تعطيش الجيم خطأ فادح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب تعطيش الجيم عند قراءة القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز تعطيش الجيم في قراءة القرآن الكريم؛ لما في ذلك من تضييع صفة من صفاتها وهي الشِدَّة وإبدالها بصفة التفشي، والجيم من الحروف التي يجب الاعتناء بها وإخراجها من مخرجها وإعطاؤها صفتها، فهي من الحروف الشجرية التي تخرج من وسط اللسان مع ما يقابله من الحنك الأعلى، ومن حروف الجهر والشدة والقلقلة.
وبخروجها ينحبس النفس عند النطق بها لكمال الاعتماد على مخرجها، وتعطيشها يذهب بهذه الصفات، وقد غيرت صفة الجيم ومخرجها في بعض البيئات الإسلامية فيجب التنبه لذلك.
والحاصل: أن على قارئ القرآن الكريم أن يعتني بمخارج الحروف وصفاتها ... حتى يقرأ كتاب الله عز وجل كما أمره الله تعالى حيث يقول: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4] ، ولا يتم امتثال هذا الأمر إلا بتجويد الحروف ومعرفة الوقوف، وتجويد الحروف هو إخراجها من مخارجها وإعطاؤها صفاتها، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 2493.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1425(2/1392)
يتعين إعطاء الحروف حقها في أحول القراءة كلها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
عند حفظ القرآن والمراجعة تتم القراءة بسرعة وذلك بسبب كثرة التكرار لنفس الآية أو الكلمة أكثر من مرة وهكذا عند المراجعة والحفظ وبالتالي تصبح القراءة سريعة ومكررة وقد يفضي هذا إلى عدم إعطاء الحرف حقه بالنطق الصحيح وأيضا الخلل بأحكام التجويد وهذا الأمر يحصل لجميع من يحفظ ويراجع. سؤالي هو: هل بهذه القراءة التي ذكرت الخاصة بالحفظ والمراجعة يحصل للقارئ أجر الحرف بعشرة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قارئ القرآن مخلصا في قراءته وقرأ بالحدر وهو سرعة القراءة ولم تؤد سرعته لهذرمة تخل بنطق الحروف أو تغير حركاتها ولم يترك المد والغنة، فإنا نرجو أن يعطيه الله الأجر، وإن كان فرط في ذلك فإنه آثم، لقول محقق هذا الفن محمد بن الجزري:
... ... والأخذ بالتجويد حتم لازم ... ... من لم يجود القرآن آثم
وقد سبقت لنا فتاوى في حكم التجويد، وبيان ما يجوز في السرعة، فراجع الفتاوى التالية أرقامها: 49972 و 1623 و 49450 و 6682.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(2/1393)
مقدار المد المنفصل والمتصل عند القراء
[السُّؤَالُ]
ـ[المد المتصل ما حكمه؟ وكم يمد؟ لقد سمعت من يقول بجواز مده بمقدار أربع أو خمس حركات، وهناك من يقول بجواز مده بمقدار خمس أو ست حركات.
المد المنفصل ما حكمه؟
أرجو أن تكون الإجابة فيما يخص رواية حفص عن عاصم.
وهل هذا الاختلاف بين القراء يعد خطأ؟
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمد المتصل وهو المسمى بمد التمكين والمد الواجب أجمع القراء على مده وإن اختلفوا في مقدار المد الذي يمد به.
قال ابن الجزري في النشر: فالمتصل اتفق جمهور القراء على مده قدرا واحدا مشبعا من غير إفحاش. وذهب بعضهم إلى تفاضل مراتبه:
فالطولى لحمزة، ولورش من طريق الأزرق، وللأخفش عن ابن ذكوان من طريق العراقيين، ودونها لعاصم. ودونها لابن عامر والكسائي وخلف. ودونها لأبي عمرو وابن كثير وأبي جعفر ويعقوب وقالون والأصبهاني عن ورش. وبعضهم لم يجعل فيه سوى مرتبتين؛ الطولى لمن ذكر أولا، والوسطى لمن بقي.
ومقدار المد للفئة الأولى ـ وهو الإشباع ـ ست حركات ويعبر عنها بثلاث ألفات؛ لأن الألف حركتان. والثانية يمد لها بمقدار خمس حركات (ألفان ونصف) . والثالثة مقدار المد عندها أربع حركات (ألفان) . وأما الفئة الرابعة فيمد لها بمقدار ثلاث حركات (ألف ونصف) . هذا عند من يقسم القراء إلى الفئات المذكورة بالنسبة للمد.
أما من يجعلهم قسمين فقط فيمد للأولى ست حركات وللثانية من أربع إلى خمس.
وأما المد المنفصل وهو المسمى مد البسط فقرأه بعضهم بالمد وبعضهم بالقصر، فقرأه بالمد فقط من السبعة من طريق الشاطبية: عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر وورش عن نافع. وقرأه قالون عن نافع، والدوري عن أبي عمرو بالمد والقصر. وقرأه بالقصر قولا واحدا ابن كثير، والسوسي عن أبي عمرو، هذا ما ذكره الشاطبي في نظمه حرز الأماني لتيسير أبي عمرو الداني حيث يقول:
فإن ينفصل فالقصر بادره طالبا ... ... ... ... بخلفهما يرويك درا ومخضلا
وفيما يخص رواية حفص عن عاصم فإن له من طريق النشر رواية أخرى وهي القصر كأبي عمرو ويعقوب وقالون والأصبهاني عن ورش. ولكن المقدم عندهم لحفص في المد المنفصل هو المد من أربع حركات إلى خمس، وهو الذي اقتصر عليه الشاطبي في حرز الأماني كما مر. ولهذا نلاحظ أن المصاحف المطبوعة برواية حفص عن عاصم مضبوطة بالمد كما هو الحال في مصحف المدينة المطبوع في مجمع الملك فهد.
وننبه السائل الكريم إلى أن مقدار المد لا بد أن يؤخذ مشافهة من أفواه القراء كغيره من أحكام التجويد ... ولا يكفي معرفة ذلك نظريا أو بالعد بالحركات لأن العد بالحركات إنما هو للتقريب.
وبالنسبة لاختلاف القراء فإنه لا يعد خطأ لأنهم جميعا قرأوا بالتلقي والرواية من أفواه المشايخ بالتواتر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واختلافهم ليس اختلاف تضاد وإنما هو اختلاف تنوع وتوسعة.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(2/1394)
حكم تلاوة القرآن بغير التزام أحكام التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التلاوة السريعة للقرآن فى الصلاة أي كترديد الآيات بغرض المراجعة بدون التدقيق فى المعاني وأحكام التجويد ... وذلك بغرض مراجعة أكبر كم من الآيات في اليوم, فهل هذا جائز في صلاة النافلة وقضاء الفروض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة القرآن بالتجويد واجبة في الصلاة وفي غيرها، ويدل لذلك قول الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [سورة المزمل: 4] . وقوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [سورة البقرة: 121] .
وقد فسر علي رضي الله عنه الترتيل بتجويد الحروف ومعرفة الوقوف، قال الناظم:
إمام هذي الأمة الحبر علي ... قد فسر الترتيل في ورتل ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... بأنه التجويد للحروف ... ضم إلى معرفة الوقوف
وقد نهى ابن مسعود أن يقرأ القرآن هذا كهذِّ الشعر، وفسر ابن حجر الهذ بالإسراع المفرط بحيث يخفى كثير من الحروف أو لا تخرج من مخارجها وهذا هو المسمى عند أهل القرآن باللحن الخفي وهو محرم، وأما الإسراع بالقراءة مع مراعاة أحكام التجويد الذي يسمى بالحدر فهو جائز عند أهل العلم.
قال الناظم:
والحدر وهو سرعة القراءة يجوز للقارئ دون مرية ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ما لم يكن بحدره يؤدي ... ... ذاك إلى بتر حروف المد ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... أو اختلاس أكثر الحركة ... ... ... أو يك يذهب بصوت الغنة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... أو يك يختل به إعراب ... ... ... ... فامنعه إذ ذاك وذا الصواب
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 1623، 49450، 6682، 47409، 26582.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(2/1395)
حكم التجويد
[السُّؤَالُ]
ـ[التجويد هل هو فرض أم سنة أم ماذا؟ مع الدليل.
وجزاكم الله عنا خير الجزاء
... ... ... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تجويد القرآن فرض يلزم المستطيع، قال ابن الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجود القرآن آثم
وراجع فيه الفتوى رقم: 6682.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1425(2/1396)
حكم تجويد القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو هل يجوز قراءة القرآن دون تجويد أم أن التجويد فرض وضروري في القراءة، واتمنى أن تفيدوني بدليل على ذلك كفتوى لأحد العلماء البارزين مثل ابن عثيمين أو ابن باز أو الألباني؟ وشكراً جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتوى رقم: 6682.
فإن فيها ذكر كلام إمام المحققين في هذا المجال محمد ابن الجزرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(2/1397)
النطق الصحيح لقوله تعالى \"ولا الضالين\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسال يا فضيلة الشيخ عن كيفية قراءة ولا الضالين هل تقرأ كما هي أم تقرأ ولا الدالين وأنا أقرأ
ولا الضالين هل هذا صحيح وهل يؤثر علي الصلاة؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب هو قراءة ولا الضالين بالضاد ولو أبدل الضاد بظاء أو دال أو غير ذلك من الحروف عامداً بطلت صلاته، فإن كان هذا الإبدال لعدم قدرة على التمييز وعجز عن التعلم فتصح صلاته لنفسه، ويصح أن يكون إماماً لمن هم في مثل حاله.
فإن ائتم به من هو قادر على تصحيح حروف الفاتحة بطلت صلاة هذا المؤتم.
وانظر الفتاوى التالية برقم: 34506، ورقم: 31641.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(2/1398)
تلاوة القرآن جائزة بكل من التحقيق والتدوير والحدر
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك في قراءت القرآن الحدر والترتيل والتجويد، ولكن أحد الإخوة ذكر لي أن القراءة هي التجويد فقط، وما عدا ذلك بدع، فما صحة هذا الكلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي عليه العلماء المتخصصون في فن القراءات أن قراءة القرآن تكون بالأقسام الثلاثة التي ذكرت وهي الترتيل والتدوير والحدر، ويعبر عن الترتيل بالتحقيق، والأقسام الثلاثة داخلة في التجويد، قال الإمام الحافظ أبو الخير محمد المعروف بابن الجزري في كتابه النشر في القراءات العشر: فإن كتاب الله تعالى يقرأ بالتحقيق وبالحدر وبالتدوير الذي هو التوسط بين الحالتين مرتلاً مجوداً بلحون العرب وأصواتها وتحسين اللفظ والصوت بحسب الاستطاعة. انتهى.
ثم ذكر أمثلة من الذين قرءوا بالترتيل من بينهم حمزة وحفص وورش، ثم قال في شأن الحدر: فالحدر يكون لتكثير الحسنات في القراءة وحوز فضيلة التلاوة، وليحترز فيه عن بتر حروف المد وذهاب صوت الغنة واختلاس أكثر الحركات وعن التفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة ولا توصف بها التلاوة، إلى أن قال: وهذا النوع وهو الحدر مذهب ابن كثير وأبي جعفر وسائر من قصر المنفصل كأبي عمرو ويعقوب وقالون. انتهى.
ثم قال عن التدوير: وأما التدوير فهو عبارة عن التوسط بين المقامين من التحقيق والحدر وهو الذي ورد عن أكثر الأئمة ممن روى مد المنفصل ولم يبلغ فيه حد الإشباع وهو مذهب سائر القراء وصح عن جميع الأئمة وهو المختار عند أكثر أهل الأداء. انتهى.
وبهذا يتضح جواز القراءة بالأقسام الثلاثة ولم يقل أهل العلم بأن أي واحد منها بدعة وذلك لكون القراءة سنة متبعة متواترة أخذها الأشياخ عن أشياخهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح إذا أن توصف بالبدعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(2/1399)
النطق بالباء في الصلاة وخارجها
[السُّؤَالُ]
ـ[في الصلاة هل يجب نطق حرف الباء من الحنجرة أم يجوز نطقه من الشفتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمخرج الباء في الصلاة هو مخرجه خارج الصلاة، وهو ما بين الشفتين.
قال ابن الجزري في كتابه "النشر" بعد ذكر مخرج الفاء وأنه من باطن الشفة السفلى: المخرج السادس عشر للواو غير المدية والباء والميم مما بين الشفتين، فينطبقان على الباء والميم، وهذه الأربعة الأحرف يقال لها الشفهية والشفوية، نسبة إلى الموضع الذي تخرج منه، وهو الشفتان. (1/160) .
فلا دخل –إذا- للحنجرة في نطق الباء إلا من جهة كونها مجرى النفس وطريق الأصوات كلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1425(2/1400)
مكان خروج الذال من الفم
[السُّؤَالُ]
ـ[كل عام وحضراتكم بخير أعاد الله عليكم هذه الأيام المباركة بالخير واليمن والبركات.. أما بعد فسؤالى هو:
هل عدم إخراج اللسان في نطق كلمة (الذين) في سورة الفاتحة يبطل الصلاة؟؟ حيث إننى سمعت أحد الشيوخ جزاهم الله خيرا قد أفتى بذلك لأن الفاتحة من أركان الصلاة.. وإذا كان كذلك فما العمل إذا كنت من قبل لم أستخرجه في نطقي؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مخرج الذال –كما قال ابن الجزري في كتابه النشر- هو من بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، فهو حرف أسناني، فليس المطلوب في النطق به –إذا- أن يخرج اللسان إلى خارج الفم، بل أن يخرج عن الحنك إلى الثنايا العليا فقط، وعليه، فإذا كنت في نطقك به تأتي به من المخرج المذكور، فحسنا كنت تفعل، وإن كنت تنحو به نحوا آخر، فلتتدارك في المستقبل، ولا حرج عليك فيما كنت تفعله في الماضي، فإنه ليس من اللحن المبطل للصلاة، وراجع فيه الفتوى رقم: 7129.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1424(2/1401)
الفرق بين التجويد والتلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمته الله وبركاته
ما الفرق بين التجويد والتلاوة، مع توضيح كل من أحكام التلاوة والتجويد بدون شرح، فقط العناصر الرئيسية للتجويد والعناصر الرئيسية للتلاوة؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتجويد هو إعطاء كل حرف من حروف القرآن حقه من الصفات والمخارج، ومستحقه من الأحكام المترتبة على مجاورته حروفاً أخرى، مثل الإظهار والإخفاء ونحو ذلك.
أما التلاوة فهي مجرد قراءة القرآن، سواء كانت تلك القراءة قد روعيت فيها أحكام التجويد أم لا.
