثيرة، وأفسدوا أنفسهم من ضمن ذلك الإفساد، فأشبه موقع الاحتراس، وكذلك دأب القرآن أن يعقب الترغيب بالترهيب وبالعكس لئلا يقع الناس في اليأس أو الأمن، والاهتمام بدرء الفساد كان مقاما هنا مقتضيا التعجيل بهذا النهي، معترضا بين جملتي الأمر بالدعاء. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(2/2715)
تفسير "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم.."
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد تفسير: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) هل هي عامة على كل قوي أو جميل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الله تعالى في سياق الحديث عن المنافقين: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [المنافقون:4] .
يعني أن للمنافقين أجساماً تعجب من يراها لما فيها من النضارة والرونق، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ، أي وكانوا أشكالاً حسنة وذوي فصاحة وألسنة، يصغى إلى قولهم لبلاغتهم، وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجبن، ولهذا قال الله تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ. انتهى.
ومن هذا تعلم أنها ليست عامة على كل قوي وجميل، وإنما هي خاصة بالمنافقين الذين كانت صورهم حسنة، وبواطنهم خواء من الإيمان.
وليس المراد بذلك ذم القوة أو الجمال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال. رواهما مسلم.
إنما المقصود ذم حسن الظاهر مع خراب الباطن، ولذلك وصفهم الله سبحانه بقوله: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4] .
قال القرطبي: شبههم بخشب مسندة إلى الحائط لا يسمعون ولا يعقلون، أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(2/2716)
تفسير قوله تعالى "مآرب أخرى"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى"وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكؤ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى"
ما المقصود بكلمة "مآرب أخرى"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود بالمآرب الأخرى في الآية الكريمة أي حوائج، وإحدها مأربة.
قال الشوكاني في فتح القدير: وقد تعرض قوم لتعداد منافع العصا فذكروا من ذلك أشياء منها قول بعض العرب: (عصاي أركزها لصلاتي، وأعدها لعداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيتي ليتسع خطوي، وأثب النهر، وتؤمنني العثر، وألقي عليها كسائي فتقيني الحر، وتدفيني من القر، وتدني إلي ما بعد مني.. أقرع بها الأبواب، وأقي بها عقور الكلاب، وتنوب عن الرمح في الطعان، والسيف عند منازلة الأقران.) .ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(2/2717)
معنى "أفنضرب عنكم الذكر صفحا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التفسير المعمق الآية "أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوماً مسرفين"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ضرب عنه تأتي بمعنى تركه وأمسك عنه، وتأتي بمعنى أبعد الشيء عنه، كما تقول: ضربت الإبل الغرائب عن الحوض، بمعنى أبعدتها عنه.
والذكر هو القرآن، قاله الضحاك وقتادة وغيرهما، وقيل التذكير.
وقيل العذاب، قاله مجاهد والسدي وابن عباس وأبو صالح، ذكر هذه الأقوال القرطبي في تفسيره.
وعلى المعنى الأول لِضَرَب يكون المعنى: أفنمسك عنكم القرآن والتذكير والعذاب، وعلى أن معنى ضرب أبعد الشيء عنه يكون المعنى: أفنبعد عنكم القرآن أو التذكير والعذاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1424(2/2718)
معنى الماعون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الماعون المذكور في القرآن، وهل الآلة الحاسبة تعتبر من ضمنه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلفت عبارات السلف في معنى الماعون وأحسن ما قيل فيه قول عكرمة: رأس الماعون زكاة المال، وأدناه المنخل والدلو والإبرة.
ووضع بعض العلماء ضابطاً للآلات بأنها: ما ينتفع به مع بقاء عينه. ولا شك أن الآلة الحاسبة يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، فهي من الماعون إذن.
إلا أنها أكثر تعرضاً للفساد من الإبرة والمنخل، وراجع في أقوال السلف في تفسير الماعون الفتوى رقم: 15013
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(2/2719)
قصة أصحاب الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي قصة أصحاب الكهف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قصة أصحاب الكهف مذكورة بالتفصيل في سورة الكهف، وهذا القدر يكفينا كما كفى الصحابة رضي الله عنهم ومن اتبعهم بإحسان، وإن أردت المزيد عن قصتهم فراجع في ذلك تفاسير القرآن المعتمدة، كابن كثير والقرطبي وغيرهما، لأن ذكر قصتهم في مثل هذا الجواب يطول بما يتنافى مع مقصد الموقع، علماً بأن الموقع مشغول ببيان الأحكام الشرعية العملية التي يترتب عليها الالتزام بالواجبات والانكفاف عن المحرمات، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25758 / 24017 / 29341 / 15871
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1424(2/2720)
حول الآية (26) و (40) من سورة التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سورة التوبة الآية 26 نفس الشيء فى آية 40 ذكر سكينة ثم جنوداً، هل هذا تكرار أم ما الحكمة، والفرق بينهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن الكريم أجل وأعظم من أن يقع فيه نقص أو زيادة لغير معنى أو لحكمة، لأنه كلام الخالق سبحانه وقد جعله معجزة خالدة على مر العصور والدهور لنبيه وصفيه من خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، فتحدى به العرب والعجم؛ بل والجن والإنس أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، والتاريخ شاهد على عجزهم جميعاً عن ذلك، وأنى لهم ذلك والله تعالى يقول: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] .
ومن هنا تعلم أخي أنه لا يوجد في القرآن الكريم حشو أو تكرار لمعنى من غير فائدة عظيمة، فالآية الأولى التي أشرت إليها وهي قوله سبحانه: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [التوبة:26] ، جاءت في معرض المنِّ على المؤمنين بنصر الله لهم لما فروا من القتال يوم حنين مع كثرتهم وعدتهم وعتادهم، فلولا أن الله تعالى تداركهم برحمته، ما عادوا إلى القتال ثانية ووقفوا في وجه عدوهم وغلبوهم بتفضل الله عليهم.
ولو أنك رجعت إلى الآيات السابقة للآية لتجلى لك الأمر واتضح.
أما الآية الثانية وهي قوله سبحانه: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40] .
فإنها وردت تقريعاً للمتقاعسين عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجه إلى غزوة تبوك، فذكرهم القرآن بأن الله تعالى الذي نصر عبده وأيده وأنزل سكينته عليه يوم أن أخرجه من مكة، قادر على أن ينصره في كل وقت وحين، وهذا المعنى يفهم بوضوح عندما يعود الإنسان إلى أول الآية: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1424(2/2721)
ذكر الرسالة بصيغة الجمع في حق بعض الرسل دون بعض
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الأعراف 79 لماذا في النبي صالح فقط قال.. وأبلغكم رسالة ربي.. أما في نوح وشعيب "فقال أبلغكم رسالات ربي".. لماذا في الأولى رسالة مفرد، أما باقي الرسل رسالات بالجمع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ذكر الرسالة بصيغة الجمع في حق بعض الرسل دون بعض له ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن المقصود مثابرة الرسول على تبليغ الرسالة في أوقات مختلفة، فيكون قد أطلق على كل تبليغ رسالة.
الوجه الثاني: اشتمال الرسالة على معان مختلفة كالعقائد والمواعظ والأحكام، فيكون الجمع باعتبار تعدد هذه المعاني.
الوجه الثالث: تبليغ الرسول ما كُلف به بالإضافة إلى شريعة من قبله من الأنبياء.
قال الإمام البيضاوي في تفسيره: وجمع الرسالات لاختلاف أوقاتها، أو لتنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والأحكام، أو لأن المراد بها ما أوحي إليه وإلى الأنبياء قبله. انتهى.
وقال الشيخ ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: وجملة: وأبلغكم رسالات ربي صفة لرسول أو مستأنفة، والمقصود منها إفادة التجدد وأنه غير تارك التبليغ من أجل تكذيبهم تأييساً لهم من متابعته إياهم، ولولا هذا المقصد لكان معنى هذه الجملة حاصلاً من معنى قوله: ولكني رسولٌ، ولذلك جمع الرسالات لأن كل تبليغ يتضمن رسالة بما بلغه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1424(2/2722)
حول "وبئس الورد.." و "بئس الرفد.."
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة هود 95 قال "وبئس الورد المورود"، "بئس
الرفد المرفود".. لماذا في الأولى بدء بالحرف الواو وفي الثانية لم يبدأ بالواو؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: الْمَوْرُودُ [هود:98] . في موضع حال، والواو (واو الحال) .
أما قوله تعالى: بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ [هود:99] . فجملة مستأنفة لإنشاء ذم اللعنة، والمخصوص بالذم محذوف دل عليه ذكر اللعنة.
هذا مضمون ما ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(2/2723)
توجيه حذف حرف النداء في (ابن أم) في سورة الأعراف وإثباته في طه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السر في سورة الأعراف الآية150 قال "ابن أم ... " أما في سورة طه الآية 94 "يَا ابْنَ أُمَّ"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره المسمى (التحرير والتنوير) عند تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي توجيها لحذف حرف النداء هنا وإثباته في سورة طه في قوله تعالى: قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي، حيث قال: وحذف حرف النداء لإظهار ما صاحب هارون من الرعب والاضطراب، أو لأن كلامه هذا وقع بعد كلام سبقه فيه حرف النداء وهو المحكي في سورة طه: قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي، ثم قال بعد ذلك: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي، فهما كلامان متعاقبان، ويظهر أن المحكي هنا في سورة الأعراف هو القول الثاني، وأن ما في سورة طه هو الذي ابتدأ به هارون، لأنه كان جواباً عن قول موسى: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أن لا تتبعنِ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(2/2724)
الفعلان (أنزل) و (ألقى) قد يتعديان بإلى أو على
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السر في سورة هود آية 12 قال " ... أنزل عليه كنز".. وفي سورة الفرقان آية 8 قال "أنزل إليه كنز" لماذا قال في الأولى "عليه" وفي الثانية قال "إليه"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم وفقك الله أن كلاً من الفعلين (أنزل) و (ألقى) قد يتعدى بإلى أو على، والأمثلة في القرآن على ذلك كثيرة.
قال تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136] .
وقال جل وعلا: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا [آل عمران:84] .
وقال عز من قائل: وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ [آل عمران:199] .
وقال تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39] .
وقال جل وعلا: وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ [صّ:34] .
وقال سبحانه: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ [الزخرف:53] .
وقال عز من قائل: أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا [القمر:25] .
وقال تقدست أسماؤه: أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ ... [الفرقان:8] .
وهذا من ثراء اللغة العربية واتساعها.
وننبهك بارك الله فيك على أن مركز الفتوى يعنى بالأسئلة الفقهية وبيان الحلال والحرام، ومثل هذه الأسئلة خارجة عن مجال تخصصنا، وتشغلنا عن كثير من الأسئلة التي أصحابها في حاجة ماسة لسرعة إجابتها، فنرجو من الأخ المعذرة على عدم إجابة هذا النوع من الاسئلة مرة أخرى.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(2/2725)
تفسير (وما أدراك ما الطارق..)
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أمكن شرح قوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم "والسماء والطارق" صدق الله العظيم، ما معنى الطارق؟؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطارق هو النجم، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ثم فسره بقوله: النَّجْمُ الثَّاقِبُ قال قتادة وغيره: إنما سمي النجم الطارق لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار، ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح، نهي أن يطرق الرجل أهله طروقاً، أي يأتيهم فجأة بالليل، وفي الحديث الآخر المشتمل على الدعاء: إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1424(2/2726)
السر في ذكر خلق الأنعام أثناء الحديث عن خلق الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الزمر آية6 ما هو السر في ذكر خلق الأنعام في وسط حديث عن خلق الإنسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسر في ذلك -والله أعلم- التدليل على وحدانية الله تعالى وعظمته بذكر نوع آخر من مخلوقاته، والإشارة إلى ما بين خلق الإنسان وخلق الأنعام من تشابه في الخلق، ولذا قال سبحانه معقبا على ذكره لإنزال الأنعام: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر: 6] .
قال الإمام البيضاوي: يخلقكم في بطون أمهاتكم: بيان لكيفية ما ذكر من الأناسي والأنعام إظهارا لما فيها من عجائب القدرة، غير أنه غلّب أولي العقل، أو خصهم بالخطاب، لأنهم المقصودون انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1424(2/2727)
تفسير (أقم الصلاة لدلوك الشمس..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: هنالك آية (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) الله يجزيكم الخير أنا أريد أن أعرف اسم السورة؟ وما هو تفسيرها؟
والله يعطيكم العافية ويجزيكم كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78] .
قال الإمام الشوكاني في فتح القدير: أجمع المفسرون على أن هذه الآية في الصلوات المفروضات.
وقال الإمام ابن كثير في تفسيرها: يقول تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمراً له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها، أقم الصلاة لدلوك الشمس، قيل لغروبها، قاله ابن مسعود ومجاهد وابن زيد، وقال هشيم عن مغيرة عن الشعبي عن ابن عباس: دلوكها زوالها ... اختاره ابن جرير، ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد عن الحكم بن بشير: حدثنا عمرو بن قيس عن ابن أبي ليلى عن رجل عن جابر بن عبد الله قال: دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اخرج يا أبا بكر، فهذا حين دلكت الشمس ... ، فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس، فمن قوله: لدلوك الشمس إلى غسق الليل وهو ظلامه، وقيل غروب الشمس - أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقوله: وقرآن الفجر يعني صلاة الفجر ... انتهى.
وراجعي تتميماً للفائدة الفتوى رقم: 34265.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1424(2/2728)
تفسير (ولن ترضى عنك اليهود..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمته الله وبركاته
أريد تفسير هذه الآية: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) صدق الله العظيم؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه، ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، وليست اليهود، يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبداً، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم، ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم، لأن اليهودية ضد النصرانية، والنصرانية ضد اليهودية، ولا تجتمع النصرانية واليهودية في شخص واحد، في حال واحدة، واليهود والنصارى لا تجتمع على الرضا بك، إلا أن تكون يهودياً نصرانياً، وذلك مما لا يكون منك أبداً، لأنك شخص واحد، ولن يجتمع فيك دينان متضادان في حال واحدة، وإذا لم يكن إلى اجتماعهما فيك في وقت واحد سبيل، لم يكن لك إلى إرضاء الفريقين سبيل، وإذا لم يكن لك إلى ذلك سبيل، فالزم هدى الله الذي لجميع الخلق إلى الألفة عليه سبيل، وأما الملة فإنها الدين، وجمعها الملل. انتهى.
وقال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم المعنى: ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الآيات أن يؤمنوا، بل لو أتيتهم بكل ما يسألون لم يرضوا عنك، وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلام واتباعهم.
وقال البغوي رحمه الله: وذلك أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويطمعونه في أنه إن أمهلهم اتبعوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، معناه وإنك إن هادنتهم فلا يرضون بها، وإنما يطلبون ذلك تعللاً، ولا يرضون منك إلا باتباع ملتهم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1424(2/2729)
تفسير (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبر الله في سورة الإسراء أنه مهلك كل قرية كفرت فقال " وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا (58) ، فهل يشمل هذا دولاً مثل أمريكا، وأهل الكتاب اليوم هل هم أهل كتاب أم كفار، وهل يجوز الزواج منهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم أهل الكتاب، وهل هم كفار أم لا؟ مع بيان حكم التزوج منهم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2924، 10253، 12718.
وأما الآية التي في سورة الإسراء، وهي قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً [الإسراء:58] .
فيقول الطاهر بن عاشور عنها في كتابه التحرير والتنوير: لماعرض بالتهديد للمشركين في قوله: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً [الإسراء:57] ، وتحداهم بقوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً [الإسراء:56] ، جاء بصريح التهديد على مسمع منهم بأن كل قرية مثل قريتهم في الشرك لا يعدوها عذاب الاستئصال وهو يأتي على القرية وأهلها، أو عذاب الانتقام بالسيف والذل والأسر والخوف والجوع، وهو يأتي على أهل القرية مثل صرعى بدر، كل ذلك في الدنيا، فالمراد: القرى الكافر أهلها، لقوله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117] ، وقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59] .
وحذف الصفة في مثل هذا معروف؛ كقوله تعالى: يأخذ كل سفينة غصبا أي كل سفينة صالحة، بقرينة قوله: فأردت أن أعيبها.
وليس المقصود شمول ذلك القرى المؤمنة، على معنى أن لا بد للقرى من زوال وفناء في سنة الله في هذا العالم، لأن ذلك معارض لآيات أخرى، ولأنه منافٍ لغرض تحذير المشركين من الاستمرار على الشر.
فلو سلمنا أن هذا الحكم لا تنفلت منه قرية من القرى بحكم سنة الله في مصير كل حادث إلى الفناء، لما سلمنا أن في ذكر ذلك هنا فائدة.
والتقييد بكونه "قبل يوم القيامة" زيادة في الإنذار والوعيد، كقوله "ولعذاب الآخرة أشد وأبقى". انتهى.
وبهذا يتبين أن أي قرية تتصف بصفات الكافرين معرضة للإهلاك والتدمير من قبل رب العالمين، أو للعذاب والانتقام على أيدي المؤمنين، مهما كانت قوتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1424(2/2730)
قصتا لوط ويونس في سورة الشعراء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة فى عدم ذكر الله عز وجل فى لوط ويونس سلام عليهم وتركنا عليهم فى الآخرين كما ذكر فى أنبياء قبله: موسى إبراهيم ونوح..... كل ذلك فى سورة الصافات]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أجاب عن ذلك العلامة الألوسي في تفسيره "روح المعاني" فقال رحمه الله بعد كلامه على تفسير الآيات المتعلقة بذكر نبي الله لوط ونبي الله يونس، صلوات الله وسلامه عليهما وعلى جميع الأنبياء والمرسلين: ولعل عدم ختم هذه القصة والقصة التي قبلها بنحو ما ختم به سائر القصص من قوله تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ تفرقة بين شأن لوط ويونس عليهما السلام، وشأن أصحاب الشرائع الكبرى وأولى العزم من المرسلين، مع الاكتفاء فيها بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكور في آخر السورة، ولتأخرهما في الذكر قُرباً منه، والله تعالى أعلم. انتهى.
والسلام المذكور في آخر السورة هو قوله تعالى: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1424(2/2731)
معنى قوله تعالى "تطهرهم وتزكيهم بها"
[السُّؤَالُ]
ـ[سورة التوبة آية 103 ما الفرق بين الطهارة والزكاة في الآية؟ مع أنه ليس بتكرار ... تطهرهم وتزكهم بها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في إعراب قوله تعالى: تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103] . فقيل هما حالان للمخاطب، وهو النبي صلى الله عليه وسلم والتقدير: خذها مطهرا لهم ومزكيا لهم بها، وقيل، هما صفتان للصدقة، أي صدقة مطهرة لهم مزكية، وقيل غير ذلك.
وعلى كل حال: فالطهارة معناها النقاوة من الأنجاس والأدناس، والتزكية هي جعل الشيء زكيا أي كثير الخيرات، فقوله تعالى: " تطهرهم" من باب التخلية عن السيئات، "وتزكيهم" من باب التحلية بالفضائل والحسنات، وبهذا يظهر الفرق بين الجملتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1424(2/2732)
قوم بلقيس اتصفوا بصفة زائدة عن الأعراب
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة النمل آية33 "أولوا قوة وأولوا بأس شديد" وفى سورة الفتح آية16 "أولي بأس شديد فقط
ما الفرق بين الآيتين مع الشرح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الآية الثالثة والثلاثين من سورة النمل، يبين الله سبحانه وتعالى أن قوم بلقيس ملكة سبأ أجابوها لما استشارتهم في شأن كتاب نبي الله سليمان الذي ألقاه إليهم الهدهد، وفيه دعوتهم إلى الإسلام، فقالوا لها: "نحن أولوا قوة وألوا بأس شديد"، أي نحن جماعة المملكة الذين هم أهل الحرب، ومن يفوض إليهم الأمر، أولوا قوة: أي أهل كثرة في العدد والعتاد، ونملك وسائل القدرة على القتال والغلبة، وألوا بأس شديد: أي أهل شدة على العدو ونكاية به، وهذا الجواب تصريح منهم باستعدادهم للحرب للدفاع عن ملكهم، وتعريض بأنهم يميلون للدفع بالقوة لأعدائهم، وأما قوله تعالى: سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الفتح:16] .
أي ستدعون أيها الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج عام الحديبية معتمراً، إلى قوم: وهم هوازن وبنو حنيفة الذي ارتدوا عن الإسلام في عهد أبي بكر رضي الله عنه، على قول جمهور المفسرين كما ذكره الواحدي في تفسيره، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أولي بأس شديد: أي أهل شدة على من يقاتلونه، ولم يصفهم هنا بالقوة، كما وصف قوم بلقيس، فيكون قوم بلقيس على هذا قد اتصفوا بصفة زائدة عن الأعراب، وهي القوة التي تفيد الكثرة في العدد والعدة، ووسائل القدرة على القتال، إضافة إلى شدتهم عند لقاء عدوهم، والقوم المذكورون في سورة الفتح لا يتصفون إلا بوصف واحد وهو الشدة عند لقاء العدو، وراجع تفسير الآيتين في كتب التفسير المعتمدة كابن كثير والقرطبي وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1424(2/2733)
السر في قوله تعالى "إخوان لوط"
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة ق آية13 لماذا قال: (إخوان لوط) ولم يقل قوم لوط أو أصحاب لوط كما ذكر في أنبياء قبله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من بلاغة القرآن تنويع الأسلوب، وقد عبر الله عن أمة لوط بأنهم قومه في عدة آيات، كما في قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:160] .
وكما في قوله تعالى: وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِه.... [الأعراف:80] .
وكما في قوله تعالى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ* وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ [الحج:42-43] .
وقد عبر في سورة ق عنهم بأنهم إخوانه، كما عبر في الشعراء بأنه أخوهم في قوله: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:161] .
وقد استشكل بعضهم هذه الأخوة، لأن لوطا من العبرانيين، وقومه أهل سدوم كنعانيون، وأجاب بعض المفسرين عن ذلك بأنه صاهرهم ولازمهم فسمي أخاهم بذلك الاعتبار.
إذ قد يقال في اللغة هو أخو كذا بمعنى أنه ملازمه، قال الشاعر:
أخا الحرب لباسا إليها جلالها ... إذا عدموا زاداً فانك عاقر
وراجع كتب التفسير، كابن كثير والتحرير والتنوير وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1424(2/2734)
تفسير قوله تعالى "سلفا ومثلا للآخرين"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التفسير المعمق عن الآية56 من سورة الزخرف "سلفا ومثلا للآخرين"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله عز وجل: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ* فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ [الزخرف:56] .
وذلك بعد بيان ما حصل بين موسى وفرعون وقومه، من تكذيبهم له، وعتوهم في الكفر، فعقب على ذلك بهاتين الآيتين اللتين تشتملان على المقصود من القصة، وهي أمور ثلاثة، يترتب بعضها على بعض وهي: الانتقام، فالإغراق، فالاعتبار بهم في الأمم من بعدهم، والمقصود هنا بيان معنى قوله تعالى: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ، أي فجعلنا إهلاك قوم فرعون قدوة لمن عمل بعملهم من الكفار في استحقاق العذاب لأجل الاعتبار بهم، قال الفرَّاء والزجاج: جعلناهم متقدمين سابقين ليتعظ بهم الآخرون اللاحقون. انتهى.
ثم قال عز وجل: وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ أي حديثاً عجيباً يسير بين الناس مسير الأمثال، فهو عبرة لهم ليعلموا أنهم إن عملوا مثل عملهم أصابهم مثل ما أصابهم، ويمكن للأخ الكريم حينما يريد أن يعرف معنى آية أو تفسيرها أن يرجع إلى كتب التفسير المعتمدة، كابن كثير والقرطبي ونحوهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1424(2/2735)
تفسير "لا يأتيه الباطل من بين يديه.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" ما معنى "بين يديه" "خلفه"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر أهل التأويل في تفسير قوله تعالى عن القرآن: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] . أقوالا:
فقال بعضهم معناه: لا يأتيه النكير من بين يديه ولا من خلفه، وقال آخرون: معنى ذلك: لا يستطيع الشيطان أن ينقص منه حقا ولا يزيد فيه باطلا، قالوا: والباطل هو الشيطان.
وقوله: من بين يديه: من قبل الحق. ولا من خلفه: من قبل الباطل.
وقال آخرون: معناه إن الباطل لا يطيق أن يزيد فيه شيئا من الحروف، ولا ينقص منه شيئا منها.
ذكر هذه الأقوال الإمام الطبري في تفسيره وعزاها إلى قائليها، ثم قال:
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: معناه لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده، وتبديل شيء من معانيه عما هو به، وذلك هو الإتيان من بين يديه، ولا إلحاق ما ليس منه فيه، وذلك إتيانه من خلفه. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1424(2/2736)
الإعجاز في كلمة "وهنا" وكلمة "كرها"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السر في اختيار كلمة مرة في سورة لقمان آية 14"حملته أمه وهنا على وهن" ومرة في سورة الأحقاف آية15 "كرها"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكلا الآيتين تبينان حالتين مختلفتين من حالات الأم عند حملها لجنينها، ولذا عبر سبحانه عن كل حالة باللفظ الذي يناسبها.
فقوله تعالى في سورة لقمان: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ [لقمان: 14] . قال ابن جرير: يقول: ضعفا على ضعف. وقال القرطبي أي: حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفا، وقيل: المرأة ضعيفة الخلقة، ثم يضعفها الحمل. وقال صاحب التحرير والتنوير: وانتصب وهناً على الحال من أمه مبالغة في ضعفها حتى كأنها نفس الوهن و"على وهن" صفة لـ "وهناً" أي: وهناً واقعا على وهن ... فإن حمل المرأة يقارنه التعب من ثقل الجنين في البطن والضعف من انعكاس دمها إلى تغذية الجنين، ولا يزال ذلك الضعف يتزايد بامتداد زمن الحمل، فلا جرم أنه وهن على وهن.
أما قوله تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْها [الاحقاف: 15] .
فقد قال صاحب التحرير والتنوير: والمعنى أنها حملته في بطنها متعبة من حمله تعباً يجعلها كارهة لأحوال هذا الحمل، ووضعته بأوجاع وآلام جعلتها كارهة لوضعه. ومن هذا تعلم أن كلا من كلمة "وهناً" وكلمة "كرهاً" تدل على ما لا تدل عليه الأخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1424(2/2737)
الحكمة من اختلاف خاتمة قصتي لوط ويونس في سورة الصافات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو السر في عدم ذكر قوله تعالى سلام على لوط أو سلام على يونس كما ذكر على أنبياء قبله في سورة الصافات ذكر سلام وتركنا عليهم في الآخرين في حق إبراهيم وموسى ونوح......عدا لوط ويونس فما هو السر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من الممكن أن يكون عدم ختم قصتي لوط ويونس بما ختمت به القصص التي جاءت قبلهما هو للتفريق بين شأنهما وشأن أصحاب الشرائع الكبر.
قال الألوسي في روح المعاني: ولعل عدم ختم هذه القصة والقصة التي قبلها بنحو ما ختم به سائر القصص من قوله تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ*سَلامٌ [الصافات: 78-89] . تفرقة بين شأن لوط ويونس عليهما السلام وشأن أصحاب الشرائع الكبر وأولي العزم من المرسلين، مع الاكتفاء فيهما بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكور في آخر السورة، ولتأخرهما في الذكر قربا منه. (12/142) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1424(2/2738)
تفسير قوله تعالى ((ويل للمطففين))
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى ويل للمطففين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره عند كلامه على هذه الآية: يقول تعالى ذكره: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم في أسفلها للذين يطففون، يعني: للذين ينقصون الناس، ويبخسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم أو موازينهم إذا وزنوا لهم، عن الواجب لهم من الوفاء.
وقال الإمام القرطبي: قوله تعالى: ويل أي شدة عذاب في الآخرة، وقال ابن عباس: إنه واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار، فهو قوله تعالى: ويل للمطففين أي الذين ينقصون مكاييلهم وموازينهم، وروي عن ابن عمر قال: المطفف: الرجل يستأجر المكيال وهو يعلم أنه يحيف في كيله فوزره عليه، وقال آخرون: التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث، وفي الموطأ قال مالك: ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف، وروي عن سالم بن أبي الجعد قال: الصلاة بمكيال، فمن أوفى له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك: "ويل للمطففين".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(2/2739)
تفسير الآية الأولى من سورة المنافقون
[السُّؤَالُ]
ـ[فى سورة "المنافقون" لماذا قال تعالى: "والله يعلم إنك لرسوله" ولم يقل والله يشهد إنك لرسوله، ليتناسق مع جواب نشهد إنك لرسول الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتناسق حاصل في الآية بين بدئها وختامها بتكرار الفعل شهد، قال ابن عاشور: وجيء بفعل "يشهد" في الإخبار عن تكذيب الله تعالى إياهم للمشاكلة، حتى يكون إبطال خبرهم مساوياً لإخبارهم.
وجملة (والله يعلم إنك لرسوله) جملة معترضة لدفع إيهام من يسمع جملة (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) أنه تكذيب لجملة (إنك لرسول الله) ، فإن المسلمين كانوا يومئذٍ محفوفين بفئام من المنافقين مبثوثين بينهم هجِّيراهم فتنة المسلمين، فكان المقام مقتضياً دفع الإيهام.
وإنما قال سبحانه (والله يعلم إنك لرسوله) ولم يقل (والله يشهد..) إشارة إلى أن المنافقين لم يقولوا "نشهد إنك لرسول الله" عن علمٍ واعتقاد بأحقية الرسالة.
هذا خلاصة ما ذكره عدد كبير من المفسرين، منهم ابن كثير والبغوي والقرطبي والألوسي والبيضاوي وابن عاشور والشنقيطي والصابوني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(2/2740)
الحكمة من الجمع بين خلق الأنعام والإنسان في سورة الزمر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو السر فى ذكر خلق الأنعام فى وسط التحدث عن خلق الإنسان فى سورة الزمر آية6؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالآية التي أشار إليها السائل هي قوله سبحانه وتعالى في سورة الزمر: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر:6] . ولعل السر في ذلك والله أعلم ما ذكره العلامة الشيخ محمد الطاهر عاشور في كتابه التحرير والتنوير عند تفسير هذه الآية حيث قال رحمه الله عن قوله تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ [الزمر:6] قال: وهذا اعتراض بين جملة "خلقكم من نفس واحدة" وبين "يخلقكم في بطون أمهاتكم" لمناسبة أزواج الأنعام لزوج النفس الواحدة. انتهى. وعلى كل فهذا امتنان من الله سبحانه وتعالى على عباده حيث خلق لهم هذه الأنعام الثمانية، وهي المذكورة في سورة الأنعام 143-144. وقال السعدي رحمه الله: خصها بالذكر مع أنه أنزل لمصالح عباده من البهائم غيرها لكثرة نفعها وعموم مصالحها ولشرفها ولاختصاصها بأشياء لا يصلح لها غيرها، كالأضحية والهدي والعقيقة ووجوب الزكاة فيها واختصاصها بالدية. انتهى. ولعله أيضاً خصها بالذكر لأن المخاطبين بالقرآن يؤمئذ قوام حياتهم بالأنعام، ولا تخلو الأمم يومئذٍ من الحاجة إلى الأنعام، ولم تزل الحاجة إلى الأنعام حافة بالبشر في قوام حياتهم. انتهى ملخصاً من التحرير والتنوير. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(2/2741)
تفسير "ولا تجهر بصلاتك ولاتخافت بها.."
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولاتخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) ما المقصود بهذه الآية؟ وما هو حكم من صلى صلاة جهرية منفردا ولم يجهر بها؟ أو كان مأموما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي هذه الآية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ألا يجهر بصلاته وألا يخافت بها، والجهر رفع الصوت، والمخافتة الإسرار الذي يُسمع المتكلم به نفسه.
واختلف المفسرون في الصلاة ما هي؟ فقال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما وجماعة: هي الدعاء، وقال ابن عباس وغير واحد أيضاً هي قراءة القرآن في الصلاة، والمعنى: لا تجهر بقراءة صلاتك ولا تخافت بها.
وقد نزلت هذه الآية بمكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بها، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون ذلك سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم "ولا تجهر بصلاتك" أي بقراءتك فيسمعها المشركون فيسبوا القرآن، "ولا تخافت بها" عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن فيأخذوه عنك، "وابتغ بين ذلك سبيلاً" بين الجهر والمخافتة.
وقيل: لا تجهر بصلاة النهار، ولا تخافت بصلاة الليل، وابتغ بين ذلك سبيلاً من امتثال الأمر كما رسم لك. انتهى مختصر من تفسير ابن عطية وغيره.
وأما حكم الجهر في الصلوات الجهرية التي هي الفجر والجمعة والمغرب والعشاء ونوافل الليل، فإنه سنة على الراجح من أقوال أهل العلم، وقيل بوجوبه في المكتوبة، كما يسن الإسرار في صلوات النهار.
ومن لم يجهر في الجهرية المكتوبة فيسجد قبل السلام، وقيل لا سجود عليه، هذا إذا كان إماماً أو فذا، وأما المأموم فلا يجهر ولا سجود عليه قولاً واحداً، ولمزيد من التفصيل والفائدة وأقوال أهل العلم، نحيلك إلى الفتوى رقم: 16561.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(2/2742)
تفسير "أومن ينشأ في الحلية.."
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التفسير المعمق عن الآية18 "أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية المسؤول عنها وهي قوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18] .
جاءت في معرض الإنكار على الكفار في ما نسبوه إلى الخالق سبحانه زوراً وبهتاناً من الولد، واختاروا أنقص الولدين الذي لنقصه الخلقي ينشأ في الحلية وأنواع الزينة من صغره إلى كبره ليجبر بتلك الزينة نقصه الخلقي، وهو مع ذلك إذا خاصم غير مبين، لأن الغالب من الأنثى عدم القدرة على القيام بحجتها، قال الشوكاني في تفسيره لهذه الآية: معنى ينشأ يربى والنشوء التربية، والحلية الزينة، والمعنى: أو جعلوا له سبحانه مَنْ شأنه أن يربى في الزينة وهو عاجز عن أن يقوم بأمور نفسه، وإذا خاصم لا يقدر على إقامة حجته ودفع ما يحاوله به خصمه، لنقصان عقله وضعف رأيه.
ومن أراد الزيادة في تفسير الآية فليرجع إلى كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(2/2743)
وجه الاستدلال في آية سورة النمل على طهارة ماء المطر
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد بالجزء العشرين دليل لعلماء الفقه على طهارة ماء المطر ماهي الآية الكريمة مبينا وجه الاستدلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن في كتاب الله تعالى بعض الآيات التي هي صريحة الدلالة على أن ماء المطر طهور، منها:
-قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [الفرقان: 48-49] .
-وقوله تعالى أيضا: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11] .
أما الآية التي سألت عنها، فهي من سورة النمل، ورقمها: 60 يقول الله تعالى فيها: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَالنمل:60] .
ولعل وجه الاستدلال -والله تعالى أعلم- أن الله تعالى امتن على عباده بما أنزل لهم من المطر، الذي تنشأ عنه المنافع لهم، من غذاء لأنفسهم وعلف لدوابهم، فلو لم يكن الماء طهورا لما ساغ الانتفاع بما يترتب على نزوله من منافع، والله تعالى لا يمتن على عباده إلا بما فيه صلاح ونفع لهم.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1424(2/2744)
تفسير "ويعلم ما في الأرحام"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير قوله تعالى في آخر سورة لقمان "ويعلم ما في الأرحام" وهل يوجد وجه من أوجه الإعجاز العلمي في هذه الآيه الكريمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الآية تتحدث عن مفاتيح الغيب التي استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمها، وقد ذكر المفسرون في تفسير هذه الجملة أن الله تعالى يعلم حقيقة ما يحصل في الأرحام من حمل ومن غيض وزيادة، كما قال الله تعالى في آية الرعد: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8] .
ويعلم حالة وجود الحمل خصائص الجنين وملامحه وذكورته وأنوثته وسعادته وشقاءه، وهل هو مُخَلَّق أو غير مُخَلَّق، ومتى يتم وضعه، ولا يعارض استئثاره بهذا اطلاع بعض الأطباء بواسطة التجربة أو بواسطة الأجهزة على ذكورة الجنين أو أنوثته في بعض المراحل المتأخرة، لأن الغيب نوعان: غيب مطلق لا يعلمه إلا الله، وغيب نسبي يطلع عليه بعض العباد، فإذا علم الملك بذكورة الجنين، فقد خرج من دائرة الغيب المطلق، فأمكن اطلاع الأطباء عليه، وقد ذكر ابن كثير أنه لا مانع من اطلاع بعض الناس على ذكورة الجنين أو أنوثته بعد علم الملك ذلك.
وقد ذكر بعض العلماء والأطباء المعاصرين أن الأجهزة التناسلية تتكون في الأسبوع السادس عشر، وعليه فلا مانع من رؤية الأطباء لها بالأجهزة، وراجع للزيادة في هذا الموضوع الفتوى رقم: 3197.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1424(2/2745)
تفسير "والذين هم لفروجهم حافظون.."
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إلى علمائنا الأفاضل أدام الله مدده وفضله عليكم.
الآيات29-32 من سورة المعارج والآيات 5-6 من سورة المؤمنون؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآيات الثلاث من سورة المؤمنين وسورة المعارج هي قول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ
فأخبر الله سبحانه أن من صفات عباده المؤمنين أنهم حافظون لفروجهم، أي ممسكون لها بالعفاف عما لا يحل لهم، وهذه الآيات في الرجال، لأن الله قال فيها: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ وقد أجمع العلماء على أنه لا يحل للمرأة أن يطأها من تملكه، فكانت هذه الآيات في الرجال، وأما النساء فقد قال القاضي ابن العربي رحمه الله: وإنما عرف حفظ المرأة فرجها من أدلة أخرى، كآيات الإحصان عموماً وخصوصاً وغير ذلك من الأدلة. انتهى.
والمراد بقول الله تعالى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ الإماء، قال الشوكاني المعنى: أنهم لفروجهم حافظون في كل الأحوال إلا في حال تزوجهم أو تسريهم. انتهى.
ثم قال سبحانه وتعالى: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ أي فمن ابتغى سوى الزوجات وملك اليمين فأولئك هم المجاوزون إلى ما لا يحل لهم، وبهذه الآية استدل الإمام مالك رحمه الله على حرمة الاستمناء، فقد سئل عنه فتلا هذه الآية، وبمثل قوله قال الشافعي رحمه الله، واستدل بعض العلماء بهذه الآية أيضاً على تحريم نكاح المتعة، لأن الله عز وجل أمر بحفظ الفروج إلا من الزوجات وملك اليمين، والمتمتعة ليست زوجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1424(2/2746)
تفسير قوله تعالى" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض "
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبر سبحانه وتعالى في موضعين من القرآن الكريم أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض اذكر الموضعين ومعناهما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الله تعالى أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في موضعين من القرآن كما ذكرت، الموضع الأول في نهاية سورة الأنفال: وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال: 75] .
وتعني الآية أن ولاية الإسلام إذا عضدتها ولاية الرحم كان ذلك أقوى وأجلب للمناصرة. قال في التحرير والتنوير: فأولو الأرحام أولى بالولاية ممن ثبتت لهم ولاية تامة أو ناقصة كالذين آمنوا ولم يهاجروا في ولاية النصر في الدين، إذا لم يقم دونها مانع من كفر أو ترك هجرة، فالمؤمنون بعضهم لبعض أولياء ولاية الإيمان، وأولو الأرحام منهم بعضهم لبعض أولياء ولاية النسب.. فلما كانت ولاية الأرحام أمرا مقررا في الفطرة ولم تكن ولاية الدين معروفة في الجاهلية بيّن الله أن ولاية الدين لا تبطل ولاية الرحم إلا إذا تعارضتا لأن أواصر العقيدة والرأي أقوى من أواصر الجسد. (6/ 92) .
والموضع الثاني هو في سورة الأحزاب الآية 6، قال تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِين [الأحزاب: 6] . وهي تفيد نسخ حكم الإرث بالتآخي الذي عرف في أول الإسلام، قال في التحرير والتنوير: فبينت الآية أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في الميراث من ولاية المتآخين المهاجرين والأنصار. (10/ 270) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(2/2747)
الشاهد في قوله تعالى " وشهد شاهد من بني إسرائيل.."
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى:- (وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم) فيمن نزلت تلك الآية؟ اذكر الخلاف بين المفسرين في ذلك ودليل كل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في هذا الشاهد الإسرائيلي المشار إليه في قوله سبحانه: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف: 10]
من هو؟ فقيل: إنه رجل منهم كان بمكة، واختار هذا القول ابن جرير وحجته أن السورة كلها مكية بالإجماع، كما نص عليه الشوكاني، وقيل إن الشاهد هو الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، وبه قال الحسن وقتادة وعكرمة، ولعل هذا القول هو الصحيح، لحديث عوف بن مالك رضي الله عنه الذي رواه أحمد وصححه الألباني وفيه ... حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا كما أنت يا محمد، فأقبل فقال ذلك الرجل أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود قالوا: والله ما نعلم أنه كان فيها رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، قالوا: كذبت، ثم ردوا عليه قوله، وقالوا فيه شرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذبتم، لن يقبل قولكم، أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، ولما آمن كذبتموه وقلتم فيه ما قلتم فلن يقبل قولكم، قال فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبد الله بن سلام، وأنزل الله عز وجل قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ّ [الأحقاف:10] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(2/2748)
الجمع بين قوله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تجمع بين قوله تعالى: (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) وقوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ففي الجمع بينهما قولان: الأول: أن قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2] ، ناسخ لقوله تعالى: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف:9] . قال القرطبي في تفسيره: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم يريد يوم القيامة، ولما نزلت فرح المشركون واليهود والمنافقون، وقالوا: كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزلت ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فنسخت هذه الآية وأرغم الله أنف الكفار، وقالت الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله، لقد بين الله لك ما يفعل بك، يا رسول الله فليت شعرنا ما هو فاعل بنا، فنزلت ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار، ونزلت وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً، قاله أنس وابن عباس وقتادة وعكرمة والضحاك.. انتهى. والثاني: أنه ليس هناك نسخ، وقوله: ما أدري ما يفعل بي ... إنما هو في الدنيا، قال القرطبي: الآية ليس بمنسوخة لأنها خبر، قال النحاس محال أن يكون في هذا ناسخ ومنسوخ من جهتين: أحدهما: أنه خبر، والآخر: أنه من أول السورة إلى هذا الموضع خطاب للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم، فوجب أن يكون هذا أيضاً خطاب للمشركين كما قبله وما بعده، ومحال أن يقول للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، ولم يزل من أول مبعثه إلى مماته يخبر أن من مات على الكفر مخلد في النار ومن مات على الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة، فقد رأى ما يفعل به وبهم في الآخرة، وليس يجوز أن يقول ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، فيقولون كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير إلى خفض ودعة أم إلى عذاب وعقاب، والصحيح في الآية قول الحسن: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، قال أبو جعفر: وهذا أصح قول، وأحسنه لا يدري ما يلحقه وإياهم من مرض وصحة ورخص وغلاء وغنى وفقر ومثله ... انتهى. وهذا القول هو الأقرب إلى الصواب. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(2/2749)
تفسير "نا فتحنا لك فتحا مبينا"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) وضح أي فتح قصدته الآية الكريمة؟ ولماذا سماه الله تعالى فتحا ووصفه بكونه مبينا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفتح الذي قصدته الآية: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح:1] . هو صلح الحديبية، كما قال البراء رضي الله عنه في ما رواه عن البخاري: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
قال ابن مسعود: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية.
وأما لماذا سمي فتحاً، فقد قال ابن كثير: فإنه حصل بسببه خير جزيل, وآمن الناس، واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العمل النافع والإيمان. انتهى.
ولا يخفى كذلك أن صلح الحديبية كان سبباً لفتح مكة، وقوله مبيناً أي بيناً ظاهراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(2/2750)
معنى (الكوثر)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم كوثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: الكاف والثاء والراء أصل صحيح يدل على خلاف القلة، يعني يدل على الكثرة ا. هـ
وقال: ثم يزاد فيه للزيادة في النعت، فيقال: الكوثر: الرجل المعطاء، وهو (فوعل) من الكثرة. ا. هـ
وقال: والكوثر نهر في الجنة. ا. هـ
وقال: والكوثر الغبار، سمي بذلك لكثرته وثورانه. ا. هـ
وقال ابن منظور في لسان العرب: الكوثر: الكثير من كل شيء. ا. هـ
وهذا يدل على أن أصل الكوثر هو الكثير من الأشياء المختلفة، وتستخدم غالباً في الأشياء الحسنة، ولذلك قال ابن منظور: فالكثير والكوثر واحد. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1424(2/2751)
استخدام المتكلم ضمير (نحن) دليل علة تعظيمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكمة استعمال الضمير (نحن) في الآيات القرآنية التالية؟
- (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) .
- (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا) .
- (أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ) .
- (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) .
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالضمير (نحن) جمع (أنا) من غير لفظه، وهو يستخدم في الأصل لجماعة المتكلمين من الذكور، ولجماعة الإناث أو لهما معاً، فيقول الذكور: نحن مسلمون، وتقول الإناث: نحن مسلمات.
فإذا استخدم المتكلم المفرد ضمير الجمع (نحن) كان ذلك دليلاً على تعظيم المتكلم نفسه، واستخدام الضمير (نحن) في الآيات المذكورة في السؤال مع أن المتكلم واحد وهو الله سبحانه للدلالة على تعظيم الله لنفسه، وهو بحق صاحب العظمة والجلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1424(2/2752)
تفسير "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما تفسير الآية الكريمة (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) .
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت في تفسير هذه الآية عدة تفسيرات متقاربة:
1- يحول بين الكافر والإيمان وبين المؤمن والكفر.
2- يحول بين الكافر والإيمان وطاعة الله.
3- يحول بين الكافر وبين طاعة الله وبين المؤمن ومعصية الله.
4- يحول بين المؤمن ومعصيته.
5- يحول بين المؤمن والمعاصي وبين الكافر والإيمان.
6- يحول بين المرء وعقله فلا يدري ما يعمل.
وقال أبو جعفر: أولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك، أن يقال: إن ذلك خبر من الله عز وجل، أنه أملك لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئًا من إيمان أو كفر أو أن يعي به شيئًا أو أن يفهم إلا بإذنه ومشيئته ... انظر تفسير الطبري (6/211) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1424(2/2753)
معنى قوله تعالى "ولا تبطلوا أعمالكم"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) ما هي الأشياء التي تبطل العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أمر تبارك وتعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، التي هي سعادتهم في الدنيا والآخرة، ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال، ولهذا قال تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ أي بالردة، ولهذا قال بعدها: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [محمد:34] . اهـ
فتبين بهذا النقل عن ابن كثير أن المقصود بقوله: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ أن الردة والكفر بعد الإيمان هو المحبط للعمل. ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] ، وقوله أيضًا: ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] .
فالشرك هو المحبط للعمل، سواءً كان شركًا أكبر مُخرجًا من الملة، أو شركًا أصغر، كيسير الرياء إذا خالط العمل، فإنه يحبطه.
ومما يحبط العمل التَّأَلِّي على الله عز وجل في تضييق رحمته عن عباده، وهو الحلف، فقد روى مسلم عن جندب مرفوعًا: قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرت له وأحبطت عملك.
فهذا الرجل حبط عمله، لأنه أقسم أن الله لن يغفر لفلان، وهذا بيد الله عز وجل، فإنه يغفر لمن يشاء من عباده. وكذلك مما يحبط العمل العُجْبُ، فإنه ليس بأقل خطرًا من التَّألِّي على الله عز وجل المذكور.
ويحبط العمل أيضًا المنُّ، فمن تصدق بصدقة ثم مَنَّ بها على المتصدق عليه، أو أذاه، فإنه يحبط بذلك أجر صدقته؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1424(2/2754)
وجه تفضيل قلوب اليهود في القسوة على الحجارة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في سورة البقرة"ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة"
لماذا وصف الله قلوب بني إسرائيل بأنها أشد قسوة من الحجارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى وصف قلوب بني إسرائيل بأنها مثل الحجارة أو أشد قسوة من الحجارة، مبالغة منه في شدة قسوتها، وقد بين ابن عاشور في التحرير والتنوير، أن وجه تفضيل قلوبهم في القسوة على الحجارة أنهما اشتركا في جنس القساوة الراجعة إلى معنى عدم قبول التحول. وهذه القلوب أشد قسوة من الحجارة؛ لأن الحجر قد يتحول إذا تفرق وتشقق، وأما قلوب هؤلاء فلم تجد فيها أي وسيلة ولم تنفع فيها أي موعظة.
ويشهد لما ذكره واقع بني إسرائيل من قتل الأنبياء والآمرين بالقسط من الناس بغير حق، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وتكذيب الرسل، وتقديم الأهواء على الأوامر، وقد نقضوا عهد الله وميثاقه، وحرفوا كتبه وتركوا العمل بها، وخانوا الرسول صلى الله عليه وسلم وغدروا به. قال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ [المائدة:12، 13] .
فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه العقوبات حصلت لهم بترك ما أوجب الله عليهم من الميثاق.
وقال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الحديد:16] . قال ابن كثير: نهى الله تعالى المؤمنين، أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم، من اليهود والنصارى لما تطاول عليهم الأمد، وبدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، ونبذوه وراء ظهورهم، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(2/2755)
الفاء في قوله تعالى: " فانكحوا"، هي الفاء الرابطة للجواب بالشرط
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في سورة النساء"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"
هل التعدد في الإسلام هو الأصل؟ أم أن الفاء في قوله تعالى"فانكحوا" سببية؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الجواب عن قول السائل هل التعدد في الإسلام هو الأصل في الفتوى رقم: 1660.
وأما الفاء في قوله: "فانكحوا" فهي الفاء الرابطة للجواب بالشرط، وقد ذكر المؤلفون في اللغة والأصول أنه يتعين اقترانها بجواب الشرط إذا كان جملة طلبية أو اسمية أو مبدوءة بحرف أو فعل جامد، والجملة هنا جملة طلبية.
وهذه الفاء الرابطة قد تفيد السبب كما في الآية، والمعنى: وإن خفتم عدم العدل في يتامى النساء فانكحوا ما طاب لكم من النساء من سواهن، أي من سوى اليتيمات مثنى وثلاث ...
وكما في حديث الصحيحين: وإذا ركع فاركعوا.
وقد لا تفيد السبب كما في قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُك [المائدة: 118] .
وراجع للتوسع في هذا الموضوع التقريب لابن جزي وشروح الجوامع والكوكب الساطع.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن مفهوم هذا الشرط المذكور في هذه الآية غير معتبر باتفاق العلماء، كما ذكر الشوكاني في فتح القدير.
فيجوز لمن لم يخف عدم القسط في اليتامى أن يتزوج أربعا إن شاء وعلم العدل، فإن خاف عدم العدل لزم الاقتصار على واحدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1424(2/2756)
معنى ((صلى الله عليه وسلم))
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة معنى ((صلى الله عليه وسلم))
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصلاة من الله تعالى فسرها أهل العلم بكونها تعني: مزيدًا من الرحمة والثناء عليه. قال القرطبي في تفسيره: والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره.
وقال ابن كثير في تفسيره: صلاة الله ثناؤه عند الملائكة. اهـ
وقال الطبري في التفسير: عن ابن عباس قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) [الأحزاب:56] . يقول: يباركون على النبي. وقد يحتمل أن يقال: إن معنى ذلك: أن الله يرحم النبي، وتدعو له ملائكته ويستغفرون.
كما قال القرطبي بعد قوله تعالى: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] : يقول: وحيُّوه تحية الإسلام، فجملة صلى الله عليه وسلم، تعني أن قائلها يسأل الله تعالى مزيدًا من الرحمة والثناء والأمان لرسوله صلى الله عليه وسلم.
فهي جملة خبرية لكنها تتضمن معنى الدعاء والطلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(2/2757)
سبب تقديم ذكر هارون على موسى في سورة طه
[السُّؤَالُ]
ـ[في الآية 70 من سورة طه يقول الله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم " فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) "
لماذا قدم السحرة نبي الله هارون علي نبي الله موسى عليهما السلام مع أن النبي المرسل إليهم هو سيدنا موسى عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر أنه ليس هناك سبب لتقديم هارون على موسى عليهما السلام في هذه الآية، إلا لتناسب فواصل الآيات في سورة طه، إذ أواخرها الألف المقصورة مثل: (ألقى، الأعلى، أتى، أبقى، الدنيا، يحيى، العلى، تزكى) يدل على ذلك أن السحرة قدموا في الذكر موسى على هارون، كما حكى الله ذلك بقوله: قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف:121-122] . وكذلك في سورة الشعراء الآية رقم: 47، والآية رقم: 48.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1424(2/2758)
مجمل قصة السامري
[السُّؤَالُ]
ـ[تحدث عن عجل موسى السامري]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقصة السامري مع موسى عليه السلام وإضلاله، لقوم موسى من بعده بعبادة العجل مبسوطة في كتب التفسير كالطبري وابن كثير والقرطبي، وأصلها في القرآن الكريم، ولكن تفاصيلها من قصص بني إسرائيل ونحن نقرأ هذه التفاصيل غير مصدقين لها ولا مكذبين، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة حيال قصص بني إسرائيل التي لم يأت في كتابنا تصديقها ولا تكذيبها، وإليك ههنا مجملاً للقصة في القرآن:
فقد جاء في القرآن الكريم ذكر العجل، وأن السامري -عليه لعنة الله- صنعه لهم من الذهب الذي جمعه منهم، وقذف فيه قبضة من التراب الذي أخذه من موضع حافر فرس جبريل عليه السلام، وقذفه في جوفه فصار له خوار كخوار العجل الحقيقي، وقيل إنه صار عجلاً حقيقياً من لحم ودم، لقول الله تعالى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ [طه:88] .
وكان مصير هذا العجل الذهبي هو أن حرقه موسى عليه السلام وذره في البر.
هذا، وقد ذكر العجل في عدة مواضع من القرآن الكريم لكن ما ذكر فيه القصة هو موضعان في سورة الأعراف وسورة طه، قال الله تعالى من سورة الأعراف (148) : وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ [الأعراف:148] . وقال الله تعالى من سورة طه (87-88) : قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [طه:87-88] .
والقصه، وما يتصل بها في الآيات (85-97) من سورة طه، فلتراجعها مع تفسيرها، ويمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 19910.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1424(2/2759)
السامري وشيء من حياته
[السُّؤَالُ]
ـ[تحدث عن ميلاد موسى السامرى وقصة حياته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق ذكر شيء من أمر السامري، وما حكاه الله عز وجل عنه بشأن عبادة بني إسرائيل للعجل، وذلك في الفتوى رقم: 19910
ونرجو أن يلتمس الأخ السائل لنا العذر في عدم إفادته بأكثر مما ذكر، لانشغالنا بالإجابة على الأسئلة المتعلقة بالأحكام الشرعية، والتي هي مجال اختصاص قسم الفتوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1424(2/2760)
إنزال الكتاب بين على وإلى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو السر في سورة الزمر في آية 2 يقول تعالى "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" وفي آية 41يقول تعالى "إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق" لماذا قال في الأولى "إليك" وفي الآية الثانية قال "عليك" السلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حروف الجر تتمايز عن بعضها، ولكل واحد منها معناه وموقعه المناسب الذي ينبغي أن يكون فيه من الكلام حسب المعنى والسياق، وربما تتبادل فيقع بعضها مكان بعض لمعنى مقصود.
ولهذا عديت أنزلنا بحرف الانتهاء "إلى" في قول الله تبارك وتعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [الزمر:2] .
لأن غاية النزول هنا والمخاطب به هو شخص النبي صلى الله عليه وسلم تنويها بشأنه صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في بداية سورة البقرة أيضا في قول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة: 4] .
وقد أفاد هذا المعنى العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير، حيث قال: وعُدّي الإنزال بـ "إلى" لتضمينه معنى الوصف، فالمنزل إليه غاية للنزول ... ج 1 ص 239. والجزء: 11 ص: 314.
وأما قوله تبارك وتعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الزمر:41] فمعناها أن الله تعالى أنزل الكتاب بالحق على نبيه صلى الله عليه وسلم لصالح الناس ولفائدتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وقال له: من اهتدى من الناس بواسطتك فهدايته لنفسه، ومن ضل ولم يهتد، فضلاله على نفسه، وما عليك من ضلاله تبعة، لأنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة.. ولهذا المعنى خولف بين حرفي التعدية هنا وبين ما في صدر السورة إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لأن تلك في غرض التنويه بشأن النبي صلى الله عليه وسلم فناسب أن يكون الإنزال إليه، وهذه لفائدة الناس والخطاب فيها موجه إليهم لتتحقق لهم السعادة بهذا الكتاب. اهـ ملخصا من تفسير التحرير والتنوير.
ولا مانع من أن يكون اختيار إحدى التعديتين تفنناً في العبارة وهو أسلوب معروف في اللغة العربية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(2/2761)
معنى (ولباس التقوى..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
سيدي ما المقصود بلباس الّتقوى للرجال؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26] . فقد ذكر عز وجل نوعين من اللباس: أحدهما ضروري، والآخر كمالي. أما الضروري فهو ما يستر العورة الظاهرة من اللباس. وأما الكمالي فهو الريش الذي يُتخذ للزينة.
وكما أن المرء مأمور بستر عورة ظاهره وتزيينه، فهو كذلك مأمور بلباس آخر، ألا وهو لباس التقوى، الذي هو خير من اللباس الظاهر؛ فقد قال عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] ، وقال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] .
والتقوى جماعها: فعل الأوامر وترك النواهي. فمن أقبل على الله تعالى متدثرًا بدثار التقوى، فقد حاز خير لباس، وظفر بأعظم مطلوب، وليس ذلك مختصًا بالرجال، بل الرجال والنساء فيه سواء. وراجع الفتوى رقم:
12586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1424(2/2762)
السر في قوله تعالى في سورة هود (إلا الذين صبروا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
قال تعالى في سورة هود: (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات) ؟
ما هو السر في قوله الذين صبروا؟ ولماذا لم يقل إلا الذين آمنوا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً نقول للسائل المراد: الَّذِينَ صَبَرُوا [هود:11] المؤمنون بالله، لأن الصبر من لوازم الإيمان ومقتضياته، فكنى بالذين صبروا عن المؤمنين، وذلك لأن الإيمان يروض صاحبه على مفارقة الهوى ونبذ ما اعتاده من الضلالة، وإنما أوثر هنا وصف (صبروا) دون (آمنوا) لأن المراد مقابلة حالهم بحال الكفار المذكور في قوله تعالى قبل الآية بقليل: إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ [هود:9] . فناسب أن يوصف المؤمنون هنا بالصبر انتظار الفرج، في مقابلة وصف أهل الكفر باليأس والقنوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(2/2763)
تفسير قوله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى تفسير قوله تعالى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ جزء من آية من سورة هود يبين فيها سبحانه قدرته على كل شيء، وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، وأن عرشه سبحانه وتعالى كان على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض.
قال ابن كثير رحمه الله: وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قول الله تعالى: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(2/2764)
وجه الارتباط بين حق اليتامى وتعدد الزوجات
[السُّؤَالُ]
ـ[جواز تعدد الزوجات؟ ولماذا ربطت الآية (3: النساء) بين حق اليتامى؟ والزواج من (2و3و4) نساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق بيان بعض مقاصد الشرع من إباحة تعدد الزوجات، وذلك في الفتوى رقم: 2286، والفتوى رقم: 2600. وأما وجه الارتباط بين ذكر اليتامى وذكر الزواج من أربع نسوة فهو مبين في الفتوى رقم: 8366. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1424(2/2765)
تفسير قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمت الله وبركاته
أريد تفسير آية من سورة البقرة:
(واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أطنب بعض المفسرين في تفسير هذه الآية وذكر عند تفسيرها من الروايات الإسرائيلية ما ينبغي للمسلم أن يضرب عنه صفحاً. ونحن نكتفي بتحليل ما جاء في النص القرآني ولو كانت في غير ذلك فائدة للمسلم في دينه أو دنياه لأشار لها القرآن الكريم. يقول الله تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا.... [البقرة:102]
هذه الآية من سورة البقرة، جاءت في سياق الحديث عن اليهود الذي بدأ من قول الله تبارك وتعالى، خِطابًا للمؤمنين: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75] .
ومجمل ما ذكره المفسرون فيها باختصار: أن اليهود اتبعوا وصدقوا ما تتقوله الشياطين والفجرة على ملك سليمان، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم..
وما تتقوله الشياطين على ملك سليمان، أنه لم يكن نبيًّا مرسلاً ينزل عليه الوحي من الله تعالى، وإنما كان ساحرًا يستمد العون من سحره، وأن سحره هذا هو الذي وطد له الملك وجعله يسيطر على الجن والطير والرياح، فنسبوا بذلك الكفر لسليمان، وما كفر سليمان، ولكن هؤلاء الشياطين الفجرة هم الذين كفروا؛ إذ تقوّلوا الأقاويل وأخذوا يعلمون الناس السحر من عندهم، ومن آثار ما أنزل ببابل على الملكين هاروت وماروت، مع أن هذين الملكين ما كانا يعلمان أحدًا حتى يقولا له: إنما نعلمك ما يؤدي إلى الفتنة والكفر فاعرفه واحذره، واجتنب العمل به. ولكن الناس لم يأخذوا بهذه النصيحة فاستخدموا مما تعلموه منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
لقد كفر هؤلاء الفجرة، إذ تقوّلوا هذه الأقاويل، واتخذوا من أقاويلهم وأساطيرهم ذريعة لتعليم اليهود السحر، وما هم بضارين به أحدًا إلا بإذن الله، فهو الذي يأذن بالضر إن شاء، وإن ما يؤخذ عنهم من سحر ليضر من تعلمه في دينه ودنياه، ولا يفيد شيئًا، وهم أنفسهم يعلمون يقينًا أن من اتجه هذا الاتجاه لن يكون له حظ أو نصيب في نعيم الآخرة، ولبئس ما اختار لنفسه لو كان يعلم.
ومن هذا العرض ومن النص القرآني قبله يتبين لنا أن السحر وتعلمه واستخدامه كفر، ولا يجوز تعلمه للإنسان العادي، فكيف بأنبياء الله تعالى.
وأنه لا يقع شيء في هذا الكون إلا بإذن الله؛ فبإذن الله تفعل الأسباب فعلها، وتنشئ آثارها وتحقق نتائجها، كما قال تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] .
ويبدو من الآية الكريمة أنه كانت هناك قصة معروفة عن الملكين هاروت وماروت، وكان اليهود أو الشياطين يدَّعون أنهما كانا يعرفان السحر ويعلمانه للناس، ويزعمان أن هذا السحر أنزل عليهما لنشره بين الناس ليعملوا به، فنفى القرآن الكريم تلك الفرية؛ ثم بين الحقيقة، وهي أن هذين الملكين كانا هناك فتنة وابتلاء واختبارا للناس لحكمة غيبية أرادها الله سبحانه وتعالى، وأنهما كانا يقولان لكل من يأتي إليهما طالبًا منهما أن يعلماه السحر: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] .
