شبهات حول قضية النسخ في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
كنت أبحث عن الناسخ والمنسوخ فى القرآن الكريم والحديث النبوي حتى أستطيع أن أفهم بعض الأمور التي يقوم بعض أئمة المساجد فى شرحها، حيث إن بعضهم مع الأسف الشديد يتمسك بما يقرأ هو وينكر غير ذلك أو يطلب الدليل على غير ما قرأ، وعند إعطاء الدليل على ذلك من الفتاوى الشرعية التي صدرت عن بعض العلماء الأفاضل أمثال العالم عبد العزيز بن باز وغيره من العلماء الأفاضل فإذا هم يضعفون فتواهم فعثرت على هذا المواقع وكنت أظنه موقعا إسلاميا http://www.christpal.com/shobohat/3abd_almasi7/book_1.htm
وفيما يلي صفحة واحدة مما كتب وبدون أدنى تعليق راجيا إن كانت لديكم كتب أو مقالات عن الناسخ والمنسوخ أن تزودونا بها.
تحريف القرآن- مقدمة -التعريف بقضية الناسخ والمنسوخ
1ـ ما هو المقصود بالناسخ والمنسوخ في القرآن؟
2ـ من أين جاءت فكرة الناسخ والمنسوخ في القرآن؟
3ـ ما هو المقصود من القول \"خير منها\"، الأجزاء التي شملها الناسخ والمنسوخ في القرآن 1ـ السور التي جاءت فيها المنسوخات في القرآن 2ـ الآيات التي جاءت فيها منسوخات في القرآن خطورة الناسخ والمنسوخ 1ـ هل يؤمن المسلمون بوجود النسخ في القرآن 2ـ ما هي خطورة الناسخ والمنسوخ 3ـ أهمية موضوع الناسخ والمنسوخ أنواع الناسخ والمنسوخ في القرآن 1ـ ما نُسخ حرفه وبقي حكمه 2ـ ما نُسخ حكمه وبقي حرفه 3ـ ما نُسخ حكمه ونُسخ حرفه، الختام قضية الناسخ والمنسوخ فى القرآن الباب الأول التعريف بقضية الناسخ والمنسوخ، ما المقصود بالناسخ والمنسوخ، من أين جاءت فكرة الناسخ والمنسوخ، ما المقصود بالقول \"خير منها\"، الفصل الأول ما هو المقصود بالناسخ والمنسوخ في القرآن؟ ـ[كلمة نَسَخَ] في قواميس اللغة العربية معناها: أزال، أو أبطل. وهذا بالطبع غيْرُ المعنى المعروف وهو أن ينسخ كتابا أي ينقل صورة منه، وقد جاء في المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية بالقاهرة (ص 917) \"نسخ الشيء أي أزاله، ويقال نسخ الله الآية: أي أزال حكمها، وفي التنزيل العزيز: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} ويقال نسخ الحاكم الحكم أو القانون: أي أبطله.
2ـ قال الإمام النسفي (الجزء الأول ص116) تفسير النسخ هو التبديل، وانتهاء الحكم الشرعي.
3ـ وهناك مفهوم آخر للنسخ أوضحته (سورة الرعد آية 39) التي تقول: \"يمحو الله ما يشاء\" وقد علق على هذه الآية الباحث الإسلامي الكبير سيد القمني في كتابه الضخم (الإسلاميات ص 568) قائلا: وهنا ما يشير ليس فقط إلى الاستبدال، بل إلى محو آيات بعينها.
4ـ ونقل ابن كثير فى تفسيره (ج1 ص 104) عن ابن جرير تعليقاً على الآية \" [ماننسخ من آية] قوله أى: نُحوِّل الحلالَ حراماً، والحرامَ حلالاً، والمباحَ محظوراً، والمحظورَ مباحاً.\" تأملوا ياذوى الأفهام؟؟؟!!! . هل يقبل أي إنسان عاقل هذ الكلام، وهل الكلام الذي ينطبق عليه هذه الأوصاف من إلغاء وإزالة ومحو وتحويل الحلالِ حراما والحرامِ حلالا، يكون فعلا من عند الله، هذا هو مفهوم الناسخ والمنسوخ أي إلغاء الآيات وتبديلها بآيات أخرى تجعل من الحلال حراما ومن الحرام حلالا، وهذا كله يحدث في القرآن، فكيف يمكن القول بعد ذلك أنه كتاب من عند الله!!!: وهناك قضية أخرى يستحق ذكرها فى سياق الموضوع وهي: أن القرآن يذكر أن الله قد أعطى النبوة والوحي لبني إسرائيل من اليهود فقط وعلى هذا يقر القرآن نفسه أن نبوة محمد كاذبة لأنه غير يهودي ولا ينتسب إلى اليهود إذا فلا نبوة له. ولكن نرجع مرة أخرى للبحث عن اسم محمد فى الأناجيل لن تجد شيئا, ليس لأن الإنجيل محرف أو أن المسيحين قد أزالوا كل ما يتعلق بهذا الموضوع ولكن السبب الأساسي هو أن هناك خدعة خدع بها عثمان المسلمين في القرآن ففى آية فى إنجيل يوحنا تقول: \"وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد\" (يوحنا 14: 16) ولما كان الإنجيل كتب باليونانية –كتب القس عبد المسيح بسيط أبو الخير كاهن كنيسة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين على المسلم أن يصون دينه عن الشبهات، فلا يستمع إليها، ولا ينظر فيها لأن الشبهة قد تستقر في قلبه ولا يستطيع دفعها لضعف إيمانه أو قلة علمه أو هما معاً، وقد نص العلماء على حرمة النظر في كتب أهل الكتاب لما فيها من التحريف، فكيف بالنظر لشبهات هؤلاء فهي أشد تحريماً، وانظر الفتوى رقم: 14742.
واعلم أن ما ذكره أصحاب الموقع من حديث القرآن عن إعطاء النبوة لبني إسرائيل فقد أخبر الله عن موسى عليه السلام أنه ذكره في جانب الامتنان عليهم ولم يذكر ما يفيد حصر النبوة فيهم، فقال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ {المائدة:20} ، وقد ذكر الله في القرآن امتنانه على هذه الأمة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {آل عمران:164} ، وأما ما ذكروه في عدم ذكر محمد في الإنجيل فراجع رده في الفتوى رقم: 12746.
وذكر تعالى بشارة عيسى به فقال: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ {الصف:6} ، وأما ما ذكروه في خداع عثمان وما كتب عبد المسيح بسيط فإنك لم تكمل الكلام عليه حتى نبين الرد عليه، ولكن عثمان لم يتصرف في القرآن من عنده، وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم من المسلمين على أن القرآن المكتوب في المصحف كلام الله المحفوظ الذي لا يتطرق إليه التحريف والتبديل، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنه تنزيل من حكيم حميد، فلا دخل لعثمان فيه، وراجع الفتوى رقم: 6472، والفتوى رقم: 57231.
وأما قضية النسخ فقد تقدمت لنا فتاوى كثيرة حول النسخ ومعناه وأحكامه والرد على ما يورد حوله من شبهات وغير ذلك مما يتعلق به، ويمكن للسائل الوصول إلى هذه الفتاوى بالرجوع إلى (العرض الموضوعي) ثم على (القرآن الكريم) ثم على (من علوم القرآن) ثم على (الناسخ والمنسوخ) ، وراجع على سبيل المثال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13919، 3715، 12905، 46644، 20781، 57355.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(2/1922)
لا تصدق دعوى رفع آيات من القرآن في وقتنا الحاضر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن قبول قول من ادعى أن بعض الآيات القرآنية التي في مصحفه قد مسحت كأنها رفعت، هل هناك أحاديث شريفة تدل على ذلك؟ إن وجدت فما معنى رفع الآيات القرآنية في آخر الزمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم دليلا يدل على رفع آيات من القرآن في آخر الزمن، وإنما يروى رفع القرآن كاملا، وراجع الفتوى رقم: 63778.
ومما يدل على عدم إمكانية قبول مثل هذا الادعاء أن المصاحف الموجودة في العالم اليوم لم نسمع عن أحد من الناس أنه لاحظ حصول مسح في بعض صفحاتها ولا رفع لشيء مما فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1426(2/1923)
عظمة القرآن وسمو معانيه دلالة أنه ليس من كلام البشر
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت من ضمن الرد على الاستشارة رقم 238422 على أن النساء ناقصات عقل ودين. ولما كنا نحن غير المسلمين نؤمن بأن الله تعالى خلق الرجال والنساء متساوين فأرجو بيان إن كان الإسلام يتبنى هذا المبدأ؟
كذلك وفي نفس الاستشاره فإن إحدى آيات القرآن تحث الرجال على ضرب نسائهم ألا يعبر ذلك عن أن الإسلام لا يساوي بين الرجل والمرأة كمخلوقات متساوية أمام الله بل ربما أن هذه التفرقة تعكس الفكر الاجتماعي السائد في الجزيرة العربية زمن الرسول محمد وليس كلاما منزلا من الله تبارك وتعالى؟
أرجو إيضاح ذلك حيث إن هذه القضية تنعكس سلبا على النظرة إلى الإسلام من قبل غير المسلمين.
مع شكري الجزيل سلفاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقص عقل النساء ودينهن قد صح عن الذي لا ينطق عن الهوى، وأكده العلم الحديث، روى البخاري عن أبي سعيد الخدري ومسلم عن ابن عمر، واللفظ له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت امرأة: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين.
وجاء العلم والتجربة يؤكدان هذه الحقيقة، فقد اكتشف العلم الحديث أن لكل من الرجل والمرأة مركزين، مركزاً للكلام ومركزاً للتذكر، وأن الرجل إذا تكلم عمل واحد وبقي الآخر للتذكر، وأما المرأة فإذا تكلمت عمل المركزان، ولذا لا تستطيع التذكر التام لما تشهد به، فتذكرها أختها لئلا يفوت مقصود الشهادة.
وقد جاء القرآن بهذا قبل أربعة عشر قرناً قال الله جل وعلا: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى {البقرة: 282} .
وإنه من المكابرة أن ينكر المرء ما بين الرجل والمرأة من فروق بيولوجية وفيزيولوجية، تتمثل في الطمث الشهري والحمل والولادة والرضاع، وما بينهما من فروق سيكولوجية نفسية في المزاج والانفعال والعواطف وسائر سمات الشخصية.
ومع ذلك، فالإسلام قد ساوى بين الرجل والمرأة في أصل الحقوق والواجبات، ولكنها مساواة تنبع من حال كل منهما وواقعه، فهما متساويان في العموم، ولكن الفروق الفردية بينهما تجعل من الحكمة البالغة أن يتميز كل منها بما يليق به.
وأما أن تكون التفرقة بين الرجل والمرأة تعكس الفكر الاجتماعي السائد في الجزيرة العربية زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ليس كلاماً منزلاً من الله تبارك وتعالى، فإن هذا لا يقوله من له أدنى معرفة باللسان العربي، وأحرى من يعرف شيئاً عن الجزيرة العربية زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ذلك أنه قد شهد الأعداء قبل الأصدقاء، والكافرون قبل المؤمنين، بعظمة القرآن وسمو معانيه، وأنه ليس من كلام البشر، ولو وجد أولئك الكفار في بلاغة القرآن أو في أساليبه مجالاً للطعن لكان ذلك غنيمة لهم ما فوقها غنيمة، ولا شك أنهم أدرى باللسان العربي من أي شخص في أي زمن من الأزمان.
ولقد أتى الوليد بن المغيرة مرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد خصومه الألداء يقول: يا محمد اقرأ علي القرآن، فيقرأ عليه الصلاة والسلام: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، ولم يكد يفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من تلاوتها حتى يطالب الخصم الألد بإعادتها بجلال لفظها وقدسية معانيها مأخوذا برصانة بنيانها مجذوباً بقوة تأثيرها، ولم يلبث أن يسجل اعترافه بعظمة القرآن قائلاً: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمورق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر.
وبعد هذا فنقول لك: إنه من الخير لك أن تدخل في هذا الدين قبل أن تفوتك الفرصة، فتندم حين لا ينفع الندم، وهذه معذرة إلى ربنا، ونحن معترفون بأننا لن نتوصل إلى هداية من لم يرد الله هدايته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1426(2/1924)
إعراب\" لا ينال عهدي الظالمين\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أني أعلم أن القرآن الكريم كتاب الله المعجز والذي يخلو من الأخطاء ولكن مازال الغرب والمسيحيون يبحثون عن إيجاد أي طريقة لتشويه صورة القرآن، ولكني لست جيدا بالنحو ولهذا لدي بعض الأسئلة
أولا: حيث إنه يقول بالموقع \"جاء في (سورة البقرة 2: 124) : \" لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ\"، وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول: الظالمون، وهذا نصب للفاعل\" فكيف يمكن الرد عليهم، وهناك الكثير من المحاولات لجعل القرآن كتابا مليئا بالأخطاء ... وهذه هي الوصلة للموقع فأرجو الرد
http://www.coptichistory.org/new_page_218.htm؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل الكريم على اهتمامه بدينه وغيرته على كتاب ربه، وننبهه إلى أن كيد الأعداء لهذا الدين العظيم والتشكيك في كتابه والطعن في مبادئه أمور لا تنتهي، مصداقاً لقول الله تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ {البقرة:120} ، وقوله تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ {البقرة:217} ، وقوله تعالى: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء {النساء:89} ، ولكن الله تعالى ناصر دينه وحافظ لكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسوف تتحطم مكائد هؤلاء وترتد سهامهم في نحورهم، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ {الأنفال:36} ، وقال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {الصف:8} .
ولهذا فليطمئن قلبك ... ولا تشغل نفسك وتضيع وقتك في أباطيل هؤلاء فهم كما قال القائل:
كناطخ صخرة يوما ليوهنها * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وبخصوص الآية الكريمة التي أشرت إليها، فإن كلمة الظالمين مفعول به لينال وهو منصوب بالياء نيابة عن الكسرة لأنه جمع مذكر سالم، وعهدي هي الفاعل وهو مرفوع بضمة مقدرة على آخره (الدال) منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء وهي الكسرة، ولهذا فإن إعراب الكلمة واضح لا شك فيه إلا من ليس عنده أبسط مبادئ اللغة، والمعنى أن عهد الله لا ينال الظالمين أي لا يشملهم، ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 57355.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(2/1925)
إقناع منكر الملائكة والنبوة والقرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد:
أرجو من حضرتكم مساعدتي بإقناع شاب سألني ولكن لم أستطع إقناعه فاستنجدت بكم
السؤال هو: أريد إثبات أن الملائكة موجودون، وأيضا بأن الرسول هو نبي مختار من قبل الله، وأيضا بوجود القرآن الكريم هل هو من عند الله، أرجو الإجابة بأسرع وقت وأنا أستنجد بكم.
الشخص يؤمن بأن الله موجود كيف أقنعه بالأشياء المذكورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أولى ما يتعين الاهتمام به في قضية هذا الشاب هو السعي في إقناعه بالإيمان بربوبية الله وألوهيته، ثم حدثه عن القرآن، وبين له أنه كلام الله، واستشهد له على ذلك بما في القرآن من الإخبار عن الغيب الذي لا يعلمه الخلق، ولا يمكنهم افتراؤه، وما فيه من الإعجاز العلمي الذي لم يكتشف إلا مؤخراً، وما فيه من الأساليب العجيبة التي عجز العرب عن محاكاتها مع تمكنهم من التعبير بشتى أساليب الخطاب، وقد شاهد الناس صدق كثير مما جاء في القرآن من الأخبار المستقبلية، فمن ذلك غلبة الروم وهزيمة جمع قريش، كما اكتشف العلم الحديث مؤخراً أطوار الجنين في البطن ووجود الحاجز المائي بين العذب والمالح إلى غير ذلك.
ومن أعظم دلائل كونه من عند الله بقاؤه محفوظاً بين أيدينا أربعة عشر قرنا لم يحرف ولم يبدل ولم يخلق على كثرة الرد ولا يسأم منه قارئوه مهما كرروا تلاوته.
وأما إثبات رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يشهد له تبشير رسول الله عيسى ابن مريم برسالته وثبوت أمره في التوراة والإنجيل، وقد شهد بذلك بعض أهل الكتاب الذين لم يعمهم التعصب كبحير الراهب وورقة بن نوفل وسلمان الفارسي وعبد الله بن سلام وزيد بن سعنة، إضافة إلى كثير من المعجزات التي تشهد برسالته، ومنها شهادة الأشجار والحيوانات برسالته صلى الله عليه وسلم، ومنها انشقاق القمر ومنها إخباره بأشياء مستقبلية ظهر صدقه فيها كفتح الشام والعراق والقسطنطينية.
وهذه المعجزات قد ألف أهل العلم فيها عدة كتب فمنها دلائل النبوة للبيهقي،ومنها كتاب البداية والنهاية لابن كثير، فقد ذكر في المجلد السادس كثيراً من المعجزات، وكتاب الرسل والرسالات للدكتور عمر سليمان الأشقر.
وأما الإيمان بالملائكة، فإن الشرائع السماوية جاءت به كلها، وليس في العقل ما يرفض ثبوته حتى ينكره منكر.
إضافة إلى أنه قد ثبت حسيا تصرفاتهم بإذن الله في هذا الكون، فهذه ظاهرة الموت التي تحصل بتوفي ملك الموت للحيوانات وهي مشاهدة يومياً مع توفر العلاجات الطبية وتطورها.
ومثلها ظاهرة نزول الأمطار وظاهرة حفظ الإنسان عندما ينام وهو مفتوح المنافذ ولا حشرة تدخل في منفذ من منافذه، وما ذلك إلا بحفظ المعقبات من الملائكة وحراستهم له.
وللمزيد في الموضوع راجع الفتاوى التالية أرقامها: 32949، 12746، 31528، 20138، 654، 24129.
وراجع مواقع الإعجاز العلمي على الإنترنت وما قاله الشيخ الزنداني وزغلول النجار فيه.
ثم إننا ننبه إلى أنه لا ينبغي أن يحاور الملاحدة والمشككين في الدين إلا من يستطيع حوارهم ممن تسلح بالعلم الشرعي خوفاً من تأثره بما يرددونه من الشبهات.
ولا يعني هذا أنه لا يدعوهم إلى الله تعالى، ولكن بنبغي أن يستخدم في دعوتهم وتذكيرهم وسائل الترغيب والترهيب بنصوص الوحي، وتذكيرهم بالموت وأنهم سينقلون إلى حياة أخرى لا ينفعهم فيها إلا الإيمان بالله وما جاءت به رسله إضافة إلى ما يكسبه أهل الإيمان من سعادة الدنيا، وحصول الحياة الطيبة بها مع سعادة الآخرة والسكن الأبدي في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1426(2/1926)
مصحف فاطمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بمصحف فاطمة، هل هو مصحف غير المصحف المعروف عند المسلمين أم هو مصحف خاص بالشيعة يختلف عن المصحف الذي يتفق عليه كل المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعرف في المصاحف المطبوعة مصحفا اسمه مصحف فاطمة، وهذه المصاحف المطبوعة في أغلب دول العالم الإسلامي هي المصاحف التي تحوي القرآن الذي نقله الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جمعه أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان في الجمعين المعروفين عند أهل علوم القرآن.
ويذكر بعض الناس أن عند بعض الفرق مصحفاً اسمه مصحف فاطمة وأنه يحوي أكثر مما هو موجود في المصاحف التي بين أيدينا، وهذا يرده أن فاطمة لم تبق في الحياة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أشهراً معدودة، ولم يعرف أنه أخذ عنها علم كثير في هذه الفترة. ويرده كذلك أن عليا رضي الله عنه من الصحابة الذين أخذ عنهم بعض القراء السبعة في أسانيدهم ولم يرو عنه ما يخالف المصحف الذي عندنا، ويرده كذلك أن بعض هذه الفرقة ينكر وجود هذا المصحف عندهم، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6484، 23386.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1426(2/1927)
نصرة الإسلام واجب كل مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بينما أطالع فيencarta وجدت فيها سورة ـ سبح ـ ولقد هالني ما قرأت فيها حيث كتبوا في آخر أياتها أي في صحف إبراهيم وموسى ـ كتبوا إبراهيم وعيسى وهي محاولة لتحريف القرأن الكريم وتزويره اقتصوا للإسلام ولي منهم حاكموهم وكم نسخة في السوق encarta 2005+2004+2003+2002+++ إنها الكارثة أنا طالب بفرنسا لا حول لي ولا قوة يارب إني بلغت يارب إني بلغت يا رب إني بلغت فاشهد انصرواالله ينصركم، راسلوني جزاكم الله كل خير عن كل جديد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يتقبل منك ويثيبك على غيرتك على الدين وعلى القرآن الكريم واستيائك من هذا المنكر العظيم الذي عمله هؤلاء المعتدون المحرفون، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون. وعلينا جميعا أن يبذل كل منا ما يستطيع في نصر الإسلام وصد هجوم الأعداء وبيان بطلان أفكارهم وأعمالهم الفاسدة. واعلم أنك لست مطالبا بما فوق طاقتك، فإن كنت لا تستطيع إلا الإنكار بالقلب وإعلام بعض المواقع والهيئات بالموضوع فنسأل الله أن يقبل ذلك منك، وجزاك الله خيرا على التواصل معنا. وعليك بالقيام بالاشتراك معنا في موقع الشبكة ليأتيك الجديد عن طريق بريدك الإلكتروني دائما إن شاء لله، ونوصيك بالحرص على الصلاة في المساجد وصحبة أهل الخير ومجالستهم والاتصال بالعلماء مباشرة أو عن طريق وسائل الاتصال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(2/1928)
سور القرآن الكريم كلها ثابتة متواترة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا يدرسني أستاذ في التربية الإسلامية حيث قال لي إن سورة عبس لم تنزل على الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وإنما نزلت على سيدنا عثمان بن عفان علما أن الأستاذ شيعي واستند إلى آيات كريمة منها وإنك لعلى خلق عظيم وآيات أخرى , فما الدلائل إن وجدت لكي أواجهه بها , وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا الأستاذ ينكر أنها من القرآن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كافر كفرا مخرجا من الملة، ثم إن هذا الذي ذكره يرده ما ثبت من نقل جميع القراء لها بأسانيدهم المتواترة عن الصحابة الذين نقلوها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تناقلها المحدثون والمفسرون أيضا ونقلوا سبب نزولها، فما تفتح كتابا من كتب التفسير المعتمدة إلا وجدت تفسيرها وسبب نزولها، وقد روى سبب نزولها مالك والترمذي وغيرهما، كما سبق في الفتوى رقم: 38915 ,
ثم إن من كان هذا مستوى حاله لا ينبغي أن تتعلم منه التربية الإسلامية. وراجع الفتوى رقم: 20215 والفتوى رقم: 30036.
واعلم أن ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي ما هو معروف من حسن أخلاقه، فإن الذي حصل منه إنما هو عبوس سببه حرصه على اهتداء المشركين، وكان واثقا من أنه سيلقى ابن أم مكتوم في أوقات أخرى، وهذا العبوس لم يره ابن أم مكتوم رضي الله عنه لأنه كان أعمى، ولم يُرْوَ أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بما يؤذي ابن أم مكتوم أو يجرح شعوره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1426(2/1929)
شبهات حول القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[تابعت برنامجاً في إحدى محطات التبشير المسيحي وكان البرنامج يتكلم عن الألفاظ الأعجمية في القرآن الكريم مثل فرعون, الفردوس , طور سنين ... إلخ وتناقض ذلك مع آية بلسان عربي مبين, وإنا أنزلناه عربياً.
يرجى التوضيح والرد على هده التهمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في هذا الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 48264، 56322، 39414.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1426(2/1930)
إسماعيل وإسحاق ابنا إبراهيم، وإسحاق والد يعقوب
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت هذا الحديث علي إحدى مواقع النصارى وفيه تشكيك بالقرآن تحت عنوان أخطاء القرآن وأريد ردا عليه مع العلم بأني مسلم ولله الحمد: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. البقرة 133
كما هو واضح من الآية فإن أبناء يعقوب (أسباط إسرائيل) يجيبون سؤال أبيهم حول من سيكون معبودهم بعد وفاة أبيهم بأنه إله يعقوب (أبوهم) وإله آباء يعقوب الذين هم بحسب الآية إبراهيم، إسماعيل، إسحاق.
كلنا نعرف بأن إسماعيل وإسحاق إخوة من أب واحد هو إبراهيم. ونعرف أيضا بأن أبا يعقوب هو إسحاق، وطبعاً إسماعيل هو عم يعقوب.
لكن القرآن يأبى أن يكون إسماعيل مجرد عم ويضعه في خانة الآباء، مخالفاً بذلك آيات سابقات تبين استحالة أن يكون إسماعيل أباً ليعقوب، وأيضاً مخالفاً للتوراة والإنجيل، لا تغضب عزيزي القارئ، ولا تتهمني بعدم فهم عادات العرب، أغلبكم سيقول إن العم بمثابة الأب، لهذا وضع القرآن إسماعيل في خانة الآباء لكونه عم يعقوب، كلام جميل، فقط لو لم تكن هناك آراء أخرى لا يدري بها أغلب القراء، أنت تعرف بأن هناك عدة قراءات للقرآن، ربما لم تتطلع عليها بنفسك. دعني أخبرك بهذه القراءات. القراءات القرآنية:
قرأ ابن عباس، الحسن، ابن يعمر، أبو رجاء، عاصم الجحدري هذه الآية \"وإله أبيك إبراهيم\": أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبيكَ إِبْرَاهِيمَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
قرأ أبي الآية \"وإله إبراهيم\": أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن الكريم أثبت كون إسماعيل وإسحاق ولدي إبراهيم كما تفيده الآيات الواردة في سورة الصافات عند قصة إبراهيم، وبناء عليه فإن إسحاق هو والد يعقوب كما يفيده حديث البخاري: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وأما إسماعيل فهو عمه ولكن العم يطلق عليه أب في لغة العرب كما يفيده الحديث: العم والد. رواه الطبراني، وحسَّن الهيثمي والألباني سنده.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي العالية ومحمد بن كعب في تفسير هذه الآية أنه سمى العم أبا.
وأما قراءة وإله أبيك فإنها ليست قراءة متواترة، ومع ذلك فليس فيها ما يُنكَر فقد بين أهل العلم توجيهها، فقد ذكر القرطبي والشوكاني في تفسيريهما وجهين في توجيهها: الأول: أن يراد بأبيك إبراهيم، إبراهيم وحده والعرب تطلق على الجد أباً، وعلى هذا فقد عطف كلمة إسماعيل على كلمة أبيك فيكون المعنى وإله أبيك وإله إسماعيل.
والثاني: أن تكون كلمة أبيك أصلها أبين جمع مذكر سالم لأب وحذفت النون للإضافة وهو مذهب إمام النحاة سيبويه، فقد حكى عن العرب أنهم يجمعون كلمة أب فيقولون: أبون وأبين، ومن هذا قول الشاعر:
فلما تبين أصواتنا * بكين وفديننا بالأبينا
وأما قراءة وإله إبراهيم فهي شاذة أيضاً ولكن معناها واضح، وأقصى ما فيها أنها حذفت منها كلمة أبائك، ولا أشكال في هذا فإن القراءات العشر المتواترة قد تثبت كلمة في إحداها وتحذف في أخرى، كما هو معروف عند أهل الفن، ومن أمثلته هو في قوله تعالى: وهو الغني الحميد {الحديد:24} في قراءة الجمهور وهي غير موجودة في قراءة نافع وابن عامر. ومن أمثلته "مِن" في قوله تعالى في سورة يونس: تجري من تحتها الأنهار، في قراءة ابن كثير وهي غير موجودة في قراءة الجمهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(2/1931)
القرآن صالح لكل العصور
[السُّؤَالُ]
ـ[شبهة كيف ترد عليها، إن القرآن لا يقدر على إقامة المجتمع الراقي ولا يستطيع مواكبة التطورات في كل عصر وخاصة في العصر الحاضر، لأن القرآن نزل على مجتمع بدائي لا يعرف الحضارة ولا التطور ولا القراءة والكتابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن كتاب الله الذي خاطب به البشرية جميعاً إلى يوم القيامة بلا تقيد بزمان دون زمان أو مكان دون مكان، لقد جاء القرآن حين بلغت البشرية سن الرشد العقلى فجاء كتابا مفتوحا يخاطب جميع العقول لا في عصر النزول فقط، بل ممتداً لجميع العصور، وهذه حقيقة لا يختلف فيها عاقلان، فالقرآن لم يأت بشيء يخالف العقل السليم، ولم يأت بشيء يؤخر الإنسان، وإنما أتى بما يرقى بعقل الإنسان في كل مجال من مجالات الحياة في حدود ما أحله الله.
قال الأستاذ سيد قطب: إنه نظام متكامل لحياة شاملة، نظام يوجه ويضبط كل النشاط الإنساني في شتى جوانب الحياة. اهـ بتصرف من مقومات التصور الإسلامي.
وقد شهد بذلك علماء النصارى أنفسهم: يقول إيفور إليويس - كان قساً نصرانياً ثم أعلن إسلامه-: ولعل ما لفت نظري وجذبني لهذا الدين أنه دين شامل وكامل يعالج جوانب كثيرة من حياة الفرد والمجتمع، ويوازن بين الدنيا والآخرة، ويقدم للبشرية مشاريع إصلاح اقتصادية واجتماعية ونفسية. انتهى.
فمن يطبق القرآن ويعمل به ينل خير الدنيا والآخرة، وقد صرح بذلك البروفسير (إيرفنج) الأستاذ بجامعة (تنسي) الأمريكية حينما وقف مخاطباً للمسلمين قال: ... تعلموا الإسلام وطبقوه واحملوه لغيركم من البشر تنفتح أمامكم الدنيا، ويدن لكم كل ذي سلطان، أعطوني أربعين شاباً ممن يفهمون هذا الدين فهماً عميقاً ويطبقونه على حياتهم تطبيقاًَ دقيقاً، ويحسنون عرضه على الناس بلغة العصر وأسلوبه، وأنا أفتح بهم الأمريكتين. انتهى، نقلاً عن (قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي) للدكتور زغلول النجار.
أما من قال إن القرآن لا يستطيع مواكبة التطورات في كل عصر لأنه نزل على مجتمع بدائي، فيرد عليه الأستاذ سيد قطب قائلاً: إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن هي شريعة كل زمان، لأنها بشهادة الله شريعة الدين الذي جاء للإنسان في كل زمان وفي كل مكان لا لجماعة من بني الإنسان ... والله الذي خلق الإنسان وعلم من خلق هو الذي رضي له هذا الدين المحتوي على هذه الشريعة، فلا يقول إن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من الله بحاجات الإنسان وبأطوار الإنسان. انتهى (في ظلال القرآن) .
فليس هناك إلا منهج واحد رابح وطريق واحد ناجح ألا وهو ذلك المنهج المستنبط من القرآن، وننصح الأخ السائل بعدم الالتفات لهذه الشبهات، لأن أعداء الإسلام يحاولون تشويه الإسلام وإثارة الشبهات حول القرآن، وذلك لإضعاف الإسلام والمسلمين ونزع ثقتهم بالقرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(2/1932)
افتراءات باطلة والرد عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتابع قناة تلفزيونية مسيحية وكان هناك قسيس يتكلم عن الإسلام فيقول كيف لمحمد أن يقول إن هذا كلام الله (القرآن) فمثلا يقول (تبارك الله رب العامين) (تبارك الله أحسن الخالقين) (الحمدلله رب العالمين) <سوررة الفاتحة> أيقول الله هذا!! إنما هو محمد يقوله ومن ثم يقول إنه كلام الله ولقد سمعت أيضا في غرفة من غرف الدردشة في البالتوك نفس الكلام فكيف لنا أن نرد عليهم؟ ولماذا يقول الله (الحمد لله رب العالمين..) وفي أي سبب نزلت هذه السورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الشبهة الغرض منها تشكيك المسلمين في دينهم وثوابتهم، وإلا فإن خصوم القرآن قد شهدوا بصدقه ولم يجدوا بداً عن ذلك، حتى قال الوليد بن المغيرة: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر. وقال لقومه: والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصده مني، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئاً من هذا.
ولكن يبدو أن مشركي العرب كانوا أشد إنصافاً من مشركي النصارى، وما ذكر من الآيات في السؤال ثناء من الله عز وجل على نفسه، فإنه سبحانه يحب الثناء، ولذلك أثنى على نفسه، كما أخبر بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم، فمعنى الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي: سبق الحمد مني لنفسي قبل أن يحمدني أحد من العالمين، وحمدي لنفسي في الأزل لم يكن بعلة، حمدي الخلق مشوب بالعلل، قال علماؤنا: فيستقبح من المخلوق الذي لم يعط الكمال أن يحمد نفسه ليستجلب لها المنافع ويدفع عنها المضار. وقيل: لما علم سبحانه عجز عباده عن حمده، حمد نفسه لنفسه في الأزل ... ألا ترى سيد المرسلين كيف أظهر العجز بقوله: لا أحصي ثناء عليك. وقيل: حمد نفسه في الأزل لما علم من كثرة نعمه على عباده وعجزهم عن القيام بواجب حمده فحمد نفسه عنهم لتكون النعمة أهنأ لديهم حيث أسقط عنهم به ثقل المنة. اهـ من كلام الإمام القرطبي في تفسيره
أما قوله تعالى: تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وفَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. فالله تعالى يحب الثناء كما يحب المحامد، وثناؤه على نفسه أعظم من ثنائهم عليه، وكذلك حبه لنفسه وتعظيمه لنفسه. فهو سبحانه أعلم بنفسه من كل أحد وهو الموصوف بصفات الكمال التي لا تبلغ عقول الخلائق، فالعظمة إزاره والكبرياء رداؤه، وفي الصحيحين عن ابن مسعود: لا شيء أحب إليه المدح من الله لذلك مدح نفسه.
فهو يحمد نفسه ويثني عليها، ويحمد نفسه وهو الغني بنفسه لا يحتاج إلى أحد غيره، بل كل ما سواه فقير إليه.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يعني ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من حال إلى حال وشكل إلى شكل، حتى تصورت إلى ما صارت إليه من الإنسان السوي الكامل الخلق قال: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. اهـ
ومعنى قوله تعالى: أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ يعني أحسن الصانعين، لأن العرب تسمي كل صانع خالقاً، قال الإمام الطبري: عن مجاهد قال: يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين. اهـ
ولمزيد فائدة راجع الفتاوى: 3988، 45686، 55950.
هذا، وننصح الأخ السائل بعدم الدخول على هذه المواقع، وعدم مشاهدة القنوات التنصيرية حتى لا يتشوش ذهنك أو تتأثر بها مع أنه لا فائدة من وراء دخولك على تلك المواقع، فليقتصر دخولها على المختصين الذين لديهم القدرة على رد باطلهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(2/1933)
تهافت دعاوى القائلين بأن القرآن فيه تناقض
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل إلي أحد النصارى هذه الرسالة فهل لنا الرد عليه، هل يوجد تناقض في القرآن، الكلام المتناقض جاء في سورة النساء (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً) ، ولكننا نجد فيه التناقض الكثير:
التناقض الأول: كلام الله لا يتبدل: كلام الله يتبدل (لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ) {يونس: 10: 46} ، (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) {النحل: 16: 101} ، (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) {الكهف 18: 27} ، (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) {البقرة:2: 106} ، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّ الهُ لَحَافِظُونَ) {الحجر 15: 9} ، (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أَمُّ الكِتَابِ) {الرعد 13: 39} .
التناقض الثاني: اليوم عند الله ألف سنة: اليوم عند الله خمسون ألف سنة: (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) {السجدة 32: 5} ، (تَعْرُجُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة) {المعارج 70: 4} .
التناقض الثالث: لا شفاعة: توجد شفاعة: (قُلْ لِلهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعا لهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) {الزمر 39: 44} ، (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَا عْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) {يونس 10: 3} ، (اللهُ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بينهما فِي سَتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ مَالكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ) {السجدة 32: 4} .
التناقض الرابع: قليلٌ من أهل الجنة مسلمون: كثيرٌ من أهل الجنة مسلمون: (ثُلَّةٌ مِن الأوَّلين وقليلٌ مِن الآخِرين) {الواقعة 56: 13 -14} ، (ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِريِنَ) {الواقعة 56: 39 -40} .
التناقض الخامس: خلاص اليهود والنصارى والصابئين والمسلمين: خلاص المسلمين فقط: (إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون) {المائدة 5: 69} ، (َمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِين) {آل عمران 3: 85} .
التناقض السادس: الأمر بالصفح: النهي عن الصفح: (َإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَا صْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ) {الحِجر 15: 85} ، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَا غْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ) {التوبة 9: 73} .
التناقض السابع: النهي عن الفحشاء: الأمر بالفحشاء: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَالا تَعْلَمُونَ) {الأعراف 7: 28} ، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) {الإسراء 17: 16} .
التناقض الثامن: لا يُقسِم بالبلد: يُقسِم بالبلد: (لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ) {البلد90: 1} ، (وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ) {التين 95: 3} .
التناقض التاسع: النهي عن النفاق: الإكراه على النفاق: (بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً) {النساء 4: 138-139} ، (وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْن اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْن اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) {التوبة 9: 30} ، (المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ وَعَدَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَ هُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) {التوبة 9: 67 -68} ، (فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين) {الأنعام 6: 45} ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) {المجادلة 58: 14-16} .
التناقض الخامس عشر: القرآن مبين: القرآن متشابه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَالسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) {النحل} ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن كلام الله تعالى العليم الخبير ليس فيه شيء من التناقض إطلاقاً، ولو كان فيه شيء من ذلك أو يشبه ذلك لأثاره أعداء هذا الدين الإسلامي قديماً، فقد نزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، والعرب في ذلك الوقت في أوجه اهتمام بالكلام إنشاءً ونقداً ولم يستطيعوا أن يجدوا في القرآن مطعناً رغم رفضهم لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ومحاولاتهم المختلفة أن يظهروا معايب تلك الرسالة ويصدون الناس عنه، نعم قالوا عنه صلى الله عليه وسلم إنه ساحر أو مسحور أو شاعر أو مجنون.
لكن لم يطعنوا في القرآن من حيث أسلوبه وإحكام سبكه؛ بل منصفهم يقرُّ أن هذا الكلام ليس من كلام البشر، وهذا مدون في كتب السير والتاريخ وغيرها، فكيف يأتي الآن من لا يفهم العربية أصلاً ولا يتكلمها على وجه صحيح فصيح ثم ينتقد هذا الكتاب، فيما لم يمكن لأولئك أن ينتقدوه فيه؟!! أظن أن أي عاقل منصف لا يقبل ذلك.
فمشركو العرب المتقدمون أكثر احتراماً لعقولهم وعقول من يخاطبونهم من هؤلاء الأنذال المتأخرين، وبعد هذه المقدمة نقول لك وبكل ثقة وصدق: لا تحزن ولا تخش فالله تعالى حافظ كتابه ودينه ورسالته إلى يوم الدين، ولا بأس أن نبين لك تهافت دعاوى هؤلاء الذين يقولون إن القرآن فيه تناقض تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
* فأما آية يونس (لا تبديل لكلمات الله) فإن أول الآيات: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {يونس:62-63-64} ، فإن هذا الوعد لا يبدل ولا يخلف ولا يغير بل هو مقرر مثبت كائن لا محالة، ذلك هو الفوز العظيم. ولا تناقض في العقل بينها وبين قوله تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ {النحل:101} ، فإن معنى الآية: إذا رفعنا آية أو رفعنا الحكم بها وأثبتنا آية أو أثبتنا الحكم بمضمونها مكان الحكم بمضمون الأولى كقوله تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا {البقرة: 106} .
أما الآيتان (لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ) و (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) فليس فيها تناقض، فآية الكهف (لا مبدل لكلماته) أي لا مغير لها ولا محرف ولا مؤول، أما آية البقرة (ما ننسخ من آية أو ننسها) فهي في الآيات المنسوخة وهي قليلة جداً والمعنى: ما ننسخ من آية فلا تعمل بها (نأت بخير منها أو مثلها) أي نأت بخير لكم في المنفعة وأرفق بكم أو مثل الذي تركناه.
أما الآيتان (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) و (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب ِ) فلا تعارض بينهما كذلك لأن آية الحجر إخبار من الله بأنه سبحانه حافظ للقرآن من التبديل والتحريف والتغيير، وقد صدق إخباره تعالى فظل القرآن محفوظاً من كل ما يمسه مما مس كتب الرسل السابقين كالتوراة والإنجيل.
أما آية الرعد (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء) فالمحو ليس في القرآن وإنما هو إخبار من الله بأنه وحده المتصرف في شؤون العباد، فإرادته ماضية وقضاؤه نافذ يعدم ما يشاء من الموجودات، ويبقي ما يشاء منها، ويعفو عما يشاء من الوعيد، ويقرر وينسخ ما يشاء من التكاليف، ويبقي ما يشاء. فأين التناقض المزعوم بين هاتين الآيتين؟!!
* وأما قوله تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {السجدة:5} وقوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {المعارج:4} ، فالآيتان خاليتان من التناقض لأن ما تضمنتاه عروجان لا عروجُُ واحد، ففي آية السجدة، قال ابن كثير: أي يتنزل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنّ َ. وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة أو سمك السماء خمسمائة سنة، ولكن يقطعها في طرفة عين ولذلك قال سبحانه: أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ. وأما آية المعارج: خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. فالمراد المسافة بين العرش العظيم إلى قرار الأرض، وذلك مسيرة خمسين ألف سنة، وهذا ارتفاع العرش عن المركز الذي في وسط الأرض السابعة. انتهى من كلام ابن كثير بتصرف.
* وأما الشفاعة المنفية في قوله تعالى: مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ {يونس: 3} ، وقوله تعالى: مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ {السجدة:4} ، هي الشفاعة المعروفة عند الناس وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداءً -دون إذن- فتقبل شفاعته، فأراد سبحانه نفي الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه، كما يشفع الناس بعضهم عند بعض، قال الله تعالى: وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى {النجم:26} ، أما الشفاعة المثبتة فهي التي يأذن الله تعالى بها، ولا يكون العبد مستقلاً بالشفاعة بل يكون مطيعاً لله تابعاً له، ويكون الأمر كله للآمر المسؤول، كما قال تعالى: قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا {الزمر:44} ، وقوله تعالى: مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ {البقرة:255} ، وقوله سبحانه: وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ {سبأ:23} ، وأمثال ذلك، فتبين أنه لا تناقض بينهما.
* أما الآيتان (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) و (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) ، فهذا الاختلاف سببه اختلاف مقام الكلام لأن الله تعالى قسم الناس في سورة الواقعة يوم القيامة إلى ثلاثة أقسام (السابقون السابقون- أصحاب الميمنة - أصحاب المشئمة) ، ثم بين مصير كل قسم، فالسابقون السابقون: لهم منزلة المقربون في جنات النعيم، ثم بين أن أصحاب هذه المنزلة فريقان: كثيرون من السابقين الأولين وقليلون من الأجيال المتأخرين.
أما أصحاب الميمنة: فمنزلتهم أدنى من السابقين لذلك كانت درجاتهم أدنى ويشاركهم في هذه المنزلة كثير من الأجيال اللاحقة لأن فرصة العمل بما جعلهم أصحاب اليمين متاحة في كل زمن، وعلى هذا فلا تناقض.
* أما قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {المائدة:69} ، فمعناه أن من آمن من اليهود والنصارى والصابئين بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به واليوم الآخر ويعمل صالحاً فلم يبدل ولم يغير حتى يتوفى على ذلك فله ثواب عمله وأجره عند الله، والآية أيضاً تشمل كل من آمن بنبيه في زمانه ولم يدرك غيره، أو من آمن بنبيه وأدرك غيره فآمن به.
وأما آية آل عمران: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} ، فالإسلام هو الدين الحق الذي بعث الله به جميع الأنبياء، والمسلم الحق هو من كان خالصاً من شوائب الشرك مخلصاً في أعماله مع الإيمان، من أي ملة كان حتى بعث محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يؤمن به فهو من الكافرين، ولا تشتبه هذه الآيات إلا على فاسد الذوق اللغوي، أو مكابر لا يؤمن بالحق وإن كان في وضوح النهار.
* أما قوله تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ {الحجر:85} ، كان نزولها قبل أن يأمر الله نبيه بقتال الكفار، فلما أمره الله بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قاتلهم، فقال: أنا نبي الرحمة ونبي الملحمة. فلا تناقض بين آية الحجر وبين قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم ْ {التوبة:73} .
* أما قوله تعالى: قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء {الأعراف:28} ، فظاهر لأن الله لا يأمر إلا بصلاح ولا ينهى إلا عن فساد، وقوله تعالى: أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا {الإسراء:16} ، أي أمرناهم بالطاعة ففسقوا فيها بمعصيتهم الله وخلافهم أمره، كما قال ابن عباس حبر الأمة.
* أما قوله تعالى: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {البلد:1} ، فـ (لا) نفي صحيح وهي رد لكلام من أنكر البعث ورد لما توهم الإنسان المذكور في هذه السورة المغرور بالدنيا، أي ليس الأمر كما يحسبه، من أنه لن يقدر عليه أحد، ثم ابتدأ القسم سبحانه، وفي قراءة الحسن والأعمش وابن كثير: لأقسم بهذا البلد. من غير ألف بعد اللام إثباتاً للقسم فلا تعارض بينها وبين قوله تعالى: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ {التين:3} .
* وأما قوله تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء:138} ، ففيها وعيد شديد للمنافقين فتضمن ذلك زجرهم عن نفاقهم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... * ولا تناقض بين كون القرآن الكريم مبيناً وكونه متشابهاً؛ فإن المعنى متشابهات في التلاوة، مختلفات في المعنى، كما قال جل ثناؤه (وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً) {البقرة:25} ، يعني في المنظر مختلفاً في المطعم، وكما أخبر عن بني إسرائيل قولهم (إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) {البقرة:70} ، يعنون بذلك تشابه علينا في الصفة، وإن اختلفت أنواعه.
فالقرآن العظيم يشبه بعضه بعضا في الحسن والحكمة ويصدق بعضه بعضا، وكل هذا لا يناقض كونه عربياً مبينا إلا عند أعاجم اللسان الذين لا يجيدون إلا الرطانة والتهتهة، الجهال بلغة التنزيل المعجز الذي أعجز الإنس والجن.
وفي الختام ننصح الأخ السائل بأن لا يجادل أهل الشبه من أعداء الإسلام إذا لم يكن لديه من العلم ما يرد به باطلهم، وليعرض عن ذلك، وليعتن بطلب علم الشريعة، وقد قيض الله لأهل الباطل من يبين زيف باطلهم من العلماء الراسخين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1425(2/1934)
التدافع بين الحق والباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الكريم أما بعد:
كان يؤلمني ما أقرأ كل يوم عن ما يكتب عن ديننا الحنيف من سب وشتم ولكن اليوم أبكاني وهمني ما يكتب عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وما يقال عن حبيبي رسول الله فداه نفسي وأهلي ومالي أعلم أن الله الجبار يمهل ولا يهمل وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأن هذا اختبار لنا نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولكم أتمنى لو بيدي حيلة وحسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله سؤالي هو: كيف يمكنني أن أرد على هذه الادعاءات الباطلة؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن يتقبل منك هذه الغيرة للدين والحرص على الدفاع عن مقدساته، واعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن التدافع بين الحق والباطل سنة كونية من سنن الله لا تتوقف إلا حين يرث الله الأرض ومن عليها، ولن يترك هؤلاء الأعداء المس من الدين الحنيف، ومن رسوله الصادق وكتابه العزيز، إلا إذا ترك المسلمون دينهم ومشوا وراءهم تاركين شرع الله، قال تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ {البقرة: 120} .
فهوني عليك واعلمي أن الشبهات التي يثيرها هؤلاء لا تؤثر بإذن الله تعالى في الإسلام، ولا في شيء من مقدساته، وذلك تصديقاً لقول الله عز وجل: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {التوبة: 32} .
وما مثل هؤلاء إلا كمثل من قال فيه الشاعر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... ... ... ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1425(2/1935)
لا دلالة في رواية ابن مسعود وأبي الدرداء على تحريف القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أليس هذا الحديث دليل على تحريف القرآن الكريم والعياذ بالله أو ماذا يعني، حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: (قدمنا الشام فأتانا أبو الدرداء فقال أفيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله قال فأشاروا إلي فقلت نعم أنا قال كيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية والليل إذا يغشى قال قلت سمعته يقرؤها والليل إذا يغشى والذكر والأنثى فقال أبو الدرداء وأنا والله هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها وهؤلاء يريدونني أن أقرأها وما خلق فلا أتابعهم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهكذا قراءة عبد الله بن مسعود والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) .
بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث صحيح عن أبي الدرداء، فقد أخرج مسلم في صحيحه والأصبهاني في المستخرج على صحيح مسلم وأبو عوانة في مسنده. ولكنه وإن صح سنده عن أبي الدرداء ـ لا يدل على تحريف القرآن معاذ الله فإن القرآن محفوظ من التحريف والتبديل، فقد تعهد الله تعالى بحفظه. قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} .ثم إن أهل العلم تكلموا على توجيه ما روي عن ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما في هذا الأثر. فذكر النووي في شرح مسلم أن المازري قال: يجب أن يعتقد في هذا الخبر وما في معناه أن ذلك كان قرآنا ثم نسخ ولم يعلم من خالف النسخ فبقي على النسخ. قال: ولعل هذا وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه المحذوف منه كل مسنوخ. وأما بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه. وأما ابن مسعود فرويت عنه روايات كثيرة منها ماليس بثابت عند أهل النقل، وما ثبت منها مخالفا لما قلناه فهو محمول على أنه كان يكتب في مصحفه بعض الأحكام والتفاسير مما يعتقد أنه ليس بقرآن، وكان لا يعتقد تحريم ذلك، وكان يراه كصحيفة يثبت فيها ما شاء، وكان رأي عثمان والجماعة منع ذلك لئلا يتطاول الزمان ويظن ذلك قرآنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1425(2/1936)
القرآن الكريم عربي فصيح
[السُّؤَالُ]
ـ[قال أحد القسيسين الذي يريد أن يطعن في القرآن قال (كيف يكون القرآن عربيا مبينا وقد ورد فيه العشرات من الكلمات الأعجمية) كيف نرد عليه. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا القول لا يستحق الرد لأنه مكابرة ومغالطة، فلا يمكن لمن له أدنى معرفة بلغة العرب أو يتذوقها إلا أن ينحني أمام القرآن الكريم وأسلوبه الرائع وتعبيره البليغ وكلماته الفصحية، فالقرآن الكريم ليس عربيا فقط، وإنما هو قمة العربية وأعلا درجاتها شهد بذلك العرب الذين أنزل القرآن في زمنهم وهم آئمة الفصاحة وأساطنة النطق، والحق ما شهدت به الأعداء، وما يوجد فيه من مفرادات تكلم بها غير العرب فهذا من باب توافق اللغات، وأن هذه الكلمات تكلم بها هؤلاء وأولئك. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 48264.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(2/1937)
لم يوجد في عهد عمر داع يدعو إلى جمع القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني طالبة في المرحلة الثانوية وطلبت مدرستنا منا الإجابة على هذا السؤال ولكنني لم أجد له الإجابة فطرحته عليكم وأرجو وأتمنى منك الإجابة عليه في أسرع وقت ممكن لأنها تريده يوم الثلاثاء والسؤال هو: لم يذكر التاريخ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عملية جمع القرآن ونسخه فما سبب ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن قد جمع مرتين، الأولى كانت في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي أشار عليه به لما رأى أن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن. ولم يزل يراجعه فيه حتى اقتنع، فكلف بعملية جمعه زيد بن ثابت رضي الله عنه.
وجمع مرة أخرى في عهد عثمان رضي الله عنه الخليفة الثالث، وكان بإشارة من حذيفة بن اليمان رضي الله عنه لما رأى اختلاف الناس في المصاحف، فانتدب له زيد بن ثابت أيضا ومعه ثلاثة آخرون، وراجعي في هذا الموضوع الفتوى رقم: 551. وأما الخليفة عمر رضي الله فلم يجمع القرآن في عهد خلافته، مع أنه هو الذي أشار بجمعه إلى أبي بكر، ولكن مدة حكمه لم يحدث فيها موجب للجمع لأن مسألة اختلاف الناس في المصاحف التي حدثت زمن عثمان لم تكن بعد قد وجدت، والقرآن قد تكامل في الصحف التي جمعها أبو بكر، فلا يخشى ـ إذا ـ ضياع شيء منه، فلم يوجد في عهده داع إلى جمع القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(2/1938)
النية الصالحة بمفردها لا تكفي للرد على أهل الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يمكنني أن أفعل إذا وجدت موقعاً معارضاً للإسلام ووددت الرد عليهم، لكني لست بالمطلعة الجيدة على الفكرة الأساسية التي أود الرد عليها هي تسألهم حول أن القرآن هو كتاب الله، وما هو الدليل على ذلك، أتمنى أن تفيدوني حتى أستطيع الرد على أقوالهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصح به هو عدم الدخول في هذا الأمر ما دمت غير مؤهلة للرد على هذه الشبه لئلا تعلق هذه الشبه بقلبك، فعليك أولاً أن تشغلي نفسك بتعلم العقيدة الإسلامية الصحيحة من كتب السلف الصالح، ثم تعلم ما يجب عليك تعلمه من الفقه والمعاملات وغيره.
ثم بعد أن تتأهلي يمكنك الدفاع عن الدين، فإن النية الصالحة لا تكفي بمفردها للرد على أهل الكفر، ودعي الأمر لأهل التخصص، وثقي بأن الله تعالى حافظ دينه من غلو الغالين وتحريف المبطلين، وقد قيض لهؤلاء وأمثالهم على مر العصور من يرد باطلهم ويكشف عوارهم، وصدق الله حيث يقول: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {التوبة:32} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1425(2/1939)
عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن مع وجود الداعي وعدم المانع
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض المواقع المسيحية يقولون كلاما يثبتون فيه كفر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويثبتون فيه أن محمدا رجل يمشي مع شهواته وأن قرآنه إنما هو من فكره وفكر من سبقه ومن شعراء آخرين ويقولون أيضا إن القرآن به أخطاء كثيرة وكيف كتاب الله يكون فيه أخطاء نحوية وعلمية.
أنا أود أن أسأل عن أمر واحد وهو الأخطاء النحوية ففي هذه الصفحة يقولون إن القرآن به أخطاء نحوية فكيف، وأريد أن أعلم هل هي فعلا أخطاء أم هذا من فكرهم والوصلة هي:
http://www.alkalema.us/koran/koran6.htm
وأيضا هناك أخطاء كثيرة جداً في القرآن يتهمون بها القرآن وأيضا يقولون إن النبي مات متأثرا بالسم من إحدى زوجاته وأشياء كثيرة، وأنا على استعداد لعمل موقع على شبكة الإنترنت للرد على هذه الأكاذيب ولكني لا أعرف كيف أرد عليهم فأرجو أن ترسلوا لي الرد على جميع الأكاذيب هذه لنثبت لأهل المسيح أنهم ليسوا على حق في كل ما يكتبونه في الموقع وهذا هو الموقع الذي به كل الأخطاء افتحه:
http://www.alkalema.us/koran/koran6.htm
ومنتظر للرد بسرعة على بريدي الإلكتروني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحمد لك غيرتك على الدين الإسلامي وتحمسك للدفاع عنه.
واعلم أن دخولك هذه المواقع الضالة وأنت لست متحصناً بالعلم بالعقيدة الإسلامية وثوابتها، وكذلك معرفة الشبهات والجواب عليها يؤثر على قلبك وإيمانك فاحذر.
إن ما ذكرته من شبهات يثيرها هؤلاء الضالون وساوس قديمة هزيلة أجاب عنها الجهابذة في كل عصر ومصر، فها هو ابن عباس يذهب إليه رجل يطعن في القرآن، فقال له ابن عباس: أبهتك أولاً أم أحاجّك؟ فعجب الرجل وقال: ابهتني. قال ابن عباس: إن القرآن نزل على العرب، وهم أهل اللغة وأعلم بها وتحداهم الله أن يأتوا بمثله ووبخهم على كفرهم، ومع هذا فلم يستطيعوا أن يطعنوا في حرف فيه. انتهى.
فأنت أخي الحبيب وإن لم تكن ملماً بعلم النحو وأصول البلاغة إذا تأملت حال العرب عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من كفر وظهور على المسلمين، ونظرت إلى تحدي القرآن لهم أن يأتوا بمثله ثم بعشر سور ثم بسورة وهم لم يستطيعوا علمت أنه -القرآن- معجز، فمع وجود الداعي وعدم المانع الظاهر والتمكن عجزوا ويئسوا، وكما قيل: إن من أعظم أدلة ظهور الدين وجود أهل الباطل!
وهل قدَّم هؤلاء أدلة على مزاعمهم الباطلة، فإن الكلام العاري عن البرهان لا يقبل عند العقلاء.
أما الطعن والسب فيستطيعه كل أحد تجرد من الدين والخلق، وننصح بقراءة كتاب: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، وهداية الحيارى لابن القيم، والفصل لابن حزم -الجزء الخاص بالنصارى- ومقدمة تفسير القرطبي، ومعترك الأقران للسيوطي، وإعجاز القرآن للرافعي.
وللاستفادة ادخل هذا الموقع: www.sultan.org/a.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1425(2/1940)
شبهة وجوابها حول نزول القرآن باللغة العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
السؤال: كيف يمكن الرد على إدعاء أهل الكتاب أنه لو كان القرآن مرسلاً للّناس كافة كيف يكون بلغة لا يفهمها أغلب سكان الأرض؟
بارك الله في مسعاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن رد هذه الشبهة بعدة وجوه:
الوجه الأول: أنه لو كانت هذه الشبهة حقاً للزم منها عدم صحة نسبة الإنجيل إلى الله حيث إنه كتب بلغة لا يفهمها أكثر البشر وهي اللغة الآرامية، وهم يزعمون أن المسيح قد أرسل إلى جميع الأمم.
الوجه الثاني: أن القرآن نزل باللغة العربية لما للغة العربية من خصائص ومميزات لا توجد في لغة أخرى، فاللغة العربية من أغنى اللغات كلماً، وأعذبها منطقاً، وأسلسها أسلوباً، وأغزرها مادة، ولها من عوامل النمو ودواعي البقاء والرقي ما قلما يتهيأ لغيرها، وذلك لما فيها من اختلاف طرق الوضع والدلالة، وغلبة اطراد التصريف والاشتقاق، وتنوع المجاز والكناية وتعدد المترادفات، إلى النحت والقلب والإبدال والتعريب، ولقد شهد بعظمتها كثير من المنصفين الأجانب مثل (إرنست رينان) في كتاب (تاريخ اللغات السامية) حيث يقول: من أغرب المدهشات أن تثبت تلك اللغة القوية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري، عند أمة من الرحل تلك اللغة التي فاقت إخوتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها، وكانت هذه اللغة مجهولة عند الأمم، ومن يوم أن علمت ظهرت لنا في حلل الكمال إلى درجة أنها لم تتغير أي تغير يذكر، حتى إنها لم يعرف لها في كل أطوار حياتها لا طفولة ولا شيخوخة.. (مجلة الأزهر مجلد 3 ص 240) .
الوجه الثالث: أن القرآن نزل باللغة العربية لأن العربية هي وسيلة التفاهم مع القوم الذين أرسل إليهم الرسول، وبدأت الدعوة في محيطهم قبل أن تبلغ لغيرهم، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ {سورة إبراهيم: 4} .
الوجه الرابع: أن القرآن نزل باللغة العربية لإثبات إعجاز القرآن، لإثبات صدق الرسالة، فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم في قوم فصحاء بلغاء يتبارى فصحاؤهم في نثر الكلام ونظمه في مجامعهم وأسواقهم، فجاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن، آية قاطعة وحجة باهرة على نبوته، وقال لهم إن ارتبتم في أن هذا القرآن من عند الله فأتوا بمثله، فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، فتنزل معهم فتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، ولم يكن شيء أحب إليهم من أن يثبتوا كذب محمد صلى الله عليه وسلم، ولو وجدوا أي طريق يستطيعون ذلك من خلاله لسلكوه لشدة عداوتهم له وبغضهم لما جاء به، ولكنهم عجزوا، فدل ذلك أن هذا القرآن من عند الله، قال تعالى: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {سورة البقرة: 33} .
وأما كيفية تبليغه للناس وهم لا يفهمون العربية، فهذا التبليغ بترجمة معانيه لهم، وبتعلمهم هم العربية، وهذا ما حدث في القرون الأولى، عرضت الدعوة على الناس كافة فآمن الكثير منهم، وتفقهوا في الدين وأتقنوا اللغة العربية، ففهموا القرآن وصاروا أئمة في الدين والفقه واللغة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1425(2/1941)
تهافت شبهة عدم وجود الرجم في القرآن والمعوذتين في مصحف ابن مسعود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيما يدعية بعض الكفرة من أن القرآن محرف ويقولون إن هناك أدلة
الأول آية الرجم التي لم تكتب
الثاني المعوذتان عدم وجودها في مصحف عبد الله بن مسعود
وهل يوجد مخطوطات القرآن التي كتبها عثمان إلى اليوم وسامحوني على التطويل وجزاكم الله خيرا ونفع بكم الإسلام والمسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التشريع الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل عدة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات، والنسخ عرفه العلماء بأنه: رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر.
ولم يقع خلاف بين الأمم حول النسخ، ولا أنكرته ملة من الملل قط، إنما خالف في ذلك اليهود فأنكروا جواز النسخ عقلاً، وبناء على ذلك جحدوا النبوات بعد موسى عليه السلام، وأثاروا الشبهة، فزعموا أن النسخ محال على الله تعالى لأنه يدل على ظهور رأي بعد أن لم يكن، وكذا استصواب شيء عُلِمَ بعد أن لم يعلم، وهذا محال في حق الله تعالى.
والقرآن الكريم رد على هؤلاء وأمثالهم في شأن النسخ رداً صريحاً، لا يقبل نوعاً من أنواع التأويل السائغ لغة وعقلاً، وذلك في قوله تعالى: [مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (البقرة:106) فبين سبحانه أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال تعالى: [نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا] ثم عقب فقال: [أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] (البقرة:106- 107)
والنسخ ثلاثة أقسام:
الأول: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ومثاله آية الرجم وهي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة..) فهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه.
الثاني: نسخ الحكم والتلاوة معاً: ومثاله قول عائشة رضي الله عنها: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات يحرمن) فالجملة الأولى منسوخة في التلاوة والحكم، أما الجملة الثانية فهي منسوخة في التلاوة فقط، وحكمها باق.
الثالث: نسخ الحكم مع بقاء التلاوة عكس الأول، ومثاله قول الله عز وجل: [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ] (البقرة:240) نسخ حكمها بقوله تعالى [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا] (البقرة:234) وبقيت تلاوتها
وأما عدم وجود المعوذتين في مصحف عبد الله بن مسعود فليس دليلا على أن القرآن محرف، فالمصحف المتواتر المجمع عليه من الصحابة إنما هو مصحف عثمان، وأما بقية المصاحف كمصحف ابن مسعود وغيره من الصحابة قد كان في بعضها نقص، وقد أمر عثمان بإحراقها، وقد استجاب الصحابة لعثمان فحرقوا مصاحفهم واجتمعوا جميعا على المصاحف العثمانية حتى عبد الله بن مسعود.
أما سؤالك عن وجود مخطوطة لمصحف عثمان إلى اليوم فقال الأستاذ الدكتور على جمعة محمد أستاذ أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الأزهر: هناك نسخة كاملة في مقام الحسين عليه السلام بمصر من مصحف عثمان، بالإضافة إلى النسخة السمرقندية، ونسخة طوبقابو باسطنبول.
والمصحف الشريف حُفظ في الصدور فكان الحفظ هو الأساس وليس الكتابة، وقبل الحرب العالمية الثانية قام معهد برلين بجمع أربعين ألف نسخة من المصحف عبر العصور؛ لمحاولة إيجاد أي تحريف فيه، وأصدر بعد سنين تقريرًا مبدئيًا، وكان قد انتهى من مقارنة ما يزيد عن ثمانين في المائة مما جمعه. وهذا التقرير يوجد في مكتبة ألمانيا يعترف بعدم وجود أي تحريف في القرآن الكريم.
فصدق الله حيث يقول: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] [الحجر: 9] وراجع في ذلك كتاب "إظهار الحق" لرحمة الله الهندي وله عدة طبعات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(2/1942)
دلالة وجود الخالق. ودلائل حفظ القرآن من التحريف
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي استفسار: إذ أننا نعيش في زمن فتن لذا فإنني أواجه الكثير من الاستفسارات وهي: ما هي الدلائل على وجود الله ثم وجود إله واحد، والغرب يدعي بأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ابتدع القرآن وأنه ليس برسول لذا فقلت إن القرآن محفوظ إلا أن نفسي أو الشيطان وسوس لي بأنه ما المانع بأن يكون القرآن قد زور ثم أضيفت الآية التي تؤكد حفظه وأريد مقارنة سريعة ودقيقة مع تأكيد بأن القرآن ليس مزوراً وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتبه، مع تفسيرات واضحة ودقيقة لكي لا يوسوس لي الشيطان ومقارنة بين الديانات لأتأكد بأنني أسير على الدين الصحيح، أرجو الرد وبسرعة أنجدوني ينجدكم الله، وبارك الله فيكم، وأدعو لي بأن لا أموت قبل أن أحصل على اليقين، والله على ما أقول شهيد؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتطلع إلى معرفة الخالق سبحانه وتعالى أمر مركوز في فطرة كل إنسان، والعاقل المتأمل في نفسه وفي الكون من حوله يعلم حقيقةً أن لهذا الكون خالقاً متصفاً بكل كمال، منزها عن كل نقص.
فهذا الكون كله بنظامه ودقته شاهد على وجود خالق، بل الإنسان نفسه أكبر دليل على وجود خالقه لأن الله تعالى خلقه من العدم، ومرَّ بمراحل وأطوار متعددة في بطن أمه حتى خرج إلى هذا العالم، ومن هنا جاء التنبيه القرآني: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] ، وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 22055، والفتوى رقم: 22279.
ومما يدل على وجود إله واحد لا شريك له أنه لو فرض تعدد الألهة لترتب على ذلك ما يلي:
1- اختلال نظام الكون حيث سينفرد كل منهم بما خلق، والكون منتظم كما هو مشاهد.
2- كان كل واحد يطلب القهر والغلبة على الآخر فيعلو بعضهم على بعض، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: فقال الله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون:91] ، أي لو قدر تعدد الألهة لانفرد كل منهم بما خلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كلٌ من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال، مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ، ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه فيعلو بعضهم على بعض.
وقال الإمام القرطبي عند تفسيره لقول الله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22] : والمعنى لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها، وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير لأن أحدهما إن أراد شيئاً والآخر ضده كان أحدهما عاجزا، وقيل معنى لفسدتا أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء، فسبحان الله رب العرش عما يصفون نزه نفسه وأمر العباد أن ينزهوه عن أن يكون له شريك أو ولد. انتهى.
ولا تلتفت إلى أقوال الكافرين الذين يطعنون في رسالة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن رسالته خاتمة للرسالات السابقة وقد بشر بها الرسل من قبله، فقد قال تعالى حكاية عن عيسى عليه الصلاة والسلام قوله: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] ، فكل من لم يؤمن برسالته صلى الله عليه وسلم فهو كافر مخلد في النار إن مات على ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.
وقد جاء هذا النبي الأمي بتلك المعجزة الباقية وهي القرآن الكريم وتحدى البشر أن يأتوا بمثله، ولا يزال يتحداهم فعجزوا عن الإتيان بمثل سورة من سوره بل بمثل آية من آياته، والقرآن معجز بما فيه من فصاحة وبيان، وبما فيه من أخبار مستقبلة صادقة، وبما فيه من حقائق علمية لا يزال العلم الحديث يكتشفها فيجدها مطابقة لما أخبرالقرآن، مما يدل على أنه من كلام خالق هذا الكون الذي أحاط به علماً.
والقرآن كلام الله تعالى وهو محفوظ من التغيير والتبديل ولا أدل على ذلك من وجود هذه الأعداد الكثيرة من المصحف متفقة غير مختلفة مع تباعد الأقطار، فالمصحف في الصين لا يختلف عن المصحف الموجود في الغرب، وتفصيل هذه المسألة في الفتوى رقم: 6472، والفتوى رقم: 32547.
وما تجده من وساوس وخطرات من كيد الشيطان، وعليك دفعه وعدم الالتفات إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكثيراً ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق ثم يتوب الله عليه، وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق ويدفعه الله عنه، والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره؛ كما قالت الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لإن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان. وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان؛ كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح.
وإنما صار صريحاً لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان فصار صريحاً، ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمن الناس من يجيبها فيصير كافراً أو منافقاً، ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين فإما أن يصير مؤمناً وإما أن يصير منافقاً. انتهى.
ثم عليك أن تعلم أن دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يقبل غيره من الأديان، وكل من كان على دين غيره فهو كافر ضال مخلد في النار إذا مات على غير دين الإسلام، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19] ، وقال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ، فالواجب عليك اعتقاد صحة هذا الدين وأن غيره كفر وضلال، ومن الجدير التنبيه عليه أن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا للضرورة الملحة، ونحيلك للتفصيل في هذا إلى الفتوى رقم: 2007.
كما ننبه إلى ضرورة التفقه في دين الإسلام بتعلم أحكامه ومجالسة العلماء الربانيين والأخذ عنهم حتى تعبد الله على بصيرة وتتفقه في دينك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1425(2/1943)
تصحيح شبهات حول الإسلام والقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أريد أن أصحح عقيدتي في الإسلام. أنا ما زال الشك يملأ عقلي وقلبي عن صحت الإسلام. سؤالي هو. لماذا خلق الله كثيرا من أنواع الشعوب باختلاف لغاتهم, وجعل القرآن باللغة العربية. وكذلك أريد أن أعرف لماذا نحن مسلمون وما الشيء الذي يجعلنا معتقدين بصحة الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاختلاف لغات الشعوب دليل واضح على عظمة الله تعالى واستحقاقه لأن يفرد بالعبادة وحده، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ [الروم:22] وللتفصيل في هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 42971
ونزول القرآن باللغة العربية خصوصا دليل على فضل هذه اللغة العربية وعلو مكانتها، وهذا الأمر تقدير من الله تعالى فله الارادة المطلقة.
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. كما قال تعالى في سورة الأنبياء
والواجب على المسلم التسليم لقضاء الله تعالى والرضا به واعتقاد أنه مشتمل على كل حكمة وخير، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36] وكوننا مسلمين يعتبر مِنَةً من الله تعالى وتوفيقا منه لنا، ودليلا على الهداية إلى الطريق المستقيم قال تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء [الأنعام:125] واعتقادنا بصحة هذا الدين العظيم واعتناقنا له ثمرة قناعتنا العقلية والنقلية على صحته وأنه من عند الله، وأنه الذي ارتضاه الله تعالى لعباده. وقد أيد الله عز وجل رسوله بالبراهين الدالة على صدقه، ومن ذلك القرآن فهو المعجزة الخالدة الذي لايزال يتحدى البشر أن يأ توا بمثله، وجعل الله الإسلام خاتما للأ ديان السماوية قبله، حيث قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]
وقال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]
وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة:48] وللمزيد عن هذا الموضوع نحيلك إلى الأجوبة التالية:
511، 3887 3، 11486
وحتى يزول مافي قلبك من شكوك، أكثر من الالتجاء الله تعالى ودعائه أن يشرح صدرك إلى اتباع الحق واليقين به.
ثم عليك بمطالعة الكتب الصحيحة التي تتحدث عن دين الإسلام، إضافة إلى حضور مجالس العلماء الربانيين حتى تتفقه في دينك، وعليك بدفع مثل هذه الشكوك والوساوس فذلك دواء ناجع لها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وكثيرا ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق ثم يتوب الله عليه، وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق ويدفعه الله عنه، والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره؛ كما قال الصحابة: يارسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الايمان وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به. قال: الحمدلله الذي رد كيده إلى الوسوسة، أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الايمان؛ كالمجاهد الذي جاءه العدو صريحا فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح، وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الايمان فصار صريحا.
ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمن الناس من يجيبها فيصير كافرا أو منافقا، ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصير مؤمنا وإما أن يصير منا فقا. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1425(2/1944)
القرآن كلام الله غير مخلوق
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد جرى قبل أسبوع في أحد القنوات الفضائية حوار موضوعه\" قراءة موضوعية في تراث ابن تيمية\",كان في هذا الحوار شيخان, أحدهما يدعى عدنان العرعور والأخر وهو معارض تماما لعقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية وليس هذا فقط بل يكفره أيضا؟؟؟ المدعو حسن السقاف, المهم, سؤالي هو: أنه في أحد الحلقات جرى نقاش حول القرآن الكريم هل هو كلام الله أم هو مخلوق, فقد ادعى السقاف أن كلا من البخاري وابن حجر العسقلاني والنووي والرازي قالوا بذلك أي هو مخلوق.
فهل صحيح أنهم قالوا ذلك؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس واحد من الأئمة الأربعة قائلا بخلق القرآن، بل معتقدهم في ذلك معتقد السلف الصالح أجمع أن القرآن كلام الله غير مخلوق، غير أن الرازي رحمه الله بعد إثباته أن القرآن كلام الله عاد فقال: إن المراد بكلام الله المعنى النفسي، وهذا هو مذهب الأشاعرة، والرازي رأس من رؤوسهم، وقد قرر الرازي ذلك في أكثر كتبه، ومن ذلك كتابه في التفسير، وكذا المطالب العالية في العلوم الإلهية، ولمعرفة كلام الأشاعرة في كلام الله، انظر الفتوى رقم: 19390.
وأما البخاري والنووي والعسقلاني، فكلامهم في المسألة كلام السلف، وننقل لك من أقوالهم ما يثبت ذلك ويقرره.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه المسمى فتح الباري شرح صحيح البخاري: والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه، والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله، وأنه غير مخلوق، ثم السكوت عما وراء ذلك.
وقال الحافظ ابن حجر 13/492: وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات: مذهب السلف والخلف من أهل الحديث والسنة أن القرآن كلام الله، وهو صفة من صفات ذاته، وأما التلاوة، فهم على طريقتين: منهم من فرق بين التلاوة والمتلو، ومنهم من أحب ترك القول فيه، وأما ما نقل عن أحمد بن حنبل أنه سوى بينهما، فإنما أراد حسم المادة لئلا يتذرع أحد إلى القول بخلق القرآن، ثم أسند من طريقتين إلى أحمد أنه أنكر على من نقل عنه أنه قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، وأنكر على من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال القرآن كيف تصرف غير مخلوق.
وقال ظن بعضهم أن البخاري خالف أحمد وليس كذلك، بل من تدبر كلامه لم يجد فيه خلافا معنويا، لكن العالم من شأنه إذا ابتلي في رد بدعة، يكون أكثر كلامه في ردها دون ما يقابلها، فلما ابتلي أحمد بمن يقول: القرآن مخلوق كان أكثر كلامه في الرد عليهم حتى بالغ فأنكر على من يقف ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق، وعلى من قال: لفظي بالقرآن مخلوق لئلا يتذرع بذلك من يقول: القرآن بلفظي مخلوق، مع أن الفرق بينهما لا يخفى عليه، لكنه قد يخفى على البعض، وأما البخاري، فابتلي بمن يقول: أصوات العباد غير مخلوقة، حتى بالغ بعضهم فقال: والمداد والورق بعد الكتابة فكان أكثر كلامه في الرد عليهم، وبالغ في الاستدلال بأن أفعال العباد مخلوقة بالآيات والأحاديث، وأطنب في ذلك حتى نسب إلى أنه من اللفظية مع أن قول من قال إن الذي يسمع من القارئ هو الصوت القديم لا يعرف عن السلف ولا قاله أحمد ولا أئمة أصحابه، وإنما سبب نسبة ذلك لأحمد قوله: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، فظنوا أنه سوى بين اللفظ والصوت، ولم ينقل عن أحمد في الصوت ما نقل عنه في اللفظ، بل صرح في مواضع بأن الصوت المسموع من القارئ هو صوت القارئ، ويؤيده حديث زينوا القرآن بأصواتكم، وسيأتي قريبا، والفرق بينهما أن اللفظ يضاف إلى المتكلم به ابتداء، فيقال عمن روى الحديث بلفظه هذا لفظه، ولمن رواه بغير لفظه هذا معناه ولفظه كذا، ولا يقال في شيء من ذلك هذا هو صوته، فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه ليس هو كلام غيره، وأما قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (الحاقة: 40) . فاختلف هل المراد جبريل أو الرسول عليهما الصلاة والسلام، فالمراد به التبليغ، لأن جبريل مبلغ عن الله تعالى إلى رسوله، والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ للناس، ولم ينقل عن أحمد قط أن فعل العبد قديم ولا صوته، وإنما أنكر إطلاق اللفظ وصرح البخاري بأن أصوات العباد مخلوقة، وأن أحمد لا يخالف ذلك، فقال في كتاب خلق أفعال العباد ما يدعونه عن أحمد ليس الكثير منه بالبين، ولكنهم لم يفهموا مراده ومذهبه، والمعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله تعالى غير مخلوق وما سواه مخلوق، لكنهم كرهوا التنقيب عن الأشياء الغامضة وتجنبوا الخوض فيها والتنازع إلا ما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم قال الحافظ: ومحصل ما نقل عن أهل الكلام في هذه المسألة خمسة أقوال:
الأول: قول المعتزلة إنه مخلوق.
والثاني: قول الكلابية إنه قديم قائم بذات الرب ليس بحروف ولا أصوات، والموجود بين الناس عبارة عنه لا عينه.
والثالث: قول السالمية إنه حروف وأصوات قديمة الأعين وهو عين هذه الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة.
والرابع: قول الكرامية إنه محدث لا مخلوق وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي بعده.
والخامس: أنه كلام الله غير مخلوق، وأنه لم يزل يتكلم إذا شاء، نص على ذلك أحمد في كتاب الرد على الجهمية، وافترق أصحابه فرقتين: منهم من قال: هو لازم لذاته، والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة، ويسمع كلامه من شاء، وأكثرهم قالوا: إنه متكلم بما شاء، متى شاء، وأنه نادى موسى عليه السلام حين كلمه، ولم يكن ناداه من قبل، والذي استقر عليه قول الأشعرية أن القرآن كلام الله غير مخلوق، مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة. قال الله تعالى:
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ (التوبة: 6) . وقال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (العنكبوت: 46) .
وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر كما تقدم في الجهاد لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو كراهية أن يناله العدو، وليس المراد ما في الصدور، بل ما في الصحف، وأجمع السلف على أن الذي بين الدفتين كلام الله، وقال بعضهم القرآن يطلق ويراد به المقروء وهو الصفة القديمة، ويطلق ويراد به القراءة، وهي الألفاظ الدالة على ذلك، وبسبب ذلك وقع الاختلاف، وأما قولهم إنه منزه عن الحروف والأصوات، فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة، فهو من الصفات الموجودة القديمة، وأما الحروف فإن كانت حركات أدوات كاللسان والشفتين، فهي أعراض، وإن كانت كتابة فهي أجسام، وقيام الأجسام والأعراض بذات الله تعالى محال، ويلزم من أثبت ذلك أن يقول بخلق القرآن وهو يأبى ذلك ويفر منه، فألجأ ذلك بعضهم إلى ادعاء قدم الحروف، كما التزمته السالمية، ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته، ومن شدة اللبس في هذه المسألة كثر نهي السلف عن الخوض فيها واكتفوا باعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولم يزيدوا على ذلك شيئا وهو أسلم الأقوال والله المستعان.
وقال 13/498: قال البخاري: والقرآن كلام الله غير مخلوق، ثم ساق الكلام على ذلك إلى أن قال: سمعت عبيد الله بن سعيد يقول: سمعت يحيى بن سعيد يعني القطان يقول: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة، قال البخاري: حركاتهم وأصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام لله، ليس بخلق، قال: وقال إسحاق بن إبراهيم يعني بن راهويه: فأما الأوعية، فمن يشك في خلقها قال البخاري: فالمداد والورق ونحوه خلق، وأنت تكتب الله فالله في ذاته هو الخالق، وخطك من فعلك وهو خلق لأن كل شيء دون الله هو بصنعه.
وقال الإمام النووي في شرح مسلم: وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها، والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكام علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه. اهـ.
وانظر الفتويين التاليتين برقم: 3988، ورقم: 29238.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(2/1945)
صعود القمر ليس منفيا في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فعلا استطاع الإنسان الصعود إلى القمر وأين هو من قوله تعالى (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) ؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أثبت علماء الفلك صعودهم إلى سطح القمر، وهذا الأمر قد أصبح شبه متفق عليه، وإن وجد هناك من يشكك في هذا ولكنهم قليل، وأما الآية الكريمة فلا تدل على هذا الأمر، لا بنفي ولا بإثبات، وإنما معناها كما قال أهل التفسير: أي إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هاربين من الله فارين من قضائه، فاخرجوا وخلصوا أنفسكم من عقابه، والأمر للتعجيز.
وقوله: " لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ " أي لا تقدرون على الخروج إلا بقوة وقهر وغلبة، وأنى لكم ذلك؟!.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1425(2/1946)
ما أنزل الله لا يتبعض الإيمان به
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يناقش كثيرا من أحكام القرآن ويقول إنه لا يمكن العمل بها في الوقت الحالي بالرغم من أنه يصِلي وقد حاولت مرارا إقناعه بخطورة ذلك لأن من كذَب بآيات الله فقد كفر.
فكيف يجب علّي أن أتصرف معه وهل يجوز لي أن ينفق علي مع العلم أني لازلت طالبا وعمري 23 سنة.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن الكريم هو كتاب الزمان كله والإنسانية كلها، لأن منزله الله الذي يستوي عنده الزمان والمكان، وهو أعلم بخلقه، وبما يصلحهم كما قال عز وجل: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. فيقال لمنكر أو مستبعد صلاحية أحكام القرآن لكل زمان ومكان وأمة أتؤمن بأن الله يعلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن قال نعم، قلنا أليس من هذه صفته هو منزل القرآن فإن قال: نعم، قلنا فكيف لا يكون هذا القرآن هو شريعة كل زمان ومكان، ما دام منزله الله الذي أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً، قال تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ (النساء: من الآية166) ، ففي القرآن علم الله وعلم الله لا يحد بزمان ولا بمكان، ولا أناس دون آخرين، قال ابن القيم في قوله تعالى:"أنزله بعلمه" أي أنزله وفيه علمه الذي لا يعلمه البشر. ا. هـ
فإذا تقرر ذلك فإن معنى هذا أن أحكامه وتشريعاته ليست مؤقتة بزمن دون زمن، فيقال إنها كانت تصلح لمن كان في عصر الناقة والجمل، ولا تصلح الآن في عصر الطائرة والأقمار الصناعية، والتقدم العلمي لأن القرآن هو كتاب الله الخالد الذي أنزل ليحكم البشر، ما بقي منهم واحد على هذه البسيطة، وعلى المسلم أن يعلم أن منزل هذا القرآن هو الله العليم الخبير الحكيم العزيز، أنزله ليكون للإنسان منهاج حياة مهيمناً على شؤونه كلها من عباداته ومعاملاته وسلمه وحربه وعلاقاته بكل من حوله، فكما أمره فيه أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت الحرام فقد أمره أيضاً أن يتجنب الربا والزنا والميسر، وأمره أن يتولى المؤمنين فلا يتصور في عقيدة المسلم أن يقبل بعض أحكام القرآن ويرفض بعضها، لقد ذم الله قوماً فعلوا ذلك بكتابهم قبلنا وهم اليهود، فقال: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ (البقرة: من الآية85) ، ذلك أن ما أنزل الله لا يتجزأ ولا يتبعض الإيمان به، وهذه الإزدواجية في الأخذ والرد لا تنتج إلا عن قلب مرتاب شاك في صفات الخالق المنزل للقرآن، كما قال تعالى: وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ*أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا (النور: من الآية50) ، ثم يبين موقف المؤمنين الصادقين حيال الحكم بما أنزل الله: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (النور:51) ، فقد صدقوا في الإيمان بالله العليم الحكيم فأذعنوا لحكمة القرآن لأنه من لدن من لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ويعلم ما يصلح الخلق وما يفسدهم: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الملك:14) .
وأمام هذا الاعتقاد لا يملكون إلا أن يسلموا لحكمه ظاهراً وباطناً، فإنه لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، وكل من قال آخذ من القرآن آية الصلاة وأترك آية الزكاة، أو آخذ آية الحج، وأرفض آية المداينة، أو آية تحريم الربا، كان بلا شك معقباً على حكم الله، بل صار يقول بحاله أو بلسانه أنا أعلم من الله، فإن هذه الآية تصلح لي وتلك لا تصلح، ونقول للأخ السائل أن يعرض هذه الفتوى على والده، ويتلطف معه في الحوار والدعوة، عسى الله تعالى أن يهديه ويزيل الغشاوة التي على بصره.
وأما إنفاقه عليك فلا مانع منه ولا حرج فيه ما دام لا ينفق عليك بالمال الحرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(2/1947)
من العقائد الباطلة اعتقاد أن لكل آية خادما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لكل آيه في القرآن الكريم (مثل آية الكرسي) خادم؟ وهل يمكن أن يحضر هذا الخادم للرجل الصالح عن طريق ما يسمى بالرياضة أو الخلوة ويشترط عليه شروطا معينة كالصوم في أيام معينة وزيارة القبور والامتناع عن كل المنهيات (كبائر وصغائر) ؟ وذلك للاستعانة به في أعمال الخير؟ فأنا أسمع أن سورة الصمد لها خادم يسمى عبد الأحد أو عبد الصمد فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يعتقده البعض أن لكل آية أو سورة من سور القرآن أو لكل اسم من أسماء الله الحسنى خادماً، من العقائد الباطلة التي لم ينزل الله بها من سلطان، وما أضيف إليها من شروط وتصورات باطلة مثلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(2/1948)
لا فرق بين القول بتحريف القرآن وبين التردد في نفيه
[السُّؤَالُ]
ـ[سألت شابا يدافع عن بعض أهل البدع هل تثبت في القرآن تحريفا فقال الله أعلم وسكت، مع العلم بأنه من حفظة القرآن وطالب بمعهد للقرآت ومعه شهادة دينية وأخرى دنيوية، فما حكمه وما الحكم في الصلاة خلفه وهل أخبر الناس أخبرونا عاجلا بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول بأن القرآن محرف أو إقرار ذلك القول أو اعتقاده باطناً يعتبر كفراً، وقد سبق أن فصلنا القول في مسألة القول بتحريف القرآن في الفتوى رقم: 6484، فلتراجع.
والشخص إذا قيل له هل تعتقد أن القرآن الموجود بين أيدي المسلمين محرف، فقال: لا أدري أو قال: الله أعلم، يكفر أيضاً فلا فرق أن يقول بالتحريف أو يتردد في نفيه، قال القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من استخف بالقرآن أو بالمصحف، أو جحده أو حرفاً منه أو آية، أو كذب به أو شيء منه أو شك في شيء من ذلك، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع. ا. هـ
وعلى هذا فإذا أقيمت الحجة على من تردد في نفي التحريف عن القرآن، فتمادى متعمداً في ذلك عالماً بما يقول فقد كفر، ولا تصح الصلاة خلفه لكفره، وانظر الفتوى رقم: 4159.
وأما إخبار الناس بحال هذا الشخص، فلا نرى داعياً له إذا لم يُعلن اعتقاده بين الناس ولم يكن إماماً راتباً، أما إذا أعلن هذا القول الكفري أو كان إماماً فيحذر منه، وينبغي أن يتم ذلك بعد استشارة أهل العلم والفضل الذين يعرفون وهم مطلعون على واقع الأمر، لأنه قد يكون في الموضوع سوء فهم أو ملابسات لا نعرفها نحن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1424(2/1949)
علم الأجنة بين أرسطو والعلم الحديث والقرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن علماء الإغريق القدامى مثل أرسطو اكتشفوا كيف يتم تكوين الجنين في بطن أمه؟
أي قبل نزول القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ لأن هناك شخصاً هندوسياً تحدى القرآن وأبطل كون القرآن كتاباً علمياً وأنه سبق الكثير من العلوم الحالية في اكتشافاته مثل تكوين الجنين ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكلام في نشأة الجنين في بطن أمه قديم قدم علم النفس والفلسفة، لأن الناس تكلموا عن الإنسان من جميع جوانبه، وتكلم في ذلك الفلاسفة والأطباء والحكماء من الإغريق والمصريين القدماء وغيرهم، وكان كلامهم في ذلك ضرباً من التخمين والتخرص، انبنى على السحر والشعوذة أو قياس الجنين البشري على أجنة الحيوانات والطيور، وأول من أفرد علم الأجنة ببحث خاص هو أرسطو بناه على ملاحظاته على كثير من أجنة الطيور والحيوانات، وهو في بحثه ذلك لخص معتقدات أهل زمانه وحصرها في نظريتين تبنى إحداهما:
الأولى: وهي أن الجنين يكون جاهزاً في ماء الرجل، فإذا وصل ماء الرجل إلى الرحم نما كما تنمو البذرة في الأرض آخذاً غذاءه من الرحم.
الثانية: أن الجنين من دم الحيض، حيث يقوم المني بعقده مثلما تفعل الأنفحة باللبن فتعقده وتحوله إلى جبن، وليس للمني في إيجاد الولد دور وإنما له دور مساعد، وقد أيد أرسطو هذه النظرية الأخيرة.
وهكذا استمر الجدل بين أنصار النظريتين إلى أن اخترع الميكروسكوب عام 1677 واكتشف الحيوان المنوي، وهكذا توالت الأبحاث حتى عرف العلم الحديث أن الجنين يتكون بامتشاج واختلاط نطفة الذكر ونطفة الأنثى، وتم التأكد من ذلك في بداية القرن العشرين.
بينما نجد القرآن الكريم أكد بصورة دقيقة أن الإنسان خلق من نطفة مختلطة سماها "النطفة الأمشاج" كما قال الله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2]
وبهذا تعلم أن كلام أرسطو وغيره في نشأة الجنين وتخلقه ضرب من الأوهام والسخافات، وأن تلميذ الإعدادية والثانوية اليوم يعرف من العلوم التي تخص الجنين ما لم يك يخطر بعقل أرسطو والفلاسفة الآخرين.
وتعلم أيضاً أن القرآن الكريم عندما يتحدث عن الجنين وتخلقه وتطوره في بطن أمه يقول الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأنه يصف الأمر كما هو في الواقع، لأن الذي تكلم بالقرآن هو الله الذي يخلق الجنين فأنى يكون الاختلاف.
وتعلم أن العلم الحديث في هذا الموضوع لم يقدم شيئاً إلا أنه وضح وفصل وقرر ما قاله القرآن الكريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(2/1950)
السنة أخرجت من عموم تحريم الميتة ميتة السمك والجراد
[السُّؤَالُ]
ـ[فضلية الشيخ
تحية طيبة وبعد ...
بماذا نرد على تشكيك الخبثاء بأن القرآن منقوص مستدلين هم مثلاً بوجود بعض أحكام الدين التي نستدل عليها بالسنة فقط مثلاُ: في قوله تعالى في سورة المائدة "حرمت عليكم الميتة والدم" فيأتي هنا ذكر الميتة إجمالاُ في حين أن السمك والجراد من الميتة ولكنهما حلال، فالاستدلال بالحديث الشريف هنا على حل السمك والجراد يدفع بعض الخبثاء للادعاء بأن القرآن منقوص لا سمح الله، فبماذا نرد عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السنة النبوية من عند الله كما أن القرآن من عند الله، قال الله تعالى: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] .
والسنة أيضاً شارحة للقرآن ومبينة له، فتخصص عامه وتقيد مطلقه وتبين مجمله وتفسر معناه، كما قال سبحانه: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44] .
ومن ذلك الآية المذكورة في السؤال، وهي قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ.... [المائدة:3] ، فإن الميتة محرمة عموماً، إلا أن السنة أخرجت من هذا العموم السمك والجراد والكبد والطحال، وذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال. رواه أحمد وغيره.
وكل من الآية والحديث من عند الله لا كما يصوره الخبثاء الذين ذكرهم السائل، وقد أمرنا الله تعالى بالأخذ بما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
فالمسلم يعلم ابتداء أن الأحكام الشرعية إما أن ينص عليها في كتاب الله نصاً مفصلاً، أو تذكر على سبيل الإجمال، ويطلب تفصيلها في السنة، أو أن تستقل السنة ببيان حكمها، فلا إشكال في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(2/1951)
إجماع الصحابة على القراءة بحرف واحد وحرق ما عداه
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت برنامجاً لأحد القساوسة يقول فيه إن الإنجيل نزل على أربعة أحرف أي أربع نسخ وهو بذلك غير محرف عكس القرآن الذي نزل على سبعة أحرف أي سبع نسخ وقد حرقها عثمان بن عفان وبقيت نسخة واحدة وقد أدى ذلك إلى وفاته، مع العلم بأن الرسول قد أوصى بعدم حرقها، وهو يشكك في أن تكون النسخة الأصلية قد حرقت، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه فرية باطلة، وشبهة ساقطة، والجواب عنها يسير، وهو أن القرآن الكريم أنزل ابتداء بلغة قريش ومن جاورهم من العرب، ثم لما دخل غيرهم من قبائل العرب في الإسلام وسع الله عليهم أن يقرأوا حسب لغاتهم تيسيراً عليهم، ثم لما جمع القرآن الكريم واختلطت القبائل ببعض وسهل على الناس القرآن، وحدث اختلاف ممن جاء بعد الصحابة، خاصة في الأمصار البعيدة التي فتحت في ما بعد، جمع عثمان رضي الله عنه الصحابة وشاورهم في جمع الناس على حرف واحد حسماً لمادة الخلاف، والأصل كما عرفنا هو القراءة على حرف واحد، وقد زال الدافع لتعدد الأحرف، فأجمع الصحابة على القراءة بحرف واحد وحرق ما عداه.
والمصحف الذي ترك هو مما كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجمع في كتاب واحد في زمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
أما كون النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بعدم إحراق المصاحف، فهو كذب مختلق لم يذكر في شيء من كتب أهل الحديث المعتبرة، ناهيك عن أن يكون صحيحاً.
وعثمان رضي الله عنه قتل لأسباب غير شرعية تذرع بها من قتلوه، ولو فُرض أن بعض الخارجين عليه ذكر تحريقه للمصاحف وجعله سبباً، فليست فيه حجة، وقد أجمع الصحابة كلهم ممن كان حياً -وهم يومئذ كثير وكذلك من كان معهم من رؤوس التابعين وعلمائهم- على فعل عثمان، فصار حجة قاطعة في محل النزاع، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 29326، والفتوى رقم: 21795.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(2/1952)
شبهتان باطلتان وجوابهما
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في موقع علي النت أن من أخطاء القرآن القول في سورة مريم (يا أخت هارون.....) مع العلم بأن بينهما حوالي 1600 سنة تقريبا أرجو الإيضاح.
أيضا أن من ضمن الأخطاء قصة سيدنا نوح حين نادى ابنه وأن ابنه غرق وأن ذا أيضا خطأ لأنه ذكر في التوراة أن سيدنا نوحا نجا وجميع أهله حتى زوجته.
وأخيرا الرجاء الاطلاع على الموقع www.thequran.com]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من الواجب اعتقاد أن القرآن الكريم معصوم من الخطأ والاختلاط، والأدلة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42] .
وقوله سبحانه: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82] .
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على بطلان وكذب ما نسبه أهل هذا الموقع إلى القرآن العظيم، وإليك توضيح ذلك:
فأولا: قولهم: إن القرآن ذكر أن مريم أخت هارون فهذا ثابت، لكن توجد مجموعة أدلة تؤكد أنه لا يقصد به هارون أخا موسى، منها: أن القرآن تحدث عن قصة نذر مريم ما في بطنها ووضعها لمريم، ثم عمن عاصر مريم من الأنبياء وهو زكريا عليه السلام، كل هذا برهان ساطع على أنه لا يريد هارون أخا موسى.
ومن الأدلة كذلك: ما في صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: لما قدمت نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرأون: "يا أخت هارون" وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك، فقال: إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين من قبلهم.
أما ادعاؤهم أن الله تعالى نجى ولد نوح وامرأته من الغرق، فذلك محض افتراء، لأن وعد الله تعالى لنوح بنجاة أهله مشروط بمن كان منهم مؤمنا، ومعلوم أن زوجة نوح وولده "يام" غير مؤمنين.
قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ [هود: 40] .
قال ابن كثير في تفسيره: أي واحمل فيها أهلك وهم أهل بيته وقرابته إلا من سبق عليه القول منهم ممن لم يؤمن بالله، فكان منهم ابنه "يام" الذي انعزل وحده وامرأة نوح، وكانت كافرة بالله ورسوله.
أما ادعاء أصحاب هذا الموقع أن هذا يخالف ما في التوراة من نجاة أهل نوح جميعا بمن فيهم زوجته وابنه المذكور، فهذا لا يغير شيئا من هذه الحقيقة التي قص الله علينا في القرآن، وذلك لأنه قد ثبت لدينا بنص كتاب الله عز وجل "القرآن" أن التوراة قد وقع فيها التحريف والتبديل من طرف كتبتها، وعليه، فلم تعد مصدرا يحتج به.
وننبه السائل هنا إلى مسألة مهمة وهي أنه لا يجوز له ولا لغيره من المسلمين -ممن لم تكن لهم القدرة على رد هذه الشبه والأباطيل- أن يتصفحوا هذا النوع من المواقع، التي يبدو أن الغرض منها تشكيك المسلمين في معتقداتهم وأمور دينهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(2/1953)
لا يناقش النصارى إلا من يقدر على محاورتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجوكم أن تساعدوني، أنا داخل النقاش مع جماعة نصارى يقولون لي يبغون تفسير سورة الطلاق آية رقم 4 واللائى لم يحضن تفسير ابن كثير، يقولون كيف الصغيرات يتزوجن ويطلقن ويجلسن بالعدة وهن صغار وكثير من هذه المواضيع، هل هناك موقع مختص للرد على النصارى؟ أنتظر الرد أرجوكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب في حق من يتصدى لنقاش النصارى ومحاورتهم أن يكون على قدر من العلم يمكنه من دفع الشبهات وبيان الباطل الذي عندهم، وإلا فلا يجوز لمن لم يكن كذلك أن يقدم على مناقشتهم ومجادلتهم لما يترتب على ذلك من الفتنة والإضعاف لموقف أهل الحق, وأما قوله تعالى في سورة الطلاق الآية الرابعة: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] .
فقوله وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ أي الصغيرات اللائي لم يأتهن الحيض بعُد، أو البالغات اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية فإنهن كالآيسات عدتهن ثلاثة أشهر.
وقولهم (كيف يتزوج الصغيرات ويطلقن ... ) إلخ، فأي مانع يمنع من تزويج الصغيرات إذا كن يطقن النكاح؟!
فإذا كانت الصغيرة تطيق النكاح ويوطأ مثلها فلا مانع من تزويجها، بل هذا من محاسن الشريعة الإسلامية التي تسعى إلى عفة العباد من سن مبكرة.
ومن نظر في مجتمعات الغرب النصرانية علم أن الصغيرات من بناتهم وأبنائهم يرتكبن الزنا باسم الحرية الشخصية.
وتجد الفتاة الصغيرة تصاحب شاباً صغيراً أو تعاشره كما يعاشر الزوج زوجته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ناهيك عن فضيحة القساوسة الذين انتشر فيهم الشذوذ وصار شعاراً لهم وقول السائل (هل هناك موقع مختص.. إلخ) ، فيمكنك الرجوع إلى موقع الشيخ الداعية أحمد ديدات وعنوانه: www.ahmed-deedat.co
كما يمكنك البحث عن المواقع التي ترد على النصارى في موقع Goagle الشهير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1424(2/1954)
صالحون من ذرية إبراهيم.. فلا تعارض إذن
[السُّؤَالُ]
ـ[1ـ كيف نجمع بين (لا إكراه في الدين) و (حد المرتد في الإسلام) ؟
2ـ كيف نجمع بين قوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) [البقرة124] و (ومن ذريته داوود ... ) [الأنعام 84ـ87] ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تعارض والحمد لله بين قول الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256] ، وبين ما ورد في بعض الأحاديث من الأمر بقتل المرتد. وبيان دفع ما يظهر من تعارض بينهما قد سبق في الفتوى رقم: 13987، والفتوى رقم: 17338.
وبخصوص الآية: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124] ، والآيات: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:84 - 87] فلا تعارض بينهما أيضًا والحمد لله.
وذلك أن آية سورة البقرة قد دلت على أن عهد الله لا يكون في من ليس من الصالحين من أبناء إبراهيم عليه السلام، وقد اختلف في المراد بهذا العهد على أقوال ذكرها القرطبي في تفسيره، فقيل النبوة، وقيل الإمامة، وقيل الإيمان، وقيل دين الله تعالى.
وعلى كلِّ تقدير، فإن من ذكر في آيات سورة الأنعام من الأنبياء لا شك في كونهم من الصالحين من ذرية إبراهيم عليه السلام، فاستحقوا هذا العهد لتوافر الشرط، وهو عدم الظلم، فانتفى التعارض. وهذا على القول بأن الضمير في قوله تعالى: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ راجع إلى إبراهيم عليه السلام، وإلا فقد ذهب آخرون إلى أنه راجع إلى نوح عليه السلام. قالوا: لأنه قد ذكر من هذه الذرية يونس ولوطا، وهما لم يكونا من ذرية إبراهيم عليهم جميعًا السلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1424(2/1955)
لا تعارض بين الآيتين
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالي مخاطباً النبي صلي الله عليه وسلم (لئن أشركت ليحبطن عملك) ورسول الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أفيدونا جزاكم الله خيراً بكيفية التوفيق بين هذين القولين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تعارض بين هاتين الآيتين والحمد لله، إذ أن ما أفادته آية سورة الفتح من كون النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ذنبه، سابقه ولاحقه، حق لا شك فيه، وهذه الآية هي في قول الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً [الفتح:1-2] .
وأما آية سورة الزمر فلم تنص على وقوع الشرك منه عليه الصلاة والسلام، وإنما ذكر ذلك افتراضًا، أي لو وقع منك هذا الشرك لحبط عملك، ومعلوم أن افتراض الشيء لا يدل على حتمية وقوعه، ومقصود هذا الخطاب تنبيه الأمة. قال الشوكاني في تفسيره عند هذه الآية: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] : هذا الكلام من باب التعريض لغير الرسل، لأن الله سبحانه عصمهم عن الشرك، ووجه إيراده على هذا الوجه التحذير والإنذار للعباد من الشرك، لأنه إذا كان موجبًا لإحباط عمل الأنبياء على الفرض والتقدير، فهو محبط لعمل غيرهم من أممهم بطريق الأولى. اهـ. وبهذا يتبين أن لا منافاة بين الآيتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(2/1956)
ما جاء عن عبد الله بن مسعود في المعوذتين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حقيقة ما يقال عن محو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه للمعوذتين من مصحفه؟ إجمالا كيف نفسر مثل هذه الأخبار التي توجد في كتب التفسير ويستخدمها غير المسلمين لإثارة الشبهات؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبيرعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يمحو المعوذتين من مصاحفه، ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله عز وجل.
قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة ... وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف، وأخرج الإمام أحمد والبخاري وغيرهما عن زر بن حبيش قال: أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت له: يا أبا المنذر؛ إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمداً بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، وما سألني أحد عنهما منذ سألته غيرك، قال: قيل لي: قل، فقلت: قولوا، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزلت علي الليلة آيات لم أر مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.
وأخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله أقرئني سورة يوسف وسورة هود، قال يا عقبة: اقرأ بسورة: قل أعوذ برب الفلق، فإنك لن تقرأ بسورة أحب إلى الله وأبلغ منها، فإذا استطعت ألا تفوتك فافعل.
وأخرج الترمذي وحسنه البيهقي وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ومن عين الإنس، فلما نزلت سورة المعوذتين أخذ بهما وترك ما سواهما.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب السور إلى الله تعالى "قل أعوذ برب الفلق" و" قل أعوذ برب الناس". أخرجه ابن مردويه.
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة وأقوال الصحابة التي تثبت قرآنية السورتين، وتبين أن قول ابن مسعود رضي الله عنه -على جلالته وعظم منزلته إذا ثبت عنه- خطأ منه رضي الله عنه، وأنه قول شذ به عن بقية الصحابة.
ولو لم تكونا من كتاب الله تعالى لما أثبتتا في المصحف وأجمعت عليهما الأمة التي لا تجتمع على ضلالة، فإجماع الأمة معصوم كما هو معلوم، ولكن خطأ الأفراد وارد مهما كانت منزلتهم وعلو قدرهم، فلا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا من شواذ ابن مسعود رضي الله عنه التي تذكر في التراث الفقهي والتاريخ الإسلامي، فيقال: شواذ ابن مسعود ورخص ابن عباس وشدائد ابن عمر، كما قال الخيلفة المنصور للإمام مالك عندما طلب منه أن يؤلف كتاباً يتجنب فيه للمسلمين هذه الأمور.
وهذا لا ينقص من قدر ابن مسعود رضي الله عنه، فهو من هو من السابقين الأولين، وممن صلى إلى القبلتين، وهاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أهل بدر.... ولعله رجع عن هذا القول، فقد ذكر ابن أبي داود في كتاب المصاحف قال: باب رضا عبد الله بن مسعود بجمع عثمان رضي الله عنه المصاحف، ثم روى عنه حديث نزول القرآن على سبعة أحرف..
هذا باختصار مجمل ما جاء عن المعوذتين وأنهما من كتاب الله تعالى، وقد ثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك، وأما تفسير ما جاء عن ابن مسعود -إن صح- فهو خطأ من هذا الصحابي الجليل -كما أشرنا- لم يوافقه عليه أحد من الصحابة، وهذا ما أردنا تبيينه لمن يريد الحقيقة العلمية التي يسندها المعقول والمنقول.
وأما ما يورده أعداء الإسلام من الكذب والتشكيك وتعكير المياه للاصطياد فيها، فلا ينبغي للمسلم أن يلتفت إليه أو يشغل به وقته، وبإمكانك الاطلاع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 6484.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1957)
دفع إيهام الاضطراب عن آيتين من كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه إذا تعارضت آيات القرآن نرجع إلى السنة لفك التعارض كما في التعارض بين قوله تعالى: (فاقراوا ما تيسر من القرآن) "المزمل18" وقوله تعالى: (وإذا قرى القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) "الأعراف204"، وللتعارض بين الأيتين لجأنا للسنة والأخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له) ، -سؤال في قراءة المأموم خلف الإمام أرجو الإجابة عليه اليوم للضرورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجواب سؤالك الثاني عن القراءة خلف الإمام تجده في الفتوى رقم: 2281.
أما مسألة تعارض آيات القرآن، واللجوء للسنة لفك هذا التعارض، فالجواب أنه لا يوجد -بحمد الله- تعارض حقيقي لأن القرآن منزل من حكيم حميد خبير، وقد قال الله تعالى عن كتابه العزيز: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] .
وما يظهر من تعارض بين بعض آيات القرآن الكريم إنما هو تعارض في أذهان بعض الناس وليس له حقيقة في الواقع، وقد عني عدد من العلماء بالتوفيق بين ما يظهر فيه التعارض، من أواخرهم العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه القيم "دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب" وهو ملحق بكتابه الفذ "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن".
أما السنة فلا يقال إنه يلجأ لها لفك التعارض في القرآن، وإنما يلجأ لها باعتبارها بياناً للقرآن، كما في الآية 44 من سورة النحل: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، لأن السنة مبينة للقرآن تفسر غامضه، وتفصل مجمله، وتخصص عامه، وتقيد مطلقه إلى غير ذلك من وظائفها مع القرآن، والآيتان المذكورتان في السؤال ليس بينهما تعارض، لأن آية المزمل نزلت في القدر الذي يقرأ به في صلاة الليل، فمهما قلت القراءة في التهجد حصلت بها فضيلة قيام الليل مع التفاوت في الأجر بين المقل والمكثر، وآية الأعراف في وجوب الإنصات حال سماع القرآن يتلى خاصة في الصلاة الجهرية على المأموم.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله 4/439: ثم قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ.... [المزمل:20] ، أي تارة هكذا وتارة هكذا، وذلك كله من غير قصد منكم ولكن لا تقدرون على المواظبة على ما أمركم به من قيام الليل لأنه يشق عليكم، ولهذا قال: وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أي تارة يعتدلان، وتارة يأخذ هذا من هذا، وهذا من هذا، علم أن لن تحصوه أي الفرض الذي أوجبه عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن أي من غير تحديد بوقت، أي ولكن قوموا من الليل ما تيسر، وعبر بالصلاة عن القراءة كما في سورة الإسراء: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي بقراءتك،: وَلا تُخَافِتْ بِهَا وللاستزادة راجع تفسير الآيتين المسؤول عنهما في تفسير ابن كثير أو الطبري أو غيرهما من التفاسير المعتمدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1424(2/1958)
تصحيح الكسور مسلم به عند أهل الأرض جميعا
[السُّؤَالُ]
ـ[لإجابة الملحدين الذين يتهجمون على القرآن أرجوكم لماذا نجد مسائل في الميراث التي تعول لأنهم يقولون إنها خلل في قانون الميراث في القرآن (وحسبنا الله ونعم الوكيل) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعول في علم الفرائض (المواريث) هو: أن تزيد سهام المسألة عن أصلها زيادة يترتب عليها نقص أنصباء الورثة.
والعول لم يحصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وإنما وقع في عهد عمر رضي الله عنه، وذلك حينما رفعت إليه مسألة وهي: زوج وأختان لغير أم، فقال: فرض الله للزوج النصف، وللأختين الثلثين، فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه، فاستشار الصحابة في ذلك فأشاروا عليه بالعول، وقاسوا ذلك على الديون إذا كانت أكثر من تركة الميت، حيث إن التركة تقسم على أصحاب الديون بحسب حصصهم، ويدخل النقص على الجميع كل بنسبة دينه، وحصل الإجماع من الصحابة على ذلك حتى مات عمر، فظهر خلاف ابن عباس الذي لم يكن معروفاً عنه في زمن عمر، فالعلة إذن في القول بالعول هي مراعاة العدل في قسمة المال عند زيادة سهام الورثة عن أصلها، لأننا لو أعطينا بعض الورثة حقهم كاملاً لنقص حق الباقين، فكان العدل أن يُقسم المال بينهم قسمة الغرماء، فيكون نصيب كل واحد منهم بحسب نسبة سهمه لا حقيقية، وهذا أمر غير منكور في الحساب عند أهل الأرض جميعاً، وهو المعروف عندهم بتصحيح الكسور.
فإذا قال قائل: كيف يترك الله بيان ذلك مع احتياج الناس إليه؟
قلنا: لقد أفسح الله تعالى مجالاً لعقول المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقياس ما لم ينص عليه على ما جاء به النص تكثيراً لأجور الأمة، وتحفيزاً لها على المداومة في دراسة العلم، كما أخفى عنهم تعيين ليلة القدر ليجتهدوا في العشر الأواخر من رمضان كاملة، والعمل بالقياس هو ما اتفق على اعتباره أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، كما أن إجماع الصحابة إذا ثبت فهو حجة قطعية بلا خلاف.
ويسبق كل ما ذكرنا من القول التسليم لله تعالى في حكمه وطاعته في أمره، فشرعه سبحانه وتعالى خير كله وحكمة كله وعدل كله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1424(2/1959)
بطلان قصة الغرانيق
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة ما معنى آيات شيطانية وهل توجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل الكريم يسأل عن تلك القصة التي أوردها كثير من المفسرين عند تفسير قول الله تبارك وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحج:52] .
والقصة رواها الطبري وابن أبي حاتم والبزار وابن مردويه وملخصها - كما في الفتح- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ بمكة "والنجم" فلما بلغ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [النجم:20] ، ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين، وسجد معهم المشركون، فكان هذا سبب نزول قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ....
وهذه القصة ضعف الحفاظ سندها ومتنها وقالوا: إنها لا تصح شرعاً ولا عقلا بهذه الكيفية، بل قال ابن خزيمة: إنها من وضع الزنادقة.
وقال ابن العربي: إنها باطلة لا أصل لها.
وقد ردها القاضي عياض واستدل على بطلانها بأن ذلك لو وقع لارتد كثير من المسلمين، وأن الشيطان لا سبيل له ولا سلطان على عباد الله المخلصين، وأحرى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الزيادة والنقص في الوحي.
وقال الحافظ في الفتح بعد ما ذكر مبحثا طويلا في هذا الموضوع والأقوال الواردة فيه عن أهل العلم: وكثرة الطرق تدل على أن للرواية أصلاً.
وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات، ونطق بتلك الكلمات محاكياً نغمته بحيث يظن من سمعه أنها من قوله وأشاعها، قال: وهذا أحسن الوجوه، ويؤيده ما تقدم عن ابن عباس من تفسير "تمنى" بِتَلَا، ثم قال: واستحسن ابن العربي هذا التأويل....، وقال: في أمنيته، أي في تلاوته، فأخبر الله تعالى أن سنته في أنبيائه وسيرته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، فهذا نص في أن الشيطان هو الذي زاده في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قاله، قال: وقد سبق إلى هذا المعنى الطبري لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب هذا المعنى وحَوَّم عليه. أحكام القرآن/ سورة الحج.
والحاصل أن هذه القصة ضعيفة السند، وأنه يستحيل شرعاً وعقلاً أن يلقي الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم هذه الألفاظ الشركية الفاسدة، وإذا اعتبرنا أن لها أصلاً فيمكن أن يقال: إن الشيطان هو الذي زاد في الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته فيقف عند كل آية، فيتبع الشيطان تلك السكتات فقال بعد وقفة "ومناة الثالثة الأخرى" "تلك الغرانقة العلا وإن شفاعتهن لترجى" فأما المشركون والذين في قلوبهم مرض فنسبوها للنبي صلى الله عليه وسلم بجهلهم حتى سجدوا معه اعتقاداً منهم أنه أثنى على آلهتهم.
وعلم الذين أوتو العلم أن القرآن حق من عند الله تعالى لا يلتبس مع غيره. هذا ملخص ما حققه ابن العربي. وهذا إذا كان السؤال عن ما ألقاه الشيطان أثناء قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وظن المشركون أن النبي صلى الله عليه وسلم، هو قاله، ولمزيد من الفائدة عنه نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 22950.
أما إذا كان السؤال عما يعرف بكتاب الآيات الشيطانية للمرتد سلمان رشدي: فإنه كتاب تافه مليء بالكذب والكفر والطعن في الدين لا يستحق السؤال عنه ولا الإجابة عليه، وقد سبقت الإجابة عنه في الفتوى رقم:
15728.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1423(2/1960)
لا تعارض بين أمية النبي صلى الله عليه وسلم وعرض الصحابة القرآن عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أريد أن أسأل عن معنى قول العلماء بأن القرآن الكريم قد كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعني علماء التجويد) فيقولون مثلا أن كلمة (تأمننا) في سورة يوسف كتبت بسن واحدة (تأمنا) فما مغزى هذا الحديث ونحن نعلم أن رسول الله لا يقرأ ولا يكتب. فماذا يعنون بهذا الاستدلال. وهل أخطأت في سؤالي هذا؟ أفيدونا، وجزاكم الله كل خير....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم فكانت همته متوجهة إلى حفظ القرآن الكريم، ومن ثم تبليغه للناس على مكث ليحفظوه ويتعظوا بما فيه. قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] . قال الزرقاني في مناهل العرفان 1/167: ومن شأن الأمي أن يعوِّل على حافظته فيما يهمه أمره ويعنيه استحضاره وجمعه، خصوصًا إذا أوتي من قوة الحفظ والاستظهار ما ييسر له هذا الجمع والاستحضار، وكذلك كانت الأمة العربية على عهد نزول القرآن وهي متمتعة بخصائص العروبة الكاملة التي منها سرعة الحفظ وسيلان الأذهان، حتى كانت قلوبهم أناجيلهم، وعقولهم سجلات أنسابهم وأيامهم، وحوافظهم دواوين أشعارهم ومفاخرهم، ثم جاء القرآن فبهرهم بقوة بيانه وأخذ عليهم مشاعرهم بسطوة سلطانه واستأثر بكريم مواهبهم في لفظه ومعناه، فخلعوا عليه حياتهم حين علموا أنه روح الحياة، أما النبي فبلغ من حرصه على استظهار القرآن وحفظه أنه كان يحرك لسانه فيه في أشد حالات حرجه وشدته، وهو يعاني ما يعانيه من الوحي وسطوته وجبريل في هبوطه عليه بقوته، يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم كل ذلك استعجالاً لحفظه وجمعه في قلبه مخافة أن تفوته كلمة أو يفلت منه حرف. ومازال كذلك حتى طمأنه ربه بأن وعده أن يجمعه له في صدره، وأن يسهل له قراءة لفظه وفهم معناه، فقال له في سورة القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:16 - 19] .
وقال في سورة طه: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] . ومن هنا كان جامع القرآن في قلبه الشريف وسيد الحفاظ في عصره المنيف. انتهى
ولذا فالمقصود بقول بعض أهل العلم: كتب القرآن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كتبه كتاب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر معلوم مشهور، وكتب علوم القرآن مليئة بذكر ذلك، وانظر الفتاوى بالأرقام التالية:
18871 -
23386 -
15858.
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، فلا إشكال في ذلك؛ لأنهم كانوا يكتبون ثم يعرضون عليه ما كتبوا قراءة، وكان يعلمهم سور القرآن سورة سورة، ويتلوها عليهم في الصلاة، وفي المواعظ والخطب، وغير ذلك، ويسمع منهم مرات ومرات.