ونعتذر للأخ الكريم عن توضيح أحكام التلاوة والتجويد، لاحتياج ذلك إلى بسط لا يتناسب مع طبيعة الفتوى التي تميل إلى الاختصار والإيجاز.
ونحيل الأخ السائل على كتب أهل العلم في هذا الصدد، مثل كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن"، وكتاب "البرهان في تجويد القرآن"، وكتاب "حق التلاوة"، وكتاب "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" ونحو ذلك من الكتب، ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(2/1402)
سبب تفاوت القراء في طول المد وقصره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم بالمد الزائد في القرآن كأشرطة الشيخ هزاع المسوري إذا تعرفونه وهو داعية يمني معروف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد استمعنا بعد قراءة سؤالك إلى شريط بقراءة الشيخ هزاع المسوري من سورة سبأ، وكان يقرأ برواية حفص عن عاصم، فوجدنا أن المدود عنده كانت موافقة لقواعد القراءة.
واعلم أن القراء يتفاوتون في طول المد وقصره، فمنهم من يأخذ بالترتيل، ومن يقرأ بالتدوير أو الهذِّ، وكل واحد يجيز ما يقرأ به غيره، قال الشيخ محمد حبيب الله بن ما يأبي الشنقيطي في فتح المنعم على زاد المسلم:
رتل حمزة وورش في الأداء ... وعاصم مثلهما قد جودا
ثم ابن عامر مع الكسائي ... قد رويا التدوير في الإقراء
والمكي والبصري وقالون تلا ... بالهذِّ كلهم طريقا يجتلى
وكل واحد يجيز ما روى ... سواه إذ شرط التلاوة حوى
وغلط المدمج والممططا ... إذ التلاوة بذينك خطا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1424(2/1403)
حكم التغديرة في أحكام تجويد القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التغديرة في أحكام تجويد القرآن الكريم
على قراءة قالون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أظن السائل يسأل عن ما يسمى بـ"التغديرة"، وهي ترسم هكذا (0) على بعض الكلمات الموجودة في المصاحف.
أولاً: هذه التسمية "التغديرة" هو اصطلاح خاص عند بعض البلاد الإسلامية، ففي لبيبا تسمى بهذا الاسم. وهذه العلامة وُضِعَتْ لتدل على حكم معين في الكلمة. فمثلاً: ترسم فوق الألف في قوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ [الماعون:1] ، لتدل على تسهيل الهمزة الثانية في رواية قالون. وفي مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1] تحت ألف إذا لتدل على إبدال الهمزة واوًا مكسورة. وهكذا.
وكل هذا يُتَلَقى من أفواه المشايخ، وعلى كلٍّ فإن لفظ "التغديرة" اصطلاح خاص بأهل تلك البلاد
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(2/1404)
كتب مهمة في التجويد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذالموقع، وبعد: فأنا تلميذ بالثانوية العامة، ولدي الآن الراحة وأريد أن أتعلم فيها أحكام التجويد وأعمل فيها، وصاحب المتجر الذي أعمل معه قد لا يسمح لي بالذهاب إلى المشايخ، فهل تعرفون كتابا فيه أحكام التجويد كي يمكنني تعلمه في المتجر؟ وهل محاولة تلاوة كتلاوة شخص معين تعجبني تلاوته فيها استهزاء بكلام الله سبحانه وتعالى وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من الكتب المهمة في التجويد كتاب "هداية المستفيد" وكتاب "التجويد الميسر"، وهو متوفر بالصوت في ثلاثة أشرطة، وكتاب "البرهان في تجويد القرآن" و"تحفة الأطفال" وشروحها و"المقدمة الجزرية" وشروحها.
وتمكن الاستعانة بالمصحف المعلم وسماع إذاعة القرآن الكريم، وبمصحف التجويد المطبوع الذي توجد بهامشه أحكام التجويد.
وأما محاكاة تلاوة أحد القراء المتقنين لتعلم التجويد أو لتأثرك بتلاوته فلا حرج فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1424(2/1405)
سماع وقراءة القرآن الكريم مجودا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستطيع أن نسمع التجويد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيمكن الأخ السائل وغيره سماع التجويد من قارئ من القراء، إما مباشرة، وإما عبر شريط، والقراء المجودون كثر، منهم على سبيل المثال الشيخ محمود خليل الحصري ومحمد صديق المنشاوي وعلي عبد الرحمن الحذيفي، وإذا أراد الشخص أن يتلو القرآن بنفسه مجوداً فلا يمكنه ذلك إلا بتلقيه من أفواه المشايخ والقراءة عليهم، ولذا قيل: القراءة سنة متبعة يأخذها الآخِر عن السابق، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 26144.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1424(2/1406)
تجويد القرآن واجب في الجملة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
يشدد العلماء في تعلم قواعد التجويد ومنهم من يقول يكفي في الصلاة التلاوة البسيطة ما لم يبدل المصلي آية رحمة بآية عذاب فما القول الفصل في هذه المسألة؟ وهل يأثم من يستطيع إتقان القواعد وتوانى في ذلك أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقول بأنه يجوز قراءة القرآن بدون تجويد ما لم يبدل المصلي آية رحمة بآية عذاب باطل، بل تجويد القرآن واجب في الجملة على من قدر عليه، كما سبق مفصلاً في الفتوى رقم: 6682
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1423(2/1407)
حكم التجويد عند الاستشهاد بالآيات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن عند الاستشهاد بالآيات القرآنية عند الكلام عن موضوع ما بدون تجويد؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن قارئ القرآن مطالب بأن يتلوه حق تلاوته، وذلك بتصحيح ألفاظه، وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة عن أئمة القراءة، والمتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما يقول ابن الجزري نقلا عن الإمام الشيرازي: حسن الأداء فرض في القراءة، ويجب على القارئ أن يتلو القرآن حق تلاوته. انتهى.
وظاهر هذه العبارة يشمل كل قارئ في الصلاة وخارجها، وسواء كانت القراءة للتلاوة أو للاستشهاد.
إلا أنه ينبغي التفريق بين ما هو واجب من التجويد وبين ما ليس بواجب، فالذي يجب بالاتفاق هو ما كان متعلقاً بحفظ الحروف مما يغير مبناها، ويفسد معناها، فهذا النوع من التجويد يلزم كل قارئ مع القدرة عليه.
وأما ما كان متعلقاً بغير ذلك مما أورده علماء القراءات في كتب التجويد، كالإدغام والإخفاء ... إلخ فهذا النوع لا يأثم تاركه، على الراجح من أقوال العلماء، لكن يستحب للقارئ مراعاة ذلك، يقول الشيخ علي القارئ مبيناً حكم اللحن الخفي في القراءة، وهو الخطأ الذي يطرأ على اللفظ فيخل بعرف القراءة ولا يخل بمعنى الكلمة مثل ترك الإدغام والإخفاء وعدم ضبط مقادير المدود، يقول: لا يُتصور أن يكون فرض عين يترتب العقاب على قارئه لما فيه من حرج عظيم، فإذا لم يكن فرض عين في التلاوة فمن باب أولى أن لا يكون كذلك عند الاستشهاد بالآية أو الآيتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(2/1408)
لا يتم إتقان أحكام التجويد إلا بالتلقي مشافهة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل للمرأة تعلم حفظ وتجويد وتلاوة القرآن في منزلها بواسطة الكمبيوتر والأشرطة أم الذهاب إلى دار الفتيات لتعليم القرآن رغم أن ذهابها إلى ذلك يكون على حساب وقتها وأسرتها لبعد المسافة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تعلم تجويد القرآن يحتاج إلى المشافهة والتلقي على يد المشايخ المجوِّدين، فإنه علم لا يؤخذ من الكتب، بل تحتاجين للقراءة على من أتقن التلاوة كي يصحح لك نطقك بالقراءة، لأن الإنسان قد يقرأ الآية ولا ينتبه لخطئه في التجويد، فإن كان في الإمكان أن تأتي إليك مدرسة في البيت تتعلمين منها التجويد فهو أفضل، وإلا فأنت لا تحتاجين إلا إلى دورة لمدة عشرة أيام في التجويد تقريباً، ولا تحتاجين بعد ذلك إلى الذهاب لدار الفتيات، ويمكنك الانتفاع بالكمبيوتر والأشرطة في إتقان المخارج والصفات بسماع قراءة المشايخ المتقنين.
قال الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى: ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية لا تجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها..... ثم قال بعد ذلك بيسير: أما من كان لا يطاوعه لسانه أو لا يجد من يهديه إلى صواب بيانه فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. انتهى من كتابه النشر في القراءات العشر صـ210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1423(2/1409)
سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم "خذوا القرآن من أربعة ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "خذوا القرآن عن أربعة: عبد الله بن مسعود، أبي بن كعب، ... "؟
أريد الجواب باللغة العربية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو أن النبي قال: "خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة".
قال الإمام النووي في شرح الحديث: قال العلماء: (سببه أن هؤلاء أكثر ضبطاً لألفاظه، وأتقن لأدائه، وإن كان غيرهم أفقه في معانيه منهم، أو لأن هؤلاء الأربعة تفرغوا لأخذه منه صلى الله عليه وسلم مشافهة، وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم من بعض، أو لأن هؤلاء تفرغوا لأن يؤخذ عنهم، أو أنه صلى الله عليه وسلم أراد الإعلام بما يكون بعد وفاته من تقدم هؤلاء الأربعة وتمكنهم، وأنهم أقعد من غيرهم في ذلك فليؤخذ عنهم) انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1422(2/1410)
قراءة القرآن الصحيحة هي الموافقة لقواعد التجويد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هى أحكام قراءة القرآن السليمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ... أنزل الله تعالى القرآن الكريم على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بالعمل به، وتلاوته، قال تعالى (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) . [القيامة: 18] وقال تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا) . [المزمل:4] . وقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي موسى:"لو رأيتني وأنا استمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود. [رواه مسلم] . وترتيل القرآن ـ وهو المقصود من القراءة السليمة ـ هو تبيين الحروف والتأني في أدائها ليكون أدعى إلى فهم معانيها. وهو ـ أيضاـ بمعنى إعطاء كل حرف حقه من الصفات المخارج ومستحقه من الأحكام المترتبة على مجاورته حروفا أخرى مثل الإخفاء والإظهار وغير ذلك. وهذه الأحكام مبسوطة في كتب التجويد مثل ـ كتاب دروس في ترتيل القرآن تأليف فائزعبد القادر شيخ الزور ـ فن الترتيل في أحكام التجويد تأليف عبد الله الصباغ نهاية القول المفيد في علم التجويد وغير ذلك من الكتب المختصة بعلم التجويد
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1421(2/1411)
المقصود بالمد في حديث: يمد صوته ببسم الله الرحمن الرحيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمد صوته ببسم الله الرحمن الرحيم. يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم.
السؤال كيف كان يمد كلاً من هذه الكلمات، وكم حركة كان يمد كلمة (الله) في بسم الله؟ وكم حركة كان يمد في كلمة الرحمن إذا قرأ البسملة موصولاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المد يراد به رفع الصوت، ويحتمل أن يراد به المد الطبيعي، ولا يراد به إطالة المد المعروفة عند القراء، لأن الإطالة عن المد الطبيعي سببها الهمز والسكون، ولا يوجد هنا واحد منها إلا في الرحيم عند الوقف عليها.
وقد اتفق على هذا القراء العشرة، كما يفيده كلام الشاطبي والجزري، وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح عن قتادة قال: سألت أنسا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال يمد بها صوته مدا.
وفي تفسير حقي عند قوله تعالى: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {المزمل:4} أن المراد قراءته بترسل وتؤده دون هذرمة، ثم قال كانت قراءته عليه السلام مدا يمد بسم الله، ويمد الرحمن. وأما الأخير فمده عارض بالسكون فيجوز فيه ثلاثة أوجه ... انتهى.
وقال الملا علي القاري في شرح المشكاة: المراد أنه كان يمد ما كان في كلامه من حروف المد بالقدر المعروف وبالشرط المعلوم ... ثم ذكر أحكام المد عند القراء، ثم قال يمد ببسم الله أي في ألف الجلالة مدا أصليا قدر ألف، وي مد بالرحمن أي في ألفه كذلك، ويمد في الرحيم أي في يائه مدا أصليا أو عارضا فإنه يجوز في نحوه حالة الوقف ثلاثة أوجه. ..انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1430(2/1412)
الحكم التجويدي في قوله (لربك) في سورة الكوثر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم التجويدي ـ لربك ـ في سورة الكوثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أحكام التجويد المتعلقة بهذا السؤال تفخيم الراء في قوله تعالى لربك، فقد اتفق القراء كلهم على تفخيمه، وحتى ورش الذي يرقق الراء بعد الكسر قد وافق الجمهور في تفخيم الراء هنا لأن اللام المكسورة قبل الراء ليست في نفس الكلمة فهي في حكم المنفصل.
فقد قال الشاطبي في حرز الأماني:
وما بعد كسر عارض أو مفصل ففخم فهذا حكمه متبذلا.
وقد مثل أبو شامة في شرح الشاطبية لما كان الكسر فيه مفصولا عن الراء بحرف الجر، وعلل ذلك بأن حروف الجر في حكم المنفصل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1430(2/1413)
لا تجعلي خشية الوقوع في الخطأ عائقا أمام تعلم كتاب الله وحفظه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أحفظ القرآن ولكن ما أخشاة أن أحفظ بعض الآيات بتشكيل خطأ وبالتالي قراءة وحفظ خاطئ, وخصوصا أنه لا يوجد فى منطقتي مكان لتحفيظ القرآن وبالتالي لا أعرف أي أحد يمكن أن أقرأ عليه القرآن ويكون أدرى مني بالقراءة الصحيحة، لأني رأيت إحدى صديقاتي تحفظ القرآن فقلت لها ولكن هناك بعض الأخطاء فى حفظك فقالت: أن أحفظ شيئاً حتى ولو كان فيه بعض الأخطاء أفضل من أن لا أحفظ شيئاً، فأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتعلم القرآن وحفظه من أعظم الطاعات وأجل القربات فاحذري من وساوس الشيطان وكيده ليحرمك من تلك الطاعة العظيمة، واحرصي على صحة ما تحفظيه بواسطة سماعك الأشرطة المسجلة وهي الآن متوفرة والحمد لله على كثير من المواقع ومنها موقعنا، إذا لم تجدي من تصححين عليه ما تحفظين، فإذا اجتهدت في ذلك وحصل خطأ من غير قصد فلا إثم عليك، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.