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 9483.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(2/2766)
تفسير (يوم نطوي السماء كطي السجل..) في ضوء العلم الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير الآية من سورة الأنبياء (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ... ) وذلك على ضوء العلوم الحديثة، وبتفسير علمي، جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل أن نتطرق إلى ما ذكره المفسرون حديثًا ينبغي أن نبدأ باختصار بمجمل ما ذكره المفسرون قديمًا في معنى هذه الآية الكريمة؛ فهذه الآية جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن أحوال الكافرين والمؤمنين في الآخرة، وحال السماء فيها.. ومجمل ما ذكروه فيها.. أن يوم القيامة إذا جاء وحدث الانقلاب الهائل للكون يفزع الناس لذلك؛ لكن الذين سبقت لهم الحسنى من الله تعالى لا يحزنهم ذلك الفزع، ولا يصيبهم شيء من تلك الأهوال.. وفي ذلك اليوم يطوي الله تعالى بقدرته السماوات كما تطوى الصحيفة، وكما بدأ الله تعالى الكون -وهو لم يكن شيئًا كذلك- يعيد خلقه من جديد، وهو القادر عليه، وذلك واجب الوقوع؛ لأنه من جملة ما وعد الله به، وما وعد الله به لا بد أن يقع، لأن الله تعالى لا يخلف وعده أبدًا.
وأما معنى الآية الكريمة على ضوء العلوم الحديثة فنذكر طرفًا منه ملخصًا من كلام العالِم المسلم الدكتور زغلول النجار حيث يقول: إن الله تعالى سوف يطوي صفحة هذا الكون جامعًا كل ما فيها من صور مختلف المادة والطاقة والزمان والمكان على هيئة جِرم ابتدائي ثانٍ (رَتْق ثانٍ) شبيه تمامًا بالجرم الابتدائي الأول (الرتق الأول) الذي نشأ عن انفجاره الكون الراهن، وأن هذا الجرم الثاني سوف ينفجر بأمر الله تعالى كما انفجر الجرم الأول، وسوف يخلق الله تبارك وتعالى في هذا الانفجار أرضًا غير أرضنا الحالية وسماوات غير السماوات التي تظلنا، كما وعد سبحانه وتعالى، ومن هنا تبدأ الحياة الأخرى ولها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الحياة الدنيا؛ فهي خلود بلا موت.. كما قال تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [إبراهيم:48] .
ومما ذكره الدكتور النجار لتوضيح هذا المعنى قوله:.. ويعتبر مجال الخلق وإفناؤه وإعادة خلقه من المجالات الغيبية التي لا يستطيع الإنسان أن يصل فيها إلى تصور صحيح بغير هداية ربانية، وتتعدد النظريات حول هذا الموضوع بتعدد خلفية واضعيها العقدية والثقافية والتربوية والنفسية.. ويبقى للمسلم في هذا المجال نور من الخالق سبحانه وتعالى في آية من كتابه الكريم، أو في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمكن أن يعينه على الارتقاء بإحدى تلك النظريات إلى مقام الحقيقة لمجرد الإشارة إليها من هذين المصدرين من وحيي السماء اللذين حُفظا بحفظ الله تعالى لهما وباللغة التي نزلا بها.
والقرآن الكريم الذي يقرر أن أحدًا من الإنس والجن لم يشهد خلق السماوات والأرض هو الذي يأمرنا بالنظر والتأمل في قضية الخلق (خلق السماوات والأرض والإنسان والحياة) بعين الاعتبار، فيقول جل وعلا: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف:185] . ويقول جل وعلا: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت:19، 20] .
وبالنظر في السماء توصل علماء الفلك والكيمياء الفلكية إلى عدد من النظريات المفسرة لنشأة الكون وإفنائه.. وأكثر هذه النظريات قبولاً في الأوساط العلمية اليوم نظريتان: نظرية الانفجار العظيم، ونظرية الانسحاق العظيم، وكلتاهما تستند إلى عدد من الحقائق العلمية المشاهدة.
وبعد أن ذكر الدكتور النجار بعض الحقائق العلمية التي تؤيد هاتين النظريتين ذكر عددًا من النظريات الأخرى التي تتحدث عن بدء الخلق وفنائه وأدلتها العلمية، لكنه تتبعها وفندها الواحدة تلو الأخرى. ثم قال: ونحن المسلمين نرتقي بنظرية الانفجار العظيم في بدء الخلق وتمدد الكون واتساعه إلى الحقيقة واليقين، وذلك لورود الإشارات الواضحة إليها في كتاب الله تعالى، ففيها يقول الله تبارك وتعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء:30] . وفي تمدد الكون واتساعه يقول تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذريات:47] . وعملية الانفجار العظيم هذه ناشئة عن انفجار جرم واحد متناهٍ في ضآلة الحجم إلى ما يقرب من الصفر أو العدم، ومُتناهٍ في ضخامة القوة والحرارة إلى الحد الذي تتوقف عنده الفيزياء النظرية، وهذا الجرم انفجر بأمر الله تعالى فنشر مختلف صور الطاقة والمادة الأولية للكون في كل اتجاه، وتخلقت من تلك الطاقة المادية الأولية، ومن المواد الأولية تخلقت العناصر على مراحل متتالية، وبدأ الكون في اتساع.. ومع اتساعه تعاظم كل من الزمان والمكان.. وخلقت من ذلك الأجرام وما يملأ المسافات بينهما في صور مختلف المادة والطاقة.. وظل الكون في التمدد والتوسع منذ لحظة الانفجار إلى يومنا هذا، وإلى ما شاء الله تعالى.
وأما نظرية الانسحاق العظيم أو الهائل فهي عملية معاكسة لعملية الانفجار الكوني الكبير تمامًا، فمع طول الوقت وتباطؤ سرعة التوسع الكوني مع الزمن، تتفوق قوة الجاذبية على قوة الدفع، فتأخذ المجرات في الاندفاع إلى مركز الكون بسرعة فائقة مكتسحة ما بينها من مختلف أنواع المادة والطاقة، فينكمش الكون ويتكدس على ذاته ويطوى كل من الزمان والمكان حتى تتلاشى كل الأبعاد وتتجمع المادة والطاقة المنتشرة في أرجاء الكون في نقطة واحدة متناهية في الضآلة تكاد تصل إلى الصفر أو العدم، ومتناهية في الكثافة والحرارة إلى الحد الذي تتوقف عنده كل قوانين الفيزياء المعروفة، أي يعود الكون إلى حالته الأولى؛ (مرحلة الرتق) .
ثم يقول الدكتور النجار: ونحن المسلمين نرتقي بهذه النظرية أيضًا إلى مقام الحقيقة، وذلك لورود إشارات إليها في كتاب الله تعالى، فمن ذلك ما جاء في سورة الأنبياء: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء:104] . ولا يستطيع أحد كائنًا من كان - بعد ذلك - أن يتوقع شيئًا وراء ذلك الغيب المستقبلي المكنون بغير بيان من الله تعالى الخالق العليم، وهو سبحانه وتعالى يخبرنا عن ذلك فيقول: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [إبراهيم:48] . وذلك بعد الانفجار الثاني أو الفتق الثاني، كي تُبدّل الأرض غير الأرض الحالية، والسماوات غير السماوات الحالية، وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء:104] . وهذه الآيات هي التي تحسم الجدل الدائر بين العلماء في أمر من أمور الغيب حار فيه علماء الفلك والفيزياء الفلكية قديمًا وحديثًا. ومن عجائب القرآن التي لا تنقضي أن تأتي الإشارة إلى هاتين النظريتين "نظرية الانفجار العظيم، ونظرية الانسحاق العظيم" في سورة واحدة هي سورة الأنبياء. فسبحان من أنزل القرآن الكريم على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وسبحان القائل في محكم كتابه: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت:53] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(2/2767)
معنى قوله تعالى "فلله العزة جميعا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله: (العزة لله) ؟؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد فسر ابن كثير قول الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء:139] فقال: أخبر الله تعالى بأن العزة كلها لله وحده، لا شريك له، ولمن جعلها له كما قال في الآية الأخرى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر:10] . وقال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8] . والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله والالتجاء إلى عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2768)
لا تعارض بين خلق السموات والأرض في ستة أيام وحديث التربة
[السُّؤَالُ]
ـ[عدد الأيام 6 الذي ذكره الله في القرآن خلق الله فيها كل شيء أريد أن أعرف في كل يوم ماذا خلق الله يعني سمعت أن آدم خلق يوم جمعة وباقي الأيام ماذا خلق فيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخبر الله تعالى أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وذلك في مواضع من القرآن، منها قوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [هود:7] ، وقوله: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الفرقان:59] ، وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [ق:38] ، وقوله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [يونس:3] ، وقوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [السجدة:4] .
وجاء في تفصيل ذلك: أن الأرض خلقت في يومين، وأن الله تعالى جعل فيها الرواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في يومين آخرين كذلك، فصار المجموع أربعًا، وأن السماوات خلقت في يومين، وذلك في قوله تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا [فصلت:9 - 12] .
وقد بين المفسرون أن خلق الأرض وتقدير أقواتها قد تم ذلك كله في أربعة أيام، وأن الآية ذكرت العدد مجملاً بعد تفصيل المعدود على سبيل الفذلكلة، وهي الكلام المجمل، يؤتى به بعد ما ذكر مفصلاً.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: الظاهر أن معنى قوله هنا (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أي: في تتمة أربعة أيام. وتتمة الأربعة حاصلة بيومين فقط؛ لأنه تعالى قال: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) .
ثم قال: (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أي: في تتمة أربعة أيام. ثم قال: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) : فتضم اليومين إلى الأربعة السابقة، فيكون مجموع الأيام التي خلق فيها السماوات والأرض وما بينهما ستة أيام، وهذا التفسير الذي ذكرنا في الآية لا يصح غيره بحال؛ لأن الله تعالى صرح في آيات متعددة من كتابه بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ... انتهى من "أضواء البيان" (7/74) .
هذا وقد ورد في السنة ما يفيد أن ما على الأرض خلق في سبعة أيام، وذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة في ما بين العصر إلى الليل.
وهذا الحديث مما اختلف فيه أهل العلم، فذهب يحيى بن معين، وعبد الرحمن بن مهدي، والبخاري وغيرهم، إلى أنه غلط، وأنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل صرح البخاري في تاريخه الكبير بأنه من كلام كعب الأحبار.
وممن ذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. قال شيخ الإسلام: والحجة مع هؤلاء، فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأن آخر ما خلقه هو آدم، وكان خلقه يوم الجمعة. وهذا الحديث المختلف فيه يقتضي أنه خلق ذلك في الأيام السبعة، وقد روي إسناد أصح من هذا أن أول الخلق كان يوم الأحد. انتهى من مجموع الفتاوى (1/256) .
وذهبت طائفة إلى صحة هذا الحديث، وأنه لا تعارض بينه وبين القرآن، فالقرآن أخبر أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهذا الحديث تعرض لذكر خلق ما على الأرض من تراب وجبال وغير ذلك، فهذه الأيام السبعة ليست هي الأيام الستة المذكورة في القرآن. قال الشيخ الألباني رحمه الله في التعليق على مشكاة المصابيح (3/1598) : وليس بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه، خلافًا لما توهمه بعضهم، فإن الحديث يفصل كيفية الخلق على الأرض وحدها، وأن ذلك كان في سبعة أيام، ونص القرآن على أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام، والأرض في يومين، لا يعارض ذلك، لاحتمال أن هذه الأيام الستة غير الأيام السبعة المذكورة في الحديث، وأنه - أعني الحديث - تحدث عن مرحلة من مراحل تطور الخلق على وجه الأرض حتى صارت صالحة للسكنى، ويؤيده أن القرآن يذكر أن بعض الأيام عند الله تعالى كألف سنة، وبعضها مقداره خمسون ألف سنة، فما المانع أن تكون الأيام الستة من هذا القبيل؟ والأيام السبعة من أيامنا هذه؟ كما هو صريح الحديث، وحينئذ فلا تعارض بينه وبين القرآن. انتهى.
ومما يؤيد ذلك أيضًا ما رواه الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: رأيت أشياء تختلف علي في القرآن. قال: هات ما اختلف عليك من ذلك. فقال: أسمع الله تعالى يقول: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) حتى بلغ (طائعين) . فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماوات، ثم قال سبحانه في الآية الأخرى: (أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) [النازعات:27] ، ثم قال: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) [النازعات:30] . فبدأ جل شأنه بخلق السماء قبل خلق الأرض. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أما خلق الأرض في يومين فإن الأرض خلقت قبل السماء، وكانت السماء دخاناً فسواهنَّ سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض، وأما قوله تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) يقول: جعل فيها جبلاً وجعل فيها نهرًا، وجعل فيها شجرًا، وجعل فيها بحورًا.
فدل هذا على وجود خلقين: خلق الأرض ابتداء، وخلق ما فيها من الجبال والأنهار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(2/2769)
كتب مبسطة في تفسير القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أريد أن أشتري كتاباً لتفسير القرآن لأني لما أقرأ القرآن لا أفهم كثيرا من آياته أفيدوني هل يوجد عنوان لتفسير القرآن مبسط وما اسمه؟ وهل توجد أشرطة لذلك؟ وهل يوجد في هذا الموقع المفيد شيئا مما طلبت؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن معرفة تفسير كلام الله تعالى من أولى ما ينبغي أن تتجه إليه همة المسلم، وذلك لأن الله تعالى قد أنزل هذا القرآن ليتدبر ويفهم معناه، حيث قال سبحانه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] .
وقد سبق ذكر بعض الكتب التي عنيت بتفسير القرآن، وذلك في الفتوى رقم: 6452.
والأولى للمبتدئ في هذا العلم قراءة الكتب الميسرة في ذلك ككتاب "أيسر التفاسير" للشيخ أبي بكر الجزائري، وكتاب "تيسير الكريم الرحمن" للشيخ عبد الرحمن السعدي ونحوهما.
ولا ريب في أن سماع هذا التفسير من أحد الشيوخ أكثر نفعًا وفائدة. وبإمكان الأخ السائل الاستماع إلى تفسير القرآن للشيخ محمد بن صالح العثيمين من خلال موقعه على الإنترنت، أو من خلال أشرطة التسجيل. وفقنا الله جميعًا إلى طاعته والعمل لمرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(2/2770)
معنى قوله تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.
هل الزواج من أربع نسوة حلال؟
وهل يسمح الدين الإسلامي به؟ ولا أقصد ما كتب في القرآن الكريم فقط، ولكن أقصد المعنى من الآية، وماذا تعني كلمة "ولن تعدلوا"؟
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزواج من أربع نسوة جائز بلا خلاف بين العلماء، ولكن جوازه مشروط بأن يعلم المرء أنه سيعدل بين نسائه في المبيت والسكنى والنفقة والكسوة ونحو ذلك، فإن خاف أن لا يعدل بينهنَّ فليست له الزيادة على واحدة. قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] . وانظر في ذلك الفتوى رقم: 1342.
وأما الكلمة التي سألت عنها وهي: ولن تعدلوا. فليست في كتاب الله، وإنما المنصوص: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129] .
والمقصود هنا الميل القلبي، فقد أخرج أصحاب السنن وأحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. ومعنى قوله: لا تلمني فيما تملك ولا أملك: إنما يعني به الحب والمودة. كذا فسره بعض أهل العلم. وهذا هو الذي لا يتحكم الإنسان فيه ولا يسيطر عليه، وبالتالي تعذَّر العدل فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(2/2771)
معنى "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معني الآية"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية: يعني بقوله جل ثناؤه (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم، ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم؛ لأن اليهودية ضد النصرانية، والنصرانية ضد اليهودية، ولا يجتمع اليهودية والنصرانية في شخص واحد في حال واحدة، اليهود والنصارى لا تجتمع على الرضا بك إلا أن تكون يهوديًّا أو نصرانيًّا، وذلك مما لا يكون منك أبدًا؛ لأنك شخص واحد، ولن يجتمع فيك دينان متضادان في حال واحدة، وإذا لم يكن إلى اجتماعهما فيك في وقت واحد سبيل، لم يكن لك إلى إرضاء الفريقين سبيل، وإذا لم يكن لك إلى ذلك سبيل، فالزم هدى الله الذي لجمع الخلق على الألفة عليه سبيل. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(2/2772)
معنى قوله تعالى (..ومن الأرض مثلهن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم لقد خلق الله سبع سماوات ومن الأرض مثلهن أريد شرح مستفيضاً لهذه الآية وهل لكل أرض قمر مثل أرضنا ومزايا خاصة بها أم هذا في علم الله جل وعلا؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فاتفق المفسرون على أن السماوات سبع، بعضها فوق بعض، واختلفوا في تفسير الأرضين السبع، فذهب الجمهور إلى أنها كرات كالكرة الأرضية، بعضها فوق بعض، بين كل أرض منها مسافة كما بين السماء والأرض، وأن في كل أرض منها خلق، لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى. وقيل: إنها سبع أرضين، إلا أنه لم يفتق بعضها من بعض. وقيل: إن الأرض كرة واحدة منقسمة إلى سبعة أقاليم. والصحيح هو القول الأول، وهو الذي تدل عليه الأخبار. قال القرطبي في تفسيره: ذكر تعالى أن السماوات سبع، ولا خلاف في أنها كذلك، بعضها فوق بعض، كما دلَّ على ذلك حديث الإسراء وغيره، ولم يأتِ للأرض في التنزيل عدد صريح لا يحتمل التأويل إلا قوله تعالى: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12] ، وقد اختلف في المثلية؛ هل تكون في العدد واللفظ؟ لأن الكيفية والصفة مختلفة بالمشاهدة والأخبار، والجمهور على أنها سبع أرضين طباقًا، بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء، وفي كل أرض سكان من خلق الله. وعن الضحاك: أنها سبع أرضين، ولكنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السموات. قال القرطبي: والأول أصح؛ لأن الأخبار دالّة عليه. ومن هذه الأخبار ما رواه النسائي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن السماوات السبع وعامرهنَّ، والأرضين السبع جعلن في كفةٍ، ولا إله إلا الله في كفة، لمالت بهنَّ لا إله إلاالله. وقال ابن كثير في تفسيره: ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم فقد أبعد النجعة، وأغرق في النزع، وخالف القرآن والحديث بلا مستند. أما ما رواه البيهقي في "الأسماء والصفات" (رقم:832) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12] قال: سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى. فقد تكلم فيه أهل العلم. قال البيهقي بعده: هو شاذ بمرة. وقال السيوطي في الحاوي: هذا الكلام من البيهقي في غاية الحسن، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، لاحتمال صحة الإسناد مع أن في المتن شذوذًا أو علة تمنع صحته. وقال ابن كثير في البداية والنهاية: هو محمول - إن صح عن ابن عباس - على أنه أخذه من الإسرائيليات.. وذلك وأمثاله إذا لم يصح سنده إلى معصومٍ فهو مردود على قائله. وقال صديق حسن خان في "أبجد العلوم": وقد وقعت الزلازل والقلاقل لأجل ذلك الأثر لهذا العهد بين أبناء الزمان بما لا يأتي بفائدة، ولا يعود بعائدة.. ثم من استدل بهذا الأثر على إمكان وجود مثله صلى الله عليه وسلم، وكونه داخلاً تحت القدرة الإلهية فقد أطال المسافة، وأبعد النجعة، وأتى بما هو أجنبي عن المقام، وخارج عن النزاع. أما كون لكل أرضٍ من الأرضين قمر مثل قمرنا، فلم نقف لأهل العلم على قولٍ فيه، وإنما قاله أحد الكُتَّاب المعاصرين، وليس على ما قاله دليل معتبر. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(2/2773)
اختلاف تفصيل أطوار الجنين في سورتي الحج وغافر اقتضاه الحال
[السُّؤَالُ]
ـ[نلاحظ في القرآن الكريم أن مراحل الخلق ثابتة كما في جاء في سورة الحج ولكن نلاحظ في سورة غافر (المؤمن) أن هناك عدم إشارة أو تجاوز لمرحلة من مراحل الخلق المذكورة في سورة الحج وهي المضغة فما هو وجه الإعجاز القرآني (لغوياً وعلمياً) ؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد أجمل الله عز وجل أطوار خلق الإنسان في مواضع من كتابه وفصلها في مواضع أخر؛ لبيان قدرته سبحانه وتعالى على البعث وغيره، فمن مواضع الإجمال قوله تعالى: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ [الزمر:6] .
ومن الآيات التي أوضح الله فيها تلك الأطوار على التفصيل قوله تعالى في سورة الحج: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ [الحج:5] .
وقد ذكر الله تعالى تلك الأطوار مع حذف بعضها في سورة غافر، فقال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ [غافر:67] .
والعلة في ذلك - والله أعلم -: أنه لما كانت آيات سورة الحج جاءت في معرض الرد على منكري البعث اقتضت التفصيل في ذكر الأطوار كلها. قال الكرماني في "البرهان في متشابه القرآن": وفصّل في الحج فقال: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ - إلى قوله - وَمِنْكُمْ مَنْ يَتَوَفَّى فاقتضى الإجمال الحذف، والتفصيل الإثبات، فجاء في كل سورة بما اقتضاه الحال.
والبلاغة الإيجاز والإطناب. قال الزمخشري - فيما نقله السيوطي في الإتقان -: كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(2/2774)
معنى قوله تعالى "لا فارض ولا بكر.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى (لا فارض ولا بكرٌ عوانٌ) ؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد فسر ابن كثير قول الله تعالى: لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ [البقرة:68] فقال: (لا فارض) يعني لا هرمة. (ولا بكر) يعني ولا صغيرة، (عوان بين ذلك) أي نصف بين البكر والهرمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(2/2775)
تفسير "هو الأول والآخر.."
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام على سماحتكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد أخبرنا الله سبحانه من باب ذكر صفاته في القرآن الكريم بأنه الأول والآخر فأما الأول فقد عرفناه أن الله موجود منذ الأزل وما كان شي قبله لكن ما معنى الآخر وأهل الجنة باقين مع بقائه سبحانه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً نؤكد على ما قرره السائل من أبدية الجنة وأهلها، وأنها لا تفنى ولا تبيد، وأن هذا مما يعلم قطعًا، حيث أكَّده القرآن في عدة مواضع، وأخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث تواترت عنه، وأجمع عليه سلف هذه الأمة، وأن الإيمان به من الإيمان باليوم الآخر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية": وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين، كالجهم بن صفوان، ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها.
أما معنى (الآخِر) في قوله عز وجل: هُوَ الأَوَّلُ وَالْآخِرُ [الحديد:3] . فقد وردت فيه تفسيرات عن أهل العلم لا تعارض بينها وبين ما أجمع عليه السلف وأئمة المسلمين من بقاء الجنة وأهلها.
منها: قول شيخ الإسلام ابن تيمية في "الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح": قوله: (هُوَ الأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أراد بذلك أنه مجتمع في حقّه سبحانه ما يتضاد في حق غيره، فإن المخلوق لا يكون أولاً آخرًا باطنًا ظاهرًا.
وبيَّن النفراوي في "الفواكه الدواني" عدم تعارض هذا المعنى مع بقاء الجنة وأهلها، بقوله: وهذا بخلاف أولية المخلوقات، فإن كل أولٍّ منها له آخر إلا الجنة والنار وأهلها، فإن هذه لها أول باعتبار خلق الله إياها، وليس لها آخر لأنها لا تفنى.
ومنها أيضًا: قول شيخ الإسلام ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية": ... (الأَوَّلُ وَالْآخِرُ) لا ابتداء له ولا انتهاء، وإذا لم يكن له نهاية ولا حد من الوجهين جميعًا ظهر فيه امتناع أن قبله أو بعده شيء، بخلاف المتناهي المحدود من الأحياز، ولكن هذا الفرض جاء من خصوص المكان والزمان، بدليل أن أهل الجنة لا آخر لوجودهم، بل هم باقون أبدًا، وإن كانوا متحيزين لا حدّ ولا نهاية لآخرهم، وإن كانت ذواتهم محدودة متناهية في أحيازها وأماكنها.
ومنها: ما نقله النووي في "شرح مسلم" عن أبي بكر الباقلاني قال: الباقي بصفاته من العلم والقدرة وغيرهما التي كان عليها في الأزل، ويكون كذلك بعد موت الخلائق وذهاب علومهم وقدرهم وحواسهم وتفرق أجسامهم. وتعلقت المعتزلة بهذا الاسم فاحتجوا به لمذهبهم في فناء الأجسام وذهابها بالكلية، قالوا: ومعناه الباقي بعد فناء خلقه. ومذهب أهل الحق خلاف ذلك، وأن المراد: الآخر بصفاته بعد ذهاب صفاتهم، ولهذا يقال آخر من بقي من بني فلان فلان، يراد حياته، ولا يراد فناء أجسام موتاهم وعدمها.
وقول الباقلاني مبني على أن معنى الآخر، وهو: الباقي بعد فناء الدنيا، وهو كقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] . وقوله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا [مريم:40] .
ومنها: ما نقله ابن عطية في تفسيره عن أبي بكر الوراق قال: هو الأول بالأزلية، والآخر بالأبدية، وهو الأول بالوجود، إذ كل موجود فبعده وبه، والآخر: إذا نظر العقل في الموجودات حتى يكون إليه منتهاها. قال عز وجل: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1424(2/2776)
الملائكة.. وقوله تعالى "ومن كل شيء خلقنا زوجين"
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن الملائكة لا يوصفون بذكورة أو أنوثة وفي القرآن: أن الله خلق من كل شيء زوجين فهل من تفسير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذريات:49] . على قولين حكاهما ابن جرير رحمه الله وغيره:
الأول: أن المراد بالزوجين الإشارة إلى المتضاد والمتقابلات من المخلوقات، كالذكر والأنثى، والسماء والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، والبر والبحر، والضياء والظلام، والإيمان والكفر، والموت والحياة، والشقاء والسعادة، والجنة والنار، ونحو ذلك.
وهذا القول مروي عن مجاهد والحسن رحمهما الله.
الثاني: أن المراد بالزوجين: الذكر والأنثى، وهذا القول مروي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله.
وقد رجح القول الأول ابن جرير، واقتصر عليه البخاري في تفسير الآية، وكذلك اقتصر عليه البغوي وابن كثير والبيضاوي والواحدي وابن الجوزي وغيرهم، مما يدل على ترجيحهم لهذا القول.
قال ابن جرير رحمه الله في الاحتجاج لذلك: وأولى القولين في ذلك قول مجاهد، وهو أن الله تبارك وتعالى خلق لكل ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه، فكل واحد منهما زوج للآخر، ولذلك قيل خلقنا زوجين، وإنما نبه جل ثناؤه بذلك من قوله على قدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء، وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد.
ومما يوضح هذا: أن الآية في سياق التدليل على قدرة الله ووحدانيته لا ريب.
وعلى هذا، فعلى القول الراجح لا إشكال في تناول الآية للملائكة كتناولها لسائر المخلوقات، لأن الله تعالى قد خلقهم وخلق الشياطين، كما خلق الجن والإنس وسائر المتقابلات.
وعلى القول المرجوح، فالآية لا تتناول الملائكة، ويكون المراد بقوله تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ من كل شيء يقبل ذلك، كقوله تعالى في الريح التي سلطها على عاد: ُتدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا أي كل شيء يقبل التدمير، فقد خرج من دلالة الآية السماء والأرض وأمور كثيرة، كما هو معلوم بالحس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1424(2/2777)
معنى: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير الآية: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) ..
وما مناسبة نزولها؟؟
وفيمن نزلت؟؟؟
جزيتم خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تضمنت هذه الآية آدابا أمر الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء أمته تبعا لهن.
قال ابن كثير في تفسيره: هذه آداب أمر الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك.
وقد جاءت هذه الآية ضمن مجموعة من الآيات نزلت في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، فلما اخترنه أدبهن بهذه الآداب الكريمة الرفيعة، فقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 33] أي الْزَمْنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، فيجوز لهن الخروج للصلاة في المسجد بشرط الحجاب وعدم التعطر، كما في الحديث: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة: قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن. وأما قوله تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] فمعناه: لا تظهرن زينتكن مثل فعل الجاهلية الأولى، فقد نقل ابن كثير أقوال العلماء في تفسير تبرج الجاهلية الأولى، فقال: قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال، فذلك تبرج الجاهلية.
وقال قتادة: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] يقول إذا خرجتن من بيوتكن، وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهى الله عن ذلك.
وقال مقاتل بن حيان: التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(2/2778)
تخصيص الإبل بالذكر لمزايا عظيمة.
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا اختص الله سبحانه وتعالى الإبل بالذات في قوله (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت)
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الله تعالى هذه الآية: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17] في سياق التنبيه منه جل ثناؤه على عظيم مخلوقاته، لإثبات قدرته، ووجوب توحيده وعبادته وطاعته.
وقد ذكر المفسرون شيئًا من الحكمة في التنصيص عليها دون سائر الحيوانات. فقد قال القرطبي في تفسيره عن الحيوان: لأن ضروبه أربعة: حلوبة وركوبة وأكولة وحمولة. والإبل تجمع هذه الخلال الأربع. فكانت النعمة بها أعم، وظهور القدرة فيها أتم. اهـ
ونقل القرطبي عن الحسن البصري رحمه الله، أنه سئل عنها وقالوا: الفيل أعظم في الأعجوبة. فقال: العرب بعيدة العهد بالفيل. ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه، ولا يركب ظهره، ولا يحلب دره. اهـ
ونفيه لركوبه إما لما كان معروفًا في ذلك الزمن، أو لكونه لا يركب عليه عادة، وإن كان قد وجد في الناس من يركب عليه.
وقد ذكر أيضًا من صفاتها أنها مع عظمها تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف، حيث يأخذ الصغير بزمامها فيذهب بها حيث شاء. وأنها تتحمل العطش لمدة طويلة، وأن مرعاها ميسر، وأنها أصبر على الكدح وسوء الأحوال إلى غير ذلك من الصفات، وقد صدق من سماها بسفينة الصحراء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(2/2779)
معنى قوله تعالى عن أخوة يوسف: (إن يسرق فقد سرق ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ) {77} ذكرت الآية السابقة أن سيدنا يوسف قد سرق فما هي قصة السرقة التي قام بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قال القرطبي في تفسيره (9/239) : وقد اختلفوا في السرقة التي نسبوا إلى يوسف، فروي عن مجاهد وغيره أن عمة يوسف بنت إسحاق كانت أكبر من يعقوب، وكانت صارت إليها منطقة إسحاق لسنها؛ لأنهم كانوا يتوارثون بالسن، وهذا مما نسخ حكمه بشرعنا، وكان من سرق استعبد، وكانت عمة يوسف حضنته وأحبته حبًّا شديدًا، فلما ترعرع وشبَّ قال لها يعقوب: سلمي يوسف إليَّ فلست أقدر أن يغيب عني ساعة، فولعت به وأشفقت من فراقه، فقالت له: دعه عندي أيامًا أنظر إليه، فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها ومن أصابها، فالتمست، ثم قالت: اكشفوا أهل البيت، فكشفوا فوجدت مع يوسف، فقالت: إنه والله لي، أصنع فيه ما شئت ثم أتاها يعقوب، فأخبرته الخبر فقال لها: أنت وذلك إن كان فعل ذلك، فهو سَلَمٌ لك، فأمسكته حتى ماتت، فبذلك عيره إخوته في قولهم: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف:77] .
ومن هاهنا تعلم يوسف وضع السقاية في رحل أخيه كما عملت به عمته. وقال سعيد بن جبير: إنما أمرته أن يسرق صنما كان لجده أبي أمه فسرقه وكسره وألقاه على الطريق، وكان ذلك منهما تغيير للمنكر، فرموه بالسرقة وعيروه بها. وقاله قتادة وفي كتاب الزجاج: أنه كان صنم ذهب. وقال عطية العوفي: إنه كان مع إخوته على طعام فنظر إلى عرق فخبأه فعيروه بذلك. وقيل: إنه كان سرق من طعام المائدة للمسكين. حكاه ابن عيسى. وقيل: إنهم كذبوا عليه في ما نسبوه إليه. قاله الحسن. اهـ
وفي فتح القدير لـ الشوكاني: وحكى القرطبي في تفسيره عن الزجاج: أنه قال: كذبوا عليه في ما نسبوه إليه. قلت - القائل الشوكاني -: وهذا أولى. إلى آخر كلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(2/2780)
تفسير "..من يقول ربنا آتنا في الدنيا.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى: (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق) هل يدل هذا على أن كل من يدعو الله ليفرج أمره في الدنيا يؤخذ من حسناته لتلبية دعائه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقطع المذكور جزء من الآية الكريمة: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200] .
وهذه الآية جاءت في سياق الحديث عن الحج وأعماله، وتصحيح المفاهيم والأخطاء التي يرتبكها أهل الجاهلية.
وفي هذا السياق يذكر المولى سبحانه وتعالى فريقين من الناس؛ فريق همه الدنيا حريص عليها ومشغول بها، لا يذكر من أمر الآخرة شيئًا، فهؤلاء قد يعطيهم الله تعالى نصيبًا من الدنيا ولكن لا نصيب لهم في الآخرة؛ لأنهم يقتصرون في دعائهم على الدنيا فقط فيقولون: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا.
أم الفريق الثاني فهو أكبر نفوسًا وأعلى همة وأبعد نظرًا وأعمق تفكيرًا؛ لأنه موصول بالله تعالى، يريد الحسنة في الدنيا ولا ينسى نصيبه من الآخرة، فهو يدعو الله تعالى، ويقول في دعائه: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201] .
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي: من نصيب ولا حظ، وتضمن هذا الذم والتنفير عن التشبه بهم بمن هو كذلك، وعن ابن عباس قال: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث وخصب.. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل الله فيهم: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ... الآية.
والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل من انشغل بدنياه ولم يلتفت لآخرته يتناوله هذا الذم.
أما من سأل الله تعالى الدنيا والآخرة فقد سلك منهج القرآن وامتثل أمر الله تبارك وتعالى حيث يقول: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] .
قال ابن كثير وقد مدح الله تعالى من يسأله الدنيا والآخرة، فقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] .
وعليه، فإن من سأل الله تعالى أن يفرج عنه في الدنيا دون أن يغفل أمر آخرته فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، وقد قال الله تعالى في شأن عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1424(2/2781)
تفسير قوله تعالى "الخبيثات للخبيثين ... " الآية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الآية (الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات) مع العلم بأننا نجد أن أزواجاً طيبين يتزوجون بزوجات خبيثات، ويوجد أيضا العكس؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنص الآية المشار إليها هو: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور:26] .
هذه الآية جاءت في سياق التعقيب على خبر الإفك وعقاب أصحابه وتأديب الخائضين في أعراض الناس، ومعناها -كما ذكر المفسرون: النساء الزواني الخبيثات للخبيثين من الرجال، والخبيثون الزناة من الرجال للخبيثات من النساء، لأن اللائق بكل واحد منهم ما يشابهه في الأقوال والأفعال، ولأن التشابه في الأخلاق والتجانس في الطبائع من مقومات الألفة ودوام العشرة، فالطيور على أشكالها تقع وكل جنس بجنسه يأنس ... ، كما قال الله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] .
وعلى هذا المعنى يكون المراد بالخبيثات والطيبات: النساء أي شأن الخبيثات أن يتزوجن الخبيثين، وشأن الطيبات أن يتزوجن الطيبين، فهذا هو الأصل والأليق والأوفق.... وربما يتغير هذا الأصل وتخرم هذه القاعدة، ولكن هذا هو الأصل.
وقال بعض المفسرين: الخبيثات الكلمات الخبيثة التي تصدر من المتكلم، فالكلمات الخبيثة للخبيثين من الرجال لا تصدر إلا منهم، وبالعكس فالكلمات الطيبة هي للطيبين من الرجال، روي هذا المعنى عن ابن عباس وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(2/2782)
تفسير الآيات: 18-19-20-21 من سورة فصلت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما سبب نزول الآيات 18+19+20+21 من سورة فصلت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآيات التي سألت عن أسباب نزولها من سورة فصلت هي: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:18-19-20-21] .
لا نعلم سببا خاصاً لنزولها، لكن الآية الأولى من هذه الآيات هي من جملة آيات تبين عاقبة الأمم السابقة التي كذبت رسلها، وقد أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار عبدة الأوثان بعذاب مماثل لما نزل بتلك الأمم التي كذبت رسلها، قال الله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فصلت:13] إلى أن قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:17-18] .
قال صاحب التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج: بعد بيان إعراض عبدة الأوثان عن الإيمان بالله، بالرغم من الأدلة الدالة على وجوده وتوحيده وقدرته من خلق السماوات والأرض، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن ينذرهم بعذاب شديد مماثل للعذاب الذي نزل بعاد وثمود من قبلهم، مع بيان سبب العذاب النازل بكل قبيلة على حدة. 24/202.
وأما الآيات الثلاث 19: 21، فهي تبين العقوبة في الآخرة وشهادة الأعضاء على أصحابها يوم القيامة، إنذاراً لهم وتخويفاً، قال في التفسير المنير: بعد أن بين الله تعالى كيفية عقوبة أولئك الكفار الجاحدين في الدنيا أردفه ببيان كيفية عقوبتهم في الآخرة ليكون ذلك أتم في الزجر والتحذير. 24/210.
ثم جاء بعد ذلك كالدليل على شهادة الأعضاء في قوله تعالى: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ* وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [فصلت:22-23] .
روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر: قرشي وختناه ثقفيان، أو ثقفي وختناه قرشيان، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فتكلموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هنا؟ فقال الآخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كله، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ* وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1424(2/2783)
تفسير قوله تعالى "قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا"
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية رقم (52) بسم الله الرحمن الرحيم "قالوا يويلنا من بعثنا من مرقدنا* هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون" صدق الله العظيم كلنا نعلم أنه يوجد حساب فى القبر، ولكن من خلال هذه الآية أفهم أن من قالوا هذه الكلمات لم يسألوا من وقت مماتهم حتى النفخ فى الصور، فكيف هذا أرجو تفسير هذا؟ ولسيادتكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنورد لك أخي الكريم من كلام الإمام الحافظ ابن كثير ما يزول به الإشكال، قال رحمه الله: قوله تعالى: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا يعنون قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها، فلما عاينوا ما كذبوا به في محشرهم قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، وهذا لا ينافي عذابهم في قبورهم، لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد، قال أبي بن كعب رضي الله عنه ومجاهد والحسن وقتادة ينامون نومة قبل البعث، قال قتادة: وذلك بين النفختين، فلذلك يقولون من بعثنا من مرقدنا فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون -قاله غير واحد من السلف-: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، وقال الحسن: إنما يجيبهم بذلك الملائكة، ولا منافاة إذ الجمع ممكن، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى.
وبهذا يتبين أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين النصوص الكثيرة المتواترة المثبتة لعذاب القبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1424(2/2784)
أهل الكهف سبعة وثامنهم كلبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد أهل الكهف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأصحاب الكهف الظاهر أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، وقد حكى الله ذلك في كتابه فقال: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً. [الكهف:22]
قال ابن كثير رحمه الله: فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، حقق القولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته، إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فقال في مثل هذا: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم. [الكهف: من الآية 22] .اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1424(2/2785)
"تفسير قوله تعالى"فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها
[السُّؤَالُ]
ـ[توضيح لتفسير آية رقم 37 من سورة الأحزاب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم وتحديداً: "فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ... "؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسبق تفسير الآية في الفتوى رقم:
27512
وأما قوله تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَ يْدٌ مِنْهَا وَطَراً. [الأحزاب:37] ، فالمعنى كما ذكر ابن كثير رحمه الله قال: الوطر هو الحاجة والأرب، أي لما فرغ منها وفارقها زوجناكها، وكان الذي ولي تزويجها منه هو الله عز وجل.
وذكر القرطبي في تفسيره ع ن ابن عباس رضي الله عنه قال: أي بلغ ما أراد من حاجته يعني الجماع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1424(2/2786)
المقصود بروح القدس
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو روح القدس أتمنى أن تصل الإجابه بأسرع وقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقصود بروح القدس الذي قد ورد ذكره في مواضيع من القرآن الكريم وفي بعض أحاديث السنة النبوية هو جبريل عليه السلام، وقد قال القرطبي عن هذا القول إنه الأصح، ذكر ذلك في تفسيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1424(2/2787)
معنى "ومن لم يحكم بما أنزل الله.."
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع.. وبعد:
فأي الآيتين الكريمتين هي الأولى نزلت "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون" وهل إحداهما ناسخة للأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معرفة سبب نزول الآيات القرآنية وَجَوِّها العام وسياقها.... معينة على فهمها، ولهذا اهتم كثير من أهل العلم بمعرفة أسباب النزول وعقدوا له الأبواب في كتب علوم القرآن وأفرده بعضهم في كتب مستقلة.
وقد جاءت هذه الآيات في سياق حديث القرآن الكريم عن أهل الكتاب اليهود والنصارى ووصف كتبهم التوراة والإنجيل وكيف تعاملوا معها ...
وسبب نزولها ما في لباب النقول للسيوطي قال: روى الإمام أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم (مسود وجهه) فدعاهم، فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: لا والله، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك! نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا زنى الشريف تركناه، وإذا زنى الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا حتى نجعل شيئاً نقيمه على الشريف والضعيف، فاجتمعنا على التحميم والجلد.
وقد ثبت أنهم كانوا يخفون ويسترون الأحكام التي شرع الله تعالى في التوراة مثل: حكم الرجم والدية والقصاص.
والوصف بالفسق لمن لم يحكم بما أنزل الله جاء ضمن الحديث عن الإنجيل وأهله النصارى، فكل من لم يحكم بما أنزل الله من شرع يؤمن به كان من الفاسقين الخارجين عن طاعة الله وحكمه، والفاسق في اللغة: هو الخارج المتجاوز للأحكام، ويطلق الفسق ويراد به الكفر....
وأما الوصف بالكفر والظلم فإنهما جاءا تعقيباً على الحديث عن التوراة وأهلها اليهود، فكان التعقيب بوصف الكفر مناسباً لهم، وذلك لسترهم الأحكام التي جاءت في التوراة وإخفائها، والكفر في اللغة: الستر والإخفاء، وكان على هؤلاء أن يبينوا أحكام الله تعالى ولا يستروا منها شيئاً، وكل من يرغب عن الحكم بما أنزل الله أو يخفيه ويحكم بغيره كما يفعل اليهود فهو كافر، كما أن وصف من لم يحكم بما أنزل الله من الشرع بالظلم والتعقيب بذلك على هذا السياق في غاية المناسبة لأن التوراة جاء فيها النص على الحكم بالقصاص والنفس بالنفس وإنصاف المظلوم.... فوصف هؤلاء الذين لم يحكموا بما أنزل الله بأنهم ظالمون لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم.
والظلم: وضع الشيء في غير محله، ويطلق الظلم ويراد به الكفر والشرك؛ كما في قوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] .
وأما مبحث الحكم على من لم يحكم بما أنزل الله هل هو كافر كفر أكبر مخرجاً من الملة، أو هو كافر كفراً دون كفر؟ فهذا مبحث طويل لا يتسع المقام لذكره ونحيلك فيه إلى كتب التفسير ...
ولكننا نختصر من كلامهم أن هذه الآيات وإن كانت في سياق حديث القرآن عن أهل الكتاب إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو مقرر في علم الأصول، ومَنْ لفظٌ مِنْ ألفاظ العموم: فكل من فعل هذا الفعل ينطبق عليه الوصف المذكور.
وهذه الآيات وردت في شأن الحاكمين، وأما في شأن المتحاكمين فقد ورد قول الله تبارك وتعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] ، وقوله تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور] .
وأما ترتيب الآيات كما جاء في القرآن الكريم فهو على النحو التالي: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] ، يليها: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] ، يليها: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] .
ولعل نزولها جاء على هذا الترتيب -والله أعلم- لأننا لم نقف على كلام للمفسرين أو في أسباب النزول فيما اطلعنا عليه على أن بعضها نزل قبل بعض، ولا يصح القول بنسخ شيء من هذه الآيات ... لأن السيوطي في الإتقان حصر الآيات المنسوخة، وليس فيها شيء من هذه الآيات، وعقب على ذكرها بقوله: فهذه إحدى وعشرون آية منسوخة على خلاف في بعضها لا يصح دعوى النسخ في غيرها.
ولأن هذه الآيات من سورة المائدة، ومن المعلوم أن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن الكريم، فقد روى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: آخر سورة نزلت المائدة والفتح. وروى أحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: المائدة آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1424(2/2788)
معنى قوله تعالى: (صعيدا جرزا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة في قوله تعالى في سورة الكهف ((صعيداً جرزا)) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الله تعالى في سورة الكهف: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً [الكهف:8] .
معناه أن ما على الأرض يبيد ويهلك فلا يبقى شجر ولا نبات، وهذا كقول الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ [السجدة:27] .
فلا يغتر بها وبزينتها ويركن إليها إلا مخدوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1424(2/2789)
المقصود بالمهل والعهن في آيتي سورة المعارج
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت ((الجبال كالمهل والسماء كالعهن)) فى القرآن لم أتذكر إلا هذا أريد معنى الآية هذه وآسف لو أني لم أتذكرها جيدا، ولو فيها خطأ سوف تصححونه لي وتخبروني بالمعنى الصحيح؟ أشكركم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نص الآيتين اللتين سألت عنهما هو: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ* وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ [المعارج:8-9] .
والتفسير كما في ابن كثير: يقول الله تعالى: العذاب واقع بالكافرين يوم تكون السماء كالمهل، قال مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة والسدى وغير واحد أي كدردي الزيت، وتكون الجبال كالعهن: أي كالصوف المنفوش، قاله مجاهد وقتادة والسدى. ج4ص541.
وقال القرطبي في تفسيره: المهل دردي الزيت وعكره في قول ابن عباس وغيره، وقال ابن مسعود: ما أذيب من الرصاص والنحاس والفضة، وقال مجاهد: كالمهل كقيح من دم وصديد.... ج18ص247.
ودردي الزيت هو ما يبقى في أسفله، قاله في مختار الصحاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1424(2/2790)
معنى قوله تعالى:" وقدموا لأنفسكم"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قوله تعالى "وقدموا لأنفسكم" من الآية 223 من سورة البقرة هو دعوة للأزواج لمداعبة أزواجهم قبل الوطء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن تفسير الآية في الفتوى رقم: 20085، ولا نعلم أحداً من أهل التفسير أشار إلى ما سأل عنه السائل، وفي تفسير قوله الله تعالى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ [البقرة:223] .
أقوال ذكرها القرطبي في تفسيره ج3ص96 فقال: وقدموا لأنفسكم أي قدموا ما ينفعكم غداً فحذف المفعول وقد صرح به في قوله تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:110] ، فالمعنى قدموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح، وقيل ابتغاء الولد والنسل لأن الولد خير الدنيا والآخرة فقد يكون شفيعاً وجُنّة، وقيل هو التزوج بالعفائف ليكون الولد صالحاً طاهراً، وقيل هو تقدم الأفراط كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم.
وسيأتي في مريم إن شاء الله تعالى، وقال ابن عباس وعطاء أي قدموا ذكر الله عند الجماع كما قال عليه السلام: لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبداً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1424(2/2791)
الطريق اسم جنس يصلح للمفرد والجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[في قول الله تعالي "فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا"
جاء اللفظ طريقا مفردا مع أن تفسير الآيه أنه لما ضرب موسى بعصاه البحر انشق اثني عشر طريقا
فما العلة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر أنه لا منافاة بين إفراد الطريق في قوله تعالى: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً [طه:77] ، وبين مجيء الطرق اثنى عشر، فالطريق اسم جنس، واسم الجنس يصلح للمفرد والجمع، نحو قوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [ابراهيم:34] ، وقوله تعالى: وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ [الكهف:50] ، وقوله تعالى: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً [غافر:67] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1424(2/2792)
قد يكون المنع نعمة والبلاء رحمة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد من فضلكم معرفة مغزى قوله تعالى "ويجعل من يشاء عقيما" لأن زوج أختي عقيم وهذه الآية أثرت عليه أكثر، وشكراً أنتظر إجابتكم عبر البريد الإلكتروني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50] .
فتأمل هذا التذييل الذي ختم به -سبحانه الآية- في قوله: إنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ أي أن هبة الذكور أو هبة الإناث أو المنع من ذلك، كل ذلك تابع لعلمه -سبحانه- وقدرته، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى: أن خلقه ما يشاء ليس خلقاً مهملاً عرياً عن الحكمة، لأنه واسع العلم لا يفوته شيء من المعلومات، فخلقه الأشياء يجري على وفق علمه وحكمته.
فمن عرف أن ربه خالق السماوات والأرض، ومالكها والمتصرف فيها، يعطي لمن يشاء ويمنع عمن يشاء فيرزق من يشاء ذرية إناثاً وذكوراً ويهب من يشاء ذكوراً فقط أو إناثاً فقط، ويمنع ذلك عمن يشاء فيجعله عقيماً بلا نسل، وأن كل ذلك تابع لعلمه وحكمته، اطمأن قلبه بقضاء الله وقدره وفوض أمره له ورضي بما يختار له مولاه سبحانه، فقد قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216] .
وقال جل وعلا: لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ [النور:11] .
ولله تعالى على عبده نعمة في عطائه كما له عليه نعمة في منعه، فالله تعالى لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيراً له، ساءه هذا القضاء أو سره، قال بعض السلف: يا ابن آدم نعمة الله عليك في ما تكره أعظم من نعمته عليك في ما تحب، وقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216] .
وقال آخر: ارض عن الله في جميع ما يفعله بك فإنه ما منعك إلا ليعطيك ولا ابتلاك إلا ليعافيك.
قال سفيان الثوري: منعه عطاء، وذلك أنه لم يمنع عن بخلٍ ولا عدم إنما نظر في خير عبده المؤمن، فمنعه اختيار أو حسن نظر.
قال ابن القيم معلقاً على ذلك: المنع عطاء وإن كان في صورة المنع ونعمة وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية، ولكن لجهل العبد وظلمه لا يَعُدُّ العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل وكان ملائماً لطبعه، ولو رزق من المعرفة حظاً وافرا لعد المنع نعمة والبلاء رحمة.
وتأمل في قوله تعالى: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً* فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً [الكهف:80-81] ، أرسل الله عبده الخضر يقتل هذا الغلام خشية على أبويه أن يحملهما حبه على متابعته في الكفر، قال قتادة في تفسير الآية: قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا حين قتل ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرضَ امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن في ما يكره خير له من قضائه في ما يحب.
واعلم أن الله يبتلي عباده بالمنع كما يبتليهم بالعطاء، هل يشكرون أم لا وهل يصبرون أم لا، كما قال الله تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168] ، وقال: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] ، وقال جل من قائل: فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:15-16] .
أي ما كل من وسعتُ عليه أكرمُته ولا كل من قدرتُ عليه أكون قد أهنتُه، بل هذا ابتلاء ليشكر العبد على السراء والضراء، فمن رزق الشكر والصبر فقد رزق الخير كله، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن اصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1424(2/2793)
تفسير (فاليوم ننجيك ببدنك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نوع الإعجاز في قوله تعالى (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي هذه الآية من الإعجاز أنواع.. من ذلك:
1- الإعجاز البياني.
2- إخباره تعالى بأحوال الأمم السالفة، وما كان من أمرهم.
3- قدرته تعالى وقهره لجميع مخلوقاته، وظهور الآيات العجيبة بإنجائه لعباده المؤمنين، وبأن شق لهم في البحر طريقاً يبساً.
4- جعل سبحانه للماء الخاصية الصلبة فثبت كالجبال حتى خرج موسى ومن معه من المؤمنين، ثم أطبقه تعالى على فرعون ومن معه من الكافرين، ومن هنا نعلم أن الله تعالى هو الذي وهب المخلوقات خصائصها وهو القادر تعالى على سلبها، فخاصية النار الإحراق ولكن جعلها الله برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام، قال الله تعالى: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] ، وخاصية الأرض الصلابة فجعلها الله سائلة تحت أقدام قارون حتى غاص هو وداره في الأرض، قال الله تعالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ [القصص:81] .
قال الإمام البيضاوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية 3/213: فاليوم ننجيك، ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافياً، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل.... (ببدنك) في موضع الحال أي ببدنك عارياً من الروح، أو كاملاً سوياً، أو عريانا من غير لباس ... أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها، "لتكون لمن خلفك آية" لمن وراءك علامة، وهم بنو إسرائيل إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك، حتى كذبوا موسى عليه السلام حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطرحا على ممرهم من الساحل، أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة ونكالا عن الطغيان، أو حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية. انتهى.
وقد ذكر في بعض الآراء والروايات التاريخية أن الفترة التي عاش فيها فرعون كانت خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وكان خروج بني إسرائيل من مصر في الثلث الأخير من ذلك القرن، وهي فترة توافق حكم رمسيس الثاني المشهور في عصرنا، وجثته معروضة في أحد المتاحف المصرية الآن كما يقال، وهذا ما يزيد آية يونس وضوحا، ويكون معنى "لمن خلفك آية" أي آية مشاهدة لمن خلفك من القرون، وانظر الفتوى رقم:
13174، والفتوى رقم: 27843.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1424(2/2794)
معنى قوله تعالى: (وإلا تصرف عني كيدهن ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن تفسير قوله تعالى في سورة يوسف: "وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين"
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول حاكياً عن يوسف عليه السلام: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [يوسف:33] .
قال القرطبي رحمه الله في تفسير الآية: وإلا تصرف عني كيدهن: أي كيد النسوان، وقيل: كيد النسوة اللاتي رأينه، فإنهن أمرنه بمطاولة امرأة العزيز، وقلن له: هي مظلومة وقد ظلمتها، وقيل طلبت كل واحدة أن تخلو به للنصيحة في امرأة العزيز، والقصد أن تعذله في حقها وتأمره بمساعدتها فلعله يجيب، فصارت كل واحدة تخلو به فتقول له: يا يوسف اقضي لي حاجتي، فأنا خير لك من سيدتك تدعو كل واحدة لنفسها وتراوده، فقال: يا رب كانت واحدة فصرن جماعة، وقيل: كيد امرأة العزيز وكنى عنها بخطاب الجمع إما لتعظيم شأنها، وإما ليعدل عن التصريح إلى التعريض، والكيد الاحتيال والاجتهاد.... أصبُ إليهن: جواب الشرط أي أميل إليهن ... أي إن لم تلطف بي في اجتناب المعصية وقعت فيها، وأكن من الجاهلين أي ممن يرتكب الإثم ويستحق الذم، أو ممن يعمل علم الجهال..... انتهى كلامه رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(2/2795)
نبذة عن سورة النمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أسباب نزول سورة النمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نقف على سبب نزول لهذه السورة الكريمة في ما اطلعنا عليه من التفاسير وكتب أسباب النزول، وننبه السائل الكريم إلى أن أكثر القرآن الكريم لم يذكر له سبب نزول في التفاسير أو في كتب علوم القرآن.
وللعلم، فإن هذه السورة الكريمة موضوعها -في الغالب- هو موضوع السورتين: سورة الشعراء قبلها، وسورة القصص بعدها، فهي جاءت بينهما في الترتيب في المصحف، وكذلك كان ترتيبها في النزول، فصارت كالتتمة لسورة الشعراء في بيان بقية قصص الأنبياء، وهي قصة داود وسليمان عليهما السلام، وفيها تفصيل لما أجمل من قصة موسى، وقصة صالح، وقصة لوط....
كما يوجد تشابه بين هذه السور في البداية والافتتاح بالحروف المقطعة طسم [الشعراء] ، طس [النمل] ، طسم [القصص] .
وكذلك التشابه الموضوعي بينها في وصف القرآن وتنزيله من عند الله تعالى، إلى غير ذلك من وجوه التشابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1424(2/2796)
تفسير قوله تعالى "وهديناه النجدين"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالنجدين في قوله تعالى: (وهديناه النجدين) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود بالنجدين: طريقا الخير والشر.
قال ابن كثير في تفسيره 4/513-514: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ: الطريقين: قال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله -هو ابن مسعود-: وهديناه النجدين قال: الخير والشر، وكذا رُوي عن عليّ وابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبي وائل وأبي صالح ومحمد بن كعب والضحاك وعطاء الخراساني في آخرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1424(2/2797)
المقصود بالرب في قوله تعالى "فيسقي ربه خمرا"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد السؤال عن معنى آية في سورة يوسف (أما أحدكما فيسقي ربه خمرا) هل الله عز وجل يشرب الخمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية المسؤول عنها وهي قوله تعالى: أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ [يوسف:41] .
جاءت في سياق تعبير يوسف عليه السلام لرؤيا الفتيين اللذين سجنا معه وقد كان أحدهما ساقياً للملك وكان الآخر خبازاً له، وبحكم صحبة هذين السجينين ليوسف في السجن وما علماه عنه من صدق وأمانة وصلاح وقدرة على تعبير الرؤيا طلبا منه أن يعبر لهما رؤياهما كما قص القرآن علينا بقوله: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36] .
فكان تعبير يوسف لهما عجيباً، وهو أن أحدهما سيخرج من السجن ويعود إلى وظيفته السابقة من سقي الملك الخمر، وهذا هو ما عناه الله بقوله: فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً، وأما الثاني فقد فسر رؤياه بالصلب والموت بعد ذلك، كما قال الله تعالى: وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ.
ومما يوضح لك أخي السائل أن المراد بالرب هنا الملك قول يوسف عليه السلام للناجي من السجينين، وهو الساقي: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف:42] .
قال ابن كثير في تفسيره: أي اذكرني عند ربك وهو الملك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(2/2798)
معنى قوله تعالى "لا يمسه إلا المطهرون.."
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
من المعروف طبعاً أن كتاب الله لا يمسه إلا المطهرون فهل المقصود بالمطهرون هنا المتوضئون أم الذين ليس عليهم نجاسة (في البدن أو الثياب) وإذا أردت في أى وقت أن أقرأ بعض السور من كتاب الله فهل يجب أن أتوضأ أم المهم أن أكون طاهرا من أى نجاسة؟ وإذا توضأت وبدأت في القراءة وبينما أنا أقرأ انتقض وضوئي (خرجت مني ريح مثلا) فهل علي أن أضع كتاب الله وأعاود وضوئي ثم أرجع لأكمل قراءتي؟
أفيدوني رحمكم الله وسدد خطاكم إلى ما فيه خير البشرية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المطهرين في الآية الكريمة تعني عدة معاني، ففي تفسير ابن كثير عند كلامه على الآية: لا يمسه إلا المطهرون قال الفراء: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به. وقال آخرون: لا يمسه إلا المطهرون أي من الجنابة والحدث، قالوا: ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب.
واعلم أن كلمة المطهرين تشمل طهارة القلب وطهارة الحدث والخبث.
وفيما يتعلق بسؤالك عن الطهارة المطلوبة لمن أراد أن يقرأ بعض السور من كتاب الله، فإن جوابه في الفتوى رقم: 12540.
كما أن جواب سؤالك عن حكم القارئ الذي انتقض وضوؤه أثناء القراءة هو في الفتوى رقم: 8599.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1424(2/2799)
تفسير قوله تعالى "..حتى يلج الجمل في سم الخياط.."
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي سورة نزلت الآية (حتى يلج الجمل في سم الخياط) وما معناها وما سبب نزولها؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف:40] . ولم يرد سبب لنزولها فيما اطلعنا عليه.
أما معناها، فقال شيخ المفسرين الطبري في تفسيره لهذه الآية:
إن الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا فلم يصدقوا بها ولم يتبعوا رسلنا (وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا) يقول: وتكبروا عن التصديق بها، وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبراً (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ) لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم (أَبْوَابُ السَّمَاءِ) ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة، وإنما يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح، كما قال جل ثناؤه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر:10] .
قال: ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ)
فقال بعضهم: معناها: لا تفتح لأرواح هولاء الكفار أبواب السماء، قال آخرون: معنى ذلك أنه لا يصعد لهم عمل صالح ولا دعاء إلى الله،
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأعمالهم.
وقوله: (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) [الأعراف:40] .
يقول جل ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها الجنة التي أعدها الله لأوليائه المؤمنين أبداً، كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبداً، وذلك ثقب الإبرة وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك فإن العرب تسميه "سماً " وتجمعه"سموماً".
وأما الخياط: فإنه من المخيط وهي الإبرة، قيل لها خياط ومخيط كما قيل: قناع ومقنع وإزار ومئزر، ثم ذكر تأويل "الجمل" بأنه الجمل المعروف أي البعير، وقيل هو حبل السفينة الغليظ الضخم من ليف. اهـ
مختصراً من جامع البيان في تأويل القرآن للطبري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(2/2800)
المراحل الأولى لتكوين العظام تبدأ في الأسبوع الخامس والسادس
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أما بعد:
قال الله تعالى فى كتابه العظيم " {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون) " صدق الله العظيم
ولكن من خلال دراساتي لمادة الأحياء تعرضت لحقيقة علمية تقول: إن تكوين العظام يبدأ في الشهر الرابع بعد نمو القلب والجهاز العصبي والجهاز العضلى، فما هو تعليقكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الأطباء أن المراحل الأولى لتكون العظام تبدأ في الأسبوع الخامس والسادس، وتكون بدايتها بتكون النسيج السابق للعظام، ثم تليها المرحلة الغضروفية في الأسبوع السادس وهكذا.
ويؤيد أن بداية خلق العظام تكون في هذه المدة، ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها....
وقد تم تصوير الجنين في مراحله، فوجدوا هذه الحقيقة ثابتة وقد ذكرنا المدة التي يبدأ فيها الغضروف، ولمزيد من الفائدة راجع كتاب "خلق الإنسان بين الطب والقرآن" للدكتور محمد علي البار، وراجع الفتوى رقم: 22096، 24630.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1424(2/2801)
استفهام الملائكة عن خلق آدم هو استعلام وليس اعتراض
[السُّؤَالُ]
ـ[لما قال الله عز وجل من سورة البقرة آية29: (إني جاعل في الأرض خليفة) قالت الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) ؟
السؤال: فهل نستطيع أن نفهم من هذا أن الأرض كانت مسكونة قبل آدم؟ يقول بعض العلماء كالشيخ طارق سويدان أن الأرض كانت مسكونة بالجن، وأن الله وهب الملائكة العلم بذلك، ونقول نحن: كيف يلومهم الله على علم هو الذي وهبهم إياه؟! إذن فالذي قالوه ليس علما منه؟ وإذا كانت الأرض مسكونة بغير الجن، فمن يكون هذا المخلوق؟ لأن الملائكة لا يمكن أن تتكلم عن عبث، أجيبونا جزاكم الله خيراً. بالعربية أم بالفرنسية إلى العنوان التالي: ramane free.fr ... أبو شفاء ـ فرنسا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق لنا بيان معنى هذه الآية مفصلاً في الفتوى رقم:
1099.
بما يغني عن إعادته ثانية وفيه الجواب عما سألت عنه، والذي نود إضافته هنا هو أن الملائكة لما أطلعهم الله تعالى على ما يكون من ذرية آدم عليه السلام من سفك للدماء وغيره من المحرمات سألوا الله تعالى على سبيل الاستعلام والاستكشاف عن الحكمة من خلق آدم، وليس على وجه الاعتراض ولا على وجه الحسد لآدم وذريته، حاشاهم من ذلك، فهم كما قال الله عنهم: عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:26، 27] ، يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50] . لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(2/2802)
السر في تنكير كلمة (بلد) في البقرة وتعريفها في إبراهيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما علة التنكير وعلة التعريف في الآيتين الأولى من سورة البقرة آية 126 والثانية من سورة إبراهيم آية 35؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسر في تنكير قوله الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة: وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً [126] .
فلعلَّ ذلك -والله أعلم- أن إبراهيم سأل الله تعالى أن يجعل ذلك المكان الخالي بلداً عامراً يرتاده الناس ويأمنون فيه من كل مكروه، وذلك عندما جاء بأم إسماعيل وابنها إلى ذلك الوادي الذي ليس فيه إنس ولاشيء، فقالت: أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي؟.
ويستدل لهذا المعنى بما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء.
وأما في سورة إبراهيم فكان الدعاء بعدما أصبح البلد بلداً بالفعل واستقر به الناس وبنى فيه البيت الحرام، فدعا عليه السلام لأهله بقوله: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ إبراهيم:35] .