وبذلك وردت الآثار المستفيضة والأحاديث المتواترة، ولم ينقل القرآن فرد عن فرد ولا جماعة عن جماعة، بل أمة عن أمة، آلاف عن آلاف، وهو في صدورهم جميعًا لا يختلفون فيه في حرف، حفظه الصحابة فمن بعدهم جيلاً بعد جيل، على ترتيبه الذي بين أيدينا اليوم، وشاع ذلك وذاع وملأ البقاع والأسماع، يتدارسونه فيما بينهم ويقرؤونه في صلاتهم، ويأخذه بعضهم عن بعض ويسمعه بعضهم من بعض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1423(2/1961)
نسبة هذا المصحف الموجود على الموقع المطلوب الاطلاع عليه زائفة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله
الإخوة في هذا الموقع المبارك يا حماة الشريعة والذائدين عن الشريعة أرجو النظر في هذا الموقع والرد على هذه الشبهات بسرعة رجاءاً؟
http://www.geocities.com/pentaur2001/]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس بين أيدينا دليل قاطع على وجود المصاحف العثمانية الآن فضلاً عن تعيين أماكنها، وقصارى ما علمناه أخيراً أن ابن الجزري رأى في زمانه مصحف أهل الشام ورأى في مصر مصحفاً أيضاً.
أما المصاحف الأثرية التي تحتويها خزائن الكتب والآثار في مصر وغيرها، ويقال عنها: إنها مصاحف عثمانية فإننا نشك كثيراً في صحة هذه النسبة إلى عثمان رضي الله عنه، هذا إن كانت هذه المصاحف موافقة لما ثبت رواية وصح نقلاً بسند صحيح متصل متواتر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما ما لم يكن كذلك فإننا نجزم بعدم صحة نسبتها إلى عثمان رضي الله عنه، خاصة إن كانت هذه المصاحف مخالفة للشروط التي تتفق عليها جميع القراءات الصحيحة وهي:
- موافقة رسم هذه المصاحف لإحدى القراءات الصحيحة الثابتة بالتواتر أو لجميعها.
- موافقتها لوجه من وجوه اللغة العربية.
هذا؛ وقد تبين من خلال ما قد عرض علينا أن هذه المواضع المذكورة في المصحف المزعوم نسبته إلى عثمان رضي الله عنه تخالف القراءات الصحيحة المتواترة التي وصلت إلينا بسند صحيح متصل متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تبين أيضاً أن بعض هذه المواضع لا يتفق مع أي وجه من وجوه العربية؛ بل يدل على جهل كاتبها بهذه اللغة، ومثال ذلك: إدخال حرف الجر على الفعل فيما ذكر.
فهذا ليس في اللغة على الاطلاق.
ولذا فإننا نجزم بأن هذا المصحف لا تصح نسبته إلى عثمان رضي الله عنه، بل قام بنقله من ليس لديه دراية باللغة، ولا دقة في النقل.
واعلم أيها القارئ: أن عدم بقاء المصاحف العثمانية قاطبة لا يضرنا شيئاً، وإن كان قد نسخ على غرارها الآلاف المؤلفة في كل عصر ومصر، وذلك لأن المعول عليه هو النقل والتلقي ثقة عن ثقة، وإماماً عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك متواتر مستفيض على أكمل وجه في القرآن إلى الآن، وصدق الله العظيم إذ يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1423(2/1962)
درء التعارض بين قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثا..) وبين إمكان تحديد جنس المولود
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين قوله تعالى"يهب لمن يشاء إناثا ... "
وبين قدرة بعض المخابر على تحديد الجنس. ويمكن للأبوين أن يختارا جنس مولودهما.
وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس هناك تعارض بين الآية التي ذكرت، وبين إمكان تحديد جنس المولود؛ لأن عمل هذه المخابر أو المستشفيات هو فصل الحيوان المنوي الذي يحمل الذكورة عن الحيوان المنوي الذي يحمل الأنوثة، ثم تلقيح البويضة بأحدهما، أما إيجاد هذه الحيوانات المذكرة منها والمؤنثة فهو من الله الذي يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، فلا تعارض إذاً بين الآية وبين إمكانية تحديد جنس المولود مخبريّاً، وهذا أمر واضح.
وانظر الفتوى رقم:
5995 والفتوى رقم: 17490
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1423(2/1963)
شبهات وأباطيل حواها تفسير "الكتاب والقرآن" لمحمد شحرور
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن كتاب بعنوان "الكتاب والقرآن" لمحمد شحرور السؤال هو: ما حكم هذا النوع من التفسير أو التأويل الوارد في الكتاب؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن فتن أهل الضلال تطل برؤوسها الشيطانية على البشر في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وما هذا إلا لحتمية الصراع بين الحق والباطل على الدوام، قال تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض [البقرة:251] وإذا كانت هذه الفتن من عند الكفار، فنحن على بينة منهم، لكن الأمر يكون أدهى وأمر حينما تخرج هذه الفتن من بني جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا.
وفتنة الشخص المذكور معلومة، وبطلان ما جاء به واضح ظاهر، لأنه خرج عن منهج العلم القويم، واتبع في تفسير كلام الله تعالى عقله وهواه، فضلَّ ونعوذ بالله من أن يُضل غيره.
وأعظم الطامات التي أتى بها تضمنها كتابه المذكور في السؤال (الكتاب والقرآن) ، ولو أردنا تقصي ما فيه من التلبيس والتضليل لطال الأمر طولاً لا يناسب مقام الفتوى، لكننا نجمل ذلك في الآتي:
1-اعتمد الشحرور المنهج اللغوي في تحديد معاني الألفاظ، وعدم وجود الترادف في اللغة، وفسر القرآن على أساس ذلك، وهذا منهج مرفوض، لأن كثيراً من الألفاظ التي تدل لغة على معنى معين أضاف الشرع إليها معاني أخرى، مثل كلمة (الصلاة) فهي لغة الدعاء، لكنها في الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم.
2-يعتبر الشحرور تطبيق الرسول للإسلام غير ملزم للأمة في شيء.
3-يرفض الشحرور السنة كمبين ومفصل ومقيد ومخصص للقرآن.
4-اعتمد الشحرور على عقله وحده في تفسير القرآن، فجاء بعجائب من التفسير لم يُسبق إليها، وهو أمر طبيعي لكل من اعتمد على العقل وحده دون النقل.
وبناء على ذلك فإننا نحذر الأمة من تداول هذا الكتاب أو قراءته أو الترويج له، بل يجب على الجميع أن يحذروا الناس منه وينبذوه.
وللسائل مراجعة الفتاوى التالية أرقامها ليزداد بصيرة في أمره:
8600 13034 16725 17498 11702 20598
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1423(2/1964)
الرد على من زعم أن أحكام الشريعة لا تناسب هذا العصر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
يقول العلمانيون: إنّ أحكام القرآن كرجم الزاني وقطع يد السارق …، ليست أزلية وتتغير عبر الزمن وحسب الظروف كيف نرد عليهم بالقرآن والسنة وبالمنطق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدين ما شرع الله تعالى في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا فرق في ذلك بين العقائد والعبادات والمعاملات، والأخلاق، والحدود.
فكل ما شرع الله فهو دين يجب الإيمان به، والسعي في تطبيقه وإقامته، كما قال سبحانه (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: من الآية13)
وقد امتن الله على عباده أن أكمل لهم الدين، ورضي لهم الإسلام، وجعل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات، وشريعته هي الشريعة المهيمنة الناسخة لما قبلها، الصالحة إلى قيام الساعة، فقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً) (المائدة: من الآية3)
وقال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَق) (المائدة: من الآية 48)
وقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: من الآية7)
وقال (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
والخطاب في هذه الآيات موجه لكل من وصله القرآن وآمن به، لا يختص بالذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو لهم، ولمن جاء بعدهم إلى قيام الساعة، فلا إيمان لمن لم يحكم شريعته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وهذا العلماني إن آمن بأن هذه الأحكام كانت ديناً وشريعة ملزمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه، قيل له: فما الذي نسخ هذا الأمر وغيره، وأعفى الناس اليوم من اتباعه؟ أفي ذلك آية من كتاب الله، أو سنة من سنن رسول الله؟! وهيهات للعلماني أن يجد شيئاً من ذلك.
ثم يقال له: إن صح ما تقول من أن هذه الأحكام لا تناسب هذا العصر، ولا تصلح له لزمك أمور شنيعة، منها:
1- أن الدين والشريعة ناقصة تحتاج إلى ما يكملها، وهذا تكذيب لقول الله (اليوم أكملت لكم دينكم)
2- أن الناس في هذه الأعصار محتاجون إلى رسول آخر، يشرع لهم ما يناسب عصرهم، وهذا تكذيب لقوله تعالى (ولكن رسول الله وخاتم النبيين)
3- اتهام الله تعالى أنه شرع أحكاماً يعلم أو لا يعلم أنها لا تناسب الناس في هذه الأعصار، وهذا كفر بالله الحكيم العليم، فهو أعلم بعباده (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)
4- اتهام الله تعالى بأنه ترك الخلق في هذه الأزمان دون أن يشرع لهم ما يناسبهم، فلم ينزل إليهم كتاباً، ولم يرسل لهم رسولاً، وألزمهم بالإيمان بشريعة لم تشرع لهم، وترك في أيديهم كتاباً يتحدث عن غيرهم، ويعالج قضايا لا تخصهم. فتعالى الله عن هذا الظلم الذي لا يليق به، أم يظن هؤلاء الأفاكون أن الله ترك الناس لأهوائهم، وأسند إليهم مهمة التشريع والتحليل والتحريم؟ وهذا ما يصرح به بعضهم، قائلين:
إن البشرية قد شبت عن الطوق، ولم تعد بحاجة إلى وصاية من الله، تعالى عن قولهم علواً كبيراً.
فماذا يريد هؤلاء بقولهم: إن أحكام الرجم والقطع، وغيرها قد تغيرت، وانتهى أمد تطبيقها، ومضى وقت صلاحيتها؟
وبأي شريعة سيحكمون على الزاني والسارق والقاتل؟
لقد تركوا حكم الله، وذهبوا يبحثون في قانون نابليون، ومن سبقه، ومن لحق به من البشر الضالين العاجزين القاصرين! فأي ضلال فوق هذا الضلال، وأي كفر بعد هذا الكفر؟!
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)
والحاصل أن الطرق كلها منحصرة في طريقين:
-طريق من يؤمن بالله وبرسوله وبكتابه، وأهل هذا الطريق يرون صلاحية القرآن والسنة، وصلاحية أحكامهما إلى قيام الساعة، ويعلمون أن ما حكم الله به هو العدل والرحمة والمصلحة، وأنه لا أحسن من الله حكماً، ولا أعظم من رسوله بياناً.
-وطريق من يكفر بالله وبعلمه وحكمته، ويكفر بدينه وبشريعته، وأهل هذا الطريق قد يتظاهرون بالإسلام مكراً وكيداً لأهله، وهم في حقيقة أنفسهم لا يعترضون على حد الرجم والسرقة والقتل فحسب، وإنما يعترضون على كل حكم يتصل بحياة الناس ومعاشهم، فيكفرون بما شرعه الله من تحريم الربا، والخمر والميسر، وإيجاب العفة والطهارة، والسلامة من الإثم، والفجور والخنا، وغير ذلك مما لا يناسب أهواءهم، ولا يرضى شهواتهم.
ومما ينبغي تسجيله هنا: أن البشرية في عصورها المتأخرة جربت المناهج الأرضية، والأفكار البشرية، فلم تجن من ذلك سوى الظلم والخراب والدمار والتخلف والتأخر، وانتشار الأمراض والأوبئة، وكثرة المجرمين والزناة والبغاة، وهم ينتقلون من قانون إلى قانون، ومن تشريع إلى تشريع، ظلمات بعضها فوق بعض (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) ولا خلاص لهم، ولا أمن ولا طمأنينة، ولا غنى ولا رفعة إلا فيما شرعه الله تعالى ورضيه وأمر به.
(ذلك الدين القيم ولكن أكثرهم لا يعلمون)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1423(2/1965)
لا تناقض بين القرآن والحقائق العلمية اليقينية
[السُّؤَالُ]
ـ[تغرب الشمس في عين حمئة حسب القرآن. الكهف 86 وهذا مخالف للعلم الحديث الثابت فكيف يقال إن القرآن لا يتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة ???. رجاء سرعة الرد لحل مشكلة. شكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن هو كلام الله الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم، وكيف لا يعلم كل صغيرة وكبيرة في المخلوقات وهو خالقها ومقدرها والقاهر عليها، وأي شك في القرآن هو كفر بالله العظيم، ولذا فعلى المسلم الذي يعسر عليه فهم آية من كتاب الله أن يدعو الله تعالى بأن يمنَّ عليه بالفهم، ويجتهد في طلب العلم من العلماء الراسخين، وعليه أن يكف عن الخوض في معاني القرآن الكريم بدون اتخاذ الوسائل الصحيحة للوصول إلى الحقائق.
ولا يمكن أن تتضارب حقيقة علمية مع آية قرأنية أو سنة نبوية، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم:
12870 والفتوى رقم:
17108.
وكروية الأرض أمر متفق عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 5/ 150: اعلم أن الأرض قد اتفقوا على أنها كروية الشكل، ثم قال: والأفلاك مستديرة بالكتاب والسنة والإجماع، ثم قال: وأهل الهيئة والحساب متفقون على ذلك. انتهى
وانظر تفسير الآية التي ذكرتها في الفتوى رقم:
10596.
وليس بين الآية وبين الحقائق العلمية أي تعارض، لأن الآية تصف حال الشمس في نظر الرائي لا في ذاتها فمن وقف على ساحل البحر نظر إلى الشمس تغرب في الماء، وهكذا من وقف على اليابسة يجدها تغوص في الأرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1423(2/1966)
مواقع تدحض أوهام المشككين في صحة القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[...................................................................................
هذا الموقع يشكك في أن القرآن محفوظ هلا رددتم لي وأنكرتم على تعليقاتهم وجزيتم خيرا، وأفضل لو وضحتم هذا للناس مع التحذير من مثل هذه المواقع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دأب النصارى على التشكيك في صحة القرآن الكريم، وإثارة عدد من الشبهات الواهية التي يدرك المرء ضعفها بأدنى تأمل.
ولا يتسع مقام الفتوى لنقد هذا الكتاب، فإنه لا تخلو صفحة منه من موطن يحتاج إلى رد، فالكتاب لم يقم على أساس علمي منهجي، وإنما قام على "سوء الفهم" والتلبيس على القارئ.. فترى النص في واد، وتعليق المؤلف في واد أخر.
وننصح بقراءة كتاب: الرد على توني بولدروجوفاك وتشكيكاته حول القرآن الكريم والنبي العظيم، للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وهو موجود على موقعه:
www.salafi.net/books/book55.html
ففي هذا الكتاب ما يغني ويشفي، وكذلك الاستفادة من هذا الموقع:
1- الحوار الإسلامي المسيحي
HTTP://arabic.islamicweb.com/christianity/
2- WWW.answering-christianity.com وتجد فيه الرد على دعوى النصارى أن بالقرآن 110 خطأ، وعلى دعواهم وجود اختلافات في القرآن، وبالجملة فهذا الموقع يعد بكامله رداً على الموقع الذي ذكرته.
3- أخطاء النصارى.
4- للنصارى فقط.
5- هداية الحيارى من النصارى.
وتجد هذه المواقع ضمن دليل المواقع WWW.sultan.org/a
وانظر الفتاوى السابقة برقم:
10326
14742.
وننبه إلى أن المسلم لا ينبغي أن يدخل هذه المواقع النصرانية المنحرفة لما في ذلك من الدعاية لهم، وزيادة عدد زوار مواقعهم، بل يقتصر دخولها على المختصين الذين لديهم القدرة على رد شبهاتهم، وبيان باطلهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1423(2/1967)
صلاحية أحكام الشرع والدين للعالمين يدحض جميع الشبهات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
(يوجد آية تقول) {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا} هذه الآية حددت أن النهار للعمل والليل للمنام وبما أن الدين الإسلامي جاء للعالمين إذاً هذه الآية لا تتناسب بعض البلاد التي بها 6 شهور نهار و 6 شهور ليل وأيضاً الآية التي تقول {كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} فما هو التكيف أيضا وكيفية الصيام هناك أرجو من الله أن ترد علي علماً بأنني مسلم ومؤمن إيماناً شديداً بالله وأحكامه وكلما أحدث أحداً عن ذلك يقول إنني علماني لذا أرجو منكم الإجابة على ذلك السؤال ولكم وافر الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا ريب فيه أن الإسلام دين أنزله الله تعالى، وكلف جميع الناس بالإيمان به، والعمل بشرعه وأحكامه، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28] .
فهو قطعاً دين للجميع.
أما الآية وهي قوله سبحانه: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً*وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً [النبأ:10-11] .
فهي في سياق الامتنان من الله تعالى على عباده بأن جعل لهم الليل للسكن والراحة، والنهار للسعي في طلب الرزق وقضاء الحوائج، وقد يحرم بعض الناس هذه النعمة لحكم عديدة، منها أن تتبين قدرة الله تعالى، ومشيئته في خلقه، وأن يدرك من أوتيها عظيم نعمة الله عليه، ويدرك من سلبها ضعفه وافتقاره إلى ربه سبحانه.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن أحكام الشرع ونصوصه إنما تبنى على الغالب، إذ ما من قاعدة إلا ولها شواذ، فيجري الحكم على الغالب، ومن شذ حاله عن القاعدة شرع له من الأحكام ما يناسب حاله.
هذا فيما يخص الآية الأولى.
أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] .
فإن حكمها فيمن يتمايز عنده الليل من النهار بطلوع الفجر وغروب الشمس، أما البلاد التي يستمر ليلها ستة أشهر ونهارها ستة أشهر، فالواجب في حقهم التقدير بأقرب بلد إليهم يتمايز فيه الليل عن النهار، قياساً على ما ورد في قصة الدجال في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وفيه: قلنا: يا رسول الله صلى الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا. اقدروا له قدره. وللمزيد من التفصيل تراجع الفتوى رقم:
3151 والفتوى رقم:
13229.
وفي الختام إننا لنحمد للسائل أنه لم يتوقف إيمانه بأحكام الله وشرعه، على معرفة ما أشكل عليه مما ورد في بعض الآيات، مع سعيه في البحث عن الجواب الصحيح، ولا شك أن هذا مما يجب أن يكون عليه المؤمن، سائلين الله تعالى له التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1423(2/1968)
لا أثر للاختلاف في عدد الآي على مضمون القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[وهل يوجد اختلاف حقاً في عدد آيات القرآن في المصاحف الموجود في العالم الإسلامي؟
أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالاختلاف في عدد آيات القرآن قد وقع، لكنهم متفقون على أن الموجود في المصحف، وهو مائة وأربع عشرة سورة هو القرآن الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابن العربي: تعديد الآي من معضلات القرآن، ومن آياته طويل وقصير، ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام، ومنه ما يكون في أثنائه.
وليطمئن السائل على أن هذا الاختلاف في عدد الآيات ليس مطعناً في القرآن بعد الاتفاق على أنه هو الكتاب المنزل من عند الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا زيادة فيه ولا نقص. وبعض العلماء يرى -مثلاً- أن الآيات من.. إلى كذا خمس آيات.. فيما يرى البعض الآخر أنها أربع، فهم متفقون على أن الكل قرآن، وعلى أنه لا ينقصه لفظ وليس فيه لفظ واحد زائد، وبالتالي فلا أثر لهذا الاختلاف على المضمون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1969)
نشر ما يشوش عقائد الناس لا بد أن يرفق ببيان الضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم نشر هذه المواقع؟؟ هام!!! السلام عليكم ورحمة الله
ما حكم نشر المواقع التي بها تحريف القرآن أو المواقع التي فيها سب للرسول صلى الله عليه وسلم (يلعن الله كل من ساهم في هذه المواقع) وحجة من ينشرها أنها للتحذير أو عمل خطوات لإرسال رسالة إلي الموقع لغلقه (وهل يمكن فعلا إرسال رسالة لهذه الجهة لغلقه!! شيء غير منطقي) أرجوك يا شيخ أن توضح لنا هذا الأمر باستفاضة لأنني سأضع رد سيادتكم في موقع ينشر مثل هذه الرسائل؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نشر مثل هذه المقالات الكفرية بقصد تفنيدها والتحذير منها والرد عليها، وبيان عقيدة قائلها، أمر غير محظور شرعاً، فقد درج العلماء قديماً وحديثاً على هذا الصنيع، دون أن ينكره عليهم أحد، لأن قصدهم هو دحض هذه الأفكار ومحاربة أهلها، ومن أراد أن يعرف ذلك، فليراجع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فسيجد فيها من ذلك الكثير، حينما يذكر أهل هذه المقالات كابن عربي الطائي وابن الفارض وابن سبعين وغيرهم.
أما إذا نشر أحد هذه المقالات دون أن يحذر منها، ويبين ما فيها من الخبث والضلال، فقد أساء ولو حسُن قصده، لما يترتب على ذلك من إفساد عقائد الناس، والسعي في إضلالهم، ويجب على كل مستطيع، أن يرد عليهم، وأن يحذر منهم، وأن ينصحهم ويسعى لإصلاحهم، وراجع الفتوى رقم:
1556، ففيها مزيد إيضاح وبيان لحكم من يتعمدون ذلك. وراجع الفتوى رقم:
17797.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1423(2/1970)
الإعراض خير ما يقابل به المتهجمون على القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد فجعت من داخلي عن تصفحي لهذا الموقع stmaryshursh.org/index.html السافر المنحط الذي يصف فيه أشرف الخلق بالرذائل ولم يكتف بل قام بالتطاول على كتاب مشكوك فيه أستغفر الله، وغيرها من الأحاديث يجعل الإنسان يدمع دما. أين نحن من هذا!! وهل تقبلون أن يهان الإسلام وكتاب الله القرآن. ارجو الرد على هذا الموقع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزى الله خيراً الأخ السائل على غيرته لانتهاك حرمات الله والاعتداء على كتابه وشرعه، ونقول يا أخانا الكريم: أعداء الله كثير وأعمالهم القبيحة أكثر، ولكنهم لن يضروا الله شيئا، وقد قال الله عز وجل: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:176] . وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ... إلى أن قال: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم مانقص ذلك من ملكي شيئاً. رواه مسلم وغيره. وصدق الشاعر إذيقول
لو كل عاو عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار
والغالب أن هذا الصنف من الناس لا تنفع معه الردود ولا يجدي فيه الجدال والحوار وخير ما يقابلون به الإعراض، إلاَّ إذا كانت هناك شبهة تحتاج إلى رد حتى لا تروج على من لا علم عنده فينبغي أن ينبري أهل العلم لإزالة الشبهة.
والموقع مخصص للإجابة عن أسئلة من يبحثون عن الحق ليعتنقوه ويعملوا به أو الرد على شبهة تستحق الرد، ووفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(2/1971)
المقصود بتكريم الله للإنسان مع أنه من ماء مهين
[السُّؤَالُ]
ـ[أؤمن أنه لا تعارض بين آيات كتاب الله ولكني أريد إيضاح الأمر بالنسبة لي
"ولقد وكرمنا بني آدم"و"ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين "
وكذلك مكان خروج المولود للدنيا لا يعني تكريم الله له
وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وآله وصحبه ... أما بعد:
فإن الله تعالى خلق أدم عليه السلام بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وجعل أصل مادته الطين ـ وهو يتكون من ماء وتراب، وشرفهما معلوم -وهذا يدل على شرف بني آدم وعلو قدرهم. وأما تناسلهم من ماء مهين ـ وهو القليل الضعيف الحقير ـ فلا يدل على حقارتهم، لاستحالة هذا الماء ونفخ الروح في البدن ونشأته نشأة أخرى في أحسن صورة وأبهج منظر، مميزاً على سائر المخلوقات بالعقل والبيان ومسخراً له ما في الكون، وهذا هو المقصود بالتكريم المنصوص عليه في قوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات ... ) [الإسراء: 70] ، قال القرطبي رحمه الله تعالى (وقال محمد بن جرير الطبري: بتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم، وقيل الكلام والخط، وقيل بالفهم والتمييز. والصحيح الذي يعول عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الله ويفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله؛ إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل وأنزلت الكتب، فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس وأدركت تفاصيل الأشياء، وقد جعل الله في بعض الحيوان خصالاً يفضل بها ابن آدم أيضاً، كجري الفرس وسمعه وإبصاره، وقوة الفيل، وشجاعة الأسد، وكرم الديك، وإنما التكريم والتفضيل بالعقل كما بيناه " انتهى كلامه، وهذا يدل على أن الإنسان ليس بكامل، بل فيه نقص من جوانب أخرى فهو يحمل العذرة بين جنبيه، والعرق تحت إبطه، والمخاط في أنفه، وهي أشياء مستقذرة.
وينعدم تكريم الإنسان حينما يلغي عقله ولا يعبد ربه، بل يعبد هواه فيصبح شراً من البهيمة، كما قال الله تعالى عن هؤلاء: (أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) [الأعراف: 179] .
وأما خروج الجنين من فرج أمه فليس فيه نقص، بل هو الموضع المتعلق بالجنين من حيث الوطء والولادة وما يتبع ذلك.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1423(2/1972)
توضيح حول حديث الداجن التي أكلت الصحيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[1- حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت
لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها.
أريد تخريجا لهذا الحديث وتوضيحا له حيث أرسله لي شخص غير مسلم كدليل على أن القران ناقص وغير موثق.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الحديث رواه الإمام ابن ماجه 1/625 والدارقطني: 4/179 وأبو يعلى في مسنده 8/64 والطبراني في معجمه الأوسط 8/12 وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث، وأصله في الصحيحين، وأورده ابن حزم في المحلى 11/236 وقال هذا حديث صحيح. ولبيان هذا الحديث وتوضيحه نقول: إن التشريع الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل عدة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات، والنسخ عرفه العلماء بأنه: رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر.
ولم يقع خلاف بين الأمم حول النسخ، ولا أنكرته ملة من الملل قط، إنما خالف في ذلك اليهود فأنكروا جواز النسخ عقلاً، وبناء على ذلك جحدوا النبوات بعد موسى عليه السلام، وأثاروا الشبهة، فزعموا أن النسخ محال على الله تعالى لأنه يدل على ظهور رأي بعد أن لم يكن، وكذا استصواب شيء عُلِمَ بعد أن لم يعلم، وهذا محال في حق الله تعالى.
والقرآن الكريم رد على هؤلاء وأمثالهم في شأن النسخ رداً صريحاً، لا يقبل نوعاً من أنواع التأويل السائغ لغة وعقلاً، وذلك في قوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) [البقرة:106] فبين سبحانه أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال تعالى: (نأت بخير منها أو مثلها) ثم عقب فقال: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير*ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) والنسخ ثلاثة أقسام:
الأول: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ومثاله آية الرجم وهي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة..) فهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه.
الثاني: نسخ الحكم والتلاوة معاً: ومثاله قول عائشة رضي الله عنها: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات يحرمن) فالجملة الأولى منسوخة في التلاوة والحكم، أما الجملة الثانية فهي منسوخة في التلاوة فقط، وحكمها باق عند الشافعية.
وقولها رضي الله عنها: (ولقد كان………..) أي ذلك القرآن بعد أن نسخ تلاوة (في صحيفة تحت سريري) والداجن: الشاة يعلفها الناس من منازلهم، وقد يقع على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (فصح نسخ لفظها، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها كما قالت عائشة رضي الله عنها فأكلها الداجن، ولا حاجة إليها.. إلى أن قال: وبرهان هذا أنهم قد حفظوها، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم وبالله التوفيق.)
وقال ابن قتيبة:
(فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى ما كتب به القرآن، لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا.
وإن كان العجب من وضعه تحت السرير فإن القوم لم يكونوا ملوكاً فتكون لهم الخزائن والأقفال والصناديق، وكانوا إذا أرادوا إحراز شيء أو صونه وضعوه تحت السرير ليأمنوا عليه من الوطء وعبث الصبي والبهيمة، وكيف يحرز من لم يكن في منزله حرز ولا قفل ولا خزانة، إلا بما يمكنه ويبلغه وجده، ومع النبوة التقلل والبذاذة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويصلح خفه، ويقول: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد"
وإن كان العجب من الشاة فإن الشاة أفضل الأنعام، فما يعجب من أكل الشاة تلك الصحيفة، وهذا الفأر شر حشرات الأرض، يقرض المصاحف ويبول عليها، ولو كانت النار أحرقت الصحيفة أو ذهب بها المنافقون كان العجب منهم أقل.
وقد أجاب أهل العلم عن هذا الحديث بأجوبة أبسط من هذا يرجع فيها إلى أقوالهم لمن أراد المزيد، وصدق الله تعالى إذ يقول: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم) [النساء:83] فلله الحمد والمنة، فنحن على يقين أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسول صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر، قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) [المائدة:67]
وقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر:9] فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغها لبلغها، ولو بلغها لحفظت، ولو حفظت ما ضرها موته، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ من القرآن، وإن كان عليه السلام لم يبلغ أو بلغه ولكن لم يأمر أن يكتب في القرآن فهو منسوخ بتبيين من الله تعالى، لا يحل أن يضاف إلى القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1422(2/1973)
رد شبهة ضرب الذلة على اليهود وواقعهم الحالي
[السُّؤَالُ]
ـ[1-قال سبحانه في شأن بني إسرائيل: (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله. ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) البقرة:61.
اليهود اليوم لهم تاثير في العديد من الميادين وهم متغطرسون يفعلون ما يشاؤون دون رادع أين هي المذلة والمسكنة إذن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب أن يعتقد المسلم أن كلام الله حق، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنه تنزيل من حكيم حميد، وأن توهم دخول التناقض عليه، أو الخلف في حقائقه راجع إلى فهم الإنسان (وَكَانَ الإنسان عَجُولاً) (إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) .
وما تضمنته الآية الكريمة من ضرب الذلة والمسكنة على اليهود جاء مفسراً موضحاً في آية أخرى، قال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) [آل عمران:112] .
وحبل الله: عهده وذمته، وحبل الناس: حلفهم ونصرهم.
قال العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير) :
والمعنى: لا يسلمون من الذلة إلا إذا تلبسوا بعهد من الله، أي ذمة الإسلام، أو إذا استنصروا بقبائل أولي بأس شديد، وأما هم في أنفسهم فلا نصر لهم.
وهذا هو واقع اليهود اليوم، فإن كثيراً من أمم الكفر تمدهم وتعينهم، وتقف إلى جانبهم، وهذا ما يرفع عنهم قدراً كبيراً من الذل، أو يرفع عنهم الذل الظاهر، وأما ذل القلوب والأفئدة، فهو مصاحب لهم لا يفارقهم، (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [آل عمران:111] .
وقال تعالى: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) [الحشر:14] .
وهذا الذل الذي في القلب، يظهر أثره على الوجوه، كما قال الحسن البصري رحمه الله في أهل المعصية: إنهم وإن هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال، فإن ذل المعصية في وجوهم، أبى إلا أن يذل من عصاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1422(2/1974)
أمر جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة مع أنه أمي
[السُّؤَالُ]
ـ[سورة العلق بدأت بـ "أقرأ" ورسولنا أمي فهل مع جبريل ما يقرأ منه كلوح أو كتاب؟ وما معنى اقرأ في ذلك الموضع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: أقرأ، قلت: ما أنا بقارئ ... فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني. فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم.
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: "زملوني زملوني" الحديث.
وقول الملك لنبينا صلى الله عليه وسلم: اقرأ: أمر بالقراءة.
والقراءة نطق بكلام معين مكتوب، أو محفوظ عن ظهر قلب، كما قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98] . أي إذا نطقت بالقرآن الذي تحفظه.
وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم جبريل بقوله: "ما أنا بقارئ" لأنه لم تسلم إليه صحيفة، فيطلب منه قراءتها، وهو أمي لا يعرف القراءة من الصحف، ولم يتقدم إملاء كلام عليه محفوظ، فتطلب منه قراءته.
وهنا يرد سؤال آخر، وهو: ما وجه قول جبريل عليه السلام "اقرأ"، فيقال: الأمر بالقراءة حقيقته: تحصيل الفعل في الحال أو في الاستقبال، وجبريل عليه السلام إنما أراد حصول القراءة من نبينا صلى الله عليه وسلم في المستقبل القريب، أي أن يقول ما سيملى عليه، فهو كما يقول المعلم للتلميذ: اكتب، فيتأهب لكتابة ما سيمليه عليه.
وإنما كرر جبريل عليه السلام الأمر بالقراءة تأكيداً لأهمية الأمر وجديته، وتهيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ليتلقى هذا القرآن العظيم.
وقول عائشة رضي الله عنها في الحديث: "فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده" أي رجع بالآيات التي سمعها من جبريل عليه السلام.
ويدل عليه أيضاً قول خديجة رضي الله عنها لورقة بن نوفل: "يا ابن عم اسمع من ابن أخيك".
والحاصل أن معنى "اقرأ" في هذا الموضع: ردد وقل ما سيملى عليك، أفاده العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره المسمى التحرير والتنوير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1422(2/1975)
إذا كان النصر من عند الله، فكيف ينصر الله اليهود علينا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إن كل الآيات في القران الكريم تؤكد بشكل قطعي وجازم وبما لا يقبل الشك أن الله وحده هو الذي بيده النصر يمنحه لمن يشاء وليس المنتصر إلا من نصره الله ولا يكون غير ذلك أبدا
فهل يكون الله سبحانه وتعالى هو الذي نصر اليهود على العرب في عام 67 مثلا وهل يكون الله هو الذي نصر أمريكا ولا يزال مثلا، وإذا كان كذلك فكيف يكون بالله عليكم، وإذا لم يكن فهل ثمة نصر من عند غير الله؟
خلصونا من حيرتنا جزاكم الله عنا خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أنه لا يقع شيء إلا بتقدير الله تعالى وإرادته، والله سبحانه وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين، ونفى سبحانه أن يجعل للكفر وأهله سلطانا عليهم، فقال سبحانه: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم:47] .
وقال: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج:40] .
وقال /: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55) .
فإذا انتصر الكفر، وجعل للكافرين الدولة والغلبة على المؤمنين، في بعض الأزمنة أو الأمكنة فذلك لتخلف سبب النصر وشرطه، ووجود ما يناقضه، فيعاقب الله المؤمنين على تفريطهم في دينهم وما أمروا به لعلهم يرجعون، ويكون هذا ابتلاء وتمحيصا للمؤمنين، وإمهالا واستدراجا للكافرين.
لكن إذا تمسك المسلمون بدينهم ورجعوا إلى ربهم، فإن لهم الغلبة والنصر والتمكين، لأن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7] .
ويقول سبحانه: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [لأعراف:128] .
والناظر في حال المسلمين اليوم يجد أنهم في قتالهم للكفار لم يرفعوا راية الإسلام، ولم يتمسكوا بدينهم، فقاتلوا تحت رايات القومية والوطنية، فكانت النتيجة الخسران كما هو معلوم، وعندما قاتل المسلمون في أفغانستان والشيشان تحت راية الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا حقق الله لهم النصر، وعندما اختلفوا على بعضهم جعل الله بأسهم بينهم جزاءً وفاقاً، ولا يظلم ربك أحداً، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فعلى المسلم المؤمن أن يسلم ويؤمن بقضاء الله وقدره في كل شيء، وخاصة بعد وقوع الأحداث، وأن يتجه إلى النظر في أسبابها وشروطها الموضوعية، قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:165] ، فهو سبحانه قادر على إنفاذ وعده لكم بالنصر، ووعيده للكفار بالخذلان، ولكنكم أنتم لم تستوفوا شروط النصر، ولم تنتف منكم أسباب الهزيمة، فهذه قاعدة نفسية، تقود من تأملها إلى العمل والإصلاح بدلاً من اليأس والشك في المقدور، ولله عاقبة الأمور.
وللمزيد في ذلك انظر الفتاوى رقم: 2855، 8546.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1422(2/1976)
رد شبهة حول قول الله: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وإسكانه الجنة.
[السُّؤَالُ]
ـ[من يقرأ القرآن بتمعن يصل إلى آيات بينات يحتار في فهمها وتزداد حيرته حين يرى مجموعة من الآيات في نفس الموضوع ولكن يختلف فيها الخطاب. من المؤكد أن لاختلاف الخطاب هذا تفسير ما لذا ألجأ إلى الأخوة في السبلة ليوضحوا لي ما خفي علي، علما بأني لجأت إلى بعض كتب التفسير وقرأت تفسير كل آية منها على حدة، ولكني لم أجد جوابا على تساؤلاتي التي تثيرها القراءة المجملة لبعض الآيات فمثلا:
قال الله في محكم كتابه العزيز: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لاتعلمون) [البقرة: 30] .
وكذلك قال: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) [البقرة: 35] .
من الآية الأولى نرى أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم ليجعله في الأرض أي يسكنه فيها ولكن بدلا من ذلك أسكنه الجنة وسمح له بأن يأكل منها هو وزوجته رغدا، فلماذا لم ينزل الله آدم إلى الأرض بعد خلقه وبعد أن علمه كله شيء؟
ولماذا بدلا من ذلك أسكنه وزوجه الجنة؟
ويقول الله في محكم كتابه: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) [الأعراف: 40] .
وقال أيضا: (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) [الأعراف: 22] . وإبليس استكبر على الله سبحانه: (إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) [ص: 74] .
فإذا كان إبليس من المستكبرين ومن الكافرين فكيف استطاع أن يتجاوز أبواب الجنة المقفلة التي لا يفتحها إلا خزنتها المكلفون بحراستها: (وسيق الذي اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) [الزمر: 73] .
أليس خزنة الجنة الذين لم يستطيعوا منع الشيطان من الدخول إلى الجنة هم المسؤولون عن دخوله وغوايته لآدم وزوجه؟؟.
وآدم حديث عهد بالحياة والشيطان كان ملكاً يعبد الله من آلاف السنين فليس هناك تكافؤ بين الطرفين فلماذا عاقبه الله سبحانه وتعالى هذا العقاب الأليم فأنزله على جبل سرنديب في الهند وأنزل زوجه وحيدة في مكان ما قرب مكة؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل إجابتك ـ أخي الكريم ـ على تساؤلك نحب أن ننبهك إلى أمور:
الأول: أن التعارض بين آيات الكتاب مدفوع، وما قد يبدو للناظر من تعارض، إنما هو بحسب فهمه هو، لا أن الكتاب مختلف على الحقيقة، فالله يقول: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً) [النساء: 82] .
الثاني: أن فهم الكتاب الفهم الصحيح لا يتأتى إلا لمن أوتي أسباب الفهم وهي كثيرة، منها: العلم باللغة التي أنزل بها القرآن، والعلم بطريقة السلف في تفسير الكتاب، ومن قصر علمه عن بعض ذلك، فقد ترد على قلبه شكوك وإشكالات. والله المستعان.
الثالث: أن الله من أسمائه الحكيم، والحكمة صفة من صفاته الثابتة له على وجه الكمال، فهو منزه سبحانه عن العبث في أفعاله وأقواله، فمن خفي عليه وجه الحكمة في فعل من أفعاله تعالى، أو قول من أقواله، فليتأمل وجه الحكمة في ذلك، سائلاً الله العون والفهم، مستعيناً بكلام أهل العلم، فإن فتح الله عليه، وإلا فعليه بالسؤال، فإن وجد ما يشفي فبها، وإلا فليكل ذلك إلى الله.
وبعد هذه المقدمات التي هي قواعد في التعامل مع كتاب الله عز وجل، وفيما أشكل فهمه، نجيب عما سألت عنه، مستعينين بالله:
أما قولك: كيف قضى الله أن آدم سيكون خليفته في أرضه، ثم أدخله الجنة؟ فنقول وبالله التوفيق: إن الله تعالى وإن أخبر أن آدم سيكون خليفته في أرضه، إلا أنه لم يقل: إنه سينزل إلى الأرض فور خلقه، حتى يُعْتَرَض عليه بما ذكرت، وإنما أخبر انه سيكون خليفة له في الأرض، وقد وقع ما أخبر به ـ سبحانه ـ كما قال.
وأما عن الحكمة في ذلك فهي ظاهرة ولله الحمد. وهي بيان حقيقة إبليس، وإنه وإن ظهر بمظهر الناصح إلا أنه العدو المبين، ولا يخفى أهمية هذا الدرس، إذ هو تحذير من عدو سيلازم البشرية إلى قيام الساعة. ومن الحكم أيضاً كرامة الله على عباده إن هم أطاعوه، وهوانهم عليه إن هم عصوه، وهذان الأمران هما مناط النجاة في الدنيا والآخرة.
ومن الحكم في ذلك أن الله تعالى قد كشف لآدم وذريته من بعده طبيعتهم البشرية، وجوانب الضعف في شخصيتهم، كحب البقاء والملك، وعدم الصبر عن المناهي، وأن الرجل والمرأة في المسئولية والتكليف سواء.. إلى آخر ما هنالك من الحكم.
وأما إشكالك الثاني: وهو في كيف أن إبليس دخل الجنة، وقد قضى الله أن لا يدخلها المستكبرون الكافرون؟ فلا تعارض بين الأمرين، ذلك أن من شروط ثبوت دعوى التعارض اتحاد الزمن، وهذان الأمران في زمانين مختلفين، فدخول إبليس الجنة كان في بدء الخليقة، وما قضاه الله عز وجل من عدم دخول الكافرين الجنة هو في يوم القيامة، فافترقا زمناً فبطل التعارض.
ثم إن الله أدخله الجنة لحكم يعلمها ـ كما ظهر لنا بعضها ـ ولله أن يفعل في خلقه ما يشاء، لا يسأل عما يفعل، وكان هذا ضرورياً لتظهر حكمة الله من الإهباط إلى الأرض، واتخاذ بعضهم بعضاً عدواً، ويظهر الفرق بين المنزلتين في الدنيا والآخرة.
أما كيف أن الله عاقب آدم فأنزله في الهند، وأنزل حواء قرب مكة، فهذا من الإسرائيليات التي لم تثبت صحتها في شرعنا، ولو صح ذلك لكانت الحكمة فيه ظاهرة، وهو أن هذا درس من دروس الحياة، وأن مبناها على الكفاح، فما من غاية من غاياتها، ولا حاجة من حاجاتها، إلا وتحتاج إلى جهد وكد لتحصيلها، وأن هذه طبيعة الحياة، تفرق بين الأحباب وتباعد بين الأصحاب. وحبذا لو اطلعت على كتب التفسير الموثوقة كتفسير الحافظ ابن كثير وغيره، فإن ذلك سيعين على إزالة كثير من الإشكالات بإذن الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1421(2/1977)
التوفيق بين قوله تعالى (فبما أغويتني) وقول آدم (أفتلومني على أمر قدر قدره الله علي ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة في الشبكة الإسلامية وفقكم الله لخير المسلمين، سؤالي على النحو التالي:
ما وجه المفارقة بين قوله تعالى على لسان إبليس " فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم " وقول آدم عليه السلام في محاجة موسى إيّاه (أتلومني بأمر قد كتبه الله علي) أو كما قال صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اعتقاد أهل السنة في قوله تعالى (فبما أغويتني) هو: أن الله تعالى أضل إبليس وخلق فيه الكفر، ولذلك نسب الإغواء في هذا إلى الله وهو الحقيقة فلا شيء في الوجود إلا وهو مخلوق له سبحانه، صادر عن إرادته تعالى، فيهدي من يشاء ويضل من يشاء. قال سبحانه على لسان نوح (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون) [هود:34] فغواية إبليس أرادها الله قدراً، ولم يردها شرعاً. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث محاجة موسى وآدم أن آدم قال: (أفتلومني على أمر قد قدره الله علىَِّ قبل أن أخلق بأربعين سنة، قال فحج آدم موسى) فإن آدم لم يحتج بالقدر على الذنب، وإنما احتج بالقدر على المصيبة، وهذا هو اعتقاد أهل السنة، أن القدر يحتج به في المصائب، ولا يحتج به في الذنوب والمعايب. وانظر الفتوى رقم (5617) ، (4733) . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1421(2/1978)
تفسير قوله تعالى: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يقول تعالى في كتابه الكريم "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" صدق الله العظيم. أرجو أن توردوا شرحا مفصلا عن معنى هذه الآية الكريمة. وبالتحديد "شبه لهم" ما هي الحكمة الإلهية من أن يشبه لهم ولايعرفوه إن كان هو المسيح الحقيقي أم لا. لقد طرح علي هذا السؤال من قبل شخص مسيحي وقال "لماذا أراد الله أن يشبّه لنا، وألا نعرف الحقيقة" لذا يرجى التنوير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما ذكره الله تعالى في الآية الواردة في سؤال السائل وهي قوله سبحانه: (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا) [النساء: 157] .
وقد كذبوا بأنهم قتلوه وافتخروا بقتله ـ على زعمهم ـ وذكروه بالرسالة استهزاء، لأنهم ينكرونها ولا يعترفون بأنه نبي، كما قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) [الحجر: 6] . وكما قال فرعون: (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) [الشعراء: 27] .
وقد كذب الله تعالى اليهود ومن وافقهم في زعمهم أن المسيح عليه السلام قتله اليهود، فقال عز من قائل: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) . كما قال تعالى: (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليَّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) [آل عمران: 55] .
فقد قصد اليهود حقيقة قتل عيسى عليه السلام، فألقى الله تعالى شبهه على إنسان آخر وفي هذا عدة وجوه منها:
1- أن اليهود لما علموا أنه حاضر في بيت فلان مع أصحابه، أمر (يهوذا) رأس اليهود رجلاً من أصحابه يقال له (طيطايوس) أن يدخل على عيسى عليه السلام ويخرجه ليقتله، فلما دخل عليه أخرج الله عيسى عليه السلام من سقف البيت، وألقى على ذلك الرجل شبه عيسى فظنوه هو فصلبوه وقتلوه.
2- وكلوا بعيسى عليه السلام رجلا يحرسه، وصعد عيسى عليه السلام في الجبل ورفع إلى السماء، وألقى الله شبهه على ذلك الرقيب فقتلوه وهو يقول: لست عيسى.
3- كان رجلاً يدعي أنه من أصحاب عيسى عليه السلام وكان منافقاً، فذهب إلى اليهود ودلهم عليه، فلما دخل مع اليهود لأخذه ألقى الله تعالى شبهه عليه فقتل وصلب.
4- أن اليهود لما هموا بأخذه وكان عيسى عليه السلام مع عشرة من أصحابه فقال لهم: من يشتري الجنة بأن يلقى عليه شبهي، فقال واحد منهم أنا، فألقى الله شبه عيسى عليه فأخرج فقتل، ورفع الله عيسى إلى السماء.
وقيل في معنى شبه لهم: إن اليهود لما قصدوا عيسى عليه السلام ليقتلوه رفعه الله تعالى إلى السماء، فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة من عوامهم فأخذوا إنسانا وقتلوه وصلبوه، ولبسوا على الناس أنه المسيح، والناس ما كانوا يعرفون المسيح إلا بالاسم لأنه كان قليل المخالطة للناس. وقد ذكر هذه الوجوه الرازي في تفسيره. ولذلك قال تعالى: (وما قتلوه يقينا) أي وما قتلوه وهم على يقين بأن المقتول هو المسيح عليه السلام، بل كانوا شاكين في ذلك. لأن (يقينا) حال من عيسى عليه السلام. وقد أخبر الله تعالى محمداً عليه الصلاة والسلام بأنهم لم يقتلوه حقيقة، بل رفعه الله تعالى إليه.
والذين اختلفوا في عيسى هم اليهود والنصارى معا، وذلك أن اليهود لما قتلوا الشخص المشبه به كان الشبه على وجهه، ولم يلق عليه شبه جسد عيسى، فلما قتلوه ونظروا إلى بدنه قالوا: الوجه وجه عيسى والجسد جسد غيره. وقال السدي: إن اليهود حبسوا عيسى مع عشرة من الحواريين في بيت، فدخل عليه رجل من اليهود ليخرجه ويقتله، فألقى الله شبه عيسى عليه السلام على ذلك الرجل ورفع إلى السماء، فأخذوا ذلك الرجل وقتلوه على أنه عيسى عليه السلام، ثم قالوا إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟
والنصارى كذلك مختلفون، مع اتفاقهم على قتله إلا طائفة قليلة منهم. فقال بعضهم: إن المسيح صلب من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته. وقال بعضهم: وقع الصلب والقتل على عيسى من جهة ناسوته ولاهوته. وقيل: وصل إلى اللاهوت بالإحساس والشعور لا بالمباشرة. وقالت طائفة: القتل والصلب وقعا بالمسيح الذي هو جوهر متولد من جوهرين. وكلهم قد كذب بالحق، واتبع ظنه وهواه: (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) [157: 158] .
وقبل قيام الساعة ينزل عيسى عليه السلام حكماً عدلاً يحكم بشريعة الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بيني وبينه نبي ـ يعني عيسى عليه السلام ـ وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون" رواه أبو داود. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1979)
القرآن ليس شعرا ولم يؤخذ من الشعر.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أقرأ على الانترنت بعض الشبهات عن الإسلام لا أجد لها جوابا مثلا إن سورة القمرالآية الأولى (اقتربت الساعة وانشق القمر) مأخوذ من شعر امرئءالقيس والآية 29 من نفس السورة فهل هذا صحيح وما الإجابة العلمية الصحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أيها الأخ الكريم لا تشغل نفسك بمثل هذه السفسطات والتفاهات ويكفي في الرد عليها سقوطها وانحطاطها عند من لديه أدنى نظر. مع أنه قد قيض لكل سفطة منها قديماً وحديثاً من رد عليها.
فقولهم إن الآيتين الكريمتين مأخوذتان من شعر امرئ القيس بن حجر ظاهر السقوط لأمور: منها أن هاتين الآيتين لا تتفقان أصلاً مع موازين الشعر العربي حتى يقال إنهما من الشعر مما يدلك على جهل واضعي هذه الشبهة إن صح تسميتها شبهة.
ومنها أن السورة مكية وقد تلاها النبي صلى الله عليه وسلم على مشركي قريش وهم في ذلك الوقت من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص الناس على العثور على ما يشكك في صدق ما يقوله من أن القرآن كلام الله تعالى منزل من عنده ليس من كلام البشر. وهم نقلة الشعر ورواته ومع ذلك لم يدعوا هذا الادعاء ولا قريباً منه، بل أقروا وأقر غيرهم من فصحاء العرب وبلغائهم أن القرآن الكريم ليس من وضع البشر ولا من تأليفهم، بل أقروا بالعجز عن الإتيان بسورة من مثله مع تحدي القرآن لهم دائماً. إلى غير ذلك من الردود الواضحة.
والله ولي التوفيق.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1980)
لا يوجد تناقض بين القراءات
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد المواقع على الأنترنت ادعى أحدهم أن رواية ورش تختلف كثيرا عن رواية حفص مما ينفي قول المسلمين بحفظ القرآن؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ... فإن الجواب عما أثاره المدعي الذي ذكرته في سؤالك من شبهة يتلخص في نقاط: أولاً: جاء في السؤال: قراءة ورش وقراءة حفص، والصواب أن يقال رواية ورش ورواية حفص، لأن كلاً من ورش وحفص صاحب رواية وليس قراءة. فورش أحد رواة قراءة نافع وحفص أحد رواة قراءة عاصم، فنسبة القراءة لكل من ورش وحفص خطأ في الاصطلاح. ثانياً: نقول لهذا المدعي الذي تحدثت عنه في سؤالك: هل وجدت تناقضاً أيها المدعي بين رواية ورش ورواية حفص أو غيرهما من الروايات في المعنى؟ الجواب: لا، ولا يمكن إقامة الدليل على ذلك. ثالثاً: ليعلم هذا المدعي وغيره أن اختلاف القراءات عندنا ليس عن رأي واجتهاد، وإنما هي سنة متبعة أي عن دليل واتباع، فإن القرآن ثابت بالنقل في جميع قراءات القرآن السبعة التي اشتهرت بين المسلمين وعملوا بها. رابعا: ليعلم أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ثم اجتمع المسلمون على حرف واحد، عندما جمع الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه القرآن في مصحف إمام، وأمر بما سواه من المصاحف فأحرقت، ووافقه الصحابة كلهم على ذلك، فكان إجماعاً. وهذه القراءات السبع وجوه راجعة إلى هذا الحرف، ومعانيها ليس بينها تضاد كما سبق، بل فيها تنوع وتكامل يكشف عن وجوه في إعجاز القرآن وشمول معانيه، وتيسير تلاوته. وما وقع بين القراءات من بعض الاختلافات فهو في الشكل لا في أصل المعنى ومن باب اختلاف التنوع في المعاني لا من باب التضاد، فإن الله نزه كلامه عن هذا الاختلاف الذي يضر. وتعدد القراءات كان بوحي من الله لحكمة، لا عن تحريف وتبديل، ولهذا فإنه لا يترتب عليه أمور شائنة ولا تناقض أو اضطراب، بل معانيها ومقاصدها متفقة. ولنضرب مثالاً على ذلك بين روايتي ورش وحفص. قال تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يَكذِبون) . ... [سورة البقرة: 10] . قرأ حفص (يَكذبون) بفتح الياء وسكون الكاف وكسر الذال بمعنى يخبرون بالأخبار الكاذبة عن الله والمؤمنين. وقرأ ورش (يُكَذِّبُون) ؟ بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال المكسورة بمعنى يكذبون الرسل فيما جاءوا به من عند الله من الوحي، فمعنى كل من القراءتين لا يعارض الآخر ولا يناقضه، بل كل منهما ذكر وصفاً من أوصاف المنافقين، وصفتهم الأولى بالكذب في الخبر عن الله ورسله وعن الناس، ووصفتهم الثانية بتكذيبهم رسل الله فيما أوحى إليهم من التشريع، وكلاهما حق، فإن المنافقين جمعوا بين الكذب والتكذيب،وقد وضع العلماء شروطا وضوابط دقيقة صارمة تتعلق بشأن رواية القرآن ورواته منها اشتراط التواتر في كل حرف وآية منه حتى تعتبر قرآناً.. من عرف ذلك أدرك أن الله قد حفظ كتابه، وجعل من صنيع هؤلاء العلماء أسباباً تظهر فيها مشيئته النافذة وحكمته القاضية بحفظه، وصدق الله العظيم: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) . [الحجر:9] . ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1422(2/1981)
معنى أن عيسى عليه السلام كلمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نحن المسلمين نعبد القرآن فقد قال لي أحد النصارى:
"إننا نعتقد أن المسيح كلمة الله تحول إلى بشر" مثل ما يعتقد المسلمون أن القرآن كلمة الله تحولت نصا؟ نرجو الإجابة باللغة العربية. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فكلام هذا النصراني كلام باطل ليس له محل من النظر لقوله تعالى: (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) [النساء: 171] . فمن قال إن عيسى كلمة الله تحولت بشراً ويقصد من ذلك أنه إله أو أنه هو الكلمة ذاتها فقد منعه الله الفهم وأودع فيه الحيرة والاضطراب، فإن عيسى تجري عليه ألفاظ لا تجري على القرآن لأنه يسميه مولوداً وطفلاً وصبياً وغلاماً يأكل ويشرب وهو مخاطب بالأمر والنهي ثم هو من ذرية نوح ومن ذرية إبراهيم، ولا يقال في القرآن ما يقال في عيسى. والكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: كُن، فكان عيسى عليه السلام بكلمة "كُن" وليس عيسى هو " كُن "، فبالكلمة كان عيسى وليس هو الكلمة، وهذا لا يختص بعيسى، فالله جل وعلا إذا أراد أمراً قال له كُن فيكون. والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1982)
هامان كان وزير فرعون
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض المشككين من يزعم أن هامان لم يكن وزير فرعون بل كان وزيراً في بابل؟
أرجو منكم إزالة هذه الشبهة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
من زعم أن هامان لم يكن وزيراً لفرعون فزعمه باطل لم يقم على أساس علمي، بل إن ما ذكره الله تعالى هو الحق. وفرعون الذي كان هامان وزيراً له هو فرعون موسى لا غير، لأن فرعون يطلق على كل من حكم مصر في ذلك الوقت، كما يطلق النجاشي على كل من حكم الحبشة، وُتَّبع على كل من حكم اليمن.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1983)
من اليهود من قال عزير ابن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم جزاكم الله خيرا.
إنني أقرأ على الانترنت بعض الشبهات عن الإسلام ولا أجد لها جوابا. ففي سورة التوبة. الآية 30 (وقالت اليهود عزير ابن الله) واليهود يدعون أنهم لم يقولوا إن عزيرا ابن الله، وكذلك يدعي النصارى؟
أرجو منكم إزالة هذه الشبهة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن الصراع بين الحق والباطل صراع قديم، ودائماً ما يلقي أعداء الحق الشبهات في طريق سالكيه، ومهما علا الباطل فإن حجته داحضة، وهو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً. وقد تعرض الرسل ورسالاتهم إلى اتهامات وتلفيقات لتفريق أتباعهم عنهم وزعزعة الإيمان في قلوبهم. وكان النصيب الأوفر من تلك الاتهامات قد وجهت سهامها إلى الإسلام، واجتمع أعداؤه عليه وتوحدت صفوفهم للنيل منه. وحاولوا في هجومهم على الدين إلباس باطلهم ثوب العلم حتى تبدو أمام من قلَّت بضاعتهم العلمية من المسلمين وغيرهم أنها نتيجة بحث علمي وأنها حقيقة واقعة. ومن هذه الشبهات ما أورده الأخ السائل في سؤاله. فقوله تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) [التوبة: 30] ومبعث هذه الشبه أنهم يقولون إن اليهود لم يقولوا هذا، وقد ذكر القرطبي في المسألة الثانية في تفسيره لهذه الآية: قال "هذا لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص، لأنه ليس كل اليهود قالوا ذلك، وهذا مثل قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس) [آل عمران: 173] . وقيل: إن من كان يقولها كانوا في زمان وقد انقضوا، وهذا متوجه للذم إليهم لأن بعضهم قد قاله: قال النقاش: لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا، فإذا قالها واحد فتوجه أن تلزم الجماعة شنعة المقالة، لأجل نباهة القائل فيهم، وأقوال النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها، فمن هنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها. والقول في هذا مثله القول في النصارى، فإن النصارى طوائف منهم من يقول إن المسيح هو الله، ومنهم من يقول إنه ابن الله ومنهم من يقول إنه ثالث ثلاثة، قال تعالى: (وقالت النصارى المسيح ابن الله) [التوبة: 30] أي طائفة منهم، وقال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) [المائدة: 72] ، وقال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) [المائدة: 73] .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1984)
إزالة شبهة عن قوله تعالى: (إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئون)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض المشككين في القرآن: إن هناك أخطاء نحوية في القران مثلا:
في سورة المائدة الآية 69 كلمة الصابئون خطأ نحوي والصحيح الصابيئن.
وذكرت في نفس السياق في سورة الحج آية 17 الصابيئن؟ أرجو الإجابة الشافية؟
هل هناك كتب ترد على مثل هذه المسائل؟ ما اسمها وأين أجدها؟
السلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
الزعم بوجود أخطاء لغوية زعم متهافت مردود على صاحبه الذي قلت بضاعته من العلم وقل فهمه، فإنه من المعلوم أن الله تعالى قد تحدى قريشاً والعرب المعاندين للإسلام بأن يأتوا بمثله أو سورة أو عشر سور مثله.
ومع تحدي القرآن للعرب ووجود الدافع منهم للمعارضة والنقض والتشنيع، وانتفاء المانع ببلوغهم ذروة الفصاحة والبيان لم ينقل عن أحد منهم هذا الزعم الباطل، بل غاية ما قالوا هذا سحر مفترى (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً وزوراً) [الفرقان:4] .
وقد أبان أهل العلم عن هذه الآية التي أشكلت على من قلت بضاعتهم في اللغة، لأن جهابذة العرب زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما أثاروا هذا، فقالوا: إن قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى) [المائدة: 69] .
قال الخليل وسيبوبه: الرفع محمول على التقديم والتأخير، والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك وأنشد سيبويه وهو نظيره:
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وإلا فاعلموا أنَّا وأنتم ... ... ... بغاة ما بقينا في شقاق
وقال ضابىء البرجمي:
... ... ... ... ... ... ... فمن يك أمس بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب
وقيل: إن "الصابئون" معطوف على المضمر في " هادوا " في قول الكسائي.
وقيل: إنَّ بمعنى نعم، فالصابئون مرتفع بالابتداء وحذف الخبر لدلالة الثاني عليه، فالعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلام وانقضاء الاسم والخبر.
قال قيس الرقيات:
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... بكر العواذل في الصباح ... ... ... يلمنني وألومهنه
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فلقت إنه
قال الأخفش: إنه بمعنى: نعم. وهذه الهاء أدخلت للسكت، ومما تقدم يتبين لك أيها السائل الكريم جور هذه الشبهات وتهافتها، وبالجملة فيمكنك مراجعة كتب التفسير، وكتب إعراب القرآن عند هذه الآيات ففيها كفاية لمن أراد معرفة الحق والوقوف عنده، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1985)
لا تقرأ شبه المنصرين إلا للرد عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... قرأت شبهة للمنصرين يقولون فيها إن القرآن متناقض على حد تعبيرهم فمرة يقول القرآن عن آدم لماخلقت بيدي ومرة يقول عنه خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الشبهة إما أنه خلقه بيده وإما أنه قال له كن فيكون فإن كان قال له كن فيكون فما ميزة تفضيله بالخلق بيد الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: ... بادىء ذي بدء: ننصحك أخي الكريم بتجنب قراءة كتب الكفار خاصة هذه المتعلقة بشبه النصارى إلا إذا كان قصدك من القراءة الرد عليهم وكنت ممن جعل الله في أهلية الرد، وأمنت من التأثر وأما ما ذكرته فسيكون الجواب كالتالي: الله خلق آدم من تراب بيده سبحانه وهذا الطور الأول للتراب ثم بُلَّ التراب فصار طيناً لازباً ثم خمر فصار حمأ مسنوناً ثم يبس فصار صلصالاً كالفخار فلما استوى نفخ الله فيه من روحه وقال له كن فكان. قال تعالى (إِنَّ
مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ
لَهُ كُن فَيَكُون) [آل عمران:59] والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1986)
سبب إثبات الفاء في النحل في قوله (فإذا جاء أجلهم) وحذفها في يونس
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورتي: يونس والنحل آيتان كريمتان اختلفتا في بعض الحروف، الأولى: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
والثانية: لم تلحق الفاء في أداة الشرط وجاءت في جوابه: إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون.
فما السر في ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك بداية إلى أن الخلاف ورد بين سورة الأعراف والنحل وبين سورة يونس، حيث قال الله تعالى في سورة الأعراف: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف:34} .
وقال في سورة يونس: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {يونس:49} .
وقال في سورة النحل: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {النحل:61} .
فقد لحقت الفاء بإذا الشرطية في سورتي الأعراف والنحل ولم تلحق بها في سورة يونس، وإنما وردت في جواب الشرط.
وقد ذكر الألوسي في تفسيره: أن الفاء المذكورة في الأعراف هي الفاء الفصيحة وأنها سقطت في يونس، لأنه لما سيقت آية يونس جوابا عن استعجال الكفار العذاب الموعود به في قولهم: متى هذا الوعد؟ لما سيقت آية يونس جوابا لهم اعتنى بأمر الشرطية كمال الاعتناء فأتى بها غير متفرعة على شيء كأنها من الأمور الثابتة في نفسها وقوى لزوم التالي فيها للمقدم بزيادة الفاء التي يؤتى بها للربط في أمثال ذلك، وقد يقال: إن إسقاط الفاء أولا، لتكون الجملة في موضع للربط ل ـ أجل ـ تهويلا لأمره وتنويها بشأنه أي لكل أمة أجل موصوف بأنه إذا جاء لا يستأخرون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(2/1987)
وجه زيادة هو في الإطعام والشفاء في سورة الشعراء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا هذه الآيات من سورة الشعراء بعضها يحتوى على هو والبعض ليس فيه هو أي خمس آيات ثلاث فيها هو واثنان من غير هو
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فضمير الرفع المنفصل الذي لا محل له من الأعراب يأتي لتأكيد الكلام، ومنه التأكيد في هذه الآيات الكريمات بالضمير (هو) والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن التأكيد اقترن في هذه الآيات بما قد يدعيه مدع من الخلق وهو في ذلك صادق من وجه ما، كالهداية والإطعام والسقاية والمداواة. في حين خلت عنها المواضع التي يظهر فيها لكل عاقل أن مدعيها كاذب أفاك، كالخلق والإحياء والإماتة، قال الفيروزابادي في (بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} زاد (هو) في الإِطعام والشِّفاءِ؛ لأَنهما ممَّا يدَّعى الإِنسان، فيقال: زيد يُطعم، وعمرو يداوي. فأَكد؛ إِعلاماً لأَنَّ ذلك منه سبحانه وتعالى لا من غيره. وأَمَّا الخَلْق والموت والحياة، فلا يدَّعيها مدّع، فأَطلق اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(2/1988)
سبب عدم ذكر إخوة شعيب لأصحاب الأيكة في سورة الشعراء
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الشعراء لم يقل: أخوهم شعيب، كما فعل مع باقي الرسل، فلماذا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر بعض المفسرين أن شعيباً عليه السلام أرسل إلى أهل مدين وأصحاب الأيكة وذكر أنه عليه السلام كان من أهل مدين ولم يكن من أصحاب الأيكة، فلذلك عبر الله عن أخوته لأهل مدين فقال: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا. كما في سورة: الأعراف وهود والعنكبوت.
ولم يذكر ذلك في سورة الشعراء، لأن المذكور فيها هم أصحاب الأيكة، فقال تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ.
وقيل: إن أصحاب الأيكة هم أهل مدين، ولكنه قال ـ أخوهم ـ لما ذكرهم باسم قبيلتهم، لأنه يشاركهم في نسب القبيلة، ولم يقل أخوهم حين نسبهم إلى الأيكة التي هلكوا بها تنزيها لشعيب عن النسبة إليها، كذا قال ابن جزي في تفسيره. وراجع تفسير النسيابوري وابن كثير وابن السعود والبغوي وأضواء البيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(2/1989)
الوسيلة في القرآن والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك ناس يقولون إن علينا منافسة الأنبياء والمرسلين في حب الله وقربه وإننا إن لم نفعل فقد أشركنا بالله إذ حصرنا الأنبياء لله فقط ويستشهدون بهذه الآية: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً. [الإسراء: 57] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. [المائدة: 35] .
يقولون إن جميع العباد يتنافسون على من يكون أحب عبد لله وهو الذي سيفوز بالوسيلة وهى الدرجة العالية، ومن ثم يقولون إن هناك نعيما أعظم منها وهو تحقيق رضوان الله في نفسه وهو أن الله يتحسر على عباده الذين في النار حزينا عليهم ولذلك سيبعث الله الناس جميعاً من أول رسول إلى آخر رسول سيدنا محمد ثم يجعلهم أمة واحدة مؤمنة حتى لا يعذبهم ويستشهدون بهذه الآية: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 119]
وإلا من رحم ربك هو المهدي أي أن جميع العباد الذين من قبله أخطأوا الوسيلة اتخذوا النعيم الأعظم وهو رضوان الله طريقاً لجنته ولم يحققوا رضوان الله في نفسه، ويقولون إنه لا أحد عبد الله حق عبادته إلا المهدي. أرجو أن تجيبونا على هذه الأقوال الغريبة؟
وهذا نص المزعوم:
ألا والله لو يسأل الإمام المهدي أكبر فطحول من عُلماء النصارى وأقول فهل ترى أنه يجوز لك أن تُنافس رسول الله المسيح عيسى ابن مُريم صلى الله عليه وعلى أمه وآل عمران وسلم في حُب الله وقربه لزأر في وجه المهدي المنتظر وقال كيف تُريدني أن أُنافس ولد الله في حُب الله وقربه بل ولد الله أولى بأبيه مني، بل أنا أعبد المسيح عيس ابن مريم قربة إلى الله لأنه ولد الله ليقربني إلى ربي، ثم يرد عليه الإمام المهدي ويقول: سُبحان الله العظيم عما يشركون وتعالى علوا كبيراً. وكذلك لو سأل أكبر فطحول من عُلماء أمة الإسلام الأميين التابعين لجدي النبي الأمي مُحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل ترون أنهُ ينبغي لكم أن تُنافسوا مٌحمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حُب الله وقربه كذلك سوف يزأر علينا بصوت مُرتفع وكيف تُريدني أن أُنافس مُحمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النيين شفيعنا بين يدي الله يوم الدين، فاذهب أيها المجنون. ثم يرد عليه الإمام المهدي فهل تعبد الله أم تعبد محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يرد علينا بل أعبد الله وحده لا شريك له، ثم يسأله الإمام المهدي مرة أخرى ويقول وهل تُحب مُحمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر أم الله؟ ثم يرد علينا بل أحب الله أكثر من مُحمد عبده ورسوله، ثم يرد عليه الإمام المهدي ألا والله لو كنت تُحب الله أكثر من حُبك لمحمد عبده ورسوله لأخذتك الغيرة على ربك من شدة حُبك لربك ولنافست كافة الأنبياء والمُرسلين في حُب الله وقربه، ألا والله لو لم تزالوا على الهُدى لما ابتعث الله الإمام المهدي ليهديكم إلى صراط العزيز الحميد بالبيان الحق للقرآن المجيد. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد وسلامُ على المُرسلين والحمدُ لله رب العالمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ورد في السؤال إنما هو بسبب لبس وخلط بين معنى الوسيلة الواردة في الآيتين المذكورتين، وبين معناها في حديث الدعاء بعد الأذان، وفيه يقول عليه الصلاة والسلام: ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة. رواه مسلم.
فالوسيلة في الآيتين إنما هي بمعنى القربة الموصلة إلى رضا الله تعالى.
وأما الوسيلة في الدعاء المذكور فإنما هي علم على منزلة عالية في الجنة.
قال الشنقيطي في أضواء البيان: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ. {المائدة:35} . الآية.
اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضا الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة.
وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جداً كقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. {الحشر: 7} ، وكقوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي. {آل عمران: 31} ، وقوله: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ. إلى غير ذلك من الآيات ...
وقال: ... وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ. {الإسراء:57} ، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها، نرجو الله أن يعطيه إياها، لأنها لا تنبغي إلا لعبد، وهو يرجو أن يكون هو.
فإذا تقرر أن الوسيلة التي بمعنى الدرجة العلية في الجنة لا تنبغي إلا لعبد واحد، فكيف يصح أن ننافس عليها أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم؟! هذا كلام ليس بجيد، وإنما الصواب أن يقال يجب علينا الاقتداء بالأنبياء والمرسلين، فإنه لا طريق موصل إلى الله إلا من خلال اتباعهم واقتفاء أثرهم، فنتوسل إلى الله ونتقرب إليه بالعمل الصالح المؤسس على الإخلاص لله واتباع هدي أنبيائه ورسله، وعلى رأسهم سيد الأنام محمد عليه الصلاة والسلام.
وانظر الفتوى رقم: 119501.
وأما بقية ما ورد من السؤال فهو جرأة على الله وسوء أدب معه وتقول عليه بلا علم، وكفى بذلك إثما عظيما. فقوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. {هود:118- 119} .
قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس كلهم أمة واحدة على الدين الإسلامي، فإن مشيئته غير قاصرة، ولا يمتنع عليه شيء، ولكنه اقتضت حكمته، أن لا يزالوا مختلفين، مخالفين للصراط المستقيم، متبعين للسبل الموصلة إلى النار، كل يرى الحق، فيما قاله، والضلال في قول غيره.
إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ فهداهم إلى العلم بالحق والعمل به، والاتفاق عليه، فهؤلاء سبقت لهم، سابقة السعادة، وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي. وأما من عداهم، فهم مخذولون موكولون إلى أنفسهم.
وقوله: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ أي: اقتضت حكمته، أنه خلقهم، ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذين هدى الله، والفريق الذين حقت عليهم الضلالة، ليتبين للعباد، عدله وحكمته، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء. وَلأنه تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. فلا بد أن ييسر للنار أهلا يعملون بأعمالها الموصلة.
فبالتأمل في النص القرآني المذكور تجد أنه لا يلتئم معناه إلا بهذا التفسير، وأما التفسير الوارد في السؤال فمحض كذب وبهتان وافتراء على الله جل وعلا، وعلى قائله من الله ما يستحق.
وكذلك النص المزعوم.
إضافة إلى أن القول بأنه لا أحد عبد الله حق عبادته إلا المهدي، وأن جميعهم أخطأوا الوسيلة، يقتضي تخطئة الأنبياء والمرسلين في طريقهم إلى الله وتفضيل المهدي عليهم، ثم إنه لا أحد قد عبد الله حق عبادته؛ لأن حقه سبحانه عظيم، ففي الحديث: يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، ويوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. رواه الحاكم وغيره وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1430(2/1990)
تفسير قوله تعالى (..خير مما يجمعون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر في مواضع شتى في القرآن الكريم "خير مما يجمعون" ماهو الشيء الذي هو خير مما يجمعون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسؤول عنه في الآيات القرآنية هو الرحمة، وقد تصاحبها المغفرة وفضل الله، ففي آل عمران يقول الله تعالى: وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {آل عمران:157}
فقد ذكر في هذه الآية الكريمة أن المقتول في الجهاد والميت كلاهما ينال مغفرة من الله ورحمة خيرا له مما يجمعه من حطام الدنيا،
وبين في آية أخرى أن فضل الله ورحمته خير مما يجمعه أهل الدنيا من حطامها وزاد فيها الأمر بالفرح بفضل الله ورحمته دون حطام الدنيا، وهي قوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {يونس:58}
وذكر في الزخرف الرحمة فقط، فقال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف:32}
وراجع أضواء البيان للشيخ الشنقيطي
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1430(2/1991)
الفرق بين لسان الصدق في الآخرين، وقدم الصدق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرء أن يدعو لنفسه بهذا الدعاء: اللهم اجعل لي لسان صدق في الآخرين، اللهم اجعل لي عندك قدم صدق؟ ولماذا قال في الأولى: الآخرين ـ ولم يقل في الأولين؟ ولماذا في الثانية اختار قدم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فإن هذين الدعاءين من الأدعية الطيبة المباركة، فيشرع للمسلم أن يدعو بهما لنفسه ولغيره، لأنهما مقتبسان من القرآن الكريم، ففي الدعاء الأول يقول الله تعالى على لسان نبية وخليله إبراهيم عليه السلام: رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ* وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ {الشعراء:83-84} .
قال أهل التفسير: واجعل لي لسان صدق في الآخرين أي واجعل لي ذكراً جميلاً بعدي أذكر به ويقتدى به في الخير.
وقال القرطبي في تفسيره: روى أشهب عن مالك قال: قال الله عز وجل: واجعل لي لسان صدق في الآخرين. لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحاً ويرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه الله تعالى، إذ هي الحياة الثانية، فقد قيل: مات قوم وهم في الناس أحياء.
وفي الثاني يقول تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ {يونس:2} .
فأخبر سبحانه وتعالى أن للمؤمنين قدم صدق عنده، قال أهل التفسير: هو الأجر الحسن بما قدموا من الأعمال الصالحة.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
وبهذا تعلم الفرق بين لسان الصدق في الآخرين، وقدم الصدق، فلسان الصدق: هو الثناء والذكر الحسن في الآخرين: وهم من يأتي من الأمم بعد صاحب الدعاء وهو في الآية: إبراهيم عليه السلام كما ذكرنا، وقد استجاب الله تعالى دعاءه، فكل الأمم تعظمه وتذكره بخير، وقد عرفت شيئاً من معاني قدم الصدق عند الله تعالى، وانظر المزيد من أقوال أهل العلم فيه في الفتوى رقم: 71414.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1430(2/1992)
تفسير قوله تعالى (..كما آمن السفهاء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة السفهاء من سورة البقرة آية رقم 13؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر البيضاوي في تفسيره أن السفه يطلق في اللغة على قلة العقل والحلم وما يقتضى ذك من الخفة وسفاهة الرأي، وذكر أن المنافقين اتهموا المؤمنين بالسفه لاعتقادهم فساد رأيهم أو تحقير منها لشأنهم أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1430(2/1993)
تفسير قوله تعالى (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية فى سورة الأنبياء: ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن.... أليس الذكر هو القرآن وهو أنزل بعد الزبور كيف فى الآية معكوس الزبور بعد الذكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذكر المذكور في الآية ليس القران على ما ذكر الطحاوي في مشكل الآثار، فقد ذكر عدة آثار فيه تدل على أن المراد به اللوح المحفوظ ولا يراد به القرآن، وذكر أن الزبور لا يراد به زبور داود فقط بل يشمل التوراة والإنجيل وبهذا أفتت اللجنة الدائمة أيضا، وقد ذكر الرملي في فتاواه أن بعد قد تستعمل بمعنى قبل ومثل له بالآية وفسر الذكر بالقرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1430(2/1994)
تفسير قوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله عز وجل: إنه لو وجد إلهان على عالمنا لفسدت الأرض، فهل من صفات الإله الطغيان والعلو فرضاً؟ فمثلاً: تلك الآية لو فرضنا ما قاله الله تعالى بوجود إلهين.
مجرد سؤال لا أكثر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله جل وعلا يقول الحق وهو يهدي السبيل، ومن أصدق من الله قيلا؟ ومن أصدق من الله حديثا؟ قال الله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {الأنبياء:22} .
قال القرطبي في تفسيره للآية: أي لو كان في السموات والأرضين آلهة غير الله معبودون لفسدتا.
وقال الفراء: إلا ـ هنا في موضع سوى، والمعنى: لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها.
وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير، لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا.
وقيل: معنى: لَفَسَدَتَا ـ أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء. انتهى مع حذف.
وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {المؤمنون:91} .
قال القرطبي: والمعنى: لو كانت معه آلهة لانفرد كل إله بخلقه ـ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ـ أي ولغالب وطلب القوي الضعيف كالعادة بين الملوك، وكان الضعيف المغلوب لا يستحق الإلهية.
وقال ابن كثير: أي: لو قُدِّر تعدد الآلهة، لانفرد كل منهم بما يخلق، فما كان ينتظم الوجود.
والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ.
ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض.
والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع، وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم وأراد الآخر سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين، والواجب لا يكون عاجزًا ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد، وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد، فيكون محالا، فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان الغالب هو الواجب، والآخر المغلوب ممكنًا، لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا، ولهذا قال: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.
أي: عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك علوا كبيرا.
فإن قيل: ألا يمكن أن يتفق الإلهان على أن لا يبغي بعضهم على بعض وبالتالي ينتظم أمر العالم؟ قيل: هذا لا يخلو من مصانعة كل منهما للآخر.
قال ابن عاشور: ويجوز اتفاق الآلهة أيضاً على أن لا يعتز بعضهم على بعض بسبب تفاوت ملكوت كل على ملكوت الآخر، بناء على ما اتصفوا به من الحكمة المتماثلة التي تعصمهم عن صدور ما يؤدي إلى اختلال المجد الإلهي، إلا أن هذا المعنى لا يخلو من المصانعة وهي مشعرة بضعف المقدرة ِ. التحرير والتنوير.
ومما سبق تتضح دلالة الآية على اتصاف الإله الحق وانفراده بالعلو والقهر ونفوذ المشيئة والإرادة.
وأما الطغيان فلا يتأتى في حقه، إذ الطغيان هو مجاوزة الحد، والإله الحق سبحانه أن يكون محدودا بحد، فإن الكل ملكه، ومهما فعل فهو إنما يتصرف في ملكه، فكيف يمكن وصفه بمجاوزة الحد؟ هذا مع أن الله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم على نفسه، وكتب على نفسه الرحمة، ومن صفاته: العدل والحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(2/1995)
تفسير: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا
[السُّؤَالُ]
ـ[ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا المقصود من هذا السؤال، ولعل السائل الكريم يقصد ما جاء في قول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:93} .
فإن هذه الآية نزلت فيمن مات من المسلمين قبل تحريم الخمر. فقد جاء في الصحيحين وغيرهما: أنه لما نزل تحريم الخمر قال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم قال: فأنزل الله تعالى: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ... الآية.
وفي رواية الإمام أحمد: لما نزل تحريم الخمر قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها فنزلت: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا.
وعلى ذلك فليس في الآية دليل على أن بعض الناس ليس عليهم حساب فيما طعموا إذا كان المطعوم حراما، وقد غلط بعضهم في تأويل هذه الآية، كما روى ابن عبد البر وغيره بسنده في الاستذكار فقال: شرب قوم من أهل الشام الخمرة وعليهم يزيد بن أبي سفيان وقالوا: هي لنا حلال وتأولوا هذه الآية: ليس على الذين آمنوا. قال فكتب فيهم إلى عمر، فكتب أن ابعث بهم إليّ قبل أن يفسدوا من قبلك، فلما قدموا على عمر استشار فيهم الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنهم قد كذبوا على الله عز وجل وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله عز وجل فاضرب رقابهم، وعليّ ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن فيهم؟ قال: أرى أن تستتبهم فإن تابوا جلدتهم ثمانين لشربهم الخمر، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم، فإنهم كذبوا على الله عز وجل وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله عز وجل، فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين.
وإذا لم يكن هذا هو المقصود فإن بإمكان السائل إعادة صياغة سؤاله وتوضيحه حتى نستطيع الإجابة عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1430(2/1996)
تفسير قوله تعالى (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا فى سورة الإسراء: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، وليس ألزمناه عمله أو ذنوبه أوغير ذلك؟ وما هو الطائرالمقصود؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الطائر في قوله تعالى: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ {الإسراء:13} .
قال فيه ابن جزي الكلبي في تفسيره: والطائر هنا العمل، والمعنى: أن عمله لازم له، وقيل: إن طائره ما قدر عليه وله من خير وشر، والمعنى على هذا: أن كل ما يلقى الإنسان قد سبق به القضاء، وإنما عبر عن ذلك بالطائر، لأن العرب كانت عادتها التيمن والتشاءم بالطير. اهـ.
وقال الشيخ الأمين الشنقيطي في الأضواء: في قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: وكل إنسان ألزمناه طائره {17/13} .
وجهان معروفان من التفسير:
الأول: أن المراد بالطائر: العمل، من قولهم: طار له سهم إذا خرج له، أي ألزمناه ما طار له من عمله.
الثاني: أن المراد بالطائر ما سبق له في علم الله من شقاوة أو سعادة.
والقولان متلازمان، لأن ما يطير له من العمل هو سبب ما يؤول إليه من الشقاوة أو السعادة.
فإذا عرفت الوجهين المذكورين فاعلم: أنا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها للعلماء قولان أو أقوال، وكلها حق، ويشهد له قرآن، فنذكر جميع الأقوال وأدلتها من القرآن، لأنها كلها حق، والوجهان المذكوران في تفسير هذه الآية الكريمة كلاهما يشهد له قرآن.
أما على القول الأول بأن المراد بطائره عمله: فالآيات الدالة على أن عمل الإنسان لازم له كثيرة جدا، كقوله تعالى: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به.4/123.
وقوله: إنما تجزون ما كنتم تعملون.66/7.
وقوله تعالى: يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه.84/6.
وقوله: من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها.41/46.
والآيات بمثل هذا كثيرة جدا.
وأما على القول بأن المراد بطائره نصيبه الذي طار له في الأزل من الشقاوة أو السعادة: فالآيات الدالة علي ذلك أيضا كثيرة، كقوله: هو الذي خلكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن.2/64.
وقوله: ولذلك خلقهم. 119/11.
أي:للاختلاف إلى شقي وسعيد خلقهم.
وقوله: فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة.30/7.
وقوله: فريق في الجنة وفريق في السعير. 7/42.
إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: فى عنقه.17/13.
أي: جعلنا عمله أو ما سبق له من شقاوة في عنقه، أي لازما له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه، ومنه قول العرب: تقلدها طوق الحمامة.
وقولهم: الموت في الرقاب.
وهذا الأمر ربقة في رقبته. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1430(2/1997)
كيد النساء أعظم أم كيد الشيطان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الكيد؟ وهل كيد النساء أعظم من كيد الشيطان؟.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكيد: هوالمكر والاحتيال، قال الفيروزأبادي: الكَيْدُ: المَكْرُ والخُبْثُ.
وقال ابن منظور: والكَيْدُ الاحتيالُ والاجتهاد.
وأمّا عن كون كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، فقد ذكر ذلك بعض المفسرين، قال القرطبي: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ وإنما قال ـ عظيم ـ لعظم فتنتهن واحتيالهن في التخلص من ورطتهن. الجامع لأحكام القرآن. 9 ـ175.
وقيل إنّ ذلك لكون كيدهن مواجهة، وكيد الشيطان وسوسة، قال السمرقندي: وقال بعض الحكماء: سمى الله كيد الشيطان ضعيفا وسمى كيد النساء عظيما، لأن كيد الشيطان بالوسوسة والخيال، وكيد النساء بالمواجهة والعيان.
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الآيتين لا يلزم منهما كون كيد النساء أعظم من كيد الشيطان على الإطلاق وإنّما يمكن أن يكون عظم كيد النساء بالنسبة لكيد الرجال، وضعف كيد الشيطان بالنسبة لكيد الله تعالى، قال النيسابوري: فالمراد إن كيد الشيطان ضعيف بالنسبة إلى ما يريد الله تعالى إمضاءه وتنفيذه، وكيد النساء عظيم بالنسبة إلى كيد الرجال، فإنهم يغلبنهم ويسلبن عقولهم إذا عرضن أنفسهن عليهم.
وقال الشيخ رشيد رضا: وههنا يذكرون قوله تعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً {النساء: 76} .
يستدلون به على أنّ كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، ولا دلالة فيه، وإن فرضنا أنّ حكاية قول هذا إقرار له فالمقام مختلف، وإنّما كيد النسوان بعض كيد الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(2/1998)
الحكمة من توكيل الملائكة بكتابة أعمال العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[قد غلب علي أمر صعب أن ألاقي له إجابة وهو متعلق بالقرآن الكريم. ولكن السؤال أرجو ألا يفهم بصيغته الخطأ: يقول المولي سبحانه وتعالي فيما معني الآية الكريمة ما يلفظ من قول إلا لدية رقيب عتيد. وأعلم أن الرقيب العتيد على الإنسان وليس على الله تعالى، ولكن الله يقول أيضا بالقرآن فيما معني الآية أنه يحيط بكل شيء علما. وأنا لا أشكك بذلك ولكن النبي سيدنا إبراهيم عليه السلام قال: ربي أرني كيف تحيي الموتى فقط ليطمئن قلبه. فمعنى الآيه أن الله أمرنا بالتفكر وليس التعجيز الذهني. ولكن سؤال: لماذا رقيب عتيد والله يحيط بكل شيئ علما. ومعاذ الله أني أشكك بقدرته على الإطلاق ولكن أريد تفسير الآيتين الكريمتين في ظل السؤال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. {الطلاق:12} . فدلت الآية على شمول علمه الأزلي الأبدي لما كان وما سيكون كليا وجزئيا.
وقال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. {ق:18} وقد حاول بعض العلماء تلمس الحكمة في توكيل الملائكة بكتابة أعمال العباد مع أن الله جل وعلا يعلمها.
وقد جمع الفخر الرازي في تفسيره بعض ما قيل في ذلك فقال: ذكروا في فائدة جعل الملائكة موكلين على بني آدم وجوهاً:
الأول: أن المكلف إذا علم أن الملائكة موكلون به يحصون عليه أعماله ويكتبونها في صحائف تعرض على رؤوس الأشهاد في مواقف القيامة كان ذلك أزجر له عن القبائح.
الثاني: يحتمل في الكتابة أن يكون الفائدة فيها أن توزن تلك الصحائف يوم القيامة لأن وزن الأعمال غير ممكن أما وزن الصحائف فممكن.
الثالث: يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ويجب علينا الإيمان بكل ما ورد به الشرع سواء عقلنا الوجه فيه أو لم نعقل.
وفي التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي وجه رابع وهو: الإتيان بدليل مادي محسوس لإقامة الحجة على الإنسان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(2/1999)
تفسير: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أداء الفريضة في وقت الضرورة هو الذي توعدهم الله فيه بويل للمصلين؟
1-مثلا باقي خمس دقائق على نهاية وقت المغرب ودخول العشاء من صلى في هذا الوقت -الخمس دقائق- هو من قيل فيهم ويل للمصلين.
2-بالنسبة لأصحاب الأعذار مثلا لهم الجمع بكل أشكاله هل هم داخلون في موضوع الويل أم أن الويل هو لمن أخر صلاة النهار -الظهر والعصر- إلى الليل أو أخر صلاة الليل للنهار -المغرب والعشاء- يعنى وقت الضرورة لأصحاب السلس الظهر والعصر حتى الغروب -وقت الضرورة- والمغرب والعشاء إلى الفجر -وقت الضرورة-ذلك بسبب. هل بجمعهم للسلس سيوضعون في النار في ويل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن المغرب ليس لها وقت ضرورة، بل إن وقتها يمتد من غروب الشمس إلى سقوط الشفق الأحمر على الراجح، فمن فعل صلاة المغرب في جزء من أجزاء هذا الوقت فقد أدى ما وجب عليه، وإن كان مفوتا للفضيلة بصلاته لها في آخر وقتها، وقد بينا مذاهب العلماء في وقت الاختيار ووقت الضرورة مفصلة فانظرها في الفتوى رقم: 124150.
ولا شك في أن تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة من غير عذر كفعل صلاة العصر بعد الاصفرار، من الأعمال القبيحة التي قد تعرض صاحبها للوعيد وأن يكون له حظ من قوله تعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون. وفي الآية أقوال هذا أحدها وعموم الآية يشمل الكل.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ. قال ابن عباس، وغيره: يعني المنافقين، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر.
ولهذا قال: لِلْمُصَلِّينَ. أي: الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا، فيخرجها عن وقتها بالكلية، كما قاله مسروق، وأبو الضحى.
وقال عطاء بن دينار: والحمد لله الذي قال: عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ. ولم يقل: في صلاتهم ساهون.
وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا. وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به. وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله، ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية. ومن اتصف بجميع ذلك، فقد تم نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي. كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا. فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى، كما ثبت به النص إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا؛ ولهذا قال: لا يذكر الله فيها إلا قليلا. انتهى.
وأما من جاز له الجمع بين الصلاتين لعذر كسفر أو مرض فليس داخلا في هذا الوعيد، فإن وقت الصلاتين في حقه مشترك، وقد فعل ما أذن الله له فيه فلا يكون متعرضا للعقوبة.
وحيث جاز لهم الجمع فإنه لا ينبغي لهم فعل الصلاتين في وقت الضرورة من الثانية إلا لعذر.
وأما من جمع بين الصلاتين لغير عذر فقد أتى ذنبا عظيما، وانظر الفتوى رقم: 53951. واعلم أن العلماء مختلفون في مشروعية الجمع بين الصلاتين للمعذور كالمستحاضة وصاحب السلس فأجازه الحنابلة ومنعه الجمهور، وانظر الفتويين: 116953، 119260.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(2/2000)
تفسير قوله تعالى (إن قرآن الفجر كان ن مشهودا)
[السُّؤَالُ]
ـ[قرآن الفجر مسموع. سؤالي: ما هو أحسن ما يمكن قراءته في ذلك الوقت من سور وآيات القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن قرآن الفجر المشهود هو القراءة في الصلاة، ومعنى كونه مشهودا أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فدل على عظم القراءة في الصلاة، وأنها من أكبر أركانها، إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة؛ كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا. {الإسراء: 78} . والمراد صلاة الفجر، كما جاء مصرحا به في الصحيحين: من أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار. انتهى.
والأولى للمصلي أن يحرص على اتباع سنته صلى الله عليه وسلم في القراءة في الفجر وغيرها إذا أمكن ذلك ولم يشق على المأمومين.
وقد تكلم ابن القيم على قراءته صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فقال ما عبارته: وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية، وصلاها بسورة ق، وصلاها بـ الروم، وصلاها بـ إذَا الشَّمسُ كُوِّرَت، وصلاها بـ إِذَا زُلْزِلَتْ في الركعتين كليهما، وصلاها ب المعوِّذَتَيْنِ وكان في السفر، وصلاها فافتتح ب سورة المؤْمِنِين حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى، أخذته سَعْلةٌ فركع.
وكان يُصليها يومَ الجمعة بـ ألم تنزيل السَّجدة وسورة هل أتى على الإِنسان كاملتين، ولم يفعل ما يفعلُه كثيرٌ منِ النَّاس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين، وقراءة السجدة وحدَها في الركعتين، وهو خلاف السنة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(2/2001)
تفسير: ولقد رآه بالأفق المبين
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قال الامام أحمد بن حنيل عن الرؤية: مروها كما هي، هل أيضا مذهب أهل السنة والجماعة السكوت عن رؤية النبي صلي الله عليه وسلم لربنا فى الاسراء والمعراج؟ ولماذا عندما سئلت السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ عن ذلك، قالت: لم ير النبى صلى الله وسلم ربه، بينما الآية تقول ولقد رآه بالافق الأعلى؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلام الإمام أحمد في الرؤية إنما هو في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج، والثابت عنه ـ رحمه الله ـ تقييد هذه الرؤية بالقلب أو إطلاقها بغير تقييد بالعين، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 53848.
وأما رؤيته تبارك وتعالى في المنام فالحق أنها جائزة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 8271، وراجع في مسألة رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة ًالفتوى رقم: 121588.
ثم ننبه السائل الكريم على أن لفظ الآية التي ذكرها هو: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ {التكوير:23} . أو: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى {النجم:7} .
وليس معناها كما فهم السائل، قال البغوي: ومعنى الآية: استوى جبريل ومحمد عليهما السلام ليلة المعراج ـ بِالأفُقِ الأعْلَى ـ وهو أقصى الدنيا عند مطلع الشمس، وقيل: فاستوى: يعني جبريل، وهو كناية عن جبريل أيضا أي: قام في صورته التي خلقه الله عليها، وهو بالأفق الأعلى، وذلك أن جبريل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين، كما كان يأتي النبيين، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على الصورة التي جبل عليها، فأراه نفسه مرتين: مرة في الأرض ومرة في السماء، فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى، والمراد بالأعلى: جانب المشرق، وذلك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسد الأفق إلى المغرب، فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيًا عليه، فنزل جبريل في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبارعن وجهه، وهو قوله: ثم دنا فتدلى، وأما في السماء فعند سدرة المنتهى، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وقال في سورة التكوير: وَلَقَدْ رَآهُ ـ يعني رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السلام على صورته: بِالأفُقِ الْمُبِينِ، وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق، قاله مجاهد وقتادة. انتهى.
وقد أوضح الحافظ ابن كثير ذلك في تفسيره وقرره في السورتين: النجم والتكوير، فليرجع إليه السائل الكريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(2/2002)
تفسير: واذكروا الله في أيام معدودات.
[السُّؤَالُ]
ـ[واذكروا الله فى أيام معددودات، هل الأمر على الوجوب أم الاستحباب؟ وإذا كان للوجوب، فما أقله؟ وما هي الصيغة الواجبة؟ وهل الأمر للحاج فقط إذا كان للوجوب؟ أم لكل مسلم فرض عليه ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجمهور أهل العلم على أن المراد بالذكر هنا: التكبير عند رمي الجمار للحاج، وأدبار الصلوات للحاج وغير الحاج، قال الطبري في تفسير هذه الآية: يعني جل ذكره: أمر عباده يومئذ بالتكبير أدبارَ الصلوات، وعند الرمي مع كل حصاة من حَصى الجمار يرمي بها جَمرةً من الجمار. انتهى.
وكذا قال البغوي وغيره.
وقال ابن كثير: يعني التكبير أيامَ التشريق بعد الصلوات المكتوبات: الله أكبر، الله أكبر. انتهى.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: في هذا الذكر قولان، أحدهما: أنه التكبير عند الجمرات وأدبار الصلوات وغير ذلك من أوقات الحج.
والثاني: أنه التكبير عقب الصلوات المفروضات، واختلف أرباب هذا القول في الوقت الذي يبتدئ فيه بالتكبير ويقطع على ستة أقوال. انتهى.
وذكر ابن العربي في أحكام القرآن مسألة في المراد بهذا الذكر، فقال: لا خلاف أن المخاطب به هو الحاج خوطب بالتكبير عند رمي الجمار, فأما غير الحاج فهل يدخل فيه أم لا؟ وهل هو أيضا خطاب للحاج بغير التكبير عند الرمي؟ فنقول: أجمع فقهاء الأمصار والمشاهير من الصحابة والتابعين ـ رضي الله عنهم ـ على أن المراد به التكبير لكل أحد, وخصوصا في أوقات الصلوات، فيكبر عند انقضاء كل صلاة, كان المصلي في جماعة أو وحده يكبر تكبيرا ظاهرا في هذه الأيام، لكن اختلفوا في ذلك على أربعة أقوال:
الأول: أنه يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، قاله علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وأبو يوسف ومحمد صاحبه والمزني.
والثاني: مثله في الأول, ويقطع العصر من يوم النحر، قاله ابن مسعود وأبو حنيفة.
الثالث: يكبر من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق، قاله زيد بن ثابت.
الرابع: يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، قاله ابن عمر وابن عباس ومالك والشافعي.
والتحقيق أن التحديد بثلاثة أيام ظاهر, وأن تعينها ظاهر أيضا بالرمي, وأن سائر أهل الآفاق تبع للحاج فيها، ولولا الاقتداء بالسلف لضعف متابعة الحاج من بين سائر أهل الآفاق إلا في التكبير عند الذبح. اهـ.
وقال النيسابوري في تفسيره: واذكروا الله. أي بالتكبير في أدبار الصلوات وعند الجمار يكبر مع كل حصاة، وفيه دليل على وجوب الرمي، لأن الأمر بالتكبير أمر بالذي يتوقف التكبير على حضوره، وإنما اختير هذا النسق لأنهم ما كانوا منكرين للرمي وإنما كانوا يتركون ذكر الله تعالى عنده. انتهى.
وقال ابن عرفة في تفسيره: الأمر إما خاص بالحاج أو عام، لأن سائر الناس أيضا يكبّرون في تلك الأيام، غير أنّ الحجاج يكبرون في كل النهار وغيرهم يكبّر دبر كل صلاة فقط، وقد كان عمر يرفع صوته بالتكبير في خبائِه فيكبّر من خلفه ثم يكبرالنّاس كلّهم حتى يُسْمَع التكبير من مكة.
وقيل: هل الأمر للوجوب أو للندب؟ قال: إن أريد مطلق الذكر فهو للوجوب، وإن أريد الذكر الخاص في الوقت الخاص فهو للندب، وأما للإباحة فلا. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية: التكبير في أيام التشريق مشروع لقوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات. والمراد أيام التشريق، وهذا باتفاق الفقهاء، عدا أبا حنيفة، فإنه لا تكبير عنده في أيام التشريق، ومع اتفاق الفقهاء على مشروعية التكبير في أيام التشريق، فإنهم يختلفون في حكمه، فعند الحنابلة والشافعية وبعض الحنفية هو سنة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. وهو مندوب عند المالكية، والصحيح عند الحنفية أنه واجب، للأمر به في قوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات. انتهى.
وأما أنواع هذا الذكر المأمور به في الآية فقد ذكر ابن رجب في لطائف المعارف بعضه، فقال: أمر الله تعالى بذكره في هذه الأيام المعدودات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل. وذكر الله عز وجل المأمور به في أيام كالتشريق أنواع متعددة:
منها: ذكر الله عز وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها، وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء، وقد روي عن عمر وعلي وابن عباس، وفيه حديث مرفوع في إسناده ضعف.
ومنها: ذكره بالتسمية والتكبير عند ذبح النسك، فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق عند جماعة من العلماء، وهو قول الشافعي ورواية عن الإمام أحمد، وفيه حديث مرفوع: كل أيام منى ذبح. وفي إسناده مقال.
وأكثر الصحابة على أن الذبح يختص بيومين من أيام التشريق مع يوم النحر، وهو المشهور عن أحمد وقول مالك وأبي حنيفة والأكثرين.
ومنها: ذكر الله عز وجل على الأكل والشرب، فإن المشروع في الأكل والشرب أن يسمي الله في أوله ويحمده في آخره.
ومنها: ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيام التشريق، وهذا يختص به أهل الموسم.
ومنها: ذكر الله تعالى المطلق، فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق، وقد كان عمر يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناس فيكبرون فترتج منى تكبيرا، وقد قال الله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ... إلى آخر الآية.
وقد استحب كثير من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق. انتهى.
وأما صيغة هذا الذكر وهذا التكبير فقال الشوكاني في السيل الجرار: ثبت الأمر بالذكر في الأيام المعدودة، والحاصل أن المشروع في أيام التشريق الاستكثار من ذكر الله ـ عز وجل ـ خصوصا التكبير، والمراد مطلق التكبير وهو أن يقول: الله أكبر، ويكرر ذلك في الأوقات ومن جملتها عقب الصلاة، ولا وجه لتخصيصه بعقب الصلاة. انتهى.
وقد سبق بيان صيغ التكبير في العيدين في الفتوى رقم: 44130
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1430(2/2003)
معنى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مقصود الآية الكريمة: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم. أن يكون الطعام ملكا لأصحاب الكتاب أم معدا بواسطة أصحاب الكتاب؟ وإن كان المقصود هو معد بواسطة أصحاب الكتاب فما هو رأي الدين في الطعام المعد في أغلب مطاعم دول الخليج بواسطة الهنود أو الفلبينيين من غير أهل الكتاب أو من ليس له دين. هل يجوز الأكل منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقصود بطعام الذين أوتوا الكتاب في الآية الكريمة: ذبائحهم. كما قال أهل التفسير.
قال السعدي في تفسيره: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ. أي: ذبائح اليهود والنصارى حلال لكم يا معشر المسلمين دون باقي الكفار، فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين، وذلك لأن أهل الكتاب ينتسبون إلى الأنبياء والكتب. وقد اتفق الرسل كلهم على تحريم الذبح لغير الله، لأنه شرك، فاليهود والنصارى يتدينون بتحريم الذبح لغير الله، فلذلك أبيحت ذبائحهم دون غيرهم.
وأما ما أعده الكفار عموما-أهل الكتاب وغيرهم- من الطعام فلا حرج في تناوله إذا كان مباحا في الأصل كذبيحة المسلم والكتابي وما لا يحتاج إلى ذكاة كالسمك والنبات.
وبذلك تعلم جواز أكل ما أعده غير المسلمين من الطعام في بلاد المسلمين لأن المفروض أن يكون ما أعد منه الطعام مباحا وطاهرا.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى: 44684، 35599، 37139.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(2/2004)
الأظهر في الاستثناء في قوله تعالى: إلا ما قد سلف
[السُّؤَالُ]
ـ[فى سورة النساء:
1-آية المحرمات من النساء ـ إلا ما قد سلف ـ هل معنى ذلك: من تزوج من أختين أو تزوج عمته وكان ذلك قبل بلوغ آية التحريم يستمر على ما هو عليه؟ مثل عقود النكاح قبل الإسلام، فالشخص يظل على ما هو عليه بعد الاسلام، أم المقصود بطلان ذلك ويجب التفريق؟ وعفا الله عز وجل عن الإثم.
2- فى نفس السورة: وأحل لكم ما وراء ذلكم. ـ فى قراءة بضم الهمزة وكسر الحاء: مبنى للمجهول، وفى قراءة أخرى: بفتح الهزة والحاء مبنى للمعلوم، فما الفرق فى المعنى؟ وما الغرض من ذلك؟ أرجو إلقاء الضوء على الفرق بين القراءتين، مبنى للمعلوم، أو مبنى للمجهول، وما الفرق من كافة النواحى؟ مثل الأحكام أرجو معرفة سبب الفرق في القراءتين والمترتب على كل واحدة منهما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الشيخ الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: أن الأظهر في الاستثناء المذكور في قوله تعالى: إلا ما قد سلف، أنه استثناء منقطع فيكون المعنى لكن ما سلف من ذلك قبل نزول التحريم فهو عفو، لأنه على البراءة الأصلية ثم إن العفو عما قبل العلم بالتحريم ينقطع عند الكل إذا علم الإنسان بالحكم الشرعي في المسألة، ويجب التفريق بين المتزوجين زواجا محرما متى تم الاطلاع على ذلك، هذا بإجماع أهل العلم.
وأما قوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم، فقد قرأ: أبو جعفر والكوفيون ما عدا شعبة بضم الهمزة وكسر الحاء، وقرأ الباقون بفتحهما، كذا قال الجزري في التحبير، ففي القراءة الأولى بني الفعل لما لم يسم فاعله مطابق قوله تعالى في بداية البيان للنساء المحرمات.
وفي القراءة الثانية أسند الفعل للمعلوم وفاعله ضمير يرجع إلى الله وأحل معطوف على الفعل المقدر في قوله ـ كتاب الله عليكم ـ أي كتب الله عليكم وأحل لكم، ومن المعلوم أن التحليل والتحريم مسند لله تعالى، وراجع تفسير الشوكاني وشرح ابن شامة للشاطبية، ثم إنه لا أثر أبدا لخلاف القراء في الآية على الأحكام الشرعية فالحكم واحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(2/2005)
تفسير قوله تعالى: ثم ليقضوا تفثهم ...
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الحج ـ ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطفوا بالبيت العتيق ـ ما هو معنى: تفثهم وما علاقة ذلك بالطواف؟ هل من الممكن شرحا تفصيليا للآية؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نص الآية الكريمة هو قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ {الحج: 29} .
والتفث: هو القذارة والوسخ، قال ابن الجوزي في زاد المسير: والتفث الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث، وقضاؤه: نقضه وإذهابه، والحاج مغبر شعث لم يدهن ولم يستحد، فإذا قضى نسكه وخرج من إحرامه بالحلق والقلم وقص الأظفار ولبس الثياب ونحو ذلك فهذا قضاء تفثه.
وعلاقة ذلك بالطواف ـ والله أعلم ـ أن قضاء التفث يكون عند التحلل الأول فبعد رمي الجمرة الأولى يوم النحر والحلق أو التقصير أو النحر يحل به للمحرم كل ما حرم عليه بالإحرام إلا النساء. والطواف المذكور هنا هو طواف الإفاضة الذي به يكون التحلل الأكبر النهائي، فإذا طاف الحاج بالبيت طواف الإفاضة خرج من إحرامه كله، وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(2/2006)
الضمير في ـ معه ـ راجع إلى ما في قوله تعالى: لو أن لهم ما في الأرض جميعا
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية 18 من سورة الرعد: ومثله معه، كيف مفرد بينما بداية الآية خطاب بصيغة الجمع أى لماذا لم يقل ومثله معهم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الضمير في ـ معه ـ راجع إلى ما في قوله تعالى: لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا {الرعد:18} .
فهو مثل ـ ما ـ الواردة في آية المائدة في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المائدة:36} .
ومثل ـ ما ـ الواردة في آية الزمر في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ {الزمر:47} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(2/2007)
سبب ذكر قوله تعالى: وما كنت بجانب الغربي..
[السُّؤَالُ]
ـ[وما كنت بجانب الغربي. فى سورة القصص. ما هو الغربي؟ ونرجو إلقاء الضوء على سبب ذكر هذه بالتحديد (الغربي) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وصف ابن كثير المكان الذي أوحى الله فيه إلى موسى بأنه في جانب الطور وهو الجبل الغربي منه عن يمينه.
وقال ابن جزي في تفسيره للآية: وما كنت بجانب الغربي. خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمراد به إقامة حجة لإخباره بحال موسى وهو لم يحضره، والغربي المكان الذي في غربي الطور وهو المكان الذي كلم الله فيه موسى، والأمر المقضي إلى موسى هو النبوة، ومن الشاهدين. معناها من الحاضرين هناك. انتهى.
فسبب ذكر هذا هو إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم، بدليل إخباره بالقصص الماضية التي لا يمكنه الاطلاع على حقائقها إلا عن طريق الوحي، فهي كقوله: وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ. {آل عمران:44} . وقوله تعالى: وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ. {القصص:45} . وقوله تعالى: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ. {القصص:46} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1430(2/2008)
تفسير: فأتبعه شهاب ثاقب
[السُّؤَالُ]
ـ[شهاب ثاقب الذي ذكره الله سبحانه وتعالى على شياطين الجن، هل هو ذلك الشهاب الذي نراه أحيانا في السماء أم هو لا يرى بالعين المجردة؟.
جزاكم الله عنا خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فانه ليس عندنا ما يجزم به في هذا لعدم اطلاعنا على نص من نصوص الوحي في شأنه، وقد ذكر بعض أهل العلم ما يدل على أن المرمي هو الذي نراه الآن في السماء، قال البيضاوي في تفسيره: والشهاب ما يرى كأن كوكبا انقض رجوما للشياطين.اهـ.
وقال الشبيهي في كتابه الفجرالساطع على الصحيح الجامع: والشهاب شعلة من نار ساطعة تظهر للناظر على شكل العمود. اهـ.
وقال الشوكاني في تفسيره: قال كثير من أهل العلم: نحن نرى انقضاض الكواكب فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم يصير نارا إذا أدرك الشيطان، ويجوز أن يقال يرمون بشعلة من نار الهواء فيخيل إلينا أنه نجم يسري. اهـ.
وقال أيضا في تفسير الصافات: فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ أي لحقه وتبعه شهاب ثاقب: نجم مضيء فيحرقه، وربما لا يحرقه فيلقي إلى إخوانه ما خطفه، وليست الشهب التي يرجم بها هي من الكواكب الثوابت بل من غير الثوابت.اهـ.
وفي الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب.اهـ.
قال العيني في شرح البخاري: قوله وأرسلت عليهم الشهب بضم الهاء جمع الشهاب وهو شعلة نار ساطعة كأنها كوكب منقض. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1430(2/2009)
معنى قوله تعالى: وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فهمي لمعنى الآية: وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم. صحيح؟
كنت أضع مبلغا من المال في البنك، وعندما أدركت وأيقنت أن هذا حرام شرعا لما فيه من ربا، قررت سحب مالي، وقد اختلط المال فعليا ببعض الفوائد، ولكن يمكنني فصلها إذا قمت بطلب كشف حساب وحساب قيمتها. ولكن الآية السابقة فهمي لها أنه: إن تبت عن الأمر فما سحبت من البنك ملك لي، فهل هذا صحيح؟
علما بأن 98 % من تلك الأموال بعد سحبها تم صرفها في شراء التزامات زواج أختي وبقى جزء صغير جدا سأسحبه غدا ـ إن شاء الله ـ بنية التوقف عن هذا الفعل، لأنه حرام وسأشترى به كتبا دراسية أحتاجها، فما الفعل الصحيح الذي يجب عمله؟.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك هو التخلص مما بيدك من تلك الفوائد الربوية المحرمة، وذلك شرط لصحة توبتك وصدقها، وليس لك أن تنتفع بشيء منها إلا أن تكون فقيرا محتاجا إليها، قال النووي في المجموع: وله أي حائز المال الحرام أن يتصدق به على نفسه وعياله إن كان فقيراً، وله أن يأخذ قدر حاجته لأنه أيضاً فقير.
فإن لم يكن محتاجا إليها لم يجز له الأخذ منها والانتفاع بها على الراجح، وإنما يتخلص منها بصرفها في مصالح المسلمين.
وأما ما كنت استعملت منها وصرفته على نفسك أو أختك وكنت جاهلا بحرمته، فإنما تجب التوبة منه بالندم عليه، ولا يلزم التصدق بمثله على الراجح، لعموم قوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ {البقرة:275} . قال أبوحفص الدمشقي في اللباب: فَلَهُ مَا سَلَفَ أي: كلُّ ما أكل من الرِّبا، وليس عليه ردُّه، فأمَّا ما لم يقضَ بعد، فلا يجوز له أخذه، وإنما له رأس ماله فقط، كما بيَّنه في قوله تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ.
وأما إن كنت عالما بحرمته فعليك أن تتصدق بمثله، كما بينا في الفتوى رقم: 32762، وإذا كنت غنيا وتصدقت بكل ما أخذته من فوائد ربوية سواء أكنت عالما بالتحريم أو جاهلا به فهو الأولى مراعاة لمن يقول بذلك من أهل العلم واحتياطا للدين وإبراء للذمة.
وأما الآية التي ذكرت فتفسيرها كما قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ هو: فإن تبتم أي من الربا فلكم رؤوس أموالكم تأخذونها لا تظلمون غرماءكم بأخذ الزيادة ولا تظلمون أنتم من قبلهم بالمطل والنقص، فذلك هو معنى الآية لا كما فهمت.
وللمزيد حول ما ذكر انظر الفتاوى التالية أرقامها: 16295، 1220، 25616.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(2/2010)
الفرق بين أيام معدودة وأيام معدودات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين أيام معدودة ومعدودات الموجودة فى سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الرازي في تفسيره عند قوله تعالى في البقرة: إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً. {البقرة:80} .
قال: ذكر ههنا: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة. وفي آل عمران: إلا أياما معدودات. ولقائل أن يقول: لم كانت الأولى معدودة والثانية معدودات والموصوف في المكانين موصوف واحد وهو أياما؟
والجواب: أن الاسم إن كان مذكرا فالأصل في صفة جمعه التاء. يقال: كوز وكيزان مكسورة، وثياب مقطوعة. وإن كان مؤنثا كان الأصل في صفة جمعه الألف والتاء، يقال: جرة وجرار مكسورات، وخابية وخوابي مكسورات. إلا أنه قد يوجد الجمع بالألف والتاء فيما واحده مذكر في بعض الصور نادرا نحو حمام وحمامات وجمل سبطر وسبطرات وعلى هذا ورد قوله تعالى: فى أيام معدودات. وفى أيام معلومات؟ فالله تعالى تكلم في سورة البقرة بما هو الأصل وهو قوله: أياما معدودة. وفي آل عمران بما هو الفرع. اهـ
وقال السيوطي في الاتقان: قوله تعالى: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة. وفي آل عمران معدودات. قال ابن جماعة: لأن قائل ذلك فرقتان من اليهود إحداهما قالت إنما نعذب بالنار سبعة أيام عدد أيام الدنيا، والأخرى قالت: إنما نعذب أربعين عدة أيام عبادة آبائهم العجل. فآية البقرة تحتمل قصد الفرقة الثانية حيث عبر بجمع الكثرة، وآل عمران بالفرقة الأولى حيث أتى بجمع القلة. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(2/2011)
الفرق بين أيام معدودة وأيام معدودات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين أيام معدودة ومعدودات الموجودة فى سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الرازي في تفسيره عند قوله تعالى في البقرة: إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً. {البقرة:80} .
قال: ذكر ههنا: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة. وفي آل عمران: إلا أياما معدودات. ولقائل أن يقول: لم كانت الأولى معدودة والثانية معدودات والموصوف في المكانين موصوف واحد وهو أياما؟
والجواب: أن الاسم إن كان مذكرا فالأصل في صفة جمعه التاء. يقال: كوز وكيزان مكسورة، وثياب مقطوعة. وإن كان مؤنثا كان الأصل في صفة جمعه الألف والتاء، يقال: جرة وجرار مكسورات، وخابية وخوابي مكسورات. إلا أنه قد يوجد الجمع بالألف والتاء فيما واحده مذكر في بعض الصور نادرا نحو حمام وحمامات وجمل سبطر وسبطرات وعلى هذا ورد قوله تعالى: فى أيام معدودات. وفى أيام معلومات؟ فالله تعالى تكلم في سورة البقرة بما هو الأصل وهو قوله: أياما معدودة. وفي آل عمران بما هو الفرع. اهـ
وقال السيوطي في الاتقان: قوله تعالى: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة. وفي آل عمران معدودات. قال ابن جماعة: لأن قائل ذلك فرقتان من اليهود إحداهما قالت إنما نعذب بالنار سبعة أيام عدد أيام الدنيا، والأخرى قالت: إنما نعذب أربعين عدة أيام عبادة آبائهم العجل. فآية البقرة تحتمل قصد الفرقة الثانية حيث عبر بجمع الكثرة، وآل عمران بالفرقة الأولى حيث أتى بجمع القلة. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(2/2012)
بيان خطإ القول بأن الله تعالى لقن العصاة الحجة بقوله: ما غرك بربك الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن تفسير: يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. أن الله لقن العصاة الحجة، بمعنى أن لو كان من يزنى يشل الله أركانه، ومن يكذب يقطع الله لسانه وهكذا، لما جرأ أحد أن يزنى او يكذب، وكان الكل سيخاف الله ويحذر ارتكاب المعاصي، ولكن غرنا بربنا أنه كريم، فلذلك نرتكب المعاصي بكثرة إلا من رحم ربى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الشوكاني في تفسيره عند قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. {الإنفطار:6} .
قال: هذا خطاب الكفار: أي ما الذي غرك وخدعك حتى كفرت بربك الكريم الذي تفضل عليك في الدنيا بإكمال خلقك وحواسك وجعلك عاقلا فاهما ورزقك وأنعم عليك بنعمه التي لا تقدر على جحد شيء منها. قال قتادة: غره شيطانه المسلط عليه. وقال الحسن: غره شيطانه الخبيث وقيل حمقه وجهله وقيل غره عفو الله إذا لم يعاجله بالعقوبة أول مرة كذا قال مقاتل. اهـ
وأما الكلام المذكور في السؤال فقد ذكر ابن كثير في التفسير أنه قال البغوي: وقال بعض أهل الإشارة: إنما قال: بربك الكريم. دون سائر أسمائه وصفاته، كأنه لقنه الإجابة.
ثم قال ابن كثير في الرد على هذا: وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس بطائل؛ لأنه إنما أتى باسمه: الكريم لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة، وأعمال السوء. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(2/2013)
إيضاحات حول قوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات.