وشجعي زميلاتك ورغبيهن في حفظ كتاب الله تعالى ولا تكن خشية الوقوع في الخطأ عائقاً أمام تعلم كتاب الله تعالى وحفظه، وراجعي للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 51596 وما أحالت عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1429(2/1414)
حكم قراءة القرآن بدون تجويد وحكم سجود التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أقرأ القرآن بالتجويد لأنني لا أعرف, مع أنني متعلمة فهل هذا حرام؟ وماذا تعني في القرآن: صلي, وقلي, وج؟ وإذا كان في الآية سجدة ولم أسجد ما حكمها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتعلم أحكام التجوديد واجب في حق من قدر على التعلم، وبالتالي فإذا كنت قادرة على تعلم تلك الأحكام وجب عليك تعلمها حسب الاستطاعة.
وأما قراءاتك بدون تجويد فإن كان فيها لحن ظاهر وخطأ مغير للمعنى فأنت آثمة، وعليك التوقف عن القراءة حتى تتعلمي أحكام التلاوة الصحيحة إذا قدرت عليها. وراجعي التفصيل في الفتوى رقم: 49450.
والعبارات التي سألت عنها هي علامات للوقف تضاف دائما في المصحف لبيان حالة الوقف الجائز.
فعبارة [صلي] تدل على أن الوقف على تلك الكلمة جائز مع كون الوصل أولى.
وعبارة [قلي] تعنى جواز الوقف والوصل لكن الوقف أولى من الوصل.
وحرف الجيم يفيد جواز الوقف المستوى الطرفين، بمعنى جواز الوقف والوصل، ليس أحدهما بأولى من الآخر.
وسجود التلاوة سنة عند جمهور أهل العلم في الصلاة وخارجها، وتاركه لا إثم عليه؛ لأنه لم يترك واجبا، لكنه قد فاته ثواب هذا السجود، ولا ينبغي التفريط في ذلك. وراجعي الفتوى رقم: 38595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1429(2/1415)
لا بد من مراعاة أحكام الوقف والابتداء في قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي في أن يبدأ الإمام بعد الفاتحة بقراءة الآية من سورة المدثر من قوله تعالى: عن المجرمين ما سلككم في سقر.......الخ. ولم يبدأها من: (يتساءلون) لتكون أكثر وضوحا. وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من آداب قراءة القرآن أن يبتدئ القارئ من معنيً حسن يحسن البُداءة به، قال النووي في المجموع: ينبغي للقارئ أن يبتدئ من أول السورة أو من أول الكلام المرتبط ويقف على آخرها، أو آخر الكلام المرتبط بعضه ببعض، ولا يتقيد بالأجزاء والأعشار، فإنها قد تكون في وسط كلام مرتبط كالجزء في قوله تعالى: (والمحصنات) ، (وما أبرئ نفسي) ... إلى أن قال: فكل هذا وشبهه لا يُبتدأ به ولا يوقف عليه، ولا يُغتر بكثرة الفاعلين له. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إ ن هذه التحزيبات المحدثة تتضمن دائماً الوقوف على بعض الكلام المتصل بما بعده حتى يتضمن الوقوف على المعطوف دون المعطوف عليه.
ثم ذكر أمثلةً لذلك ثم قال: ومثلُ هذه الوقوف لا تسوغ في المجلس الواحد إذا طال الفصل بينهما بأجنبي؛ ولهذا لو أُلحق بالكلام عطفٌ أو استثناء أو شرطٌ ونحو ذلك بعد طول الفصل بأجنبي لم يسُغ باتفاق العلماء.اهـ.
وإذا كان مثلُ هذا لا يحسن في كلام الناس العادي فليس لكَ أن تحكيَ بعض كلام شخصٍ بما يخِّلُ بمقصوده، فكيف بكلامِ الله الذي هو أجل من كل كلام؟ وبه تعلم أن ابتداءَ القارئ بقوله تعالى: (عن المجرمين) مع قطعه عما قبله ابتداءٌ قبيح لا يسوغُ فعله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1429(2/1416)
الهمس في حروف (الهمس) لا يكون إلا في حالة السكون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الهمس عندما يكون الحرف ساكنا فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحروف الهمس عشرة جمعها ابن الجزري في مقدمة طيبة النشر في ثلاث كلمات وهي قوله: فحثه شخص سكت، ولا تهمس إلا في حالة السكون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1429(2/1417)
أسباب الإدغام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد إدغام الحرفين ليس متماثلين أو متقاربين أو متجانسين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أسباب الإدغام هي التماثل والتقارب والتجانس، ولم نجد من أهل العلم من ذكر للإدغام أسبابا أخرى.
وعليه؛ فلا يصح الإدغام إذا لم يكن بين الحرفين تماثل أو تقارب أو تجانس
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1429(2/1418)
قراءة القرآن حال الشهيق والزفير
[السُّؤَالُ]
ـ[أجبتم في الفتوى 95062 عن سؤالي عن حكم التنفس في القراءة حال الصلاة بمعنى أن يتحرك اللسان والشفتان بالقراءة في حال الشهيق والزفير معا بأن الأفضل أن لا تكون القراءة حال الشهيق أو الزفير، ولكن لو وقعت فينظر هل حصل النطق بالحروف كما هي أو لا، فإن حصل النطق بالحروف وحركاتها دون تغيير للمعنى فالقراءة صحيحة؛ لأن العبرة بحصول القراءة صحيحة، وقد حصلت وإلا فلا. وأنا أشكركم على الإجابة ولكنكم لم تدعموا كلامكم بأي نقل عن العلماء في هذا الصدد، ثم كيف لا تكون القراءة في حال الزفير وهناك أحرف لا يمكن أن تخرج إلا مع هواء الزفير، فأرجو أن تفيدوني في الأمرين مع ذكر كلام أهل العلم في ذلك ما أمكن؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على كلام لأهل العلم في خصوص القراءة حال الشهيق أو الزفير، وقد يكون السبب في ذلك وضوح الحكم وعدم الحاجة إلى التنصيص عليه بعينه لتصريحهم بأن من يبدل حرفاً مكان آخر أو يدغم في غير محل الإدغام أن قراءته غير مجزئة، لأنه لم يأت بالحرف الذي أمر بالإتيان به سواء كان ذلك بسبب الشهيق أو الزفير أو غيرهما من الأسباب التي يمكنه التخلص منها، وإخراج الحروف من مخارجها قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: ولو أخرج بعض الحروف من غير مخرجه بأن يقول نستعين تشبه التاء الداء، والصاد لا بصاد محضة ولا بسين محضة بل بينهما، فإن كان لا يمكنه التعلم صحت صلاته، وإن أمكنه وجب التعلم ويلزمه قضاء كل صلاة في زمن التفريط في التعلم، هذا حكم الفاتحة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1428(2/1419)
حكم إمامة من ينطق القاف كالجيم والطاء كالضاد
[السُّؤَالُ]
ـ[نحبكم في الله وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم
أريد أن أسأل عن إمام عندنا ينطق القاف كالجيم، وينطق الطاء كالضاد، والضاد يقول إن أعلى مراتبها أن تكون ظاء فتكلمت معه يا شيخ فبدأ يقول لي إن الناس كلها مخطئة ولم يحدث هذا التغيير في القراءة كما هو يزعم إلا من أيام ابن الجزري ويقول أيضا إن القاف والطاء هم حروف جهر فلا بد أن لا يكون مع جريان للنفس فيريدها أن تكون مصمتة فتظهر كالجيم ويحتج ويقول إن سيبويه قال هذا والجزري قال هذا وكل ما تكلمت معه وجئت له بدكاترة في الجامعة عندنا يبدأ يقول هذا جهل ويبدأ يلمز فيهم فليس عنده فقه للاختلاف هذا لو كان كلامه صحيحا وكانت قراءته معتدلة إلى أن قرأ مع رجل يمني وعدل عن قراءته وقال هذا هو الصحيح
فأنا أريد حجة عليه من الكتب، فأنا أقول له القرآن بالتواتر يقول لي اذكر من الكتب حتى أقنعه لعل الله يجعلنا سببا في هدايته، وهل يجوز الصلاة خلفه، وهل يجوز أن أحذر منه بأنه رجل كلامه غير صحيح وليس من الغيبة.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجزئ إمامة من ينطق القاف كالجيم، ومن ينطق الطاء كالضاد فحكمه كذلك عند كثير من أهل العلم وهذا كله في الفاتحة إذا تعمد ذلك وكان قادرا على التعلم.
والتفصيل في ذلك أن القاف والجيم متباينان في المخرج، فالقاف يخرج من أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى والجيم يخرج من وسط اللسان مع ما يقابله من الحنك الأعلى، وإلى هذا يشير ابن بري رحمه الله تعالى بقوله:
والقاف من أقصى اللسان والحنك والكاف أسفل قليلا تدرك.
وهذا المعنى أيضا ذكره ابن الجزري في منظومته.
كما أن الظاء والضاد يختلفان في المخرج أيضا، فالضاد يخرج من إحدى حافتي اللسان مع ما يحاذيها من الأضراس، والظاء يخرج من طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا، قال ابن بري أيضا:
والطاء والتاء وحرف الدال أعني بها مهملة الأشكال
من طرف اللسان مع أصول عليا الثنايا فزت بالوصول
ومنه يخرج ومن أطرافها ما امتاز بالإعجام عن خلافها
وقد ذكر ابن الجزري أيضا مقتضى هذا الحكم.
وعليه فالمسألة واضحة الحكم عند علماء القراءات والمطلوب منك فقط نصحه وبيان خطأ ما يقرأ به، فإذا لم يمتثل فقد قامت عليه الحجة وقمت بواجبك، فإذا أصر على النطق بما ذكرته من لحن فالصلاة خلفه باطلة، وينبغي بيان حالته للمصلين خلفه حتى لا يقتدوا به فتبطل صلاتهم.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 60642، 34506، 23898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1428(2/1420)
أقسام المد وسببه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم المد في القرآن الكريم. وما هو حكمه في كلمة الضالين في الصلاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المد في باب التجويد ينقسم إلى قسمين مد أصلي وهو المد الطبيعي، وهو ما لا يحتاج إلى سبب وهو بمقدار حركتين، فلا يزاد على ذلك ولا ينقص، مثاله: مد الألف في قال، والياء في قيل، والواو في يقول، ونحو ذلك.
القسم الثاني: المد الفرعي وهو ما يحتاج إلى سبب من أسبابه التي هي الهمز أو السكون، وهو من حيث الحكم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: لازم وواجب وجائز.
ومن القسم الأول الكلمة المسؤول عنها، فإن المد فيها لازم، والمد اللازم هو ما كان سبب المد فيه السكون، ومن ذلك أن يعقب حرف المد حرف مثقل أي الذي فيه تشديد مثل: ولا الضالين، أو السكون المخفف مثل قوله تعالى في سورة يونس: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ {يونس: 91} ومع أن المد في هذه الكلمة من المد اللازم فإن قصره لا تبطل به الصلاة لأنه لحن لا يفسد المعنى كما أسلفنا في الفتوى رقم: 73321، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 18034.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1427(2/1421)
كيفية قراءة كلمة (ائتوني) ابتداء ووصلا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم الحكم عندما نقرأ في الآية 3 من سورة الأحقاف ايتوني بكتاب عوض أن نقول ائتوني؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه في حالة الابتداء ننطق بهمز الوصل محققا كما هي القاعدة العامة في الابتداء في همز الوصل، ولأن بعده همزا آخر محققا ساكنا نبدله حرف مد من جنس حركة ما قبله، فيبدل ياء إذا كان ما قبله مكسورا، مثل: ايتوني، ايذن لي، وإن كان ما قبله مضموما أبدل واوا، مثل: اوتمن. وهذا الحكم مذكور في باب الإبدال من كتب التجويد والقراءات.
أما في حالة الوصل فإن همزة الوصل تسقط -وهي الهمزة الأولى- كما هي القاعدة العامة في همز الوصل كله.
وأخيرا ننصح السائل بمصاحبة شيخ يأخذ عنه القراءة مشافهة، فإن القراءة لا توخذ من بطون الكتب؛ وإنما الأصل فيها والصحيح أن تؤخذ من أفواه المشايخ تلقينا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1427(2/1422)
المد الأصلي والفرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لأحكام التجويد الخاصة بالمد مثل الم يقال إذا بدأت في القراءة بـ 6 حركات تكمل السورة كلها 6 حركات أو يمكن القصر بحركتين وعلى أن تكمل السورة على ذلك فأريد معرفة الصحيح؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المد معناه الزيادة بالصوت عند النطق بحرف المد وهو قسمان:
1- مد أصلي ويسمى بالمد الطبيعي وهو الذي لا تقوم بنية الحرف إلا به ولا يحتاج إلى سبب.
2- المد الفرعي وهو الزائد على المد الطبيعي وسببه الهمز والسكون ومنه المتصل، والمنفصل، واللازم ...
والمد اللازم: هو أن يأتي بعد حرف المد ساكن لازم في حالة الوصل والوقف, سواء كان ذلك في كلمة أو حرف, وسواء كان الساكن مخففا أو مثقلا، ومثاله: الحاقة، الطامة، آلآن، الم، كهيعص ...
وحكم المد اللازم لزوم مده اتفاقاً سواء كان ذلك في حالة الوصل أو الوقف، ومقدار مدةه ست حركات دائماً إلا في لفظ (عين) من كلمة كهيعص و (عسق) ففيهما الوجهان الإشباع (ست حركات) والتوسط أربع حركات.
ولذلك لا يجوز قصر المد اللازم بحال من الأحوال بل يجب إشباعه ست حركات دائماً كما في الأمثلة التي ذكرنا وفي المثال الذي ذكرت السائلة الكريمة، أما أنواع المد الأخرى فلها أحكامها الخاصة بها ولا علاقة لها بالمد اللازم، وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة عن المد ومقداره في الفتوى رقم: 49979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1427(2/1423)
نوع الهاء في كلمة (اقتده) وأمثالها
[السُّؤَالُ]
ـ[في قوله تعالى في سورة الأنعام: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. ما هي الهاء في كلمة اقتده (لغويا) أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الهاء -كما قال أهل العلم- تسمى هاء السكت وهاء الوقف والإلحاق لأنها تزاد في الوقف ساكنة، ولهذا أجمع القراء على الوقف عليها تبعاً لرسم المصحف، كما في (يتسنه) وكتابيه، وحسابيه، وماليه، وسلطانيه، ماهيه. قال ابن الجزري في النشر: وأجمعوا على الوقف بهاء السكت في سبع كلمات اتباعاً لرسم المصحف، واختلفوا في إثباتها وصلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(2/1424)
كيفية الوقف على قوله تعالى (ليكونا)
[السُّؤَالُ]
ـ[في قوله تعالى في سورة يوسف: ليسجنن وليكوناً من الصاغرين. كيف دخل التنوين على الفعل يكون، وكيف تكون القراءة عند الوقف على (يكوناً) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة (يكونا) في سورة يوسف قد كتبت في المصحف بألف ألحق بها وهي نون توكيد مخففة، ونون التوكيد تثقل كما في قوله تعالى: (ليسجنن) وتخفف فتكون شبيهة بتنوين الإعراب في الأسماء، وهو موجود في كلام العرب، قال القرطبي في تفسيره: والوقف على قوله (ليسجنن) بالنون لأنها مثقلة، وعلى (ليكونا) بالألف لأنها مخففة وهي تشبه نون الإعراب في قولك (رأيت رجلاً وزيداً وعمراً مثلاً.... ومثلها الوقف عليها بالألف في قول الأعشى: وصلّ على حين العشيات والضحى * ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
وإنما هو فاعبده فلما وقف عليه كان الوقف بالألف.