وقد أجمع المفسرون على أن البلد المدعو له هنا وهناك هو مكة المكرمة حرسها الله تعالى.
قال صاحب التفسير المنير: عُرِّف هذا البلد هنا - يعني في سورة إبراهيم - ونُكِّر في سورة البقرة؛ لأنه في البقرة كان دعاؤه قبل بنائها فطلب أن تجعل بلداً وآمناً، وهنا كان بعد بنائها فطلب أن تكون بلد أمنٍ واستقرار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2803)
أصحاب الأعراف.. تعريفهم.. ومصيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مصير أصحاب الأعراف يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال ابن كثير عن أصحاب الأعراف: اختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف، من هم؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، نص عليه حذيفة، وابن عباس، وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف يرحمهم الله. انتهى
وهذا هو الذي قرره القرطبي في تفسيره.
أما عن مصيرهم، فالقرآن والسنة لم يصرحا بشيء فيه، لكن ورد في كتب التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، أن الله تعالى سيرحمهم ويدخلهم الجنة، قال ابن كثير في قوله تعالى: لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ [الأعراف:46] ، فكان الطمع دخولاً، وهذا هو اللائق بسعة رحمة الله تعالى، وإذا كان الله تعالى سيخرج أقواماً من النار بعد عذابهم فيها، ويدخلهم الجنة برحمته، فإن أهل الأعراف أولى بذلك وقال الحافظ الحكمي في معارج القبول عن أصحاب الأعراف: يوقفون بين الجنة والنار ما شاء الله أن يوقفوا، ثم يؤذن لهم في دخول الجنة. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2804)
الآيات المسماة بالسيف
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الآيات التي سميت بآيات السيف الآية والسورة إذا أمكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكثيراً ما ترد كلمة آية السيف في كتب التفسير وفي علوم القرآن وخاصة في باب الناسخ والمنسوخ، والمقصود بآية السيف قول الله تبارك وتعالى: فإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم [لتوبة:5] .
قال القرطبي في تفسيره: قال الحسين بن الفضل نسخت هذه الآية كل آية فيها الإعراض عن المشركين والصبر على أذاهم.
وأضاف بعضهم إلى هذه الآية قول الله تعالى: وقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة [لتوبة:36] ، وقوله تعالى: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [لتوبة:41]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1423(2/2805)
تفسير قوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما علاقة قوله عز وجل في الآيات الكريمة رقم من4 إلى 6 في سورة الإسراء، بما يحدث هذا اليوم
ومن هم أولي البأس الشّديد؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً [الإسراء:4- 6] .
فقد أخبر الله تعالى في هذه الآيات أن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض مرتين، ويتجبرون فيها، وقد حصل ذلك منهم، فأرسل الله عليهم في المرة الأولى بختنصر فاستباح بيضتهم واستأصل شأفتهم وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقاً، ثم رد الله لبني إسرائيل قوتهم ومدهم كأول مرة فعتوا كسابق عهدهم، وحصل منهم إفساد في الأرض كالإفساد الأول أو يزيد، فأرسل الله عليهم من فعل بهم مثل فعل بختنصر أو يزيد، وهو بيردوس ملك بابل، كما ذكر ذلك البيضاوي في تفسيره، وبعد أن هزمهم وقهرهم، ودب اليأس في قلوبهم، بين لهم عز وجل أنه سيرحمهم إن تابوا وأنابوا، فقال: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ [الإسراء:8] ، وحذّرهم إن هو أنعم عليهم بطاعتهم له أن يعودوا إلى الإفساد مرة أخرى؛ لأن هلاكهم في ذلك، فقال عز وجل: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء:8] . أي إن عدتم إلى الإفساد عدنا إلى إذلالكم، ومع هذا التحذير والإنذار نجد أنهم يعودون لهذا الإفساد ويعيد الله عليهم سوء العذاب، قال الله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ [آل عمران: م112] .
وإننا لنبشر -الأخ السائل وجميع أمة المسلمين- أن الله تعالى ناصرنا على اليهود مهما علو وعتو، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله. رواه البخاري ومسلم.
ولكن لن يكون هذا النصر إلا إذا أخذ المسلمون بأسبابه، وسعوا لحصوله، فإن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولو أن الله تعالى نصر المسلمين مع ما هم عليه من التفريط والإهمال، لكان ذلك لهم ولجميع الأمم فتنة؛ لأن نصر المسلمين يكمن في تمسكهم بدينهم وعبادتهم لربهم، قال تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج:40] . وقال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:173] . وقال تعالى: وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] .
ولمزيد من الفوائد راجع الفتاوى رقم:
8099 -
8756.
ولمعرفة أسباب النصر راجع الفتوى رقم:
27216.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(2/2806)
معنى قوله عز وجل (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[كلما أقرأ هذه الآية أجد في نفسي حرجا حين قال سيدنا موسى: إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء // رجاء إزالة هذا الإشكال الذي أشكل علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقطع الذي ذكره السائل الكريم واستشكل معناه وهو قول الله تعالى حكاية عن نبيه موسى عليه السلام، حيث يقول: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ [الأعراف:155] . فهذا المقطع جزء من الآية (155) من سورة الأعراف.
قال العلماء: وأصل الفتنة الاختبار والابتلاء والامتحان، ثم استعملت فيما أخرجه الاختبار من المكروه، ثم استعملت في المكروه: فتارة تستعمل في الكفر، وتارة تستعمل في الإثم، وتارة تستعمل في الإحراق، وتارة تستعمل في الإزالة عن الشيء.. والمراد بها في هذا الموضع: الاختبار؛ على بابها الأصلي. انتهى ملخصًا من الفتح.
وقال القرطبي: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي ما هذا إلا اختبارك وامتحانك.
وأضاف الفتنة إلى الله عز وجل، ولم يضفها إلى نفسه، كما قال إبراهيم وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80] . فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى الله تعالى، وقال يوشع: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ [الكهف:63] . لأن موسى عليه السلام استفاد ذلك من قوله تعالى: قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ [طه: 85] . فلما رجع إلى قومه ورأى العجل منصوبًا للعبادة وله خوار قال: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ [الأعراف:155] .
وقوله: تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ فيه إثبات القدر، وأن الله تعالى بيده الأمر كله، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وهذا ما نطق به القرآن الكريم في مواضع كثيرة كقوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] . وقول: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8] .
وانظر الفتوى رقم:
9193 - والفتوى رقم:
8653 - والفتوى رقم: 7002.
وننصحك بمراجعة الفهرس الموضوعي والوقوف على الفتاوى المتعلقة بالإيمان بالقدر ضمن: العقيدة، أركان الإيمان، الإيمان بالقدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2807)
معنى قوله عز وجل (تعلم ما في نفسي..)
[السُّؤَالُ]
ـ[كلما أقرأ هذه الآية أجد في نفسي حرجا حين قال سيدنا عيسى لله عز وجل: تعلم ما فى نفسي ولا أعلم ما في نفسك // أشعر أن هذا الخطاب لا يليق بالله عز وجل. رجاء إزالة هذا الإشكال الذي أشكل علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقطع الذي ذكره السائل الكريم واستشكل معناه جزء من الآية (116) من سورة المائدة، جاء في سياق الحديث عن عيسى عليه السلام، وأن الله تعالى يسأله يوم القيامة، يوم يجمع الله الخلائق والأنبياء والرسل، ويوجه إليه هذا السؤال توبيخًا لمن ادعى له الألوهية على رؤوس الأشهاد.
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:116] .
قال المفسرون: بدأ عيسى كلامه بالتسبيح قبل الإجابة تنزيهًا لله تعالى عما أضيف إليه، وخضوعًا لعظمته وعزته، وخوفًا من سطوته.
وقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116] . قال القرطبي: تعلم سري وما انطوى عليه ضميري الذي خلقته، ولا أعلم شيئًا مما استأثرت به في غيبك وعلمك إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما كان وما يكون وما لم يكن وما هو كائن.
ولعله أشكل عليك إثبات النفس لله تعالى، ولا إشكال في ذلك، فهذا مما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28] .
وقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54] .
وفي الحديث القدسي: إني حرمت الظلم على نفسي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله رضا نفسه. وانظر الفتوى رقم:
3523.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1423(2/2808)
تفسير قوله تعالى (..ثيبات وأبكارا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو مدى صحة ما يقال أن آسية زوجة فرعون ومريم بنت عمران هما زوجتا النبي في الجنة أيضا؟ وجزاكم الله كل خير....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نقل ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً، في سورة التحريم حديثاً أخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن بريدة رضي الله عنه قال: وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يزوجه بالثيب آسية امرأة فرعون، وبالبكر مريم بنت عمران. قال ابن كثير: وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مريم عليها السلام من طريق سويد بن سعيد إلى ابن عمر قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت خديجة فقال: إن الله يقرؤها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد عن اللهب لا نصب فيه ولا صخب من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم. وقد سكت الحافظ ابن كثير عن سند هذين الحديثين.. بينما نقل أحاديث وروايات أخرى وضعفها جميعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(2/2809)
تفسير قوله تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوا تفسير هذه الآية
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (المائدة:82) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية: يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين وإلى ولايتهم ومحبتهم وأبعدهم من ذلك: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] .
فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم بغياً وحسداً وعنادا وكفرا.
: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى [المائدة:82] .
وذكر تعالى لذلك عدة أسباب: منها: أن منهم قسيسين ورهباناً، أي علماء متزهدين وعباداً في الصوامع متعبدين. والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققة ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود وشدة المشركين.
ومنها: أنهم لا يستكبرون أي ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم، فإن المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر.
ومنها: أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا للذي تيقنوه، فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا: ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لله بالتوحيد ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به، ويشهدون على الأمم السابقة بالتصديق والتكذيب. انتهى.
وما ذكره الله تعالى في هذه الآية من قرب مودة الذين قالوا إنا نصارى مقصور على فئة معينة هم من وصفهم الله تعالى في آخر الآية.
قال سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن: وليس كل من قالوا إنهم نصارى إذن داخلين في ذلك الحكم: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى [المائدة:82] ..... كما يحاول أن يقول من يقتطعون آيات القرآن دون تمامها، إنما هذا الحكم مقصور على حالة معينة لم يدع السياق القرآني أمرها غامضاً ولا ملامحها مجهلة ولا موقفها متلبساً بموقف سواها في كثير ولا قليل. انتهى
وانظر الفتاوى التالية:
15087 -
18719 -
23677 -
27008.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(2/2810)
كما بدأنا أول خلق نعيده
[السُّؤَالُ]
ـ[آية في القرآن الكريم توضح أن نهاية العالم والكون ستكون مثل بدايته أرجو توضيحها وفي أي سورة ذكرت؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل الكريم يسأل عن قول الله تبارك وتعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104] .
قال المفسرون في تفسير هذه الآية: يخبر الله سبحانه وتعالى أنه يوم القيامة يطوي السماوات على عظمتها واتساعها كما يطوي الكاتب السجل أي الورقة المكتوب فيها، فتنتشر نجومها وتكور شموسها وأقمارها وتزول عن أماكنها، كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء:104] .
أي: إعادتنا للخلق مثل ابتدائنا لخلقهم، فكما ابتدأنا خلقهم ولم يكونوا شيئاً كذلك نعيدهم بعد موتهم، وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ أي ننفذ ما وعدنا لكمال قدرتنا..
وقال ابن عطية في تفسيره: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون خبراً عن البعث، أي: كما اخترعنا الخلق أولاً على غير مثال سابق كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور.
والثاني: أن يكون خبراً عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا، ويؤيد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، كما بدأنا أول خلق نعيده. رواه مسلم عن ابن عباس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(2/2811)
الظن في القرآن الكريم ليس كله بمعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى عن المؤمنين: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) ويقول في آية أخرى: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) فكيف يمكن أن نوفق بين كلمتي الظن في الآيتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظن المذكور في الآية 46 من سورة البقرة: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:46] .
ليس بمعنى الشك؛ بل هو بمعنى اليقين كما نص على ذلك المفسرون كالطبري وابن كثير. وهذا الاستعمال معروف عند العرب كما في قول دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجّج ... سراتُهم في الفارسيّ المسرّدِ
أي تيقنوا بذلك.
ومن ذلك قول الله تعالى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20] .
أي تيقنت وعلمت.
وأما الآية الآخرى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [النجم:28] .
فالمقصود فيها الظن المذموم المرجوح الذي يخالف الحق فهو لا يغني من الحق شيئاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(2/2812)
معنى قوله تعالى: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله عز وجل"" الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها"" السؤال هو أولا: ما معنى الآية؟
ثانيا: ما المقصود بالسماء؟
ثالثا: هل السماء جسم مادي يرفع على عمد؟ وجزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية التي أشار إليها السائل الكريم هي قول الله تبارك وتعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد:2] .
وجاء مثلها في سورة لقمان فقال الله تعالى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [لقمان:10] .
ومعنى الآية -والله أعلم- أن الله سبحانه وتعالى يخبر عن كمال قدرته وعظيم شأنه، بأنه سبحانه وتعالى رفع السماوات فوق الأرض بدون أعمدة تحملها، كما يراها الناس واضحة للعيان.
ويقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: والسماوات أيا كان مدلولها، وأيا كان ما يدركه الناس من لفظها في شتى العصور، معروضة للأنظار هائلة ولا شك، حين يخلو الناس إلى تأملها لحظة، وهي هكذا لا تستند إلى شيء مرفوعة بغير عمد، مكشوفة ترونها.
والسماء في لغة العرب معناها: العلو والارتفاع، فكل ما علاك فهو سماء
قال ابن منظور في اللسان: السموّ: الارتفاع والعلو، تقول: سموْت وسميت مثل علوْت وعليْت.
وعلى هذا؛ فالسماء تشمل كل ما فوقنا مما نشاهده وما غاب عنا من الكواكب والنجوم والمجرات.... والسماوات جمع سماء، وهي جسم محسوس، ولها أبواب كما جاء في القرآن الكريم: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40] .
وقال الله تعالى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً [الملك:3] .
والسماوات، ومن فيها وما فيها من غيب الله المكنون الذي لا نعلم عنه إلا ما جاء به الوحي في كتاب الله أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه السماوات أمسكها الله تعالى بقدرته، وبغير عمد يراها الناس.... قال ابن عطية في تفسيره: للسماوات عمد غير مرئية، قاله مجاهد وقتادة.
قال بعض العلماء المعاصرين: وهذه الآية الكريمة من آيات الإعجاز في القرآن الكريم، وجاء مثلها في سورة الحج، وهو قول الله تبارك وتعالى: ِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج:65] .
ومثلها في سورة فاطر قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [فاطر:41] .
ولعل الأعمدة التي تمسك السماء وهي لا ترى هي الجاذبية التي تجعل لكل شيء مداراً ثابتاً بقدرة الخالق سبحانه.. وتلك الجاذبية جعلها الله سبحانه حائلة دون أن ينهارالكون وتصطدم الشمس بالقمر وتتناثر الكواكب، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض العلماء المعاصرين.
والحاصل أن هذه الآية وما أشبهها تشير إلى بعض مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون.. ذلك أن الجاذبية لم تكتشف إلا بعد نزول القرآن بمئات السنين، وهي كذلك دليل قاطع وبرهان واضح على أن هذا القرآن منزل من عند الله -سبحانه وتعالى- وأنه معجزة الإسلام الخالدة يتجلى صدقه وإعجازه في الكون والنفس والآفاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1423(2/2813)
تفسير قوله تعالى: (رب لا تذرني فردا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الدعاء رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا دعاء نبي الله زكريا عليه السلام، وذلك لما بلغ من الكبر عتيا وتقارب أجله، سأل الله أن يرزقه ابناً يعينه ويخلفه في النبوة، وتبليغ أمر الله، وذلك أن زكريا عليه السلام خاف أن يتولى أمر بني إسرائيل من بعده من لا يقوم فيهم بدين الله والدعوة إليه، فكان طلبه للولد لتحقيق مصلحة دينية، وقوله: وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الانبياء:89] ، أرجع الأمر إلى الله أي وأنت يارب خير من يبقى وخير من يخلف، وقد استجاب الله له ورزقه يحيى عليه السلام، وكان نبياً صالحاً من بعده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1423(2/2814)
تفسير: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ)
صدق الله العظيم.
بعض اليهود والنصارى يعتبرون هذه الآية دليلا واضحا من القرآن على أن الأرض المقدسة هي لليهود الذين يعتبرون أنفسهم بني إسرائيل؟
فنرجو بتكرمكم علينا وتوضيح هذا الأمر الجلل راجين من الله التوفيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأرض فلسطين هي أرض الإسلام، وأرض النبوات، لا يحق لكافر يهودي أو نصراني أو وثني أن يحكمها، وهذه الآية التي استدل بها اليهود دليل عليهم لا لهم ذلك أن الله يقول فيها مخبراً عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ... ) [المائدة:21] .
ففيها أن الله حكم وقضى أن يقوم المسلمون من قوم موسى بمناجزة أعداء الله العمالقة الوثنين الذين استولوا على الأرض المقدسة أرض فلسطين، وما حولها وأمرهم بطردهم منها، لأنها أرض إسلامية لا يحل لهؤلاء الكفار الوثنين أن يحكموها ويسوسوا أهلها بالكفر والشرك، وموسىعليه السلام، وجميع الأنبياء دينهم الإسلام، كما قال سبحانه: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس:84] .
وليس لله دين في القديم أو الحديث غير الإسلام، وهكذا يقال اليوم: لا يحق لليهود الكفار الذي كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذبوه وهم بكفرهم بمحمد يكفرون بموسى الذي آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأُخِذَ عليه العهد والميثاق أن لو بعث وهو حي أن يؤمن به ويصدقه، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ ... ) [آل عمران:81] .
نقول: لا يحق لهم أن يحكموا أرض فلسطين، وعلى المسلمين طردهم وإخراجهم من هذه الأرض، كما حكم الله على المسلمين من أصحاب موسى أن يطردوا العمالقة الكفار منها، فهذا هو الأصل الأصيل الذي يبني عليه المسلمون استحقاقهم لهذه الأرض وسائر أراضي المسلمين، ثم نقول: -تنزلاً- ليس في الآية دليل علىالدعوى الواردة في السؤال!! إذ ليس فيها ما يفيد أن هذه الأرض لبني إسرائيل إلى أبد الآبدين، وإنما توجه الخطاب إلى الموجودين مع موسى عليه السلام في ذلك الحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1423(2/2815)
تفسير قوله تعالى (..لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كانت المرأة تطلق في الجاهلية كانوا يزوجونها بعد العدة لأحد إخوان الزوج أو تدفع نقودا مقابل حريتها فجاءت آية تنفي هذه العادة ما هي الآية الدالة على ذلك؟
أفيدونا حفظكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية التي يسأل عنها الأخ الكريم هي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) [النساء:19] .
وذلك لما ثبت في البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية.
ومن هذا يتبين للأخ أن المسألة فيمن مات زوجها لا من طلقت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(2/2816)
المقصود بقوله تعالى: (سيماهم في وجوههم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن علامة الصلاة التي تظهر فى مقدمة رأس الإنسان، لماذا تظهر للرجال دون النساء؟ وهناك من الرجال من يتميزون بكثرة السجود ولكن لا تظهر لهم هذه العلامة، فهل هي ما ذكرها الله تعالى بقوله بسم الله الرحمن الرحيم (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) مع شكري وتقديري لكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأثر الحسي الذي يكون على وجه الإنسان من السجود ليس هو السيما التي ذكرها الله تعالى في صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في آخر سورة الفتح: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29] .
بل المقصود بذلك ما يظهر على وجه المصلّي المخلص لله الخاشع في صلاته القائم بما أوجبه الله عليه التارك لما حرمه عليه، وهذه السيما هي ما يظهر على الوجه من السمت الحسن والخشوع والوقار والتواضع، كما نقل هذه المعاني ابن كثير في تفسيره 4/205، عن عدد من السلف كابن عباس ومجاهد، ونقل عن منصور عن مجاهد أنه قال: سيماهم في وجوههم من أثر السجود قال: الخشوع، قلت: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه، فقال: ربما بين عيني من هو أقسى قلباً من فرعون.
وقال بعض السلف: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
أما لماذا تظهر علامة الصلاة على وجوه الرجال دون النساء، وكذلك لا تظهر على وجوه بعض الرجال المكثرين من الصلاة؟ فالأمر يرجع لطبيعة جسم كل إنسان وكيفية سجوده وطوله وكثرته، وأهم من ذلك ما يسجد عليه فكلما كان ما يسجد عليه أخشن كانت هذه العلامة أظهر، وعموماً ليس هذا الأثر هو المقصود في الآية، ولا تعتبر هذه العلامة دليلاً على صلاح الإنسان أو عدمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1423(2/2817)
الحكمة في مفهوم الشرع تدور على أمور الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم قال الله تعالى ((يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)) ما المقصود بالحكمة هنا؟
وفي حديث إن الله يعطي العلم لمن يحب فهل المقصود هوالعلم الدنيوي أم الديني؟
أي هل علم الهندسة محبة من الله لمن أعطاه إياه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحكمة إتقان العلم، وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم، وهي منحة من الله تعالى يهبها لمن يشاء من عباده، وقد اختلف العلماء في المراد بالحكمة المذكورة في قوله تعالى (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ)
(البقرة: من الآية269) فقيل إنها النبوة وقال ابن عباس هي المعرفة بالقرآن وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وغريبه ومقدمه ومؤخره. وقال مالك بن أنس الحكمة المعرفة بدين الله والفقه فيه والاتباع له. ومنهم من فسرها بخشية الله تعالى.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير قد ذكر الله الحكمة في مواضع كثيرة من كتابه مراداً بها ما فيه إصلاح النفوس من النبوة والهدى والإرشاد.
وبالنظر إلى هذه الأقوال وغيرها نجد أن الحكمة في مفهوم الشرع تدور في الأساس على أمور الدين كخشية الله والعلم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيراً يفقه في الدين " رواه البخاري ومسلم إلا أن العلوم الدنيوية قد تدخل في هذا أيضاً إذا كان فيها فائدة تعود على الأمة بالنفع كعلم الطب ونحوه إذا ابتغي به وجه الله عز وجل.
أما بالنسبة للحديث الذي أوردته فلم نجده، وإنما أخرج البيهقي بعضاً من ألفاظه ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا لمن يحب.".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1423(2/2818)
جنود الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو) المدثر31، من هم جنود الله، هل هم الملائكة، هل يجوز اعتبار الطيور والجراد والقمل والضفادع جنود الله تبارك وتعالى سبحانه؟ أفيدونا أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] ، جاء في سياق التحدث عن خزنة النار من الملائكة حيث يقول الله: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ* وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:30-31] .
قال القرطبي في قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ أي وما يدري عدد ملائكة ربك الذين خلقهم لتعذيب أهل النار إلا هو أي إلا الله جل ثناؤه وهذا جواب لأبي جهل حين قال: أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر!
ونقل القرطبي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم غنائم حنين فأتاه جبريل فجلس عنده فأتى ملك فقال: إن ربك يأمرك بكذا وكذا فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون شيطاناً فقال يا جبريل أتعرفه فقال هو ملك وما كل ملائكة ربك أعرف.
وأخرج الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجداً. حسنه الترمذي وصححه الحاكم وقال المناوي: وهذا الحديث حسن أو صحيح.
وجند الله تشمل الملائكة، وغيرهم من المخلوقات، قال الشوكاني رحمه الله عند قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ أي ما يعلم عدد خلقه ومقدار جموعه من الملائكة وغيرهم إلا هو وحده ولا يقدر على ذلك أحد.
ولا شك أن هذه المخلوقات التي ذكرت جند الله، ولذا أرسلها الله تعالى عذاباً على فرعون وقومه، قال الله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ [الأعراف:133] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(2/2819)
تفسير (والذين هم لفروجهم حافظون)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله: ما هو المعنى للعبارة التي جاءت في القرآن الكريم، سورة المعارج " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ " وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (المؤمنون:5-7) يدل على وجوب حفظ الفرج وعدم تفريغ الشهوة إلا مع الزوجة أو ما ملكت اليمين من الإماء، وبهذه الآية استدل أهل العلم على تحريم العادة السرية، وعدوها من الاعتداء كما في الفتوى رقم: 23868 والفتوى رقم:
6700
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1423(2/2820)
الواو لا تفيد الترتيب الزمني
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ذكر الله قوم نوح ثم أصحاب الرس ثم ثمود في سورة ق ولم يذكر مثلا: أصحاب الرس ثم قوم تبع وهكذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي قول الله سبحانه وتعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ* وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ [قّ:12-13-14] .
تبيين من الله جل وعلا لنبيه أن كفار قريش ليسوا هم أول من كذب الرسل، فقد كذبت قبلهم كفار الأمم السابقة كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وأصحاب الرس وقوم فرعون، كل هؤلاء كذبوا رسلهم فوجب لهم العذاب.
هذا هو المعنى المراد بالآية، ولا يفهم من الآية ترتيب الأمم في الزمن، فإن بعض الأمم ذكرت قبل البعض الآخر، وهي متأخرة عنه في الزمن.
وذلك لأن الواو لا تفيد إلا مطلق الاشتراك في الفعل الذي هو التكذيب من الأمم، وإهلاك الله لهم بسبب ذلك التكذيب، فلا تفيد الترتيب الزمني بخلاف "ثم" فإنها تفيده مع الانفصال، وبخلاف الفاء فإنها تفيده مع الاتصال، قال ابن مالك:
فاعطف بواو لاحقاً أو سابقاً ... في الحكم أو مصاحباً موافقاً
ومَثَّل شراحه لعطف السابق على اللاحق بقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [الأحزاب:7] .
وقال أيضاً عن "ثم والفاء":
والفاء للترتيب باتصال ... وثم للترتيب بانفصال
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1423(2/2821)
من أحسن التفاسير للقرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أحسن التفاسير للقرآن الكريم التي يمكن أن نجد فيها كل المعاني والشروحات المفصلة؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن مظاهر حفظ الله تعالى لكتابه اهتمام المسلمين بتفسيره وتنوع كتب التفسير قديماً وحديثاً، والتي ربما يهتم بعضها بجانب من جوانب المعرفة، ويركز عليه دون الآخر، فمن التفاسير القديمة: تفسير القرآن لابن كثير، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير الطبري.
ومن التفاسير المعاصرة الميسرة: تفسير السعدي، وأيسر التفاسير للدكتور/ أسعد محمود، وأضواء البيان للشنقيطي، وأيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري، وفي ظلال القرآن لسيد قطب.
فهذه التفاسير وما أشبهها من أحسن التفاسير المعاصرة الواضحة، ولا يمكن أن تقتصر على تفسير واحد لتجد فيه كل المعاني، ولكن يمكن أن يكون بعض التفاسير أوضح من بعض وأكثر نفعاً.
ولمزيد الفائدة والتفصيل عن التفاسير المختارة نحيلك إلى الفتوى رقم: 6452.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1423(2/2822)
معنى قوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
ما معنى قول الله عز وجل في سورة المعارج " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ " وشكراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أكد القرآن على حفظ الفرج إلا عن الزوجة، والأمة المملوكة للشخص فإنه لا حرج في وطئهما، فإذا تجاوز في قضاء شهوته زوجته أو ما ملكت يمينه، فقد اعتدى على حدود الله، ووقع في الحرام، ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم:
6702.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1423(2/2823)
ابتلى وبلى.. بمعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما الفرق بين الابتلاء والبلاء مثل وإذ ابتلى ... وبلوناهم؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى ابْتلى، وبَلاَ واحد وهو الاختبار والامتحان ... ولا فرق بينهما؛ إلا أن ابتلى آكد لزيادة مبناها بالتاء، فالكلمة العربية إذا زيد في مبناها زاد ذلك من معناها كما يقول علماء اللغة.
قال القرطبي في تفسيره لقول الله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنّ [البقرة:124] : والابتلاء: الامتحان والاختبار. انتهى.
وفي تفسير قول الله تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168] قال: أي اختبرناهم بالخصب والعافية، والجدب الشديد.
وهذا واضح في أن بلى وابتلى معناهما واحد فقد فسرهما بتفسير واحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2824)
الخشية أعلى مقاما من الخوف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد، فقد ورد قول الله تعالى ((فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)) "آل عمران"
وورد قوله تعالى ((إنما يخشى الله من عباده العلماء)) "فاطر"
والسؤال هو ما الفرق بين الخشية من الله والخوف من الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخوف رعدة تحدث في القلب عند ظن مكروه يناله أو فوات محبوب، وقد يكون عن استعظام، وقد يكون غير استعظام.
والخشية مثل الخوف؛ إلا أنها لا تكون إلا عن استعظام ومهابة، والخشية من الله هي انكسار القلب من دوام الانتصاب بين يدي الله تعالى، والخشية أعلى مقاماً من الخوف لأن الخشية لا تكون إلا عن علم بالمخوف، لقوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1423(2/2825)
معنى قوله عز وجل (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل يجوز إعطاء أموال الزكاة إلى إمرأة راشدة أحسبها على صلاح في أمر دينها لتوزيعها على بعض الأسر المحتاجة التي تقوم هي بتحديدها وعمل بحث لحالتها أم أن هذا لا يجوز عملا بالآية الكريمة:ولا تؤتوا السفهاء أموالكم.....سورة النساء. حيث قال المفسرون إن السفهاء هم النساء والأطفال.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وشكرا د. س]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس المراد من الآية النساء دون الذكور، إنما السفه في الآية معنى يجمع سوء التصرف في المال وعدم القدرة على حفظه، سواء أكان ذلك في الرجال أو النساء، فإذا كانت المرأة لا تحسن التصرف في المال، ولا تقدر على حفظه دخلت في الآية، أما أن يراد بالآية النساء بإطلاق فغير مُسلَّم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن المراد بالآية النساء، ولم يتفق السلف على تفسير الآية بذلك.
قال الإمام ابن جرير الطبري بعد أن حكى الاختلاف بين السلف في تفسير الآية: والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه عمَّ بقوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم فلم يخصص سفيهاً دون سفيه. فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان أو رجلاً كبيراً كان أو أنثى.
والسفيه الذي لا يجوز للولي أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله وفساده وإفساده وسوء تدبيره.
وإنما قلنا ما قلنا، من أن المعني بقوله: ولا تؤتوا السفهاء هو من وصفنا دون غيره، لأن الله جل ثناؤه قال في الآية التي تتلوها: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم إذا بلغوا النكاح وأونس منهم الرشد، وقد يدخل في اليتامى الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لهم من الأموال، الذكور دون الإناث، ولا الإناث دون الذكور.
وإلى هذا نحا الإمام الجصاص فقال بعد أن ذكر آثاراً عن السلف في تفسير الآية أن المراد بالسفهاء والصبيان: وهذا محمول على التي لا تقوم بحفظ المال، لأنه لا خلاف أنها إذا كانت ضابطة لأمرها حافظة لمالها دفع إليها إذا كانت بالغاً قد دخل بها زوجها.
وقال ابن حزم أما الصبيان فنعم، وأما النساء فلا، لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بأنهن سفهاء؛ بل قد ذكرهن الله تعالى مع الرجال في أعمال البر فقال: والمتصدقين والمتصدقات وفي سائر أعمال البر، فبطل تعلقهم بهذه الآية.
ونقل الإمام القرطبي عن الإمام النحاس أن تفسير السفهاء بالنساء لا يصح.
وهذا هو الراجح.. فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن. وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل ولم يستفصل. وأتته زينب امرأة عبد الله وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة، هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن، وأيتام لهن؟ فقال: نعم.
رواهما البخاري
فعلم من هذا أن المرأة في التصرف في المال كالرجل لا تمنع من التصرف في المال إلا إذا ظهرت عليها أمارة السفه من تضييع المال وإتلافه.
إذا تقرر هذا فلا حرج إن شاء الله في إعطاء هذه المرأة أموال الزكاة لتقوم بتوزيعها على الأسر المحتاجة، بشرط أن تكون أمينة وممن يحسن التصرف، وحفظ المال، وتعلم ما هي المصارف التي تصرف الزكاة إليها،
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1423(2/2826)
معنى قوله جل وعلا (وقرآن الفجر)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالمقصود بقرآن الفجرالمشهود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمراد بقرآن الفجر في قوله جل وعلا: وقرآن الفجر صلاة الفجر، ويدل لهذا ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمسة وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر. يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1423(2/2827)
تفسير قوله تعالى: النار يعرضون عليها غدوا..
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ
أريد أن أعلم جميع أقوال العلماء في تفسير هذه الآية ولكم جزيل الشكر والثواب من عند الله.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] .
وهذه الآية إخبار عن فرعون وقومه أنه حاق بهم سوء العذاب في البرزخ، وأنهم في القيامة يدخلون أشد العذاب، وهذه الآية مما يستدل به أهل السنة على عذاب حياة البرزخ، وحاصل أقوال العلماء في تفسيرها ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تعرض على النار غدوا وعشياً حتى تقوم الساعة، ونقل الإمام عبد الرزاق وابن أبي حاتم في تفسيرهما هذا القول عن ابن مسعود، ونقل الطبري نحوه عن هذيل بن شرحبيل والسدي والأوزاعي.
القول الثاني: أنهم يعرضون على منازلهم في النار تعذيباً لهم غدوا وعشيا، ونقل الطبري عن قتادة ومجاهد نحوه.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: أرواحهم تعرض على النار صباحاً ومساء إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار، ولهذا قال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ أي أشده ألما وأعظمه نكالاً.
قال الطبري بعد أن نقل القولين: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً، وجائز أن يكون ذلك العرض على النار على نحو ما ذكرناه عن الهذيل ومن قال مثل قوله، وأن يكون كما قال قتادة. ولا خبر يوجب الحجة بأن ذلك المعنى به فلا في ذلك إلا ما دل عليه ظاهر القرآن وهو أنهم يعرضون على النار غدواً وعشياً.
فمن هذا تعلم أن مذهب الجمهور أن هذا العرض هو في البرزخ وإن اختلفوا في كيفية هذا العرض.
أما القول الثالث فهو: أن هذا العرض يكون في الآخرة، وإلى هذا ذهب الفراء وقال: ويكون في الآية تقديم وتأخير، أي أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها.
والصحيح الذي لا يُعدل عنه، هو ماذهب إليه الجمهور لأن الآية صريحة في إثبات عذاب القبر قبل قيام الساعة، والقول بأن الكلام فيه تقديم وتأخير، لا دليل عليه.
قال الشوكاني معلقاً على قول الفراء: بأن هذا العرض في الآخرة، ولا ملجئ إلى هذا التكلف فإن قوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ يدل دلالة واضحة على أن ذلك العرض هو في البرزخ، وتعقب القرطبي أيضاً الفراء بقوله: وهو خلاف ما ذهب إليه الجمهور من انتظام الكلام على سياقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1423(2/2828)
معنى قوله تعالى "ريب المنون"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى ريب الزمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعل السائل يشير إلى قول الله تعالى في سورة الطور: أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور:30] .
فالمنون: من أسماء الدهر "الزمان" ريب المنون: حوادث الدهر من موت أو حادثة متلفة ونحوه.
ومنه قول الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلها ... تُطلقَّ يوماً أو يموت حليلها
قال القاضي ابن عطية في تفسيره: والريب هنا: الحوادث والمصائب لأنها تريب من نزلت به. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في أمر ابنته فاطمة حين ذكر أن علياً يتزوج بنت أبي جهل: إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها. رواه مسلم.
ومنه قول الشاعر: فقد رابني منها الغداة سفورها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1423(2/2829)
تفسير قوله تعالى: (أو التابعين غير أولي الأربة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم: أولي الإربة من الرجال]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود بقوله تعالى أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَال (النور: من الآية31) هم الأجراء والأتباع الذين ليست لهم شهوة أو ميل نحو النساء، وذلك بأن يكون الرجل منهم مغفلاً لا يعرف من أمور النساء شيئاً، أو لأنه لا شهوة فيه أصلاً، أو عنيناً لا يقوم ذكره، أو مجبوباً وهو الذي قطع ذكره.
وللسلف في ذلك أقوال مردها إلى ما ذكرنا.
وأما أولو الإربة فهم من لديهم شهوة للنساء وقدرة على الباءة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1423(2/2830)
معنى قوله تعالى (ثم لآتينهم من بين أيديهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال إبليس متحديا رب العالمين (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)
لماذا ذكر أربع جهات مع أن المعلوم في السنة ست جهات؟
لماذا ذكر حرف الجر (من) في أمام وخلف وذكر حرف الجر (عن) في أيمانهم وشمائلهم؟
وهل إبليس اطلع على الغيب فعلم أن أكثر الأمة لا تشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى الآية الكريم كما جاء في تفسير القرطبي رحمه الله 7/176: ومن أحسن ما قيل في تأويل: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ [الأعراف:17] أي لأصرفنهم عن الحق وأرغبنهم في الدنيا وأشككهم في الآخرة، وهذا غاية في الضلالة ... عن الحكم بن عتيبة قال: من بين أيديهم: من دنياهم، ومن خلفهم من آخرتهم، وعن أيمانهم يعني حسناتهم، وعن شمائلهم يعني سيئاتهم.
قال النحاس: وهذا قول حسن، وشرحه: أن معنى (ثم لآتينهم من بين أيديهم) من دنياهم حتى يكذبون بما فيها من الآيات وأخبار الأمم السالفة، ومن خلفهم من آخرتهم حتى يكذبوا بها، وعن أيمانهم من حسناتهم، وأمور دينهم، ويدل على هذا قوله: (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) . وعن شمائلهم يعني سيئاتهم أي يتبعون الشهوات، لأنه يزينها لهم، (ولا تجد أكثرهم شاكرين) أي موحدين طائعين مظهرين الشكر. انتهى.
أما عن السبب في ذكر الجهات الأربع وعدم ذكر الفوقية والتحتية: فيقول الإمام أبو بكر الجصاص في كتابه أحكام القرآن: وقيل من كل جهة يمكن الاحتيال عليهم، ولم يقل من فوقهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن رحمة الله تنزل عليهم من فوقهم، ولم يقل من تحت أرجلهم، لأن الإتيان منه ممتنع إذا أريد به الحقيقة. انتهى.
وقال الإمام أبو السعود في تفسيره 3/219 عند تفسير الآية المتقدمة: أي من الجهات الأربع التي يعتاد هجوم العدو منها، مثل قصده إياهم للتسويل والإضلال من أي وجه يتيسر بإتيان العدو من الجهات الأربع، ولذلك لم يذكر الفوق والتحت. انتهى.
وقال الإمام النسفي 2/6: ولم يقل من فوقهم ومن تحتهم لمكان الرحمة والسجدة.
وأما السبب في ذكر حرف الجر في الأمام والخلف (من) في الأمام والخلف، وذكر حرف الجر (عن) في اليمين والشمال، فيقول الإمام النسفي في المكان المتقدم:: وقال في الأوليين (من) لابتداء الغاية، وفي الأخريين (عن) لأن (عن) تدل على الانحراف. انتهى.
وقال الإمام أبو السعود: وإنما عدَّى الفعل إلى الأوليين بحرف الابتداء لأنه منها متوجه إليه، وإلى الأخريين بحرف المجاورة الآتي منها كالمنحرف المتجافي عنهم المار على عرضهم، ونظيره جلست عن يمينه. انتهى.
وأما قولك: وهل إبليس اطلع على الغيب....؟ إلخ، فجوابه أن علم الغيب مما اختص الله تعالى به، كما قال سبحانه: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65]
وإبليس إنما ظن ظناً، وتوهم أمراً، فوافق ذلك ما قدره الله تعالى وقضاه.
وقد أورد القرطبي في تفسيره 14/292 عن الحسن أنه قال: لما هبط آدم عليه السلام من الجنة ومعه حواء وهبط إبليس، قال إبليس أما إذا أصبت من الأبوين ما أصبت، فالذرية أضعف وأضعف، فكان ذلك ظناً من إبليس، فأنزل الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ [سبأ:20] وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن إبليس قال: خلقت من نار وخلق آدم من طين، والنار تحرق كل شيء، لأحتنكن ذريته إلا قليلاً فصدق ظنه ... . وقال الحسن: ما ضربهم بسوط ولا عصا، وإنما ظن ظناً، فكان كما ظن بوسوسته إلا فريقاً من المؤمنين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1423(2/2831)
معنى قوله عز وجل (وما ملكت أيمانكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى ما ملكت أيمانكم هل هي الجارية وماهي حقوقها في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معنى قوله تعالى: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ في سورة النساء وغيرها، قد يراد به الرقيق عموماً من الذكور والإناث كما في الآية: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء:36] .
وقد يراد به النساء المملوكات خصوصاً ويسمين: الجواري والسراري وملك اليمين، ويجوز لمالكها أن يطأها ويستمتع بها بغير عقد زواج بل بملك اليمين، كما في قوله تعالى في سورة المؤمنون: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5-6] ومثلها في سورة المعارج، وانظر الفتوى رقم: 8747
أما حقوق الجارية المملوكة في الإسلام وغيرها من الرقيق فتتلخص في الإحسان إليهم وعدم تكليفهم من العمل ما لا يطيقون، وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم في أخر وصاياه وهو على فراش الموت: الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة وما ملكت أيمانكم، فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان عن أنس.
وقوله صلى الله عليه وسلم: هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم. رواه الشيخان عن أبي ذر.
وورد الأمر بالإحسان بصفة خاصة إلى الجواري المملوكات، كما في قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري وهذا لفظ مسلم:..... ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن أدبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1423(2/2832)
تفسير كلمة (شنآن) و (شانئك)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
جاء في الآية الكريمة (ولايجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا) وأيضا الآية (إن شانئك هو الأبتر)
السؤال: ماالمقصود بكلمة شنآن وكلمة شانئك؟
يرحمكم الله وبارك فيكم. شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىأَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8] معناه: اعدلوا في الشهادة، ولا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم بل اعدلوا مع العدو والصديق، فالشنآن هو البغض، تقول: شنأته أشنؤه شنأً وشنأة وشنآناً أي أبغضته بغضاً.
وأما قوله تعالى من سورة الكوثر: إن شانئك هو الأبتر فمعناه: إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى ودين الحق، هو الأبتر، أي المنقطع الذكر. وكان المشركون قد قالوا لما مات أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم الذكور إن محمداً بُتر، فإذا مات ذهب ذكره، فأنزل الله تعالى هذه السورة، وأنزل قوله تعالى: ورفعنا لك ذكرك من سورة الشرح.
وللاستزادة يمكن مراجعة تفسير ابن كثير أو غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1423(2/2833)
حول آية151 من سورة الأنعام و31 من سورة الإسراء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المدلول الاقتصادي في كلتا الآيتين التاليتين: سوره الأنعام آية 151 - سورة الإسراء آية 31؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآيتان المسؤول عنهما هما: قوله سبحانه وتعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151] .
وقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً [الإسراء:31] .
وعلم الاقتصاد: هو علم يبحث في إيجاد الموارد لسد الاحتياجات، وكل مولود يخلقه الله تعالى ينزل معه رزقه، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:......ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ... الحديث. رواه مسلم.
وقد جاءت آية الأنعام بنهي الآباء عن قتل أبنائهم من فقرهم الحاصل: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ [الأنعام:151] .
بينما جاءت آية الإسراء بالنهي عن قتلهم خشية حصول الفقر في الآجل.
وختم سبحانه كلاً من الآيتين بما يناسب المقام:
ففي الأولى قال سبحانه: نحن نرزقكم وإياهم، وذلك لأن الفقر واقع في الحال على الوالد والولد.
وفي الثانية قال: نحن نرزقهم وأياكم، فبدأ برزقه الأبناء والاهتمام بهم لإعلام الآباء بعدم الخوف من الفقر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1423(2/2834)
تفسير قوله تعالى "لقد كنت في غفلة.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قوله تعالى: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك} ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [قّ:22] .
هذه الآية جاءت من بعد قوله تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ* وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ* وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ* لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [قّ:22] .
قوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم واللام وقد، واختلف المفسرون رحمهم الله تعالى في من هو المخاطب في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه الكافر، وهو قول ابن عباس وصالح بن كيسان.
القول الثاني: أنه عام في البر والفاجر، واختاره ابن جرير رحمه الله.
القول الثالث: أنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول ابن زيد.
فعلى القول الأول يكون المعنى: لقد كنت في غفلة من هذا اليوم في الدنيا بكفرك.
وعلى القول الثاني: يكون المعنى كنت غافلاً عن أهوال يوم القيامة فكشفنا عنك غطاءك الذي كان في الدنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك. وقيل معناه: أريناك ما كان مستوراً عنك.
وعلى القول الثالث: لقد كنت قبل الوحي في غفلة عما أوحي إليك فكشفنا عنك غطاءك بالوحي.
وقول تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي بصرك المعروف.
واختلف أهل العلم في المراد باليوم؟ فقيل: إنه يوم القيامة وهو قول الأكثرين. وقيل: إنه في الدنيا، وهذا على قول ابن زيد إن المراد بالخطاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: حديد: قال ابن قتيبه: الحديد بمعنى الحاد. أي فأنت ثاقب البصر وفي قوله تعالى حديد، ثلاثة أقوال: الأول: فبصرك حديد إلى لسان الميزان حين توزن حسناتك وسيئاتك، قاله مجاهد، والثاني: أنه شاخص لا يطرف لمعاينة الآخرة قاله مقاتل، والثالث: أنه العلم النافذ قاله الزجاج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1423(2/2835)
تفسير قوله تعالى (أو ما ملكت أيمانكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد قال تعالى "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"النساء
الرجاء تفسير معنى ما ملكت أيمانكم وهل تستطيع امرأة أن تهب نفسها لرجل علما وأنني من بلد يمنع تعدد الزوجات ويعاقب بالسجن لمن اتخذ عقدا عرفيا
أرجوكم انصحوني ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا المقطع من القرآن الكريم جزء من الآية الثالثة من سورة النساء، وهي قوله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) [النساء: 3]
ومعنى ملكت أيمانكم: إماؤكم، وهن الرقيقات المملوكات للرجل فيجوز له أن يطأهن بملك اليمين دون عقد ولا مهر ولا شهود ولا ولي ... إذا لم يوجد مانع شرعي من التحريم بالرضاعة أو النسب.
قال ابن عطية: (وما ملكت أيمانكم) يريد الإماء، والمعنى: إن خاف الرجل ألا يعدل في عِشْرة واحدة فما ملكت يمينه، وإسناد الملك لليمين وهي اليد اليمنى، وذلك لشرفها وتمكنها وخصوصيتها بالمحاسن.
وقد انتهى ملك اليمين في هذا العصر فلا يوجد عبيد ولا أرقاء، ولا يعني هذا إلغاء أحكام الرق، إذا وجدت أسبابه وانتفت موانعه.
قال ابن قدامة في المغني: الأصل في الآدميين الحرية فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض، فإذا لم يعلم العارض، فله حكم الأصل، ولا يجوز لأحد أن يسترق نفسه لغيره، ولو رضي بذلك، لأن الحرية حق لله تعالى، هذا ما اتفق عليه أهل العلم.
وعليه، فلا يجوز للمرأة أن تهب نفسها لرجل كأنها ملك يمينه، ولكن لا مانع من أن تتنازل له عن بعض حقوقها الشخصية الأخرى أو كلها، كأن تقبل الزواج منه، مع التنازل عن حقها في النفقة أو السكن.
وأما تحريم ما أحل الله تعالى أو تحليل ما حرم فهذا من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب، فالتحريم والتحليل من حق الخالق سبحانه وتعالى، قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) وقال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون* متاع قليل ولهم عذاب أليم) [النحل:116-117]
والذي يسن القوانين لتحريم تعدد الزوجات آثم إثماً عظيماً لمخالفته كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وانظري الفتوى رقم:
16402
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(2/2836)
تفسير قوله تعالى (إنا أنذرناكم عذابا قريبا)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: (إنا أنذرناكم عذابا قريبا) ما هو هذا العذاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا العذاب الوارد في الآية: إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً [النبأ:40] .
هو عذاب الآخرة لأن الله جل وعلا قال في نفس الآية: يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا. ً
ولا شك أن هذا إنما يكون يوم القيامة، وقربه لتحقق إتيانه، فقد قيل: ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت، أو لأنه قريب بالنسبة إليه عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1423(2/2837)
المعني بالأسماء المذكورة في سورة نوح
[السُّؤَالُ]
ـ[على ماذا تدل هذه الأسماء يعوق ونسرا المذكورة في القرآن وشكراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الأسماء المذكورة في سورة نوح: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نوح:23] .
أسماء رجال صالحين كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا حزن عليهم قومهم حزناً شديداً، فجاءهم الشيطان وأمرهم أن يصنعوا تماثيل على صورهم ليتذكروهم بها ولم يعبدوهم، فلما كان أحفادهم أوحى إليهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم من دون الله.
وأصل هذه القصة رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1423(2/2838)
الحكمة من التعبير بحاسة الذوق في عذاب الكافرين
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا وصف الله بكلمه ذائقة الموت وأيضا ذوقوا مس سقر وكذلك ذوقوا عذاب الحريق وأيضا ليذوقوا العذاب فلماذا التعبير بذوقوا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذوق في لغة العرب هو الحاسة التي تميز بها خواص الأجسام الطعمية بواسطة الفم واللسان، ويستعمل في غير هذا على سبيل المجاز، وعلى هذا الأخير جاء التعبير في الآيات التي سألت عنها، والمعنى: كأن القرآن الكريم أراد أن يلفت انتباهنا إلى شدة ما يلقاه الكافر من أصناف العذاب، فعبر عن ذلك بحاسة الذوق مجازاً لأنها أقوى من حاسة اللمس، وهذا شيء معروف في لسان العرب ولغتهم ومنتشر في أمثالهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(2/2839)
تفسير قوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[وافونا بتفسير الآية 75 من سورة البقرة، والمائدة 13 من جميع التفاسير ورجاء الآن وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ... [البقرة: 75] هم علماء اليهود يحرفون التوراة، فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالاً اتباعاً لأهوائهم، وإعانة لراشيهم.
وهم يعلمون أن نبوة محمد حق، وأنهم إنما يحرفون كلام الله.
وأما قوله تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ... إن الله يحب المحسنين فهو تقرير من الله سبحانه أنهم حرفوا كتبهم، ونقضوا المواثيق المأخوذة عليهم، وأنهم أهل خيانة وغدر.
وفيها دعوة للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصفح عنهم، وقيل: هي منسوخة بقوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [التوبة:29] وقوله تعالى: وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء [الأنفال:58]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1423(2/2840)
لا اضطراب بين قوله تعالى:"عسى ربكم أن يرحمكم" وبين الوعد الإلهي بإذلال اليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أجد تفسيرا وافيا للآية الكريمة في سورة الإسراء _ عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا _ يتوافق مع الوعد الإلهي بإذلال بني إسرائيل فيظهر من خلال النص القرآني أنه سيرحمهم بعدما يرسل عباده ليتبروا ما علو تتبيرا. أرجو البيان يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء:8] . وعد من الله عز وجل بإعادة العقوبة على بني إسرائيل إذا عادوا إلى الإفساد.
وقوله تعالى: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ [الإسراء:8] . وعد من الله تعالى برحمة بني إسرائيل بعد ما حصل لهم في المرة الثانية المذكورة في الآية، وكان كما وعد الله عز وجل فإنه كثر عددهم وجعل منهم الملوك، ولكنهم عادوا إلى الإفساد بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، فعاد الله عز وجل إلى إذلالهم كما وعدهم.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: وقوله تعالى: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وهذا مما أخبروا به في كتابهم، وعسى وعد من الله أن يكشف عنهم، وعسى من الله واجبة، وجعل منهم الملوك، وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا قال قتادة: فعادوا فبعث الله عليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فهم يعطون الجزية بالصغار.
وقال البيضاوي رحمه الله: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرة الآخرة، وَإِنْ عُدْتُمْ نوبة أخرى عُدْنَا مرة ثالثة إلى عقوبتكم، وقد عادوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم فعاد الله بتسليطه عليهم فقتل قريظة، وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين. انتهى
فتبين بهذا أن وعد الله عز وجل لهم بالرحمة إنما يتحقق إذا لم يفسدوا؟
وكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم من أعظم الفساد، فلا يرحمون مع فسادهم هذا، ولكن قد يمهل الله عز وجل لهم ويستدرجهم بنوع من التمكين، كما جرت سنته سبحانه في الظالمين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، واللفظ لـ البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(2/2841)
نصح قومه حيا وميتا.
[السُّؤَالُ]
ـ[يرجى تفسير سورة يس من آيه 19إلى آيه27 هل تكلم بعد موته أو قبل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاختلف في الرجل الذي جاء، قيل: هو حبيب المري وكان نجارًا، وقيل: إسكافًا، وقيل: قصارًا، وقيل: هو حبيب النجار فقد آمن بالمرسلين، وذهب إلى قومه داعيًّا إلى الله فوثبوا عليه فقتلوه وهو يقول: ربِّ اهدِ قومي. قال ابن عباس: نصح قومه حيًّا وميتًا.
والظاهر من الآية أنه لما قُتل قيل له: ادخل الجنة. قال قتادة: أدخله الله الجنة وهو فيها حي يرزق. أراد قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] .
فكلامه قبل موته. وقيل: حين أدخل الجنة وشاهد نعيمها قال ذاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1423(2/2842)
معنى قوله تعالى:"الذين هم عن صلاتهم ساهون"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم (فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون) ما هو المقصود بالآية الكريمة ومن هم الساهون، هو المسلم الذى لا يصلي أم هو المسلم الذى يتقطع عن صلاته أفيدوني جزاكم الله كل خير....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الألوسي في روح المعاني عند تفسيره لهذه الآية أن كلمة سَاهُون تعني: غافلين غير مبالين بها حتى تفوتهم بالكلية، أو يخرج وقتها. أو لا يصلونها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح يصلونها. ولكن ينقرونها نقراً، ولا يخشعون، ويتهمون فيها وينجدون في كل واد من الأفكار المنافية لها يهيمون، فيسلم أحدهم منها وهو لا يدري ما قرأ فيها.
وللسلف أقوال كثيرة في مدلول هذا السهو: قيل: الالتفات يمينًا ويسارًا، وقيل: عدم مبالاة المرء أصلَّى أم لم يصلِّ. وقيل معناه: لا يدري عن أي قدر انصرف أشفع هو أم وتر. وفسره بعضهم بتركها، والمراد أنهم كالمتسمين بسمة أهل الصلاة فقط.
وقال صاحب تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن: قال الواحدي: نزلت في المنافقين الذين لا يرجون بصلاتهم ثواباً إن صلوا، ولا يخافون عليها عقابًا إن تركوها، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، وإذا كانوا مع المؤمنين صلوا رياء، وإن خلوا بأنفسهم لم يصلوها.
وذكر في أضواء البيان أن الأمر يعني المنافقين على التحقيق.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحافظين المستحقين لنيل المثوبة عليها، بفضله وكرمه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(2/2843)
تفسير قوله تعالى: "فضربنا على أذانهم في الكهف سنين عددا
[السُّؤَالُ]
ـ[أصحاب الكهف هل توفاهم الله ثم بعثهم أم أنهم بقوا أحياء والروح فيهم مدة رقودهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ذكره أهل التفسير أن أهل الكهف أُلقي عليهم النوم مدة بقائهم في كهفهم، قال ابن كثير في تفسيره: فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً [الكهف:11] . أي ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف فناموا سنين كثيرة ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ [الكهف:12] أي من رقدتهم تلك. انتهى
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
97 مع الرجوع إلى كتب التفسير المعتمدة كـ ابن كثير، والقرطبي وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(2/2844)
تفسي قوله تعالى: يومئذ تحدث أخبارها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تشهد الأرض يوم القيامة؟ وعلى من وبم تشهد؟؟ وما هي صفات المنافقين وسماتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن تفسير قوله تعالى في سورة الزلزلة: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4] . هو أن تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شر يومئذ. ابن كثير 4/697، زاد المسير 9/204، الشيخ عطية سالم الأضواء 9/431.
ونقل القرطبي 20/138 عن الإمام الماوردي: أن قوله: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: تحدث أخبارها بأعمال العباد على ظهرها، قاله أبو هريرة رضي الله عنه، ورواه مرفوعًا، وهو قول من زعم أنها زلزلة القيامة.
الثاني: تحدث أخبارها بما أخرجت من أثقالها، قاله: يحيى بن سلام. وهو قول من زعم أنها زلزلة أشراط الساعة.
الثالث: أنها تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان ما لها؟ قاله ابن مسعود، فتخبر أن أمر الدنيا قد انقضى، وأمر الآخرة قد أتى. فيكون ذلك منها جوابًا لهم عند سؤالهم ووعيدًا للكافر.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه المشار إليه في القول الأول رواه الترمذي قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها. ثم قال الترمذي: حديث صحيح غريب. وضعفه الشيخ الألباني، وقال الشيخ شعيب الأرناؤط: إسناده ضعيف.
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله في تكملة الأضواء: التحديث هنا صريح في التحديث وهو على حقيقته؛ لأن في ذلك اليوم يتغير كل شيء، وكما أنطق الله الجلود ينطق الأرض فتحدث بأخبارها: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21] . والمراد بأخبارها: أنها تخبر عن أعمال كل إنسان عليها في حياته. الأضواء 9/433.
وفي كيفية تحديثها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الله تعالى يقلبها حيوانًا ناطقًا، فتتكلم بذلك.
الثاني: أن الله تعالى يحدث فيها الكلام.
الثالث: أنه يكون منها بيان يقوم مقام الكلام. القرطبي 20/138.
أما صفات المنافقين أعاذنا الله منها فقد ذكر بعضها في ثلاث عشرة آية متتالية من سورة البقرة من الآية 7 إلى الآية 20 ولا يتسع المقام لسرد جميع صفات المنافقين وذكر سماتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(2/2845)
إضاءات حول آيات من سورة النمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو سبب نزول سوره النمل الآية 59 إلى 65
والهدف من نزول الآية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم سببًا معينًا لنزول الآيات المسؤول عنها في سورة النمل، وأما الهدف من نزولها فهو تقرير توحيد الربوبية والألوهية، وبيان التلازم بينهما.
وفي مطلع هذه الآيات أمر الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يحمده على إهلاكه للكافرين من الأمم الخالية كثمود وقوم لوط الذين قصَّ الله خبرهم عليه قبل ذلك، فقال سبحانه: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل: من الآية59] .
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أي: على إهلاك الكافرين، وسلام على عباده الذين اصطفى: أي المؤمنين الذين نصرهم وجعل العاقبة لهم، وقيل: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
ثم تتابعت الآيات تقرر توحيد الربوبية الذي يقر به المشركون وتوحيد الألوهية الذي ينكره المشركون، ويقولون: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] . وتبين التلازم الوثيق بينهما.
وذلك أن الذي اصطفى المؤمنين وأهلك الكافرين وخلق السماوات، والأرض وأنزل من السماء ماء فأنبت به العشب والحدائق البهيجة النضرة والأشجار الظليلة المثمرة، وجعل الأرض قرارًا بإرساء الجبال فيها لئلا تميد وتضطرب بمن عليها، وخلق البحار العذبة والمالحة، وجعل بينهما الحواجز، إلى آخر ما ذكر الله تعالى من عظيم خلقه الذي يعجز عن مجرد وصفه جميع المخلوقات.. من كان كذلك هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له.
وفي أثناء هذه الآيات تحدى الله المشركين أن يفعلوا شيئًا مما ذكره فقال: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل:60] . أي: يعدلون عن الحق ويسوون بين العاجز الضعيف والقادر القوي.
وتكرر قول الله تعالى للمشركين أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، والمقصود أَءِله مع الله الذي تقرون أنه وحده خلق هذه المخلوقات وأتقن نظامها، والواجب عليكم أن توحدوه في الألوهية والعبادة كما وحدتموه في الربوبية، وأنكم متى خالفتم ذلك وفصلتم بين التوحيدين فقد أخطأتم، وكان في دعواكم تحقيق توحيد الربوبية خلل ظاهر؛ لأنه من حققه لزمه تحقيق توحيد الألوهية؛ لأن جميع أنواع التوحيد متلازمة كما في الفتوى رقم:
16146.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(2/2846)
المعنى المراد من قوله تعالى (ونفخت فيه من روحي)
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أبلغنا الله عز وجل بأنه نفخ فينا من روحه، أي أننا جميعًا من روح الله عز وجل، فكيف نتجت روح الشر في بني البشر؟ وهل ستعذب هذه الروح والتي أصلها من روح الله خالدة في النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل قد أشكل عليه المراد من قوله تعالى عن آدم عليه السلام: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر:29] . وعليه فليعلم أن الله تعالى إنما أضاف الروح إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم كما تقول: بيت الله، وعبد الله، فكذلك روح الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المضاف إلى الله تعالى إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله قائمة به، وامتنع أن تكون إضافته إضافة مخلوق مربوب، وإذا كان المضاف عينًا قائمة بنفسها كعيسى وجبريل عليهما السلام وأرواح بني آدم امتنع أن تكون صفة لله تعالى؛ لأن ما قام بنفسه لا يكون صفة لغيره. اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي: النفخ إجراء الريح في الشيء، والروح جسم لطيف أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم، وحقيقته إضافة خلق إلى خالق، فالروح خلق من خلقه، أضافه إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا كقوله: أرضي وسمائي وبيتي وناقة الله وشهر الله، ومثله: وروح منه. اهـ.
واعلم أن الشر لا ينتج من الروح مفردة، وإنما من اجتماعها بالبدن.
قال ابن القيم رحمه الله: وباجتماع الروح مع البدن تصير النفس فاجرة أو تقية، وإلا فالروح بدون البدن لا فجور لها. اهـ.
ومن هنا تعلم - أخي السائل - أن الروح من خلق الله، وإنما تحل الروح بدن الإنسان عن طريق الملك الموكل بالأرحام بأمر من الله تعالى، كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ... الحديث.
والله تعالى قد بيَّن للعبد طريق الخير وحضّه على سلوكه، وبيَّن له طريق الشر وحذره منه، قال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] . أي طريق الخير والشر، ثم إن العبد قد يختار طريق الشر فإذا ارتكب الشرور والقبائح تكتسب روحه الشر الذي تلبّس به فتصبح روحًا خبيثة شريرة، فإذا عذبت الروح فلكون صاحب البدن الذي حلت به كان يفعل الشر ويصر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(2/2847)
تفسير قوله تعالى (أو لا مستم النساء)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية الكريمة في معنى الوضوء: (أو لا مستم النساء) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في المراد بالملامسة المذكورة في آيتي النساء والمائدة، فمنهم من يقول بأنها الجماع، وهو قول علي وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ومنهم من يرى أنها الملامسة باليد، وهو قول ابن مسعود وابن عمر والشعبي وعبيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1423(2/2848)
الحكمة من تقديم الجن على الإنس في قوله تعالى (وما خلقت الجن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في سورة الذاريات: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فما الحكمة من تقديم الجن عن الإنس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتمس بعض العلماء الحكمة من تقديم الجن على الإنس في قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذريات:56] .
فقال محمد الطاهر بن عاشور: وتقديم الجن في الذكر في قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ للاهتمام بهذا الخبر الغريب عند المشركين الذين كانوا يعبدون الجن ليعلموا أن الجن عباد لله تعالى، فهو نظير قوله: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء:26] . تفسير ابن عاشور 13/28.
وقال الزحيلي: ... وحكمة تقديم الجن على الإنس أن عبادتهم سرية لا يدخلها الرياء كعبادة الإنس. التفسير المنير 27/48.
وذكر ذلك الفخر الرازي في تفسيره أيضًا.