[السُّؤَالُ]
ـ[واذكروا الله في أيام معدودات: سورة البقرة.
هل الأمر وجوب أم استحباب؟ وما هو الذكر الواجب أو المفروض الذي تبرأ به الذمة: لبيك اللهم ... أم سبحان الله ... أم ماذا؟ ومتى يجب البدء في الذكر ومتى يجب الانتهاء إذا كان فرضا وليس مستحبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن عرفة المالكي أن الأمر في الآية إما خاص بالحاج أو عام، لأن سائر الناس يكبرون في تلك الأيام غير أن الحجاج يكبرون في كل النهار، وغيرهم يكبرون دبر كل صلاة فقط، ثم ذكر أن الذكر إن أريد به مطلق الذكر فهو للوجوب، وإن أريد به الذكر الخاص في الوقت الخاص فهو للندب، وراجع الفتاوى التالية أرقامها للاطلاع على المراد بالذكر وعلى وقته: 7335، 6594، 18435، 104148، 102140.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(2/2014)
تفسير قوله تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم.
[السُّؤَالُ]
ـ[ولا تنسوا الفضل بينكم: سورة البقرة، ما معنى ذلك؟ من فضلك اشرحه لنا، وما علاقتها بالذي قبلها والذي بعدها؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الجملة عطف على الجملة الواقعة قبلها وهي قوله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {البقرة: 237} . كذا قال الألوسي. ومعناها الحض على استعمال الفضل وعدم إهماله، كذا قال ابن كثير. فهذه الجملة جاءت بعد الحض على العفو وبيان أهميته، فقد حض في الجملة السابقة على أن يعفو كل من الطرفين عن حقه، وحض في هذه الجملة على عدم إهمال التفضل، ثم ذكر بما يجعل العبد يستشعر مراقبة الله تعالى فقال: إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1430(2/2015)
توضيحان حول قوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن.
[السُّؤَالُ]
ـ[آية: والوالدات يرضعن..... سورة البقرة. وعلى الوارث مثل ذلك. ما الذي أضافت هذه الفقرة للآية؟ ولماذا أضاف الوارث هنا ولم يضعها في آيات المواريث؟ ممكن شرح للمعنى وسبب ذكرها هنا وتوضيح تفصيلي لذلك؟
وهل الأمر بحولين استحباب أم وجوب؟ وهل فيه إثم لو قلت المدة أو زادت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا وجه لاستشكال عدم ذكر هذه الفقرة في آية المواريث، لأن الكلام هنا ليس في بيان إرث الوارثين، وإنما هو في بيان من تلزمه نفقة الأم في حال رضاعها للولد.
وأما تمام الحولين فليس واجبا، بل يجوز عند تشاور الأبوين أن يتفقا على تقليص المدة كما قال تعالى: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا. {البقرة: 233} . فالمراد بالفصال فصل الولد عن الرضاع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1430(2/2016)
تفسير قوله تعالى: رفيع الدرجات.
[السُّؤَالُ]
ـ[قول الله تعالى في سورة غافر: رفيع الدرجات.
من المقصود؟ هل الله عز وجل؟ وما هى الدرجات؟
هل من الممكن شرح المعنى؟ ولماذا لم يقل أرفع درجة؟ لأنه لو كان المقصود الله سبحانه وتعالى، لماذا لا تكون أرفع درجة؟ لأنه ليس محل مقارنة مع غيره، أرجو شرح تفصيليا، وهل يمكن دعاء الله عز وجل يا رفيع الدرجات إذا كان هو المقصود أو التوسل إليه بذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قوله تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ {غافر: 15} . وصف لله تعالى بالرفع وكلمة رفيع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو: ضمير اسم الجلالة في قوله تعالى: فَادْعُوا اللَّهَ. كذا قال ابن عاشور في تفسيره.
ويحتمل في معنى الآية كما قال ابن جزي والقرطبي: أن يكون المراد وصف الله بالعلو فيكون المعنى مرتفع الدرجات أو أن يراد وصفه بكونه رافع درجات عباده في الآخرة.
ولا إشكال على كل في هذا، ففعيل هنا بمعنى فاعل، وقد جاءت بصيغة المبالغة، وقد ذكر القرطبي في التفسير أنها تفيد معنى أنه لا أرفع منه قدرا.
وصيغ المبالغة كثر وصف الله تعالى بها في القرآن دون أن يؤتى فيها بصيغة التفضيل، فقد وصف بالقدير والرحيم والغفور والعزيز والعلي.
وأما دعاء الله بهذه الصفة فهو جائز إذ عدها أهل العلم من أسماء الله وصفاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1430(2/2017)
ما المقصود بالآيات في قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الأعراف: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا، ما هي آياتنا؟ هل هو اسم الله الأعظم؟ أم أسماء الله الحسنى؟ أم شرع الله؟ أم تفسيرها متعدد؟ هل من الممكن شرح واف لاحتملات هذه الكلمة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الشوكاني أن المراد بالآية بلعم بن باعوراء وكان قد حفظ بعض الكتب المنزلة، وقيل إن المراد أمية بن الصلت وكان قد قرأ الكتب، وعلم أن الله مرسل رسولا وكان يتوقع أن يكون هو ذلك الرسول، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به.
وراجع تفسير البغوي فقد ذكر المزيد من البحث في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1430(2/2018)
معنى قوله تعالى: نؤتها أجرها مرتين
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الأحزاب خاطب الله عز وجل نساء النبي قائلا...... نؤتها أجرها مرتين. بينما الرسول صلى الله عليه وسلم قال الحسنة بعشر أمثالها. هل معنى ذلك أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سوف يأخذن أجرهن عشرين مرة أم أنهن مثل سائر أمة الرسول صلى الله عليه وسلم. أي هل فضلن في الأجر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال البغوي في تفسيره: نؤتها أجرها مرتين أي مثلي أجر غيرها. قال مقاتل: مكان كل حسنة عشرين حسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1430(2/2019)
حول قوله تعالى: واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية: واختار موسى قومه سبعين رجلا.
هل كان كل قوم موسى عليه السلام سبعين رجلا فقط؟ أم أنه اختار منهم سبعين فقط؟ وكيف اختارهم؟ وهل كلهم صاموا أربعين يوما مثل ما أمر الله به موسى أن يصوم أربعين يوما حتى يعطيه التوراة يوم عيد الأضحى؟ هل ذكر في أي أحاديث أو كتب التفسير لماذا سبعون بالذات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن موسى عليه السلام اختار من قومه سبعين رجلاً كما قال ابن عباس.
وأما عدد قومه فقد كانوا أكثر من ذلك بكثير، وذكر المفسرون أنهم كانوا اثني عشر سبطا واختار من كل سبط ستة ثم رد اثنين لئلا يزيد العدد على سبعين.
وأما الآية فقد حذفت منها كلمة من كما قال مكي في مشكل إعراب القرآن والقرطبي في تفسيره.
ثم إن اختيار السبعين لميقات الله ليس له علاقة بموعد موسى الذي كلمه الله فيه وأعطاه التوراة، فقد ذكر المفسرون أن هؤلاء السبعين اختارهم موسى ليعتذروا عن قومهم الذين عبدوا العجل.
ويدل لهذا أن الله ذكر في سورة الأعراف مواعدته لموسى وإعطاءه التوراة في قوله تعالى: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ. {الأعراف:142-145} .
ثم ذكر بعد ذلك عبادتهم العجل في قوله: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. {الأعراف:149} .
ثم ذكر رجوع موسى وعتبه على أخيه عليهما السلام في قوله: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. {الأعراف:150، 151}
ثم ذكر توعد الله لعبدة العجل وفتح باب التوبة في قوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ. والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم. {الأعراف:152} . ثم اختار السبعين بعد ذلك في قوله تعالى: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ. {الأعراف:155} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1430(2/2020)
المقصود بالطامة الكبرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالطامة الكبرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالطامة الكبرى: يوم القيامة أو النفخة الثانية كما قال القرطبي، وذكر أنها سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء فتعم ما سواها لعظم هولها، كما يقال طم الماء إذا ملأ النهر كله، ونقل عن المبرد أن الطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1430(2/2021)
تستعمل (كان) في القرآن الكريم أحيانا بمعنى (لم يزل)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة النساء تكرر لفظ ـ كان ـ في نهاية معظم الآيات، فما معناها؟ هل إنه تعالي يقصد بها المعني الحقيقي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن (كان) تستعمل أحيانا بمعنى لم يزل، ومن هذا ما في بعض آيات النساء، وفي هذا المعنى يقول المختار بن بونة في منظومته في النحو:
وكان ضاهى لم يزل كثيرا كالله كان عالما بصيرا.
وقال صاحب شرح البلاغة: قد ورد في القرآن كان بمعنى مازال في قوله: وكان الله عليما حكيما، ونحو ذلك من الآي، معنى ذلك لم يزل الله عليما حكيما.اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1430(2/2022)
علاقة آية: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج.... بما قبلها وما بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي علاقة الآية: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ. (96) .من سورة الأنبياء بما قبلها وما بعدها من الآيات؟
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية غائية لما قبلها، وما بعدها معطوف عليها.
وقد اختلف المسفرون في معنى الآية السابقة، ففسرها بعضهم بأنه يمتنع رجوع المهلكين إلى الحياة قبل قيام الساعة، وذكر هنا بعض أشراط الساعة وهو خروج يأجوج ومأجوج، وذكر البعث في الآية الموالية في قوله: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ.
وقيل إن المراد بالرجوع التوبة، وهؤلاء المهلكون يحاولون التوبة عند قيام الساعة ولكنه لا تنفعهم التوبة حينئذ.
وراجع للبسط فيما ذكرنا تفسير الشوكاني، وتفسير الألوسي، وأبي السعود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1430(2/2023)
تفسير: أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذه الآية الموجودة في سورة مريم: قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا. إلى الآية رقم 23؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية جواب من مريم لجبريل لما أخبرها بأن الله سيهبها غلاما زكيا، فقالت: أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا.
والمعنى من أي وجه يأتيني الولد وأنا لم أتزوج فيباشرني زوج بطريقة مشروعة فيحصل الحمل، ولم أك بغيا أي زانية فيحصل الحمل من الزنى.
وراجع كتب التفسير للاطلاع على المزيد من البسط في الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1430(2/2024)
لا تعارض بين قوله تعالى: (مادامت السماوات والأرض) وقوله: (يوم نطوي السماء)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول ربي سبحانه وتعالى: خالدين فيها مادامت السماوات والأرض. وفي آية أخرى: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب.
السؤال هو: في الآية الأولى دليل على دوام السماوات والأرض، وفي الآية الأخرى تطوى السماوات والأرض يومئذ قبضته عز وجل فكيف هذا؟ وإذا كانت الآية الأولى المقصود بها في القبر فكيف خالدين فيها؟
مشكورين مأجورين بإذن من الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في الآية الأولى دليل على دوام السموات والأرض المعهودين الآن في الحياة الدنيا.
قال ابن كثير: قال الإمام أبو جعفر بن جرير: من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوامَ السموات والأرض. وكذلك يقولون: هو باق ما اختلف الليلُ والنهار. يعنون بذلك كلمة: أبدا، فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفونه بينهم، فقال: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ.
قلت: ويحتمل أن المراد بما دامت السموات والأرض: الجنس؛ لأنه لا بدّ في عالم الآخرة من سماوات وأرض، كما قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ. {إبراهيم:48} . ولهذا قال الحسن البصري في قوله: مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ. قال: تبدل سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه الأرض، فما دامت تلك السماء وتلك الأرض.
وقال ابن عباس في هذه الآية: لكل جنة سماء وأرض.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما دامت الأرض أرضا، والسماء سماء. اهـ.
وأما قوله تعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ. فقد سبق تفسيره في الفتوى رقم: 35709.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1430(2/2025)
هل يفر المرء من أهله يوم القيامة لتحدثه عنهم بالسوء
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه.
فسرت إحدى الداعيات هذه الآية أن المرء يفر من أهله لأنه كان يتحدث عنهم بالسوء في الدنيا.
فهل هذا صحيح؟ مع العلم أني وجدت في تفسير ابن كثير أن المرء يفر من أهله لهول هذا اليوم وليس كما قالت.
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم أحدا يقول بكون ما ذكر هو سبب فرار الشخص من أهله، وما يؤيد عدم صحته أن الغالب في العقلاء أنه لا يتحدث أحد منهم بالسوء عن أبويه وأهله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1430(2/2026)
آدم وحواء كانا مستورين قبل الأكل من الشجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[قالت مدرستي إن الانسان كان عاريا ثم اكتشف النار و......الخ (نظرية الغرب) فعقبت أن آدم عليه السلام خلق مستورا، طلبت مني أن أقوم ببحث كي أقنعها وأصحح نظريتها. فأعينوني بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ظاهر آية الأعراف أن آدم وحواء كانا مستورين، فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوءاتهما، فقد قال تعالى: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ {الأعراف:22} . وقال في الآية الأخرى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى {طه:118} .
وطالعي كتب التفسير للاطلاع على كلام المفسرين على الآيتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1430(2/2027)
تفسير قوله تعالى (..طباقا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الملك الآية 3 هل يجوز لغويا تفسير كلمة طباقا على أنها متطابقة أي متشابهة بدلا من طبقات فوق بعض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الراغب والأزهري في حديثهما عن هذه المادة معنى التشابه فيها فقال الأزهري: يقال طابقت بين شيئين إذا جعلتهما على حذو واحد ... انتهى.
وقال الراغب: والطبق الجماعة من الناس يعدلون مثلهم ... وقيل الناس طبقات وطابقته على كذا وتطابقوا وأطبقوا عليه. ومنه جواب يطابق السؤال والمطابقة في المشي كمشي المقيد. انتهى.
وقال صاحب اللسان: وطبق كل شيء ما ساواه والجمع أطباق....وقال طابقه مطابقة وطباقا وتطابق الشيئان تساويا والمطابقة الموافقة ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1430(2/2028)
تفسير قوله تعالى (..فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[اشرحوا لي معنى هذه الآية بالتفصيل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} مع التوضيح بالأمثلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان قول الله تعالى: يا أيها النبي:أراد الله به النداء للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته بدليل ما بعده.
إذا طلقتم النساء: أي إذا أردتم طلاقهن.
فطلقوهن لعدتهن:أي في وقت يستقبلن فيه عدتهن أي في طهر لم يجامعها فيه.
وأحصوا العدة: أي احفظوا مدتها حتى يمكنكم المراجعة فيها، فيتعين أن تعرف اليوم الذي طلقت فيه، وتبدأ في العد، لتنظر هل انتهت العدة أم لم تنته؟ وعلى المرأة أن تحسب جيدا الوقت الذي طلقت فيه، وعلى الزوج كذلك أن يحسب الوقت الذي طلقت فيه امرأته؛ وذلك لأنها تحل للنكاح من بعد هذا الوقت، والنفقة تنقطع بعد هذا الوقت.
واتقوا الله ربكم:أي أطيعوه في أمره ونهيه.
لا تخرجوهن من بيوتهن: أي لا تخرجوا المطلقة من بيت زوجها الذي طلقها حتى تنقضي عدتها.
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة: أي إلا أن يؤذين بالبذاء في القول وسوء الخلق، أو يرتكبن فاحشة من زنا بينة ظاهرة لا شك فيها، مثلا: امرأة لسانها بذيء وطويل، تظل تلعن كل من في البيت: تلعن الزوج، تلعن والد الزوج، تلعن أم الزوج، فيشرع إخراجها، وكذا إذا زنت المرأة وهي تعتد في بيت الزوج، فللزوج أن يخرجها.
وأما قول الله سبحانه: وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا {الطلاق:1} فمعناه: أن الذي يتعدى حدود الله ويخرج الزوجة المطلقة، أو الزوجة هي الأخرى إذا تعدت حدود الله وخرجت، فقد ظلمت نفسها وأثمت، وأثم زوجها كذلك إن أقرها أو وافقها على الخروج.
وقد شرع الله الطلاق في الطهر الذي لم يمسها فيه زوجها؛ لأنها إذا كانت حائضا لم تعتد بأيام حيضها من عدتها، بل تزيد على ثلاثة أقراء، فتطول العدة عليها حتى تصير كأنها أربعة أقراء، وهي في الحيض الذي طلقت فيه في صورة المعلقة التي لا هي معتدة، ولا ذات بعل، والعقول تستقبح الإضرار، ففي طلاقة إياها في الحيض سوء نظر للمرأة، ويطلب من الزوج ارتجاعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلق إن شاء أو يمسك.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله وسلم صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليرجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء. رواه البخاري.
وإذا حصل الطلاق في الطهر الذي جامعها فيه، فإنها تبقى أياما لا تعرف ماهية عدتها إذ لا تدري هل هي حامل فتعتد بالوضع أو حائل فتعتد بالإقراء.
فإذا طلقت وهي طاهر غير مجامعة أمن هذان الأمران، لأنها تعتد عقيب طلاقه إياها، على أمان من اشتمالها على ولد منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(2/2029)
تفسير كلمة (إرم)
[السُّؤَالُ]
ـ[أين كان قوم عاد، وهل حقا هم من بنى الأهرامات، وهل إرم هي مدينة أم اسم شخص أم كما قرأت أنها هرم؟ ولكنها في الماضي كانت تنطق إرم وللتسهيل على اللسان نطقت حديثا هرم على العلم. إنى قرأت بحثا كاملا في هذا الموضوع أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوم عاد كانوا يسكنون الأحقاف، وهي تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية قرب حضرموت. ويبعد أن يكونوا هم الذين بنوا الأهرامات؛ لما قد سبق بيانه بالتفصيل في الفتوى رقم: 117703.
وأما (إرم) فاختلف المفسرون فيها على أقوال: جاء في زاد المسير: وفي إرم أربعة أقوال:
أحدها: أنه اسم بلدة. قال الفراء: ولم يجرّ (إرم) لأنها اسم بلدة ثم فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها دمشق. قاله سعيد بن المسيب وعكرمة وخالد الربعي. والثاني: الإسكندرية. قاله محمد بن كعب. والثالث: أنها مدينة صنعها شداد بن عاد. وهذا قول كعب ...
والقول الثاني: أنه اسم أمة من الأمم، ومعناه: القديمة. قاله مجاهد.
والثالث: أنه قبيلة من قوم عاد. قاله قتادة ومقاتل. قال الزجاج: وإنما لم تنصرف (إرم) لأنها جعلت اسما للقبيلة ففتحت وهي في موضع خفض.
والرابع: أنه اسم لجد عاد؛ لأنه عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. قاله ابن إسحاق. قال الفراء: فإن كان اسما لرجل على هذا القول فإنما ترك إجراؤه لأنه كالعجمي. قال أبو عبيدة: هما عادان فالأولى هي إرم، وهي التي قال الله تعالى {وأنه أهلك عادا الأولى} [النجم: 50] وهل قوم هود عاد الأولى أم لا فيه قولان." ا. هـ
ورجح الحافظ ابن كثير أنهم عاد الأولى، فقال عند تفسيره لقوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد} "وهؤلاء عاد الأولى وهم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. قاله ابن إسحاق. وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا عليه السلام ...
فقوله تعالى: {إرم ذات العماد} عطف بيان زيادة تعريف بهم. ومن زعم أن المراد بقوله: {إرم ذات العماد} مدينة إما دمشق كما روي عن سعيد بن المسيب وعكرمة أو إسكندرية كما روي عن القرظي أو غيرهما ففيه نظر؛ فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا {ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد} إن جعل ذلك بدلا أو عطف بيان فإنه لا يتسق الكلام حينئذ، ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يرد، لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم.
وقال في موضع آخر من تفسيره: ومن زعم أن إرم مدينة، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب، وليس لذلك أصل أصيل، ولهذا قال {التي لم يخلق مثلها في البلاد} أي: لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال: التي لم يبن مثلها في البلاد. ا. هـ
فعلى ذلك (إرم) اسم لجد قبيلة عاد صاحبة القصة المشهورة، وسميت بذلك نسبة إليه؛ لأنهم من نسله
أما القول بأن إرم أصل كلمة هرم، فلا نعلم أحدا قال به من أهل التفسير أو من أهل اللغة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(2/2030)
معنى: قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً أحب أن أوجه الشكر للقائمين على الموقع. السؤال في سورة الكهف قصة ذو القرنين قال تعالى: قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكرا. أليس معنى الآية الكريمة أن العبد سوف يعذب في الدنيا والآخرة والله لا يعذب عبدا على ذنب مرتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا إشكال في الآية، فإن هذا الكلام مقطع من كلام ذي القرنين فهو قد توعد بالقتل من ظلم بالإصرار على الكفر، ثم يرد هذا المصر على الكفر إلى ربه فيعذبه في الآخرة، ومن المعلوم أن الكافر إذا قتل لا يعصمه القتل من عذاب الاخرة. فقد قال تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ. {المائدة:72} . وقال تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. {الزخرف:74} .
وأما المسلم فإذا فعل ذنبا يستوجب عقابا شرعيا، فإذا عوقب ذلك العقاب في الدنيا كان ذلك كفارة له ولم يعاقب في الآخرة على الراجح. لحديث الصحيحين: ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له. وراجع الفتوى رقم: 111207.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(2/2031)
تفسير قوله تعالى (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) الرجاء تفسير الآية: وهل الوعيد الوارد فيها قد يحدث لبعض المسلمين وخصوصاً الضرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى لو ترى: أي لو تبصر.. وجواب لو محذوف، والتقدير: لو رأيت حال هؤلاء لرأيت عجباً، ومعنى يتوفى: أي يقبض أرواحهم. ويضربون وجوههم وأدبارهم يعني: أنهم يضربونهم من أمامهم ومن خلفهم ... وأما قوله:وذوقوا عذاب الحريق: فهاهنا حذف.. والمعنى أنهم يضربونهم ويقولون لهم ذوقوا العذاب المحرق.. والمراد بهذه الآية الكفار، وقد نزلت في الكفار من أهل بدر، وذكر القرطبي أن أبا جهل رئي بظهره أثر الضرب، وأما المسلمون فليسوا داخلين في عموم الذين كفروا، ولا يشملهم الوعيد المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(2/2032)
تفسير: وحرم ذلك على المؤمنين.
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين: سورة النور آية 3..
السؤال الأول: هل إذا تقدم لخطبتى شاب، وقال إنه كان يفعل هذه الكبيرة ثم تاب، فهل لا يجوز لى الارتباط به؟
السؤال الثاني: هل على الزوجة التى علمت بأن زوجها يفعل هذه الكبيرة أن تعتزله ولا تتخذه زوجاً؟
السؤال الثالث: ما المقصود بـ (وحرم ذلك على المؤمنين) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حرص المرأة على تمسك من خطبها بالدين والأخلاق وعدم مقارفته للكبائر أمر مهم جدا، ولكن من كان ظاهره الاستقامة لا ينبغي أن يُسأل عن سوابقه ويتعين عليه هو أن يستر نفسه ولا يخبر بسوابقه، وإذا أخطأ فأخبر بذلك وتؤكد من توبته، فيجوز الزواج به لأن التوبة الصادقة تهدم ما قبلها. والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وإذا علمت الزوجة أن زوجها يقارف الفواحش فالواجب عليها نصحه وترهيبه من الكبائر، ولتكثر الدعاء له، ولتحرص على هدايته، فإن استجاب فذاك، وإلا فيشرع لها طلب الطلاق أو الخلع، ولكن لا يجب على الزوج الاستجابة لها، ولا يحرم عليها البقاء به بسبب فعلته.
وأما قوله تعالى: وحرم ذلك على المؤمنين. فقيل حرم الزنى على المؤمنين، وقيل حرم نكاح المشركة الزانية كما يدل حديث مرثد مع عناق، أو يراد تحريم البغايا المجاهرات. وراجعي تفسير القرطبي للمزيد في تفسير الآية
وطالعي للاطلاع على البسط في الموضوع على الفتاوى التالية أرقامها: 21908، 51937، 94600، 74992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1430(2/2033)
تفسير: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. هل تنطبق على الوسوسة في شتم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرض المذكور في الآية هو مرض النفاق والشك، كما نص عليه جمع من المفسرين، وحمله بعضهم على الألم الذي يجده المنافق من الخوف. وراجع تفسير ابن جزي وابن الجوزي والشوكاني، وراجع في حكم الموسوس الذي يتفوه بما ذكر في السؤال مما هو أشنع من أن يتلفظ به عاقل، وفي علاجه الفتاوى التالية أرقامها: 117168، 51601، 48325.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1430(2/2034)
هل القمر في السماء الدنيا أم بين السماء والأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الآية: وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا. السؤال: هل يوجد القمر بين السماوات في أي سماء هو؟ وهل هو القمر نفسه الذي نراه في السماء فكيف وجوده بين السماوات الطباق؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ذكر بعض الفلكيين أن القمر في السماء الدنيا، ولكن أهل العلم يرون أن القمر ليس في السماء نفسها، بل هو في فلك بين السماء والأرض.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وأما قوله: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا؛ فيمكن فيها التأويل أيضا بأن يقال: المراد لقوله: فيهن: في جهتهن، وجهة السماوات العلو، ... اهـ
وقال أيضا:
والآيات التي يظنها بعض الناس دالة على أن القمر في السماء نفسها ليس فيها التصريح بأنه مرصع في السماء نفسها التي هي السقف المحفوظ، نعم ظاهر اللفظ أن القمر في السماء نفسها، ولكن إن ثبت وصول السفن الفضائية إليه ونزولها على سطحه فإن ذلك دليل على أن القمر ليس في السماء الدنيا التي هي السقف المحفوظ وإنما هو في فلك بين السماء والأرض كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. {الأنبياء: 33} . وقال تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. {يس:40} . قال ابن عباس رضي الله عنهما: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة، وذكر الثعلبي والماوردي عن الحسن البصري أنه قال: الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملصقة به، ولو كانت ملصقة به ما جرت. ذكره عنهما القرطبي في تفسير سورة يس.
والقول بأن الشمس والقمر في فلك بين السماء والأرض لا ينافي ما ذكر الله من كونهما في السماء، فإن السماء يطلق تارة على كل ما علا قال ابن قتيبة: كل ما علاك فهو سماء، فيكون معنى كونهما في السماء أي في العلو أو على تقدير مضاف أي في جهة السماء.
وقد جاءت كلمة السماء في القرآن مرادا بها العلو كما في قوله تعالى: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ. {ق: 9} . يعني المطر، والمطر ينزل من السحاب المسخر بين السماء والأرض..... اهـ
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أنهم سئلوا:
هل القمر بين السماوات أو تحت السماء الدنيا؟ وإذا كان بينهما، فكيف يتأتى الصعود على وجه القمر مع الدليل؟
فأجابوا: أنه يحتمل أن يكون القمر بين السماوات، وأن يكون تحت السماء الدنيا لعدم وجود دليل يعين أحد الاحتمالين، وليس في قوله تعالى: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا. دليل يعين كونه بينهن؛ لاحتمال أن يكون الجار والمجرور فيهن متعلقا بكلمة نورا، والمعنى: وجعل القمر نورا فيهن، فيكون نوره فيهن كما أنه في الأرض، ولا يلزم من ذلك كونه بينهن، وإذا لم يتعين كونه بينهن أمكن أن يصعد إليه بالمصاعد الحديثة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(2/2035)
تفسير قوله تعالى (وعلم أن فيكم ضعفا)
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء التكرم بالافادة عن كلمة: وعلم. وذلك فى سورة الانفال آية 66؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلم هنا في الآية معناه المعرفة، وعلم الله تعالى يتعلق بالأشياء قبل وجودها وبعد وجودها، فهو سبحانه علم كل شيء قبل خلق الخلق.
قال ابن العربي في تفسيره:
وأما قوله: وعلم أن فيكم ضعفا. فمعنى تعلق العلم بالآن، وإن كان الباري لم يزل عالما ليس لعلمه أول، ولكن وجهه: أن الباري يعلم الشيء قبل أن يكون، وهو عالم الغيب، وهو به عالم، إذا كان بذلك العلم الأول فإنه عالم الشهادة، وبعد الشيء، فيكون به عالما بذلك العلم بعد عدمه، ويتعلق علمه الواحد الذي لا أول له بالمعلومات على اختلافها وتغير أحوالها، وعلمه لا يختلف ولا يتغير. وقد ضربنا لذلك مثالا يستروح إليه الناظر؛ وهو أن الواحد منا يعلم اليوم أن الشمس تطلع غدا، ثم يراها طالعة، ثم يراها غاربة، ولكل واحدة من هذه الأحوال علم مجدد لما يتعلق بهذه الأحوال الثلاثة، ولو قدرنا بقاء العلم الأول لكان واحدا يتعلق بها، وعلم الباري واجب الأولية، واجب البقاء، يستحيل عليه التغير؛ فانتظمت المسألة، وتمكنت بها والحمد لله المعرفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(2/2036)
تفسير: ما عندكم ينفد وما عند الله باق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الآية (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله رغب فيما عنده من الثواب العظيم والأجر الجزيل، وبين خيريته في الآية التي تقع قبل هذه الآية المذكورة في السؤال فقال تعالى: وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {النحل:95}
ثم أخبر في هذه الآية أن ما عند الناس مهما كثر فإنه سينفد أي يفنى وينتهي لا محالة، وما عند الله تعالى لا يفنى ولا يزول، فليؤثر العاقل ما يبقى على ما يفنى فقد قال تعالى: لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَد ِمَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللهِ وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ {آل عمران:196- 198}
وقال تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى {الأعلى:16، 17}
وراجع تفسير ابن كثير وتفسير السعدي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(2/2037)
تفسير قوله تعالى (أفمن أسس بنيانه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية الكريمة: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية من جملة الآيات التي تتحدث عن مسجد الضرار وهي قوله تعالى: لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ* أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. {التوبة:108-109-110} .
وقد ذكر ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل مجمل معناها فقال:
(لا تقم فيه أبداً) نهي عن إتيانه والصلاة فيه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمر بطريقه (لمسجد أسس على التقوى) قيل: هو مسجد قباء، وقيل: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وقد روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) كانوا يستنجون بالماء ونزلت في الأنصار على قول من قال: إن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد المدينة. ونزلت في بني عمرو بن عوف خاصة على قول من قال: إن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار) الآية: استفهام بمعنى التقرير، والذي أسس على التقوى والرضوان: مسجد المدينة أو مسجد قباء، والذي أسس على شفا جرف هار: هو مسجد الضرار، وتأسيس البناء على التقوى والرضوان: هو بحسن النية فيه، وقصد وجه الله، وإظهار شرعه، والتأسيس على شفا جرف هار: هو بفساد النية، وقصد الرياء والتفريق بين المؤمنين، فذلك على وجه الاستعارة والتشبيه البديع، ومعنى شفا جرف: طرفه، ومعنى هار: ساقط أو واهي، بحيث أشفى على السقوط، وأصل هار: هائر، فهو من المقلوب لأن لامه جعلت في موضع العين (فانهار به في نار جهنم) أي طاح في جهنم، وهذا ترشيح للمجاز، فإنه لما شبه بالجرف وصف بالانهيار، الذي هو من شأن الجرف، وقيل: إن ذلك حقيقة، وإنه سقط في نار جهنم وخرج الدخان من موضعه، والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بهدمه فهدم (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم) أي: لا يزال في قلوب أهل مسجد الضرار ريبة من بنيانه: أي شك في الإسلام بسبب بنيانه، لاعتقادهم صواب فعلهم: أو غيظ بسبب هدمه (إلا أن تقطع قلوبهم) أي: إلا أن يموتوا. انتهى.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 13034.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(2/2038)
خطاب الله للسماء والأرض على الحقيقة أم المجاز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قول الله عز وجل في سورة فصلت: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا. وكذلك قوله في سورة الأعراف: وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى.
من باب الاستعارة والتشبيه والتصوير وأنه ليس على الحقيقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن اللفظ يجب حمله على الحقيقة لأنها الأصل ما لم يترجح المجاز بشهرة أو غيرها.
قال السبكي في الأشباه والنظائر: حمل اللفظ على ما يتبادر إلى الذهن أولى، ومن ثم يحمل على الحقيقة ما لم يترجح المجاز بشهرة أو غيرها.
وقال الزركشي في البحر المحيط: إذا كان الاسم له حقيقة ومجاز وورد الخطاب به فإنه يحمل على الحقيقة.
وحمل الآيتين على ما ذكره في السؤال حكاه بعض المفسرين قولا، فقد ذكره القرطبي والشوكاني وابن عاشور ولكن الحمل على الحقيقة هو الراجح كما قال الشوكاني، وأكد ذلك في آية الأعراف فقال: وهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ولا المصير إلى غيره، لثبوته مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفا على غيره من الصحابة، ولا ملجئ للمصير إلى المجاز، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ... انتهى.
وقال في آية فصلت: قال القرطبي: قال أكثر أهل العلم أن الله سبحانه خلق فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد سبحانه، وقيل: هو تمثيل لظهور الطاعة منهما وتأثير القدرة الربانية فيهما. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(2/2039)
توضيح حول قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[الألوان التى ذكرت فى القرآن فى سورة آل عمران هل معناها لغويا يقلل من اللون الأسود ولمن جاءت الألوان فى اللغة أصلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل يقصد قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. {آل عمران:106} .
والبياض والسواد الذي يحصل يوم للقيامة للمؤمن والفاجر سببه ما يحصل للمؤمنين من الفرح والسرور بما أعطاهم الله تعالى، وما يحصل للفجار من الكفار والمبتدعة من الاكتئاب والهم والحزن حيث بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فمن يفرح في العادة تظهر أمارات السرور والفرح على وجهة كما في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر.
وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجاهلية إذا أتاهم ما لا يسرهم حصوله من ولادة البنات ظهر السواد على وجوهم كما قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. {النحل:58} .
وأخبر تعالى عن وجوه أهل الجنة أنها ناضرة، وأخبر عن وجوه الكفار أنها مسودة، كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ*تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ. {القيامة:،24،23،22} .
وقال تعالى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ. {المطففين:24} .
وقال تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ. {الزمر:60} .
وقال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ*وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ*تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ*أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ. {عبس:41،40،39،38} .
واعلم أن بياض الوجوه وسوادها في الدنيا لا يدل على الفضل أو عدمه، فالفاضل بالإيمان والتقوى ولا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقى كما قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. {الحجرات:13} .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم.
وفي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. رواه البيهقي وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح لغيره.
ثم إن اللون الأبيض الطبيعي يفضل أحيانا على الأسود، فيفضل في اللباس مثلا الأبيض على الأسود مع أن الأسود جائز كما يدل له الحديث: البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم. رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط.
وقد ثبت في النصوص ما يدل على تفضيل اللون الأبيض المعتدل على غيره، ويدل على فضل البياض وصف أهل الجنة بالبياض فيما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة.
ولا شك أن أهل الجنة يدخلونها على أكمل صورة وأتمها وهذا البياض الذي وصف به أهل الجنة يكون للمؤمن ولو كان لونه في الدنيا أسود.
وراجع الفتوى رقم: 63920.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(2/2040)
تفسير قوله تعالى (لا تأخذه سنة ولا نوم)
[السُّؤَالُ]
ـ[في قوله تعالى: لا تأخذه سنة ولا نوم. ألا يكفي قوله سنة كونها مقدمة النوم حيث لا نوم دون سنة.
وبارك الله بجهودكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أحسن ما قيل في هذا الأمر ما جاء في كتاب الكليات لأبى البقاء الكفومي حيث قال المؤلف:
والسنة بالكسر والتخفيف ابتداء النعاس في الرأس فإذا خالط القلب صار نوما، وفي قوله تعالى: لا تأخذه سنة ولا نوم. المنفي أولا إنما هو الخاص وثانيا العام، ويعرف ذلك من قوله {لا تأخذه} أي لا تغلبه، فلا يلزم من عدم أخذ السنة التي هي قليل من نوم أو نعاس عدم أخذ النوم، ولهذا قال {ولا نوم} بتوسط كلمة {لا} تنصيصا على شمول النفي لكل منهما، لكن بقي الكلام في عدم الاكتفاء بنفي أخذ النوم، قال بعضهم: هو من قبيل التدلي من الأعلى إلى الأدنى كقوله تعالى: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون. وقيل هو من قبيل الترقي فالقائل بالتدلي نظر إلى سلب السنة لأنه أبلغ من سلب النوم. ..اهـ
وقال ابن عاشور في تفسيره:
ونفي السنة عن الله تعالى لا يغني عن نفي النوم عنه، لأن من الأحياء من لا تعتريه السنة فإذا نام نام عميقا، ومن الناس من تأخذه السنة في غير وقت النوم غلبة، وقد تمادحت العرب بالقدرة على السهر، قال أبو كبير:
فأتت به حوش الفؤاد مبطنا * سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(2/2041)
تفسير قوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت..)
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعني الآية: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الوصية....الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنص الآية الكريمة هكذا: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ {البقرة:180}
قال ابن كثير: اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، وقد كان ذلك واجبًا - على أصح القولين - قبل نزول آية المواريث، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه، وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله، يأخذها أهلوها حتمًا من غير وصية ولا تحمل منَّة الموصي، ولهذا جاء الحديث في السنن وغيرها عن عَمْرو بن خارجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول: "إن الله قد أعطى كلّ ذي حق حقه، فلا وصية لوارث ". انتهى.
وقال السعدي: أي: فرض الله عليكم، يا معشر المؤمنين {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} أي: أسبابه، كالمرض المشرف على الهلاك، وحضور أسباب المهالك، وكان قد {تَرَكَ خَيْرًا} أي: مالا، وهو المال الكثير عرفا، فعليه أن يوصي لوالديه وأقرب الناس إليه بالمعروف، على قدر حاله من غير سرف، ولا اقتصار على الأبعد، دون الأقرب، بل يرتبهم على القرب والحاجة، ولهذا أتى فيه بأفعل التفضيل.
وقوله: {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} دل على وجوب ذلك، لأن الحق هو: الثابت، وقد جعله الله من موجبات التقوى. واعلم أن جمهور المفسرين يرون أن هذه الآية منسوخة بآية المواريث، وبعضهم يرى أنها في الوالدين والأقربين غير الوارثين، مع أنه لم يدل على التخصيص بذلك دليل، والأحسن في هذا أن يقال: إن هذه الوصية للوالدين والأقربين مجملة، ردها الله تعالى إلى العرف الجاري. ثم إن الله تعالى قدر للوالدين الوارثين وغيرهما من الأقارب الوارثين هذا المعروف في آيات المواريث، بعد أن كان مجملا وبقي الحكم فيمن لم يرثوا من الوالدين الممنوعين من الإرث وغيرهما ممن حجب بشخص أو وصف، فإن الإنسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم أحق الناس ببره، وهذا القول تتفق عليه الأمة، ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين، لأن كلا من القائلين بهما كل منهم لحظ ملحظا واختلف المورد. فبهذا الجمع يحصل الاتفاق والجمع بين الآيات انتهى.
وقد سبق لنا بيان معنى حديث " لا وصية لوارث" في الفتوى رقم: 26630. وبيان الأحكام التي تعتري الوصية بين الندب والوجوب والحرمة، في الفتوى رقم: 29972.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(2/2042)
معنى الخشوع في قوله تعالى (..أن تخشع قلوبهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الخشوع في الآية: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الشيخ الأمين الشنقيطي في الأضواء عند تفسير هذه الآية: وقوله تعالى: أن تخشع قلوبهم: الخشوع أصله في اللغة السكون والطمأنينة والانخفاض، ومنه قول نابغة ذبيان: رماد ككحل العين لأيا أبينه ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع فقوله: خاشع أي منخفض مطمئن. والخشوع في الشرع خشية من الله تداخل القلوب فتظهر آثارها على الجوارح بالانخفاض والسكون كما هو شأن الخائف. انتهى.
وقال ابن جزي في تفسيره: الخشوع حالة في القلب من الخوف والمراقبة والتذلل لعظمة المولى جل جلاله، ثم يظهر أثر ذلك على الجوارح بالسكون والإقبال على الصلاة وعدم الالتفات، والبكاء والتضرع. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1430(2/2043)
تفسير: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى: تسريح باحسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بقوله تعالى: تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. {البقرة:229} . طلاق الرجل زوجته ثم يتركها حتى تنقضي عدتها فتصير بائنا منه من غير ظلم ولا إضرار.
قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. أي إذا طلقتها واحدة أو اثنتين، فأنت مخير فيها ما دامت عدتها باقية بين أن تردها إليك ناويا الإصلاح بها، والإحسان إليها، وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتها فتبين منك وتطلق سراحها محسنا إليها، لا تظلمها من حقها شيئا، ولا تضار بها. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: إذا طلق الرجل امراته تطليقتين، فليتق الله في ذلك، أي في الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1430(2/2044)
قوله تعالى (قل للمؤمنين..) هل هو خطاب للمؤمنين فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني صديقي يقول الله تعالى في كتابه الكريم: قل للؤمنين يغضوا من أبصارهم. فهل غض البصر هذا للمؤمنين فقط؟ أم للمسلمين كلهم؟ أم لعامة الناس أجمعين؟ أرجو إجابة دقيقة لأستطيع الرد عليه بكلام الله ورسوله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ {النور:29} وما في معناه من الأوامر التي تخاطب أهل الإيمان يشمل التكليف بها عموم المسلمين، وإنما خص المؤمنين بالذكر لأنهم هم المنتفعون بهذا على الحقيقة.
وشبيه بهذا قوله سبحانه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ {آل عمران:164}
فالمنة ببعث الرسول ليست على المؤمنين فقط بل هي على عموم الخلق لأنه صلوات الله وسلامه عليه بعث رحمة للعالمين، ولكن لما كان المؤمنون هم أكثر الناس انتفاعا به خصهم بالذكر.
قال القرطبي: وخص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به، فالمنة عليهم أعظم. انتهى.
وكذلك الأمر هنا فإن أعظم الناس انتفاعا بالأمر بغض البصر هم المؤمنون؛ لأنهم القادرون بإذن الله على القيام به كما أمر الله، وفي تخصيص المؤمنين بالخطاب هنا إشارة إلى أنه من لم يحصل الإيمان على وجه الكمال فلن يطيق غض بصره ولن يقدر على ذلك. وقد أومأ الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره إلى هذا المعنى حيث قال في تفسيره لهذه الآية "أي: أرشد المؤمنين، وقل لهم: الذين معهم إيمان، يمنعهم من وقوع ما يخل بالإيمان. انتهى. ولا خلاف في أن كل مسلم مكلف بهذه الآية مخاطب بها.
أما غير المسلمين فهذا ينبني على أصل وهو هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ والصواب أنهم مخاطبون بذلك، ولكن لا تصح أعمالهم إلا بعد تقديم الإيمان، وإنما يظهر ثمرة الأمر في زيادة العذاب عليهم في الآخرة. قال الرازي في تفسيره " {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ} وإنما خصهم بذلك لأن غيرهم لا يلزمه غض البصر عما لا يحل له ويحفظ الفرج عما لا يحل له، لأن هذه الأحكام كالفروع للإسلام والمؤمنون مأمورون بها ابتداء، والكفار مأمورون قبلها بما تصير هذه الأحكام تابعة له، وإن كان حالهم كحال المؤمنين في استحقاق العقاب على تركها، لكن المؤمن يتمكن من هذه الطاعة من دون مقدمة، والكافر لا يتمكن إلا بتقديم مقدمة من قبله، وذلك لا يمنع من لزوم التكاليف له. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1430(2/2045)
الجمع بين آية (..فله ما سلف..) وآية (..فلكم رؤوس أموالكم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في سورة البقرة آيات تتحدث عن آكل الربا، ومن ثم تبين الآية أن الذي تأتيه الموعظة فينتهي فله ما سلف. وجاء في آية أخرى أن الذي يتوب له رأس ماله. فما الفرق بين الآيتين مع التوضيح السهل الميسر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الآية الأولى وهي قوله تعالى: فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ {البقرة:275} ، فتتناول حكم آكل الربا قبل نزول آية تحريمه، وأنه إن انتهى إلى حكم الله وامتثله، فما كان اكتسبه قبل ذلك من الربا لم يلزمه رده وهو حلال له، قال سعيد بن جبير والسدي: فله ما سلف.. فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم. انتهى.. وهذا حكم كل من كسب مالاً من حرام قبل إسلامه، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 109868.
وأما من أراد التوبة من أكل الربا بعد ثبوت التحريم، وقد بقي له شيء من دينه على غريمه، فيلزمه أن لا يأخذ شيئاً فوق رأس ماله، لقوله تعالى: وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:279} ، قال الألوسي: فله ما سلف.. أي ما تقدم أخذه قبل التحريم لا يسترد منه ... وقيل: المراد لا مؤاخذة عليه في الدنيا ولا في الآخرة فيما تقدم له أخذه من الربا قبل. انتهى.
وقال في الآية الثانية: (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ) تأخذونها لا غير (لاَ تَظْلِمُونَ) غرماءكم بأخذ الزيادة (وَلاَ تُظْلَمُونَ) أنتم من قبلهم بالنقص من رأس المال أو به وبنحو المطل. انتهى.. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 53497، والفتوى رقم: 71421.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1430(2/2046)
تفسير البخاري لقوله تعالى (فاعلم أنه لا إله إلا الله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ، بوب البخاري: باب العلم قبل القول والعمل. واستدل بقوله تعالى:فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
السؤال:
من المقرر عند أهل اللغة كما ذكره ابن هشام في المغني والشذور: أن الواو لا تفيد إلا مطلق الجمع، فكيف نوجه الآية على ما ذكره الإمام البخاري رحمه الله، وكيف يصح استدلاله؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواو العطف تأتي لمطلق الجمع كما بينه غير واحد من أهل اللغة في محله، وهذا لا يتنافى مع كونها تعطف اللاحق على السابق، وهو ما لا يخفى على الإمام البخاري، ولعل تفسيره الآية الكريمة راجع إلى أن الذي يبدأ به في أغلب الأحيان- هو الأهم ثم بما هو دونه.
ولهذا نقل القرطبي عند تفسيره للآية المذكورة عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قول الله تعالى حين بدأ به فقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ. فأمر بالعمل بعد العلم وقال: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ. وقال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ. ثم قال بعد: فَاحْذَرُوهُمْ. وقال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ. ثم أمر بالعمل بعد.
وهذا ما يتطابق مع فهم الإمام البخاري وتفسيره للآية الكريمة، وهو ما درج عليه غير واحد من المفسرين. قال صاحب التحرير والتنوير: ومن اللطائف القرآنية أن أمر هنا بالعلم قبل الأمر بالعمل في قوله: واستغفر لذنبك. ثم ذكر الرواية عن سفيان بن عيينة المشار إليها.
وعلى هذا، فإن أهل التفسير قد فهموا من الآية الكريمة ما فهم البخاري منها، وأن البداية تكون للأهم فالأهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(2/2047)
تفسير قوله تعالى (ليس كمثله شيء)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى: ليس كمثله شيء.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقال السعدي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفة كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه. اهـ.
وقال ابن كثير: أي: ليس كخالق الأزواج كلها شيء؛ لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له. اهـ.
وقال البغوي: مثل. صلة، أي: ليس هو كشيء، فأدخل المثل للتوكيد، كقوله: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به. (البقرة: 137) . وقيل: الكاف صلة، مجازه: ليس مثله شيء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس له نظير. اهـ.
وقال الألوسي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء} نفى للمشابهة من كل وجه، ويدخل في ذلك نفي أن يكون مثله سبحانه شيء يزاوجه عز وجل، وهو وجه ارتباط هذه الآية بما قبلها.
أو المراد ليس مثله تعالى شيء في الشؤون التي من جملتها التدبير البديع السابق، فترتبط بما قبلها أيضا.
والمراد من مثله ذاته تعالى، فلا فرق بين ليس كذاته شيء وليس كمثله شيء في المعنى، إلا أن الثاني كناية مشتملة على مبالغة، وهي أن المماثلة منفية عمن يكون مثله وعلى صفته، فكيف عن نفسه. وهذا لا يستلزم وجود المثل إذ الفرض كاف في المبالغة، ومثل هذا شائع في كلام العرب نحو قول أوس بن حجر:
ليس كمثل الفتى زهير ... خلق يوازيه في الفضائل.
وقول الآخر:
وقتلى كمثل جذوع النخيل ... تغشاهم مسبل منهمر.
وقول الآخر:
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ما أن كمثلهم في الناس من أحد.
وقد ذكر ابن قتيبة وغيره أن العرب تقيم المثل مقام النفس، فتقول: مثلك لا يبخل. وهي تريد أنت لا تبخل، أي على سبيل الكناية وقد سمعت فائدتها. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1430(2/2048)
الضمير في قوله تعالى (فإنه رجس) هل يعود على كل المذكورات
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ.
أجمع العلماء على أن الميتة والدم المسفوح، الخنزير أنجاس للآية الكريمة، مع أن الضمير جاء فيها مفرداً ولم يأت ضمير جمع فقال: فإنه، ولم يقل: فإنهم. والضمير المفرد يعود على أقرب مذكور وهو الخنزير، فكيف أجمع العلماء على الميتة والدم المسفوح بدلالة الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الضمير في قوله تعالى: فَإِنَّهُ رِجْسٌ {الأنعام:145} اختلف أهل التفسير فيه؛ فقيل راجع إلى لحم الخنزير، وقيل راجع إلى جميع ما ذكر قبله، وهو ما رجحه صاحب التحرير والتنوير، كما بين توجيه إفراد الضمير وكونه عائدا إلى الجميع فقال: قوله تعالى: فإنه رجس. جملة معترضة بين المعطوفات، والضمير قيل: عائد إلى لحم الخنزير، والأظهر أن يعود إلى جميع ما قبله، وأن إفراد الضمير على تأويله بالمذكور أي فإن المذكور رجس كما يفرد اسم الإشارة مثل قوله: ومن يفعل ذلك يلق أثاما، وهذا معروف سائغ في كلام العرب، ومنه قول رؤية بن العجاج:
فيها حطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد تلويح البهق
أي كأن ذلك المذكور، قال صاحب تاج العروس بعد إنشاد هذا البيت: قال: أبو عبيدة قلت: لرؤية إن كانت الحطوط فقل: كأنها، وإن كان سواد وبياض فقل: كأنهما، فقال رؤية: كأن ذا -ويلك- تلويح البهق.
وللمزيد من الفائدة انظر مذاهب أهل العلم وأدلتهم في حكم الدم في الفتوى رقم: 3978.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1430(2/2049)
المعنيون بقوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا.
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الذين أصطفاهم الله في قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا. فاطر:32؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذين أصطفاهم الله تعالى هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباس وغيره: أي أورثهم الله تعالى القرآن، فمنهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات. فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. رواه البيهقي وغيره وتكلم أهل العلم في سنده. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 7327.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1430(2/2050)
تفسير: والله غالب على أمره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى: والله غالب على أمره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية وردت في سياق حديث القرآن الكريم عن يوسف -عليه السلام- بعد قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {يوسف:21} .
قال أهل التفسير: والله غالب على أمره. الهاء راجعة إلى الله تعالى، أي لا يغلب الله شيء، بل هو الغالب على أمر نفسه فيما يريده أن يقول له كن فيكون. وقيل: الهاء راجعة إلى يوسف، أي الله غالب على أمر يوسف يدبره ويحوطه، ولا يكله إلى غيره، حتى لا يصل إليه كيد كائد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1430(2/2051)
تفسير قوله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى في سورة المائدة: يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون.
كيف نتخذ إلى الله الوسيله، ولماذا ربطها الله بالجهاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال عزوجل في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:35}
وقد بين المفسرون معنى هذه الآية أتم بيان، ومن ذلك ما قاله الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- حيث قال:
هذا أمر من الله لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه، وذلك بأن يجتهد العبد، ويبذل غاية ما يمكنه من المقدور في اجتناب ما يَسخطه الله، من معاصي القلب واللسان والجوارح، الظاهرة والباطنة. ويستعين بالله على تركها، لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أي: القرب منه، والحظوة لديه، والحب له، وذلك بأداء فرائضه القلبية، كالحب له وفيه، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل. والبدنية: كالزكاة والحج. والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها، من أنواع القراءة والذكر، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه، والبدن، والنصح لعباد الله، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله. ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله حتى يحبه الله، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ويستجيب الله له الدعاء. انتهى من تيسير الكريم الرحمن تفسير كلام المنان.
وما ذكره ابن سعدي فيما سبق في معنى الوسيلة هو المروي عن أئمة التفسير من السلف ومن بعدهم بغير خلاف كابن عباس ومجاهد وعطاء وأبو وائل، والحسن، وقتادة، وعبد الله بن كثير، والسدي، وابن زيد، وقد ذكر ابن كثير هذا المعنى عمن سبق ذكرهم ثم قال: وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه.
والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضًا: علم على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش. انتهى من تفسير ابن كثير.
وأما لماذا ذكر الله الجهاد عقب الأمر باتخاذ الوسيلة فقد ذكر غير واحد من المفسرين حكمته.
فقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة إليه، الجهاد في سبيله، وهو: بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال، والنفس، والرأي، واللسان، والسعي في نصر دين الله بكل ما يقدر عليه العبد؛ لأن هذا النوع من أجل الطاعات وأفضل القربات. ولأن من قام به، فهو على القيام بغيره أحرى وأولى، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} إذا اتقيتم الله بترك المعاصي، وابتغيتم الوسيلة إلى الله، بفعل الطاعات، وجاهدتم في سبيله ابتغاء مرضاته. والفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب مرغوب، والنجاة من كل مرهوب، فحقيقته السعادة الأبدية والنعيم المقيم. انتهى
وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 16690، التوسل المشروع، والتوسل الممنوع، فلتراجعها للفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1430(2/2052)
سبب تشبيه الحية والثعبان بالجان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عصا موسى حية بالفعل أو كأنها حية؟
قال تعالى: وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ "كَأَنَّهَا جَانٌّ" وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ، لماذا ذكر الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية الكريمة أنّ عصا موسى تشبه الحية (كأنها حية) ، مع أنها كانت حية بالفعل وكأنّ كما تعلمون تفيد التشبيه. فهل نقول ثوبي يشبه الثوب أو خيلي كأنها خيل أو الحية كأنها حية؟ فما توجيهكم بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العصا صارت حية كما يدل له قوله تعالى: فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى {طه:20} . وقوله في الآية الأخرى: فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ {الشعراء:32} .
فهاتان الآيتان لم يذكر فيهما التشبيه، وأما التشبيه بالجان في الآية التي ذكر السائل فلا يعارض هذا لأن الجان هو الصغير من الحيات، والثعبان الكبير منها، فهي صارت حية كبيرة، وإنما شبهت بالجان لسرعة حركتها، فقوله: فإذا هي ثعبان مبين بين شكلها وهيئتها وخلقتها، وقوله: فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا بين حال تحركها واهتزازها.
قال الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن: وللاختلاف أسباب: الأول وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى كقوله تعالى في خلق آدم إنه من تراب، ومرة من حمأ مسنون، ومرة من طين لازب، ومرة من صلصال كالفخار، وهذه الألفاظ مختلفة ومعانيها في أحوال مختلفة لأن الصلصال غير الحمأ والحمأ غير التراب إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر وهو التراب، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال. ومنه قوله تعالى: فإذا هي ثعبان مبين، وفي موضع تهتز كأنها جان، والجان الصغير من الحيات، والثعبان الكبير منها، وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم، واهتزازها وحركاتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1430(2/2053)
سبب رفع (الصابئون) في سورة المائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين قوله تعالى والصابئين - وقوله والصابئون..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكلمتين معناهما واحد، ولكن قد يشكل رفع الصابئون في سورة المائدة، والراجح أنها مرفوعة على الابتداء، وقد بسطنا الكلام على ذلك في الفتوى رقم: 70461.
وراجع في تعريف الصابئة الفتوى رقم: 23568.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(2/2054)
تفسير: فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول سجانه وتعالى في سورة التوبة: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
لماذا لم يقل سبحانه فأنزل الله سكينته عليهما، مع أن أبا بكر رضي الله عنه هو الخائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس العكس. أرجو أن يكون السؤال واضحا، ودمتم في خدمة الإسلام والمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآية من أولها في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان نصر الله له، وقد رجع الضمير إليه في: عليه وأيده، كما رجع إليه في قوله: تنصروه ونصره وأخرجه. ورجوع الضمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رأي كثير من أهل العلم، وقد رجحه ابن عاشور، وذهب الرازي وأبو حيان إلى ترجيح رجوع الضمير إلى أبي بكر رضي الله عنه.
وذكر أبو حيان في تفسيره أنه: يحتمل رجوع الضمير إليهما، وأنه أفرده لتلازمهما، ويؤيده أن في مصحف حفصة: فأنزل الله سكينته عليهما وأيدهما. انتهى.
وقد ذكر ابن الجوزي الأقوال الثلاثة، وعزا القول الثالث لابن الأنباري، وذكر مثال ذلك في القرآن وهو قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ {التوبة:62}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1430(2/2055)
تفسير: يا بشرى هذا غلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية: يا بشرى هذا غلام. وهل بشرى اسم شخص أم دلالة على الفرح والسرور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالراحج أن بشرى في الآية دلالة على الفرح والسرور، وليست اسم شخص، وروي عن السدي أن بشرى اسم صاحبه.
قال الألوسي في تفسير هذه الآية: يا بشرى هذا غلام: نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه ورفقته، كأنه نزلها منزلة شخص فناداه فهو استعارة مكنية وتخييلية أي يا بشرى تعالي فهذا أوان حضورك، وقيل: المنادى محذوف كما في - يا ليت - أي يا قومي انظروا واسمعوا بشراي، وقيل: إن هذه الكلمة تستعمل للتبشير من غير قصد إلى النداء. وزعم بعضهم أن بشرى اسم صاحب له ناداه ليعينه على إخراجه، وروي هذا عن السدي وليس بذاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1430(2/2056)
تفسير قوله تعالى (فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يرجى التكرم من سيادتكم بتوضيح حكاية حوت سيدنا موسى في سورة الكهف. وهل هو حوت مثل الذي نعرفه اليوم، أو ماذا؟ وأيضا توضيح معنى الآية: فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله فى البحر سربا. هل كان الحوت برفقة سيدنا موسى أو ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حوت موسى سمكة طبيعية أمر بحملها، وكان فقدها أمارة لمكان الخضر. وقال ابن جزي في التفسير في معنى الآية: {فلما بلغا مجمع بينهما} الضمير في بلغا لموسى وفتاه، والضمير في بينهما للبحرين {نسيا حوتهما} نسب النسيان إليهما، وإنما كان النسيان من الفتى وحده، كما تقول فعل بنو فلان كذا: إذا فعله واحد منهم. وقيل: نسي الفتى أن يقدمه ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فاعل اتخذ الحوت، والمعنى أنه سار في البحر فقيل: إن الحوت كان ميتا مملوحا ثم صار حيا بإذن الله، ووقع في الماء فسار فيه....انتهى.
وقال ابن كثير في التفسير: وقوله: فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما. وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه، وقيل له: متى فقدت الحوت، فهو ثمة، فسارا حتى بلغا مجمع البحرين، وهناك عين يقال لها عين الحياة، فناما هنالك، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء، فاضطرب وكان في مكتل مع يوشع عليه السلام، وطفر من المكتل إلى البحر، فاستيقظ يوشع عليه السلام، وسقط الحوت في البحر، فجعل يسير في الماء، والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده، ولهذا قال تعالى: فاتخذ سبيله في البحر سربا أي مثل السرب في الأرض....انتهى.
وفي حديث الصحيحين: قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى أي رب كيف لي به فقيل له: احمل حوتا في مكتل، فحيث تفقد الحوت فهو ثم، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نون، فحمل موسى عليه السلام حوتا في مكتل وانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى عليه السلام وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطاق فكان للحوت سربا، وكان لموسى وفتاه عجبا، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلا مسجى عليه بثوب، فسلم عليه موسى فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه. انتهى.
وراجع الفتوى رقم: 70598، في بيان مجمع البحرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1430(2/2057)
تفسير: صفات الله تعالى الواردة في آخر سورة الحشر
[السُّؤَالُ]
ـ[صفات الله الواردة في الحشر..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمراد السائل غير واضح، ويحتمل أن مراده السؤال عن صفات الله تعالى الواردة في آخر سورة الحشر، في قوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ*هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {الحشر:24،23،22} .
فإن كان هذا مراده.. فقد قال السعدي: هذه الآيات الكريمات قد اشتملت على كثير من أسماء الله الحسنى وأوصافه العلى، عظيمة الشأن، وبديعة البرهان، فأخبر أنه الله المألوه المعبود، الذي لا إله إلا هو، وذلك لكماله العظيم، وإحسانه الشامل، وتدبيره العام، وكل إله سواه فإنه باطل لا يستحق من العبادة مثقال ذرة، لأنه فقير عاجز ناقص، لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا، ثم وصف نفسه بعموم العلم الشامل، لما غاب عن الخلق وما يشاهدونه، وبعموم رحمته التي وسعت كل شيء ووصلت إلى كل حي. ثم كرر ذكر عموم إلهيته وانفراده بها، وأنه المالك لجميع الممالك، فالعالم العلوي والسفلي وأهله، الجميع مماليك لله، فقراء مدبرون.
{الْقُدُّوسُ السَّلامُ} أي: المقدس السالم من كل عيب وآفة ونقص، المعظم الممجد، لأن القدوس يدل على التنزيه عن كل نقص، والتعظيم لله في أوصافه وجلاله.
{الْمُؤْمِنُ} أي: المصدق لرسله وأنبيائه بما جاءوا به، بالآيات البينات، والبراهين القاطعات، والحجج الواضحات.
{الْعَزِيزُ} الذي لا يغالب ولا يمانع، بل قد قهر كل شيء، وخضع له كل شيء.
{الْجَبَّارُ} الذي قهر جميع العباد، وأذعن له سائر الخلق، الذي يجبر الكسير، ويغني الفقير.
{الْمُتَكَبِّرِ} الذي له الكبرياء والعظمة، المتنزه عن جميع العيوب والظلم والجور.
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} وهذا تنزيه عام عن كل ما وصفه به من أشرك به وعانده.
{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ} لجميع المخلوقات {الْبَارِئُ} للمبروءات {الْمُصَوِّرُ} للمصورات، وهذه الأسماء متعلقة بالخلق والتدبير والتقدير، وأن ذلك كله قد انفرد الله به، لم يشاركه فيه مشارك.
{لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} أي: له الأسماء الكثيرة جدا، التي لا يحصيها ولا يعلمها أحد إلا الله هو، ومع ذلك، فكلها حسنى أي: صفات كمال، بل تدل على أكمل الصفات وأعظمها، لا نقص في شيء منها بوجه من الوجوه، ومن حسنها أن الله يحبها، ويحب من يحبها، ويحب من عباده أن يدعوه ويسألوه بها.
ومن كماله، وأن له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، أن جميع من في السماوات والأرض مفتقرون إليه على الدوام، يسبحون بحمده، ويسألونه حوائجهم، فيعطيهم من فضله وكرمه ما تقتضيه رحمته وحكمته.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الذي لا يريد شيئا إلا ويكون، ولا يكون شيئا إلا لحكمة ومصلحة. انتهى.
وأما اسم المهيمن فقال السعدي في تفسير أسماء الله الحسنى: المهيمن: المطلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور الذي أحاط بكل شيء علما. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1430(2/2058)
تفسير قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً.. سؤالي ما معنى قول الله تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنص الآية هو: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد:11} ، قال السعدي: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ من النعمة والإحسان ورغد العيش، حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله عند ذلك إياها.. وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة. انتهى.
وقال الجزائري: يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم، وهي أنه تعالى لا يزيل نعمة أنعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طهارة وصفاء بسبب ارتكابهم للذنوب وغشيانهم للمعاصي نتيجة الإعراض عن كتاب الله وإهمال شرعه وتعطيل حدوده والانغماس في الشهوات والضرب في سبيل الضلالات. انتهى.
وقد تكلم أهل العلم كثيراً حول هذا المعنى مستدلين بهذه الآية وشبهها، قال ابن القيم في الجواب الكافي: من عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة. وقد قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ. وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. فأخبر الله تعالى أنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غير غير عليه، جزاء وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد ... فإن غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية والذل بالعز، قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ. وفي بعض الآثار الإلهية عن الرب تبارك وتعالى أنه قال: وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إلا انتقلت له مما يحب عبيدي إلى ما يكره، ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره فينتقل عنه إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب، وقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها * فإن الذنوب تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد * فرب العباد سريع النقم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1430(2/2059)
تفسير قوله تعالى (..كمثل غيث أعجب الكفار نباته..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أين جاء في القرآن الكريم كمثل غيث أعجب الكفار وما معنى هذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا جزء من آية في سورة الحديد في الآية رقم: 20، وتمام الآية: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {الحديد:20} .
قال الشوكاني في تفسيره: والمراد بالكفار هنا الزراع لأنهم يكفرون البذر: أي يغطونه بالتراب، ومعنى نباته: النبات الحاصل به ثم يهيج أي يجف بعد خضرته وييبس فتراه مصفراً أي متغيراً عما كان عليه من الخضرة: والرونق إلى لون الصفرة والذبول ثم يكون حطاماً أي فتاتاً هشيماً متكسراً متحطماً بعد يبسه ... والمعنى: أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته وكثرة نضارته ثم لا يلبث أن يصير هشيماً تبناً كأن لم يكن. اهـ
وقال البيضاوي في تفسيره: كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً هو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها بحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث، أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجاباً بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجباً انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها، والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجاباً، ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاماً. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(2/2060)
المقصود بأولي الأمر وهل الزوج داخل فيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: " اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ".
هل المقصود بأولي ألامر يدخل ضمنها الزوج على زوجته وبيته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف في المراد بأولى الأمر المأمور بطاعتهم في الآية والأحاديث على أقوال، أشهرها أنهم العلماء أو الأمراء أو ما يعمهما وهو الراجح، ولخص الطاهر بن عاشور ما قيل في أولي الأمر فقال: فأولو الأمر هنا هم من عدا الرسول من الخليفة إلى والي الحسبة ومن قواد الجيوش ومن فقهاء الصحابة والمجتهدين إلى أهل العلم في الأزمنة المتأخرة وأولو الأمر هم الذين يطلق عليهم أيضا أهل الحل والعقد.
ولا نعلم أحدا من العلماء أدخل الزوج في عموم لفظ أولي الأمر، إلا أن أدلة وجوب طاعة الزوج كثيرة مشهورة، وهي خاصة به فلا يحتاج إلى أن يستدل له بهذا العموم. قال تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة: 228} وقال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34} .
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت. رواه أحمد وغيره.
والنصوص في الباب كثيرة مشهورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1430(2/2061)
تفسير قوله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قوله تعالى وجعلنا أولادكم فتنة؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل يقصد السؤال عن تفسير قوله سبحانه: إنما أموالكم وأولادكم فتنة. ومعنى كون المال والولد فتنة أنهما اختبار وابتلاء، فمن الناس من يكون المال والولد سببا في صلاحه واستقامته، ومنهم من يطغيه ذلك، ويصرفه عن طاعة ربه سبحانه، فمن الفتنة أن الإنسان يلتهي بهم عن العمل الصالح، أو يحملونه على قطيعة الرحم، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم ولهذا قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {المنافقون:9} .
وفي الحديث: إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة. أخرجه الحاكم عن الأسود بن خلف رضي الله عنه والطبراني في الكبير عن خولة بنت حكيم بن أمية السلمية رضي الله عنها، قال الذهبي: إسناده قوي، وحديث الأسود قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي، وقال العراقي: إسناده صحيح.
ومعنى هذا أنه يكون سببا في بخل أبيه بالمال، وجبنه عن الإقدام، ووقوعه في الجهل، وانصرافه عن العلم.
وقال ابن كثير في التفسير: وقوله تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم يقول تعالى: إنما الأموال والأولاد فتنة أي اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وقوله تعالى: والله عنده أي يوم القيامة أجر عظيم كما قال تعالى: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب والتي بعدها.اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(2/2062)
تفسير قوله تعالى (إنا مكنا له في الأرض..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أهنئكم بهذه الخدمة الجليلة للمسلمين والله الموفق.
سؤالي: قال الله إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فما معنى السبب؟
وما هو الفرق بين اللفظ اتّبَعَ واَتبَعَ؟
ما هو المراد بـ فاتبع سببا؟
ما معنى في اللغة الـ سبب؟
ونبئني عن جوابك بالبريد الالكتروني أيضا، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السبب في الأصل الحبل ويستعار لكل ما يتوصل به إلى شيء.
ومعنى اتبع بوصل الألف، وتشديد التاء: سلك وسار من قولهم: اتبعت أثر فلان: إذا قفوته، وسرت وراءه
وأما أتبع بالهمز وسكون التاء، فهي بمعنى لحق، وقال بعضهم: تَبع واتّبع وأتْبع لغات بمعنى واحد، وهي بمعنى السير، ويجوز أن يكون معه لحاق وألا يكون.
ومعنى الآية كما قال أهل التفسير أن الله تعالى مكن لعبده ذي القرنين في الأرض بالحكم والتصرف في ممالكها، وأعطاه من كل شيء سببا، فسره بعضهم بالعلم وبكل ما يحتاج إليه ليتوصل به إلى مراده. فأتبع سببا: منزلا وطريقا ما بين المشرق والمغرب أو منازل الأرض ومعالمها حتى وصل إلى ما يريد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1430(2/2063)
الأهرامات.. وصفها.. ومن قام ببنائها
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أخيرا مقالا حول حقيقة من بنى الأهرامات لمحمد سمير عطا وهو يقول إنهم قوم عاد هم بناة الأهرامات ولطالما كنت من المستغربين في هذه الآثار اللغز، فهل هم حقيقة من بنى هذه الأهرامات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعروف أن قوم عاد كانوا يسكنون الأحقاف ولم يسكنوا مصر، كما قال تعالى: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ {الأحقاف: 21} .
والأحقاف تقع في جنوب الجزيرة العربية قرب حضرموت.
قال ابن كثير: كانوا قومًا يسكنون الأحقاف، وهي: جبال الرمل قريبًا من بلاد حضرموت متاخمة لبلاد اليمن.
وقال أيضا: كانوا عربا يسكنون الأحقاف - وهي جبال الرمل - وكانت باليمن بين عمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر، واسم واديهم مغيث. اهـ، وقد سبق ذكر ذلك في الفتوى رقم: 106755.
فيبعد أن يصح ما ذكر في المقال الوارد في السؤال، ومما يدل على خطئه قوله تعالى: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ.
قال ابن عاشور: والمراد بفرعون هو وقومه، ووصف ذي الأوتاد لأن مملكته كانت تحتوي على الأهرام التي بناها أسلافه.
وقال الجزائري: جائز أن يكون المراد بالأوتاد القوة والبطش، أو الأهرام لأنها بناء راسخ في الأرض كالأوتاد. اهـ.
وهذا القول الأخير رجحه الشيخ عطية سالم فقال: والذي يظهر -واللَّه تعالى أعلم- أن هذا القول هو الصحيح، وأنها مرتفعة، وأنها هي المعروفة الآن بالأهرام بمصر، ويرجح ذلك عدة أمور:
منها: أنها تشبه الأوتاد في منظرها طرفه إلى أعلى، إذ القمة شبه الوتد، مدببة بالنسبة لضخامتها، فهي بشكل مثلث، قاعدته إلى أسفل وطرفه إلى أعلى.
ومنها: ذكره مع ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، بجامع مظاهر القوة، فأولئك نحتوا الصخر بيوتاً فارهين، وهؤلاء قطعوا الصخر الكبير من موطن لا جبال حوله.
ومنها: أن حملها على الأهرام القائمة بالذات والمشاهدة في كل زمان ولكل جيل، أوقع في العظة والاعتبار، بأن من أهلك تلك الأمم قادر على إهلاك المكذبين من قريش وغيرهم. اهـ
ومما يرجح ذلك أيضا أن القرآن يذكر عن فرعون ما يدل على أنه وقومه أصحاب بناء وعمارة وتشييد، فقال تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ {القصص: 38} .
وقال سبحانه: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى {غافر: 36، 37} .
وعلى أية حال فلا ينبغي الانشغال وإشغال الناس بهذه الأشياء التي لا تعود عليهم بالنفع في دينهم ولا دنياهم، لاسيما والأمور المهمة كثيرة وملحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1430(2/2064)
جواب شبهة حول آية (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجيب عن هذا الإشكال: إ ن آية وحرم الربا مطلقة، وجاء تقييدها بقوله تعالى: لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة. فيحمل المطلق على المقيد لاتفاقهما في الحكم والسبب، كما في قوله: حرمت عليكم الميتة والدم وقوله: أو دما مسفوحا فاتفقا في الحكم والسبب؟
لأنكم قد أجبتم على سؤال قد ورد مشابها لذا بأن بين الآيتين عموما وخصوصا والقاعدة أن ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص بل للعناية به.
فلم لا نقول بالإطلاق والتقييد كما سلف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق المفسرون والفقهاء على أن المراد من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً {آل عمران:130} هو بيان الواقع لا اختصاص التحريم بحالة المضاعفة.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله {مضاعفة} إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام كما كانوا يصنعون، فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه، ولذلك ذكرت حال التضعيف خاصة، وقد حرم الله جميع أنواع الربا فهذا هو مفهوم الخطاب، إذ المسكوت عنه من الربا في حكم المذكور، وأيضا فإن الربا يدخل جميع أنواعه التضعيف والزيادة على وجوه مختلفة من العين أو من التأخير ونحوه. انتهى.
وقال الشوكاني في فتح القدير: وقوله {أضعافا مضاعفة} ليس لتقييد النهي لما هو معلوم من تحريم الربا على كل حال، ولكنه جيء به باعتبار ما كانوا عليه من العادة التي يعتادونها في الربا، فإنهم كانوا يربون إلى أجل، فإذا حل الأجل زادوا في المال مقدارا يتراضون عليه، ثم يزيدون في أجل الدين، فكانوا يفعلون ذلك مرة بعد مرة حتى يأخذ المربي أضعاف دينه الذي كان له في الابتداء. وأضعافا حال، ومضاعفة نعت له، وفيه إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام، والمبالغة في هذه العبارة تفيد تأكيد التوبيخ. انتهى.
وقال الألوسي في روح المعاني: وليس هذه الحال لتقييد المنهي عنه ليكون أصل الربا غير منهي، بل لمراعاة الواقع، فقد روى غير واحد أنه كان الرجل يربي إلى أجل، فإذا حل قال للمدين زدني في المال حتى أزيدك بالأجل فيفعل، وهكذا عند كل أجل فيستغرق بالشيء ماله بالكلية فنهوا عن ذلك. انتهى.
ولا يصح القول حمل المطلق على المقيد كما ذكرت في سؤالك، لأنه يشترط لحمل المطلق على المقيد، كما ذكر الزركشي في البحر المحيط أن يكون في باب الأوامر والإثبات، وأما في جانب النفي والنهي فلا، فإنه يلزم منه الإخلال باللفظ المطلق مع تناول النهي، وهو غير سائغ. كما يشترط أن لا يقوم دليل يمنع من التقييد.
كما لا يصح الاحتجاج هنا بمفهوم المخالفة، لأن ذكر حالة التضعيف في الآية لبيان الواقع فلا مفهوم له.
قال ابن القيم في حاشية سنن أبي داود: القائلين بالمفهوم إنما قالوا به إذا لم يكن هناك سبب اقتضى التخصيص بالمنطوق فلو ظهر سبب يقتضي التخصيص به لم يكن المفهوم معتبرا كقوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} (فذكر هذا القيد لحاجة المخاطبين إليه إذ هو الحامل لهم على قتلهم لا لاختصاص الحكم به، ونظيره {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} ونظائره كثيرة. انتهى.
وذكر الزركشي في البحر المحيط أن من شروط مفهوم المخالفة أن لا يكون المنطوق خرج لسؤال عن حكم أحد الصنفين، ولا حادثة خاصة بالمذكور، قال: ومن أمثلته قوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} فلا مفهوم للأضعاف إلا عن النهي عما كانوا يتعاطونه بسبب الآجال، كان الواحد منهم إذا حل دينه يقول له: إما أن تعطي وإما أن تربي، فيضاعف بذلك أصل دينه مرارا كثيرة، فنزلت الآية على ذلك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1430(2/2065)
تفسير: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نزلت كلمت نعمة مفردة في الآية: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النعمة في الآية معناها الجمع كما نقله البغوي عن الحسن، ويدل لهذا قوله تعالى: لاَ تُحْصُوهَا {إبراهيم:34} وذلك لأن المفرد لا يصعب إحصاؤه، فالنعمة اسم جنس واسم الجنس يطلق مرادا به الجمع إذا أضيف كما ذكر الشيخ الشنقيطي في الأضواء، ومثل لذلك بهذه الآية، وبقوله تعالى: قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ {الحج:68} أي أضيافي، وبقوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ {النور:63} أي عن أوامره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1430(2/2066)
معنى: جنات تجري من تحتها الأنهار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى جنات تجري من تحتها الأنهار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنات في اللغة تعني البساتين لأنها تجن أي تستر ما فيها، والمراد بها هنا الجنة التي أعدها الله دار خلود لأوليائه، وهي مشتملة على كثير من البساتين.
والأنهار مجاري الماء الواسعة، وقيل المياه الجارية بها، وهذه الأنهار تجري من تحت مساكنها وأشجارها، وراجع فتح القدير للشوكاني وتفسير ابن كثير وتفسير الألوسي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1430(2/2067)
توضيح حول قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحاها)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الاستفسار عن الرابط بين هذين التفسيرين في تفسير ابن كثير لهذه الآيات في سورة فصلت " ... خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها ... في أربعة أيام سواء للسائلين.
أورد المفسر أولا تفسير البخاري استناداً الي الآية.... والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها ... على أن تقسيم الخلق في ستة أيام ورد على النحو التالي خلق الأرض في يومين ثم خلق السماء في يومين ثم خلق ما في الأرض من بحار وجبال وأراض في يومين.. ثم أورد على أثر هذا الكلام قول ابن كثير خلق الله الأرض في يومين وهما الأحد والإثنين ثم خلق الجبال والأنهار والأراضي والأودية في يومي الثلاثاء والأربعاء ثم السماء في يومي الخميس والجمعة، وهو أيضا ما ورد في تفسير الجلالين، سؤالي هو: أني لم أفهم هذا التعارض الظاهر بين هذين التفسيرين واللذين أوردهما الكاتب في تفسيره لهذه الآيات من سورة فصلت (تفسير ابن كثير للقرآن الكريم) ، فأرجو التبيان فقد أشكل علي الأمر؟ جزاكم الله خيراً ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقل السائل الكريم عن ابن كثير قوله: ثم السماء في يومي الخميس والجمعة. ليس بصحيح، فلم يرد ذكر يومي الخميس والجمعة في لفظ ابن كثير، وإنما هو ما فهمه السائل الكريم.
وأما لفظ ابن كثير فهو: قوله: (خلق الأرض في يومين) يعني: يوم الأحد ويوم الإثنين (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها) أي: جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس، (وقدر فيها أقواتها) وهو: ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس، يعني: يوم الثلاثاء والأربعاء، فهما مع اليومين السابقين أربعة.
وأما الجلال السيوطي فقد نص على ذلك فقال: فقضاهن سبع سموات في يومين. الخميس والجمعة فرغ منها في آخر ساعة منه، وفيه خلق آدم. انتهى.
وذكر يومي الخميس والجمعة هو الذي يشكل في كلام ابن كثير، لأنه بذلك يكون قد نقض ما كان ذكره من قبل حيث قال: فأما قوله: أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها* رفع سمكها فسواها* وأغطش ليلها وأخرج ضحاها* والأرض بعد ذلك دحاها* أخرج منها ماءها ومرعاها* والجبال أرساها* متاعاً لكم ولأنعامكم، ففي هذه الآية أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء فالدحي هو مفسر بقوله (أخرج منها ماءها ومرعاها) ، وكان هذا بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص.
ومبنى كلام ابن كثير على أن الدحي الذي يعني إخراج الماء والمرعى من الأرض، لم يحصل في الأيام الستة أصلاً، بل حصل بعد تمام خلق الأرض والسماء، ويوضح ذلك كلامه رحمه الله في كتاب آخر، حيث قال في البداية والنهاية: مقتضى هذه الآية أن دحي الأرض وإخراج الماء والمرعى منها بالفعل بعد خلق السماء، وقد كان ذلك مقدراً فيها بالقوة، كما قال تعالى: وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا. أي هيأ أماكن الزرع ومواضع العيون والأنهار، ثم لما أكمل خلق صورة العالم السفلي والعلوي دحا الأرض فأخرج منها ما كان مودعاً فيها فخرجت العيون وجرت الأنهار ونبت الزرع والثمار.
وعلى هذا فلا تعارض ولا إشكال في كلام ابن كثير، ومن الجدير بالذكر أن هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم، وقد ذكر الطبري أقوالهم، ثم قال في تاريخ الطبري: غير مستحيل ما روينا في ذلك عن ابن عباس من القول، وهو أن يكون الله تعالى ذكره خلق الأرض ولم يدحها ثم خلق السماوات فسواهن، ثم دحا الأرض بعد ذلك فأخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها، بل ذلك عندي هو الصواب من القول في ذلك، وذلك أن معنى الدحو غير معنى الخلق. .
وقد اعتمد ابن حجر هذه الرواية التي ذكرها الطبري عن ابن عباس وضعف ما يروى عنه من أن خلق السماء كان يومي الخميس والجمعة.
وقد سبق لنا تفصيل شيء من ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22344، 35560، 54842.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1430(2/2068)
تفسير: والتفت الساق بالساق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من علامات الموت التفاف الساق اليمنى على اليسرى أو العكس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرأهل العلم عددا من علامات الموت ونهاية حياة الشخص التي توجب له أحكام الميت، وبإمكانك أن تطلع على بعض منها في الفتوى: 112049.
وفي معنى التفاف الساقين في القرآن الكريم ذكرأهل التفسير أقوالا لعلماء السلف عند قول الله تعالى: والتفت الساق بالساق. قال القرطبي وغيره: اتصلت الشدة بالشدة؛ شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة قاله ابن عباس والحسن وغيرهما، وقال الشعبي وغيره: المعنى التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب وقال قتادة: أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى، وقال سعيد بن المسيب والحسن أيضا: هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن، وقال زيد بن أسلم: التفت ساق الكفن بساق الميت، وقال الحسن أيضا: ماتت رجلاه ويبست ساقاه فلم تحملاه ولقد كان عليهما جوالا، قال الحسن: القول الأول أحسنها، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة فتلقى الشدة بالشدة: شدة كرب الموت بشدة هول المطلع إلا من رحمه الله. انتهى.
وعلى ذلك فقد جعل بعضهم أن معنى الآية التفاف ساقي الإنسان عند الموت من شدة الكرب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1430(2/2069)
ولمن خاف مقام ربه جنتان
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير آية في سورة الرحمن بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ولمن خاف مقام ربة جنتان) صدق الله العظيم0
ما هما الجنتان وأين تقعان وما اسم الجنتين0 وكيف يكون الخوف لتكون له الجنتان0 وهل إحداهما في الأرض تكون للمؤمن الرجاء التفسير بإسهاب واستفاضة0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمكان الجنات جميعا فوق السماوات السبع وليس منها شيء في الأرض, ومما يدل على ذلك ما جاء في البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة.
وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع، وأنه لا تحصرها السماوات ولا الأرضون ولا تحيط بها، والعلم في ذلك كله عند من يعلم السر وأخفى.
وقد قال البغوي في تفسيره: وسئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن الجنة: أفي السماء أم في الأرض؟ فقال: وأي أرض وسماء تسع الجنة؟ قيل: فأين هي؟ قال: فوق السماوات السبع تحت العرش.
وقال قتادة: كانوا يرون أن الجنة فوق السماوات السبع، وأن جهنم تحت الأرضين السبع. انتهى.
أما اسم الجنتين فهما -والعلم عند الله– جنة عدن وجنة النعيم, جاء في تفسير البغوي: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ. قال مقاتل: جنة عدن وجنة نعيم. انتهى.
وأما سؤالك كيف يكون الخوف للفوز بهاتين الجنتين؟ فاعلم أن من ترك معصية ربه ونهى نفسه عن هواها فهذا هو الخائف حقا المتقي حقيقة وصدقا, جاء في تفسير البغوي: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ... أي: مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية والشهوة. وقيل: قيام ربه عليه، بيانه قوله: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت، وقال إبراهيم ومجاهد: هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله. انتهى.
وقد ذكر العلماء وجوها لكونهما جنتين , جاء في تفسير البغوي: قال محمد بن علي الترمذي: جنة لخوفه ربه، وجنة لتركه شهوته.
وجاء في تفسير السعدي: أي: وللذي خاف ربه وقيامه عليه، فترك ما نهى عنه، وفعل ما أمره به، له جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات، والأخرى على فعل الطاعات. انتهى.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 47690.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1430(2/2070)
تفسير قوله تعالى (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا جاء في القرآن سبعون ذراعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال أهل التفسير: إن عدد السبعين في الآية الكريمة لا يراد به التحديد، وإنما يراد به التعظيم والكثرة.
قال صاحب التحرير والتنوير: فعَدَدُ السبعين مستعمل في معنى الكثرة على طريقة الكناية مثل قوله تعالى: إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ {التوبة:80} .
وذكر الذراع هنا لأنه المقياس الذي كان يستعمل لقياس الطول.
قال صاحب التحرير: وكانوا يقدرون بمقادير الأعضاء مثل الذراع، والأصبَع، والأنملة، والقَدم. اهـ
والآية المشار إليها جاءت في سياق حديث القرآن عن مصير أصحاب الشمال الذين يأخذون كتبهم بشمالهم، وبيان أن ما يصيبهم من أنواع العذاب في الآخرة هو بسبب جريمتهم والامتناع من أداء حق خالقهم والكفر به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1429(2/2071)
تفسير قوله تعالى (فصل لربك وانحر)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الشيخ الألباني رحمه الله أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض التفاسير أنه قال: في تفسير قوله تعالى (فصل لربك وانحر) وانحر أي ضع يديك عند نحرك.
ماهي هذه الكتب التي ورد فيها هذا التفسير؟..جزاكم الله خيرا عن المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التفسير الذي ذكره الشيخ رحمه الله للآية المذكورة - ذكره غير واحد من أهل التفسير في كتبهم ونسبه عدد منهم لعلي رضي الله عنه، ومن هؤلاء شيخ المفسرين الإمام الطبري رحمه الله، فقد روى بسنده قال: عن علي رضي الله عنه في قوله: فصل لربك وانحر قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
وفي تفسير القرطبي: وقال علي رضي الله عنه ومحمد بن كعب: المعنى ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة.
وروي عن ابن عباس أيضا وروي عن علي أيضا: أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره..
وهذا التفسير الآخير أورده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة حيث قال: وعن البيهقي في سننه.... عن علي قال: لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي عزوجل، قال: إنها ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع..إلى أن قال: وهذا متن باطل ... اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1429(2/2072)
إضاءات حول مراودة امرأة العزيز ليوسف عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي استفسار حول جزئية دخول سيدنا يوسف السجن، فهل لما حصلت حكاية المراودة وقطع قميص سيدنا يوسف العزيز بنفسه هو الذي دخل عليهم أم هي التي حكت له بعد ما رجع، وأول ما دخل عليهم قالت له ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم.. أم هي التي حكت له، حاولت امرأة العزيز أن تجعل من يوسف الطاهر الطيّب فاحشا خائنا ولكنها فشلت, وخرج يوسف من دارها هاربا مسرعا, ولما عاد صاحب الدار وهو زوجها اشتكت له مرّ الشكوى ووصفت يوسف بأنه خائن فاحش, زوراً وبهتانا, واتهمته بالباطل, ولكن الرجل لم يصدق هذا الاتهام وحقق مع يوسف, وثبتت براءته, ولكنها لم توقف كيدها ليوسف عليه السلام, وخاصة أن نساء المدينة تحدثوا عنها وعن يوسف فأصابها غيظ شديد, وخاصة أنهن نساء الأمراء والكبراء, فقد طعنوا فيها وعابوا عليها, وشنعوا بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر من سياق القرآن الكريم أن العزيز جاء ليدخل بيته فلقي عند بابه امرأته وهي تمسك بيوسف تريد أن ترده إلى داخل البيت، فبادرته بقولها: مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيم ٌ {يوسف:25} ، ولم يكن يوسف يريد أن يتحدث بهذا حتى تحدثت هي به واتهمته، قال الله تعالى: وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {يوسف:25} ..
وجاء في تفسير السعدي: ولما امتنع من إجابة طلبها بعد المراودة الشديدة، ذهب ليهرب عنها ويبادر إلى الخروج من الباب ليتخلص ويهرب من الفتنة فبادرت إليه وتعلقت بثوبه، فشقت قميصه فلما وصلا إلى الباب في تلك الحال، ألفيا سيدها أي: زوجها لدى الباب، فرأى أمراً شق عليه، فبادرت إلى الكذب أن المراودة قد كانت من يوسف، وقالت: مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا. ولم تقل "من فعل بأهلك سوءاً" تبرئة لها وتبرئة له أيضاً من الفعل.
وفي تفسير الطبري: ما كان يوسف يريد أن يذكره، حتى قالت: مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا.
وكانت امرأة العزيز مصرة على تنفيذ ما أرادته له من السجن حتى ينقطع كلام الناس في هذا الأمر، فكان لها ما أرادت من سجنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(2/2073)
تفسير: عم يتساءلون.. فيه مختلفون
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: عم يتساءلون. كيف يتساءل الكفار عنه وهم أصلا كفار به ثم قال الله تعالى: الذي هم فيه مختلفون. كيف يختلفون مابين مصدق ومكذب مع أن الحديث عن المكذبين أرجو التوضيح فقد أشكلت علي هذه الآيات في فهما وأسأل الله لكم التوفيق والسدا؟ د]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستفهام في الآية الكريمة- كما قال أهل التفسير- هو استفهام توقيف واستنكار وتعجب منهم، والمعنى عن أي شيء يتساءل هؤلاء الناس؟؛ يتساءلون عن هذا النبإ العظيم والخبر العجيب الذي جاء به محمد؟
والخطاب موجه بالدرجة الأولى لكفار قريش ومن معهم، وهؤلاء مختلفون في هذا االنبأ؛ فمنهم من يقول ساحر، ومنهم من يقول كاهن، ومنهم من يقول شاعر.
ويمكن أن يكون موجها للناس جميعا؛ فيكون اختلافهم فيه باعتبار الإيمان والكفر والتصديق والتكذيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(2/2074)
هل يلزم عند ضرب المثل قول ولله المثل الأعلى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب أن نقول عندما نذكر أحد الأمثلة للتمثيل لشيء ما أن نقول بعدها أو قبلها: "ولله المثل الأعلى"، وما معنى هذه العبارة ... أنا أعرف أنها آية في القرآن الكريم, ولكن ما معناها.. هل حرف اللام في لفظ "لله" هو للملكية كقولنا "لله ملك السماوات والأرض", وما هو المثل الأعلى، وهل من الخطأ أن نضرب الأمثال دون ذكر هذه العبارة، لأن كثيرا من الشيوخ تقريبا لا يفارق ذلك، فأرجو شرح المسألة لي شرحا مفصلاً؟ وجزاكم الله عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب على المسلم إذا ضرب مثلاً لشيء أن يقول عند ذلك: ولله المثل الأعلى، ولكنه إذا قارن مثلاً لمخلوق بمثل لله تعالى، فينبغي أن يقول ذلك تعظيماً لله تعالى وتنزيهاً له عن صفات المخلوقين، كما في قول الله تعالى في شأن الكفار الذين ينسبون لله تعالى ما يكرهون من البنات وهم لا يحبونهم ولا يرضونهم لأنفسهم: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ * لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {النحل:58-59-60} .
أي للذين لا يؤمنون بالآخرة ولا يعملون لها، الصفة القبيحة من العجز والحاجة والجهل والكفر، ولله الصفات العليا من الكمال والاستغناء عن خلقه، وهو العزيز في ملكه الحكيم في تدبيره.. وكما جاء في فتح الباري عن أثر ابن عباس: الركن - يعني الحجر - يمين الله في الأرض. أن كل ملك إذا قدم عليه الوافد صافحه وقبل يمينه فلما كان الحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله نزل منزلة يمين الملك، ولله المثل الأعلى، وقال أهل التفسير: المثل الأعلى معناه الصفة العليا وهي لا إله إلا الله، وضرب المثل هو تشبيه شيء بشيء أو حال بحال، والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى الذي لا يتصل به تكييف ولا يتماثل مع شيء واللام في (ولله المثل الأعلى) للاستحقاق.. وأما في "لله ملك السموات والأرض" فهي للملك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(2/2075)
تفسير قوله تعالى (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)
[السُّؤَالُ]
ـ[بم تفسر قوله تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن. لماذا قال تعالى: ذلكم أطهر لقلوبكم، هل معنى هذه الآية أن الحب حرام لماذا لم يقل ذلكم أطهر لشهوتكم مثلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعلق قلب المرء بالطرف الآخر أعم من موضوع الشهوة ولهذا حرم الشرع تعلق الأجنبي بالأجنبية لإقامة علاقة بينهما لأنه يعتبر من مقدمات الفاحشة المحرمة، قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} .
ومعنى الآية المسؤول عنها أن الرجل إذا سأل المرأة عن شيء يستفاد منه من الماعون والحاجات أو الفتاوى فليكن ذلك من وراء ستار بينهما.
واختلف في المشار إليه بقوله ذلكم أطهر لقلوبكم والظاهر أن المراد به جميع ما تقدم من الاستئذان والسؤال من وراء حجاب، والمراد بقوله أطهر لقلوبكم أن ذلك أكثر تطهيرا للقلوب من الريبة وخواطر السوء التي تعرض للرجال في أمر النساء كذا قال الشوكاني وابن العربي في تفسيريهما.
وحب الرجل وعشقه لامرأة لا يحل له إن كان بفعل منه وكسب حرام، أما إن لم يكن ذلك بكسبه هو كأن رأى امرأة نظر فجأة وصرف بصره عنها لكن تعلق قلبه بها وأحبها فإنه لا يأثم بذلك، وراجع للاستزاده عن هذا الحكم الفتوى رقم: 13147.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20459، 30991، 11945، 54149، 1072، 2595، 48990، 63625.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(2/2076)
تفسير: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الاستفسار عن معنى الآية: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال البغوي في تفسير هذه الآية: قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ. أي أصناماً يعبدونها يحبونهم كحب الله أي يحبون آلهتهم كحب المؤمنين الله، وقال الزجاج: يحبون الأصنام كما يحبون الله لأنهم أشركوها مع الله فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة. والذين آمنوا أشد حباً لله أي أثبت وأدوم على حبه لأنهم لا يختارون على الله ما سواه. والمشركون إذا اتخذوا صنماً ثم رأوا أحسن منه طرحوا الأول واختاروا الثاني، قال قتادة: إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء ويقبل على الله تعالى كما أخبر الله عز وجل عنهم فقال: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. والمؤمن لا يُعرض عن الله في السراء والضراء والشدة والرخاء.
قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ. قرأ نافع وابن عامر ويعقوب ولو ترى بالتاء وقرأ الآخرون بالياء وجواب لو ههنا محذوف ومثله كثير في القرآن كقوله تعالى: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض يعني لكان هذا القرآن فمن قرأ بالتاء معناه ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم من شدة العذاب لرأيت أمراً عظيماً، وقيل: معناه قل يا محمد: أيها الظالم لو ترى الذين ظلموا أو أشركوا في شدة العقاب لرأيت أمراً فظيعاً، ومن قرأ بالياء معناه ولو يرى الذين ظلموا أنفسهم عند رؤية العذاب أو لو رأوا شدة عذاب الله وعقوبته حين يرون العذاب لعرفوا مضرة الكفر وأن ما اتخذوا من الأصنام لا ينفعهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1429(2/2077)
تفسير قوله تعالى (وفتحت السماء فكانت أبوابا)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (وفتحت السماء فكانت أبواباً) أرجو توضيح المعنى حيث لم يتضح لي من القراءة في التفسير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى قوله تعالى: وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا {النبأ:19} ، أي شقت لنزول الملائكة، وقيل: شقت حتى جعلت كالأبواب قطعاً، وقيل: تنحل وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق، وقيل: إن لكل عبد بابين في السماء: باب لعمله وباب لرزقه، فإذا قامت القيامة انفتحت الأبواب فبعد أن كانت سقفاً محفوظاً تكون في ذلك اليوم أبواباً مفتوحة، وفي هذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل أن هذه السبع الشداد يجعلها الله تعالى يوم القيامة كأن لم تكن، تكون أبواباً فهذا الفتح يعتبر مظهراً من مظاهر تشقق السماء يوم القيامة الذي بينه الله جل وعلا في آيات كثيرة من كتابه، كقوله تعالى: فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ {الرحمن:37} ، وقوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ* وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ {الحاقة:15-16} ، وقوله: إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ {الإنشقاق:1} الآية، وقوله تعالى: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ* وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ {المرسلات:8-9} ، وقوله تعالى: إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ {الإنفطار:1} .
وللمزيد راجع تفسير القرطبي وأضواء البيان وغيرهما من كتب التفاسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(2/2078)
تفسير قوله تعالى (فأماته الله مائة عام ثم بعثه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الله تعالى فأماته الله مائة عام ثم بعثه في سورة البقرة، قال تعالى فأماته الله مائة عام ولم يقل مائة سنة، ما هو الفرق بين السنة والعام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الآية أن الله تعالى أمات عزيزا وبقي ميتا مدة مائة عام، ثم أحياه الله تعالى وبعثه، وذكر البغوي أن الله تعالى أماته ضحى في أول النهار وأحياه بعد مائة عام في آخر النهار قبل مغيب الشمس.
وراجع الفرق بين السنة والعام في الفتوى رقم: 62472.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(2/2079)
جميع الملائكة سجدوا لآدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الملائكة كلهم سجدوا لآدم أم هناك من لم يسجد منهم؟ وما معنى الآية الكريمة أستكبرت أم كنت من العالين؟ جزاكم الله على الجواب السريع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الملائكة امتثلوا كلهم أمر الله بالسجود؛ كما قال ابن كثير في التفسير، ويدل لهذا تأكيد الله سجودهم بالمؤكدات في قوله تعالى: فَسَجَدَ المَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {ص:73} فقد أكده بكل وأجمع.
وأما قوله تعالى: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العَالِينَ {ص:75} فمعناه أن الله تعالى يسأل إ بليس لعنه الله عما حمله على عدم السجود هل هو التكبر عن امتثال أمر خالقه من غير استحقاقه، أو أنه ممن علا قدره فعلا عن السجود، واستحق التفوق لعظم شأنه؛ كذا قال البيضاوي والشوكاني، وليس المعنى أنه هناك من تعالى عن السجود غيره، وكان هو من جملتهم. وراجع الفتوى رقم: 8925.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1429(2/2080)
لا فرق بين البنين والبنات في هذا الأمر
[السُّؤَالُ]
ـ[سورة النور الآية رقم 61 ليس على الأعمى حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم..إلى آخر الآيات؟ في حدود علمي أن معنى بيوتكم تشمل بيوت الأبناء فهل بيوت البنات الأبناء الإناث أيضا مشمولين بهذا التصريح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا فرق بين البنين والبنات في هذه القضية فكلهم داخلون في عموم الأولاد والعيال التي ذكر المفسرون في تفسير الآية، وذلك لاشتراك كل من الجنسين في البنوة.
وقد ذكر ابن كثير أنه استدل بهذه الآية على أن مال الولد بمنزلة مال أبيه، واستدل لذلك بحديث المسند: أنت ومالك لأبيك.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 46692، والفتوى رقم: 50146.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1429(2/2081)
تفسير قوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولو القربى..)
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الآية في سورة النساء (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى....) وكيف تتحقق عملياً، فأرجو إعطائي أمثلة عملية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا {النساء:8} ، قال السعدي رحمه الله تعالى: وهذا من أحكام الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب، فقال (وإذا حضر القسمة) أي: قسمة المواريث (أولو القربى) أي: الأقارب غير الوارثين بقرينة قوله (القسمة) لأن الوارثين من المقسوم عليهم. (واليتامى والمساكين) أي: المستحقون من الفقراء. (فارزقوهم منه) أي: أعطوهم ما تيسر من هذا المال الذي جاءكم بغير كد ولا تعب، ولا عناء ولا نصب، فإن نفوسهم متشوفة إليه، وقلوبهم متطلعة فاجبروا خواطرهم بما لا يضركم وهو نافعهم، ويؤخذ من المعنى أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان، ينبغي له أن يعطيه منه ما تيسر، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين. أو كما قال.. وكان الصحابة رضي الله عنهم -إذا بدأت باكورة أشجارهم- أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرك عليها، ونظر إلى أصغر وليد عنده فأعطاه ذلك، علما منه بشدة تشوفه لذلك، وهذا كله مع إمكان الإعطاء، فإن لم يمكن ذلك -لكونه حق سفهاء أو ثم أهم من ذلك- فليقولوا لهم (قولاً معروفاً) يردوهم رداً جميلاً بقول حسن غير فاحش ولا قبيح ... انتهى.
ومحصل الآية الحث على إعطاء القريب الذي لا يرث والفقير والمسكين شيئاً من التركة -عند قسمتها- لتطييب نفوسهم وخواطرهم، وقد اختلف الفقهاء في هذا الإعطاء هل هو واجب أو مستحب؛ فمنهم من قال واجب، ومنهم من قال مستحب، قال القرطبي رحمه الله: والصحيح أن هذا على الندب، لأنه لو كان فرضاً لكان استحقاقاً في التركة ومشاركة في الميراث ... انتهى.
وبإمكان السائل الكريم الرجوع إلى كتب التفسير لمعرفة المزيد عن هذه الآية، وهل هي منسوخة بآيات المواريث أم محكمة؟ وغير ذلك من المباحث الفقهية المذكورة في تفسير هذه الآية الكريمة، وتطبيق الآية عملياً كما ذكرنا من أنه يستحب عند قسمة الميراث أن يعطى القريب الذي لا يرث كأولاد البنت وبنات الإخوة والعمات وغيرهم من ذوي الأرحام أو الفقراء والمساكين من كان منهم حاضراً عند القسمة أن يعطوا شيئاً يسكت تشوفهم ويطيب خاطرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1429(2/2082)
تفسير قوله تعالى (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ... صدق الله العظيم، هل هذا يعني أن الرجل لا يستطيع إخراج الأنثى التي ولجت قلبه مهما كانت الأسباب مهما طال الزمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ليس في قول الله تعالى: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... {الأحزاب 4} ، دليل على ما ذكرت، وإنما المراد بالآية قد ذكر فيه أهل التأويل أقوال.. منها: أنه تكذيب قوم من أهل النفاق، وصفوا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بأنه ذو قلبين، فنفى الله ذلك عن نبيه وكذّبهم.. ومنها: أنها نزلت في رجل بمكة كان يدعى ذا القلبين.. ومنها: أنه كما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، لا تصير زوجته التي يظاهر منها أمًا له، كذلك لا يصير الدَّعيّ ولدًا للرجل.. ومنها: أن الإنسان ما دام لا يملك إلا قلباً واحداً، فلا بد أن يتجه إلى إله واحد وأن يتبع نهجاً واحداً. انظر تفسير الطبري، تفسير ابن كثير، في ظلال القرآن.
أما عن تعلق قلب الرجل بامرأة، فإن كان ذلك بين الرجل وزوجته، أو من يريد زواجها، وكان ذلك في حدود الاعتدال، ولم يجر إلى محرم ولم يمنع من واجب، فلا مؤاخذة في ذلك.
أما إذا أدى إلى ترك واجب أو ترك محرم فإنه محرم والتخلص من ذلك ممكن وميسور بإذن الله، وقد ذكر ابن القيم علاج ذلك في كتاب (الداء والدواء) ، وتجد بيان ذلك في الفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(2/2083)
أساسيات العلاقة بين العبد والمعبود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي العلاقة بين العبد والمعبود في آيات 71 إلى 74 في سورة الشعراء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآيات جاءت في سياق حديث القرآن عن وجه من جوه قصة إبراهيم عليه السلام التي جاءت في القرآن الكريم بأساليب متعددة.
فقد بدأ السياق بأمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلو على مشركي قريش قصة إبراهيم الذي يزعمون أنهم ورثته، وأنهم يتبعون ديانته.. وهو يستنكر ما كان يعبده أبوه وقومه من أصنام كهذه الأصنام التي يعبدها المشركون في مكة؛ وهو يخالف أباه وقومه في شركهم، وينكر عليهم ما هم عليه من ضلال، ويسألهم في عجب واستنكار: ما تعبدون؟
ثم يمضي السياق بأسلوب الاستفهام الإنكاري: هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون..
وفي هذا تنبيه لعقولهم الغافلة وأذهانهم المتبلدة إلى أن من أساسيات العلاقة بين العبد والمعبود هي سماع المعبود دعاء عبده والقدرة التامة على نفعه وضره.. وهذا ما لا يمكن أن يتأتى لهذه الأصنام الهامدة والجمادات المنحوتة
ولهذا قال بعد ذلك: ... الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ {الشعراء:78} .
فعلاقة العبد بمعبوده- إذن- يجب أن تكون على هذا الأساس؛ فلا يعبد إلا من أوجد من العدم وهدى من الضلالة.. أما الذي لا يخلق ولا يهدي ولا يطعم ولا يسقي ولا يمرض ولا يشفي ولا يميت ولا يحي.. فهذا لا يستحق العبادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1429(2/2084)
تفسير: القلائد
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو إفادتنا عن معنى القلائد كما ذكرت في القرآن الكريم، وهل تندرج معها السلاسل الخاصة بالرجال دون تعليق شيء بها، وما هو الحكم الشرعي في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالقلائد في آية المائدة هو كل ما يعلق على أسنمة الهدايا علامة على أنها لله تعالى، كذا قال ابن العربي في تفسيره، ويدل لذلك ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت. فهذا هو المراد بالقلائد ولا يدخل فيه السلاسل التي يضعها الرجال في أيديهم، وراجع في حكم ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9180، 6148، 23043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(2/2085)
تفسير قوله تعالى (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير هذه الآية من سورة البقرة: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ. وما هي الدروس المستفادة منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صبغة الله يراد بها دين الله، وقيل: فطرة الله. وقيل: إن الصبغة الختان. وقيل: إن الصبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام، بدلاً من معمودية النصارى.
قال البغوي في تفسيره: قوله تعالى: صبغة الله: قال ابن عباس في رواية الكلبي وقتادة والحسن: دين الله، وإنما سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب، وقيل لأن المتدين يلزمه ولا يفارقه، كالصبغ يلزم الثوب، وقال مجاهد: فطرة الله، وهو قريب من الأول، وقيل: سنة الله، وقيل: أراد به الختان لأنه يصبغ صاحبه بالدم، قال ابن عباس: هي أن النصارى إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم أصفر يقال له المعمودي وصبغوه به ليطهروه بذلك الماء مكان الختان، فإذا فعلوا به ذلك قالوا: الآن صار نصرانياً حقاً فأخبر الله أن دينه الإسلام لا ما يفعله النصارى انتهى.
وقوله: ونحن له عابدون. أي مطيعون خاضعون قال الطبري: وقوله تعالى ذكره: ونحن له عابدون، أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود والنصارى، الذين قالوا له ولمن تبعه من أصحابه: كونوا هودا أو نصارى. فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل: بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً، صبغة الله، ونحن له عابدون. يعني: ملة الخاضعين لله، المستكينين له، في اتباعنا ملة إبراهيم، ودينونتنا له بذلك، غير مستكبرين في اتباع أمره، والإقرار برسالته رسله، كما استكبرت اليهود والنصارى، فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكبارًا وبغيًا وحسدًا. انتهى.
ويستفاد من الآية أن دين الإسلام هو أفضل الأديان وما سواه باطل، وأن على المسلم أن يعتز بدينه وبالتمسك بملته، وأن يختتن. وأن التعميد الذي يعمله النصارى باطل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(2/2086)
معنى: ... أو آخران من غيركم ...
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ. سورة المائدة - الآية 106
... أو آخران من غيركم إذا كان المعنى من غير المسلمين فكيف يقسمان بما لا يعظمان؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى القول بأن المقصود بقوله تعالى: آخران من غيركم أي من غير المسلمين، وأن الآية ليست منسوخة فإن الكافر وإن كان كافرا إلا أنه يوجد عنده شيء من تعيظم الله تعالى، وهذا التعظيم لا ينفعه مع كفره فلا يصح أن يقال إن الكافر لا يوجد عنده تعظيم لله مطلقا، وقد قال الله تعالى عن الكفار: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ في عدة مواطن في القرآن، فالكافر إذا أراد أن يجتهد في يمينه حلف بالله، ولأن الكافر مظنة الكذب، فعند الشك والارتياب في شهادتهما أمر الله تعالى باستحلاف الشاهدين الكافرين بعد الصلاة على أنهما لم يبدلا الوصية ولم يكذبا.
واعلم أخي السائل أن لعلماء التفسير في قوله تعالى: آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ثلاثة أقوال:
الأول: أن المراد بغيركم أي من غير القرابة والعشيرة أي من غير قبيلة الموصي، وليس المعنى من غير المسلمين.
الثاني: أن المقصود به الكفار أي من غير دينكم وملتكم في قول أكثر المفسرين، قاله ابن عباس وأبو موسى الأشعري وغيرهم؛ لكن الآية منسوخة بآية الدين في آخر سورة البقرة، فقد قال الله تعالى في آية الدين: ممن ترضون من الشهداء، وبقوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ {الطلاق: 1}
والكافر ليس منا ولا بمرضي، وإنما أباح الله إشهاد الكفار في بادئ الأمر لقلة المسلمين في السفر، أما وقد عم الإسلام الأرض فقد نسخ الحكم ولم يجز إشهاد غير المسلمين، وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم من الفقهاء.
الثالث: أن المراد به الكفار والآية ليست منسوخة وإنما أجيزت شهادة الكافر للضرورة عند عدم وجود المسلم، وانظر الفتوى رقم: 37693.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1429(2/2087)
تأملات في آيتي (والمستغفرين بالأسحار) و (وبالأسحار هم يستغفرون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين الآيتين والمستغفرين بالأسحار وبالأسحار هم يستغفرون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلا الآيتين مدح للاستغفار في هذا الوقت بعينه وقت السحر وهو آخر الليل، والفرق بينهما من وجهين، الأول: التقديم والتأخير. والثاني: التعبير بالاسم (المستغفرين) في الآية الأولى، وبالفعل (يستغفرون) في الآية الثانية.
وبيان ذلك أن الفصاحة العربية من قواعدها تقديم ما يستحق التقديم وتأخير ما يستحق التأخير، بحسب مراد المتكلم وما يقتضيه السياق.
قال سيبويه: إنما يقدمون الذي بيانه أهم لهم، وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم انتهى.
وقد عقد الجرجاني فصلا للتقديم والتأخير في كتابه الفذ (دلائل الإعجاز) وشرح فيه كلام سيبويه هذا وقال في أوله: " هو باب كثير الفوائد، جم المحاسن، واسع التصرف، بعيد الغاية. لا يزال يفتر لك عن بديعة، ويفضي بك إلى لطيفة ".
فالسياق في سورة آل عمران وارد في تفصيل صفات الذين اتقوا مطلقا، ومنها قوله: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ {سورة آل عمران: 17}
وكلها صفات على نسق واحد ختمت بصفة الاستغفار، وقدم الاستغفار فيها على ذكر وقته الفاضل ـ الذي هو السحر ـ اهتماما واعتناء وتنويها بفضله في نفسه بقطع النظر عن وقته، ويدل على هذا الاهتمام ابتداء هذه الصفات في السياق نفسه بهذه الصفة ذاتها، وهي طلب المغفرة، كما قال تعالى قبلها مباشرة: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {آل عمران:16} .
ولذلك جاء التعبير بالاسم الذي يدل على الثبات والدوام، في حين أن التعبير بالفعل يدل على الحدوث والتجدد.
قال السيوطي: الاسم يدل على الثبوت والاستمرار، والفعل يدل على التجدد والحدوث، ولا يحسن وضع أحدهما موضع الآخر ... والمراد بالتجدد في الماضي الحصول وفي المضارع [ومنه آية سورة الذاريات التي معنا] أن من شأنه أن يتكرر ويقع مرة بعد أخرى (الإتقان في علوم القرآن 2 / 578، 579، وانظر كذلك: البرهان في علوم القرآن 4 / 66،ومباحث في علوم القرآن ص 209، فالحاصل أن اختيار الاسم في هذا السياق أولى؛ إذ هو أدل على ثباتهم على حال الاستغفار واستمرارهم عليه، من بداية حالهم إلى نهايته. فهي صفة لازمة لهم.
بخلاف قوله تعالى في سورة الذاريات: وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {الذاريات:18}
حيث كان الوصف للمحسنين من المتقين، وهم خيرهم وأفضلهم، قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ *كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {الذاريات:18،17،16،15}
ومعلوم أن الإحسان هو أعلى مقامات الدين، فليس المراد مجرد ذكر كونهم يقومون بالليل ويستغفرون، ولكن كونهم لا ينامون من الليل إلا قليلا، وكونهم يستغفرون في أكمل الأحوال وأفضل الأوقات وأشقها استيقاظاً على الناس وأحبها راحة لديهم أو انشغالا بشهواتهم، وهو السحر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" متفق عليه.
وعن أبي أمامة قال: قيل يا رسول الله: أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر. رواه الترمذي وحسنه، وحسنه أيضا الألباني.
ولذلك قالت عائشة: من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر. متفق عليه.
وقال ابن كثير: قال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب أنه قال لبنيه: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي {يوسف: 98} قالوا: أخرهم إلى وقت السحر. اهـ
وعبر هنا بالفعل الذي يدل على الحدوث والتجدد، فإنهم وإن كانوا يمدون صلاتهم إلى السحر، إلا أن حالهم عندئذ ليس بحال المانِّ بعمله المعجب به، وإنما يتجدد لهم في هذا الوقت وهم على تلك الحال من معاني الإيمان ومعرفة الله ما يوجب لهم طلب المغفرة وتكراره، فكانوا كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ {المؤمنون:61،60} فهم يفتتحون قيامهم بالثناء على الله وطلب مغفرته ـ كما هو ثابت في السنة ـ ثم يتجدد لهم ما يدعوهم لإعادته وتكراره في ختامه أيضا، وهذا لكونهم محسنين يعبدون الله كأنهم يرونه، فيحتقرون أعمالهم في جنب الله ويتهمون أنفسهم ويقرون عليها بالتقصير والتفريط في حقه تعالى، كما ثبت أن الملائكة يقولون يوم القيامة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
ثم لا يخفى ما في كل آية من الآيتين من تناسب مع الفواصل السابقة لها في سورتها ورءوس آيها، وهذا أحد علوم القرآن، قال الزركشي: اعلم أن إيقاع المناسبة في مقاطع الفواصل حيث تطرد متأكد جدا، ومؤثر في اعتدال نسق الكلام وحسن موقعه من النفس تأثيرا عظيما. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1429(2/2088)
تفسير: هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير لآية (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا جزء من الآية الثانية من سورة التغابن، وقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن بعض مظاهر قدرة الله تعالى وبديع صنعه وبيان بعض صفاته وكمال ألوهيته، وسعة غناه، وافتقار جميع الخلائق إليه، وتسبيح من في السماوات والأرض بحمد ربها، وأن الملك كله لله، فلا يخرج مخلوق عن ملكه.. ثم ذكر في هذا السياق أنه تعالى خلق العباد وأوجدهم من العدم، وجعل منهم المؤمن المصدق به العامل بشرعه، والكافر الجاحد لألوهيته، فإيمانهم وكفرهم كله بقضاء الله وقدره، فهو الذي جعل لهم القدرة والإرادة التي بها يتمكنون من كل ما يريدون من امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهو سبحانه بصير بأعمالهم لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازى محسنهم بالإحسان ومسيئهم بما يستحق. قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {التغابن:2} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1429(2/2089)
تفسير قوله تعالى (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير: لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت هذه الكلمات ضمن الآية الكريمة: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً {الإسراء:37} ، وهي تنهى عن الخيلاء والتكبر وفيها تهكم بالمختال المتكبر، ومعناها أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئاً، كمن يريد خرق الأرض ومطاولة الجبال لا يحصل على شيء، وقيل: ذكر ذلك لأن من مشى مختالاً يمشي مرة على عقبيه ومرة على صدور قدميه، فقيل له: إنك لن تنقب الأرض إن مشيت على عقبيك، ولن تبلغ الجبال طولاً إن مشيت على صدور قدميك كذا قال البغوي في تفسيره وقال الشوكاني في تفسيره: ولا تمش في الأرض مرحاً.. المرح: قيل هو شدة الفرح، وقيل التكبر في المشي، وقيل تجاوز الإنسان قدره، وقيل الخيلاء في المشي، وقيل البطر والأشر وقيل النشاط. والظاهر أن المراد به هنا الخيلاء والفخر، قال الزجاج في تفسير الآية: لا تمش في الأرض مختالاً فخوراً، وذكر الأرض مع أن المشي لا يكون إلا عليها أو على ما هو معتمد عليها تأكيداً وتقريراً، ولقد أحسن من قال:
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعاً فكم تحتها قوم هم منك أرفع
وإن كنت في عز وحرز ومنعة فكم مات من قوم هم منك أمنع
والمرح مصدر وقع حالاً: أي ذا مرح، وفي وضع المصدر موضع الصفة نوع تأكيد، وقرأ الجمهور مرحاً بفتح الراء على المصدر، وحكى يعقوب عن جماعة كسرها على أنه اسم فاعل، ثم علل سبحانه هذا النهي فقال: إنك لن تخرق الأرض يقال خرق الثوب: أي شقه، وخرق الأرض قطعها، والخرق الواسع من الأرض، والمعنى: أنك لن تخرق الأرض بمشيك عليها تكبراً، وفيه تهكم بالمختال المتكبر ولن تبلغ الجبال طولاً أي ولن تبلغ قدرتك إلى أن تطاول الجبال حتى يكون عظم جثتك حاملاً لك على الكبر والاختيال، فلا قوة لك حتى تخرق الأرض بالمشي عليها، ولا عظم في بدنك حتى تطاول الجبال، فما الحامل لك على ما أنت فيه؟ وطولاً مصدر في موضع الحال أو تمييز أو مفعول له، وقيل المراد بخرق الأرض نقبها لا قطعها بالمسافة، وقال الأزهري: خرقها قطعها. قال النحاس: وهذا أبين كأنه مأخوذ من الخرق، وهو الفتحة الواسعة، ويقال فلان أخرق من فلان: أي أكثر سفراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1429(2/2090)
تفسير: إنه ليس من أهلك..