ومثل هذه الكلمة قول الله تعالى: (.. لنسفعا بالناصية) فإنها كتبت في المصحف بالألف، قال الطالب عبد الله في رسم القرآن:....كتعسا، نسفعا، يكونا بالألف. وكذلك الوقف يكون بالألف تبعاً لرسمها في المصحف، كما قال ابن بري في الدرر: فصل وكن متبعا متى تقف * سنن ما أثبت رسما أو حذف
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(2/1425)
المد اللازم الكلمي المثقل في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[المد اللازم الكلمي المثقل ماهو عددها، وفي أي الآيات القرآنية موجود؟
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه من كتب أحكام التجويد على من عد كلمات المد الكلمي المثقل في آيات القرآن الكريم، ولعل ما دعاهم لعدم الاهتمام بعدها أنه لا يترتب على معرفة عددها كبير فائدة ما دام الشخص يعرف القاعدة ويطبقها فعلا.
وقاعدة المد الكلمي المثقل هي: أن يأتي بعد حرف المد (الألف، والواو، والياء) حرف مشدد في كلمة واحدة سواءا كان التشديد في وسط الكلمة أم في آخرها.
ومثال الألف: الضآلين، الطآمة، الصآخة، الحآقة.... وهو كثير.
ومثال المتطرف: مٌضآرَّ، صوآفَّ، الدوآبًّ.... وهو كثير كذلك.
ومثال الواو: أتحاجوني، تأمروني، ولم نقف على غيرها، ولم نقف على مثال للمد الكلمي المثقل بالياء، مع وجوده بكثرة في الحرفي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1427(2/1426)
مخارج الحروف على وجه الإجمال.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مخارج الحروف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمخارج الحروف في اصطلاح علماء التجويد جمع مخرج، والمراد به محل خروج الحرف -أي ظهوره- الذي ينقطع عنده صوت النطق به فيتميز به عن غيره. والمقصود بالحروف هنا حروف التهجي التي هي أ، با، تا، ثا، ... لا حروف المعاني المذكورة في حروف العربية كباء الجر وسين التنفيس وهمزة الاستفهام ... الخ
هذا ويعرف مخرج الحرف بأن يسكن ويدخل عليه همزة الوصل، فحيث ينتهي صوته فثم مخرجه المحقق، وحيث يمكن انقطاع الصوت فثم مخرجه المقدر. وهذا خاص بمخرج حروف المد الثلاثة.
هذا ومن الجدير بالذكر هنا أن علماء القراءة واللغة اختلفوا في عدد مخارج الحروف، فمنهم من عدها ستة عشر مخرجاً كما هو مذهب سيبويه ومن تبعه كالشاطبي وابن بريّ، ومنهم من عدها أربعة عشر مخرجاً كما هو مذهب الفراء وقطرب وغيرهما.
والذي عليه الجمهور أن مخارج الحروف سبعة عشر، وهذا مذهب الخليل بن أحمد، واختاره الحافظ الجزري وإليه أشار في المقدمة الجزرية بقوله:
مخارج الحروف سبعة عشر *على الذي يختاره من اختبر.
وتنحصر المخارج على هذا المذهب في خمسة مخارج عامة وهي:
(1) الجوف: ويخرج منه مخرج واحد وهو مخرج حروف المد الثلاثة.
(2) الحلق: ويخرج منه ثلاثة مخارج لستة حروف.
(3) اللسان: ويخرج منه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفاً.
(4) الشفتان: ويخرج منه مخرجان لأربعة أحرف.
(5) الخيشوم: ويخرج منه مخرج واحد وهو مخرج الغنة.
ومن أراد الاستزادة فعليه بالكتب المصنفة في أحكام التجويد فإنها كفيلة ببيان مخارج الحروف وصفاتها على وجه التفصيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1426(2/1427)
كيفية تلاوة الكلمات المشتملة على حرف مشدد
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على تعليمنا كل ما نجهله أو يشتبه علينا، أرجو إخباري هل يوجد قاعدة في تلاوة القرآن الكريم بخصوص الحرف المشدد متى نفككه مثل: الضالّين فتقرأ الضاللين \"أليس كذلك\" بينما: لعلّكم تقرأ بدون تفكيك أو إرشادي إلى مصدر أجد فيه ما يتعلق بهذا الموضوع؟ مع جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحرف المشدد في القرآن الكريم لا يجوز تفكيكه ونطقه حرفين الأول ساكن والثاني متحرك، كما في المثال المذكور، والواجب على القارئ أن ينطقه حرفاً واحداً مشدداً كما هو مكتوب في المصاحف معروف في القراءة.
والاعتماد في القراءة والأداء ليس على المكتوب فقط، فالقراءة لا بد من أخذها من أفواه القراء، وقديما قال بعض أهل العلم: لا تأخذ القراءة من مصحفي. أي الذي يعتمد في قراءته على المصحف فقط، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {القيامة:18} .
فالقراءة سنة متبعة كما أخذها النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام وكما أخذها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنهم من بعدهم إلى أن وصلت إلينا، ولذلك فالذي نرشدك إليه هو صحبة أحد المشايخ الذين يتقنون القراءة وأخذها عنهم مباشرة، فلا يمكن ضبط التشديد ومقدار المدّ والترقيق والتفخيم والتسهيل والإبدال والفتح والإمالة.... إلا من أفواه القراء، ويمكن قراءة ذلك من الكتب ومعرفته نظرياً من كتب أحكام التجويد والقراءة وهي كثيرة قديماً وحديثاً ومتيسرة في جميع المكتبات، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 49979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1426(2/1428)
الفرق بين الترتيل والتجويد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين ترتيل القرآن وتجويده، وفي أيهما يندرج المد والتنوين والإدغام، وأيهما فرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالترتيل والتجويد معناهما متقارب، فترتيل القراءة الترسل فيها ... كما قال الله تعالى: وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا {الفرقان:32} ، وتجويد الشيء الإتيان به جيداً، والجيد ضد الرديء، وفي اصطلاح القراء: الترتيل مرتبة من مراتب تجويد القرآن الكريم التي هي: الترتيل، والتدوير، والحدر.
ولذلك فالقراءة بالتجويد تشمل هذه المراتب الثلاثة، والواجب على المسلم إذا أراد قراءة القرآن أن يقرأه مجوداً بأحد هذه المراتب، كما قال ابن الجزري رحمه الله تعالى:
والأخذ بالتجويد حتم لازم * من لم يجود القرآن آثم
لأنه به الإله أنزلا * وهكذا منه إلينا وصلا
والمد وإظهار التنوين أو إدغامه.... كل ذلك داخل ومندرج في التجويد، والإتيان به في أماكنه واجب على العموم، وعلى التفصيل فإن المدَّ منه ما هو واجب ومنه ما هو جائز، وكذلك الإظهار والإدغام، ويختلف ذلك باختلاف القراء، وتفاصيل ذلك في كتب التجويد، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 51715.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1426(2/1429)
حكم الوقف على المد المتصل إذا كانت الهمزة متطرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال في أحكام التلاوة لو تفضلتم بالنسبة للمد الفرعي المتصل إذا كانت الهمزة متطرفة مثل كلمة \"شاء\" وأردنا الوقوف عليها فهل يجب أن يكون المد هنا بست حركات أم يجوز أن يكون بأربع أو خمس كما في حال الوصل وأيهما أفضل علما بأني أقرأ بطريقة حفص عن عاصم. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز في المد المتصل عند الوقوف عليه أن يمد أربعا كما يمد في الوصل أربعا، وهذا هو المشهور الذي نص عليه الداني والشاطبي، ويجوز مده خمسا أو ستا وهما وجهان صحيحان ثبتا من عدة طرق عن حفص. كما ذكره الضباع في صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص، وهو وجه مقروء به من طريق الطيبة، فقد روي المد عنه ستا في الوصل، ويجوز المد في الوقف ستا باعتبار الوقف وباعتبار وجه المد ستا في حال الوصل المأخوذ من غير طريق الشاطبي، وقال الشيخ عبد الفتاح المرصفي في هداية القاري بعد ذكره لوجهي المد أربعا وخمسا: إذا كان متطرفا وموقوفا عليه كقوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ،، ففيه ما تقدم من المد بأربع حركات أو خمس ثم زيادة المد بقدر ست حركات لأجل الوقف. اهـ. ثم قال بعد كلام: المد المتصل العارض للسكون المنفرد ـ أي الذي لم يسبق بمد متصل ولا بمنفصل ـ إن كان آخره منصوبا نحو نسوق الماء أو مفتوحا نحو فقد باء، ففيه ثلاثة أو جه لحفص عن عاصم من الشاطبية وهي الوقف بأربع حركات أو خمس أو ست بالسكون المجرد فقط. ثم ذكرأوجها أخرى في المرفوع والمجرور، وذكر نظم الشيخ محمد السباعي عامر رحمه الله تعالى لهذه الوجوه حيث يقول:
... وقف على متصل تطرفا إن كان منصوبا بست وكفى.
... وأربع ثم بخمس فاقض وكلها مع السكون المحض.
... كجاء ساء شاء مع أضاء أفاء والسماء لا بناء.
إلى آخر نظمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(2/1430)
حكم الوقف القبيح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي 17 سنه من مصر وعندي سؤال يحيرني قليلا
أنا أقرأ القران فيتوقفني بعض الأشياء وأقطع القراءة لبعض الوقت فيحدث عندي بعض الغلطات يعني مثلا أنا مثلا أقرأ سورة (الشعراء) الآية 40 فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ.......* ((وأقرأ مثلا حتى)) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ. وأتوقف لسبب أو لآخر هنا في هذه الآية يقول السحرة إننا بعزة فرعون لمنتصرون ولم أكمل باقي القصة (الحدث) إذا هناك ثبوت للحالة بقوة فرعون ومقدرته على هزيمة ربنا عز وجل (حاشا لله) أنا أشعر أني وقعت في إثم بسبب عدم إكمالي لباقي الآيات إذا السؤال
هل أنا آثم في هذه الحالة رغم أنه خارج عن إرادتي وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما ينبغي لقارئ القرآن أن يعتني به معرفة الوقف والابتداء، فقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا {المزمل:4} فقال: هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف.
فمعرفة الوقوف إذاً شطر علم التجويد، والوقف في موضعه يساعد على فهم الآية. وأما الوقوف في غير محله فربما يغير معنى الآية أو يشوه جمال التلاوة.
ومن الوقف ما هو قبيح، وهو الوقف على ما لا يتم الكلام به ولا ينقطع عما بعده؛ كالوقوف على المبتدأ دون خبره أو على الفعل دون فاعله أو على الناصب دون منصوبه، وأقبح منه الوقف على ما يوهم وصفا لا يليق بذات الله تعالى؛ كأن يقف على (يستحيي) في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا {البقرة: 26} فلا يجوز الوقف إلا لضرورة، ثم يعيد الكلمة التي وقف عليها إذا لم تغير المعنى، وإلا أعاد ما يحسن البدء به.
ولأهل هذا الفن ما يسمونه بالوقف الاضطراري وهو مقابل لمصطلح الوقف الاختياري، والمقصود من هذا المصطلح، أنَّ القارئ للقرآن الكريم إذا اضطر إلى أن يقف على موضع غير مناسب؛ لِضِيقٍ في نَفَسه، أو انقطاع فيه، فإن له ذلك، لكن عليه أن يعاود الاستئناف من موضع يصح الابتداء به، ليستقيم المعنى، ويرتبط أول الكلام بآخره.
والوقف سواء كان اختياريا أو اضطراريا، فليس فيه ما هو واجب أو ممنوع وجوبا أو منعا يترتب عليه الإثم، إلا أن يكون القارئ قصد بوقفه على محل لا يوقف عليه تغيير المعنى. قال صاحب الجزرية:
وليس في القرآن من وقف وجب ولا حرام غير ما له سبب
وأما لو قصد بوقفه تغيير المعنى، فإن كان قلبه مطمئنا بالإيمان فهو آثم إثما كبيرا، وإلا فهو كافر والعياذ بالله.
وبناء على ما تقدم، فإنك إذا وقفت على محل يوهم الوقف عليه خلاف المعنى وكنت مضطرا إلى الوقف فلا شيء عليك، وإنما يلزمك أن تعيد شيئا مما قرأته لتبتدئ بمحل يصح الابتداء به. ومثل هذا ما إذا كنت وقفت لشيء من أغراض التعلم، كالاختبارات التي يجريها المدرسون لتلامذتهم ونحوها. وكذا الحال إذا وقفت على المحل المذكور جاهلا أنه لا يجوز الوقف عليه.
وأما إن وقفت على ما لا يجوز الوقف عليه متعمدا إفساد المعنى وكان قلبك مطمئنا بالإيمان، فإنك آثم بما فعلت، وإن لم تكن كذلك فكافر، والعياذ بالله.
ولك أن تراجع في هذا ما كتبه ابن الجزري في كتابه ‘‘النشر‘‘ وفي غيره من كتب القراءات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1426(2/1431)
من أحكام التجويد
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة التكاثر: ما هي أحكام التجويد في الكلمات التالية (تَعْلَمُونَ) ، (حتى زرتم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة (تعلمون) فيها من أحكام التجويد المد العارض للسكون في حالة الوقوف عليه. وحكمه: القصر، والتوسط، والإشباع. فتجوز الأوجه الثلاثة على اختلاف في ذلك بين القراء، ورجح بعضهم المد.
قال ابن بري في الدر اللوامع:
والخلف في المد لما تغيرا *ولسكون الوقف، والمد أرى.