وقال أبو الطيب القنوجي: ووجه تقديم الجن على الإنس هاهنا تقدم وجودهم. فتح البيان 13/212.
فهذا الذي استطعنا الاطلاع عليه في جواب هذا السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1423(2/2849)
معنى قوله تعالى: (والقواعد من النساء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز للمرأة التزين أمام النساء بالمكياج وغيره أم يعتبر ذلك تبرجا؟ وهل ما ورد في الآية 60 من سورة النور دليل على حرمة التزين للمرأة غير المتزوجة أمام الرجال من المحارم وغيرهم على السواء والنساء أيضا أرجو إيضاح معنى الآية وهل يجوز التكحل أمام غير المحارم؟ ووفقكم الله لخدمة هذا الدين وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج على المرأة في استعمال الزينة والظهور بها أمام النساء ومن يباح له نظرها من الرجال ومنها المكياج، لكن بشرط أمن الفتنة في ذلك، قال الله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ... [النور:31] .
أما بالنسبة لتفسير الآية 60 من سورة النور وهي قوله تعالى: والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة فمعناها أن الله تعالى قد رفع الحرج عن القواعد، وهن -كما قال القرطبي رحمه الله- العجز اللواتي قعدن عن التصرف من السن، وقعدن عن الولد والمحيض. أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ [النور:60] . والثياب المقصودة هنا: الجلباب الذي يكون فوق الدرع والخمار، وأما هما -أي الدرع والخمار- فلا يجوز للعجوز وضعهما مثل الشابة.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ يعني غير مظهرات لما يتطلع إليه منهنَّ ولا متعرضات بالتزين للنظر إليهنَّ، وإن كنَّ ليس بمحل ذلك منهنَّ، وإنما خص القواعد بذلك دون غيرهنَّ لانصراف النفوس عنهنَّ، ولأن يستعففن بالتستر الكامل خير من فعل المباح لهنَّ من وضع الثياب.
وبناء على هذا؛ فإذا كانت المرأة الكبيرة مطالبة بالتستر، وممنوعة من إظهار الزينة أمام من لا يحل له النظر إليها فمن باب أولى الشابة.
أما بخصوص التزين بالكحل والظهور به أمام الرجال فراجعي فيه الفتوى رقم:
3354
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1423(2/2850)
معنى (إن الله وملائكته يصلون على النبي..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
(ان الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
أرجو الإفادة عن كيفية صلاة الله وملائكته على النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم كيفية صلاتنا نحن المسلمين عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصلاة من الله عز وجل ثناؤه على المصلَّى عليه في الملأ الأعلى، أي عند الملائكة المقربين.
وصلاة الملائكة الدعاء له صلى الله عليه وسلم بالبركة كما قال ابن عباس: يُبرّكون: أي يدعون بالبركة.
وأما كيفية صلاتنا، فأن نقول: اللهم صلِّ على محمد، ومعناها: دعاء الله تعالى أن يثني عليه في الملأ الأعلى، ولهذا قال البخاري في صحيحه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء.
وقال ابن عطية: صلاة الله رحمة منه وبركة، وصلاة الملائكة دعاء وتعظيم. وقال بعضهم: الصلاة من الله الرحمة، ومن غيره طلب الرحمة.
والحاصل أن الصلاة من الله تعالى الثناء عليه، والذكر في الملأ الأعلى، وهذا أخص من الرحمة، والصلاة من غير الله تبارك وتعالى هي دعاء الله تعالى أن يثني عليه في الملأ الأعلى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1423(2/2851)
آية الحجاب خاصة بأزواج النبي أم تعم سائر المؤمنات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا طالب ولي علاقة بمدرسة متزوجة أكبر مني ب12عاما وتربطني بها علاقة صداقة نظيفة ليس إلا وكذلك زوجها وأنا لا أجلس معها في خلوة وأنا متأكد أن هذه العلاقة لن تدفعني إلى الفتنة غير أني أتكلم معها في مواضيع ليست ذات أهمية.
سؤالي هو هل حكم الآية التي ما معناها أننا إذا أردنا أن نسأل النساء متاعا يجب أن نسألهن من وراء حجاب. تنطبق على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقط أم على جميع النساء الأجنبيات؟
والسؤال الثاني ما شرعية هذه العلاقة التي تربطني بهذه المدرسة مع الأخذ بفارق السن الكبير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما الآية التي أشرت إليها فهي الآية المعروفة لدى أهل العلم بآية الحجاب، وفيها يقول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ....... [الأحزاب:53] .
وهي ليست خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم بل هي عامة فيهن وفي سائر نساء المؤمنين، قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] ، قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين، إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن.... إلى أن قال رحمه الله: وبما ذكرنا تعلم أن هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه، وإن كان أصل اللفظ خاصاً بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه. انتهى
وأما قولك إنك متأكد من أن علاقتك بهذه المرأة لن تدفعك إلى الفتنة فهذا القول مردود عليك، فأنى لك أن تجزم بهذا!! والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولله در الشوكاني رحمه الله الذي قال في فتح القدير في تفسير آية الحجاب السابقة: وفي هذا آدب لكل مؤمن وتحذير له من أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له، والمكالمة من دون حجاب لمن تحرم عليه. انتهى
والحاصل أنه لا يجوز لك أن تصاحب تلك المرأة، ويجب عليك أن تقطع علاقتك بها فوراً.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 10271، 11945، 14400.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1423(2/2852)
بيت العنكبوت أوهن البيوت حسا ومعنى وإن ثبت خيوطه أقوى من الفولاذ
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية القرآنيه تقول " إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " لكن لقد قرأت أن العلماء اكتشفوا أن خيطا من خيوط العنكبوت أقوى من خيط فولاذ بنفس الغلظ فما هو المعنى؟ ولكم جزيل الشكر.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ* إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت]
وهذا تشبيه تمثيلي بليغ، شبه فيه المشركون في اعتمادهم على آلهتهم واغترارهم بها، بحال العنكبوت تتخذ لنفسها بيتاً تحسب أنها تعتصم به من أن يعتدى عليها فإذا هو لا يصمد ولا يثبت لأضعف تحريك، فيسقط ويتمزق.
قال ابن عاشور رحمه الله: وهذه الهيئة المشبه بها مع الهيئة المشبهة قابلة لتفريق التشبيه على أجزائها، فالمشركون أشبهوا العنكبوت في الغرور بما أعدوه، وأولياؤهم أشبهوا ببيت العنكبوت في عدم الغناء عمن اتخذوها وقت الحاجة إليها، وتزول بأقل تحريك، وأقصى ما ينتفعون به منها نفع ضعيف وهو السكن فيها وتوهم أن تدفع عنهم كما ينتفع المشركون بأوهامهم في أصنامهم، وهو تمثيل بديع من مبتكرات القرآن كما سيأتي قريباً عند قوله: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ [العنكبوت:43] . انتهى
وأشار الزركشي رحمه الله: إلى أن هذا المعنى أكده الله من ستة: أوجه أدخل إنَّ وبنى أفعل التفضيل، وبناه من الوهن، وأضافه إلى الجمع، وعرف الجمع باللام، وأتى في خبر إنَّ باللام.
قال هذا في معرض بيانه لحرمة أمثال القرآن وعدم تعديها، منكراً على الحريري إذ قال في مقامته الخامسة عشرة: فأدخلني بيتاً أحرج من التابوت، وأوهى من بيت العنكبوت.
قال الزركشي: فأي معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه، ثم ساقها، وقال: وكان اللائق بالحريري ألا يتجاوز هذه المبالغة، وما بعد تمثيل الله تمثيل، وقول الله أقوم قيل، وأوضح سبيل. انتهى
وإنما سقنا كلامه هنا للتنبيه على خطأ من يبالغ في وصف شيء بقوله: أوهن من بيت العنكبوت، والواقع أن أوهن البيوت هو بيت العنكبوت كما قال الله.
وقد بان من هذا أن بيت العنكبوت هو الموصوف بالوهن، والضعف، وهذا مشاهد معلوم لا يكابر فيه أحد، فإنه يزول بنفخة هواء، ولا علاقة لهذا يكون خيوطه المفردة قوية أو ضعيفة، وإنما المراد أن هيئته المجتمعة ضعيفة واهنه لا أوهن منها.
فلو ثبت أن خيط العنكبوت أقوى من خيط الفولاذ لم يكن في هذا معارضة لما ذكره رب العالمين سبحانه.
ونشير هنا إلى أن بعض الباحثين توصل إلى أن أنثى العنكبوت هي التي تغزل البيت، وترغب الذكر بالدخول إليه، وتقوم أمامه بحركات مغرية، وتسمعه بعض الألحان الطنانة، فيأوي إلى بيتها، فإذا لقحها، افترسته وأكلته، ثم تأكل أولادها من بعد، ويأكل أولادها بعضهم بعضاً، فضعف البيت معنوي أيضاً، لضعف علاقته الداخلية، وصدق الله: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ [العنكبوت:41] .
فهو بيت واهن حسياً ومعنوياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1423(2/2853)
هل هي عاد واحدة أم عادان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أكثر من قبيلة لـ "عاد" حيث ذكر في القرآن الكريم كلمة "عاد" وفي إحدى السور، أنه أهلك "عادا الأولى"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون والمؤرخون هل هي عاد واحدة أو هما عادان؟ حيث ذهب بعضهم إلى القول الأول، واعتبر وصف الله لهم بالأولى لأنهم كانوا قبل ثمود. قال ابن زيد: قيل لها عاد الأولى لأنهم أول أمة أهلكت بعد نوح: وذهب آخرون إلى الثاني وهو أنها عادان.
قال الشوكاني في تفسيره: قال ابن إسحاق: هما عادان فالأولى هلكت بالصرصر والآخرى أهلكت بالصيحة.
وقال الطبري في تفسيره: يقول الله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى [لنجم:50] . يعني تعالى ذكره بعاد الأولى عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح وهم الذين أهلكهم الله بريح صرصر عاتية، وإياهم عنى بقوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إلى أن قال: وإنما قيل لعاد بن إرم عاد الأولى لأن بني لقيم بن هزار بن هزيل بن عبيل بن ضد بن عاد الأكبر كانوا أيام أرسل الله على عاد الأكبر عذابه سكاناً بمكة مع إخوانهم من العمالقة فلم يصبهم من العذاب ما أصاب قومهم وهم عاد الآخرة ثم هلكوا بعد.
ولعل الصحيح أنهما عادان، لما أخرج البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرناً.
قال ابن حجر في الفتح عند هذا الحديث: ظاهر هذا أن الذين عذبوا بالريح غير الذين قالوا ذلك ... إلى أن قال: وهذا يحتمل لقول الله تعالى وأنه أهلك عاداً الأولى فإنه يشعر بأن ثم عاد أخرى، وقد أخرج قصة عاد الثانية أحمد بإسناد حسن، وبعد أن أورد محل الشاهد من الحديث قال: والظاهر أنه في قصة عاد الأخيرة لذكر مكة فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1423(2/2854)
معنى كلمة "أوسط" لغة وشرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[قاله تعالى في كتابه (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة) سورة المائدة، ماذا يعني الله بكلمة (أوسط) وما معناه في الشرع؟ وجزاكم الله خير الجزاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا المقطع من القرآن الكريم جزء من الآية 89 من سورة المائدة: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:89] .
ومعنى"من أوسط..": المنزلة بين المنزلتين أو النصف بين الطرفين، فلا تكون الكفارة من أغلى وأعلى ما يطعم به الأهل، ولا من أضعف وأدنى ما يطعمهم به، وإنما من الوسط بين ذاك وذاك.
والوسط في اللغة يطلق على الأعلى، كما في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: الجنة مائة درجة..... وإن أوسطها الفردوس ... رواه ابن ماجه.
والوسط الذي هو بين طرفين محمود في الإنفاق، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67] .
والآية هنا تتحدث عن كفارة اليمين وهي أولاً: إطعام عشرة مساكين من الوصف المذكور، أو كسوتهم -للرجل قميص وإزار، وللمرأة جلباب وخمار-، أو تحرير رقبة من الرق، وهذه الثلاثة على التخيير، فإذا عجز عنها فليصم ثلاثة أيام.
قال تعالى: ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:89] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1423(2/2855)
معنى قوله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية الكريمة (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) وما القصود بهم ومن هم وما تفسير الآية؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) [الكهف:104] قال القرطبي في تفسير الآية قال: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ... فيه دلالة على أن من الناس من يعمل العمل وهو يظن أنه محسن وقد حبط عمله، والذي يوجب إحباط السعي إما فساد الاعتقاد أو الرياء والمراد هنا: الكفر، وقد روى البخاري عن مصعب بن سعد أنه سأل أباه: أهم الحرورية؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى ... وكان سعد يسمي الحرورية الفاسقين ... وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد كفار أهل مكة. وقال علي: هم الخوارج، وقال مرة: هم الرهبان أصحاب الصوامع.. قال ابن عطية: ويضعف هذا كله قوله تعالى بعد ذلك: (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم) وليس من هذه الطوائف من يكفر بالله ولقائه، وإنما هذه صفة مشركي مكة عبدة الأوثان، وعلي وسعد رضي الله عنهما إنما ذكروا أقواماً أخذوا بحظ من هذه الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1423(2/2856)
مقتطفات تفسيرية
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى والمرسلات عرفا وخذ العفو وأمر بالعرف وفي سورة الأعراف ذكر التغشي الأول والحمل والإشهاد بين الزوجين من ظهورهم فما حكم زواج العرف ولماذا الشرعي مقبول والعرفي مرفوض أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جمع الأخ السائل بين مجموعة آيات في القرآن ليدلل بها على الزواج العرفي ولا علاقة لها به من قريب ولا من بعيد، ويتضح ذلك من خلال تفسيرها وبيان حقيقة الزواج العرفي.
أما الآية الأولى وهي قوله تعالى: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [المرسلات:1] . فمعناها أن الله تعالى يقسم بالريح التي تهب شيئًا فشيئًا، وقيل: الملائكة.
وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ [الأعراف:199] .
فمعنى العرف هنا: المعروف، كما فسره به البخاري في صحيحه. والمعنى أن الله يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس بالمعروف ويدخل في ذلك جميع الطاعات.
وأما الآية الثالثة في سورة الأعراف وهي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ ... [الأعراف:189] . ومعنى تَغَشَّاهَا: وطئها، ومعنى حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً: أنه في بداية حمل المرأة يكون حملها خفيفًا، وقوله: فَمَرَّتْ بِهِ: أي استمر حملها يكبر حتى يصير ثقيلاً، وهو معنى قوله: فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أي بعد كبر حملها في بطنها.
أما الآية الرابعة في نفس سورة الأعراف وهي قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ... [الأعراف:172] .
فمعناها أن الله تعالى لما خلق آدم استخرج ذريته من ظهره وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم وخالقهم فأقروا بذلك، ولذا كانت الفطرة هي أثر هذا الإقرار بتوحيد الله وحده لا شريك له، وقد وردت بذلك عدة أحاديث.
وكما ترى -أخي الكريم- فلا علاقة لهذه الآيات بالنكاح والإشهاد عليه والزواج العرفي، وقد سبق لنا فتوى برقم:
5962، فيها بيان حكم الزواج العرفي فلتراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1423(2/2857)
تفسير قوله تعالى (فلما تغشاها ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى في الأعراف: (فلما تغشاها حملت) فما حكم أطفال الأنابيب هل هو استبضاع محرم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية المذكورة تتحدث عن ثمرة التزاوج بين الرجل والمرأة، فقالت: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا) والغشيان كناية عن الجماع بدأ بتكوين الجنين وحدث الحمل الحفيف وهو أول الحل الذي لا تجد فيه المرأة ثقلاً ولا ألماً، إنما هي النطفة ثم العلقة ثم المضغة، وتستمر المرأة في متابعة أعمالها المعتادة دون مشقة، وهذا هو المراد من قوله فمرت به أي استمرت بذلك الحمل الخفيف، فلما أثقلت أي صارت ذات ثقل بحملها بسبب كبر الولد في بطنها، وحان وقت الوضع دعوا الله ربهما.. إلى آخر الآية.
هذا عن الآية أما عن أطفال الأنابيب فراجع الفتوى رقم: 1458.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1423(2/2858)
المراد بإنزال الحديد.. (وأنزلنا الحديد)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديد وجد على الأرض منذ خلقت أم نزل من السماء كما ورد في الآية: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في المراد بإنزال الحديد في الآية الكريمة من سورة الحديد: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد:25] .
وقد تنوعت عبارات المفسرين حول الإنزال المذكور في قوله: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) .
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره (زاد المسير) 8/174: قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) فيه قولان:
أحدهما: أن الله أنزل مع آدم السندان، والكلبتين، والمطرقة، قاله ابن عباس.
الثاني: أن معنى أنزلنا: أنشأنا وخلقنا، كقوله تعالى: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) [الزمر:6] .
وذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره نحوه.
والأثر المذكور عن ابن عباس رواه إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله في تفسيره عن حبر الأمة ابن عباس قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والمنقعة، والمطرقة.
ولكن كل ما ذكره هؤلاء لا ينهض دليلاً.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: وما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه السلام نزل من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والمنقعة والمطرقة والإبرة فهو كذب لا يثبت مثله، وكذلك الحديث الذي رواه الثعلبي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض، فأنزل الحديد والماء والنار والملح" حديث موضوع مكذوب في إسناده سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري رحمه الله وهو من الكذابين المعروفين.
ثم رجح أن المقصود من الإنزال: المعنى الحقيقي لا المجازي فقال: ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف، وهذا هو اللائق بالقرآن، فإنه نزل بلغة العرب، ولا تعرف العرب نزولاً إلا بهذا المعنى، ولو أريد غير هذا المعنى لكان خطابا بغير لغتها، ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان، وهذا لا يجوز.
وقال في قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) [الزمر:6] لا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغة، فإن الأنعام تنزل من بطون أمهاتها ومن أصلاب آبائها ... ومما يبين هذا أنه لم يستعمل النزول فيما خلق من السفليات فلم يقل أنزل النبات، ولا أنزل المرعى، وإنما استعمل فيما يخلق في محل عال، وأنزله الله من ذلك المحل كالحديد والأنعام.
وبهذا يعلم السائل أن الصحيح أن الحديد أنزل إلى الأرض، ولم يكن من أجزائها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1423(2/2859)
كون الذي عنده علم من الكتاب أعلم في هذه الجزئية من سليمان لا يضر
[السُّؤَالُ]
ـ[يايها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين
قال عفريت من الجن أنا ءاتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني
عليه لقوي أمين * قال الذي عنده علم من الكتب أنا ءاتيك
به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا
من فضل ربى ليبلوني أشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه
ومن كفر فإن ربي غني كريم
سؤالي هو: كيف يكون نبي ويكون في زمانه رجل أعلم منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون اختلافاً كبيراً في الذي عنده علم الكتاب، من هو؟ فقال جمهورهم: إنه آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل، كان وزيراً لسليمان عليه السلام، وكان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب.
وقيل هو: سليمان نفسه، لما قال له العفريت: قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ [النمل:39] .
كأن سليمان استبطأ ذلك فقال له على جهة تحقيره: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُك [النمل:40] .
واستدل القائلون بهذا، بقول سليمان: قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي [النمل:40] .
قال القرطبي: وهو قول حسن إن شاء الله تعالى.
وقيل هو جبريل عليه السلام، وقيل غير ذلك.
وليس في الكتاب والسنة ما يبين حقيقة هذا المعلم ولا الطريقة التي أحضر بها عرش بلقيس.
وعلى فرض أنه رجل من بني إسرائيل علم اسم الله الأعظم، فهذا كرامة له، وهي معجزة لنبيه سليمان عليه السلام، تدل على صدقه وأنه رسول الله.
وكونه أعلم من سليمان في هذا الباب لا يضر، فإن الله تعالى أوحى إلى موسى أنه يوجد من هو أعلم منه، ودله على الخضر، وهو نبي في قول بعض العلماء، وولي في قول آخرين.
وقد عد شيخ الإسلام ابن تيمية ما جرى على يد هذا المعلم من المعجزات التي لغير الأنبياء، من باب الكشف والعلم (مجموع الفتاوى 11/ 318) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1423(2/2860)
لأدلة من القرآن والسنة على موت الحيوانات بعد الفصل بينها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الأدلة من القرآن والسنة على موت الحيوانات جميعها وعدم دخولها الجنة بعد الفصل بينها يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد في ذلك عدة أدلة منها:
- ما رواه ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه: إن الله يحشر الخلق كلهم، كل دابة وطائر وإنسان، يقول للبهائم والطير: كونوا ترابًا، فعند ذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40] .
- وروى اابن جرير أيضًا عن عبد الله بن عمرو قال: إذا كان يوم القيامة مد الأديم، وحشر الدواب والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدواب، يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بين الدواب، قال لها: كوني ترابًا، قال: فعند ذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1423(2/2861)
تفسير (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر في سورة البقرة آية 62 إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
فكيف ذلك والدين عند الله الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال المفسرون في تفسير الآية المذكورة: إن الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، والذين هادوا هم من آمنوا بموسى عليه السلام، وماتوا على ذلك قبل بعثة عيسى عليه السلام، أو أدركوه وآمنوا به، والنصارى وهم الذين آمنوا بعيسى عليه السلام وماتوا على ذلك قبل أن يدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم أو أدركوه وآمنوا به، والصابئون قيل: هم قوم من أتباع الأنبياء السابقين.
هؤلاء جميعاً من آمن منهم بالله واليوم الآخر وصدق النبي الذي بعث إليه ومات على ذلك فله أجر عند ربه.
أما من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فرفض رسالته ولم يؤمن به فهو كافر لا يقبل منه غير الإسلام، والإسلام هو دين الله الذي أرسل به أنبياءه جميعاً، ومعناه: الاستسلام والانقياد لله تعالى، والتصديق برسله جميعاً، قال تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) وقال (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه) (الشورى: من الآية13) وقال تعالى (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة:132)
وقال صلى الله عليه وسلم " والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " رواه مسلم.
وبهذا يعلم أنه لا تعارض بين الآية المذكورة، وبين الآية الأخرى (إن الدين عند الله الإسلام) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1423(2/2862)
أطوار خلق الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[تكلم عن أطوار خلق الإنسان؟
وفي أي سورة ذكرت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تبارك وتعالى في سورة نوح (ما لكم لا ترجون لله وقاراً* وقد خلقكم أطواراً) والطور التارة كما في لسان العرب. تقول: طوراً بعد طور أي تارة بعد تارة.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: قيل: معناه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة. قاله: ابن عباس وعكرمة وقتادة ويحيى بن رافع والسدي وابن زيد.
وقال القرطبي: يعني نطفة ثم علقة ثم مضغة أي طوراً بعد طور إلى تمام الخلق كما ذكر في سورة المؤمنون.
وآية المؤمنون هي قوله تبارك وتعالى (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين* ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1423(2/2863)
مسوغات تخويل الشرع درجة القوامة للرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، أود الاستفسار حول الدرجة التي فضل الله بها الرجال على النساء وبين القوامة؟ ما هي تجليات هذه الدرجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الدرجة التي للرجل على المرأة هي القوامة نفسها، ولوازمها من تسيير شؤون الأسرة وغيرها.
ومسوغ هذا التفصيل وإعطاء تلك الدرجة هو تكوين الرجل بزيادة خبرته واتزانه وعقله، وإعداده لتحمل الأعباء والنكاح والعمل وإلزامه بالإنفاق على المرأة بدفع المهر وتوفير الكفاية لها من مسكن وملبس، لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم) [النساء:34]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1423(2/2864)
معنى قوله تعالى: (كانوا قليلا من الليل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في أن أسأل كم ساعة كان ينام الصحابة إذا كانوا يقومون الليل كله فهل كانوا ينامون في النهار؟ وأرجو التفسير الدقيق لقول الله عزوجل
" كانوا قليلا من الليل ما يهجعون"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم كم ساعة بالضبط كان ينام الصحابة رضي الله عنهم، لكن الذي نعلمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينهاهم عن الصلاة كل الليل، ويأمرهم بإعطاء أجسادهم وعيونهم حقوقها من النوم والراحة، كما في حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "ألم أخبر أنك تقوم الليل، وتصوم النهار؟ قلت: بلى، قال: فلا تفعل. قم ونم وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً.." رواه البخاري.
يقول الإمام النووي: وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل كله فهو على إطلاقه، وغير مختص به، بل قال أصحابنا: يكره صلاة كل الليل دائماً لكل أحد، وفرقوا بينه وبين صوم الدهر في حق من لا يتضرر به، ولا يفوت حقاً، بأن في صلاة الليل كله لابد فيها من الإضرار بنفسه، وتفويت بعض الحقوق. ا. هـ 8/21.
وأما عن تفسير قوله تعالى: (كانوا قليلا من الليل..) فيقول ابن كثير رحمه الله، وقوله عز وجل: "إنهم كانوا قبل ذلك" أي في الدار الدنيا "محسنين"، كقوله جل جلاله: (كلوا واشربوا هنيئا ... ) .
ثم إنه تعالى بيَّن إحسانهم في العمل، فقال جل وعلا: (كانوا قليلا..) اختلف المفسرون في ذلك على قولين:
أحدهما: أن ما نافية، تقديره كانوا قليلا من الليل لا يهجعونه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئاً، وقال قتادة عن مطرف بن عبد الله: قلَّ ليلة لا تأتي عليهم إلا يصلون فيها لله عز وجل، إما من أولها وإما من أوسطها، وقال مجاهد: قلَّ ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون، وكذا قال قتادة، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو العالية: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء، وقال أبو جعفر الباقر: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة، والقول الثاني: أن ما مصدرية تقديره كانوا قليلاً من الليل هجوعهم ونومهم، واختاره ابن جرير.
وقال الحسن البصري: كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله، ونشطوا فمدوا إلى السحر، حتى كان الاستغفار بسحر، وقال قتادة: قال الأحنف بن قيس: كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، كانوا لا ينامون إلا قليلاً، ثم يقول: لست من أهل هذه الآية. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1423(2/2865)
تفسير (ولكل أمة أجل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير هذه الآية: (لكل أمة أجل) ؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف:34}
ولكل أمة أجل أي وقت معين محدود ينزل فيه عذابهم من الله، أو يميتهم فيه، ويجوز أن تحمل الآية على ما هو أعم من الأمرين جميعاً، والضمير في "أجلهم" لكل أمة أي إذا جاء أجل كل أمة من الأمم كان ما قدره عليهم واقعاً في ذلك الأجل، لا يستأخرون عنه ساعة، ولا يستقدمون عنه ساعة.
وقد استدل العلماء بهذه الآية على أن كل ميت يموت بأجله، وإن كان موته بالقتل أو التردي وما شابه ذلك.
قال القرطبي في تفسيره: فإن قيل إن موته بأجله فلم تقتلون ضاربه، وتقتصون منه؟ قيل له: نقتله لتعديه وتصرفه فيما ليس له أن يتصرف فيه، لا لموته وخروج الروح إذ ليس هو من فعله، ولو ترك الناس، والتعدي من غير قصاص لأدى ذلك إلى الفساد ودمار العباد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1423(2/2866)
معنى قوله تعالى "مد الظل...." ووجه تأويلها العلمي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: هل يوجد تفسير علمي للآية الكريمة رقم (45) من سورة الفرقان: وهو الذي مد الظل.....
جزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً* ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً [الفرقان:45-46] .
قال القرطبي: قال الحسن وقتاده وغيرهما: مد الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقيل من غيوبة الشمس إلى طلوعها، والأول أصح.... ولو شاء لجعله ساكنا: أي دائماً مستقراً لا تنسخه الشمس، وقيل المعنى: لو شاء لمنع الشمس من الطلوع. ثم جعلنا الشمس عليه دليلا: أي جعلنا الشمس بنسخها الظل عند مجيئها دالة على أن الظل شيء ومعنى، لأن الأشياء تعرف بأضدادها، ولولا الشمس ما عرف الظل..... ثم قبضناه إلينا: يريد ذلك الظل الممدود.. قبضاً يسيراً أي: يسير قبضه علينا.... فالظل مكثه في هذا الجو بمقدار طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضاً.... وقيل يسيراً أي سريعاً قاله الضحاك، وقال قتادة: خفياً. أي إذا غابت الشمس قبض الظل قبضاً خفيفاً كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة وليس يزول دفعة واحدة...... انتهى
هذا التفسير العلمي الشرعي للآية، أما الإعجاز العلمي الواقعي للآية، فقد ذكر طائفة من المتخصصين بالإعجاز أن في هذه الآية دليلاً على دوران الأرض، لأنها لو كانت ثابتة لسكن الظل، ولم يتغير طولاً أو قصراً، كما تشير الآية إلى دور ضوء الشمس كمؤشر للظل نظراً لاختلاف نفاذية الضوء خلال الأوساط المادية المختلفة ولاختلاف الموقع الظاهري للشمس خلال النهار بسبب دوران الأرض حول نفسها بمعدل يؤدي إلى نسخ الظل تدريجياً بمقدار يتناسب مع مرور الزمن وليس دفعة واحدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1423(2/2867)
تفسير قوله تعالى (..حتى يغيروا ما بأنفسهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الآية رقم (53) من سورة الأنفال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآية المذكورة هي قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال:53] .
ومعنى هذه الآية: الإخبار بأن الله عز وجل إذا أنعم على قوم نعمة، فإنه بفضله ورحمته لا يبدأ بتغييرها وتكديرها، حتى يجيء ذلك منهم، بأن يغيروا حالهم الذي يُراد منهم، فإذا فعلوا ذلك، ولم يعرفوا للنعمة قدرها، ولا للمنعم حقه، وتلبسوا بالمعاصي أو الكفر الذي يوجب عقابهم حوَّل الله نعمته عنهم.
وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أي: بكل ما يقع من تغيير في أنفسهم، ونظير هذه الآية قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] .
وهذه سنة الله تعالى في خلقه، فإنه سبحانه ما ينزل عليهم بلاءً إلا بمعصية، ولا يرفعه عنهم إلا بتوبة.
ويمكن للأخ الكريم مراجعة تفسير هذه الآية، ومثيلاتها في كتب التفسير المعتمدة كابن كثير والقرطبي وغيرهما، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
19338.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1423(2/2868)
تفسير قوله تعالى (..إن الله لا يحب الفرحين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى: (إن الله لا يحب الفرحين) وما المقصود في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76] هي خطاب من صالحي قوم قارون له عندما بغى على قومه، وامتلأ قلبه بالكبر والعُجب والخيلاء بسبب ما آتاه الله من المال والكنوز، قال تعالى: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76] .
وليعلم أنه لا يدخل في هذا فرح من آتاه الله مالاً وجاهاً، ونحو ذلك إذا لم يحمله ماله أو جاهه على الكبر والبطر والتعالي على الآخرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1423(2/2869)
تفسير قوله تعالى (هو الأول والآخر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
لقد قرأت في أحد كتب التفسير أن الآية الثالثة من سورة الحديد:"هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم" أفضل من ألف آية. فهل هذا الخبر صحيح أم ضعيف وهل من الممكن شرح هذه الآية لأني أحبها كثيراً وهل هنالك مانع من أن اتخذها وردا أرددها دائماً أم أن هذا الشيء بدعة وهل يمكن أن أقرأها كثيراً وأسأل الله أن يرزقني علماً نافعاً؟ أرجو بيان هذه الأمور وجزاكم الله خيراً
والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي، ولفظه كما في سنن الترمذي عن العرباض بن سارية، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، ويقول: إن فيهن آية خير من ألف آية. .قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
والحديث حسنه الألباني، قال في تحفة الأحوذي: والمستحبات هي السور التي في أوائلها التسبيح، وهو سبع سور: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، التغابن، والأعلى.
والآية المشار إليها قيل هي: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ [الحشر:21] . وقال ابن كثير: - والله أعلم-: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3] .
وتفسير هذه الآية كما قال ابن عطية: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ الأول: الذي ليس لوجوده بداية مفتتحة، والآخر: الذي ليس له نهاية مُنقضية.
وقيل: هو الأول بالأزلية، والآخر بالأبدية، وهو الأول بالوجود؛ إذ كلُّ موجود فبعده وبه.
والآخر: إذا نظر العقل في الموجودات حتى يكون إليه منتهاها، قال تعالى: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42] .
والظاهر: معناه بالأدلة ونظر العقول في صنعته، والباطن بلطفه وغوامض حكمته.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد - سبحانه وتعالى- بقوله: وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ الذي بهر وملك فيما ظهر للعقول، وفيما خفي عنها، فليس في الظاهر غيره حسب قيام الأدلة، وليس في باطن الأمر وفيما خفي على النظرة مما عسى أن يتوهم غيره.
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ: عام في جميع الأشياء عمومًا تامًا، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، يعلم السر وأخفى.
ومن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه-: اللهم ربَّ السماوات وربَّ الأرض وربَّ العرش العظيم، ربنا وربُّ كل شيء، فالق الحبِّ والنوى، ومنزّلُ التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من كل شرٍ أنت آخذٌ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنَّا الدين واغننا من الفقر.
وهذا خير تفسير الآية، فالظاهر: الذي ليس فوقه شيء، وفي ذلك إثبات لعلو الله تعالى على خلقه مع معيته وقربه منهم كما أخبر سبحانه.
وأما محبة هذه الآية فمن دلائل الإيمان، وحبّ الله تعالى، لأنها تتضمن صفاته تعالى وأسماءه، فقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه لأي شيءٍ كان يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه.
وأما ترديدها فلا مانع منه، وليس هو من باب البدعة، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: قل هو الله أحد، يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالّها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن.
والحاصل: أن الحديث حسن صالح للعمل والاحتجاج، وأن ترديد الآيات القرآنية وتكرارها لمعنى ما ليس من باب البدعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1423(2/2870)
تفسير قوله تعالى (وبالحق أنزلناه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلب من سيادتكم تفسيرآيات من سورة الإسراء {بالحق انزلناه وبالحق نزل* وما أرسلناك إلا مبشراً ونديرا * وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} صدق الله العظيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الله تعالى: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَل [الإسراء:105] .
فالضمير يرجع إلى القرآن الكريم، والمعنى: وأوحيناه متلبسا بالحق، وأنه نزل وفيه الحق. قال أبو علي الفارسي: الباء في الموضعين بمعنى مع. وفي الشهاب الحق فيهما ضد الباطل، لكن المراد بالأول الحكمة الإلهية المقتضية لإنزاله، وبالثاني ما يشتمل عليه من العقائد والأحكام ونحوها.
أما الخطاب في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاك [الإسراء:105] . فإنه للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى وما أرسلناك يا محمد إلا مبشرا لمن أطاعك من المؤمنين، ونذيرا لمن عصاك من الكافرين.
أما تفسير قول تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً [الإسراء:106] .
فقد فسرها ابن كثير بما نصه: أما قراءة من قرأ بالتخفيف فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ثم نزل مفرقاً منجماً على الوقائع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة قاله عكرمة. وعن ابن عباس أنه قرأ فرقناه بالتشديد أي أنزلناه آية آية مبيناً مفسرا، ولهذا قال لتقرأه على الناس لتبلغه الناس وتتلوه عليهم على مكث، أي مهل. ونزلناه تنزيلاً أي شيئاً بعد شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1423(2/2871)
تفسير قوله تعالى (ووهبنا لداود سليمان ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد فقط الاستفادة من الآية 30 إلى الآية 33 في سورة ص
الرجاء الإجابة بسرعة شاكرين لكم تعاونكم أتمنى أن أرى الإجابة في اليوم الثاني..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله يخبر في هذه الآيات أنه وهب نبيه داود عليه السلام ابنه سليمان نبياً، كما قال عز وجل: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [النمل:16] .
أي في النبوة، وإلا فقد كان له بنون غيره، وقوله: وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [صّ:30] .
ثناء على سليمان بأنه كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله عز وجل.
قوله: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ [صّ:31] .
أي إذ عرض على سليمان عليه السلام في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات. قال مجاهد: وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة، والجياد السراع، وكذا قال غير واحد من السلف، وشغل بالنظر إليها وهي تعرض عليه حتى غربت الشمس، وضاعت عليه صلاة العصر، ولذا قال: فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْر [صّ:32] . أي المال: عَنْ ذِكْرِ رَبِّي أي الصلاة: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب أي غربت الشمس، ولما تبين له غروب الشمس وضاعت صلاة العصر بسبب نظره إلى هذه الخيل أمر بإعادتها، فقال: رُدُّوهَا عَلَي [صّ:33] . فلما ردوها عليه فَطَفِق أي جعل: مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ [صّ:33] . أي يقطع سوقها وأعناقها لأنها سبب ضياع صلاته، قال الشوكاني في فتح القدير: ثم أمرهم بردها عليه ليعاقب نفسه بإفساد ماألهاه عن ذلك، وما صده عن عبادة ربه، وشغله عن القيام بما فرضه الله عليه، ولا يناسب هذا أن يكون الغرض من ردها عليه هو كشف الغبار عن سوقها وأعناقها بالمسح عليها بيده أو بثوبه، ولا متمسك لمن قال: إن إفساد المال لا يصدر عن النبي، فإن هذا مجرد استبعاد باعتبار ما هو المتقرر في شرعنا مع جواز أن يكون في شرع سيلمان أن مثل هذا مباح، على أن إفساد المال المنهي عنه في شرعنا هو مجرد إضاعته لغير غرض صحيح، وأما لغرض صحيح، فقد جاز مثله في شرعنا، كما وقع منه صلى الله عليه وسلم من إكفاء القدور التي طبخت من الغنيمة قبل القسمة، ولهذا نظائر في الشريعة، ومن ذلك ما وقع من الصحابة من إحراق طعام المحتكر....... انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(2/2872)
تفسير قوله تعالى (إن بعض الظن إثم)
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير إن بعض الظن إثم والفرق بين الشك والظن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم........ [الحجرات:12] .
قال القرطبي 16/ 331: أي لا تظنوا بأهل الخير سوءاً إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير.......
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا.......
قال علماؤنا: فالظن هنا وفي الآية هو: التهمة ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها........ ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] .
وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداءً ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه ويتبصر ويستمع لتحقيق ما وقع له من تلك التهمة.... انتهى
أما الفرق بين الشك والظن، فالظن يطلق على أشياء:
- فقد يطلق على اليقن، وقد يطلق على غلبة الظن وما قارب اليقين وهو الأصل، وقد يطلق على الظن المرجوح، وقد يطلق على الشك والذي هو تساوي الطرفين، ويعرف ذلك من السياق والحال.
وبهذا تعرف الفرق بين الظن والشك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1423(2/2873)
تفسير قوله تعالى ( ... لا تقولوا راعنا ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[اشرح الآيه الكريمة (ياأيهاالذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا.....) ؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا، يعني: احفظنا وارقبنا، من المراعاة، وهي تعني بلغة اليهود كلمة سب.. أي اسمع لا سمعت، وقيل: بمعنى الرعونة. فقال اليهود: كنا نسبه سراً فالآن علانية، فكانوا يقولون ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهم يضحكون. فقال لهم سعد بن معاذ -وكان يعرف لغتهم- لئن سمعتها من رجل يقولها لأضربن عنقه، فقالوا: أو لستم تقولونها؟ فنزلت الآية، ونهو عنها لئلا تقتدي بهم اليهود في اللفظ وهم يقصدون المعنى الفاسد، وانظر تفسير القرطبي (2/57-60) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1423(2/2874)
تفسير قوله تعالى (ورفعناه مكانا عليا)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم ((واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا* ورفعناه مكانا عليا)) الآية 56 من سورة مريم.
ما تفسير "ورفعناه مكانا عليا" مع تعدد الروايات الإسرائيلية فى ذلك ومنها أنه رفع إلى السماء على ظهر ملك كانت بينهما خلة ليستأذن من ربه تعالى أن يمد في عمره لأن الله وعده أن له أجر العاملين بالخير في حياته فأراد عليه السلام أن يستزيد من الخير؟ وجزاكم الله عنا خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي إدريس عليه السلام ليلة المعراج في السماء الرابعة، قال: فرحبَّ ودعا لي بخير. ثم قال الله عز وجل: وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً. ثم عرج بنا - أي جبريل - إلى السماء الخامسة. الحديث.
فالمكان العلي هو السماء الرابعة. وهل رُفع إدريس عليه السلام إلى السماء حيًّا أم لا؟
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في النسخ: وكون إدريس رُفع وهو حي لم يثبت من طريق مرفوعة قوية، وقد روى الطبراني أن كعبًا قال: لابن عباس في قوله تعالى: وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً، أن إدريس سأل صديقًا له من الملائكة فحمله بين جناحية ثم صعد به، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت فقال له: أريد أن تُعلمني كم بقي من أجل إدريس؟ قال: وأين إدريس؟ قال: هو معي، فقال: إن هذا لشيء عجيب، أمرت بأن أقبض روحه في السماء الرابعة، فقلت: كيف ذلك وهو في الأرض؟ فقبض روحه، فذلك قوله تعالى: وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً، وهذا من الإسرائيليات، والله أعلم بصحة ذلك. انتهى كلام ابن حجر.
وذكر ابن كثير الأثر السابق، وقال إنه: أثر غريب عجيب، وقال أيضًا: هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة، وذكر له لفظًا آخر على نحو ما ورد في السؤال.
والواجب أن يعتقد أن الله تعالى رفع إدريس عليه السلام مكانًا عليًّا، وأنه في السماء الرابعة، وما زاد على ذلك من كونه رفع حيًّا ثم قبض أو لم يمت فالله أعلم به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1423(2/2875)
السر في ورود كلمة (أخذ) بتاء وبدون تاء في سورة هود
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة هود الآية (67) - (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) ، وفي نفس السورة الآية (94) (وأخذت الذين ظلمواالصيحة)
سؤالي: لماذا ذكِّرت في الآية الأولى وأنثت في الآية الثانية؟ وجزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن نزل بلغة العرب، والعرب إذا أسندوا الفعل إلى مؤنث مجازي -أي غير حقيقي التأنيث- جاز عندهم إلحاق تاء التأنيث بالفعل وجاز تجريده منها.
والصيحة مؤنث مجازي ليس أنثى حقيقة، وإنما هو مؤنث في اللفظ فقط.
ولما أسند إليه الفعل " أخذ" جاز أن تلحق التاء الفعل وجاز تجريده منها، فجاء القرآن باللغتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1423(2/2876)
قصة الغرانيق..وبيان بطلانها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
-ماهي قصة الغرانيق أرجو وألح على فهم هذه الأخيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأصل القصة كما يذكرها بعض المفسرين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما شق عليه إعراض قومه عنه تمنى ألا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه لحرصه على إيمانهم، فكان ذات يوم جالسا في ناد من أنديتهم، وقد نزل عليه سورة: والنجم إذا هوى. فأخذ يقرأها عليهم حتى بلغ قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [لنجم] .
وكان ذلك التمني في نفسه فجرى على لسانه بما ألقاه الشيطان عليه.. تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى. فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي من المسلمين والمشركين فتفرقت قريش مسرورين بذلك وقالوا: ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر. فأتاه جبريل فقال: ما صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله! فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف خوفاً شديداً فأنزل الله عليه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحج:52] .
قال الإمام الشوكاني بعد أن ساق هذه القصة بكاملها في تفسيره: ولم يصح شيء من هذا ولا ثبت بوجه من الوجوه ومع عدم صحته بل وبطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:44-46] .
وقوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [لنجم:3] .
وقوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً [الإسراء:74] .
فنفى المقاربة للركون فضلاً عن الركون، قال البزار: هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم باسناد متصل، وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، وقال الإمام ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة، وقال القاضي عياض: في الشفاء إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لا قصدا، ولا عمدا، ولا سهوا، ولا غلطاً.
وبكلام هؤلاء الأئمة الأعلام يتضح بحمد الله تعالى -للسائل وغيره- زيف وبطلان هذه القصة، وأنها من دسائس اليهود وحقدهم على هذا الدين ومحاولاتهم الدؤوبة للنيل من الإسلام ومن رسوله صلى الله عليه وسلم،: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] .
وراجع الفتوى رقم:
9681
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1423(2/2877)
معنى قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم؟
وهل يقصد بالسفهاء النساء ومن جملتهم الزوجة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى الآية كما قال أهل التفسير: لا تعطوا الصغار والنساء، فقد قال الإمام الطبري في تفسيرها: قال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان لضعف آرائهم وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضار التي تصرف إليها الأموال. انتهى.
وقال قتادة: أمر الله بهذا المال أن يخزن فتحسن خزانته، ولا تملكه المرأة السفيهة والغلام السفيه.
ولا ريب أن الزوجة تدخل في هذا المعنى المراد من الآية، قال مجاهد: نهى الرجال أن يعطوا النساء أموالهم، وهن سفهاء كن أزواجاً أو أمهات أو بنات
والآية تشمل أيضاً الرجال الذين لا يحسنون التصرف في الأموال.
والمراد بسفاهة النساء والأطفال هنا: عدم حسن تدبيرهم للمال، كما ذكر ذلك الطبري.
لكن على الرجل الإنفاق على الزوجة والأولاد بما يكفيهم بالمعروف، قال ابن عباس: لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤونتهم ورزقهم انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1423(2/2878)
تفسير قوله تعالى "مدهامتان"
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
مرحبا أهلا وسهلاً
أنا متصفح جديد لموقعكم فأتمنى أن تسعدوا بي معكم
السؤال: هل لكم أن تفسروا لنا آية (مدهامتان) وشكرا..............]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الكلمة "مدهامتان" آية مستقلة من سورة الرحمن وردت في سياق حديث القرآن الكريم عما أعد الله تعالى لعباده المتقين: المقربين وأصحاب اليمين، حيث يبدأ السياق من قوله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان وينتهي بتمجيد الله تبارك وتعالى وختام السورة بذلك: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:78] .
وفي وصف جنتي أصحاب اليمين يقول تعالى: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:62-64] .
يقول الزمخشري: ومن دونهما: أي ومن دون جنتي المقربين جنتان لمن دونهم من أصحاب اليمين "مدهامتان" قد ادهامتا من شدة الخضرة.
ويقول ابن عطية: "ومدهامتان" معناه: قد علا لونهما دهمة وسواد من النضرة والخضرة، كذا فسره ابن الزبير رضي الله عنهما، على المنبر.
وبهذا يتبين لنا أن "مدهامتان" صفة للجنتين، ومعناها: شدة الخضرة والنضارة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1423(2/2879)
لا تعارض بين آية سورة النور وسورة الأحزاب بشأن الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل آيات الحجاب في سورة النور نسخت بالأحزاب وهل النقاب مستحب بمرتبة الواجب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لم نقف أن أحدا من أهل العلم قال بما ذكرت من أن آية الأحزاب نسخت آية النور، وليس بين الآيتين تعارض، ففي سورة النور جاء قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] .
قال ابن مسعود: إلا ما ظهر منها هو: الثياب. وقيل: إلا ما ظهر منها بلا قصد منها كأن ينكشف شيء من جسدها بفعل ريح ونحو ذلك.
وجاءت آية الأحزاب لتؤكد على هذا المعنى وهو أن المرأة عليها أن تستر جميع بدنها عن الرجال الأجانب، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] .
أما بخصوص حكم النقاب فقد تقدمت لنا فيه فتوى تحت الرقم:
42
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1423(2/2880)
سبب ضم الهاء في كلمة (عليه) وإعرابها
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الفتح الآية العاشرة (ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله فسيؤتيهِ أجراً عظيما) ..... ما إعراب كلمة (عليه) ولماذا جاءت مضمومة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإعراب "عليهُ" بضم الهاء أو بكسرها -جار ومجرور متعلق بـ "عاهد" والذي قرأ "عليهُ" مضمومة الهاء على أصل حركتها هو حفص، وقرأها الجمهور "عليهِ" بكسر الهاء لمجاورة الياء، قال شهاب الدين الألوسي في روح المعاني: وقرأ الجمهور "عليه" بكسر الهاء، كما هو الشائع، وضمها حفص هنا، قيل: وجه الضم أنها هاء "هو" وهي مضمومة، فاستصحب ذلك كما في له وضربه، ووجه الكسر رعاية الياء. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1423(2/2881)
تفسير قوله تعالى (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[يريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل ومنهم اليهود والنصارى وطلاب الزنا أن تميلوا عن الحق وعما أذن الله لكم فيه فتجوزوا عن طاعته إلى معصيته وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسهم فيما حرم الله وترك طاعته.. من القائل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نجد هذا الكلام بنصه فيما اطلعنا عليه من تفاسير، وكل ما ذكره المفسرون قريب منه في المعنى، مع اختلاف قليل في الألفاظ، قال ابن كثير رحمه الله: قوله: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] ، أي يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلاً عظيماً. انتهى
وقال البغوي في تفسيره عن الذين يتبعون الشهوات: وقيل: هم جميع أهل الباطل. انتهى
وقال الواحدي في تفسيره: ويريد الذين يتبعون الشهوات وهم الزناة وأهل الباطل في دينهم، أن تميلوا عن الحق وقصد السبيل بالمعصية ميلاً عظيماً فتكونوا مثلهم. انتهى
فهذه النقول جمعت معاني النص المذكور، والظاهر -والله أعلم- أن مؤلفها قد جمعها من هذه النقول وأمثالها من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1423(2/2882)
ماهية الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة فصلت آية 9 أن خلق السموات والأرض في 6 أيام وفي غيرها 8 أيام؟ وثبت أن خلق السموات والأرض قد استغرق بلايين السنين؟ وجزاكم الله خيراً. رجاء سرعة الإجابة للأهمية..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تعارض فيما جاء في سورة فصلت من خلق السموات والأرض، وما جاء في غيرها؛ فلا تعارض في القرآن الكريم ولا اختلاف فيه مطلقاً لأنه من عند العزيز الحكيم اللطيف الخبير.
قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] .
وما جاء في سورة فصلت ليس فيه لفظ "ستة أيام"، وإنما ورد لفظ "ستة أيام" في سبعة مواضع من القرآن الكريم (في سورة الأعراف، ويونس، وهود، والفرقان، وق، والسجدة، والحديد) .
وما أُجْمِل من خلق السموات والأرض في هذه السور هو الذي فصل وبين في سورة فصلت، قال تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت:9-12] .
قال الراغب الأصفهاني في مفرداته: اليوم -في لغة العرب- يعبر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يعبر به عن مدة من الزمان أي مدة كانت.
وقال القرطبي في تفسير الأيام: "في ستة أيام" أي من أيام الآخرة أي كل يوم ألف سنة لتفخيم خلق السماوات والأرض.... وذكر هذه المدة ولو أراد خلقها في لحظة لفعل، إذ هو القادر على أن يقول لها "كوني فتكون" ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور.... وحكمة أخرى من خلقها في ستة أيام لأن لكل شيء عنده أجلا ...
ولعل هذه الأيام عبارة عن ستة أزمنة وآماد لا يعلم مداها إلا الله تعالى يتحدد كل يوم منها بما تم فيه من عمل، أو ست دورات فكلية لا نعلمها، وهي غير أيامنا المرتبطة بالدورة الشمسية، أو ستة أطوار مرت على هذه المخلوقات.
كل ذلك محتمل واللغة العربية تساعد عليه، والدين لا يمنع منه. أفاده القرضاوي في هدي الإسلام.
ويقول سيد قطب في تفسير سورة الأعراف من كتابه في ظلال القرآن: فأما الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض فهي غيب لم يشهده أحد من البشر، ولا من خلق الله جميعاً: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [الكهف:51] .
وكل ما يقال عنها لا يستند إلى أصل مستيقن ...
ويقول في تفسير سورة يونس: وعلى كل حال فالأيام الستة غيب من غيب الله الذي لا مصدر لإدراكه إلا هذا المصدر، فعلينا أن نقف عنده ولا نتعداه، والمقصود بذكرها هو الإشارة إلى حكمة التقدير والتدبير والنظام الذي يسير به الكون من بدئه إلى منتهاه.
ويقول في سورة هود: الله خلق السموات والأرض في هذا الأمد لتكون صالحة مجهزة لحياة هذا الجنس البشري....
ثم يقول في سورة الفرقان: وأيام الله التي خلق فيها السموات والأرض غير أيامنا الأرضية قطعاً، فإنما أيامنا هذه ظل للنظام الشمسي، ومقياس لدورة فلكية وجدت بعد خلق السموات والأرض، وهي مقيسة بقدر دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس.
والخلق لا يقتضي إلا توجه الإرادة الإلهية المرموز له بلفظة "كن" فتتم الكينونة "فيكون" ولعل هذه الأيام الستة من أيام الله التي لا يعلم مقدارها إلا هو، إنما تمت فيها أطوار متباعدة في السموات والأرض حتى انتهت على وضعها الحالي....
ثم يقول في سورة السجدة: والأيام ليست قطعاً من أيام هذه الأرض التي نعرفها، فأيام هذه الأرض مقياس زمني ناشئ من دورة هذه الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة تؤلف ليلاً ونهاراً على هذه الأرض الصغيرة الضئيلة التي لا تزيد على أن تكون هباءة منثورة في فضاء الكون الرحيب، وقد وجد هذا المقياس الزمني بعد وجود الأرض والشمس، وهو مقياس يصلح لنا نحن أبناء هذه الأرض الصغيرة الضئيلة، وأما حقيقة هذه الأيام الستة المذكورة في القرآن الكريم فعلمها عند الله تعالى، فلا سبيل إلى تحديدها وتعيين مقدارها فهي من أيام الله تعالى التي يقول عنها: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47] .
قد تكون ستة أطوار مرت بها السموات والأرض وما بينهما حتى انتهت إلى ما هي عليه، أو ستة مراحل في النشأة والتكوين، أو ستة أدهار لا يعلم ما بين أحدها والآخر إلا الله....
ثم يقول في تفسير سورة فصلت: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ.... وهذه الأيام الاثنان اللذان خلق الله فيهما الأرض، والاثنان اللذان خلق فيهما الرواسي وقدر فيهما الأقوات وأحل فيهما البركة فتمت بهما الأيام الأربعة..... إنها بلا شك أيام من أيام الله التي يعلم هو مداها، وليست من أيام هذه الأرض ... والأيام التي خلقت فيها الأرض أولاً، ثم تكونت فيها الجبال، وقدرت فيها الأقوات، هي أيام أخرى مقيسة بمقياس آخر لا نعلمه، ولكننا نعرف أنه أطول بكثير من أيام الأرض المعروفة وأقرب ما نستطيع تصوره وفق ما وصل إليه علمنا البشري أنها الأزمان التي مرت بها الأرض طوراً بعد طور، حتى استقرت وصلبت قشرتها، وأصبحت صالحة للحياة التي نعلمها، وهذه قد استغرقت فيما تقول النظريات التي بين أيدينا -نحو ألفي مليون سنة من سنوات أرضنا.
وهذه مجرد تقديرات علمية مستندة إلى دراسة الصخور وتقدير عمر الأرض بواسطتها، ونحن في دراسة القرآن الكريم لا نلجأ إلى تلك التقديرات على أنها حقائق نهائية، فهي في أصلها ليست كذلك، وما هي إلا نظريات قابلة للتعديل، فنحن لا نحمل القرآن عليها، إنما نجد أنها قد تكون صحيحة إذا رأينا بينها وبين النص القرآني تقارباً، ووجدنا أنها تصلح تفسيراً للنص القرآني بغير تمحل، فنأخذ من هذا أن هذه النظرية أو تلك أقرب إلى الصحة لأنها أقرب إلى مدلول النص القرآني.
ويقول ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز: "في ستة أيام" حكى الطبري عن مجاهد أن اليوم كألف سنة، وهذا كله والساعة اليسيرة سواء في قدرة الله تعالى، وأما وجه الحكمة في ذلك فمما انفرد الله عز وجل بعلمه كسائر أحوال الشرائع ...
وأما ثمانية أيام فلم ترد في كتاب الله عز وجل -إلا مرة واحدة- في سورة الحاقة ولا علاقة لها بهذا الموضوع، وإنما جاءت في سياق هلاك عاد "قوم هود" الذين أهلكهم الله بالريح العاتية لما رفضوا الدعوة وكذبوا نبيه هوداً عليه السلام.
قال تعالى: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:6-7] .
وبهذا يكون قد اتضح لنا أنه لا تعارض فيما جاء في سورة فصلت وما جاء في غيرها من القرآن الكريم من الحديث عن خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ولا غيرها وأن هذه الأيام ليست كأيامنا العادية، لأن أيامنا ناشئة من دورة هذه الأرض حول نفسها أمام الشمس، وهذا كان قبل خلق السموات والأرض كما وضح ذلك المفسرون قديماً وحديثاً، وأنه لا علاقة لخلق السموات والأرض بالأيام الثمانية التي ورد ذكرها في سورة الحاقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1423(2/2883)
تفيسر قوله تعالى (فلا تضربوا لله الأمثال)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول أحدهم (أنا متأكد من هذا الشيء مثل الله واحد) وما شابه مثل هذا القول على سبيل توكيد الكلام ومدى صدق الشخص أحيانا؟ وهل ينطبق قول الله - عز وجل - في كتابه الكريم: (فلا تضربوا لله الأمثال ... ) على مثل هذا الكلام؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الشخص متيقناً لما ذكر، ويريد أن يؤكد للسامع الحقيقة، فقال هذا القول: الله واحد. فنرجو ألا يكون بهذا بأساً، وهذا لا يشمله النهي الوارد في قوله تعالى: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) [النحل:74] . لأن معنى الآية كما ذكر المفسرون أي: لا تشبهوا بالله تعالى هذه الجمادات، لأنه واحد قادر (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11] .
والآية جاءت في سياق قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ * فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل:73-74] .
أي: ويعبد هؤلاء المشركون أوثاناً لا تقدر على إنزال المطر من السماء، ولا إخراج النبات من الأرض، ولا تستطيع ذلك ولا تقدر عليه لو أرادت. فلا تمثلوا لله الأمثال، ولا تشبهوا له الأشياء، فإنه تعالى لا مثل له ولا نظير ولا شبيه (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي: يعلم كل الحقائق، وأنتم لا تعلمون قدر عظمة الخالق سبحانه وتعالى.
وبهذا يتبين لك أن الآية لا علاقة لها بما ذكرت من توكيد معنى مّا، وأنه ثابت مثل ثبوت الوحدانية لله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1423(2/2884)
تفسير قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو نور الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل يقول: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض [النور:35] .
وفي صحيحي البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن...... الحديث.
وقد اختلفت عبارة السلف في تفسير الآية فقال ابن عباس رضي الله عنهما: نور السموات والأرض: أي هادي أهل السموات والأرض. وروى ابن جرير رحمه الله نحو هذا القول عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو الذي اختاره ابن جرير.
وقال مجاهد وابن عباس: أيضاً الله نور السموات والأرض: أي يدبر الأمر فيهما ... نجومهما وشمسهما وقمرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1423(2/2885)
تفسير (ليوم أحل لكم الطيبات وطعام ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقبل على دراسة في بريطانيا لمدة أربعة أشهر هل يجوز لي الأكل من مطاعم النصارى هناك أو ضروري البحث على مطاعم تقدم اللحم المذبوح على الطريقة الإسلامية
وما هو تفسير الآية الكريمة"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل هو حل ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى إن قاموا بتذكيتها الذكاة الشرعية، وانظر الفتوى رقم:
19639 والفتوى رقم: 10524 والفتوى رقم:
16461.
وأما الآية فمعناها حل ذبائح اليهود والنصارى وبقية ما يعدونه من الطعام ما لم يكن محرماً علينا، ويحل لهم ذبائحنا وطعامنا، ويحل لنا الزواج بالمحصنات من المؤمنات، ويحل لنا أيضاً الزواج بالمحصنات العفيفات الحرائر من نساء أهل الكتاب من غير إعلان بالزنا وهو السفاح، أو إسرار به وهو اتخاذ الأخدان، ومن يكفر بالإيمان ويرتد عن دين الله فقد حبط عمله الصالح قبل ذلك فلا يعتد به ولا يثاب عليه، وهو في الآخرة من الخاسرين إذا مات على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1423(2/2886)
تفسير (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر قولنا (صلى الله عليه وسلم) بعد ذكر اسم الرسول عليه السلام صلاة منا عليه؟ أم أنها تدخل تحت قوله تعالى "لا تجعلوا دعاء الرسول كدعاء بعضكم بعضا "؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور:63] .
ليس فيها حث على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يفهم منها ذلك، فقد جاء عن ابن عباس أنهم كانوا يقولون: يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم. قال: فقولوا: يا نبي الله.. يا رسول الله.
وقال قتادة: أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود، كما يدل عليه سياقها. فالمراد من الآية تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مخاطبته باسمه المجرد؛ ولكن يشرفوه ويعظموه حتى في مخاطبتهم له، فيقولوا: يا نبي الله.. يا رسول الله، وهذا من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مخاطبته والكلام معه.
أما الحث على الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقد دلت عليه أدلة أخرى من القرآن والسنة معروفة.. قد ذكرنا بعضها في الفتوى رقم:
5025.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم معناها الدعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ينال من ربه مزيداً من البركة والخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1423(2/2887)
تفسير (إنما يخشى الله من عباده العلماء)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ/
ماالمقصود بقوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ؟ أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الجملة:"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" جاءت في سياق قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ*وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28] .
ومعنى "إنما يخشى الله من عباده العلماء" كما قال المفسرون: لا يخشى الله تعالى حق الخشية إلا العلماء الذين عرفوه حق معرفته.
قال ابن كثير: أي "إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القديم أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر."
وقال القرطبي: يعني بالعلماء الذين يخافون قدرته، فمن علم أنه عز وجل قدير أيقن بمعاقبته على معصيته، كما روي عن ابن عباس "إنما يخشى الله من عباده العلماء" قال: الذين علموا أن الله على كل شيء قدير. وقال أنس: من لم يخش الله فليس بعالم، وقال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل، وقال ابن مسعود: كفى بخشية الله تعالى علما، وبالاغترار جهلاً......
وقال الزمخشري في الكشاف: والآية سيقت للحث والتحريض على النظر في عجائب صنع الله تعالى، وآثار قدرته ليؤدي ذلك إلى العلم بعظمة الله وجلاله، ويؤدي العلم إلى خشية الله تعالى، ولذلك ختمها بقوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ فتدبر سر القرآن.
وقال سيد قطب في تفسير الظلال: هذه الآية لفتة كونية عجيبة من اللفتات الدالة على مصدر هذا الكتاب، تبدأ بإنزال الماء من السماء، وإخراج الثمرات المختلفات الألوان، ثم تنتقل إلى ألوان الجبال، ففي ألوان الصخور شبه عجيب بألوان الثمار وتنوعها وتعددها، واللفتة إلى ألوان الصخور وتنوعها داخل اللون الواحد، تهز القلب هزا وتوقظ فيه حاسة الذوق الجمالي العالي بما يستحق النظر والالتفات، ثم ألوان الناس، وهي لا تقف عند حد، وكذلك ألوان الدواب والأنعام، ذات الألوان والأصباغ العجيبة كلها معروضة للأنظار في هذا الكتاب الكوني، الجميل الصفحات العجيب في التكوين والتلوين.....يفتحه القرآن الكريم، ويقلب صفحاته ويقول: إن العلماء الذين يتلونه ويدركونه ويتدبرونه هم الذين يخشون الله حق خشيته: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ....والعلماء هم الذين يتدبرون هذا الكتاب العجيب، ومن ثم يعرفون الله معرفة حقيقية، يعرفون بآثار صنعته، ويدركون بآثار قدرته، ويستشعرون حقيقة عظمته برؤية حقيقة إبداعه، ومن ثم يخشونه حقا، ويتقونه حقا، ويعبدونه حقا، لا بالشعور الغامض الذي يجده القلب أمام روعة الكون.