[السُّؤَالُ]
ـ[قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) سورة هود الآية 46، ما معنى هذه الآية؟
وما معنى قوله تعالى: فلا تسألن ما ليس لك به علم.
وما هي الأدعية التي يمكن أن ندعو بها ونكون بذلك قد سألنا الله تعالى ما ليس لنا به علم؟؟
لا أعرف هل وضحت سؤالي: يعني كيف نتجنب الوقوع في سؤال الله تعالى ما ليس لنا به علم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ معناه إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم لأنه كان مخالفا لدينك وكافرا بالله، وكان ابنه لأن الله تعالى قد أخبر نبيه بذلك.
وهذا التفسير رجحه الطبري والقرطبي وردا قول من زعم نفي نسبه، قال القرطبي: قال ابن عباس: كان ابنه لصلبه وكذلك قال الضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران وغيرهم. وقيل لسعيد بن جبير يقول نوح: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) أكان من أهله؟ أكان ابنه؟ فسبح الله طويلا ثم قال: لا إله إلا الله! يحدث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنه ابنه وتقول إنه ليس ابنه! نعم كان ابنه ولكن كان مخالفا في النية والعمل والدين، ولهذا قال الله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.
قال القرطبي: وهذا هو الصحيح في الباب إن شاء الله تعالى لجلالة من قال به. اهـ
ومعنى قوله تعالى إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ إ نه ذو عمل غير صالح ثم حذف المضاف وجعل نفس العمل، كذا قال الزجاج وغيره، والمراد به الابن وهو كفره وتركه لمتابعة أبيه، وقيل: المراد إن السؤال المنهي عنه في الآية عمل غير صالح أي: سؤالك إياي أن أنجي كافرا عمل غير صالح؛ كما قال الواحدي في التفسير وغيره.
وضابط السؤال الممنوع هو الدعاء بما لا يعلم الإنسان مطابقته للشرع، ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر ويدع الدعاء.
وقال الشوكاني في تفسيره: نهاه عن مثل هذا السؤال، فقال: فلا تسألن ما ليس لك به علم، لما بين له بطلان ما اعتقده من كونه من أهله فرع على ذلك النهي عن السؤال، وهو وإن كان نهياً عاماً بحيث يشمل كل سؤال لا يعلم صاحبه أن حصول مطلوبه منه صواب، فهو يدخل تحته سؤاله هذا دخولاً أولياً، وفيه عدم جواز الدعاء بما لا يعلم الإنسان مطابقته للشرع، وسمي دعاءه سؤالاً لتضمنه معنى السؤال. إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ أي أحذرك أن تكون من الجاهلين؛ كقوله: يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا، وقيل المعنى: أرفعك أن تكون من الجاهلين. قال ابن العربي: وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحاً عن مقام الجاهلين ويعليه بها إلى مقام العلماء العاملين.
وفي ما ذكر رد على سؤالك الأخير فإن دعاء المرء بما يخالف الشرع أو بما لا يعلم موافقته للشرع هو من الدعاء المنهي عنه.
وطريقة الخلاص من هذه الآفة أن لا يحلف الإنسان إلا بما يعرف مطاقبته للشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1429(2/2091)
تفسير: وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت ...
[السُّؤَالُ]
ـ[شجرة تخرج من طور سيناء تنبت..... ما معنى هذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الآية معناها كما ذكر القاسمي رحمه الله في تفسيره فقال: فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا أي: في الجنات: فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَشَجَرَةً بالنصب عطف على جنات وقرئت مرفوعة على الابتداء. أي: ومما أنشئ لكم شجرة: تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ وهو جبل بفلسطين، أو بين مصر وأيلة بفتح الهمزة محل معروف يسمى اليوم العقبة وهو على مراحل من مصر، والشجرة: شجرة الزيتون، نسبت إلى الطور لأنه مبدؤها أو لكثرتها فيه. انتهى.
وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله: ومعنى (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أنها تنبت ملابسة للدهن، فإن ثمرتها تشتمل على الزيت وهو يكون دهناً وصبغاً للآكلين، فأما كونه دهناً، فهو أنه يدهن به الناس أجسادهم ويرجِّلون به شعورهم ويجعلون فيه عطوراً فيرجلون به الشعور، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدَّهن بالزيت في رأسه. {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} سمي الزيت صبغاً لأنه يصبغ به الخبز، وكانوا يأدِمون به الطعام. وفي قراءة: (تُنْبِتُ) ، أي تُنبت هي ثَمرها، أي تخرجه. انتهى.
وما تقدم خلاصة ماذكره المفسرون في هذه الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1429(2/2092)
تفسير قوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله عز وجل {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهٌُ} ؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قوله تعالى: وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ {البقرة:235} ، أي: لا تحققوا العزم على عقد النكاح بالتصريح بخطبة المعتدة حتى تنقضي عدتها.
أما التلميح بذلك والتعريض به، فقد سبق بيان إباحته في قوله تعالى: وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ {البقرة:235} ، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 107856، 3433، 3832.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1429(2/2093)
تفسير قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير قول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابة العزيز: إنا أنزلناه في ليلة القدر.
السؤال الثاني يقول الرسول صلى الله علية وسلم في الحديث الشريف: إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين، فسؤالي: هو كيف نقع في المعاصي والشياطين مصفدة ولماذا يكون عندي السهو في تلاوة القرآن وفي الصلاة وخاصة في رمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى قوله إنا أنزلنه في ليلة القدر أن الله تعالى أنزل هذا القران جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، وسميت ليلة القدر لعلو شأنها وعظم قدرها وفضلها عند الله، أو لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة من الآجال والأرزاق والمقادير كذا في تفسير الطبري وأبي السعود والسعدي، وراجع في فضلها الفتويين التاليتين: 76621، 37275.
وراجع في موضوع تصفيد الشياطين الفتويين: 40357، 39863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1429(2/2094)
تفسير قوله تعالى (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين)
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير آيه 56 من سورة الزخرف، وهل سيكون تدميرا كبيرا من الله عز وجل لأرض مصر يؤيدها آية 137 من سورة الأعراف لأنه ما زال يوجد آثار لرمسيس الثاني فرعون الذي حكم مصر في عصر سيدنا موسى عليه السلام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قوله تعالى: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ {الزخرف:56} ، أي جعلنا قوم فرعون سلفاً لمن عمل عملهم (ومثلاً) أي عبرة لمن يعمل عملهم. قال مجاهد: (سلفاً) لكفار قومك يتقدمونهم إلى النار. وقال قتادة: (سلفاً) إلى النار، (ومثلاً) عظة لمن يأتي بعدهم. والسلف المتقدم، ومنه سلف الرجل: آباؤه المتقدمون، فالمراد أنهم سلف لأهل النار المتأخرين أو أنهم تقدموا قبل الكفار ليكونوا موعظة لهم ومثلاً يعتبرون به لئلا يصيبهم مثل ذلك. كذا في تفسير القرطبي وابن جزي.
فقوم فرعون سلف وعبرة لمن يأتي بعدهم من الفجار وخزائن الله ملأى من أنواع النكال، كما قال الله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ {الأنعام:65} ، ولكنه ليس هذا دليلاً على تدمير أهل مصر لعدم ذكر وعيد لهم خاص في الآية، وليس في آية الأعراف أيضاً دليل عليه لأنها تخبر عما مضى لا عما يستقبل، فقد قال أبو حيان في تفسيره: ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون أي خربنا قصورهم وأبنيتهم بالهلاك والتدمير والإهلاك وإخراب الأبنية، وقيل: ما كان يصنع من التدبير في أمر موسى عليه السلام وإخماد كلمته. وقيل: المراد إهلاك أهل القصور والمواضع المنيعة وإذا هلك الساكن هلك المسكون ... انتهى.
ثم إنه ذكر بعض أهل العلم أن إثبات ما يحكى عن رمسيس أنه فرعون موسى وما يحكى عن آثاره يحتاج لدليل، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 16937.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1429(2/2095)
آيتا الكلالة في سورة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء بيان شرح الآيتين المتعلقتين بالكلالة في سورة النساء وهل تنسخ إحداهما الأخرى أم أنهما مكملتان لبعضهما البعض، وإذا مات رجل وليس له ولد وله أخت وورثت النصف فأين يذهب النصف الآخر، وإذا كان له أخ متوفى وله أولاد فهل يرثون نصيب الأخ المتوفى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن آيتي الكلالة ليس بينهما تعارض وليست إحداهما ناسخة للأخرى، فالأولى منهما تتحدث عن الإخوة من الأم ونقل القرطبى الإجماع عليه وتدل لذلك القراءة الشاذة (وله أخ أو أخت من أم) ، وأما الآية الثانية فتتحدث عن الإخوة الأشقاء أو لأب.
وإذا مات ميت وترك أختاً شقيقة أو لأب وأبناء أخ شقيق أو لأب فإن الأخت ترث النصف، والنصف الآخر يرثه أبناء أخيه، ويدل لهذا ما في حديث الصحيحين: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر.
وإذا كانت الأخت أختاً من الأم فإنها ترث السدس ويرث أبناء أخيه الباقي، وإذا لم يترك الميت من الورثة غير أخته أخذت المال كله فرضاً ورداً.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على المزيد في معنى الآيتين ومسائلهما: 40397، 46811، 50513، 53101، 69011.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1429(2/2096)
تفسير: ثاني اثنين إذ هما في الغار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحكمة في ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الثاني في هذه الآية {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة40) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ثاني هنا ليس المقصود بها الثاني الذي يكون بعد الأول، فالثاني اسم فاعل أضيف إلى الاثنين على معنى (من) أي ثانياً من اثنين.. تقول العرب: ثاني اثنين أي أحد اثنين وهو كثالث ثلاثة ورابع أربعة..، فإذا اختلف اللفظ فقلت رابع ثلاثة وخامس أربعة، فالمعنى صير الثلاثة أربعة بنفسه والأربعة خمسة.. والاثنان هما: النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بتواتر الخبر، وإجماع المسلمين كلهم.
ولكون الثاني معلوماً للسامعين كلهم لم يحتج إلى ذكره، وأيضاً لأن المقصود تعظيم هذا النصر مع قلة العدد، فبين -سبحانه وتعالى- أن نصره قد حصل في الماضي، وأن الله ينصره في المستقبل كما نصره حين كان ثاني اثنين لا جيش معه، فالذي نصره حين كان ثاني اثنين قدير على نصره وهو في جيش عظيم. انتهى ملخصاً من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1429(2/2097)
تفسير قوله تعالى (فبما أغويتني..)
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية:
فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ.
لماذا يقول الشيطان ذلك بينما هو الذي رفض السجود لآدم؟ وهل يغوى الله خلقه أم يهديهم؟ هل الشيطان يخاطب الله بهذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن الإغواء هو الإضلال والإبعاد، والشيطان اللعين خاطب الله سبحانه وتعالى بهذا الكلام، ومعنى قوله: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي أي فبما أوقعت في قلبي من الغي والعناد والاستكبار كما قال القرطبي في تفسيره، وإبليس قال ذلك لعلمه أن الإضلال بيد الله تعالى كما أن الهداية بيده أيضا، فكما أن الله يهدي من يشاء فضلا منه تعالى فهو يضل كذلك من يشاء عدلا كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ {الرعد:27} وكما قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {النحل:93} وكما قال تعالى: فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {فاطر:8} وكما قال تعالى: مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الأنعام:39} والآيات في هذا المعنى كثيرة في القرآن، فإبليس يعلم أن الله تعالى أضله لما في قلبه من الكبر والحسد والبغي، والله تعالى لا يضل إلا الفاسقين كما قال تعالى: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفَاسِقِينَ {البقرة:26} وإبليس فسق كما قال تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ {الكهف:50} فاستحق الإغواء والإضلال جزاء وفاقا، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله يهدي ويضل كما دل على ذلك القرآن والسنة بخلاف بعض الفرق المنحرفة الذين ينفون أفعال الله تعالى وينفون القدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1429(2/2098)
تفسير قوله تعالى (وهو الذي مرج البحرين..)
[السُّؤَالُ]
ـ[مرج البحرين يلتقيان أين هذان البحران الآن، وأين مدينة البصرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا {الفرقان:53} ، والمراد بالبحرين الحلو والمالح، ولا يراد بحران معينان، ومعنى الآية أن الله عز وجل بين أن من دلائل قدرته أنه خلق الماءين: الحلو والملح، فالحلو كالأنهار والعيون والآبار، وهذا هو البحر الحلو العذب الفرات الزلال، والملح كالمحيطات والخلجان الكبيرة وهذا هو البحر الملح، ويمثل المفسرون الأقدمون بدجلة والفرات وويعرفونهما بأنهما نهران جاريان عذبان يصبان في الخليج فوق مدينة البصرة، والبصرة مدينة بالعراق.
قال ابن كثير في التفسير: وقوله تعالى وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج أي خلق الماءين: الحلو والملح، فالحلو كالأنهار والعيون والآبار، وهذا هو البحر الحلو العذب الفرات الزلال، قاله ابن جريج، واختاره ابن جرير ...
وقوله تعالى: وهذا ملح أجاج أي مالح مر زعاق لا يستساغ، وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب: البحر المحيط وما يتصل به من الزقاق، وبحر القلزم، وبحر اليمن، وبحر البصرة، وبحر فارس، وبحر الصين والهند، وبحر الروم، وبحر الخزر، وما شاكلها وما شابهها من البحار الساكنة التي لا تجري.. انتهى.
وقال الشيخ الأمين الشنقيطي في الأضواء:...... يوجد في بعض المواضع اختلاط الماء الملح والماء العذب في مجرى واحد، ولا يختلط أحدهما بالآخر، بل يكون بينهما حاجز من قدرة الله تعالى، وهذا محقق الوجود في بعض البلاد، ومن المواضع التي هو واقع فيها المحل الذي يختلط فيه نهر السنغال بالمحيط الأطلسي بجنب مدينة سان لويس، وقد زرت مدينة سان لويس عام ست وستين وثلاثمائة وألف هجرية، واغتسلت مرة في نهر السنغال، ومرة في المحيط ولم آت محل اختلاطهما، ولكن أخبرني بعض المرافقين الثقات أنه جاء إلى محل اختلاطهما، وأنه جالس يغرف بإحدى يديه عذباً وفراتاً، وبالأخرى ملحاً أجاجاً، والجميع في مجرى واحد، لا يختلط أحدهما بالآخر، فسبحانه جل وعلا ما أعظمه وما أكمل قدرته. انتهى.
ولمعرفة شيء من أقوال علماء الإعجاز العلمي راجع الفتوى رقم: 15350.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1429(2/2099)
تفسير: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسألكم حول تفسير قوله تعالى عندما قال عن خلود المؤمنين في الجنة قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض، وقال أيضا عن الكفار في النار: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض.
ومعروف أن الخلود أبدي، فكيف نفسر قوله: ما دامت السماوات والأرض. مع أنه معروف أن السماوات والأرض تتدمران يوم القيامة ولا يبقى لهما أثر حيث يقول الله في موضع آخر: والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، فكيف يرهن الله بقاء المؤمنين في الجنة وبقاء الكافرين في النار يرهنه بوجود السماوات والأرض مع أنني أعرف أن السماوات والأرض تنتهيان يوم القيامة، ثم أقول ألا يتنافى مفهوم الخلود الأبدي مع كون الخلود مرهونا ببقاء مخلوق مهما كان فهل هناك تناقض بين قول الله مرات عديدة في القرآن: خالدين فيها أبدا. وهو خلود أبدي وبين قوله خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض. حيث إنه رهن هنا الخلود ببقاء مخلوق، وهذا المخلوق زائل مهما كان فهل هذه الآية تنفي مفهوم الخلود الأبدي في الآيات الأخرى. أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في كلام الله تعالى تناقض ولا تضارب حاشا لله أن يتناقض كلامه وهو العليم الخبير الحكيم، ومن شك في ذلك وتخيل وجود تناقض في كلام الله تعالى فهو من الكافرين.
والخلود المذكور في الفريقين أبدي بلا شك ولا ريب دلت على ذلك نصوص القرآن الصريحة الكثيرة، وإنما خاطب الله العرب في هذا الموضع بما هو معروف في لغتهم من التعبير عن الشيء المؤبد الباقي بشبيه دوامه بدوام السماء والأرض ونحو هذا مما يريدون به طولا من غير نهاية.
قال الطبري في تفسيره: ويعني بقوله: ما دامت السموات والأرض: أبدا: وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض، بمعنى أنه دائم أبدًا، وكذلك يقولون: هو باقٍ ما اختلف الليل والنهار. وما سمر ابنا سَمِير، وما لألأت العُفْرُ بأذنابها، يعنون بذلك كله: أبدا. فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم فقال: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا. انتهى.
وقال البيضاوي في تفسيره: خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض ليس لارتباط دوامهم في النار بدوامهما، فإن النصوص دالة على تأبيد دوامهم وانقطاع دوامهما. بل التعبير عن التأبيد والمبالغة بما كانت العرب يعبرون به عنه على سبيل التمثيل، ولو كان للارتباط لم يلزم أيضاً من زوال السموات والأرض زوال عذابهم، ولا من دوامه دوامهما إلا من قبيل المفهوم، لأن دوامهما كالملزوم لدوامه، وقد عرفت أن المفهوم لا يقاوم المنطوق. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1429(2/2100)
تفسير: مغرب الشمس ومطلع الشمس في سورة الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا بالذات عندما وصل ذو القرنين إلى أقصى الغرب كانت الشمس في حالة غروب، وعندما وصل أقصى الشرق كانت في حال شروق، أقصى الشرق لا يختلف عن أقصى الغرب بالنسبة لشروق الشمس وغروبها والشروق والغروب لا يستمر إلا وقتا محددا والشروق يتبعه غروب وكذلك الغروب يتبعه شروق، المتأمل للآيات يشعر وكأن الشمس في المكان الأول كانت في وضع غروب دائم أما في الثاني فكأنها في وضع شروق دائم مما يشعرني مرة أخرى أن هذه التفسيرات ليست هي التفسيرات المقنعة ولكني أعلم أن القرآن الكريم هو كتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وعلى ذلك أعتقد أن للآيات تفسيرا آخر وما ذكره الله فيها هي علامات على أماكن في الكرة الأرضية أنا أتساءل فقط لأنني لست جغرافية هل يمكن تفسير الآيات وهل يمكن أن ينطبق التفسير على الأماكن إذا كانت الحركة من الشمال إلى الجنوب أو العكس وليس من الشرق إلى الغرب، ففي أقصى الشمال مثلا في شهر يونيه يستمر طلوع الشمس في الدائرة القطبية بسبب ميل المحور ويتناقص فترة الطلوع تدريجيا حتى نصل إلى الدائرة القطبية الجنوبية حيث يستمر اختفاء الشمس وتبدو وكأن الشمس تطلع عل الكرة الأرضية من الشمال (مطلع الشمس) وتغرب في الجنوب وقبل المكان الذي يستمر فيه اختفاؤها هناك مكان تظهر فيه الشمس فترة وجيزة جدا، لا تظهر إلا لتختفي وكأنها في حالة غروب، والسؤال هو هل يوجد مكان على الأرض في دائرة عرض ضيقة جدا (أقصى الشمال أو أقصى الجنوب) يحدث فيه الغروب على مقربة من الرائي بحيث يرى الشمس تغرب في عين حمئة ويكون هذا في منطقة مأهولة بحيث يرى عندها قوما، أنا متأكدة من أن آيات القرآن الكريم هذه تنطبق على أماكن محددة وهي كما وصفها الله تعالى وأريد أن يوفقني الله في معرفة ذلك ولا يقول أحد إن هذا علم لا ينفع وجهل لا يضر فما دام الله قد وصف هذه الأماكن فلابد أن هناك حكمة وربما عندما نرى أن هذا الوصف قد انطبق على أماكن محددة فعلا يكون هذا دليل لغيرنا لأننا متيقنون أن القرآن هو كلام الله العظيم فهل تعينوني على فهم هذا إن أمكن وجزاكم الله كل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المتأمل للآية وتفسيرها لا يلاحظ فيها ما ذكرته السائلة في كون الشمس في شروق دائم أو غروب دائم، ومغرب الشمس المراد به أقصى الأرض من ناحية المغرب، وهكذا مطلع الشمس، ويحتمل أن يكون ذو القرنين وصل مطلع الشمس عند وقت طلوعها، ووصل مغرب الشمس عند وقت غروبها، كما يحتمل أن يكون جاء في غير ذلك الوقتين واطلع على حال طلوعها وغروبها.
واعلمي أن المفسرين قد ذكروا أن الشمس تختلف مشارقها ومغاربها باختلاف أيام السنة في الصيف والشتاء، فتكون تارة تطلع من أقصى الشمال الشرقي وتارة من أقصى الجنوب الشرقي.
قال الشوكاني: في تفسير قوله تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ {المعارج:40}
قال: يعني مشرق كل يوم من أيام السنة ومغربه. اهـ
وراجعي في معنى غروبها في عين حمئة وفي اختلاف مشارقها ومغاربها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10562، 72121، 110627.
ويمكنك أن تراجعي في الأمر بعض المتخصصين في الجغرافيا والإعجاز العلمي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1429(2/2101)
الحكمة من التصريح باسم مريم في القرآن دون غيرها من النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكر تعاونكم معنا وأجركم الله إن شاء الله، سؤالي هو لماذا لم يرد في القرآن الكريم أي من أسماء سيداتنا وأمهاتنا إلا مريم عليها السلام، فلم يرد اسم خديجة أو آمنه أو فاطمة وحتى سيدتنا آسيا بنت عمران ولا بلقيس ولقد علمنا أسماءهن مما قرأنا من الكتب حتى اسم حواء لم يرد راجين تعاونكم في إفهامي لهذا الموضوع ولكم جزيل الشكر والتقدير؟ أختكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص أهل العلم على الحكمة في ذلك، فقال القرطبي: لم يذكر الله عز وجل امرأة وسماها باسمها في كتابه إلا مريم ابنة عمران، فإنه ذكر اسمها في نحو من ثلاثين موضعاً، لحكمة ذكرها بعض الأشياخ، فإن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في الملأ، ولا يبتذلون أسماءهن، بل يكنون عن الزوجة بالعرس والأهل والعيال ونحو ذلك، فإن ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر والتصريح بها، فلما قالت النصارى في مريم ما قالت وفي ابنها، صرح الله باسمها، ولم يُكنِّ عنها بالأموَّة والعبودية التي هي صفة لها، وأجرى الكلام على عادة العرب في ذكر إمائها.
وذكر الزركشي نحو ذلك، وزاد في البرهان في علوم القرآن: ومع هذا فإن عيسى لا أب له، واعتقاد هذا واجب، فإذا تكرر ذكره منسوباً إلى الأم استشعرت القلوب ما يجب عليها اعتقاده من نفي الأب عنه، وتنزيه الأم الطاهرة عن مقالة اليهود لعنهم الله.
وممن ذكر نحو كلام القرطبي ابن التلمساني في شرح الشفاء للخفاجي، والسهيلي فيما نقله عنه السيوطي في الإتقان في علوم القرآن، وابن عاشور في التحرير والتنوير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1429(2/2102)
تفسير: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام،
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام، ما المقصود بـ بحيرة، سائبة، وصيلة، حام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس في الكلام على ذكر تلبيس إبليس على الجاهلية: ومنها البحيرة وهي الناقة تلد خمسة أبطن فإن كان الخامس أنثى شقوا أذنها وحرمت على النساء، والسائبة من الأنعام كانوا يسيبونها ولا يركبون لها ظهراً ولا يحلبون لها لبنا، والوصيلة الشاة تلد سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكراً أو أنثى قالوا وصلت أخاها فلا تذبح وتكون منافعها للرجال دون النساء، فإذا ماتت اشترك فيها الرجال والنساء.
والحام الفحل ينتج من ظهره عشرة أبطن فيقولون قد حمى ظهره فيسيبونه لأصنامهم ولا يحمل عليه، ثم يقولون إن الله عز وجل أمرنا بهذا، فذلك معنى قوله تعالى: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام، ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب. ثم الله عز وجل رد عليهم فيما حرموه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وفيما أحلوه بقولهم: خالصة لذكورنا، ومحرم على أزواجنا، قال الله تعالى: قل آلذكرين حرم أم الأنثيين المعنى: إن كان الله تعالى حرم الذكرين فكل الذكور حرام، وإن كان حرم الأنثيين فكل الإناث حرام، وإن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فإنها تشتمل على الذكور والإناث فيكون كل جنين حراماً.. انتهى.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 52981.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1429(2/2103)
من حكم عدم التعرض للتمنية في هذه الآية
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية 120 من سورة النساء: يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، لماذا اقتصر فقط على وما يعدهم الشيطان إلا غرورا لماذا لم يقل وما يعدهم الشيطان وما يمنيهم إلا غرورا، لماذا لم يذكر يمنيهم في آخر الآية، لماذا اقتصر على يعدهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن لأسلوب القرآن الكريم في التقديم والتأخير والحذف والذكر حكم بالغة ونكت بلاغية قد يعلمها ويجهلها من يجهلها.
وقد ذكر أهل التفسير أن من حكم عدم التعرض للتمنية في الآية المشار إليها، لأنها من باب الوعد ... أو لأن الوعد والأمنية متقاربان في المعنى فاكتفى بذكر أولهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1429(2/2104)
مسائل في قوله تعالى (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب)
[السُّؤَالُ]
ـ[فى سورة الأنبياء الآية (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) ، أليس السجل هو الكتاب، يعني تكرار لنفس الكلمة أم يوجد فرق بين السجل والكتب، ولماذا المفرد للسجل والكتب جمع؟ ولماذا بعض الأشخاص يقرأ الكتاب مفرد، وهل ذكر الكتب تكرار للتأكيد أم يوجد فرق بين السجل والكتب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن الجوزي في زاد المسير أربعة أقوال في معنى السجل: أحدها: أنه ملك، قاله علي بن أبي طالب وابن عمر والسدي.
والثاني: أنه كاتِب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.
والثالث: أن السجل بمعنى الرجل، روى أبو الجوزاء عن ابن عباس قال: السجل هو الرجل. قال شيخنا أبو منصور اللغوي: وقد قيل (السجل) بلغة الحبشة: الرجل.
والرابع: أنه الصحيفة رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد والفراء وابن قتيبة وقرأت على شيخنا أبي منصور قال: قال ابن دريد: السجل: الكتاب. والمعنى: كما يُطوى السجل على ما فيه من كتاب. (واللام) بمعنى (على) ، وقال بعض العلماء: المراد بالكتاب: المكتوب، فلما كان المكتوب ينطوي بانطواء الصحيفة، جعل السجل كأنه يطوي الكتاب. انتهى.
وقال الماوردي في تفسيره (النكت والعيون) : فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن السجل الصحيفة تطوى على ما فيها من الكتابة، وهذا قول مجاهد وقتادة.
الثاني: أنه الملك.
الثالث: أنه كاتب يكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا قول ابن عباس. انتهى.
وأما القراءات في قوله تعالى (للكتب) فقال ابن الجزري في النشر: قرأ حمزة والكسائي وخلف وحفص (للكتب) بضم الكاف والتاء من غير ألف على الجمع، وقرأ الباقون بكسر الكاف وفتح التاء مع الألف على الإفراد. انتهى. وفي هذا جواب على قولك: ولماذا بعض الأشخاص يقرأ الكتاب مفرداً؟ فهي قراءة متواترة.
وأما توجيه هذه القراءات من حيث المعنى، فقال الشاطبي في إبراز المعاني من حرز الأماني: القراءة دائرة بين الجمع والإفراد، قد سبق لهما نظائر، فالكتب جمع كتاب، والكتاب في الأصل مصدر كتب كتاباً، مثل بنى بناء، ثم قيل للمكتوب كتاب.
وقد اختلف في معنى السجل، فقيل: هو ملك يطوي صحائف بني آدم، وقيل: كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى على هذين القولين ظاهر، أي كما يطوي السجل الكتاب أو الكتب، فالمفرد اسم جنس يغني عن الجمع، فهو واحد يراد به الكثرة، وقد سبق تفسير هذه الآية في الفتوى رقم: 35709.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1429(2/2105)
تفسير قوله تعالى: (قال فإنك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تبارك وتعالى عن إبليس: فإنك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم. فهل هناك أحد غيره من المنظرين وخصوصا أنها جاءت في صيغة الجمع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهناك غير إبليس - لعنه الله - من المنظرين.
قال صاحب التحرير والتنوير عند تفسير قوله تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله {الزمر:68} : أي إلا من أراد الله عدم صعقه وهم الملائكة والأرواح، بل لا تصعق عند النفخة الأولى استثناءً من كل الأحياء ونظيرتها في سورة النمل"ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات والأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين" [النمل:87] .
وروى عن مقاتل أن المنظرين: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو هريرة: الشهداء وروي عنه مرفوعا، وعن الضحاك: الحور وخزنة النار وحملة العرش. وقال بعض أهل العلم: لم يرد نص صحيح يحددهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1429(2/2106)
معنى: ومن الناس من يعبد الله على حرف
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع أن أجعل نفسي ممن لا يعبد الله على حرف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن معنى كون الإنسان يعبد الله على حرف معناه أن يعبده على شك؛ كما في قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ {الحج:11} .
قال البغوي: أكثر المفسرين قالوا: على شك. انتهى.
وقال القرطبي: وقيل على حرف أي على وجه واحد وهو أن يعبده على السراء دون الضراء. انتهى.
ولا تعارض بين القولين لأن الشاك لا يلبث أن ينتكس في الضراء، وعلى هذا فمن أراد أن لا يكون ممن عنتهم الآية الكريمة، وأن ينأى بنفسه عن عبادة الله على حرف فليؤمن إيمانا ملؤه اليقين بلا أدنى شك، وليوطن نفسه على أن يعبد الله في السراء والضراء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(2/2107)
تفسير: قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم) ما اسم الشخص الذي قال هذا الكلام لسيدنا سليمان (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) ؟ وما هي صلة القرابة بين هذا الرجل ونبي الله سليمان؟ وما هي الواسطة التي جاء بها العرش من سبأ في اليمن إلى مكان النبي سليمان في بلاد الشام وكيف انتقل وقطع هذه المسافة الشاسعة؟ وكم المدة الزمنية التي استغرقت في نقل العرش من اليمن إلى الشام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن الكريم لا يهتم بهذه التفاصيل الجزئية كأسماء الأشخاص وغيرها مما لا تترتب عليه فائدة ولا ينبني عليه حكم.. ولو كانت فيها فائدة لذكرها لنا؛ فالقصص في القرآن الكريم تأتي للدروس والعظات والعبر.. كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ {يوسف:111}
وبالنسبة لسؤالك فإن خلاصة ما ذكره أهل التفسير عما سألت عنه حول الآية الكريمة في اسم الذي أتى بالعرش؛ فإن أكثر أهل التفسير على أن اسمه آصف بن برخيا وكان صديقا صالحا، وكان قريبا لسليمان؛ قيل إنه ابن خالته، وقيل إنه سليمان نفسه، وهو الذي رد على العفريت قائلا: قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ {النمل:40}
وأما الوسيلة التي اتخذها للإتيان بالعرش؛ فهي دعاء الله تعالى باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، وقد قَطع المسافة المذكورة بقدرة الله تعالى التي لا يعجزها شيء في المدة الزمنية التي أشارت إليها الآية المذكورة بارتداد طرف العين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(2/2108)
الدروس المستفادة من سورة المسد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الدروس المستفادة من سورة المسد؟ وهل هي عامة في كل من قام بفعل أبي لهب؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الدروس المستفادة من هذه السورة الكريمة ما ذكره الشيخ أبوبكر الجزائري في أيسر التفاسير:
1- بيان حكم الله بهلاك أبي لهب وإبطال كيده الذي كان يكيده لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- لا يغني المال ولا الولد عن العبد شيئا من عذاب الله إذا عمل بمساخطه وترك مراضيه.
3- حرمة أذية المؤمنين مطلقا.
4- عدم إغناء القرابة شيئا من الشرك والكفر؛ إذ أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في النار ذات اللهب اهـ.
وقال ابن كثير في تفسيره: قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ. فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما لا ظاهرًا ولا باطنًا، لا مسرًا ولا معلنًا، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في مطلع تفسير هذه السورة: هذا القرآن فيه من الدلالات الكثيرة ما يدل دلالة واضحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حق، ليس يدعو لملك ولا لجاه، ولا لرئاسة قومه ...
ثم لا شك أن كل من تشبه بأبي لهب وامرأته في أفعالهما يكون لهما نصيب من هذا الوعيد لهما بقدر شبهه بهما، فإن الله حكم عدل، قال تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ {الأنعام: 132} وقال سبحانه: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (الأحقاف: 19) .
فكل من كفر وكذب يناله الوعيد ولا تنفعه قرابة نبي ولا غيره.
ولكن لا يمكن أن يشبه أحد أبا لهب من كل وجه، فإنه كان عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان ـ كما يقول السعدي ـ: شديد العداوة والأذية للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا فيه دين، ولا حمية للقرابة -قبحه الله- فذمه الله بهذا الذم العظيم، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة. اهـ.
فمثلا أخوه أبو طالب كان كافرا مثله إلا أنه كان يحمي النبي صلى الله عليه وسلم ويدفع عنه، فجازاه الله على ذلك، فقد قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عمك؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. رواه البخاري ومسلم.
في حين كان أبو جهل – مثلا - كأبي لهب في العداوة والأذية، بل أشد، حتى وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه فرعون هذه الأمة، كما في مسند أحمد. ولكنه لم يكن قريبا للنبي صلى الله عليه وسلم كأبي لهب، فلم تكن عداوته في القبح والشناعة كعداوة أبي لهب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(2/2109)
وجه تقديم الكفارة على الدية والعكس في قتل المعاهد
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92 النساء)
فكانت عقوبة القاتل لمؤمن من قوم مؤمنين عتق رقبة ودفع دية وعقوبة القاتل لمقتول من قوم بينهم وبين المسلمين عهد دفع دية وعتق رقبة فكما هو واضح أن العقوبة نفسها فيما لو كان المقتول مؤمن من قوم مؤمنين والذي اختلف فقط الترتيب. فان كان المقتول مؤمنا كان أولا دفع دية لأهله ثم عتق رقبة ولو كان المقتول من قوم بينهم وبين المسلمين عهد كان دفع دية ثم عتق رقبة. فما الحكمة من هذا الاختلاف في الترتيب رغم أن العقوبة نفسها؟ بارك الله بكم]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لاشك أن التقديم والتأخير في القرآن الكريم له حكمة.. علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولعل تقديم العتق في الحكم الأول هو تقديم لحق الله تعالى، وتقديم الدية في الحكم الأخير للإسراع بها لئلا يظن المعاهدون أن المسلمين نقضوا عهدهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب في الأصل، وإن كان التقديم والتأخير في القرآن الكريم -وغيرهما من الأساليب- له غرض ومعنى خاص علم ذلك من علمه وجهله من جهله، وهذا من إعجاز القرآن.
وقد اختلف أهل العلم في سر التقديم والتأخير في هذه الآية الكريمة؛ فذكر بعضهم أن السر في تقديم الدية على العتق فيمن قتل من المعاهدين هو الحث على المبادرة بدفعها إلى أهل القتيل حتى لا يتوهموا خفر الذمة ونقض العهد من المسلمين.
قال الألوسي في روح المعاني: ولعل تقديم هذا الحكم.. مع تأخير نظيره فيما سلف للإشعار بالمسارعة إلى تسليم الدية تحاشياً عن توهم نقض الميثاق.
وقال الزركشي في البرهان: قدم الكفارة على الدية وعكس في قتل المعاهد.. ووجهه أن المسلم يرى تقديم حق الله على نفسه، والكافر يرى تقديم نفسه على حق الله، ثم قال: وقال ابن أبي هريرة سعيد: إنما خالف بينهما ولم يجعلهما على نسق واحد لئلا يلحق بهما ما بينهما من قتل المؤمن في دار الحرب في قوله: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة.. فضم إليه الدية إلحاقا بأحد الطرفين فأزال هذا الاحتمال باختلاف اللفظين.
وقال بعضهم: لعل تأخير الدية عن العتق في الحكم الأول لأجل السياق.. حتى يكون الاستثناء مواليا للدية.
وقد تضمنت الآية الكرية باختصار ما يلي:
- بيان أن المؤمن الحق يمتنع ويستحيل أن يقع منه القتل العمد للمؤمن.
- بيان جزاء القتل الخطأ وهو تحرير رقبة مؤمنة ودية تسلم إلى ورثة المقتول.
- إذا كان القتيل مؤمناً وكان من قوم كافرين محاربين فالجزاء تحرير رقبة مؤمنة فقط، ولا دية؛ إذ لا تعطى الدية لعدو يستعين بها على حرب المسلمين.
- إذا كان القتيل من قوم كفرة لهم ذمة أو بين المسلمين وبينهم ميثاق وعهد فحكمه حكم مسلم من المسلمين؛ فالواجب في حقه الدية لأهله؛ لاحترامهم بما لهم من العهد والميثاق.. وتحرير رقبة مؤمنة حق الله تعالى.
- من لم يجد الرقبة صام شهرين متتابعين.
وَكَانَ الله عَلِيماً بجميع الأشياء حَكِيماً في كل ما شرع وقضى من الأحكام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1429(2/2110)
الصفات في سورة الماعون واردة في شأن المنافقين
[السُّؤَالُ]
ـ[أفهمني الله عز وجل في سورة الماعون أنه عندما قال: بسم الله الرحمن الرحيم أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. أن هذه صفات يتحلى بها الساهون عن الصلاة وذلك لكون الفاء في الآية التي تليها فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ وفهمت أن خطورة السهو عن الصلاة وما ينتج عنها في أوائل سورة الماعون لذلك توعد الله الساهين عنها لضمان سعادة أوليائه في الدنيا والآخرة، فما قولكم في صحته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصفات المذكورة هي صفات خبيثة اتسم بها المنافقون كما ذكره ابن عباس ومجاهد والإمام مالك فيما نقله الألوسي في روح المعاني، فقد وصفهم الله تعالى بسوء الاعتقاد وهو التكذيب بيوم الدين، وسوء الأخلاق والقسوة في المعاملة، ثم توعدهم بالويل على تلك القبائح مع إبراز جملة أخرى من قبائحهم، وهي تضييع الصلاة والرياء والبخل لإفادة أنهم جمعوا بين سوء معاملة الله ومعاملة الخلق كما وصفهم بمثل ذلك في آيات أخرى، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيل اً {النساء:142} ، وكقوله تعالى: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {التوبة:67} ، وأما الفاء المذكورة في الآية فهي فاء السببية كما ذكره صاحب الدر المصون، وذكر الشوكاني أنها جاءت لترتيب الدعاء عليهم بالويل على ما ذكر من قبائحهم.
وبناء عليه فإنها لا تفيد ما ذكرت، وراجع في ذلك الفتويين الآتيتين: 25784، 10244.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1429(2/2111)
تفسير: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة يقول المولى عز وجل (قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً) السؤال لماذا جعل الهبة إلى جبريل وليس لله عز وجل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
اعلم - رحمك الله - أن الواهب لمريم هو الله عز وجل، وقد قرأ هذه الآية أبو عمرو وورش ليهب لك غلاماًً زكياًً، وبهذه القراءة يتضح المراد، وتحمل عليه القراءة الأخرى لأهب لك وهي قراءة الباقين من القراء.
وفي معنى إسناد الهبة إلى جبريل أقوال:
الأول: أي أكون سبباًً في هبة الغلام بالنفخ في الدرع، وهذا ما رجحه العلامة الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان.
الثاني: أن قول جبريل {لأهب لك} حكاية منه لقول الله تعالى، فيصير المعنى: إني أنا رسول ربك، فقد أرسلني وقال لي: أرسلتك لأهب غلاماًً، أي أنه أرسلني إليك بهذه الهبة.
الثالث: أضاف الهبة إليه لأنه هو الذي أعلمها بها. أي لأنه قد ينسب الفعل إلى الآمر به، وإلى من يتولى القيام به.
وأرجح هذه الأقوال هو القول الأول الذي اختاره الشيخ الشنقيطي رحمه الله لأنه الموافق للقراءة الثانية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1429(2/2112)
الجبل الذي تجلى الرب له.. هل باق إلى الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الله عز وجل أنه وعد موسى عند الجبل واختلف الناس كما سمعت في هذا الجبل ولكن هناك ما حيرني فالله يقول أنه تجلى للجبل وخسف وهم يقولون الله واعده عند جبل الطور؟ وأنا على حسب ما فهمت المفروض أن الجبل خسف، أرجو الإجابة على هذا الإشكال، جزاكم الله خيرا........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إنه لا إشكال بين النصوص الشرعية في مواعدة موسى عند الجبل ثم دك الجبل، فالله واعده أولا فجاء موسى إلى المواعدة، ولما سأل الرؤية دك الله الجبل، ولكن الإشكال واقع بين النصوص وبين كلام الناس حيث ذكروا أن الجبل باق إلى الآن، وذهب كثير من اهل العلم إلى أن المواعدة كانت عند جبل الطور، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن العالية كما نقله القرطبي والبغوي والألوسي وغيرهم، وروي عن بعضهم أن الطور يطلق على كل جبل، وقيل على كل جبل منبت، وقيل إن كلمة الطور كلمة سريانية ومعناها الجبل، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجبل الذي كلم الله موسى عنده اسمه زبير كأمير، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك كما نقله البغوي والخازن وابن الجوزي، والمتيقن حصوله ما ثبت في القرآن من دك الجبل؛ لقوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا {الأعراف: 143} ، ومعنى دكا أنه صار مستويا مع وجه الأرض كما نقله ابن حجر عن أبي عبيدة.
فإذا كان الجبل المدكوك غير محدد أو كان زبيرا فلا إشكال في الموضوع، حيث إنهما جبلان مختلفان، وإذا كان الجبل هو الجبل المعروف بالطور أو بطور سيناء، وكان طور سيناء موجودا الآن قائما منتصبا، فإن الأمر لا يخلو من حالين: الأولى: أن الله أعاد الجبل مكانه بعد دكه، فقد ذكر بعض المعاصرين أن الطور دك حتى ساخ في الأرض ثم رفعه الله على بني إسرائيل بعد ذلك كما قال: وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، ثم أعاده في محله.
الثانية: أن الناس مخطئون في القول ببقاء جبل الطور، فقد ذكر بعض الباحثين نقلا عن موقع الدكتور زغلول النجار أنه تم التوصل أن جبل الطور قد دك في الأرض مرة ثم رفع من الأرض مرة أخرى بعد ذلك فجعله الله معلقا بين السماء والأرض كأنه ظلة فوق بني إسرائيل، ثم رجع في مكانه بعد ذلك، والله أعلم بالحقيقة.
وعلى أية حال فالذي يتعلق به الإيمان هو ما ورد في النصوص المعصومة من دك الجبل وحصول المواعدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1429(2/2113)
تفسي قوله تعالى: بدت لهما سوآتهما
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتناقش مع بعض الأخوة والمشكلة هناك خرافات كثيرة تروى المهم سؤالي هو:
قال تعالى: فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة...." ما هو تفسير هذه الآية وهل كان سيدنا آدم وأمنا حواء مستوري العورة ثم انكشفت؟ وما هو الستر؟ ثم ألم تكن حواء زوج سيدنا آدم في الجنة بمعنى الزوجية فلم يستتران من بعضهما؟ وما هي الروايات من القرآن والسنة؟ ؟ بارك الله بكم وجزاكم كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال تعالى: فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ {الأعراف: 22}
قال السعدي: {فَدَلاهُمَا} أي: نزلهما عن رتبتهما العالية، التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي إلى التلوث بأوضارها، فأقدما على أكلها {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} أي: ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة، فصار للعري الباطن من التقوى في هذه الحال أثر في اللباس الظاهر، حتى انخلع فظهرت عوراتهما، ولما ظهرت عوراتهما خَجِلا وجَعَلا يخصفان على عوراتهما من أوراق شجر الجنة، ليستترا بذلك {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} وهما بتلك الحال موبخا ومعاتبا: أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ، فلم اقترفتما المنهي، وأطعتما عدوَّكُما.
وقوله تعالى: (بدت لهما سوآتهما) يدل بوضوح على أن عورتهما لم تكن بادية، وأن الستر كان حاصلا، قال قتادة: كانا لا يريان سوآتهما.
وقال الواحدي: تهافت لباسهما عنهما فأبصر كل واحد منهما عورة صاحبه فاستحييا.
قال الشوكاني: كانا لا يريان عورة أنفسهما ولا يراها أحد من الآخر.
وقد اختلف أهل العلم في حقيقة لباسهما قبل المعصية، فمن قائل إنه كان من جنس الأظفار، ومن قائل إنه كان نورا، ومن قائل إنه كان من لباس الجنة.
قال الطبري: انكشفت لهما سوآتهما لأن الله أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة فسلبهما ذلك بالخطيئة.
وفي تفسير ابن كثير عن أبي بن كعب قال: كان آدم رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس، فلما وقع فيما وقع فيه من الخطيئة بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها ...
وعن ابن عباس قال: كان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما ... وقال وهب بن منبه: كان لباس آدم وحواء نورا على فروجهما لا يرى هذا عورة هذه ولا هذه عورة، هذا فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوآتهما. رواه ابن جرير بإسناد صحيح إليه.
وعن ابن عباس قال: قبل أن ازدردا أخذتهما العقوبة، والعقوبة ظهرت لهما عوراتهما، وتهافت لباسهما حتى أبصر كل واحد منهما ما ووري عنه من عورة صاحبه، وكان لا يريان ذلك.
وقال ابن عطية: قيل: تخرقت عنهما ثياب الجنة وملابسها وتطايرت تبريا منهما.
وقال الشوكاني: ظهرت لهما عوراتهما بسبب زوال ما كان ساترا لها وهو تقلص النور الذي كان عليها.
وقال النسفي: قيل: كان لباسهما من جنس الأظفار، أي كالظفر بياضا في غاية اللطف واللين، فبقي عند الأظفار تذكيرا للنعم وتجديدا للندم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1429(2/2114)
الخيانة في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الخيانة التي ذكرها الله في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخيانة مذمومة بصفة عامة وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن خيانة الله ورسوله، ونهى عن خيانة الأمانة وقال إنه لا يحب الخائنين، فأي خيانة هنا يقصدها السائل؟ وإذا كان المراد الخيانة المنسوبة لامرأتي نوح ولوط عليهما السلام فإنها لم تكن فيما يتعلق بالزنا؛ كما قال أهل العلم بل كانت في الكفر، فكانت امرأة نوح تقول لقومها إنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 53577.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1429(2/2115)
لماذا الإفرد في (صلاتهم) في أول المؤمنون ثم مجيئها بالجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في سورة المؤمنون في الآية الثانية: الذين هم في صلاتهم خاشعون. [المؤمنون/2] . وجاء في الآية التاسعة: والذين هم على صلواتهم يحافظون. [المؤمنون/9] فلماذا أتت في الأولى كلمة الصلاة مفردة وفي الثانية بصيغة الجمع؟ وهل يجوز قراءة صلواتهم بصورة مفردة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أشار ابن عاشور رحمه الله تعالى في كتابه التحرير والتنوير إلى أنه: جيء بالصلوات بصيغة الجمع - يعني في الآية التاسعة - للإشارة إلى أن المحافظة على أعدادها كلها تنصيصا على العموم. انتهى.
وهذا يشعر بأن لفظ الصلاة جاء مفردا في أول السورة لأن العدد غير مراد؛ وإنما المراد جنس الصلاة لأنه ذكر الخشوع وهو مطلوب شرعا في كل صلاة حتى النافلة.
وأما هل يجوز قراءة صلواتهم بالإفراد في الآية التاسعة؟ فجوابه نعم لمن قرأ بقراءة حمزة والكسائي وخلف، فهي في قراءاتهم بالإفراد، كما قال ابن الجزري في طيبة النشر في القراءات العشر. وفي قراءة الجمهور بالجمع، فكلا القراءتين متواترة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(2/2116)
تفسير قوله تعالى (ترجعونها إن كنتم صادقين)
[السُّؤَالُ]
ـ[الاية87 من سورة الواقعة لماذا لم يقل الله فارجعوها بدل ترجعونها.
أقرأ في سورة يوسف: يوسف أعرض عن هذا لماذا لم يذكر الله عز وجل حرف النداء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قول الله تعالى في سورة الواقعة ترجعونها إن كنتم صادقين أي فهلا ترجعون هذه النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول ومقرها من الجسد إن كنتم غير مدينين.
قال ابن عباس: يعني محاسبين، ولا يصح أن يقال فأرجعوها لأن كلمة لولا لا تدخل على فعل الأمر وإنما تدخل على الفعل المضارع وتختص به إذا جاءت للتحضيض أو العرض كقوله تعالى: لولا تستغفرون الله، وقوله: لولا أخرتني، وتدخل على الماضي وتختص به إذا جاءت للتوبيخ أو التنديم كقوله تعالى: لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء، وكقوله تعالى: فولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة، وقد ذكر ابن هشام في مغني اللبيب حالات لولا وما تدخل عليه من الأسماء والأفعال بشيء من التفصيل.
وأما حذف حرف النداء في قوله تعالى: يوسف أعرض عن هذا.. فقد قال العلماء حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث وفيه تقريب له وتلطيف لمحله..
وإننا ننصح الأخ السائل ونحثه على طلب العلم بالطريقة الصحيحة وهي البدء بصغار العلم -في كل فن من فنون العلم – قبل كباره، وانظر الفتوى رقم: 4131.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1429(2/2117)
تفسير قوله تعالى (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الآية 94 من سورة يونس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية التي أشرت إليها هي قوله تعالى: فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {يونس:94} .
اختلف المفسرون في الخطاب في هذه الآية فقيل موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى حينئذ: إذا كنت في شك مما نزل عليك من الوحي فاسأل أهل الكتاب المنصفين وعلماءهم الراسخين ليزيلوا عنك هذا الشك ويقروا لك بصدق ما أخبرت به ومواقفته لما معهم.
وقيل الخطاب موجه للمشركين عبدة الأوثان فيكون المعنى حينئذ قل يا محمد لهؤلاء المشركين إذا كنتم في شك من هذا القرآن فاسألوا الراسخين في العلم من أهل الكتاب أمثال عبد الله بن سلام فسيخبرونكم بصدقه لأن عبدة الأوثان كانوا يقرون لأهل الكتاب بأنهم أعلم منهم لوجود الكتب السماوية عندهم.
قال الإمام القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ.. الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره، أي لست في شك ولكن غيرك شك. قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد: سمعت الإمامين ثعلباً والمبرد يقولان: معنى فإن كنت في شك أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك. فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك أي يا عابد الوثن إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود، يعني عبد الله بن سلام وأمثاله، لأن عبدة الأوثان كانوا يقرون لليهود أنهم أعلم منهم من أجل أنهم أصحاب كتاب، فدعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يسألوا من يقرون بأنهم أعلم منهم، هل يبعث الله برسول من بعد موسى، وقال القتبي: هذا خطاب لمن كان لا يقطع بتكذيب محمد ولا بتصديقه صلى الله عليه وسلم بل كان في شك. وقيل: المراد بالخطاب النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره، والمعنى: لو كنت يلحقك الشك فيما أخبرناك به فسألت أهل الكتاب لأزالوا عنك الشك. وقيل: الشك ضيق الصدر، أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر، واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك صبر الأنبياء من قبلك على أذى قومهم وكيف عاقبة أمرهم.. والشك في اللغة أصله الضيق. يقال: شك الثوب أي ضمه بخلال حتى يصير كالوعاء، وكذلك السفرة تمد علائقها حتى تنقبض، فالشك يقبض الصدر ويضمه حتى يضيق، وقال الحسين بن الفضل أو بكر الفاء مع حروف الشرط لا توجب الفعل ولا تثبته، والدليل على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال لما نزلت هذه الآية: والله لا أشك -ثم استأنف الكلام فقال- لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين أي الشاكين المرتابين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(2/2118)
تفسير قوله تعالى (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونا أيها السادة العلماء بتفسير قوله تعالى (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله..) إلى آخر الآية؟ فجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {الفتح:10} .
والمعنى: إن الذين يبايعونك يا محمد بالحديبية على أن لا يفروا، إنما يبايعون الله لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة، يد الله فوق أيديهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يد الله بالوفاء بما وعدهم من الخير فوق أيديهم، وقال السدي: كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه، ويد الله فوق أيديهم في المبايعة.. فمن نكث، نقض البيعة، فإنما ينكث على نفسه، عليه وباله، ومن أوفى بما عاهد عليه الله، ثبت على البيعة فسيؤتيه أجراً عظيماً وهو الجنة ... انتهى من تفسير البغوي مختصراً.
وهذه الآية الكريمة نزلت في بيعة الرضوان في صلح الحديبية لما بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على القتال في سبيل الله وعدم الفرار، فرضي الله عن الصحابة أجمعين، وانظر للأهمية الفتوى رقم: 17967.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(2/2119)
ميثاق النبيين المذكور في سورتي آل عمران والأحزاب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم. يقول الله تعالى في سورة آل عمران: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنون به ولتنصرنه ... أيقصد تعالى بهذا الميثاق الميثاق الذي ذكره في سورة الأحزاب؟ حيث يقول تعالى: وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ... الشيء الذي يثير حيرتي هو أن الميثاق في سورة الأحزاب اتخذه كذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والميثاق في سورة ال عمران يبشر بقدوم نبي يؤمن به جميع الأنبياء؟ أسأل الله أنكم قد فهمتم ما أقصده. والحمد لله ولا إله إلا الله وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصل الميثاق في اللغة العهد، ومحصل ما ذكره أهل التفسير أن العهد في هاتين الآيتين معناه واحد وهو أن الله تعالى قد أخذ على جميع الأنبياء إقامة الدين والدعوة إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، وأن يصدق بعضهم بعضا، وهذا القدر يدخل فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد زادت آية آل عمران التنصيص على أمر وهو ما ورد عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به وينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(2/2120)
معنى بلوغ الأشد وزمن بداية محاسبة العبد على أعماله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يبلغ الإنسان أشده في سن الأربعين؟ ولا يحاسب على أعماله قبل هذه السن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بلوغ الأشد معناه استحكام قوة شباب الإنسان وعقله وهو يبدأ من البلوغ إلى الأربعين سنة كما قال البغوي في تفسير قوله تعالى: حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة، وقد ذكر الشوكاني أقوالا في بلوغ الأشد ومنها قول الشعبي وأبي زيد أنه الحلم وقول آخر أنه بلوغ ثماني عشرة سنة.
وقول الحسن هو بلوغ الأربعين، وضعف هذا القول واحتج بأن قوله وبلغ أربعين سنة يفيد أن بلوغ الأربعين هو شيء وراء بلوغ الأشد.
ومهما يكن من خلافهم فيه فإن الحساب على أعمال العباد يبدأ من البلوغ ويدل لهذا ما في الحديث:
رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وفي الحديث: المولود حتى ييلغ الحنث ما عمل من حسنة كتب لوالديه وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه فإذا بلغ الحنث جرى عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمنه الله من البلايا الثلاثة الجنون والجذام والبرص....
رواه أبو يعلي وقال الشيخ حسين أسد إسناده صحيح.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5074، 40888، 10024.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1429(2/2121)
تفسير قوله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فسر قوله تعالى: وليستعفف الذين لايجدون نكاحا.... إلى آخر الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قوله تعالى: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله. الآية من سورة النور قال ابن كثير في تفسيرها: هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجًا بالتعفف عن الحرام. كما قال - عليه الصلاة والسلام: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغَضُّ للبصر، وأحْصَنُ للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء.
قال عكرمة في قوله: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا. قال: هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي، فإن كانت له امرأة فليذهب إليها وليقض حاجته منها، وإن لم يكن له امرأة فلينظر في ملكوت السموات والأرض حتى يغنيه الله. اهـ
وقال السعدي في تفسيره: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. هذا حكم العاجز عن النكاح، أمره الله أن يستعفف، أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه، ويفعل أيضا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " وقوله: {الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا} أي: لا يقدرون نكاحا، إما لفقرهم أو فقر أوليائهم وأسيادهم، أو امتناعهم من تزويجهم وليس لهم من قدرة على إجبارهم على ذلك، وهذا التقدير، أحسن من تقدير من قدر " لا يجدون مهر نكاح " وجعلوا المضاف إليه نائبا مناب المضاف، فإن في ذلك محذورين: أحدهما: الحذف في الكلام، والأصل عدم الحذف.
والثاني كون المعنى قاصرا على من له حالان، حالة غنى بماله، وحالة عدم، فيخرج العبيد والإماء ومن إنكاحه على وليه، كما ذكرنا.
حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وعد للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره، وأمر له بانتظار الفرج، لئلا يشق عليه ما هو فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1429(2/2122)
التعبير بالوحي عما شرع لنبينا وبالوصية لسائرالأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[شرع لكم من الدين................ويهدى إليه من ينيب.. لماذا استعملت الوصية مع الأنبياء والوحي مع الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الإمام الشوكاني في تفسيره فتح القدير ذلك قائلا: وخص ما شرعه لنبينا صلى الله عليه وسلم بالإيحاء مع كون ما بعده وما قبله مذكورا بالتوصية للتصريح برسالته.
وقال الألوسي: لما في الإيحاء من التصريح برسالته عليه الصلاة والسلام القامع لإنكار الكفرة.
ومعنى ذلك لو قال له: وما وصيناك لطعن الكفرة في رسالته حيث سيقولون إنما هو موصى توصيته باتباع من قبله لا أنه برسالة مستقلة، فقال سبحانه والذي أوحينا إليك لرد هذا الإنكار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1429(2/2123)
أهل الفترة وتفسير قوله تعالى (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أهل الفترة وهل العرب قبل البعثة أهل فترة؟ وما معنى قوله تعالى (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) وما دلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم للسائل: أبي وأبوك في النار.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أهل الفترة هم الذين ماتوا قبل أن تبلغهم الرسالة واختلف في حكمهم على أقوال.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أهل الفترة هم الذين ماتوا قبل أن تبلغهم الرسالة، والعرب قبل البعثة كانوا من أهل الفترة كما تفيده الآية التي ذكرت، وعلى ذلك يجري في حقهم الخلاف في حكم أهل الفترة، وقد بينا أقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 4723.
ومما قيل في أهل الفترة أنهم مكلفون بالإيمان وما كان معلوما مشهورا من دين إبراهيم عليه السلام، وهو توحيد الله ونبذ عبادة الأصنام، فمن مات مفرطا في هذا فهو من أهل النار وهذا قول تشهد له أدلة، ومن أدلة هذا القول الحديث الذي ذكرت من قول النبي للسائل أبي وأبوك في النار فهذه هي دلالته كما اختاره، وهُوَ مِنْ حُسْن عِشْرَته صلى الله عليه وسلم لِتَّسْلِيَته صاحبه بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْمُصِيبَة، كما قال النووي في شرح مسلم. وقال: فِيهِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَهُوَ فِي النَّار، وَلَا تَنْفَعهُ قَرَابَة الْمُقَرَّبِينَ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَة عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَب مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان فَهُوَ مِنْ أَهْل النَّار، وَلَيْسَ هَذَا مُؤَاخَذَة قَبْل بُلُوغ الدَّعْوَة، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَة إِبْرَاهِيم وَغَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِمْ. اهـ
وأما معنى قوله عز وجل: {لِّتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَءَابَآؤُهُمْ} ففيه وجهان كما في تفاسير الماوردي والنسفي والبغوي وزاد المسير وغيرها:
أحدهما: أنهم قريش أنذروا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينذر آباؤهم من قبلهم، قاله قتادة. فعلى هذا ما نافية،وهو قول أكثر المفسرين كما في فتح القدير، قال: وهو الظاهر من النظم لترتيب فهم غافلون على ما قبله.
الثاني: أنه عام ومعناه لتنذر قوماً كما أنذر آباؤهم، قاله السدي. وعلى هذا فما موصولة.
وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون ما مصدرية فتكون نعتاً لمصدر مؤكد أي لتنذر قوما إنذاراً مثل إنذار الرسل آباءهم الأبعدين، وقيل هي زائدة وليس بشيء.اهـ
وقوله: {فَهُمْ غَافِلُونَ} يحتمل وجهين: أحدهما: عن قبول الإِنذار. الثاني: عن استحقاق العذاب.
وفي تفسير الألوسي: والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السلام، وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه، ثم تراخى الأمر وتطاول المدد فلم يبق من شريعته عليه السلام إلا الاسم.
قال: وفي «البحر» الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة إما بمباشرة من أنبيائهم وإما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشاً ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين. وأما أن النذارة انقطعت فلا، ولما شرعت آثارها تندرس بعث النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1429(2/2124)
توضيح حول قوله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الحديث الموجود في صحيح البخاري (باب الحيض) ونصه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فأتزرت وهي حائض ألا يعارض نص هذا الحديث النص القرآني الواضح {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة: 222؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الآية وبين الأثر الذي ذكرت فالأمر بالاعتزال في الآية محمول على النهي عن الجماع في الفرج أثناء الحيض والأثر المذكور يفيد جواز الاستمتاع من الحائض بما سوى ذلك، ففي تفسير ابن كثير: فقوله فاعتزلوا النساء في المحيض يعني الفرج، لقوله اصنعوا كل شيء إلا النكاح ولهذا ذهب كثير من العلماء أو أكثرهم، إلى أنه يجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج، قال أبو داود أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن أيوب، عن عكرمة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً يلقي على فرجها ثوباً. انتهى.
وفي فتح القدير للشوكاني: وقوله: فاعتزلوا النساء في المحيض أي فاجتنبوهن في زمان الحيض إن حمل المحيض على المصدر أو في محل الحيض إن حمل على الإسم، والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز، بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك. انتهى. هذا وليعلم أن السنة مبينة لما في القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1429(2/2125)
تفسير قوله تعالى (وورث سليمان داود)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود من السادة العلماء أن يجيبوني على إحدى الشبهات التي سبق وأن سمعتها في قناة فضائية وهي قول الرسول عليه الصلاة والسلام"نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة"، مع قول الله تعالى "وورث سليمان داود"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وفق ابن العربي والقرطبي في تفسيريهما بين هذين النصين فذكر أن المراد بوراثة سليمان وراثة النبوة والملك، ولو كان المراد وراثة المال لاشترك هو وإخوته فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1429(2/2126)
الآيات التي تحدثت عن الحرث والزرع في سورة الواقعة
[السُّؤَالُ]
ـ[آية في سورة الواقعة تتحدث عن الحرث والزرع، أطلب من سيادتكم شرحها بالتفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الجواب:فالآيات المشار إليها في سؤالك هي قوله تعالى:
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
وتفسيرها كما ذكر الشوكاني في فتح القدير: {أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُون َ} أي: أخبروني ما تحرثون من أرضكم، فتطرحون فيه البذر {ءأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ} أي: تنبتونه وتجعلونه زرعاً، فيكون فيه السنبل والحبّ {أَمْ نَحْنُ الزارعون} أي: المنبتون له الجاعلون له زرعاً لا أنتم.قال المبرد: يقال زرعه الله أي: أنماه، فإذا أقررتم بهذا، فكيف تنكرون البعث؟
{لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حطاما} أي: لو نشاء لجعلنا ما تحرثون حطاماً، أي: متحطماً متكسراً، والحطام: الهشم الذي لا ينتفع به، ولا يحصل منه حبّ، ولا شيء مما يطلب من الحرث {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} أي: صرتم تعجبون. قال الفرّاء: تفكهون تتعجبون فيما نزل بكم في زرعكم. قال في الصحاح: وتفكه: تعجب، ويقال: تندّم.
قال الحسن وقتادة وغيرهما: معنى الآية: تعجبون من ذهابها وتندمون مما حلّ بكم. وقال عكرمة: تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله.
.. {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} قرأ الجمهور بهمزة واحدة على الخبر، وقرأ أبو بكر، والمفضل، وزرّ بن حبيش بهمزتين على الاستفهام، والجملة بتقدير القول أي: تقولون إنا لمغرمون، أي: ملزمون غرماً بما هلك من زرعنا، والمغرم: الذي ذهب ماله بغير عوض. وقيل المعنى: إنا لمعذبون ... والظاهر من السياق المعنى الأول، أي: إنا لمغرمون بذهاب ما حرثناه، ومصيره حطاماً، ثم أضربوا عن قولهم هذا، وانتقلوا فقالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أي: حرمنا رزقنا بهلاك زرعنا، والمحروم: الممنوع من الرزق الذي لا حظ له فيه، وهو المحارف. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1429(2/2127)
تفسير قوله تعالى (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال البغوي في تفسيره لهذه الآية وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ: قال ابن عباس: من لم يجعل الله له دينا وإيمانا فلا دين له. وقيل: من لم يهده الله فلا إيمان له ولا يهديه أحد. وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في عتبة بن ربيعة بن أمية كان يلتمس الدين في الجاهلية ويلبس المسوح فلما جاء الإسلام كفر. والأكثرون على أنه عام في جميع الكفار.
وبإمكان الأخ السائل الرجوع إلى كتب التفسير عند هذه الآية ففيها زيادة بيان وإيضاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(2/2128)
المقصود بالوحي إلى النحل
[السُّؤَالُ]
ـ[عند حديثي مع شخص من الجزائر عن النحل حصل اختلاف بيننا حول تفسير قوله تعالى (وأوحى ربك إلى النحل) هو يقول إن الوحي ما زال ينزل للنحل وأنا أقول إنه فعل ماض وأن الوحي انقطع نزوله بموت النبي عليه الصلاة والسلام برجاء الإفادة وكيف أوحى الله إلى النحل أهو مثل الوحي للبشر كالوحي للرسل أم ماذا المقصود بالوحي للنحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالوحي إلى النحل إلهامها وتسخيرها وهدايتها لهذا العمل، كما نقل السيوطي عليه الاتفاق، وهذا لا يتعارض مع انقطاع نزول الوحي إلى الأنبياء وختمهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، فالنحل لا ينزل عليها أحكام ولا تشريعات وإنما يلهمها الله تعالى هذا العمل إنعاماً على العباد بتوفير العسل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1429(2/2129)
سبب وصف الله الكافرين بالظلم ووصف المنافقين بالفسق
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى في سورة البقرة "والكافرون هم الظالمون" وقال في سورة التوبة "إن المنافقين هم الفاسقون" لماذا وصف الله الكافرين بأنهم ظالمين ووصف المنافقين بأنهم فاسقون؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
وصف الكفار بالظلم والمنافقين بالفسق في الآيتين بهذا الأسلوب هو لحصر تحقق هاتين الصفتين الذميمتين كاملتين فيهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكر في الآيتين المذكورتين من باب الحصر، فكأن الله تعالى يقول: والكافرون هم الظالمون لا غيرهم، والمنافقون هم الفاسقون لا غيرهم، فالظلم الذي هو وضع الشيء في غير موضعه هو ما يفعله الكافرون من الشرك بالله، كما قال الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ {لقمان:13} ، وبهذا ثبت للكفار الظلم التام ...
جاء في تفسر السعدي قوله: وذلك لأن الله خلقهم لعبادته، ورزقهم، وعافاهم، ليستعينوا بذلك على طاعته، فخرجوا عما خلقهم الله له، وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، واستعانوا بنعمه على الكفر، والفسوق، والعصيان، فلم يبقوا للعدل موضعاً فلهذا حصر الظلم المطلق فيهم.
ونقل القرطبي في تفسيره عن عطاء بن دينار قال: والحمد لله الذي قال: والكافرون هم الظالمون. ولم يقل: والظالمون هم الكافرون..
والفسق الذي هو الخروج عن الدين والطاعة ... هو ما يتصف به المنافقون ... قال الألوسي: إن المنافقين هم الفاسقون: أي الكاملون في التمرد والفسق الذي هو الخروج عن الطاعة والانسلاخ عن كل خير حتى كأنهم الجنس كله، ومن هنا صح الحصر المستفاد من الفصل وتعريف الخبر؛ وإلا فكم فاسق سواهم.
ولهذا استحقوا أن يحصر فيهم الفسق وحدهم لخروجهم عن الطاعة وانسلاخهم من كل خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1429(2/2130)
تفسير: وله أخ أو أخت
[السُّؤَالُ]
ـ[في ميراث الكلالة فسرت كلمة الأخ في الآية (12) من سورة النساء بأنه الأخ من أم وفي الآية (176)
من نفس السورة بأنه الأخ الشقيق أو الأخ من أب، هل ذلك بسبب حديث شريف أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن المراد بالإخوة في قوله تعالى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أنهم الإخوة من الأم، ولكن الصحابة رضوان الله عليهم -وهم الذين تلقوا هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم- حملوا هذه الآية على أن المراد منها الإخوة من الأم، كذا فسرها أبو بكر الصديق وسعد بن أبي وقاص.
قال القرطبي في تفسيره: فأما هذه الآية فأجمع العلماء على أن الإخوة فيها عني بها الإخوة للأم؛ لقوله تعالى: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ، وكان سعد بن أبي وقاص يقرأ: وله أخ أو أخت من أمه. ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم أو للأب ليس ميراثهم كهذا، فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في آخر السورة هم إخوة المتوفى لأبيه وأمه أولأبيه؛ لقوله عز وجل: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1429(2/2131)
تفسير: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى (أم يحسدون الناس ... ) فهل المراد بها آل البيت عليهم السلام وحدهم ومن الحاسد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحاسدين في قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ {النساء:54} ، هم اليهود، وأما المحسود فقيل هو النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقيل: هو والعرب. وروي عن ابن عباس بسند ضعيف أن المراد آل البيت، قال الجصاص في تفسيره: قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ. روي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وعكرمة إن المراد بالناس ههنا هو النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقال قتادة: العرب، وقال آخرون: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا أولى؛ لأن أول الخطاب في ذكر اليهود، وقد كانوا قبل ذلك يقرؤون في كتبهم مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وصفته وحال نبوته، وكانوا يوعدون العرب بالقتل عند مبعثه لأنهم زعموا أنهم لا يتبعونه، وكانوا يظنون أنه يكون من بني إسرائيل، فلما بعثه الله تعالى من ولد إسماعيل حسدوا العرب وأظهروا الكفر به وجحدوا ما عرفوه، قال الله تعالى: وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ. وقال الله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. فكانت عداوة للعرب ظاهرة بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حسداً منهم لهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثاً منهم. فالأظهر من معنى الآية حسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللعرب. انتهى.
وقال البغوي في تفسيره: أم يحسدون الناس، يعني: اليهود، ويحسدون الناس: قال قتادة: المراد بالناس العرب حسدهم اليهود على النبوة، وما أكرمهم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: أراد محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وجماعة: المراد بالناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، حسدوه على ما أحل الله له من النساء، وقالوا: ما له هم إلا النكاح، وهو المراد من قوله: على ما آتاهم من فضله. وقيل: حسدوه على النبوة وهو المراد من الفضل المذكور في الآية، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة، أراد بآل إبراهيم: داود وسليمان، وبالكتاب: ما أنزل الله عليهم وبالحكمة النبوة، وآتيناهم ملكاً عظيماً، فمن فسر الفضل بكثرة النساء وفسر الملك العظيم في حق داود وسليمان عليهما السلام بكثرة النساء، فإنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية، وكان لداود مائة امرأة، ولم يكن يومئذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسع نسوة، فلما قال لهم ذلك سكتوا. انتهى.
وقد ذكر السيوطي عدة آثار عن السلف في الدر المنثور فقال: أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: أم يحسدون الناس. قال: هم يهود. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح، فأي ملك أفضل من هذا. فأنزل الله هذه الآية {أم يحسدون الناس} إلى قوله {ملكاً عظيماً} يعني ملك سليمان ... وأخرج ابن المنذر عن عطية قال: قالت يهود للمسلمين: تزعمون أن محمداً أوتي الدين في تواضع وعنده تسع نسوة، أي ملك أعظم من هذا؟ فأنزل الله {أم يحسدون الناس ... } الآية. وأخرج ابن جرير عن الضحاك. نحوه. وأخرج ابن المنذر والطبراني من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله {أم يحسدون الناس} قال: نحن الناس دون الناس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {أم يحسدون الناس} قال: الناس في هذا الموضع النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد {أم يحسدون الناس} قال: محمد ... وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في الآية قال: يحسدون محمداً حين لم يكن منهم وكفروا به.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية (أم يحسدون الناس} قال: أولئك اليهود، حسدوا هذا الحي في العرب {على ما آتاهم الله من فضله} ، بعث الله منهم نبياً فحسدوهم على ذلك. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج (على ما آتاهم الله من فضله) قال: النبوة. انتهى.
وقال الهيثمي في المجمع: قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ} ، قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس. رواه الطبراني وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف.
وبهذا يعلم الاتفاق على أن المراد بالحاسد اليهود، وأما المحسود فهل هو الرسول وحده أو هو والعرب أو هو والآل على الرواية المروية عن ابن عباس بسند ضعيف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1429(2/2132)
معنى وإعراب كلمة (ويكأن)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو إعراب كلمة ويكأن كما وردت في سورة القصص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إعراب هذه الكلمة يعلم بمعرفة معناها، وقد ذكر البيضاوي أن ويكأن عند البصريين مركب من (وي) للتعجب (وكأن) للتشبيه، والمعنى: ما أشبه الأمر أن يبسط الرزق. وقيل: من (ويك) بمعنى ويلك (وأن) تقديره: ويك أعلم أن الله. وقال ابن عاشور في تفسيره: وكلمة ويكأن عند الأخفش وقطرب مركبة من ثلاثة كلمات: وي وكاف الخطاب وأن. فأما وي فهي اسم فعل بمعنى أعجب، وأما الكاف فهي لتوجيه الخطاب تنبيها عليه مثل الكاف اللاحقة لأسماء الإشارة، وأما أن فهي أن المفتوحة الهمزة أخت إن المكسورة الهمزة فما بعدها في تأويل مصدر هو المتعجب منه فيقدر لها حرف جر ملتزم حذفه لكثرة استعماله، وكان حذفه مع أن جائزاً فصار في هذا التركيب واجباً وهذا الحرف هو اللام أو من فالتقدير: اعجب يا هذا من بسط الله الرزق لمن يشاء.
وكل كلمة من هذه الكلمات الثلاث تستعمل بدون الأخرى فيقال: وي بمعنى اعجب، ويقال ويك بمعناه أيضاً قال عنترة: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم ... ويقال: ويكأن، كما في هذه الآية وقول سعيد بن زيد أو نبيه بن الحجاج السهمي: ويكأن من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر ... فخفف أن وكتبوها متصلة لأنها جرت على الألسن كذلك في كثير الكلام فلم يتحققوا أصل تركيبها وكان القياس أن تكتب ويك مفصولة عن أن وقد وجدوها مكتوبة مفصولة في بيت سعيد بن زيد. وذهب الخليل ويونس وسيبويه والجوهري والزمخشري إلى أنها مركبة من كلمتين وي وكأن التي للتشبيه. والمعنى: التعجب من الأمر وأنه يشبه أن يكون كذا والتشبيه مستعمل في الظن واليقين. والمعنى: أما تعجب كأن الله يبسط الرزق.
وذهب أبو عمرو بن العلاء والكسائي والليث وثعلب ونسبه في الكشاف إلى الكوفيين وأبو عمرو بصري أنها مركبة من أربع كلمات، كلمة: ويل وكاف الخطاب وفعل اعلم وأن. وأصله: ويلك اعلم أنه كذا، فحذف لام الويل وحذف فعل اعلم فصار ويكأنه. وكتابتها متصلة على هذا الوجه متعينة لأنها صارت رمزاً لمجموع كلماته فكانت مثل النحت، ولاختلاف هذه التقادير اختلفوا في الوقف، فالجمهور يقفون على ويكأنه بتمامه والبعض يقف على وي والبعض يقف على ويك. ومعنى الآية على الأقوال كلها: أن الذين كانوا يتمنون منزلة قارون ندموا على تمنيهم لما رأوا سوء عاقبته وامتلكهم العجب من تلك القصة ومن خفي تصرفات الله تعالى في خلقه، وعلموا وجوب الرضى بما قدر للناس من الرزق فخاطب بعضهم بعضاً بذلك وأعلنوه. وراجع تفسير القرطبي والطبري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(2/2133)
تفسير قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير الآية 30 من سورة النور.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية 30 من سورة النور هي قول الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} .
وما سيأتي تفسير الآيتين من كتاب تفسير الجلالين قال: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) عما لا يحل لهم نظره ومن زائدة (ويحفظوا فروجهم) عما لا يحل لهم فعله بها (ذلك أزكى) أي خير (لهم إن الله خبير بما يصنعون) بالأبصار والفروج فيجازيهم عليه (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) عما لا يحل لهن نظره (ويحفظن فروجهن) عما لا يحل لهن فعله بها (ولا يبدين) يظهرن (زينتهن إلا ما ظهر منها) وهو الوجه والكفان فيجوز نظره لأجنبي إن لم يخف فتنة في أحد وجهين الثاني يحرم لأنه مظنة الفتنة ورجح حسماً للباب (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) أي يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع (ولا يبدين زينتهن) الخفية وهي ما عدا الوجه والكفين (إلا لبعولتهن) جمع بعل أي زوج (أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت إيمانهن) فيجوز لهم نظره إلا ما بين السرة والركبة فيحرم نظره لغير الأزواج وخرج بنسائهن الكافرات فلا يجوز للمسلمات الكشف لهن وشمل ما ملكت أيمانهن العبيد (أو التابعين) في فضول الطعام (غير) بالجر صفة والنصب استثناء (أولي الإربة) أصحاب الحاجة إلى النساء (من الرجال) بأن لم ينتشر ذكر كل (أو الطفل) بمعنى الأطفال (الذين لم يظهروا) يطلعوا (على عورات النساء) للجماع فيجوز أن يبدين لهم ما عدا بين السرة والركبة (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) من خلخال يتقعقع (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون) مما وقع لكم من النظر الممنوع منه ومن غيره (لعلكم تفلحون) تنجون من ذلك لقبول التوبة منه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(2/2134)
حفظ الفرج عن كل امرأة أجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا مارس الرجل الجنس مع فتاة غربية حرام أم أن الحرمة فقط بين أهل البلد نفسه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون:5-6-7} ، فقد دلت هاتان الآيتان على أنه لا يحل للمسلم من النساء إلا زوجه أو ما ملكت يمينه، فبقي من عداهما على التحريم من أي جنس كانت هذه المرأة.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 30046.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1429(2/2135)
الوعد بالمغفرة للمكره على البغاء لا للذي أكره عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يكره فتاته على البغاء ليصيب قوله تعالى: فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم، وهل معناها أن الفقر عذر لإكراه الفتاة على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فلا يجوز للمسلم أن يكره فتاته على الزنا، وليس في هذه الآية دلالة على أن الفقر عذر يجوز معه إكراهها على الزنا، والوعد بالمغفرة إنما هو في حق المكرهة لا الذي أكرهها عليه، والإكراه الذي يرتفع معه الإثم هو ما يؤدي إلى الهلاك أو الضرر الذي لا يحتمل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يكره فتاته على الزنا ليصيب عرضاً من الدنيا، ففي هذا إثم مبين، والوعد بالمغفرة المذكور في هذه الآية ليس للمكرِه، وإنما هو للفتاة المكرَهة، قال ابن العربي في أحكام القرآن: هذه المغفرة إنما هي للمكرَه؛ لا للذي أكرَه عليه وألجأ المكره المضطر إليه، ولذلك كان يقرؤها عبد الله بن مسعود "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم". والمغفرة تتعلق بالمكره المضطر إليه فضلاً من الله كما قال في الميتة: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. انتهى.
ولمعرفة ضابط الإكراه الذي يرتفع معه الإثم راجع في ذلك الفتوى رقم: 35101.
وليس الفقر عذراً لأن يكره المسلم فتاته على الزنا، وليست هذه الآية دليلاً على كونه عذراً، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: نهى عن مهر البغي. كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ... ولمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 40300.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(2/2136)
معنى: ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تعني الآية التالية بسم الله الرحمن الرحيم: لو يؤاخذ الله الناس بذنوبهم لعجل لهم العذاب.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن الله تعالى يمهل الظلمة ويملي لهم ولكنه لا يهملهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته السائلة الكريمة ليس بآية من القرآن الكريم بهذا اللفظ، ولعل ذكر الآيات المشار إليها والواردة بهذا المعنى بكاملها يوضح معناها، فاللفظ الصحيح للآيات هو: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ {النحل:61} وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا {فاطر:45} وفي آية أخرى: وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا {الكهف:58} والمعنى الإجمالي لهذه الآيات أن الله سبحانه وتعالى بحلمه ومغفرته وسعة رحمته يمهل الكفرة والظلمة والعصاة والمجرمين ولا يعاجلهم بالعذاب، ولو عاجلهم به لأهلكهم جميعا حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد، ومن الحكمة في عدم المعاجلة بالعقوبة أن الكفرة قد يؤمنون، وأن عصاة المؤمنين قد يتوبون ويستغفرون، ولكنه جعل لهم أجلا لا مهرب لهم منه ولا محيد لهم عنه، فهو سبحانه وتعالى يملي للظلمة ويمهلهم ولكنه لا يهملهم، ويغفر للمؤمنين ما شاء أن يغفر. انتهى ملخصا من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1429(2/2137)
قصة ذي القرنين كما ورت في سورة الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من سيادتكم تفسير آيات 84 - إلى 90 مع ذكر قصة ذي القرنين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة ذي القرنين قد قص الله تعالى علينا منها ذكرا وعبرا في سورة الكهف في الآيات {83-98} وقد أفاض المفسرون والمؤرخون في تفاصيل ذلك ونختار لك منه ما ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره فقد اقتصر على النافع المفيد حيث يقول:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} كان أهل الكتاب أو المشركون، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة ذي القرنين، فأمره الله أن يقول: {سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} فيه نبأ مفيد، وخطاب عجيب.
أي: سأتلوا عليكم من أحواله، ما يتذكر فيه، ويكون عبرة، وأما ما سوى ذلك من أحواله، فلم يتله عليهم.
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} .
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ} أي: ملكه الله تعالى، ومكنه من النفوذ في أقطار الأرض، وانقيادهم له. {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا} أي: أعطاه الله من الأسباب الموصلة له لما وصل إليه، ما به يستعين على قهر البلدان، وسهولة الوصول إلى أقاصي العمران، وعمل بتلك الأسباب التي أعطاه الله إياها، أي: استعملها على وجهها، فليس كل من عنده شيء من الأسباب يسلكه، ولا كل أحد يكون قادرا على السبب، فإذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي والعمل به، حصل المقصود، وإن عدما أو أحدهما لم يحصل.
وهذه الأسباب التي أعطاه الله إياها، لم يخبرنا الله ولا رسوله بها، ولم تتناقلها الأخبار على وجه يفيد العلم، فلهذا، لا يسعنا غير السكوت عنها، وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للإسرائيليات ونحوها، ولكننا نعلم بالجملة أنها أسباب قوية كثيرة، داخلية وخارجية، بها صار له جند عظيم، ذو عدد وعدد ونظام، وبه تمكن من قهر الأعداء، ومن تسهيل الوصول إلى مشارق الأرض ومغاربها، وأنحائها، فأعطاه الله، ما بلغ به مغرب الشمس، حتى رأى الشمس في مرأى العين، كأنها تغرب في عين حمئة، أي: سوداء، وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس الغربي ماء، رآها تغرب في نفس الماء وإن كانت في غاية الارتفاع، ووجد عندها، أي: عند مغربها قوما. {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} أي: إما أن تعذبهم بقتل، أو ضرب، أو أسر ونحوه، وإما أن تحسن إليهم، فخير بين الأمرين، لأن الظاهر أنهم كفار أو فساق، أو فيهم شيء من ذلك، لأنهم لو كانوا مؤمنين غير فساق، لم يرخص في تعذيبهم، فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء، لتوفيق الله له لذلك، فقال: سأجعلهم قسمين: {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ} بالكفر {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} أي: تحصل له العقوبتان، عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة.
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} أي: فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة، {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} أي: وسنحسن إليه، ونلطف له بالقول، ونيسر له المعاملة، وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين الأولياء، العادلين العالمين، حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل أحد، بما يليق بحاله.
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} .
أي لما وصل إلى مغرب الشمس كر راجعا، قاصدا مطلعها، متبعا للأسباب، التي أعطاه الله، فوصل إلى مطلع الشمس فـ {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} أي: وجدها تطلع على أناس ليس لهم ستر من الشمس، إما لعدم استعدادهم في المساكن، وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم، وعدم تمدنهم، وإما لكون الشمس دائمة عندهم، لا تغرب عنهم غروبا يذكر، كما يوجد ذلك في شرقي أفريقيا الجنوبي، فوصل إلى موضع انقطع عنه علم أهل الأرض، فضلا عن وصولهم إليه إياه بأبدانهم، ومع هذا، فكل هذا بتقدير الله له، وعلمه به ولهذا قال {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبَرًا} أي: أحطنا بما عنده من الخير والأسباب العظيمة وعلمنا معه، حيثما توجه وسار.
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} قال المفسرون: ذهب متوجها من المشرق، قاصدا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان، سدا بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، وجد من دون السدين قوما، لا يكادون يفقهون قولا لعجمة ألسنتهم، واستعجام أذهانهم وقلوبهم، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية، ما فقه به ألسنة أولئك القوم وفقههم، وراجعهم، وراجعوه، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم فقالوا: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ} بالقتل وأخذ الأموال وغير ذلك. {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} أي جعلا {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} ودل ذلك على عدم اقتدارهم بأنفسهم على بنيان السد، وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه، فبذلوا له أجرة، ليفعل ذلك، وذكروا له السبب الداعي، وهو: إفسادهم في الأرض، فلم يكن ذو القرنين ذا طمع، ولا رغبة في الدنيا، ولا تاركا لإصلاح أحوال الرعية، بل كان قصده الإصلاح، فلذلك أجاب طلبتهم لما فيها من المصلحة، ولم يأخذ منهم أجرة، وشكر ربه على تمكينه واقتداره، فقال لهم: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي: مما تبذلون لي وتعطوني، وإنما أطلب منكم أن تعينوني بقوة منكم بأيديكم {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} أي: مانعا من عبورهم عليكم.
{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} أي: قطع الحديد، فأعطوه ذلك.
{حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} أي: الجبلين اللذين بني بينهما السد {قَالَ انْفُخُوا} النار أي: أوقدوها إيقادا عظيما، واستعملوا لها المنافيخ لتشتد، فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس، الذي يريد أن يلصقه بين زبر الحديد {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي: نحاسا مذابا، فأفرغ عليه القطر، فاستحكم السد استحكاما هائلا وامتنع به من وراءه من الناس، من ضرر يأجوج ومأجوج.
{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي: فما لهم استطاعة، ولا قدرة على الصعود عليه لارتفاعه، ولا على نقبه لإحكامه وقوته.
{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} .
فلما فعل هذا الفعل الجميل والأثر الجليل، أضاف النعمة إلى موليها وقال: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} أي: من فضله وإحسانه عليَّ، وهذه حال الخلفاء الصالحين، إذا من الله عليهم بالنعم الجليلة، ازداد شكرهم وإقرارهم، واعترافهم بنعمة الله. قال سليمان عليه السلام، لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم، قال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} بخلاف أهل التجبر والتكبر والعلو في الأرض فإن النعم الكبار، تزيدهم أشرا وبطرا.
كما قال قارون -لما آتاه الله من الكنوز، ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة- قال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}
وقوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} أي: لخروج يأجوج ومأجوج {جَعَلَهُ} أي: ذلك السد المحكم المتقن {دَكَّاءَ} أي: دكه فانهدم، واستوى هو والأرض {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} .
وقد ذكرنا طرفا من أخبار ذي القرنين في فتاوى سابقة منها الفتاوى التالية أرقامها: 7448، ... 71738، ... 12402.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1429(2/2138)
تفسير: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ...
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى الاية: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في تفسير السعدي قوله: يأمر تعالى نبيه محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيره أسوته، في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى.
{وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك.
{تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
{وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} الآية. {وَكَانَ أَمْرُهُ} أي: مصالح دينه ودنياه {فُرُطًا} أي: ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به، ودلت الآية، على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام. وفي الآية استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار، لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه.
وفي هذا بيان كاف إن شاء الله لمعنى الآية وما فيها من عظات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1429(2/2139)
تفسير قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام..)
[السُّؤَالُ]
ـ[الدلالة اللغوية لآية الصيام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود بآية الصيام الآية المشتملة على وجوب الصيام والتي هي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {البقرة:183}
فالكَتْب في الآية بمعنى الفرض والوجوب فهي ألفاظ مترادفة بمعنى واحد كما تقدم في الفتوى رقم: 58013.
والصيام لغة الإمساك عن الشيء مطلقا ومعناه شرعا الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر الصادق حتى غروب الشمس وراجع في ذلك الفتوى رقم: 11814، وباقى ألفاظ الآية واضحة المعنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1429(2/2140)
تفسير: كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين النبي والرسول مع بيان ذلك بالآية رقم (213) من سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان الفرق بين النبي والرسول في الفتوى رقم: 53449 فنرجو أن تطلع عليه تحت هذا الرقم، وأما قولك مع بيان ذلك بالآية.. فلم يتضح لنا، ولعلك تقصد تفسير الآية المشار إليها وهي قول الله تبارك وتعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ.... {البقرة:213} ، قال أهل التفسير: كان الناس: القرون بين آدم ونوح وهي عشرة، كانوا على دين واحد هو دين الحق والتوحيد حتى اختلفوا فدخلهم الشرك وآمن بعضهم وكفر بعضهم، فبعث الله نوحاً فمن بعده من النبيين مبشرين بالثواب من أطاع ومنذرين بالعقاب من عصى، وجملتهم مائة وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشرة، والمذكورون في القرآن بالاسم العلم ثمانية عشر، وأولهم آدم، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم أخبر تعالى عن سنته في الناس وهي أن الذين يختلفون في الكتاب أي فيما يحويه من الشرائع والأحكام هم الذين سبق أن أوتوه وجاءتهم البينات، فهؤلاء يحملهم الحسد وحب الرئاسة والإبقاء على مصالحهم على عدم قبول ما جاء به الكتاب، واليهود هم المثل لهذه السنة فإنهم أوتوا التوراة فيها حكم الله تعالى وجاءتهم البينات على أيدي أنبيائهم ورسلهم ... واختلفوا في كثير من الشرائع والأحكام، وكان الحامل لهم على ذلك البغي والحسد والعياذ بالله.. وهدى الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لما اختلف فيه أهل الكتابين اليهود والنصارى، فقال تعالى: فهدى الله الذين آمنوا. لما اختلف فيه أولئك المختلفون من الحق، هداهم بإذنه ولطفه وتوفيقه فله الحمد وله المنة.
ومن ذلك الحق الذي اختلف فيه أهل الكتاب من قبلنا وهدانا الله تعالى إليه.. توحيد الله الخالص، والإيمان بعيسى عبد الله ورسوله حيث كفر به اليهود وحاولوا قتله، وألهه النصارى ... ومنه الهداية ليوم الجمعة وهو أفضل الأيام، والهداية لقبلة أبي الأنبياء إبراهيم ... فالله هو وحده الهادي من يشاء إلى صراطه المستقيم، ولذلك يسأله المسلم دائماً وفي كل ركعة من صلاته الهداية إلى هذا الصراط. انتهى ملخصاً من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(2/2141)
تفسير: فلا جناح عليهما فيما افتدت به
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو التفسير المأثور لقوله تعالى" فلا جناح عليهما فيما افتدت به" وماهو موقف الإسلام من قانون الخلع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خلاصة ما ذكره أهل التفسير في معنى الآية المذكورة: هو أنه إذا كانت المرأة راضية مغتبطة مطيعة فلا يحل للرجل أن يؤذيها أو يضر بها لأجل أن تفتدي منه، فإن أخذ منها شيئا على ذلك فما أخذ منها فهو حرام، وإذا كان النشوز والبغض والظلم من قبلها فقد حل له أن يأخذ منها ما تبذله له من أجل فراقه لها.
وجاء في تفسير القرطبي عن ابن عباس قال: أول من خالع في الإسلام أخت عبد الله بن أبي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأسه (تعني زوجها) أبدا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة إذ هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها! فقال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، وإن شاء زدته ففرق بينهما. وهذا الحديث أصل في الخلع وعليه جمهور الفقهاء.
والحديث المذكور أصله في الصحيحين والموطإ.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى: 41684.
وأما عن قانون الخلع فإنه إذا كان مخالفا للشرع كما هو مبين في هذه الفتوى وفي الفتوى المحال إليها فإنه لا يجوز.
وبإمكان السائل الكريم أن يسأل أهل العلم في بلده عن قانون الخلع فربما تكون القوانين مختلفة باختلاف البلدان، لكن المسلم عليه أن يعلم أن أي قانون خالف شرع الله فإنه لا يجوز له العمل به ولا التحاكم إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1429(2/2142)
سر اختيار كلمة (الأجداث) و (القبور) في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد تكرار كل من كلمة القبور والأجداث في القرآن؟
ما الفرق بينهما أي لماذا اختار القران تارة القبور وتارة أخرى الأجداث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من كلام المفسرين وأهل اللغة أنه لا فرق بينهما فهما بمعنى واحد، لكن لعل ذلك من باب تنويع اللفظ.
وأما عدد مرات ورود الكلمتين في القرآن؛ فكلمة الأجداث وردت في ثلاثة مواضع: الأول في سورة يس، الآية: 51، والثاني: في سورة القمر الآية: 7، والثالث في سورة المعارج الآية: 43.
وأما كلمة القبور فوردت في خمسة مواضع: الأول: في سورة الحج الآية: 7، والثاني: في سورة فاطر: الآية: 22، والثالث: في سورة الممتحنة الآية: 13، والرابع في سورة الانفطار الآية: 4، والخامس في سورة العاديات الآية: 9.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1429(2/2143)
سبب ورود: وما أرسلنا قبلك ... الأولى في سورة الأنبياء بدون (من)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل: 43]
وأيضا: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 7]
الذي يفرق الآيتين هو حرف الجر ""من "" في من قبلك وفي الآية الأخرى قبلك فلماذا وردت من في الآية الأولى ولم ترد بالأخرى؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
(من) حرف جر وتأتي زائدة لتأكيد النفي وشبهه، وقد حذفت من الآية الثانية في السؤال اكتفاء بذكرها قبل ذلك في قوله تعالى: ما آمنت قبلهم من قرية..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن "من " حرف جر وتأتي زائدة لتأكيد العموم والنفي..، وهو المعنى الذي جاءت له في قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ. في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى؛ كما في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ... في سورة يوسف، والنحل، والثانية من الأنبياء وهي: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ.. وفي الحج، واثنتين في الزخرف، كل هذه بزيادة "من" قبل الظرف للتأكيد.
وأما: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ. الأولى في سورة الأنبياء (وهي المذكورة في السؤال) فهي التي لم تذكر فيها "من" قبل الظرف، قال أهل العلم: وخصت بالحذف لأن قبلها: مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ.. فبنيت عليها واكتفي بها.
جاء في أسرار التكرار في القرآن للكرماني عند الكلام على سورة الأنبياء: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا الآية: 7، وبعده: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ.. الآية: 25 كلاهما لاستيعاب الزمان المتقدم؛ إلا أن من إذا دخل دل على الحصر بين الحدين وضبطه بذكر الطرفين ولم يأت: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ الآية: 7 إلا هذه، وخصت بالحذف لأن قبلها: مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ.. الآية: 6 فبناه عليه لأنه هو وأخر من في الفرقان وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ.. الآية: 20 وزاد في الثاني: مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ 21 25 22 52 على الأصل للحصر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1429(2/2144)
المقصود بآيات الأحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى أو تفسير آيات الأحكام في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن آيات الأحكام يراد بها عند أهل الفن الآيات التي تنطوي على بعض الأحكام الفقهية، سواء دلت عليه بالنص أو الاستنباط، فمثال ما دلت عليه بالنص آية متعة الحج، فهي نص في صيام عشرة أيام بالنسبة لمن لم يجد الهدي.
ومثال ما أخذ بالاستنباط:استنباط أهل العلم صحة صيام من أصبح جبنا من قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفجر. {البقرة: 187}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1429(2/2145)
قصة سجود المشركين مع المسلمين في سجدة النجم
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن كفار مكة كانوا شديدي العداوة للمسلمين معاندين للحق ويريدون إطفاء جذوة الإيمان منذ أن انطلقت لأول وهلة، فكيف يقوم من هذا وصفهم بالسجود وهم على شركهم وكفرهم عندما قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، ماذا كان موقفهم بعد ذلك السجود؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تلاوة النبي- صلى الله عليه وسلم- لسورة النجم هي التي أخذت بمجامع قلوب الحاضرين من المشركين وغيرهم، وكانت أول سجدة نزلت فلما سجد صلى الله عليه وسلم سجد جميع من حضر من المسلمين وغيرهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خلاصة سبب سجود كفار قريش مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- على ما ذكره أهل التفسير وشراح الحديث- عند ما قرأ سورة النجم: أنها كانت أول سجدة نزلت.. وأن تلاوة النبي- صلى الله عليه وسلم- لها أخذت بمجامع قلوبهم ولم يكن كبارهم وعتاتهم حاضرين، وكان من حضر منهم مختلطا بالمسلمين، وقد ألقى الشيطان على آذانهم من الثناء على آلهتهم ما ظنوا أنه من كلام النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو ما كانوا يتمنونه ويطلبونه منه دائما، وقد شاع هذا السجود حتى بلغ أهل الحبشة فظنوا أن قريشا أسلموا فرجعوا إلى مكة.
ولما انتبه المشركون وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ثابت على موقفه من كفرهم ومن أصنامهم، وأن ما سمعوا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم عادوا كما كانوا، وهم لم يسلموا أصلا، وإنما سجدوا معه لما ذكرنا.
جاء في تفسير القرطبي وغيره عند قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {الحج:52} الآيات: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوما سورة النجم ويرتلها- كما أمره ربه- ترتيلا ويفصل الآي تفصيلا كما هو معروف عنه في قراءته فترصد الشيطان لتلك السكنات فلما وصل إلى قول الله تعالى "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" دس الشيطان فيها ما اختلقه من تلك الكلمات محاكيا نغمة النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار فقال عليه لعنة الله "تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترجى" فظنوها من قول النبي- صلى الله عليه وسلم- وفرحوا بها وقالوا ذكر محمد آلهتنا بخير فلما سجد سجدوا معه. ولم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظهم السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله وتحققهم من حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الأوثان وعيبها.. وكان موقف المشركين بعد ذلك هو الكفر والعناد..
وأما ما نقل عن بعضهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نطق أو تلفظ بتلك الجملة القبيحة (تلك الغرانيق..) فباطل وكذب.. وهو مستحيل عقلا ولا يجوز شرعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1429(2/2146)
تفسير: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك..
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال أرقني وأعتبره من مداخل الشيطان ووسوسته وأنا أريد إسكاته بيقين العلم
ما هي حقيقة عصمة الأنبياء عموما ومحمد صلى الله عليه وسلم خصوصا....
هل يذنب الأنبياء؟....
ما هو تفسير قوله تعالى "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق أهل العلم أن الأنبياء معصومون في أمور التبليغ والرسالة ومن الكبائر، كما ذهب الكثير من أهل العلم إلى أنهم قد تقع منهم بعض المخالفات الصغيرة. وأما آية الفتح فقد ذكر البغوي عن بعض المفسرين أنها تعني ما حصل منه في الجاهلية، وما يحتمل أن يقع منه في المستقبل، ثم قال: وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء، وراجع للبسط في المسألة الفتوى رقم: 6901، والفتوى رقم: 48422.
ثم إننا ننبه إلى أن الأنبياء لو حصلت منهم أخطاء فعلا فإنها مغفورة لا شك، ومغمورة في بحار حسناتهم العظيمة.
وعلينا أن نسعى في توبة العصاة من المعاصرين وإنابتهم إلى الله تعالى والنهي عما يحصل في عصرنا من المناكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1429(2/2147)
تنزيل آية (زين لهم سوء أعمالهم) على واقع المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى (زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين) ، وهل نستطيع الاستدلال بها ووقعها على المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا المقطع جزء من الآية في قوله سبحانه: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {التوبة:37} ، ومعنى قوله (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ) أي: زين لهم الشيطان الأعمال السيئة التي يعملونها، ومن جملتها النسيء، وكانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم المذكورة، فإذا احتاجوا إلى القتال فيها قاتلوا فيها وحرموا غيرها، فإذا قاتلوا في المحرم حرموا بدله شهر صفر وهكذا في غيره، وكان الذي يحملهم على هذا أن كثيراً منهم إنما كانوا يعيشون بالغارة على بعضهم البعض، ونهب ما يمكنهم نهبه من أموال من يغيرون عليه، ويقع بينهم بسبب ذلك القتال، وكانت الأشهر الثلاثة المسرودة يضر بهم تواليها وتشتد حاجتهم وتعظم فاقتهم، فيحللون بعضها ويحرمون مكانه بقدره من غير الأشهر الحرم، فهذا هو معنى النسيء الذي كانوا يفعلونه.
(وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين) أي: المصرين على كفرهم المستمرين عليه فلا يهديهم هداية توصلهم إلى المطلوب، وأما الهداية بمعنى الدلالة على الحق والإرشاد إليه فقد نصبها الله سبحانه وتعالى لجميع عباده، كذا قال الشوكاني في فتح القدير، ونحوه في غيره من كتب التفسير.
وأما الاستدلال بالآية على واقع المسلمين فلا يجوز إلا في حق من بدل وحرف واستحل ماعلم أن الله قد حرمه إذ إن المسلم لا يكفر بمجرد فعله للمعصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1429(2/2148)
تفسير: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ...
[السُّؤَالُ]
ـ[رجاء أريد تفسير الآية 267 من سورة البقرة (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد) وخاصة معنى إلا أن تغمضوا فيه؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يأمر عباده بالإنفاق يعني الصدقة من طيبات ما كسبوا من المال بالتجارة، ومما أخرجه الله من الأرض من الثمار والزروع التي أنبتها الله تعالى، ونهاهم الله تعالى عن القصد لإخراج الخبيث من المال، فلا يتصدق برديء التمر بل يلزمه الوسط، ولا يجب عليه إخراج أجود التمر ولا أجود الحيوان؛ لما في حديث الصحيحين: وإياك وكرائم أموالهم. وقال خليل في مختصره: ولزم الوسط.
ومعنى: تغمضوا تغضوا أبصاركم. والمراد أنه لو كان لأحدهم دين على صاحبه ثم قضاه بشيء رديء لا يقبله منه إلا إذا أغمض عينيه أي غضها عن العيب وسامح فيه، فكما لا يرضى أحدكم أن يأخذ الرديء لنفسه فلا يليق أن يتقرب به إلى الله، وقد نزلت الآية في بعض الأنصار كان يدخل الحشف في التمر الذي يتصدق به يظن ذلك جائزاً، وراجع للبسط في الموضوع تفسير ابن كثير والبغوي والقرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1429(2/2149)
اليهود والنصارى من أهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين ... وبعد: إخواني أنا قرأت الفتوي رقم 40774 وبعض الفتاوى والتي ضمت آية رقم 75 من سورة البقرة وكانت الفتوى تفسر الآية أنهم أهل الكتاب أي اليهود والنصارى، لكن عندما قرأت النسخة الإنجليزي لترجمة معاني القرآن الكريم وجدت أنهم فسروا المقصودين بالآيه بأنهم زعماء اليهود فقط وليس النصارى معهم، بالإضافة إلى أنني أخذت لمحة بسيطة في تفسير ابن كثير ووجدت المثل فهو يتكلم عن اليهود، فهل اليهود يقصد بهم أهل الكتاب, وأن النصارى ليسوا مع اليهود كأهل كتاب، أم أن اليهود هم النصارى, لذا هم أهل الكتاب، فأفيدوني رحمكم الله فأرجو تنبيهي في حالة الرد على بريدي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن اليهود، واليهود من أهل الكتاب وكذلك النصارى من أهل الكتاب وكل منهما طائفة مستقلة عن الأخرى، وراجع في بيان تحريف الإنجيل الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2105، 10326، 9732، 68185، 43148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1429(2/2150)
تفسير قوله تعالى (قال له صاحبه وهو يحاوره)
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بعض الأسئلة حول تفسير بعض آيات سورة الكهف، ماذا أفاد الإطناب بكلمة "وهو يحاوره" بعد "قال له صاحبه"؟ فمن المفهوم أن القول يعنى الحوار؟
في الآيات 34 و 37، دعا الصاحب المؤمن على صاحبه الكافر بعد دعائه لنفسه بقوله "ويرسل عليها حسبانا من السماء" وقوله " أو يصبح ماءوها غوراً" بدلاً من الدعاء له بالهداية فى الآيات 40-41، فماذا نتعلم من هذا هل يجوز الدعاء بزوال النعمة عن العاصي بنية أن هذه النعمة سبب فتنته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول والحوار ليسا مترادفين فالحوار يعني مراجعة الكلام بين المتحاورين، وجملة وهو يحاوره حال من الضمير في قال له صاحبه فمعنى يحاوره: يراجعه الكلام، من حار يحور: إذا رجع فكان الأخ الفاجر يحاور أخاه ويراجعه افتخاراً عليه وتقبيحاً لحاله بالنسبة إليه، والمسلم يحاوره بالوعظ وتقبيح الركون إلى الدنيا، كذا قال البقاعي في نظم الدرر.
وقال ابن عاشور في تفسيره: وجملة وهو يحاوره حال من ضمير قال. والمحاورة: مراجعة الكلام بين متكلمين ... دل فعل المحاورة على أن صاحبه قد وعظه في الإيمان والعمل الصالح، فراجعه الكلام بالفخر عليه والتطاول شأن أهل الغطرسة والنقائض أن يعدلوا عن المجادلة بالتي هي أحسن إلى إظهار العظمة والكبرياء. انتهى.
وقال أبو السعود في تفسيره عند تفسير قوله (وهو يحاوره) في الآية الثانية: وهو يحاوره جملة حالية.. فائدتها التنبيه من أول الأمر على أن ما يتلوه كلام معتنى بشأنه مسوق للمحاورة. انتهى.
وأما الدعاء بزوال النعمة عمن يستعين بها على المعاصي فهو مشروع كما يدل له قوله تعالى في دعاء نبي الله موسى على فرعون: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ {يونس:88} ، والأولى لمن لا يعلم الغيب ومستقبل الناس أن يدعو لهم بالهدى أولاً فإن ظهر إصرارهم على الغي فيشرع الدعاء عليهم، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 64779، 20322، 74952.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1429(2/2151)
ليس من الأدب مع الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[إشارة إلى سؤالي موضوع الآيه 101-103 من سورة المائدة والفتوى رقم 63261 هنا نطرح سؤالا
آخر ... لماذا لم يرد أن يخبرنا الله عز وجل عن عدد أهل الكهف مع أنه لا يهم العدد إذا كان شخص واحد أو عشرات، مع العلم بأنه حدد بكلب واحد ولم يقل أكثر، بل هو المهم بأن سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا أنه يحمى المؤمنين به من بطش الآخرين وإذا قلنا أنه لا يعرف عدد الأشخاص ولهذا السبب لا يريد أن يعلمنا الحقيقة حاشا الله أنه لا يعلم هذا، وإذا أيدنا هذه الفكرة فإنه من الكفر به وحاشا أن نكون من الكافرين بالله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ليس من الأدب مع الله طرح مثل هذه الاحتمالات، وعدد أهل الكهف قد عرفه أهل العلم بأدلة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أنه ليس من الأدب مع الله تعالى أن يقال (لماذا لم يرد الله أن يخبرنا..؟) وأبعد من ذلك عن الأدب أن يطرح احتمال أنه تعالى لا يعلم هذا ... بل إن طرح احتمال كهذا كفر مخرج من الملة والعياذ بالله، كما نريد أن نبين لك أيضاً أن أهل العلم قد عرفوا عدد أهل الكهف بأدلة بيناها من قبل، ويمكن أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 33450، والفتوى رقم: 38372.
وأما الجواب عما سألت عنه فهو أنه إذا كان العدد ليس مهما في المسألة، والمهم هو أنه تعالى أراد أن يعلمنا أنه يحمي المؤمنين من بطش الآخرين -كما قلت أنت- فلماذا نعترض على عدم تعريفنا بالعدد، ونطرح الاحتمالات الخاطئة لذلك؟
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(2/2152)
الفرق بين (يفعلون) و (يعملون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الفرق في المعنيين التاليين، قال تعالى: في سورة هود فلا تبتئس بما كانوا يفعلون، وقال في سورة يوسف، فلا تبتئس بما كانو يعملون، فما هو الفرق اللغوي بين يفعلون ويعملون؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الفرق بين الفعل والعمل هو العموم والخصوص؛ فالفعل ينسب للعاقل وغيره، والعمل قلما ينسب لغير العاقل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفرق بين الفعل والعمل هو أن الفعل عام والعمل خاص، والصنع أخص منهما؛ فالفعل ينسب إلى العاقل وإلى غيره، وربما ينسب إلى الجمادات، وأما العمل فقلما ينسب إلى غير العاقل؛ وسمع منه البقر العامل، واليعملة للناقة السريعة أو العاملة اشتق لها اسمها من العمل.
قال الراغب الأصبهاني في مفردات القرآن: الفعل: التأثير من جهة مؤثر وهو عام لما كان بإجادة أو غير إجادة ولما كان بعلم أو غير علم وقصد أو غير قصد ولما كان من الإنسان والحيوان والجمادات والعمل مثله والصنع أخص منهما، والفرق بين الفعل والعمل: أن العمل إيجاد الأثر في الشيء. يقال: فلان يعمل الطين خزفا ويعمل الخوص زنبيلا والأديم سقاء. ولا يقال: يفعل ذلك لأن فعل الشيء عبارة عما وجد في حال كان قبلها مقدورا سواء كان عن سبب أو لا؛ الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد وقد ينسب إلى الجمادات والعمل قلما ينسب إليهما. اهـ من المفردات بتصرف.
وعلى هذا فلعل السر في الفرق بين التعبير في الآيتين المذكورتين- والله أعلم- أن الفعل في الآية الأولى نسب إلى قوم نوح وهم كفار، والكفار أشبه بالدواب والجماد.. وقد جاء هذا المعنى في القرآن الكريم كثيرا، فمن ذلك قول الله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ. {الأنفال55} ، وفي قوله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ. {الأعراف179} ، فلذلك نسب إليهم الفعل لتشبيههم بالدواب والحيوان وما لا يعقل
وفي الآية الثانية نسب العمل- الذي هو من شأن العقلاء غالبا- لإخوة يوسف لأنهم كانوا مؤمنين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1429(2/2153)
تفسير قوله تعالى (فاقتلوا أنفسكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم تفسير كلمة: فاقتلوا أنفسكم في الآية رقم (54) في سورة البقرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بهذه الآية أن يقتل بعضهم بعضا، وقيل أمر من لم يعبد العجل بقتل عباد العجل، وقد نقل القرطبي الإجماع على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده كذا في تفسير الشوكاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1429(2/2154)
المقصود بقوله تعالى: فأوحى إلى عبده ...
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان يقصد الله في قوله في الآية 10 من سورة النجم "فأوحى إلى عبده ما أوحى" عبد الله أم جبريل لأننا كلنا عباد الله علما أن الآيات التي سبقت هذه الآية كانت تصف أفعال سيدنا جبريل عليه السلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر البغوي وابن كثير في تفسيريهما نقلا عن بعض السلف أن المراد بعبده في الآية هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر القرطبي والشوكاني هذا القول أيضا، وذكرا أن هناك قولا آخر يفيد أن المراد جبريل عليه السلام. وبناء عليه.. فكلا الأمرين محتمل، ولكن الأرجح هو القول الأول.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(2/2155)
تفسير قول الله تعالى: وإنا لموسعون
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أيها الإخوة الكرام تنويري ومساعدتي للحصول على جواب على مسألة علامات الساعة وطلوع الشمس من المغرب وتفسير الآية الكريمة: وإنا لموسعون، وأتمنى أن يكون النص باللغة الألمانية أو الإنجليزية. ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من علامات الساعة الكبرى طلوع الشمس من مغربها ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان علامات الساعة الكبرى والصغرى ونرجو أن تطلع عليها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 283، 5563، 1178، 1489، 9320، 9715، 10613، 11557، 20486، 24896.
وطلوع الشمس من مغربها من العلامات الكبرى كما هو مبين في الفتاوى المشار إليها، وكما في الصحيحين وغيرهما واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانا خيراً.
وأما تفسير قول الله تعالى: وإنا لموسعون. فقد قال عنه الطبري: وإنا لموسعون يقول: لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه.
ويقول عنه بعض المفسرين المعاصرين: والآية تشير إلى أن الكون المعبر عنه بلفظ السماء هو في حالة توسع دائم، يدل على ذلك لفظ (لَمُوسِعُونَ) فهو اسم فاعل بصيغة الجمع لفعل أوسع، وهو يفيد الاستمرار، لكن القرآن لم يبين تفاصيل الاتساع، وإنما أورده مجملاً، وهذا ما أثبته العلم الحديث.
ووجه الإعجاز في الآية لفظ (لَمُوسِعُونَ) الذي يفيد أن الكون في حالة توسع مستمر.
وللمزيد انظر الفتاوى: 35709، 16975، 5563.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(2/2156)
قوله تعالى (تعبدون) في الشعراء و (يعبدون) في الذاريات
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة الفرق بين كلمة تعبدون في الآية 75 من سورة الشعراء وكلمة يعبدون الآية 56 من سورة الذاريات.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الفرق بين الكلمتين المذكورتين: أن الأولى من كلام إبراهيم لقومه وتوبيخهم على عبادة الأصنام، وأن الثانية من كلام الله تعالى لتعليم عباده الهدف من خلقهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن آية الشعراء جاءت في سياق محاجة قوم إبراهيم له عند دعوته لهم بتوحيد الله تعالى وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام والكواكب.. وبداية السياق قول الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ. {الشعراء70،69}
قال إبراهيم لقومه: أفرأيتم - أيها القوم - ما كنتم تعبدون " من هذه الأصنام " أنتم وآباؤكم الأقدمون " الأولون الذين كانوا على عبادة الأصنام.
وأما آية الذاريات فبدايتها: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. {الذاريات56}
فهي تبين الهدف أو المقصد الذي من أجله خلق الله عز وجل الإنس والجن وهي عبادته وحده لاشريك له قال أهل التفسير: إلا ليعبدون أي إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها.
وأصل العبودية الخضوع والذل والمحبة
فالفرق بين الكلمتين: أن " ما كنتم تعبدون " في سورة الشعراء من كلام إبراهيم لقومه.
وكلمة " ليعبدون " من كلام الله الموجه إلى عباده ليعلمهم الهدف الذي من أجله خلقهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(2/2157)
تفسير قوله تعالى (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الحق عز وجل: وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَِ.. السؤال: نجد أن الزيادة في الخير دائما تمدح في القرآن ولكن في هذه الآية نجد أن من تعجل فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه، فهل التأخير ليس له أجر زائد، فأرجو تفسير هذه الآية الكريمة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجاب العلماء عن هذا الاستشكال ومنهم الإمام القرطبي في تفسيره فقال: وفي ظاهر هذه الآية الشريفة إشكال من وجهين: أحدهما: أنه ذكر قوله تعالى (فلا إثم عليه) في المتعجل والمتأخر جميعاً، وهذا إن كان يستقيم في حق المتعجل لأنه يترخص لا يستقيم في حق المتأخر، لأنه أخذ بالعزيمة والأفضل.
الثاني: أنه قال تعالى في المتأخر (فلا إثم عليه لمن اتقى) قيده بالتقوى، وهذ التقييد بالمتعجل أليق، لأنه أخذ بالرخصة، ولم يذكر في هذا التقييد.
والجواب عن الإشكال الأول ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في هذه الآية: فمن تعجل في يومين غفر له، ومن تأخر غفر له، وكذا روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: فلا إثم عليه رجع مغفوراً له.
وأما قوله تعالى (لمن اتقى) فهو بيان أن ما سبق من وعد المغفرة للمتعجل والمتأخر بشرط التقوى. انتهى.