وأما حتى قوله تعالى: حَتَّى زُرْتُمُ
ففيها مد طبيعي، وحكمه المد بمقدار حركتين للجميع، فكلمة حتى التي فيها المد الطبيعي لم يأت بعد ألفها المقصورة سبب من أسباب المد الطويل حتى تمد، ولهذا تبقى على الأصل وهو المد الطبيعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1426(2/1432)
حالات نطق لفظ الجلالة (الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة الكرام في موقع الشبكة الإسلامية الرائعة. أدامكم الله لنا وللإسلام خير عون وسند.
سؤالي: متى يكون لفظ اسم الجلالة (الله) في القرآن الله (اللأه _ مرفوع) (اللأه _ منصوب) ... ما هي حالات القراءة الصحيحة للفظ الجلالة في القرآن أرجو التوضيح بالاستدلال بآيات كريمة من الكتاب الحكيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ الجلالة (الله) كغيره من الأسماء المعربة يكون مرفوعاً إذا كان مبتدأ أو تقدم عليه عامل رفع، كما في قوله سبحانه وتعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ {البقرة: 254} .
وقال تعالى: وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ {النحل: 51} .
ويكون منصوباً إذا تقدم عليه عامل نصب كذلك، كما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
وأما كيف ينطق في القراءة، فإن لامه يكون مغلظا إذا تقدمت عليه الضمة أو الفتحة، ويكون مرققا إذا تقدمت عليه الكسرة لجميع القراء.
قال ابن بري في الدرر:
وفخمت في الله واللهمه لكل بعد فتحة وضمه.
ومثال التفخيم ما ورد في الأمثلة السابقة.
ومثال الترقيق بعد الكسر قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {الأنعام: 91} .
وسواء كان الكسر عارضاً لأجل السكون كما في المثال أو أصلياً، كما في قوله تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {آل عمران: 189} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1426(2/1433)
من الوقف القبيح
[السُّؤَالُ]
ـ[بينما كنت أقرأ في القرآن قرأت آية\"إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها \" ... الآية 26 سورة البقرة ولكني لم أكن منتبها للمعنى أثناء تلاوتي فتوقفت بعد كلمة \"يستحيي\" مباشرة لا أذكر السبب وعندما عدت بعد ذلك بقليل وتأملت معنى ما قلت خشيت أن أكون قد ارتكبت ذنبا كبيرا نتيجة لمعنى ما قلت فكيف أتوب عن ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوقف على هذه الكلمة من الوقف القبيح، لأنه وقف على الناصب دون منصوبه، مما يوهم ما لا يليق بالله تعالى، وهذا الوقف حرام إلا لضرورة مثل وقوف النفس، وعن طريق الخطأ والسعال، والظاهر أنك لا تقصد بهذا الوقف محظورا، وبالتالي، فلست آثما إلا أنه ينبغي لمن وقف هذا الوقف لعذر من الأعذار المذكورة أن يرجع ويعيد الكلمة أو الجملة التي وقف عليها حتى يبتدئ بداية صحيحة. وللفائدة راجع الفتاوى التالية: 3365، 14772، 31593.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(2/1434)
أحكام التلاوة في الشعر ولسان العرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستعلم منكم عن أحكام التلاوة, فهل هذه الأحكام كانت مطبقة عند العرب على كلامهم وشعرهم, مثلا هل كانوا يدغمون الأحرف، وهل كانوا يقلقلون حروف القلقلة كما بالقرآن, أم أن أحكام التلاوة خاصة بالقرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أحكام التجويد ثبت نقلها بالأسانيد المتواترة عن الصحابة الذين نقلوا القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحتاج في ثبوتها إلى كون العرب كانوا يتكلمون في كلامهم العادي بمثله، فإن القرآن حجة على غيره، وناقله الذي علمه لنا صلى الله عليه وسلم هو أفصح العرب وهو حجة على غيره وقد تابعه الصحابة ومنهم أفضل العرب على الإطلاق.
واعلم أن الإدغام كان معروفا عند العرب بنوعيه الصغير والكبير وكذلك القلقلة فقد تحدث عنها الخليل وسيبويه وتحدثا عن مخارج الحروف والترقيق والتفخيم وعمدتهم في ذلك ما أخذوه من مشافهة العرب وقد بوب النحاة على الإدغام في كتبهم، وأما الترتيل المشتمل على المدود والغنة فإنه لم يكن معروفاً عندهم، ولذلك أمرهم الله بترتيل القرآن، فقال تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {المزمل:4} ، فلو كان الترتيل معروفا عندهم لما أمرهم به.
ويدل لذلك إنكار ابن مسعود رضي الله عنه من قرأ القرآن بسرعة فقال له هذا كهذا الشعر، كما في حديث الصحيحين، فدل هذا على أن الترتيل المعروف عند أهل القرآن لم يكن معروفاً عندهم في حكايتهم للشعر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1426(2/1435)
قواعد للتمييز بين مخرج الضاد والظاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد قاعدة في اللغة العربية نتمكن فيها من التفريق بين ض وظ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هناك قاعدتان أساسيتان يمكن بهما التفريق بين كل الحروف، وخاصة الضاد والظاء.
وأولى القاعدتين معرفة مخارج الحروف، فكل حرف له مخرج معين وصفة يتصف بها ويتميز عن غيره.
وإذا أردت معرفة مخرج أي حرف من الحروف فسكِّنه بعد همز الوصل، أو شدده، فحيث انقطع الصوت، فإن ذلك مخرج الحرف المطلوب.
وعلى ذلك، فإذا سكنت الضاد بعد همز الوصل، فإن الصوت ينقطع عند حافة اللسان وما يليها من الأضراس.
ولهذا قال العلماء: مخرج الضاد من أول حافة اللسان إلى ما يلي الأضراس من الجانبين أو من أحدهما، وأما صفاته فمنها: الاستعلاء وهو ارتفاع اللسان عند النطق بالحرف إلى الحنك الأعلى. ومنها: الانطباق أو الإطباق وهو تلاصق ما يحاذي اللسان من الحنك الأعلى. ومنها: الاستطالة وهي: امتداد الصوت من أول حافة اللسان مع ما يليها من الأضراس، فإن زادت عن ذلك أشبهت الظاء والتبست به.
وأما الظاء: فبالنظر لقاعدة معرفة مخرج الحرف المذكورة، فإن مخرجه من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا.
وهذا أبرز ما يفرق بين الضاد والظاء، وذلك لاشتراكهما في صفتي الاستعلاء والإطباق والجهر. ولهذا ننصح السائل الكريم بأخذ هذه الحروف مشافهة من شيخ متقن نظراً لالتباس الفرق بينهما عند كثير من الناس، ويتأكد الأمر إذا كنت تريد قراءة القرآن الكريم.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين: 2493، 34506.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1425(2/1436)
الأدلة على ترك فرجة في النطق بالإقلاب والإخفاء الشفوي
[السُّؤَالُ]
ـ[سألت من قبل عن كيفية الإقلاب والإخفاء الشفوي هل بالفرجة أم بالإطباق فأجبتم بالفرجة وهو ما اختاره ابن الجزري فأرجو الدليل على ذلك أو نص قول ابن الجزري وذكر الأدلة على ذلك بالتفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسألة إطباق الشفتين أو جعل فرجة بينهما عند النطق بالنون إذا جاء بعدها الباء وكذا في الإخفاء الشفوي عند النطق بالميم إذا جاء بعدها الباء مسألة خلافية بين القراء المتأخرين.
فلعل الأخ الذي أجاب عن الفتوى السابقة عندما قال بوجود فرجة ونسب هذا إلى ابن الجزري رحمه الله تعالى، فهم هذا من خلال تعريف ابن الجزري رحمه الله تعالى للإخفاء، فالقراء ومنهم الإمام ابن الجزري يقولون في تعريف الإقلاب هو قلب النون الساكنة والتنوين ميما مخفاة ... الخ.
والحكم بكونها مخفاة يقتضي أن تبقى فرجة بين الشفتين، لأن إطباقهما يجعل الميم مظهرة لا مخفاة، وسنورد كلام ابن الجزري رحمه الله تعالى من التمهيد والنشر، ولكن قبل ذلك نقول إننا لم نجد من كلام ابن الجزري رحمه الله تعالى تصريحا بانطباق الشفتين ولا بجعل فرجة بينهما، ووجد من كلام بعض الأئمة المتقدمين تصريح بانطباقهما، وتعارضت أقوال بعض القراء المعاصرين في ما هو الذي تلقوه عن مشايخهم، وسنورد أيضا بعض النقول عن المتقدمين وبعض كلام المعاصرين لتتضح المسألة.
قال ابن الجزري في التمهيد: القسم الرابع: الإقلاب، وقد تقدم الكلام على معناه، فإذا أتى بعد النون الساكنة والتنوين باء قلبت ميما، من غير إدغام، وذلك نحو أن بورك، أنبئهم، جدد بيض، والغنة ظاهرة في هذا القسم.
وعلة ذلك أن الميم مؤاخية للنون في الغنة والجهر، ومشاركة للباء في المخرج، فلما وقعت النون قبل الباء، ولم يمكن إدغامها فيها، لبعد المخرجين، ولا أن تكون ظاهرة لشبهها بأخت الباء وهي الميم، أبدلت منها لمؤاخاتها النون والباء. انتهى كلامه.
وكلامه هنا عن النون التي جاء بعدها الباء.
وقال عند كلامه عن الميم التي جاء بعدها الباء: وإذا سكنت وأتى بعدها باء فعن أهل الأداء فيها خلاف، منهم من يظهرها عندها، ومنهم من يخفيها، ومنهم من يدغمها، وإلى إخفائها ذهب جماعة، وهو مذهب ابن مجاهد وابن بشر وغيرهما، وبه قال: (الداني. وإلى إدغامها ذهب ابن المنادي وغيره. وقال) أحمد بن يعقوب التائب: أجمع القراء على تبيين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيها باء في كل القرآن. وبه قال مكي. وبالإخفاء أقول، قياساً على مذهب أبي عمرو بن العلاء، قال شيخنا ابن الجندي -رحمه الله- واختلف في الميم الساكنة إذا لقيت باء، والصحيح إخفاؤها مطلقاً، أي سواء كانت أصلية السكون كـ أم بظاهر أو عارضة كـ يعتصم بالله. ومع ذلك فلا بد من ترقيقها وترقيق ما بعدها، إذا كان ألفاً. انتهى كلامه
وقال ابن الجزري في النشر: وأما الحكم الثالث وهو (القلب) فعند حرف واحد وهي الباء فإن النون الساكنة والتنوين يقلبان عندها ميماً خالصة من غير إدغام وذلك نحو (أنبئهم، ومن بعد، وصم بكم) ولابد من إظهار الغنة مع ذلك فيصير في الحقيقة إخفاء الميم المقلوبة عند الباء فلا فرق حينئذ في اللفظ بين (أن بورك، وبين: يعتصم بالله) إلا أنه لم يختلف في إخفاء الميم ولا في إظهار الغنة في ذلك، وما وقع في كتب بعض متأخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم، ولعله انعكس عليهم من الميم الساكنة عند الباء. والعجب أن شارح أرجوزة ابن بري في قراءة نافع حكى ذلك عن الداني. وإنما حكى الداني ذلك في الميم الساكنة لا المقلوبة واختار مع ذلك الإخفاء. وفد بسطنا بيان ذلك في كتاب التمهيد والله أعلم.
وقال في النشر في خاتمة كلامه عن الإخفاء: واعلم أن الإخفاء عند أئمتنا هو حال بين الإظهار والإدغام. قال الداني وذلك أن النون والتنوين لم يقربا من هذه الحروف كقربهما من حروف الإدغام فيجب إدغامهما فيهن من أجل القرب ولم يبعدا منهن كبعدهما من حروف الإظهار فيجب إظهارهما عندهن من أجل البعد، فلما عدم القرب الموجب للإدغام والبعد الموجب للإظهار أخفيا عندهن فصارا لا مدغمين ولا مظهرين إلا أن إخفاءهما على قدر قربهما منهن وبعدهما عنهن فما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا عنده، قال والفرق عند القراء والنحويين بين المخفى والمدغم أن المخفى مخفف والمدغم مشدد انتهى والله أعلم.
فاختيار ابن الجزري هو الإخفاء حيث قال: وبالإخفاء أقول. وفهم من اختياره للإخفاء أن تبقى فرجة صغيرة تسمح بمرور الهواء، لأن إطباق الشفتين يؤدي إلى عدم ظهور الإخفاء، ولكن هذا الذي فهم يشكل عليه بعض النصوص الواردة في كتب القراء من ذلك:
قول ابن غلبون رحمه الله تعالى وكان من كبار المقرئين في عصره بالديار المصرية المتوفى سنة 399هـ في كتابة التذكرة في القراءات: وأما الميم مع الباء فهي مخفاة لا مدغمة، والشفتان أيضاً ينطبقان معهما اهـ
وقال الإمام أبو عمرو الداني المتوفى سنة 444 هـ في التحديد في علم التجويد قال:
فإن التقت الميم بالباء فعلماؤنا مختلفون في العبارة عنها، فقال بعضهم هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما كانطباقها على أحدهما، وهذا مذهب ابن مجاهد وإلى هذا ذهب شيخنا علي بن بشر..الخ
ثم ذكر القول الثاني الذي هو الإظهار ثم قال: وبالأول أقول.
وجاء في كتاب نهاية القول المفيد للشيخ محمد مكي نصر بتحقيق الشيخ الضباع رحمه الله نقلا عن الشيخ محمد بن أبي بكر المرعشي المتوفى سنة 1150 هـ في شرح تحفة الأطفال قوله – أي المرعشي -: والظاهر أن معنى إخفاء الميم ليس إعدام ذاتها بالكلية بل إضعافها وستر ذاتها في الجملة، بتقليل الاعتماد على مخرجها وهو الشفتان، لأن قوة الحرف وظهور ذاته إنما هو بقوة الاعتماد على مخرجه
وهذا كإخفاء الحركة في قوله: "لا تأمنا" إذ ليس بإعدام الحركة بالكلية بل تبعيضها وسيأتي.
وبالجملة إن الميم والباء يخرجان بانطباق الشفتين والباء أدخل وأقوى انطباقا كما سبق بيان المخارج.
فتلفظ بالباء في نحو:" أن بورك " بغنة ظاهرة وبتقليل انطباق الشفتين جدا ثم تلفظ بالباء قبل فتح الشفتين بتقوية انطباقهما وتجعل المنطبق من الشفتين في الباء أدخل من المنطبق في الميم، فزمان انطباقهما في أن بورك أطول من زمان انطباقهما في الباء، لأجل الغنة الظاهرة حينئذ في الميم، إذ الغنة الظاهرة يتوقف تلفظها على امتدادٍ.