ومما سبق يتبين لنا أن العلماء الذين يقرأون آيات الله المنزلة في كتابه العظيم والذين يتأملون في آيات الله المبثوثة في هذا الكون هم الذين يخشون الله حق الخشية ويقدرونه حق قدره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1423(2/2888)
معنى: بسم الله الرحمن الرحيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى عبارة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبسم الله الرحمن الرحيم يقولها القارى والكاتب ونحوهما، ومعنى ذلك منهم، بسم الله أقرأ، أو بسم الله أكتب، أو أنا قارئ بسم الله، أو أنا كاتب بسم الله.
والمسلم عندما يقولها فإنما يتوسل بأسماء الله تعالى المذكورة وهي: الله الرحمن الرحيم.. فيتوسل إلى الله بأسمائه أن يعينه ويوفقه فيما ذكر اسم الله في أوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإذا كانت البسملة مقصودة عند جمهورهم فهي وسيلة، إذ قول القارئ بسم الله معناه: بسم الله أقرأ أو أنا قارئ.
ولهذا شرعت التسمية في افتتاح الأعمال كلها، فيسمي الله عند الأكل والشرب ودخول المنزل والخروج منه ودخول المسجد والخروج منه.. وغير ذلك من الأفعال.. وهي عند الذبح من شعائر التوحيد.. فالصلاة والقراءة عمل من الأعمال فافتتحت بالتسمية. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1423(2/2889)
التوفيق بين قوله تعالى (فلنسألن الذين ... ) و (فيومئذ لا يسأل ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالي في سورة الأعراف "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين"
وقال في سورة الرحمن "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" أعلم أنه لا تعارض ولكني أرجو من سيادتكم توضيح لما هو ظاهر من تعارض بين الآيتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب ولا شك أن الله سبحانه سيسأل عباده عما عملوا وفعلوا، فهو القائل: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6] .
وقال سبحانه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ [الصافات:24] .
وقال سبحانه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93] .
لكن السؤال ضربان: سؤال استعلام، وسؤال توبيخ.
وسؤال الله لخلقه يوم القيامة قطعاً ليس سؤال استعلام واستخبار وتثبت فيما لا يعلمه، فهذا غير جائز أن يوصف به الله سبحانه، فهو العليم بكل شيء، وهو الذي علم أفعال خلقه قبل كونها، وحال كونها، وبعد كونها، وإنما يسألهم سؤال توبيخ وتقريع.
وسؤال الاستخبار والاستعلام هو المنفي في قوله سبحانه: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرحمن:39] .
وقوله سبحانه: وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص:78] .
فبان من ما ذكرنا أن السؤال المثبت في آية الأعراف وما شاكلها غير السؤال المنفي في القصص والرحمن ونحوها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1423(2/2890)
علة اختلاف حركة كلمة (البر) في سورة البقرة
[السُّؤَالُ]
ـ[برجاء إخباري سبب رفع كلمة البر في الآية الكريمة "وليس البرُ بأن تأتوا البيوت من أبوابها.." وسبب نصب كلمة البر في الآية الكريمة "ليس البرَ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ... " وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي قوله تعالى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا [البقرة:189]
كلمة البر مرفوعة على القياس لأنها اسم ليس، وخبرها جملة "بأن تأتوا البيوت" وليس من أخوات كان
تدخل على الجملة الاسمية فترفع المبتدأ وتنصب الخبر.
وأما في قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب [البقرة:177] .
فقد قرأ الجمهور "ليس البرُ" بالرفع، وهذا على القياس كما في الآية السابقة.
وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم بنصب البر على أنها خبر ليس، واسمها جملة "أن تولوا" والتقديم والتأخير في مثل هذا معهود عن العرب.
قال محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ويكثر في كلام العرب تقديم الخبر على الاسم في باب كان وأخواتها إذا كان أحد معمولي هذا الباب مركباً من أن المصدريه وفعلها كان المتكلم بالخيار في المعمول الآخر بين أن يرفعه وأن ينصبه، وشأن اسم ليس أن يكون هو الجدير بكونه مبتدأ به. فوجه قراءة رفع البر أن البر أمر مشهور ومعروف لأهل الأديان مرغوب للجميع، فإذا جعل مبتدأ في حالة النفي أصغت الأسماع إلى الخبر. وأما توجيه قراءة النصب فلأن أمر استقبال القبلة هو الشغل الشاغل لهم، فإذا ذكر خبره قبله ترقب السامع المبتدأ، فإذا سمعه تقرر في علمه. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1423(2/2891)
الاجتهاد المستند إلى الأصول الثابتة من الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاجتهاد في أمور الشريعة يتعارض مع قول الله اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تعارض بين اجتهاد العلماء في الأمور الشرعية، وبين قول الله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] . لأن الآية بينت امتنان الله سبحانه على المسلمين بتمام النعمة وإكمال دين الإسلام الذي رضيه لهم، فلا يستطيع أحد أن يدخل فيه ما ليس منه، ولا يخرج منه ما هو منه.
واجتهاد علماء المسلمين لابد أن يستند إلى القرآن والسنة، ومقاصدهما، والقواعد العامة المأخوذة منهما.
والاجتهاد بهذه الصورة هو من الدين الذي أكمله الله، ورضيه لنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(2/2892)
تفسير الآية الرابعة من سورة الحديد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة تفسير الآية رقم 4 من سورة الحديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أراد تفسير شيء من القرآن فليرجع إلى كتب التفسير، وسيجد مراده بكل سهولة إن شاء الله، ولكن لا بأس أن نورد للسائل هنا تفسير الآية ونحب أن ننقل تفسير ابن كثير -رحمه الله- لها حيث يقول في تفسيره 4/305: يخبر الله تعالى عن خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم يخبر الله باستوائه على العرش بعد خلقهن.... وقوله تعالى: يعلم ما يلج في الأرض أي يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر، وما يخرج منها من نبات وزرع وثمار: كما قال تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وقوله تعالى: وما ينزل من السماء أي من الأمطار والثلوج والبرد والأقدار والأحكام مع الملائكة الكرام، وقد تقدم في سورة البقرة أنه ما ينزل من قطرة من السماء إلا ومعها ملك يقررها في المكان الذي يأمر الله به حيث يشاء الله تعالى، وقوله تعالى: وما يعرج فيها أي من الملائكة والأعمال، كما جاء في الصحيح: يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل. وقوله تعالى: وهو معكم أينما كنتم من بر أو بحر في ليل أو نهار في البيوت أو في القفار الجميع في علمه على السواء وتحت بصره وسمعه، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ويعلم سركم ونجواكم. انتهى المراد منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(2/2893)
أقوال المفسرين حول الإشكال بين آية السجدة وآية المعارج
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله. قال الله تعالى: وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون (السجدة) وفي آية أخرى: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (المعارج) . ما المقصود من الآيتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية الأولى التي ذكرها السائل ليست في السجدة وإنما هي في سورة الحج الآية رقم: 47، قال تعالى: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47] .
أما آية السجدة فهي قول الله تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5] .
أما آية المعارج:4، فهي قوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] .
ولعل السائل يريد الجواب عن الإشكال والتعارض الذي قد يظهر بين آية السجدة وآية المعارج، وقد تكلم العلماء عن ذلك ولهم فيه أقوال:
القول الأول: أنها يوم واحد، وأن آية السجدة تذكر المسافة بين الأرض والسماء الدنيا، أما آية المعارج فتذكر المسافة بين الأرض السابعة السفلى وبين العرش.
القول الثاني: أن آية السجدة هي في نزول الملائكة بالأمر وعروجهم به في الدنيا، وأن آية المعارج هي في يوم القيامة.
والقول الثالث: أنهما في يوم القيامة.. فهو على قوم كألف سنة، وعلى آخرين كخمسين ألف سنة.
ولعل القول الثاني هو الأقرب -والله أعلم- ولمزيد من الفائدة تراجع كتب التفسير عند الآيتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(2/2894)
تفسير (سأل سائل بعذاب واقع)
[السُّؤَالُ]
ـ[سأل سائل بعذاب واقع من هو؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الله عز وجل: (سأل سائل بعذاب واقع) قال القرطبي: الباء يجوز أن تكون زائدة، ويجوز أن تكون بمعنى عن انتهى.
فعلى أنها زائدة يكون المعنى دعا داع عذاباً واقعاً على الكافرين، وعلى أنها بمعنى عن يكون المعنى سأل سائل عن عذاب واقع على الكافرين.
والسائل كما ذكر أهل التفسير هو: النضر بن الحارث بن كلدة
فقد أخرج النسائي والحاكم وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: سأل سائل.. قال هو: النضر بن الحارث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(2/2895)
تفسير ( ... إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون الأزواج والأولاد عدوا أو فتنة؟ كما ذكر في القرآن الكريم وإذا لم يكن مكان سؤالي هنا فالرجاء أخباري أين أسأل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حذر الله عباده المؤمنين، وأخبرهم أن من أولادهم وأزواجهم من هو عدو لهم، كما أخبر أن الأموال والأولاد فتنة، وذلك في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن:15] .
والمراد بهذه العداوة أن الإنسان يلتهي بهم عن العمل الصالح، أو يحملونه على قطيعة الرحم، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم.
ولهذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9] .
وقد أخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً سأله عن هذه الآية، فقال: هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم -أي بعد مدة- ورأوا الناس قد فقهوا في الدين أي سبقوهم بالفقه في الدين لتأخر هؤلاء عن الهجرة، فهمّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله هذه الآية: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن:14] .
وعن عطاء بن يسار وابن عباس أيضاً أن هذه الآية نزلت بالمدينة في شأن عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، فكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، وقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق لهم فيقعد عن الغزو، وشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية في شأنهم.
فالولد يكون عدوا لأبيه، والزوجة تكون عدوة لزوجها إذا تسببا في صرف الرجل عن طاعة الله أو إيقاعه في معصية الله، وهذا أمر معلوم مشاهد، فكثير من الآباء يقصرون في البذل والإحسان بسبب أبنائهم، ومنهم من يدخل بيته المنكرات استجابة لرغبة أهله وأولاده، ولهذا كان على المسلم أن يحذر حتى يسلم.
وأما كون المال والولد فتنة أي اختباراً وابتلاءً فأمر ظاهر، فمن الناس من يكون المال والولد سبباً في صلاحه واستقامته، ومنهم من يطغيه ذلك، ويصرفه عن ربه سبحانه.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأولاد: "إنهم لمجبنة محزنة" رواه أحمد.
أي قد يدعون أباهم إلى الجبن وعدم الإقدام مع ما يصيبه من الحزن عند فقدهم، وفي رواية: "إن الولد مبخلة مجهلة محزنة" رواه الحاكم بسند صحيح.
أي يكون سبباً في بخل أبيه بالمال، وجبنه عن الإقدام، ووقوعه في الجهل، وانصرافه عن العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1423(2/2896)
معاني الوسيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الوسيلة في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوسيلة: هي كلمة جامعة لكل عمل صالح يتقرب به إلى الله تعالى، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة:35] .
قال بعض المفسرين الوسيلة: القربة التي ينبغي أن يطلب بها، وبهذا قال الحسن ومجاهد والسدي وابن زيد وغيرهم، وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. قال ابن كثير في تفسيره: وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف فيه بين المفسرين.
وقد وردت لفظة "الوسيلة" عَلَماً على درجة في الجنة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: صلوا علي فإنها زكاة لكم، واسألوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في أعلى الجنة لا ينالها إلا رجل، وأرجو أن أكون هو. رواه أحمد والنسائي وأصله في البخاري.
وأما إذا كان مراد السائل هو: هل الوسيلة تبرر الغاية؟ فالجواب: أن الوسائل في الشرع الحنيف لها أحكام المقاصد، فإذا كانت المقاصد حسنة فلا يتوصل لها إلا بالوسيلة المباحة المشروعة وكل غاية حسنة لا يتوصل لها إلا بالوسائل الحسنة: ولا يجوز أن نتوصل لها بالوسائل السيئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1423(2/2897)
لسر في ختم الآية الرابعة والأربعين من سورة فاطر بالعلم والقدرة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك سر لطيف في ختم الله الآية الرابعة والأربعين من سوره فاطر بصيغتي العلم والقدرة فما هو ذلك السر؟؟؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسر في ختم الآية الرابعة والأربعين من سورة فاطر بالعلم والقدرة: هو أن الله عز وجل ذكر في هذه الآية عقاب المكذبين أولي القوة والبأس، وأبان فيها أنه لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض لأنه عليم بكل ما فيهما قادر عليه، ومن ادعى عدم العجز عن شيء في هذا الكون وهو فاقد لهاتين الصفتين أو إحداهما فهو كاذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1423(2/2898)
تفسير ( ... ومن الأرض مثلهن ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) سورة الطلاق ما هو تفسير هذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في كيفية طبقات الأرض المذكورة في الآية التي سألت عنها هل هي سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض، أم غير ذلك، على قولين: نص عليهما القرطبي في تفسيره هما:
1- أنها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض، وفي كل أرض سكان من خلق الله، وبهذا قال الجمهور.
2- أنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السموات، قال الشوكاني، فتح القدير: والأول أصح لأن الأخبار دالة عليه، ففي صحيح مسلم عن سعيد بن زيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرا من الأرض ظلماً فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين. .
وما دام الأول هو الراجح فإن التي نحن عليها واحدة من هذه الأرضين، أما الأرضين الأخرى فهي منفصلة عنها، وموجودة في هذا الكون الفسيح الذي يكتشف فيه الإنسان كل يوم جديداً
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1423(2/2899)
المراد بمعنى (أم) المتكررة في سورة الطور
[السُّؤَالُ]
ـ[تكررت كلمة أم عدة مرات في سورة الطور فما المراد بها في كل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآيات المذكورة في السؤال من سورة الطور من الآية رقم: 30 إلى الآية رقم: 43، ذكر الله تعالى فيها أم خمس عشرة مرة، وقد اختلف العلماء في معناها في هذا الموضع وفي غيره، والراجح -والله أعلم- أنها مقدرة (ببل والهمزة) وهو قول جمهور النحاة، كما ذكره الألوسي في تفسيره، عند قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [يونس:38] . فقال:"أم يقولون افتراه" أم منقطعة، وهي مقدرة (ببل والهمزة) عند سيبويه والجمهور. انتهى
وقال الشوكاني في فتح القدير، عند قوله تعالى: أم حسبت [الكهف:9] .: أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة عند الجمهور، وبل وحدها عند بعضهم، والتقدير "بل أحسبت". انتهى
وممن رجح هذا القول ابن السمين الحلبي في كتابه الدر المصون، فقال: عند قوله تعالى: أم يقولون شاعر [الطور] : أم في هذه الآيات منقطعة، قلت: وتقدم لك الخلاف في المنقطعة، هل تقدر ببل وحدها، أو ببل والهمزة أو بالهمزة وحدها؟ والصحيح الثاني. انتهى
وكذلك رجحه ابن عطية في المحرر الوجيز، ولم يستثن منها إلا آية واحدة قدرها (ببل) وحدها، وهو قوله تعالى: أم هم قوم طاغون [الطور] .
فقال: هناك "وأم المتكررة في هذه الآية، قدرها بعض النحاة بألف الاستفهام، وقدرها مجاهد ببل، والنظر المحرر في ذلك أن منها ما يتقدر (ببل والهمزة) على حد قول سيبويه في قولهم: إنها لَإِبلٌ أم شاءٌ؟
ومنها ما هي معادلة، وذلك قوله تعالى: أم هم قوم طاغون [الطور] . انتهى
فيكون المعنى على هذا في هذه الآيات"بل أيقولون شاعر" و"بل أتأمرهم أحلامهم بهذا" وهكذا.. وبل انتقالية من بيان ما قبلها إلى بيان ما بعدها، والهمزة للإنكار والاستقباح لقولهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1423(2/2900)
تفسير (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء تفسير الآية الكريمة: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) ؟ عذراً لأني لا أعرف في أي سورة.
وألف شكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله جل وعلا يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99] .
والمعنى: اعبد يا محمد ربك حتى يأتيك الموت الذي أنت موقن به، وقد نقل الطبري في تفسيره عن كثير من السلف تأويلهم لليقين في هذه الآيات بالموت.
قال القرطبي: والمراد استمرار العبادة مدة حياته، كما قال العبد الصالح: وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً. انتهى
وقال ابن كثير في تفسيره مدلالاً على أن اليقين هنا هو الموت، والدليل على ذلك قوله تعالى عن أهل النار: (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ*وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ*وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ*وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) [المدثر:43-47] .
وفي الصحيح من حديث الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء -امرأة من الأنصار- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون، وقد مات قالت أم العلاء: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أن الله أكرمه" فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، فمن؟ قال أما هو، فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير، والحديث رواه البخاري وغيره.
ثم قال ابن كثير: ويستدل على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة يسقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله، وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة، وإنما المراد باليقين ههنا الموت، كما قدمناه. ولله الحمد والمنة. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(2/2901)
(قال الذي عنده علم من الكتاب ... ) ما هو هذا العلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن الرجل الذي آتاه الله علما في قصه الهدهد ماهذا العلم وكيف آتاه وهل يكون عبداً ربانياً وما معنى عبد رباني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلفت عبارات المفسرين في المراد بالذي عنده علم من الكتاب، في قوله تعالى: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل:40] .
وأكثر المفسرين على أنه رجل صالح من بني إسرائيل اسمه آصف بن برخيا، وهذا القول منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأما العلم الذي آتاه الله، فجمهور المفسرين على أنه اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب. وقد كان ذلك من باب إكرام الله لأوليائه.. كما ذكره القرطبي.
ولا شك في كونه عبداً ربانياً، إذ أن الرباني هو صاحب العلم والحكمة، كما ورد عن جمع من السلف في قوله تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران:79] . قالوا: ربانيين أي حكماء علماء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1423(2/2902)
تفسير: (والشجرة الملعونة في القرآن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما هي الشجرة الملعونة في القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآن [الإسراء:60] . قال جمهور المفسرين هي شجرة الزقوم، المذكورة في آية الدخان في قوله تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الْأَثِيمِ [الدخان:44] .
قال القرطبي وفتنتها أنهم لما خوفوا بها قال أبو جهل استهزاء: هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يزعم أنها تنبت الشجر، والنار تأكل الشجر، وما شجرة الزقوم إلا التمر والزبد. ثم أمر أبو جهل جارية وأحضرت تمرا وزبداً، وقال لأصحابه: تزقموا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1423(2/2903)
تفسير: (نساؤكم حرث لكم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[برجاء تفسير الآية رقم 223 سورة البقرة مع توضيح معنى الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال تعالى في الآية 223 من سورة البقرة: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223] .
قال الشوكاني -رحمه الله- في تفسيره: لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة إذ هو مزدرع الذرية، كما أن الحرث مزدرع النبات.
"أنى شئتم": أي من أي جهة شئتم، من خلف وقدام، وباركة ومستلقية ومضطجعة، إذا كان في موضع الحرث، يعني: الفرج.
"وقدموا لأنفسكم": أي خيراً، "واتقوا الله": فيه تحذير عن الوقوع في شيء من المحرمات.
"واعلموا أنكم ملاقوه": مبالغة في التحذير.
"وبشر المؤمنين": تأنيس لمن يفعل الخير ويجتنب الشر.
روى البخاري وأهل السنن عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها، جاء الولد أحول، فنزلت: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1423(2/2904)
تفسير قوله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الآية رقم (235) من سورة البقرة؟ وما هو أجر عمل الممرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآية 235 من سورة البقرة وهي قوله تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ [البقرة:235] .
تتحدث عن إباحة التلميح للمرأة المعتدة بالخطبة، وحرمة التصريح بذلك حتى تنتهي فترة العدة، وبين سبحانه أن الحكمة في الإباحة لعلمه بضعف الإنسان عن الصبر عن النطق لهن بالرغبة في النكاح.
وقد نهت الآية عن المواعدة في السر بالنكاح، أو العزم على عقد الزواج حتى تنقضي فترة العدة، ثم أخبر سبحانه محذراً أنه مطلع على ما في النفوس والضمائر.
وبالنسبة لأجر عمل الممرض، فلا نعلم دليلاً ينص على أجر محدد له، ولكن لاشك أن عمله من أجلِّ الأعمال، وتقديم النفع للخلق، وما كان من الأعمال نفعه متعدياً إلى الغير، كان أجره أعظم، ومن هنا ذكر الفقهاء القاعدة الفقهية"المتعدي أفضل من القاصر" ذكرها السيوطي في كتابه "الأشباه والنظائر".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2905)
معنى وفائدة النفي المذكور في مثل قوله تعالى: (لا أقسم بيوم القيامة)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تزاد (لا) في (لا أقسم بهذا البلد) وهل يمكن أن يكون (لا) هنا بمعنى النفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في النفي المذكور في هذه الآية وأمثالها، كقوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة:75] . وقوله تعالى: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) [القيامة:1] .
والراجح عندنا من أقوال المفسرين -والله أعلم- ما نقله الشوكاني في فتح القدير وعزاه إلى الجمهور، فقال: ذهب جمهور المفسرين إلى أن (لا) مزيدة للتوكيد، والمعنى: فأقسم، ويؤيد هذا قوله بعده: (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ) . ا. هـ
وهذا القول هو ما قدمه الزمخشري في تفسيره على غيره من الأقوال، فقد قال هناك: إدخال (لا) النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم، قال امرؤ القيس:
لا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعى القوم أني أفر
وقال غوثة بن سلمى:
ألا نادت أمامة باحتمال لتحزنني فلا بك ما أبالي
وفائدتها: توكيد القسم. ا. هـ.
وقال القرطبي في تفسيره: وحكى أبو الليث السمرقندي: أجمع المفسرون أن معنى: لا أقسم: أقسم، واختلفوا في تفسير لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1423(2/2906)
تفسير الآيات المتعلقة بقصة السامري في سورة طه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي قصة السامري الذي فتن قوم موسى أريد أن أعرف القصة كاملة؟
ولكم جزيل الشكر وعظيم الأجر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسامري رجل من قوم موسى عليه السلام، وقيل من غيرهم واسمه: موسى بن ظفر، وقيل: ميخا، وبلدته كرمان، وقيل: باجرما.
وكان من خبر ما قصه الله تعالى من القرآن الكريم في سورة طه بقوله تعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) [طه:95-96] .
فقوله تعالى: (فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ) أي: ما شأنك، وما أمرك الذي دعاك إلى ما صنعت؟.
قال: (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي: علمت بما لم يعلموا: قال الزجاج: بَصُرَ الرجل يبصر إذا صار عليماً بالشيء، قال المفسرون: فقال له موسى وما ذاك؟ قالت: رأيت جبريل على فرس، فألقى في نفسي أن أقبض من أثرها (أثر الفرس) ، فقبضت قبضة، والقبضة الأخذ بجميع الكف أي من تربة موطئ جبريل عليه السلام، فنبذتها: أي قذفتها في العجل أي في صورة العجل المصاغ من الحُلي، وكذلك: وكما حدثتك (سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي: زينت وحسنت لي نفسي.
(قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) [طه:97] . أي: قال موسى عليه السلام اذهب من بيننا.
(فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ) أي: ما دمت حياً.
(أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ) أي: لا أمسُّ ولا أُمسّ، فصار السامري يهيم في البرية لا يمس أحداً، ولا يمسه أحد عاقبه الله بذلك، وألهمه أن يقول: (لا مِسَاسَ) . وكان إذا لقي أحداً يقول (لا مِسَاسَ) أي: لا تقربني، ولا تمسني، فكانت عقوبته الطرد، والنفي من المجتمع.
(وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ) أي: لعذابك موعداً هو يوم القيامة لن يتأخر عنك.
(وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ) أي: العجل.
(الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً) أي: أقمت عليه تعبده.
(لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) والنسف: التذرية، في اليم: في البحر.
وننبه هنا إلى أن هذه التفاصيل الواردة في قصة السامري من أخبار أهل الكتاب التي يجوز لنا الحديث بها، والاستئناس بها ما لم تخالف الكتاب أو السنة الصحيحة الصريحة أو العقل الصحيح.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1423(2/2907)
تفسير (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في القرآن الكريم آية " بسم الله الرحمن الرحيم* ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين" برجاء التكرم بتفسير مغزى الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللمفسرين في الإماتتين والإحياءتين في الآية أقوال:
الأول وهو أظهرها:
أن المراد بالإماتتين: أنهم كانوا نطفاً لا حياة لهم في أصلاب آبائهم، ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدنيا.
والمراد بالإحياءتين: أنه أحياهم الحياة الأولى في الدنيا ثم أحياهم الحياة الثانية عند البعث، ومثل هذه الآية، الآية التي في سورة البقرة: وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28] .
وهذا القول قول جمهور السلف.
الثاني: أن المعنى أماتهم هم في الدنيا عند انقضاء آجالهم، ثم أحياهم في القبور للسؤال، ثم أميتوا، ثم أحياهم في الآخرة.
الثالث: أنه استخرجهم من ظهر آدم وأحياهم وأخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ثم أحياهم في الدنيا ثم أماتهم.
وهم يقولون هذه المقولة وهم في النار فيجعلون هذا الاعتراف وسيلة لدعائهم ربهم أن يخرجهم من النار، ويعيدهم إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فيقولون: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [غافر:11] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1423(2/2908)
دروس مستفادة من قصة طالوت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الدروس المستفادة من قصة طالوت وجالوت مع بني إسرائيل من الآية 246 إلى الآية 250 من سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله سبحانه وتعالى قص علينا قصة طالوت في سورة البقرة من الآية (246-252) لنعتبر بها نحن المسلمين، ونستفيد مما يعرض لنا في حياتنا من مواقف بسبب قيامنا بإقامة الدين في هذه الحياة، ومن هذه الدروس المستفادة من القصة:
أولاً: شعور المؤمنين بأنهم أصحاب دين وعقيدة، وأن أعداءهم أهل ضلالة وكفر.. لذا طلبوا من نبيهم فتح الطريق أمامهم للجهاد في سبيل الله.
فلابد للمؤمن أن يعتقد أنه على الحق، وأن عدوه على الباطل، ولا بد أن يتجرد في حسه أن هذا التمايز بينه وبين عدوه هو لله وفي الله.
ثانياً: أن بعض المؤمنين يفور حماسهم للدين في الرخاء، فإذا جاء الصدق والأمر الصارم بالتمسك بالدين، والعمل الجاد للتمكين تولوا إلا قليلاً منهم.
وهذا يدل على أن الجماعة المسلمة التي لم تنضج تربيتها الإيمانية تفاجأ قيادتها بتفلتها من الطاعة، ونكوصها عن التكليف، وتوليها عن الحق البين.
فعلى العاملين للإسلام أن يدركوا أن هذه هي صفة أغلب البشر، فيكونوا منها على حذر، ويعدوا العدة كي لا تفاجئهم، ولم يستعدوا لها.
ثالثاً: بروز سمة من سمات بني إسرائيل، وهي مجادلتهم للحق بالباطل، حيث اعترضوا على أن يكون طالوت ملكاً عليهم، فأخذوا يجادلون في اختيار الله، ويستنكرون هذا الاختيار، وأنهم أحق بالملك منه فهو لم يكن من نسل الملوك ولا صاحب مال وغنى فيهم، فكل هذا مقدم عندهم على اصطفاء الله لهذا الرجل عليهم.
ولذا أخبرهم نبيهم بأن آية ملكه أن يأتيهم بالتابوت الذي فيه مخلفات أنبيائهم، والذي سلبه منهم أعداؤهم، يأتيهم بالتابوت بما فيه تحمله الملائكة، وهذه الآية دلالة على صدق اختيار الله طالوت، لأن نبيهم يعلم أن طبيعة بني إسرائيل لا ينفع معها إلا الخوارق الظاهرة، ولا يردهم إلى الثقة بنبيهم إلا المعجزات البينة.
رابعاً: أن طالوت بعثه الله ملكاً عليهم ليجاهدوا في سبيل الله، وكان من صفات هذا الملك بسطة العلم والجسم، فعلى المسلمين عند اختيار قيادتهم العسكرية أن لا يغفلوا هاتين الصفتين: العلم والدراية والقوة والبأس، لأن انعدامهما أو انعدام أحدهما في القائد العسكري يؤول عليه، وعلى جنده بالفشل.
خامساً: أن طالوت بعلمه الذي علمه الله يدرك الهزيمة النفسية الكامنة في نفوس القوم نتيجة هزائمهم المتكررة، وهو قادم بهم على جيش أمة غالبة، فلا بد أن يختبر قوة إرادتهم، وضبط نفوسهم عن الشهوات والنزوات، وتحملها للحرمان والمشقة.
يقول سيد قطب رحمه الله: فلا بد للقائد المختار إذن أن يبلو إرادة جيشه وصموده وصبره أولاً للرغبات والشهوات، وصبره ثانياً على الحرمان والمتاعب.
ولذا لم ينجح في الابتلاء من القوم إلا القليل إذ شرب معظمهم من النهر، ولذا كان من الخير أن ينفصل هؤلاء المنهزمون أمام شهواتهم عن الجيش حتى لا يكونوا عبئاً عليه، وبذرة خذلان فيه.
سادساً: أن الجهاد والقتال في سبيل الله لا يكفي فيه التربية الإيمانية العلمية وحدها، بل لا بد معها من تربية وإعداد عملي كما فعل طالوت.
سابعاً: أن القائد المحنك لا يهزه تخلف الأكثرية من جنده عند التجربة الأولى، بل عليه أن يمضي في طريقه، وإعداد جيشه مهما قل عدد جيشه، وكثر عدد جيش عدوه.
ثامناً: أن هذه القلة المؤمنة التي جاوزت معه النهر كانوا يعلمون كثرة العدو وقوته، لكنهم عندما رأوه رأي العين أحس بعضهم بالضعف، وفي مثل هذه الحالة لا يصمد إلا من اكتمل إيمانه واتصل قلبه بربه، وهنا برزت الفئة القليلة المتصلة بربها ذات الموازين الربانية قائلين: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249] .
تاسعاً: أن الجيوش ليست بالعدد والضخامة، ولكن بالقلب الصادق والإرادة الجازمة.
عاشراً: أن الفئة القليلة المؤمنة الصابرة تستمد قوتها من ربها، ولذلك لما برزوا لجالوت وجنوده: (قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:250] .
حادي عشر: أن الإيمان الصادق إذا التقى بالكفر الماحق كان الغلبة للمؤمنين، ولو بعد حين.
إلى غيرها من الدروس المستفادة من هذه القصة، وهي دروس لا يتسع المقام لذكرها جميعاً، ولكن نكتفي بما ذكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(2/2909)
تفسير قول الحق (ولكن الله يهدي من يشاء)
[السُّؤَالُ]
ـ[على من يعود الضمير في قوله تعالى: (إن الله يهدي من يشاء) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الضمير في كلمة (يَشَاءُ) يرجع إلى المولى تبارك وتعالى.
قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره للآية (56) من سورة القصص: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) قال: ولكن الله يهدي من يشاء أن يهديه من خلقه، بتوفيقه للإيمان بالله ورسوله.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يهدي من أحب هدايته، ولكنه جل وعلا هو الذي يهدي من يشاء هداه.
وننبه السائل إلى أن الآية لم ترد في القرآن بلفظ: (إن الله يهدي من يشاء) ولكنها وردت بلفظ: (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة:213] ، أو (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [القصص: 56] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(2/2910)
معنى قول الله (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قوله تعالى: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) ؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء:76] هو خاتمة الآية رقم 76 من سورة النساء المباركة، وقد قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: والمراد بكيد الشيطان تدبيره، وهو ما يظهر على أنصاره من الكيد للمسلمين، والتدبير لتأليب الناس عليهم. وأكد الجملة بمؤكدين: (إن) و (كان) الزائدة الدالة على تقرير وصف الضعف لكيد الشيطان.
وقال شيخ المفسرين ابن جرير: يعني بكيده: ما كاد به المؤمنين من تحزيبه أولياءه من الكفار بالله على رسوله وأوليائه أهل الإيمان به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(2/2911)
الحكمة من تقديم ذكر الموت في سورة الملك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من ذكر الله تعالى في سورة الملك للموت قبل الحياة في قوله تعالى:
" الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ... "
مع أن الحياة تكون قبل الموت؟ فما الحكمة من ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال أكثر المفسرين: إن تقديم الموت هنا إنما حصل لأن الموت أشد على النفوس وأعظم رهبة وأكثر زجراً، والمقام مقام وعظ وتذكير.
وقال بعضهم: الموت والحياة عبارة عن الدنيا والآخرة، سمى الدنيا موتاً لأن فيها الموت، وسمى تلك حياة لأنها لا موت فيها.
وقيل الموت: العدم السابق على كل حادث، كما يقال للشيء الدارس والمعدوم ميتا، لأن الموت والحياة معنيان يتعاقبان على الأجسام، فإذا وجد أحدهما فقد الآخر، وعلى هذا فيكون الموت هو العدم السابق لوجود الإنسان، مثل قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28] . أي كنتم معدومين قبل أن تخلقوا، دارسين قبل أن توجدوا، فأحياكم أي خلقكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(2/2912)
تفسير قول الله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية الكريمة: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ... " سورة لقمان]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في تفسير الآية عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: ابن مسعود رضي الله عنه: الغناء والله الذي لا إله إلا هو.. يرددها ثلاث مرات.
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وغيرهم في الآية مثل تفسير ابن مسعود رضي الله عنه.
وجاء عن الضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما أن لهو الحديث هو: الشرك.
واختار ابن جرير في تفسير هذه الآية: أنه كل كلام يصد عن آيات الله واتباع سبيله، وهو الصواب.
فالله سبحانه وتعالى توعد في هذه الآية كل من يشتري أو يسعى في أي كلام يصد به عن آيات الله واتباع سبيله، ويدخل في ذلك الشرك والغناء وغير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(2/2913)
معنى قوله تعالى (كونوا ربانيين)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تحديد النسل؟
ومن هم العلماء الربانيون وشكرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحكم تحديد النسل مبين في الجواب رقم:
636.
وأما العلماء الربانيون فهم الذين يحققون صفة الربانية في أنفسهم كما طلب الله منهم، حيث يقول سبحانه: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79] .
وقد اختلف أهل التفسير في أصل كلمة ربانيين.. فمنهم من قال: إنها من الرب. وعليه، فالأصل في مفرد ربانيين ربي فأدخلت عليها الألف للتفخيم ثم أدخلت النون لسكون الألف كما قيل: صفاني وبهراني.
وقيل إنها كلمة عبرانية أو سريانية بمعنى العالم، وقيل من الرب بمعنى التربية، وقد اختلف القائلون إنه من الرب بمعنى التربية في تفسيرها؟ فمنهم من قال الفقهاء العلماء، ومنهم من قال الحكماء العلماء، ومنهم من قال من يربون االمتعلمين بصغار العلم قبل كباره، وقيل هم الراسخون في العلم والدين، وقيل الذين جمعوا العلم والبصيرة بسياسة الناس، وهذا كله من اختلاف التنوع.
فالرباني هو: العالم العامل المعلم المتمسك بدين الله وطاعته، البصير في سياسة الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(2/2914)
البقرة التي أمر بنو إسرائيل بذبحها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد بالبقرة في قوله تعالى: (أن تذبحوا بقرة) هل المراد بالبقرة الأنثى من البقر؟ أو المراد هنا جنس البقر أي ذبح واحدة من جنس البقر ذكرا كان أو أنثى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت هذه القصة في سورة البقرة للموعظة والاعتبار، كما هو الحال بالنسبة لقصص القرآن، ولهذا تختم بالتعقيب عليها بمثل قوله تعالى: (كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 73] .
وسبب هذه الآية - كما ذكر المفسرون- أن رجلاً من بني إسرائيل كان له مال واستبطأ وارثه موته، فقتله ليرثه، وألقاه في حي آخر من أحيائهم وجعل يطلبه هو وجماعته، فوجدوه في الحي الذي رماه فيه القاتل فاتهموهم بقتله، وتعلقوا بهم فأنكروا قتله، فوقعت بينهم خصومة حتى كادوا يقتتلون، فقال بعضهم: نقتتل وفينا نبي الله موسى؟ فذهبوا إلى موسى عليه السلام فقصوا عليه القصة وسألوه البيان، فأوحى الله إليه: أن يذبحوا بقره فيضرب القتيل ببعضها، فيحيا ويخبر بقاتله فقال لهم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) [البقرة:67] .
والبقرة المأمور بذبحها هنا: هي البقرة المعروفة (أنثى البقر) .
وفي القصة من الدروس والعظات والعبر ما لا يخفى، ومن أهمها تعنت بني إسرائيل وتشددهم، كما قال ابن عباس: إنهم شددو على أنفسهم فشدد الله عليهم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم" رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والحاصل أن المأمور هنا هو بقرة بغض النظر عن المواصفات الأخرى، لكنهم تعمقوا في السؤال عن المواصفات والتدقيق، فشددوا فشدد الله عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(2/2915)
هل يمكن التوصل إلى علم (الذي عنده علم من الكتاب ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هل عندما يذكر القرآن الكريم "وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفك " علم يمكن يصل إليه الإنسان مع التقدم العلمي المتسارع أو أن ذلك من علم الله لن يؤتيه إلا لذلك العبد المذكور لا أدري أكان إنسيا أم جنيا، وقد سمعت من أحد ان ذلك العلم يسمى اللدني إن صحت الكتابة الإملائية وشكرا
جزاكم الله عنا خيرا والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأكثر المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو رجل صالح يقال له آصف بن برخيا، وكان صديقاً لسليمان عليه السلام.
وعلم الكتاب الذي عنده هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، وقد اختلفوا في هذا الاسم فقالت عائشة "يا حي يا قيوم" وقيل:"يا إلهنا وإله كل شيء، يا ذا الجلال والإكرام"
والأصح أن اسم الله الأعظم قد أخفاه في أسمائه الحسنى لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، كما أخفى ليلة القدر في رمضان، وساعة الإجابة في الجمعة، ووقت الإجابة يوم عرفة.
وإذا اعتبرنا أن علم الكتاب الذي عند آصف هو الدعاء باسم الله الأعظم فلا مانع من أن يطلع الله تعالى بعض عباده الصالحين على اسمه الأعظم وعلى خصائص بعض أسمائه الحسنى، وخاصة أنهم قالوا: إن آصف لم يكن نبياً، والعلم الذي عنده لم يكن مادياً حتى يتوصل إليه بالبحث والتجربة، وإنما كان من الكتاب. والصحيح من أقوال المفسرين أن ذلك الرجل كان إنسيا ويدل عليه سياق الآية.
وقد جاء في سورة الكهف في قصة سيدنا موسى والخضر عليهما السلام: أن الله تعالى علمه من لدنه علماً، قال تعالى: فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65] .
قال القرطبي: من علم الغيب، وكان الخضر عليه السلام عنده علم بمعرفة بواطن قد أوحيت إليه، والخضر عليه السلام نبي يوحى إليه، بدليل أنه قال لموسى: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82] .
وعلى هذا فلا يمكن الوصول إلى هذا النوع من العلم لأنه غيب ولا سبيل إليه إلا بالوحي من الله تعالى، وقد انقطع الوحي بعد نبيناً صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً*إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول [الجن:26-27] .
والخلاصة: أن العلم الذي وصل به آصف إلى الإتيان بعرش بلقيس إن كان بالدعاء وبأسماء الله تعالى وصفاته فلا مانع من الوصول إليه من بعض عباد الله الصالحين، والكرامة للأولياء ثابتة عند أهل السنة بالكتاب والسنة، أما إذا كان ذلك بالوحي فلا سبيل إليه لأن الوحي قد انقطع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(2/2916)
تفسير قوله تعالى (وقالت اليهود يد الله مغلولة ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم: أما بعد
إني أسأل عن معنى الآية: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة) ولكم كثير الشكر ونحن بإذن الله في انتظار الجواب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يقول الله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً [المائدة:64] . هذه الآية إخبار عن كفر اليهود وقولهم الكذب على الله تعالى، ومعناها فيما قاله ابن عباس وجماعة من المتأولين "التبخيل" أي أن الله بخيل، -تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً، ولعن الله اليهود بجميع أصناف اللعن- وسبب قول اليهود لهذه الجملة فيما قال بعض أهل العلم هو أنه لحق اليهود قحط وجهد، فقالوا هذه العبارة يعنون بها أن الله بخل عليهم بالرزق والتوسعة، وهذا المعنى يشبه ما في قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ [الإسراء:39] . فإنما المراد: لا تبخل.
وذكر الطبري والنقاش أن هذه الآية نزلت في منحاص اليهودي وأنه قالها، وقال الحسن بن أبي الحسن: قولهم"يد الله مغلولة" إنما يريدون عن عذابهم، وقال السدي: أرادوا بذلك أن يده مغلولة حتى يرد علينا ملكنا، قال ابن عطية فكأنهم عنوا أن قوته تعالى نقصت ولذلك غلبوا على ملكهم. وظاهر مذهب اليهود لعنهم الله في هذه زيادة على ما فيها من ذم الله أنهم مجسمون
وقوله تعالى"غلت أيديهم" أي في الآخرة. ويجوز أن يكون دعاء عليهم، وكذا لعنوا بما قالوا، وهكذا وقع لهم فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة ما ليس عند غيرهم من الأمم، وقوله تعالى"بل يداه مبسوطتان" أي بل هو الواسع الفضل الجزيل العطاء الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه في ليلنا ونهارنا وحضرنا وسفرنا وفي جميع أحوالنا.
وقوله تعالى"وليزيدن كثيراً" معناه أن ما آتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشياعهم، فكلما يزداد المؤمنون تصديقاً وعلماً نافعاً وعملا صالحاً يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغياناً وهو المبالغة والمجاوزة للحد في الكفر والتكذيب.
وقوله"وألقينا بينهم العداوه" أي لا تجتمع قلوبهم بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم بعضاً دائماً.
ومعنى" كلما أوقدوا ناراً للحرب" أنهم كلما عقدوا أسباباً يكيدونك بها وكلما أبرموا أموراً يحاربونك بها أبطلها الله ورد كيدهم عليهم، وحاق مكرهم السيء بهم.
ومعنى "ويسعون في الأرض فساداً" أي من سجيتهم أنهم دائماً يسعون في الإفساد في الأرض، والله لا يحب من هذه صفته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1423(2/2917)
تفسير قوله تعالى (كونوا قردة خاسئين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بما جاء في الآية الكريمة: "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا جزء من الآية الكريمة التي جاءت في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وهي قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة:65-66] .
وقصة اعتدائهم: أن الله عز وجل أمر موسى بيوم الجمعة وعرفه فضله، كما أمر بذلك سائر الأنبياء، فذكر ذلك موسى لبني إسرائيل وأمرهم بالعبادة والخشوع فيه، فتعدوه إلى يوم السبت، فأوحى الله إلى موسى أن يدعهم وما اختاروا، فامتحنهم فيه بترك العمل وحرم عليهم الصيد فيه.
فكانت الحيتان تخرج يوم السبت ولا تخرج الأيام الأخرى، فاحتالوا لها أول الأمر فحبسوها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، فنهتهم فرقة منهم عن هذا العمل فتمادوا، ومع مرور الوقت اصطادوها يوم السبت علانية فنهاهم المتقون منهم، ولكنهم رفضوا، وقالت فرقة أخرى (لم تنتهك الحرام) لم تعظون قوماً الله مهلكهم. فلما فعلوا المنكر علانية عاقبهم الله تعالى بالمسخ، فتحولوا إلى قردة خاسئين أذلة صاغرين.
قال المفسرون: ونجى الله تعالى الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأهلك بقيتهم بما فيهم الذين لم يرتكبوا المنكر، لكنهم يبعثون يوم القيامة على نياتهم، كما في حديث زينب بنت جحش في الصحيحين: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".
قال ابن عطية: كانت قرية يقال لها أيلية على شاطئ البحر، وقيل كان ذلك زمن داود.. وقصة أهل القرية ذكرت مفصلة في سورة الأعراف، حيث يقول الله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [الأعراف:163-166] .
وكونوا في قوله تعالى: كونوا قردة، كقوله تعالى لكل شيء كن فيكون، وخاسئين أذلاء حقيرين.
وخلد الله تعالى هذه القصة قرآناً يتلى ليتعظ بها من يأتي من بعدهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(2/2918)
تفسير قوله تعالى (ولو ترى إذ فزعوا ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو تفسير الآيات من سورة سبأ الآية 51 حتى الآية 54 وهل ستقع في الآخرة أم في الدنيا وإذا كان في الآخرة فما معنى قوله تعالى (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يقول تبارك وتعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ [سبأ:51] .
أي ولو ترى يا محمد إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة ولا مفر لهم، ولا ملجأ، بل يؤخذون لأول وهلة من مكان قريب من قبورهم التي بعثوا منها وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ أي يقولون يوم القيامة آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [سبأ:52] . التناوش: التناول، والمقصود هنا من الاستفهام هو استبعاد قبول الله إيمانهم في يوم القيامة، لأنها دار جزاء لا دار اختبار وابتلاء، والمقصود بالمكان البعيد هنا: الدنيا، لأنها الدار التي يقبل الله فيها الإيمان، وقد بعدت عنهم، فبعد معها إمكان قبول الله توبتهم، وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ [سبأ:53] أي كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة، وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل، وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [سبأ:53] أي يقولون تخميناً وظناً: لا بعث ولا جنة ولا نار، ويقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم: شاعر تارة وساحر تارة وكاهن تارة كل ذلك بمجرد الظن، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54] أي حيل بينهم وبين لذات الدنيا شهواتها، وحيل بينهم وبين التوبة إذ لا يقبلها الله بعد الموت، كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل [سبأ:54] أي كما فعل الله بالأمم السابقة لما كذبوا الرسل، إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ [سبأ:54] أي كانوا في الدنيا في شك وريبة، فلهذا لم يتقبل الله منهم الإيمان عند معاينة العذاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1423(2/2919)
تفسير قوله تعالى (أمن هو قانت آناء الليل ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالآية رقم 9 في سورة الزمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/61) : يقول الله عز وجل: أمَّن هذه صفته كمن أشرك بالله وجعل له أنداداً، لا يستوون عند الله.
وذكر في تفسير القانت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: القانت المطيع لله عز وجل ولرسوله، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: آناء الليل: جوف الليل، وقال الحسن وقتادة: آناء الليل: أوله، ووسطه، وآخره.
وقوله سبحانه: (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) أي: في حال عبادته خائف راجٍ، ولابد في العبادة من هذا وهذا، وأن يكون الخوف في مدة الحياة هو الغالب عليه.
ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذه الآية: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ ... ) قال: ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال ابن كثير: وإنما قال ابن عمر رضي الله عنهما ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بالليل وقراءته، والآية عامة في كل قانت.
وقوله سبحانه: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي: هل يستوي هذا والذي قبله ممن جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله.
وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) أي: إنما يعلم الفرق بين هذا، وهذا من له لب وهو العقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(2/2920)
المقصود بـ (اقرأ) أول كلمات الوحي المبارك
[السُّؤَالُ]
ـ[أول ما طلب جبريل من محمد بن عبد الله قال له اقرأ.
ماذا يقرأ محمد \صلى الله عليه وسلم\ هل ثمة رسالة أم مخطوطة يقرؤها أم ماذا نتصور أن يقرأ؟ وشكرا....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أن جبريل لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قال له: اقرأ
ولم تكن هناك صحيفة أمره بقراءتها، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أميًّا لا يقرأ السطور، ولكن المقصود بقوله: اقرأ مجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه، هكذا قال شراح الحديث.
أو أن المقصود قل هذه الكلمة وهي: اقرأ لأنها كانت أول كلمات سورة العلق وهي أول ما نزل من القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(2/2921)
تفيسر قوله تعالى: يد الله فوق أيديهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الآية "بسم الله الرحمن الرحيم" يد الله فوق ايديهم" صدق الله العظيم.
وهل لله يد حقا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] .
نزلت في الثناء على الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية على الجهاد في سيبل الله ومناجزة قريش، عندما بلغهم أن عثمان بن عفان قد قتلته قريش.
والقصة معروفة في كتب السير وكتب التفسير.
والبيعة هذه هي التي تعرف ببيعة الرضوان، لقوله سبحانه: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] .
وليس معنى الآية أن يد الله جل جلاله كانت فوق أيديهم، أي مماسة لهم -تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً- وإنما المعنى: هو أنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو رسول الله فبايعهم وعاهدهم وعاقدهم نيابة عن الله، كان الذين بايعوه صلى الله عليه وسلم قد بايعوا الله الذي أرسله وأمره ببيعتهم.
هذا وإن كان المقصود بالآية ما ذكرنا؛ إلا أننا نثبت بها صفة من صفات الله وهي اليد، لأن الله أضافها إليه ووصف بها نفسه، وقد دلت على هذه الصفة نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، ومن أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل.
وإثبات هذه الصفة وغيرها من الصفات الثابتة لا يلزم منه مماثلتها ومشابهتها لصفات المخلوقين، بل هي صفات ليست كصفات المخلوقين، وإنما صفات تليق بجلاله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1423(2/2922)
معنى قوله تعالى: (يا أخت هارون ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المقصود في الآية الكريمة رقم 28 من سورة مريم: (يا أخت هارون) الرجاء شرح الآية الكريمة؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) [مريم:28] ورد في تفسيرها أقوال نوجزها فيما يلي:
أولاً: قوله تعالى: (يَا أُخْتَ هَارُونَ) في تفسيرها أقوال:
- قيل هارون أخو موسى، والمراد: يا من كنا نظنها مثل هارون في العبادة كيف تأتين بمثل هذا.
- وقيل: كانت مريم من ولد هارون أخي موسى، فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده، كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللعربي يا أخا العرب.
- وقيل: كان لها أخ من أبيها اسمه هارون، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل.
والأقوال الثلاثة اتفقت على أمر وهو أن هارون رجل صالح ونسبت مريم
إليه، لما بينهما من التماثل في العبادة والخلق الحسن.
وثمة قول رابع: وهو أن هارون رجل فاجر في ذلك الزمان فنسبوها إليه على جهة التعيير والتوبيخ، لما رأوها حاملاً.
ثانياً: قوله تعالى: (مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً) والمعنى: ما كان أبوك ولا أمك أهلاً لهذه الفعلة، فكيف جئت بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1423(2/2923)
تفسير قوله تعالى: أتجعل فيها من يفسد فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم: سؤالي لكم يظهر غريبا بشكل من الأشكال ولكن اعذروني وهو: هل كان هناك من وجود لإنسي أوغيره على وجه الارض قبل أن يهبط عليها سيدنا آدم وحواء وإبليس الملعون؟ , وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد في تفسير قوله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30] عدة أقوال ذكرها الإمام الطبري ومنها: أن الملائكة علموا أن الإفساد في الأرض حادث بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن. قاله قتاده.
وقال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء، فبعث إليهم جنداً من الملائكة، فطردوهم إلى جزائر البحور، وعن ابن عباس نحوه انتهى.
وهذه الآثار الواردة عن بعض الصحابة لم يثبت رفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف.
ومن المعلوم أن طريق العلم بالغيب: الوحي، وما لم يرد به وحي فالكلام فيه خبط في عماية.
قال الإمام الطبري رحمه الله: وإنما تركنا القول بالذي رواه الضحاك عن ابن عباس ووافقه عليه الربيع بن أنس، وبالذي قاله ابن زيد في تأويل ذلك، لأنه لا خبر عندنا بالذي قالوه من وجه يقطع مجيئه العذر ويلزم سامعه به الحجة، والخبر عما مضى وما قد سلف لا يدرك علم صحته إلا بمجيئه مجيئاً يمتنع منه التشاغب والتواطؤ، ويستحيل منه الكذب والخطأ والسهو.
وعلى المسلم أن يحرص على السؤال الذي ينبني عليه عمل، ويستفيد منه في دنياه وآخرته، والعلم بوجود سكان على الأرض قبل آدم أو عدم وجودهم، لا ثمرة له. ولذا لم يخبرنا الله به ولم يتعبدنا بعلمه، والعلم به لا ينفع، والجهل به لا يضر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1423(2/2924)
تفسير قوله تعالى (ربنا أمتنا اثنتين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله تعالى "ربنا أمتَّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خير ما يفسَّر به القرآن القرآن نفسه، فقد ورد عن عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم في تفسير قوله تعالى: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [غافر:11] ، أنها كقوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28] ، ذكر هذا القول ابن كثير وقال: هو الصواب.
فعلى هذا، فالموتتان هما: كون الإنسان كان في عالم العدم فهذه موتة، والأخرى موتة الانتقال من دار الدنيا إلى الدار الآخرة، أما: الحياتان فهما الحياة الدنيا الفانية، والحياة الآخرة الباقية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2925)
تفسير قوله تعالى (كما أنزلنا على المقتسمين)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم المقتسمون في قوله تعالى "كما أنزلنا على المقتسمين،الذين جعلوا القرآن عضين "]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ*الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ... [الحجر:90-91] ، فقال عنه ابن كثير رحمه الله:"المقتسمين" المتحالفين على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم، كقوله تعالى عن قوم صالح: قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَه......، قال فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء من الدنيا إلا أقسموا عليه، فسموا مقتسمين.
وقوله سبحانه: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ذكر البخاري -رحمه الله- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: هم أهل الكتاب جزؤوه أجزاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
و"عضون" هنا جمع "عضة" وأصلها "عضو" حذفت لامها التي هي الواو وعوضت منها بهاء التأنيث في الأخير، ولها نظائر ذكرها أئمة النحو في ملحقات جمع المذكر السالم. وممن ذكرها ابن مالك في التسهيل والمطولون من شرح الألفية عند قول ابن مالك:
... وأرضون شذ والسنونا وبابه ألحق والأهلونا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1423(2/2926)
تفسير قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض)
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد فسرت الآية 34 من سورة النور: (الله نور السموات ... ) بنور يضيء مع جهلي بالتفسير فقالت لي صديقتي وهي من جماعة الأحباش كفرت بالله وارتددت فأعيدي النطق بالشهادتين فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى النور في اللغة: الضياء، ويجوز إطلاق النور على الله سبحانه وتعالى على طريقة المدح، ولكونه أوجد الأشياء المنورة، وأوجد أنوارها ونورها، فمعنى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [النور:35] : أنه سبحانه صيرهما منيرتين باستقامة أحوال أهلها، وكمال تدبيره عز وجل لمن فيهما، كما يقال: الملك نور البلد، هكذا قال: الحسن ومجاهد والأزهري والضحاك والقرطبي وابن عرفة وابن جرير
وغيرهم، واعتمده القرطبي وابن عطية وصديق حسن خان.
ولتعلم الأخت الكريمة أنه يحرم على المسلم أن يفسر كلام الله تعالى بدون علم، لأن تفسيره بدون علم قول على الله بدون علم، وقد قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33] .
ومع هذا، فإن ما صدر منك ليس بردة، وعليك أن تكفي في المستقبل عن تفسير القرآن بغير علم.
ولمعرفة طريقة الأحباش وما هم عليه من الضلال راجعي الفتوى رقم: 514.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1423(2/2927)
تفسير قوله تعالى (الله نزل أحسن الحديث..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في الآية 22-23من سورة الزمر"أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين* الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكرالله "]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننبهك أولاً على أنك إذا أردت بيان آية من القرآن أو الاستفسار عنها وأنت لا تحفظها فلا يجوز لك أن تقول: قال الله تعالى: كذا.. وتأتي بها بغير نظم القرآن، ولك أن تقول: الآية التي تشتمل على المعنى كذا وكذا.
ولذا فقد صححنا الآيتين المذكورتين في سؤالك، ومعناهما هو أن الله سبحانه أخبر عمن شرح قلبه لمعرفته والإقرار بوحدانيته والإذعان لربوبيته والخضوع لطاعته. فهو على نور من ربه، أي على بصيرة مما هو عليه ويقين بتنوير الحق في قلبه، فهو لذلك متبع لأمر الله ومنته عن ما نهاه عنه، فهل هذا يستوي مع من كان قلبه قاسياً لا يلين لذكر الله؟! ثم امتدح الله سبحانه كتابه المنزل على رسوله "القرآن العظيم" بقوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ [الزمر:23] ، يعني أن القرآن كله متشابه، فالآية منه تشبه الأخرى، والحرف يشبه الآخر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما "مثاني أي القرآن يشبه بعضه بعضاَ، ويرد بعضه على بعض". ثم انتقل السياق القرآني إلى صفة الأبرار والأخيار الذين تقشعر جلودهم وتخشع قلوبهم إذا سمعوا القرآن العظيم وما فيه من الوعد والوعيد والتخويف والتهديد، ثم تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله لما يرجون ويؤملون من رحمة الله ولطفه الذي وعد به عباده الصالحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1423(2/2928)
تفسير قوله تعالى (فمن ابتغى وراء ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية أؤلئك هم العادون..........
هل الاستمناء باليد أو الضغط على عضو الأنوثة حرام؟؟؟؟؟؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى في صفات المؤمنين المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون 5 - 7) .أي أن كلاً من المؤمنين والمؤمنات يحفظون فروجهم عن المحرمات كالزنا واللواط وغيره، إلا ما كان من الاستمتاع الشرعي بين الزوجين أو بين الرجل وملك يمينه، فمن قضى شهوته سالكا سبيلا غير واحد من هاتين السبيلين فقد اعتدى وتعدى على أمر الله تعالى، فيدخل في ذلك تحريم نكاح المتعة، لأن المنكوحة فيه ليست زوجة شرعا وكذلك الناكح، ويدخل فيه تحريم الاستمناء، لأنه من وراء ما ذكر، وكذلك تحريم اللواط، لأنه لا يحل فعله ولو كان بين الزوجين.
وكذلك الاستمناء فهو حرام. وتراجع الفتوى رقم:
5524
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(2/2929)
تفسير: (الرجال قوامون على النساء ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تشرح لي آية 34من سورة النساء (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم.....) أريد بعض الشرح خاصة على جزء واضربوهن؟ وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتفسير هذه الآية، وهي قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ......) (النساء:34)
إلى آخرها كالآتي:
جعل الله تبارك وتعالى القوامة للرجال على النساء: والقوامة هي قيام الرجل على المرأة وحمايتها والدفاع عنها ونحو ذلك، وقد منحه الله هذا الحق لسببين الأول: وهبي: وقد أشار الله إليه بقوله: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) وهذا التفضيل يكمن في كون الرجل أقوى عقلاً وأبعد نظراً وأحسن تدبيراً، خصوصاً عند مواجهة الملمات والطوارئ، ولذلك جعل الله في الرجال النبوة والخلافة والجهاد والعمل والكسب وغير ذلك.
والثاني: كسبي تكليفي: وهو نفقته على امرأته، وإليه أشار الله بقوله: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ولذلك لو ترك الرجل النفقة سلب القوامة، وفرق بينه وبين زوجته.
ثم ذكر الله تعالى في هذه الآية الصفة التي يجب أن تكون عليها المرأة المسلمة فقال: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) (النساء: 34) أي مطيعات لأزواجهن حافظات لأنفسهن وحقوق أزواجهن وأموالهم عند غيابهم عنهن، وهذا الحفظ من المرأة الصالحة بسبب إعانة الله تعالى وتسديده لها على ذلك، وهذا معنى قوله: (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) .
ثم ذكر صفة المرأة الفاسدة فقال سبحانه: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء:34) ، والنشوز هو عصيان المرأة لزوجها وترفعها عن طاعته في المعروف وقد أرشد الله الأزواج في علاج ذلك إلى اتباع خطوات وهي:
1- الوعظ: فقال سبحانه: (فَعِظُوهُنَّ) ، والوعظ هو التذكير بالله تعالى والتخويف من عقابه وسخطه لعل الزوجة تتوب إلى الله من عصيانها، وتقوم بحقوق زوجها فإن استمرت على نشوزها انتقل معها إلى المرحلة الثانية وهي:
2- الهجر في المضجع: وهو ألا يضاجعها ولا يجامعها بل يوليها ظهره في الفراش، فإن استمرت على نشوزها انتقل معها إلى المرحلة الثالثة وهي:
3- الضرب غير المبرح وهو الذي لا يكسر عظماً، ولا يشين جارحة، ولا يذهب منفعة كالبصر ونحوه، وضرب الزوجة الناشز من مقتضى القوامة، ولا يحل للزوج ضرب زوجته إلا إذا نشزت، ولذلك قال تعالى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) (النساء:34) وجعله آخر شيء يقوم به الزوج لعلاج نشوز زوجته.
وفي حالة عدم نفعه فإن الأمر يرفع إلى القاضي ينظر في القضية أويبعث حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهل الزوجة لينظرا في القضية ويحكما بالجمع أو التفريق بينهما. وهذا معنى قوله تعالى في الآية التي جاءت بعد الآية التي شرحناها: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) (النساء:35) وخص الله تعالى في البعث من هو من أهلهما لأنهما أعلم بهما وأخبر من غيرهما.
وننبه هنا إلى أمرين:
الأول: أن كون الرجل أعقل من المرأة وأقدر على القيام بالأمور، إنما هو على سبيل الإجمال وغالب الأحوال، وإلا فكم من امرأة أقدر من كثير من الرجال، وأوفر عقلاً وأحسن تدبيراً وأشد ذكاء، ولكن أحكام الشرع مبنية على الغالب.
الثاني: أن ما أذن فيه الشرع من ضرب المرأة الناشز أذن فيه بضوابط وفي حدود غاية في الصعوبة، مما يجعل اللجوء إليه أمراً غاية في الندور، يكفي فيه أن نسبة الأزواج الذين يضربون زوجاتهن أكثر بكثير في المجتمعات الغربية منها في المجتمعات الإسلامية هذا على وفق إحصائيات نشرت من جهات مختلفة. وليس من العدل بحال من الأحوال أن تحسب أخطاء هؤلاء على الإسلام، وهذا يدل على أن من يحاول أن يشكك في عدالة الإسلام في هذا الباب إنما هو صاحب ساحب قصده سيء يحاول أن يصطاد في المياه العكرة. والله له بالمرصاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1423(2/2930)
تفسير قوله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فسر الآية الكريمة: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) صدق الله العظيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) [النحل:126] .
قال الشوكاني رحمه الله في (فتح القدير) عند كلامه على هذه الآية: (وإن عاقبتم) أي أردتم المعاقبة (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) أي بمثل ما فعل بكم لا تجاوزوا ذلك. قال ابن جرير: أنزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة أن لا ينال من ظالمه -إذا تمكن- إلا مثل ظلامته لا يتعداها إلى غيرها وهذا صواب، لأن الآية -وإن قيل إن لها سبباً خاصاً كما سيأتي- فالاعتبار بعموم اللفظ، وعمومه يؤدي هذا المعنى الذي ذكره، وسمى -سبحانه- الفعل الأول الذي هو فعل البادي بالشر عقوبة، مع أن العقوبة ليست إلا فعل الثاني -وهو المجازي- للمشاكلة، وهي باب معروف وقع في كثير من الكتاب العزيز. ثم حث سبحانه على العفو، فقال: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) [النحل:126] أي: لئن صبرتم عن المعاقبة بالمثل، فالصبر خير لكم من الانتصاف، ووضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون على الشدائد، وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية محكمة لأنها واردة في الصبر عن المعاقبة، والثناء على الصابرين على العمومز وقيل هي منسوخة بآية القتال، ولا وجه لذلك. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1423(2/2931)
وجه الفرق بين قوله تعالى (فلهم أجر) وقوله (لهم أجر)
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية 6 في سورة التين: (إلا الذين آمنو وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) ، بينما الآية 25 في سورة
الانشقاق (إلا الذين آمنو وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) . فلهم ... ولهم حرف (ف) ما تأثيرها في المعنى؟ مع جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أكثر أهل العلم على أن الاستثناء في سورة الانشقاق في قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) استثناء منقطع.