ومما سبق يفهم أن المتأخر للرمي في اليوم الثالث أفضل في اختيار القرطبي، لأن في ذلك زيادة طاعة ولأن فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يتفق عليه عامة الفقهاء، وبه تفتي اللجنة الدائمة، ومن أهل العلم من ذكر سبباً لنزول الآية يزول به الإشكال ويزداد به التوضيح.. جاء في تبيين الحقائق في الفقه الحنفي قوله: والأفضل أن يمكث ويرمي في اليوم الرابع بعد الزوال، لأنه عليه الصلاة والسلام صبر حتى رمى الجمار الثلاث في اليوم الرابع، ولا يقال نفي الإثم عنهما يقتضي المساواة بينهما والإباحة، لأنا نقول نزلت الآية على سبب، وهو أن الجاهلية كانوا فرقتين، منهم من يقول: المتعجل آثم، ومنهم من يقول المتأخر آثم، فنفى الإثم عنهما لأخذ أحدهما بالرخصة والآخر بالفضل. ولا نسلم أن التخيير يقتضي المساواة، ألا ترى أن المسافر يخير بين الصوم والإفطار ثم الصوم أفضل إن لم يتضرر به، وإلا فالفطر أفضل. وقيل: يغفر لهما بسبب تقواهما فلا يبقى عليهما ذنب، يروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس. انتهى.
هذا والمراد بالأيام المعدودات في الآية أيام التشريق الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فمن ينفر من الحجاج بعد رمي جمراته اليوم الثاني عشر بعد الزوال وقبل الغروب فقد تعجل ومن بقي بمنى إلى أن يرمي جمرات اليوم الثالث عشر فقد تأخر ... والمراد بذكر الله في هذه الآيام التكبيرات أدبار الصلوات وعند رمي الجمرات وعند ذبح الأضاحي والقرابين وغير ذلك من الأوقات في تلك الأيام الفاضلة، وظاهر الآية أن قوله (فمن تعجل) يفيد العموم، فسواء في ذلك الآفاقي والمكي، لكل منهما أن ينفر في اليوم الثاني ... فتكون الرخصة لجميع الناس، وهذا قول جماهير العلماء، وقال مالك: لم يبح التعجيل إلا لمن بعد قطره لا للمكي ولا للقريب إلا أن يكون له عذر ... وقول الجمهور أرجح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(2/2158)
المستوقد للنار في القرآن والحديث والشريف.. لا يستويان مثلا
[السُّؤَالُ]
ـ[حول تفسير قوله تعالى: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا.. ذهب بعض العلماء والباحثين مثل الشيخ الدراز أن المستوقد هو النبي صلى الله عليه وسلم استئناسا بحديث البخاري: مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا، مع أن غالب كتب التفسر تذكر أن مستوقد النار هو المنافق، مما جعل بعض الدعاة يقول إن تفسير المستوقد للنار أنه النبي صلى الله عليه وسلم فيه تعريض بالنبي أنه منافق وهو كفر وردة
فما قولكم في هذا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
النار في الآية الكريمة وفي الحديث الشريف ضربت مثلا لأمرين مختلفين تمام الاختلاف، فلا حجة لمن ينحو بتفسير الآية إلى ما ورد في الحديث.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لقد بينا من قبلُ تفسير هذه الآية الكريمة، ويمكنك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 103415.
وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها. فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها.
فإن حمل الآية الكريمة عليه ليس له مسوغ، ذلك أن النار في الآية الكريمة ضربت مثلا للمنافقين الذين أظهروا الإيمان في الدنيا وأسروا الكفر، فنالوا بإظهار الإيمان الأمن من المسلمين والعيش معهم والتوارث والتزاوج معهم، وكان مصيرهم في الآخرة الخلود الأبدي في النار مع الكفار.
والنار في الحديث الشريف ضربت تشبيها لتهافت أصحاب الشهوات في المعاصي التي تكون سببا في الوقوع في النار بتهافت الفراش على الوقوع في النار اتباعا. وتشبيه ذبه -صلى الله عليه وسلم- العصاة عن المعاصي بما حذرهم به وأنذرهم بذب صاحب النار الفراش عنها.
فلا حجة لمن ينحو إلى التفسير المذكور في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1429(2/2159)
معنى قول الله في عيسى وأمه: كانا يأكلان الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن نقول في قول الله تعالى في عيسى وأمه كان يأكلان الطعام هو كناية على أنهم بعدها يذهبان إلى الغائط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من مستلزمات بشرية الناس أنهم يأكلون الطعام ويهضمونه.
وقد ذكر القرطبي في تفسيره: أنه ذكر بعضهم في قوله كانا يأكلان الطعام أنه كناية عن الغائط والبول.
ولكنه ينبغي أن يعلم أن المقصود في الآية هو إثبات بشرية عيسى وأمه عليهما السلام وأنه مخلوق. ومن ولدته النساء، وكان يأكل الطعام يدل ذلك على أنه مخلوق محدث كسائر المخلوقات. وهذا يكفي في إثبات كون عيسى عليه الصلاة والسلام مخلوقا وليس بإله. ولا يحتاج إلى حمل الآية على أنها كناية عما ذكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1429(2/2160)
سبب إسناد السيئة إلى العبد في كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكنني التوفيق بين قول الله تعالى (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) ، وبين قوله علا شأنه (وما أصابكم من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) ، فأفتوني في ذلك؟ وحياكم الله وأدخلنا وإياكم جنات النعيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوفيق بين الآيتين يكون بمعرفة أن جميع ما يحصل في الكون من خير أو شر سبقت كتابته في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق، ويدل لهذا حديث: إ ن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، قال: رب وماذا أكتب، قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وأما إسناد ذلك إلى العبد فلأنه هو المتسبب فيه، بسبب معاصيه عقاباً له على ما اقترف، كما قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} .
وراجع الفتاوى ذات الأرقام: 64129، 19648، 30566، 35041.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1429(2/2161)
تفسير قوله تعالى (وما أنت بمسمع من في القبور)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير آية وما أنت بمسمع من في القبور ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الله تعالى: وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور. [فاطر: 22] . هو تأكيد منه تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى.
قال القرطبي في تفسيره: وما أنت بمسمع من في القبور، أي الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم، أي كما لا تسمع من مات، كذلك لا تسمع من مات قلبه. اهـ
علما بأن مسألة سماع الأموات كلام الأحياء قد اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من قال بأنهم يسمعون كلام الأحياء، ومنهم من نفى ذلك. ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 4276.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1429(2/2162)
تفسير: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ...
[السُّؤَالُ]
ـ[هودريك كُولْسِرئْسواد [إبراهيم قريشي] يعني سورة البقرة آية 17 في "قرآن مجيد" ترجمة باللغة التايلاندية [الترجمةِ محمد علي القاديانية اللاهورية] في قوله تعالى {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} ، هو يعنيه مثلهم كمثل الذي " [المِثْلُ:محمد] استوقد نارا........ وما المعنى لمن استوقد نارًا، وما يصح المعنى فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ {البقرة:17} ، مثل ضربه الله تعالى للمنافقين الذين أظهروا الإيمان في الدنيا وأسروا الكفر، فنالوا بإظهار الإيمان الأمن من المسلمين والعيش معهم والتوارث والتزاوج معهم، وكان مصيرهم في الآخرة الخلود الأبدي في النار مع الكفار، فشبههم الله تعالى بمن أوقد ناراً في ليلة مظلمة، فلما أضاءت ما حوله انطفأت وبقي في الظلام، والمنافقون أظهروا الإيمان في الدنيا، ولكنهم عند الموت سيذوقون أليم العذاب وأنواع النكال بسبب حقيقتهم فسيصلون العذاب في الدرك الأسفل من النار، كما قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء:140} ، وقال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا {النساء:145} .
وراجع في كفر القاديانية وعدم جواز الأخذ من كتبهم الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5419، 95424، 98176.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1429(2/2163)
تفسير: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض خليفة ...
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا في إعانة الإسلام والمسلمين ... في سورة البقرة، قال تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) ، فهل كان للملائكة علم بأن الخليفة هو إنسان، مع العلم بأن الخلائف في الأرض كثيرة من نبات وجبال وحيوانات وبحار، وهل كان للملائكة علم بأن الانسان هو بشكله الحالي من دم ولحم وعظم حتى جاء ردهم: يفسد فيها ويسفك الدماء، أريد تفسيراً دقيقاً لهذا الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر -كما قال الألوسي- أن الله أعلم الملائكة بأن الخليفة هو الإنسان الذي يقوم بالخلافة في الأرض وإعمارها وتنفيذ الأوامر الشرعية بها وسياسة أمورها وإصلاحها، والظاهر أنهم علموا إفساد بعض الناس في الأرض بإخبار الله إياهم بذلك، كما قال الألوسي، وذكر أيضاً أنه يمكن أنهم علموه من اللوح المحفوظ، أو استنبطوه من الخبر الإلهي.
واختلف هل أخبرهم الله بشأن الخليفة قبل خلق آدم عليه السلام أو بعد تكوينه ونفخ الروح فيه، وراجع تفسير الألوسي والشوكاني في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1429(2/2164)
دليل عدم المؤاخذة بحديث النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت مرة في التلفاز رجلا من أهل العلم والله أعلم قال إن الحديث لا ينسخ اّية، أرجو منكم شرحا في موضوع نسخ المؤاخذة بحديث النفس من ناحية الأدلة والآثار وما ورد عن السلف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل ما سمعته في التلفاز من الرجل -الذي قلت إنه من أهل العلم- هو أن خبر الآحاد لا ينسخ القرآن، وأما السنة المتواترة فالمرجح من كلام أهل العلم أنه يصح نسخها للقرآن، مع أن ذلك مختلف فيه، وكنا قد بينا ذلك من قبل، ولك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 46669.
وأما المؤاخذة بحديث النفس فإنها منسوخة بقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286} ، أخرج الإمام مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟! بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. قال نعم: رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. قال: نعم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1428(2/2165)
كيف قتل نبي الله الخضر الغلام
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ ... أود أن أسأل كيف قتل الخضر الغلام في قصة سيدنا موسى، هل صحيح أنه فصل رأسه عن جسمه هكذا، أم أنه فقط رماه بحصاة فمات، فقد قرأ أحد المسلمين الجدد الحديث على أنه فصل رأسه عن جسده وقال هذا غريب لا إنساني ولا يبدو من الله، كيف يستسيغ إنسان صالح أن يفصل الرأس عن الجسد هكذا!!؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الثابت في نص القرآن هو قتل نبي الله الخضر لهذا الغلام، وأما كيفية قتله فقد حكيت بعض الأخبار الإسرائيلية فيه وذكر فيها عدة روايات في كيفية قتله، وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أنه أخذ برأسه فاقتلعه بيده.
وينبغي أن يعلم أن الخضر نبي يوحى إليه، وأنه لم يعمل شيئاً إلا بأمر الله، لقوله تعالى إخباراً عنه أنه قال لموسى: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي {الكهف:82} ، فالواجب على المسلم الاستسلام لأمر الله وعدم تحكيم العقل فيما ورد فيه وحي، وراجع تفسير ابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(2/2166)
تفسير قوله تعالى (وأني فضلتكم على العالمين)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول تعالى في محكم تنزيله (يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين)
ما المقصود بالتفضيل في هذه الآيه؟ وهل هم الإسرائليون اليوم؟ أم كان التفضيل في ذلك الزمان؟ أرجو التفصيل.
وجزاكم الله خيرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقصود بالتفضيل هم بنو إسرائيل في الزمن الأول حيث كان فيهم الأنبياء والأحبار والتمسك بالدين والطاعة لله واتباع الرسل ففضلهم الله على عالمي زمانهم.
ولما انحرفوا بعد ذلك ضرب الله عليهم الذلة ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير، وأما الإسرائيليون اليوم فأغلبهم ليسوا من بني إسرائيل وإنما هم نزاع تجمعوا من يهود العالم فكثير منهم من السوفيات وبعضهم من الشعوب الأخرى.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17708، 11642، 73682، 55426، 36794، 28825.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1428(2/2167)
ثواب المحسنين دنيوي وأخروي
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في سورة يوسف: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.. فما هو تفسير الآية، وهل المعني من الأجر: الأجر في الدنيا أو في الآخرة، وهل السؤال عن الأجر في الدنيا فيه قلة أدب مع الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أجر المحسنين يشمل أجرهم في الدنيا وفي الآخرة، كما يفيده كلام الشوكاني والسعدي، ويدل له ما ذكر قبل في أول الآية من إنعامه عليه بالسلامة وجمعه بأخيه حيث يقول: أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا {يوسف:90} .. ويدل له أيضاً ما ذكر الله سابقاً من إنعامه على يوسف بالتمكين في الأرض، وبيان أن ما ينتظره من الأجر في الآخرة أكبر، وذلك حيث يقول تعالى: وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ* قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ* وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ* وَلَأَجْرُ الآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {يوسف:54-57} ، ومعنى الآية كما قال الشوكاني والطبري: أنه من يفعل التقوى أو يفعل ما يقيه عن الذنوب فيراقب الله ويطيعه بأداء أوامره وترك نواهيه، ويصبر نفسه ويكفها عن المحرم، ويصبر على المصائب كالسجن وفراق الأهل فإنه لا يضيع أجره ولا يبطل ثوابه.
ولا حرج على العبد أن يسأل الله تعالى الأجر في الدنيا والآخرة، فقد كان أكثر دعوة يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. كما رواه مسلم وأبو داود عن أنس بسند صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1428(2/2168)
إتفسير: إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا..
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقصد في الآية: (الذين كفروا بعد إيمانهم لا تقبل منهم توبتهم) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل الأخ السائل يسأل عن الآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ {آل عمران:90} ، والمقصود بالآية أن من كفر بعد إيمانه ثم استمر على الكفر حتى حانت وفاته لا تقبل توبتة عند الممات، وهو من الضالين أي الخارجين عن المنهج الحق إلى طريق الغي، كذا قال ابن كثير، واستشهد لعدم قبول التوبة عند الموت بقوله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1428(2/2169)
تفسير كلمات خالص ومختلف وشفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد ترجمة لبعض الآيات بالقرآن ومضاد للكلمات مثل خالصاً، ومختلف، وشفاء من سورة النحل.
وأريد نصوص السنة الثانية متوسط والقواعد أيضا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخالص هو الذي لا يشوبه شيء، وضده هو المشوب، والمختلف هو المتنوع، وضده ما كان على لون واحد، وفيه شفاء يعني أنه يصلح للتداوي، وضده ما كان لا يصلح للعلاج.
جاء في تفسير الجلالين: لبنا خالصاً: لا يشوبه شيء من الفرث والدم من طعم أو ريح أو لون أو بينهما.
وفي تفسير البيضاوي: مُّخْتَلِفٌ أَلْوَاُنهُ: أبيض وأصفر وأحمر وأسود بحسب اختلاف سن النحل والفصل.
وفي تفسير ابن كثير: فِيهِ شِفَاءٌ للِنَّاسِ. أي: في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم. قال بعض من تكلم على الطب النبوي: لو قال فيه: الشفاء للناس لكان دواء لكل داء، ولكن قال (فِيهِ شِفَاءٌ للِنَّاسِ) .
وأما ما طلبته من نصوص السنة الثانية في المتوسط، ومن القواعد فإنما ينبغي أن تتوجهي به إلى المؤسسات الدراسية في بلدك، لأن المناهج الدراسية إنما تتبع للبلدان التي هي بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1428(2/2170)
تفسير قوله تعالى (..واصطبر لعبادته..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا قال الله في سورة مريم آية 65 (اصطبر) ولم يقل اصبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا فرق في المعنى بين "اصبر" و"اصطبر" في أصل المعنى فمعناهما الأمر بالصبر، ولكن اصطبر أوكد في المعنى، ويفهم من كلام بعض المفسرين أنه قد ورد تأكيد الأمر بالصبر على العبادة لما في العبادة من المشقة، خاصة وأن السورة مكية، وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بعد البعثة ما لاقى من أذى قريش بسبب عبادته ربه.
قال البيضاوي في تفسيره مبيناً معنى الآية: فأقبل على عبادته واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفر، وإنما عدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما يورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمحارب: اصطبر لقرنك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1428(2/2171)
تفسير: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى هذه الآية. سورة آل عمران رقم 189 (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) .
ومن هم: أولو الألباب؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {آل عمران: 190-191}
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ومعنى الآية أنه تعالى يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص، وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا، وكل ذلك تقدير العزيز الحكيم، ولهذا قال: لأولي الألباب. أي العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون ... ثم وصف تعالى أولي الألباب فقال: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ.. أي لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم. ويتفكرون في خلق السموات والأرض: أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وعلمه وحكمته واختياره ورحمته ... انتهى. مختصرا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1428(2/2172)
معنى: فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، ما المفهوم التام لهذه الآية الكريمة؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية نزلت في النهي عن مجالسة المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها، فإن جلس معهم الإنسان ناسياً ثم تذكر فعليه أن يبتعد عنهم بعد التذكر، وذلك أن الناسي مرفوع عنه الإثم، كما في حديث المسند: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
كذا قال ابن كثير في تفسيره، وراجع للبسط في الموضوع كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1428(2/2173)
تفسير قوله تعالى (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تبارك وتعالى في سورة يوسف "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" ما المفهوم لهذه الآية الكريمة؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك أيها الأخ بسؤالك عن مفهوم الآية الكريمة تقصد السؤال عن تفسيرها، لذا فسوف نبين لك سبب نزولها؛ لأن منه يتبين معناها. جاء في زاد الميسر: قوله تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ {يوسف:103} قال ابن الأنباري: إن قريشا واليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف وإخوته فشرحها شرحا شافيا وهو يؤمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم فخالفوا ظنه، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزاه الله تعالى بهذه الآية. قال الزجاج ومعناها وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم. اهـ.
وإذا كنت إنما تسأل عن مفهومها حقا، فقبل الجواب عن ذلك، يجدر أولا أن ننبهك إلى أن المفهوم -كما عرفه أهل الأصول- هو المدلول الالتزامي للكلام. ويقابله المنطوق وهو المدلول المطابقي للكلام.
فإذا تقرر ذلك عُرف أن منطوق الآية الكريمة هو أن أكثر الناس لا يؤمنون، ولو حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك أشد الحرص.
ومفهومها أن الذي يؤمن من الناس هو الأقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1428(2/2174)
صفات عباد الرحمن في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفات عباد الرحمن؟ وأين نجدها في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في عدة مواطن من كتابه صفات عباده المؤمنين، كما في أول سورة المؤمنون، وآخر سورة الفرقان، ومن تلك الصفات العظيمة التي اتصف بها عباد الله سبحانه وتعالى والتي ورد ذكرها في آخر سورة الفرقان:
أولا: التواضع وحسن السمت والسكينة والوقار، قال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا. {الفرقان63} .
ثانيا: الإعراض عن الجاهلين وعدم مقابلة السيئة بمثلها‘ قال تعالى: وَإِذَاخَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا. {الفرقان63} .
ثالثا: أنهم يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له‘ قال تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا. {الفرقان 64} .
رابعا: أنهم يخافون عذاب جهنم ويسألون الله أن يصرفه عنهم‘ قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا {الفرقان 65}
خامسا: أنهم أهل عدل في باب الإنفاق‘ فلا يبخلون عن النفقات الواجبة والمستحبة‘ ولايزيدون على الحد فيدخلون في قسم التبذير‘ قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان67} .
سادسا: أنهم لا يشركون بالله شيئا في عبادته‘ يعبدون الله وحده مخلصين له الدين حنفاء مقبلين عليه معرضين عما سواه. قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ. {الفرقان68}
سابعا: أنهم لا يسفكون الدم الحرام بغير موجب شرعي‘ قال تعالى: وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ. {الفرقان 68}
ثامنا: أنهم يحفظون فروجهم مما حرم الله فلا يرتكبون فاحشة الزنا لطهارتهم وعفتهم‘ قال تعالى: ولا يزنون.
تاسعا: أنهم أبعد الناس عن الباطل في الأقوال والأعمال ويعرضون أيضا عن اللغو وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة فيه دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم ‘ قال تعالى: والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما. {الفرقان72}
عاشرا: أنهم إذا ذكروا بآيات الله تعالى قابلوها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذانا سامعة وقلوبا واعية فيزداد بها إيمانهم ويتم بها يقينهم‘ قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا. {الفرقان73}
الحادي عشر: أنهم لا يقتصرون على صلاح أنفسهم بل يسألون الله الصلاح لقرنائهم من الأصحاب والزوجات وصلاح الذرية ‘ كما يسألون الله أن يكونوا أئمة يقتدى بهم في الخير وهذا لعلو هممهم‘ قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا. {الفرقان 74}
هذه بعض صفات عباد الله الصالحين نسأل الله أن يجعلنا منهم ويحشرنا معهم‘ وإذا أراد الأخ السائل المزيد عنهم فليرجع إلى كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1428(2/2175)
تفسير قوله تعالى (كأنما يصعد في السماء)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قوله تعالى "كأنما يصعد في السماء" في سورة الأنعام، "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء"، هل المراد أن الكافر يجد صدره كأنه يصعد إلى السماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر بعض من تكلموا على الإعجاز العلمي أن من صعد إلى السماء يقل عنده الأوكسجين في طبقات الجو العليا فيضيق صدره لأجل ذلك، فشبه الله تعالى ضيق صدر الكافر بحال من فقد الأوكسجين، وراجع الكتب التي تتحدث عن الإعجاز العلمي في هذا المجال ومنها كتاب (الدعوة إلى التمسك بالقرآن) للدكتور: عبد الرحيم المغذوي، وراجع المواقع المتخصصة بأمور الإعجاز، وراجع في تفسير الآية الفتوى رقم: 99494، والفتوى رقم: 71665.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(2/2176)
تفسير: إنك لا تهدي من أحببت..
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ، وهل يجوز محبة الكفار من أهل الكتاب محبة لا تفضي إلى اتباعهم وتقليدهم في ضوء الآية السابقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يحب مشركاً سيما إذا أصر على كفره وشركه، فقد قال تعالى عن إبراهيم وأبيه: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ {التوبة:114} ، وقال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ {المجادلة:22} ، ومعنى الآية أن الهداية بيد الله وحده، فلا تستطيع هداية أحد أحببت هدايته إذا لم يشأ الله هدايته، وليس في استطاعة أحد أن يهدي من لم يقدر الله هدايته، فالله تعالى هو الذي بيده هداية الخلق، ومعنى أحببت في قوله: إنك لا تهدي من أحببت.. أي: أحببت هدايته. وقيل: أحببته لقرابته، كذا قال البغوي والألوسي.
وقال الطبري رحمه الله في تفسيره: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء. قال: ولكن الله يهدي من يشاء أن يهديه من خلقه، بتوفيقه للإيمان بالله ورسوله.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يهدي من أحب هدايته، ولكنه جل وعلا هو الذي يهدي من يشاء هداه، والآية نزلت في أبي طالب أحب النبي صلى الله عليه وسلم هدايته ولكن الله لم يقدرها له.
ففي الصحيحين عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله علهي وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ. وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(2/2177)
معنى (وقطعن أيديهن)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ، وقال تعالى في شأن النسوة اللاتي عشقن يوسف: (وقطعن أيديهن) هل فعلا قطعن أيديهن مثلما تقطع يد السارقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه اختلف المفسرون هل قطعت النسوة أيديهن حتى أبانتها أم أنها جرحتها فقط، وقد رجح كثير من المفسرين منهم البغوي والشوكاني أن المراد بالقطع هنا الجرح فقط.
وراجع تفسير الطبري والقرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(2/2178)
تفسير قوله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر عن الآيتين من سورة النحل (75-76) ، فأنا لم أفهم معناهما؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الآيتين قد بينه في تفسيره الشيخ السعدي أوضح بيان مع الاختصار فقال: ضرب الله تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه، أحدهما عبد مملوك أي: رقيق لا يملك نفسه ولا يملك من المال والدنيا شيئاً، والثاني حرُّ غنيُّ قد رزقه الله منه رزقاً حسنا من جميع أصناف المال وهو كريم محب للإحسان، فهو ينفق منه سراً وجهراً، هل يستوي هذا وذاك؟! لا يستويان مع أنهما مخلوقان غير محال استواؤهما.
فإذا كانا لا يستويان فكيف يستوي المخلوق العبد الذي ليس له ملك ولا قدرة ولا استطاعة، بل هو فقير من جميع الوجوه بالرب الخالق المالك لجميع الممالك القادر على كل شيء؟!! ولهذا حمد نفسه واختص بالحمد بأنواعه، فقال: الْحَمْدُ للهِ. فكأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فلم سوَّى المشركون آلهتهم بالله؟ قال: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. فلو علموا حقيقة العلم لم يتجرؤوا على الشرك العظيم.
والمثل الثاني مثل: {رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} لا يسمع ولا ينطق و {لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ} لا قليل ولا كثير {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} أي: يخدمه مولاه، ولا يستطيع هو أن يخدم نفسه فهو ناقص من كل وجه، فهل يستوي هذا ومن كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، فأقواله عدل وأفعاله مستقيمة، فكما أنهما لا يستويان فلا يستوي من عبد من دون الله وهو لا يقدر على شيء من مصالحه، فلولا قيام الله بها لم يستطع شيئاً منها، ولا يكون كفوا ونداً لمن لا يقول إلا الحق، ولا يفعل إلا ما يحمد عليه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1428(2/2179)
تفسير قوله تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية 106 {يوم تبيض وجوه ... إلخ الآية} 106 من سورة آل عمران أريد أن أستفسر ما سبب تفضيل اللون الأبيض على اللون الأسود، حيث البياض هو الخير والسواد هو الشر؟ وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل البياض والسواد الذي يحصل يوم القيامة سببه ما يحصل للمؤمنين من الفرح والسرور بما أعطاهم الله تعالى، وما يحصل للفجار من الكفار والمبتدعة من الاكتئاب والهم والحزن حيث بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فمن يفرح في العادة تظهر أمارات السرور والفرح على وجهه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر. كما في حديث البخاري.
وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجاهلية إذا أتاهم ما لا يسرهم حصوله من الأولاد وهو البنات ظهر السواد على وجوههم، كما قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ {النحل:58} ، وأخبر تعالى عن وجوه أهل الجنة أنها ناضرة، وأخبر عن وجوه الكفار أنها مسودة باسرة، كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ* وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ* تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَة ٌ {القيامة} ، وقال تعالى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ {المطففين:24} ، وقال: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ {الزمر:60} .
هذا وننبه إلى أن بياض الوجوه في الآخرة وسوادها لا تعلق له بألوان الناس في الدنيا، فالتفاضل في الدنيا والآخرة بالإيمان والتقوى، كما قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13} ، كما ننبه إلى أن اللون الأبيض مفضل في اللباس على الأسود، مع أن الأسود جائز كما يدل له الحديث: البسوا من ثيابكم البياض فإنه خير ثيابكم. رواه الترمذي وأبو داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(2/2180)
المؤكدات في الآية 55 من سورة النور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المؤكدات في الآية 55 سورة النور؟ أفيدوني.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المشار إليها هي قول الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. {سورة النور:55} .
والمؤكدات التي في هذه الآية هي لام القسم ونون التوكيد في كل من قوله (ليستخلفنهم) وقوله (ليمكنن) وقوله (ليبدلنهم) ، ولام القسم غالبا تصحبها نون التوكيد، وليس ذلك بلازم؛ بل قد تأتي اللام وتمتنع النون وذلك مع التنفيس؛ كما في قوله تعالى: لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (سورة مريم: 66) .
والوعد الذي صدرت به الآية هو في ذاته توكيد لأن إخبار الله تعالى بأنه وعد بالشيء هو توكيد بأن ذلك الموعود به سيقع لا محالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1428(2/2181)
تفسير قوله تعالى (الذين لا يؤتون الزكاة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[الآيتان ... بسم الله الرحمن الرحيم: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين (6) الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون (7) . صدق الله العظيم، سبب ربط الزكاة مع المشركين (الذين لا تجب عليهم الزكاة أساسا وإنما على المسلمين فقط) ، فأفيدونا أفادكم الله؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فآية الزكاة فيها تفسيران: أحدهما: أن المراد بها زكاة النفس وطهارتها من الأخلاق الرذيلة وأخطرها الشرك، ويدل لهذا تفسير ابن عباس لها بأنهم لا يشهدون أن لا إله إلا الله، وقد احتج ابن كثير لهذا المعنى بالآيات الواردة في القرآن المكي وتعبر بالزكاة عن تطهير النفوس، مثل قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا {الشمس:9-10} ، وقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى {الأعلى:14} ، وقوله: فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى {النازعات:18} ، وبأن الزكاة لم تفرض إلا في العام الثاني من الهجرة.
التفسير الثاني: أن المراد بها زكاة المال واختاره الطبري، وعليه فيحتمل أن يكون الأمر بالزكاة ورد في مكة ثم بينت أنصبتها ومصارفها وتفصيلاتها بالمدينة، وقد ذكر بعض المفسرين ومنهم البيضاوي والشنقيطي في الأضواء أن الآية حجة لبعض علماء الأصول القائلين بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ {المدثر} ، ومثله قوله تعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ* إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللهِ العَظِيمِ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ* فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ* وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ {الحاقة} ، وراجع للبسط في مسألة خطابهم بالفروع وعدم قبولها منهم حتى يؤمنوا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20318، 54703، 37319، 76428، 75818، 56735.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(2/2182)
تفسير قوله تعالى (رب لا تذرني فردا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى"رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين"؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية الكريمة هي دعاء من نبي الله زكريا عليه السلام يرجو من الله أن يرزقه ولدا.
جاء في تفسير ابن كثير: رب لا تذرني فردا أي لا ولد لي ولا وارث يقوم بعدي في الناس وأنت خير الوارثين دعاء وثناء مناسب للمسألة.
وفي تفسير البغوي: رب لا تذرني فرداً، وحيداً لا ولد لي وارزقني وارثاً، وأنت خير الوارثين، ثناء على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(2/2183)
معنى: وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الآية القرآنية التي تدل على أن يوما عند البشر يساوي 1000 سنة عند الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {الحج:47} والمعنى على ما ذكره أهل التفسير أن اليوم عند الله كألف سنة من هذا العدد، وقيل معناه: وإن يوماً من أيام عذاب الله كألف سنة مما تعدون، وقيل أيضاً: وإن يوماً في الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة، وكذلك يوم النعيم قياساً، وكلها أقوال متقاربة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1428(2/2184)
الضمير في قوله تعالى (.والله يهدي من يشاء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت بأن تفسير الآية ... بسم الله الرحمن الرحيم (إن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) ، بأن المقصود بها هو العبد أي أن يشاء العبد يهديه الله، أما السؤال هو: ما المقصود في الآية (إن الله يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء) ، فهل المقصود بها العبد أيضا أي أن يشاء العبد فالله يعذبه أو يغفر له؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على الاتصال بنا ونحضك على المزيد في الاتصال بنا وبأهل العلم، والحث على الازدياد من الخير والمعرفة وتحصيل الهداية وغفران الذنوب.
ونفيدك أن ما علمته في تفسير الآية غير صواب، فالضمير في يشاء راجع إلى الله تعالى، وكذلك الضمير في يغفر ويعذب.
وراجع في أسباب الهداية وغفران الذنوب الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 30758، 16610، 93474، 56498، 95581، 74586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(2/2185)
تفسير قوله تعالى (يوم يكشف عن ساق..)
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية (يوم يكشف عن ساق....) ما هي الساق التي سوف يكشف عنها، وهل هي ساق الله عز وجل وكيف ذلك إذا كانت الآية الأخرى تقول (ثم إنهم عن ربهم لمحجوبون) ، ولماذا ذكرت الآية الساق بالتحديد، هل يمكن أن تشرحوا لي شرحا تفصيليا وتوضحوا لي هذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراد بالساق في الآية ساق الله سبحانه وتعالى، فقد روى البخاري في الصحيحين ما يفيد تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لها بذلك، وثبت عن ابن مسعود تفسيرها بذلك، وفيها تفسيرات أخرى.
ولا يعارض هذا ما في آية المطففين، فإن ظاهر حديث البخاري أن هذه الرؤية للمؤمنين إذ فيه أن كل قوم قد ذهبوا مع معبوداتهم،.
وقد ثبت كثير من النصوص في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة وعدم رؤية الكفار له، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48052، 4228، 2426.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(2/2186)
الحديث الذي أسر به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بعض أزواجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحبة السؤال رقم 2156202 وكنت قد سألتكم فيها عن السر الذي أفشته السيدة حفصة أم المؤمنين للسيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما والحقيقة أنكم قد أحلتموني إلى استشارة أخرى لم أفهم منها شيئا أي لم أفهم ماهي قصة السر بالضبط وما هو السر فأرجوكم أنا أريد الموضوع بالتفصيل ولا تحيلوني إلى استشارة أخرى فأنا لا أعرف القصة بالمرة وأنتم تقولون لي مارية والعسل وأنا صراحة لا أفهم شيئا.
فأرجوكم الإجابة وبكل صراحة وبدون حرج؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن ننبهك إلى أننا لم نحلك فيما سألت عنه إلى استشارة، وإنما أفتيناك بجواب مطابق لما سألت عنه تماماً، وعلى أية حال فإننا سنجيبك الآن بشيء أكثر تفصيلاً، وذلك أنه قد ورد ثلاثة تفسيرات للسر الذي أسر به النبي صلى الله عليه وسلم إلى حفصة.
1- جاء في تفسير البغوي: ... وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه، فلما كان يوم حفصة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة أبيها فأذن لها، فلما خرجت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة، فوقع عليها، فلما رجعت حفصة وجدت البابا مغلقاً، فجلست عند الباب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يقطر عرقاً، وحفصة تبكي فقال: ما يبكيك؟ فقالت: إنما أذنت لي من أجل هذا، أدخلت أمتك بيتي، ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي، أما رأيت لي حرمة وحقاً؟ ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليست هي جاريتي أحلها الله لي؟ اسكتي فهي حرام علي ألتمس بذاك رضاك، فلا تخبري بهذا امرأة منهن، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار التي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه أمته مارية، وإن الله قد أراحنا منها، وأخبرت عائشة بما رأت، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
2- روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها فواطيت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير، قال: لا، ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحداً.
3- قيل إن الحديث الذي أسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض أزواجه هو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، جاء ذلك في تفسير البيضاوي والدر المنثور وغيرهما ...
فالسر -إذاً- مختلف فيه بين أن يكون تحريم مارية القبطية، أو تحريم العسل الذي قال إنه لن يعود إلى شربه، أو أمر الخلافة بعده.
ولو عدت إلى الجواب الذي أفتيناك به في الفتوى رقم: 80744، لعلمت أنه متضمن لما ذكرناه لك الآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(2/2187)
تفسير قوله تعالى (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقوله تعالى فيما معناه: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالآية الكريمة لفت الانتباه إلى بعض المشاهد الكونية التي تدل على قدرة الله تعالى وحسن تصرفه في ملكه، فالقرآن يوجه القلوب والعقول دائماً إلى مشاهد هذا الكون، وقد جاءت هذه الآية تبين الحالات التي يكون عليها الظل من الامتداد قبل طلوع الشمس، ثم ما يحصل له من التناقص مع طلوع الشمس وارتفاعها، يقول النسفي في تفسيره: قوله عز وجل (ألم تر إلى ربك) ألم تنظر إلى صنع ربك وقدرته، (كيف مد الظل) أي بسطه فعم الأرض وذلك من حيث طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس في قول الجمهور، لأنه ظل ممدود لا شمس معه ولا ظلمة، وهو كما قال في ظل الجنة (وظل ممدود) إذ لا شمس معه ولا ظلمة. (ولو شاء لجعله ساكناً) أي دائماً لا يزول ولا تذهبه الشمس، (ثم جعلنا الشمس عليه) على الظل (ليلا) لأنه بالشمس يعرف الظل ولولا الشمس لما عرف الظل، فالأشياء تعرف بأضدادها (ثم قبضناه) أي أخذنا ذلك الظل الممدود (إلينا) إلى حيث أردنا (قبضاً يسيراً) سهلاً غير عسير أو قليلاً قليلاً أي فجزءاً جزءاً بالشمس التي تأتي عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(2/2188)
سبب التعبير مرة بـ (مهلك) ومرة بـ (بمهلك)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: "ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون"، وقال تعالى: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" لماذا جاء التعبير في الآية الأولى "بمهلك" وفي الثانية "ليهلك"؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد من بين المفسرين من فرق بين نفي الإهلاك في قول الله تعالى: ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ {الأنعام:131} ، وبين نفي الإهلاك في قوله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ {هود:117} ، إلا أننا لو تأملنا الآيتين لوجدنا نفي الإهلاك في الآية الأولى لا يكون مع الغفلة بل لا بد أن يسبقه إرسال الرسل.
وأما نفيه في الآية الثانية فإنه مؤبد، فلا يكون الإهلاك أبداً حال كون أهل القرى مصلحين، لذا ناسب مع الآية الثانية مجيء لام الجحود لأنها أبلغ في النفي.
تنبيه: ولام الجحود هي اللام المسبوقة بفعل كون مسبوق بنفي. وإلى هذا إشار من قال:
وكل لام قبله "ما كانا" * أو "لم يكن" فللجحود بانا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(2/2189)
تفسير قوله تعالى (..أو صديقكم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في سورة النور الآية "61" ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم...... لعلكم تعقلون" الآية تتحدث عن الأكل وذكرت المحارم من الدرجة الأولى والثانية فما هي الحكمة من ورود كلمة "صديقكم" فهل الصديق ينزل منزلة المذكورين في الآية، وهل يجوز أن يجتمع النساء والذكور من الأصدقاء على الطعام فقط ومن أجل الطعام بناء على الآية الكريمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الصديق في الآية مع الأقارب، لما هو موقور في النفوس من محبة الصلة مع الأصدقاء، كذا قال ابن عاشور في تفسيره، وذكر أنه سئل بعض الحكماء أي الرجلين أحب إليك أخوك أم صديقك، فقال: إنما أحب أخي إذا كان صديقي، والآية ليست نصاً في موضوع أكل النساء مع الرجال وإنما حملها بعضهم على أكل الصديق من طعام صديقه من غير دعوة، وراجع أحكام القرآن لابن العربي وتفسير القرطبي في تفسير الآية.
وأما أكل النساء مع الرجال، فراجع فيه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 98295، 46125، 63091، 70162، 3316، 71540.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(2/2190)
تفسير: وجعلناكم شعوبا وقبائل
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌِ
الشعوب والقبائل هل المقصود بها الشعوب والقبائل الحالية كالدول والأسر أو الأصول القديمة للإنسان؟
قال تعالى:
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍِ
قال تعالى:
مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًاِ
التباين في أشكال الناس هل هو دليل على وجود أخطاء من أنفسهم بعدما أحسن الله خلقهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم تفسيرات متعددة للشعوب والقبائل في قول الله تعالى: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ {الحجرات: 13} . وننقل لك ما جاء به القرطبي من ذلك في تفسيره، حيث قال: الشعوب رؤوس القبائل، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، واحدها (شعب) بفتح الشين. سموا به لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة، والشعب من الأضداد، يقال شعبته إذا جمعته ... قال الجوهري: الشعب ما تشعب من قبائل العرب والعجم، والجمع الشعوب ... والشعب القبيلة العظيمة، وهو أبو القبائل الذي ينسبون إليه، أي يجمعهم ويضمهم. قال ابن عباس: الشعوب الجمهور مثل مضر، والقبائل الأفخاذ. وقال مجاهد: الشعوب البعيد من النسب، والقبائل دون ذلك، وعنه أيضاً أن الشعوب النسب الأقرب، وقاله قتادة. ذكر الأول عنه المهدوي والثاني الماوردي ... وقيل: إن الشعوب عرب اليمن من قحطان، والقبائل من ربيعة ومضر وسائر عدنان. وقيل: إن الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب. وقال ابن عباس في رواية: إن الشعوب الموالي، والقبائل العرب ...
ونعتقد أن هذا القدر يكفي في تفسير الشعوب والقبائل.
وأما التباين في أشكال الناس فإنه دليل على قدرة الله، وأنه –وحده- المدبر لهذا الكون والمتصرف فيه.
وأفعال الله تعالى لا تخضع للتعليل، وهي كلها بالغة في الحكمة، لكننا قد نطلع على الحكمة منها وقد لا نطلع على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(2/2191)
تفسير قوله تعالى: اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ما هو تفسير الآية الكريمة من سورة المائدة {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} ؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جمعت هذه الآية بين أسلوبي الترغيب والترهيب، وهما أسلوبان من أساليب القرآن في توجيه العباد إلى الخير وتحذيرهم من الشر.
قال الشوكاني في تفسيره فتح القدير: ثم أمرهم بأن يعلموا بأن الله لمن انتهك محارمه ولم يتب عن ذلك شديد العقاب، وأنه لمن تاب وأناب غفور رحيم. انتهى.
وقال السيوطي في تفسيره الدر المنثور عند تفسير هذه الآية: أخرج أبو الشيخ عن الحسن، أن أبا بكر الصديق حين حضرته الوفاة قال: ألم تر أن الله ذكر آية الرخاء عند آية الشدة، وآية الشدة عند آية الرخاء، ليكون المؤمن راغباً راهباً، لا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(2/2192)
تفسير قوله تعالى (وخضتم كالذي خاضوا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لم لا يكون المعنى في قوله تعالى وخضتم كالذي خاضوا دلالة على أن اللاحقين خاضوا في ذات الشيء الذي خاض فيه السابقون, لأن الذي والله وأعلم لا تشير إلى جمعهم ولكنها تشير إلى ما خاضوا فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا المعنى الذي تريد لا يستقيم إلا إذا كانت الكاف بمعنى في، ولم يذكر أهل النحو ورود الكاف بمعنى في، وراجع مغني اللبيب لابن هشام، وشروح الألفية عند شرح قول ابن مالك:
شبه بكاف وبها التعليل * قد يعني....
وأما معنى الذي خاضوا فراجع فيه الفتوى رقم: 72520.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(2/2193)
تفسير قوله تعالى (أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود في الآية الكريمة (أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى) ، استصعب الاستدلال عليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود في الآية الكريمة هو أبو جهل كما ورد في كتب التفسير، جاء في تفسير الطبري: ذُكر أن هذه الآية -يعني: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى- وما بعدها نزلت في أبي جهل ابن هشام، وذلك أنه قال فيما بلغنا: لئن رأيت محمداً يصلي، لأطأن رقبته، وكان فيما ذُكر قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أرأيت يا محمد أبا جهل الذي ينهاك أن تصلي عند المقام، وهو معرض عن الحق، مكذب به، يُعجب جل ثناؤه نبيه والمؤمنين من جهل أبي جهل، وجراءته على ربه، في نهيه محمداً عن الصلاة لربه، وهو مع أياديه عنده مكذب به. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(2/2194)
تفسير قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بحبل الله في آية (واعتصموا بحبل الله جميعاً) في سورة آل عمران؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
حبل الله هو القرآن وقيل دين الله أو عهده.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روي عن السلف عدة أقوال في تفسير حبل الله، فقيل هو القرآن، وقيل دين الإسلام، وقيل عهد الله. وهذه الأقوال غير متعارضة، وقد رجح ابن العربي وابن كثير أن المراد به القرآن، ويدل لرجحان ذلك ما في حديث مسلم: إني تارك فيكم ثقلين؛ أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(2/2195)
النكر والمنكر في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى النكر والمنكر في القرآن الكريم؟ مع الشكر الجزيل ... وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنكر والمنكر بمعنى واحد، وهو الأمر العظيم، قال الطبري في تفسيره: قوله لقد جئت شيئاً نكراً يقول: لقد جئت بشيء منكر، وفعلت فعلاً غير معروف.
وفي روح المعاني: لقد جئت شيئاً نكراً، منكر جداً. قال الإمام المنكر ما أنكرته العقول ونفرت عنه.. وقال الراغب المنكر الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(2/2196)
تقديم السارق على السارقة والزانية على الزاني في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم"، وقال تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"، فما وجه تقديم المذكر في الآية الأولى وتقديم المؤنث في الآية الثانية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص أهل العلم على أن من أسباب التقديم في القرآن الكريم الغلبة والكثرة، والتقديم في الآيتين المذكورتين من هذا الباب -كما نصوا عليه-، فالسرقة في الرجال أكثر، ودواعي الزنا في النساء أكثر، ولذلك كان من المناسب تقديم كل منهما في المكان الذي قدم فيه، قال الحافظ في الفتح: وقدم السارق وقدمت الزانية على الزاني لوجود السرقة غالباً في الذكورية، ولأن داعية الزنا في الإناث أكثر، ولأن الأنثى سبب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(2/2197)
التوجيه البلاغي لقوله تعالى (يريدون أن يطفئوا.) وقوله (يريدون ليطفئوا.)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في سورة التوبة "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون* هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" وقال تعالى في سورة الصف "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون* هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" فما هو وجه الفرق بين النصين مع تقاربهما، وهل هناك فائدة زائدة في تغيير التعبير؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الله عز وجل: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {الصف:8-9} ، كان في أواسط العهد المدني، وقوله تعالى: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {التوبة:32-33} ، كان في أواخر العهد المدني، فكأن النص الأول يشير إلى إعداد الكافرين الوسائل التمهيدية ابتغاء إطفاء نور الله بأفواههم، والنص الثاني يشير إلى إرادة الكافرين إطفاء نور الله بأفواههم بعد أن استكملوا إعداد الوسائل بحسب تصورهم.
وفي كلا التعبيرين من أوجه البلاغة ما لا يخفى.
قال في التحرير والتنوير:.... لما حاولوا طمس الإسلام كانوا في نفس الأمر محاولين إبطال مراد الله تعالى فكان حالهم في نفس الأمر كحال من يحاول من غيره فعلاً وهو يأبى أن يفعله. والاستثناء مفرغ وإن لم يسبقه نفي، لأنه أجري فعلى يأبى مجرى نفي الإرادة، كأنه قال: ولا يريد الله إلا أن يتم نوره. ذلك أن فعل (أبى) ونحوه فيه جانب نفي، لأن إباية شيء جحد له، فقوي جانب النفي هنا لوقوعه في مقابلة قوله (يريدون أن يطفئوا نور الله) فكان إباء ما يريدونه في معنى نفي إرادة الله ما أرادوه ... وجيء بهذا التركيب هنا لشدة مماحكة أهل الكتاب وتصلبهم في دينهم ولم يجأ به في سورة الصف إذ قال: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) . لأن المنافقين كانوا يكيدون للمسلمين خفية وفي لين وتملق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1428(2/2198)
معاني (كلا) في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين كلاً من الآيتين (ليكون لهم عزا كلا) و (كلا والقمر) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
كلا في الآية الأولى للرد والإنكار ... وفي الثانية صلة لما بعدها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل العلم يقولون إن (كلا) حرف ردع وزجر وإنكار وتنبيه ورد ... وقال بعضهم: إنها تأتي في القرآن لمعنيين: أحدهما حقاً، والثاني: لا.
والفرق بينها في الآيتين المشار إليهما يتضح من السياق.. ففي الآية الأولى إنكار ورد لتعزز المشركين بالآلهة التي اتخذوها من دون الله وأنها ستكون ضدهم يوم القيامة وذلا عليهم ... قال الله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا* كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا {مريم:81-82} .
وأما في الآية الثانية فهي بمعنى حقاً -كما قال أهل التفسير- وهي صلة للقمر والتقدير أي والقمر، وجعلها بعضهم رداً على الذين زعموا أنهم يقاومون خزنه جهنم، أي ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يقاوم خزنة النار، قال الله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ* كَلَّا وَالْقَمَرِ {المدثر:31-32} .
وللفائدة فقد نقل القرطبي عن بعضهم: ليس في النصف الأول من القرآن ذكر كلا وإنما جاء ذكره في النصف الثاني. وهو يكون بمعنيين: أحدهما: بمعنى حقاً. والثاني: بمعنى لا، فإذا كانت بمعنى حقاً جاز الوقف على ما قبله، ثم تبتدئ كلا أي حقاً، وإذا كانت بمعنى لا، كان الوقف على كلا جائزاً.
ونقل السيوطي عن بعضهم قوله: متى سمعت كلا في سورة فاحكم بأنها مكية لأن فيها معنى التهديد والوعيد وأكثر ما نزل ذلك بمكة لأن أكثر العتو كان بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1428(2/2199)
تفسير قوله تعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السبب الذي أباح للزانية أن تتزوج مشركا هل هو عظم الفعل الذي ارتكبته أم أنها انسلخت عن فئة المؤمنين بما ارتكبته من فاحشة مع أن القاعدة العامة هي أن المسلمة لا تتزوج إلا من مسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يوجد سبب يبيح للمسلمة أن تتزوج مشركا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلمة شرعا أن تتزوج مشركا ولو كانت زانية..
ولعلك فهمت ذلك من قول الله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {النور: 3} .
وليس المعنى كما فهمت، فإن الآية معناها- كما قال أهل التفسير- أن من اتصف بالزنا من رجل أو امرأة ولم يتب من ذلك أن المُقدم على نكاحه مع تحريم الله تعالى لذلك لا يخلو من أحد أمرين: إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله فذاك لا يكون إلا مشركا، وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله فأقدم على النكاح مع علمه بالزنا فإنه بنكاحه هذا يعتبر زان فلو كان مؤمنا حقا لم يقدم على ذلك، وهو دليل صريح على تحريم نكاح الزاني حتى يتوب وعلى نكاح الزانية حتى تتوب ولذلك قال تعالى: وحرم ذلك على المؤمنين.
وقيل المراد بالنكاح هنا: الجماع؛ أي لا يزني بها إلاّ زان أو مشرك.
وعلى كل فليس في الآية دليل على إباحة زواج المشرك بالزانية المسلمة ولايوجد سبب في الشريعة يبيح للمسلمة الزواج من الكافر.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 2403.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(2/2200)
تفسير قوله تعالى (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينطبق قوله تعالى (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه.......) على من يصلي ويصوم ويقوم بالفرائض، ولكنه يدخن أو يرتكب صغائر الذنوب؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فهذه الآية وأمثالها تعني إعراض الجحود والتكذيب، ومن علم من المسلمين حكم الشرع في مسألة ما ولم يستجب له من غير عذر يمنعه قد يناله نصيب من هذه الآية من جهة عدم الاستجابة لا أنه يكفر بذلك، والواجب على المسلم الحذر من صغائر الذنوب وكبائرها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية قد نزلت في الأصل تبين ما عليه الكفار من جحود الحق وتكذيبه وعدم الاستجابة له، قال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُون َ {السجدة:22} ، قال رحمه الله تعالى: أي لا أظلم ممن ذكره الله بآياته وبينها له ووضحها، ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها كأنه لا يعرفها. انتهى.
وقال البغوي رحمه الله في تفسيرها: يعني المشركين. انتهى. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 53679.
ومع أن هذه الآية تعني في الأصل إعراض الجحود والتكذيب، إلا أن من علم من المسلمين الحكم الشرعي في أمر ولم يستجب لحكم الله فيه، فقد يكون له نصيب من هذه الآية من جهة عدم استجابته للحق، لا أنه يكفر بذلك، والواجب على المسلم اجتناب الذنوب جميعاً صغيرها وكبيرها، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 25998 للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(2/2201)
ترتيب وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حكمة في ترتيب الآيات في وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا شك أن في ترتيب صفات عباد الرحمن على النحو المذكور في الآيات المشار إليها حكمة أو حكماً جليلة ولو لم نفهمها نحن أو نطلع على مغزاها ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن في ترتيب آيات القرآن عموماً وصفات عباد الرحمن خصوصاً حكمة أو حكماً عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولعل من هذه الحكم -والله أعلم- أن صفات عباد الرحمن جاءت جملتها عطفاً على جملة: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا {الفرقان:62} ، فذكر سبحانه وتعالى صفات عباد الرحمن في النهار الذي هو وقت العمل والنشاط ومخالطة الناس.. فقال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا {الفرقان:63} ، ثم أتبعه بصفاتهم بالليل: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا {الفرقان:64} ، ثم في حياتهم العامة في الإنفاق الواجب والمستحب.. وهذه صفات تحلية، ثم أتبعها بصفات تخلية عن ثلاثة أنواع من الذنوب وهي الشرك وقتل النفس بغير حق والزنا، وهي أعظم الذنوب كما في حديث ابن مسعود في الصحيحين، وهي العنوان لجميع أنواع الذنوب كما جاء في الحديث: الظلم ثلاثة فظلم لا يتركه الله، وظلم يغفر، وظلم لا يغفر، فأما الظلم الذي لا يغفر؛ فالشرك لا يغفره الله، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد فيما بينه وبين ربه، وأما الظلم الذي لا يترك؛ فظلم العباد فيقتص الله بعضهم من بعض. رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني في السلسلة.
ثم بعد ذلك جاءت صفات استقامتهم والتزامهم بشرع الله تعالى في حياتهم كلها فقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ {الفرقان:72} ، وختمت الصفات بدعائهم بالزيادة من الخير وصلاح الحال..: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74} .
قال ابن عاشور في التحرير: وفي الإطناب بصفاتهم الطيبة تعريض بأن الذين أبوا السجود للرحمن وزادهم نفورا هم على الضد من تلك المحامد.. واعلم أن هذه الصفات التي أجريت على عباد الرحمان جاءت على أربعة أقسام: قسم هو من التحلي بالكمالات الدينية.. وقسم هو من التخلي عن ضلالات أهل الشرك.. وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام.. وقسم من تطلب الزيادة من صلاح الحال في هذه الحياة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1428(2/2202)
الشجرة الملعونة في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في ذكر القرآن الكريم عن الشجرة الملعونة في القرآن: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًاِ) وهي على حد علمي أنها شجرة الزقوم فلماذا لعنت في القران لأنه على حسب علمي لا يلعن الله شيئا إلا لسبب معين وكبير وقد قرأت جميع التفسيرات الموجودة بخصوص هذه الآية ولكن المعلومات ما زالت غامضة ... أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلم المفسرون على المسألة فقال البيضاوي: ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضارا. قال جمهور المفسرين: وهي شجرة الزقوم، والمراد بلعنها لعن آكلها؛ كما قال سبحانه: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ {الدخان: 43-44} وقال الزجاج: إن العرب تقول لكل طعام مكروه ملعون. اهـ
وقال الشنقيطي في الأضواء: وإنما وصف الشجرة باللعن لأنها في أصل النار، وأصل النار بعيد من رحمة الله، واللعن الإبعاد عن رحمة الله، أو لخبث صفاتها التي وصفت بها في القرآن أو للعن الذين يطعمونها. والعلم عند الله تعالى.
وقال ابن عاشور: والملعونة أي المذمومة في القرآن في قوله: طَعَامُ الْأَثِيمِ، وقوله: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ {الصافات: 65} وقوله: كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ {الدخان: 45-46} وقيل معنى الملعونة أنها موضوعة في مكان اللعنة وهي الإبعاد من الرحمة لأنها مخلوقة في موضع العذاب. وفي الكشاف: قيل تقول العرب لكل طعام ضار ملعون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(2/2203)
الحكمة من قتل الغلام في قصة الخضر
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال عن قصة الخضر وقتله للغلام الكافر، الله -عز وجل- يعلم الغيب، فلماذا خلق ذاك الغلام الكافر وهو عالم أنه سيسبب لأهله أي لأبويه الضرر ثم أمر بقتله، بدلاً من أن لا يخلقه من البداية ويهب أهله غلاما مؤمنا صالحا، على سبيل التوضيح، فمثلا لو أعلم أني إذا أعطيت أخي مالاً سيشتري به حراما، ما أعطيته إياه من الأساس، لكن ما حصل في قصة ذاك الغلام، أنه وُهِبَ الحياة والله عز وجل يعلم أنه سيسبب لأهله الأذى أو الكفر ثم أمر بقتله، فقصدي أنه لماذا لا يترك خلقه من الأساس بدلاً من الخلق ثم القتل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لله تعالى الحكمة البالغة في تدبير أمور خلقه فالواجب التسليم له، وأما قتل هذا الغلام فقد ذهب بعضهم إلى أنه قتل لكفره ولصوصيته إيقافاً لشره عن المجتمع ومنعاً لتأثيره على أبويه وجرهما للمعاصي أو الكفر، واختلف هل قتل بعد البلوغ أو قبله وكان ذلك في شريعة الخضر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله حكيم في تدبيره لأمور خلقه له الحكمة البالغة فيما يقدره على عباده يخلق ما يشاء ويختار، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، يحيي من يشاء ويميت من يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
فالواجب على العبد التسليم والإذعان، وأن يعتقد أن أفعال الله كلها خير وحكمة، ولا حرج على العبد بعد التسليم أن يبحث عن حكمة شيء ما، وقد تكلم أهل العلم على مسألة الغلام، فذكر بعضهم أنه كان بالغاً وكفر بالله فحسم الله شره وتأثيره على أبويه بالقتل، ويدل لهذا إطلاق كلمة الغلام على البالغ في اللغة العربية، وقيل كان لصاً قاطعاً للطريق وكان أبواه يتستران عليه فقتله لئلا يسبب لهما الشر، وقيل كان التكليف في شريعة الخضر غير مشروط بالبلوغ فحد بالقتل للصوصيته، وقيل كان صغيراً فقتل من باب دفع الضرر كقتل الحيات والسباع العادية لا من باب القتل المترتب على التكليف، وقيل كان صغيراً وقتل لدفع شره ولصوصيته لأن الصبي إذا صال ولم يمكن دفعه إلا بالقتل قتل.
ومن الحكم والفوائد المترتبة على قتله إن كان مكلفاً إيقاف شره عن أبويه وعن المجتمع من باب تفادي أعظم الشرين بإرتكاب أخفهما، ومن الفوائد والحكم ابتلاء الأبوين حيث فرحا بميلاده ثم حزنا على فقده، فإن صبرا نالا بذلك أجرا عظيماً والدنيا كلها إلى زوال ينضاف إلى هذا أن الله أكرمهما بخير منه.
وأما قول السائل بأولوية عدم خلقه أصلاً بدلاً من أن يخلق ثم يقتل فجوابه أن الله تعالى خلق عباده لعبادته فمن عصى واعتدى عاقبه بما يشاء، ومن حكم هذا كثرة ثواب الأنبياء والدعاة والمجاهدين في دعوتهم الناس للطاعة والاستقامة وقمع أهل الفساد بإقامة الحدود الشرعية، فلا يعقل أن يقال في قاتل النفس إذا قتل لمّ لم يخلقه الله أصلاً، فالله تعالى خلق الخلق وابتلاهم وجازاهم على أعمالهم.
وراجع للبسط في الموضوع والاطلاع على كلام أهل العلم في الآية تفسير ابن الجوزي والألوسي والقرطبي والشوكاني وأحكام أهل الذمة لابن القيم.
وراجع فيه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75338، 35041، 19117، 8652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(2/2204)
الأزواج الثلاثة المذكورون في سورة الواقعة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى في سورة الواقعة (كنتم أزواجا ثلاثة) وقد تعددت التسميات منها أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة والسابقون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال والمقربين والمكذبين،.فأرجو أن تصنفوا هذه التسميات حسب هؤلاء الأزواج الثلاثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصنف الأول هم المقربون والسابقون، والصنف الثاني هم أصحاب اليمين وأصحاب الميمنة، والصنف الثالث هم المكذبون الضالون أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(2/2205)
تفسير الآيتين الحادية عشر والثانية عشر من سورة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تشرحوا لي معنى الآيتين 11 و 12 من سورة النساء بطريقة سهلة الفهم لأنني لم أستطع فهمهما من كتب التفسير.. مثلا كأن تقولوا -إذا كان لرجل بنت واحدة فهي ترث كذا- لكي يسهل علي حفظها لأنني لا أستطيع حفظ شيء لم أفهمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيتان المسؤول عنهما هما قول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا* وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ {النساء:11-12} ، وما طلبت من التفصيل في تفسيرهما متعذر في فتوى كهذه، ولكننا سنجمل لك ما حوتاه من الأحكام، فنقول: إن الميت إن ترك بنتا واحدة ولا ولد له، كان لها نصف متروكه، وإن كانتا اثنتين فأكثر كان لهما أو لهن ثلثا تركته، وإن ترك ذكوراً وإناثاً كان لكل بنت سهم ولكل ولد سهمان.
ثم أم الميت لها سدس متروكه إن كان له فرع وارث ذكر أو أنثى أو كان له أخوان فأكثر.
وللأب سدس التركة إن كان الميت ترك ابنا أو ابن ابن، وإن لم يكن له فرع وارث كان للأب مع السدس ما بقي بعد أصحاب الفروض.
وللزوجة الربع إن لم يكن للميت فرع وارث، ذكر أو أنثى، وإن كان له فرع وارث كان لها الثمن.
وللزوج النصف إن لم تكن الزوجة تركت فرعاً وارثا وإلا كان له الربع.
وكل هذا السهام لا تخرج إلا بعد نفقات تجهيز الميت وقضاء ديونه وإخراج وصاياه من ثلث الباقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(2/2206)
تفسير قوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ، هل يعني أن العامي والجاهل لا يخشى الله وهو في النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان هذه الآية وأقوال المفسرين حولها في الفتوى رقم: 21642.
وخلاصة ما قاله أهل التفسير فيها: أنه لا يخشى الله تعالى حق الخشية ويخافه حق الخوف إلا العلماء بآيات الله المقروءة المنزلة على رسله وآياته بالمثوثة في كونه والتي يستوي في تأملها القارئ والأمي ...
وليس معنى الآية أن العامة لا يخشون الله تعالى، ولكن كل واحد يخشاه بحسب علمه وقوة إيمانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(2/2207)
المراد بقول الله: سلام على إلياسين
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا تقولون على أهل البيت عليهم السلام
مثلاً الحسين عليه السلام أو الإمام علي عليه السلام لماذا لا تقولون التسليم عليهم لماذا تقولون إنه لا يجوز؟
بل يجوز
1-أنتم تقرؤون القرآن ولكن لماذا لا تقرؤونه بتمعن بل نزلت آية في القرآن الكريم واضحة تفسر نفسها عليهم
وهي (السلام على آل يس)
إذاً من هو يس أليس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن هم آل يس أليسوا أهل البيت عليهم السلام.
2- أنتم كذلك تقولون الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ها أنتم قلتم آله إذاً لماذا لا تقولون عليهم السلام على أهل البيت عليهم السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السلام على أهل البيت والصحابة تبعا للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أمر مشروع لحديث الصحيحين: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.. اهـ. وهذا هو ما درجنا عليه كثيرا في بداية الفتاوى.
وأما الصلاة على أهل البيت استقلالا دون بقية الصحابة فقد قدمنا في الفتوى رقم: 37150، كلام أهل العلم في كراهتها، وحجتهم في ذلك أنه غير معهود عن الصحابة والتابعين وهؤلاء هم أعرف الناس بفضل آل النبي صلى الله عليه وسلم وما يشرع في حقهم، وهم أولى بالاتباع والاقتداء من غيرهم.
وأما الاحتجاج بآية الصافات فعير ناهض لأن المراد بها على الراجح السلام على إلياس النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل له أن السياق ورد في أثناء قصة إلياس، كما يدل له قراءة الجمهور: سلام على إلياسين. وهي لغة في إلياس كما قالوا: إدريسين في إدريس، ويدل له كذلك كثرة إطلاق قولهم: آل فلان على الشخص.
وأما تفسير الآية بأن المراد بها آل محمد صلى الله عليه وسلم فهو مروي عن الكلبي نقله عنه الشوكاني. وقال بعده: قال الواحدي: وهذا بعيد لأن ما بعده من الكلام وما قبله لا يدل عليه. وقد أطنب القرطبي في رد هذا القول وبيان تفنيده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1428(2/2208)
تفسير: الله نور السماوات والأرض ...
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الآية مثل نوره كمصباح في زجاجة.إلى آخر الآية من سورة النور.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن نصحح لك الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {النور:35}
وأما تفسير الآية الكريمة فنلخصه لك من تفسير البغوي كما يلي: الله نور السموات والأرض، قال ابن عباس: هادي أهل السموات والأرض، فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهداه من الضلالة ينجون.. قوله تعالى: مثل نوره أي: مثل نور الله تعالى في قلب المؤمن وهو النور الذي يهتدي به.. كمشكاة، وهي الكوة التي لا منفذ لها، فإن كان لها منفذ فهي كوة.. فيها مصباح أي: سراج، أصله من الضوء ومنه الصبح، ومعناه: كمصباح في مشكاة، المصباح في زجاجة، يعني القنديل..
ثم وصف الزجاجة فقال: الزجاجة كأنها كوكب دري.. أي شديد الإنارة، نسب إلى الدر في صفائه وحسنه، وإن كان الكوكب أكثر ضوءا من الدر لكنه يفضل الكواكب بضيائه.. يوقد من شجرة مباركة زيتونة، أي: من زيت شجرة مباركة..
قوله تعالى: لا شرقية ولا غربية، أي ليست شرقية وحدها حتى لا تصيبها الشمس إذا غربت، ولا غربية وحدها فلا تصيبها الشمس بالغداة إذا طلعت، بل هي ضاحية الشمس طول النهار، تصيبها الشمس عند طلوعها وعند غروبها، فتكون شرقية وغربية تأخذ حظها من الأمرين، فيكون زيتها أضوأ.. يكاد زيتها، دهنها يضيء من صفائه ولو لم تمسسه نار، أي قبل أن تصيبه النار، نور على نور، يعني نور المصباح على نور الزجاجة.. قوله عز وجل: يهدي الله لنوره من يشاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لدين الإسلام، وهو نور البصيرة، وقيل: القرآن. ويضرب الله الأمثال للناس، يبين الله الأشياء للناس تقريبا للأفهام وتسهيلاً لسبل الإدراك، والله بكل شيء عليم..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1428(2/2209)
تفسير: ومن يرد فيه بإلحاد ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ (ومن يرد فيه بإلحاد) ، الضمير هنا عائد على مكة المكرمة ككل أم على المسجد الحرام في حد ذاته أم على القاطن داخل حدود الحرم، وما معنى كلمة إلحاد وهل المقصود بها محقرات الذنوب أم الكبائر أم ما توسوس به النفس ولم تحدث؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ضمير فيه يعود على الحرم كله، وإرادة الإلحاد: إرادة المخالفة الشرعية عموماً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ضمير (فيه) عائد إلى المسجد الحرام، ويتضح ذلك إذا عدنا إلى بداية السياق وهي قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {الحج:25} ، والمراد بالمسجد الحرام ما دخل في حدود الحرم المكي -على الراجح من أقوال أهل العلم- كما دلت عليه آيات أخرى منها قول الله تعالى: ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... {البقرة:196} ، وقد نقل ابن جرير الإجماع على أن أهل الحرم معنيون به، وقوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... {الإسراء:1} ، قال أهل العلم: إن الإسراء كان من بيت أم هانئ ولم يكن من المسجد ذاته، فدل ذلك على أن المسجد الحرام: الحرم كله. وقيل لعطاء: هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: لا؛ بل في الحرم فإن الحرم كله مسجد.
هذا وبإمكانك الاطلاع على المزيد من أقوال أهل العلم في تفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما.
وأما أصل الإلحاد في اللغة: فهو الميل، وهو هنا: الميل إلى معصية الله تعالى ومخالفة شرعه، قال الطبري: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم: يعني أن تستحل من الحرام ما حرم الله عليك.
وقال القرطبي: والمعاصي تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات، فتكون المعصية معصيتين، إحداهما: بنفس المخالفة، والثانية: بإسقاط حرمة البلد الحرام، وهكذا الأشهر الحرم سواء، وقد روى أبو داود عن يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه. وهو قول عمر بن الخطاب، والعموم يأتي على هذا كله.
وعلى ذلك.. فالمقصود بالإلحاد المخالفات الشرعية عموماً، وأما مجرد وسوسة النفس أو ما يخطر بالبال من غير تحدث به أو عمل له أو عزم عليه فإنه لا يؤاخذ به في الحرم ولا في غيره، أما العزم على المعصية فإنه يؤاخذ به في الحرم وفي غيره؛ لكنه في الحرم يكون أعظم وذنبه أغلظ لهذه الآية، فقد نقل الطبري في تفسيره عن بعض السلف قال: لو أن رجلا هم فيه بسيئة وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذاباً أليماً، وقال: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو في بلد آخر ولم يعملها فتكتب عليه. وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 6574.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1428(2/2210)
تفسير قوله تعالى: محمد رسول الله والذين معه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نفسر قوله تعالى: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ...
الآية، فهل هذا يعني أن الذين معه هم رسل الله وكيف يكون ذلك؟
أرجو التوضيح وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال السعدي في تفسيره لتلك الآية:
يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} أي: جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون.
{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق. انتهى
ولا تعنى الآية أن من معه من المؤمنين رسل من الله تعالى بل المقصود بإرسالهم على أحد التوجيهين في الآية الإذن لهم بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنشر التوحيد والدعوة إليه، وقد نبه على هذا ابن عاشور في التحرير والتنوير قائلا:
{وَالَّذِينَ مَعَهُ} يجوز أن يكون مبتدأ و {أَشِدَّاءُ} خبراً عنه وما بعده إخبار. والمقصود الثناء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى {مَعَهُ} : المصاحَبة الكاملة بالطاعة والتأييد كقوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ} . والمراد: أصحابه كلهم لا خصوص أهل الحديبية.
وإن كانوا هم المقصود ابتداء فقد عُرفوا بصدق ما عاهدوا عليه الله، ولذلك لما انهزم المسلمون يوم حنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب نادِ يا أهل السَّمُرة. ويجوز أن يكون {وَالَّذِينَ مَعَهُ} عطفاً على {رسولَه} من قوله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ. والتقدير: وأرسل الذين معه، أي أصحابه على أن المراد بالإرسال ما يشمل الإذن لهم بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فإن المرسلين إلى أهل أنطاكية كانوا من الحواريين، أمرهم عيسى بنشر الهدى والتوحيد. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1428(2/2211)
تفسير الآيتين 218 و 219 من سورة البقرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية 218 و 219 من سورة البقرة وما هو القصد بـ (العفو) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتفسير الآيتين المذكورتين نكتفي فيه بما ذكره السعدي في تفسيره حيث قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ... هذه الأعمال الثلاثة هي عنوان السعادة وقطب رحى العبودية، وبها يعرف ما مع الإنسان من الربح والخسران، فأما الإيمان فلا تسأل عن فضيلته، وكيف تسأل عن شيء هو الفاصل بين أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأهل الجنة من أهل النار؟ وهو الذي إذا كان مع العبد قبلت أعمال الخير منه، وإذا عدم منه لم يقبل له صرف ولا عدل، ولا فرض ولا نفل.
وأما الهجرة: فهي مفارقة المحبوب المألوف، لرضا الله تعالى، فيترك المهاجر وطنه وأمواله وأهله وخلانه تقرباً إلى الله ونصرة لدينه.
وأما الجهاد: فهو بذل الجهد في مقارعة الأعداء والسعي التام في نصرة دين الله، وقمع دين الشيطان، وهو ذروة الأعمال الصالحة، وجزاؤه أفضل الجزاء، وهو السبب الأكبر لتوسيع دائرة الإسلام وخذلان عباد الأصنام، وأمن المسلمين على أنفسهم وأموالهم وأولادهم، فمن قام بهذه الأعمال الثلاثة على لأوائها ومشقتها كان لغيرها أشد قياماً به وتكميلاً.
فحقيق بهؤلاء أن يكونوا هم الراجون رحمة الله، لأنهم أتوا بالسبب الموجب للرحمة، وفي هذا دليل على أن الرجاء لا يكون إلا بعد القيام بأسباب السعادة، وأما الرجاء المقارن للكسل، وعدم القيام بالأسباب، فهذا عجز وتمن وغرور، وهو دال على ضعف همة صاحبه، ونقص عقله، بمنزلة من يرجو وجود ولد بلا نكاح، ووجود الغلة بلا بذر وسقي، ونحو ذلك.
وفي قوله (أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) إشارة إلى أن العبد ولو أتى من الأعمال بما أتى به لا ينبغي له أن يعتمد عليها، ويعول عليها، بل يرجو رحمة ربه، ويرجو قبول أعماله ومغفرة ذنوبه، وستر عيوبه، ولهذا قال (والله غفور) ، أي: لمن تاب توبة نصوحاً (رحيم) وسعت رحمته كل شيء وعم جوده وإحسانه كل حي، وفي هذا دليل على أن من قام بهذه الأعمال المذكورة حصل له مغفرة الله، إذ الحسنات يذهبن السيئات وحصلت له رحمة الله، وإذا حصلت له المغفرة، اندفعت عنه عقوبات الدنيا والآخرة، التي هي آثار الذنوب التي قد غفرت واضمحلت آثارها، وإذا حصلت له الرحمة، حصل على كل خير في الدنيا والآخرة، بل أعمالهم المذكورة من رحمة الله بهم، فلولا توفيقه إياهم، لم يريدوها ولولا إقدارهم عليها، لم يقدروا عليها ولولا إحسانه لم يتمها ويقبلها منهم، فله الفضل أولاً وآخراً، وهو الذي من بالسبب والمسبب ...
ثم قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ... أي: يسألك -يا أيها الرسول- المؤمنون عن أحكام الخمر والميسر، وقد كانا مستعملين في الجاهلية وأول الإسلام، فكأنه وقع فيهما إشكال، فلهذا سألوا عن حكمهما فأمر الله تعالى نبيه أن يبين لهم منافعهما ومضارهما، ليكون ذلك مقدمة لتحريمهما وتحتيم تركهما.
فأخبر أن إثمهما ومضارهما، وما يصدر منهما من ذهاب العقل والمال، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة والعداوة والبغضاء أكبر مما يظنونه من نفعهما، من كسب المال بالتجارة بالخمر، وتحصيله بالقمار والطرب للنفوس عند تعاطيهما، وكان هذا البيان زاجراً للنفوس عنهما، لأن العاقل يرجح ما ترجحت مصلحته، ويجتنب ما ترجحت مضرته، ولكن لما كانوا قد ألفوهما، وصعب التحتيم بتركهما أول وهلة، قدم هذه الآية مقدمة للتحريم الذي ذكره في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ... إلى قوله: فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ. وهذا من لطفه ورحمته وحكمته، ولهذا لما نزلت قال عمر رضي الله عنه: انتهينا انتهينا.
فأما الخمر: فهو كل مسكر خامر العقل وغطاه، من أي نوع كان، وأما الميسر: فهو كل المغالبات التي يكون فيها عوض من الطرفين من النرد، والشطرنج، وكل مغالبة قولية أو فعلية بعوض سوى مسابقة الخيل، والإبل، والسهام، فإنها مباحة، لكونها معينة على الجهاد، فلهذا رخص فيها الشارع: ... وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وهذا سؤال عن مقدار ما ينفقونه من أموالهم، فيسر الله لهم الأمر، وأمرهم أن ينفقوا العفو، وهو المتيسر من أموالهم، الذي لا تتعلق به حاجتهم وضرورتهم، وهذا يرجع إلى كل أحد بحسبه من غني وفقير ومتوسط، كل له قدرة على إنفاق ما عفا من ماله، ولو شق تمرة، ولهذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وصدقاتهم، ولا يكلفهم ما يشق عليهم، ذلك بأن الله تعالى لم يأمرنا بما أمرنا به حاجة منه لنا، أو تكليفاً لنا (بما يشق) ، بل أمرنا بما فيه سعادتنا، وما يسهل علينا وما به النفع لنا ولإخواننا فيستحق على ذلك أتم الحمد.
ولما بين تعالى هذا البيان الشافي وأطلع العباد على أسرار شرعه، قال: كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ ... أي: الدالات على الحق المحصلات للعلم النافع والفرقان، لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ... أي: لكي تستعملوا أفكاركم في أسرار شرعه وتعرفوا أن أوامره فيها مصالح الدنيا والآخرة، وأيضاً لكي تتفكروا في الدنيا وسرعة انقضائها، فترفضوها وفي الآخرة وبقائها، وأنها دار الجزاء فتعمروها. انتهى.
وقد تقدم في ثنايا كلام الشيخ أن العفو هو المتيسر من أموالهم الذي لا تتعلق به حاجتهم وضرورتهم، وفسر العفو كذلك بأنه: الفضل أي الزائد عن الحاجة، وفسر بالوسط من غير تبذير ولا إسراف إلى غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1428(2/2212)
المقصود بأم الكتاب في أول الزخرف هو اللوح المحفوظ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المقصود بأم الكتاب الموجودة في أول سورة الزخرف، هل هو اللوح المحفوظ الذي ذكر في سورة البروج أم يوجد فرق؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أم الكتاب المذكورة في سورة الزخرف تعني اللوح المحفوظ المذكور في سورة البروج.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأم الكتاب في سورة الزخرف تعني اللوح المحفوظ المذكور في سورة البروج فهما بمعنى واحد، قال ابن كثير في تفسيره: وإنه أي القرآن في أم الكتاب أي اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد. انتهى.
وفي فتح القدير للشوكاني: قال الزجاج: أم الكتاب أصل الكتاب، وأصل كل شيء أمه، والقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ، كما قال: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1428(2/2213)
تفسير سورة الكافرون
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير سورة الكافرون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقتصر في تفسير هذه السورة على ما ذكره الإمام ابن كثير في تفسيره حيث قال: هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله تعالى: قل يا أيها الكافرون يشمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش، وقيل إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال: لا أعبد ما تعبدون. يعني من الأصنام والأنداد، ولا أنتم عابدون ما أعبد. وهو الله وحده لا شريك له، فما ههنا بمعنى من، ثم قال: ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد.. أي ولا أعبد عبادتكم أي لا أسلكها ولا أقتدي بها وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه، ولهذا قال: ولا أنتم عابدون ما أعبد أي لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم كما قال: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى.
فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده وعبادة يسلكها إليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه يعبدون الله بما شرعه، ولهذا كان كلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله أي لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله، ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: لكم دينكم ولي دين. كما قال تعالى: وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ. وقال: وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ. وقال البخاري يقال: لكم دينكم الكفر ولي دين الإسلام ولم يقل ديني لأن الآيات بالنون فحذف الياء كما قال: فهو يهدين ويشفين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1428(2/2214)
تفسير قوله تعالى: (عبس وتولى)
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهدت ما ورد في تفسير عبس وتولى في هذا الموقع في تفسير سورة عبس وتولى أنها نزلت على رسول الله وأن رسول الله هو الذي عبس وتولى وهذا كلام غير صحيح وإنما الذي عبس وتولى هو عمر بن الخطاب والدليل كالتالي:
1- الوحي كان ينزل على رسول الله وكان يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام إذا المفروض تأتي الآية التي نزلت على الرسول كالتالي (عبست وتوليت) وليس عبس وتولى هذا إذا كانت الآيه نزلت على الرسول ونضرب بعض الأمثله على الآيات التي كانت تخاطب الرسول (يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) (أنا أعطيناك الكوثر) الكاف هو ضمير يعود إلى الرسول.
2- الله سبحانه وتعالى يقول: (وإنك لعلى خلق عظيم) كيف يكون على خلق عظيم إذا كان يعبس في وجه الغير 3- كذلك الله سبحانه وتعالى يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير) ، إذاً رسول الله أفضل الخلق والأخلاق فكيف يعبس هذا؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما شاهدته في هذا الموقع هو ما اتفق عليه المفسرون عن بكرة أبيهم وهو ما جاء في دواوين السنة ومراجع السيرة النبوية الشريفة، ولم نقف على من قال إنها نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإليك التفصيل..
قال الشوكاني في فتح القدير: وقد أجمع المفسرون على أن سبب نزول الآية أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه، فأعرض عنه فنزلت. انتهى.
وقال ابن كثير بعدما ساق الأحاديث الواردة في سبب النزول وأنها في ابن أم مكتوم: وهكذا ذكر غير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في ابن أم مكتوم، والمشهور أن اسمه عبد الله ويقال عمرو. والله أعلم. انتهى.
وقال صاحب كتاب محمد رسول الله: أجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام وأجمعوا على أن الأعمى هو ابن أم مكتوم.. أتى رسول الله ابن أم مكتوم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك فكره رسول الله قطعه لكلامه وأعرض عنه فنزلت هذه الآية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، ويقول هل لك من حاجة ولا شك أن في استخلافه للمدينة إكراماً له. انتهى.
وأما توجيه الكلام إليه صلى الله عليه وسلم بأسلوب الغيبة فإنه لحكم ونكت بلاغية ربما تغيب عن ذهن من لم يتذوق أساليب اللغة العربية وبلاغتها ... فقوله تعالى (عبس وتولى) بأسلوب الإخبار عن الغائب فيه تعظيم له وتكريم فكأن الكلام موجه لغيره ... ثم يلتفت ويأتي بأسلوب الخطاب (وما يدريك لعله يزكى..) تأنيساً له صلى الله عليه وسلم، قال صاحب روح المعاني: وضمير عبس وما بعده للنبي صلى الله عليه وسلم وفي التعبير عنه عليه الصلاة والسلام بضمير الغيبة إجلال له صلى الله عليه وسلم لإيهام أن من صدر عنه ذلك غيره لأنه لا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم كما أن في التعبير عنه صلى الله عليه وسلم بضمير الخطاب في قوله سبحانه وما يدريك لعله يزكى ذلك لما فيه من الإيناس بعد الإيحاش والإقبال بعد الإعراض والتعبير عن ابن أم مكتوم بالأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وتشاغله بالقوم. انتهى.
وقال ابن عاشور: ولما كان صدور ذلك من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لم يشأ الله أن يفاتحه بما يتبادر منه أنه المقصود بالكلام فوجهه إليه على أسلوب الغيبة ليكون أول ما يقرع سمعه باعثاً على أن يترقب المعنى من ضمير الغائب فلا يفاجئه العتاب وهذا تلطف من الله برسوله صلى الله عليه وسلم ليقع العتاب في نفسه مدرجاً وذلك أهون وقعاً ... ثم جيء بضمائر الخطاب على طريقة الالتفات. ثم ذكر رحمه الله بحثاً طويلاً في هذا الموضوع غاية في الأهمية بالنسبة للدعاة وطلبة العلم، نرجو منك أن تطلع عليه، ثم قال في آخره: والحاصل أن الله تعالى أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم أن ذلك المشرك الذي محضه نصحه لا يرجى منه صلاح وأن ذلك المؤمن الذي استبقى العناية به إلى وقت آخر يزداد صلاحاً تفيد المبادرة به لأنه في حالة تلهفه على التلقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد استعداداً منه في حين آخر ...
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويكرمه ويقول له مرحباً بمن عاتبني فيه ربي وقد استخلفه على المدينة في خروجه إلى الغزوات ثلاث عشرة مرة وكان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم هو وبلال بن رباح. انتهى.
ثم إن عبوس وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب هذه الحادثة أو غيرها لا يتنافى مع ما جاء في حسن خلقه والأمر بالاقتداء به، فهو صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وهو وحده الأسوة الحسنة، لكنه بشر يعتريه ما يعتري البشر من الأعراض كالغضب والسرور والمرض والصحة ... ويظهر ذلك على جسده وملامح وجهه، فكان صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه عندما يرى ما يكره ... ويظهر عليه السرور عندما يرى ما يحب.. وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة صحيحة، وسبب عبوس وجهه صلى الله عليه وسلم إلحاح ابن أم مكتوم وهو معذور -طبعاً- لأنه لا يرى حال النبي صلى الله عليه وسلم وانشغاله عنه، فهذه الحادثة وما نزل فيها من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودليل على صدقه وأنه -كما قال بعض السلف-: لو كتم محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحي إليه لكتم هذه الآيات. وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 66269، والفتوى رقم: 38915 وما أحيل عليه فيهما.
هذا وننبه إلى التحذير الأكيد والوعيد الشديد لمن تكلم في القرآن بغير علم فقد أخرج الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب علي متعمداً فليتبؤا مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبؤا مقعده من النار. وفي رواية: من قال في القرآن بغير علم ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1428(2/2215)
تفسير قوله تعالى: بل فعله كبيرهم ... الآية
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ عندما سأل قوم إبراهيم عن الذي كسر الأصنام أشار إبراهيم عليه السلام إلى الصنم الكبير.. فهل قصد إبراهيم أصبعه هو الكبير (أكبر أصابع اليد) حتى لا يكذب لأن الأنبياء معصومون من الخطأ أم أنه كذب فعلا وأشار إلى الصنم الكبير، إذا كان إبراهيم لم يكذب لماذا سيقول عندما يأتي إليه الناس يوم القيامة للشفاعة اذهبوا إلى غيري لأني تذكرت كذبتي (بل فعله كبيرهم) ويقول نفسي نفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد من أهل العلم من نص على أن إبراهيم عليه السلام قصد بما ذكر عنه في الآية كبير أصابعه، وللعلماء في توجيه مراده مسلكان رئيسيان: أحدهما: أنه لم يكذب وإنما استخدم التورية. والثاني: أنه كذب كذباً غير مذموم شرعاً للمصلحة، واعتذاره في حديث الشفاعة هو من باب إشفاق الأنبياء وخاصة في ذلك اليوم، وإليك بيان ذلك من كلام أهل العلم.
قال البغوي في تفسيره: فلما أتوا به، (قَالُوا) له (أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ) ؟ (قالَ) إبراهيم (َبَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهن، وأراد بذلك إبراهيم إقامة الحجة عليهم، فذلك قوله (فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ) حتى يخبروا من فعل ذلك بهم.
قال القتيبي: معناه بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون على سبيل الشرط، فجعل النطق شرطاً للفعل، أي إن قدروا على النطق قدروا على الفعل، فأراهم عجزهم عن النطق، وفي (ضمنه) أنا فعلت ...
وروي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله (بل فعله) ويقول: معناه (فعله) من فعله، والأول أصح لما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، اثنتان منهن في ذات الله، قوله (إني سقيم) ، وقوله (بل فعله كبيرهم) وقوله لسارة (هذه أختي) وقيل في قوله: (إني سقيم) أي سأسقم، وقيل: سقم القلب أي مغتم بضلالتكم، وقوله لسارة: هذه أختي أي في الدين، وهذه التأويلات لنفي الكذب عن إبراهيم، والأولى هو الأول للحديث فيه، ويجوز أن يكون الله عز وجل أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبيخهم والاحتجاج عليهم، كما أذن ليوسف حتى أمر مناديه فقال لإخوته (أيتها العير إنكم لسارقون) ، ولم يكونوا سرقوا. انتهى كلام البغوي.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: أما الإخبار بقوله (فعله كبيرهم هذا) فليس كذباً وإن كان مخالفاً للواقع ولاعتقاد المتكلم لأن الكلام والأخبار إنما تستقر بأواخرها وما يعقبها، كالكلام المعقب بشرط أو استثناء، فإنه لما قصد تنبيههم على خطأ عبادتهم للأصنام مهدّ لذلك كلامًا هو جار على الفرض والتقدير فكأنه قال: لو كان هذا إلهاً لما رضي بالاعتداء على شركائه، فلما حصل الاعتداء عليهم بمحضر كبيرهم تعين أن يكون هو الفاعل لذلك، ثم ارتقى في الاستدلال بأن سلب الإلهية عن جميعهم بقوله (إن كانوا ينطقون) كما تقدم، فالمراد من الحديث أنها كذبات في بادئ الأمر وأنها عند التأمل يظهر المقصود منها، وذلك أن النهي عن الكذب إنما علته خدع المخاطب وما يتسبب على الخبر المكذوب من جريان الأعمال على اعتبار الواقع بخلافه، فإذا كان الخبر يُعقب بالصدق لم يكن ذلك من الكذب بل كان تعريضاً أو مزحاً أو نحوهما.
وأما ما ورد في حديث الشفاعة: فيقول إبراهيم: لست هناكم ويذكر كذبات كذبها. فمعناه أنه يذكر أنه قال كلاماً خلافاً للواقع بدون إذن من الله بوحي، ولكنه ارتكب قول خلاف الواقع لضرورة الاستدلال بحسب اجتهاده فخشي أن لا يصادف اجتهاده الصواب من مراد الله فخشي عتاب الله فتخلص من ذلك الموقف. انتهى كلام ابن عاشور.
وقال القرطبي في التفسير: فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالاً لله، فإن الذي كان يليق بمرتبته في النبوة والخلة، أن يصدع بالحق ويصرح بالأمر كيفما كان، ولكنه رخص له فقبل الرخصة فكان ما كان من القصة، ولهذا جاء في حديث الشفاعة إنما اتخذت خليلاً من وراء وراء ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1428(2/2216)
تفسيرقوله تعالى: (ثمانية أزواج......الآيتين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآيتين رقم 143 و 144 من سورة الأنعام.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان بعض المشركين في الجاهلية يحرم بعض الأشياء من غير أن يكون عندهم في ذلك شيء يستندون إليه بل بمجرد أهوائهم، فكانوا يتركون بعض الأنعام لا تؤكل ولا تستخدم ولا يعرض لها، كما كانوا يحرمون بعض أجنة الأنعام ومنافعها على النساء كما جاء مبينا في قوله تعالى في سورة الأتعام: وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ {الآية:139} : فبين الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين الكريمتين وغيرهما كذبهم وبطلان ما ذهبوا إليه، والمراد بقوله تعالى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ. إلى آخر الآيتين كما ذكر المفسرون أي ثمانية أصناف هي الجمل والناقة والثور والبقرة والكبش والنعجة والتيس والعنز، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره هاتين الآيتين: قال العوفي عن ابن عباس: قوله: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ. يقول لم أحرم شيئاً من ذلك، أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يعني هل يشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى، فلم تحرمون بعضاً وتحلون بعضاً؟ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، يقول تعالى كله حلال، وقوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله من تحريم ما حرموه من ذلك فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي لا أحد أظلم منهم إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ثمانية منصوب بفعل مضمر، أي وأنشأ ثمانية أزواج، عن الكسائي. وقال الأخفش سعيد: هو منصوب على البدل من حمولةً وفرشاً. إلى أن قال.. ونزلت الآية في مالك بن عوف وأصحابه حيث قالوا: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا فنبه الله عز وجل نبيه والمؤمنين بهذه الآية على ما أحله لهم، لئلا يكونوا بمنزلة من حرم ما أحله الله تعالى. والزوج خلاف الفرد، يقال: زوج أو فرد، وكل فرد عند العرب يحتاج إلى آخر يسمى زوجاً، فيقال للذكر زوج وللأنثى زوج. ويقع لفظ الزوج للواحد وللإثنين، يقال هما زوجان، وهما زوج. انتهى بحذف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1428(2/2217)
تفسير قوله تعالى: زيتونة لا شرقية ولا غربية.
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير آية زيتونة لا شرقية ولا غربية ... إلخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في معنى هذا الجزء من الآية الكريمة، فقيل المعنى أن هذه الزيتونة لا يسترها عن الشمس شيء فتصيبها الشمس حالة شروقها وحالة غروبها وحالة استوائها في السماء، وما كان هذا حاله من الزيتون يعتبر ثمره أجود وقيل غير ذلك، وإليك كلام المفسرين في المراد بالوصف المذكور، فقد قال الشوكاني في فتح القدير، عند تفسير هذه الآية من سورة النور: وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الوصف، فقال عكرمة وقتادة وغيرهم: إن الشرقية هي التي تصيبها الشمس إذا شرقت، ولا تصيبها إذا غربت. والغربية هي التي تصيبها إذا غربت، ولا تصيبها إذا شرقت. وهذه الزيتونة هي في صحراء بحيث لا يسترها عن الشمس شيء لا في حال شروقها ولا في حال غروبها، وما كانت من الزيتون هكذا فثمرها أجود. وقيل إن المعنى: إنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها، فهي غير منكشفة من جهة الشرق، ولا من جهة الغرب، حكى هذا ابن جرير عن ابن عباس، قال ابن عطية: وهذا لا يصح عن ابن عباس، لأن الثمرة التي بهذه الصفة يفسد جناها، وذلك مشاهد في الوجود، ورجح القول الأول الفراء والزجاج، وقال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، وإنما هو مثل ضربه الله لنوره ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية. قال الثعلبي: قد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا، لأن قوله زيتونة بدل من قوله شجرة، قال ابن زيد: إنها من شجر الشام، فإن الشام لا شرقي ولا غربي، والشام هي الأرض المباركة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1428(2/2218)
تفسير قوله تعالى: فتبارك الله أحسن الخالقين.
[السُّؤَالُ]
ـ[فتبارك الله أحسن الخالقين، فهل من خالق غير الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود السؤال عن معنى الآيتين فنذكر بعض كلام علماء التفسير عنهما، ففي زاد المسير لابن الجوزي: فإن قيل كيف الجمع بين قوله أحسن الخالقين وقوله هل من خالق غير الله فاطر، فالجواب: أن الخلق يكون بمعنى الإيجاد ولا موجد سوى الله ويكون بمعنى التقدير كقول زهير:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ * ــض القوم يخلق ثم لا يفري ... فهذا المراد ها هنا أن بني آدم قد يصورون ويقدرون ويصنعون الشيء فالله خير المصورين والمقدرين، وقال الأخفش الخالقون: ها هنا هم الصانعون فالله خير الخالقين. انتهى.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: والخلق أصله الإيجاد على تقدير وتسوية ومنه خلق الأديم إذا هيأه ليقطعه ويخرزه، قال جبير في هرم بن سنان: ولأنت تفري ماخلقت وبعـ * ــض القوم يخلق ثم لا يفري ... وأطلق الخلق في القرآن وكلام الشريعة على إيجاد الأشياء المعدومة فهو إخراج الأشياء من العدم إلى الوجود إخراجاً لا صنعة فيه للبشر فإن إيجاد البشر بصنعتهم أشياء إنما هو تصويرها بتركيب متفرق أجزائها وتقدير مقادير مطلوبة منها كصانع الخزف فالخلق وإيجاد العوالم وأجناس الموجودات وأنواعها وتولد بعضها من بعض بما أودعت الخلقة الإلهية فيها من نظام الإيجاد مثل تكوين الأجنة في الحيوان في بطونه وبيضه وتكوين الزرع في حبوب الزريعة وتكوين الماء في الأسحبة فذلك كله خلق وهو من تكوين الله تعالى ولا عبرة بما قد يقارن بعض ذلك الإيجاد من علاج الناس كالتزويج وإلقاء الحب والنوى في الأرض للإنبات، فالإيجاد الذي هو الإخراج من العدم إلى الوجود بدون عمل بشري خص باسم الخلق في اصطلاح الشرع، لأن لفظ الخلق هو أقرب الألفاظ في اللغة العربية دلالة على معنى الإيجاد من العدم الذي هو صفة الله تعالى وصار ذلك مدلول مادة خلق في اصطلاح أهل الإسلام، فلذلك خص إطلاقه في لسان الإسلام بالله تعالى {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} ، وقال: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} ، وخص اسم الخالق به تعالى فلا يطلق على غيره ولو أطلقه أحد على غير الله تعالى بناء على الحقيقة اللغوية لكان إطلاقه عجرفة فيجب أن ينبه على تركه.
وقال الغزالي في المقصد الأسني: لا حظ للعبد في اسمه تعالى الخالق إلا بوجه من المجاز بعيد فإذا بلغ في سياسة نفسه وسياسة الخلق مبلغاً ينفرد فيه باستنباط أمور لم يسبق إليها ويقدر مع ذلك على فعلها كان كالمخترع لما لم يكن له وجود من قبل فيجوز إطلاق الاسم أي الخالق عليه مجازاً.
فجعل جواز إطلاق فعل الخلق على اختراع بعض العباد مشروطاً بهذه الحالة النادرة، ومع ذلك جعله مجازاً بعيداً فما حكاه الله في القرآن من قول عيسى عليه السلام: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ. وقول الله تعالى: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي. فإن ذلك مراعى فيه أصل الإطلاق اللغوي قبل غلبة استعمال مادة خلق في الخلق الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى، ثم تخصيص تلك المادة بتكوين الله تعالى الموجودات ومن أجل ذلك، قال تعالى: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1428(2/2219)
تفسير قوله تعالى: إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا.
[السُّؤَالُ]
ـ[إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا.... السؤال: بعد أن عرض الله سبحانه وتعالى أحوال أصحاب الجنة ثم قال كان لكم.. رغم أن هذا الموضع يقال فيه سيكون لكم على اعتبار أن التنعم بالجنة لم يأت بعد وإنما سوف يأتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ظاهر السياق يدل على أن الخطاب لأهل الجنة بعد أن يدخلوها ويشاهدوا نعيمها، فيقال لهم: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا {الإنسان:22} ، قال في فيض القدير عند تفسير هذه الآيات: أي يقال لهم: إن هذا الذي ذكر من أنواع النعم كان لكم جزاء بأعمالكم، أي: ثواباً لها، وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا.. أي: كان عملكم في الدنيا بطاعة الله مرضياً مقبولاً. انتهى.
وعلى تقدير أن الخطاب للمؤمنين في الدنيا كما ذهب إليه بعض المفسرين، فإن المعنى إن هذا النعيم المذكور كان في علمي وحكمي جزاء لكم يا معاشر عبادي، قال الرازي في تفسيره: اعلم أن في الآية وجهين: الأول: قال ابن عباس المعنى أنه يقال لأهل الجنة بعد دخولهم فيها، ومشاهدتهم لنعيمها: إن هذا كان لكم جزاء قد أعده الله تعالى لكم إلى هذا الوقت، فهو كله لكم بأعمالكم على قلة أعمالكم، كما قال حاكياً عن الملائكة: إنهم يقولون لأهل الجنة: سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ. وقال: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ. والغرض من ذكر هذا الكلام أن يزداد سرورهم، فإنه يقال للمعاقب: هذا بعملك الرديء فيزداد غمه وألم قلبه، ويقال للمثاب: هذا بطاعتك، فيكون ذلك تهنئة له، وزيادة في سروره، والقائل بهذا التفسير جعل القول مضمراً، أي ويقال لهم: هذا الكلام، الوجه الثاني: أن يكون ذلك إخباراً من الله تعالى لعباده في الدنيا، فكأنه تعالى شرح جواب أهل الجنة، أن هذا كان في علمي وحكمي جزاء لكم يا معاشر عبادي، لكم خلقتها ولأجلكم أعددتها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1428(2/2220)
تفسير قوله تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا.
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً {الكهف:46} ، وقال الله تعالى: أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ {الطور:39} ، فهل البنون في اللغة هم الذكور دون البنات، وإذا كان كذلك يحتج غير المسلمين على كون الإسلام يفضل الذكور على الإناث كما جاء في الآية 46 من سورة الكهف، فأرجو منكم الإيضاح حتى يتسنى لي الرد عليهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبنون في اللغة العربية تعني الذكور دون الإناث، وجعل الذكور من زينة الحياة لمحبة الناس لهم غالباً، ولما فيهم من القوة والدفع والمساعدة خصوصاً في مرحلة الكبر والضعف مع استمرار ذرية الأب ونسله من جهتهم، ونورد بعض كلام علماء التفسير في المسألة، قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.. ويجوز (زينتا) وهو خبر الابتداء في التثنية والإفراد.. وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالاً ونفعاً وفي البنين قوة ودفعاً، فصار زينة الحياة الدنيا، لكن معه قرينة الصفة للمال والبنين، لأن المعنى: المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقرة فلا تتبعوها نفوسكم. وهو رد على عيينة بن حصن وأمثاله لما افتخروا بالغنى والشرف، فأخبر تعالى أن ما كان من زينة الحياة الدنيا فهو غرور يمر ولا يبقى، كالهشيم حين ذرته الريح، إنما يبقى ما كان من زاد القبر وعدد الآخرة. انتهى.
وفي فتح القدير للشوكاني عند تفسير قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ.. وخص البنين دون البنات لعدم الاطراد في محبتهن. انتهى.
وقد حث الإسلام على الوصية بالنساء والتحذير من ظلمهن ورتب الثواب الجزيل على تربية البنات والإحسان إليهن، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً. كما قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار. متفق عليه. كما قال صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه. رواه مسلم وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1428(2/2221)
السر في قوله (أرى) بدلا من (رأيت) في سورة يوسف
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا قال الملك في سورة يوسف: إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف:43] ، ولم يقل إني رأيت، فهل هذا دليل على تكرر الرؤيا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير أن العدول عن صيغة الماضي (رأيت) إلى صيغة المضارع (أرى) لاستحضار الصورة والتعجب من أمرها، وهو ما يعرف عند علماء النحو بحكاية الحال الماضية، ولم نقف لهم على قول يقول بتكرار الرؤيا، ولم نلاحظ في السياق ما يدل على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1428(2/2222)
تفسير آية: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البيضاوي في تفسير آية 190 من سورة البقرة "وقاتلوا في سبيل الله" جاهدوا لإعلاء كلمته وإعزاز دينه "الذين يقاتلونكم" قيل: كان ذلك قبل أن أمروا بقتال المشركين كافة المقاتلين منهم والمحاجزين" فماذا قصد الإمام البيضاوي بكلمة "المحاجزين"؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبارة التي ذكر البيضاوي في تفسيره ذكرها كذلك الزمخشري في الكشاف والألوسي في روح المعاني والنسفي في تفسيره وابن عاشور في التحرير والتنوير، والمراد بها الذين يكفون عن قتال المسلمين أي أن الأمر بالقتال في الآية المذكورة من سورة البقرة خاص بمن ناجز المسلمين أي نصب لهم الحرب دون من كف عنهم وهم المحاجزون، قال الألوسي في روح المعاني عند تفسير قوله تعالى: وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ.. أي جاهدوا لإعزاز دين الله تعالى وإعلاء كلمته ... الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ.. أي يناجزونكم القتال من الكفار، وكان هذا على ما روي عن أبي العالية قبل أن أمروا بقتال المشركين كافة المناجزين والمحاجزين، فيكون ذلك حينئذ تعميماً بعد التخصيص المستفاد من هذا الأمر مقرراً لمنطوقه ناسخاً لمفهومه.. أي لا تقاتلوا المحاجزين وكذا المنطوق في النهي الآتي فإنه على هذا الوجه مشتمل على النهي عن قتالهم أيضاً. وقيل: معناه الذين يناصبونكم القتال، ويتوقع منهم ذلك دون غيرهم عن المشايخ، والصبيان والنساء والرهبان فتكون الآية مخصصة لعموم ذلك الأمر مخرجة لمن لم يتوقع منهم وقيل: المراد ما يعم سائر الكفار فإنهم بصدد قتال المسلمين وقصده فهم في حكم المقاتلة قاتلوا أو لم يقاتلوا. انتهى بحذف قليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1428(2/2223)
تفسير: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الحق جل وعلا: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (النمل:88) فكيف تمر الجبال مر السحاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر بعض المفسرين أن المراد بالآية حركة الجبال عندما تنسف يوم القيامة، واحتجوا بقوله تعالى في الآية قبل هذه: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ {النمل:87} ، وقد ذكر الشيخ الزنداني في كتابه توحيد الخالق عن بعض المفسرين ما يفيد أن حركة الجبال في هذه الآية هي تحركها بدوران الأرض، وذكر أنهم أنكروا أن يكون المراد بالآية يوم القيامة، لأن الناس لا يبعثون إلا بعد أن تكون الأرض قاعاً صفصفاً فلا يتمكن من رؤية الجبال بها، واستشهد بقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا* فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا* لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا {طه:105-106-107} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1428(2/2224)
تفسير قوله تعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير: يرزق الله من يشاء بغير حساب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية الكريمة هي قوله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {البقرة: من الآية212}
قال ابن كثير في تفسيره: ولهذا قال تعالى: والله يرزق من يشاء بغير حساب، أي يزرق من يشاء من خلقه ويعطيه عطاء كثيراً جزيلاً بلا حصر ولا تعداد في الدنيا والآخرة، كما جاء في الحديث: ابن آدم أنفق أنفق عليك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، وقال تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، وفي الصحيح أن ملكين ينزلان من السماء صبيحة كل يوم فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً، وفي الصحيح يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، وما لبست فأبليت، وما تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس. انتهى
وفي تفسير البيضاوي: والله يرزق من يشاء في الدارين بغير حساب بغير تقدير، فيوسع في الدنيا استدراجاً تارة، وابتلاء أخرى. انتهى
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1428(2/2225)
حول كلمة (وبال) و (منسأة)
[السُّؤَالُ]
ـ[قول الله تعالى: فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا. هل كلمة وبال هي الواو حرف عطف ثم كلمة (بال) بمعنى انتهى وفنيت هذه القرية، أم أن الكلمة هي (وبال) بمعنى عاقبة الأمر السيء أم يحتمل الأمرين معا، وكذلك قوله (منسأته) ، هل هي مكونه من (من) حرف الجر ثم سأة بمعنى العصا التي كان يتكئ عليها سيدنا سليمان، أم أن العصا اسمها (منسأة) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوبال كلمة واحدة وهي بمعنى العقوبة والجزاء، وكذلك المنسأة كلمة واحدة متصلة وهي بمعنى العصا العظيمة، ففي الدر المنثور للسيوطي: عن مجاهد (فذاقت وبال أمرها) قال: جزاء أمرها. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة (فذاقت وبال أمرها) قال: عقوبة أمرها. وقال القرطبي في تفسيره: قال الله تعالى: فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا يعني جزاء ذنبها. انتهى.
والمنسأة أيضاً كلمة واحدة وهي بمعنى العصا بلغة الحبشة، ففي التحرير والتنوير لابن عاشور: والمنسأة بكسر الميم وفتحها وبهمزة بعد السن وتخفف الهمزة فتصير ألفا هي العصا العظيمة، قيل هي كلمة من لغة الحبشة. وقرأ نافع وأبو عمرو بألف بعد السين. وقرأه ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف وهشام عن ابن عامر. بهمزة مفتوحة بعد السين. وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر بهمزة ساكنة بعد السين تخفيفاً، وهو تخفيف نادر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1428(2/2226)
سبب نداء هارون لأخيه موسى بابن أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لما نزل موسى عليه السلام من الطور وأخذ بلحية أخيه هارون عليه السلام قال له يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولم يقل له يا ابن أبي لا تأخذ بلحيتي؟ ولماذا خاطبه بنسب الأم وليس بنسب الأب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير أن سبب نداء هارون لأخيه موسى بابن أمه أن ذلك من باب الاستعطاف والاسترحام ... وقال بعضهم لأنها كانت مؤمنة، وقيل لأنه أخوه لأمه دون أبيه.. قال القرطبي: وكان ابن أمه وأبيه. ولكنها كلمة لين وعطف.. وقال الزجاج: قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه. وقال صاحب الظلال: ناداه ... بهذا النداء الرقيق وبهذه الوشيجة الرحيمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(2/2227)
الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي بسيط، إن الله عز وجل قال في كتابه الكريم أنه إذا أراد شيئا فيقول له كن فيكون، فما الحكمة من خلق الأرض في ستة أيام! وكيف نرد على من ادعى من الكفار والمشركين بأن الله تبارك وتعالى على كل الخلق قد "تعب" -والعياذ بالله- ولهذا اتخذ يوم الأحد عطلة ليرتاح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اللحظة والساعة واليوم والدهر ... في قدرة الله تعالى سواء، فقدرته سبحانه وتعالى لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود، قال الله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ {النحل:40} ، وخلقه سبحانه وتعالى للسماوات والأرض في ستة أيام لحكم أرادها، ومن هذه الحكم التي ذكرها أهل العلم تعليم عباده أن التدرج في هذه الحياة سنة من سننه تعالى في هذا الكون فلا يستعجلوا الأمور قبل أوانها ... وانظر في ذلك الفتوى رقم: 22344 للمزيد من الفائدة.
وأما المقولة التافهة التي يزعمها اليهود -قاتلهم الله- ومن تبعهم فإنها لا تستحق الرد بعد ما قال الله تعالى رداً على هؤلاء الجهلة الذين لم يعرفوا الله ولم يقدروه حق قدره: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ {ق:38} ، واللغوب: التعب والعناء والإعياء والسآمة ... تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 66288، والفتوى رقم: 15819.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(2/2228)
السر في قول الرجل الصالح (فأراد ربك) و (فأردنا أن يبدلهما)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ذكرت الآية في سورة الكهف مرة أراد ربك ومرة فأردنا أن يبدلهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين أهل العلم السر في التعبير بقول الرجل الصالح (فأراد ربك) وأن ذلك غاية في البلاغة؛ لأن بلوغ الأشد لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، ولأن من المناسب والأدب أن يسند الخير إلى الله عز وجل، وأن يسند الشر إلى غيره، وهو ما عبر عنه الرجل الصالح بقوله -عند الإجابة عن قتل الغلام- فقال: فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا {الكهف:81} ، فأسند الإرادة إلى نفسه ولم يسندها إلى الله تعالى، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 9914.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1428(2/2229)
آيات الله في اختلاف الألسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا اختلاف الألسنة من آيات الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد باختلاف الألسن في آية سورة الروم هو اختلاف اللغات التي يتكلم بها الناس، كما قال ابن كثير والشوكاني، وقد ذكر السبكي في جمع الجوامع: إ ن من لطف الله تعالى بعباده توسيعه المجال في النطق.
قال السيوطي في الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع:
من لطف ربنا بنا تعالى * توسيعه في نطقنا المجالا.
فمن بديع آيات الله تعالى أن ألهم كل صنف من الناس لغة يتفاهمون بها، ألهمهم الله وضعها، وأقدرهم على النطق بها، كذا قال البيضاوي في التفسير.
وحمل ابن الجوزي الآية على أن الاختلاف في الألسن يراد به اختلاف النغمات والأصوات حتى أنه لا يشتبه صوت أخوين.. ولا شك أن هذه آية من آيات الله، فناس يسكنون في منطقة واحدة وأسرتهم واحدة يوجد فيهم من هو عذب الصوت، ومن هو خشن الصوت، وفيهم من هو رفيع الصوت، ومن صوته منخفض، وفيهم من صوته غليظ، ومن صوته رقيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1428(2/2230)
معنى: تبرج الجاهلية الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تبرج الجاهلية الأولى؟ وكيف كان لباس الجاهلية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التبرج معناه كما قال أهل اللغة والتفسير: هو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال، قال القرطبي: وحقيقته إظهار ما ستره أحسن. وأما الجاهلية الأولى فقد اختلفوا في تحديدها.
قال القرطبي: واختلف الناس في (الجاهلية الأولى) فقيل هي الزمن الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام، كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال، وقال الحكم بن عيينة: ما بين آدم ونوح وحكيت لهم سير ذميمة، وقال ابن عباس: ما بين نوح وإدريس. الكلبي: ما بين نوح وإبراهيم. قيل: إن المرأة كانت تلبس الدرع من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين، وتلبس الثياب الرقاق ولا تواري بدنها. وقالت فرقة: ما بين موسى وعيسى. الشعبي: ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. أبو العالية: هي زمان داود وسليمان كان فيه للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبين، وقال أبو العباد المبرد: والجاهلية الأولى كما تقول الجاهلية الجهلاء. قال: وكان النساء في الجاهلية الجهلاء يظهرن ما يقبح إظهاره، وقال مجاهد: كان النساء يتمشين بين الرجال فذلك التبرج، قال ابن عطية: والذي يظهر عندي أنه أشار للجاهلية التي لحقنها فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة لأنهم كانوا لا غيرة عندهم، وكان أمر النساء دون حجاب.
ومن هذا نعلم أن المرأة في الجاهلية لم تكن تحتجب الحجاب الذي يريده الشرع، فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ {الأحزاب:59} ، وانظر للمزيد من الفائدة عن الجاهلية الفتوى رقم: 61754.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1428(2/2231)
حول خلق الأرض والسموات في كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[في كم يوم خلقت السماوات والأرض؟
كما ذكر في القرآن الكريم..
السورة "7" الآية "54" " في ستة أيام السماوات والأرض "
السورة "10" الآية "3" " في ستة أيام السماوات والأرض "
السورة "11" الآية "7" " في ستة أيام السماوات والأرض "
السورة "25" الآية "29"" في ستة أيام السماوات والأرض "
... وفي هذه المواضع
السورة "41" الآية "9" "في يومين الأرض فقط"
السورة "41" الآية "10" في أربعة أيام جبالا ثوابت من فوقها, وبارك فيها فجعلها دائمة الخير لأهلها, "
السورة "41" الآية "12" فقضى الله خلق السموات السبع وتسويتهن في يومين"
وعند الجمع: الأرض + الجبال + السماوات 2 + 4 + 2 = 8 وليس 6 كما ذكر في الآيات الأخرى
هذا الكلام مقتبس من أحد الأسئلة المنشورة في احد المواقع الالكترونية، التي تتحدى الإسلام والمسلمين.. أرجو الرد عليه والإجابة على هذا السؤال..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أن الله خلق الأرض في يومين، ودحاها وبارك فيها وجعل فيها رواسي من فوقها وقدر فيها أقواتها في يومين تتمة أربعة أيام.
فكانت الأيام الأربعة مجموعة من اليومين الأولين والأخيرين. قال البيضاوي: ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين والتصريح على الفذلكة. اهـ. يعني أن خلق الأرض في يومين، ودحوها وإكمال باقي الأعمال فيها في يومين فذلك أربعة أيام.
هذا، وننبه إلى ضرورة ابتعاد المسلم الذي لم يتمكن من معرفة الشرع والاطلاع الواسع على الكتاب والسنة عن النظر والاطلاع على المواقع التي تشكك في الإسلام لئلا تنطلي عليه الشبه المضللة، وراجع للمزيد فيما ذكرنا الفتاوى التالية أرقامها: 22344، 46644، 7578، 56322، 75539.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1428(2/2232)
وجه حذف الياء من قوله (..يا قوم..) في سورة نوح
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة نوح في الآية رقم 2 عن كلمة يا قوم بالكسرة وفي الآية رقم 5 كلمة قومي بالياء المكسورة، ما السبب؟ وما الفرق؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبالنسبة لكلمة (ياقوم) فأصلها قومى بإضافة ياء المتكلم لكن لما تقدمت عليها ياء النداء حُذفت تلك الياء لأن المنادى إذا أضيف إلى ياء المتكلم تحذف منه تلك الياء ففي التحرير والتنوير لابن عاشور: وحُذفت ياء المتكلم من المنادى المضاف إليها على الاستعمال المشهور في نداء المضاف إلى ياء المتكلم. انتهى.
وبالنسبة لكلمة قومى في الآية الخامسة فقوم مضافة إلى ياء المتكلم ولم يوجد سبب لحذف هذه الياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1428(2/2233)
تفسير قوله تعالى (..أو ما ملكت أيمانهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم على الإجابة على تساؤلاتي، سؤالي في سورة المعارج، ماذا يعني (أو ما ملكت أيمنهم فإنهم غير ملومين) من هم؟ ولماذا؟ وما الحكمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {المعارج:30} ، أوضحه الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية حيث قال: والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ... أي والذي قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج، ولهذا قال: فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك أي غير الأزواج والإماء فأولئك هم العادون أي المعتدون. انتهى.
فالمقصود بما ملكت أيمانهم إماء كانوا يملكونهن، فهن من جملة أموالهم، وإنما يضاف المال إلى اليمين لأن الكسب يقع بها غالباً، وقد تكلم بعض العلماء عن الحكمة في إباحة ملك اليمين بلا عدد بخلاف الزوجات، فقال ابن القيم رحمه الله: وقصر عدد المنكوحات على أربع وأباح ملك اليمين بغير حصر فهذا من تمام نعمته وكمال شريعته وموافقتها للحكمة والرحمة والمصلحة فإن النكاح يراد للوطء وقضاء الوطر ثم من الناس من يغلب عليه سلطان هذه الشهوة فلا تندفع حاجته بواحدة فأطلق له ثانية وثالثة ورابعة وكان هذا العدد موافقاً لعدد طباعه وأركانه وعدد فصول سنته ... إلخ كلامه رحمه الله، وبه يتبين أن إباحة ملك اليمين رحمة من الله جل شأنه وتوسعة على عباده، ولكن أباح للمسلم أن يطأ بملك يمينه ما شاء دون تحديد بعدد لأنه غير ملزم بالقسم والعدل بين الإماء كما هو الحال في الزوجات فقصره في الزوجات على أربع لأن ذلك أقرب إلى العدل كما أوضح ذلك ابن القيم رحمه الله. وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 8720، والفتوى رقم: 18851.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1428(2/2234)
تفسير الآيات من (52 إلى 63) من سورة آل عمران
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تفضلتم بشرح وتفسير الآيات من (52 إلى 63) من سورة آل عمران؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآيات المشار إليها جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن نبي الله عيسى عليه السلام ورسالته إلى قومه بني إسرائيل وما لقي منهم من التكذيب ... قال تعالى إخباراً عنه: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ تحقق كفرهم عنده تحقق ما يدرك بالحواس، قَالَ مَنْ أَنصَارِي أعواني إِلَى اللهِ لأنصر دينه، قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ أعوان دينه، وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا، والحواري مشتق من الحور وهو البياض الخالص، وقيل: كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها، آمَنَّا صدقنا بِاللهِ وَاشْهَدْ يا عيسى بِأَنَّا مُسْلِمُونَ* رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ من الإنجيل وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ عيسى فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ لك بالواحدنية، ولرسلك بالصدق والرسالة، وَمَكَرُواْ أي كفار بني إسرائيل بعيسى إذ وكلوا به من يقتله غيلة وَمَكَرَ اللهُ بهم بأن ألقى شبه عيسى على من قصد قتله فقتلوه ورفع عيسى إلى السماء، والمكر من حيث إنه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى إلا على سبيل المقابلة والازدواج والمشاكلة ... وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ أقواهم مكراً وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا يظن أحد أنه يقع.
اذكر إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ قابضك وَرَافِعُكَ إِلَيَّ من الدنيا من غير موت وَمُطَهِّرُكَ مبعدك مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ صدقوا بنبوتك من المسلمين والنصارى فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بك وهم اليهود يعلونهم بالحجة والبرهان والسيف ... إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من أمر الدين، فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا بالقتل والسبي والجزية وَالآخِرَةِ بالنار وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ مانعين منه. وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ بنعيم الجنة وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين أي يعاقبهم.