ولو تلفظت بإظهار الميم هنا لكان زمان انطباقهما فيه كزمان انطباقهما في الباء لإخفاء الغنة حينئذ، ويقوى انطباقهما في إظهار الميم فوق انطباقهما في إخفائه لكن دون قوة انطباقهما في الباء إذ لا غنة في الباء أصلا بخلاف الميم الظاهرة فإنها لا تخلو عن أصل الغنة وإن كانت خفية، والغنة تورث الاعتماد ضعفا. اهـ
ولبعض المعاصرين كلام في إثبات الإطباق ونفي الفرجة، وللبعض الآخر كلام بخلاف ذلك، ولبعضهم كلام في جواز هذا وذاك بحسب ما تلقى القارئ.
فممن ذهب إلى الإطباق جمع ذكرهم الأخ فرغلي سيد عرباوي في بحث له منشور في ملتقى أهل التفسير نقلا عن مقال للشيخ مهيب قال: وبعد تتبعنا للأسانيد التي جاءت بالفرجة وجدنا أنها لابد وأن تنتهي في طبقة من الطبقات إلى الإطباق. وقد تلقيت القرآن الكريم بالقراءات العشر على الشيخ عبد الرازق بن إبراهيم موسى وهو عضو لجنة تصحيح المصاحف بالمدينة النبوية، ومن المشايخ الأجلاء الذين ألفوا في علم القراءات، وكنت قد تلقيت عليه بالفرجة، ولا أعلم إلا أن الإطباق خطأ، وحين تبين لي أن التلقي كله بالإطباق اتصلت به وسألته –حفظه الله- كيف تلقيتم؟ فقال لي: بالإطباق، فسألته: وكيف تلقى المشايخ عندكم؟ فقال: بالإطباق، وأكثرت الأسئلة عليه فقال لي مختصراً: "التلقي كله بالإطباق".كما تلقيت على الشيخ الزيات بالفرجة، وبعد أن علمنا بالإطباق سافر إليه أحد الإخوة الفضلاء ممن قرؤوا علي وسأله هل تلقيتم بالفرجه؟ فأجاب رحمه الله: لا.
ومن ذلك: الأسانيد المنتهية إلى الضباع وتلميذه الشيخ عبد العزيز عيون السود رحمهما الله حيث كان الشيخ عبد العزيز يقرئ بالإطباق أول أمره – حسب ما تلقى من شيخه الضباع-، وكذلك الأسانيد المنتهية إلى الشيخ/ الزيات، والشيخ/ عامر السيد عثمان، والشيخ السمنودي، حيث تلقى هؤلاء كلهم بالإطباق وأقرؤوا به أول حياتهم، وإن أقرؤوا بالفرجة فيما بعد، اجتهادا منهم رحمهم الله وقد تبين من الفتوى المتقدمة أن قراء الشام قرؤوا ويقرئون بالإطباق لم يجاوزوه إلى غيره وبعض تلامذتهم الذين قرؤوا عليهم أول حياتهم بالإطباق حسب ما تلقوه لا يزالون أحياء فالتلقي بالإطباق، وجاءت الفرجة اجتهادا من غير تلق، نسأل الله تعالى أن يجزل الأجر لجميع هؤلاء العلماء الأفذاذ، ويجزيهم عنا أفضل الجزاء ... اهـ.
وأورد فرغلي نقلا عن الدكتور يحيى عبد الرَّزَّاق الغوثاني (صاحب كتاب علم التجويد أحكام نظرية.. وملاحظات تطبيقية) قوله: وقد سألت كبار العلماء المجودين المعاصرين عن انفراج الشفتين فأجابني الجميع بأنهم قرؤوا على مشايخهم بالإطباق , وذلك مثل المقرئ الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات أعلى القراء إسناداً في مصر , وقد ناهز عمره التسعين , وقد أخبرني مشافهة في بيته في المدينة المنورة بعد أن قرأت عليه سورة الفاتحة وسألته عن انفراج الشفتين في الميم عند الباء فقال: لم نعهد ذلك في مشايخنا ولم نكن نسمع عنه من قارئ معتبر من قراء الأزهر , ولا أعرف أحداً قال به إلا بعض القراء المعاصرين من بضعة وعشرين سنة تقريباً , ولم نقرأ على شيوخنا إلا بالإطباق , ولكن لا بأس أن يكون الإطباق خفيفاً بدون كز الشفتين.
وكذلك شيخ القراء في دمشق المقرئ الشيخ حسين خطاب –رحمه الله- ومن بعده المقرئ الشيخ محمد كريم راجح شيخ القراء في دمشق والمقرئ الشيخ محمد سكر وهو من أبرز شيوخ القراءة في دمشق , والمقرئ الشيخ أبوالحسن الكردي شيخ مقارئ جامع زيد في دمشق , وشيخ القراء في حلب المقرئ الشيخ محمد عادل الحمصي , والمقرئ الشيخ محمد كلال الطحان الحلبي وكلهم سألتهم فأجابوني بأنهم قرؤوا بالإطباق. وتأمل هذا النص حول الميم عند الباء من قارئ كبير هو أبو جعفر ابن الباذش (ت 540هـ) حيث قال: وقال لي أبوالحسن ابن شريح فيه بالإظهار , ولفظ لي به , فأطبق شفتيه على الحفرين إطباقاً واحداً. انتهى المراد
وذكر صاحب البحث هذا القول أعني الإطباق عن الحصري ومحمود على البنا والشعشاعي ومحمد رفعت بل وعن الشيخ عامر عثمان، فقد قال الباحث: ذكر لنا بعض الشيوخ أن الشيخ محمد صلاح الدين كبّارة المقرئ المشهور بطرابلس لبنان أنه قرأ على الشيخ عامر عثمان القراءات السبع بإطباق الشفتين على الميم المقلوبة وعلى الميم المخفاة ثم عاد إلى بلدته طرابلس لبنان وبعد سنوات عاد إلى مصر ليقرأ على الشيخ عامر القراءات الثلاثة فوق السبع فأمره بعدم الإطباق للشفتين. . اهـ إذ طرأ عليه التعديل في آخر عمره. انتهى المراد
وقال تحت عنوان: (أول من قال بتغيير صوت الميم الساكنة المخفاة)
جميع العلماء المعاصرين أجمعوا أن القائل الوحيد بترك فرجة عند الميم الساكنة هو فضيلة الشيخ عامر عثمان رحمه الله وهو من العلماء المتأخرين أما العلماء المتقدمون المعول على علمهم فهو الحجة الكافية لم يقل أحدهم بذلك.انتهى
فقد عزا الباحث القول بالفرجة إلى الشيخ عامر عثمان ثم انتشر من طريقه من خلال طلابه.
وممن يرى ترك فرجة يسيرة بين الشفتين جمع ذكرهم الشيخ جمال بن إبراهيم القرشي في كتابه زاد المقرئين أثناء تلاوة الكتاب المبين، وذكرأن من صور اللحن في الإقلاب عدم إبقاء فرجة بين الشفتين عند الإخفاء الشفوي، ثم نقل كلام عدد من العلماء المعاصرين المحققين في فن القراءات فقال:
سادساً: من صور لحون أحكام الميم الساكنة:
1- إطباق الشفتين في الإخفاء الشفوي تماماً: اختلف القراء في كيفية تحقيق الإخفاء الشفوي فبعضهم يرى الإطباق، وبعضهم يرى إبقاء فرجة صغيرة جداً، وهذا الموضع أشغل الكثير من طلبة هذا العلم، أضمن ما نقلته عن المشايخ:
- حدثني فضيلة الشيخ العلامة أحمد الزيات قال: الراجح في الإخفاء الشفوي أن تبقى فرجة.
- حدثني فضيلة الشيخ رزق خليل حبه: الانفراج أولى، لأننا لما نُطبق الشفتين يصيرُ وكأنَّه مُظهر، فالصواب أن يكون هناك انفراج خفيف بين الشفتين، ليس مُبالغا فيه حتى لا تضيع صفة الحرف.
- حدثني فضيلة الدكتور عبد العزيز القاري قال: الذي قرأت به على مشايخي أنه لا يكون هناك انطباق تام من الشفتين، ولا يكون هناك انفراج بين الشفتين بحيث يُخِلُّ بالنطق بالإخفاء.
- حدثني فضيلة الشيخ علي الحذيفي قال: الإخفاء الشفوي قرأناه بحيث يكون هناك فرجة في أول الإخفاء، وإطباق الشفتين في آخر النطق به.
- حدثني فضيلة الشيخ عبد الرافع بن رضوان: ينبغي أن تخفى الميم الساكنة عند الباء بحيث تجعل الشفتين لاينطبقان انطباقاً كاملاً عند إخراج الميم، لأنك لو أطبقت الشفتين سينقلب الحكم من الإخفاء إلى الإظهار، وفي الوقت نفسه الإظهار سوف يكون مصحوباً به غنة، وما في التجويد شيء اسمه إظهار بغنة.
- حدثني فضيلة الشيخ محمد أبو رواش قال: الرأي الراجح في الإخفاء الشفوي أن تترك فرجة بين الشفتين حتى يمكن أن يتحقق الإخفاء.
- حدثني فضيلة الشيخ إبراهيم الأخضر قال: وجود الإخفاء يستلزم عدم إطباق الشفاه في الإقلاب لأنه انقلب إلى إخفاء شفوي، فلا بد من فرجة بسيطة جداً بين الشفتين.
- حدثني فضيلة الدكتور إبراهيم الدوسري قال: أذكر أن من المشايخ من يشدد في هذا {قُلُوبُهُم بِذِكْرِ} ومنهم من يقول يخرج نفس خفيف جداً، أذكر أن الشيخ عبد الحكيم بن عبد اللطيف قرأت عليه من القرآن بالقراءات العشر، وهو شيخ مقرأة الأزهر، كان يقول يخرج نفس خفيف جداً جداً لا يصل إلى حد الانفتاح الكامل، وهذا هو رأي الحُذاقِ، والشيخ إبراهيم الأخضر أيضاً نفسُ الشيء، لا هو إطباق شديد، ولا هو يفتحُ فتحاً شديداً.
- حدثني فضيلة الشيخ رشاد السيسي: الإخفاء الشفوي عند النطق به ألا يكز الشفتين لا بد أن يوجد فرجة بين الشفتين.
- حدثني فضيلة الشيخ أحمد مصطفى قال: الأولى بقاء فرجة.
- حدثني فضيلة الدكتور عبد العزيز بن عبد الحفيظ: تبقى فرجة خفيفة جداً بدون مبالغة.
- حدثني فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الوهاب: أن الراجح في الإخفاء الشفوي إبقاء فرجة صغيرة جداً بين الشفتين. انتهى
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(2/1437)
مخرج حرف الظاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينطق حرف الظاء مع خروج اللسان أم بدونه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ويخرج اللسان عند النطق به قليلا، وهو دون إخراج اللسان عند النطق بالثاء والذال اللتان تخرجان معه من طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا، ولكن الظاء أدخل منهما، والظاء من الحروف اللثوية التي هي الظاء والذال والثاء.
واللثوية نسبة إلى اللثة التي هي منبت الثنايا العليا لخروجها من تلك المنطقة مع طرف اللسان، والظاء من صفاتها الجهر والشدة والإطباق والاستعلاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(2/1438)
حروف القلقلة يجمعها \" قد طبج \"
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي حروف القلقلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحروف القلقلة هي: القاف والطاء والباء والجيم والدال، قال في تفسير البيضاوي: ومن القلقله وهي: حروف تضطرب عند خروجها ويجمعها (قد طبج) .
وراجع في هذا شروح الشاطبية، والنشر في القراءات العشر، والنجوم الطوالع على الدرر اللوامع، واتحاف السادات بإفراد القراءات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1425(2/1439)
الوقف على كلمة (علي) و (أواب) في سورة ص
[السُّؤَالُ]
ـ[نوع الوقف على كلمة علي في قوله تعالى \"ردوها علي * فطفق مسحا بالسوق والأعناق
وأيضا نوع الوقف على كلمة أواب في قوله تعالى\"الطير محشورة كل له أوآب * وشددنا ملكه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوقف يكون تاماً وهو أكمله، ثم كافياً وهو يليه، ثم حسناً، ثم قبيحاً، والظاهر -والله أعلم- أن الوقف على كلمة "ردوها علي" هو من الوقف الكافي إذ لا تعلق فيه باللفظ، ولكن يوجد تعلق بالمعنى، وأما قوله تعالى: "والطير محشورة كل له أواب". فالوقف فيها تام، إذ لا تعلق فيه باللفظ ولا بالمعنى.
قال ابن الجزري في طيبة النشر:
فاللفظ إن تم ولا تعلقا تام وكافٍ إن بمعنى علقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(2/1440)
مراعاة أحكام التلاوة تكون في الصلاة السرية والجهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الهدى أشكركم جزيل الشكر.
سؤالي هو: ...
هل يجب تطبيق احكام التجويد في الصلاة السرية؟ فن الدعوة
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقراءة القرآن بالتجويد في الصلاة وغيرها قد سبق حكمها في الفتوى رقم: 6682.
وإذا علم هذا، فاعلم أنه لا فرق في ذلك بين الصلاة الجهرية والسرية.
أما بخصوص الدعوة، فلا شك أن المسلم مطالب شرعا بالدعوة إلى الله تعالى بشتى الطرق، ولكن ينبغي أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال الحق سبحانه: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (النحل: 125) .
ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 7583.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1425(2/1441)
الكيفية الصحيحة لنطق ميم \"أنعمت\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أسعى إلى قراءة القرآن وفق الأحكام وأن أحاول أن أضبطها ولكن بعد فترة أصبحت أقرأ الآيات الأخيرة من الفاتحة وعند الوصول إلى قوله تعالى \"أنعمت عليهم\" فعند وصولي إلى \"أنعمت\" ماذا أفعل أطبق شفتي عند نطق الميم مع الغنة بمقدار حركتين فهل هنا التلاوة تجعل الصلاة غير صحيحة؟ والآن صححتها والحمد لله، وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن حرف الميم يخرج من الشفتين بإطباقهما، ولكن لا تلازمه الغنة إلا إذا كان مشدداً، أو كان ساكناً وجاء بعده حرف الباء أو الميم، وهو في كلمة "أنعمت" ساكن ليس بعده باء ولا ميم، فلا غنة فيه، ونطقه بالغنة لحن خفي لا يؤثر على الصلاة، وراجع الفتوى رقم: 18936.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1424(2/1442)
الوقف على كلمة \"وهو\"
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون الوفق على \"وهو\" من قوله تعالى: \"وهو شر لكم\"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوقف على "وهو" عند من يقرأ بضم الهاء يكون بإسكان الواو على شكل المد، وأما عند من يقرأ بإسكانها فإنه يحرص على إسكان الهاء والواو معاً كما يفعل في العصر والشمس، ولا يعتبر ذلك من التقاء الساكنين، لأن السكون الثاني عارض للوقف.