وعليه؛ فلم ترد الفاء لأنه لا محل لها، والاستثناء المنقطع هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه. قال الإمام القرطبي في تفسير الآية: ( ... استثناء منقطع، كأنه قال: لكن الذين صدقوا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وعملوا الصالحات، أي أدوا الفرائض المفروضة عليهم لهم أجر أي ثواب غير ممنون..) بخلاف الاستثناء في سورة التين فهو اتثناء متصل، ولذا ورد ذكر الفاء في قوله تعالى: (فلهم) وهذا قول أكثر أهل العلم كما ذكرنا، وفي المسالة خلاف يرجع إليه في مكانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1423(2/2932)
معاني كلمة (الأحزاب) في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الأحزاب في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأحزاب جمع حزب، والتحزب لغة هو: التجمع، سواء كان تجمعاً على حق أم كان تجمعاً على باطل، وسواء كان اجتماع أبدان أم كان اجتماع أفكار.
وقدر ورد استعمال هذه الكلمة في القرآن على معان منها:
الأول: القوم المجتمعون على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، قال تعالى: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) [الأحزاب:22] .
الثاني: المجتمعون على الباطل واتباع منهج الشيطان، قال تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة:19] .
الثالث: المجتمعون على اتباع منهج الحق من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان، قال تعالى: (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة:22] .
الرابع: الأمم الكافرة التي سبقت أمة الإسلام، وهي الأمم التي كذبت الرسل، قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ) [صّ:12-13] .
وقد ورد كذلك إطلاق كلمة حزب على نصف الجزء من القرآن، فعلى هذا يكون القرآن مشتملاً على ستين حزباً، وهذا التقسيم تقسيم اصطلاحي وهو أكثر شيوعاً في بلاد الغرب الإسلامي: ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وما جاورها من الدول الأفريقية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1423(2/2933)
تفسير قوله تعالى (المال والبنون زينة الحياة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحتم الإجابة على سؤالي المتعلق بتفسير الآية الكريمة في سورة الكهف قال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) هل المقصود هنا بالبنين الذكور فقط أم الإناث؟ وما هو منطلق التربية الإسلامية في المساواة بين الرجل والمرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:46] .
والبنون في لغة العرب هم الأولاد الذكور خاصة، قال تعالى: (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) [الطور:39] . وقال سبحانه: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) [الصافات:149] .
والاغتباط بالمال والبنين شنشنة معروفة في العرب، قال شاعرهم:
فلو شاء ربي كنت قيس بن عاصم ... ... ... ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي بنون كرام سادة لمسود
وقد جاء هذا المعنى في قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران:14] . قال بعض أهل التفسير: خص البنين دون البنات لعدم الاطراد في محبتهن ...
والأصل في الشريعة الإسلامية هو تسوية المرأة بالرجل في الأحكام إلا أن هناك بعض الأحكام خاصة بالمرأة وأخرى خاصة بالرجل، ولا يتسع المقام لذكر ذلك.
كما أن لكل من المرأة والرجل وظائف وتخصصات تتناسب مع ما جبل عليه كل واحد منهما من الخصال، فالرجل بطبعه شديد وقوي، فيصلح للجهاد وطلب المعيشة ونحو ذلك، والمرأة بطبعها ضعيفة رقيقة، فتصلح لتربية الأولاد وإعداد الأجيال وإعطائهم العطف والحنان، وتصلح لتدبير شؤون البيت ونحو ذلك، وهذا هو الغالب في الجنسين، ولا يقدح في ذلك أن من النساء من هي أقوى وأشجع من بعض الرجال، وأن من الرجال من هو أضعف من بعض النساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(2/2934)
تفسير قوله تعالى (إنما النسيء زيادة في الكفر)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أسأل عن معنى النسيء في قوله تعالى: (إنما النسيء زيادة في الكفر) ؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية بتمامها هي: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [التوبة:37] .
أما عن معنى (النَّسِيءُ) المذكور في الآية، فقال الشوكاني في (فتح القدير 2/459) : كانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم، فإذا احتاجوا إلى القتال فيها قاتلوا فيها وحرموا غيرها، فإذا قاتلوا في المحرم حرموا بدله شهر صفر، وهكذا في غيره، وكان الذي يحملهم على هذا أن كثيراً منهم إنما كانوا يعيشون بالغارة على بعضهم البعض ... وكان الأشهر الثلاثة المسرودة يضر بهم تواليها، وتشتد حاجتهم وتعظم فاقتهم، فيحللون بعضها ويحرمون مكانه بقدره من غير الأشهر الحرم، فهذا هو معنى (النَّسِيءُ) الذي كانوا يفعلونه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1423(2/2935)
تأويل قوله تعالى (لا يحل لك النساء ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا القول:
الرسول صلى الله عليه وسلم محرم لجميع نساء الأمة؟ بدليل قول الله تعالى "لا يحل لك النساء من بعد.." أرجو الإجابة بتفصيل ووضوح وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا القول غير صحيح، ولم يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة، ولم يقل به أحد من أهل العلم فيما نعلم.
أما قوله تعالى (لا يحل لك النساء من بعد ... ) فإن هذه الآية تتحدث عن الحرمة لا عن المحرمية، وقد اختلف أهل التأويل فيها على أقوال منها: -
أولاً: قول ابن عباس رضي الله عنهما أن المعنى: لا يحل لك النساء من بعد من عندك منهن، اللواتي اخترنك على الدنيا، فقصر صلى الله عليه وسلم عليهن من أجل اختيارهن له إكراماً لهن.
ثانياً: قول أبي بن كعب أن معنى الآية: لا يحل لك النساء من بعد ما أحللنا لك في الآية المتقدمة وهي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ ... ) [الأحزاب:50] .
ثالثاً: قول سعيد بن المسيب وعكرمة ومجاهد: لا يحل لك نكاح غير المسلمات.
ثم اختلف أهل العلم في قوله تعالى (لا يحل لك النساء ... ) هل هي محكمة أو منسوخة؟ وممن ذهب إلى أنها منسوخة عائشة وعلي بن أبي طالب وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك. وقد اختلف من قال بالنسخ في الناسخ ما هو؟ فقال بعضهم: الناسخ هو حديث عائشة رضي الله عنها "ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء" رواه أحمد والترمذي والنسائي، فمثل هذا لا يقال بالرأي؛ بل حكاية من عائشة رضي الله عنها لما علمته من النبي صلي الله عليه وسلم فهو في معنى المرفوع، ولهذا صح لأن يسمى ناسخاً.
وقال بعضهم الناسخ هو قوله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) [الأحزاب:51] ، قال النحاس [في القول بالنسخ] : وهذا -والله أعلم- أولى ما قيل في الآية، وانظر الفتوى رقم:
14075
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1423(2/2936)
القرآن فيه من النذر ما يغني عن ربط آية التوبة بحادث سبتمبر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد انتشر تفسير الآية رقم 109 من سورة التوبة يقولون فيها إنها كانت تقول لنا الذي سيحدث في أمريكا 9 /11/2001 حيث قيل إن السورة رقمها 9 والآية توجد في الجزء الحادي عشر وإذا قمنا بعد الأحرف المكونة للسورة نجدها 2001حرف ويوجد بالآية كلمة (جرف هار) وهو اسم الشارع الذي انهار فيه البرج فهل هذا التفسير صحيح؟ لأنني كنت قد قرأت أن جرف هار تعني مكان يقترب من السقوط.
أرجو الإفادة لأنه قد طلب منا نشر هذا التفسير حتى نوضح للمشركين قدرة الله سبحانه وتعالى وأنه على علم بكل شيء قبل حدوثه بآلاف السنين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أن تبين للكفار قدرة الله عز وجل من خلال الآيات التي تكلم الله عز وجل بها عن نفسه وملكه، وتدبيره للعالم العلوي والسفلي، وتسخيره للشمس والقمر وسائر الكواكب، ونحو ذلك من الآيات التي تتكلم عن ربوبية الله عز وجل بأقوى حجة وأحسن أسلوب.
ويمكن أيضاً الاستعانة ببعض الآيات التي لها دلالات عامة على انتقام الله عز وجل من الكفار والملحدين والمنافقين، كقوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:44-45] .
وكقوله: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [الرعد:31] .
وكقوله: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [القلم:44-45] .
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: "إن الله لَيُمْلي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته". ونحو هذا مما فيه الكفاية والغنية لمن وقفه الله.
وقد سبقت الإجابة عن هذا برقم: 13034.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1423(2/2937)
تفسير (ولا يبدين زينتهن إلا ... ) والحكمة من ذكر كلمة زينة
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية الكريمة: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ... )
ا- ماالحكمة من ذكر كلمة (زينة) لغويا وليس كلمة أقرب للجسد؟
ب- لم يذكر الوجه والكفين مباشرة!
وأسلوب الآية الذي فيه إسهاب يفيد في الجملة تغطية الوجه والكفين، ما فائدته ...
ج- من جهة لغوية كلمة (يضربن) هل تفيد الإسدال أم التثبيت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في قوله تعالى: (إلا ما ظهر منها) فقالت طائفة: هي ما يظهر من ثياب الزينة عند المشي أو مزاولة العمل ونحو ذلك دون أن تتقصد المرأة إظهاره، لذلك عبر بلفظ (إلا ما ظهر منها) المشعر بعدم قصدها في إظهاره.
وأما الوجه والكفان فيجب سترهما، بدليل قوله تعالى في نفس الآية: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) وبأدلة أخرى أيضاً، والفائدة من ذلك ستر المرأة لعورتها وحفظها عن نظر الرجال الأجانب، وخصوصاً الذين في قلوبهم مرض لأنهم يؤذونها، كما قال الله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً) [الأحزاب: 59] .
وقالت طائفة أخرى: هي الوجه والكفان والخلخال والكحل ونحو ذلك فلا يجب على المرأة سترها إلا إذا خشيت الفتنة فيجب، وأما قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) فهو على سبيل الندب لا الإيجاب، ما لم تخش الفتنة فيجب كما سبق.
والحكمة من ذكر لفظ زينة دون لفظ (ما يلي الجسد) أنه ليس كل ما يلي الجسد من الثياب زينة يجب ستره.
وللضرب في اللغة معان كثيرة منها: السدل والإلقاء والإرخاء، ومعناه في هذه الآية سدل الخمار وتمكينه بحيث لا يظهر شيء من ورائه كالعنق والنحر، وذلك لأن نساء الجاهلية كانت جيوبهن من قدام واسعة فكانت تنكشف نحورهن وقلائدهن، فأمر الله المؤمنات بإحكام إلقاء خمرهن على جيوبهن، وأحسن لفظ يدل على ذلك هو الضرب -كما قاله بعض العلماء- لأنه يدل على الإسدال مع التثبيت والإحكام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1423(2/2938)
معنى قوله تعالى (يوم التغابن)
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى كلمة التغابن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.... أما بعد:
فالتغابن هو أن يغبن القوم بعضهم بعضا، ومنه قيل: يوم التغابن ليوم القيامة، كما قال ابن عباس، وذلك أن أهل الجنة يغبنون أهل النار، قال مقاتل بن حيان: لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة، ويذهب بأولئك إلى النار.
قال: القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: وسمي يوم القيامة بيوم التغابن لأنه يغبن فيه أهل الجنة أهل النار، أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة، وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة، فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير بالشر، والجيد بالرديء، والنعيم بالعذاب، يقال: غبنت فلانا، إذا بايعته أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة لك، وكذا أهل الجنة وأهل النار ... إلى أخر كلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1423(2/2939)
هل توجد إشارة إلى القطن في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد كلمة في القرآن معناها أو تفسيرها هو القطن؟
أرجو التكرم بالإجابة
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم كلمة وردت في القرآن الكريم وفسرت بأنها القطن، وعلل ذلك القرطبي بقوله: أذن الله سبحانه بالانتفاع بصوف الغنم، ووبر الإبل، وشعر المعز، كما أذن في الأعظم وهو: ذبحها وأكل لحومها، ولم يذكر القطن والكتان، لأنه لم يكن في بلاد العرب المخاطبين به، وإنما عدد عليهم ما أنعم به عليهم، وخوطبوا فيما عرفوا بما فهموا، وما قام مقام هذه وناب منابها فيدخل في الاستعمال والنعمة مدخلها.
وقيل: إن ترك ذكر القطن والكتان إنما كان إعراضاً عن الترف، إذ ملبس عباد الله الصالحين إنما هو الصوف، وهذا فيه نظر، فإنه سبحانه وتعالى يقول: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ) [الأعراف:26] .
وقال هنا: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ) [النحل:81] .
فأشار إلى القطن والكتان في لفظة سرابيل. والله أعلم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1423(2/2940)
إشارات في القرآن الكريم حول وجود عوالم أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد آية في القرآن الكريم عن وجود عوالم مختلفة غير الأرض وهل يقصد بهذه العوالم عالم الجن والشياطين أم حياة عاقلة على كواكب أخرى ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيوجد بعض الآيات التي ذكر بعض المتأخرين من أهل العلم أنها أشارت إلى وجود عوالم أخرى على كواكب أخرى غير عالم الجن والإنس والملائكة. منها قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) [الشورى:29] فقالوا: إن قوله تعالى: وما بث فيهما من دابة ... يشير إلى وجود دواب في السماوات والأرض. والسماء في لغة العرب معناها العلو فهي من سما يسمو إذا علا فكل ما علا الإنسان فهو سماء، وبالتالي فالكواكب يقال لها سماء. وقالوا: إن لفظ (دابة) يدل على أنها مخلوقات غير الملائكة لأن الله عز وجل فرق بين الدواب والملائكة في الذكر في قوله: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُون) [النحل:49] فذكر دواب السماوات ودواب الأرض ثم أخر ذكر الملائكة، وبمثل هذه الآيات ذكر بعض أهل العلم أنه لا مانع من أن تكون هذه إشارة إلى وجود عوالم أخرى. ولكن لا ينبغي القطع بمثل هذا، لأن مثل هذه الآيات تحتمل أكثر من وجه من التأويل خصوصاً أن تفاسير المتقدمين من أهل العلم التي عليها المعول بالجملة لم تذكر فيها هذه الإشارة -على ما نعلم- بل الذي ذكره ابن جرير -رحمه الله- وغير واحد عن مجاهد بن جبر الذي قيل فيه: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، أنه قال في قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) [الشورى:29] قال: الناس والملائكة. وهذا رواه عنه الإمام ابن جرير الطبري بإسناده الذي في التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(2/2941)
معنى كلمة (لدا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (قوما لدا) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معنى (لداً) من قوله تعالى (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً) . [مريم:97]
أقول -معناه- عوجاً عن الحق مائلين إلى الباطل، قاله أبو صالح. وقال مجاهد: قوماً لداً لا يستقيمون، وقال الضحاك: الألد الخصم، وقال القرطبي: الألد الكذاب، وقال الحسن: لداً أي صماً، وقال ابن عباس: قوماً لداً أي فجاراً. وهناك أقوال أخرى راجعها في كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(2/2942)
تفسير قوله تعالى: (ويمنعون الماعون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو تفسير الآية الكريمة: (ويمنعون الماعون) في سورة الماعون؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في معنى (الماعون) المذكور في قوله تعالى: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون:7] على أقوال كثيرة:
- فقال بعضهم هي: الزكاة.
- وقال آخرون: هو اسم لمنافع البيت، كالفأس والقدر وما شابهه، وهو قول الأكثر.
- وقال آخرون: هي العارية.
- وقال آخرون: هو المعروف كله.
- وقال آخرون: هو الماء.
وقيل غير ذلك، وراجع لذلك كتب التفسير، وعلى سبيل المثال تفسير القرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1423(2/2943)
تفسير قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قول الله تعالى:؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى ينهانا - في هذه الآية - أن نتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أي لا تتخذوا الكفار بطانة وأنصاراً توالونهم على دينكم وتظاهرونهم على المسلمين وتدلونهم على عوراتهم، كما يفعل المنافقون.
وموالاة الكفار لها صور شتى، فمنها: تكريمهم وإعزازهم ومناصرتهم والتطلف معهم، وأخبر سبحانه أن من يفعل شيئاً من ذلك، فإنه ليس من الله في شيء، أي أنه سبحانه بريء منه، والعياذ بالله.
واستثنى الله سبحانه من ذلك حالة ما إذا كان المسلم في بلاد الكفار، وخاف على نفسه إذا لم يظهر لهم شيئاً من الولاء والمداراة، أو أكرهوه على فعل أو قول بعض الأشياء التي فيها ولاء لهم.
ففي هذه الحالة لا حرج عليه، وهذا هو معنى قوله سبحانه: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) [آل عمران:28] .
وهو مثل قوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ ... ) [النحل:106] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1423(2/2944)
معنى قوله تعالى: # (إني جاعل في الأرض خليفة) ##
[السُّؤَالُ]
ـ[1-قال سبحانه وتعالى فى سورة البقرة الآية30 بسم الله الرحمن الرحيم (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة........إلى آخر الآية) صدق الله العظيم
هل الآية الكريمة تدل على أن الله جعل آدم ((عليه سلام)) خليفة عن نوع آخر كان فى الأرض فذهب الله تعالى بهم بعد أن أفسدوا وسفكوا الدماء؟
أم أن الله تعالى جعل آدم خليفة في الأرض لأول مرة؟ أو هل يعتبر آدم أول إنسان نزل في الأرض
نرجو منكم التوضيح. جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للمفسرين في معنى قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) أقوالاً:
-فقيل: إن معنى خليفة أي عن الجن الذين كانوا في الأرض، فطردتهم الملائكة لما أفسدوا.
-وقيل: إن معنى خليفة أي يخلف بعضهم بعضاً.
-وقيل: إن معنى خليفة أي عن الملائكة.
-وقيل: غير ذلك.
ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم:
1099
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1423(2/2945)
العلة في عدم تفسير الرسول عليه الصلاة والسلام القرآن كله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فسر القرآن كله في عصر النبي عليه الصلاة والسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن لم يفسر كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فسر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات التي أشكلت عليهم، وسبب عدم تفسيره كاملاً في عهده صلى الله عليه وسلم أن الصحابة كانوا عرباً أقحاحاً، والقرآن نزل بلغتهم فلم يحتاجوا إلى تفسير لفهمه، وإنما فسر القرآن كاملاً لما تأخر الزمن، واختلطت اللغات نتيجة للفتوحات الإسلامية، من هنا احتاج الناس إلى معرفة كثير من معانيه، فكتب العلماء كتب التفسير للقرآن آية آية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1423(2/2946)
تفسير ورد شبهة حول قول الله (فإذا انسلخ الأشهر الحرم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن في أمريكا أحد أصدقائي الأمريكيين سألني عن الآية رقم: 5 في سورة التوبة (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم..) فقال: هذه الآية تناقض الشعارات التي ترفعها دائماً:
1-أن الإسلام دين السلام 2-وأنه لا يجبر عليه. وقد راجعت عدة من التفاسير: تفسير الطبري، وثبت أن الآية عامة، ووجدت في الفتوى على الموقع إسلام أن لاين من الدكتور عبد العظيم أن الآية خاصة بالمشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهل تشرحون لي هذا الموضوع مفصلاً حتى أجيب صديقي.
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية عامة في كل زمان ومكان، ومن قال إنها خاصة بالمشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ، وقال ما لا دليل له عليه، وخالف واقع المسلمين على مر التاريخ، فإن المسلمين كانوا -كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم- إذا أتوا إلى أهل أي بلاد كافرة عرضوا عليهم الإسلام وشرحوه لهم، فإن أسلموا فقد اهتدوا، ولهم ما للسلمين وعليهم ما عليهم، وإن أبوا أن يسلموا فلا إكراه في الدين، فيعرضون عليهم بعد ذلك الجزية، ثم يعيشون في ظل دولة الإسلام على دينهم سالمين؛ بل يجب على المسلمين حمايتهم كما يحمون أنفسهم، فإن أبوا أن يدفعوا الجزية فليس إلا السيف والقتال، حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
وعرض الجزية ليس خاصاً بأهل الكتاب، بل يشمل كل الكفار على الراجح من أقوال العلماء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وهم وثنيون وليسوا أهل كتاب.
أما قول صاحبك: إن دين الإسلام دين السلام فهو صحيح، ولكنه دين السلام لمن يريد السلام، أما من لا يريد السلام ووقف في وجه الإسلام فليس أهلاً للسلام.
وننصح الأخ بأن لا يجادل في شيء لا يعلمه حتى لا تعلق في ذهنه الشبهات التي يطرحها المجادل، ولكن يمكن أن تعطيه بعض الكتب التي تتحدث عن الإسلام وتشرحه، وتعرض محاسنه، وتدحض الشبهات حوله، وهي كثيرة ولله الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1423(2/2947)
معنى # (لا يمسه إلا المطهرون) ##
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما حكم مس المصحف الشريف دون وضوء أصغر
هل المقصود من الطهارة في القرآن الكريم هي الوضوء الأصغر
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لغير المتوضئ أن يمس المصحف الشريف على الراجح من أقوال أهل العلم، كما بيناه في الفتاوى التالية أرقامها:
12540 8599 1635
وبمراجعة هذه الفتاوى ستعلم أن المقصود من الطهارة في قول الله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر بالوضوء والاغتسال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1423(2/2948)
معنى (المشعر الحرام)
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل المشعر الحرام هو مزدلفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للعلماء أقوالاً مختلفة في المقصود بالمشعر الحرام:
فقال بعضهم: هو نفس مزدلفة. وانظر تفسير القرطبي عند قوله تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) [البقرة:198]
وقال بعضهم: هو جبل في مزدلفة يقال له قزح.
وقيل: هو ما بين جبلي مزدلفة من مازمي عرفة إلى وادي محسر.
وانظر تفسير الشوكاني للآية السابقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1423(2/2949)
حقيقة سؤال إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيي الموتى)
[السُّؤَالُ]
ـ[إن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد طلب من الله أن يريه كيف يحي الموتى فقال له جل وعلا: (أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)
وهو النبي؛ فما بالنا نحن ألا نطلب من الله مثل ما طلبه سيدنا إبراهيم عليه السلام؛
أخيرا أرجوا ألا أكون قد أطلت عليكم أو أن أكون قد وقعت في محظور.
ولسيادتكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن إبراهيم عليه السلام لم يشك في قدرة الله على إحياء الموتى، وذلك لأنه قرر في الآيات التي قبلها إيمانه بهذه الحقيقة، حينما قال للنمرود: (ربي الذي يحي ويميت) [البقرة:258] ولأن الشك يبعد وقوعه عمن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ رتبة النبوة، ودخل النار راضياً محافظة على دينه؟! وكذلك نجد أن سؤال إبراهيم وقع بكيف؟ فدل على حال شيء موجود مقرر عند السائل والمسؤول، فكان السؤال عن هيئة الإحياء لا عن ذات الأحياء، وكأن سيدنا إبراهيم أراد أن يترقى في هذا المقام من علم اليقين إلى عين اليقين، بدليل قوله: (ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزداد سكوناً بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب، لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي" رواه البخاري، أي إذا كان الشك متطرقاً إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أنه لم يشك، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعاً، وقبل أن يُعلم أنه أفضل الأنبياء. وقد ذكرنا لك ذلك لتعلم حقيقة سؤال إبراهيم، قال القرطبي: (والفكر في صورة الإحياء غير محظور، كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها، إذ هي فكر فيها عبر، فأراد الخليل أن يعاين، فيذهب فكره في صورة الإحياء) اهـ
وليُعلم أن سؤال الله تعالى آية من الآيات مشروع لآحاد الناس كما هو مشروع للأنبياء، سواء كان ذلك طلباً لزيادة الإيمان، أو لدعوة الناس للإسلام.
وقد وقع مثل هذا من غلام الأخدود، كما روى قصته مسلم في صحيحه، وفيها: "…فبينما هو كذلك، إذ أتى على دابة عظيمة، قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة، حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها فمضى الناس"
ووقع كذلك للطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه أنه لما أسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية، تكون لي عوناً فيما أدعوهم إليه، فقال: "اللهم اجعل له آية" قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال: فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراقي دينهم، فتحولت في رأس سوطي" انظر أسد الغابة 3/78 وذكرها ابن حجر في الفتح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1422(2/2950)
تفسير الآيات: 49-51 من سورة الأحزاب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هو تفسير الآية 50 من سورة الأحزاب؟
شكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهناك ترابط بين معنى آية (51) من سورة الأحزاب، وبين الآية التي قبلها، والآية التي بعدها، ولذلك فلا يتضح معناها وتتجلى الحكمة فيها إلا بتفسيرها مع ما قبلها وما بعدها، ولذلك سنشرح الآيات الثلاث كلها بإيجاز متوكلين على الله ومستعينين به، ثم بكتب تفسير القرآن الكريم، كتفسير ابن جرير، وابن كثير، والقرطبي، وغيرهم.
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) [الأحزاب:50] .
أي: أحللنا لك أزواجك الكائنات عندك، لأنهن قد اخترنك على الدنيا وزينتها، وآثرن الحياة معك على ضيق في المطعم والمسكن، لأن الله تعالى قال لنبيه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب:28-29] . فاخترن البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) أي: مهورهن، وكان مهر نساء النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة أوقية ونصف ذهباً وهي تساوي خمسمائة درهم من الفضة، مع أنه يجوز له أن يتزوج بدون مهر كما سيأتي، وذكر المهر على سبيل الأفضلية.
وقوله: (وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ) [الأحزاب:50] أي: السراري اللتي دخلن في ملكك بالغنيمة، وليس المراد بهذا القيد إخراج ما ملكه بغير الغنيمة، فإنها تحل له السرية المشتراة والموهوبة ونحوها، ولكنه إشارة إلى ما هو أفضل، كالقيد المصرح به بإيتاء المهور.
وقوله: (وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) [الأحزاب:50] أي: يحل لك نكاحهن. قال ابن كثير: فهذا عدل وسط بين الإفراط والتفريط، فإن النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعداً، واليهود يتزوج أحدهم بنت أخته، فجاءت الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى، فأباح بنت العم والعمة، وبنت الخال والخالة، وتحريم ما فرطت فيه اليهود في إباحة بنت الأخ والأخت، وهذا شنيع فظيع. ا. هـ
وقوله: (اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) فإنه للإشارة إلى ما هو أفضل، وللإيذان بشرف الهجرة، وشرف من هاجر، وقيل هاجرن: يعني أسلمن، وقيل: إنه لا يحل للنبي صلى الله عليه وسلم الزواج إلا ممن هاجرت، لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا) [لأنفال:72] . والراجح القول الأول.
وقوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [الأحزاب:50] أي: وتحل لك أيها النبي المرأة المؤمنة إن وهبت نفسها لك أن تتزوجها بغير مهر إن شئت ذلك، وهذا الحكم خاص بك وحدك، فلا يحل لغيرك نكاح الواهبة نفسها له بدون مهر، بل إن نكحها بدونه ثبت لها مهر المثل بالدخول، كما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في تزويج بنت واشق لما فوضت، فحكم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصداق مثلها لما توفي عنها زوجها، كما أنه لا يحل للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح الواهبة إذا كانت كافرة؛ ولو من أهل الكتاب كما سيأتي.
وقوله: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) [الأحزاب:50] . أي: قد علمنا ما في ذلك من الصلاح، ففرضنا عليهم ألا يتزوجوا إلا بمهر وبينة - شاهدين - وولي، وألا يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة، وقد رخصنا لك في ذلك، فلم نوجب عليك شيئاً من (هذا لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) وهذه هي الحكمة من عدم إيجابنا ذلك عليك، ومثله ما سيأتي في عدم إيجاب القسم بين نسائه، وليس معنى هذا أن الله خفف عليه مطلقاً دون الأمة، بل قد أوجب الله عليه أشياء لم يوجبها على الأمة، وحرم عليه أشياء لم تحرم على الأمة.
وقوله تعالى في الآية: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى قوله: (تُرْجِي) تؤخر من تشاء من نسائك، وتؤوي إليك من تشاء. أي: تضم.
وقد اختلف المفسرون في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
الأول: أن الله خير رسوله في القسم بين نسائه، فإن شاء قسم، وإن شاء لم يقسم.
الثاني: أن الله خيره في قبول الواهبة نفسها له وعدمه، كما سبق.
الثالث: أن الآية عامة تشمل الأمرين السابقين.
قال ابن كثير رحمه الله: ومن هنا اختار ابن جرير أن الآية عامة في الواهبات وفي النساء اللتي عنده أنه مخير فيهن، فإن شاء قسم، وإن شاء لم يقسم، وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي، وفيه جمع بين الأحاديث.
وقوله: (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ) أي: ولا جناح عليك أن تقسم لمن عزلتهن من نسائك، فلم تقسم لهن، أو تقبل من الواهبات أنفسهن لك من لم تكن قبلتهن من قبل.
وقوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) [الأحزاب:51] .
أي: إذا علمن أن كل هذا لا يجب عليك، وإنما أنت مخير فيه من الله سبحانه وتعالى حملهن ذلك على الرضا بما فعلته، وأنك لم تقصر في حق واحدة منهن إذا لم تقسم لها، أو لم تقبلها، ولكن مع هذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه بالعدل، كما رواه أحمد وأصحاب السنن الأربع عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: "اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" وزاد أبو داود بعد قوله: "فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب.
قال ابن كثير الإسناد صحيح، ورجاله كلهم ثقات، ولهذا عقب بعد ذلك بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) وكان الله عليماً أي: بضمائر السرائر حليماً أي يحلم ويغفر. ا. هـ.
وأما الواهبات أنفسهن، فقيل: إنه لم يقبل منهن واحدة، كما روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. وقيل: بل قبل بعضهن، واختلف في اسم المقبولة منهن على أقوال كثيرة لا نطيل بذكرها.
وقوله تعالى: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) [الأحزاب:52] أي: لا يحل لك أن تتزوج غير النسوة اللتي معك، وهذا مجازاة لهن ورضاً عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم.
قوله: (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) فنهاه عن الزيادة عليهن إن طلق واحدة منهن أن يستبدلها بغيرها، إلا ما ملكت يمينه، فله أن يملك ما شاء.
والصحيح أن هذه الآية منسوخة، لما رواه أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه، وابن مردوية والبيهقي من طريق عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء، إلا ذات محرم، لقوله: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) .
وبعد معرفة معاني هذه الآيات يتضح أن الله تعالى خص نبيه صلى الله عليه وسلم ببعض الأحكام، وليس معنى ذلك أن الله لم يخص المؤمنين بأحكام أخرى دونه كما يتصور البعض. وربما تكلم أعداء الإسلام في النبي صلى الله عليه وسلم بما هو منه براء، وأنه يمنع الناس من أشياء ويفعلها هو، وكما عرفنا في الآيات أنه ليس هو الذي يخص نفسه بذلك، بل الله يخصه، ومع هذا نجده يلزم العدل، ويتبع المصلحة الشرعية، فلم يعدد كما يزعم البعض لقضاء الوطر، فقد عاش عنفوان شبابه مع خديجة حتى توفيت، ثم تزوج سودة وهي كبيرة في السن، ولو كان زواجه للتمتع فحسب لاختار الأبكار الجميلات، ولكنه عدد لأغراض شريفة، كما في الفتوى رقم: 11207.
وهناك كلام مهم للإمام القرطبي ذكره عند تفسير هذه الآيات يتعلق بما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم دون الأمة، وما اختصت به الأمة دونه، مما يدل على أن الأمر كله لله. يقول القرطبي رحمة الله عليه: خص الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في أحكام الشريعة بمعان لم يشاركه فيها أحد في باب الفرض والتحريم والتحليل مزية على الأمة وهبة له ومرتبة خص بها، ففرضت عليه أشياء ما فرضت على غيره، وحرمت عليه أفعال لم تحرم عليهم، وحللت له أشياء لم تحلل لهم.
منها المتفق عليه، ومنها المختلف فيه: وفي بعضه نظر ظاهر.
فأما ما فرض عليه فتسعة: ذكرها القرطبي مفصلة، ونحن نذكرها ملخصة من كلامه.
الأول: التهجد بالليل. الثاني: الضحى.
الثالث: الأضحى. الرابع: الوتر، وهو يدخل في قسم التهجد، الخامس: السواك. السادس: قضاء دين من مات معسراً. السابع: مشاورة ذوي الأحلام في غير الشرائع. الثامن: تخيير النساء. التاسع: إذا عمل عملاً أثبته. زاد بعضهم: وإذا رأى منكراً أنكره وأظهره لغيره.
وأما ما حرم عليه فهو أمور:
الأول: تحريم الزكاة عليه وعلى آله. الثاني: صدقة التطوع عليه، وأما آله ففيه تفصيل واختلاف. الثالث: خائنة الأعين. الرابع: إذا لبس لأمته للحرب فلا يخلعها عنه حتى يحكم الله بينه وبين محاربه. الخامس: الأكل متكئاً. السادس: أكل الأطعمة الكريهة الرائحة. السابع: التبدل بأزواجه. الثامن: نكاح امرأة تكره صحبته. التاسع: نكاح الحرة الكتابية. العاشر: نكاح الأمة.
وأما ما أحل له صلى الله عليه وسلم فجملته خمسة عشر:
الأول: صفي المغنم. الثاني: الاستقلال بالخمس أو خمس الخمس. الثالث: الوصال في الصوم. الرابع: الجمع بين أكثر من أربع نسوة. الخامس: النكاح بلفظ الهبة. السادس: النكاح بغير صداق. الثامن: نكاحه في حالة الإحرام. التاسع: سقوط القسم بين زوجاته. العاشر: إذا طلق امرأة تبقى حرمته عليها، فلا تنكح بعده. الحادي عشر: دخوله مكة بغير إحرام، وفي حقنا فيه خلاف. الثاني عشر: القتال بمكة. الثالث عشر: أنه لا يورث. الرابع عشر: بقاء زوجته من بعد الموت. الخامس عشر: أنه أعتق صفية، وجعل عقتها صداقها.
ونختم بقول العلامة ابن العربي رحمه الله: فإنه ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر، وما كان من جانب النقائص فجانبه عنها أطهر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1422(2/2951)
تفسير قوله تعالى: (سرابيلهم من قطران ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[أود تفسير الآية رقم 49 من سورة إبراهيم "سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ "
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فيقول ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية:
قوله: (سرابيلهم من قطران) أي ثيابهم التي يلبسونها من قطران، وهو الذي تهنأ به الإبل أي: تطلى.
قال قتادة: هو ألصق شيء بالنار، ويقال: فيه قطران بفتح القاف، وكسر الطاء، وتسكينها وبكسر الكاف، وتسكين الطاء، ومنه قول أبي النجم:
... كأن قِطْرانا إذا تلاها ... ترمي به الريح إلى مجراها.
وكان ابن عباس يقول: القطران هو النحاس المذاب، وربما قرأها سرابيلهم من قطران أي من نحاس حار قد انتهى حره، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة، وقوله: (وتغشى وجوههم النار) كقوله: تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1422(2/2952)
تفسير قوله تعالى: (وقال الشيطان لما قضي الأمر ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[أود تفسير الآية رقم 21 من سورة إبراهيم قال تعالى " 21 وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 22 "
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فيقول ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية الأولى:
يخبر تعالى عما خاطب به إبليس أتباعه بعد ما قضى الله بين عباده فأدخل المؤمنين الجنات، وأسكن الكافرين للدركات، فقام إبليس لعنه الله يومئذ خطيباً ليزيدهم حزناً إلى حزنهم وغبنا إلى غبنهم وحسرة إلى حسرتهم، فقال: (إن الله وعدكم وعد الحق) أي على ألسنة رسله، ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلامة، وكان وعداً حقاً وخبراً صدقاً.
وأما أنا فوعدتكم فأخلفتكم كما قال الله تعالى: (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً) ، ثم قال: (وما كان لي عليكم من سلطان) أي ما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه دليل، ولا حجة فيما وعدتكم به (إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) بمجرد ذلك، هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه (فلا تلوموني اليوم ولوموا أنفسكم) فإن الذنب لكم لكونكم خالفتم الحجج واتبعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل (ما أنا بمصرخكم) أي بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه (وما أنتم بمصرخي) أي بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال (إني كفرت بما أشركتموني من قبل) .
قال قتادة: أي بسبب ما أشركتموه من قبل، وقال ابن جرير: يقول: إني جحدت أن أكون شريكاً لله عز وجل، وهذا الذي قاله هو الراجح، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [الأحقاف:5-6] .
وقال: (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً) وقوله: (إن الظالمين) أي في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل (لهم عذاب أليم) . انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1422(2/2953)
سبب جمع لفظ السموات، وإفراد الأرض في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[في العديد من الآيات الكريمة يأتي عطف الأرض بالإفراد على السموات بالجمع فما الحكمة من ذلك؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلفظ السموات ورد في القرآن مجموعاً ومفرداً، وأما لفظ الأرض فلم يرد في القرآن إلا مفرداً، ولذا اختلف العلماء في سبب ذلك على أقوال:
القول الأول: أن السموات جمعت لأنها سبع، والأرض أفردت لأنها واحدة، وحملوا قول الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) [الطلاق:12] . على أن الأرض كرة واحدة منقسمة إلى سبعة أقاليم.
القول الثاني: أن نسبة سعة الأرض بالنسبة إلى السموات كحصاة في صحراء، فالأرض وإن تعددت كالواحدة بالنسبة للسموات، فاختير لها اسم الجنس.
القول الثالث: أن الأرض هي الدنيا، والله تعالى لم يذكر الدنيا إلا مقللاً لها، وأما السموات فليست من الدنيا، ولا يخفى ما في هذا القول!!، فإن كان المراد بالدنيا ما يفنى؟ فالأرض والسماء خلقتا في وقت واحد، وتفنيان في وقت واحد، قال تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [إبراهيم:48] .
وإن أريد بالدنيا غير ذلك، فهذا إطلاق غير معهود.
القول الرابع: أن المقصود بالأرض السفل والتحت لا ذات الأرض، وهما (السفل والتحت) مما لا يجمع لفظه، ولذلك قالوا: لو أراد المتكلم قطعاً بعينها من الأرض صح الجمع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه من سبع أرضين يوم القيامة" متفق عليه، ولما رواه النسائي وغيره في الحديث القدسي: " ... لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2954)
ما تتضمنه سورة الفاتحة من معاني
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد من سعادة الشيخ المفتي أن يوافيني بتفسير واضح لأحكام سورة الفاتحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سورة الفاتحة تتضمن كثيراً من الأحكام لا يتسع المقام هنا لذكرها كلها.
فنكتفي منها بما يتناسب مع وقتنا، فنقول وبالله تعالى نستعين: تشتمل سورة الفاتحة على تحميد الله تعالى، وتمجيده، والثناء عليه، وتفويض الأمر إليه، وطلبه والتضرغ إليه والافتقار وطلب العون منه، والتوفيق إلى الصراط المستقيم صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
ومجانبة طريق المغضوب عليهم، وهم: اليهود، والضالين، وهم: النصارى.
والحديث القدسي الثابت في صحيح مسلم وغيره يدل على تضمنها لهذه المعاني، وهو كما في لفظ مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل: فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين قال تعالى: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: إياك نعبد، وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2955)
أصحاب السبت مسخوا حقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان مسخ الله لأصحاب السبت مسخاً مادياً أي أن أشكالهم تحولت إلى قردة وخنازير، أم أن المسخ كان معنويا أي أنهم أصبحوا يتصرفون كالقردة والخنازير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله مسخ أصحاب السبت إلى قردة وخنازير في خلقتهم وصفاتهم، لا في صفاتهم فحسب، ومصداق ذلك قول الله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [لأعراف:165-166] .
والأصل هو حمل النص على ظاهره، وقد تأكد ذلك بما رواه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: صار شبابهم قردة، وشيوخهم خنازير. انتهى.
وما رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، القردة والخنازير هي مما مسخ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لم يهلك قوماً أو يعذب قوماً فيجعل لهم نسلاً، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك" فسؤال الرجل وجواب النبي صلى الله عليه وسلم يدلان على أن مسخهم كان مسخاً حقيقياً لا معنوياً، مع بيانه أن القردة والخنازير الموجودة في عصره ليست من نسل أولئك الممسوخين، لأن من عرف بالمسخ قضى الله ألا يكون له نسل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2956)
الآيات العشرون الأولى من سورة البقرة تقسم الناس ثلاثة أقسام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأحكام الواردة في أول 20 آية من سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اشتملت العشرون آية الأولى من سورة البقرة على أحكام متفرقة، ومعان متعددة لا يتسع المقام إلى تفصيلها. ونكتفي منها بما يلي:
وهو أن الآيات الأربع الأولى: جاء فيهن ذكر صفات المؤمنين الخلص الذين يؤمنون إيماناً كاملاً بربهم، وأنهم هم المهتدون المفلحون.
وفي الآيتين التاليتين: الخامسة والسادسة، ذكر صفات الكفار الخُلَّص، وما أعد الله لهم من العذاب العظيم.
أما باقي العشرين -وهي ثلاث عشرة آية- فكلها في وصف المنافقين، وقد ضرب الله تعالى لهم مثلين: مثلاً نارياً في قوله تعالى: (مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً…) إلى آخر الآيتين، وهو مثل ضربه الله لبيان ما يظهره المنافقون من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق، كمثل المستوقد الذي أضاءت ناره ثم طفئت، فإنه يعود إلى الظلمة، ولا تنفعه تلك الإضاءة اليسيرة، فكأن بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر، كبقاء المنافق في حيرته وتردده، ومثلاً مائياً بقوله تعالى: (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق….) إلى آخر الآيات. يعني أن المنافقين إذا نزل القرآن وفيه ذكر الكفر المشبه بالظلمات، والوعيد عليه المشبه بالرعد، والحجج البينة المشبهة بالبرق يسدون آذانهم لئلا يسمعوه فيميلوا إلى الإيمان به، وترك دينهم -والدين الإسلامي عندهم موت- ولا شك أن هذا التركيز القرآني على المنافقين يدل على خطورتهم، وعمق عداوتهم لله تعالى وأنبيائه وأتباعهم، فلذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار.
والعياذ بالله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/2957)
لفظ (الند) لا يطلق إلا على المنافس المخالف
[السُّؤَالُ]
ـ[1-قال الله تعالى في سورة إبراهيم (وجعلوا لله أندادا ليضلواعن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار)
أعرف أن الند هو المنافس المكافئ في القوة ولكن في اللغة هل لكي أقول إن هذا الشخص ند لهذا الشخص لابد أن يكون هناك تنافس وتكافؤ بينهما؟ أم يكفي التكافؤ فقط لكي يكون هناك نديه ولا يشترط التنافس؟ مثل أن أقول إن هذا الشخص ند لهذا الشخص إلا أنهما صديقان والندية بينهما بسبب تكافؤ المهارات إلا أنه لا يوجد تنافس وكل منهما يعمل في بلد آخر
أفيدونا أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأنداد: جمع ند، قال في لسان العرب: (3/264) وهو مثل الشيء الذي يضاده في أموره، وينادُّه أي يخالفه.. قال الأخفش: الند: الضد والشبه. وقوله: (يجعلون لله أنداداً) أي أضداداً أو أشباهاً.. وقال أبو الهيثم: يقال للرجل: إذا خالفك فأردت وجهاً تذهب به ونازعك في ضده فلان ندي ونديدي للذي يريد خلاف الوجه الذي تريد وهو مستقل من ذلك بمثل ما تستقل به، قال حسان:
أتهجوه ولست له بند فشركما لخيركما الفداء
أي لست له بمثل في شيء من محاسنه. ويقال: ناددت فلاناً إذا خالفته.. ا. هـ وبهذا يعلم أن الند لا يطلق إلا على المنافس المخالف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1422(2/2958)
تفسير قوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الحمن الرحيم
السلام عليكم أستاذنا الفاضل
لماذا يجب على المسلم أن يشرك اسم النبي محمد (اللهم صل عليه) مع اسم الله عزّ وجل في الشهادة
له مع أن الله رب العالمين ذكر لنا في سورة المنافقون آية (1) أن المنافقين هم الذين يشهدون إنه لرسول الله والله يعلم إنهم لكاذبون.
مع جزيل الشكر. ...
السلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النطق بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الاعتقاد الجازم بمقتضاهما، والعمل بذلك هو الذي يدخل الشخص به في مسمى الإسلام، ويستحق أحكامه، ولا تغني إحدى الشهادتين عن الأخرى، بل لابد منهما معاً.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه جبريل في صورة رجل وسأله عن الإسلام قال له: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً" متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله" رواه البخاري.
ويقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) [النور:62] .
فالشهادة برسالة النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به، واتباعه، وطاعته، وتصديقه ... كل هذا شرط في صحة إسلام الشخص، لا تغني عنه الشهادة بالله عز وجل، وإنما لابد من الشهادتين معا، فالله سبحانه جعلهما متلازمتين.
أما ما ذكره السائل من أن المنافقين هم الذين يشهدون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس هذا هو معنى الآية التي استدل بها، وإنما معناها أنهم يقولون هذه الشهادة نطقاً بألسنتهم، ولا يعتقدون ذلك في قلوبهم، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وهذا هو حال المنافقين، كما قال تعالى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) [البقرة:14] .
وقال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1] .
فالمنافقون يشهدون بهذه الشهادة كذباً بألسنتهم فقط، وليست شهادة حقيقية نابعة من قلوبهم، ولهذا قال تعالى: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1] .
فالمنافق هو من يعلن الإسلام بالنطق بالشهادتين، ويضمر الكفر، لأنه لا يعتقد ما يقول، وهذا هو معنى الآية. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1422(2/2959)
ما يتداول في تفسير آية التوبة لم يقم عليه دليل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أريد فتواكم في ما قيل - والله اعلم - من أن الجزء الحادي عشر في القرآن الكريم وبالتحديد في سورة التوبة والآية 109 أنه تفسير لأحداث 11 سبتمبر التي حدثت في أمريكا حيث يقال إن مبنى التجارة العالمي يتكون من 109 طوابق والحدث في 11 سبتمبر فما ردكم على هذا؟
وشكرا جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية رقم 109 من سورة التوبة، وهي قوله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة:109] .
والآية رقم 110 من نفس السورة، وهي قوله تعالى: (لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ_ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:110] .
قد حاول بعض الناس ربطهما أو تفسيرهما بأحداث 11 سبتمبر.
ولكن تفسير القرآن لابد أن يكون معتمداً على أسس ثابتة، ومن هذه الأسس أن يكون هذا التفسير من تفسير القرآن بالقرآن أو يكون مروياً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المبين للقرآن، لقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44] .
أو يكون مأثوراً عن الصحابة رضوان الله عليهم، أو التابعين، أو يكون رأيا لأحد علماء الأمة الذين ثبت علمهم وورعهم، ويكون قد استمد هذا التفسير من اللغة العربية ومقاصد الشرع، فهذه أصول التفسير: إما المأثور، وإما الرأي المقبول شرعاً، ولم يؤثر تفسير لهاتين الآيتين بهذا المعنى عند علماء الأمة سلفاً ولا خلفاً، وما دام الأمر كذلك فلا يقال إنه تفسير لهما.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1422(2/2960)
تفسير قوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الآية رقم 15 من سورة الأحقاف قال تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معنى الآية - والله أعلم - أن مجموع مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهراً، سنتان منها هي مدة الرضاع الكامل، لقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) [البقرة:233] .
يبقى من الثلاثين شهراً ستة أشهر، وهي أقل أمد الحمل الذي يعيش معه المولود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1422(2/2961)
تفسير قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الله تعالى:
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة:33) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود بقوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33] هم المحاربون، من الحرابة وتسمى قطع الطريق عند أكثر الفقهاء، وهي: البروز لأخذ مال أو للقتل أو الإرعاب على سبيل المجاهرة مكابرة اعتماداً على القوة مع البعد عن الغوث، زاد المالكية محاربة الاعتداء على العرض مغالبة. أهـ انظر الموسوعة الفقهية 17/153 وقد اختلف العلماء في العقوبة المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33] هل هو على الترتيب أم على التخيير؟
1- فذهب الجمهور إلى أنها على الترتيب، وأن لكل عقوبة ما يقابلها من العمل، على تفاصيل لهم في ذلك.
2- وذهب الإمام مالك وغيره إلى أنها على التخيير، بمعنى أن الإمام مخير في عقوبة المحارب بين العقوبات السابقة، فيعاقبه بما يراه مناسباً:
والعقوبات هي:
1- القتل، ومعناه واضح.
2- والصلب، وهو التعليق على خشبة ونحوها
3- وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف: وهو قطع اليد مع الرجل التي تخالفها، فاليمنى مع اليسرى، واليسرى مع اليمنى، وهذا يعني أنه إذا ضبط المحارب قبل أن يتوب فإنه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، فإن ضبط مرة أخرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى.
4- والنفي من الأرض للعلماء فيه أقول:
فقال بعضهم:
1- هو التغريب عن البلاد.
2- وقال بعضهم: هو أن يطلب حتى يخرج من دار الإسلام
3- وقال بعضهم: هو السجن.
أما بقية الآية فمعناها واضح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1422(2/2962)
معنى كلمة (العالمين)
[السُّؤَالُ]
ـ[1- السلام عليكم ورحمة الله: ما معنى كلمة (العالمين) المذكورة في القرآن الكريم؟
والسلام عليكم وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعالَمين بفتح اللام وردت في تفسيره عدة آراء للعلماء، وأظهرها أنه: اسم لكل كائن سوى الله تعالى، بدليل قوله تعالى: (قال فرعون وما رب العالمين* قال رب السموات والأرض وما بينهما) [الشعراء:23،24] وأما العالِمين بكسر اللام فالمراد بها: أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1422(2/2963)
تفسير قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن......)
[السُّؤَالُ]
ـ[- أرجو تفسير ماورد بالذكر الحكيم والمشركة لا ينكحها إلا مشرك ومع ذلك الإسلام أحل زواج المسلم من أهل الكتاب (المسيحية)
- لوحظ أن كثيراً من الرجال المسلمين حين يتزوجون مسيحيات وأولادهم سواء بنات أو صبيان يتخبطون ما بين الديانتين وتزرع الأم حب الدين المسيحي في أطفالها من وراء زوجها والله قال ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم فكيف اليوم الرجال يقومون بالزواج منهن، وإن كان سيدنا محمد تزوج من مسيحية فأكيد هذا الزواج لحكمة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكرته من قولك (والمشركة لا ينكحها إلا مشرك) ليست آية في كتاب الله، والذي في كتاب الله هو (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) [النور:2] وتفسيرها تجده في الفتوى رقم: 5662 وقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) وأظنها الآية التي تريد السؤال عنها، وتفسيرها هو أن الله نهى عباده المؤمنين أن يتزوجوا بالمشركات، وأن المؤمنة ولو كانت أمة خير من المشركة ولو أعجبت الناس، وعلل ذلك بقوله سبحانه (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) [البقرة:221] واستثنى الله تعالى من المشركات الكتابيات (النصرانيات واليهوديات) قال ابن كثير (هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان، ثم إن كان عمومها مراداً وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية، فقد خص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين) [المائدة:5] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب، وهكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول والحسن والضحاك وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وغيرهم، وقيل: بل المراد بذلك عبدة الأوثان، ولم يرد أهل الكتاب بالكلية، والمعنى قريب
من الأول. والله أعلم.) انتهى
وأما السؤال الثالث فالجواب عنه هو أن رسول الله صلى عليه وسلم لم يتزوج بامرأة مسيحية قط ولا يهودية، فحتى صفية بنت حي بن أخطب اليهودي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها مسلمة وانظر جواب رقم 6955
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1422(2/2964)
ما ذكره أهل العلم في تفسير: (وألقي السحرة ساجدين)
[السُّؤَالُ]
ـ[1- قال تعالى: " وألقي السحرة ساجدين " صدق الله العظيم ... كلمة "ألقي" هي فعل ماضي مبني للمجهول والسحرة نائب فاعل.. فهل معنى ذلك أن السحرة لم يسجدوا من تلقاء أنفسهم أي كان هناك من جعلهم يسجدون.. أقصد هل الله سبحانه وتعالى أوحى إليهم أن اسجدوا؟ ولقد قرأت تفسير هذه الآية وقيل " خرالسحرة لله سجدا" ولكن لم كان الفعل مبنياً للمجهول.. أرجو توضيح ذلك فالأمر ملتبس علي وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتدبر كتاب الله تعالى أثناء قراءته من علامات التوفيق -إن شاء الله- فنسأل الله عز وجل أن يوفقنا والأخ السائل لتدبر كتابه والعمل بما فيه.
وأما عن الآية: (وألقي السحرة ساجدين) [الأعراف:120]
فإن السحرة خروا سجداً باختيارهم كما قرأت في كتب التفسير، ولكن بني الفعل للمجهول لواحد من غرضين:
الأول: المبالغة في وصف خرورهم سجداً، وكأن أحداً ألقاهم، ولم يخروا بأنفسهم.
الثاني: بيان عظم ما آتى الله نبيه موسى من المعجزة، فكأنهم عندما رأوها أجبروا على السجود، هذا ما يقوله أهل العلم في تفسير الآية.
والله أعلم بأسرار كتابه.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1422(2/2965)
سبب تسمية (ذو القرنين) بهذا الاسم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سمي ذو القرنين بهذا الاسم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أن سبب تلقيب ذي القرنين بهذا اللقب هو: أنه بلغ قرن الشمس من مطلعها، وقرنها من مغربها، فسمي لذلك ذا القرنين.
وقيل: لأنه كان له ضفيرتان من شعر، والضفائر تسمى قروناً، وقيل: كان له قرنان تحت عمامته، وقيل غير ذلك.
ولا يخفى أن هذه التفسيرات لم يقم على واحد منها دليل يجب الأخذ به - فيما نعلم - وبالتالي فإن الأمر يظل أمراً غيبياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(2/2966)
تفسير قوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[1-أرجو تفسيرمعنى الآية 15 من سورة النساء"واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا" وهل هذا الحكم مختلف عن حكم الرجم ومتى ينفذ أي منهما؟ وشكرا جزيلا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة) يعني الزنى، وقوله: (من نسائكم) يعني المسلمين، وقوله: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) يعني المسلمين، وقوله: (فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت) يعني فاحبسوهن، وقوله: (حتى يتوفاهن الموت) يعني الحبس المؤبد حتى الموت، وقوله: (أو يجعل الله لهن سبيلاً) يعني حكماً آخر.
وقد نسخت هذه الآية بآية النور: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة..) وفي الصحيح عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم"
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1422(2/2967)
الشجرة التي أكل منها آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو الإفادة عن نوع الشجرة التي أغرى إبليس أبانا آدم وأمنا حواء من الأكل منها، هل هي شجرة تين أم تفاح أم غيرها؟ مع الدليل إن وجد.
بارك الله فيكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشجرة التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها آدم وزوجته فأكلا منها، لم يثبت عند العلماء ما يدل على تعيينها، لا من كتاب ولا من سنة صحيحة، وإنما جاءت في تعيينها آثار عن بعض التابعين، وأكثرها منقول عن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) فبعضهم يقول: هي شجرة التين، وبعضهم يقول: هي شجرة العنب، وبعضهم يقول: هي شجرة الحنطة، إلى غير ذلك من الأقوال.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره بعد أن ذكر تلك الأقوال: (والصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه فأكلا منها كما وصفهما الله به، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا في السنة الصحيحة، فأنى يأتي ذلك؟
وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم إذا عُلم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به) . انتهى
وهو كلام مستنير وواف بالمطلوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1422(2/2968)
التأويل ... ماهيته وشروطه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو التأويل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتأويل: مصدر أولَّ، وأصل الفعل: آل الشيء يؤول أولاً: إذا رجع، تقول: آل الأمر إلى كذا، أي رجع إليه. ومعناه: تفسير ما يؤول إليه الشيء، ومصيره. وفي اصطلاح الأصوليين، التأويل: صرف اللفظ عن المعنى الظاهر إلى معنى مرجوح، لاعتضاده بدليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الظاهر، وبالتالي فيتعين الأخذ به لا بالمعنى الظاهر. والفرق بين التأويل والبيان: هو أن التأويل ما يذكر في كلام لا يفهم منه المعنى المراد لأول وهلة، والبيان: ما يذكر في كلام يفهم المعنى المراد منه بنوع خفاء بالنسبة إلى البعض. والفرق بين التفسير والتأويل: أن التفسير أعم من التأويل: فكل تأويل تفسير ولا عكس، وأكثر استعمال التفسير في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل.
ويكون التأويل صحيحاً إذا كان مستوفياً لشروطه، من الموافقة لوضع اللغة، أو عرف الاستعمال، ومن قيام الدليل على أن المراد بذلك اللفظ هو المعنى الذي حمل عليه، ومن كون المتأول أهلاً لذلك، ويتفق العلماء على قبول العمل بالتأويل الصحيح مع اختلافهم في طرقه ومواضعه، وما يعتبر قريباً، وما يعتبر بعيداً. يقول الآمدي: التأويل مقبول معمول به إذا تحقق بشروطه، ولم يزل علماء الأمصار في كل عصر من عهد الصحابة إلى زمننا عاملين به من غير نكيره وفي البرهان: تأويل الظاهر على الجملة مسوغ إذا استجمعت الشرائط، ولم ينكر أصل التأويل ذو مذهب، وإنما الخلاف في التفاصيل. وعلى أي حال، فهذا يرجع إلى المجتهد في كل مسألة، وعليه اتباع ما أوجبه ظنه -كما يقول الأمدي- ويقول الغزالي: مهما كان الاحتمال قريباً، وكان الدليل أيضاً قريباً، وجب على المجتهد الترجيح، والمصير إلى ما يغلب على ظنه. ويقول ابن قدامة: لكل مسألة ذوق يجب أن تفرد بنظر خاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1422(2/2969)
تفسير قوله تعالى: (إذ أنتم بالعدوة الدنيا ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[1-رأيت في منامي رجلاً يرتدي ثيابا بيضاء فسألته عن المسلمين وما يتعرضون له وعن مستقبل الإسلام فقال لي: هل تريد الجواب؟ فقلت: نعم، قال فانظر إلى سورة الأنفال آية 42 وستعرف الجواب فعندما استيقظت وقرأت هذه الآية وتفسيرها لم أفهمها أرجو إرسال تفسيرها لي على موقعي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآية رقم: 42 من سورة الأنفال هي قول الله تعالى: (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم) [الأنفال: 42]
وهذه الآية عن يوم الفرقان يوم بدر، يوم أعز الله به الإسلام وأهله، وأذل به الكفر وأهله، وقال النسفي في تفسيرها: (اذكروا إذ أنتم "بالعدوة" شط الوادي.. "الدنيا" القربى إلى جهة المدينة.."وهم بالعدوة القصوى" البعدى عن جهة المدينة.. "والركب" أي العير، وهو جمع راكب في المعنى "أسفل منكم".. يعني في أسفل الوادي بثلاثة أميال.."ولو تواعدتم" أنتم وأهل مكة وتواضعتم بينكم على موعد تلتقون فيه للقتال "لاختلفتم في الميعاد" لخالف بعضكم بعضاً، فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد، وثبطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلم يتفق لكم من التلاقي ما وفقه الله وسبب له "ولكن" جمع بينكم بلا ميعاد "ليقضي الله أمراً كان مفعولاً" من إعزاز دينه وإعلاء كلمته، أو اللام تتعلق بمحذوف أي ليقضي الله أمراً كان ينبغي أن يفعل، وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه، دبر ذلك.. "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة".. استعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام، أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بدينه لا عن مخالجة شبهة حتى لا يبقى له على الله حجة، ويصدر إسلام من أسلم أيضاً عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به، وذلك أن وقعة بدر من الآيات الواضحة التي من كفر بعدها كان مكابراً لنفسه مغالطاً لها، ولهذا ذكر فيها مراكز الفريقين، وأن العير كانت أسفل منهم، مع أنهم قد علموا ذلك كله مشاهدة ليعلم الخلق أن النصر والغلبة لا تكون بالكثرة والأسباب، بل بالله تعالى، وذلك أن العدوة والقصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء، وكانت أرضاً لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ومشقة، وكان العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم وعدتهم وقلة المسلمين وضعفهم، ثم كان ما كان "وإن الله لسميع" لأقوالهم "عليم" بكفر من كفر وعقابه، وبإيمان من آمن وثوابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1422(2/2970)
معنى (فاعتزلوا النساء في المحيض)
[السُّؤَالُ]
ـ[1-بسم الله الرحمن الرحيم
نشكركم على تعاونكم وجزاكم الله عنا خير جزاء
:ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض.....:
ما المقصود بالعزل، وهل يراد به الجماع فقط؟
وجزاكم الله عنا خير جزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود بالاعتزال في قول الله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض) هو أن يبتعد الزوج عن وطء زوجته في الفرج حال حيضها، ويجوز له الاستمتاع منها بما سوى ذلك إلا الدبر، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
3907 والفتوى رقم: 5999
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1422(2/2971)
تفسير قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) سورة المائدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبخصوص تفسير قول الله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) [المائدة: 73] قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (والصحيح أنها نزلت في النصارى خاصة، قاله مجاهد، وغير واحد، ثم اختلفوا في ذلك، فقيل: المراد بذلك كفارهم في قولهم بالأقانيم الثلاثة: وهو أقنوم الأب وأقنوم الابن، وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب إلى الابن. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. قال ابن جرير وغيره: والطوائف الثلاثة من الملكية، واليعقوبية، والنسطورية، تقول بهذه الأقانيم، وهم مختلفون فيها اختلافاً بيناً، ليس هذا موضع بسطه، وكل فرقة منهم تكفر الأخرى، والحق أن الثلاثة كافرة.
وقال السدي وغيره: نزلت في جعلهم المسيح وأمه إلهين مع الله، فجعلوا الله ثالث ثلاثة بهذا الاعتبار، قال السدي: وهي كقوله تعالى: في آخر السورة: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك) [المائدة: 116] وهذا القول هو الأظهر، والله أعلم) .
وما قاله السدي هو المختار في تفسير الآية، وانظر للتوسع تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن:4/652) ، وتفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن: 6/161)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1422(2/2972)
تفسير قوله تعالى (والقواعد من النساء ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النساء كبار السن اللواتي يسمين أنفسهن القواعد ومن هن القواعد وهل صحيح أنه يحق لهؤلاء النساء خلع الحجاب عن رؤوسهن بحجة أنهن من القواعد؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:60]
والقواعد جمع قاعد، وهي المرأة التي بلغت من السن مبلغاً يجعلها لا تشتهي، ولا تُشتهى، ففي تفسير القرطبي: قال ربيعة: هي التي إذا رأيتها تستقذرها من كبرها. وقال أبو عبيدة: اللاتي قعدن عن الولد، وليس ذلك بمستقيم لأن المراة تقعد عن الولد وفيها مستمتع، قاله المهدوي. انتهى.
وقال الرازي: قال المفسرون: هن اللواتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر، ولا مطمع لهن في الأزواج، والأولى ألا يعتبر قعودهن عن الحيض، لأن ذلك ينقطع والرغبة فيهن باقية، فالمراد قعودهن عن حال الزوج، وذلك لا يكون إلا إذا بلغن في السن بحيث لا يرغب فيهن الرجال. انتهى.
والمراد بالثياب في قوله (أن يضعن ثيابهن) هو الثياب الظاهرة -العباءة والجلباب-وليس المراد كشف العورات، قال الألوسي: يعني الثياب الظاهرة التي لا يفضي وضعها لكشف العورة كالجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار. وأخرج ابن المنذر عن ميمون بن مهران أنه قال في مصحف ابن مسعود وأبي بن كعب (أن يضعن جلابيبهن) وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقرآان كذلك. انتهى.