روي أن الله تعالى أرسل إليه سحابة فرفعته وكان ذلك ليلة القدر ببيت المقدس وله ثلاث وثلاثون سنة. وروى الشيخان حديث: أنه ينزل قرب الساعة ويحكم بشريعة نبينا ويقتل الدجال والخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية. وفي حديث مسلم: أنه يمكث سبع سنين. وفي حديث عن أبي داود الطيالسي: أربعين سنة، ويتوفى ويصلى عليه. فيحتمل أن المراد مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده (ذلك) المذكور من أمر عيسى (نتلوه) نقصه عليك يا محمد من الآيات أي: العلامات الدالة على رسالتك لأنها أخبار من أمور لم يشاهدها ولم يقرأها من كتاب، والذكر الحكيم المحكم أي القرآن، إِنَّ مَثَلَ عِيسَى شأنه الغريب عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ كشأنه في خلقه من غير أب، وهو من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأوقع في النفس خَلَقَهُ أي آدم مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن بشرا فَيَكُونُ أي فكان، وكذلك عيسى قال له كن من غير أب فكان. الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ أي الذي أنبأتك من خبر عيسى هو الحق من ربك فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكين. والخطاب للنبي عليه السلام والمراد به نهي غيره عن الشك فيه، فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ جادلك من النصارى في أمر عيسى مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ بأمره فَقُلْ لهم تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ فنجمعهم ثُمَّ نَبْتَهِلْ نتضرع في الدعاء فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ بأن نقول: اللهم العن الكاذب في شأن عيسى، وقد دعا صلى الله عليه وسلم وفد نجران لذلك لما حاجوه فيه، فقالوا: حتى ننظر في أمرنا ثم نأتيك، فقال ذوو رأيهم: لقد عرفتم نبوته وأنه ما باهل قوم نبياً إلا هلكوا، فوادعوا الرجل وانصرفوا، فأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وقال لهم: إذا دعوت فأمنوا. فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية. وعن ابن عباس قال: لو خرج الذين يباهلون لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلاً. وروي: لو خرجوا لاحترقوا. إِنَّ هَذَا المذكور لَهُوَ الْقَصَصُ الخبر الْحَقُّ الذي لا شك فيه وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ في صنعه. فَإِن تَوَلَّوْاْ أعرضوا عن الإيمان فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ، قال ابن كثير: من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد والله عليم به، وسيجزيه على ذلك شر الجزاء وهو القادر الذي لا يفوته شيء سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته. انتهى ملخصاً من عدة تفاسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(2/2235)
تفسير قوله تعالى (..فقليلا ما يؤمنون)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك تعارض بين الأحاديث التي ذكر فيها أنه يخرج من النار كل من كان فى قلبه ذرة من إيمان وبين الآيات التى تقول إن الكافرين لا يؤمنون إلا قليلاً، هل تعتبر شهادة الله لهم بالإيمان القليل تخرجهم من النار كما في الأحاديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير أن المفسرين قد اختلفوا في معنى قوله: فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ، وقوله: فلا يؤمنون إلا قليلاً فقال بعضهم: فقليل من يؤمن منهم، وقيل: فقليل إيمانهم بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب، ولكنه إيمان لا ينفعهم لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: إنما كانوا غير مؤمنين بشيء، وإنما قال: فقليلاً ما يؤمنون وهم بالجميع كافرون، كما تقول العرب: قلما رأيت مثل هذا قط، تريد ما رأيت مثل هذا قط، وقال الكسائي: تقول العرب: من زنى بأرض قلما تنبت، أي لا تنبت شيئاً، حكاه ابن جرير رحمه الله. انتهى.
وبهذا يعلم أن الآية لا تعتبر شهادة من الله لهم بالإيمان القليل، وأنها لا تفيد خروجهم من النار، ولا تعارض بينها ويبن الأحاديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1428(2/2236)
تفسير قوله تعالى (فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون)
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال حول تفسير معنى كلمه وردت في القرآن الكريم من سورة يس آيه رقم 51 وهي كالآتي
بسم الله الرحمن الرحيم
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ
والكلمة محل النزاع هي ينسلون فقد قال الأخ إن معناها يعودون مسرعين وهذا ما يخالف التفاسير المعتمدة كابن كثير والطبري والقرطبي والجلالين وحتى تفسير الشيخ الشعرواي رحمه الله، فكما هو معروف يا شيخنا الحبيب أن النسلان هو المشي السريع، وقال أهل العلم والمفسرون أن كلمه ينسلون معناها يخرجون مسرعين وقال البعض منهم أن تفسيرها ومعناها مسرعين فقط، وإن صح المعنى فهي يقبلون مسرعين وليس يعودون مسرعين
فنرجو الإفادة حول الآية محل الخلاف وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى نسل في اللغة أسرع في المشي، وهذا هو المعروف عند أهل اللغة والتفسير، ونرى أن تحسنوا الظن بهذا الأخ فربما كان يريد أن الناس المبعوثين راجعون إلى الله كما قال الله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {البقرة:46} . وقال تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {البقرة:156} وقال: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً {يونس: 4}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(2/2237)
تفسير قوله تعالى (..فاجعل أفئدة من الناس..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمَْ} ما معنى كلمة أفئدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يتثبت وينتبه عندما يتعلق الأمر بكتاب الله تعالى، فإن المسؤول عنه هنا بعض آية من سورة إبراهيم، وقد جاءت محرفة في السؤال بإبدال الذال من قوله (ذريتي، وقوله ذي زرع) زاء، كما حذف منها البعض، ونص الآية: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ {إبراهيم:37} .
أما الأفئدة هنا فهي جمع فؤاد، والفؤاد هو القلب، قال الشوكاني في فتح القدير: الأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب، عبر به عن جميع البدن، لأنه أشرف عضو فيه، وقيل هو وفد والأصل أوفدة فقدمت الفاء، وقلبت الواو ياء، فكأنه قال: واجعل وفوداً من الناس تهوي إليهم. انتهى. وللمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 61010.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(2/2238)
تفسير: لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في سورة الزخزف: لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون.. فهل هذا يعني أن هناك فواكه لن نأكل منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أن من هنا تبعيضية أو ابتدائية كذا قال الشوكاني، وإذا كانت تبعيضية فهي تفيد أنهم يأكلون منها ما يشاءون حسب رغبتهم، قال ابن كثير: لكم فيها فاكهة كثيرة أي من جميع الأنواع، منها تأكلون أي مهما اخترتم وأردتم ... انتهى.
ولا يعني هذا أن هناك فواكه لا يأكل منها المؤمن لكونه يكرهها، بل يؤخذ من الآية أنهم يأكلون بعض الثمار والفواكه، ويتركون البعض في الأشجار، فأشجارها ملآنة بالثمر دائماً، كذا قال الألوسي، واحتج له بحديث البزار: لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلاها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(2/2239)
تفسير قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذه الآية الإسراء الآية 36؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} ، ومن أحسن ما قيل في المعنى لهذه الآية قول الشيخ السعدي: ولا تتبع ما ليس لك به علم. بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جواباً، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى. وراجع للمزيد من البسط فيها تفسير ابن كثير والشوكاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1428(2/2240)
التوجيه اللغوي لقوله تعالى (..أو الطفل الذين..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا استخدم مع الطفل الذين فى هذه الآية: (أوالطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطفل تطلق على الواحد وعلى الجمع، قال في مختار الصحاح: الطفل المولود وولد كل وحشية أيضاً طفل والجمع أطفال، وقد يكون الطفل واحداً وجمعاً مثل الجنب. قال الله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء. وفي تفسير البغوي: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء، أراد بالطفل الأطفال، يكون واحداً وجمعاً. وعليه فلا مانع من أن تأتي الذين بعد الطفل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1428(2/2241)
تفسير قوله تعالى (وإن منكم إلا واردها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين قول الله عز وجل في سورة الأنبياء (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) ، وقوله تعالى في سورة مريم (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) ، وهل يجب أن يكون المسلم بلا ذنوب أبدا حتى يكون من الذين سبقت لهم من ربهم الحسنى، فأرجو التوضيح؟ وجعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الورود المذكور في الآية لا يفيد التعذيب بالنار ولا يمنع الإبعاد المذكور في الآية الأخرى، بل إن المراد به مرورهم على النار في عبورهم على الصراط، فيعبر المتقون بسلام وينجون من النار ويهلك الظالمون ويسقطون فيها، كما قال الله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا {مريم:72} ، وراجع للمزيد من الفائدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41505، 53028، 33674، 31767.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1428(2/2242)
تفسير قوله تعالى (يسألونك عن الأهلة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الترجمة الدقيقة لكلمة الأهلة في الآية رقم 189 من سورة البقرة؟ وهل هي تعني ظهور الهلال الذي يستدل به على بداية الشهر، أم يمكن أن تدل على منازل القمر التي تتغير يوميا (وهي 28 أو 29 منزلا على حسب عدد أيام الشهر القمري) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر من أقوال المفسرين أن المقصود بالأهلة في قوله تعالى:" ويسألونك عن الأهلة " المقصود به الهلال الذي يظهر في أول الشهر وآخره.
قال البغوي في تفسيره للآية الكريمة: " نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصاريين قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدوا دقيقاً ثم يزيد حتى يمتلئ نوراً ثم يعود دقيقاً كما بدأ ولا يعود على حالة واحدة " أ. هـ فالسؤال كان عن شكل الهلال أول الشهر وآخره، وليس عن المنازل التي ينزلها القمر.
وإنما جمعت بلفظ " الأهلة " باعتبار هلال كل شهر كما ذكر الشوكاني في فتح القدير. ومن المعلوم أن تغير القمر وزيادته ونقصانه كل ذلك يكون على حسب المنازل التي ينزلها، وللقمر ثمانية وعشرون منزلاً يكون في كل ليلة في منزلةٍ منها وقد قال الله تعالى:" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1428(2/2243)
تفسير: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أتى رجل في المنام إلى أمي وقال لها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغها السلام وقال له اتل هذه الآية عليها ـ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ... والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس أولئك لهم مغفرة وأجر عظيمـ وبعد ذلك بعشرة أيام مات ابنها الصالح عمره 24 في حادث سيارة، فما تفسير هذه الآية؟ وما علاقتها بهذا الابتلاء؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن قوله تعالى: اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. توجد في كل من سورة البقرة الآية 255، وسورة آل عمران الآية 2، كما ننبهك إلى أن الآية الثانية ليست هي كما جاءت في السؤال، وإنما نصها هو: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} ، ثم نحيلك إلى ما للآية الأولى من الفضل، ويمكنك أن تراجعي فيه الفتوى رقم: 44837، والفتوى رقم: 51766.
وأما الآية الثانية فنحيلك في تفسيرها إلى ما ذكره ابن كثير في تفسيره، حيث قال: قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ... أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم.... إلى أن قال: فقوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي لا يعملون غضبهم في الناس بل يكفون عنهم شرهم، ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل، ثم قال تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد. وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فهذا من مقامات الإحسان ... انتهى.
وأما ما طلبته من تفسير علاقة الرؤيا بما حدث، فإن موقعنا ليس متخصصاً في تفسير الرؤى، إلا أننا ننبهك إلى أن الرؤى لا تنبني عليها أحكام شرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1428(2/2244)
تفسير قوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ، فهل الملائكة من العالمين، وما هي مظاهر الرحمة لهم؟ وجزاكم الله كل خير على ما تقدموه من إرشاد ونصيحة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فظاهر كلام الطبري وابن كثير أن الملائكة لا يدخلون في عموم العالمين المذكورين في الآية، وإنما المراد بها العالمون الذين أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنذارهم، كما قال الله تعالى: لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا {الفرقان:1} ، والمراد بهؤلاء الثقلان الجن والإنس الذين بعث إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1428(2/2245)
تفسير (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) من أواخر سورة البقرة؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره فتح القدير وهو يبين معنى هذا الجزء من الآية: قوله (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فيه ترغيب وترهيب: أي لها ثواب ما كسبت من الخير، وعليها وزر ما اكتسبت من الشر، وتقدم (لها) و (عليها) على الفعلين ليفيد أن ذلك لها لا لغيرها، وعليها لا على غيرها. انتهى، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 41232.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1428(2/2246)
أصحاب الأعراف
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يأخذ أهل الأعراف كتبهم يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصحاب الأعراف قد اختلف أهل التفسير فيهم، قال القرطبي في تفسيره: وقد تكلم العلماء في أصحاب الأعراف على عشرة أقوال، نذكر منها: أنهم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وهذا القول مروي عن عدد من السلف من الصحابة والتابعين. ومنها: أنهم أهل الجنة. ومنها: أنهم الشهداء، أو أنهم فضلاء المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم، وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس، وقيل هم قوم أنبياء، وقيل هم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل دخولهم الجنة والنار ... وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 28909.
وأما الكيفية التي يأخذون بها كتبهم يوم القيامة فلم نجد من تعرض لذكرها من أهل العلم، وذلك لأنها من الأمور التي لا يصح الكلام فيها إلا بتوقيف من الشارع، وهو ما لم يوجد، ولو وجد دليل على الكيفية التي يأخذون بها كتبهم لما ساغ أن تختلف الأمة فيهم كل هذا الاختلاف، لأنهم لو عُرف أنه يأخذونها من اليمين لكان ذلك دليلاً على أنهم من أهل الجنة، ولو علم أنهم يأخذونها من الشمال لدل ذلك أيضاً على أنهم من أهل النار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1428(2/2247)
تفسير: ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا
[السُّؤَالُ]
ـ[هؤلاء الفقهاء الذين يحفظون القرآن (نسميهم الطلبة) ألا تنطبق عليهم الآية الكريمة (ولا تشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً) عندما يقبضون المال الذي يقدم إليهم في أي مناسبة يكونون مدعوين إليها، وأريد تفسيرا للآية؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن وتعليمه بالتفصيل وأقوال أهل العلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 290، 24295، 68314 وبإمكانك أن تطلع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
وأما الآية المطلوب تفسيرها فإن اللفظ المذكور لم يرد في القرآن الكريم، ولعلك تقصد بها قول الله تبارك وتعالى: وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ {البقرة:41} ، قال أهل التفسير: هذه الآية نزلت في اليهود ومعناها: لا تأخذوا عليه أجراً، وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم، علم مجاناً كما عُلِّمت مجاناً، وقيل: لا تبيعوا ما آتيتكم من العلم بكتابي وآياته بثمن خسيس وعرض من الدنيا قليل. وبيعهم إياه تركهم إبانة ما في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس، وأنه مكتوب فيه أنه النبي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل بثمن قليل، وهو رضاهم بالرياسة على أتباعهم من أهل ملتهم ودينهم، وأخذهم الأجر ممن بينوا له ذلك على ما بينوا له.
ومثل هذه الآية في المعنى وسبب النزول آية أخرى في سورة المائدة وهي قوله تعالى: فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً {المائدة:44} ، قال أهل التفسير: لا تأكلوا السحت على كتابي. وكل من كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه وجعله حكماً بين عباده، فأخفاه وحكم بغيره، فهو كاليهود.
وهذه الآيات وإن كانت في اليهود فإن معناها يعم كل من فعل فعلهم فكتم حكم الله أو أخذ عليه رشوة ... لأن العبرة بعمموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في علم الأصول.
وفي سورة النحل آية أخرى قريبة المعنى والمبنى من الآيتين وهي قوله تعالى: وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، وتفسير الآية كما قال شيخ المفسرين الطبري: يقول تعالى ذكره: ولا تنقضوا عهودكم أيها الناس، وعقودكم التي عاقدتموها من عاقدتم مؤكديها بأيمانكم، تطلبون بنقضكم ذلك عرضاً من الدنيا قليلاً، ولكن أوفوا بعهد الله الذي أمركم بالوفاء به يثبكم الله على الوفاء به، فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك هو خير لكم إن كنتم تعلمون، فضل ما بين العوضين اللذين أحدهما الثمن القليل الذي تشترون بنقض عهد الله في الدنيا، والآخر الثواب الجزيل في الآخرة على الوفاء به.
والآية على هذا عامة في كل من يستبدل ما عاهد عليه غيره ونقض هذا العهد مقابل عرض من الدنيا الزائلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1428(2/2248)
تفسير قوله تعالى (يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول خطاب الله عز وجل في سورة الأعراف: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف:31) ، الخطاب وجه لبني آدم كلهم أي للبشرية، ولم يأت خاصا باللمسلمين الموحدين المقيمين للصلاة، حيث إن هناك كفارا ومشركين لا يقيمون الصلاة ولا يقربون المساجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية نزلت في زجر المشركين عن الطواف بالبيت الحرام عراة، كذا قال ابن كثير وعزاه لكثير من السلف، وذكر أيضاً أنها يؤخذ منها الحض على التجمل عند الذهاب للصلاة في المسجد، وقال الشوكاني في فتح القدير: هذا خطاب لجميع بني آدم وإن كان وارداً على سبب خاص فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والزينة ما يتزين به الناس من الملبوس، أمروا بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف وقد استدل بالآية على وجوب ستر العورة في الصلاة. انتهى.
وبناء عليه فالخطاب موجه لبني آدم عموماً فلا يقبل من أحد مهما كان دينه أن يدخل المسجد عارياً بل يجب على المسلمين منعه من ذلك، ومن المعلوم أن كفار العرب الذين نزلت الآية بسببهم، كانوا يأتون المسجد الحرام حجاجاً ومعتمرين، وكان بعضهم يطوف بالبيت عارياً فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، فأرسل أبا بكر ليحج بالناس عام تسع، وأمر أبو بكر أبا هريرة وجماعة من الصحابة أن يؤذنوا في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(2/2249)
الجمع بين الأمر بأخذ الزينة وعدم الإسراف في الأكل والشرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة فى أن يجمع الله سبحانه وتعالى فى آية واحدة بين أمرين لا علاقة لهم ببعضهم كان يقول ... {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن معروف بأن أسلوبه أبلغ أساليب الكلام بلاغة وبراعة، وقد بهر العرب الفصحاء ببلاغته فعجزوا عن محاكاته، فلا بد للمؤمن أن يوقن بأنه كتاب حكيم، وليس هناك حرج في الاستفصال والاستفسار عن بيان حكمة الجمع بين أمرين.
ولكن الأمر الضروري الذي يجب اعتقاده هو اعتقاد حكمة القرآن وبلاغته وفصاحته، وأما الجمع بين الأمر بأخذ الزينة والتزين باللباس الحسن والأكل والشرب، فحكمته أن العبد محتاج لكسائه وطعامه، فشرع الله له أن يلبس ويطعم دون إسراف، وقد اجتمع الأمران في الحديث النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم: كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة. رواه البخاري معلقاً ورواه أحمد والنسائي وحسنه الألباني.
ومن الحكمة في ذلك أيضاً إبطال ما كان عند العرب من ترك الوافدين على مكة الطواف بغير لباس مأخوذ من أهل الحرم وترك طعام غير مأخوذ من أهل الحرم، فقد ذكر القرطبي وابن عاشور أن أهل الحرم كانوا يقولون: لا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلا في ثيابنا ولا يأكل إذا دخل أرضنا إلا من طعامنا. وذكر القرطبي والبغوي والألوسي وابن عاشور أيضاً أن بعض العرب كانوا لا يأكلون دسما في أيام حجهم، ويكتفون باليسير من الطعام ويطوفون عراة، فقيل لهم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(2/2250)
التعبير بلفظ إخوة ولفظ إخوان في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من ابتداء الصلاة بالتكبير والانتهاء بالتسليم
2 لماذا وردت لفظ إخوة ولم ترد إخوان في سورة النور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان الحكمة من افتتاح الصلاة وبالتكبير وختمها بالتسليم في الفتوى رقم: 94107.
وإذا كانت السائلة تعني قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ. فإنها في [سورة لحجرات: 10] وليست في سورة النور، وقوله تعالى إخوة جمع أخ، وقيل هذه الصيغة تأتي لإخوة النسب، وللصداقة إخوان، وقيل أنها تأتي لإخوة النسب وغيرهم.
قال السيوطي في الإتقان في علوم القرءان: وحيث ورد الأخ مجموعا في النسب قيل إخوة وفي الصداقة قيل إخوان قاله ابن فارس وغيره وأورد عليه في الصداقة إنما المؤمنون إخوة وفي النسب أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو بيوت إخوانكم. انتهى. وقال في روح المعاني، عند تفسير الآية الكريمة، وإطلاق الأخوة عل المؤمنين من باب التشبيه البليغ وشبهوا بالأخوة من حيث انتسابهم إل أصل واحد وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية، وجوز أن يكون هناك استعارة وتشبه المشاركة في الإيمان بالمشاركة في أصل التوالد لأن كلا منهما أصل للبقاء إذ التوالد منشأ الحياة والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان.
وإذا تقرر أن لفظ إخوة يأتي جمعا للأخوة من النسب وغيره مثل الصداقة والدين وكذلك الإخوان فمعنى ذلك أن التعبير بإخوة هنا أبلغ من التعبير بإخوان وذلك لأن نظم القرءان بسياقه ومفرداته يأتي في الدرجة العليا من البلاغة فلو أبدلت منه كلمة بكلمة أخرى مرادفة لها في اللغة لم تقم مقامها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(2/2251)
المقصود بالكتاب والحكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة المائدة الآية110يقول المولى عز وجل: وإذ علمتك الكتاب والحكمة. ما المقصود بالكتاب والحكمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى ممتناً على عبده ورسوله عيسى عليه الصلاة والسلام: اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ... {المائدة:110} ، والمقصود بالكتاب الكتابة أي الخط، وقيل المقصود جنس الكتاب والمقصود بالحكمة الفهم، قال ابن عطية في تفسيره: والكتاب في هذه الآية مصدر كتب يكتب أي علمتك الخط، ويحتمل أن يريد اسم جنس في صحف إبراهيم وغير ذلك، ثم خص بعد ذلك التوراة والإنجيل بالذكر تشريفاً، والحكمة هي الفهم والإدراك في الأمور الشرعية. انتهى.
وقال السعدي في تفسيره لهذه الآية: فالكتاب يشمل الكتب السابقة وخصوصاً التوراة من أعلم أنبياء بني إسرائيل بعد موسى بها ويشمل الإنجيل الذي أنزله الله عليه، والحكمة هي معرفة أسرار الشرع وفوائده وحكمه وحسن الدعوة والتعليم ومراعاة ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي. انتهى.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا بالعلم والحكمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(2/2252)
تفسير العروة الوثقى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى العروة الوثقى التي ذكرت في القرآن الكريم؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت كلمة (العروة الوثقى) في موضعين من كتاب الله تعالى، الأولى في سورة البقرة، قال الله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:256} ، الثاني في سورة لقمان، قال الله تعالى: وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {لقمان:22} ، وهي في كلا الموضعين قد فسرت بعدة تفسيرات، فقد فسرها بعض المفسرين بـ (لا إله إلا الله) ، وقال آخرون هي الإيمان، وقال آخرون هي الإسلام، وقال آخرون هي القرآن، وكل هذه الأقوال لا تعارض بينها لأن من تمسك بلا إله إلا الله فقد تمسك بالإيمان والإسلام والقرآن، والمقصود أنه تمسك بالدين القويم الذي ثبتت قواعده ورسخت أركانه وكان المتمسك به على ثقة من أمره لكونه استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها أي لا انقطاع لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(2/2253)
تفسير قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير الآية
وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمنت هذه الآية الكريمة خطابا من الله تعالى لعباده المؤمنين ينهاهم فيه عن أكل بعضهم مال بعض بالباطل، وهو كل ما نهى الله تعالى عنه كالربا والرشوة والقمار والغصب والظلم وجحد الحقوق والأخذ بغير طيب النفس، ويدخل فيه بذل المال في الملاهي وأجرة المغنين وما أشبه ذلك من كل باطل حرمته الشريعة، وإن طابت به نفس صاحبه كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك.ومنه ما يحكم به الحاكم لمن يعلم أنه حرام أو لا يستحقه، فالحرام لا يصير حلالاً بقضاء القاضي، لأنه إنما يقضي بالظاهر، وأما قوله تعالى: " وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ... "فقال عنه القرطبي: " المعنى لا تصانعوا بأموالكم الحكام وترشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها، وهذا القول يترجح، لأن الحكام مظنة الرشاء إلا من عصم وهو الأقل، والحكام اليوم عين الرشا لا مظنته، ولا حول ولا قوة إلا بالله "
وقوله تعالى: لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. أي بطلان ذلك وإثمه، وهذه مبالغة في الجرأة والمعصية فهي أعظم إثما وأشد عقوبة، وقد اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قل أو كثر أنه يفسق بذلك، وأنه محرم عليه أخذه لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام.... الحديث. رواه مسلم وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1428(2/2254)
سر دعاء عيسى ربه لأجل نزول المائدة بوصف الربوبية والألوهية
[السُّؤَالُ]
ـ[دعا عيسى عليه السلام ربه عند نزول المائدة بدعائين مرة بوصف الربوبية وأخرى بالألوهية ما الفرق بينهما؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 46018، 2495، 16146، فقد ذكر فيها الفرق بين الربوبية والألوهية، وقد ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير: أن عيسى جمع بين النداء باسم الذات الجامع لصفات الجلال وبين النداء بوصف الربوبية له وللحواريين استعطافا لله ليجيب دعاءهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1428(2/2255)
توضيح حول آيتين من كتاب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ وردت في القرآن الآية: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ. والسؤال: عبدنا نحن أم عبده هو، وإذا كان عبده هو لماذا لم تكن الآية، وإذ كنتم في شك مما نزل على عبده فأتوا بسورة من مثله، ولماذا نزلت الآية: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا. يعني الآية تشير إلى تغير في كلمات الله أثناء نزول الوحي على رسول الله والأمر إلى الذي غير الكلمات.. والله أعلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نص الآية الأولى هو: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {البقرة:23} ، وهذا الكلام كلام الله والعبد عبد الله أضافه إليه إضافة تشريف، والخطاب القرآني يأتي أحياناً بصيغة التكلم فيخاطب الله تعالى من توجه إليه الخطاب كما في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} ، ويعبر الله عن نفسه بضمير الجمع من باب التعظيم الذي درج العرب على استعماله في خطابهم، قال صاحب المعجم الوسيط: نحن ضمير يعبر به الاثنان أو الجمع المخبرون عن أنفسهم، وقد يعبر به الواحد عند إرادة التعظيم. انتهى.
وأما الآية الثانية فنصها: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا {الكهف:27} ، وليس في هذه الآية ما يفيد التغيير والتبديل في كلام الله بل إنها جاءت فيها لا التنصيصية الدالة على نفي جنس جميع أنواع التبديل، وقد نزلت رداً على من قال من الكفار أئت بقرآن غير هذا أو بدله، قال البيضاوي: واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك من القرآن، ولا تسمع لقولهم أئت بقرآن غير هذا أو بدله، لا مبدل لكلماته: لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره. ولن تجد من دونه ملتحداً ملتجأ عليه إن هممت به. انتهى.
وقال ابن كثير في تفسيرها: يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس لا مبدل لكلماته أي لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل.
وقال الشنقيطي في الأضواء: قوله تعالى لا مبدل لكلماته. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لا مبدل لكلماته، أي لأن أخبارها صدق، وأحكامها عدل، فلا يقدر أحد أن يبدل صدقها كذباً، ولا أن يبدل عدلها جوراً، وهذا الذي ذكره هنا جاء مبينا في مواضع أخر، كقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فقوله: صدقا، يعني في الإخبار. وقوله: عدلاً، أي في الأحكام، وكقوله: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ. وقد بين تعالى في مواضع آخر أنه هو يبدل ما شاء من الآيات مكان ما شاء منها، كقوله تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ. وقوله: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا. وقوله تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1428(2/2256)
تفسير قوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ حوالي سنة وأنا أطلع على موقعكم هذا، وقد استفدت منه الكثير والكثير جزاكم الله كل الخير، سؤالي هو: يقول الله تبارك وتعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللا مبينا. سورة الأحزاب، فأفيدوني فى المزيد لتفسير هذه الآية الكريمة؟ وبارك الله فيكم وفى عملكم هذا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما يعين على فهم هذه الآية معرفة سبب نزولها الذي نبه عليه بعض علماء التفسير، ففي تفسير ابن كثير: عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضي الله عنه فاستنكفت منه، وقالت: أنا خير منه حسباً، وكانت امرأة فيها حدة، فأنزل الله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ... الآية كلها، وهكذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان، أنها نزلت في زينب بنت جحش رضي الله عنها حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، فامتنعت ثم أجابت. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها وكانت أول من هاجر من النساء، يعني بعد صلح الحديبية، فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد قبلت، فزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه بعد فراقه زينب، فسخطت هي وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبده، قال: فنزل القرآن: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.. إلى آخر الآية، قال: وجاء أمر أجمع من هذا: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قال: فذاك خاص وهذا أجمع. انتهى.
وعن تفسير الآية، قال الشوكاني في فتح القدير: ومعنى الآية: أنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمراً أن يختار من أمر نفسه ما شاء، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله واختاره له ... إلى أن قال: والخيرة مصدر بمعنى الاختيار. وقرأ ابن السميفع الخيرة بسكون التحتية، والباقون بتحريكها، ثم توعد سبحانه من لم يذعن لقضاء الله وقدره، فقال: ومن يعص الله ورسوله في أمر من الأمور، ومن ذلك عدم الرضا بالقضاء فقد ضل ضلالا مبيناً. ضل عن طريق الحق ضلالاً ظاهراً واضحاً لا يخفى. انتهى.
وقال البغوي في تفسيره: وما كان لمؤمن، يعني: عبد الله بن جحش، ولا مؤمنة يعني: أخته زينب، إذا قضى الله ورسوله أمراً، أي: إذا أراد الله ورسوله أمراً وهو نكاح زينب لزيد، أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، قرأ أهل الكوفة: أن يكون بالياء، للحائل بين التأنيث والفعل، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الخيرة من أمرهم، والخيرة: الاختيار.
والمعنى: أن يريد غير ما أراد الله أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً، أخطأ خطأ ظاهراً، فلما سمعا ذلك رضيا بذلك وسلما، وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1428(2/2257)
تفسير قوله تعالى (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو المقصود بكلمة نحن في الآية (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الجملة جزء من آية كريمة بدايتها قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ {ق:16} ، وبمعرفة بداية الآية الكريمة يتضح المراد من كلمة (نحن) ، فضمير العظمة هنا يعود إلى الخالق سبحانه وتعالى فهو أقرب إلى المخلوق من حبل وريده الذي هو العرق الكبير الكائن في صفحة العنق المتصل بالقلب، والقرب هنا قرب علم وقدرة.. لا قرب مسافة.
قال القرطبي في التفسير: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد هو حبل العاتق وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه، وهما وريدان عن يمين وشمال وهذا تمثيل للقرب، أي نحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه وليس على وجه قرب المسافة، وقيل أي ونحن أملك به من حبل الوريد الذي هو من نفسه لأنه عرق يخالط القلب، فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب، وهذا القرب قرب العلم والقدرة، وأبعاض الإنسان يحجب البعض البعض ولا يحجب علم الله شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1428(2/2258)
تفسير قوله تعالى (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن قصة يعقوب عليه السلام عندما قال لأولاده " وقال يا بَني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلاَّ لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون * ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون " سؤالي ما هي الحاجة التي كانت في نفس يعقوب وقضاها؟؟؟ وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل التفسير في الحاجة التي كانت في نفس يعقوب، فذهب أكثرهم إلى أنها الخوف من العين. قال السيوطي في الدر المنثور: في قوله: إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا {يوسف: 68} قال: خيفة العين على بنيه.
وقال مثل ذلك الرازي وابن كثير والطبري وغيرهم.
وذهب آخرون إلى غير ذلك، قال الشوكاني في فتح القدير: وهي شفقته عليهم ومحبته لسلامتهم قضاها الله عليهم، وقيل إنه خطر ببال يعقوب أن الملك إذا رآهم مجتمعين مع ما يظهر فيهم من كمال الخلقة، وسيما الشجاعة أوقع بهم حسداً وحقداً أو خوفاً منهم، فأمرهم بالتفرق لهذه العلة. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(2/2259)
تفسير قوله تعالى (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)
[السُّؤَالُ]
ـ[نورتم معرض الكتاب جزاكم الله خيراً على هذا الموقع الممتاز الذي مهما قلت فيه فلن أوفي حقه من العرفان بالجميل الكبير علي ... اسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم، وأحبكم في الله.. أريد تفسير الآية: قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وجزاكم الله خيراً عن الموقع والقائمين عليه، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا عند حسن ظنكم ومن المتحابين فيه ... وبخصوص تفسير الآية الكريمة فإنها وردت في سياق حديث القرآن الكريم عن إخوة يوسف وقصته معهم حين دبّر لهم تلك المكيدة التي ألهمه الله تعالى حتى يبقى معه أخوه فأمر من يدس صواع الملك في متاع أخيه المخصص له، ولما تأكد إخوته من وجود صواع الملك في متاع أخيهم: قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ {يوسف:77} ، قال أهل التفسير المعنى أن إخوة يوسف قالوا: اقتدى بنيامين بأخيه يوسف في السرقة لأنهما كانا شقيقين دون غيرهما، وقصدهم بذلك أن يبرؤوا أنفسهم من فعله لأنه ليس من أمهم، وأنه إن سرق فقد جذبه عرق أخيه السارق لأن الاشتراك في الأنساب يشاكل الأخلاق، وقد اختلف المفسرون في نوع هذه السرقة التي نسبوها إلى يوسف عليه السلام فذكروا روايات كثيرة لم يكن شيئاً منها مرفوعاً ولعلها مأخوذة من الإسرائيليات، وقد عقب القرطبي على هذه الأقوال بقول الحسن: إنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه. وقال صاحب الظلال:.. وتنطلق الروايات والتفاسير تبحث عن مصداق قولهم هذا في تعلات وحكايات وأساطير كأنهم لم يكذبوا من قبل على أبيهم في يوسف وكأنهم لا يمكن أن يكذبوا على عزيز مصر دفعاً للتهمة التي تحرجهم، وتبرؤا من يوسف وأخيه السارق وإرواء لحقدهم القديم على يوسف وأخيه! لقد قذفوا بها يوسف وأخاه! هذا خلاصة ما ذكره المفسرون في هذه الآية وانظر لتفاصيله تفسير القرطبي وظلال القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1428(2/2260)
سبب طلاق النبي لحفصة دون عائشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً: شكراً على ردودكم السريعة هذا يدل على كفاءتكم
سؤالي هو: في حادثة تطليق الرسول طلقه واحدة لزوجته القوامة الصوامة كانت أيضا عائشة رضي الله عنها قد اشتركت في ذلك بقصة المغافير التي قرأتها عندكم فلماذا طلق حفصة ولم يعمل هذا بشأن الأخرى، وهل لأن الرسول مال لعائشة رضي الله عنها أكثر أم ما هو السبب الذي يجعل الصادق الأمين يتصرف بشيء من هذا، وكأنه لم يعدل معهن، فأرجو المعذرة، فأنا أريد الرد لمن يسألني ويتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل أن نشرع في الجواب ينبغي التنبيه على أمر مهم وهو أنه يجب على المسلم أن يصون دينه عن الشبهات فلا يستمع إليها، لأن الشبهة قد تستقر في قلبه ولا يستطيع دفعها لضعف إيمانه أو قلة علمه أو هما معاً، وقد نص العلماء على حرمة النظر في كتب أهل الكتاب لما فيها من التحريف، وعلى مجالسة أهل البدع والأهواء، وكلامهم في ذلك منتشر مشهور. وانظري في ذلك الفتوى رقم: 14742.
وأما ما سألت عنه فجوابه أن سبب تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة -كما ذكر أهل العلم- هو إفشاؤها لسره الذي أسر إليها حين وجدت معه أم إبراهيم في بيتها ويومها، قال تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ {التحريم:3} ، قال البيضاوي: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه -يعني حفصة-[حديثا] تحريم مارية أو العسل، أو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما [فلما نبأت به] أي فلما أخبرت حفصة عائشة رضي الله تعالى عنهما بالحديث [وأظهره الله عليه] وأطلع النبي عليه الصلاة والسلام على الحديث أي على إفشائه [عرف بعضه] عرف الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ما فعلت [وأعرض عن بعض] عن إعلام بعض تكرما، أو جازاها على بعض بتطليقه إياها وتجاوز عن بعض.
وذكر القرطبي في تفسيره عن الكلبي قال: سبب نزول هذه الآية غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة لما أسر إليها حديثاً فأظهرته لعائشة، فطلقها تطليقة، فنزلت الآية وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
فحفصة هي التي أفشت سره إلى عائشة فأدبها صلى الله عليه وسلم بذلك.
وأما قصة العسل والمغافير وتمالؤ عائشة وحفصة رضي الله عنهما عليها وقيل سودة أيضاً؛ لأنها كانت من حزب عائشة كما ذكر ابن حجر فليست هي السبب، وهي أخف من إفشاء السر.
هذا مع التنبيه إلى أن الطلاق ليس مما يطالب فيه الرجل بالعدل، فلا يجب على الرجل إذا طلق إحدى نسائه أن يطلق غيرها منهن ولا يندب له ذلك، هذا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال له ربه: تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا {الأحزاب:51} ، فلا جناح عليه صلى الله عليه وسلم أن يؤوي إليه منهن من شاء، ويرجي من شاء، وقد كانت عائشة رضي الله عنها من أحب نسائه إليه، ولهذا سأل الله تعالى ألا يؤاخذه في الميل العاطفي لأنه لا يملكه، فكان يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. رواه أحمد وغيره، لكن أعله جماعة من حفاظ الحديث بالإرسال. ويدل على مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، قول عمر لحفصة رضي الله عنهما المشهور: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد عائشة. كما عند البخاري وغيره، وقال ابن حجر في الفتح: وكانت سودة رضي الله عنها تهاب عائشة لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر منهن.
إذن، فلا شك أن عائشة رضي الله عنها كانت من أحب نسائه إليه، ولكن طلاقه لزوجه الصوامة القوامة دون عائشة أو غيرها من نسائه فهو لما كان منها من إفشاء سره صلى الله عليه وسلم، كما بينا على أنه له أن يطلق حفصة أو من شاء من نسائه لأي سبب ولا حرج في ذلك، ولا ينافي العدل لما سبق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(2/2261)
تفسير قوله تعالى (..والكاظمين الغيظ..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد إجابة حول الكاظمين الغيظ من هم؟ وفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى في معرض بيان صفات المتقين: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} ، قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره: وكظم الغيظ رده في الجوف يقال كظم غيظه أي سكت عليه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بعدوه ... والغيظ أصل الغضب.. انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله: أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه ... فتبين من هذا أن الكاظمين الغيظ هم الذين لا يعملون غضبهم في الناس، بل يكفون عنهم شرهم ويحتسبون الأجر عند الله تعالى، وقد ورد في فضل كظيم الغيظ أيضاً ما رواه أحمد وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من جرعةٍ أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله. والحديث صححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.
وروى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء. والحديث حسنه الألباني وشعيب الأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(2/2262)
تفسير قوله تعالى (..يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير الآية رقم 1 من سورة الممتحنة وخاصة "يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا"
شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المقصودة هي قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ {الممتحنة:1}
وقد سبق بيان سبب نزول هذه الآية وتفسيرها في الفتوى رقم: 60910. وبإمكانك الرجوع إلى كتب التفسير كتفسير القرآن العظيم لابن كثير وتفسير السعدي وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1428(2/2263)
تفسير قوله تعالى (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا)
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في الآية رقم14 من سورة الفرقان "لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا " وجاء في سورة الانشقاق في الآية رقم 11 "فسوف يدعو ثبورا" ما العبرة في وصف الثبور في الآية الأولى بالواحد والكثرة؟ وجزاكم كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الثبور قد وصف بالكثرة لأن عذابهم أنواع كثيرة، كل نوع منها ثبور، لشدته أو لأنه يتجدد لقوله تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ {النساء: 56} أو لأنه لا ينقطع، فهو في كل وقت ثبور، كما قال البيضاوي، فالله قد نهاهم عن الدعاء مرة واحدة وأمرهم بإكثار الدعاء لتكرر وقوع العذاب وتنوعه.
قال الشوكاني في فتح القدير: والمعنى لا تدعو على أنفسكم بالثبور دعاء واحدا وادعوه أدعية كثيرة، فإن ما أنتم فيه من العذاب أشد من ذلك لطول مدته وعدم تناهيه، وقيل: هذا تمثيل وتصوير لحالهم بحال من يقال له ذلك من غير ن يكون هناك قول، وقيل: إن المعنى إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا بل هو ثبور كثير لأن العذاب أنواع. اهـ
وقال أبو السعود في معنى الآية: لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد وادعوا ثبورا كثيرا أي بحسب كثرة الدعاء المتعلق به لا بحسب كثرته في نفسه، فإن ما يدعونه ثبور واحد في حد ذاته لكنه كلما تعلق به دعاء من تلك الأدعية الكثيرة صار كأنه ثبور مغاير لما تعلق به دعاء آخر منها، وتحقيقه لا تدعوه دعاء واحدا وادعوه أدعية كثيرة، فإن ما أنتم فيه من العذاب لغاية شدته وطول مدته مستوجب لتكرير الدعاء في كل آن، وهذا أدل على فظاعة العذاب وهو له من جعل تعدد الدعاء وتجدده لتعدد العذاب بتعدد أنواعه وألوانه أو لتعدده بتجدد الجلود كما لا يخفى. وأما ما قيل من أن المعنى إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا إنما هو ثبور كثير إما لأن العذاب انواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدته وفظاعته، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها فلا غاية لهلاكهم فلا يلائم المقام كيف لا وهو إنما يدعون هلاكا ينهى عذابهم وينجيهم منه، فلا بد أن يكون الجواب إقناطا لهم من ذلك ببيان استحالته ودوام ما يوجب استدعاءه من العذاب الشديد وتقييد النهي والأمر باليوم لمزيد التهويل والتفظيع والتنبيه على أنه ليس كسائر الأيام المعهود قل تقريعا لهم وتهكما بهم وتحسيرا على ما فاتهم أذلك إشارة إلى ما ذكر من السعير باعتبار اتصافها بما فصل من الأحوال الهائلة وما فيها من معنى البعد للإشعار بكونها في الغاية القاصية من الهول والفظاعة. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1428(2/2264)
الفرق بين (المغضوب عليهم) و (الضالين)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم (المغضوب عليهم) ومن هم (الضالين) وماهو الفرق بينهما في الحساب؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا بالفتوى رقم: 11233، أن المقصود بـ: المغضوب عليهم: اليهود، والمقصود بـ: الضالين: النصارى، وذكرنا قول ابن كثير أنه لا يعلم اختلافا في تفسيرهما بذلك، ومثله قال ابن أبي حاتم فيما نقل عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري، ونقل الحافظ عن السهيلي أنه قال: وشاهد ذلك قوله تعالى في اليهود: فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ {البقرة: 90} وفي النصارى: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا {المائدة: 77} . وروى الإمام أحمد في مسنده عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى.
وينبغي التنبه أنه يلحقهم في هذا الوصف من اتصف بصفاتهم وتخلق بأخلاقهم، وتراجع الفتوى رقم: 4155، واليهود أسوأ حالا من النصارى، وقد عقد الألوسي في تفسيره: روح المعاني. مقارنة بينهما ومما ذكر من ذلك ما يلي:
1ـ اليهود أشد في الكفر والعناد وأعظم في الخبث والفساد، ولذا قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا {المائدة: 82} والنصارى دون ذلك.
2 ـ أنهم كفروا بنبيين محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام، والنصارى كفروا بنبي واحد وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفضائحهم وفظائعهم أكثر مما عند النصارى، ومن أخص أسباب وصف اليهود بالغضب كونهم قد فسدوا بعد علم، والنصارى فسدوا عن جهل فوصفوا بالضلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1428(2/2265)
جواب شبهة حول قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي) يقول المكذبون أن النار حية وهي تخمد بالماء فكيف ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف في معنى الآية هل المراد بها الكائنات الحية المتحركة لقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ {النور: من الآية45} قال أبو العالية: يعني النطفة، أو يدخل فيه الأشجار كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ {فاطر:27-28} وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً {الأنعام: 99} وقال: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ {إبراهيم: 32} .
فالحيوانات والطيور لها أرواح إذا فارقتها بالموت أصبحت جثثا هامدة، والنبات والأشجار لها نوع من الحياة لا يسمى روحا وإنما يسمى حياة تسري في أجزائه بالماء إذا فارقه ذبل وسقط.
قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن بطال معنى قوله وجعلنا من الماء كل شيء حي أراد الحيوان الذي يعيش بالماء، وقيل أراد بالماء النطفة، ومن قرأ وجعلنا من الماء كل شيء حيا دخل فيه الجماد أيضا لأن حياتها هو خضرتها وهي لا تكون إلا بالماء، قلت وهذا المعنى أيضا يخرج من القراءة المشهورة ويخرج من تفسير قتادة حيث قال كل شيء حي فمن الماء خلق أخرجه الطبري عنه، وروى ابن أبي حاتم عن أبي العالية أن المراد بالماء النطفة، وروى أحمد من طريق أبي ميمونة عن أبي هريرة قلت يا رسول الله أخبرني عن كل شيء قال كل شيء خلق من الماء إسناده صحيح، قوله أجاجا منصبا هو في رواية المستملي وحده وهو تفسير ابن عباس ومجاهد وقتادة أخرجه الطبري عنهم. اهـ
وقال البيضاوي في التفسير: وجعلنا، [وخلقنا] من الماء كل شيء حي، أي: وأحيينا بالماء الذي ينزل من السماء كل شيء حي أي من الحيوان ويدخل فيه النبات والشجر، يعني أنه سبب لحياة كل شيء والمفسرون يقولون: [يعني] أن كل شيء حي فهو مخلوق من الماء. كقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ {النور: 45} ، قال أبو العالية: يعني النطفة، فإن قيل: قد خلق الله بعض ما هو حي من غير الماء؟ قيل: هذا على وجه التكثير، يعني أن أكثر الأحياء في الأرض مخلوقة من الماء أو بقاؤه بالماء ... .اهـ
وقال الأستاذ سيد قطب في الظلال عند تفسير قوله تعالى: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ {إبراهيم: 32} .
قال: وذكر إنزال الماء من السماء وإخراج الثمرات به، ما يفتأ يتردد في مواضع شتى من القرآن في معرض التذكير بقدرة الله، والتذكير بنعمته كذلك.. والماء النازل من السماء هو مادة الحياة الرئيسية للأحياء في الأرض جميعا. فمنه تنشأ الحياة بكل أشكالها ودرجاتها وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ {الأنبياء: 30} .. سواء أنبت الزرع مباشرة حين يختلط بالأرض، أو كون الأنهار والبحيرات العذبة، أو انساح في طبقات الأرض فتألفت منه المياه الجوفية، التي تتفجر عيونا أو تحفر آبارا، أو تجذب بالآلات إلى السطح مرة أخرى. وقصة الماء في الأرض، ودوره في حياة الناس، وتوقف الحياة عليه في كل صورها وأشكالها.. كل هذا أمر لا يقبل المماحكة، فتكفي الإشارة إليه، والتذكير به، في معرض الدعوة إلى عبادة الخالق الرازق الوهاب.اهـ
والنار على اعتبار العموم يمكن إدخالها فيما كان أصله الماء ويدل له قول الله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ {يس:80}
والواقع الآن يشهد باستخراج كثير من المحروقات من الماء كالبترول والغاز وغيرهما، وكون الماء أصلا للنار وهو يخمدها ويميتها لا غرابة فيه فالإنسان مخلوق من الماء والماء يغرقه ويهلكه.
وعلى المسلم أن يستيقن بأن دين الله الإسلام هو الدين الحق الذي لا يقبل الله غيره، وأن جميع ما ثبت في الوحي هو الحق الذي لا محيد عنه.
وعلى المسلم ألا يبقى دائما في موقف دفاع شبه أهل الضلال بل يتعين عليه السعي في هدايتهم ودعوتهم للتوحيد ومهاجمتهم بما عندهم من الباطل، فليكن المسلم جسورا في الحوار معهم ومهاجما لهم، وليدع الله لهم بالهدى وليحرص على المواصلة في دعوتهم، قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ {فصِّلت:33} ، وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله. رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(2/2266)
تفسير (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لزوج أن يرد زوجته قبل العدة. وفترة العدة أين تقضيها هل في منزل زوجها أم يجب عليها ترك المنزل بحكم أن زوجها أصبح غريبا عنها؟ وما تفسير الآية 231 من سورة البقرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللزوج أن يراجع زوجته المطلقة قبل انتهاء العدة إذا كان الطلاق رجعيا، والرجعي هو ما كان دون الطلقة الثالثة بالنسبة للمدخول بها، وبغير عوض ولم يحكم به حاكم، أما غير المدخول بها فإنها تبين منه بمجرد الطلاق، ولا عدة له عليها. وراجع الفتوى رقم: 1614.
وأما المكان الذي تعتد فيه المطلقة فهو بيت الزوجية إن كان الطلاق رجعيا، وإن كان بائنا فحيث شاءت المرأة، وراجع الفتاوى التالية: 24789، 77019.
وإذا اختارت المطلقة طلاقا بائنا أن تعتد في بيت الزوج ورضي، فلها ذلك لكن يجب عليها الاحتجاب منه كسائر الأجانب.
وإليك تفسير الآية رقم 231 من سورة البقرة: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) قاربن انقضاء عدتهن. (فَأَمْسِكُوهُنَّ) بأن تراجعوهن (بِمَعْرُوفٍ) من غير ضرر. (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) اتركوهن حتى تنتهي عدتهن (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ) بالرجعة (ضِرَاراً) مفعول لأجله (لِتَعْتَدُوا) عليهن بالإلجاء إلى الافتداء والتطليق وتطويل الحبس (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) بتعريضها إلى عذاب الله (وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً) مهزوءاً بها بمخالفتها (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) بالإسلام (وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ) القرآن (وَالْحِكْمَةِ) ما فيه من الأحكام (يَعِظُكُمْ بِهِ) بأن تشكروها بالعمل به (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ولا يخفى عليه شيء. انتهى من تفسير الجلالين.
فالآية تأمر الرجال بأن يعاملوا النساء معاملة حسنة في حالتي الطلاق أو الإمساك، وتبين حال الذي يطلق امرأته ثم يدعها حتى إذا كانت في آخر عدتها راجعها ليضارها ويطول عليها، ثم يطلقها، فإذا كان في آخر عدتها راجعها، فذلك الذي يضار، وذلك الذي يتخذ آيات الله هزوا، قاله ابن جرير عن مسروق، وأخرج عن عطية في الآية قال: الرجل يطلق امرأته ثم يسكت عنها حتى تنقضي عدتها إلا أياما يسيرة، ثم يراجعها ثم يطلقها فتصير عدتها تسعة أقراء أو تسعة أشهر، فذلك قوله (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا) {البقرة: 231} اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(2/2267)
تفسير قوله تعالى (ويخلق ما لا تعلمون)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك مخلوقات أخرى غير الإنس والجن والملائكة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنه توجد مخلوقات أخرى غير ما ذكر، ولا يلزم من ذلك معرفتنا بهذه المخلوقات، فقد قال الله تعالى: وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ {النحل: 8} وقال تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ {النحل: 49} وقال تعالى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ {ص: 88} وقال تعالى لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {الأنعام: 67} فهذه الآيات وما أشبهها تدل على أن لله تعالى مخلوقات أخرى غير ما نعلمه أو نشاهده، قال أبو السعود في تفسيره: ويخلق ما لا تعلمون أي يخلق في الدنيا غير ما عدد لكم من الأصناف مما لا تعلمون كنهه وكيفية خلقه، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 71621.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(2/2268)
من فضائل سورة الفاتحة والدروس المستفادة منها
[السُّؤَالُ]
ـ[سورة الفاتحة ما هي أسباب نزولها؟ ما هي مكانتها بين السور؟ -الدورس والعبر المستفادة منها- هل هناك ميزة تميزها عن السور الأخرى؟ لماذا نبدأ بها في الصلاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسورة الفاتحة من السورة المكية على الصحيح من أقوال أهل العلم، ولم يذكر العلماء في أسباب النزول سببا معينا في نزول الفاتحة، وأما مكانتها بين السور فيمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: أنها أعظم سورة في القرآن العظيم، ودليل ذلك ما رواه البخاري وأحمد وأبو داود وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد بن المعلي رضي الله عنه: لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد.. فقال.. الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.
ثانيا: أن قراءتها ركن من أركان الصلاة بخلاف غيرها من السورة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
ثالثا: أنها أول سورة افتتح بها المصحف الشريف، ولذا سميت بفاتحة الكتاب.
رابعا: أنها لم ينزل في التوراة ولا الإنجيل سورة مثلها ولا أعظم منها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله عز وجل في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن.. رواه النسائي والترمذي وأحمد وصححه الألباني والأرناؤوط.
وأما الدروس المستفادة منها والعبر فهذا لا يدخل تحت حصر، ولا يمكن ذكره في مثل هذه الفتوى، ولكن من ذلك.
الثناء على الله تعالى بما هو أهله وتمجيده وتعظيمه، وهذا يؤخذ من قوله الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الفاتحة:2}
إثبات سلطان الله تعالى على جميع المخلوقات في الأرض والسموات وأنه المربي لهم والمتصرف في أمرهم والمالك لنواصيهم، وهذا يؤخذ من قوله تعالى: رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اتصاف الله تعالى بصفة الرحمة وأنه الرحمن الموصولة رحمته لعباده، وهذا يؤخذ من قول الله تعالى: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
إفراد الله تعالى بالعبادة والاستعانة وهذا يؤخذ من قول الله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {الفاتحة:5} أي نعبدك ولا نعبد سواك، ونستعين بك ولا نستعين بسواك.
وبإمكان الأخ السائل الرجوع إلى كتب التفسير للوقوف على المعاني العظيمة التي تضمتنها هذه السورة المباركة.
وانظر لمزيد من الفائدة الفتاوى التالية: 22937، 11233، 36334، 42057.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1427(2/2269)
الموضع الذي جاء فيه ذكر البعل في القرآن لغير الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[كل ما في القرآن من ذكر (البعل) فهو الزوج إلا في آية واحدة فقد جاءت بمعنى آخر. فما هي هذه الآية الكريمة؟ وما المعنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البعل في الأصل -كما قال أهل اللغة- هو الزوج والسيد والرب، وما شرب بعروقه من غير سقي ولا سماء (مطر) ، وقد جاء في القرآن الكريم بمعنى الزوج في آيات كثيرة، وجاء بمعنى المعبود والصنم، أو صنم بعينه في قول الله تعالى: وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ* أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ {الصافات: 123 ـ 125} وهذا هو الموضع الذي جاء فيه ذكر البعل في القرآن لغير الزوج، قال أهل التفسير: (بعلا) اسم صنم كان لأهل بك من بلاد الشام، وهي المعروفة الآن ببعلبك سميت بذلك على طريق التركيب المزجي.
هذا وننصح السائل الكريم بالاهتمام بالأسئلة التي تشكل عليه بالفعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1427(2/2270)
كلمة "الظن" تشترك فيها عدة معان
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله في أوقاتكم
ما فائدة استخدام كلمة "الظن" في القرآن الكريم وتفسيرها بمعنى اليقين؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اللغة العربية فيها كثير من الكلمات تشترك فيها عدة معان، وقد تكون متضادة وقد تكون متقاربة المعنى.
ومن هذه الكلمات كلمة الظن فتستعمل بمعنى اليقين وتستعمل لغيره.
وراجع كتب التفسير وكتب النحو واللغة، وراجع الفتوى رقم: 28261.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1427(2/2271)
الحنث العظيم في سورة الواقعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحنث العظيم في سورة الواقعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تعددت أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحِنْثِ العَظِيمِ {الواقعة:46}
قال ابن عباس: الحنث العظيم: الشرك، وكذا قال مجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي.
وقال الشعبي: هو اليمين الغموس.
وروي عن قتادة ومجاهد أنه الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه.
ولا تعارض بين هذه الأقوال لأن الحنث في لغة العرب الإثم والذنب، ولا شك أن الشرك أعظم الإثم وأكبر الذنوب، ولا شك أن اليمين الغموس إثم وذنب، فكل واحد من المفسرين فسرها ببعض ما يشمله لفظ الحنث العظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(2/2272)
مسائل حول قوله تعالى (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان..)
[السُّؤَالُ]
ـ[مسألة في تفسير الآية (102) في سورة البقرة مختصر تفسير ابن كثير (اختصار محمد علي الصابوني)
-الأية: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ "
- تأويل ابن جرير للآية: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان من السحر وما كفر سليمان، ولا أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت)
المسألة الأولى:
بناءاً على ماذا اعتمد ابن جرير في تأويله لهذه الأية؟
المسألة الثانية:
لماذا لا يكون تأويلها (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الذي أنزل على الملكين في بابل هاروت وماروت)
فهل هناك ما يثبت تأويل ابن جرير؟
المسألة الثالثة:
إذا كان تأويل ابن جرير هو الصحيح، فما الحكمة من عدم تنزيلها بهذا الترتيب في القراَن الكريم؟
المسألة الرابعة:
هل مثل أسئلة المسألة الثالثة حرام أو مكروه؟
أفدني بإسهاب وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اعتمد ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسير الآية على الآثار التي ذكرها بسنده عن ابن عباس والربيع، كما اعتمد على موافقة ذلك للغة العربية، وأجاب على احتمال الاعتراض عليه فقال -بعد ذكر الآثار التي أشرنا إليها-: فتأويل الآية على هذا المعنى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ {البقرة: 102} فيكون حينئذ قوله: ببابل هاروت وماروت من المؤخر الذي معناه التقديم، فإن قال لنا قائل: وكيف وجه تقديم ذلك؟ قيل وجه تقديمه أن يقال: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فيكون معنيا بالملكين جبريل وميكائيل؛ لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود فكذبها الله بذلك، وأخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر قط، وبرأ سليمان مما نحلوه من السحر فأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين وأنها تعلم الناس ذلك ببابل، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان اسم أحدهما هاروت واسم الآخر ماروت، فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة عن الناس وردا عليهم.اهـ
ثم ذكر أقوالا أخرى غير هذا التأويل، ومنها ما أشرت إليه في سؤالك الثاني، وبناء عليه تكون (ما) التي في قوله تعالى: وما أنزل على الملكين. موصولة بمعنى الذي، فيكون المعنى: وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق أنزل عليهما السحر امتحانا وابتلاء من الله لعباده فيعلمانهم السحر، ثم ذكر الآثار الواردة في ذلك بسنده عن السلف وناقش الاحتمالات والاعتراضات الواردة عليها، وبذلك يكون ابن جرير رحمه الله قد رد على استفسارك، وبإمكانك أن ترجع إلى تفسيره جامع البيان الجزء الخامس ص 113، وما بعدها لتجد أدلته من الآثار وشواهد اللغة وأقوال أهل العلم.
وأما نزول الآية على هذا النحو فهو أسلوب من أساليب اللغة الذي يعتمد التقديم والتأخير والحذف، وليس في هذا النوع من الأسئلة مانع شرعي ما دام القصد منه هو التعليم وفهم كتاب الله تعالى الذي أنزل ليتدبر ويفهم؛ كما قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ {ص: 29} والأسئلة وسيلة من وسائل الفهم والعلم والتدبر، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتويين: 35801، 47102.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1427(2/2273)
معنى (وإن أحد من المشركين استجارك) و (ومنهم الذين يؤذون النبي)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير الآيات 6 ... 61 من سورة التوبة؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاءت الآية السادسة من سورة التوبة في سياق حديث القرآن الكريم عن قتال المشركين بعد انتهاء مدة العهد وانسلاخ الأشهر الحرم حيث يقول تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ {التوبة: 5} وفي هذا السياق يقول تعالى في الآية السادسة آمرا لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأولياء الأمر من بعده: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ {التوبة: 6} قال أهل التفسير: وإن أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وحصارهم وأخذهم ورصدهم استجار بك وسأل أمانك وذمتك فأعطه ذلك حتى يسمع القرآن وأحكامه وأوامره ونواهيه، فإن قبل الإسلام فبها ونعمت، وإن أبى ورفض فرده إلى مأمنه، أي إلى المكان الذي يأمن فيه. قال صاحب الظلال: وبعد انتهاء العهد وانسلاخ الأشهر الحرم وإعلان الحرب يظل الإسلام على سماحته وجديته وواقعيته كذلك، فهو لا يعلنها حرب إبادة على كل مشرك؛ وإنما حملة هداية كلما أمكن ذلك، فالمشركون الأفراد أو الذين لا يجمعهم تجمع جاهلي يتعرض للإسلام ويتصدى له يكفل لهم الإسلام في داره الأمن، ويأمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيرهم حتى يسمعوا كلام الله ويتم تبليغهم فحوى هذه الدعوة، ثم يحرسهم حتى يبلغوا مأمنهم، هذا كله وهم مشركون!! إن هذا يعني أن الإسلام حريص على كل قلب بشري أن يهتدي، وأن المشركين الذين يطلبون الجوار والأمان في دار الإسلام يجب أن يعطوا الجوار والأمان.
وأما الآية رقم (61) فهي في المنافقين وهي في نوع خاص منهم، وقد فضحهم الله عز وجل في هذه السورة وفي غيرها وبين قبيح أعمالهم وفضح ما تنطوي عليه سرائرهم الخبيثة فقال تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {التوبة: 61} قال المفسرون: ومن المنافقين صنف يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بألسنتهم وينالون من شخصه ودينه ودعوته بالكذب والباطل ويقولون: هو أذن. أي من قال له شيئا صدقه فينا ومن حدثه صدقه، فإذا جئناه وحلفنا له صدقنا. والأذن هو من يسمع إلى مقال كل أحد، ومراد المنافقين بهذا القول -قاتلهم الله- أنهم إذا آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وبسطوا فيه ألسنتهم بالكذب والزور وبلغه ذلك اعتذروا له وحلفوا على ذلك فسيقبل منهم لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه، فهو أذن -في زعمهم قبحهم الله- يصدق كل ما يقال لا يفرق بين الحق والباطل اغترارا منهم بحلمه عنهم وصفحه عما يصدر منهم كرما وحلما وتغاضيا عن الجاهلين، فرد الله تعالى عليهم وأجاب عن قولهم بقوله تعالى: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ. كأنه قال: نعم هو أذن؛ ولكن نِعْم الأذن هو لكونه أذن خير وليس أذنا في غير ذلك. والمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم أذن خير للمنافقين ورحمة لهم حيث لم يكشف أسرارهم ولم يفضح قبائحهم، فكأنه قال: هو أذن كما قلتم لكنه أذن خير لكم لا أذن سوء، فسلَّم لهم قولهم فيه؛ إلا أنه فسره بما هو مدح له وثناء عليه، وإن كانوا قصدوا الذم وعدم الفطنة. ومعنى: ورحمة للذين آمنوا منكم. أي الذين أظهروا الإيمان منكم وإن لم يكونوا مؤمنين في الحقيقة، وفيه تنبيه على أنه ليس يقبل قولهم جهلا بحالهم بل رفقا بهم ورحمة لحالهم. ومعنى: يؤمن بالله. يصدق به وبكل ما جاء من عنده. ومعنى: ويؤمن للمؤمنين. يصدقهم لما علم من صدق إيمانهم وإخلاص نياتهم. ومعنى "والذين يؤذون رسول الله" بالقول والفعل "لهم عذاب أليم" في الدنيا بالقتل، فالذي يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم حده القتل، وأما في الآخرة فمصيره النار وبئس القرار. اهـ. ملخصا من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1427(2/2274)
النصارى المعنيون بالثناء في آيات سورة المائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية الكريمة في سورة المائدة بالرقم 82 (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) والآية 83 تصف هؤلاء النصارى بأنهم (إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين) ، السؤال هو: أننا نسمع دائما المديح للنصارى من بعض رجال الدين بذكرهم الآية 82 فقط دون الآية 83، فهل يجوز ذلك وهل يمكن أن نأخذ الآية 82 ونعتمد عليها بأنهم أقرب إلينا دون ذكر وصف هؤلاء القريبين إلينا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتمام الآيات التي أوردت بعض أرقامها يبين أن المراد بالنصارى من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتأثر بسماع القرآن ودعوته، قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ* وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ* وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ* فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {المائدة:82إلى 86} .
قال سيد قطب رحمه الله تعالى في ظلال القرآن: وليس كل من قالوا إنهم نصارى إذن داخلين في ذلك الحكم: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى.... كما يحاول أن يقول من يقتطعون آيات القرآن دون تمامها، إنما هذا الحكم مقصور على حالة معينة لم يدع السياق القرآني أمرها غامضاً ولا ملامحها مجهلة ولا موقفها متلبساً بموقف سواها في كثير ولا قليل. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1427(2/2275)
السر في تقديم المال على البنين في آيات كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[في الآيات التي فيها المال والبنون, هل هنا تفضيل للمال على الأبناء.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأبناء أعز من المال، وأن المرء يضحي بماله لصالح ولده، وعلى العموم فالمال يضحى به لصالح النفس البشرية كما في ترتيب الكليات الخمس أو الضروريات، وهي على الترتيب: الدين والنفس والعقل والنسب والمال، كما قال صاحب المراقي:
دين فنفس ثم عقل نسب * مال إلى ضرورة تنتسب
ورتبن ولتعطفن مساويا * عرضا على المال تكن موافيا
فحفظها حتم على الإنسان * في كل شرعة من الأديان
فنلاحظ أن المال آخرها في الترتيب، ولكنه قدم في الذكر في آيات كثيرة على الأبناء لحكم ذكرها أهل التفسير، وليس منها أن المال أفضل من الأبناء، قال أبو السعود في إرشاد العقل السليم: وتقديم المال على البنين -في الذكر- مع كونهم أعز منه لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد، وعمومه بالنسبة إلى الأفراد والأوقات، فإنه زينة وممد لكل أحد من الآباء والبنين في كل وقت وحين، وأما البنون فزينتهم وإمدادهم إنما يكون بالنسبة لمن بلغ مبلغ الأبوة، ولأن المال مناط لبقاء النفس، والبنين لبقاء النوع، ولأن الحاجة إليه أمس من الحاجة إليهم، ولأنه أقدم منهم في الوجود، ولأنه زينة بدونهم من غير عكس، فإن من له بنون بلا مال فهو في ضيق حال ونكال......
فهذه بعض الحكم التي من أجلها قدم المال في الذكر، مع أن مجرد العطف بالواو لا يقتضي الترتيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1427(2/2276)
معنى (واعلموا أنما غنمتم من شيء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقصد الآية المباركة ((أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى))
ماذا يقصد هل أن نخمس ما زاد من أي شيء نحصل عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ {الأنفال: 41} قد جاء مبينا مصاريف خمس الغنيمة.
والغنيمة في اللغة هي كل ما يناله المرء بسعي، ولكنها في هذه الآية الكريمة تعني مال الكفار إذا ظفر به المسلمون في الجهاد معهم.
قال ابن كثير في تفسيره: قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء، الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي، ومن ذلك قول الشاعر:
وقد طوفت في الآفاق حتى * رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر:
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه * أنى توجه والمحروم محروم
والمغنم والغنيمة بمعنىً، يقال: غنم القوم غنماً. واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: غنمتم من شيء مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1427(2/2277)
تفسير قوله تعالى (..والرقيم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت الرقيم في القرآن الكريم في قصة الكهف فأين تقع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا {الكهف: 9} فلعل هذا ما عناه السائل، وانظر الفتوى رقم: 61160، في تفسير الرقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(2/2278)
الحكمة في تعبير يوسف عليه السلام عن رؤياه بلفظ الكواكب
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا في سورة يوسف قال: إني رأيت أحد عشر كوكبا، ولم يقل أحد عشر نجما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكوكب والنجم بمعنى واحد كما في لسان العرب لابن منظور.
ويدل عليه ما رواه الحاكم وغيره عن جابر رضي الله عنه: أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسف عليه السلام. . الحديث.
وأما الحكمة في التعبير بلفظ الكواكب خاصة فلم نقف عليها، ولعلها -والله أعلم- لخفتها وانسجامها مع السياق أو لغير ذلك.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 45928.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1427(2/2279)
ما الذي شيب النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض العلماء ذهبوا إلى تفسير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (شيبتني هود وأخواتها.....) بأنه قصد الرسول فقط بآية واحدة في سورة هود وليس كل آيات السور.
فهل هذا صحيح؟ وأسأل الله العلي العظيم أن تنيروني في هذه المسألة.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: شيبتني هود وأخواتها. رواه الطبراني وعند الترمذي: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت. اهـ.
والسبب في ذلك هو ما ورد في سورة هود والسور المذكورة معها من أخبار الساعة وأهوالها إضافة إلى العذاب الذي صب على الأمم الماضية المكذبة للرسل.
قال المناوي في فيض القدير: شيبتني هود أي سورة هود، وأخواتها أي وما أشبهها مما فيه من أهوال القيامة وشدائدها وأحوال الأنبياء وما جرى لهم. اهـ.
وقال في موضع آخر: أي وما أشبهها منه مما اشتمل على الوعيد الهائل والهول الطائل الذي يفطر الأكباد ويذيب الأجساد. قال تعالى: يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً {المزمل: 17}
وقال في موضع آخر: يعني أن اهتمامي بما فيها من أحوال يوم القيامة والحوادث النازلة بالأمم الماضية أخذ مني مأخذه حتى شبت قبل أوان الشيب. اهـ.
وقيل إن الذي شيب النبي صلى الله عليه وسلم من سورة هود هو قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ. ذكر ذلك القرطبي في تفسيره. وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه.
وروى عن ابن علي السري أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله: روي عنك أنك قلت: شيبتني هود؟ قال: نعم، فقلت له: ما الذي شيبك منها؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ فقال: لا، ولكن قوله: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ. انتهى من تفسير القرطبي.
ولا مانع من أن يكون ذلك كله هو الذي شيب النبي صلى الله عليه وسلم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1427(2/2280)
تفسير (ويل لكل همزة لمزة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندي استفسار في قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده) إلى آخر السورة الكريمة، وقوله تعالى (لأن شكرتم لأزيدنكم) ، فأرجو الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن كثير في التفسير: قال ابن عباس: همزة لمزة، طعان معياب. وقال الربيع بن أنس: الهمزة يهمزه في وجهه، واللمزة من خلفه. وقال قتادة: الهمزة واللمزة لسانه وعينه ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم. وقال مجاهد: الهمزة باليدين والعين، واللمزة باللسان. وهكذا قال ابن زيد ... وقوله تعالى: الذي جمع مالاً وعدده أي جمعه بعضه على بعض وأحصى عدده؛ كقوله تعالى: وجمع فأوعى. قاله السدي وابن جرير. وقال محمد بن كعب في قوله: جمع مالاً وعدده: ألهاه ماله بالنهار هذا إلى هذا، فإذا كان الليل نام كأنه جيفة منتنة. انتهى.
وقال ابن الجوزي في التفسير: وفي قوله (لئن شكرتم لأزيدنكم) ثلاثة أقوال: أحدها: لئن شكرتم نعمي لأزيدنكم من طاعتي قاله الحسن، والثاني: لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي قاله الربيع، والثالث: لئن وحدتموني لأزيدنكم خيراً في الدنيا قاله مقاتل. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1427(2/2281)
معنى (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالي في محكم آياته في سورة المنافقون {هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تَنْفِقُواْ عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُوا ... } إلى آخر الآيه، كيف قال المنافقون رسول الله وهم غير مؤمنين برسالته ولا به حتى؟؟؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنطق المنافقين بكلمة رسول الله وهم غير مؤمنين برسالته، ليس فيه ما يستغرب، لأنهم معلنون بتصديقهم له، ولكنهم يضمرون الكفر في باطن أمرهم. ويشهد لهذا ما ورد في أول السورة من قول الله تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ {المنافقون: 1} . فهم ينطقون بكلمة رسول الله تمويها على المسلمين لكيلا يبقوا منبوذين في مدينتهم التي دخل سائر أهلها في الإسلام.
وقد يوجد حل آخر لما استشكلته، وهو أن المنافقين لم ينطقوا بكلمة رسول الله، وإنما قالوا: لا تنفقوا على من عند محمد حتى ينفضوا، ولكن ناقل الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو زيد بن أرقم قد عبر بكلمة رسول الله بدل الكلمة التي نطق بها المنافقون. ويشهد لهذا ما ورد في تفسير القرطبي حيث قال: وابن أبي قال: لا تنفقوا على من عند محمد حتى ينفضوا.
وفي جامع الترمذي: بعد إيراد أول القصة: فقال عبد الله [يعني ابن أبي] إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمدا بالطعام فليأكل هو ومن معه، ثم قال لأصحابه: لئن رجعتم إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
وورد مثل هذا في معجم الطبراني والمستدرك وغيرهما.
ولكن التفسير الأول نراه أرجح لتواطؤ الروايات بلفظ رسول الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1427(2/2282)
معنى: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) فأين نصرة الله جل في علاه لإدريس الذي رفع وعيسى الذي على وشك أن يصلب وأنبياء آخرين بين قتيل ومطرود..??]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن نصر الله رسله حاصل في الجملة، وهذا السؤال الذي طرحته قد طرح من قبل، ورد عليه أهل العلم بما يشفي الغليل، ونورد إليك فيه ما أورده الطبري في تفسيره حيث قال: يقول القائل: وما معنى: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا، فقد علمنا أن منهم من قتله أعداؤه ومثلوا به كشعياء ويحيى بن زكريا وأشباههما. ومنهم من هم بقتله قومه فكان أحسن أحواله أن يخلص منهم حتى فارقهم ناجياً بنفسه كإبراهيم الذي هاجر إلى الشام من أرضه مفارقاً لقومه، وعيسى الذي رفع إلى السماء إذ أراد قومه قتله، فأين النصرة التي أخبرنا أنه ينصرها رسله والمؤمنين به في الحياة الدنيا، وهؤلاء أنبياؤه قد نالهم من قومهم ما قد علمت، وما نصروا على من نالهم بما نالهم به؟ قيل: إن لقوله: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا" وجهين كلاهما صحيح معناه.
أحدهما: أن يكون معناه: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا إما بإعلائنا لهم على من كذبنا وإظفارنا بهم، حتى يقهروهم غلبة ويذلوهم بالظفر ذلة، كالذي فعل من ذلك بداود وسليمان، فأعطاهما من الملك والسلطان ما قهرا به كل كافر، وكالذي فعل بمحمد صلى الله عليه وسلم بإظهاره على من كذبه من قومه. وإما بانتقامنا ممن حادهم وشاقهم بإهلاكهم وإنجاء الرسل ممن كذبهم وعاداهم، كالذي فعل تعالى ذكره بنوح وقومه، من تغريق قومه وإنجائه منهم، وكالذي فعل بموسى وفرعون وقومه، إذ أهلكهم غرقاً، ونجا موسى ومن آمن به من بني إسرائيل وغيرهم ونحو ذلك. أو بانتقامنا في الحياة الدنيا من مكذبيهم بعد وفاة رسولنا من بعد مهلكهم، كالذي فعلنا من نصرتنا شعياء بعد مهلكه، بتسليطنا على قتلته من سلطنا حتى انتصرنا بهم من قتلته، وكفعلنا بقتلة يحيى، من تسليطنا بختنصر عليهم حتى انتصرنا به من قتله له، وكانتصارنا لعيسى من مريدي قتله بالروم حتى أهلكناهم بهم، فهذا أحد وجهيه. وقد كان بعض أهل التأويل يوجه معنى ذلك إلى هذا الوجه.
والوجه الآخر: أن يكون هذا الكلام على وجه الخبر عن الجميع من الرسل والمؤمنين، والمراد واحد، فيكون تأويل الكلام حينئذ إنا لننصر رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، كما بينا فيما مضى أن العرب تخرج الخبر بلفظ الجميع، والمراد واحد إذا لم تنصب للخبر شخصاً بعينه.
وبهذا يتبين لك الرد على هذه الشبهة وعلى كل حال، فرسل الله والمؤمنون ينصرون والعاقبة لهم في الدنيا، وأما في الآخرة فالنصر مختص بهم، كما أن الخذلان مختص بأعدائهم، وما يحصل لبعض الأنبياء وأتباعهم في هذه الحياة الدنيا من قتل وتشريد هو من قضاء الله تعالى وقدره، وقد تحققت به حكم كثيرة منها رفع درجاتهم وابتلاء أتباعهم بذلك وتمحيصهم كما قال سبحانه وتعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ {آل عمران:-140-141} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(2/2283)
تفسير (اقرأ باسم ربك الذي خلق)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التفسير لأول آية نزلت في القرآن (اقرأ)
وهل قراءة الكتب الثقافية من ضمن المعنى الكلي لهذه الكلمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما تفسير أول آية نزلت من القرآن فنحيلك فيه إلى ما ورد في تفسير البيضاوي، حيث قال: (اقرأ باسم ربك) أي اقرأ القرآن مفتحاً باسمه سبحانه وتعالى، أو مستعيناً به. (الذي خلق) أي الذي له الخلق أو الذي خلق كل شيء. ثم أفرد ما هو أشرف وأظهر صنعاً وتدبيراً وأدل على وجوب العبادة المقصودة من القراءة فقال: (خلق الإنسان) أو الذي خلق الإنسان فأبهم أولاً ثم فسر تفخيماً لخلقه ودلالة على عجيب فطرته. (من علق) جمعه على الإنسان في معنى الجمع. ولما كان أول الواجبات معرفة الله سبحانه وتعالى نزل أولاً ما يدل على وجوده وفرط قدرته وكمال حكمته. (اقرأ) تكرير للمبالغة، أو الأول مطلق، والثاني للتبليغ أو في الصلاة، ولعله لما قيل له: (اقرأ باسم ربك) فقال: ما أنا بقارئ، فقيل له (اقرأ وربك الأكرم) الزائد في الكرم على كل كريم فإنه سبحانه وتعالى ينعم بلا عوض، ويحلم من غير تخوف، بل هو الكريم وحده على الحقيقة. (الذي علم بالقلم) أي الخط بالقلم، وقد قرئ به لتقيد به العلوم ويعلم به البعيد. (علم الإنسان ما لم يعلم) بخلق القوى ونصب الدلائل وإنزال الآيات فيعلمك القراءة وإن لم تكن قارئاً، وقد عدد سبحانه وتعالى مبدأ أمر الإنسان ومنتهاه إظهاراً لما أنعم عليه، من أن نقله من أخس المراتب إلى أعلاها تقريراً لربوبيته وتحقيقاً لأكرميته، وأشار أولاً إلى ما يدل على معرفته عقلاً ثم نبه على ما يدل عليها سمعاً.
وقد علمت مما ذكر أن قراءة الكتب الثقافية إذا لم تكن مشتملة على شيء من القرآن أو ما يجب اعتقاده في الله تعالى، فإنها لا تدخل ضمن المعنى الذي تأمر به الآية الكريمة على وجه الخصوص، لكن العلماء ذكروا أن هذه الآيات الكريمات التي هي أول ما نزل من القرآن فيها دلالة على فضل العلم والتعلم لأنها تضمنت أمرا مكررا بالقراءة وامتن الله فيها على الإنسان بالقلم وما علمه مما لا يعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1427(2/2284)
المقصود بشياطين الإنس والجن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود من كلمة شياطين في الآية الكريمة (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن الجوزي في تفسيره: وفي شياطين الإنس والجن ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم مردة الإنس والجن. قاله الحسن وقتادة، والثاني: أن شياطين الإنس الذين مع الإنس، وشياطين الجن الذين مع الجن. قاله عكرمة والسدي، والثالث: أن شياطين الإنس والجن كفارهم قاله مجاهد. اهـ.
وقال أبو جعفر الطبري في تفسيره عند الكلام على الاستعاذة: والشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء، وكذلك قال ربنا جل ثناؤه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ {الأنعام: 112} فجعل من الإنس شياطين، مثل الذي جعل من الجن، قال أبو جعفر: وإنما سمي المتمرد من كل شيء شيطانا لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعاله، وبعده من الخير. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1427(2/2285)
تفسير (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير (قد أفلح من زكاها) وفي أية سورة أجدها؟ وما تفسير (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) وأين أجدها؟
بارك الله بكم وجزاكم خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا {الشمس: 9} في سورة الشمس، وراجع في تفسيرها الفتوى رقم: 73631.
وأما قوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا {المائدة: 32} فإنه في سورة المائدة، وقد قال فيه البغوي في تفسيره: من قتل نفسا بغير نفس: أي بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص، أو فساد في الأرض: أو بغير فساد فيها كالشرك أو قطع الطريق، فكأنما قتل الناس جميعا من حيث أنه هتك حرمة الدماء وسن القتل، وجرأ الناس عليه، أو من حيث إن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استجلاب غضب الله سبحانه وتعالى والعذاب العظيم، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا: أي ومن تسبب لبقاء حياتها بعفو أو منع عن القتل أو استنقاذ من بعض أسباب الهلكة فكأنما فعل ذلك بالناس جميعا، والمقصود منه تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب، ترهيبا عن التعرض لها، وترغيبا في المحاماة عليها. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 2037.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1427(2/2286)
سر استعجال سليمان لإحضار عرش بلقيس بسرعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بِسم الله الرحمن الرحيم
( ... فقال أَحَطتُ بِما لم تُحِط بِهِ وجِئتُكَ مِن سَبَإِ بِنَبإ يَقينٍ * إني وَجَدتُ امرَأَةً تَملِكُهُم وأُتيت مِن كُل شَيء ولها عَرشٌ عَظيمٌ ... ) النمل 22-23
(قال يا أيُها الملأ أَيُكُم يَأَتيني بِعرشِها قَبل أَن يأَتوني مُسلِمين) النمل 38
( ... قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أتيكَ بِهِ قَبل أَن يرتدَّ إلَيكَ طَرفُكَ ... )
ل ما طلب سَيدُنا سُلَيمان علَيهِ السلام، تخَير الأسرع في إحضار العرش علما أن بِلقيس ملِكة سبأ ستأتي مِن اليمن وهو بالشام، وتستغرِق رِحلة المِلوك في الطريق لثِقَل أحمالِهِم شِهورا، فما العجلةِ إذن؟ هل سيظل العرش عِندهُ طوال فِترة الشِهور التي ستستغرِقُها ملِكة سبأ حتى تصل إلَيهِ؟ وما هي الحِكمة مِن ذلِك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير أن من حِكم استعجال سليمان عليه السلام لإحضار العرش بهذه السرعة، هو إظهار عظمة الله تعالى وقدرته، وما وهب له من الملك والنبوة، وما سخر له من الإمكانات مما لم يعطه أحدا قبله ولا بعده ... وليتخذ ذلك حجة له، فكلما كان الأمر أسرع كان ذلك أبهر للنفوس وأقهر لعقول المنكرين.
وقال بعضهم: كان طلبه بإحضار عرشها عندما كانت على بعد فرسخ منه، وعلى ذلك تكون الحكمة من طلب السرعة واضحة، فقد ذكر صاحب زاد المسير وصاحب روح المعاني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان سليمان مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يسأل عنه، فجلس يوما على سرير ملكه فرأى وهجا قريبا منه فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس قد نزلت بهذا المكان، وكان قدر فرسخ، وقد كان بلغه أنها احتاطت على عرشها قبل خروجها، فقال: أيكم يأتيني بعرشها...............
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1427(2/2287)
تفسير قوله تعالى (..واركعوا مع الراكعين)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ذكر الركوع بالأخص في الآية (واركعوا مع الراكعين) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الله تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ {البقرة:43} ، فيه أمر بأداء الصلاة في الجماعة، فالمقصود بالركوع هنا الصلاة كلها، لا خصوص الركوع الذي هو ركن من أركان الصلاة، وسبب تخصيص الركوع في الآية الكريمة -كما قال كثير من أهل العلم- هو أن الركوع كان أثقل عليهم من غيره، قال ابن العربي في أحكام القرآن: وخص الركوع لأنه كان أثقل عليهم من كل فعل، وقيل إنه الانحناء لغة وذلك يعم الركوع والسجود، وقد كان الركوع أثقل شيء على القوم في الجاهلية.
وأورد الجصاص في أحكام القرآن علة أخرى لتخصيص الركوع بالذكر، قال: لما كانت صلاة أهل الكتاب بغير ركوع، وكان في اللفظ احتمال رجوعه إلى تلك الصلاة بين أنه لم يرد الصلاة التي تعبد بها أهل الكتاب بل التي فيها الركوع ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(2/2288)
تفسير قوله تعالى (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن معنى قوله تعالى: وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم. معنى هذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى في سورة الأحزاب: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا {الأحزاب: 26 ـ 27} وهذه الآيات نزلت في يهود بني قريظة، فقد كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، عهد ولما جاء الأحزاب كفار قريش ومن معهم من مشركي العرب وحاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة، وأرادوا أن يقتحموا المدينة نقض يهود بني قريظة العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخانوا العهد وظاهروا الأحزاب، فلما هزم الله الأحزاب وحده ورجعوا خائبين خاسرين غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة وحاصرهم حتى استسلموا، وقتل مقاتليهم، وغنم النبي صلى الله عليه وسلم أرضهم وديارهم - مساكنهم - وأموالهم قال تعالى: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. أي جعلها لكم. ثم قال تعالى: وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا. أي وأورثكم أيضا أرضا أخرى لم تطؤوها بعد قيل هي مكة، وقيل خيبر، وقيل هي أرض فارس والروم. وقد أورث الله سبحانه وتعالى المسلمين كل تلك الأراضي وصارت دار إسلام بعد أن كانت دار كفر وشرك. ففتحوا خيبر وبلاد فارس وقبل فارس مكة، وفتحوا كثيرا من بلاد الروم.
وبإمكان الأخ السائل الرجوع إلى كتب التفسير عند هذه الآية ففيها زيادة بيان وإيضاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(2/2289)
تفسير قوله تعالى (.فإنها محرمة عليهم أربعين سنة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ثبتكم الله في إنارة المؤمنين وهدايتهم،أرجو إفادتي بمعنى الآية عدد25 من سورة المائدة وبمدى انطباقها على الحاضر الذي نعيشه من علو شأن لليهود.
يقول تعالى: قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله أمر بني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة فخافوا من العمالقة فعاقبهم الله بالتيه حتى هلك ذلك الجيل، ومعنى الآية كما قال الشوكاني: قال فإنها: أي الأرض المقدسة، محرمة عليهم: أي على هؤلاء العصاة بسبب امتناعهم من قتال الجبارين أربعين سنة ظرف للتحريم: أي أنه محرم عليهم دخولها هذه المدة، وقيل إن أربعين سنة ظرف لقوله: يتيهون في الأرض أي يتيهون هذا المقدار فيكون التحريم مطلقا، والموقت: هو التيه وهو في اللغة الحيرة يقال منه: تاه يتيه تيها أو توها إذا تحير، فالمعنى يتحيرون في الأرض قيل إن هذه الأرض التي تاهوا فيها كانت صغيرة نحو ستة فراسخ كانوا يمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا وكانوا سيارة مستمرين على ذلك لا قرار لهم. اهـ.
ولا نرى علاقة للآية بحال اليهود الآن فهم كانوا آنذاك عصاة عوقبوا بذنوبهم، وهم الآن عتاة متجبرون مستدرجون ابتلانا الله بهم، ولكنه يتعين على الأمة الاتعاظ بما عوقبت به بنو إسرائيل لأن الله فضلهم بالدين ومكن لهم وجعل فيهم الأنبياء وأخذ عليهم العهد بالتمسك بالدين وأخذه بقوة فلما فرطوا في جنب الله وأساءوا في التعامل مع الله ومع الأنبياء والآمرين بالقسط من الناس ضرب الله عليهم الذلة وجعل منهم القردة والخنازير، فعلى هذه الأمة التي جعلها الله خير أمة ورزقها وراثة النبوة أن تعلم أنها ما فضلت بسبب نسب ولا غيره، وأنها قد استخلفها الله بعد بني إسرائيل وجعلها تحت الرقابة، كما قال الله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {يونس: 14} فإن سلكت سبيل المنعم عليهم حقق الله لها وعده، وإن سلكت طريق المغضوب عليهم والضالين فيخاف عليها أن يعاقبها الله كما عاقبهم، قال ابن كثير في التفسير: وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم ومخالفتهم لله ولرسوله ونكولهم عن طاعتهما فيما أمراهم به من الجهاد فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم مع أن بين أظهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان، وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم، هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليم وهم ينظرون لتقر به أعينهم، وما بالعهد من قدم ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم، فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ولا يسترها الذيل، هذا وهم في جهلهم يعمهون وفي غيهم يترددون، وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه ويقولون مع ذلك: نحن أبناء الله وأحباؤه فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود، وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود ويقضي لهم فيها بتأييد الخلود وقد فعل وله الحمد في جميع الوجود. اهـ.
وقال أيضا في تعليق على صنيع اليهود المذكور في الآيات: وما أحسن ما أجاب به الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشارهم في قتال النفير الذين جاؤوا لمنع العير الذي كان مع أبي سفيان فلما فات اقتناص العير واقترب منهم النفير وهم في جمع ما بين التسعمائة إلى الألف في العدة، فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فأحسن، ثم تكلم من تكلم من الصحابة من المهاجرين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أشيروا عليَّ أيها المسلمون، وما يقول ذلك إلا ليستعلم ما عند الأنصار لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذ، فقال سعد بن معاذ كأنك تعرض بنا يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر ثم استشارهم فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إذا لا نقول له كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك. ورواه الإمام أحمد عن عبيدة بن حميد الطويل، عن أنس به، ورواه النسائي عن محمد بن المثنى، عن خالد بن الحارث عن حميد به، ورواه ابن حبان عن أبي يعلى عن عبد الأعلى بن حماد عن معمر بن سليمان عن حميد به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1427(2/2290)
الآية التي نوهت بالركعتين بعد المغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[آية كريمة في كتاب الله عز وجل تؤكد أهمية وفضل ركعتي سنة المغرب، فما هي هذه الآية الكريمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما يؤكد أهمية الركعتين بعد المغرب قول الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ {ق:40} ، قال ابن كثير: وأدبار السجود هما الركعتان بعد المغرب، وروي ذلك عن عمر وعلي وابنه الحسن، وابن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة رضي الله عنهم, وبه يقول مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي والحسن وقتادة وغيرهم. انتهى.
وقد ثبتت سنة المغرب البعدية عن النبي صلى الله عليه وسلم كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 26921 في بيان السنن المؤكدة ومنها سنة المغرب، وللفائدة أيضاً نحيلك للفتوى رقم: 8969 حول الركعتين قبل المغرب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1427(2/2291)
معنى (الصاحب بالجنب) وحقوقه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الصاحب بالجنب المذكور في الآية الكريمة، وما هو حقه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا {النساء:36}
قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما وابن أبي ليلى رحمه الله: الصاحب بالجنب: الزوجة.
وقيل: المراد به الصاحب في السفر، وقيل: رفيقك الذي يرافقك.
قال القرطبي رحمه الله تعالى: وقد تتناول الآية الجميع بالعموم. اهـ.
ولا شك أن المرء مطالب بالإحسان إلى هؤلاء، فقد قال الله تعالى في حق الزوجات: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء: 19} وفي حق الصاحب سواء كان صاحبا في السفر أو الحضر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني وقواه شعيب الأرناؤوط.
فالصاحب بالجنب سواء كان المراد به الزوجة أو الرفيق أمرنا بالإحسان إليه.
وأما حقوق الصاحب بالجنب فإن كان المراد به الزوجة فقد سبق أن بينا حقوق الزوجة في الفتاوى التالية أرقامها: 20999، 65518، 63866، 16478.
وأما إن كان المراد به الرفيق فإن له حقوقا كثيرة، منها الواجب ومنها المستحب، ومنها ما يشترك فيها مع عموم المسلمين، ومنها ما يختص هو بها بحكم المصاحبة كحفظ سره والقيام بحاجته وتحمل ظلمه وقبول عذره وستر عورته وترك معاتبته وعدم تتبع هفواته والقيام بنصحه وغير ذلك من الحقوق.
وقد عقد الإمام الغزالي في كتابه الإحياء بابا في حقوق الأخوة والصحبة وذكر فيه جملة من الحقوق يطول ذكرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(2/2292)
تفسير سورة العاديات وبيان الخيل المقصودة فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف خلق سيدنا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
أما بعد أود سؤالكم فضيلة الشيخ جزاكم الله عني وعن جميع السائلين خيرا عن تفسير سورة العاديات وعن الخيل المقصودة هل هي للمسلمين أو للكفار؟
أفيدوني جزاكم الله عني ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أقسم الله عز وجل بخيل الجهاد وعدوها وهي تقدح بحوافرها النار من الحجر عند العدو ووقت النزال في المعركة وهي تضبح وتحمحم وتثير الغبار تنويها بشأنها وتعظيما لقدرها.
قال ابن العربي: أقسم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال يس وَالقُرْآَنِ الحَكِيمِ، وأقسم بحياته فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، وأقسم بخيله وصهيلها وغبارها وقدح حوافرها النار من الحجر وإن كان ورود الآيات في مثل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته فإنه عام في خيل المسلمين المجاهدين عامة لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في الأصول.
ومعنى العاديات الخيل حين تعدو وتجري للغارة على العدو في سبيل الله والضبح هو صوتها وصهيلها " فَالمُورِيَاتِ قَدْحًا " هي التي توري النار من الحجر عند ما تقدحه بحوافرها فيتطاير منه الشرر، " فَالمُغِيرَاتِ صُبْحًا " هي التي تغير صباحا فتصبح العدو في ذلك الوقت، " فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا " أي أثر الغبار بحوافرها " فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا " أي دخلن وسط جمع العدو " إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ " هذا هو المقسم عليه والكنود الجحود أو هو الذي يذكر النقمة ولا يذكر النعمة " وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ " والإنسان يعلم ذلك ويشهد عليه بلسان حاله أو لسان مقاله " أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ " أي أخرج ما فيها من الأموات للحشر والحساب " وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ " أظهر ما فيها مما كانوا يسرون ويخفون في نفوسهم " إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ " أي عالم بما كانوا يصنعون ويعملون ومجازيهم على ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ولا يظلم ربك أحدا، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1427(2/2293)
تفسير قوله تعالى (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وسلم,,,
أما بعد:
ما معنى قوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى) سورة يونس؟
أفيدوني أثابكم الله,,,,,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الآية الكريمة هو أن الله تعالى هو الأحق بالعبادة، ونبيه صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يهدي الناس هداية دلالة وإرشاد إلى الخير، والله يهديهم هداية توفيق وقبول، بخلاف الأصنام المصنوعة من الخشب والحجارة ونحو ذلك فإنها لا تهدي غيرها ولا تدله على شيء، بل هي محتاجة إلى غيرها في صنعها وحملها، وقد بين المفسرون رحمهم الله معنى الآية المذكورة بنحو ما ذكرنا، ومنهم العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى، فقد قال في معناها: شركاءكم لا تقدر على هداية ضال وإنما يهدي الحيارى والضلال ويقلب القلوب من الغي إلى الرشد الله الذي لا إله إلا هو، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى، أي أفيتبع العبد الذي يهدي إلى الحق ويبصر بعد العمى أم الذي لا يهدي إلى شيء إلا أن يهدى لعماه وبكمه، كما قال تعالى إخبارا عن إبراهيم أنه قال: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا، وقال لقومه: قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ، إلى غير ذلك من الآيات. وقوله فما لكم كيف تحكمون أي فما بالكم أن يذهب بعقولكم كيف سويتم بين الله وبين خلقه وعدلتم هذا بهذا وعبدتم هذا وهذا، وهلا أفردتم الرب جل جلاله المالك الحاكم الهادي من الضلالة بالعبادة وحده وأخلصتم إليه الدعوة والإنابة اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1427(2/2294)
تفسير قوله تعالى (..ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وسلم,,,
أما بعد:
في سورة (طه) الآية 8 (ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم)
ما معنى هذه الآية؟
أفيدوني أثابكم الله,,,,,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه ليس في سورة طه بل هو جزء من الآية السادسة من سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث يقول تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام مخاطبا قومه بنى إسرائيل:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ {إبراهيم:6 وجاء هذا السياق أيضا في الآية رقم: 49 من سورة البقرة.
قال الإمام الطبري مفسرا لهذه الآية:
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر، يا محمد، إذ قال موسى بن عمران لقومه من بني إسرائيل: اذكروا نعمة الله عليكم، التي أنعم بها عليكم، إذ أنجاكم من آل فرعون، يقول: حين أنجاكم من أهل دين فرعون وطاعته، يسومونكم سوء العذاب، أي يذيقونكم شديد العذاب، ويذبحون أبناءكم، مع إذاقتهم إياكم شديد العذاب يذبحون أبناءكم.
وأدخلت الواو في هذا الموضع، لأنه أريد بقوله: ويذبحون أبناءكم، الخبر عن أن آل فرعون كانوا يعذبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح. وأما في موضع آخر من القرآن، فإنه جاء بغير الواو: (يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنائكم) ، في موضع، وفي موضع (يقتلون أبنائكم) ، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لأنه أريد بقوله: يذبحون، وبقوله: يقتلون، تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم. وكذلك العمل في كل جملة أريد تفصيلها، فبغير الواو تفصيلها، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فبالواو.
إلى أن قال:
وقوله: ويستحيون نساءكم، يقول: ويبقون نسائكم فيتركون قتلهن، وذلك استحياؤهم كان إياهن، انتهى
وقال القرطبي في تفسيره:
والمراد بقوله تعالى: ويستحيون نساءكم يتركونهن أحياء ليستخدموهن ويمتهنوهن، وإنما أمر بذبح الأبناء واستحياء البنات لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده، وعبر عن البنات باسم النساء لأنه جنس يصدق على البنات. وقالت طائفة: إنه أمر بذبح الرجال واستدلوا بقوله: نساءكم والأول أصح بشهادة السبب، ولا يخفى ما في قتل الأبناء واستحياء البنات للخدمة ونحوها من إنزال الذل بهم وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1427(2/2295)
تفسير قوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن الآية التي تقول " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة" في أي سورة؟ وأسأل أيضاً عن المعنى وكيف يتسنى لأحد أن يؤذي الله وهو مالك الملك ذو الجلال والإكرام؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا {الأحزاب:57} في سورة الأحزاب.
وأذى الله تعالى يكون بسبه أو سب ما يقدره, أو عداء أوليائه أو بالإلحاد في أسمائه وصفاته, أو بمعصيته وقد ورد في الحديث القدسي: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر, وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار. رواه البخاري وأبو دود وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الخطابي: معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر, فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها, وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور.
وقد قال البغوي في تفسير الآية: قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا. قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى والمشركون. فأما اليهود فقالوا: عزير ابن الله، ويد الله مغلولة، وقالوا: إن الله فقير، وأما النصارى فقالوا: المسيح ابن الله، وثالث ثلاثة، وأما المشركون فقالوا الملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه.
وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله سبحانه وتعالى: شتمني عبدي يقول اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد.
وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر, وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار.
وقيل معنى يؤذون الله يلحدون في أسمائه وصفاته.
وقال عكرمة: هم أصحاب التصاوير.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا ابن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة سمع أبا هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة.
وقال بعضهم: يؤذون الله أي يؤذون أولياء الله، كقوله تعالى واسأل القرية أي واسأل أهل القرية.
وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب. وقال: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة.
ومعنى الأذى: هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب معاصيه, ذكره على ما يتعارفه الناس بينهم، والله عز وجل منزه عن أن يلحقه أذى من أحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1427(2/2296)
تفسير قوله تعالى (من المؤمنين رجال..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وسلم,,,
قال الله تعالى (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) ما تفسير هذه الآية؟
أفيدوني أثابكم الله,,,,,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام ابن كثير مفسرا لهذه الآية:
لما ذكر عز وجل عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه لا يولون الأدبار، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه قال بعضهم: أجله. وقال البخاري: عهده وهو يرجع إلى الأول, ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا أي وما غيروا عهد الله ولا نقضوه ولا بدلوه.
إلى أن قال:
وقال البخاري أيضاً: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثني أبي عن ثمامة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله الآية، انفرد به البخاري من هذا الوجه، ولكن له شواهد من طرق أخر. قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: قال أنس: عمي أنس بن النضر رضي الله عنه سميت به لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فشق عليه، وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبت عنه، لئن أراني الله تعالى مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله عز وجل ما أصنع. قال فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال له أنس رضي الله عنه: يا أبا عمرو أين واهاً لريح الجنة إني أجده دون أحد قال: فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه، قال: فوجد في جسده بضع وثمانين بين ضربة وطعنة ورمية، فقالت أخته عمتي الربيع ابنة النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه، قال: فنزلت هذه الآية: مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا قال: فكانوا يرون أنها نزلت فيه، وفي أصحابه رضي الله عنهم. ورواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة به. ورواه النسائي أيضاً وابن جرير من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه به نحوه. انتهى.
وفي التحرير والتنوير لابن عاشور:
مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا {الأحزاب:23} أعقب الثناء على جميع المؤمنين الخلص على ثباتهم ويقينهم واستعدادهم للقاء العدو الكثير يومئذ وعزمهم على بذل أنفسهم ولم يقدر لهم لقاؤه كما يأتي في قوله وكفى الله المؤمنين القتال بالثناء على فريق منهم كانوا وفوا بما عاهدوا الله عليه وفاء بالعمل والنية، ليحصل بالثناء عليهم بذلك ثناء على إخوانهم الذين لم يتمكنوا من لقاء العدو يومئذ ليعلم أن صدق أولئك يؤذن بصدق هؤلاء لأن المؤمنين يد واحدة.
إلى أن قال:
وأيا ما كان وقت نزول الآية فإن المراد منها: رجال من المؤمنين ثبتوا في وجه العدو يوم أحد وهم: عثمان بن عفان، وأنس بن النضر، وطلحة بن عبيد الله، وحمزة، وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير. فأما أنس بن النضر وحمزة ومصعب بن عمير فقد استشهدوا يوم أحد، وأما طلحة فقد قطعت يده يومئذ وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما بقيتهم فقد قاتلوا ونجوا. وسياق الآية وموقعها يقتضيان أنها نزلت بعد وقعة الخندق. وذكر القرطبي رواية البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف ودعا له ثم تلا من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه الآية.
ومعنى صدقوا ما عاهدوا الله عليه أنهم حققوا ما عاهدوا عليه فإن العهد وعد وهو إخبار بأنه يفعل شيئا في المستقبل فإذا فعله فقد صدق. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1427(2/2297)
تفسير قوله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى في سورة الشعراء: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الطبري عند تفسيره لتلك الآية: ... وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال فيه ما قال الله جل ثناؤه: إن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ومردة الشياطين وعصاة الجن وذلك أن الله عم بقوله (والشعراء يتبعهم الغاوون) فلم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض، فذلك على جميع أصناف الغواة التي دخلت في عموم الآية، قوله (ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) يقول تعالى ذكره: ألم تر يا محمد أنهم يعني الشعراء في كل واد يذهبون كالهائم على وجهه على غير قصد بل جائرا عن الحق وطريق الرشاد وقصد السبيل، وإنما هذا مثل ضربه الله لهم في افتننانهم في الوجوه التي يفتنون فيها بغير حق فيمدحون بالباطل قوماً ويهجون آخرين كذلك بالكذب والزور.
وأخرج ابن كثير بسنده في قوله تعالى: (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أكثر قولهم يكذبون فيه، قال ابن كثير: وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنه هو الواقع في نفس الأمر، فإن الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم فيتكثرون بما ليس لهم. فهذا هو معنى تلك الآية. وللفائدة انظري الفتوى رقم: 3510، والفتوى رقم: 17045.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1427(2/2298)
تفسير سورتي المعوذتين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير المعوذتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سورتا المعوذتين من أفضل سور القرآن الكريم، فقد روى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. وفي رواية لغيره: تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما، وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة. وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين ... الحديث. قال أهل التفسير: في السورتين تعليم للعباد أن يلتجئوا إلى الله تعالى ويحتموا به ويستعيذوا بجلاله وعظيم سلطانه من شر مخلوقاته. ففي سورة الفلق يأمر الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله رب الفلق وهو ما انفلق من كل شيء عن أي شيء كما قال تعالى: فَالِقُ الْإِصْبَاحِ {الأنعام:96} وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى {الأنعام:95} ، من شر كل ذي شر من مخلوقاته، ومن شرالليل إذا أظلم لما يصيب النفوس فيه من الوحشة ولما ينتشر فيه من الأشرار والفجار، ومن شر كل ساحر ينفث سحره في عقده ليضر به غيره، ومن كل شر حاسد يتمنى زوال النعمة عن غيره فيصيبه بعينه الحاسدة ونفسه الخبيثة، والسورة تثبت حقيقة العين والحسد والسحر وضررها.
وفي سورة الناس يأمر بالالتجاء والاحتماء والاستجارة بالله تعالى رب الأرباب ومالك الملك وخالق الناس من شر أعدى الأعداء إبليس العدو الأول للإنسان، والذي يخنس ويختفي عند ذكر الله تعالى، ويوسوس في صدر العبد إذا غفل عن ذكرربه، ومن شر أعوانه وأتباعه من شياطين الإنس والجن الذين يزينون للناس الشر ويقبحون لهم الخير ويغوونهم بأنواع الإغواء والضلال.
هذا باختصار مجمل ما تضمنته السورتان كما جاء في أمهات التفسير، وانظر الفتوى رقم: 48316
وبإمكانك أن تطلع على المزيد في تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير وروح المعاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1427(2/2299)
تفسير قوله تعالى (..فارجعوا هو أزكى لكم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله عنا وعن الإسلام خيرا على مساعدتكم لنا في التفقه في الدين.
أريد أن أعرف ما هو نوع التزكية في قوله تعالى: وإذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا.... سورة النور- الآية (28)
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الشوكاني رحمه الله تعالى في فتح القدير: (هو أزكى لكم) أي أفضل (وأطهر) من التدنس بالمشاحة على الدخول لما في ذلك من سلامة الصدر والبعد من الريبة والفرار من الدناءة.
وقال البيضاوي في تفسيره: الرجوع أطهر لكم عما لا يخلو الإلحاح والوقوف على الباب عنه من الكراهة وترك المروءة أو أنفع لدينكم ودنياكم. وكذا قال أبو السعود، فالمقصود بالتزكية إذن الطهارة من دنس الإلحاح والمشاحة في الدخول والإصرار عليه لما يولده في نفس المدخول عليه من الحرج والضيق بعد ما طلب الرجوع وعدم الدخول، فترك الانتظار والانصراف أفضل وأطهر لما فيه من سلامة الصدور والبعد عن الريبة أو أنفع وأنمى خيرا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1427(2/2300)
تفسير قوله تعالى (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[شرح الآية: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا.....إلى قوله تعالى: لهم عذاب أليم. ماذا يعني عهدهم وأيمانهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فقد قال الطبري رحمه الله تعالى عند ذكره لتلك الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {آل عمران:77} قال أبوجعفر يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين يستبدلون - بتركهم عهد الله الذي عهد إليهم ووصيته التي أوصاهم بها في الكتب التي أنزلها الله إلى أنبيائه باتباع محمد وتصديقه والإقرار به وما جاء به عند الله - وبأيمانهم الكاذبة التي يستحلون بها ما حرم الله عليهم من أموال الناس التي ائتمنوا عليها {ثمنا} يعني: عوضا وبدلا خسيسا من عرض الدنيا وحطامها {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} يقول: فإن الذين يفعلون ذلك لا حظ لهم في خيرات الآخرة ولا نصيب لهم من نعيم الجنة وما أعد الله لأهلها فيها دون غيرهم.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى مثل ذلك وفسرها بقوله: إن الذين يعتاضون عما عاهدوا الله عليه من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وذكر صفته للناس وبيان أمره وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} أي لا نصيب لهم فيها ولا حظ لهم منها"
إذن فالعهد هو ما عهده الله إلى أهل الكتاب في كتبهم من بيان صفة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه فجحدوا ذلك، والأيمان هي ما يحلفونه من أيمان كاذبة يقتطعون بها أموال الناس زورا وبهتانا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1427(2/2301)
تفسير قوله تعالى (..أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن..)
[السُّؤَالُ]
ـ[في آية عدم إبداء الزينة في سورة النور.. ما معنى (أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن) فهل تشمل (نسائهن) النساء المؤمنات فقط دون المشركات؟؟ والحرائر مع الإماء - سواء مسلمات أو مشركات-؟ وهل تشمل (ما ملكت أيمانهن) الإماء والعبيد الذكور بحيث لهم نفس الحكم في إبداء الزينة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أكثر أهل العلم من الفقهاء والمفسرين يفسرون الآية الكريمة ((أو نسائهن)) بأن المراد بها نساء المسلمين دون غيرهن من نساء اليهود والنصارى وغيرهم، قال الطبري في تفسيره: قيل: عني بذلك نساء المسلمين. وقال القرطبي: أو نسائهن يعني المسلمات ويدخل في هذا الإماء المؤمنات ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم. وقال ابن كثير: أو نسائهن يعني تظهر بزينتها أيضا للنساء المسلمات دون نساء أهل الذمة لئلا تصفهن لرجالهن، وذلك وإن كان محذورا في جميع النساء إلا أنه في نساء أهل الذمة أشد فإنهن لا يمنعهن من ذلك مانع، وأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه. وقال بعضهم هن النساء جميعا، قال ابن العربي في أحكام القرآن: أو نسائهن فيه قولان: أحدهما أنه جميع النساء، والثاني: أنه نساء المؤمنين، ثم قال: والصحيح عندي أن ذلك جائز لجميع النساء، وإنما جاء بالضمير للإتباع فإنها آية الضمائر إذ فيها خمسة وعشرون ضميرا لم يروا في القرآن لها نظيرا، فجاء الضمير فيها للاتباع. وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: والإضافة في قوله ((أو نسائهن)) إلى ضمير المؤمنات إن حملت على ظاهر الإضافة كانت دالة على أنهن النساء اللاتي لهن بهن مزيد اختصاص، فقيل المراد نساء أمتهن أي المؤمنات، مثل الإضافة في قوله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ أي من رجال دينكم، ويجوز أن يكون المراد أو النساء وإنما أضافهن إلى ضمير النسوة إتباعا لبقية المعدود، فتكون الإضافة لغير داع معنوي بل لداع لفظي تقتضية الفصاحة مثل الضميرين المضاف إليهما في قوله تعالى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، أي ألهمهما الفجور والتقوى، فإضافتهما إلى الضمير إتباع للضمائر التي من أول سورة (والشمس وضحاها) ثم قال: ومن هذين الاحتمالين اختلف الفقهاء في جواز نظر النساء المشركات والكتابيات إلى ما يجوز للمرأة المسلمة إظهاره للأجنبية من جسدها.
وجمهورهم على منع إظهار الزينة لغير المسلمة، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 58234، 50794، 7254، وبإمكانك أن تطلع عليها للمزيد من الفائدة.
وعلى ذلك فالضمير في قوله تعالى: أو نسائهن. عائد على نساء المؤمنين المختصات بصحبتهن ومخالطتهن وخدمتهن، والآية شاملة للنساء المؤمنات سواء كن حرائر أو إماء.
وأما الإماء المشركات فقد جاء فيهن: أو ما ملكت أيمانهن. ولو كن كوافر، قال القرطبي: لا يحل لامرأة مسلمة أن تكشف شيئا من بدنها بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون أمة لها فذلك قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانهن.
وأما العبيد الذكور فهم كالأجانب على ما ذهب إليه أكثر أهل العلم، ورخص بعضهم في نظر الغلام (العبد) الوغد إلى شعر سيدته وكره ذلك بعضهم.
وخلاصة ما ذكرنا من مذهب الجمهور أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تبدي زينتها لغير المسلمة إلا أن تكون أمة لها، كما لا يجوز لها أن تبدي زينتها لعبدها غير المحرم لها ولو كان مسلما.
كما ننبه أن الآية الكريمة المذكورة من أمهات آيات الأحكام التي تحتوي على أبحاث طويلة وآراء متشعبة لأهل العلم لا يتسع المقام لذكرها، ويمكنك أن تعود إليها في كتب التفسير وخاصة أحكام القرآن لابن العربي، وأحكام القرآن للجصاص، وتفسير القرطبي، وتفسير ابن عاشور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1427(2/2302)
تفسير قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء..) وهل نسخت القنوت
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بأن الآية القرآنية: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون ناسخة للقنوت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بعد الركوع في الركعة الأخيرة من الصبح واحتج بحديث ابن عمرأنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجربعد رفع رأسه من الركوع فقال ربنا ولك الحمد في الآخرة ثم قال اللهم العن فلانا وفلانا فأنزل الله: ليس لك من الأمر شيء, وسمعت أيضا بأن الدعاء اللهم عليك بأبي جهل بن هشام الى آخره منسوخ, فهل صحيح أن هذا الدعاء والدعاء الذى قبله منسوخ, وما سبب نزول ليس لك من الأمر شيء إلى آخره؟
جزاكم الله خير الجزاء
أخوكم
محمد حسين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام محمد بن جرير الطبري عند تفسيره لتلك الآية: وتأويل قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، ليس إليك يا محمد من أمر خلقي إلا أن تنفذ فيهم أمري وتنتهي فيهم إلى طاعتي وإنما أمرهم إلي والقضاء فيهم بيدي دون غيري أقضي فيهم وأحكم بالذي أشاء من التوبة على من كفر بي وعصاني وخالف أمري أو العذاب إما في عاجل الدنيا بالقتل والنقم المبيرة وإما في أجل الآخرة بما أعددت لأهل الكفر بي كما حدثني ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم أو أتوب عليهم برحمتي فإن شئت فعلت أو أعذبهم بذنوبهم {فإنهم ظالمون} أي قد استحقوا ذلك بمعصيتهم إياي وذكر أن الله عزوجل إنما أنزل هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لما أصابه بأحد ما أصابه من المشركين قال كالآيس لهم من الهدى أو من الإنابة إلى الحق كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم، حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا حميد قال قال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته وشج فجعل يمسح عن وجهه الدم ويقول كيف يفلح قوم خضبوا نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ وساق الطبري جملة من الآثار بسنده تعاضد كونها نزلت إثر أحد ثم قال: وقال آخرون بل نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه دعا على قوم فأنزل الله عزوجل ليس لك من الأمر شيء. وأما القول بأنها ناسخة للقنوت فقد أجاب عنه القرطبي في تفسيره فقال: زعم بعض الكوفيين أن هذه الآية ناسخة للقنوت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بعد الركوع في الركعة الأخيرة من الصبح واحتج بحديث ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عيله وسلم يقول في صلاة الفجر بعد رفع رأسه من الركوع فقال اللهم ربنا ولك الحمد في الآخرة - ثم قال اللهم العن فلانا فلانا فأنزل الله عزوجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ الآية أخرجه البخاري وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أتم منه وليس هذا موضع نسخ وإنما نبه الله تعالى نبيه على أن الأمر ليس إليه وأنه لا يعلم من الغيب شيئا إلا ما أعلمه وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء والتقدير ليس لك من الأمر شيء ولله ما في السماوات وما في الأرض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء فلا نسخ والله أعلم.
وخلاصة القول أن حكم القنوت باق وتفصيل ذلك في الفتويين: 22151 / 53613 سواء قلنا بأن تلك الآية نزلت إثر أحد أو نزلت في قنوته صلى الله عليه وسلم ودعائه على نفر من قريش فهي غير ناسخة كما قال القرطبي وغيره، وللاستزادة انظر تفسير القرطبي عند تلك الآية وغيره من المفسرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1427(2/2303)
تفسير الآيتين الكريمتين 234-235 من سورة البقرة
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء تفسير الآيتين الكريمتين 234-235 من سورة البقرة؟
وهل يجوز للشاب التحدث مع الفتاة التي يريد خطبتها دون وجود محرم ولكن في مكان عام؟
وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية الأولى من الآيتين المطلوب تفسيرهما هي قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا {البقرة: 234} قال أهل التفسير (والذين يتوفون منكم) أي يموتون (ويذرون أزواجا) أي يتركون أزواجا (يتربصن) ينتظرن (بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) أي يعتددن عدة الوفاة على فراق أزواجهن بترك الزينة والطيب المدة المذكورة، إلا إذا كن حوامل فتكون عدتهن وضع حملهن كما قال تعالى: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ {الطلاق: 4} وكانت عدة الوفاة قبل نزول هذه الآية سنة كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ {البقرة: 240} فنسخت بهذه الآية، (فإذا بلغن أجلهن) انقضت مدة عدتهن (فلا جناح عليكم) أي لا حرج عليكم (فيما فعلن في أنفسهن) من اختيار الأزواج لأنفسهن دون العقد، فإن العقد أمره إلى الولي، وقيل (فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) من التزين للخطاب زينة لا ينكرها الشرع (والله بما تعملون خبير) لا يخفى عليه شيء من أمركم يعلم السر وأخفى.
وأما الآية الثانية فهي قوله تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ {البقرة: 235} أي المعتدات عدة الوفاة، والتعريض هو التلويح بالشيء وبالكلام بحيث يفهم السامع المراد من غير تصريح مثل أن يقول: إنك لصالحة ومثلك يُرغَب فيه، أو يهدي لها أو ما أشبه ذلك، ولا تجوز الخطبة في العدة مطلقا ولا يجوز التعريض بها؛ إلا في عدة الوفاة، أو ممن حرمت على زوجها ولا يمكن له الرجوع إليها، (أو أكننتم في أنفسكم) أي لا حرج عليكم فيما أخفيتم وأسررتم في قلوبكم، (علم الله أنكم ستذكرونهن) بقلوبكم (ولكن لا تواعدوهن سرا) أي لا تأخذوا منهن عهدا وميثاقا سرا ألا ينكحن غيركم، وقيل غير ذلك (إلا أن تقولوا قولا معروفا) وهو ما ذكر من التعريض بالخطبة (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) أي لا تحققوا العزم على عقد النكاح حتى تنقضي العدة (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) أي خافوا غضبه وعقابه (واعلموا أن الله غفور حليم) لا يعجل بالعقوبة.