وليعلم أن (وهو) لا يكون الوقف عندها إلا في حال الاضطرار، أما في حال الاختيار فإنه لا يوقف عندها لأنها في الأغلب تكون مبتدأ، والوقف بين المبتدأ والخبر لا يسوغ في حال الاختيار.
وليعلم أن من يقرأون بإسكان الهاء هنا هم: قالون وأبو عمرو والكسائي وأبو جعفر، وقرأ الباقون بالضم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1424(2/1443)
كيفية الوقف على هو لمن يسكن الهاء
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال فى القرءان وهو
بما يكون الوقف على (وهو) عند من يسكن الهاء
أجيبوا جزاكم الله خيرا ووقاكم
ضيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوقف على "هو" لمن يسكن الهاء بإسكن الواو أيضا، لأنه لا يوقف على ساكن، وهكذا وجدنا القراء يقفون على هذه الكلمة، وأما من منع من ذلك بحجة أنه لا يجتمع ساكنان، فجوابه أن هذا السكون الثاني عارض فجاز اجتماعهما، وله في القرآن نظائر كثيرة مثل قول الله تعالى: وَالْفَجْرِ [الفجر:1] ، و "السِّحْر".
والله أعلم.
...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1424(2/1444)
الوقف في قوله تعالى:"ذلك الكتاب لا ريب فيه.."
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعد وقف المراقبة, في قوله تعالى:"ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين".
هل يعد وقفا لازما أم وقفا جائزا. فإن كان جائزا, فأيهما أولى: الوصل أم الوقف.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوقف في القرآن الكريم ليس منه لازم بالمعنى الفقهي، أي واجب على الصحيح، إلا ما أوهم معنى خلاف المراد ويترتب عليه انتقاص لله تعالى ونحو ذلك، فلا يجوز الوقف عليه إلا لضرورة تعليم أو انقطاع نفس ونحوها، وما يوجد من اصطلاحات الوقوف ومواضعها أمور اجتهادية وضعها علماء القرآن والقراءات، وهي مختلف فيها بينهم، ولذلك تجد مواضع الوقف متباينة من مصحف لآخر.
أما بخصوص الآية المذكورة من سورة البقرة، فمن المصاحف ما وضع علامة الوقف الجائز فيه على نهاية كلمة (لا ريب فيه) ومنها ما وضع فيه علامة تعانق الوقف على الموضعين، وعلامة تعانق الوقف على الموضعين ثلاث نقاط بحيث إذا وقف القارئ على موضع لم يجز الوقوف على الموضع الآخر، وهذا اصطلاح وليس بواجب، وإن كنا نستحب (اصطلاحا) الوقوف عند (لاريب فيه) على سبيل الجواز، مع كون الوقف أولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(2/1445)
تعريف الغنة لغة واصطلاحا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الغنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالغنة لغة: صوت له رنين في الخيشوم، وفي اصطلاح علماء التجويد: صوت خفيف يخرج من الخيشوم ولا عمل فيه للسان، وتُمدّ الغنة بمقدار حركتين، والحركة هي: بمقدار ما يقبض الإنسان إصبعه أو يبسطه، من غير عجلة أو تأنِّ.
ولمعرفة المزيد عن الغنة راجع كتب التجويد، مثل كتاب (البرهان في تجويد القرآن) وكتاب (حق التلاوة) وكتاب (هداية القاري إلى تجويد كلام الباري) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1424(2/1446)
ليس في القرآن وقف يأثم الإنسان بفعله أو تركه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم الوقوف في أثناء تلاوة القرآن الكريم في مواقع لا توجد بها علامات للوقف؟ وكذلك دون الرجوع كلمة أو كلمتين للخلف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس في القرآن وقف يأثم الإنسان بفعله أو تركه، لكن معرفة الوقوف علم شريف يتوصل به إلى تحسين القرآن وتزيين التلاوة.
وقد قسم العلماء الوقف إلى: تام، وحسن، وقبيح. وعدوا من القبيح: أن يقف على المضاف دون المضاف إليه، أو على المنعوت دون نعته، أو على الرافع دون مرفوعه، وعكسه، أو على المعطوف دون المعطوف عليه.
فمن وقف على شيء من ذلك، فالأولى أن يأتي بما قبله، فإن لم يفعل فلا حرج عليه.
وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى التالية: 31593، 14772، 28879.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(2/1447)
حكم النطق بالضاد ظاء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما هوحكم قراءة بعض القراء الضاد ظاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان لا يستطيع أن يميز بين الضاد والظاء فلا إثم عليه في نطقه الضاد ظاء، أما إذا كان يستطيع أن يتعلم ويأتي بكل حرف منهما من مخرجه، دون التباس فيجب عليه ذلك، ويأثم بترك التعلم ولا تبطل صلاته على الصحيح من أقوال أهل العلم إلا إن تعمد أن ينطق الضاد ظاء مع قدرته على النطق الصحيح، جاء في الفتاوى الهندية للأحناف:
وإن كان لا يمكن الفصل بين الحرفين إلا بمشقة كالظاء مع الضاد والصاد مع السين والطاء مع التاء اختلف المشايخ، قال أكثرهم: لا تفسد صلاته، هكذا في فتاوى قاضي خان، وكثير من المشايخ أفتوا به، قال القاضي الإمام أبو الحسن والقاضي الإمام أبو عاصم: إن تعمد فسدت، وإن جرى على لسانه أو كان لا يعرف التمييز لا تفسد وهو أعدل الأقاويل، والمختار، هكذا في الوجيز للكردري.
وسئل الإمام الرملي هل تصح صلاة من يبدل الضاد بالظاء في غير الفاتحة أو لا كما جزم به شيخ الإسلام زكريا في شرحه للجزرية؟
(فأجاب) بأن إبدال الضاد بالظاء يبطل الصلاة إذا كان في الفاتحة أو بدلها وفعله قادرا عالما عامدا، وعلى هذا يحمل قول شيخنا في شرحه للجزرية لئلا يختلط أحدهما بالآخر فتبطل به صلاته.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله:
والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما، وذلك أن الضاد نخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك.
والله أعلم.
وأما حديث "أنا أفصح من نطق بالضاد" فلا أصل له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1424(2/1448)
الوقف التام والحسن والقبيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وصل القراءة عند الوقف اللازم في قراءة حفص عن عاصم؟ لأني سمعت أحد القراء على الشبكة يصل القراءة علما بأن الوقف لازم؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس في القرآن وقف يأثم الإنسان بتركه ولا بفعله، قال الإمام السيوطي في الإتقان 1/229: تنبيهات:
الأول: قولهم: لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه ولا كذا، قال ابن الجزري إنما يريدون به الجواز الأدائي وهو الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة، ولا يريدون بذلك أنه حرام ولا مكروه؛ اللهم إلا أن يقصد بذلك تحريف القرآن وخلاف المعنى الذي أراده الله فإنه يكفر فضلا عن أن يأثم.
وقد أشار الإمام السيوطي إلى أهمية علم الوقف والابتداء فقال: النوع الثامن والعشرون في معرفة الوقف والابتداء، أفرده بالتصنيف خلائق منهم: أبو جعفر النحاس، وابن الأنباري، والزجاج، والداني، والعماني، والسجاوندي وغيرهم، وهو فن جليل به يعرف كيف أداء القراءة.
وبين الإمام السيوطي أنواع الوقف فقال:
اصطلح الأئمة على أن لأنواع الوقف والابتداء أسماء واختلفوا في ذلك فقال ابن الأنباري: الوقف على ثلاثة أوجه تام وحسن وقبيح.
فالتام: الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ولا يكون بعده ما يتعلق به؛ كقوله " وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" وقوله "أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ".
والحسن: هو الذي يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده، كقوله "الحمد لله"، لأن الابتداء "برب العالمين" لا يحسن لكونه صفة لما قبله.
والقبيح: هو الذي ليس بتام ولا حسن كالوقف على "بسم" من قوله "بسم الله" ولا يتم الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا المنعوت دون نعته، ولا الرافع دون مرفوعه وعكسه، ولا الناصب دون منصوبه وعكسه، ولا المؤكد دون توكيده، ولا المعطوف دون المعطوف عليه، ولا البدل دون مبدله، ولا إنَّ أو كان أو ظن وأخواتها دون اسمها ولا اسمها دون خبرها، ولا المستثنى منه دون الاستثناء، ولا الموصول دون صلته اسميا أو حرفيا، ولا الفعل دون مصدره، ولا حرف دون متعلقه، ولا شرط دون جزائه.
وقال غيره: الوقف ينقسم إلى أربعة أقسام.. تام مختار وكافٍ جائز وحسن مفهوم وقبيح متروك. انتهى.
وبهذا يعلم أنه لا يلزم الوقف على كلمة أو جملة، وأن الوصل جائز ما لم يقصد بوقفه تحريف الكلم عن موضعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1424(2/1449)
عدم تعلم علم التجويد لا يعتبر خروجا عن الملة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فهل تعلم أحكام التجويد واجب وهل يعتبر المعرض عنه خارجا من الملة علما بأنه يعلم نواقض الإسلام التي من بينها الإعراض عن دين الله وهل يجوز له إذا لم يكن خارجا من الملة أن يؤخر تعلمها حتى تغلق المدارس مع العلم بأنه تلميذ فى الثانوية العامة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تجويد ما يقرؤه المسلم من القرآن الكريم واجب كما جاء الأمر بذلك في كتاب الله تعالى، وكما أثر عن كثير من السلف الصالح، قال الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل:4] .
وقال ابن الجزري تبعا لغيره:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجود القرآن آثم.
وهذا الواجب يتأدى بالتطبيق العملي للأحكام على ما يقرؤه القارئ، ولو كان لا يعلم قواعد التجويد وأحكامه نظرياً، فالمهم أن يقرأ بالترتيل ما أمره الله تعالى، والترتيل هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف كما قال أهل العلم.
وأما عدم تعلم أحكام التجويد فلا يعتبر خروجاً عن الملة ... بل لا يكون معصية إذا كان في الأمة من يقوم به ويحصل بهم الاكتفاء، لأنه فرض كفاية وليس فرض عين، وعدم تعلم علم من علوم فروض الكفايات الدينية لا يعتبر إعراضاً عن دين الله تعالى، ولكن الجميع يأثمون إذا أهملوا فروض الكفاية التي من ضمنها أحكام التجويد وعلم القضاء والطب والهندسة، وكل علم تحتاج إليه الأمة ولا يستقيم أمرها إلا به.
ولا مانع من تأخير تعلم علم من العلوم الواجبة إذا لم يحتج إليه المسلم قبل ذلك، فإذا احتاج إليه كان فرض عين عليه أن يتعلمه على الفور.
وعلى ذلك فبإمكانك أن تتعلم أحكام التجويد على التراخي وفي زمن العطلة، ولكن يجب عليك أن تقرأ القرآن بالتجويد ولو لم تكن تعلم الأحكام والقواعد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(2/1450)
حول الوقوف على كلمة (كلا)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الوقوف على كلمة كلا عند قراءة سورة التكاثر في الآيات الثلاث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي لقارئ القرآن أن يكون على دراية بأماكن الوقف في القرآن العظيم لما يترتب على ذلك من معرفة معانيه واستنباط أحكامه، ولهذا نقل عن السلف الصالح أنهم كانوا يتعلمون الأوقاف كما يتعلمون القرآن.
قال السيوطي في الإتقان: عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل:4] الترتيل: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. انتهى
وقد قسم العلماء الوقف في القرآن إلى أنواع ثلاثة: تام، وحسن، وقبيح.
فالتام: هو الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ولا يكون بعده ما يتعلق به؛ كقوله تعالى: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
والحسن: هو الذي يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده؛ كقوله تعالى: الْحَمْدُ لِله لأن الابتداء بـ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا يحسن لأنه صفة لما قبله.
أما القبيح: وهو الذي ليس بتامٍ ولا حسن كالوقف على بِسْمِ من قوله بِسْمِ اللهِ.
وبناء على هذا التقسيم فإنما سألت عنه من الوقوف على لفظة كَلاَّ في سورة التكاثر يدخل في الوقف غير الحسن. قال السيوطي: كلا في القرآن في ثلاثة وثلاثين موضعاً إلى أن قال: قال مكي: هي أربعة أقسام، ثم قال: والثالث ما لا يحسن الوقف عليها ولا يجوز الابتداء بها، بل توصل بما قبلها وبما بعدها وهو موضعان: في عم والتكاثر. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(2/1451)
الإظهار.. معناه.. وحروفه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بإعلامي عن حروف الإظهار في القرآن الكريم وكيفية إيجادها بين الآيات؟
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحروف الإظهار الحلقي ستة هي: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، وهي مجموعة في أوائل حروف هذه الكلمات: أخي هاك علماً حازه غير خاسر.
فإذا وُجدت هذه الأحرف بعد نون ساكنة أو تنوين في كلمة أو كلمتين، فعلى قارئ القرآن أن ينطق بالنون الساكنة ونون التنوين مظهرتين.
والإظهار هو: البيان والإيضاح، ومعناه في الاصطلاح إخراج الحرف المُظَهر (أي النون الساكنة أو التنوين) من مخرجه من غير غنة ولا إدغام ولا إخفاء.
وللمزيد من التفصيل راجع كتب التجويد، وشافه المشايخ القراء، فأحكام التجويد لا تؤخذ إلا مشافهة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1423(2/1452)
الإظهار الشفوي ... حروفه.. وأمثلته
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أمثلة على حروف الإظهار الشفوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل الحروف تظهر إظهاراً شفوياً إذا وقعت بعد الميم الساكنة ما عدا الباء، فحكمها الإخفاء الشفوي والميم فحكمها إدغام المثلين الصغير.
وأمثلة الإظهار الشفوي نحو قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) [البقرة:17] .
وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128] .
وقال تعالى: (عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة:7] .
وقال أيضاً: (حِينَ تُمْسُونَ) [الروم:17] .
وقال عز وجل: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21] .
وينبغي المبالغة في الإظهار لدى حرفي الواو والفاء حتى لا تدغم الميم في الواو أو تخفي الميم في الفاء مثل قوله تعالى: (عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:7] .