قال الجصاص في تفسيره: (لا خلاف في أن شعر العجوز عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه كشعر الشابة، وأنها إن صلت مكشوفة الرأس كانت كالشابة في فساد صلاتها، فغير جائز أن يكون المراد وضع الخمار بحضرة الأجنبي)
إلى أن قال: (وفي ذلك دليل على أنه إنما أباح للعجوز وضع ردائها بين يدي الرجال بعد أن تكون مغطاة الرأس، وأباح لها بذلك كشف وجهها ويدها لأنها لا تشتهى، وقال تعالى: (وأن يستعففن خير لهن) فأباح لها وضع الجلباب وأخبر أن الاستعفاف بأن لا تضع ثيابها أيضاً بين يدي الرجال خير لها) انتهى.
ومعنى قوله: (غير متبرجات بزينة) غير مظهرات للزينة لينظر إليهن. قال ابن العربي في أحكام القرآن: أي غير مظهرات لما يتطلع إليه منهن، ولا متعرضات بالتزين للنظر إليهن، وإن كنَّ ليس بمحل ذلك منهن، وإنما خص القواعد دون غيرهن لانصراف النفوس عنهن" انتهى.
ومعنى قوله: (وأن يستعففن خير لهن) أي أن يستعففن كما تستعفف الشواب، فيتركن الأخذ بهذه الرخصة خير لهن. قال القرطبي: واستعفافهن عن وضع الثياب والتزامهن ما يلزم الشواب أفضل لهن وخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1422(2/2973)
وجه ذكر الفاكهة ثم النخل والرمان وهما من الفاكهة
[السُّؤَالُ]
ـ[في القرآن جاء ذكر: (فاكهة ونخل ورمان) فلم فصل الرمان من الفاكهة مع أنه منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرحمن:68] . هو من باب عطف الجزئي على الكلي، تنويها بشأن هاتين الفاكهتين، ولهذا العطف نظائر في كتاب الله تعالى، كقوله: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:98] .
وجبريل وميكال من الملائكة قطعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1422(2/2974)
السر في ذكر لفظ (الناس) في قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت)
[السُّؤَالُ]
ـ[الله سبحانه وتعالى ذكر في محكم التنزيل الحج (للمكان والمكانة) بلفظ "الناس" لكن في الفرائض الأخرى كان الخطاب فيها " ياأيها الذين آمنوا " فما السر في ذلك وما الحكمة منها؟ أفتونا وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أورد ابن حجر العسقلاني في كتابه (العجاب في بيان الأسباب) عند كلامه على سبب نزول قول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت) [آل عمران:97] ما أخرجه الفاكهي في كتاب مكة عن عكرمة أنه قال: لما نزلت (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) [آل عمران:85]
قالت اليهود: فنحن على الإسلام فما يبتغي منا محمد، فأنزل الله عز وجل حجاً مفروضاً (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) [آل عمران:97] فقال النبي صلى الله عليه سلم: "كتب عليكم الحج.".
زاد ابن نجيح عن عكرمة فقال الله تعالى لنبيه: حُجَّهم أي اخصمهم، فقال لهم: حجوا، فقالوا: لم يكن علينا، فأنزل الله (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) [آل عمران:97] فأبوا، وقالوا: ليس علينا حج.
وهذا الأثر عند الفريابي وعبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن عكرمة، ولفظه: لما نزلت (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) [آل عمران:85] قال الملل: نحن مسلمون. فنزلت، فحج المسلمون وقعد الكفار.
وذكره سعيد بن منصور في السنن عن عكرمة إلى قوله قيل لهم: حجوا فإن الله قد فرض على المسلمين حج البيت من استطاع إليه سبيلا، فقالوا: لم يكن علينا، وأبوا أن يحجوا، فأنزل الله (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) [آل عمران97]
فلهذا -والله أعلم- كان الخطاب بلفظ "الناس" في القرآن الكريم في فريضة الحج من بين سائر الفرائض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1422(2/2975)
لا تعارض بين قوله تعالى (فأرسلنا إليها روحنا ... ) وقوله (إذ قالت الملائكة يا مريم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في سورة مريم قول الله تعالى "فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً" وعلمت من التفاسير أن المقصود هو جبريل عليه السلام.
ولكني قرأت أيضاً قوله تعالى عن الموقف نفسه في سورة آل عمران "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه"
أرجو منكم توضيح وجه الاختلاف لاسيما وأن في نفس سورة آل عمران عندما تتساءل السيدة مريم عن غرابة إمكانية حملها، يكون الرد في قوله تعالى بالمفرد "قال كذلك قال ربك" وليس صيغة الجمع نسبة للملائكة.
إجابتكم على هذا السؤل ستعينني على قول بعض زملائي إن في القرآن تناقضاً.
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد، ليس فيه تناقض ولا اختلاف، ويصدق بعضه بعضاً، ويفسر بعضه بعضاً.
وبخصوص موضوع البشارة بعيسى ابن مريم فليس ثم تناقض أو اختلاف بين الآيات المتعلقة بالموضوع، وذلك أن المراد بالروح في قوله تعالى: (أرسلنا إليها روحنا) في سورة مريم هو جبريل عليه السلام، وجبريل عليه السلام سمي في القرآن الكريم بالروح أكثر من مرة، قال تعالى (نزل به الروح الأمين* على قلبك) [الشعراء:193،194] وقد أرسله الله تعالى إلى مريم مخبراً إياها بأنه رسول الله من عند الله، بعثه إليها ليهبها غلاماً طاهراً نقياً من الذنوب، وقد نسب جبريل الفعل لنفسه بقوله: (لأهب لك) لجريان الهيئة على يده، وهذا المعنى الذي تضمنته آية مريم هو الذي تضمنته آية آل عمران بدون زيادة ولا نقص في المضمون، وذلك أن قوله تعالى في آل عمران: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [آل عمران:45] : المراد بالملائكة هنا: واحد من الملائكة وهو جبريل، وإنما عبر عن هذا الواحد بلفظ الجمع لأنه كبير الملائكة، ونظير هذا شائع بين الناس في لغة التخاطب العادي، فإنك تقول: قالت دولة كذا أو قبيلة كذا، أو جماعة كذا، والقائل واحد منهم.
وقوله تعالى (بكلمة) المراد هو عيسى عليه الصلاة والسلام، وسمي كلمة لأنه وجد بكلمة "كن" بدون سبب آخر من الأسباب العادية، ولما تساءلت -عليها السلام- كيف يكون لها ولد؟ وعلى أي صفة يوجد هذا الغلام إذ ليس لها زوج ولم تك من البغايا؟ رد عليها جبريل عليه السلام قائلا: (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً)
[مريم:21] أي قال لها الملك: إن الله قد قال: إنه سيوجد منك غلاماً على ما كان منك من عدم الزواج والبعد عن الفجور، فإنه على ما يشاء قدير. واستفهامها هذا ليس عن استبعاد لقدرة الله تعالى: وإنما عرفت بالعادة أن الولادة لا تكون إلا من رجل، والعادات عند أهل المعرفة معتبرة في الأمور. وإلا فهي تعرف أن الله خلق أباً البشر من غير أب ولا أم، وخلق أمهم من أب دون أم، فاستفهمت: هل سيكون هذا الولد مخلوقاً بخلق الله تعالى ابتداء كآدم؟ أم عن طريق زوج تتزوجه في المستقبل؟ فالحاصل أن الآيتين أو الآيات ليس فيها تناقض ولا تعارض، وهذا واضح جداً.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1422(2/2976)
تفسير آية (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[أود تفسير الآية الكريمة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم" 58 من سورة النور. أفادكم الله وجزاكم الله خيراُ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الآية مكملة لموضوع حكم الاستئذان، ففي الآية 27 فما بعدها، ذكر المولى عز وجل حكم استئذان الأجانب بعضهم على بعض، أما الآية هذه والآية التي بعدها فهما في حكم استئذان الأقارب بعضهم على بعض. فأمر المولى عز وجل المماليك من العبيد والإماء، والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم من الأحرار، أن يستأذنوا ولا يدخلوا بدون إذن في ثلاثة أوقات:
الوقت الأول: من قبل صلاة الفجر، لأنه وقت اليقظة من المضاجع، وتغيير ثياب النوم، وارتداء ثياب اليقظة، وفي هذا مظنة انكشاف العورة.
الثاني: وقت الظهيرة، لأنه وقت خلع ثياب العمل، والاستعداد للنوم.
الثالث: من بعد صلاة العشاء، لأنه وقت خلع ثياب اليقظة، ولبس ثياب النوم، ففي هذه الحالات والأوقات الثلاث أمر الخدم والصبيان أن لا يهجموا على أهل البيت لما يخشى من انكشاف العورات، ونحو ذلك من مقدمات النوم، والراحة، إذ هي ساعات الخلوة، والانفراد، ووضع الملابس، والأمر في قوله تعالى: (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم..) ظاهره الوجوب، لكن قال الجمهور: إنه مصروف إلى الندب، والاستحباب، والتعليم، والإرشاد إلى محاسن الآداب، وليس للوجوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1422(2/2977)
تفسير سورة الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في شرح سورة الفاتحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا تفسير مختصر من تفسير العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - المسمى: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، مع شيء من الإضافة، لأعظم سورة في كتاب الله عز وجل، ألا وهي سورة الفاتحة، فنقول وبالله التوفيق:
قوله: بسم الله، أي أبتدئ قولي كالقراءة أو علمي كالكتابة بسم الله ليبعد الشيطان وتنزل بركة الرحمن، وإعانته لي في قولي وعملي.
(الله) علم على ذات الله جل جلاله، ومعناه: المألوه المعبود المستحق للعبادة وحده لا شريك له، لما اتصف به من صفات الجلال والكمال سبحانه.
(الرحمن الرحيم) : اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي شملت كل مخلوق، واختص الله برحمته الكاملة أولياءه المتقين، كما في قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ ... ) [لأعراف:156] .
(الحمد لله) : الحمد هو وصف المحمود بالكمال المطلق على كل حال، وقد روى ابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال النووي إسناده جيد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابته السراء قال: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وإن إصابته الضراء قال: الحمد له على كل حال".
(رب العالمين) : أي المربي للعالمين، وكل ما سوى الله فهو عالم. وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة، وخاصة.
فالعامة: هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة: تربيته لأوليائه فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم ويكملهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه.
وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة من كل شر، ولعل هذا هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب.
(مالك يوم الدين) : يوم الدين هو يوم القيامة، كما قال الله تعالى: (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار:15-19] .
والمالك هو: المتصرف في كل شيء، فله الأمر والنهي، والعفو والمعاقبة وغير ذلك، وخص ملكه بيوم القيامة لظهوره للخلق تمام الظهور، واستسلام جميع ملوك الدنيا الذين ادعو لأنفسهم الربوبية والملك بغير حق في الدنيا، كفرعون وغيره، فينادي الله قائلاً: (لمن الملك اليوم) فلا يجيبه أحد فيقول: (لله الواحد القهار) .
(إياك نعبد وإياك نستعين) : أي نخصك وحدك بالعبادة والاستقامة، فلا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك، وذكره للاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أوصيك يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين.
والعبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
والاستعانة هي: الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك، والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية.
(اهدنا الصراط المستقيم) : أي دلنا ووفقنا إلى الصراط المستقيم وهو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وثبتنا عليه حتى الممات، فطلب المسلم للهداية معناه الزيادة منها والموت عليها، والصراط المستقيم هو صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين (غير) صراط (المغضوب عليهم) وهم الذين عرفوا الحق وتركوه، أو غيروه وبدلوه كاليهود (ولا) صراط (الضالين) الذين تركوا الحق عن جهل وضلال كالنصارى.
قال ابن كثير: ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافاً يعني: أن اليهود هم المغضوب عليهم، والنصارى هم الضالون.
ومما ينبغي التنبيه عليه هنا ما ذكره العلامة محمد بن عبد الوهاب النجدي رحمه الله في شرحه لسورة الفاتحة: أن بعض الناس إذا سمع مثل هذا يظن أنه مقصور على اليهود والنصارى فقط، والصواب أنه يتناول كل من عمل عملهم وسار سيرتهم.
ويستحب لمن يقرأ سورة الفاتحة أن يقول بعدها: آمين. وليست من الفاتحة قطعاً كما يتوهمه بعض العوام. ومعناها: اللهم استجب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1422(2/2978)
تفسير قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير آية 3من سورة النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآية الثالثة من سورة النساء هي قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) [النساء:3] وقد بين الله في هذه الآية حكم زواج الرجل باليتيمة تكون تحت حجره، فيعجبه مالها، وجمالها، ويخاف أن لا يعطيها مهر مثلها، فأمره الله أن يعدل عنها إلى غيرها من النساء، فإنهن كثير، ولم يضيق الله عليه، بل أباح له أن يجمع بين اثنتين، أو ثلاث، أو أربع، ما لم يخف الجور، فإن خاف الجور فلينكح امرأة واحدة، أو ما شاء مما ملكت يمينه من الإماء، لأنه لا يجب العدل بينهن، وهذا معنى قوله تعالى: (ذلك أدنى أن لا تعولوا) وقد روى البخاري عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى..) قالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، تشركه في ماله، ويعجبه مالها، وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن، ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، قال عروة: قالت يا عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله: (ويستفتونك في النساء) إلى قوله تعالى: (وترغبون أن تنكحوهن) رغبة أحدكم بيتيمته، حيث تكون قليلة المال والجمال، قالت: فنهوا أن ينكحوا عن من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهنَّ إذا كن قليلات المال والجمال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1422(2/2979)
تفسير قوله تعالى: (وجدها تغرب في عين حمئة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية التي تقول (عين حمئة) لذى القرنين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول ابن كثير في معنى قوله تعالى -حكاية عن ذي القرنين-: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) [الكهف:86] .
أي: فسلك طريقاً حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب، وهو مغرب الأرض (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي: رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه، وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه.
وقوله تعالى: (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) قيل: معناه: حامية. أي: حارة.
وبهذا اللفظ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم، وقرأ الباقون (حامية) أي كثيرة الحمأة، وهي الطينة السوداء، يقال: حمأت البئر حمأًَ بالتحريك، كثرة حمأتها.
قال القرطبي: وقد يجمع بين القراءتين، فيقال: كانت حجارة وذات حمأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1422(2/2980)
تفسير قوله تعالى: (رب المشرقين ورب المغربين)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: كما ورد في القرآن الكريم في سورة الرحمن آيه 17
قال تعالى:"رب المشرقين ورب المغربين ... "
ما هو تفسير هذه الآية؟ فهل المقصود بها وجود عالم آخر؟ أم ماذا فقد فكرت بها حتى كدت أفقد صوابي.
الرجاء الفائدة مع جزيل الشكر وبارك الله فيكم وبوالديكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد جمع المشرق والمغرب في بعض الآيات، كقوله تعالى في سورة المعارج (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) ووردت تثنيتهما في بعضها كقوله تعالى: (رب المشرقين ورب المغربين) وورد إفرادهما كما في قوله تعالى: (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو) ولا تعارض ولا اضطراب في هذه الآيات، كما قد يتوهم البعض. قال الحافظ ابن كثير عند تفسير قوله تعالى (رب المشرقين ورب المغربين) : (يعني مشرقي الصيف والشتاء، ومغربي الصيف والشتاء. وقال في الآية الأخرى: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) وذلك باختلاف مطالع الشمس، وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس.
وقال في الآية الأخرى: (رب المشرق والمغرب..) وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب) انتهى.
وقد تكلم العلامة الشنقيطي على هذه الآيات بمثل ما ذكره ابن كثير في كتابه: "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" عند قوله تعالى في سورة البقرة: (ولله المشرق والمغرب) وورد عن ابن عباس وغيره أن للشمس ثلاثمائة وستون مشرقاً ومغرباً، وذلك على عدد أيام السنة، فكل يوم تشرق من مكان، وتغرب في مكان، ولا تعود إليه إلا بعد سنة، ولكن خص مشرقي الشتاء والصيف لتباعد ما بينهما.
وفي هذا العصر الحديث تأكد ما في هذه الآيات من إعجاز علمي، قال د. يحيى المحجري في "آيات قرآنية في مشكاة العلم": (لا يبدو وجود صعوبة في فهم صيغة المفرد، فأينما كنا، وحيثما وجدنا، رأينا للشمس مشرقاً ومغرباً، أما المشرقان والمغربان فقد فسرهما المفسرون بمشرقي الشمس ومغربي الشمس في الشتاء والصيف، فالأرض كما نعرف تتم دورتها حول الشمس في 365 يوماً وربع يوم. كذلك نعلم أن ميل محور دورانها عن المحور الرأسي يسبب اختلاف الفصول، ومن ثم اختلاف مكان ووقت الشروق والغروب على الأرض على مر السنة، فالواقع أن المشرق والمغرب على الأرض، أي مكان الشروق والغروب يتغيران كل يوم تغيراً طفيفاً، أي أن الشمس تشرق وتغرب كل يوم من مكان مختلف على مر السنة، وهذا بدوره يعني وجود مشارق ومغارب بعدد أيام السنة، وليس مشرقين ومغربين اثنين فقط، وإن بدا الاختلاف بين مشرقي الشمس ومغربيها أكثر وضوحاً في الشتاء والصيف، فقد يكون إذن مشرقي الشمس ومغربيها في الشتاء والصيف هما المقصودان في الآية الكريمة: (رب المشرقين ورب المغربين) كذلك قد تكون هذه المشارق والمغارب المتعددة التي نراها على مر السنة هي المقصود ة في الآية الثالثة (برب المشارق والمغارب) وقد يكون المقصود بها أيضاً مشارق الأرض ومغاربها في بقاعها المختلفة، فشروق الشمس وغروبها عملية مستمرة، ففي كل لحظة تشرق الشمس على بقعة وتغرب على بقعة أخرى، وقد يكون المقصود بها مشارق الأرض ومغاربها على كواكب المجموعة الشمسية المختلفة، فكل كوكب - مثله في ذلك مثل الأرض- تشرق عليه الشمس وتغرب.) انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1422(2/2981)
تفسير آية (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ... ) وواقع المسلمين المعاصر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وبعد.. عند تصفحي للفتوى المتعلقة بالهجرة - رقم 2007 - أود استفسارا وتوضيحا أكثر في هذا الموضوع:
* ما تفسيسر قوله تعالى " ألم تكن أرضي واسعة فتهاجروا فيها ... "؟
* إذا علمنا أن أغلب الدول العربية والإسلامية حكوماتها تظطهد مواطنيها وتسلب حقوقهم المادية والمعنوية وحتى التضييق في الشعائر الدينية، وأن الدول الغربية - الكافرة - تصبح منبرا حرا للتعبير والمساواة. ماتعليقكم على هذا وجازاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في تفسير الآية المذكورة ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي السهم فيرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل الله (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) انتهى.
وقال ابن كثير في تفسيره نقلاً عن الضحاك -: هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص الآية، حيث يقول الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) أي بترك الهجرة: (قالوا فيم كنتم) أي لما مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) أي لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض (قالوا ألم تكن أرض الله واسعة…الآية) انتهى. قال القرطبي: يفيد هذا السؤال والجواب أنهم كانوا مسلمين ظالمين لأنفسهم في تركهم الهجرة، وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا.
هذا وإن كانت الآية فيمن لم يتمكن من إظهار دينه بين الكفار، إلا أن فيها دلالة على أنه ينبغي الهجرة من البلد الذي يغلب عليه الكفر والمعاصي إلى غيره مما لا يوجد به ذلك. قال القرطبي: (وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي، وقال سعيد بن جبير إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها وتلا (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) انتهى. وقال الشوكاني (وقد استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك أو دار يعمل فيها بمعاصي الله جهاراً، إذا كان قادراً على الهجرة، ولم يكن من المستضعفين) انتهى.
أما إذا اضطهد المسلم في بلده وخاف على دينه فعليه أن يهاجر منه إلى بلد يأمن فيه على نفسه ودينه، فإن وجد من بلاد الإسلام فذاك، وإلا جازت له الهجرة إلى بلاد الكفر بشرط أن يأمن فيها على دينه ونفسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1422(2/2982)
الجمع بين أدلة رفع عيسى عليه السلام وبين قوله تعالى (فلما توفيتني ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن الله تعالى رفع عيسى عليه السلام فكيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى.فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال تعالى راداً على من ادعى قتل المسيح عليه السلام (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء:157،158]
ففي هذه الآية بيان أن الله رفعه حياً، وسلمه من القتل.
وأجمعت الأمة -كما نقل ذلك ابن القيم في بيان تلبيس الجهمية- على أن الله رفع عيسى عليه السلام إليه إلى السماء.
أما قوله تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [آل عمران:55]
فقد قال الإمام ابن تيمية رداً على من ادعى موته (فهذا دليل على أنه لم يعن بذلك الموت إذ لو أراد بذلك الموت، لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين، فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكذلك قوله: (ومطهرك من الذين كفروا) ولو كانت قد فارقت روحه جسده، لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء، أو غيره من الأنبياء.
وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه) يبين أنه رفع بدنه وروحه، كما ثبت في الصحيح أنه ينزل ببدنه وروحه، إذا لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات…
ولهذا قال من قال من العلماء: إني متوفيك، أي قابضك أي: قابض روحك وبدنك، يقال: توفيت الحساب واستوفيته.
ولفظ التوفي لا يقتضي نفسه توفي الروح والبدن، ولا توفيهما جميعاً إلا بقرينة منفصلة، وقد يراد به توفي النوم، كقوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر:42]
انتهى محل الغرض من كلام ابن تيمية (من مجموع الفتاوى) 322، 323) .
ومقتضى كلامه -رحمه الله- أن لفظ التوفي في الآية يراد به القبض، أي أن الله قبض عبده عيسى عليه السلام بروحه وبدنه ورفعه إلى السماء، والتوفي الذي هو بمعنى الموت هو أن يتوفى الروح فقط، بأن يفرق بينها وبين البدن، وبهذا يعلم أنه لا تعارض بين الآية المذكورة وغيرها من أدلة رفعه بل هي موافقة لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1422(2/2983)
تفسير قوله تعالى في سورة الكهف (أردت أن أعيبها ... فخشينا أن ... فأراد بك ربك ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الكهف في الآية رقم78 وردت كلمة أعيبها أي الضمير يعود على الرجل الصالح بينما في الآية التالية أصح الضمير للجمع فخشينا بينما في الآية التي بعدها أصبح أراد ربك فلماذا هذا الاختلاف إذا كان الفعل جميعه يعود للرجل الصالح والإرادة لله أرجو التوضيح ولكم الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن الأفعال الثلاثة التي ذكر السائل لا تعود كلها إلى الرجل الصالح، وإنما يعود عليه منها اثنان فقط، وهما "أردت" و" فخشينا"، بينما يعود الفعل الثالث الذي هو "أراد" على الله عز وجل، وهذا ظاهر، وليس فيه إشكال؛ ولكنه من البلاغة بمكان، ووجه ذلك أن الفعل الأخير -أراد ربك- أسندت فيه الإرادة لله تعالى، لأن بلوغ الأشد لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، وأما في السفينة فأسند الفعل إلى الرجل الصالح، لأن إحداث العيب بمقدور الإنسان، كما أن الأدب يقتضي إسناد الخير إلى الله تعالى، والشر إلى العباد، وهنالك نكتة أخرى في عود الضمير على الرجل الصالح مرة مفردا، ومرة بنون العظمة، قال الشوكاني في الفتح الرباني: (اعلم أنه قد وجد في الخضر عليه السلام المقتضي للمجيء بنون العظمة، لما تفضل الله به عليه من العطايا العظيمة، والمواهب الجسيمة، التي من جملتها العلم الذي فضله الله به… إلى أن يقول: فكان هذا مسوغا صحيحا للمجيء بنون العظمة تارة، وعدم المجيء بها أخرى، فقال " فأردت أن أعيبها" وقال " فأردنا" ملاحظا في أحد الموضعين لما يستحقه من التعظيم، تحدثاً بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه، وفي الموضع الآخر قاصدا للتواضع، وأنه فرد من أفراد البشر، غير ناظر إلى تلك المزايا التي اختصه الله تعالى بها، مع كون ذلك هو الصيغة التي هي الأصل في تكلم الفرد) انتهى كلام الشوكاني بتصرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1422(2/2984)
معنى (فبلغن أجلهن) في آيتي سورة البقرة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى:" وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف "
وقال الله تعالى: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف "
في الآية الأولى " فبلغن أجلهن " أي قبل ان تكمل العدة له أن يراجعها.. أما في الآية الثانية" فبلغن أجلهن " أي إذا اكتملت عدة المرأة.. فكيف يختلف معنى الكلام ... "فبلغن أجلهن" يكون معناها في الآية الأولى قبل أن تكمل العدة وفي الآية الثانية تكون إذا أتمت العدة؟
وهذا التفسير قرأته في عدة تفسيرات للقرآن الكريم؟ أرجو إفادتي ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المعنى في الآيتين مختلف، لاختلاف الحكم فيهما، وإن اتفقت ألفاظهما.
إذ معنى (بلغن أجلهن) في الآية الأولى: قاربن انقضاء عدتهن، وشارفن منتهاها، كما يقال بلغ فلان البلد، إذا قاربه وشارفه، فهو من باب المجاز الذي يطلق اسم الكل فيه على الأكثر.
وأما في الآية الثانية، فمعنى البلوغ فيها: الوصول إلى الغاية، فهو مستعمل في معناه الحقيقي.. هذا وجه.
وهنالك وجه آخر، وهو أن الأجل اسم للزمان، فيحمل في الآية الأولى على آخر جزء منه يمكن إيقاع الرجعة فيه، بحيث إذا فات لا يبقى بعده مكنة إلى الرجعة، وفي الآية الثانية يحمل على نهاية الزمن كله، أي زمن العدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1422(2/2985)
تفسير قوله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسيير قوله تعالى 'فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ' تفسير مع الإطناب وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فيقول تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [فصلت: 26]
فقوله تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) أي لا تستويان في الجزاء وحسن العاقبة والحسنة: هي ما ترضي الله ويتقبلها، والسيئة: هي ما يكرهها الله ويعاقب عليها (ادفع بالتي هي أحسن) أي ادفع ورد السيئة حيث اعترضتك بالخصلة التي هي أحسن منها، وهي الحسنة، كمقالة الغضب بالصبر، والجهل بالحلم، والإساءة بالعفو (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) الحميم الصديق، أي إذا فعلت ذلك صار عدوك كالصديق القريب في محبته
وتفسير الآية وبيانها، أن لا تساوي بين الفعلة الحسنة التي يرضى الله بها ويثيب عليها، وبين الفعلة السيئة التي يكرهها الله ويعاقب عليها، والمداراة من الحسنة، والغلظة من السيئة، فادفع أيها المسلم من أساء إليك بالإحسان إليه من الكلام الطيب، ومقابلة الإساءة بالإحسان، والذنب بالعفو، والغضب بالصبر، والإغضاء عن الهفوات، واحتمال المكروهات. قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه. ثم أبان الله تعالى نتيجة الإحسان وأثره البعيد فقال (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) أي إنك إن فعلت ذلك فقابلت الإساءة بالإحسان، صار العدو كالصديق وما أحسن هذه النتيجة أن يتحول الناس الأعداء أو الحساد إلى أصدقاء، أو كالأقارب يستعان بهم عند المحنة، بسبب الشفقة والإحسان.
قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1422(2/2986)
معنى قوله تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى قول الله (اقتلوهم حيث ثقفتموهم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ورد في القرآن مرتين:
الأولى: في سورة البقرة، قال الله تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين) [البقرة:191] .
والثانية: في سورة النساء، قال تعالى: (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً) [النساء:91] .
ومعنى قوله تعالى: (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي أين أصبتموهم من الأرض، ولقيتموهم فيها فاقتلوهم، فإن دماءهم لكم حينئذ حلال.
فأما الآية الأولى وهي آية سورة البقرة، فقال فيها أبو جعفر الطبري رحمه الله: اقتلوا أيها المؤمنون الذي يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مقاتلتهم، وأمكنكم قتلهم، وقتالهم على هذا النحو جائز، ما داموا هم يقاتلون المسلمين.
وأما آية سورة النساء، فنزلت في فريق من المنافقين كانوا يظهرون الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليأمنوا به عندهم من القتل والسبي، وأخذ الأموال، وهم كفار يعلم ذلك منهم قومهم، وإذا لقوا قومهم كانوا معهم، وعبدوا ما يعبدون من دون الله ليأمنوا على أنفسهم، وأموالهم، وأهليهم، ولذلك قال تعالى: (كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا) أي: كلما دعاهم قومهم إلى الشرك والكفر بالله ارتدوا فصاروا مشركين مثلهم.
وهذا الفريق - من المنافقين - الذين يريدون أن يأمنوكم، ويأمنوا قومهم إن لم يعتزلوكم ويستسلموا لكم ويصالحوكم، ويكفوا أيديهم عن قتالكم، فاقتلوهم أين أصبتوهم.
فآية البقرة نزلت في المشركين، وآية النساء نزلت في المنافقين.
وقتال كل من الطائفتين معلق على سبب، وقد تم ذكره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1422(2/2987)
تفسير (من) في قوله تعالى: (كل من عليها فان) .
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
فيما يخص الآية الكريمة 26 من سورة الرحمن " كل من عليها فان".
لماذا لم يقل عز وجل كل ما عليها فان؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا التعبير الوارد في الآية الكريمة صحيح فصيح معروف من كلام العرب، وهو من باب تغليب العاقل على غيره لشرفه، وله نظائر في كتاب الله تعالى، كما في سورة يونس: (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [يونس:66] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1422(2/2988)
أرجح ما قيل في تفسير أوائل السور
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أما بعد. سؤالي كالتالي: اذكر الأحاديث الشريفة التي قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم ردا على أسئلة كانت في معاني الحروف الموجودة في بعض سور القرآن الكريم مثل سورة البقرة -ألم- ... وغيرها من الحروف في سور أخرى. والسلام عليكم ورحمة الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في معاني هذه الحروف، ولذلك اختلف المفسرون في تفسيرها، وأرجح ما قيل فيها أنها من مظاهر إعجاز القرآن، وأن الله جل وعلا قد استأثر بعلم مراده منها، فهي داخلة في المتشابه الذي عناه بقوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) [آل عمران: 7] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1422(2/2989)
قصة هاروت وماروت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قصة الملكين هاروت وماروت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله سبحانه: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ... ) [البقرة:102] .
فقد جاء في تفسير أول الآية أن السحر كان قد فشا في زمن سليمان عليه السلام، وزعم الكهنة أن الجن تعلم الغيب، وأن السحر هو علم سليمان، وادعت ذلك اليهود، وقالوا: ما تم ملكه إلا بسحرة الإنس والجن والطير والريح، فرد الله سبحانه عليهم مبرئأً نبيه سليمان من ذلك، وذلك بقوله: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) .
وأما هاروت وماروت، فقد اختلفت أقوال المفسرين فيهما، فذكروا في ذلك قصصاً كثيرة معظمها إسرائيليات لا تصح، وأصح ما ذكر من الآثار في ذلك ما أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أى رب: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون" قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض، فننظر كيف يعملون. قالوا: ربنا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله شيئاً أبداً، فذهبت عنهما، ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: لا والله لا نقتله أبداً، فذهبت، ثم رجعت بقدح خمر تحمله، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي، ولما أفاقا. قالت المرأة: والله ما تركتما شيئاً أبيتماه إلا قد فعلتماه حين سكرتما، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا".
فالراجح من أقوال أهل التفسير أنها ملكان من الملائكة، ويجاب عما وقع منهما مع عصمة الملائكة من الوقوع في الذنوب بأجوبة، أفضل ما وقعنا عليه منها ما قال ابن كثير وإليك نصه: (وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وكان من أمرهما ما كان، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده ... وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصاً لهما، فلا تعارض حينئذ، كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق.
مع أن شأن هاروت وماروت على ما ذكر أخف مما وقع من إبليس لعنه الله تعالى) . انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: (ويجاب أن عصمة الملائكة ما داموا بوصف الملائكة، أما إذا انتقلوا إلى وصف الإنسان فلا) انتهى.
وأما تعليمهما السحر، فإنه كان لغرض صحيح، وهو بيان حقيقة السحر للناس، وأنه من فعل الشياطين، وأنه كفر وحرام، وقال بعض أهل العلم: إنما نزلا لبيان اجتناب السحر لا لبيان فعله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1422(2/2990)
الفرق بين تدبر القرآن وتفسيره ... وشروط المفسر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تدبر القرآن ملزم به العلماء في التفسير واللغه وغيرذلك أم على العالم وغيره من عامة الناس وماذا يفعل من يجيد القراءة ولا يجيدالتفسير ولا يجيد قواعد اللغة العربية هل هوملزم بالتدبر علما أانه أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتدبر القرآن مطلوب من كل أحد من البشر، لأنه الكتاب الذي أنزل إليهم لهدايتهم وإرشادهم إلى خير دنياهم وآخرتهم، ولذلك حضهم ربهم سبحانه على ذلك قائلاً: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء:82] ، وتدبر كتاب الله ميسر لكل أحد، ومصداق ذلك قوله سبحانه: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر:17] .
قال الطبري في تفسيرها: (ولقد سهلنا القرآن، بيناه وفصلناه للذكر لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ، وهوّناه ... فهل من معتبر متعظ يتذكر بما فيه من العبر والذكر؟) .
لكن هناك فرق بين تدبر القرآن والاعتبار به والاتعاظ، وبين تفسيره، وبيان مراد الله من آياته على وجه التفصيل، فهذا لا يكون إلا ممن استوفى علوماً تجعله يستقل بنفسه في معرفة مرامي النصوص ودلالتها، ومن هذه العلوم معرفة قواعد التفسير وعلوم اللغة العربية، ومعرفة مطلق القرآن ومقيده، ومنطوقه ومفهومه، وعامه وخاصه، ومحكمه ومتشابهه، ومجمله ومبينه، وناسخه ومنسوخه، ومعرفة أسباب وأماكن نزوله، ومعرفة الأحاديث والآثار المتعلقة بتفسيره ... وغيرها من العلوم التي لابد من توفرها في مفسر القرآن، ومن لم يتيسر له ذلك، فليرجع إلى تفاسير أهل العلم المعتبرين ينقل عنهم، ويأخذ منهم فقد كفوه المؤونة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1422(2/2991)
تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[مالمقصود بقوله تعالي ( ... ماؤكم غوراَ) سورة الملك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك:30] .
معناه: إن أصبح ماؤكم غائراً في الأرض بحيث لا يبقى له فيها وجود، وصار ذاهباً في الأرض إلى مكان بعيد بحيث لا تناله الدلاء، ولا غيرها من وسائل استخراج الماء، وذلك لبعد العمق الذي نزل إليه، يقال: غار الماء غوراً، أي: نضب. والغور: الغائر، وصف بالمصدر للمبالغة، كما يقال: رجل عدل.
(فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِين) أي: ظاهر تراه العيون، وتناله الدلاء، وغيرها من وسائل الاستخراج.
ومعنى الآية: أن الله تعالى يأمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يقول للكفار: أخبروني إذا ذهب ماؤكم في الأرض، ولم تعودوا تستطيعون الوصول إليه، فمن يأتيكم بماء جار عذب تشربون منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1422(2/2992)
الآيات التي تنهى عن التبذير والإسراف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الآيات القرآنية التى تحتوي على معنى الإسراف فى الأموال أو تكلمت عن المبذرين وشكراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تحدثت آيات كثيرة في القرآن الكريم عن المال من جميع الجوانب، وذلك يدل قطعاً على العناية التي يوليها الإسلام لحفظ الأموال، وصرفها فيما ينبغي أن تصرف فيه.
وأما الآيات التي أمر الله تعالى فيها بحفظ المال ونهى فيها عن التبذير والإسراف، فمنها قوله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) [الإسراء:29] .
وقوله عز وجل: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) [الإسراء: 26-27] .
وكذلك قوله جل وعلا: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان:67] .
وقد رغب الله في حفظ المال في آية المداينة، حيث أمر بالكتابة والإشهاد والرهن، وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) [البقرة:282] .
وقد عرَّف العلماء التبذير: بأنه صرف الشيء في ما ينبغي زائداً على ما ينبغي، بمعنى أن يكون وجه الصرف جائزاً في الأصل، ولكن الصرف فيه خرج عن حد الاعتدال، كما عرفوا السفه بأنه: صرف الشيء فيما لا ينبغي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1422(2/2993)
الفرق بين (إياك نعبد) و (نعبدك)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين إياك نعبد وبين نعبدك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5] يفيد اختصاص الله تعالى بالعبادة، لأن تقديم المفعول وهو (إياك) على عامله (نعبد) يؤتى به للقصر والحصر، والمعنى: نخصك بالعبادة، أو لا نعبد إلا إياك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1422(2/2994)
إفراد السمع ... وجمع القلوب والأبصار في القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.. قال الله تعالى في سورة البقرة " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم "
ذكر الله عز وجل قلوبهم وأبصارهم بالجمع
فما سبب ذكر " سمعهم " بالمفرد ولم يقل " أسماعهم" مع ملاحظة تكرار ذلك في أكثر من سورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السبب في إفراد لفظ السمع من قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:7] .
هو أن لفظ السمع مصدر، والمصدر يقع على القليل والكثير، يقال: سمعت الشيء أسمعه سمعا وسماعا، وذلك بخلاف البصر، فليس مصدرا، وقيل: إن السبب في ذلك أنه لما أضاف السمع إلى الجماعة دل على أنه يراد به أسماع الجماعة، كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض
وأما جلدها فصليب
يريد جلودها فوحد، لأنه قد علم أنه لا يكون للجماعة جلد واحد، وفيها أوجه أخرى اكتفينا عن ذكرها بذكر هذين الوجهين، فمن يريد الزيادة فليرجع إلى المطولات من كتب التفسير عند الآية المذكور ومثيلاتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1422(2/2995)
التوفيق بين قوله تعالى (إذا جاء أجلهم لا يستأخرون) وبين قوله عليه الصلاة والسلم " وينسأ له في أثره"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وفي الحديث ما معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك عندما رأى رجلاً فقالوا له لم ضحكت قال الآن مد الله له في عمره.
ألا يعني هذا أن الأعمار يمكن أن تزيد وتنقص حسب الأعمال كصلة الرحم، وكذلك في الحديث أن من بر والديه مد الله في عمره والسؤال هو: كيف التوفيق بين كون الإنسان لا يستأخر عنه أجله ولا يستقدم، وبين كون الأعمار حسب الأعمال؟
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد وردت أحاديث تدل على أن بعض الأعمال الصالحة سبب في زيادة العمر، ومنها ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه".
ومنها ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بر والديه طوبى له، زاد الله عز وجل في عمره". فظاهر هذين الحديثين وما شابههما يعارض دلالة الآية التي ذكرها السائل، والحقيقة أنه لا تعارض بين الآية ومدلول الحديثين، فالآجال معلومة عند الله تعالى، مقدرة مكتوبة لا يزاد فيها ولا ينقص، والزيادة المذكورة في الحديثين إما زيادة معنوية وهي: بركة العمر، والتوفيق فيه لما ينفع المرء في دينه ودنياه.
وإما زيادة محسوسة على ما هو معلوم عند الملََك، وما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، وأما العمر الذي هو في علم الله تعالى فلا يزاد فيه، ولا ينقص، وهو المقصود بالآية المشار إليها.
والتوجيه الأول أوجه وأليق، والتوجيهان معا هما أشهر التوجيهات، لما دلت عليه الآية والأحاديث، وقد ذكرهما الشيخان الحافظ ابن حجر، والإمام النووي عند شرحهما لحديث الصحيحين المتقدم.
فقد قال الحافظ في الفتح:
(قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [لأعراف:34] . والجمع بينهما من وجهين:
أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غيره ذلك.
ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر. وحاصله أن صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل، فكأنه لم يمت.
ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده، والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى.
ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملََك الموكل بالعمر، وأما الأول الذي دلت عليه الآية، فبالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن يقال للملك مثلاً: إن عمر فلأن مائة - مثلاً - إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) [الرعد:39] ، فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى، فلا محو فيه ألبتة، ويقال له القضاء المبرم، ويقال للأول القضاء المعلق، والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب، فإن الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور.
وقال الطيبي: الوجه الأول أظهر، وإليه يشير كلام صاحب (الفائق) قال: ويجوز أن يكون المعنى: أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلاً، فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم، ولما أنشد أبو تمام قوله في بعض المراثي:
توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر
قال له أبو دلف: لم يمت من قيل فيه هذا الشعر، ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)) انتهى.
وللنووي كلام مثله، أوقريب منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1422(2/2996)
تفسير قوله تعالى (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت.....)
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: لقد وبخ الله سبحانه وتعالى إبليس عليه لعنة الله وذلك بقوله أستكبرت أم كنت من العالين (صدق الله العظيم) من هم العالون الذين قصدهم الله سبحانه بقوله والذين استثناهم من السجود لآدم مع أن الملائكة جميعاً سجدوا، والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أعلم الله سبحانه وتعالى الملائكة قبل خلق آدم عليه السلام بأنه سيخلق بشراً من صلصال من حمإ مسنون، وتقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته فليسجدوا له إكراماً وإعظاماً وامتثالاً لأمر الله عز وجل، فامتثل الملائكة كلهم ذلك، إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين، وقد وردت هذه القصة في سورة البقرة والأعراف والحجر والإسراء والكهف وص.
ولم يخبرنا الله تعالى أن أحداً غير إبليس امتنع من السجود، وأكد الله الخبر بسجود جميع الملائكة فقال: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس) . [ص:73]
وأما قوله: (أستكبرت أم كنت من العالين) فهو كقوله (وكان من الكافرين) ولا يعني هذا وجود قوم كافرين أو عالين في زمن إبليس أو قبله، فهذا لم يثبت في نص من كتاب أو سنة صحيحة، والمراد أن امتناع إبليس وإباءه من جنس أفعال العالين المستكبرين، وبهذا صار إبليس رأساً وإماماً لكل عال مستكبر، كفرعون وهامان وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1422(2/2997)
تفسير قوله تعالى (ويؤتون الزكاة وهم راكعون)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أود أن أعرف إذا كان من زكى وهو راكعا الإمام علي كرم الله وجهه أم لا؟؟
وإذا كانت الإجابة بنعم فأريد أن أعرف تفسير الآية الكريمة التي تقول (إنما وليكم الله ورسوله والمؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننبه أولاً أن الآية الكريمة هي: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55)
وليس كما ورد في السؤال.
وهذه الآية ليس فيها ذكر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإنما جاءت بالأمر بموالاة من تجب موالاته بعد أن نهى الله عز وجل عن موالاة اليهود والنصارى بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)
فأوجب موالاة الله والرسول والمؤمنين الذين من صفتهم أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وأنهم راكعون خاضعون لربهم منقادون لأمره.
فجملة (وهم راكعون) إن جعلت حالاً، كان معنى الركوع فيها الخضوع والانقياد. ولا يصح أن يكون المعنى الثناء على من يخرج زكاته وهو راكع.
قال ابن كثير رحمه في تفسيره: (وأما قوله (وهم راكعون) فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله (ويؤتون الزكاة) أي في حال ركوعهم، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى) .
والآثار الواردة التي تفيد أن علياً رضي الله عنه تصدق بخاتمه أثناء ركوعه في الصلاة لا يصح منها شيء.
قال ابن كثير رحمه الله بعد إيرادها: (وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها) .
بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية (أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه، وأن علياً لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع) وقال (وجمهور الأمة لم تسمع هذا الخبر، ولا هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة: لا الصحاح ولا السنن ولا الجوامع ولا المعجمات، ولا شيء من الأمهات) [منهاج السنة 4/4.]
وهذه الآية يراها الإمامية من أقوى أدلتهم على إمامة علي رضي الله عنه، ويزعمون أن الولي بمعنى الأولى بالتصرف، المرادف للإمام والخليفة، وقد حصرت الآية هذه الولاية فيمن زكى وهو راكع وهو علي رضي الله عنه، والجواب على ذلك من وجوه:
الأول: أنه لم يصح ما نسب إلى علي رضي الله عنه كما سبق.
الثاني: أن هذا الدليل ينقض مذهبهم في ولاية الاثنى عشر إماماً لأنه يقصر الولاية على علي رضي الله عنه بصيغة الحصر (إنما) فيدل على سلب الولاية عن باقي الأئمة. فإن أجابوا بأن المراد حصر الولاية في بعض الأوقات، أي في وقت إمامته لا وقت إمامة من بعده، وافقوا أهل السنة في أن الولاية العامة كانت له وقت كونه إماماً، لا قبله، وهو زمان خلافة الثلاثة.
الثالث: أن الله تعالى لا يثني على الإنسان إلا بما هو محمود عنده، إما واجب وإما مستحب، والتصدق أثناء الصلاة ليس بمستحب باتفاق علماء الملة، ولو كان مستحباً لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولحض عليه ولكرر فعله، وإن في الصلاة لشغلا، وإعطاء السائل لا يفوت، بل إن الاشتغال بإعطاء السائلين قد يبطل الصلاة.
الرابع: أن قولهم إن علياً أعطى خاتمه زكاة في حال ركوعه مخالف للواقع، فإن علياً رضي الله عنه لم يكن ممن تجب الزكاة عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان فقيراً، وزكاة الفضة إنما تجب على من ملك النصاب حولاً، وعلي لم يكن من هؤلاء.
الخامس: أن قولهم: إن المراد بقوله (إنما وليكم الله) الإمارة لا يتفق مع قوله سبحانه (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) فإن الله سبحانه لا يوصف بأنه متول على عباده، وأنه أمير عليهم، والولاية في الآية هي المحبة لا الإمارة.
وهذا يناسب التعقيب به على تحريم موالاة المسلم لليهود والنصارى. وللمزيد من التفصيل يراجع: "أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية" للدكتور ناصر بن عبد الله الغفاري ج2 ص 818-829
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1422(2/2998)
ملك اليمين ... معناه ... وأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[ (إلا على أزواجكم أو ما ملكت أيمانكم) ما المقصود بجملة ما ملكت أيمانكم في عصرنا الحالى وما حكمه. وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصواب في لفظ الآية كما وردت في القرآن هكذا: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون: 6] ، [المعارج: 30] .
وملك اليمين: هم الأرقاء المملوكون لِمن ملكهم عبيداً، ذكوراً أو إناثاً.
والمقصود بقوله (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) : النساء مِن الرقيق، وهنّ الإماء، إذ يحقّ لمالكهنّ أن يطأهنّ مِن غير عقد زواج، ولا شهود، ولا مهر، فهنّ لسن أزواجاً، فإذا جامعهن سُمّيْنَ (سراري) جمع: سُرّية.
وقد انتهى الرق تقريباً في عصرنا هذا، فلم يعد هناك عبيد ولا إماء لأسباب معروفة، وهذا لا يعني إبطال أحكام الرق إذا وجدت أسبابه، كالجهاد بين المسلمين والكفار، فإن نساء الكفار المحاربين سبايا تنطبق عليهن أحكام الرق، وملك اليمين، وإن أبطلته قوانين أهل الأرض. وما لم توجد هذه الأسباب الشرعية، فالأصل أن الناس أحرار.
قال ابن قدامة في المغني: الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض، فإذا لم يعلم ذلك العارض، فله حكم الأصل.
وقال صاحب فتح القدير: والحرية حق الله تعالى، فلا يقدر أحد على إبطاله إلا بحكم الشرع، فلا يجوز إبطال هذا الحق، ومن ذلك لا يجوز استرقاق الحر، ولو رضي بذلك. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1422(2/2999)
تفسير (الأعمال الصالحة) الواردة في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما يذكر فى الآية الكريمة أن الجنة للذين آمنو وعملوا الصالحات فما العمل الصالح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالعمل الصالح هو الذي تحقق فيه شرطا القبول وهما: الإخلاص والمتابعة. قال تعال: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف:110] .
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: إن العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً صواباً، فالخالص: أن يكون لوجه الله، والصواب: أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فكل عمل وافق سنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتغي به وجه الله فهو عمل صالح، وفعل الواجبات والمستحبات، وترك المنكرات والمكروهات، عمل صالح يثيب الله عليه قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:46] .
ذكر الألوسي في تفسيره عن ابن مردويه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في رواية أخرى عنه: تفسيرها بجميع أعمال الحسنات، وفي معناه ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن قتادة أنها: كل ما أريد به وجه الله تعالى، وعن الحسن وابن عطاء أنها: النيات الصالحات.. الخ، روح المعاني (8/272) .
ولا شك أن الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتلاوة القرآن والذكر، والتسبيح والتحميد، وسائر أعمال البرّ كل ذلك يندرج في الأعمال الصالحة التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمن لينال موعود الله سبحانه القائل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً) [الكهف: 106-107] إلى غير ذلك من الآيات التي لا يتسع المقام لذكرها. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1422(2/3000)
التفسير الصحيح لقوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف ترد على من يقول بأن الزواج بأكثر من زوجة هو فقط لتحقيق العدالة في إدارة أموال اليتامى من النساء، بدليل قوله " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ... إلخ " وأن الغاية من تعدد الزوجات قد انتهت الآن في عصرنا بسبب وجود الضمان الإجتماعي، والمؤسسات الحكومية لإدارة الأموال ... إلخ. وهل يوجد دليل من القرآن أو الحديث على جواز الزواج بأكثر من واحدة بسبب أن واحدة لا تكفي للتعفف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن هذا القول ساقط أصلاً، وهو قول متهافت واه. وذلك أن الآية التي استدل بها هي في الواقع - دليل على عكس ما قرر كما سنبينه لك، ولكن القائل لجهله بسبب نزولها، وعدم معرفته بأقوال المفسرين فيها، وعدم قدرته على تحليل نسقها اللغوي ظنها دليلاً لما ادعاه، فقال على الله وعلى كتابه وشرعه بغير علمٍ.
وإليك سبب نزول الآية الذي يبين معناها بجلاءٍ، ففي الصحيحين أن عروة بن الزبير سأل عائشة عن قول الله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى..) ، فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها- تشركه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهن إلاّ أن يقسطوا لهن، ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ….
فهذا الحديث الصحيح مبين لسبب نزول الآية، وأن المأمور بنكاحهن هنَّ النساء غير اليتيمات، وذلك أن بعض الأولياء يرغب في نكاح اليتيمة التي في حجره طمعا في مالها وجمالها مع ضنِّه بما يعطى لمثيلاتها من الصداق، فنهوا عن نكاحهن إلاّ أن يقسطوا ويعدلوا في إعطائهن حقوقهن كاملة، فإن خافوا أن لا يعدلوا في ذلك، فعليهم أن ينكحوا ما أحل الله تعالى لهم من النساء اللاتي ينافحن ويكافحن عن حقوقهن بأنفسهن، أو بواسطة أوليائهن.
فهذا سبب نزول الآية، وهذا معناها الصحيح الموافق لنسقها اللغوي، وتدل عليه آيات أخرى منها: قوله تعالى: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) [النساء: 127] ، وبهذا يتضح لك أن الغاية في تعدد الزوجات ليست ما يقول القائل، بل الغاية من ذلك تحقيق مصالح أخرى كثيرة لعلك تطلع على بعضها في فتوانا رقم: 1660، 2286.
واعلم أن جواز التعدد - لمن هو قادر عليه - له أدلة كثيرة، منها ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الزواج، وتكثير الذرية، ومنها إقراره صلى الله عليه وسلم لمن هو متزوج من أصحابه بأكثر من واحدة على ذلك، وإنما ألغى من ذلك ما زاد على الحد الذي حده الله تعالى، وهو أن لا يزيد الرجل على أربع من الحرائر في عصمته، كما في الموطأ والسنن أن غيلان بن مسلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير أربعا منهن. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1422(2/3001)
معنى: (وقلن قولا معروفا) .
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الخروج أو النزهات للخطيب وخطيبته حلال؟
يذكر في القرآن أنه إذا كان القول معروفا فهو جائز ... وأعتقد أنه جائز للمعرفة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالخاطب أجنبي عن مخطوبته لا يحل له الخروج معها للنزهة، ولا غير ذلك، كما لا يحل له النظر إليها، أو الخلوة بها، ما لم يعقد عليها، فإذا عقد عليها حلّ له ذلك، أما القول المعروف الذي أشار إليه السائل، فلعله يقصد قوله تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ….) [الأحزاب: 32-33] .
قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلي الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهنّ في ذلك، فقال تعالى مخاطباً لنساء النبي صلي الله عليه وسلم بأنهن إذا اتقين الله عز وجل كما أمرهن، فإنه لا يشبههن أحد من النساء، ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة، ثم قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول) قال السدي وغيره: يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال، ولهذا قال تعالى: (فيطمع الذي في قلبه مرض) أي: دغل. (وقلن قولاً معروفاً) قال ابن زيد: قولاً حسناً جميلاً معروفاً في الخير، ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها، وقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) أي: الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة… وقال مقاتل بن حيان عند قوله تعالى: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) والتبرج: أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وذلك التبرج، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج) . تفسير القرآن العظيم (3/631) .
والمقصود من ذكر هذا الكلام المتقدم أنه إذا حصل كلام بين رجل وامرأة أن يكون على قدر الحاجة، وبالضوابط الشرعية ومنها: أن لا تخضع بالقول، وأن يكون قولاً معروفاً مع الخاطب، ومع غيره، أما إذا أراد الخاطب التعرف على خطيبته، فيمكن الجلوس معها مرة، أو مرتين حسب الحاجة، لكن لابد من وجود محرم معهما: كأبيها أو أخيها أو عمها أو خالها… ولا يجوز له الخلوة بها بقصد التعارف حتى ولو كانت لا تخضع بالقول، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" رواه البخاري ومسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" رواه أحمد، والترمذي، والحاكم.
قال المناوي في فيض القدير: لا يخلون رجل بامرأة، أي: أجنبية. إلا كان الشيطان ثالثهما بالوسوسة، وتهييج الشهوة، ورفع الحياء، وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما الجماع، أو ما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه، والنهي للتحريم.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وقد سبق جواب فيه تفصيل نحيلك عليه للفائدة وهو برقم:
1151
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1422(2/3002)
تفسير قوله تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير هذه الآية" فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قوله تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض..) [الأحزاب: 32] .
خطاب موجه من الله سبحانه إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهن إلى المسلمات كافة: أن لا يكون كلامهن بحضرة الرجال (غير المحارم والزوج) رقيقاً ليناً مرخماً تظهر فيه أنوثة المرأة التي بها تميل قلوب الرجال وشهوتهم إليها، بل يكون كلامهن فصلاً غليظاً بغير رفع للصوت، ولا كثرة كلام، إنما يكون كلامها على قدر الحاجة، كالجواب المختصر على سؤال، فإن ألنّ القول أشبهن بكلامهن كلام المريبات والمومسات.
ومعنى (فلا تخضعن بالقول) : فلا تلنًّ القول.
ومعنى: (الذي في قلبه مرض) : الذي في قلبه تشوق لفجور، وهو الفسق والغزل. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1422(2/3003)
تفسير قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صفة تحريم الزواج ببنت الزوجة لدى انتهاء العلاقة الزوجية بأمها، وما المقصود بالحجور في الآية الكريمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ابنة زوجة الرجل التي دخل بها يحرم نكاحها بسبب حصول القرابة الناشئة من الزواج، وهي المعروفة في عرف الفقهاء "بالمصاهرة"، ويدخل في ذلك بنات بناتها، وبنات أبنائها وإن نزلن، لأنهن من بناتها، والله تعالى يقول: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) [النساء: 23] ، والربائب جمع ربيبة، وربيبة الرجل: بنت امرأته من غيره، سميت ربيبة له لأنه: يربها كما يرب ولده. أي: يسوسه.
وأما قوله تعالى: (اللاتي في حجوركم) ، فالراجح الذي عليه عامة الفقهاء غير "الظاهرية" أنه وصف لبيان الشأن الغالب في الربيبة، وهو أن تكون في حجر زوج أمها، وليس قيداً بحيث يعتبر مفهومه، فتحل بسبب ذلك الربيبة التي لم تترب في حجر زوج أمها لزوج هذه الأم. والعلم عند الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1422(2/3004)
منهج: ابن كثير الدمشقي في تفسيره
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو بيان منهج ابن كثير في التفسير وكذلك بيان المراجع التي تبين وتتحدث عن منهجه؟
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ابن كثير قد أبان عن منهجه في مقدمة تفسيره، بصورة واضحة.
وهناك رسالة دكتوراة عن الإمام ابن كثير ومنهجه في التفسير للدكتور/ سليمان اللاحم/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ويمكنك التواصل معه، أو البحث عنها في السوق إن كانت مطبوعة.
وهناك إشارات مختصرة عن منهجه أيضاً في كتاب: التفسير والمفسرون للذهبي. وهو مطبوع متداول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1422(2/3005)
بيان معنى قوله تعالى: (ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي لزيارة الخاطب لخطيبته؟
وهل خروجهما للنزهة جائز؟ في القرآن ورد كما أعتقد أنه غير جائز المواعدة سريا إلا "قولا معروفا" فهل هذا يعتبر من هذا القبيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حدود العلاقة بين الخاطب ومخطوبته قبل العقد وبعده، وذلك تحت الفتاوى رقم: 7391 6826 6416 1151 1847 5814
وأما قوله تعالى: (ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) [البقرة: 235] .
فلا علاقة له بموضوعك، وإنما المراد من الآية بيان حكم المرأة المعتدة من وفاة زوجها، فأباح الله تعالى التعريض لها بالخطبة، ومنع التصريح بذلك، كما منع الاتفاق والتواعد معها سراً على النكاح.
قال الله تعالى في أول الآية: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً)
والتعريض أن يقول: وددت أني وجدت امرأة صالحة، أو يقول: إني أريد امرأة من أمرها كذا وكذا، يعِّرض لها بالقول المعروف.
فهذا في المرأة المتوفى عنها زوجها، وكذا حكم المطلقة المبتوتة، أما الرجعية فلا. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1422(2/3006)
جمع الشمل بين الآباء والأبناء في الجنة من تمام النعيم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنسان يعرف إخوانه من أمه وأبيه في الجنة؟ وما الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله جل وعلا يقول: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين) [الطور:21] .
وما ألحق به إلا لتقر به عينه، فكل منهما عارف بالآخر. قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (يخبر تعالى عن فضله وكرمه وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه، أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم بالإيمان، يلحقهم بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك) تفسير ابن كثير (4/306) .
وقال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين) [سورة الحجر:47] وإذا لم يتم التعارف فما الفائدة من نزع الغل من الصدور؟ فالحاصل أن أهل الجنة يعرف بعضهم بعضاً إذا كانوا على علاقة في الدنيا، وهذا من تمام النعيم. وقد قال تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) [الزخرف:71] وأي شيء أشهى إلى النفس وألذ للناظر من أن ترى حبيبك في الدنيا، وهو يشاركك ما أنت فيه من نعيم مقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1422(2/3007)
تفسير قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعرف أن من المسلمين من هو مقتصد وسابق بالخيرات وظالم لنفسه، أرجو إعطائي خمس آيات كريمة خاطبت كل قسم منهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قسم الله سبحانه وتعالى المسلمين إلى ثلاثة أصناف في سورة فاطر فقال: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) [فاطر:32] وقبل الحديث عن هؤلاء الأصناف لا بد من بيان المقصود بهم: فالظالم لنفسه هو: المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات. والمقتصد هو: المؤدي للواجبات التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات. والسابق بالخيرات هو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات. ذكره ابن كثير في التفسير (3/726) .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما- هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فظالمهم يغفر له، مقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
لكن قد جاء عن مجاهد أنه قال (فمنهم ظالم لنفسه) أي أصحاب المشأمة (الشمال) وقال مالك عن زيد بن أسلم والحسن وقتادة: هو المنافق، لكن قال ابن كثير: (قال ابن عباس والحسن وقتادة. وهذه الأقسام الثلاثة، كالأقسام الثلاثة المذكورة في أول سورة الواقعة وآخرها، والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير، كما هو ظاهر الآية، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق يشد بعضها بعضاً) .
ومن العلماء من قال: الظالم لنفسه هو: الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، كما في قوله تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) [التوبة: 102] .
وعلى أية حال: فما دام أنك عرفت المقصود بكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة، فيمكنك إن شاء الله تتبع الآيات أو الأحاديث النبوية التي تخاطب كل صنف.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1421(2/3008)
معنى المن والسلوى
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالمقصود من المن والسلوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المن والسلوى اللذين أنزلهما الله تعالى على بني إسرائيل مختلف في تعيين المراد منهما، فقيل: إن المن هو طل ينزل من السماء على شجر، أو حجر، ويحلو وينعقد عسلاً، ويجف جفاف الصمغ، وقيل: المن العسل، وقيل: شراب حلو، وقيل: هو مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع، وهذا المعنى الأخير أعم، ويدل له ما في الصحيحين من أن الكمأة من المن الذي أنزل على موسى.
أما السلوى: فهو طائر يشبه السماني، أو هو السماني نفسه، وقيل: العسل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1421(2/3009)
الروايات الإسرائيلية في تفسير ابن كثير مسندة ومبينة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الصحيح أن تفسير ابن كثير فيه كثير من الإسرائيليات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تفسير ابن كثير يوجد فيه بعض الاسرائيليات، إلى جانب عنايته بالرواية الصحيحة للسنة وآثار السلف، والتحقيق في المسائل وحسن الجمع والاختيار وهذه المرويات من الإسرائيليات لا تقص من قيمة الكتاب، أو مؤلفه، فإنه من أجود وأحسن التفاسير التي يعتمد عليها علماء المسلمين، وعامتهم، ومؤلف الكتاب الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ يبين هذه الإسرائيليات عن طريق ذكر الإسناد، ومن أسند فقد أحال، ويبينها أيضاً بالكلام عليها في أغلب المواضع. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1421(2/3010)
تفاسير اعتنت ببيان عقيدة السلف
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة المحترمون
السلام عليكم
الرجاء ذِكر عنوان كتاب تفسير (أو تفاسير) مُعتَبرة تعالج الموضوعات العقائدية وأصول الدين (يعني ضمن التفسير، كما يحصل ذلك للأمور الفقهية) ؛ حسب طريقة أهل السنة والجماعة.
ودمتم مشكورين والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن كتب التفسير النافعة بإذن الله، والتي اعتنت بذكر عقيدة السلف تفسير الإمام الحافظ (أبي الفداء ابن كثير الدمشقي) الموسوم: بتفسير القرآن العظيم، حيث يعرض لمسائل الاعتقاد عند ذكر آياتها، كالاستواء والشفاعة والميزان وغيرها، فيذكر الدلالة عليها من الكتاب والسنة، ذاكراً مذهب السلف فيها، بأسلوب سهل يسير، بعيداً عن تكلفات المتكلفين واصطلاحاتهم الحادثة، وكذلك تفسير الإمام البغوي، واسمه: معالم التنزيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1421(2/3011)
تفسير قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعني قوامة الرجل علي المرأة وماهي أسبابها وهل إذا لم ينفق الرجل علي المرأة يسقط حقه عليها في القوامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لما منح الله الرجل ما منحه من عقل أكمل من عقل المرأة، وعلم أغزر من علمها غالباً، وبعد نظر في مبادئ الأمور ونهاياتها أبعد من نظرها. كان من المناسب والحكمة أن يكون هو صاحب القوامة عليها. والقوامة معناها: القيام على الشيء رعاية وحماية وإصلاحاً. قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) [النساء: 34] .
وقد ذكر المولى عز وجل لهذه القوامة سببين اثنين أولهما: وهبي.
وثانيهما: كسبي.