والآيتان الكريمتان من أهم آيات الأحكام الواردة في تنظيم الأحوال الشخصية، وفيهما أبحاث مطولة يرجع إليها في كتب التفسير وفي كتب آيات الأحكام بصفة خاصة، ونلاحظ أن في ختام كلا الآيتين تعقيبا مناسبا لما ورد فيهما من الأحكام؛ كما هو شأن القرآن الكريم عندما يأمر بأمر أو ينهى عنه أو يبين حكما فيأتي التعقيب على ذلك باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته تناسب المقام أو التنبيه على مراقبته تعالى وترغيب المسلم في امتثال أوامره أو ترهيبه من تعدي حدوده ليكون ضمير المسلم حارسا لهذه الأحكام من تلقاء نفسه دون التفات إلى حاكم، وبذلك تختلف الأحكام الشرعية والأوامر الربانية عن غيرها من قوانين البشر التي لا بد للبشر أن يحرسوها بأنفسهم، فإذا غاب الراعي عن أعينهم نبذوا تلك التعليمات والأحكام وداسوا عليها الأقدام. ملخصا من مجموعة من كتب التفسير.
أما الشق الثاني من السؤال فيراجع الجواب عليه في الفتاوى التالية: 49846، 21243، 9786.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1427(2/2304)
تفسير قوله تعالى (وألفيا سيدها لدى الباب)
[السُّؤَالُ]
ـ[ (وألفيا سيدها لدى الباب) ماذا تعني كلمة سيدها هنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسيد هنا المقصود به زوجها، قال القرطبي في تفسيره، قوله تعالى: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ أي وجدا العزيز عند الباب، وعني بالسيد الزوج والقبط يسمون الزوج سيدا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1427(2/2305)
سر تقديم الإناث على الذكور ومغزى تنكيرهن في (الشورى)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة في تنكير الإناث وتعريف الذكور في الآية الكريمة القائلة (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) ثم ما مغزى الترتيب الإناث ثم الذكور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أسبابا لتنكير الإناث في الآية الكريمة منها أن التنكير هو الأصل في أسماء الأجناس، ولا يعرف اسم الجنس إلا لمقصد, ولذلك عرف الذكور في الآية؛ لأنهم الجنس المقصود للمخاطبين وعقدوا عليه مناهم. وقيل للتنبيه على قوامتهم وشرفهم لذلك ميزوا بالتعريف، وقيل غير ذلك.
وأما تقديم الإناث في الآية الكريمة فقد ذكروا له حكما منها: أنه توصية بهن والاهتمام برعايتهن لضعفهن, ومنها: إلغاء الأفكار التي كانت سائدة عندهم عن البنات في الجاهلية، ولذلك جاءت السنة بالوصية بهن, وقيل: قدمن في الذكر لأنهن أكثر لتكثير النسل, وقيل: إشارة إلى ما تقدم في ولادتهن من اليُمْن كما في الأثر عن قتادة قال: من يمن المرأة تبكيرها بأنثى، وقيل: قدمت الإناث وأخر الذكور معرفا محافظة على نظم الكلام وفواصله, وقيل غير ذلك.. تجد هذه الأقوال وغيرها في كتب التفسير.
وقال الألوسي في روح المعاني: لما ذكر تعالى إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها, أتبع ذلك سبحانه وتعالى أن له الملك المطلق, وأنه يقسم النعمة والبلاء كما شاء بحكمته, لا كما شاء الإنسان بهواه, وفيه إشارة إلى أن إذاقة الرحمة ليست للفرح والبطر, بل لشكر موليها, وإصابة المحنة ليست للكفران والجزع بل للرجوع إلى مبليها. فلم يبق إلا التسليم والشغل بتعظيم المنعم المبلي.
وناسب البيان أن يدل من أول الأمر أنه تعالى يفعل لمحض إرادته ومشيئته لا مدخل لمشيئة العبد, فلذا قدمت الإناث في الذكر وأخرت الذكور، كأنه قيل: يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء من الأناث ما لا يهواه, ويهب لمن يشاء منهم ما يهواه, فقد كانت العرب تعد الإناث بلاء. ولو قدم المؤخر لاختل النظم، وليس التقديم لمجرد رعاية مناسبة القرب من البلاء ليعارض بأن الآية السابقة ذكرت الرحمة أولا فناسب ذلك تقديم الذكور، وفي تعريف الذكور ما فيه من التنبيه على أنه الحاضر في قلوبهم أول خاطر، وأنه الذي عقدوا عليه مناهم.. ولما قضي الوطر من هذا الأسلوب قيل: أو يزوجهم ذكرانا وإناثا.. والمراد يهب لمن يشاء ما لا يهواه، ويهب لمن يشاء ما يهواه، أو يهب الأمرين معا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1427(2/2306)
إعراب قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[في الآية الكريمة من أواخر سورة المائدة ـ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم.. الآية. أرجو إعراب هذه الأية وبالأخص كلمة أنفسكم؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية الكريمة يمكن إعرابها حسب الآتي:
(يا) حرف نداء وضع للبعيد أصلا، وقد ينادى به القريب للاعتناء به ولأهميته أو لعظمه أو تنزيله منزلة البعيد، وهو هنا للاعتناء.
و (أي) وصلة إلى نداء المعرف باللام، أعطي حكم المنادى، والتزام رفعه إشعارا بأنه المقصود، واقحمت هاء التنبيه بينهما للتأكيد، قال ابن مالك في الخلاصة:
وأيها مصحوب أل بعد صفة ... يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة
وأما (عليكم) فهي اسم فعل أمر بمعنى الزموا مركب من الجار والمجرور، ولكثرة استعماله عومل معاملة فعل الأمر فنصب الاسم بعده على المفعولية، قال ابن مالك في الخلاصة:
والفعل من أسمائه عليكا ... وهكذا دونك مع إليكا
والمعنى الزموا أنفسكم واحفظوها واحرصوا على ما يصلحها، والمقام يبين المحروص عليه وهو ملازمة الاهتداء بقرينة قوله: (إذا اهتديتم) وهو يتضمن معنى الشرط ليشمل جميع ما أمرهم الله تعالى به، فلو قصروا في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لضرهم من ضل؛ لأن إثم ضلاله محمول عليهم، ولذلك روى أصحاب السنن أن أبا بكر بلغه أن بعض الناس تأول هذه الآية بسقوط فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ {المائدة: 105} وإنكم تضعونها في غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1427(2/2307)
تفسير قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا. مع تبيان من هم الأهل؟ والحمد لله، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا نداء من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين يحثهم فيه على وقاية أنفسهم وأهليهم من النار، وهو النداء الثاني في هذه السورة الكريمة سورة التحريم، وذلك بعد نداء النبي صلى الله عليه وسلم في بدايتها، ليتأسى المؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أهليهم ومن جعله الله تعالى تحت أيديهم، كما في قول الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا {طه:132} ، وفي قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء:214} .
وهذه النصوص وما أشبهها تدل على أن للأقرب فالأقرب مزية في لزوم تعليمهم وأمرهم بطاعة الله تعالى وتحذيرهم من معصيته ومخالفة أوامره، ويدل عليه ما في الصحيحين وغيرهما مرفوعاً: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
قال ابن عاشور في التحرير: كانت موعظة نساء النبي صلى الله عليه وسلم مناسبة لتنبيه المؤمنين لعدم الغفلة عن موعظة أنفسهم وأهليهم وألا يصدهم استبقاء الود بينهم عن إسداء النصح لهم وإن كان في ذلك بعض الأذى.
والوقاية هي ما يجعله الإنسان بينه وبين ما يخشاه أو يؤذيه، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: فاتقوا النار ولو بشق تمرة. ووقاية الإنسان نفسه من النار تكون بامتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه والتقرب إليه تعالى بما يحب، ووقاية أهله تكون بتعليمهم ونصحهم وتربيتهم وتوجيههم إلى الخير، وذكر القرطبي في تفسيره أن عمر لما نزلت هذه الآية قال: يا رسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلينا؟ قال: تنهونهم عما نهاكم الله, وتأمرونهم بما أمر الله.
والأهل هنا الأزواج والأولاد ومن تحت يد المسلم أو من له عليه ولاية، كما نقل القرطبي عن مقاتل قال: ذلك حق عليه في نفسه وأهله وعبيده وإمائه....
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427(2/2308)
تفسير قوله تعالى (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير آية {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} (الأنعام:165) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية الكريمة هي ختام سورة الأنعام، وقد قال عنها أهل التفسير: وهو الله الذي جعلكم تعمرون الأرض جيلاً بعد جيل وقرنا بعد قرن وخلفا بعد سلف ... ورفع بعضكم فوق بعض درجات. أي فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوئ والمناظر والأشكال والألوان ... وله الحكمة البالغة في ذلك كله، كما في قوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا. وكما في قوله تعالى: انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً. وقوله تعالى: لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم. معناه ليختبركم فيما أنعم به عليكم وامتحنكم به ليختبر الغني في غناه وشكره، والفقير في فقره وصبره ... وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم. انتهى ملخصاً من تفسير ابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1427(2/2309)
تفسير قوله تعالى (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت آية من كتاب الله أحزنتني كثيرا, وهي قوله سبحانه وتعالى: (لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل, أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) , هل معنى قوله تعالى أنه من أتى بعد عصر الصحابة لن ينال درجتهم في الجنة مهما اجتهد في الطاعة والعبادة؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس في الآية ما يدعو للحزن فقد ذكرت أن السابقين أعظم درجة ممن بعدهم وبشرت الكل بأنهم وعدوا بالحسنى, ومن المعلوم أن الصحابة نالوا فضيلة الصحبة. وقد ذكر ابن حجر أن فضيلة مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبته لا يعدلها شيء, ولكنه جاءت عدة بشائر للمتمسكين في أيام الفتن آخر الزمن. فالواجب الحرص على الطاعات واتباع الصحب بإحسان حتى ننال رضى الله كما نالوه. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 63743 / 57046 / 70032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1427(2/2310)
السر في استخدام "خالدين"و"خالدا" في آيتي النساء 13-14
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية 13-14 من سورة النساء، ما هو السر في استخدام خالدين في الأولى، وخالداً في الثانية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل الحكمة من ذلك ما أشار إليه أبو السعود في تفسيره حيث قال: وصيغة الجمع بالنظر إلى جمعية (من) بحسب المعنى، كما أن إفراد الضمير بالنظر إلى إفراده لفظاً. انتهى.
أي أن لفظ (خالدين) جاء في الآية الأولى بلفظ الجمع لأن المراد مِنْ (مَنْ) الجمع.
وأما (خالداً) جاء بلفظ الإفراد مراعاة للفظ (من) فهو لفظه مفرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(2/2311)
الحكمة في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة المشايخ ... أما بعد:
فقد قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ، وقال تعالى مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أنزلنا عليك الكتاب لتبين للناس ما نزل إليهم) ، فكان ظاهر الخطاب الأول أن كل مسائل الشرع موجودة في القرآن وظاهر الخطاب الثاني أن الحديث مفسر للقرآن فكيف خصص العلماء الحديث بالحكمة والقرآن بالعلم مع كون الحكمة هي صفوة العلم، وهل الوحي الذي كان ينزل بالسنة إلا تفسير الكتاب فيكون الكتاب هو العلم والحكمة والحديث هو الحكمة فما يرى سماحتكم في هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تفسير القرآن يعتمد فيه على النقل عن السلف والدلالة اللغوية ولا يعترض على تفسير السلف إلا بدليل من الوحي أو لسان العرب أو أمر واقعي يصح الاعتراض به، واعلم أنه قد فسر الحكمة بالسنة في قوله تعالى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {البقرة:129} ، كثير من المفسرين منهم ابن كثير والبيضاوي والشوكاني والبغوي وغيرهم، ويؤيد كلامهم ذكر الكتاب في الآية والمراد به القرآن, فالأولى تفسير الحكمة بالسنة من تفسيرها بالقرآن فيحصل التكرار.
وهناك أقوال أخرى في الحكمة ذكرها شيخ المفسرين الإمام الطبري بعد تصديره بتفسير الحكمة بالسنة فقال في تأويل قوله تعالى ويعلمهم الكتاب والحكمة: ثم اختلف أهل التأويل في معنى الحكمة التي ذكرها الله في هذا الموضع. فقال بعضهم: هي السنة.
ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: والحكمة، أي السنة.
وقال بعضهم: الحكمة، هل المعرفة بالدين والفقه فيه.
ذكر من قال ذلك: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قلت لمالك: ما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدين، والفقه في الدين، والاتباع له.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: والحكمة، قال: الحكمة الدين الذي لا يعرفونه إلا به صلى الله عليه وسلم، يعلمهم إياها. قال: والحكمة، العقل في الدين وقرأ: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. وقال لعيسى: ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، قال: وقرأ ابن زيد: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها. قال: لم ينتفع بالآيات، حيث لم تكن معها حكمة. قال: أو الحكمة، شيء يجعله الله في القلب، ينور له به.
قال أبو جعفر: والصواب من القول عندنا في الحكمة أنها العلم بأحكام الله التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعرفة بها، وما دل عليه ذلك من نظائره، وهو عندي مأخوذ من الحكم الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل، بمنزلة الجلسة والقعدة من الجلوس والقعود، يقال منه: إن فلاناً لحكيم بين الحكمة، يعني به: إنه لبين الإصابة في القول والفعل.
وإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك، ويعلمهم كتابك الذي تنزله عليهم، وفصل قضائك وأحكامك التي تعلمه إياها. انتهى المراد منه، وراجع في كون القرآن لم يفصل فيه بيان كل شيء وإنما فصلت الأحكام في السنة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3879، 26320، 38113، 71379.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(2/2312)
تفسير (وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله. البقرة 284؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال أهل التفسير أن المعنى: إن تظهروا ما في أنفسكم من السوء والعزم عليه أو تخفوا ذلك وتضمروه في أنفسكم (يحاسبكم به الله) أي يحتسبه من أعمالكم، فيجازي من شاء من المسيئين منكم بإساءته، ويغفر لمن شاء من المسيئين منكم بفضله ...
وهذه الآية منسوخة بقول الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286} ، فحديث النفس وما يعجز عنه الإنسان معفو عنه كما في هذه الآية، وكما في الحديث المتفق عليه: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. وللمزيد من التفصيل والفائدة عن هذا الموضوع نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 41232، والفتوى رقم: 63590 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1427(2/2313)
معنى (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: حول واقع الميت في القبر وشعوره بالزمن؟ - هل يتعرّف الميت على زائريه، وهل يرد عليهم السلام ويسمعهم؟ - هل يشعر بالزمن وبمرور الوقت بين زيارة وأخرى وماهي الأيام التي يستحسن فيها زيارة القبور؟ - وما هو تفسير ما ورد في قوله تعالى " (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) النازعات/ 46. دمتم في حفظ الله ونشكركم سلفا على ردكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الآية أن الموتى يوم يرون قيام الساعة كأنهم لم يلبثوا أي لم يمضوا في قبورهم إلا قدر عشية وهي آخر النهار أو ضحاها وهي أول النهار. والمراد تقليل مدة الدنيا؛ كما قال تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ {الأحقاف:35} كذا في تفسير الشوكاني.
وراجع في شأن الموتى الفتاوى التالية أرقامها: 24019 / 24738 / 58523 / 7410 / 11722 / 4276 / 10565.
وعلى المسلم أن يعد نفسه لحياة البرزخ ويهيئ أسباب السعادة والراحة حتى يقال له نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه, وتكون روحه تسرح في الجنة حيث شاءت، وتفرج له فرجة قبل الجنة ينظر إلى زهرتها وما فيها ويأتيه من روحها ونسيمها. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 16778 / 4314 / 31047 / 30742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1427(2/2314)
الضمير راجع للقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعود الهاء في إنا أنزلناه على (القرآن الكريم) في سورة القدر وكذلك في (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) ، علماً بأن القرآن لم ينزل مع إنذار وإن كانت لا تعود على القرآن أقصد الهاء فعلى أي شيء تعود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الضمير راجع للقرآن في السورتين، كما قال القرطبي في تفسيره، وأما: إنا كنا منذرين فهي جواب القسم كما قال ابن عطية، وقيل إنها جملة مستأنفة مقررة للإنزل، وفي حكم العلة له كأنه قال: إنا أنزلناه لأن من شأننا الإنذار؛ كما قال الشوكاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1427(2/2315)
تفسير قوله تعالى (وفرعون ذي الأوتاد)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير الآية الكريمة من سورة الفجر:" وفرعون ذي الأوتاد "]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر بعض أهل العلم من السلف الصالح رضوان الله عليهم ((الأوتاد)) في الآية الكريمة بأنهم الجنود والرجال الذين كانوا يشدون لفرعون أمره، فقد جاء في تفسير الطبري وابن كثير وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الأوتاد: الجنود الذين كانوا يشدون أمره، وعلى ذلك فالمقصود بالأوتاد أركان ملكه، وقال بعضهم: كان يربط الرجل في كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فيشرخه بها، وعلى هذا التفسير: فإنه كان يستخدم الأوتاد المعروفة لتعذيب الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1427(2/2316)
الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا استخدام كلمة نصيب للحسنة وكلمة كفل للسيئة في الحديث الآتي: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفلٌ منها وكان الله على كل شي مقيتا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد ما جاء في الآية الكريمة: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا {النساء:85} قال أهل التفسير: النصيب الحظ من كل شيء خيرا كان أو شرا والكفل كذلك، ويستعمل الكفل بمعنى المثل، ويرى بعضهم أن الكفل لا تستعمل إلا في الشر.
قال الراغب في المفردات: الكفل: هو الحظ من الشر والشدة، وهو مستعار من الكفل وهو الشيء الردي، ولذلك عبر بالنصيب في الشفاعة الحسنة وبالكفل في الشفاعة السيئة.
والقاعدة المعروفة في الثواب والعقاب أن الحسنات مضاعفة والسئات تجزى بمثلها، وهذا مطرد في كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ {الأنعام:160}
والشفاعة الحسنة هي الوساطة في إيصال الخير أو دفع الشر سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الشفاعة الحسنة بقوله: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء رواه البخاري ومسلم.
والشفاعة السيئة هي الوساطة لدفع ال حق أو لجلب الباطل وهي منهي عنها نهيا شديدا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد: أتشفع في حد من حدود الله. متفق عليه.
وقد أرادت قريش أن يشفع أسامة لإنقاذ امرأة من بني مخزوم من أن يقام عليها حد السرقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1427(2/2317)
تفسير (فإن كن نساء فوق اثنتين..)
[السُّؤَالُ]
ـ[نشكركم على ردكم الكريم على سؤالنا حول إرث البنتين وأمهما ولكن يا سيدى إن هذه الفتوى قد خالطها كثير من الشكوك وأثارت كثيرا من التساؤلات حولها وإرضاء لله كان لابد أن أثيرها لكم وأذكرها لعلنا نجد القول السديد لديكم والذى يرضي رب العالمين وإليك ياسيدى الآتى: قلتم إن الآية رقم 11 من سورة النساء قد نزلت فى امرأة سعد بن الربيع وابنتاها عندما أخذ عمهما التركة كلها وعندما نقرأ الآية لا نجد ذكرا لحالتهم من قريب أو بعيد فعدد الأولاد بنتين والآية تتكلم على فوق الاثنتين وفضيلتكم يعلم أن الاثنين ليس كفوق الاثنين ثم لم تذكر الآية أيضا من قريب أو بعيد عم البنتين وعلى ذلك لم تحل لنا الآية مشكلة امرأة سعد وابنتيها والحل جاء من خارج الآيات فقولكم إن الآية نزلت فى هذا مغاير للحقيقة عقلا وفهما ونقلا ثم نأتى للحل المسنود فى الحديث للنبى عليه السلام والذى ليس له وجود فى القرآن إلا فى جزئية الزوجة فجاء التوزيع مخالفا للشرع فالأم تأخذ نصيبها أولا ثم البنتين تأخذان ثلثي ما بقي ثم يأخذ العم الباقي والحديث ذكر البنتين أولا وهذا فيه مخالفة والعجب العجاب فى هذه الرواية أن ينتظر النبي الوحي القرآني ليجيب على السؤال ثم يتنزل الوحي القرآني بإجابة أخرى ثم يجيب النبى عليه السلام بالوحي السني أليس هذا غريب وعجيب ننتظر الإجابة من سيادتكم رحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرناه من تقسيم التركة المذكورة صحيح وهو محل اتفاق بين أهل العلم؛ كما هو مبين بالأدلة الشرعية من نصوص الوحي، وبالتالي فهو موافق للحقيقة الشرعية وللعقل الصحيح والفهم السليم والنقل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن قولك:هذا مغاير للحقيقة عقلا وفهما ونقلا.... قد جانبت فيه الصواب, ولا ندري أي حقيقة تقصد, أو أي فهم أو نقل تريد بعد الحقيقة الشرعية وفهم السلف الصالح والنقل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعل السائل الكريم أشكل عليه لفظ الآية الكريمة: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ {النساء: 11} وهو ما نبينه بعد ما ننقل ما ذكره أهل العلم عن أهمية علم المواريث وأنه يحتاج إلى الفهم العميق والمدارسة والقياس وبذل الجهد.. قال ابن العربي في الأحكام عند الحديث عن آية المواريث: - اعلموا علمكم الله- أن هذه الآية ركن من أركان الدين, وعمدة من عمد الأحكام, وأم من أمهات الفرائض، عظيمة القدر حتى أنها ثلث العلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: العلم ثلاث: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة..... وكان جل علماء الصحابة وعظم مناظراتهم، لكن الناس ضيعوه وانصرفوا عنه.. ونقل مالك عن ابن مسعود: من لم يتعلم الفرائض والحج والطلاق فبم يفضل أهل البادية؟ ثم قال: ولو لم يكن من فضل علم الفرائض والكلام عليها إلا أنها تبهت منكري القياس وتخزي مبطلي النظر في إلحاق النظير بالنظير، فإن عامة مسائلها مبنية على ذلك إذ النصوص لم تستوف فيها ولا أحاطت بنوازلها.
وأما الآية الكريمة فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ {النساء:11} فقد بين أهل العلم هذا الإشكال الذي أشرت إليه في قوله تعالى: فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فقال بعضهم " فوق" صلة زائدة، ورده بعضهم, وقال آخرون غير ذلك. وبإمكانك أن ترجع إليه في كتب التفسير وخاصة تفسير ابن عاشور وغيره. كما بينوا نصيب البنتين الذي هو الثلثان وتوضحه آية أخرى وهي قول الله تعالى في الأخوات الشقيقات أو لأب: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ {النساء: 176} فألحقت البنتان بالأختين في الاشتراك في الثلثين، وألحقت الأخوات إذا زدن على اثنتين بالبنات في الاشتراك في الثلثين، فإن كان نصيب الأختين اللتين هما قرابة حاشية هو الثلثان فلأن يكون نصيب البنتين اللتين هما قرابة فرع الثلثين أولى، ومن المعلوم أن قرابة الفرع أقوى من قرابة الحاشية. ولهذا قالوا:
فبالجهة التقديم ثم بقربه * وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
قال ابن العربي: لو كان الله تعالى مبينا حال البنتين ببيانه لحال الواحدة وما فوق البنتين لكان ذلك قاطعا، ولكنه سبحانه وتعالى ساق الأمر مساق الإشكال لتتبين درجة العالِمين وترتفع منزلة المجتهدين في أي المرتبتين في إلحاق البنتين أحق..... ثم بين رحمه الله تعالى أن إلحاقهما بما فوق الاثنتين واضح من ستة أوجه ذكرها الواحد تلو الآخر مع دليله ... وبإمكانك الرجوع إليها في أحكام القرآن لأن المقام لا يتسع لذكرها هنا.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً يعني بنات: فَوْقَ اثْنَتَيْنِ يعني أكثر من اثنتين أو كن اثنتين ليس معهما ذكر: فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ أي الميت، والبقية للعصبة. نقلا عن الدر المنثور.
وقال ابن كثير في التفسير: واستفيد كون الثلثين للبنتين من حكم الأختين في الآية الأخيرة يعني آية النساء فإنه تعالى حكم فيها للأختين بالثلثين، وإذا ورثت الأختان الثلثين فلإن ترث البنتان الثلثين بالطريق الأولى، وقد تقدم حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لابنتي سعد بالثلثين فدل الكتاب والسنة على ذلك، وقال ابن عطية: أجمع الناس في الأمصار والأعصار على أن للبنتين الثلثين وهذا الاجماع مسند إلى السنة.
ولعلنا بهذا البيان وهذه الفتوى الموثقة عن أهل العلم نكون قد وضحنا لك تلك الاشكالات أو الاعتراضات الواردة في السؤال. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك العلم النافع والفقه في الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1427(2/2318)
بين قول الله (وزاده بسطة في العلم والجسم) وحديث "فلم يزل الخلق ينقص.."
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ كيف نجمع بين قول الله تعالى في الآية: وزادكم في الخلق بسطة في قصة عاد بعد قوم نوح، وبين الحديث الذي يقول بأن الناس ما زلوا ينقصون منذ آدم عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل أن نبين أنه لا تعارض بين الآية الكريمة والحديث الشريف نذكر معنى كل منهما كما ذكره أهل العلم، فمعنى البسطة في اللغة: القوة، والوفرة، والسعة في أمر من الأمور أو في شيء من الأشياء, وقد قال بعض المفسرين في معنى البسطة في الآية الكريمة هي طول الأجسام وقوتها؛ كما قال تعالى عن طالوت: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ {البقرة: 247} أي زيادة في العلم, وطولا في القامة, وقوة في البدن.
قال ابن كثير: وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً {الأعراف: 69} وذلك لأنهم كانوا غاية في قوة التركيب والقوة والبطش الشديد والطول المديد، والأرزاق الدارة، والأموال والجنات والأنهار والأبناء والزروع والثمار، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله تعالى.
وقال ابن عاشور: فإن كان الخلق بمعنى المصدر فالبسطة الزيادة في القوة الجِبلِّية، أي زيادة في عقولهم وأجسامهم فخلقهم عقلاء أصحاء، وقد اشتهر هذا عند العرب قديما فنسبوا رجاحة العقل وقوة الجسم إلى عاد، وإن كان الخلق بمعنى الناس فالمعنى: وزادكم بسطة في الناس بأن جعلكم أفضل منهم فيما تتفاضل به الأمم من الأمور كلها، فيشمل ذلك رجحان العقول وقوة الأبدان وشدة البأس وكثرة الأولاد والأموال والعمران. اهـ ملخصا من التحرير والتنوير.
وأما الحديث فرواه البخاري ومسلم وغيرهما ولفظه: خلق الله آدم على صورته, طوله ستون ذراعا, فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع إلى ما يحيونك, فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن، أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة، واستقر الأمر على ذلك.
وقال ابن التين: فلم يزل الخلق ينقص: أي كما يزيد الشخص شيئا فشيئا ولا يتبين ذلك فيما بين الساعات والأيام القليلة حتى إذا كثرت تبين ذلك، فكذلك هذا الحكم في النقص.
وبناء على ما تقدم من معنى الآية الكريمة والحديث الشريف -كما ذكرها أهل العلم- فإنه لا تعارض بينهما لأن البسطة في الخلق تشمل قوة الأجسام والعقول بالنسبة للأفراد إذا كانت بمعنى المصدر، وتشمل تفوقهم على غيرهم من الأمم في كل شيء إذا كانت بمعنى الناس، فأجسام أفرادهم أقوى من أجسام من يجاورهم من الأمم، ويمكن أن يكونوا أطول قامة كما أنهم أرجح عقول وأكثر أرزاقا.
وأما الحديث فيبين أن الناس لا يزالون ينقصون منذ خلق الله آدم طوله ستون ذراعا إلى أن انتهى التناقص إلى هذه الأمة فاستقر على ما هو عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(2/2319)
واو كلمة وثامنهم في سورة الكهف المباركة
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الكهف الآية رقم 22 هناك حكمة في وضع حرف الواو قبل كلمة ثامنهم، وقد فسرها الشيخ الجليل متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ولكن نسيتها، فأرجو الإفادة؟ وشكراً جزيلاً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل التفسير في الواو في هذه الآية الكريمة: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ {الكهف:22} ، وأمثالها في القرآن الكريم، فقيل هي واو الحكم والتحقيق بعد حكاية اختلافهم وأقوالهم في عدد أصحاب الكهف، وتم الكلام عند قوله (ويقولون: سبعة، ثم حقق هذا القول بقوله (وثامنهم كلبهم) والثامن لا يكون إلا بعد السابع.
وقيل: هذه الواو واو الثمانية لأن السبعة عند بعض العرب عدد كامل صحيح، وهي لغة قريش كما قال القرطبي. فيقولون: واحد، اثنان، ثلاثة..... فإذا وصلوا إلى ثمانية قالوا: وثمانية بزيادة الواو فيجعلون العقد سبعة كما يجعل غيرهم عشرة هي تمام العقد كما هو عندنا اليوم.
ولهذا نظائر وأمثلة في القرآن الكريم منها قول الله تعالى: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {التوبة:112} ، ومنها قوله تعالى: عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا {التحريم:5} ، وقيل: هي واو عاطفة دخلت في آخر إخبارهم عن العدد لتفصل أمرهم، وتدل على أن هذا غاية ما قيل فيهم، ولو سقطت لصح الكلام، وقيل غير ذلك.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من تفسير القرطبي، وروح المعاني للألوسي، والتحرير والتنوير لابن عاشور وغيرها من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(2/2320)
الأمر بغض البصر في سورة النور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة الربانية من قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض) عقب أمرة تعالى للمؤمنين بغض أبصارهم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل من حكم التعقيب بهذه الآية العظيمة: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {النور: 35} على الأمر بغض البصر وغيره من التعاليم والتوجيهات في بداية السورة هو تهيئة النفوس وتطهيرها وتخليتها من الذنوب والمعاصي, وتزكيتها وتطهيرها بتلك التعاليم الربانية حتى تكون على استعداد لتلقي نور الله العظيم الذي أشرقت له ظلمات الكون، فبداية السورة كلها أحكام وتوجيهات وعلاج للنفس البشرية من هواها وشهواتها, ووقاية وتحذير لها من الوقوع في حبائل الشيطان أو اتباع خطواته ونزغاته، قال أبو السعود في تفسيره إرشاد العقل السليم: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.... مسوق لتقرير ما في السورة من البيان مع الإشعار بكونه غاية في الكمال، أو لتحقيق أن بيانه تعالى ليس مقصورا على ما ورد في هذه السورة الكريمة, بل هو شامل لكل ما يحق بيانه من الأحكام والشرائع ومبادئها وغاياتها المترتبة عليها في الدنيا والآخرة وغير ذلك مما له مدخل في البيان، وأنه واقع منه تعالى على أتم الوجوه وأكملها حيث عبر عنه بالتنوير الذي هو أقوى مراتب البيان وأجلاها, وعبر عن النور بنفس النور تنبيها على قوة التنوير وشدة التأثير، وإيذانا بأنه تعالى ظاهر بذاته وكل ما سواه ظاهر بإظهاره له كما أن النور نير بذاته وما عداه مستنير به. اهـ
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: بعد التشريعات والأحكام والهداية الخاصة التي نزلت بها السورة أتبع ذلك بالامتنان بأن الله تعالى هو مكون أصول الهداية العامة والمعارف الحق للناس كلهم بإرسال رسوله بالهدى ودين الحق, مع ما في هذه الامتنان من الإعلام بعظمة الله تعالى ومجده وعموم علمه وقدرته, فكان قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.. كلمة جامعة لمعاني جمة تتبع معاني النور في إطلاقه في الكلام، وموقع الجملة عجيب من عدة جهات، وانتقال من بيان الأحكام إلى غرض آخر من أغراض الإرشاد وأفانين الموعظة والبرهان. اهـ منه بتصرف.
وقال سيد قطب في تفسير الظلال مقدما لتفسير قول الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.... في الدرسين الماضيين من السورة عالج السياق أغلظ ما في الكيان البشري ليرققه ويطهره ويرتفع به إلى آفاق النور، فقد عالج عرامة اللحم والدم، وعالج شهوة العين والفرج، ورغبة التجريح والتشهير ودفعة الغضب والغيظ, وعالج الفاحشة أن تشيع في الذين آمنوا، عالجها بتشديد حد الزنا والقذف، وعالجها بالوسائل الوقائية بالاستئذان على البيوت وغض البصر وإخفاء الزينة, والنهي عن مثيرات الفتنة وموقظات الشهوة، ثم بالإحصان والزواج، ومنع البغاء وتحرير الأرقاء، كل ذلك ليقطع الطريق على دوافع الشهوات والهوى ويهيئ للنفوس وسائل العفة والاستعلاء والشفافية والاشراق، بهذا التعليم وهذا التهذيب والتوجيه عالج القرآن الكريم الكيان البشري حتى أشرق بالنور وتطلع إلى الأفق الوضيء واستشراق النور الكبير في آفاق السماوات والأرض)
هذا بعض ما ذكره أهل التفسير من الربط والصلة بين قول الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وبين ما ذكر قبلها في السورة من تعاليم وأوامر وإرشادات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1427(2/2321)
معنى الرفث وهل هو محرم في بعض الأحيان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد تفسيرا لهذه الآية الكريمة
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لهن)
وما المقصود بالرفث حيث نجد في آية أخرى أنه مقارن بالفسوق فلا رفث ولا فسوق في الحج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي تفسير الإمام ابن كثير مفسرا الآية التي سألت عنها:
هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أوينام قبل ذلك، فمتى نام أوصلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة، فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة، والرفث هنا هو الجماع، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وطاووس وسالم بن عبد الله وعمرو بن دينار والحسن وقتادة والزهري والضحاك وإبراهيم النخعي والسدي وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان.
وقوله: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان: يعني هن سكن لكم وأنتم سكن لهن، وقال الربيع بن أنس: هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن، وحاصله: أن الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويماسه ويضاجعه، فناسب أن يرخص لهم في المجامعة في ليل رمضان لئلا يشق ذلك عليهم ويحرجوا انتهى.
والرفث يشمل كل ما يريد الرجل من امرأته فيشمل الجماع وغيره، قال القرطبي في تفسيره: والرفث كناية عن الجماع لأن الله عزوجل كريم يكني، قاله ابن عباس والسدي. وقال الزجاج: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته وقاله الأزهري أيضا. وقال ابن عرفة: الرفث هاهنا الجماع. والرفث: التصريح بذكر الجماع والإعراب به. انتهى.
والرفث قد يكون مباحا وقد يكون محرما كالحاصل أثناء الحج والذي نهى الله تعالى عنه بقوله: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ {البقرة: 197} وقال ابن كثير في تفسيره أيضا: وقوله فلا رفث أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث وهو الجماع، كما قال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ اهـ فذكر الرفث مقترنا بالفسوق لا يدل على أنه محرم دائما بل يدل على أن الحج من الأوقات التي يحرم فيها، وكم من المباحات تحرم في حق المحرم دون غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1427(2/2322)
لا تعارض بين آية: يوم لا ينفع مال.. وحديث: إذا مات الإنسان انقطع عمله..
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل توضيح هذا الأمر وفقكم الله:
نحن على يقين بأن القرآن الكريم والسنة المباركة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لا تتعارضان بل إن السنة هي تفسير لكثير من كلام الباري ولكن أود أن توضحوا لي أعانكم الله وجه الشبه بين الآية الكريمة (يوم لا ينفع مال ولا بنون..... الآية) والحديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله....... ولد صالح يدعو له) السؤال: يقول الباري لاينفع الولد، والرسول الكريم يقول مضموناً ينفع. هو ليس تشكيكا، لا سمح الله أن أقع في وسواس الشيطان الرجيم، ولكن لمحاولة التعلم من أي آية أو حديث..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فليس هناك تعارض بين قوله تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {الشعراء:88ـ89} والحديث الشريف: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلامن صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم. لأنه ليس في الآيتين أن المال والبنين لا ينفعان مطلقا، بل المعنى أن المال والبنين ينفعان من كان سليم القلب من الكفر والنفاق وهوالمؤمن، أما غيره فلا ينجيه ماله وبنوه من عذاب الله.
قال البيضاوي في تفسيرالآيتين: لاينفعان، إلا مال من هذا شأنه وبنوه، حيث أنفق ماله في سبيل البر، وأرشد بنيه وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عبادا لله مطيعين شفعاء له يوم القيامة.
قال النسفي: أي أن المال إذا صرف في وجوه البر وبنوه صالحون فإنه ينتفع به وبهم سليم القلب.
كما أن المقصود بالإنسان في الحديث هو المؤمن دون غيره؛ لقوله تعالى: لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.
وراجع الفتوى رقم: 3960.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1427(2/2323)
تفسير (فلا تزكوا أنفسكم) و (قد أفلح من زكاها)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) ، وقوله سبحانه: (قد أفلح من زكاها) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الآيتين الكريمتين، فقد قال أهل التفسير في معنى الآية الأولى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ {النجم: 32} أي لا تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم وبطهارة أنفسكم من المعاصي والرذائل، وهذه الآية مثل قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا {النساء: 49} ففي الآية الأولى نهي صريح عن مدح النفس والرفع من شأنها، وفي الآية الأخرى إنكار شديد على من يفعل ذلك من اليهود وغيرهم.
يقول صاحب الظلال في تفسير قوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {النجم: 32} يقول: هو العلم السابق على ظاهر أعمالهم، العلم المتعلق بحقيقتهم الثابتة التي لا يعلمونها هم، ولا يعرفها إلا الذي خلقهم، علم كان وهو ينشئ أصلهم من الأرض وهم بعد في عالم الغيب، وكان وهم أجنة في بطون أمهاتهم لم يروا النور بعد، علم بالحقيقة قبل الظاهر وبالطبيعة قبل العمل، ومن كانت هذه طبيعة علمه يكون من اللغو بل من سوء الأدب أن يعرفه إنسان بنفسه أو يثني عليها أمامه، إذاً المقصود من هذه الآية النهي عن تزكية النفس بمدحها والثناء عليها لما في ذلك من مفسدة الرياء والكبر والتفاخر.
وأما قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا {الشمس: 9} فمعناها كما قال أهل التفسير: قد فاز من أصلح نفسه وطهرها من الشرك والمعاصي وسائر أمراض القلوب والأخلاق الدنيئة، ومما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها. وبذلك تعلم أنه لا تعارض بين الآيتين حتى يجمع بينهما لعدم تواردهما على معنى واحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1427(2/2324)
تفسير قوله تعالى (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أستلم منكم إجابة عن سؤال قدمته لكم بعنوان الأعرابي الذي أبكى رسول الله، وأما سؤالي إليكم فهو فيما يتعلق بقول الله في سورة النساء: وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ?16? إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً. وما معنى قوله تعالى يعملون السوء بجهالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقطع الذي سألت عنه يتضح معناه من سياق الآية المذكورة، فالذين يعملون السوء (المعصية) بسبب الجهالة والسفه من المؤمنين إذا تابوا إلى الله توبة نصوحاً قبل توبتهم، فقد روى الطبري في تفسيره بسنده عن قتادة في قول الله تعالى: للذين يعملون السوء بجهالة. قال: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصى به فهو جهالة عمداً كان أو غيره.
وعلى هذا فكل ذنب أصابه العبد فهو جهالة سواء كان عمداً أو خطأ وليس المقصود بذلك أنه الذنب الذي يصيبه وهو يجهل حكمه هل هو حلال أم حرام، وروى ابن جرير بسنده عن الربيع قال: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب. قال: نزلت هذه في المؤمنين، وقوله تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات.... نزلت في المنافقين، وقوله تعالى: ولا الذين يموتون وهم كفار. نزلت في الكفار.
وقد جاءت آيات من كتاب الله عز وجل بمعنى الآية المذكورة منها قول الله تعالى:.... كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54} ، وقوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {النحل:119} .
ثم إننا ننبهك بأن جواب سؤالك الذي أشرت إليه قد أرسل إليك بتاريخ 29/3/2006.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1427(2/2325)
إغواء الشيطان والكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير هذه الآية (رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض)
وهذه الآية (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية جاءت في سياق قصة آدم وحسد إبليس له وامتناعه عن أمر الله تعالى بالسجود له.
قال تعالى مخبرا عن إبليس وتمرده وعتوه: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {الحجر: 39-40} .
فأقسم اللعين أنه سيغوي ذرية آدم ويزين لهم المعاصي ويرغبهم فيها في الأرض أي في الدنيا التي هي دار الغرور والشهوات ولم يستثن من ذلك إلا من أخلص في عبادته لله تعالى فإنه لا سبيل للشيطان عليه أو من أخلصه الله تعالى كما قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ.
وأما قول الله تعالى: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا {لأعراف: من الآية23} فهو حكاية عن آدم وحواء عليهما السلام عند ما وقعا في الأكل من الشجرة فاعترفا بذنبهما وتابا منه إلى الله تعالى فتاب الله عليهما.
وهذه هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه كما قال غير واحد من أهل التفسير. قال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {البقرة:37}
قال صاحب الظلال: إنها خصيصة الإنسان التي تصله بربه وتفتح له الأبواب إليه الاعتراف والندم والاستغفار والشعور بالضعف والاستعانة بالله عز وجل وطلب رحمته مع اليقين أنه لا حول ولا قوة إلا بعون الله ورحمته وإلا كان من الخاسرين اهـ. ملخصا من تفاسير القرآن العظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1427(2/2326)
السبع المثاني والقرآن العظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في سورة الحجر الآية رقم 87، ما المقصود بقوله تعالى: ولقد آتينك سبعا من المثاني والقرآن العظيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقصود بالسبع المثاني والقرآن العظيم فاتحة الكتاب (الحمد لله رب العالمين) وذلك لما رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته. وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 50768، وسبب تسميتها بهذا الاسم نرجو الاطلاع عليه للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1427(2/2327)
معنى (.. لنتخذن عليهم مسجدا)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر وأفهم عن حرمة بناء المساجد على القبور والدليل في ذلك وإذا كان لا يجوز كيف أن المسجد النبوي يوجد به قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وكذلك تفسير الآية (لنتخذن عليهم مسجدا) أليس دليلا لجواز بناء المسجد على القبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبناء المساجد على القبور محرم شرعا لورود الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك, وقد بينا ذلك مفصلا في الفتوى رقم: 68541، وفيها بيان ما يتعلق بقبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله تعالى حاكيا قول الغالبين على أصحاب الكهف: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا {الكهف: 21} فليس في الآية دليل على جواز بناء المساجد على القبور لأنها مجرد حكاية لما وقع، وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين أحدهما: أنهم المسلمون منهم. والثاني: أهل الشرك منهم، فالله أعلم. والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ, ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، يُحذِّر ما فعلوا. وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدها عنده فيها شيء من الملاحم وغيرها. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1427(2/2328)
سبب تقديم الفاكهة على اللحم في سورة الواقعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ذكرت الفواكه في القرآن الكريم قبل اللحوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد استدل الإمام الغزالي رحمه الله تعالى على تقديم أكل الفاكهة على أكل اللحم بقول الله عز وجل: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ {الواقعة: 20-21}
قال في إحياء علوم الدين: ويستحب تقديم الفاكهة إن كانت فذلك أوفق في الطب، فإنها أسرع استحالة فينبغي أن تقع في أسفل المعدة وفي القرآن الكريم تنبيه على تقديم الفاكهة في قوله تعالى: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ثم قال: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. اهـ. ونرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 66592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1427(2/2329)
وجه تقديم المال على البنين في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني احد الإخوان (أن الله سبحانه وتعالى أنزل في مواقع عديدة من القران الكريم تقديم المال في كل شيء المال والبنون زينة الحياة الدنيا وكذلك انزل أن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله) ما هو تفسير هذه الآيات مع العلم انه قال لي أنا مثلا لا أبيع أبنائي بأموال الدنيا كلها أو يصيبهم مكروه والله سبحانه وتعالى قدم المال على البنين. جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجبنا عن سؤالك في الفتوى رقم: 43594، فراجعها.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1427(2/2330)
معنى (أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية الكريمة:
"أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا المقطع من الآية الكريمة جاء في سياق حديث القرآن الكريم عن معبودات الكفار وأصنامهم، يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ {النحل:20-21} .
قال أهل التفسير: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وهم الأصنام أو كل ما عبد من دون الله، لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً أي لا يقدرون على خلق شيء، وَهُمْ يُخْلَقُونَ أي هم مخلوقون لله تعالى، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ أي هم أموات يعني الأصنام التي لا روح فيها ولا تسمع ولا تبصر، أي هي جمادات فكيف تعبدونها وأنتم أفضل منها بالحياة؟! وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي وما تدري هذه الأصنام متى تبعث، ونزلت هنا منزلة الآدميين لأنهم زعموا أنها تشفع لهم عند الله تعالى فجرى خطابهم على ذلك.
وقال الشوكاني في فتح القدير: أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ يعني أن هذه الأصنام أجسادها ميتة لا حياة بها أصلا، فزيادة غير أحياء لبيان أنها ليست كبعض الأجساد التي تموت بعد ثبوت الحياة لها؛ بل لا حياة لهذه أصلا فكيف يعبدونها لأنهم أفضل منها لأنهم أحياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1427(2/2331)
تفسير (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا)
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة المفتي جزاك الله فينا خيرا، أما بعد
عندي سؤال: هناك آية في كتاب الله عز وجل.
بسم الله الرحمن الرحيم
(أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) صدق الله العظيم، أرجو أن تشرح لي هذه الآية؟ وشكرا فضيلة المفتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الجملة جزء من آية كريمة جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن مظاهر قدرة الله تعالى، وأنه المتصرف في هذا الكون بقدرته وإرادته وحكمته وعلمه، وفي بداية السياق يقول الله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى: 49 ـ 50}
ومعنى: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا. يجمع لهم الذكور والإناث في بطن واحد بالتوائم، أو في بطون متفرقة، فتلد المرأة ذكرا ثم تلد أنثى أو العكس وهكذا, فيجتمع للشخص من الأبناء الذكور والإناث ما شاء الله أن يكون ليبقى النسل ويتمادى الخلق، فالتزويج هنا معناه الجمع.
وللمزيد من الفائدة عن هذه الآيات نرجو الاطلاع على الفتويين: 31702، 45734.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(2/2332)
إفراد السبيل في سورة الأنعام وجمعه في سورة العنكبوت
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى في كتابه العزيز (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) الآية 153 من سورة الأنعام
وقال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) الآية 69 من سورة العنكبوت
السؤال هو ما الحكمة من ذكر سبيله في الآية الأولى بصيغة المفرد بينما في الآية الثانية ذكرت سبلنا بصيغة الجمع أي جمع سبيل؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وحد سبحانه سبيله في قو له: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ {الأنعام: 153} لأن المقصود هنا الأديان المختلفة والطرق التابعة للهوى فإن مقتضى الحجة واحد ومقتضى الهوى متعدد لاختلاف الطبائع والعادات.
قال ابن كثير: إنما وحد سبيله لأن الحق واحد ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها، وفي الكشاف: ولا تتبعوا السبل " الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات " فتفرق بكم " فتفرقكم أيادي سبا " عن سبيله " عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام.
وجمع سبيله في قوله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت: 69} وذلك لأن: سبيل الحق واحد ولكنه يتعدد إلى معارف وأعمال وأقوال وأبواب كثيرة مختلفة. فالمقام هنا يقتضي الجمع لأنه عن طرق الخير ومقاصده وهي كثيرة وإن كان سبيلها وغايتها واحدة، فالجمع باعتبار تنوعها فالصدقة سبيل من سبل الخير والصلاة والصيام والجهاد كلها من سبل الخير، ومن جاهد نفسه على التزامها وفقه الله وسدده وهداه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(2/2333)
معنى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو تفسير آية (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال القرطبي عند تفسيره لتلك الآية الكريمة من سورة التوبة: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا {التوبة: 51} : قيل: أي ما كتب لنا في اللوح المحفوظ، وقيل: ما أخبرنا به في كتابه مِنْ أنَّا إما أن نظفر فيكون الظفر حسنى لنا، وإما أن نقتل فتكون الشهادة أعظم حسنى لنا، والمعنى كل شيء بقضاء وقدر، وقد تقدم في الأعراف أن العلم والقدر والكتاب سواء. وقال الشوكاني في فتح القدير: وفائدة هذا الجواب أن الإنسان إذا علم أن ما قدره الله كائن، وأن كل ما ناله من خير أو شر إنما هو بقدر الله وقضائه هانت عليه المصائب، ولم يجد مرارة شماتة الأعداء وتشفي الحسدة.
وللاستزادة انظر الفتوى رقم: 48466.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(2/2334)
المقصود بالأرائك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما شرح الأرائك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأرائك جمع أريكة. قال العيني: الأرائك السرر كما في قوله تعالى: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ {الكهف: الآية31} وكذا فسره عبد بن حميد من طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال: الأرائك السرر في الحجال, والأرائك جمع أريكة. قال ابن فارس: الحجلة على السرير لا تكون إلا كذا. وعن ثعلب: الأريكة لا تكون إلا سريرا متخذا في قبة عليه شوار ومخدة. قلت: الشوار بضم الشين المعجمة وتخفيف الواو متاع البيت، والحجلة بالتحريك بيت له قبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار. وقال الحسن: النضيرة في الوجوه والسرورفي القلب.
وقال ابن منظور في لسان العرب: الأريكة السرير في الحجلة من دونه ستر ولا يسمى منفردا أريكة، وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة.
وفي حادي الأرواح لابن القيم جمع ما فسرت به الأريكة فقال: وأما الأرائك فهي جمع أريكة قال مجاهد عن ابن عباس: متكئين فيها على الأرائك: قال: لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة, فإذا كان سريرا بغير حجلة لا يكون أريكة, وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة، ولا تكون أريكة إلا والسرير في الحجلة، فإذا اجتمعا كانت أريكة. وقال مجاهد: هي الأسرة في الحجال قال الليث: الأريكة سرير حجلة فالحجلة والسرير أريكة وجمعها أرائك. وقال أبو إسحاق: الأرائك الفرش في الحجال. قلت: ههنا ثلاثة أشياء: أحدها: السرير, والثانية: الحجلة وهي البشخانة التي تعلق فوقه. الثالث: الفراش الذي على السرير: ولا يسمى السرير أريكة حتى يجمع ذلك كله, وفي الصحاح: الأريكة سرير متخذ مزين في قبة أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة والجمع الأرائك. انتهى.
وهذا هو ما فسرت به الأريكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(2/2335)
تفسير قوله تعالى (والمحصنات من النساء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعلم 'تفسير قوله تعالى (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين)
إلى آخر الآية (24) من سورة النساء وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمحصنات عطف على المحرمات المذكورات قبل. والتحصن: التمنع، والمراد بالمحصنات ههنا ذوات الأزواج وقيل المقصود بهن المسبيات ذوات الأزواج خاصة أي هن محرمات إلا ما ملكت اليمين بالسبي من أرض الحرب فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه وإن كان لها زوج،
وقوله" إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " قالوا: معناه بنكاح أو شراء. وما عدا ذلك فزنى قوله: " كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " أي حرمت هذه النساء كتاباً من الله عليكم. وقوله: " وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ " يقتضي ألا يحرم من النساء إلا من ذكر، وليس كذلك, فإن الله تعالى قد حرم على لسان نبيه من لم يذكر في الآية فيضم إليها، قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر:7} روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجمع بين المرأة وعمتها،ولا بين المرأة وخالتها. وقوله: " أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ " أي تطلبوا بها بنكاح أو شراء فهو لفظ يجمع التزويج والشراء وقوله " مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ " أي حال كونكم طالبين للعفاف والإحصان لا للسفاح والحرام وقوله" فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة "الاستمتاع التلذذ والأجور المهور قال الحسن ومجاهد وغيرهما: المعنى فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح فآتوهن أجورهن أي مهورهن، وقوله: " وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ " أي من زيادة ونقصان في المهر، فإن ذلك سائغ عند التراضي بعد استقرار الفريضة والمراد إبراء المرأة عن المهر، أو توفية الرجل كل المهر إن طلق قبل الدخول وقوله: " إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً " أي عليم بما يفعل ويقضي ويختار حكيم في ذلك فيضعه مواضعه. انتهى. ملخصا من تفسير القرطبي
وللوقوف على تفسيره للآية كاملا انظر الرابط التالي على موقعنا:
http://www.islamweb.net.qa/ver2/archive/showayatafseer.php?SwraNo=4&TafseerNo=5&ayaNo=24
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(2/2336)
الأمن المقصود في قوله تعالى (ومن دخله كان آمنا)
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني أفادكم الله لدي سؤال، ما معنى (فمن دخل البيت فهو آمن) هل المقصود بالأمان في الدنيا أو في الآخرة، وهل في هذا الزمن أم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومما يأمن الإنسان هل من الأمراض أم من وساوس الشيطان؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك تقصد قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا {آل عمران:96-97} ، أو تقصد قوله صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي داود والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن, ومن أغلق عليه داره فهو آمن, ومن دخل المسجد فهو آمن، قال: فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد. قال الشيخ الألباني: حسن.
فإن كنت تقصد آمنا في الآية فقد قال ابن العربي عند تفسره لها: وقد اختلف العلماء في تفسير الأمن على أربعة أقوال:
الأول: أنه أمن من عذاب الله تعالى في الآخرة والمعنى أن من دخله معظماً له وقصده محتسباً فيه لمن تقدم إليه أمن من عذاب الله ويعضده ما روي في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه.
الثاني: معناه من دخله كان آمنا من التشفي والانتقام كما كانت العرب تفعله فيمن أناب إليه من تركها لحق يكون لها عليه.
الثالث: أنه أمن من حد يقام عليه فلا يقتل به الكافر ولا يقتص فيه من القاتل ولا يقام الحد على المحصن والسارق قاله جماعة من فقهاء الأمصار ومنهم أبو حنيفة وسيأتي عليه الكلام.
الرابع: أنه أمن من القتال لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إن الله حبس عن مكة الفيل أو القتل وسلط عليها رسوله والمؤمنين لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار.
والصحيح هو القول الثاني وهذا إخبار من الله تعالى عن منته على عباده حيث قرر في قلوب العرب تعظيم هذا البيت وتأمين من لجأ إليه إجابة لدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين أنزل به أهله وولده فتوقع عليهم الاستطالة فدعا أن يكون أمنا لهم فاستجيب دعاؤه.
وقال الجصاص: هو حكم من الله تعالى لا خبر منه فيكون المعنى من دخله أمنوه قال (وقوله: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) إنما هو حكم منه بذلك لا خبر وكذلك قوله تعالى: رب اجعل هذا بلداً آمنا. ومن دخله كان آمنا. كل هذا من طريق الحكم لا على وجه الأخبار بأن من دخله لم يلحقه سوء لأنه لو كان خبراً لوجد مخبره على ما أخبر به لأن أخبار الله تعالى لا بد من وجودها على ما أخبر به، وقد قال في موضع آخر: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم. فأخبر بوقوع القتل فيه فدل أن الأمر المذكور إنما هو من قبل حكم الله تعالى بالأمن فيه وأن لا يقتل العائذ به واللاجئ إليه, وكذلك كان حكم الحرم منذ عهد إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا وقد كانت العرب في الجاهلية تعتقد ذلك الحرم وتستعظم القتل فيه على ما كان بقي في أيديهم من شريعة إبراهيم عليه السلام. وكذا نقل القرطبي في تفسيره عن النعمان بن ثابت قال: من اقترف ذنباً واستوجب به حداً ثم لجأ إلى الحرم عصمه، لقول الله تعالى: ومن دخله كان آمناً. فأوجب الله سبحانه الأمن لمن دخله. وروي ذلك عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وغيره من الناس.
فهذا هو معنى قوله تعالى: ومن دخله كان آمناً. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة: من دخل المسجد فهو آمن. أي من القتل والعقوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(2/2337)
تفسير (أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية الكريمة، بسم الله الرحمن الرحيم: أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية جاءت في سياق التعقيب على استعراض آيات الخلق وآيات النعمة وآيات التدبير من سورة النحل، وهو تعقيب يجيء في أوانه والنفس مهيأة للإقرار بمضمونه، يبدأ السياق من قوله تعالى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ {النحل: 17 ـ 21} والخطاب هنا موجه للمشركين الذين يدعون الأصنام التي نحتوها من الجمادات وعبدوها من دون الله تعالى، ومعنى: أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ يعني أن هذه الأصنام جمادات ميتة لا حياة بها أصلا. وزيادة: غَيْرُ أَحْيَاءٍ. تأكيد لموتها ولبيان أنها ليست كبعض الأجساد التي تموت بعد ثبوت الحياة لها، بل لا حياة لها أصلا فكيف يعبدونها وهم أفضل منها لأنهم أحياء؟! وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي وما تشعر هذه الأصنام متى تبعث أو متى يبعث عبدتها لأن الجميع سيبعث ويكون حطبا لجهنم، قال صاحب التحرير والتنوير: هو نفي الخالقية ونفي العلم عن الأصنام.
وقال بعض المفسرين: ما أعظمها من آية في النفي على من يستغيث بغير الله تعالى من الجمادات والأموات ويطلب منهم ما لا يستطيع جلبه لنفسه أو دفعه عنها. ملخص من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(2/2338)
الفرق بين الفتنة والغواية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الفتنة، كقوله تعالى: إن هي إلا فتنتك.. إلى آخر الآية، وبين الغواية كقوله تعالى: فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم..أو بما معنى الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أصل الفتنة: الابتلاء والاختبار والامتحان، وتستعمل فيما أخرجه الاختبار من المكروه كما تستعمل في الكفر والإثم والإحراق، ويحدد هذه المعاني السياق الذي جاءت فيه الكلمة، والمتتبع لما ورد من هذا اللفظ في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد هذا المعنى واضحا.
وقد سبق بيان معنى الفتنة في قول الله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ {الأعراف: 155} في الفتوى رقم: 28742، نرجو الإطلاع عليها.
وأما الغواية فهي من الغي وهو الفساد والهلاك يقال: غَوَي يغوى غيا إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه ومنه قوله تعالى: وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {طه: 121} أي فسد عليه عيشه في الجنة.
وفسرت الغواية في بعض السياقات بالضلالة، وبالخيبة، وبالفساد، وبالهلاك، وبالإبعاد، وأما قوله تعالى حكاية عن إبليس: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي {الأعراف: 16} قال أهل التفسير: أضلتتني، وقال بعضهم: خيبتني، وقال بعضهم: أهلكتني. ذكر ذلك غير واحد من أهل التفسير. وبه تعلم الفرق بين الفتنة، والغواية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(2/2339)
قصة بلقيس كما وردت في كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرأ كتابا عن ملكة سبأ بلقيس ولكن أرجو منكم ذكر قصتها بشكل مختصر من وجهة نظر الإسلام؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة بلقيس هي كما ذكر الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه في سورة النمل من قوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ {النمل: 20} إلى قوله تعالى: قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {النمل: 44} الآية 20 إلى الآية 44، ولمعرفة تفسيرها انظر الرابط التالي على موقعنا
http://www.islamweb.net/ver2/archive/showayatafseer.php?SwraNo=27&ayaNo=20&TafaeerNo=5&ayaNo=20&TafseerNo=5
وما عدا ذلك من تفاصيل قصتها لا يمكن الجزم به إذ أغلبه من الإسرائيليات، وليست هنالك حاجة إلى معرفته. فينبغي للمسلم الحريص على وقته وجهده أن يقف مع ما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه من تلك القصص، أو ما ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم، وما بينه أهل العلم منها, وبه تحصل العبرة والغاية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(2/2340)
تفسير قوله تعالى (..نسوا الله فنسيهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) كيف أنساهم أنفسهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: وقوله تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ {الحشر: 19} أي لا تنسوا ذكر الله تعالى: فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم، فإن الجزاء من جنس العمل.
وقال الشوكاني في فتح القدير: ولا تكونوا كالذين نسوا الله أي تركوا أمره، أو ما قدروه حق قدره، أو لم يخافوه، أو جميع ذلك فأنساهم أنفسهم أي جعلهم ناسين لها بسبب نسيانهم له، فلم يشتغلوا بالأعمال التي تنجيهم من العذاب، ولم يكفوا عن المعاصي التي توقعهم فيه، ففي الكلام مضاف محذوف: أي أنساهم حظوظ أنفسهم، قال سفيان: نسوا حق الله فأنساهم حق أنفسهم، وقيل نسوا الله في الرخاء فأنساهم أنفسهم في الشدائد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(2/2341)
كلمة سندس معناها ومواضعها في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة سندس بالقرآن الكريم وما وضعها بالقرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسندس نوع من الثياب، قال الطبري عند قوله تعالى في وصف أهل الجنة: وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ {الكهف: 31} قال الطبري: السندس: جمع واحدها سندسة وهي ما رق من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه وثخن، وكذا قال القرطبي والسندس: الرقيق النحيف واحده سندسة قاله الكسائي، وذكر البغوي عن أبي عمران الجوني قال: السندس هو الديباج المنسوج بالذهب،
إذن فالسندس نوع من الثياب الفاخرة الجميلة.
وأما سؤالك عن وضعه في القرآن فإن كان المقصود موضع وروده فقد جاء في ثلاث آيات من كتاب الله في سورة الكهف الآية (31) ، وفي سورة الدخان الآية (53) وفي سورة الإنسان الآية (21) .
وإن كنت تقصد غير ذلك فينبغي إيضاحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1427(2/2342)
المقصود بقول الله (إنا نحن نزلنا الذكر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[تحجج بعض النصارى عند ذكر التحريف في التوراة والإنجيل بأن ذلك غير صحيح وذلك بقول الله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، وأشار إلى أن آية أخرى تفيد بأن النصارى واليهود من ضمن أهل الذكر مع المسلمين وهي: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وآية آخرى بنفس المعنى، وفي التفاسير مشار إليهم بذلك، أرجو الإفادة والرد؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا المحتج إن كان يؤمن بالقرآن ويصدق بدلالاته فليعلم أن القرآن قد نص على تحريف بعض أهل الكتاب لكتبهم، كما قال الله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {البقرة:75} ، وقال تعالى: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ {النساء:46} ، أما ما احتج به فهو باطل لأنه لا يلزم حمل لفظ الذكر على معنى واحد، بل قد ورد هذا اللفظ في القرآن العظيم لعدة معان، وقد أجمع المفسرون على ان المقصود بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} القرآن، قال عبد الرحمن الجوزي في زاد الميسر: والذكر القرآن في قول جميع المفسرين، كما أن ما قبل بلآية يدل على ذلك وهو قوله تعالى: وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ.......
وليراجع في كون الله ضمن حفظ القرآن من التحريف واستحفظ أهل الكتاب لكتبهم، وفي تأكيد تحريف بعضهم لها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20706، 40774، 50460.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1427(2/2343)
تفسير (وأقرضوا الله قرضا حسنا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى من يقرض الله قرضا حسنا هل المقصود الصدقة أم التسليف دون فوائد أم غير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالقرض الحسن في حق الله تعالى هو أعمال الخير التي يقدمها المرء لنفسه ابتغاء ثواب الله من صدقة ونفقة وغيرها، قال القرطبي: وأقرضوا الله قرضا "الصدقة والنفقة في سبيل الله. قال الحسن: كل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع. وقيل: هو العمل الصالح من الصدقة وغيرها محتسباً صادقاً. وقال الشوكاني: والقرض الحسن عبارة عن التصدق والإنفاق في سبيل الله مع خلوص نية وصحة قصد واحتساب أجر. وقال البيضاوي في تفسيره: وأقرضوا الله قرضاً حسنا. يريد به الأمر في سائر الإنفاقات في سبل الخيرات أو بأداء الزكاة على أحسن وجه والترغيب فيه بوعد العوض، كما صرح به في قوله: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا. من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت أو من متاع الدنيا. انتهى.
والقرض الحسن للناس من أفعال الخير التي يؤجر عليها صاحبها إن قصد بذلك وجه الله، وقد ندبنا الله إلى فعل الخير، فقال: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الحج:77} ، وقال السرخسي في المبسوط: والإقراض مندوب إليه في الشرع. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: والقرض مندوب إليه في حق المقرض مباح للمقترض لما روينا من الأحاديث، ولما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وقال أبو الدرداء: لأن أقرض دينارين ثم يردان ثم أقرضهما أحب إليَّ من أن أتصدق بهما. ولأن فيه تفريجا عن أخيه المسلم فكان مندوبا إليه كالصدقة عليه ... انتهى.
فمن تصدق على مسلم أو أقرضه قرضا حسنا طيباً يبتغي بذلك وجه ربه وثوابه فقد أقرض الله قرضا حسنا. وسيجزيه الجزاء الأوفى يوم القيامة، وأما القرض بفائدة فهو ربا محرم وفاعله محارب لله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:278-279} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1427(2/2344)
تفسير (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا)
[السُّؤَالُ]
ـ[مع أن النبى صلى الله عليه وسلم كان من أشجع الناس فضلآ عن كونه نبي يوحى إليه من ربه وهذا يستلزم قلبآ قويآ يحتمل من المشاهد مالا تحتمله قلوب الناس نجد أن القرأن الكريم يقول له صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب الكهف (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) الآيات، سؤالي هو: ماالذي كان سيراه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام حتى يمتليء قلبه رعبآ ويولي من القوم فرارا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا {الكهف: 18} ذكر المفسرون فيه أن الله تعالى حمى أهل الكهف بالرعب حتى لا يطلع عليهم أحد، ولا يصل إليهم واصل، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله، ولم نجد نصا من الوحي يوضح ما سبب الرعب، وقد ذكر بعض المفسرين فيه أشياء سنذكرها فيما بعد، وذكر بعضهم أن الخطاب فيه لغير النبي صلى الله عليه وسلم، واستدلوا لذلك بأنه صلى الله عليه وسلم رأى أشياء كثيرة مرعبة من أنواع العذاب في النار ولم تحمله رؤيتها على الفرار.
قال الطبري: وقوله تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا. يقول: لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارا، ولملئت منهم رعبا. يقول: ولملئت نفسك من اطلاعك عليهم فزعا، لما كان الله ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده، ليعلموا أن وعد الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
وقال البغوي: واختلفوا في أن الرعب كان لماذا؟ : قيل من وحشة المكان.
وقال الكلبي: لأن أعينهم كانت مفتحة، كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم، وهم نيام.
وقيل: لكثرة شعورهم، وطول أظفارهم، ولتقلبهم من غير حس ولا إشعار.
وقيل: إن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يراهم أحد.
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف، فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم. فقال ابن عباس رضي الله عنهم: لقد منع ذلك من هو خير منك، فقال: (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً) فبعث معاوية ناساً فقال: اذهبوا فانظروا، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم. انتهى المراد من كلام البغوي وقد صحح ابن حجر في تغليق التعليق سند هذا الأثر.
وقال الألوسي في روح المعاني: فالذي ينبغي أن يعول عليه أن السبب في ذلك ما ألقى الله تعالى عليهم من الهيبة وهم في كهفهم، وأن شعورهم وأظفارهم إن كانت قد طالت فهي لم تطل إلى حد ينكره من يراه، واختار بعض المفسرين أن الله تعالى لم يغير حالهم وهيئتهم أصلا ليكون ذلك آية بينة ... ثم ذكر الألوسي بعد كلام: أن الذي يميل القلب إليه أنه عليه الصلاة والسلام على القول بعموم الخطاب ليس من الأفراد المعنية به لأنه اطلع على ما هو أعظم منهم من ملكوت السموات والأرض، ومن جعله معنيا قال: المراد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا بحكم جري العادة والطبيعة البشرية، وعدم ترتب الجزاء على اطلاعه على ما هو أعظم منهم أمر خارق للعادة ومنوط بقوة ملكية بل بما هو فوقها، أو المراد: لو اطلعت عليهم بنفسك من غير أن نطلعك عليهم لوليت منهم فرارا.. إلخ. واطلاعه عليه الصلاة والسلام على ما اطلع عليه كان باطلاع الله عز وجل إياه وفرق بين الاطلاعين.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا. الخطاب لغير معين، ... والمعنى: لو اطلعت عليهم ولم تكن علمت بقصتهم لحسبتهم لصوصا قطاعا للطريق، إذ هم عدد في كهف، وكانت الكهوف مخابئ لقطاع الطريق، لفررت منهم وملكك الرعب من شرهم، كقوله تعالى: نكرهم وأوجس منهم خيفة. وليس المراد الرعب من ذواتهم؛ إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس، ولا الخوف من كونهم أمواتا؛ إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1427(2/2345)
آية سورة الأحقاف بينت أقل مدة الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في سورة لقمان الآية التالية \"ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير \"أي مدة الفصال بموجب هذه الآية 24 شهرا.
وفي سورة الأحقاف وردت الآية التالية\"ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثين شهر إلى نهاية الآية\"فلو نقصنا مدة 24 شهرا الواردة في سورة لقمان من مدة 30 شهرا الواردة في سورة الأحقاف تبقى مدة 6 أشهر هي مدة الحمل ولكن مدة الحمل الاعتيادية والمعروفة هي 9 أشهر فما هو تفسير ذلك أرجو إجابتكم جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية ذكرت أقل مدة الحمل ولم تذكر غالبه لأن غالبه أمر معروف لا يحتاج إلى ذكر، وفي ذكر أقل مدة الحمل فائدة عظيمة بحيث يعلم أن من كانت زوجة وأتت بولد بعد ستة أشهر من زواجها فإنه للزوج صاحب الفراش. وانظر الفتوى رقم: 13014، والفتوى رقم: 23882.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1427(2/2346)
الحكمة من إبهام عدد أصحاب الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[إشارة إلى الفتوى رقم38372 ورقم 33450 والمتعلقه بأهل الكهف حيث ذكر في القرآن الكريم أن العدد ما بين ثلاثة وثمانية مع كلبهم.
ماهو الهدف الفعلي الذي جعل الله جل جلاله يكتم العدد في القرآن الكريم وإعلام ابن عباس بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبهك أيها السائل الكريم إلى ضرورة التثبت في فهم كلام أهل العلم، واتهام النفس والإدراك قبل اتهامهم وتخطئتهم سيما إذا كان صاحب القول أحد الصحابة أو التابعين رضوان الله عليهم أجمعين، فقد يكون القول صحيحا لا غبار عليه، فيزل الفهم ويخطئ الوهم، فالتثبت التثبت.
وأما ما سألت عنه مما ذكر حول عدد أصحاب الكهف وسبب إبهام الله تعالى له: فالجواب عنه ما بيناه في الفتويين اللتين أشرت إليهما في سؤالك، وهو أن بعض أهل العلم فهم من رده سبحانه وتعالى للقولين الأولين في عددهم وكونهما رجما بالغيب وسكوته عن الثالث أن عددهم هو الأخير المسكوت عنه. قال تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا {الكهف: 22} فسكت سبحانه عن القول الثالث ولم يرده وقال: مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ. فلم ينف علمهم عن الناس جميعا بل أثبته لأولئك القلة، وابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن أحد أولئك القلة كما قال عن نفسه رضي الله عنه، ولا غرو فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم فقهه في الدين، رواه البخاري ومسلم. وأما سبب إبهام الله تعالى لعددهم وإعراضه عنه فهو كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى: اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال، حقق القولين وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فقال في مثل هذا: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ أهـ.
وهكذا في كثير من القصص القرآني، فإنما ذكر ما ينفع الناس وتحصل به الموعظة والعبرة وأعرض عما لا يفيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1427(2/2347)
تفسير قوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير معنى انشراح الصدر للإسلام أو ضيقه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننقل لك ما أورده فيه القرطبي في تفسيره عن انشراح الصدر وضيقه، حيث قال:
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام أي يوسعه له، ويوفقه ويزين عنده ثوابه. ويقال: شرح شق، وأصله التوسعة. وشرح الله صدره وسعه بالبيان لذلك. وشرحت الأمر: بينته وأوضحته ... ومن يرد أن يضله يغويه يجعل صدره ضيقا حرجا ... والحرجة الغيضة، والجمع حرج وحرجات. ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه في تركه هواه للمعاصي، قاله الهروي. وقال ابن عباس: الحرج موضع الشجر الملتف، فكأن قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1427(2/2348)
تفسير قوله تعالى (ومن أعرض عن ذكري..)
[السُّؤَالُ]
ـ[وفقكم الله ورعاكم بعنايته للخير وحل المشكلات
أود تفسير معنى الآية: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية التي تسأل عن تفسيرها هي قول الله تعالى: ومن أعرض عن ذكري فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه: 124} . ونورد لك ما أورده ابن كثير في تفسيرها قال: ومن أعرض عن ذكري، أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه، فإن له معيشة ضنكاً أي ضنكا في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1427(2/2349)
تفسير قوله تعالى (إنا عرضنا الأمانة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}
ما المقصود بالأمانة وما الفوائد من هذه الآية الكريمة؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمانة في الآية الكريمة هي الدين كله، وكنا قد بينا ذلك من قبل، فراجع فيه فتوانا رقم: 31088،
وأما الفوائد من الآية الكريمة فهي كثيرة ولا أحد يستطيع حصرها، مثلها في ذلك مثل سائر القرآن، والقرآن كله كتاب دعوة وهدى ونور، وهو نجاة وهدى لمن قرأه وآمن به وعمل بمقتضى ما اشتمل عليه من أحكام، وهذه الآية الكريمة تبين أن الله تعالى قد كرم هذا الإنسان، حيث خصه بأعمال وتكاليف لم يعطها لغيره من مخلوقاته، وخصه بالتكريم في الآخرة، حيث يحيا حياة أبدية في النعيم المقيم، يرى ربه، ويساكن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
فإذا لم يحفظ هذه الأمانة فإنه يكون بذلك ظلوما جهولا، أي: كثير الظلم والجهل، وراجع لمزيد الفائدة كتاب: أضواء البيان للشيخ الشنقيطي، وكتب التفسير الأخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1427(2/2350)
تفسير قوله تعالى (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الله تعالى في أخذ الربا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ، ومعنى الآية فيما معناها كأنما يتخبطه الشيطان من المس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الكلام على معنى قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا {البقرة: 278} ، فقد تقدم في الفتوى رقم: 53497.
وأما الآية الأخرى وهي قول الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ {البقرة:275} ، فيقول عنها العلامة ابن كثير في معناها ما يلي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له وذلك أنه يقوم قياما منكراً، وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق. رواه ابن أبي حاتم.
وقوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا. أي إنما جوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام الله في شرعه وليس هذا قياسا منهم للربا على البيع لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذي شرعه الله في القرآن ولو كان هذا من باب القياس لقالوا: إنما الربا مثل البيع وإنما قالوا: إنما البيع مثل الربا. أي هو نظيره فلم حرم هذا وأبيح هذا؟ وهذا اعتراض منهم على الشرع أي هذا مثل هذا وقد أحل هذا وحرم هذا، وقوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا. يحتمل أن يكون من تمام الكلام رداً عليهم أي على ما قالوه من الاعتراض مع علمهم بتفريق الله بين هذا وهذا حكما وهو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده فيبيحه لهم وما يضرهم ينهاهم عنه وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل، ولهذا قال: فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ. أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه فله ما سلف من المعاملة لقوله: عفا الله عما سلف. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، وأول ربا أضع ربا العباس. ولم يأمرهم برد الزيادات المأخوذة في حال الجاهلية بل عفا عما سلف، كما قال الله تعالى: فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ. قال سعيد بن جبير والسدي: فله ما سلف ما كان أكل من الربا قبل التحريم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1427(2/2351)
تفسير قوله تعالى: (ألم تر)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى (ألم تر) في كثير من الآيات القرآنية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات التي خاطب الله تعالى فيها رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ألم تر) كثيرة، منها قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ {البقرة: 243} . وقوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ {النساء: 77} . وقوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا {مريم: 83} .
قال الطبري في معنى قوله تعالى: (ألم تر) : يعني تعالى ذكره: ألم تر، ألم تعلم، يا محمد؟، وهو من رؤية القلب لا رؤية العين، لأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدرك الذين أخبر الله عنهم هذا الخبر، ورؤية القلب ما رآه، علمه به. فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد.
وقال القرطبي: قوله تعالى: (ألم تر) هذه رؤية القلب بمعنى ألم تعلم.
وقال الشوكاني في فتح القدير في تفسيره لآية البقرة: الرؤية هنا التي بمعنى الإدراك مضمنة معنى التنبيه، ويجوز أن تكون مضمنة معنى الانتهاء: أي ألم ينته علمك إليهم، أو معنى الوصول: أي ألم يصل علمك إليهم، ويجوز أن تكون بمعنى الرؤية البصرية: أي ألم تنظر إلى الذين خرجوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1426(2/2352)
معنى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد في قوله تعالى (اختلافا كثيرا) في قوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا: فهل يفيد مفهوم المخالفة منه وهو اختلافا قليلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قوله تعالى في هذه الآية (اخْتِلَافًا كَثِيرًا) أي تناقضا كثيرا، ففي تفسير البغوي: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا أي تفاوتا وتناقضا كثيرا قاله ابن عباس، وقيل: لوجدوا فيه أي في الإخبار عن الغيب بما كان وبما يكون اختلافا كثيرا أفلا يتفكرون فيه فيعرفوا بعدم التناقض فيه صدق ما يخبر أنه كلام الله تعالى لأن ما لا يكون من عند الله لا يخلو عن تناقض واختلاف.
وقال الشوكاني في فتح القدير: والمعنى أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفا غير مختلف صحيح المعاني قوي المباني بالغا في البلاغة إلى أعلى درجاتها، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أي تفاوتا وتناقضا، ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات والسور؛ لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت وعدم المطابقة للواقع، وهذا شأن كلام البشر لاسيما إذا طال وتعرض قائله للإخبار بالغيب فإنه لا يوجد منه صحيحا مطابقا للواقع إلا القليل النادر.
فالمراد من الآية أن كلام الله يخلو من التناقض والتضارب تماما، فلا اختلاف فيه على الإطلاق، وهذا المعنى قد دلت عليه آيات أخرى من القرآن الكريم، كقوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا {الزمر:23} .
قال ابن النحاس في معاني القرآن الكريم: قال قتادة: (متشابها) أي لا يختلف، قال أبو جعفر: والمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحكمة والحق؛ كما قال جل وعز: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً.
وكقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا {الكهف: 1} .
قال الشوكاني في فتح القدير: قال الزجاج: المعنى في الآية لم يجعل فيه اختلافا؛ كما قال: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.
وأما كلام غير الله ففيه الكثير من التناقض والتضارب، وهذا لا يسلم منه كبار علماء البشر وفطاحلهم؛ كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لقد ألفت هذه الكتب ولم آل جهدا فيها ولا بد أن يوجد فيها الخطأ لأن الله تعالى يقول: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب أو السنة فقد رجعت عنه. قال العجلوني في كشف الخفاء: أخرجه عبده بن شاكر في مناقبه.
وقال بعضهم: كم من كتاب قد تصفحته رجاء في نفسي أني أصلحته حتى إذا طالعته ثانيا وجدت تصحيفا فصححته.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فما أعلم أحدا من الخارجين عن الكتاب والسنة من جميع فرسان الكلام والفلسفة إلا ولا بد أن يتناقض، فيحيل ما أوجب نظيره ويوجب ما أحال نظيره، إذ كلامهم من عند غير الله، وقد قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1426(2/2353)
المقصود بإنزال الحديد وإنزال الأنعام
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فيها قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) سورة الحديد:25، ويقول تعالى: (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) الزمر:6، فهل أنزلت الأنعام من السماء مثل الحديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأنزل هنا بمعنى خلق لا أن الأنعام نزلت من السماء كالحديد على قول لأهل العلم لأن بعضهم قال بأن معنى قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ ... ) أي خلقناه وقال بعضهم أنه نزل من السماء فعلا مع آدم عليه السلام، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: وأنزل بمعنى خلق كما قال: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج. و: أنزلنا الحديد فيه بأس شديد. فيجوز أن يعبر عن الخلق بالإنزال لأن الذي في الأرض من الرزق إنما هو بما ينزل من السماء من المطر. انتهى.
وقال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير عند قوله تعالى: قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق.... ألخ ومعنى إنزال الرزق كون المطر ينزل من جهة العلو وكذلك يقضى الأمر في أرزاق العباد في السماء على ما قد ثبت في اللوح المحفوظ..... وأنزل بمعنى خلق كما قال: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد. انتهى.
والحاصل أن معنى قوله تعالى: وأنزل لكم من الأنعام. أي خلق لكم من الأنعام وأشار ابن كثير رحمه الله في تفسيره إلى أن الإنزال على حقيقته والمقصود به إنزال من ظهور الأنعام، فقال رحمه الله تعالى: أي خلق لكم من ظهور الأنعام ثمانية أزواج.
انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(2/2354)
تفسير قوله تعالى (ونفخ في الصور)
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في كتاب الله عز وجل قوله تعالى \" ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون...... الآية\" ما معنى كلمة الصور؟
مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراد بالصور في قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ {يس: 51} قرن عظيم ينفخ فيه إسرافيل للبعث إذا أمر بذلك، روى الترمذي في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال أعرابيُّ: يا رسول الله ما الصور؟ ! قال: قرن ينفخ فيه. وروى أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ. قال المسلمون فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا": حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله ربنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(2/2355)
تفسير قوله تعالى (أفرأيت الذي كفر بآياتنا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماتفسيرقوله تعالى (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأُوتين مالاً وولدا) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية الكريمة نزلت في العاص بن وائل السهمي أحد مشركي قريش، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن خباب رضي الله عنه قال: كنت قيناً في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث، قال: دعني حتى أموت وأبعث فسأوتى مالاً وولداً فأقضيك، فنزلت: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا {مريم: 77 ـ 78} الآيات
وقوله تعالى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} إنكار على هذا القائل أَعَلمَ مَالَه في الآخرة حتى تألى وحلف على ذلك.
وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} أم له عهد عند الله سيؤتيه ذلك؟ !!
قال تعالى: {كَلَّا} وهي حرف ردع وزجر أي ليس الأمر كما قال بل {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} أي من طلبه ذلك وحكمه بنفسه بما يتمناه وكفره بالله العظيم {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} أي في الدار الآخرة على قوله ذلك وكفره بالله العظيم.
وبإمكان الأخ السائل الرجوع إلى كتب التفسير لمزيد من الاطلاع حول هذه الآية الكريمة، وكتب التفسير ولله الحمد موجودة ومتوفرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(2/2356)
تفسير (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مناسبة نزول الآية في سورة المائدة \" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك \" وهل صحيح أن الآية تعطي لعلي بن أبي طالب حق الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية من سورة المائدة، ويذكر المفسرون أنها نزلت بين مكة والمدينة في طريقه صلى الله عليه وسلم إلى حجة الوداع أو في ذهابه منها. واختلف في سب نزولها قال البغوي: روى الحسن: أن الله تعالى لما بعث رسوله ضاق ذرعا وعرف أن من الناس من يكذبه فنزلت هذه الآية. وقيل: نزلت في عيب اليهود وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الإسلام فقالوا: أسلمنا قبلك، وجعلوا يستهزؤون به فيقولون له: تريد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم حنانا، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سكت فنزلت هذه الآية وأمره أن يقول لهم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ.... {المائدة: 68} الآية. وقيل: بلغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص، نزلت في قصة اليهود. وقيل: نزلت في أمر زينب بنت جحش ونكاحها. وقيل: في الجهاد وذلك أن المنافقين كرهوه. انتهى.
وقد فسرت بتفسيرات كثيرة، قال القرطبي: والصحيح القول بالعموم، قال ابن عباس: المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك فإن كتمت شيئا منه فما بلغت رسالته، وهذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم، وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئا من أمر شريعته. وقد علم الله تعالى من أمر نبيه أنه لا يكتم شيئا من وحيه (قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب الله يقول يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ {المائدة: 67} الآية.
قال الألوسي: وزعمت طائفة أن المراد بما أنزلنا إليك خلافة علي كرم الله تعالى وجهه! فقد رووا بأسانيدهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن الله تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستخلف عليا كرم الله تعالى وجهه، فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعا له عليه الصلاة والسلام بما أمره بأدائه.. ثم ساق الروايات الصحيحة والضعيفة في ذلك وختمها بقوله: والمعول عليه فيها ما أشرنا إليه ونحوه مما ليس فيه خبر الاستخلاف كما تزعمه تلك الطائفة. انتهى منه بتصرف يسير.
قال الشوكاني: العموم الكائن في ما أنزل يفيد أنه يجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ جميع ما أنزل الله إليه لا يكتم منه شيئا، وفيه دليل على أنه لم يسر إلى أحد مما يتعلق بما أنزله الله إليه شيئا.
والحاصل أنه ليس في تلك الآية ما يدل على أحقية علي بالخلافة كما بينا؛ بل المقصود بها إبلاغ عموم الرسالة، وقد بينها صلى الله عليه وسلم ولم يكتم منها شيئا، ولو كانت تدل على خلافة علي وأنه كان كاتما لذلك قبل نزولها لبينه صلى الله عليه وسلم. قال الألوسي: ويدل لذلك ما رواه أبو نعيم عن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضي الله تعالى عنهما أنهم سألوه عن هذا الخبر "قوله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه "هل هو نص على خلافة علي كرم الله تعالى وجهه؟ فقال: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد خلافته لقال: أيها الناس هذا ولي أمري والقائم عليكم بعدي فاسمعوا وأطيعوا. ثم قال الحسن: أقسم بالله سبحانه أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لو آثرا عليا لأجلى هذا الأمر. انتهى من كتابه روح المعاني بتصرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(2/2357)
تفسير كلمة (التابوت)
[السُّؤَالُ]
ـ[زادكم الله علما لدي سؤال وهو ما معنى كلمة (التابوت) التي وردت في القرآن الكريم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتابوت هو صندوق من الخشب. قال البغوي: وكان من عود الشمشاذ نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين، وهذا هو التابوت الذي ذكر الله أن فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون.
وقال البيضاوي: التابوت: الصندوق، وكان من الخشب مموها بالذهب، وكذلك الصندوق الذي ألقت أم موسى فيه موسى كان من خشب؛ كما ذكر القرطبي وغيره، والتابوت الأضلاع وما تحويه. قال ابن منظور: وسميت تابوتا تشبيها بالصندوق الذي يحرز فيه المتاع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1426(2/2358)
تفسير (قل هو الله أحد) وحكم قول أحد الأشخاص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة أحد في سورة الإخلاص\" قل هو الله أحد \" ومعناها حينما نقول أحد الأشخاص؟ إذا كان معنى أحد في الآية واحدا فما معناها في الثانية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد {الإخلاص: 1} كما قال ابن كثير: يعني الواحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل. أـ هـ
وأما قول الناس ((أحد الأشخاص)) فهو خطأ لأن كلمة أحد لا تطلق في الإثبات إلا على الله تعالى، قال ابن كثير في تفسير سورة الإخلاص: ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله.
فقول الناس ((جاءني أحد الأشخاص)) خطأ هذا في الإثبات، وأما في النفي فيصح أن يقال ((ما جاءني أحد)) وانظر الفتوى رقم: 1805، والفتوى رقم: 63707، وكلاهما حول الفرق بين الواحد والأحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو الحجة 1426(2/2359)
معنى (ولا يحض على طعام المسكين)
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة في الشبكة الإسلامية ما معنى قوله تعالى ولا يحض على طعام المسكين حيث إن الآيات تقول إنه من المكذبين بالدين وإنه من أصحاب النار وهل يجب على كل مسلم أن يحض على طعام المسكين وإذا لم يحض هل تشمله الآية الكريمة أم أن هناك معنى آخر للحض أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس المراد من الآية ـ والله أعلم ـ بيان أنه يجب على كل مسلم أن يحض على طعام المسكين، وأنه إن لم يفعل ذلك يكون مكذبا بالدين، وإن ما ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكافرين بأقبح صفاتهم تنفيرا للمسلمين منها حتى لا يتشبهوا بهم، فقال تعالى في وصف صاحب الشمال الذي يأخذ كتابه بشماله: إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ {الحاقة: 33-34} وليس معنى هذا أن من تشبه من المسلمين بالمشركين في بعض صفاتهم الذميمة والتي هي دون الكفر يصير منهم، فلا يستوي الكافر الذي لا يحض على طعام المسكين مع المسلم الذي لا يحض على طعام المسكين، وقد قال الله تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ {القلم: 35-36}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1426(2/2360)
حكمة التقديم والتأخير في ألفاظ الآية 62 من البقرة و69 من المائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توضيح الفرق في المعنى بين الآية 62 سورة البقرة والآية 69 سورة المائدة. وما هي الحكمة الإلهية في الاختلاف اللفظي واختلاف ترتيب الكلمات؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن بينا سبب الرفع في لفظ (الصابئون) في الآية 69 سورة المائدة، في الفتوى رقم: 2715 فراجعها.
وأما التقديم والتأخير في الألفاظ فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سبب ذلك، فننقل لك كلامه وقد تضمن أيضا سبب الرفع والنصب في كلمة الصابئين وفوائد أخرى، قال رحمه الله:
هذه الرسل وأممهم من نوح إلى الحواريين كلهم على الإسلام، وكذلك كل من كان قبلنا من أهل السعادة فهو مؤمن. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة: 62} وفي الآية الأخرى: وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى {المائدة: 69} فإن النصارى أفضل من الصابئين، فلما قدموا عليهم نصب لفظ الصابئون، ولكن الصابئون أقدم في الزمان فقدموا هاهنا لتقدم زمنهم، ورفع اللفظ ليكون ذلك عطفا على المحل, فإن المعطوف على المحل مرتبته التأخير ليشعر أنهم مؤخرون في المرتبة وإن قدموا في الزمن واللفظ.
وهو سبحانه ذكر في سورة الحج ملل العالم فقال: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {الحج: 17} فأخبر أنه يفصل بين أهل الملل أجمعين ولم يذكرهم هنا ليتبين المحمود منهم في الآخرة، وفي سورة البقرة والمائدة ذكر أربعة أصناف: المسلمين والذين هادوا والنصارى والصابئين؛ ثم قال: مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة: 62} فدل على أن هذه الأربعة منهم من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا، وأولئك هم السعداء في الآخرة بخلاف من لم يكن من هؤلاء مؤمنا بالله واليوم الآخر.
فتأمل هذا الكلام المتين من هذا العالم الجليل فإنه غاية في الجودة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو الحجة 1426(2/2361)
سبب رفع (الصابئون) في آية سورة المائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف لماذا جاءت \"الصَّابِئِينَ\" منصوبه فى سوره الحج الآيه 17 ثم جاءت مرفوعة \"الصَّابِئُونَ\"
فى سوره المائده الآيه 69 مع ملاحظة تماثل الآيات حتى كلمة النصارى
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} الحج17
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} المائدة69
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف النحاة في سبب رفع (الصابئون) في آية سورة المائدة، والراحج من أقوالهم أنها مرفوعة على الابتداء، وذلك أن العرب إذا أتوا بكلام مؤكد بحرف إن وأتوا باسم إن وخبرها وأرادوا أن يعطفوا على اسمها معطوفاً هو غريب في ذلك الحكم جيء بالمعطوف الغريب مرفوعاً ليدلوا بذلك على أنهم أرادوا عطف الجمل لا عطف المفردات، ولما كان الصابئون أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى في حال الجاهلية قبل مجيء الإسلام، لأنهم التزموا عبادة الكواكب، وكانوا مع ذلك ممن تحق لهم النجاة إن آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً، كان الإتيان بلفظهم مرفوعاً تنبيها على ذلك.
قال الألوسي في روح المعاني: ورفع (الصابئون) على الابتداء وخبره محذوف لدلالة خبر إن عليه والنية فيه والتأخير عما في خبر إن. والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كيت وكيت والصابئون كذلك بناء على أن المحذوف في إن زيداً وعمرو قائم خبر الثاني لا الأول كما هو مذهب بعض النحاة. انتهى
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وجمهور المفسرين جعلوا قوله (والصابئون) مبتدأ وقدروا له خبر محذوفاً لدلالة خبر إن عليه، وأن أصل النظم: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى لهم أجرهم إلخ، والصابئون كذلك، جعلوه كقول ضابي بن الحارث: فإني وقبار بها لغريب، وبعض المفسرين قدروا تقادير أخرى أنهاها الألوسي إلى خمسة.
والذي سلكناه أوضح وأجرى على أسلوب النظم وأليق بمعنى هذه الآية. وبعد فمما يجب أن يوقن به إن هذا اللفظ كذلك نزل، وكذلك نطق به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك تلقاه المسلمون منه وقرؤوه، وكتب في المصاحف، وهم عرب خلص، فكان لنا أصلاً نتعرف منه أسلوباً من أساليب استعمال العرب في العطف وإن كان استعمالاً غير شائع لكنه من الفصاحة والإيجاز بمكان، وذلك أن من الشائع في الكلام أنه إذا أتى بكلام مؤكد بحرف إن وأتى باسم إن وخبرها وأريد أن يعطفوا على اسمها معطوفاً هو غريب في ذلك الحكم جيء بالمعطوف الغريب مرفوعاً ليدلوا بذلك على أنهم أرادوا عطف الجمل لا عطف المفردات، فيقدر السامع خبراً يقدره بحسب سياق الكلام، ومن ذلك قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ {التوبة: 3} أي ورسوله كذلك، فإن براءته منهم في حال كونه من ذي نسبهم وصهرهم أمر كالغريب ليظهر منه أن آصرة الدين أعظم من جميع تلك الأواصر، وكذلك هذا المعطوف هنا لما كان الصابئون أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى في حال الجاهلية قبل مجيء الإسلام، لأنهم التزموا عبادة الكواكب، وكانوا مع ذلك تحق لهم النجاة إن آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً، كان الإتيان بلفظهم مرفوعاً تنبيها على ذلك. انتهى
وقد جاء ذكر الصابئين في سورة الحج مقدماً على النصارى ومنصوباً وذلك لأن الحكم على الصابئين هنا يساوي الحكم على غيرهم، فالأمر يتصل هنا بفصل القضاء والحكم بين الناس بالحق، وهذا يستوي فيه الجميع، فلا حاجة حينئذ لرفعه لعدم اختلافه في الحكم كما في سورة المائدة، فحصل هنا مقتضى حال واحدة وهو المبادرة بتعجيل الإعلام بشمول فصل القضاء بينهم، وأنهم أمام عدل الله يساوون غيرهم.
هذا ولك أن تراجع شراح ألفية ابن مالك عند قوله في باب (إن وأخواتها)
وجائز رفعك معطوفاً على منصوب إنَّ بعد أن تستكملا
وألحقت بإن لكن وأن من دون ليت ولعل وكأن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(2/2362)
عبد الله المذكور في سورة الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو عبد الله الذي ذكره الرحمن في الآية رقم 19 في سورة الجن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عبد الله المذكور في سورة الجن هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1426(2/2363)
دفع التعارض المتوهم بين آيتين من كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من حضرتكم الإفادة عن كيفية الجمع بين هاتين الآيتين: \" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء\" وقوله تعالى \" واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى\"؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين الآيتين فالآية الأولى تفيد أنه سبحانه تعهد على نفسه بالمغفرة لمن تاب إليه وعمل الأعمال الصالحة كما قال في الآية الأخرى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39} وقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ {الفرقان: 69 ـ 70} وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54}
وأما الآية الأخرى فإن شطرها الأول الوارد في الكفار محمول على عدم غفران الشرك إذا مات صاحبه عليه، وأما لو آمن المشرك فإنه يغفر له اتفاقاً لقوله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82} ولقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38}
وأما الجملة الأخرى الواردة فيما دون الشرك فإنه قد حملها أهل العلم على العصاة المسلمين الذين ما توا قبل التوبة، فهم داخلون تحت مشيئة الله إن شاء غفر لهم وعفا عنهم تفضلاً وتكرماً منه سبحانه وتعالى، وإن شاء عذبهم وعاقبهم على معاصيهم، وأما لو تاب العاصي قل الوصول إلى الغرغرة فإنا نرجو له المغفرة من الله تعالى لقوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ {النساء: 17} وللآيات التي ذكرناها سابقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(2/2364)
العلاقة بين الغيب وقول سليمان وأوتينا من كل شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي العلاقة بين الغيب وبين قول سليمان أؤتينا من كل شيء، وما هي العلاقة بينهما وبين قوله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه، الرجاء الإجابه على قدر الاستطاعه والعلم, وعلى عدم الإجابة بأن الله وحده أعلم لأننا نعلم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تظهر لنا علاقة بين الغيب وبين ما سألت عنه فمعنى: وأوتينا من كل شيء. كل شيء تدعو إليه الحاجة، كالعلم والنبوة والحكمة والمال وتسخير الجن والإنس والطير والرياح والوحش والدواب، كذا قال الشوكاني في التفسير.
والمراد بالجملة الثانية: أن المصلحة في الشكر للشاكر لا لله تعالى نظراً لكمال غناه عن الخلق.
قال القرطبي: ومن شكر فإنما يشكر لنفسه أي لا يرجع نفع ذلك إلا إلى نفسه، حيث استوجب بشكره تمام النعمة ودوامها، والمزيد منها والشكر قيد النعمة الموجودة، وبه تنال النعمة المفقودة.
ولا ينافي هذا أنه قد يطلع الله أنبياءه على شيء من الغيب عن طريق الوحي تأييداً لهم، كما قال الله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ....... {الجن:26-27} ، ولكن ذلك ليس مأخوذاً من هاتين الآيتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1426(2/2365)
المراد بـ (قوم لوط)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين أصحاب لوط وبين قوم لوط، وما هو الفرق الزمني بينهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن لم تأت فيه كلمة أصحاب لوط ولم نعثر عليها كذلك في كتب الحديث التي بين أيدينا، وإنما جاء الوحي بكلمة قوم لوط، والمراد بهم أمته التي بعث فيها، وهم قوم كانوا يسكنون بسدوم وهي من أرض الشام، ولم يكن لوط من أهل هذه المنطقة، بل كان من أرض بابل بالعراق، وراجع الفتوى رقم: 37191.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1426(2/2366)
من معاني (الر) و (المر)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين ال م وبين ال م ر الرجاء التوضيح إن أمكن الرجاء بعدم الإجابه بأن الله أعلم لأننا نعلم ذلك وإجابة بأننا لا نعلم الفرق إن كان هنالك الفرق الرجاء الإجابه بالعربية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر بعض المفسرين فروقاً بين (الر) وبين (المر) ، ونحن ننقلها بغض النظر عن اعتمادها وترجيحها، فذكر بعضهم أن معنى الر: أنا الله أرى، وأن معنى المر: أنا الله أعلم وأرى. وذكر بعضهم أن معناها أنا الله الملك الرحمن، وذكر بعضهم أن معناها التوراة. قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا علي بن الحسين، ثنا علي بن زنجة، ثنا علي بن الحسن عن الحسين بن واقد عن مطير في قوله: المر قال: المر التوارة.
وقال السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس أن معنى ذلك: أنا الله أعلم وأرى وهو أحد أقوال مشهورة في مثل ذلك. وقال ابن الجوزي في التفسير: وقد روي عن ابن عباس في تفسير هذه الكلمة ثلاثة أقوال: أحدها: أن معناها أنا الله أعلم وأرى رواه أبو الضحى عنه، والثاني: أنا الله أرى رواه سعيد بن جبير عنه، والثالث: أنا الله الملك الرحمن رواه عطاء عنه.
ولكن الصحيح هو أن هذا مما استأثر الله بعلمه فنقول: الله أعلم بمراد بذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(2/2367)
معنى القانتات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى القانتات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى القانتات: أي المطيعات كما ذكر الطبري وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(2/2368)
تفسير (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوا منكم شرح المفردات التالية\"الميسر، الأنصاب، الأزلام ورجس\" كما جاء في قوله تعالى: \"إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون\" سورة المائدة 90. وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال البغوي رحمه الله: الميسر: أي القمار، والأنصاب: يعني الأوثان سميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها، والأزلام: يعني القداح التي كانوا يستقسمون بها واحدها زلم، رجس: يعني خبيث مستقذر. انتهى بتصرف. قال الطبري: وأما {الميسر} فإنها المفعل من قول القائل: يسر لي هذا الأمر إذا وجب لي فهو ييسر لي يسرا وميسرا، والياسر الواجب بقداح، ثم قيل للمقامر: ياسر ويسر. فالميسر هو القمار. وأما الأنصاب فقال ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وغير واحد: هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها. وأما الأزلام فقالوا أيضا: هي قداح كانوا يستقسمون بها. رواه ابن أبي حاتم. نقله ابن كثير. وقال القرطبي والشوكاني: الأنصاب هي الأصنام و (رجس) أي إثم كما قال الطبري، وقيل، سخط أو شر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1426(2/2369)
تفسير (وآتاكم من كل ما سألتموه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير هذه الآية (وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمه الله لا تحصوها.) إلى آخر الآية وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننقل لك ما جاء به ابن كثير في تفسيره للآية المذكورة حيث قال: وآتاكم من كل ما سألتموه، يقول: هيأ لكم ما تحتاجون إليه في جميع أحوالكم مما تسألونه بحالكم. وقال بعض السلف: من كل ما سألتموه وما لم تسألوه ... وقوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. يخبر تعالى عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلاً عن القيام بشكرها، كما قال طلق بن حبيب رحمه الله: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين ...
وقال في زاد الميسر: قوله تعالى: لظلوم كفار، الظلوم هاهنا: الشاكر غير من أنعم عليه، والكفار: الجحود لنعم الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1426(2/2370)
تفسير (وتعاونوا على البر والتقوى..)
[السُّؤَالُ]
ـ[شرح الحديث الشريف: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي سألت عنه بعض آية من القرآن وليس حديثاً، وقد قال ابن كثير في تفسيرها: قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} ، يأمر عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم، قال ابن جرير: الإثم ترك ما أمر الله بفعله، والعدوان مجاوزة ما حد الله في دينكم، ومجاوزة ما فرض الله عليكم في أنفسكم وفي غيركم.
ولابن القيم رحمه الله رسالة مهمة في شرحها اسمها (الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه) وقد أطال النفس فيها، وهي موجودة على الإنترنت فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(2/2371)
تفسير قوله تعالى (لقد من الله على المؤمنين..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح\" لقد من الله \"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت الجملة المذكورة بهذا اللفظ في موضع واحد من كتاب الله عز وجل في سورة آل عمران الآية 164. قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
كما جاء هذا المعنى في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، منها قول الله تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ {البقرة: 151} . وقال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {التوبة: 128} وقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {الجمعة: 2}
فهذه الآيات وما أشبهها توضح بجلاء هذه المنة العظيمة التي امتن بها المنان الكريم سبحانه وتعالى على البشرية كلها ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم وعلى المؤمنين خاصة لتمام المنة عليهم.
وقال الألوسي رحمه الله: لقد من الله: أي أنعم وتفضل وأصل المن القطع وسميت النعمة منة لأنه يقطع بها عن البلية. اهـ.
قال أهل التفسير: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هذا جواب قسم محذوف وخص المؤمنين لأنهم المنتفعون ببعثته ووجه المنة ببعثته صلى الله عليه وسلم أنهم يفهمون كلامه ويفقهون ما يقول فلا يحتاجون إلى ترجمان، وأنهم يأنسون به بجامع البشرية ولو كان ملكا لم يحصل لهم به كمال الأنس لاختلاف الجنس ويستطيعون الاقتداء به في عباداته وأخلاقه كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ {الأحزاب: 21}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1426(2/2372)
معنى قوله تعالى (المؤتفكات)
[السُّؤَالُ]
ـ[تمر بي آيات بينات بها قوله تعالى:\" ... ملكت أيمانكم..\"- \" ... ملكت أيمانهم..\" -\" ... ملكت أيمانهن ... \" -\" ... ملكت يمينك ... \" فما معنى ذلك؟ وما حكم الشرع في ذلك؟ -2- فى قوله تعالى:\" وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة \" الآية 9 من سورة الحاقة، فهل معنى \" المؤتفكات \" فى الآيةهم قوم لوط أم قوم شعيب؟ وأنا أرى أن الصواب هم قوم لوط لا قوم شعيب كما هو موجود فى اختبر معلوماتك، أسئلة القرآ ن الكريم، مستوى متنوع بالأمس ومستوى صعب أول أمس، أما قوم شعيب فهم أصحاب الأيكة، كما فى الآية78 من سورة الحجر؟
وجزاكم الله ألف الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا معنى ملك اليمين وحكمه في الشرع في الفتوى رقم: 6700، والفتوى رقم: 3272. والآيات التي ذكرتها كلها عنه وإن اختلفت الضمائر التي أضيف إليها.
وأما المقصود بالمؤتفكات في الآية فأغلب المفسرين على أنه قوم لوط. قال الطبري: هي القرى التي ائتفكت بعملها فصار عاليها سافلها {بالخاطئة} يعني بالخطيئة وكانت خطيئتها: إتيانها الذكران في أدبارهم. وذكر عن قتادة وابن زيد أن الموتفكات هم قرى قوم لوط. وبنحو ذلك قال القرطبي والشوكاني والبيضاوي والسيوطي وغيرهم.
وقال ابن كثير: {والمؤتفكات} هم الأمم المكذبون بالرسل {بالخاطئة} وهي التكذيب بما أنزل الله. فجعل المقصود كل الأمم التي كذبت رسلها ومنها قوم لوط وغيرها من الأمم.
وقال البغوي: والمؤتفكات أي: قرى قوم لوط، يريد أهل المؤتفكات، وقيل: يريد الأمم الذين ائتفكوا بخطيئتهم أي أهلكوا بذنوبهم.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: والمؤتفكات ثلاثة أقوال: أحدها: قرى قوم لوط، والمعنى وأهل المؤتفكات قاله الأكثر، والثاني: أنهم الذين ائتفكوا بذنوبهم أي هلكوا بالذنوب التي معظمها الإفك وهو الكذب قاله الزجاج، والثالث: أنه قارون وقومه حكاه الماوردي.
ويتبين من خلال تلك الأقوال كلها أن المقصود بالمؤتفكات إما خاص وهو قوم لوط، أو قارون وقومه، أو عام وهو كل الأمم التي كذبت رسلها، إضافة إلى ما ذكره ابن الجوزي عن الماوردي. ولم نقف فيما اطلعنا عليه على أن المقصود بها هم قوم شعيب. والمصدر الذي نقلت عنه ذلك مصدر غير موثوق، وليس في اللفظ ولا في سياق الآية ما يدل على أن المقصود بها هم قوم شعيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(2/2373)
تفسير قوله تعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية (اقتربت الساعة وانشق القمر) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى اقتربت الساعة دنا الوقت الذي تقوم فيه الساعة, ويحتمل أن يكون ذلك باعتبار كون ما بقي من الزمن الدنيوي بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم قليل بالنسبة لما مضى، ويدل لهذا ما في الحديث عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا شق يسير فقال: والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه. قال الهيثمي رواه البزار من طريق خلف بن موسى عن أبيه وقد وثقا وبقية رجاله رجال الصحيح، ومعنى شق يسير: شيء يسير.
ومعنى انشق القمر، انفلق وقد حصل ذلك فعلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نقل ابن كثير في تفسيره الاتفاق على ذلك ووروده في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 43832، والفتوى رقم: 16869.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1426(2/2374)
العلوم التي تشملها آية (قل هل يستوي الذين يعلمون..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتضمن المقصود من العلماء في آية هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون العلماء في مجالات الحياة غير العلم الشرعي كعلماء الطب والهندسة وغيرها مع الالتزام طبعا بتقوى الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن قول الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ. والآيات الأخرى والأحاديث التي تحث على العلم، تتنزل ابتداء على طلب العلم الشرعي، لأنه أفضل العلوم وأشرفها. قال محمد بن مفلح في الآداب الشرعية: أفضل العلوم عند الجمهور بعد معرفة أصل الدين وعلم اليقين معرفة الفقه والأحكام الفاصلة بين الحلال والحرام.
وفي رسالة ابن أبي زيد القيرواني: وأولى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله علم دينه وشرائعه مما أمر به ونهى عنه، ودعا إليه وحض عليه في كتابه، وعلى لسان نبيه، والتفقه في ذلك والتفهم فيه والتهمم برعايته والعمل به ...
ومع ذلك فالعلوم الدنيوية النافعة التي فيها خدمة للأمة وإعانة لها على أمور دينها ودنياها كالطب والهندسة وغيرهما، إذا التزم أصحابها بالتقوى هي مما تشمله الآية الكريمة.
وأما العلوم التي لا تشملها تلك الآية، والتي وردت مذمتها في كتاب الله، فهي التي كان أهلها في غفلة عن الآخرة. قال تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {الروم: 6-7} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1426(2/2375)
العدد الذي لا يجوز الفرار منه عند القتال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يفهم من الآية الكريمة في سورة الأنفال رقم 65 تحديد النسبة أو النصاب الأعلى والأدنى لخوض معركة مع الأعداء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآية المشار إليها هي قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ {الأنفال:65} ، كان هذا في بداية الأمر فكان على الواحد من المسلمين أن يقاتل عشرة من المشركين وعلى العشرة أن يقاتلوا مائة وهكذا، فلا يجوز الفرار أمام المشركين إذا كان العدد بهذه النسبة، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها وخفف الحكم بأن يقاتل الواحد منهم اثنين من المشركين، فنزل قول الله تعالى: الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {الأنفال:66} ، ففي صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين. شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم ألا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف فقال الله تعالى: الآن خفف الله عنكم ... قال: فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم. ولذلك فالآية كانت تحدد النسبة التي لا يجوز للمسلمين الفرار منها إذا لم يتجاوزها الكفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1426(2/2376)
تفسير (ذلك لمن خشي العنت..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً: جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع وخاصة الاستشارات والفتاوى.
لقد ورد في كتاب الله العزيز قوله تعالى {ذلك لمن خشي العنت منكم} فأريد أن أسأل إن كان شاب في سن الزواج لا يستطيع الزواج الآن فكم من الوقت قد يمضي دون زواج قبل أن يصيبه العنت، لأن الأمر قد يطول والله أعلم فوحده بيده الرزق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال العيني في عمدة القاري في معنى "العنت": هو الإثم والضرر بغلبة الشهوة. هكذا فسره الثعلبي. ويقال العنت الزنى، وهو في الأصل المشقة.
وقال الفتوحي في حسن الأسوة: العنت أي الوقوع في الإثم. وقيل الزنى، وأريد به هنا ما يجر إليه الزنى من العقاب الدنيوي والأخروي.
وقال مالك في الموطأ: العنت هو الزنى. وقال البيهقي: هو الفجور. قال القرطبي: ومن خشي على نفسه العنت والضرر بالوقوع في المعصية وجب عليه الزواج إذا كان يستطيعه ولا يكسر شهوته إلا به. انتهى بتصرف.
إذن معنى العنت في الآية هو الزنى والوقوع في المعصية بسبب غلبة الشهوة، ولا وقت محدد في الشرع لحصول ذلك، بل متى وجد المرء من نفسه غلبة شهوته وتوقان نفسه إلى النساء وخشي من الوقوع في الزنا وجب عليه الزواج إذا استطاع، فإن لم يستطع فعليه بالصوم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
ولا ينبغي أن يكون الفقر عائقًا دون ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى وعد طالبي العفاف بالغنى؛ كما في قوله: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32} . وعند النسائي والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. وحسنه الألباني، وأخرجه عبد الرزاق، وذكر القرطبي في تفسيره أن عمر رضي الله عنه قال: عجبي ممن لا يطلب الغنى في النكاح وقد قال تعالى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ. وذكر ابن كثير في تفسيره أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1426(2/2377)
تفسير قوله تعالى (وكذك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالي: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ {75} فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ. هل تشير هذه الآيه إلى أن سيدنا إبراهيم رأى ملك الله على عظمته وسعته في السماء والأرض إذا كان لا فكيف تمكن من رؤية كوكب بالعين المجردة والمعروف أننا نرى الشمس والقمر وبعض النجوم بالعين المجردة ولا يوجد كوكب آخر تمكن الإنسان رؤيته بالعين المجردة، أم هل كان العلم في ذلك الوقت على درجة كبيرة من التطور ثم تراجع كما يذكر البعض، فرؤية الكواكب تكررت في ذكر قصة سيدنا يوسف ولم يكن أي استغراب أو استهجان من سيدنا يعقوب لحديث سيدنا يوسف عن الكواكب (إخوته) أي المصطلح كان معروفا وربما الهيئة والشكل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال أهل التفسير في هذه الآيات: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ {الأنعام:75} ، قالوا: وكما أراه الله تعالى البصيرة في دينه والحق في خلاف قومه أراه ملكوت السماوات والأرض ... وعن مجاهد: أراه الله ملكوت السماوات والأرض آياتها تفرجت له السماوات السبع حتى العرش فنظر فيهن، وتفرجت له الأرضون السبع فنظر فيهن، أراه الله تعالى ذلك ليكون من الموقنين بوحدانية الله تعالى وربوبيته وقدرته.... ونبوة إبراهيم ورسالته.. وقوله تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا...... {الأنعام:76} ، قصة أخرى عن إبراهيم عليه السلام، ورؤيته للكوكب ليس فيها دليل على وجود تقدم علمي في ذلك العصر أو عدمه، لأن الكوكب في اللغة يطلق على كل نجم يضيء، ولهذا فسر بعضهم الكوكب الذي رآه بالزهرة وبغير ذلك من الكواكب التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وكذلك الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام مع الشمس والقمر، فكل ذلك ليس فيه دليل على أنها كواكب بالمصطلح المعروف اليوم والتي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة ولم نقف على من قال بذلك من أهل التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1426(2/2378)
تفسير قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية..)
[السُّؤَالُ]
ـ[الحقيقة هناك عدم فهم للآية الكريمة التالية {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء16] . حيث إن ربنا جل وعلا لا يأمر بالفساد والفسوق، فكيف يكون قد أمر المترفين؟
أرجو المساعدة والشرح.. والحمد الله.. ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر الذي ورد في الآية الكريمة هو أمر بالطاعة وليس أمرًا بالفسوق والفساد، كما قال أهل التفسير: قال ابن كثير في تفسيره: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ. (الآية) قيل معناه: أمرناهم بالطاعة فخالفوا فدمرناهم ...
وفي أحكام القرآن للجصاص: قوله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا. قال سعيد: أمروا بالطاعة فعصوا ...
وقد دلت على هذا آيات كثيرة. قال الله تعالى: وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ * ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ {الشعراء:208، 209} . وقال: فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {يونس:47} .
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: ودلت الآية على أن الله لا يؤاخذ الناس إلا بعد أن يرشدهم رحمة منه لهم. وهي دليل بين على انتفاء مؤاخذة أحد ما لم تبلغه دعوة رسول من الله إلى قومه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1426(2/2379)
علة حذف من في قوله تعالى (تجري تحتها الأنهار)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين قوله تعالي \"تجري من تحتها الأنهار\" وقوله تعالي \"تجري تحتها الأنهار\" صدق الله العظيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ (تجري تحتها الأنهار) بدون (من) ورد في القرآن الكريم في موضع واحد في سورة التوبة الآية رقم 100 فقرأها الجمهور بدون (من) بالنصب على الظرفية، كما كتبت بذلك في مصاحف الأمصار ما عدا مصحف مكة، وقرأها ابن كثير بزيادة (من) كباقي أخواتها كما هو مكتوب في مصحف أهل مكة.
وقد ذكر العلامة ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير الفرق بين القراءتين فقال: وقد خالفت هذه الآية عند معظم القراء أخواتها فلم تذكر فيها (من) مع (تحتها) في غالب المصاحف، وفي رواية جمهور القراء فتكون خالية من التأكيد، إذ ليس لحرف (من) معنى مع أسماء الظروف إلا التأكيد، ويكون خلو الجملة من التأكيد لحصول ما يغني عنه من إفادة التقوي بتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي، ومن فعل (أعد) المؤذن بكمال العناية فلا يكون المعدُّ إلا أكمل نوعه.
وعلى هذا فـ (من) في الآيات الأخرى لزيادة التوكيد، وليست للبيان ... وعدم ذكرها في سورة التوبة لحصول ما يغني عنها من أدوات التوكيد، وذكرها في قراءة ابن كثير يفيد زيادة التوكيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1426(2/2380)
تفسير قوله تعالى (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات..)
[السُّؤَالُ]
ـ[والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا، هل يشمل الأذى الذي ورد في هذه الآية الكريمة كل مناحى الحياة بالنسبة للمؤمنين كأن تعطل مصالحهم مثلا أو تمنعهم حقا لهم كأن تقف في الطريق وتغلقه وتمنع مرورهم أو أن تسد عليهم المنافذ، أم هذا الأذى مقصور على الإساءة إليهم فقط في أعراضهم وكل ما يتعلق بخصوصياتهم؟
نأمل التفصيل ما أمكن. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأذى المذكور في الآية يشمل جميع ما يتأذى به المسلم قولا أو فعلا في عرضه أو ماله أو جسده.