أما الأول منهما: فهو ما أشار إليه قوله تعالى: (بما فضل الله بعضهم على بعض) أي بتفضيل الله الرجال على النساء، من كونه جعل منهم الأنبياء والخلفاء والسلاطين والحكام والغزاة، وزيادة التعصيب والنصيب في الميراث، وجعل الطلاق بأيديهم، والانتساب إليهم، وغير ذلك مما فضل الله به جنس الرجال على جنس النساء في الجملة.
والسبب الثاني في جعل القوامة للرجل على المرأة هو: ما أنفقه عليها، وما دفعه إليها من مهر، وما يتكلفه من نفقة في الجهاد، وما يلزمه في العقل والدية، وغير ذلك مما لم تكن المرأة ملزمة به، وقد أشار إليه في الآية بقوله (وبما أنفقوا من أموالهم) .
وإذا تخلى الرجل عن ميزته التي ميزه الله تعالى بها فلم ينفق على امرأته، ولم يكسها، فإن ذلك يسلبه حق القوامة عليها، ويعطيها هي الحق في القيام بفسخ النكاح بالوسائل المشروعة، هذا هو ما يقتضيه تعليل القوامة في الآية الكريمة بالإنفاق، وهو ما فهمه منها المالكية والشافعية.
هذا، ومما يجب التنبه له أن تفضيل الرجال على النساء المذكور في الآية الكريمة المراد منه تفضيل جنس الرجال على جنس النساء، وليس المراد منه تفضيل جميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، وإلا فكم من امرأة تفضل زوجها في العلم والدين والعمل والرأي وغير ذلك.
وقال الشاعر: فلو كان النساء كمن ذكرنا ... لفضلت النساء على الرجال
وهذه النكتة التي نبهنا عليها هي واحدة من بين نكت ذكر علماء البلاغة أن الإشارة إليها هي السر في عدول النظم القرآني إلى التعبير بقوله: (بعضهم على بعضهم) ولم يقل: بتفضيلهم عليهن، أو بتفضيله إياهم عليهن، مع أن ما عدل عنه أخصر وأوجز، ولكن عدل عنه لحكم جليلة، ونكت بلاغية يرى المطلعون عليها أن الآية في نهاية الإيجاز والإعجاز، ومن أراد الاطلاع على المزيد فعليه بكتب التفاسير عند الآية الكريمة: (الرجال قوامون على النساء..) [النساء: 34] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1421(2/3012)
تفسير قوله تعالى (ولذكرالله أكبر)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد من قوله تعالى (ولذكر الله وأكبر) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى قوله تعالى: (ولذكر الله أكبر) [العنكبوت:45] أن ذكر الله لعباده بالثناء عليهم، وثوابهم أكبر من ذكرهم له، وعلى هذا فالمصدر مضاف إلى فاعله، والتقدير أن يذكر الله عباده بالثواب والثناء عليهم فذلك أكبر … إلخ) ويشهد لهذا المنحى في التفسير قوله تعالى: (فاذكروني أذكركم) [البقرة: 152] وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " متفق عليه.
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن ربيعة قال: " سألني ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله (ولذكر الله أكبر) فقلت: (ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير، قال:" لا. ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ثم قرأ: اذكروني أذكركم) " ا. هـ. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: "ذكر الله للعبد أكبر من ذكر العبد لله". والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1421(2/3013)
ميزة تفسير فتح القدير للشوكاني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في تفسير فتح القدير للشوكاني؟
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتفسير فتح القدير للإمام محمد بن علي الشوكاني، كتاب جيد في بابه، قد جمع مؤلفه فيه بين فني الدراية والرواية، فيأتي بمعاني الآيات، وأحكامها، واختلاف القراءات أولاً، ثم يختم بذكر الروايات عن أئمة التفسير من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
ومما يؤخذ عليه أمران:
الأول: تأويله لكثير من الصفات كصفة الوجه والمجيء والغضب والمحبة، والواجب حملها على الوجه اللائق به سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل.
والثاني: تنزيله الآيات الواردة في تقليد الأبناء لآبائهم في الشرك والكفر على مقلدة المذاهب ولا يخفى ما في هذا. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1421(2/3014)
إزالة شبهة حول قول الله (فتبارك الله أحسن الخالقين)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول عز وجل في سورة المؤمنون (فتبارك الله أحسن الخالقين) فهل يعني هذا أن هناك إلهاً آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أوجهاً في قوله تعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين) [المؤمنون: 14] أهمها:
الأول: أن الخلق هنا بمعنى الصنع، فالمعنى: تبارك الله أتقن الصانعين.
وهذا جار على لغة العرب، ومنه قول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ض القوم يخلق ثم لا يفري.
الثاني: أن الخلق بمعنى التقدير، فإنه سبحانه هو أحسن المقدرين جل وعلا.
الثالث: أن المعنى: أن الله تعالى هو أحسن الخالقين في اعتقادكم وظنكم.
الرابع: وهو أحسنها: أننا نثبت للمخلوق خلقاً، لكنه ليس كخلق الله تعالى. فخلق الله جل وعلا إيجاد من العدم.
وخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى.
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين أنه يقال للمصورين يوم القيامة " أحيوا ما خلقتم " ومعلوم أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم
إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير، وحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله تعالى.
وأيضا: فالعبد لا يمكنه فعل شيء إلا عند وجود الإرادة الجازمة والقدرة التامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل، وخالق السبب التام خالق للمسبَّب. ولهذا كان من اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خالق للعباد وأفعالهم، كما قال ربنا (والله خلقكم وما تعملون) [الصافات: 96] .
والحاصل أن الخلق الذي هو الإيجاد من العدم صفة يختص بها الله تعالى، كما قال (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون) [النحل: 17] وقال تعالى (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو) [فاطر: 3] . والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3015)
تفسير قوله تعالى (يوم يكشف عن ساق ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله سبحانه وتعالى (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) [سورة القلم: الآية 42] هو بيان لبعض ما يكون يوم القيامة، وأن الله سبحانه يكشف عن ساقه فيسجد له المؤمنون ولا يستطيع ذلك المنافقون. وفي هذه الآية إثبات لصفة الساق لله سبحانه كغيرها من الصفات التي تليق بجلاله، نؤمن بها لفظاً ومعنىً ونفوض كيفيتها إلى الله سبحانه القائل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 11] والقائل (ولا يحيطون به علماً) [طه: 110] وأما ما ورد عن عباس أنه فسر كشف الساق بمعنى شدة الأمر فهو معارض بما ثبت عن ابن مسعود أن ربنا يكشف عن ساقه سبحانه، بل مردود بتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم للآية - وإذا جاء نهر الله بطل نهر عقل - فقد أخرج الشيخان واللفظ للبخاري، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد رياءً وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً) قال الشوكاني رحمه الله في تفسير هذه الآية " قد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله عليه وسلم، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً فليس كمثله شيء" انتهى. والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1421(2/3016)
تفسير قوله تعالى (أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم)
مامعنى (أو ماملكت أيمانهم) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أن معنى (أو ما ملكت أيمانهم) في قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) المؤمنون [آية: 5-6] السراري: أي إلاماء يوطأن بالملك.
وقد ذكر الفقهاء أسباباً للاسترقاق ومنها: أنه لابد من توفر صفتين فيمن يسترق من النساء: الصفة الأولى: الكفر، والصفة الثانية: الحرب، سواء أكانت محاربةً بنفسها، أم تابعةً لمحارب، فإذا كان الأسرى من أهل الكتاب (اليهود أو النصارى) جازا استرقاقهم بالاتفاق، والمجوس يعاملون مثلهم في هذا …إلخ. وعلى هذا فالمقصود بملك اليمين الأمة أو الإماء اللائي أسرهن المسلمون من الكفار في الحرب أو ما تولد من هؤلاء الإماء. وللأمة أحكام خاصة ليست للحرة، منها: أنه يجوز لسيدها وطؤها كما يطأ زوجته، فإن أتى منها بولد صارت أم ولد،فلا يجوز بيعها، وتعتق بعد موت سيدها إلى غير ذلك من الأحكام كما أنه لا يجوز معاملة (الخادمة) مثلاً معاملة الأمة، لأن الخادمة لها أحكام الحرائر، فليحذر من هذا. وقد سبق جواب مفصل بخصوص الرق يمكنك الإطلاع عليه، وهو برقم بنك: 2372. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1421(2/3017)
تفسير قوله تعالى (أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله (والذين هم لفروجهم حافظونإلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم..)
مامعنى (أو ماملكت أيمانهم) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أن معنى (أو ما ملكت أيمانهم) في قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزوجهم أو ما ملكت أيمانهم) المؤمنون [آية: 5-6] السراري: أي إلاماء يوطأن بالملك.
وقد ذكر الفقهاء أسباباً للاسترقاق ومنها: أنه لابد من توفر صفتين فيمن يسترق من النساء: الصفة الأولى: الكفر، والصفة الثانية: الحرب، سواء أكان محاربةً بنفسها، أم تابعةً لمحارب.
فإذا كان الأسرى من أهل الكتاب (اليهود أو النصارى) جازا استرقاقهم بالاتفاق، والمجوس يعاملون مثلهم في هذا …إلخ.
وعلى هذا.. فالمقصود بملك اليمين الأمة أو الإماء اللائي أسرهن المسلمون من الكفار في الحرب أو ما تولد من هؤلاء الإماء. وللأمة أحكام خاصة ليست للحرة، منها: أنه يجوز لسيدها وطؤها كما يطأ زوجته، فإن أتى منها بولد صارت أم ولد، فلا يجوز بيعها، وتعتق بعد موت سيدها.. إلى غير ذلك من الأحكام
كما أنه لا يجوز معاملة (الخادمة) مثلاً معاملة الأمة، لأن الخادمة لها أحكام الحرائر، فليحذر من هذا. وقد سبق جواب مفصل بخصوص الرق يمكنك الإطلاع عليه، وهو برقم: 2372
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1423(2/3018)
تفسير قوله تعالى (لاجناح عليهن في آبائهن ... ولا نسائهن)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالمقصود بقوله تعالى "ولانسائهن " في الآية رقم 55 سورة الأحزاب.
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أمابعد:
فإن المقصود بلفظ: (ولانسائهن) الوارد في [الآية 55: من سورة الأحزاب] النساء المؤمنات المسلمات، أي: يجوز للمسلة البالغة أن تُظهر زينتها وشيئاُ من جسدها كشعرها وساعديها في حضرة النساء المسلمات فقط. ومفهوم المخالفة يتقضي: أن تضع المسلمة عليها كامل لباسها بحضرة النساء الكافرات فلا تخلغ عنها منه شيئاُ كما في حضرة الرجال. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1421(2/3019)
سبب نزول قوله تعالى (لايستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ* إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) . ما سبب نزول الآية؟ وما معنى قوله (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فمن المعلوم أن سورة براءة نزلت في فضح المنافقين وبيان زيف دعواهم، وهذه الآية ضمن هذا الإطار العام، لها سبب أخص وهو بيان حال المنافقين مع ما فرضه الله على عباده من الجهاد، وبيان تمسكهم بالأعذار الواهية. يقول أبو جعفر الطبري في تفسير هذه الآية (إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) [التوبة:45] يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم إنما يستأذنك يا محمد في التخلف خلافك، وترك الجهاد معك، من غير عذر بَينَّ، الذين لا يصدقون بالله، ولا يقرون بتوحيده، (وارتابت قلوبهم) يقول: وشكت قلوبهم في حقيقة وحدانية الله، وفي ثواب أهل طاعته، وعقاب أهل معصية (فهم في ريبهم يترددون) يقول: في شكهم متحيرون وفي ظلمة الحيرة مترددون، لا يعرفون حقاً من باطل فيعملون على بصيرة، وهذه صفة المنافقين) انتهى كلامه رحمه الله. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1421(2/3020)
لا تناقض بين آية الأحزاب وآية الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة المحترمون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل هناك تناقض بين سورة التحريم آية 4 وسورة الأحزاب آية 33]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا تعارض بين قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ….الخ) [الأحزاب:33] وبين قوله (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) [الطلاق:] فآية الأحزاب - فيها أمر للنساء بالحجاب، وبالمكُوث في بيوتهن، وعدم التبرج، مع الأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله في كل شيء، أما الآية الثانية-آية سورة الطلاق ففيها بيان لحكم النسوة اللائي لم تذكر أحكامهن في آية البقرة: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقد بينت عدة المطلقة إذا كانت تحيض، أما آية الطلاق فبينت حكم اليائسة من الحيض، والتي لم تحض، وأولات الأحمال، كما ذكر ذلك الإمام القرطبي والرازي وغيرهما‘ فموضوع كل منهما مختلف عن الآخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1421(2/3021)
المقصود بكلمة (كان) في وصف الله تعالى: (وكان الله عليما حكيما) وأمثالها
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ذكر في كثير من سور القرآن الكريم لفظ: وكان الله عليما حكيما، وكان الله على كل شيء قديرا، وغيرها في صيغة الماضي فما المعنى المقصود؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقصود من الآيات.. (وكان الله عليماً حكيماً) (وكان الله على كل شيء قديراً) وما جاء بمعناهما. اتصاف المولى جل جلاله بكل صفة من تلك الصفات المخبر عنها من العلم، والحكمة، وكمال القدرة على وجه الاستمرار والدوام، فمعنى قوله تعالى: (وكان الله عليماً حكيماً) أي: لم يزل على ذلك.
وهذا لا إشكال فيه، فإنَّ (كان) تأتي كثيراً في القرآن الكريم، وفي كلام العرب بمعنى اتصال الزمان من غير انقطاع.
ومما ورد من ذلك في القرآن الكريم زيادة على الآيتين المسئول عنهما وما جاء في معناهما قوله تعالى: (إنه كان لآياتنا عنيدا) [المدثر:16] .
وقوله تعالى: (إن هذا كان لكم جزاء) [الإنسان: 22] .
وقوله: (كان مزاجها زنجبيلاً) [الإنسان: 17] .
ومن شواهدها في كلام العرب قول المتلمس:
وكنا إذا الجبار صعر خده ... ... ... ... أقمنا له من ميله فتقوما
وقول قيس بن الخطيم:
وكنت امرءاً لا أسمع الدهر سبة ... ... ... أسُب بها إلا كشفت غطاءها
وقول أبي جندب الهذلي:
وكنت إذا جاري دعا لمضوفة ... أشمر حتى ينصف الساق مئزري
فهؤلاء الشعراء إنما يخبرون عن حالتهم الدائمة المستمرة، وليس غرضهم الإخبار عما مضى. وبهذا يزول الإشكال. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1421(2/3022)
كتب تفسير للقرآن ينصح بقراءتها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السادة المحترمون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرجاء ذكر عنوان تفسير مُعتَبر عند مذاهب أهل السُنّة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكتب التفسير كثيرة متنوعة، فمنها ما يغلب عليه الاهتمام بالأثر، فينقل التفسير الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، كتفسير الإمام ابن جرير الطبري، وتفسير الإمام ابن كثير. ومنها ما يعنى بالأحكام الفقهية المستنبطة من آي القرآن كتفسير القرطبي، وابن العربي، والجصاص، ومنها ما يهتم باللغة وعلومها، كتفسير أبي السعود وأبي حيان.
والذي ننصح به السائل أن يقبل على تفسير الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ لعنايته بتفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بالآثار الواردة عن الصحابة والتابعين وما يستنبط منها، وهذه هي أنفع طريقة في تفسير كتاب الله تعالى. وثمة جملة من كتب التفسير الميسرة يمكن الاستفادة: منها كتفسير ابن الجوزي والبغوي والقاسمي (محاسن التأويل) واعلم أنه لا يوازي هذه التفاسير أي كتاب لتفسير القرآن عند الطوائف الأخرى المنتسبة إلى الإسلام. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1421(2/3023)
تفسير قوله تعالى: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يقول تعالى في كتابه الكريم "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" صدق الله العظيم
أرجو أن توردوا شرحا مفصلا عن معنى هذه الآية الكريمة. وبالتحديد "شبه لهم" ما هي الحكمة الإلهية من أن يشبه لهم ولايعرفوه إن كان هو المسيح الحقيقي أم لا. لقد طرح علي هذا السؤال من قبل شخص مسيحي وقال "لماذا أراد الله أن يشبّه لنا، وألا نعرف الحقيقة" لذا يرجى التنوير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما ذكره الله تعالى في الآية الواردة في سؤال السائل وهي قوله سبحانه: (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا) [النساء: 157] .
كذبوا بأنهم قتلوه وافتخروا بقتله ـ على زعمهم ـ وذكروه بالرسالة استهزاء، لأنهم ينكرونها ولا يعترفون بأنه نبي، كما قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) [الحجر: 6] . وكما قال فرعون: (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) [الشعراء: 27] .
وقد كذب الله تعالى اليهود ومن وافقهم في زعمهم أن المسيح عليه السلام قتله اليهود، فقال عز من قائل: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) . كما قال تعالى: (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليَّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) [آل عمران: 55] .
فقد قصد اليهود حقيقة قتل عيسى عليه السلام، فألقى الله تعالى شبهه على إنسان آخر وفي هذا عدة وجوه منها:
1- أن اليهود لما علموا أنه حاضر في بيت فلان مع أصحابه، أمر (يهوذا) رأس اليهود رجلاً من أصحابه يقال له (طيطايوس) أن يدخل على عيسى عليه السلام ويخرجه ليقتله، فلما دخل عليه أخرج الله عيسى عليه السلام من سقف البيت، وألقى على ذلك الرجل شبه عيسى فظنوه هو فصلبوه وقتلوه.
2- وكلوا بعيسى عليه السلام رجلا يحرسه، وصعد عيسى عليه السلام في الجبل ورفع إلى السماء، وألقى الله شبهه على ذلك الرقيب فقتلوه وهو يقول: لست عيسى.
3- كان رجلاً يدعي أنه من أصحاب عيسى عليه السلام وكان منافقاً، فذهب إلى اليهود ودلهم عليه، فلما دخل مع اليهود لأخذه ألقى الله تعالى شبهه عليه فقتل وصلب.
4- أن اليهود لما هموا بأخذه وكان عيسى عليه السلام مع عشرة من أصحابه فقال لهم: من يشتري الجنة بأن يلقى عليه شبهي، فقال واحد منهم أنا، فألقى الله شبه عيسى عليه فأخرج فقتل، ورفع الله عيسى إلى السماء.
وقيل في معنى شبه لهم: إن اليهود لما قصدوا عيسى عليه السلام ليقتلوه رفعه الله تعالى إلى السماء، فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة من عوامهم فأخذوا إنسانا وقتلوه وصلبوه، ولبسوا على الناس أنه المسيح، والناس ما كانوا يعرفون المسيح إلا بالاسم لأنه كان قليل المخالطة للناس. وقد ذكر هذه الوجوه الرازي في تفسيره. ولذلك قال تعالى: (وما قتلوه يقينا) أي وما قتلوه وهم على يقين بأن المقتول هو المسيح عليه السلام، بل كانوا شاكين في ذلك.
وقد أخبر الله تعالى محمداً عليه الصلاة والسلام بأنهم لم يقتلوه حقيقة، بل رفعه الله تعالى إليه.
والذين اختلفوا في عيسى هم اليهود والنصارى معا، وذلك أن اليهود لما قتلوا الشخص المشبه به كان الشبه على وجهه، ولم يلق عليه شبه جسد عيسى، فلما قتلوه ونظروا إلى بدنه قالوا: الوجه وجه عيسى والجسد جسد غيره. وقال السدي: إن اليهود حبسوا عيسى مع عشرة من الحواريين في بيت، فدخل عليه رجل من اليهود ليخرجه ويقتله، فألقى الله شبه عيسى عليه السلام على ذلك الرجل ورفع إلى السماء، فأخذوا ذلك الرجل وقتلوه على أنه عيسى عليه السلام، ثم قالوا إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟
والنصارى كذلك مختلفون، مع اتفاقهم على قتله إلا طائفة قليلة منهم. فقال بعضهم: إن المسيح صلب من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته. وقال بعضهم: وقع الصلب والقتل على عيسى من جهة ناسوته ولاهوته. وقيل: وصل إلى اللاهوت بالإحساس والشعور لا بالمباشرة. وقالت طائفة: القتل والصلب وقعا بالمسيح الذي هو جوهر متولد من جوهرين. وكلهم قد كذب بالحق، واتبع ظنه وهواه: (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) [157: 158] .
وقبل قيام الساعة ينزل عيسى عليه السلام حكماً عدلاً يحكم بشريعة الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بيني وبينه نبي ـ يعني عيسى عليه السلام ـ وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون" رواه أبو داود. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1422(2/3024)
تفسير قوله تعالى (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السؤال: لقد أشكل علي تفسير قوله تعالى {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} هل هذا قول امرأة العزيز كما تشير الآية في نسقها، أم هو قول رسول الله سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. أريد التوضيح وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف المفسرون فيمن قال ذلك: قال القرطبي: اختلف فيمن قاله، فقيل: هو من قول امرأة العزيز، وهو متصل بقولها: (الآن حصحص الحق) أي: أقررت بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي بالكذب عليه، ولم أذكره بسوء وهو غائب، بل صدقت وحدت عن الخيانة، ثم قالت: (إن ربي غفور رحيم) . وقيل: هو من قول يوسف، أي قال يوسف: ذلك الأمر الذي فعلته، من ردّ الرسول (ليعلم) العزيز (أني لم أخنه بالغيب) قال الحسن وقتادة وغيرهما. ومعنى "الغيب" وهو غائب.. إلخ انظر تفسير القرطبي (9/137) .
وقد اختلف المفسرون في الراجح من القولين: وقد رجح ابن كثير في تفسيره أن ذلك الكلام كان من امرأة العزيز فقال: عند قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) تقول: إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، ولا وقع المحذور الأكبر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع، فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين* وما أبرئ نفسي) تقول المرأة: ولست أبرئ نفسي، فإن النفس تتحدث وتتمنى، ولهذا راودته لأن (النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) أي: إلا من عصمه الله تعالى: (إن ربي غفور رحيم) وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام. وقد حكاه الماوردي في تفسيره، وانتدب لنصره الإمام أبو العباس ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فأفرده بتصنيف على حدة، وقد قيل: إن ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول: (ذلك ليعلم أني لم أخنه) في زوجته: (بالغيب) الآيتين، أي: إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي، وليعلم العزيز (أني لم أخنه) في زوجته (بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) الآية، وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه.. والقول الأول أقوى وأظهر لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم، بل بعد ذلك أحضره الملك. انتهى انظر: تفسير ابن كثير (2/625) .
وبناءً على ما تقدم فكلا القولين محتمل وله حظ من النظر، وكونه من كلام امرأة العزيز أشبه لكونه في سياق كلامها. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1422(2/3025)
تفسير قوله تعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة....)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي ان اعرف ما المقصود بنص الاية الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك. هل المقصود بأن الرجل الزاني اذا تزوج امرأة اخرى فهي بطريقة او باخرى كانت قد زنت ام ماذا. والسؤال الثاني هل الزاني التائب يجب أن يعزر بالإبلاغ عن نفسه. أفتوني رحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في تفسير هذه الآية على عدة أوجه أحدها: أن هذه الآية نزلت في أناس استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة كن معروفات بالزنا، ففي سنن أبي داود أن مرثد ابن أبى مرثد الغنوي كان يحمل الأسارئ بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها عناق، وكانت صديقته. قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً. فسكت عني فنزلت (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي وقال: "لا تنكحها".
فعلى هذا فالآية لفظها لفظ الخبر، ومعناها النهي عن نكاح العفيف بالزانية أو العكس. والنكاح في الآية على هذا التفسير معناه الزواج.
الوجه الثاني من التفسير: أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، أي لا تطاوعه إلا زانية عاصية أو من هي أخس منها من المشركات، والزانية كذلك لا يزني بها إلا زان أي عاص بزناه أو مشرك. ويكون الغرض من الآية تشنيع الزنا وتشنيع أمره، وأنه محرم على المؤمنين. وعلى هذا فالنكاح في الآية معناه الجماع.
الوجه الثالث: أن الآية منسوخة بقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم) [النور: 32] . فدخلت الزانية والزاني في أيامى المسلمين فجاز نكاحها، والأيامى هم الذين لا أزواج لهم من النساء أو الرجال.
وقد اختلف العلماء في تزوج العفيف بالزانية وتزويج العفيفة بالزاني، فمنعه الإمام أحمد لهذه الآية ولحديث مرثد المتقدم الذي نهاه فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح الزانية، ورجح هذا القول الإمام ابن القيم رحمة الله تعالى وقال إن الآية صريحة في ذلك.
وذهب الجمهور ومنهم مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى جوازه مع الكراهة، وأجابوا عن حديث مرثد بأن الزانية التي في الحديث كانت مشركة. وأجابوا عن الآية بجوابين أحدهما: أن الآية منسوخة بقوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) ، كما تقدم.
والجواب الثاني: هو أن المراد بالنكاح في الآية هو الزنا بعينه، والغرض التنفير من الزنا وتقبيحه، ورجح الإمام الطبري هذا القول فقال: لو كان المراد بالآية النكاح لكان المعنى أن الزاني لا يجوز له أن يتزوج إلاّ الزانية أو المشركة، ومعلوم أنّ الزاني المسلم لا تحل له المشركة، لقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ) وكذلك الزانية لا يحل لها الزواج بالمشرك فتبين أن معنى الآية أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة.
والراجح والله أعلم ما ذهب إليه الجمهور من جواز تزوج الزانية مع الكراهة بعد استبراء رحمها، وأن تكون ممن يجوز نكاحها وهي المسلمة أو الكتابية.
ثم إن الزاني إذا تاب من الزنا فعليه أن يحسن التوبة ولا يخبر أحداً بزناه، وليستتر بستر الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله" يعني الحد. وفي رواية "فليستتر بستر الله وليتب إلى الله" رواه الحاكم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1422(2/3026)
إهلاك الناس وفيهم الصالحون
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين قوله تعالى: (وماكان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) وبين الحديث: أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال عليه الصلاة والسلام " نعم، إذا كثر الخبث" علما أن الصالحين إذا روا منكرًا لايسكتون عنه وجزيتم عنا وعن المسلمين خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية الكريمة تدل على أن الله جل وعلا لا يهلك أهل القرى بظلم وهو الشرك والكفر وحده، حتى ينضم إليه إفساد وتضيع للحقوق ولذلك قال تعالى: (وأهلها مصلحون) أي فيما بينهم من تعاطي الحقوق والنهي عن الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان وقوم لوط باللواط، ودل هذا مع الحديث المتفق عليه الذي ذكره السائل حين قالت له زينب بنت جحش: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:" نعم إذا كثر الخبث"
دل ذلك على أن كثرة الخبث واستفحال الفساد يكون بتخلف صفة الإصلاح التي هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الصلاح في النفس وحده دون ممارسة الإصلاح على الوجه السابق، لا يمنع انتشار الخبث الذي يكون سبباً للهلاك والعذاب.
وفي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الناس إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب". وإن أمة أهلها مصلحون آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر قائمون بحقوق العباد أمة لا يكثر فيها الخبث الذي يستلزم الإهلاك في الدنيا.
وبهذا يظهر لك جلياً أنه لا تعارض بين الآية وما في معناها والحديث ودلالته. وأن الإصلاح المتعدي هو صمام الأمان والمنجي من عقوبات الدنيا. أما الصلاح وحده، فيهلك أهله، ويبعثون على نياتهم أي أنهم ينجون بصلاحهم في الآخرة لا في الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(2/3027)
تفسير قوله تعالى (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: سؤالي هو: ماهي الحكمة في وصف الحق سبحانه لجبريل وهو مفرد بالملائكة في سورة آل عمران-39: (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ.) وكذلك في آل عمران-42: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ) . أفيدونا أثابكم الله مع الشرح وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن الكريم أنزله الله تعالى بلسان العرب وجرى على أساليبهم في الخطاب قال تعالى: (بلسان عربي مبين) [الشعراء:195] وقال تعالى: (كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) [فصلت:3] وقد جاءت الآيتان على أساليب العرب في الخطاب، وقرأ حمزة والكسائي (فناداه الملائكة) ، فقيل المراد هنا جبريل والتعبير بلفظ الجمع عن الواحد جائز في العربية، كقوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) [آل عمرآن:173] والمراد ب"الناس" الأولى في الآية نعيم ابن مسعود.
وقيل المعنى ناداه جميع الملائكة وهو الظاهر من إسناد الفعل إلى الجمع والمعنى الحقيقي مقدم فلا يصار إلى المجاز إلا لقرينة، ولا يحمل تأويل القرآن إلا على الأظهر والأكثر من الكلام المستعمل في ألسن العرب دون الأقل ما وجد إلى ذلك سبيل، وليس في الآية ضرورة تحمل على القول بأن الملائكة في الآية خصوص جبريل دون جماعتهم. وبهذا يظهر جواز الاحتمالين، ورجحان القول الثاني. وإليه ذهب أكثر أهل التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3028)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد....
ما هو تفسير الآية: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المومنين أعزة على الكافرين) [المائدة: 54] إلى آخر الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالآية بتمامها هي
(يا أيها الذين آمنوا من يرتّدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) [المائدة: 54] . يخبر الله تعالى عن عظيم قدرته أنه من تولىّ عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإنّه تعالى يستبدل به من هو خير منه، وأشدّ منعة، وأقوم سبيلاً، والآيات بهذا المعنى كثيرة مثل قوله عز وجل: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) [محمد: 38] ، وغيرها. واختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآيات: فعن أبي بكر بن عباس، أنهم أهل القادسية. وروى ابن أبي حاتم بسنده عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال لما نزل قوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قوم هذا"، وقوله: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) قال ابن كثير. هذه صفات المؤمنين الكُمَّلِ أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه، متعززاً على خصمه وعدوه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1422(2/3029)
تفسير قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى) فهل يكون المعنى أن الله عز وجل في كل مكان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقول الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) [طه: 5] ، فيه إثبات صفة الاستواء، وقد فسره السلف بالعلو والارتفاع مع نفي علمنا بالكيفية، كما قال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل القرون الأولى على إثبات علو الله تعالى على خلقه، وأنه فوق كل شيء جل وعلا بذاته الكريمة المقدسة. فيجب الإيمان بذلك وترك ما عداه من الأقوال، كالقول بأنه - تعالى - في كل مكان، أو أنه لا داخل العالم ولا خارجه، فإن هذا مع كونه لا يدل عليه دليل، قول متناقص مخالف للعقل، بل هذه صفة المعدوم، تعالى الله عن ذلك. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1421(2/3030)
تفسير قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أوكلاهما) [الإسراء: 23] إلىآخر الآية.
هل الأوامر الربانيه في الآيه مقتصرة على بلوغهما العجز والكبر أم يجب الإحسان إليها في جميع مراحل عمرهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يختص الأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما وخفض الجناح لهما والنهي عن الإساءة إليهما بجميع أشكالها. أقول: لا يختص ذلك كله بمرحلة معينة من عمر الوالدين وبحالة من أحوالهما، بل إن الولد مخاطب بتلك الأوامر والنواهي، بمجرد ما يتوجه إليه الخطاب الشرعي.
وإنما خص الله تعالى مرحلة الكبر لأن كثيراً ممن لا يخافون الله تعالى ولا يتقونه، ليست عندهم روح رد الجميل، ومكافأة الحسنة بالحسنة، ويفرطون في حق آبائهم في هذه المرحلة الحرجة من أعمارهم، ويتملصون من حقوقهم بأي طريقة، ومع ذلك فلا شك أن الأجر في بر الوالد المتقدم في السن أعظم من الأجر في بر الوالد الذي مازال قادراً على أكثر أموره، فالوالد الكبير سريع التضجر، قليل التحمل يحتاج بره إلى كثير من العناية والجهد، فلذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أوأحدهما، فلم يدخلاه الجنة) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3031)
تفسير قوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعأ أو أشتاتا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تاكلوا جميعا أو أشتاتا) هل المقصود بهذه الآية الرجال أم الرجال والنساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فيقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية وهي في سورة النور: كانوا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم في ذلك. والله أعلم
فالمقصود هو بيان الرخصة في أكل الانسان منفردا ومجتمعا بغيره، ولا تعرض للآية بفصل الرجال عن النساء أو عكسه.
ولا مانع من أكل الرجل مع محارمه من النساء. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3032)
تفسير قوله تعالى: (مترفين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة مترفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
اعلم رحمك الله أنه من خلال النصوص العامة الواردة في الترف:
ظهر أن المقصود به: من يمتلكون أموالا ولكنهم يتنعمون بها في الحرام أي فيما يغضب الله. ولا يتعبون في طاعة الله.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3033)
تفسير قوله تعالى: (والباقيات الصالحات) .
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الباقيات الصالحات ومتى تقال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
تعددت أقوال العلماء في الباقيات الصالحات فقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف أنها الصلوات الخمس. ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح أنها سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر. ونقل القرطبي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الباقيات الصالحات: كل عمل صالحٍ من قولٍ أو فعلٍ يبقى للآخرة. وقال هو الصحيح إن شاء الله.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3034)
قوله تعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أعمال وصفات الناس الذين قال الله عنهم في سورة الواقعة (والسابقون السابقون أولئك المقربون) ؟ رجاء أن تجيبوني بالتفصيل وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
المراد بالسابقين، قيل: هم الذين صلوا إلى القبلتين، رواه ابن جرير من حديث خارجة. وقيل: طائفة من كل أمة قاله الحسن وقتادة، وقيل: هم الذين يأتون إلى المسجد أول الناس، ويخرجون أول الناس إلى الجهاد في سبيل الله. وهذه الأقوال كلها صحيحة ويستحقون بها السبق. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3035)
تفسير قوله تعالى: (ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمته الله وبركاته.
قال تعالى: (ولكن لا تواعدهن سرًا إلا أن تقولوا قولاً معروفًا) ما معنى هذه الآية؟
هل يجوز أن يتقابل الرجل مع المرأة سرًا من دون علم الأهل إذا كانا يقولان قولاً معروفًا؟ بناء على هذه الآية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قال تعالى: (ولا جناح عليكم في ما عرضتم به من خطبة النساء …) [البقرة:235] أي لا جناح عليكم أن تعرِّضوا بخطبة النساء في عدتهن من وفاة أزواجهن من غير تصريح فعن ابن عباس قال: التعريض أن يقول: إني أريد أن أتزوج وإني أحب امرأة من أمرها كذا وكذا، ويعرّض لها بالقول بالمعروف. وفي رواية: ووددت أن الله رزقني امرأة ونحو هذا، ولا يصرح بالخطبة. وقوله: (ولكن تواعدوهن سراً) أي: لا تقل إني عاشق وعاهديني ألا تتزوجي غيري ونحو هذا، فمعنى السر: النكاح، وقال مجاهد: هو قول الرجل للمرأة المعتدة بالوفاة لا تفوتيني بنفسك فإني ناكحك، إلا إذا كان على سبيل التعريض السابق ذكره. وذلك لأن خطبة المعتدة بالوفاة محرمة.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(2/3036)
تفسير قوله تعالى: (ولا أعلم ما في نفسك)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا قال عيسى لله (ولا أعلم ما في نفسك) ؟ هل يصح أن يقال نفس الله؟ وما هي دلالة اللفظ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
يصح أن يقال ذلك والدليل قول عيسى عليه السلام وقول الله تعالى: (ويحذركم الله نفسه) [آل عمران: 28] وقال تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة) [الأنعام: 54] .
وقوله تعالى في الحديث القدسي: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" رواه مسلم في صحيحه.
وقوله أيضا في حديث قدسي آخر: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" إلى آخر الحديث المتفق عليه.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في تسبيحه لله تعالى: (سبحان الله رضا نفسه………) فهذه الأدلة صريحة في صحة أن يقال نفس الله.
ونفس الله تعالى هي ذاته ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح نقلا عن الراغب بعدما ترجم البخاري بقوله: (باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه …………) وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك أيضا في عدة مواضع من فتاواه. منها قوله: فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء الله نفسه التي هي ذاته المتصفة بصفاته، ليس المراد بها ذاتا منفكة عن الصفات ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3037)
تفسير آية النجوى
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر في سورة المجادلة الآية الكريمة ((يا أيها الذين آمنو إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فان لم تجدوا فان الله غفور رحيم)) صدق الله العظيم والسؤال هل الرسل يتقاضون المال من أجل تبليغ الرسالة. وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فلا علاقة ألبتة بين آية النجوى هذه وبين سؤال السائل: هل الرسل يتقاضون….ذلك أن سبب نزول هذه الآية أن قوماً من المسلمين كانوا يستخلون النبي صلى الله عليه وسلم يناجونه، فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى، فأمر الله تعالى بالصدقة عند النجوى ليقطعهم عن استخلائه، وعن ابن عباس أن المسلمين أكثروا المسائل على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما نزلت الآية ضن كثير من الناس وكفوا عن المسألة، فأنزل الله بعدها الآية التي نسختها. وقيل في سبب النزول غير ذلك. المهم أن الله تبارك وتعالى أمر مريد النجوى بتقديم الصدقة لحكم عديدة منها تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها النهي عن الإفراط في السؤال، وتميز المخلص من المنافق، ومنها انتفاع فقراء المسلمين بما يقدمه المناجي من الصدقة، أما هو صلى الله عليه وسلم فالصدقة لا تحل له هو ولا لآله، كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، وبمعرفة أسباب نزول الآية الكريمة والحكمة من الأمر بتقديم الصدقة يتضح جلياً أن إيرادها استدلالاً أو استئناساً على أن الرسل عليهم الصلاة والسلام يتقاضون أجوراً مقابل تبليغهم بعيد كل البعد، فالآية في واد والسؤال في واد أما الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم فحاشاهم من ذلك، إذ هم أكمل الخلق علماً وعملاً، وأبرهم وأعفهم، اصطفاهم الله تعالى وخصهم بتبليغ رسالته فبلغوها امتثالاً لأمره، وتحملوا في أدائها ما تحملوا ابتغاء ثواب الله تعالى وأجره، فهذا نوح عليه السلام أولهم يقص علينا القرآن الكريم قوله لقومه: (ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله) [هود: 29] ومثله هود وصالح ولوط وشعيب كلهم يقول: لقومه (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) [الشعراء: 127-145-164-180ٍ] وهذا محمد صلى الله عليه وسلم وهو آخرهم يقول: (قل ما أسألكم عليه من أجر) [ص:86] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3038)
معنى قوله (ولا جناح عليكم فيما عرضتم بهمن خطبة النساء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمته الله وبركاته أبعد الاستمناء غسل ام ماذا؟ قال تعالى: (علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولا معروفاً) ما معنى هذه الآية؟ أيجوز التعرف على البنات استناداً من هذه الآية ما فضل سورة البقرة؟ كيف حب النبي صلى الله عليه وسلم أرجو إفادتي وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
اعلم أنه إذا حصل إنزال جراء الاستمناء فيجب الغسل، لأن خروج المني من موجبات الغسل كما لا يخفى. إما إذا لم يحصل فلا يجب الغسل. وراجع الرقمين التاليين لمعرفة الحكم الشرعي في الاستمناء (العادة السرية) :
1087 7170
فهذا جزء من الآية (235) من سورة البقرة وأولها (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلاّ أن تقولوا قولاً معروفاً، ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم) .
وقد أباح الله تعالى في هذه الآية للمؤمنين أن يعرضوا تعريضاً بخطبة المعتدات من وفاة، أو أن يكنّوا ذلك في أنفسهم ويعزموا على تزوجهن بعد انقضاء عدتهن، وأخبر أنه سبحانه وتعالى يعلم أنهم سيذكرونهن إما سراً في أنفسهم، أو علناً بألسنتهم، فرخص في التعريض دون التصريح وقال: (ولكن لا تواعدهن سراً) فنهى عن أخذ ميثاقهن وعهدهن أن لا ينكحن غيرهم.
أما وقوله: (إلا أن تقولوا قولًا معروفاً) فالاستثناء فيه منقطع، أي لكن يجوز لكم أن تقولوا لهن قولاً معروفاً، والقول المعروف هو التعريض الذي أبيح في أول الآية.
وباقي الآية معناه واضح وهو توضيح وتأكيد لما سبق.
ويؤخذ من الآية أحكام كثيرة ليس هذا محل بسطها فراجع لذلك كتب التفسير كالقرطبي وغيره.
وليس في الآية مستند لجواز التعرف على النساء إلا لمن أراد أن يتزوج إحداهن وكان ذلك في حدود ما شرع الله تعالى من النظر إلى المرأة التي يريد الخاطب الزواج منها ويكون ذلك بحضرة أحد محارمها. ثم يكف بعد ذلك حتى يتم العقد عليها.
فقد ورد في فضل سورة البقرة أحاديث كثيرة أذكر لك بعضها. وإن أردت المزيد فارجع إلى كتب السنة مثل الترغيب والترهيب للمنذري وشرح السنة للبغوي وغيرهما
ومن تلك الأحاديث ما في صحيح مسلم وغيره عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما. اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة السحرة".
وفي صحيح ابن حبان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: "إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال، ومن قرأها نهاراً لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام".
وفي المستدرك مثله عن أبى هريرة رضي الله عنه، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة. فحب النبي صلى الله عليه وسلم من مرتكزات الإيمان وأساسياته لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". والحديث في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وأبرز ما يتجسد فيه حب النبي صلى الله عليه وسلم طاعته واتباعه والاقتداء به في كل شيء، وتحكيم الشرع الذي جاء به في الصغير والكبير مع الانقياد التام ظاهراً وباطناً قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) .
فإن أردت كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فالجواب أن لها صيغاً كثيرة، أصحها الصلاة الإبراهيمية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما قالوا له كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليكم، قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
وإن أردت كيفية صلاته التي يصليها فالجواب عن ذلك يطول ويحتاج إلى تأليف مستقل ونرشدك أن تطلع على بعض الرسائل التي تبين كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مثل رسالة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1422(2/3039)
أقدم تفسير للقرآن الكريم.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أقدم كتاب لتفسير القران الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أقدم تفسير للقرآن في ما اطلعنا عليه تفسير معاني القرآن للفراء رحمه الله المتوفى سنة 207 للهجرة.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3040)
قول تعالى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)
[السُّؤَالُ]
ـ[معروف أننا لا نصرف القرآن عن ظاهره خاصة في صفات الله عز وجل، ولكن هناك إشكال يثار من حين إلى آخر من قبل المذاهب الإسلامية الأخرى حول قوله تعالى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) [فصلت: 42] . فبذلك يكون للقرآن يدان..الخ وهو أمر غير معقول قطعاً فما السبيل للرد على هذا الإشكال؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فإن هذا الإشكال لا يحصل إلا عند من لا دراية لديه بأساليب اللغة العربية، ولا يثيره إلاّ جاهل. فإن في هذه الآية الكريمة أسلوباً جميلاً من أساليب اللغة العربية، فإن العرب يعبرون عما قبل الشيء وما بعده بقولهم " ما بين يديه وما خلفه " ومن ذلك ماجاء في آيات أخرى غير ما ذكرت منها قوله تعالى (فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين) . [البقرة: 66] . وقوله تعالى: (وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألاّ تعبدوا إلاّ الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) . [الأحقاف: 21] . ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اعدد ستاً بين يدي الساعة موتي ثم فتح بيت المقدس". [كما في صحيح البخاري] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3041)
قوله تعالى (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالحكمة من مجيء الإصلاح بعد العفو في الآية الكريمة (..فمن عفا وأصلح فأجره على الله....الآية) وجزاكم الله كل خير. ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فيقول رب العزة جل وعلا: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين) [الشورى:31] . والمعنى أن من عفا عمن ظلمه فلم يقابل السيئة بمثلها وأصلح بالعفو بينه وبين ظالمه فسيكسب بذلك أجرا عند الله. قال مقاتل: "فكان العفو من الأعمال الصالحة". والذي يظهر والعلم عند الله أن المراد بمن عفا: هو من لم يأخذ بحقه ممن ظلمه فتركه ابتغاء وجه الله وأن المراد بمن أصلح من أسقط حقه وزاد على ذلك بأنه قابل السيئة بالحسنة وأهدى إلى ظالمه هدية أو دفع عنه مضرة فالحاصل أن من عفا وأصلح ليس كمن عفا فقط، فلذلك كان الجمع بين الأمرين محتاجاً إلى كثير من الصبر وكان الجامع بينهما ذا حظ عظيم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3042)
لا يحب الله تعالى أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ما تفسير الآية الكريمة "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"؟ هل يجوز للمظلوم أن يدعو على الظالم كأن يقول اللهم اجعل مصيبته في صحته أو أولاده أو ما شابه أو أن يلعنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فقال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية ما نصه: "قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: في الآية يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوماً فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه. وذلك قوله: إلا من ظلم. وإن صبر فهو خير له" ثم قال بعد أسطر " وقال عبد الكريم بن مالك الجذري في هذه الآية: هو الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه. لقول الله تعالى: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) [الشورى 41] . وعلى هذا فيجوز له أن يعفو عن الظالم ويصفح. قال الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) . [الشورى: 40، 41، 42، 43] . وروى مسلم والترمذي وأبو داود عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم". وإن دعا المظلوم على ظالمه فلا يدعون على أبويه ولا على أولاده. ولا يلعنه إلا إذا كان الظالم بدأ باللعن ولا يدعو عليه بأكثر مما ظلمه به للحديث السابق.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3043)
سبب تسمية سورة البقرة بهذا الاسم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سميت سورة البقرة بهذا الإسم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فإنما سميت سورة البقرة بهذا الاسم والله أعلم بسبب ما ورد فيها من قصة موسى عليه السلام مع قومه بشأن القتيل الذي لم يعرف قاتله ثم بعد ذلك أمر الله موسى أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة أياً كانت فشدّدوا في طلب أوصافها فشدّد الله عليهم- والقصة مبدؤها قول الحق سبحانه وتعالى: (وإذْ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) . [البقرة: 67] . والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(2/3044)
معنى قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ...
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم, ما المقصود بقوله تعالى "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم"؟ هل يجوز للمظلوم ان يدعو على من ظلمه بان يقول مثلا اللهم افقده بصره او اجعل مصيبته في اولاده وما شابه. جزاكم الله خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه..... وبعد: ...
فالمقصود بهذه الآية كما قال ابن عباس: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله (إلا من ظلم) وإن صبر فهو خير له. وهو قول السدي أنه لا بأس لمن ظلم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه ويجهر له وقال الحسن: لا يدعو عليه وليقل: اللهم أعني عليه واستخرج حقي منه، وفي رواية عنه قال: قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتدي عليه. وقال غيره: هو الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفتري عليه. وعليه أن لا يعتدي ويسرف في الدعاء على من ظلمه ولكن يدعو عليه بقدر مظلمته – إن أراد أن يدعو- قال صلى الله عليه وسلم (المستبان على ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم) رواه أبو داود. فلا يجوز له أن يدعو على من ظلمه بفقد بصره أو أولاده لأن ذلك من الاعتداء في الدعاء إلا إن كان الظلم الواقع على العبد يكافيئ دعاءه. ... والله تعالى أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3045)
زواج يوسف عليه السلام من امرأة العزيز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تزوج سيدنا يوسف عليه السلام من زوجة العزيز عندما أصبح هو العزيز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فزواج سيدنا يوسف عليه السلام بزوجة العزيز ملك مصر يذكر في كتب التفسير عند قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) [يوسف: 55] . وممن ذكر هذا الإمام ابن كثير والإمام القرطبي في تفسيريهما، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيء فيما نعلم، وقد يكون مستند المفسرين في هذا كتب الأخبار والتاريخ وهي كتب يغلب عليها الجانب العاطفي فلا يمكن الركون إلى ما انفردت به وقد يكون مستندهم: الإسرائيليات وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم ألاّ نصدقها ولا نكذبها. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3046)
تفسير قوله تعالى: (ثم دنا فتدلى)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى ثم دنا فتدلى، ومن المقصود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
المقصود هو: جبريل عليه السلام كما ورد في صحيحي البخاري ومسلم وفيهما أن عائشة رضي الله عنها قالت: ذلك جبريل كان يأتيه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) في صورة الرجل وأنه أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد الأفق. والله تعالى أعلم.
ومعنى (ثم دنا فتدلى) [النجم: 8] هو دنو جبريل وتدليه. قاله ابن القيم في زاد المعاد.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3047)
اللوح المحفوظ وما فيه، ومن يطلع عليه من الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم نرجو من فضيلتكم ان تعطونا معلومات ضافية عن معنى اللوح المحفوظ وهل صحيح ان الله سبحانه وتعالى يطلع على محتواه من يصطفيهم من اوليائه وهل حدث هذا فعلا مع شيخ الاسلام ابن تيمية رحمة الله عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاللوح المحفوظ هو الكتاب الذي كتب الله فيه مقادير الخلق قبل أن يخلقهم.
قال الله تعالى: (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب) [الحج:70]
قال ابن عطية: هو اللوح المحفوظ.
وقال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) [الحديد: 22] قال القرطبي يعني اللوح المحفوظ.
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين - الطويل - وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض".
قال الحافظ ابن حجر أن المراد بالذكر هنا: هو اللوح المحفوظ.
وذكرت كتب التفسير وغيرها آثاراً عن ابن عباس في وصفه منها أنه قال: اللوح من ياقوتة حمراء أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك، كتابه نور، وقلمه نور ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء: يرفع وضيعاً، ويضع رفيعاً يغني فقيراً ويفقر غنياً، يحيي ويميت ويفعل ما يشاء لا إله إلاَّ هو.
ومنها أنه قال: خلق الله اللوح المحفوظ لمسيرة مائة عامٍ فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق: اكتب علمي في خلقي، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة.
أما الاطلاع على اللوح المحفوظ فلم ينقل من وجه ثابت أن الله تعالى أطلع عليه أحداً من الناس، ولو أمكن ذلك لاحد لأطلع عليه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، الذي انتهى إلى منتهى لم يبلغه أحد حتى جبريل عليه السلام، وذلك ليلة أسرى به صلوات الله وسلامه عليه.
وأما الإطلاع على بعض غيب الله، مما تضمنه اللوح المحفوظ، فمن الممكن أن يحصل لمن يشاء الله تعالى من عباده فقد أطلع الأنبياء بطريق الوحي على كثير من المغيبات.
كما حصل ويحصل لبعض عباد الله الصالحين عن طريق المكاشفات والإلهامات الإلهية.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم ناس مُحدَّثون، فإن يكن في أمتي أحد منهم فهو عمر". والمحدثون الملهمون الذين يجري الله تعالى على ألسنتهم بعضاً من المغيبات. كأنما حدثوا بها.
كذلك الرؤيا الصادقة، فإن المرء يرى رؤيا تتضمن الإخبار عن أمر مستقبل فيحصل الأمر كما رأى الرائي وهذا كثير معروف، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة".
ويجب التنبه لأمور:
1- يجب على المسلم أن يعرف الفرق بين الإلهامات الإلهية والإيحاءات الشيطانية حتى لا يقع في شرَك المبطلين. فالإلهامات الإلهية هي ما يحصل لمن كان مستقيم الظاهر والباطن على شرع الله تعالى في الاعتقاد والقول والعمل. وأما الإيحاءات الشيطانية فهي ما يحصل لأولياء الشيطان من الزنادقة والمبتدعة المنحرفين الضالين.
2- أن حصول المكاشفات والإلهامات الإلهية لأحد أولياء الله لا يعني أنه أفضل من سواه ممن لم يحصل له ذلك. بل قد يحصل للمفضول من ذلك ما لم يحصل لمن هو أفضل منه بكثير.
3- أن المدرك الوحيد لأخذ الأحكام الشرعية هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح لهذه الأمة.
أما غير ذلك من المكاشفات والإلهامات فليس مدركاً للأحكام ألبتة، فلا ينبني عليه حكم شرعي إطلاقاً.
وأما سؤالك هل حدث هذا فعلاً لشيخ الإسلام ابن تيمية فقد نقلت عنه حكايات من الكشف. ومن ذلك ما نقل عنه أنه كان يخبر عن هزيمة التتار قبل حصولها ويقسم على ذلك. ونحسبه - ولا نزكى على الله أحداً ـ ممن استقاموا ظاهراً وباطناً وقولاً وعملاً واعتقاداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1422(2/3048)
تفسير آية الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أمر الله نساء النبي صلى الله عليه وسلم (في سورة الأحزاب) بارتداء النقاب حتى لا يتعرف عليهن أحد فيكن فى خطر؟ وما حكم وجوب ارتداء النساء له الآن؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لما كانت عادة العربيات التبذل وكن يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعياً إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول آية الأحزاب تبرز للحاجة فيتعرض لها بعض السفهاء يظن أنها أمة فتصيح به، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
عند ذلك أنزل الله عز وجل على نبيه قوله: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) [الأحزاب: 59] يأمره فيها بأن يلزم زوجاته ونساء المؤمنين بستر جميع أبدانهن إذا خرجن لحوائجهن، ليقع الفرق بينهن وبين الإماء فتعرف الحرائر بسترهن فيكف عن معارضتهن الشباب والسفهاء، وليعرفن بالحصانة والتقوى والعفاف فلا يؤذين بأعمال سافلة، ولا تنغص حياتهن بنظرات وقحة، فإن المؤمنة التقية يجب أن يدل مظهرها على مخبرها، وأن يبدو إيمانها وتقواها في ملبسها كما يبدو في أقوالها وأعمالها وأن يسطع الإيمان في كل تصرفاتها وأحوالها، فتعرف أنها من أهل القرآن بتنفيذها أوامره، فيحترمها المؤمنون ولا يؤذيها الفاسقون. . وفي السورة نفسها أنزل الله تعالى في شأن أمهات المؤمنين قوله: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) [الأحزاب:53] فدخل في ذلك جميع نساء الأمة لعموم علة وجوب الحجاب، ولما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة، فلا يجوز لها كشف وجهها ولا كفيها فأولى غيرهما.
أما وجوبه على النساء اليوم فهو من باب أولى، فإذا كان الله تبارك وتعالى أوجب الحجاب على نساء النبي وهن بلا شك الخيرات الطاهرات المبرآت اللواتي اختارهن الله أزواجاً لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة معللاً ذلك بقوله: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) وأوجبه على غيرهن من الصحابيات المهاجرات اللواتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يعصينه في معروف، فما بالك بنساء هذا الزمن الذي كثر فيه أعوان الشيطان، وانتشر فيه الفسق وعم فيه الفجور واستبيحت فيه المحارم.
... ... ... ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3049)
(رب المشرقين ورب المغربين)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الإخوة الكرام جزاكم الله خير الجزاء عما تقدمون من خدمات للمسلمين خلال شبكة الإنترنيت. أما سؤالي: هل قوله تعالى (رب المشرقين ورب المغربين) دليل للفرق بيوم بين الشرق والغرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ... فقوله سبحانه: (رب المشرقين ورب المغربين) [الرحمن: 17] فمعناه مشرقا الصيف والشتاء ومغربا الصيف والشتاء. وقال ابن زيد رحمه الله: أقصر مشرق في السنة وأطول مشرق في السنة وأقصر مغرب في السنة وأطول مغرب في السنة. وذكر الطبري في تفسيره عن جعفر عن ابن أبزى قال: مشارق الصيف ومغارب الصيف مشرقان تجري فيهما الشمس ستون وثلاثمائة في ستين وثلاثمائة برج لكل برج مطلع لا تطلع يومين من مكان واحد. وفي المغرب ستون وثلاثمائة برج لكل برج مغيب لا تغيب يومين في برج. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3050)
معنى قوله تعالى (وما ربك بظلام للعبيد)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
كنت أتناقش مع صديق لي في بعض الأمور الدينية ثم سألني عن تفسير كلمة (ظلام) بمعنى كثير الظلم (وما ربك بظلام للعبيد) فالمعنى الخاطئ الذي تركز في مخيلته هو أن الآية تنفي كثرة الظلم أو الإكثار من الظلم ولكن لا تنفي الظلم كله فما المعنى الصحيح للكلمة في هذه الآية وهل يجب التكفير عن التفكير بهذا الشكل في الذات الإلهية؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقوله تعالى: (وما ربك بظلام للعبيد) [فصلت: 46] أي لا يظلم أحداً من خلقه بل هو الحكم العدل الذي لا يجور تبارك وتعالى وتقدس وتنزه الغني الحميد ولهذا جاء في الحديث عن مسلم رحمه الله من رواية أبى ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) . وقد يكون مرد هذا الفهم الخاطئ للآية هو أن نفي (ظلام) المشعر للكثرة يفيد ثبوت أصل الظلم، وأجيب عن ذلك بأن وعده بأن يفعله بهم لو كان ظلماً لكان في معنى الكثير لعظمه، فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتاً. وإذا حدا بالإنسان تفكيره إلى ما يوجب النقص في الله سبحانه وتعالى فعليه أن ينته عن ذلك ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولا بأس أن يطلب من العلماء ما يزيل هذا الفهم الخاطئ لديه. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3051)
أذية بني إسرائيل لموسى.
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي معاني ودلالات الآية رقم 69 من سورة الأحزاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآية رقم 69 من سورة الأحزاب هي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما ما قالوا وكان عند الله وجيهاً.)
في هذه الآية الكريمة يحذر الله المؤمنين من أذية رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويحذرهم من التشبه بحال بني إسرائيل في أذيتهم لكليم الله موسى صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا محمد وعلى سائر أنبياء الله ورسله. وأخبر الله تعالى أنه برأ موسى مما آذاه به بنوا إسرائيل وأنه وجيه عند الله تعالى عظيم القدر.
وأذية بني إسرائيل، هي المذكورة في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كانت بنو إسرائل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى صلى الله عليه وسلم يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب مرة يغتسل، فوضع ثيابه على صخرة ففر الحجر بثوبه فخرج موسى في أثره يقول: ثوبي يا حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأسٍ". والآدر هو: منتفخ الخصيتين وقيل: إن أذيتهم له أنهم اتهموه بأنه قتل هارون عليه السلام، فأظهر الله لهم آية تبرؤه من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3052)
معنى (وفي سبيل الله) في باب الزكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن لجنة خيرية تعنى بتحفيظ القرآن وعلومه، فهل يجوز لنا الإنفاق من أموال الزكاة علىالمشاريع التالية: تحفيظ القرآن، إنشاء وتجهيز مراكز لتحفيظ القرآن، رواتب المحفظين، المشاريع التي تعنى بعلوم القرآن من تفسير ومطبوعات والتي تخدم الهدف الذي نسعى له وهو إيجاد جيل قرآني؟
وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن الله جل وعلا يقول: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) . [التوبة:60] . هذه مصارف الزكاة، وقد نص العلماء على أن من صرفها في غيرها فقد عصى ربه ولم تبرأ ذمته. وقد أدخل بعض أهل العلم ما سألتم عنه تحت بند " في سبيل الله" والتحقيق أن هذا البند خاص بالجهاد في سبيل الله ومستلزماته من نفقات المجاهد وما يحتاج إليه من عتاد ونحوه، فإذا أمكن صرفه في هذا السبيل فلا يعدل به عنه، وإن لم يمكن صرفه فيه، فللعلماء فيما يفعل به مذهبان: أحدهما أنه يرد إلى بقية الأصناف من الفقراء والمساكين والعاملين عليها..إلخ. ومنهم من قال يصرف في مثل ما سألتم عنه. ولعل التحرير في المسألة أنه إذا كانت الحاجة إلى مثل هذا العمل ماسة، ولا يوجد وجه آخر يكفي لأن يصرف منه عليه، صرف فيه مراعاة لمن قال بدخوله، وإلا فلا.
والعلم عند الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3053)
ليس في تحديد طعام مائدة عيسى نص ثابت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مكونات المائدة التي طلبها عيسى عليه السلام لقومه (من ربه) ؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ذكر المفسرون أقوالاً في تحديد الطعام الذي اشتملت عليه المائدة، وأكثر الأقوال متفقة على أنها سمك وأرغفة، وقيل: أنزل عليها كل شئ إلا اللحم، وقيل غير ذلك، وليس في تحديد نوع هذا الطعام حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي آثار عن الصحابة والتابعين. ... وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن المائدة نزلت على عيسى عليه السلام ومن معه استجابة لدعائه حين قال " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وأية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين. قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ". [المائدة:114-115] وذهب بعض التابعين ومنهم مجاهد والحسن إلى أنها لم تنزل، وأن الحواريين قالوا لا حاجة لنا فيها حين قال الله تعالى " فمن يكفر بعد منكم … الآية. ... قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا يعرفه النصارى وليس هو في كتابهم، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما تتوفر الدواعي على نقله ولكان موجوداً في كتابهم متواتراً ولا أقل من الأحاد، والله أعلم ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت، وهو الذي اختاره ابن جرير، قال: لأن الله تعالى أخبر بنزولها في قوله تعالى " إني منزلها عليكم … " قال: ووعد الله ووعيده حق وصدق. قال ابن كثير: وهذا القول هو ـ والله أعلم ـ الصواب كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم، انتهى. ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3054)
(أولئك كالأنعام بل هم أضل)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال عز وجل (أولئك كالأنعام بل هم أضل) إشكالي ما الحكمة من تشبيه الكافر بالأنعام رغم أنها مسبحة. وإن من شيء إلا يسبح.. أعرف أن الآية أضربت ولكن مجرد التشبيه ثم الإضراب له دلالته في اللغة فما الحل لهذا الاشكال رغم الفرق بين البهيمة الطائعة المسخرة المسبحة والكافر العنيد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فقوله تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) [الأعراف:179] . ووجه التشبيه للكافرين بالأنعام أنهم لا يهتدون إلى ثواب، فهمتهم مثل الأنعام في الأكل والشرب والشهوة وهم أضل منها لأنها تبصر منافعها ومضارها وتتبع مالكها وتعرف ربها والكافرون بخلاف ذلك ولذا قال تعالى: (بل هم أضل) والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3055)
تفسير دعاء سليمان في قوله تعالى (رب هب لي ملكا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى حاكيا عن سليمان (رب هب لي ملكاً لاينبغي لأحد من بعدي) . الإشكال لماذا قال: لا ينبغي لأحد من بعدي مع أن المسلم يتمنى أن يتعدى الخير إلى غيره. فلماذا قصر الملك والخيرعلى شخصه عليه السلام وتمنى أن لاينال أحد من بعده مثله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ذكر المفسرون أوجهاً في إيضاح هذا الدعاء الذي دعا به سليمان عليه السلام، ومن أجمع كلامهم ما ذكره الزمخشري رحمه الله في تفسيره قال: "كان سليمان عليه السلام ناشئاً في بيت الملك والنبوة ووارثاً لهما، فأراد أن يطلب من ربه معجزة، فطلب على حسب إلفه ملكاً زائداً على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإعجاز، ليكون ذلك دليلاً على نبوته، قاهراً للمبعوث إليهم، ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات، فذلك معنى قوله: (لا ينبغي لأحد من بعدي) [ص:35] وقيل: كان ملكاً عظيماً، فخاف أن يعطى مثله أحد، فلا يحافظ على حدود الله فيه، كما قالت الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك) [البقرة:30 [وقيل: ملكاً لا أسلبه، ولا يقوم فيه غيري مقامي. ويجوز أن يقال: علم الله فيما اختصه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدين، وعلم أنه لا يضطلع بأعبائه غيره، وأوجبت الحكمة استيهابه، فأمره أن يستوهبه بأمر من الله على الصفة التي علم الله أن لا يضبطه عليها إلا هو وحده دون سائر عباده. أو أراد أن يقول: ملكاً عظيماً فقال: (لا ينبغي لأحد من بعدي) ولم يقصد بذلك إلا عظمة الملك وسعته، كما تقول: لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال، وربما كان للناس أمثال ذلك، ولكنك تريد تعظيم ما عنده. انتهى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/3056)