وذلك لأن الأذى لغة هو الضرر غير الجسيم، قال تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى {آل عمران: 111} أي ضرر يسيراً فكل أذى بالمعنى اللغوي يدخل في الآية بالنص، وإذا كان الضرر اليسير محرماً بنص الآية فمن باب أولى الضرر الفاحش أو الإساءة أو منع الحق، قال القرطبي في تفسيره لهذه الآية: وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي بن كعب قرأت البارحة هذه الآية ففزعت منها، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا، والله أني لأضربهم وأنهرهم فقال له أبي: يا أمير المؤمنين لست منهم إنما أنت معلم ومقوم. فالشاهد أن عمر فهم أن الأذى في الآية غير قاصر على الأذى في العرض، وقال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير في تفسير الآية: بوجه من وجوه الأذى من قول أو فعل اهـ.
والخلاصة أن جميع أذى المسلم حرام، وأنه داخل في عموم الآية إلا ما كان عن قصاص ونحوه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1426(2/2381)
دروس من سورة الحجرات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما خصائص سورةالحجرات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سورة الحجرات سورة عظيمة جليلة لما تضمنته من آداب وأحكام ومبادئ في الأخلاق وغيرها، وهي كلها وحدة واحدة، موضوعها حقائق اعتقادية وتوجيهات أخلاقية للمسلمين كما قال سيد قطب، وهو خير من عني بالحديث عنها، فقد أبدع في الحديث عنها وفي بيان خصائصها بأسلوب علمي أدبي محكم، ولنفاسة ما ذكر حولها نقلناه لك بالحرف مع اختصار شديد لمحاور منه قال رحمه الله: هذه السورة التي لا تتجاوز ثماني عشرة آية، سورة جليلة ضخمة، تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة، ومن حقائق الوجود والإنسانية، حقائق تفتح للقلب وللعقل آفاقاً عالية وآماداً بعيدة، وتثير في النفس والذهن خواطر عميقة ومعاني كبيرة، وتشمل من مناهج التكوين والتنظيم، وقواعد التربية والتهذيب، ومبادئ التشريع والتوجيه، ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرات! وهي تبرز أمام النظر أمرين عظيمين للتدبر والتفكير. وأول ما يبرز للنظر عند مطالعة السورة، هو أنها تكاد تستقل بوضع معالم كاملة، لعالم رفيع كريم نظيف سليم، متضمنة القواعد والأصول والمبادئ والمناهج التي يقوم عليها هذا العالم والتي تكفل قيامه أولا، وصيانته أخيرا..... عالم له أدب مع الله، وأدب مع رسوله، وأدب مع نفسه، وأدب مع غيره. أدب في هواجس ضميره، وفي حركات جوارحه. وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه، وله نظمه التي تكفل صيانته.
وهو عالم له منهجه في التثبت من الأقوال والأفعال، والاستيثاق من مصدرها، قبل الحكم عليها، يستند هذا المنهج إلى تقوى الله، وإلى الرجوع بالأمر إلى رسول الله، في غير ما تقدم بين يديه، ولا اقتراح لم يطلبه ولم يأمر به، وهو عالم له نظمه وإجراءاته العملية في مواجهة ما يقع فيه من خلاف وفتن وقلاقل واندفاعات تخلخل كيانه لو تركت بغير علاج. وهو يواجهها بإجراءات عملية منبثقة من قاعدة الأخوة بين المؤمنين، ومن حقيقة العدل والإصلاح، إن الله عليم خبير.
والسورة بعد عرض هذه الحقائق الضخمة التي تكاد تستقل برسم معالم ذلك العالم الرفيع الكريم النظيف السليم، تحدد معالم الإيمان، الذي باسمه دعي المؤمنون إلى إقامة ذلك العالم، وتكشف السورة في ختامها عن ضخامة الهبة الإلهية للبشر. هبة الإيمان التي يمن بها على من يشاء، وفق ما يعلمه فيه من استحقاق: يمنون عليك أن أسلموا. قل: لا تمنوا علي إسلامكم. بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين، إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون..
فأما الأمر الثاني الذي يبرز للنظر من خلال السورة، ومن مراجعة المناسبات الواقعية التي صاحبت نزول آياتها، فهو هذا الجهد الضخم الثابت المطرد، الذي تمثله توجيهات القرآن الكريم والتربية النبوية الحكيمة، لإنشاء وتربية تلك الجماعة المسلمة، التي تمثل ذلك العالم الرفيع الكريم النظيف السليم، الذي وجدت حقيقته يوما على هذه الأرض فلم يعد منذ ذلك الحين فكرة مثالية، ولا حلماً طائرا، يعيش في الخيال.
الدرس الأول: 1 ــ 5 توجيه المسلمين إلى الأدب مع الرسول عليه السلام: غض الصوت وعدم التقدم عليه وعدم مناداته بجلافة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 1 ــ 5}
الدرس الثاني: 6 ــ 8 توجيه المسلمين للتثبت من خبر الفاسق وبيان آثار الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {الحجرات: 5 ـ 8} ...
كان النداء الأول لتقرير جهة القيادة ومصدر التلقي. وكان النداء الثاني لتقرير ما ينبغي من أدب للقيادة وتوقير. وكان هذا وذلك هو الأساس لكافة التوجيهات والتشريعات في السورة. فلا بد من وضوح المصدر الذي يتلقى عنه المؤمنون، ومن تقرير مكان القيادة وتوقيرها، لتصبح للتوجيهات بعد ذلك قيمتها ووزنها وطاعتها. ومن ثم جاء هذا النداء الثالث يبين للمؤمنين كيف يتلقون الأنباء وكيف يتصرفون بها، ويقرر ضرورة التثبت من مصدرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات: 6}
الدرس الثالث: 9 ــ 10 الإصلاح بين المؤمنين والتذكير بأخوتهم: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الحجرات: 8 ــ 10}
وهذه قاعدة تشريعية عملية لصيانة المجتمع المؤمن من الخصام والتفكك، تحت النزوات والاندفاعات. تأتي تعقيبا على تبين خبر الفاسق، وعدم العجلة والاندفاع وراء الحمية والحماسة، قبل التثبت والاستيقان.
الدرس الرابع: 11 تحريم السخرية والنبز واللمز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات: 11}
إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدي القرآن مجتمع له أدب رفيع، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس. وهي من كرامة المجموع. ولمز أي فرد هو لمز لذات النفس، لأن الجماعة كلها واحدة، كرامتها واحدة.
الدرس الخامس: 12 تحريم سوء الظن والغيبة والتجسس: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 12}
فأما هذه الآية فتقيم سياجاً آخر في هذا المجتمع الفاضل الكريم، حول حرمات الأشخاص به وكراماتهم وحرياتهم، بينما هي تعلم الناس كيف ينظفون مشاعرهم وضمائرهم، في أسلوب مؤثر عجيب.
الدرس السادس: 13 تذكير الناس بأصلهم، وأن التقوى أساس التفاضل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات: 13}
الدرس السابع 14 ــ 18 الإسلام والإيمان وآثارهما ومنة الله بهما
وفي ختام السورة تأتي المناسبة لبيان حقيقة الإيمان وقيمته، في الرد على الأعراب الذين قالوا: (آمنا) وهم لا يدركون حقيقة الإيمان. والذين منوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أنهم أسلموا وهم لا يقدرون منة الله على عباده بالإيمان
وللوقوف على كلامه بتمامه كاملاً غير منقوص ينبغي الرجوع إلى كتابه الظلال.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1426(2/2382)
تفسير (قل كل يعمل على شاكلته)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرح قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: كل يعمل على شاكلته ... صدق الله العظيم. جزاكم الله ألف خير.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ {الإسراء: 84} . قال: قال ابن عباس: على ناحيته. وقال مجاهد: على حدته وطبيعته. وقال قتادة: على نيته. وقال ابن زيد: دينه. وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى. وهذه الآية -والله أعلم- تهديد للمشركين ووعيد لهم؛ كقوله تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ {هود: 121} . ولهذا قال: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا {الإسراء: 84} . أي منا ومنكم، وسيجزي كل عامل بعمله، فإنه لا يخفى عليه خافية. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1426(2/2383)
الفرق بين المقسطين والقاسطون
[السُّؤَالُ]
ـ[الفرق في المعنى بين الآيتين الكريمتين، قوله تعالى: (وإذا حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) وقوله تعالى: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) ؟ ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفرق بينهما أن المقسطين من الفعل أقسط أي عدل، وأما القاسطون فهي من الفعل قسط أي جار، قال الطبري: يقال أقسط الحاكم فهو يقسط إقساطاً وهو مقسط إذا عدل في حكمه وأصاب الحق فيه، فإذا جار قيل قسط فهو يقسط قسوطاً، ومنه قول الله عزوجل: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا. يعني الجائرون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1426(2/2384)
تفسير (وغدوا على حرد قادرين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: على حرد قادرين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعناها كما قال القرطبي وغيره: على قصد وقدرة في أنفسهم ويظنون أنهم تمكنوا من مرادهم، قال معناه ابن عباس وغيره، والحرد القصد، حرد يحرِد بالكسر حردا قصد. وقال السدي وسفيان: على حرد، على غضب، ومعنى قادرين أي قد قدروا أمرهم وبنوا عليه.اهـ
وقال أبو عبيدة والقتيبي: غدوا ونيتهم على منع المساكين، يقال: حاردت السنة إذا لم يكن لها مطر، وحاردت الناقة إذا لم يكن لها لبن. ذكر ذلك البغوي.
والخلاصة أن الحرد يطلق على القصد والمنع والغضب، فهم قد غدوا على غضب وقصد منع المساكين مقدرين لذلك ومجتمعين عليه، قادرين على ثمار جنتهم لا يحول بينها وبينهم أحد؛ كما قال البغوي وغيره
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1426(2/2385)
تفسير (خلق الإنسان من عجل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أسأل عن معنى قوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون) بارك الله في جهودكم المخلصة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ {الأنبياء: 37} أي ركب على العجلة فخلق عجولا؛ كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْف {الروم: 54} أي خلق الإنسان ضعيفا، فطبع الإنسان العجلة فيستعجل كثيرا من الأشياء وإن كانت مضرة، والمراد بالإنسان قيل: آدم عليه السلام، وقيل المراد بالإنسان: الناس كلهم. ونظير هذه الآية قوله تعالى: وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا {الإسراء: 11} هكذا ذكره القرطبي، وقال الشوكاني: أي جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق من العجل. قال الزجاج: خوطبت العرب بما تعقل والعرب تقول للذي يكثر من الشيء: خلقت منه؛ كما تقول: أنت من لعب، تريد المبالغة في وصفه ب ذلك. ويدل على هذا المعنى قوله: وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا {الإسراء: 11} والمراد بالإنسان الجنس وقيل آدم. كما ذكره القرطبي وغيره من أئمة التفسير.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(2/2386)
وجه افتتاح سورة الرحمن باسم الرحمن
[السُّؤَالُ]
ـ[علام يدل افتتاح سورة الرحمن باسم الرحمن ولماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال البغوي: "الرحمن" قيل نزلت حين قالوا وما الرحمن، وقيل هي جواب لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر. وكذا في زاد المسير قال كفار مكة "وما الرحمن" فأنكروه وقالوا لا نعرف الرحمن، فقال تعالى الرحمن -الذي أنكروه- هو الذي علم القرآن.
وهذه الصيغة ثناء مبالغة من الرحمة كما قال الثعالبي في الجواهر الحسان: وفي بدء السورة بها براعة استهلال. كما قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير قال: وأوثر استحضار الجلالة باسم "الرحمن" دون غيره من الأسماء لأن المشركين يأبون ذكره فجمع في هذه الجملة بين ردين عليهم مع ما للجملة الاسمية من الدلالة على ثبات الخبر، ولأن معظم هذه السورة تعداد للنعم والآلاء، فافتتاحها باسم "الرحمن" براعة استهلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(2/2387)
تفسير قوله تعالى (فما خطبك يا سامري..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السامري هو الدجال في آخر الزمان وما تفسير قولة تعالى: قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ {95} قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي {96} قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً
قول سيدنا موسى ما خطبك..هل هذا دلالة على عظم أمر ما أتى به السامري وهل كلمة بصرت تعني الرؤية وهل قوله فإن لك في الحياة عام أي مدى الحياة ... فهل هو الدجال؟ أفيدونا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كون الدجال الأكبر هو السامري الذي ظهر في عهد موسى لم يثبت ما يدل عليه، ومن المعلوم أن الغيبيات لا يجزم بشيء فيها إلا إذا ثبت بدليل صحيح.
وقول موسى للسامري "مَاخَطْبُكَ" معناه ما شأنك وما أمرك الذي دعاك إلى ما صنعت، والخطب يطلق للأمر العظيم، ولا شك أن دعوة الناس لعبادة غير الله والسعي في إضلالهم خطب عظيم وأمر خطير.
وكلمة "بَصُرْتُ" معناها علمت، يقال: بصر الرجل إذا صار عليما بالشيء.
وقوله: "فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ" عام في مدى حياة السامري، ولكنه لا يفيد أنه يطول عمره مدة الدنيا، وراجع الفتوى رقم: 19910، والفتوى رقم: 65683.
وراجع كتب التفسير والبداية والنهاية لابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1426(2/2388)
تفسير قوله تعالى (..ثم لم يرتابوا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي استفسار عن قوله تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا....)
السؤال هو ما المراد بالريبة في الآية الكريمة وما هي مظاهرها وصورها؟ وهل يدخل في ذلك ما يكون منها بغير اختيار الإنسان؟ أم أن ذلك مرفوع عن العبد لأنه خارج عن طاقته ما دام يكرهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذين لم يرتابوا هم الذين صدقوا إيمانهم واستيقنوا به وصدقوا قولهم بعملهم الصالح.
قال تعالى: أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {الحجرات: 15} في إيمانهم لا من أسلم خوف القتل أو رجاء الكسب، فلما نزلت حلف الأعراف أنهم مؤمنون في السر والعلانية وكذبوا كما قال القرطبي.
فالريبة عدم اليقين إذ اليقين شرط في صحة الإيمان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: فمن لقيت من هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها فبشره بالجنة. رواه مسلم
وذكر ابن كثير حديثا عن الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء: الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدو بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والذي إذا أشرف على طمع تركه لله عز وجل.
وقال الطبري إمام المفسرين في تلك الآية: يقول تعالى ذكره للأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم: إنما المؤمنون الذين صدقوا الله ورسوله ثم لم يرتابوا: يقول: ثم لم يشكوا في وحدانية الله ولا في نبوة نبيه صلى الله عليه وسلم وألزم نفسه طاعة الله وطاعة رسوله والعمل بما وجب عليه من فرائض الله بغير شك منه في وجوب ذلك عليه.
وأما الوساوس التي يجدها المرء فيدفعها عن نفسه فهي من الشيطان، ودفع المرء لها وكراهيته لها يدل على الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم للصحابة لما شكوا إليه أنهم يجدون ما يتعاظم أحدهم أن يتلفظ به فقال: ذاك صريح الإيمان. وانظر الفتوى رقم: 48335، فليس مجرد وجودها في النفس دلالة على إيمان صاحبها وإنما دفعه لها ومجاهدته لنفسه في الإعراض عنها كما قال العلوي في نوازله:
وما به يوسوس الشيطان * والقلب يأباه هو الإيمان
فلا تحاجج عن اللعينا * فإنه يزيده تمكينا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1426(2/2389)
إبليس على علم بالصراط المستقيم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف عرف الشيطان أن هناك صراطا مستقيما وأن أكثر الناس من الجاحدين لنعم الله وذلك قبل أن يأمره الله بالسجود لآدم (الأعراف) ، حسب التسلسل القرآني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات كما في سورة الأعراف هي قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ* قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ* قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ* قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف} إلى آخر الآيات.
وفي هذه الآيات أنه سبحانه لما خلق آدم أمر إبليس بالسجود له مع الملائكة فأبى فأخرجه الله من الجنة وطرده عن الرحمة فسأله أن ينظره ويمهله حتى يكون من آخر من يموت ويسلطه على عباده فيغويهم ويقعد لهم صراطه المستقيم فيضلهم عنه، وقد كان إبليس من علماء الملائكة ويعلم أن لله صراطاً مستقيماً من سلكه رشد ومن زاغ عنه هلك، وكان هو ممن زاغ عنه لتكبره، وأما قوله: وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ. فإنه ظن منه وتوهم وقد وافق في هذا الواقع، ذكر ذلك ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، ودليل ذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {سبأ:2} .
قال ابن كثير: لما است وثق إبليس من ربه بإمهاله وإنظاره أخذ في المعاندة والتمرد فقال: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. أي كما أهلكتني وأضللتني لأقعدن لعبادك الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه على (صراطك المستقيم) أي طريق الحق وسبيل النجاة.
وكان ذلك كله بعدما أمره بالسجود لآدم وأبى وقد تعدد ذكر قصة آدم وإبليس في كثير من السور وبأساليب مختلفه وليس فيها تقديم ذكر الإغواء على الأمر بالسجود، مع التنبيه إلى أنه لا ينبغي للمسلم أن يبحث عن متشابه القرآن، قال الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ {آل عمران:7} .
وللاستزادة نرجو مراجعة كتب التفسير عند تلك الآيات مثل تفسير الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1426(2/2390)
المقصود بقوله تعالى: (وما ملكت أيمانكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي (ما ملكت أيمانكم) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بقوله تعالى: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ {النساء: 36} ملك اليمين وهم العبيد والإماء ممن هم ملك للشخص.
قال الطبري: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ قال أبو جعفر: يعني بذلك الذين ملكتموهم من أرقائكم، فأضاف الملك إلى اليمين كما يقال: مشت رجلك وبطشت يدك بمعنى مشيت وبطشت. وهكذا. وانظر الفتوى رقم: 26664.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(2/2391)
معنى (الباقيات الصالحات)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي (الباقيات الصالحات) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: الملة، قيل وما هي يا رسول الله؟ قال: الملة. قيل وما هي يا رسول الله؟ قال: الملة. قيل وما هي يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال شعيب الأرناؤوط: حديث حسن لغيره.
وفي حديث آخر عنده قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هن الباقيات الصالحات. وصححه شعيب الأرناؤوط.
وأخرج مالك مثله في الموطأ، وكذلك ابن حبان في صحيحه، والطبراني في الكبير، وأخرج الحاكم في مستدركه مثل حديث أبي سعيد الخدري الأول عنه.
وأورد الألباني في السلسلة الصحيحة قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر من الباقيات الصالحات.
وبذلك فسرها مجاهد وعطاء كما قال ابن العربي في أحكام القرآن. قال: وقالت جماعة هي الصلوات الخمس، وبه قال مالك.
وقد جمع تلك الأقوال كلها وحصرها في قولين هما أن المقصود بها: الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والثاني: أنها الصلوات الخمس وهو الذي مال إليه ورجحه.
وما دام أنه ليس في الباب حديث صحيح (كما قال) يدل على الحصر فالأولى شمولها لكل عمل صالح. وانظر الفتوى رقم: 3933.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(2/2392)
تقديم الزفير على الشهيق في سورة هود
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في سورة هود: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق. فما الحكمة في ذكر الزفير ثم الشهيق، مع أن الإنسان يأخذ الشهيق ثم الزفير، نرجو الإفادة من سيادتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواو لا تقتضي الترتيب في اللغة العربية عند جمهور النحويين، ويدل لهذا قوله تعالى إخباراً عن المشركين أنهم قالوا: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ {الجاثية:24} ، ومن المعلوم أن الكفار لم يكونوا مقرين بالحياة بعد الموت، ثم إن الظاهر من كلام أئمة السلف يفيد أن المناسب في الأسلوب هو تقديم الزفير على الشهيق، فقد روي عن ابن عباس أنه قال فيها: الزفير في الحلق والشهيق في الصدر. ومن المعلوم أن الحلق قبل الصدر.
وقد ذكر الألوسي في روح المعاني أنه قال أهل اللغة من الكوفية والبصرية: الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار والشهيق بمنزلة آخر نهيقه. وقد احتج هو وأبو السعود لهذا بقول الشماخ في حمار وحشي:
بعيد مدى التطريب أول صوته * زفير ويتلوه شهيق محشرج
ومن المعلوم أن تقديم الأول على الآخر مناسب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(2/2393)
تفسير قوله تعالى (لتركبن طبقا عن طبق)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير هذه الآية الكريمة (لتركبن طبقا عن طبق) ما معنى لتركبن طبقا عن طبق؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما تفسير الآية الكريمة فإن فيها قراءتين سبعيتين الأولى منهما: لتركبن بفتح الباء، أي الخطاب فيها للواحد، وبها قرأ من السبعة ابن كثير وحمزة والكسائي، وهي على هذه القراءة خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له.
والقراءة الثانية: لتركبن بضم الباء خطاب للجميع وهم الناس، وبها قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم، ومعنى الآية على القراءة الثانية لتركبن أيها الناس حالا بعد حال فتنتقلون في دار الدنيا من طور إلى طور وفي الآخرة من هول إلى هول، والطبق في لغة العرب الحال ومنه قول الأقرع بن حابس التميمي:
إني امرؤ قد حلبت الدهر شطره * وساقني طبق منها إلى طبق
وقول الآخر:
كذلك المرء إن ينسأ له أجل * يركب على طبق من بعده طبق
انتهى. من أضواء البيان للشنقيطي بتصرف يسير.
ولبيان تفسير الآية على القراءة الأولى والمزيد من تفسيرها على القراءة الثانية يرجى مراجعة كتب التفسير مثل ابن كثير وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(2/2394)
تفسير قوله تعالة (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[ (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق
الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) ما معنى ذات الشوكة في الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ {الأنفال: 7} .
قال: قال أبو عبيدة: أي غير ذات الحد، والشوكة: السلاح. اهـ
والمراد بذات الشوكة: طائفة النفير أي جيش قريش، والصحابة إنما أرادوا بخروجهم عير قريش، وهي غير ذات شوكة، وأراد الله أن يصل الأمر إلى معركة بالسلاح، وهو ما كان يوم بدر، قال البيضاوي في تفسيره: وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم. يعني: العير، فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارساً، ولذلك يتمنونها، ويكرهون النفير لكثرة عَددهم وعُددهم. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(2/2395)
تفسير قوله تعالى (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما)
[السُّؤَالُ]
ـ[- (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما) هل الآية الكريمة تحرم شحم إلية الخروف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآية المذكورة لا تفيد تحريم شحم إلية الخروف على اليهود عند الجمهور، لأنه مما اختلط بعظم.
قال الجصاص في أحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ {الأنعام: 147}
روي عن السدي وابن جريج أنه شحم الجنب والإلية لأنهما على عظم.اهـ وقد تابعه على ذلك ابن كثير والشوكاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(2/2396)
تفسير قوله تعالى (ولبثوا في كهفهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[كما هو معلوم أهل الكهف لبثوا ثلاث مائة سنة اعتماداً على قول الله تعالى \"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا\". في البداية ذكر الله تعالى الاختلاف بين الناس حول بعض ما يخص أصحاب الكهف لقوله تعالى \"سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً\"، فهل يمكن أن نقول أن قول الله تعالى \"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا\" راجع إلى الذين اختلفوا في أمر أهل الكهف أي كما قالوا \"ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ... \" قالوا كذلك \"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا\" ومما يمكن أن يؤكد ذلك قوله تعلى \"قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً\" أنا لست بأهل للتفسير وإنما هو أمر رأيته، وأريد منكم القول الصحيح؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاحتمال الذي ذكرته قول لأهل العلم ولكن القول بأنه من كلام الله أولى كما رجحه الطبري وابن كثير، قال ابن كثير في تفسير الآية: هذا خبر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم منذ أرقدهم إلى أن بعثهم الله وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان، وأنه كان مقداره ثلثمائة سنة تزيد تسع سنين بالهلالية، وهي الثلثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين، فلهذا قال بعد ثلثمائة: وازدادوا تسعاً، وقوله: قل الله أعلم بما لبثوا. أي إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك علم في ذلك وتوقيف من الله تعالى فلا تتقدم فيه بشيء، بل قل في مثل هذا الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أي لا يعلم ذلك إلا هو ومن أطلعه عليه من خلقه، وهذا الذي قلناه عليه غير واحد من علماء التفسير كمجاهد وغير واحد من السلف والخلف.
وقال قتادة في قوله: ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين الآية، هذا قول أهل الكتاب، وقد رده الله تعالى بقوله: قل الله أعلم بما لبثوا، قال: وفي قراءة عبد الله: وقالوا ولبثوا، يعني أنه قاله الناس، وهكذا قال كما قال قتادة مطرف بن عبد الله، وفي هذا الذي زعمه قتادة نظر، فإن الذي بأيدي أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلثمائة سنة من غير تسع، يعنون الشمسية، ولو كان الله قد حكى قولهم لما قال: وازدادوا تسعاً، والظاهر من الآية إنما هو إخبار من الله لا حكاية عنهم، وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله، ورواية قتادة قراءة ابن مسعود منقطعة، ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور، فلا يحتج بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(2/2397)
الحلف بالله كذبا وتفسير آيتين من سورة الذاريات
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حلف الإنسان بالله كذبا فهل هناك شيء يكفر به هذا الذنب؟ وسؤالي الثاني في تفسير القرآن الكريم فما معنى قوله تعالى: (والسماء ذات الحبك) (قتل الخرصون) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم الحلف بالله كذباً، والواجب في ذلك، وكيفية التوبة منه في الفتوى رقم: 7228.
وأما تفسير قوله تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ {الذاريات: 7} .
فمعناه ذات الطرق التي تسير فيها الكواكب قال ابن عطية: الحبك بضم الحاء والباء الطرائق التي على نظام في الأجرام، وقال ابن عباس: حبكها حسن خلقتها، وقال ابن جبير: الحبك الزينة وقال الحسن حبكها كواكبها.
وقال القرطبي: المراد بالسماء هاهنا السحاب التي تظل الأرض وقيل السماء المرفوعة قال ابن عمر السماء السابعة.
وقال الطبري في تفسيرها: يقول تعالى ذكره: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ الحسن، وعنى بقوله: ذات الحبك ذات الطرائق وتكسير كل شيء حبكه وهو جمع حباك وحبيكة، وبنحو الذي قلناه في ذلك قال أهل التأويل، وان اختلفت ألفاظ قائليه.
وأما قوله تعالى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ {الذاريات: 10} . فقيل المرتابون وقيل الكهنة وقيل الذين يتخرصون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر القرطبي عن النحاس أن معناها الكذابون فالخرص هو الكذب، ومعناه دعاء على أولئك الخراصين المرتابين الذي هم في غمرة الضلالة وغلبتها متمادون وعن الحق الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم لاهون كما قال الطبري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(2/2398)
تفسير قوله تعالى (..إنما الحياة الدنيا لعب ولهو..)
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى من وجهت الآية التي تبدأ بقوله تعالى: \\\"إنما الحياة الدنيا لعب ولهو, ... \\\"؟
وأريد أيضا معرفة تتمة هذه الآية, والسورة التي نزلت فيها؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا جزء من آية تكرر في موضعين في القرآن، الأول في سورة محمد صلى الله عليه وسلم في الآية رقم: 36، وتمام الآية هو: إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ
والموضع الثاني في سورة الحديد في الآية رقم: 20، وتمام الآية: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
والخطاب في الآيتين للمؤمنين.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسير آية الحديد: يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه ويبين غايتها وغاية أهلها بأنها لعب ولهو تلعب بها الأبدان وتلهو بها القلوب، وهذا مصداق ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات عمرهم بلهو قلوبهم وغفلتهم عن ذكر ربهم وعما أمامهم من الوعد والوعيد، تراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا بخلاف أهل اليقظة وعمال الآخرة فإن قلوبهم معمورة بذكر الله ومعرفته ومحبته وقد شغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقربهم إلى الله من النفع القاصر والمتعدي. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(2/2399)
سبب نزول قوله تعالى: (عبس وتولى)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذي الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي.....
تحية طيبة وجزاك عنا وعن المسلمين كل خير وأطال الله عمرك.
سيدي الكريم: كنت أريد التأكد من تفسير آية ((عبس وتولى # أن جاءه الأعمى)) ففي معظم التفاسير التي قرأتها والبرامج التي شاهدتها يفسرها العلماء الأجلاء على أن المقصود بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولكن سمعت منذ أيام أحد العلماء في إحدى القنوات الفضائية ينفي ذلك ويقول إن الله تعالى من المستحيل أن يخاطب رسوله بهذه الآيه وكيف ذلك وقد خاطب أحد المشركين وهو الوليد بن المغيرة وقد ذمه الله سبحانه في موضع آخر (سورة المدثر) واستخدم كلمة عبس في ذمه؟ أستاذي هذا الأمر سبب لي بعض الحيرة من أمري فأفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سورة عبس نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم كما قرره المفسرون لما أخرجه الترمذي في سننه ومالك في موطئه، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 38915.
والعبوس وهو تقطيب الوجه وظهور أثر الكراهة عليه من الأعراض التي تعرض للبشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر وذلك لا ينافي كمال خلقه، فقد عاتبه ربه في آيات غيرها، كما في قصة أسرى بدر لما رضى بالفداء فقال تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {الأنفال: 67-68} .
وقال: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28} .
وهذه نزلت في قصة قريبة من قصة ابن أم مكتوم، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر قد يصدر منه ما يعاتبه عليه ربه ولا غضاضة في ذلك، كما بينا في الفتوى السابقة، وأما ما ذكره المتحدث الذي وصفت فإنه لا يعتمد على قوله ولا رأيه، فكتاب الله لا مجال فيه للأراء والأهواء والأمزجة الفاسدة، ولا ينبغي أخذ العلم عن كل من هب ودب، وانظر الفتوى رقم: 59761.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1426(2/2400)
تفسير الآيات الثلاث الأول من سورة فاطر
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أود أن أعرف تفسيرالآيات الثلاث الأول من سورة \"فاطر\".جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {فاطر:1} . أي الشكر الكامل للمعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له ولا ينبغي أن تكون لغيره (فاطر السموات والارض) أي مبدعها قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعربيان يختصمان في بئر فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها أي بدأتها فهو سبحانه خالق السماوات السبع والأرض ومبدعها (جاعل الملائكة رسلا) إلى من ي ش اء من عباده وفيما شاء من أمره ونهيه (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) أي: أصحاب أجنحة يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا فمنهم من له اثنان من الأجنحة ومنهم من له ثلاثة أجنحة ومنهم من له أربعه قال: الطبري: حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} قال بعضهم: له جناحان وبعضهم: ثلاثة وبعضهم أربعة. قال ابن كثير: ومنهم من له أكثر من ذلك كما جاء في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء وله ستمائة جناح بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، ولهذا قال جل وعلا: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وذلك زيادته تبارك وتعالى في خلق هذا الملك من الأجنحة على الآخر ما يشاء ونقصانه عن الآخر ما أحب له الخلق والأمر وله القدرة والسلطان {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي قدير على زيادة ما شاء من ذلك فيما شاء ونقصان ما شاء منه ممن شاء وغير ذلك من الأشياء كلها لا يمتنع عليه فعل شيء أراده سبحانه وتعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {فاطر:2} ، ساق ابن جرير الطبري بسنده إلى قتادة قال: ما يفتح الله للناس من رحمة،: أي من خير،: فلا ممسك لها،: فلا يستطيع أحد حبسها،: وما يمسك فلا مرسل له من بعده،. وقال تعالى ذكره: فلا ممسك لها، فأنث ما لذكر الرحمة من بعده وقال: وما يمسك فلا مرسل له من بعده} فذكر للفظ (ما) لأن لفظه لفظ مذكر. وقوله (وهو العزيز الحكيم) يقول: وهو العزيز في نقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبس رحمته عنه وخيراته الحكيم في تدبير خلقه وفتحه لهم الرحمة إذا كان فتح ذلك صلاحا وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة.
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُون {فاطر:3} . يقول تعالى ذكره للمشركين به من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش: يا أيها الناس ذاكروا نعمة الله التي أنعهما عليكم فانظروا هل من خالق سوى فاطر السماوات والأرض فتعبدوه دونه لا إله إلا هو يقول: لا معبود تنبغي له العبادة إلا الذي فطر السماوات والأرض القادر على كل شيء فأنى تؤفكون يقول: فأي وجه عن خالقكم ورازقكم الذي بيده نفعكم وضركم تصرفون. هذا مجمل ما ذكره المفسرون عند هذه الآيات كابن جرير الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1426(2/2401)
معنى كلمة (وفومها) في آية البقرة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في سورة البقرة الآية 61
(وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها..) إلى آخر الآية لماذا في اللغة العربية يقولون ثومها وليس فومها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه في اللغة العربية يقال ثوم وفوم، وإن كان الفوم يطلق على الحنطة أحياناً لقوله أحيحة بن الجلاح:
قد كنت أغنى الناس شخصاً واحدا ورد المدينة عن زراعة فوم
ولذلك، فإن المفسرين اختلفوا في المقصود بالفوم في الآية، فمنهم من فسره بالثوم، وقرأ ابن مسعود بالثاء فيها.
قال ابن كثير رحمه الله: أما الفوم فقد اختلف السلف في معناه فوقع في قراءة ابن مسعود وثومها وكذا فسره مجاهد، والربيع بن أنس وسعيد بن جبير ورواية الحسن عن ابن عباس كما عند ابن أبي حاتم....قال ابن جرير الطبري فإن كان ذلك صحيحاً فإنه من الحروف المبدلة كقولهم وقعوا في عاشور شر وعافور شر وأثافي وأثاثي ومغافير ومغاثير ونحوه مما قلبت فيه الفاء ثاء والثاء فاء لتقارب مخرجيهما.
وفي فتح القدير: قال الشوكاني: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (وفومها) قال الخبز، وفي لفظ البر وفي لفظ الحنطة.
هذا مجمل ما قيل في تلك الكلمة وغاية ما فسرت به فالعرب تقول فوما وتقول ثوما إلا أن مصطلح العامة غلب عليه إطلاق الثوم بالثاء المثلثة وترك الفاء واللغة لاتحاكم إلى اصطلاح العامة وركونها إلى لفظ أو قياس دون آخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1426(2/2402)
تفسير الآية: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى\" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله\"
ومن هم المقصودون من هذه الآية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا مقطع من آية كريمة من سورة البقرة ونصها: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ {البقرة:193} . وقد جاءت الآية الكريمة في سياق حديث القرآن عن الأمر بقتال الكفار بعدما طغوا وتجبروا وأخرجوا المسلمين من ديارهم.. قال الله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.. إلى قوله تعالى: ... فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {البقرة: 194} وأما معنى الآية باختصار فقد قال أهل التفسير معناها: قا تلوا ـ أيها المؤمنون المشركين حتى لا يفتن مسلم عن دينه وحتى لا يبقى الشرك والظلم وصد الناس عن سبيل الله وحتى يكون دين الله هو الظاهر وكلمته هي العليا وتكون الحرية لعموم الناس فيختاروا من الأديان ما يريدون، فإذا اختاروا البقاء على دينهم كان الإسلام مهيمنا ظاهرا وكانوا تحت حماية الإسلام وأهله وفي ذمتهم ... وإن اختاروا الإسلام فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. " فإن انتهوا.. " عن ماهم عليه من الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو الظالم. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين: 12545، 17338.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1426(2/2403)
المقصود بـ (آل ياسين) في سورة الصافات
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد من هم آل ياسين المذكورين في سورة الصافات الآية (130) وهل المقصود بهم النبي إلياس وأتباعه أم لا خاصة أن آل بمعنى أهل مثل آل محمد عليهم السلام
أفيدوني وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في معنى تلك الآية وهل المقصود بها هو إلياس، وأضيفت إليه النون مثل إدريس، سمع فيه إدارسين، وجزم بذك الطبري وقال لأن الله أخبر عن كل موضع ذكر فيه نبيا من أنبيائه في هذه السورة بأن عليه سلاما لا على آله فكذلك السلام في هذا الموضع، فينبغي أن يكون على إلياس فقط كسلامه على غيره من أنبيائه لا على آله فتكون إلياسين بكسر الهمزة وهي قراءة الجمهور المقصود بها هو إلياس، فالسلام عليه وحده، ومن قرأ بقطع آل وهي قراءة المدنيين والشامي تأول ذلك بمعنى سلام على آل محمد لأن ياسين يزعم بعضهم أنها من أسمائه صلى الله عليه وسلم وقيل المقصود آل إلياس.
قال القرطبي: والمقصود هو إلياس سمى إياس، وياسين ثم سلم على آله من أهل دينه ومن كان على مذهبه
إذا فاختلف المفسرون لاختلاف القراءة في ذلك بين قطع آل وبين وصلها، وكسر الهمزة ولزيادة الياء والنون في الاسم فمنهم من حملها على أن المقصود هو إلياس، ومنهم من قال المقصود آله من أتباعه وأهل ملته ومنهم من قال المقصود آل النبي صلى الله عليه وسلم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1426(2/2404)
تفسير قوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) سورة الإسراء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم التكرم بشرح الآية رقم 33 من سورة الإسراء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية رقم 33 من سور الإسراء هي قول الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا.
وإننا ننقل لك تفسير الإمام الشوكاني لهذه الآية من تفسيره (فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير) فقد فسر هذه الآية تفسيراً شاملاً لمعانيها، وبأسلوب سهل ميسر، قال رحمه الله: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ والمراد بالتي حرم الله التي جعلها معصومة بعصمة الدين أو عصمة العهد، والمراد بالحق الذي استثناه هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة في الأصل، وذلك كالردة والزنا من المحصن، وكالقصاص من القاتل عمداً عدواناً وما يلتحق بذلك والاستثناء مفرغ: أي لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب متلبس بالحق أو إلا متلبسين بالحق، وقد تقدم الكلام في هذا في الأنعام.
ثم بين حكم بعض المقتولين بغير حق فقال: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا أي لا بسبب من الأسباب المسوغة لقتله شرعاً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا أي لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين، والسلطان التسلط على القاتل إن شاء قتل وإن شاء عفا وإن شاء أخذ الدية.
ثم لما بين إباحة القصاص لمن هو مستحق لدم المقتول، أو ما هو عوض عن القصاص نهاه عن مجاوزة الحد فقال: فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ أي لا يجاوز ما أباحه الله له فيقتل بالواحد اثنين أو جماعة، أو يمثل بالقتيل أو يعذبه، قرأ الجمهور لا يسرف بالياء التحتية: أي الولي وقرأ حمزة والكسائي تسرف بالتساء الفوقية، وهو خطاب للقاتل الأول، ونهي له عن القتل: أي فلا تسرف أيها القاتل بالقتل إن عليك القصاص مع ما عليك من عقوبة الله وسخطه ولعنته.
وقال ابن جرير: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وللأئمة من بعده: أي لا تقتل يا محمد غير القاتل ولا يفعل ذلك الأئمة بعدك، وفي قراءة أبي ولا تسرفوا.
ثم علل النهي عن السرف فقال: أي مؤيداً معاناً، يعني الولي، فإن الله سبحانه قد نصره بإثبات القصاص له بما أبرزه من الحجج، وأوضحه من الأدلة، وأمر أهل الولايات بمعونته والقيام بحقه حتى يستوفيه، ويجوز أن يكون الضمير راجعاً إلى المقتول، أي إن الله نصره بوليه، قيل وهذه الآية من أول ما نزل من القرآن في شأن القتل لأنها مكية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1426(2/2405)
تفسير آيتين
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك سؤالان منذ فترة وأنا أفكر بهما وأحاول إيجاد تفسيرات لهما وهما عبارة عن آيتين أتمنى أن توضحوا لي تفسيرهما:
أولا: في كثير من الآيات نجد عبارة (جنة عرضها السموات والأرض) ونحن نعرف أن الأرض لا تساوي شيئا بالنسبة إلى السموات السبع، فلماذا كان الجمع بين السموات والأرض
ثانيا: (اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) ما المقصود بكلمة ننساهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وصف الله سبحانه وتعالى عرض جنته التي أعدت للمتقين فقال: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ {الحديد 21} ومعنى ذلك أن عرض الجنة كعرض السموات والأرضين إذا ضم بعضها إلى بعض، كما قال ابن جرير الطبري، ونقله عن السدي وعن ابن عباس قال: ولا يعلم طولها إلا الله، ووصف عرضها بالسموات والأرض تشبيها في السعة والعظم.
قال القرطبي: فلما كانت الجنة في الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السموات والأرض، وليس المقصود تحديد العرض وإنما أراد بذلك ضرب المثل بأوسع ما رأيتموه. انتهى. منه بتصرف قليل.
فضرب سبحانه بذلك مثلا بما هو مشاهد من المخلوقات العظيمة، والسموات والأرض هي أعظم ما نشاهده من مخلوقات الله في هذا الكون وإلا، فهنا لك ما هو أعظم منها كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما السموات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدرهم ألقي في فلاة من الأرض، وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض.
فتلك مخلوقات أعظم بكثير من السموات والأرض، ولكن الله سبحانه وتعالى ضرب المثل بما هو مشاهد لتقريب الصورة والمعنى في الذهن كما ضرب المثل لنوره بالمثل في قوله: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ {النور:34} وذلك هو ما أخذه أبو تمام فقال:
لا تعجبوا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس
وليس في ذلك تعارض فالآية جمعت بين عرض السموات والأرض، والمعنى أن الجنة عرضها كعرضهما مجتمعين مع بعضهما، فمحل الإشكال في ذلك غير وارد وإنما يكون لو ضرب المثل لعرض الجنة بالسموات في آية ثم ضرب لعرضها بالأرضين في آية أخرى، ولكن ذلك لم يكن كما بينا.
أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا {الأعراف: 51} فمعناها نتركهم في النار وننساهم في العذاب كما تركوا لقاء يومهم هذا، فلم يعملوا له كما نقل ابن جرير الطبري عن مجاهد، وهذا من باب المشاكلة في اللفظ وهو واقع في لغة العرب، ومنه قول أبي الرقعمي
وجماعة نشطت لشرب مدامة * بعثوا رسولهم إلي خصوصا
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخة * قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
فأولئك القوم لما نسوا عهد الله ولقاءه ولم يعدوا لذلك عدته عاملهم الله سبحانه وتعالى بمثل عملهم فنسيهم في العذاب وتركهم فيه والجزاء من جنس العمل، ولا يطلق النسيان على الله سبحانه وتعالى مطلقا وإنما في تلك الصيغة التي ذكر، ومثله في الكيد والمكر كما في قوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا {الطارق: 15-16}
ونحو ذلك من الألفاظ التي لا تدل على المدح والكمال بإطلاق، كما ذكر العلماء وهو مبحث في باب الأسماء والصفات، وانظر الفتوى رقم: 59862 والفتوى رقم: 43955 ففيهما زيادة توضيح لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1426(2/2406)
لا تعارض بين الآية والحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الجمع بين قول الله تعالى (هل يهلك إلا القوم الظالمون) سورة الأنعام، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، قَالَ: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) , حيث ظاهر الآية أنه عند نزول العذاب لا يهلك إلا القوم الظالمون, أما في الحديث ففيه التصريح بهلاك قوم ليسوا من الجيش الظالم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الآية الكريمة والحديث الشريف، لأن العلماء قد نصوا في شرحهم للحديث المشار إليه أن سبب الخسف بكل الجيش بمن فيهم من ليس من أهل القتال كالباعة، هو أنهم كثروا سواد الظالمين، قال ابن حجر في فتح الباري: قال المهلب: في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختاراً أن العقوبة تلزمه معهم، قال: واستنبط منه مالك عقوبة من يجالس شربة الخمر وإن لم يشرب. ثم قال ابن حجر أيضاً: وفي هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم.
ثم إن الهلاك في قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ {الأنعام:47} ، قد يشمل الهلاك بالعذاب في الدنيا وهلاك التعذيب يوم القيامة بسبب الشرك، قال القرطبي في تفسيره لهذه الآية: أي هل يهلك إلا أنتم لشرككم، والظلم هنا بمعنى الشرك كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وقال الألوسي في روح المعاني: وقيد الطبرسي وغيره الهلاك بهلاك التعذيب والسخط توجيهاً للحصر إذ قد يهلك غير الظالم لكن ذلك رحمة منه تعالى به ليجزيه الجزاء الأوفى على ابتلائه. وبهذا يتبين أن لا تعارض بين الآية والحديث، لأن الذين خسف بهم ممن ليس لهم نية غزو الكعبة لا يهلكون هلاك التعذيب يوم القيامة، فقد قال العيني في عمدة القاري: يبعثون على نياتهم: يعني من كان منهم مختاراً تقع المؤاخذة عليه، ومن كان مكرها ينجو.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1426(2/2407)
الحكمة في أمر مريم عليها السلام بعدم الكلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلك ساعدني فإن هناك فكرة تسيطر علي وهي في سورة مريم قد قال لله تعالى لمريم أنها لا يجب عليها أن تكلم أي إنسي أريد أن أعرف لماذا قال لها (فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) يعني هي يجب عليها أن تمتنع عن الكلام وفي نفس الوقت يقول لهم إنها لن تكلم أحدا؟
معذرة على هذا السؤال وأرجو تفسير الآية.
وشكرا لكم كثيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الحكمة في أمر مريم عليها السلام بعدم الكلام، إبداء عذرها وبراءتها عندما تشير إلى عيسى عليه السلام فينطق في المهد ويبين حاله للناس.
قال ابن كثير في التفسير: وقال أبو إسحاق عن حارثة قال: كنت عند ابن مسعود فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر فقال: ما شأنك؟ قال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم، فقال عبد الله بن مسعود: كلم الناس وسلم عليهم فإن تلك امرأة علمت أن أحداً لا يصدقها أنها حملت من غير زوج يعني بذلك مريم عليها السلام ليكون عذرا لها إذا سئلت. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير. اهـ
وقد اختلف أهل العلم هل كانت مريم مأمورة بأن تقول: إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً؟ هل أمرت أن تقول ذلك باللسان أو بالإشارة، ومن المعلوم في اللغة أن التلفظ بالمراد والإشارة إليه يطلق على كل منهما كلام.
وقد ذهب الجمهور إلى أنها قالت ذلك بلسانها، كما قال القرطبي، ورجح ابن كثير إنه كان بالإشارة، وقد بسط الشيخ الأمين الشنقيطي القول في المسألة وذكر أدلتها وكلام العلماء فيها، فذكر عدة أحاديث من صحيح البخاري تفيد إنزال الإشارة المفهمة منزلة الكلام، وذكر خلاف العلماء في المسألة، ورجح في الأخير قيام الإشارة الدالة على المعنى دلالة واضحة مقام النطق.
ثم إننا ننبه إلى أن مريم أمرت بأمرين لا تناقض بينهما، فقد أمرت عندما ترى أحدا من الناس أن تخبر بنذرها الصمت عن الكلام مع الناس هذا اليوم. فهي قد أمرت بالإخبار أولا بعدم الكلام، وبالالتزام بعدم الكلام معهم بعدما أخبرتهم ثانياً. وعليه، فلا تناقض في الموضوع.
قال القرطبي في التفسير: وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الألفاظ التي في الآية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(2/2408)
معنى كلمة (ثاويا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة ثاويا وبأي سورة وردت؟
وجزاكم الله خيراً وشكراً.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى كلمة ثاويا: مقيماً، وقد وردت بهذا اللفظ في سورة القصص الآية الخامسة والأربعون في قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ.
ونذكرك أيتها السائلة الكريمة بأن جهد الشبكة ينصب على الأمور الدعوية والفتاوى الفقهية، فينبغي أن يستفاد منها في ذلك لا أن تشغل بحل الألغاز وأسئلة المسابقات ونحو ذلك مما ليس له عظيم النفع وكبير الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1426(2/2409)
تفسير (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في سورة الحج:
ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ...
ما معنى هذه الآية الكريمة علما أننا نحن معشر البشر لا نرى تسبيح الشمس والقمر والنجوم.....؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السجود في اللغة له معنيان معنى حقيقي ومعنى مجازي، فمعناه الحقيقي وضع الجبهة على الأرض، وهو ما يحصل من العاقل المطيع، ومعناه المجازي التعظيم والخضوع والانقياد، وهو ما يحصل من غير العاقل، وقد استعمل السجود بمعنييه في هذه الآية الكريمة.
فسجود العاقل في الآية سجود حسي وسجود غيره سجود معنوي.
قال الراغب الأصفهاني بعد أن تكلم على أصل السجود، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته: وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد، وذلك ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان، وبه يستحق الثواب نحو قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا {النجم: 62} . أي تذللوا له.
وسجود تسخير وهو للإنسان والحيوان والنبات والجماد، وعلى ذلك قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ {النحل: 48} . فهذا سجود تسخير وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة وأنها خلق فاعل حكيم.
والآية التي بين أيدينا شملت النوعين من السجود: التسخير والاختيار، ومثلها قول الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ {النحل: 49} .
وهذه الآيات وما أشبهها تدل دلالة واضحة على أن هذا الكون كله ما نشاهد منه وما غاب عنا يسجد لله سبحانه وتعالى ويسبح بحمده بالكيفية التي يعلمها ويريدها سبحانه وتعالى، وكون البشر لا يشاهدون كيفية هذا السجود أو لا يسمعون هذا التسبيح بحواسهم، فإن المؤمن العاقل المتأمل فيما حوله يدرك أن كل شيء في هذا الكون خاضع لخالقه وسائر وفق أمره ... لا يشذ عن ذلك إلا من أشرك بالله، ولم يقبل هداه، ولهذا قال سبحانه وتعالى رداً على من أشرك به: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ {الإسراء: 43-44} .
قال ابن كثير: لا تفقهون تسبيحهم، لأنها بخلاف لغاتكم.
ويقول سيد قطب في تفسير الظلال: لا تفقهون تسبيحهم لأنكم محجوبون بصفاقة الطين، ولأنكم لم تستمعوا بقلوبكم، ولم تتوجهوا إلى أسرار الوجود الخفية.. وإلى النواميس التي تنجذب إليها كل ذرة في هذا الكون الكبير، وتتوجه بها إلى خالق النواميس ومدبر هذا الكون ... وحين تشف الروح وتصفو فتتسمع لكل متحرك أو ساكن وهو ينبض بالروح ويتوجه بالتسبيح، فإنها تتهيأ للاتصال بالملأ الأعلى، وتدرك من أسرار هذا الوجود ما لا يدركه الغافلون الذين تحول صفاقة الطين بين قلوبهم وبين الحياة الخفية السارية في ضمير هذا الوجود، النابضة في كل متحرك وساكن وفي كل شيء في هذا الوجود.
ويقول الألوسي في تفسير روح المعاني: وقد ذكروا أن الذكر (ذكر الله تعالى) ، إذا تمكن في العبد سرى في جميع أجزاء البدن، فيسمع الذاكر كل جزء منه ذاكراً، فإذا ترقى حاله سمع كل ما في عالم الملك كذلك، فإذا ترقى يسمع كل ما في الوجود كذلك ... (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) .
ومعنى الآية - كما قال أهل التفسير -: ألم تر أن الله يسجد له ... الرؤية هنا رؤية القلب وهي للعلم والخطاب لكل من يتأتى منه ذلك (يسجد له) يخضع لعظمته كل شيء طوعاً وكرها، الملائكة في أقطار السماوات، والإنس والجن وسائر المخلوقات.. قال ابن كثير: وخص الشمس والقمر والنجوم بالذكر لأنها قد عبدت من دون الله فبين أنها تسجد لخالقها وأنها مربوبة مسخرة.
(وكثير من الناس) أي المؤمنين الموحدين.. الذين يسجدون لله تعالى طوعاً وعبادة ... (وكثير حق عليه العذاب) وهم الكفار لعدم سجودهم طوعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(2/2410)
لماذا ختمت سورة النساء بآية المواريث
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية 176 من سورة النساء والتي تتحدث عن الميراث لماذا جاءت في آخر السورة ولم تأت مثلا في الآيات 11 و 12 و 13 حيث إنها في نفس الموضوع.
أفادكم الله وشكرا لسيادتكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتلك الآية إنما جاءت في آخر السورة لأنها آخر آية نزلت منها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قيل هي آخر آية نزلت من كتاب الله، كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ {النساء: 176} وفي رواية: آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء. والحديث متفق عليه
وقد نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لحجة الوداع بسبب جابر رضي الله عنه لما أغمي عليه فعاده النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت يا رسول الله كيف أقضي في مالي؟ فلم يرد علي شيئا حتى نزلت آية الميراث: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة رواه مسلم وله روايات كثيرة في السنن.
فكانت تلك الآية هي آخر ما نزل من سورة النساء فختمت بها السورة وترتيب المصحف توقيفي، وإن كان موضوعها يتعلق بصدر السورة (آية المواريث) ولكن تلك نزلت متقدمة وهي نزلت متأخرة فكان ترتيب كل منهما بحسب النزول.
وقد ذكر بعض العلماء ممن عنوا بفواصل الآيات وتناسب السور أنه سبحانه ختم سورة النساء بهذه الآية كما بدأها بأحكام الإرث لتشاكل المبدأ والمقطع، وكثيرا ما وقع ذلك في السورة. ذكره أبو حيان في البحر، والسيوطي في قطف الأزهار والدرر في تناسب الآيات والسور وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1426(2/2411)
تفسير (وكان أبوهما صالحا)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الكهف يقول الله (وكان أبوهما صالحا) هل الغلامان أخوان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من سياق القرآن الكريم أن الغلامين المذكورين كانا أخوين، قال القرطبي: ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دنية، وقيل هو الأب السابع وقيل العاشر.. قال أهل التفسير: كان أبوهما صالحا فحفظهما الله تعالى فيه وإن لم يذكرا بصلاح. وقال بعضهم: كان أبوهما يسمى كاشحا واسم أمهما دنيا، وليس في هذا كبير فائدة ولا يترتب عليه عمل..
والفائدة من القصة التي يدل عليها السياق هي أن الله تعالى يحفظ عبده الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعد عنه. وقد روي أن الله تعالى يحفظ العبد الصالح في سبعة من ذريته، وعلى هذا يدل قول الله تعالى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ {الأعراف:196} . ملخصا من تفسير القرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(2/2412)
مرجع الضمير في (فوجدا عبدا من عبادنا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الكهف يقول الله (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا) ،هل الألف في كلمة وجدا تعود على سيدنا موسى فقط أم تعود على سيدنا موسى وفتاه0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالألف في قول الله تعالى: فوجدا عبدا من عبادنا، هي تثنية ضمير الغائب وتعود إلى موسى وفتاه، وقد وردت في الآيات التي قبلها ألفات في: بلغا، نسيا،، جاوزا، فارتدا، تعود كلها عليهما. قال تعالى: فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً*فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً*قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً*قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً*فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْما.... إلى آخر الآية {الكهف:61ـ65} . ولو كان الضمير يعود على موسى وحده لكانت: وجد الدالة على المفرد، ولم ترد كلمة وجدا الدالة على التثنية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1426(2/2413)
تفسير (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله عز وجل -يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين- لماذا قدم السجود عن الركوع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف في سبب إيراد السجود في الآية الكريمة قبل الركوع، فقيل لأنه أفضل، وقيل لأنه أقدم منه في صلاتهم، وقيل غير ذلك.. ففي روح المعاني للألوسي عند تفسير الآية المسؤول عنها قال: يحتمل أن يكون المراد من ذلك كله الأمر بالصلاة إلا أنه أمر سبحانه لها بذكر أركانها مبالغة في إيجاب المحافظة عليها، لما أن في ذكر الشيء تفصيلا تقريرا ليس في الإجمال. ولعل تقديم السجود على الركوع لأنه كذلك في صلاتهم. وقيل: لأنه أفضل أركان الصلاة وأقصى مراتب الخضوع. وفي الخبر: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، أو التنبيه على أن الواو لا توجب الترتيب أو ليقترن (اركعي) بالراكعين للإيذان بأن من ليس في صلاتهم ركوع ليسوا مصلين..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(2/2414)
سر تقديم تعليم القرآن على خلق الإنسان في سورة الرحمن
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا في سورة الرحمن في قوله تعالى: علم القرآن خلق الإنسان. قدم تعليم القرآن على خلق الإنسان؟.
مع الشكر والامتنان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام البيضاوي رحمه الله في تفسيره: لما كانت السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والأخروية صدرها بـ (الرَّحْمَنُ) ، وقدم ما هو أصل النعم الدينية وأجلها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، فإنه أساس الدين ومنشأ الشرع وأعظم الوعي وأعز الكتب، إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدق لنفسه ومصداق لها، ثم أتبعه قوله: خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ {الرحمن: 3-4} . إيماء بأن خلق البشر وما يميز به عن سائر الحيوان من البيان، وهو التعبير عما في الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1426(2/2415)
تفسير (حتى إذا أتوا على واد النمل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النمل الآية - 18 ((حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم...........) في هذه الآية الكريمة يستدل أن النمل وهي حشرة صغيرة كانت تعيش في زمن سيدنا سليمان عليه السلام وعلى سيدنا محمد الصلاة والسلام ... كان النمل يعيش في مكان محدد وهو واد النمل فقط ولم يكن منتشرا في جميع الأماكن على الأرض ولكن ربما أن اليهود أحفاد القرود والخنازير هم الذين قاموا بنقل النمل إلى كل مكان على الأرض لسببين أولا لكي يتضرر النمل لأن هناك أعدادا كبيرة ملايين الملايين من هذا النمل يقتل يوميا على الأرض وفي كل مكان.. وثانيا حتى يتضرر الإنسان بهذا النمل الذي ربما يأكل من طعام الإنسان أو يفسد الحبوب والمحاصيل التي يخزنها الانسان وبذلك يتم إلحاق الخسارة بالانسان لأن اليهود هم مفسدون على الأرض في كل الأوقات وفي كل الأماكن فهم يفسدون في خلق الله تعالى الآن بعمليات التلاعب بخلق الله تعالى مثل الاستنساخ ونقل الأجنة والتلقيح الاصطناعي ... الخ
السؤال. لماذا ذكر الله تعالى لنا كلمة واد النمل في القرآن؟؟ وأين كان هذا الواد؟؟ وهل أن النمل كان يعيش في زمن سيدنا سليمان عليه السلام فقط في هذا الواد ولم يكن موجودا في كل مكان من الأرض؟؟
يرجى الإجابة وجزاكم الله تعالى خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء ذكر واد النمل في موضع واحد من كتاب الله عز وجل في سياق الحديث عن قصة سليمان عليه السلام وما أيده الله تعالى به من المعجزات، ويبدأ السياق من قول الله تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ.. {النمل:16} . وقد اختلف المفسرون في موضع هذا الوادي، فقال بعضهم بالشام، وقال آخرون كان بالطائف قرب واد سدير ومر عليه سليمان في طريقه من الشام إلى اليمن. وقال صاحب التحرير والتنوير: وواد النمل يجوز أن يكون مرادا به الجنس لأن للنمل شقوقا ومسالك هي بالنسبة للنمل كالأودية للساكنين من الناس، ويجوز أن يراد به مكان مشتهر بالنمل غلب عليه هذا المضاف؛ كما سمي واد السباع موضع معلوم بين البصرة ومكة.
ولم نقف على قول لأحد المفسرين أو غيرهم أن النمل كان يعيش في مكان معين دون غيره من الأماكن، وليس في الآية ما يدل على ذلك. وأقصى ما تدل عليه أن ذلك المكان كثير النمل أو يجمتع فيه كثير منه؛ كما هو معروف أن للنمل قرى وأماكن يتجمع فيها، ولا ينفي ذلك وجوده في أماكن أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1426(2/2416)
تفسير (زين للناس حب الشهوات من النساء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} عندما قال الله زين للناس حب الشهوات من النساء (فهذا للرجال) ، فهل معنى ذلك، أن كلمه الناس تطلق على الرجال فقط أم الناس كلمة تطلق على الإاث والذكور، وهل يجوز إطلاق كلمة الناس على مجموعة من النساء فقط دون دخول الرجال معهم، وهل إذا كانت كلمة الناس شاملة للنساء والرجال فهل باقي الكلام في الآيه السابقة يشمل النساء والرجال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالناس جمع إنسان، وهو يطلق على الرجل والمرأة معاً، قال ابن منظور في لسان العرب: الإنسان: معروف.... والجمع الناس، ويقال للمرأة أيضاً إنسان ولا يقال إنسانة، والعامة تقوله..
وعليه، فقول الله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ {آل عمران:14} ، يشمل الرجال والنساء، ولا مانع من إطلاق كلمة الناس على مجموعة من النساء فقط دون دخول الرجال.
وانطلاقاً مما ذكر فإن ما في الآية يشمل النساء والرجال، لأن شهوات الحياة لا تكاد تخرج عن هذه الأمور الأساسية التي أشار إليها القرآن الكريم في آياته المباركة، وهي: شهوة الجنس- شهوة حب البنين والبنات- شهوة جمع المال وتكديس الثروة- شهوة المتاع والأشياء الفاخرة. وكلها شهوات مشتركة بين الرجال والنساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1426(2/2417)
تفسير (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله (بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم، فيا شيخنا الكريم: ما معنى هذه الآية الكريمة بالتفصيل ومع ضرب الأمثال إذا أمكن؟ وشكراً،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شاع إطلاق الفاحشة على الزنا في آيات من كتاب الله، ووردت بمعنى الأمر المنكر في آيات أخرى، وحب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ليس من صفات المؤمنين، وإنما هو من علامات النفاق، وسننقل لك ما في التحرير والتنوير لابن عاشور عند تفسير الآية التي سألت عن تفسيرها، وهي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النور:19) ، قال: لما حذر الله المؤمنين من العود إلى مثل ما خاضوا به من الإفك على جميع أزمنة المستقبل أعقب تحذيرهم بالوعيد على ما عسى أن يصدر منهم في المستقبل بالوعيد على محبة شيوع الفاحشة في المؤمنين، فالجملة استئناف ابتدائي، واسم الموصول يعم كل من يتصف بمضمون الصلة فيعم المؤمنين والمنافقين والمشركين، فهو تحذير للمؤمنين وإخبار عن المنافقين والمشركين.
وجعل الوعيد على المحبة لشيوع الفاحشة في المؤمنين تنبيها على أن محبة ذلك تستحق العقوبة، لأن محبة ذلك دالة على خبث النية نحو المؤمنين، ومن شأن تلك الطوية أن لا يلبث صاحبها إلا يسيراً حتى يصدر عنه ما هو محب له، أو يسر بصدور ذلك من غيره، فالمحبة هنا كناية عن التهيؤ لإبراز ما يحب وقوعه.
وجيء بصيغة الفعل المضارع للدلالة على الاستمرار، وأصل الكناية أن تجمع بين المعنى الصريح ولازمه، فلا جرم أن ينشأ عن تلك المحبة عذاب الدنيا وهو حد القذف، وعذاب الآخرة وهو أظهر لأنه مما تستحقه النوايا الخبيثة، وتلك المحبة شيء غير الهم بالسيئة وغير حديث النفس، لأنهما خاطران يمكن أن ينكف عنهما صاحبهما، وأما المحبة المستمرة فهي رغبة في حصول المحبوب، وهذا نظير الكناية في قوله تعالى: وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. كناية عن انتفاء وقوع طعام المسكين، فالوعيد هنا على محبة وقوع ذلك في المستقبل، كما هو مقتضى قوله: أَن تَشِيعَ. لأن أن تخلص المضارع للمستقبل، وأما المحبة الماضية فقد عفا الله عنها بقوله: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
ومعنى أن تشيع الفاحشة أن يشيع خبرها، لأن الشيوع من صفات الأخبار والأحاديث كالفشو وهو: اشتهار التحدث بها، فتعين تقدير مضاف، أي أن يشيع خبرها؛ إذ الفاحشة هي الفعلة البالغة حدا عظيماً في الشناعة.
وشاع إطلاق الفاحشة على الزنا ونحوه، وتقدم في قوله تعالى: وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ. في سورة النساء. وتقدم ذكر الفاحشة بمعنى الأمر المنكر في قوله: وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا. في سورة الأعراف. وتقدم الفحشاء في قوله تعالى: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء. في سورة البقرة.
ومن أدب هذه الآية أن شأن المؤمن أن لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء، كذلك عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين. ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو الكذب مفسدة أخلاقية، فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها، وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويدا رويدا حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس، فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر وخف وقع خبرها على الأسماع، فدب بذلك إلى النفوس التهاون بوقوعها وخفة وقعها على الأسماع فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها، وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة.
هذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس ضراً متفاوت المقدار على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب.
ولهذا دل هذا الأدب الجليل بقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. أي يعلم ما في ذلك من المفاسد فيعظكم لتجتنبوا، وأنتم لا تعلمون فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر. وهذا كقوله: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1426(2/2418)
الميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم في عالم الذر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى عالم الميثاق؟ أفيدوني بكل شيء عنه إذا سمحتم. وجازاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائلة الكريمة تقصد العهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم في عالم الذر حين خلق أباهم آدم عليه السلام، ومسح على ظهره فاستخرج منه كل من سيولد ويخرج من صلب آدم إلى يوم القيامة، فهذا الميثاق هو إقرارهم بتوحيد الله تعالى وربوبيته، كما قال سبحانه وتعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ {الأعراف: 172-173}
وقد روى ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا قال: إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتويين 51943، 58592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1426(2/2419)
تفسير (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الآية التالية منسوخة أم لا وهي: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية ليست منسوخة، وهي قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وهي محمولة على من تاب من الذنوب قبل موته، قال ابن كثير في تفسيره لها: هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة، لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه.
ويؤيد ذلك ما ورد في سبب نزولها، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا.... ونزل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(2/2420)
تفسير (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية الكريمة جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن نعم الله تعالى على البشرية كلها مؤمنها وكافرها برها وفاجرها ... ويبدأ السياق من قول الله تعالى: اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ* وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ {إبراهيم:32-33-34} .
قال القرطبي في تفسيره: ... وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، أي في إصلاح ما يصلحان من النبات وغيره، والدءوب: مرور الشيء في العمل على عادة جارية، وقيل دائبين في السير امتثالاً لأمر الله تعالى، والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران ...
ويقول صاحب الظلال: وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ... والشمس والقمر لا يستخدمهما الإنسان مباشرة كما يستخدم الماء والثمار والبحار والفلك والأنهار ... ولكنه ينتفع بآثارهما ويستمد منهما آثار الحياة وطاقتها، فهما مسخران بالناموس الكوني ليصدر عنهما ما يستخدمه هذا الإنسان في حياته.. ومعاشه بل في تركيب خلاياه وتحديدها.
وعلى هذا فمعنى الآية الكريمة: هو تسخير الشمس والقمر وغيرهما، وجعل ذلك في خدمة الإنسان في هذه الحياة دائماً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وفي هذا تشريف للإنسان، فالكون كله مسخر لخدمته ليكون هو عبدا لله تعالى وحده لا شريك له، وبذلك كمال شرفه وعلو منزلته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(2/2421)
تفسير (وإنه لحب الخير لشديد)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: وإنه لحب الخير لشديد، هل الخير معناه الحياة، ولماذا سميت بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الخير في قوله تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ {العاديات:8} ، هو المال، قال ابن حجر في فتح الباري: وقد أخبر الله عن الإنسان (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) والخير هنا المال اتفاقا.
وذكر ابن عبد البر في موضع من التمهيد هذا المعنى ونسبه إلى المفسرين عامة، وقال في موضع آخر منه: قول الله عز وجل: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين) والخير ههنا المال، لا خلاف بين أهل العلم في ذلك، ومثل قوله عز وجل (إن ترك خيرا) قوله (وإنه لحب الخير لشديد) وقوله (إني أحببت حب الخير) وقوله (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) الخير في هذه الآيات كلها المال.
ويستفاد من كلام العلماء في سبب تسمية المال خيراً، عدة أمور منها:
1- أن المال في الأصل خير للناس، قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: المال في الأصل قوام العباد في أمر دينهم، به يصلون ويصومون ويزكون ويتصدقون، فالأبدان لا تقوم إلا بهذا المال، وأعمال الأركان لا تقوم إلا بهذا المال، منه يطعم ومنه يشرب ومنه يكتسى ومنه يسكن من الحر والبرد وبه يتوقى الأذى والمشقة ويدفع الشدائد من الأموال ... فهذا المال على ما وصفنا حقيق أن يسمى خيراً لأن الخيرات به تقوم. وهذا المعنى لا يتنافى مع كون بعض الناس قد يستعمل المال في الشر، قال العيني في عمدة القاري: هذا الخير قد يعرض له ما يجعله شراً إذا أسرف فيه ومنع من حقه.
2- وروى الطبري عن ابن زيد أن الله تعالى سمى المال خيراً لأن الناس يعدونه كذلك، قال: وعسى أن يكون حراماً، ولكن الناس يعدونه خيراً، فسماه الله خيراً، لأن الناس يسمونه خيراً في الدنيا، وعسى أن يكون خبيثاً، وسمى القتال في سبيل الله سوءاً، وقرأ قول الله: فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ. قال: لم يمسسهم قتال، قال: وليس هو عند الله بسوء، ولكن يسمونه سوءاً. ونقل هذا القول أيضاً العيني في عمدة القاري، والقرطبي في تفسيره.
3- وورد عن علي رضي الله عنه أن المال لا يسمى خيراً إلا إذا كان كثيراً، وورد ذلك أيضاً عن بعض التابعين، روى ذلك الطبري في تفسيره، ورجح أن اسم الخير يعم القليل والكثير من المال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1426(2/2422)
تفسير (ما أصابك من حسنة فمن الله..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك. كل من عند الله.
المرجو بيان تناسق هذه المعاني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآيات نزلت في المنافقين الذي قالوا في قتلى أحد: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا {آل عمران: 156] . ... فرد الله تعالى عليهم بقوله: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ {النساء: 78-79} .
وخلاصة ما ذكره أهل التفسير في قول الله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.. أي إن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من نصر وغنيمة ... يقولوا هذه من جهة الله ومن تقديره لما علم فينا من الخير. وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ.. أي وإن تصبهم هزيمة أو جوع أو ما أشبه ذلك يقولوا هذه بسبب اتباعنا لمحمد ودخولنا في دينه ... كما قال قوم فرعون: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ.. قال الله تعالى رداً عليهم: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {النساء: 78} . فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد زعمهم الباطل.. ببيان أن الخير والشر بتقدير الله تعالى، فالحسنة والسيئة والنعمة والنقمة كل ذلك من عند الله خلقاً وإيجاداً، لا خالق سواه فهو وحده النافع الضار، وعن إرادته تصدر جميع الكائنات ...
ثم قال تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ... والخطاب لكل سامع أي ما أصابك أيها الإنسان من نعمة وإحسان فمن الله تفضلاً منه وإحساناً وامتحاناً ... وما أصابك من بلية ورزية ... فمن عندك لأنك السبب فيها بما ارتكبت يداك؛ كقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: 30} .
وبهذا يتضح لك أن خلق كل شيء وإيجاده خيراً كان أو شراً هو من عند الله تعالى، فهو وحده الخالق وهو وحده النافع الضار. كما قال تعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، خلقاً وإيجاداً.
وأما قوله تعالى: فَمِنْ نَفْسِكَ فمعناه بسبب ما راتكبت من المعاصي وما اقترفته يداك من الآثام، فالله هو الخالق لها، وأنت هو السبب فيها بما ارتكبت من ذنوب ومعاصي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1426(2/2423)
سبب تذكير (قريب) في قول الله: إن رحمت الله قريب....
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحكمة في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} ، ولم يقل تعالى قريبة من المحسنين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل التفسير وعلماء اللغة في تخريج التذكير في قوله (قريب) لأنه خبر للرحم: وهي مؤنثة، قال الزجاح: والأصل في المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما، ولذا فإن الرحمة هنا مؤولة بالرحم لكونها بمعنى العفو والغفران ورجحه النحاس، وقال الأخفش: أراد بالرحمة هنا المطر وتذكير بعض المؤنث جائز ومسموع ومنه قول الشاعر: فلا مزنة ودقت ودقها * ولا أرض أبقل إبقالها.
وقال النضر بن شميل: الرحمة مصدر بمعنى الترحم وحق المصدر التذكير.
وقال الجوهري: تأنيث الرحمة هنا غير حقيقي فجاز في خبرها التذكير.
والتأنيث لا يلزم إلا في النسب، وأما المسافات والأوقات بذلك المعنى إذا وقعت أخباراً للاسماء أجرتها العرب مجرى الحال فوحدتها مع الواحد والاثنين والجمع وذكرتها مع المؤنث، فيقولون كرامة الله بعيد من فلان، ومن هذا الباب وهو التذكير في الأوقات قوله تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا {الأحزاب:63} ، ومن التذكر في المسافة قول الشاعر امرئ القيس:
لك الويل إن أمسي ولا أم هاشم * قريب ولا السبابة ابنة يشكرا
وقول عروة بن الورد: عشية لا عفراء منك قريبة * فتدنوا ولا عفراء منك بعيد
ومما قيل في تخريج ذلك أيضاً أنه على حذف مضاف أي أن مكان رحمة الله قريب، فالإخبار إنما هو عن المكان وهو مذكر ومنه وقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
يقون من ورد البريص عليهم * بردى يصفق بالرحيق السلسل. فذكر يصفق مع أن بردى مؤنث والتقدير ماء بردى.
وقيل بأن ذلك على حذف الموصوف أي شيء قريب ومنه قول الشاعر:
قامت تبكيه على قبره * من لي من بعدك يا عافر
تركتني في الدار ذا غربة * قد ذل من ليس له ناصر أي شخصا ذا غربة.
وقال ابن جبير: الرحمة هنا بمعنى الثواب وفسرها بعضهم بالإحسان لمكان المحسنين، كما في قوله تعالى: هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.
قال ابن هشام: لا بعد في أن يقال: أن التذكير في الآية الكريمة لمجموع أمور من الأمور المذكورة واختار أنه لما كان المضاف يكتسب من المضاف إليه التذكير وكانت الرحمة مقاربة للرحم في اللفظ وقريب على صيغة فعيل وهو إن كان بمعنى فاعل قد يحمل على فعيل بمعنى مفعول جاء التذكير.
وقد جرى في هذه الآية بحث طويل بين ابن مالك والروذراوري وهو مبسوط في كتب اللغة لمن أراد الرجوع إليه.
وذكر الألوسي في تفسيره: روح المعاني ثلاثة عشر تخريجا لذلك ثم قال: والذي اختاره أن فعيلا هنا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول لأن الرحمة صفة ذات، وصفات الذات لا يحسن الإخبار عنها بأنها مقربة.
وخلاصة القول أن العلماء قد اختلفوا في تخريج التذكير للصفة في تلك الآية وكتبوا في ذلك وحشدوا من الأدلة ما ذكرنا لك طرفا منه، وهذا كله إنما يدل على بلاغة القرآن وإعجازه،فلا يبعد أن يكون التذكير إنما سيق ليشمل مجموع ما ذكر، كما قال ابن هشام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1426(2/2424)
تفسير (وتوفنا مع الأبرار)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الأبرار \\\"وتوفنا مع الأبرار\\\" آية 193 سورة آل عمران]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأبرار جمع بر أو بار وأصله في اللغة من الاتساع، فكأن البار متسع في طاعة الله ومتسعة له رحمة الله تعالى.
والأبرار هم الذين بروا الله تبارك وتعالى بطاعتهم إياه وخدمتهم لدينه حتى أرضوه فرضي عنهم، وقيل: هم الأنبياء والصالحون، وقيل: هم المؤمنون الصادقون في إيمانهم المطيعون لربهم.
هذا خلاصة ما ذكره أهل التفسير في معنى الأبرار.
وقال الألوسي في روح المعاني: وسر قولهم توفنا مع الأبرار ولم يقولوا: توفنا أبرارا هو التواضع والتذلل وهضم النفس عند الدعاء وحسن الأدب مع الله تعالى كأنهم يقولون: إن لم نكن من هؤلاء فألحقنا بهم واحشرنا في زمرتهم واجمعنا معهم.
وقد أخبرنا الله عز وجل عن حال الأبرار في الآخرة وبعض ما أعد لهم من النعيم المقيم الأبدي فيها، فقال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا.. الآيات
وقال تعالى: الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ {المطففين: 22-25}
ويقابل الأبرار الفجار والأشرار.
وقد أخبرنا الله تعالى عن مآلهم في الآخرة فقال سبحانه وتعالى: وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ {الانفطار: 14}
ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 50071
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1426(2/2425)
البياض والسواد في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[من النبي الذي كان لون بشرته سوداء؟ ولماذا دائما الله يذكر في قرآنه الكريم عن البياض النور والسواد العتمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد فيما وقفنا عليه من الأخبار أن أحد الأنبياء كان أسود، إلا على القول بنبوة لقمان الحكيم، فإن في مصنف ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: كان لقمان عبداً أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين.
وأما كون القرآن الكريم يوصف فيه دائماً البياض بالنور والسواد بالعتمة، فعلى تقدير صحة أن هذه الأوصاف توجد في القرآن كما ذكرت، فلا نرى فيها ما يدعو إلى الاستغراب، لأن البياض مناسب للنور، والسواد مناسب للعتمة وهي سواد الليل.
وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان كل من البياض والسواد في القرآن يراد به حقيقته، أم أن له معنى آخر زائداً على الحقيقة.
وللمفسرين في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ {آل عمران: 106} . قولان: أحدهما: أن المراد بابيضاض الوجوه إشراقها وإسفارها بنيل البغية والظفر بالأمنية، والاستبشار بما يصير إليه من الثواب، كقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ {عبس: 38-39} .
وباسودادها ظهور أثر الحزن والكآبة عليها، لما تصير إليه من العقاب، كقوله تعالى: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ {القيامة: 24} ، وقوله تعالى: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ {عبس: 40-41} .
وثانيها: أن البياض والسواد محمولان على ظاهرهما، وهما النور والظلمة، إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة.
فمن كان من أهل نور الحق وسم ببياض اللون وإسفاره وإشراقه، ابيضت صحيفته، وسعى النور بين يديه وبيمينه، ومن كان من أهل ظلمة الباطل، وسم بسواد اللون وكمده، سودت صحيفته وأحاطت الظلمة به من كل جانب.
قالوا: والحكمة في ذلك أن يعرف أهل الموقف كل صنف، فيعظموهم ويصغروهم بحسب ذلك، ويحصل لهم بسببه مزيد بهجة وسرور، أو ويل وثبور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(2/2426)
لا يؤاخذ الله العبد بجريرة غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[قال. الله. ألاتزر. وازرة. وزر. أخرى. فكيف. يتفق. ذلك. مع. الشفاعة. ومع. إهداء. ثواب. بعض. الأعمال. إلى. الأموات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح، وقد ورد من طرق كثيرة، وورد في الصحيحين ما يشهد له، من ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة متفق عليه. وفي رواية لمسلم: فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ".
وصح كذلك أن ثواب أعمال الأحياء يمكن أن يصل إلى الأموات، وكنا قد بينا ذلك من قبل، فراجع فيه الفتوى رقم: 3500 والفتوى رقم: 2288.
وقول الحق سبحانه: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، يفيد أن المرء لا يؤاخذ بجريرة غيره، ولا بذنب لم تقترفه يداه، ولا منافاة بين ذلك وبين انتفاعه بثواب عمل لم يعمله. والذي يمكن أن يفهم منه التعارض مع استفادة الشخص من كسب غيره هو الآية التي بعد هذه، وهي قول الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:40] . وقد بين أهل العلم ما يزيل إشكاله، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 3406
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(2/2427)
مثل للقيم الزائلة والقيم الباقية، كما صورتها قصة صاحب الجنتين
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الفاضل أنا عندي سؤال ممكن أن نطلق عليه أكثر من فتوى وهو سؤال دائما يراودني وهو من كتابنا العزيز كتاب الله من سورة الكهف من الآية اثنتين وثلاثين إلى الآية اثنتين وأربعين وهي التي تتحدث عن رجلين ولكن أنا لا أفهم عندما الرجل المؤمن يتحدث من الآية تسعة وثلاثين إلى الآية اثنتين وأربعين أهو الذي يتحدث أم الآخر لأنه يحدث صديقه عن ماعنده وأسفه واعتذر كثيرا على هذا الاستفسار ولكن أريد أن أفهم كتابنا الجليل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآيات نزلت في أخوين أحدهما مؤمن والآخر كافر، وهي مثل للمؤمن بالله تعالى المنفق في سبيله الذي يرجو ثوابه ومغفرته، والكافر الجاحد الذي لا يؤمن بالغيب ولا يصدق بالبعث.
وبداية سياق القصة من قوله سبحانه وتعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ ... ويتواصل السياق في وصف الجنتين إلى:..... وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا إلى قوله تعالى: مُنْقَلَبًا.. لتبدأ إجابة الرجل المؤمن بقوله: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا.... إلى قوله تعالى: طَلَبًا....
ثم يعقب السياق على هذا الحوار بما آل إليه أمر الحديقتين من الخراب والهلاك والدمار، وهو مآل الدنيا كلها، وما وقع فيه صاحبها من الندم والحزن والخيبة، وهو الدرس الذي ينبغي لكل مسلم أن يأخذه ويتعظ به ويستفيد منه وهو الذي من أجله سيقت القصة، كما قال سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ {يوسف: 111} .
يقول سيد قطب في الطلال: هذه القصة مثل للقيم الزائلة والقيم الباقية، فصاحب الجنتين نموذج للرجل الذي تذهله الثروة وتبطره النعمة، فينسى القوة الكبرى التي تسيطر على أقدار الناس والحياة، ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى فلن تخذله القوة ولا الجاه.
وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه الذاكر لربه يرى النعمة دليلاً على المنعم موجبة لحمده وشكره لا لجحوده وكفره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1426(2/2428)
معنى (..فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو:
أطلب من سماحتكم تفسيرا مفصلا لقوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
\"فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء\\\".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا المقطع من الآية الكريمة 283 من سورة البقرة: وبداية سياقها قول الله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
كما ورد مثلها في مواضع أخرى من كتاب الله تعالى.
قال الطبري: إن تبدوا ما في أنفسكم أيها الناس فتظهروه، أو تخفوه فتنطوي عليه أنفسكم يحاسبكم به الله، فيعرف مؤمنكم تفضله بعفوه عنه ومغفرته له فيغفر له، ويعذب منافقكم على الشك الذي انطوت عليه نفسه في وحدانية خالقه ونبوة أنبيائه. فالله سبحانه وتعالى هو صاحب المشيئة المطلقة لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، فليس لأحد مشيئة دونه فهو سبحانه وتعالى الفعال لما يريد.
ولتوضيح معنى الآية إجمالا نذكر سبب نزولها كما في صحيح مسلم، فمعرفة السبب معينة على التأويل كما يقول المفسرون.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة.. وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابيين قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها: آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ... الآية
فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى بقوله جل وعلا: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286} الحديث مع تمام الآية
ولذلك فهذه الآية مما نسخ حكمه وبقيت تلاوته، كما في الإتقان في علوم القرآن ل لسيوطي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(2/2429)
وشيجة الدين هي أعطم الوشائج
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
يقول الله تعالى فى محكم كتابه {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} ، كيف يعي المؤمن هذين المثالين ويتخذهما نبراسا لحياته الإيمانية خاصة ونحن نعيش زمنا قد شاعت فيه الفتن؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذان النموذجان من النماذج الفذة والأمثلة العالية والقدوة الحسنة التي ضربها الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين في محكم كتابه لتكون لهم نبراساً تنير لهم الطريق أمام أعينهم في مختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات، فقد ضرب الله تعالى المثل لعباده المؤمنين ب نوح وابنه، وب إبراهيم وأبيه، وبأصحاب الكهف وقومهم وب لوط وزوجته وفرعون وزوجته.... فإذا جعل المؤمن هذه الأمثلة أمام عينيه هانت عليه كل وشائج الدم والقربى والأهل والعشيرة والوطن في سبيل دينه.
يقول سيد قطب رحمه الله في تفسير الظلال: إن الوشيجة التي يتجمع عليها الناس في هذا الدين وشيجة فريدة تتميز بها طبيعة هذا الدين.
إن هذه الوشيجة ليست وشيجة الدم والنسب، وليست وشيجة الأرض والوطن، وليست وشيجة القوم والعشيرة، وليست وشيجة اللون واللغة، وليست وشيجة الجنس والعنصر، وليست وشيجة الحرفة والطبقة ... إن هذه الوشائج جميعاً قد توجد ثم تنقطع.
فوشيجة الإيمان هي التي ينبغي أن يتجمع عليها الجنس البشري، وهذا هو المعلم الواضح البارز بين نظرة هذا الدين إلى الوشائج والروابط وبين نظرات الجاهلية المتفرقة، والمنهج الرباني القويم -ممثلاً في هذا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم وفي توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم- قد أخذ الأمة المسلمة بالتربية على هذا الأصل الكبير والمعلم الواضح البارز في مفرق الطريق. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(2/2430)
تفسير قوله تعالى (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية الكريمة \" ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا\"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الواحدي عند تفسيره لهذه الآية: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا {الكهف: 51}
" ما أشهدتهم " ما أحضرتهم يعني: إبليس وذريته. " خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم " أخبر عن كمال قدرته واستغنائه عن الأنصار والأعوان فيما خلق " وما كنت متخذ المضلين عضدا " أنصارا وأعوانا لاستغنائي بقدرتي عن الأنصار.
وقال القرطبي: الضمير في " أشهدتهم " قيل يرجع إلى المشركين وإلى الناس بالجملة، فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجمين وأهل الطبائع والمتحكمين من الأطباء وسواهم من كل من ينخرط في هذه الأشياء.. قال ابن عطية: ولا مانع من أن يكون المقصود إبليس وذريته ولكون الآية ردا على الطوائف المذكورة وعلى الكهان والعرب المعظمين للجن حين يقولون أعوذ بعزيز هذا الوادي، إذ الجميع من هذه الفرق متعلقون بإبليس وذريته وهم أضلوا الجميع فهم المراد الأول بالمضلين، وتندرج هذه الطوائف في معناهم.
وحول هذه المعاني دار أغلب المفسرين ك الطبري وابن كثير والشوكاني وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1426(2/2431)
الغضب واللعنة المذكوران في سورة النور
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أرجو توضيح الفرق بين لعنة الله وغضب الله الذي ورد في سورة النور آية 7 و 9، هل غضب الله أعظم من اللعنة أم اللعنة أعظم من الغضب؟ ولماذا كانت اللعنة للرجال والغضب للنساء فهل في ذلك حكمة معينة؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد الفرق بين اللعنة والغضب في كتب اللغة، ففي مختار الصحاح: اللعن: الطرد والإبعاد من الخير، وبابه قطع، واللعنة الاسم، والجمع لعان ولعنات، والرجل لعين وملعون، والمرأة لعين أيضاً، والملاعنة واللعان: المباهلة.
والغضب: نقيض الرضا، كما في لسان العرب وغيره من المعاجم.
وغضب الله أعظم من لعنته، كما قال أهل التفسير، ففي روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي: اللعن الطرد عن الرحمة، والغضب أعظم منه ... إلى أن قال: لا يسلم اختصاص الغضب بالكافر وإن كان أشد من اللعن.
وأما عن سبب كون اللعنة للرجال والغضب للنساء، فإن لأهل العلم في ذلك تعليلات.
قال الدسوقي: إنما تعين اللعن في خامسة الرجل، والغضب في خامسة المرأة، لأن الرجل مبعد لأهله، وهي الزوجة ولولده الذي نفاه باللعان فناسب ذلك، لأن اللعن معناه البعد، والمرأة مغضبة لزوجها، ولأهلها ولربها فناسبها ذلك التعبير بالغضب.
وذكر بعض أهل العلم له توجيهين غير ما ذكر:
الأول: أن المرأة لما كانت معتادة على ذكر اللعن على لسانها، جعل في حقها أمراً آخر هو الغضب.
والثاني: ما ذكره ابن كثير رحمه الله إذا قال بعد ذكر الآية: فخصها بالغضب، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور، وهي تعلم صدقه فيما رماها به، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1426(2/2432)
السؤال المنهي عنه في آية المائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي نوعية الأسئلة المرادة في الآية 101 من سورة المائدة، وهل كل سؤال ينتظر من إجابته مشقة على النفس يدخل في هذا الباب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأسئلة المقصودة في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {المائدة:101} ، هي التي لا فائدة منها وقد تسيء السائل إن ظهر له جوابها أو شق عليه، قال ابن كثير: نهاهم أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها لأنها إن ظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها، وقال الطبري: إذا بدا لكم حقيقة ما تسألون عنه ساءكم إبداؤه، كالذي سأل من أبي؟ فقيل له: أبوك فلان، أو الذي سأل أين أبي؟ فقيل له: في النار، أو الذي قال: أفي كل عام يا رسول الله، قال: لا، ولو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. فذلك مما روي في سبب نزول تلك الآية ومثله أسئلة الاستهزاء والتعنت، كما قال ابن حجر. والحاصل أنها نزلت بسبب كثرة المسائل، إما على سبيل الاستهزاء أو الامتحان وإما على سبيل التعنت.
فتلك الأسئلة التي لا تفيد المسلم وربما يسوؤه جوابها، وأسئلة الاستهزاء والتعنت كل ذلك مما يشمله النهي في الآية. وأما سؤال أهل العلم عن أمور الدين وأهل الخبرة عما يفيد في الدنيا فغير داخل في ذلك النهي، قال الشوكاني: ولا بد من تقييد النهي في الآية بما لا تدعو إليه حاجة؛ لأن الأمر الذي تدعو الحاجة إليه في أمور الدين والدنيا قد أذن الله بالسؤال عنه فقال: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. وقال صلى الله عليه وسلم: قاتلهم الله ألا سألوا فإنما شفاء العي السؤال. أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي وحسنه الألباني.
وقال ابن عبد البر: السؤال اليوم لا يخاف أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله، فمن سأل مستفهما راغباً في العلم ونفي الجهل عن نفسه باحثاً عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه فلا بأس به، فإنما شفاء العي السؤال، ومن سأل متعنتاً غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليله ولا كثيره. اهـ
إذاً فالسؤال عن أمور الدين واجب على المسلم ولو كان في جوابه مشقة، لأن محل النهي أوان نزول الوحي كما قال ابن العربي والشوكاني، وأما السؤال لأجل الاستهزاء أو التعنت وعما لا يفيد المسلم فإنه مما تشمله الآية، وجاءت السنة بالنهي عنه كما في حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. متفق عليه واللفظ للبخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1426(2/2433)
تفسير قوله تعالى (ألم نشرح لك صدرك)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تمكيني من تفسير آية {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتفسير الآية الكريمة موجود في جميع كتب التفسير، وبما أنك طلبته، فسوف ننقل لك ما ورد في تفسير ابن كثير: ي قول الله تعالى: ألم نشرح لك صدرك، يعني أما شرحنا لك صدرك أي نورناه وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً كقوله: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام.
وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً واسعاً سمحاً سهلاً لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق. وقيل: المراد بقوله: ألم نشرح لك صدرك: شرح صدره ليلة الإسراء ... وقد أورده الترمذي ههنا. وهذا وإن كان واقعاً ليلة الإسراء كما رواه مالك بن صعصعة، ولكن لا منافاة فإن من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضاً. فالله أعلم.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: عن أبي بن كعب أن أبا هريرة كان جريئاً على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره فقال: يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وقال: لقد سألت يا أبا هريرة، إني لفي الصحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل أهو هو؟ قال: نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها قط وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مساً، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه فأضجعاني بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما لصاحبه: أفلق صدره فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغل والحسد، فأخرج شيئاً كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها، فقال له أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرجه شبه الفضة ثم هز إبهام رجلي اليمنى، فقال: اغد وأسلم، فرجعت بها أعدو رقة على الصغير ورحمة للكبير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(2/2434)
الحكمة من ذكر الجن لموسى دون عيسى
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يسمع الجن عن سيدنا عيسى وسمعوا عن سيدنا محمد وسيدنا موسى صلى الله وسلم وعليهم جميعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدم ذكر الجن لعيسى في آية الأحقاف لا يفيد عدم سماعهم عن عيسى لأنهم لم يذكروا عدم سماعه، ويحتمل أنهم لا يرون أن رسالة عيسى ناسخة لرسالة موسى، وأنهم يرون أن ما جاء به موسى هو الأصل، وأن عيسى جاءت رسالته امتدادا لرسالة موسى وبياناً لها وتسهيلا وإباحة لبعض ما حرم في التوراة، ويشهد لهذا قول الله تعالى إخبارا عن عيسى عليه الصلاة والسلام أنه قال لبني إسرائيل: وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ {آل عمران:50} ، ومثل قول الجن في ذكر موسى دون عيسى قول النجاشي: إ ن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. رواه أحمد في المسند وحسنه الأرناؤوط. والنجاشي كان نصرانياً، وقريب منه قول ورقة بن نوفل وهو نصراني أيضاً: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. متفق عليه.
ويحتمل أنهم ذكروا موسى لاتفاق أهل الكتابين على رسالته، وقد روي عن عطاء أنهم كانوا يهوداً، وقد روي عن ابن عباس أن الجن لم تكن سمعت بعيسى، وقد ضعف الألوسي في تفسيره ما روي عنهما، ونقل عن ابن حبان أنه قال: إ ن هذا لا يصح عن ابن عباس. وراجع تفسير القرطبي والألوسي وابن عاشور وفتاوى شيخ الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(2/2435)
تفسير قوله تعالى (الأعراب أشد كفرا ونفاقا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[الأعراب أشد كفرا ونفاقا في أي سورة توجد هذه الآية وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المسؤول عنها في سورة التوبة المباركة قال تعالى: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة: 97} وتفسير تلك الآية هو أن الأعراب أشد جحودا لتوحيد الله وأشد نفاقا من أهل الحضر في القرى والأمصار وذلك بسبب جفائهم وقسوة قلوبهم وقلة مشاهدتهم لأهل الخير فهم لذلك أقسى قلوبا وأقل علما بحقوق الله.
قال أبو السعود: وهذا من باب وصف الجنس بوصف بعض أفراده، كما في قوله تعالى: وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ولأن الأعراب ليسوا كلهم كذلك، فقد بين قوله: وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ {التوبة: 99}
فبين سبحانه في تلك الآية أن المراد بالجنس البعض لا الكل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(2/2436)
أضواء على قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية (لا يمسه إلا المطهرون) ولماذا نزلت بكلمة (يمسه) وليست يلمسه على سبيل المثال، والأحكام الشرعية المنظمة لقراءة القرآن والمعاني والحكم الربانية من تلك الآية الكريمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية الكريمة، فذهب بعضهم إلى أن الضمير في يمسه راجع للوح المحفوظ، وقيل: هو ما في أيدي الملائكة، وقيل: مصاحفنا ...
والمطهرون: قيل: هم الملائكة المطهرون من الشرك والذنوب ... وقيل: هم الآدميون المكلفون المطهرون من الأحداث.. وقيل: لا يجد طعمه وحلاوته ونفعه ... إلا من آمن به وطهر قلبه.. جاء ذلك في معظم كتب التفسير المعتمدة.
والمطهرون لفظ مشترك يشمل الطهارة من الشرك والذنوب والأحداث والنجاسات والأقذار، ولهذا فإن هذه المعاني كلها محتملة لشمول اللفظ لها، قال الألوسي: ويجوز أن يقال: لا يصل إلى حقائق وأسرار القرآن الكريم إلا المطهرون من أرجاس الشهوات والشبهات وأنجاس الذنوب والمخالفات.
والمس في اللغة: يطلق على الجس وعلى اللمس وعلى الأخذ.. كما يطلق على المباشرة والمخالطة.. ولعل التعبير القرآني بهذا اللفظ -والله أعلم- ليشمل جميع معاني المس حسية كانت أو معنوية.
وكون التعبير القرآني جاء بهذا اللفظ لا يلزم منه أنه لا يمكن التعبير بمرادفه من الألفاظ التي تؤدي نفس المعنى في غير القرآن الكريم، ولكن ألفاظ القرآن الكريم تبقى كما هي سواء علمنا الحكمة التي من أجلها اختار الله ذلك اللفظ أو لم نعلمها، مع يقيننا أن كل لفظ في القرآن وضع في مكانه المناسب.
ولمعرفة حكم مس القرآن الكريم على غير طهارة وأقوال أهل العلم في ذلك نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 30818، والفتوى رقم: 31562 وما أحيل إليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1426(2/2437)
تفسير (ويعلمكم الكتاب والحكمة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد ذكر الحكمة في الآية 151 من سورة البقرة: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} فما المقصود بالحكمة هنا؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في التفسير أن المراد بالحكمة في الآية هو السنة، وعزا ذلك للحسن وقتادة ومقاتل وغيرهم، وقيل الفهم في الدين. ولا منافاة بين القولين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1426(2/2438)
تفسير (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل..)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يكون الرد على من ادعى في آية {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ} إلى آخر الآية، أي كان الرسول في شك مما أُنزل إليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده شك فيما أنزل إليه كما ذكر شيخ الإسلام في الجواب الصحيح، ويدل لهذا ما روى الطبري وعبد الرزاق عن قتادة أنه قال في قوله تعالى: فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ. قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أشك ولا أسأل.
وهذا الحديث مرسل، وقد ضعفه بعض العلماء إلا أن معناه صحيح، وقد نسب ابن كثير مثل قول قتادة لابن عباس وابن جبير والحسن البصري، ويشهد للحديث ما روى الضياء في المختارة عن ابن عباس أنه قال فيها: لم يشك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسأل.
والآية الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وسلم على جهة الفرض، أي إن كنت في شك فرضاً فاسأل، وقيل إن المقصود غيره وإن كان الخطاب قد وجه له، وقيل الشك هنا ضيق الصدر، أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر واسأل من قبلك يخبروك بصبر من قبلك من الأنبياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1426(2/2439)
عبادة بني إسرائيل العجل بعد طلبهم رؤية الله أم قبل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما قبل سؤال بني إسرائيل موسى عليه السلام رؤية الله أم اتخاذهم العجل, ففي سورة البقرة يظهر من سياق الآيات (49…) أنها متعاقبة الأحداث وفيها أن بني إسرائيل اتخذوا العجل قبل سؤالهم رؤية الله أما في سورة النساء الآية 153 فيها أن بني إسرائيل سألوا موسى رؤية الله ثم اتخذوا العجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يدل عليه سياق الآيات الكريمة من سورة النساء هو أن عبادة بني إسرائيل العجل كانت بعد طلبهم رؤية الله تعالى. قال الله تعالى: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُبِيناً {النساء: 153} . ويؤكد القرطبي هذا عند تفسير قوله تعالى. ثم اتخذوا العجل، يقول: في الكلام حذف تقديره: فأحييناهم فلم يبرحوا فاتخذوا العجل. اهـ. مما يدل على أن اتخاذ العجل كان بعد إحيائهم بعد الصاعقة التي أخذتهم بعد طلبهم رؤية الله جهرة.
وأما الذي في سورة البقرة فليس فيه ما يدل على أن عبادتهم العجل كانت قبل طلبهم رؤية الله. وذكر طلب الرؤية بعد ذكر اتخاذ العجل في الآيات الكريمة ليس دليلا على الترتيب الزمني. فكثير من الأحداث ترد في القرآن الكريم بعد أخرى متأخرة عنها في الزمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1426(2/2440)
تفسير قوله تعالى (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف فضل الله بعضنا على بعض في الرزق، وأتمنى أن تكون الإجابة مستوفية مفردات الرزق المذكور في القرآن وهل فضل الله بعضنا على بعض في هذه المفردات أم في مجموعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبر سبحانه في هذه الآية، وفي غيرها من الآيات، عن سُنَّة أقام الله عليها الحياة، وفطرةٍ فطر الناس عليها؛ وهي ماضية بمضاء سنة الحياة، لا تتبدل ولا تتغير؛ هذه السُنَّة هي التفاضل والتفاوت في الرزق، وأسباب الحياة الأخرى المادية والمعنوية.
كتب عمر رضي الله عنه رسالة إلى أبي موسى الأشعري، يقول له فيها: واقنع برزقك من الدنيا، فإن الرحمن فضَّل بعض عباده على بعض في الرزق، بلاء يبتلي به كلاً، فيبتلي من بسط له، كيف شكره لله وأداؤه الحق الذي افترض عليه فيما رزقه وخوله، رواه ابن أبي حاتم.
وكيفية تفضيل بعضنا على بعض في الرزق معلومة واضحة. قال الشوكاني عند تفسير هذه الآية: " فجعلكم متفاوتين فيه - أي الرزق - فوسَّع على بعض عباده، حتى جعل له من الرزق ما يكفي ألوفًا مؤلَّفة من بني آدم، وضيَّقه على بعض عباده، حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم، وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والاطلاع على حقيقة أسبابها؛ وكما جعل التفاوت بين عباده في المال، جعله بينهم في العقل والعلم والفهم، وقوة البدن وضعفه، والحسن والقبح، والصحة والسقم، وغير ذلك من الأحوال ".
وعلى هذا فمعنى الآية: أن الله سبحانه - لا غيره - بيده رزق عباده، وإليه يرجع الأمر في تفضيل بعض العباد على بعض، ولا يسع العبد إلا الإقرار بذلك، والتسليم لما قدره الله لعباده.
وأما مفردات الرزق المذكورة في القرآن فيصعب حصرها في هذا المقام، وقد فضل الله بعض خلقه على بعض في مجموعها وفي مفرداتها، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 52851، والفتوى رقم: 31702.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1426(2/2441)
تفسير قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: الآية (اليوم أكملت لكم دينكم....) ، ما معناه أكمل الله لنا الدين، هل قصد التشريع أو التوحيد والعقيدة، أم ماذا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في تفسير الآية الكريمة، قال القرطبي: قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين كان بمكة لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها فلما قدم المدينة أنزل الله الحلال والحرام إلى أن حج فلما حج وكمل الدين نزلت هذه الآية اليوم أكملت لكم دينكم الآية ... والدين عبارة عن الشرائع التي شرع وفتح لنا فإنها نزلت نجوماً وآخر ما نزل منها هذه الآية ولم ينزل بعدها حكم، قاله ابن عباس والسدي، وقال الجمهور: المراد معظم الفرائض والتحليل والتحريم، قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير ونزلت آية الربا ونزلت آية الكلالة إلى غير ذلك وإنما كمل معظم الدين وأمر الحج، إذ لم يطف معهم في هذه السنة مشرك، ولا طاف بالبيت عريان، ووقف الناس كلهم بعرفة وقيل: أكملت لكم دينكم، بأن أهلكت لكم عدوكم وأظهرت دينك على الدين كله، كما تقول: قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك.
وفي تفسير البيضاوي: اليوم أكملت لكم دينكم بالنصر والإظهار على الأديان كلها، أو بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد. وقال ابن عاشور في التحوير والتنوير: اليوم أكملت لكم دينكم المراد بهما إكمال الكليات التي منها الأمر بالاستنباط والقياس، قال الشاطبي لأنه على اختصاره جامع والشريعة تمت بتمامه ولا يكون جامعاً لتمام الدين إلا والمجموع فيه أمور كلية.
ولا خلاف في أن الدين قد كمل قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تشريعاً وتوحيداً وعبادة وأخلاقاً، فالوحي قد كمل قطعاً، والدين قد تم، ولكن هذا لا يمنع من الاجتهاد لاستنباط حكم للاختلاف في فهم آية أو صحة حديث، أو كون بعض ذلك ناسخاً أو منسوخاً، أو مخصصاً أو مقيداً أو مبيناً، ونحو ذلك مما تمليه أساليب اللغة وأصول التشريع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(2/2442)
القسم في قوله تعالى (تالله تفتأ..)
[السُّؤَالُ]
ـ[تالله تفتأ......الآية هل هذا نفي أم إثبات؟ وهل صحيح بأن جواب القسم بالفعل المضارع ليس له لام نفي وأن الاثبات يأتي مع اللام: وتالله لتفتأ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قوله تفتؤ منفي بحرف نفي مقدر، والتقدير لا تفتأ أي لا تزال تذكر يوسف، وقد قال بذلك الخليل وسيبويه والفراء والنحاس، وقد احتج له المفسرون والنحاة بقول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا * ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي.
وقد ذكر الألوسي في تفسيره أن القسم إذا لم يكن معه علامة الإثبات كان على النفي، وعلامة الإثبات هي اللام ونون التأكيد وهما يلزمان جواب القسم المثبت، فإذا لم يذكرا دل على أنه منفي، لأن المنفي لا يقارنهما ولو كان المقصود ههنا الإثبات لقيل لتفتأن. وراجع تفسير البغوي والبيضاوي والقرطبي والشوكاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1426(2/2443)
معنى (..إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فى سورة الأحقاف الآية 30 (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى، ولم يقولوا من بعد عيسى حيث إن القرآن الكريم نزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد عيسى وليس بعد موسى، أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن سبب قول أولئك النفر من الجن: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى، ولم يقولوا أنزل من بعد عيسى، أنهم كانوا يهودا على شريعة موسى عليه السلام، ولم يكونوا علموا بأمر عيسى صلى الله عليه وسلم، ففي تفسير القرطبي عند قوله تعالى: قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى. قال: أي القرآن، وكانوا مؤمنين بموسى، قال عطاء: كانوا يهوداً فأسلموا، ولذلك قالوا: أنزل من بعد موسى، وعن ابن عباس: أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى، فلذلك قالت: (أنزل من بعد موسى) ، مصدقا لما بين يديه، يعني ما قبله من التوراة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(2/2444)
تفسير آية الكرسي
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير آية الكرسي من تفسير ابن كثير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية العظيمة: أنها أعظم آية في كتاب الله تعالى وأنها تحفظ قارئها، وأن فيها اسم الله تعالى الأعظم، وأن من قرأها دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت، وأنها تحفظ من قرأها أول النهار وأول الليل، إلى غير ذلك من فوائدها التي ذكر الأدلة عليها من الأحاديث النبوية الشريفة، ثم قال: وهذه الآية مشتملة على عشر جمل مستقلة، فقوله: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق (الْحَيُّ الْقَيُّوم) أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً القيم لغيره، فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غني عنها لا قوام لها بدون أمره، وقوله تعالى (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) أي لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم ... أي لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس.. وقوله (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه.. وقوله (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) كقوله تعالى (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى) ، وقوله تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه جل وعلا.... فلا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة ... وقوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وقوله: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه، ويحتمل أن يكون المراد: لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه؛ كقوله تعالى: (ولا يحيطون به علماً) .
وقوله: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) عن ابن عباس قال: علمه ... ثم نقل ابن كثير عن ابن جرير أنه قال: وقال آخرون: الكرسي موضع القدمين ... ثم ذكر عن ابن عباس مرفوعا وموقوفاً أن: كرسيه موضع قدميه، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل، ثم ذكر عن أبي ذر مرفوع اً: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض.
ونقل عن بعضهم أن الحسن البصري قال: الكرسي هو العرش، قال ابن كثير: والصحيح أن الكرسي غير العرش والعرش أكبر منه كما دلت على ذلك الآثار والأخبار.
وقوله تعالى: (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا) أي لا يثقله ولا يكرثه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما؛ بل ذلك سهل عليه يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه.. والأشياء كلها حقيرة بين يديه، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو القاهر لكل شيء، الحسيب على كل شيء، الرقيب العلي العظيم لا إله غيره ولا رب سواه ... فقوله تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) كقوله: (الكبير المتعال) ، وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح: أمِرُّوها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه.
هذا ملخص ما ذكره ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة. وبإمكانك ان تطلعي على تفصيله في الجزء الأول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1426(2/2445)
تفسير (إنما سلطانه على الذين يتولونه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: في سورة النحل آيه 100 يقول الله تعالى: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ. صدق الله العظيم، الهاء في سلطانه تعود على الشيطان الرجيم،أما الهاء في به فتعود على الله تعالى، كيف يستدل على ذلك تفسيرا وليس فهما ضمنيا؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف فيما إذا كانت الهاء في به من الآية الكريمة ترجع إلى الله أم إلى الشيطان، فالذين جعلوها تعود إلى الله تعالى، قد اختاروا ذلك لأن الإشراك في هذا المجال إنما يكون بالله، والذين اختاروا المعنى الآخر جعلوا الإشراك بسبب الشيطان، قال البيضاوي في تفسيره: إنما سلطانه على الذين يتولونه يحبونه ويطيعونه. والذين هم به بالله أو بسبب الشيطان مشركون.
وفي تفسير القرطبي: قوله تعالى: إنما سلطانه على الذين يتولونه أي يطيعونه، يقال: توليته أي أطعته، وتوليت عنه أي أعرضت عنه، والذين هم به مشركون أي بالله، قال مجاهد والضحاك: وقيل يرجع به إلى الشيطان قاله الربيع بن أنس والقتبي، والمعنى: والذين هم من أجله مشركون. يقال كفرت بهذه الكلمة، أي من أجلها، وصار فلان بك عالما، أي من أجلك، أي والذي تولى الشيطان مشركون بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1426(2/2446)
تفسير الآيات من 6 إلى 10 من سورة الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة تفسير الآيات من الآية 6 إلى الآيه10من سورة الجن ومعرفة مدى قدرة الإنسان على تسخير الجان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات المشار إليها وردت في سياق حديث القرآن الكريم عن الجن في السورة التي تسمى باسمهم. قال الله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً*وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً*وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً*وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً*وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً {الجن:6ـ10} . قوله تعالى: " وأنه كان رجال.." قال أهل التفسير: كان الرجل من عرب الجاهلية إذا أمسى في واد قفر وخاف على نفسه.. نادى بأعلى صوته: يا عزيز هذا الوادي أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك، يريد الجن وكبيرهم، فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا: سدنا الجن والإنس.. فذلك قوله تعالى: "فزادوهم رهقا"، أي تكبرا وعتوا.. وقيل: زادوهم رهقا، أي إثما ... "وأنهم ظنوا كما ظننتم" أي ظن الجن كما ظننتم أيها الإنس أنه لا بعث بعد الموت، أو لا يبعث الله رسولا إلى عباده وهو أنسب للسياق. وقالت الجن: " وأنا لمسنا السماء". أي أتيناها "فوجدناها ملئت حرسا شديدا"، وهم الملائكة الذين يحرسونها من استراق السمع "وشهبا" جمع شهاب وهو النجم المضيء "وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع" أي كنا نقترب ونستمع، فالآن حين حاولنا الاستماع بعد بعث محمد صلى الله عليه وسلم رمينا بالشهب، والرصد ما أعد وأرصد للشيء. "وأنا لاندري أشر أريد بمن في الأرض" بإرسال محمد إليهم فيكذبونه فيهلكون. "أم أراد بهم ربهم رشدا" وهو أن يؤمنوا فيهتدوا، وقيل: لا ندري أشر أريد بمن في الأرض بحدوث الرجم بالكواكب أم صلاح.
وأما ما يتعلق بقدرة الإنسان على تسخير الجن فراجع فيه الفتوى رقم: 5701.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1426(2/2447)
تفسير قوله تعالى (..يا مالك ليقض علينا ربك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا قالوا لمالك ليقض علينا ربك ولم يقولوا ربنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المشار إليها في السؤال فيها ذكر قول أهل النار نسأل الله تعالى أن يجيرنا منها.
فقد جاءت في سياق حديث القرآن عن عذاب المجرمين في نار جهنم في الآخرة، وفي بداية السياق يقول الله تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ {الزخرف: 74-78} .
قال أهل التفسير: وإضافتهم الرب إلى ضمير المخاطب وهو مالك الملك الموكل بجهنم لا يعني إنكارهم لربوبية الله تعالى لهم، وإنما لأجل الحث والاستعطاف كما يقتضيه الموقف بدليل أنهم يقولون في موقف آخر: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ {المؤمنون: 107} فيقول لهم والعياذ بالله تعالى: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ {المؤمنون: 108) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1426(2/2448)
تقديم السمع ليس مطردا في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما سر تقديم الله تعالى حاسة السمع في الذكر عن بقية الحواس الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على من ذكر حكمة في هذا، علما بأن تقديم السمع ليس مطردا في القرآن وإن كان هو الأكثر، فقد يتقدم القلب عليه أحيانا كما في آية البقرة: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ {البقرة: 7} وكما في آية النحل أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ {النحل: 108}
وقد يتقدم البصر والقلب عليه أحيانا كما في آية الأعراف: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا {الأعراف: 179} .
وقد يتقدم الأرجل والأيدي والبصر عليه أحيانا كما في آية الأعراف: ألهم أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا {الأعراف: 194}
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(2/2449)
تقديم المشرق على المغرب وحكم الصلاة في جماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحكمة من تقديم كلمة المشرق أو المشارق على كلمة المغرب أو المغارب في القرآن الكريم؟ ولي سؤال آخر وهو أحد أقاربنا مدرس للشريعة وأصول الدين ولقد من عليه الله بحفظ القرآن ومعرفة أصول قراءته وهو أكثرنا تضلعا ودراية بالفقه، وفي العديد من المناسبات كالزواج أو عند الوفاة وخاصة عند استقبالنا العديد من الأقارب فإننا كنا نطلب منه أن يصلي بنا لكونه أكفأنا وكان يتملص ويبرر موقفه بجملة من الأسباب (مثل بأنه يريد أن يصلي بالمسجد) مع العلم بأن المسجد ليس بقريب من محل سكنانا ويصعب بذالك تنقل جميع الضيوف، فهل وجب عليه أن يصلي بنا أم يصلي هو في المسجد ويؤمنا شخص آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكمة من تقديم عبارة المشرق على المغرب في القرآن راجعة إلى النظر إلى الترتيب بينهما حيث إن غروب الشمس لا يحصل إلا بعد شروقها وقد نبه على هذه الحكمة الألوسي في روح المعاني عند تفسير قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ {البقرة: 177} . حيث قال: وقدم المشرق على المغرب مع تأخر زمان الملة النصرانية رعاية لما بينهما من الترتيب المتفرع على ترتيب الشروق والغروب. انتهى. وصلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجل المستطيع الذي يسمع النداء كما رجحه جماعة من أهل العلم إلا في حال وجود عذر يبيح التخلف عنها. وعليه فإذا كنتم تسمعون النداء وتستطيعون السعي إلى المسجد فالواجب عليكم وعلى من معكم من الرجال البالغين أداء الصلاة في المسجد جماعة مع أن الصلاة جماعة في البيت مع القدرة على أدائها في المسجد صحيحة لكن مع الإثم عند من يقول بوجوب السعي إلى المسجد، وراجعي الفتوى رقم: 5153. وفي حالة ما إذا أديتم الصلاة في المنزل فلا يجب على الشخص المذكور أن يكون إمامكم بل قد أصاب بذهابه إلى المسجد والأحق بالإمامة في هذه الحالة صاحب المنزل لكن يستحب له أن يقدم في الإمامة من هو أفضل منه. ففي صحيح مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه. قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه معناه ما ذكره أصحابنا وغيرهم أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه. وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريده وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولا بالنسبة إلى باقي الحاضرين لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء. إلى أن قال: ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه. انتهى. وعليه فتصح إمامة صاحب المننزل أو غيره ممن هو متصف بشروط الإمامة وشروط إمامة الصلاة سبق تفصيلها في الفتوى رقم: 9642. والأعذار التي تبيح التخلف عن الجمعة والجماعة سبق ذكرها في الفتوى رقم: 49024. وللفائدة أيضا راجع الفتوى رقم: 16339.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(2/2450)
تأملات في آيات من سورة الطارق
[السُّؤَالُ]
ـ[أود منكم تفسير هذه الآيات في أقرب وقت ممكن ... فلينظر الإنسان مم خلق*خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب *إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر ... جزاكم الله عنا خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال أهل التفسير في تفسير الآية المذكورة: فلينظر الإنسان نظرة اعتبار وتفكر وتأمل من أي شيء كان خلقه، ثم بين الله تعالى ذلك بقوله: خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ وهو المني الدافق أي المصبوب في الرحم، والمراد ماء الرجل وماء المرأة، لأن الولد مخلوق منهما، وجعله واحدا لامتزاجهما، وهذا الماء يخرج من بين الصلب والترائب يعني صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام الصدر والنحر.
إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ أي إن الله سبحانه وتعالى قادر على بعث الإنسان وإعادته بعد الموت والفناء ...
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ وهو يوم القيامة الذي تظهر فيه الحقائق وتنشر الخفايا. يقول سيد قطب رحمه الله تعالى في تفسير الظلال: فلينظر الإنسان من أي شيء خلق، وإلى أي شيء صار.. إنه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، خلق من هذا الماء الذي يجتمع من صلب الرجل وهو عظام ظهره الفقارية ومن ترائب المرأة وهي عظام صدرها العلوية ولقد كان هذا سرا مكنونا في علم الله تعالى لا يعلمه البشر حتى كان نصف القرن الأخير حيث اطلع العلم الحديث على هذه الحقيقة بطريقته وعرف أنه في عظام الظهر الفقارية يتكون ماء الرجل وفي عظام الصدر العلوية يتكون ماء المرأة حيث يلتقيان في قرار مكين فينشأ عنهما الإنسان والمسافة الهائلة بين المنشأ والمصير بين الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب بين الإنسان المدرك العاقل المعقد التركيب العضوي والعصبي والعقلي والنفسي هذه المسافة الهائلة التي يعبرها الماء الدافق إلى الإنسان الناطق توحي بأن هناك يدا خارج ذات الإنسان هي التي تدفع بهذا الشيء المائع الذي لا قوام له ولا قدرة ولا إرادة في طريق الرحلة الطويلة العجيبة الهائلة حتى تنتهي به إلى هذه النهاية الماثلة وتشي بأن هناك حافظا من أمر الله تعالى يرعى هذه النطفة المجردة من الشكل والعقل ومن الإرادة والقدرة في رحلتها الطويلة العجيبة وهي تحوي من العجائب أضعاف ما يعرض للإنسان من العجائب من مولده إلى مماته،
وفي هذه الآيات من إعجاز القرآن العلمي ما لا يخفى، وقد نقلنا طرفا من ذلك عن أهل الاختصاص في الفتوى رقم: 38118
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1426(2/2451)