وقوله تعالى: (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ) [الأنفال:4] .
وقوله عز وجل: (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1423(2/1453)
المرأة مطالبة بمراعاة أحكام التلاوة كالرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة تجويد القرآن الكريم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمل:4)
وهذا خطاب موجه للرجال والنساء جميعاً، فالمرأة مأمورة بتحسين التلاوة وترتيبها ومراعاة أحكام التجويد كالرجل، إلا أنها لا ترفع صوتها بذلك أمام الأجانب، لما فيه من مظنة الافتتان بصوتها، ولكونها منهية عن الخضوع بالقول.
ولمعرفة حكم التجويد تنظر الفتوى رقم 1623
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1423(2/1454)
أصل المد ثابت بالنقل المتواتر وبالسنة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[من السلف من كان ينكر على حمزة المدود منهم أحمد كما يذكر ذلك الذهبي في سيره وابن كثير في بدايته فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يمدون هذه المدود المذكورة في كتب القراءات؟ أم هي اجتهاد محض من حمزة رحمه الله؟
أجيبونا بالمصادر والأدلة مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد أن نعلم أن الله قد تعهد بحفظ كتابه، حيث قال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] .
ولابد أن نعلم أيضاً أن القرآن وصل إلينا بالتواتر جيلاً عن جيل، وعبر هذا التواتر وصلتنا المدود وأحكام التجويد الأخرى، فهي ثابتة بالأسانيد المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العزة والجلال.
وقد روى سعيد بن منصور والطبراني عن مسعود بن يزيد الكندي قال: كان ابن مسعود يقرئ رجلاً فقرأ الرجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين مرسلة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: أقرأنيها: إنما الصدقات للفقراء والمساكين فمد.
قال السيوطي في الإتقان (1/257) : وهذا حديث حسن جليل وحجة ونص في الباب ورجال إسناده ثقات. فأصل المدِّ ثابت بالنقل المتواتر وبالسنة النبوية، ولكن حصلت هناك خلافات بين القراء في مقدار المدود وطولها وقصرها ونحو ذلك، والذي أنكره بعض السلف على حمزة -كما ذكر السائل- هو المبالغة في المدود لا أصل المد، فإنه متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1423(2/1455)
دلالة علامات الوقف على القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين علامة انتهاء الآية وبين "ق" في القرآن الكريم فكلاهما توجب الوقوف؟
... ... ... وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوقف على رؤوس الآي سنة عند جماعة من القراء، لحديث أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطِّع قراءته فيقول: (الحمد لله رب العالمين) ثم يقف، (الرحمن الرحيم) ثم يقف. وكان يقرأ (مالك يوم الدين) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
ولا يجب الوقوف عند رأس الآية باتفاق جميع القراء. وأما الوقف على العلامات الموجودة في المصحف كـ (قلي) و (صلي) أو (ق) أو (ص) وغيرها، فهو أمر اجتهادي اصطلاحي، وهذا هو الفرق بينه وبين الوقف على رؤوس الآي. وكلاهما لا يوجب الوقوف. وبيان ذلك أن العلامة (قلي) المثبتة في المصحف، هي علامة لجواز الوقف، مع كونه أولى من الوصل، وأما علامة الوقف اللازم فهي (م) أي يلزمك الوقوف في هذا الموضع، لأن الوصل يوهم معنى غير المراد.
ومن أمثلته: (فلا يحزنك قولهم) [يس:76] لأن الوصل يوهم أن جملة (إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) من مقول الكافرين، وليس كذلك.
والوقف عند قوله تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون) [الأنعام:36] لأن الوصل يوهم أن (الموتى) يشتركون مع الأحياء في الاستجابة. ثم يبتدئ القارئ بما بعده، يقرأ: (والموتى يبعثهم الله) قال ابن الجزري رحمه الله:
وليس في القرآن من وقف وجب ولا حرام غير ما له سبب
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1423(2/1456)
الاستعاذة في الصلاة أو لإرادة قراءة القرآن سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستعاذة والبسملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة سُنة، لقوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98] .
ولحديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة استفتح، ثم يقول: "أعوذ الله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
وصفة الاستعاذة أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وكله حسن، ويسرُ بالاستعاذة، ولا يجهر بها، وهذا عن الاستعاذة في الصلاة.
أما الاستعاذة خارج الصلاة، فلا نعلم خلافاً في مشروعيتها لمن أراد أن يقرأ، لقوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98] .
وأما عن حكم البسملة، فقد تقدم برقم: 1949، 5566
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1422(2/1457)
كلمات هاء الضمير التي يقصرها قالون
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال متعلق بأحكام التجويد..
هناك تسع كلمات تقريبا يلغى فيها مد الصلة (ى) ، فما هي هذه الكلمات وما حكمها على رواية قالون؟ ثم ماحكم هذه الكلمات بالنسبة لرواية حفص؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهاء الكناية أوهاء الضمير تشبع حركتها حتى يتولد منها حرف مد يناسب الحركة، إذا وقعت بين متحركين.
وقد تقصر هاء الضمير مع وقوعها بين متحركين، وقصرها يكون بالإتيان بحركتها مع عدم الإشباع.
وجاء قصر الهاء لبعض القراء - مع وقوعها بين متحركين- في تسع كلمات وهي: (يؤده) من قوله تعالى: (يؤده إليك) [آل عمران:75]
(نوله ونصله) من قوله تعالى: (نوله ما تولى ونصله جهنم) [النساء:115]
(نؤته) من قوله تعالى: نؤته منها [آل عمران:145] [الشورى:20] .
(فألقه) من قوله تعالى: فألقه إليهم ثم تولَ عنهم [النمل: 28]
(يتقه) من قوله تعالى: ويخشى الله ويتقه [النور:52]
(يأته) من قوله تعالى: ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات [طه:75]
(يرضه) من قوله تعالى: وإن تشكروا يرضه لكم [الزمر:7]
(أرجه) من قوله تعالى: قالوا أرجه وأخاه [الأعراف: 111] [الشعراء:36]
وهذه الكلمات التسع يقصرها قالون، وله في (يأته) الوجهان القصر والإشباع.
وأما حفص فإنه يشبعها جميعاً إلا في (فألقه- يتقه -يرضه- أرجه) فيقرأ (فألقه أرجه بسكون الهاء.
ويقرأ (يرضه) بقصرها، وله في (يتقه) الوجهان القصر والسكون وقد جمع الناظم -هذه الكلمات في قوله.
وسكن يؤده مع قوله ونصله ... ... ... ونؤته منها فاعتبر صافياً خلا
وعنهم وعن حفص فألقه ويتقه ... حمى صفوه قوم بخلف وأنهلا
وقل بسكون القاف والقصر حفصهم ... ويأته لدى طه بالإسكان يجتلا
وفي الكل قصر الهاء بان لسانه ... ... ... بخلف وفي طه بوجهين بجلا
وإسكان يرضه يمنه ليس طيب ... ... ... بخلفهما والقصر فاذكره نوفلا
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1422(2/1458)
الأربعة الذين أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بأخذ القرآن منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لكي تتحسن قرآءة المسلم لابد وأن يتبع السلف والصحابة في التجويد لذلك أسأل: من هم الأربعة الذين أمرنا الرسول بأخذ القرآن منهم بقوله عليه السلام (خذوا القرآن من أربعة) .
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الأربعة الذين أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة" رواه الترمذي. والحاكم في المستدرك عن ابن عمرو، وصححه السيوطي في الجامع الصغير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1459)
الوقف على آخر الكلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على أفضل النبيين وعلى آله وصحبه أجميعن الى يوم الدين.. أما بعد: السلام عليكم أيها الأخوة الكرام في الإيمان والإسلام.. السؤال: كيف تقرأ حركة الكسرة في أواخر الآيات؟ علما بأنه إذا لم تقرأ هذه الحركة فالمعنى يختلف! مثال (فاتقون) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في الوقف على أواخر الكلام أن يوقف عليها بالسكون كما أنه لا يبتدأ الكلام إلا بحرف متحرك.
وقد يحذف الحرف وتقوم الحركة مقامه وتدل عليه، كما حذفت الياء في الكلمة المذكورة في السؤال (فاتقون) وبقيت الكسرة دالة عليها.
ولا يختلف المعنى بحذف الياء وبقاء الكسرة دالة عليها ومن ثم تسكين الحرف عند الوقف عليه. إذ يدل على الضمير المحذوف سياق الكلام، ومنه يفهم السامع والتالي المعنى المراد، ومثال ذلك قوله تعالى: (وإياي فاتقون) [البقرة: 41] وقوله: (لكم دينكم ولي دينِ) [الكافرون: 6] وهكذا.
وإذا وقفت على الكلمة المكسور آخرها فلك أن تقف عليها بالسكون كما سبق ـ لأن السكون أصل الوقف - وهذا في حال قصر الكلمة وتوسطها وإشباعها أي في حال مدها حركتين أو أربع أو ست.
ولك كذلك أن تقف عليها بالروم في حال القصر فقط، والروم هو الإتيان ببعض حركة الكسر بصوت خفي بسمعه القريب دون البعيد. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1460)
من أحكام الوقف في التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نشكر لكم مجهوداتكم في خدمة الإسلام والمسلمين السؤال: ما حكم الوقف على الكلمات الآتية في القرآن الكريم: 1 ـ كلمة يك من قوله تعالى ((ألم يك نطفة)) 2 _ كلمة بالسو في قوله تعالى ((إن النفس لأمارة بالسو إلا ما رحم ربي)) علما بأن القراءة على رواية قالون عن نافع ولكم جزيل الشكر والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
اعلم أخي السائل أن علماء التجويد قسموا الوقف إلى أقسام منها: الوقف التام: وهو الوقف على كلمة لم تتعلق بما بعدها ولا بما قبلها لفظاً ولا معنى وأكثر ما يكون هذا النوع عند رؤوس الآي وانتهاء القصص ونحو ذلك. الوقف الكافي: وهو الوقف على كلمة لم يتعلق ما بعدها بها ولا بما قبلها لفظاً بل تعلق بها معنى فقط وهو كثير في الفوصل وغيرها. الوقف الحسن: وهو الوقف على ما تم في نفسه ولكنه تعلق بما بعده لفظاً ومعنى، ومثاله الوقف على (إلا هو) من قوله تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) [الأنعام: 17] فالوقف على إلا هو حسن ولكن الوصل أولى لترابط الجملتين. الوقف القبيح، وهو الوقف على ما لم يتم الكلام به ولا ينقطع عما بعده كالوقف على المبتدأ دون خبره أو على الفعل دون فاعله أو على الناصب دون منصوبه أو على كان دون اسمها أو على اسمها دون خبرها أو الوقف على المستثنى منه دون الاستثناء ونحو ذلك من الأمثلة، وبعض هذه الأنواع أقبح من بعض في الوقف، كالوقف على ما يوهم وصفاً لا يليق بذات الله تعالى كأن يقف على "يستحيي" من قوله تعالى: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً) فلا يجوز الوقف على هذه الكلمة إلا لضرورة كالسعال والخطأ في الآية وانقطاع في النفس، فإذا وقف القارئ لهذه الأعذار يعيد الكلمة التي وقف عليها إذا لم تغير المعنى، وإلا أعاد ما يحسن البدء به. وأما ما يتعلق باختلاف أئمة القراءات في الوقف والابتداء فقال السيوطي في كتاب الإتقان في علوم القرآن "لأئمة القراء مذاهب في الوقف والابتداء فنافع كان يراعي تجانسهما بحسب المعنى وابن كثير وحمزة حيث ينقطع النفس……..أهـ فعلمنا من هذا النقل أن الإمام نافع رحمه الله كان يراعي الوقف حيث يتم المعنى دون مراعاة رؤوس الآيات. والأفضل الوقف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها اتباعاً لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية كما رواه أبو داود والترمذي بإسناد حسن من حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وهو مذهب الإمام أبي عمرو الداني وكان يقول: هو أحب إلي. وأما ما سألت عنه من الآيتين آية سورة القيامة وآية سورة يوسف: فآية القيامة وهي قوله تعالى (ألم يك نطفة) فالوقف على قوله" يك" من الوقف القبيح لأنه من الوقف على (يك) دون خبرها وهو نطفة وقد بينا لك فيما سبق أن العلماء مثلوا للوقف القبيح بالوقف على كان دون اسمها أو مع اسمها دون خبرها ويك هذه أصلها يكون حذفت نونها تخفيفاً وحذفت الواو لأجل الجازم فهي مضارع كان فهي مما تصرف من كان ونطفة خبرها. فلا يقف عليها إلا اختبارا أو اضطرارا فإذا وقف القارئ على "يك" اضطراراً واختباراً فإنه يقف عليها بالكاف ولا يرد النون المحذوفة لأن الوقف على حسب المرسوم إلا في مسائل قليلة مستثناة قال ابن بري في الدرر اللوامع:-
فصل متبعاً متى تقف ... سنن ما أثبت رسماً أو حذف
وأما الآية الثانية وهي آية سورة يوسف وهي قوله تعالى: (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) فأنت سألت عن حكم الوقف على لفظة بالسوء من الآية. وهذا الوقف من الوقف على المستثنى منه دون المستثنى. لكن ينبغي أن تعلم أن الاستثناء هنا منقطع على مذهب جماهير المفسرين كما نقله ابن عطية من تفسيره، وبعضهم يرى أن الاستثناء متصل. فعلى أن الاستثناء منقطع ننقل لك ما قاله السيوطي في الإتقان: قال " الوقف على المستثنى منه دون المستثنى إن كان منقطعاً –كهذه الآية- فيه مذاهب: الجواز مطلقاً لأنه في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه، والمنع مطلقاً لاحتياجه إلى ما قبله لفظا…..الخ وبناء على هذا النقل فمن العلماء من يرى جواز الوقف على كلمة (بالسوء) ومنهم من يرى المنع من ذلك فالمسألة فيها خلاف، فإذا وقفت عليها فإنك تقف على الهمزة لزوال موجب الإبدال عند الوقف. . وههنا ملاحظة وهي أن وقوفك على هاتين الكلمتين اللتين سألت عنهما إن كان للضرورة كانقطاع النفس أو غلبة السعال أو الخطأ في الآية فلا حرج فيه، لكن عليك أن تعود إلى الكلمة التي وقفت عليها إن لم يتغير المعنى، أو تعود إلى ما يحسن البدء عليه من الكلام. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1422(2/1461)
تتميز الحروف في القرآن عن بعضها بمخارجها وصفاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبيه الكريم. ... السؤال: لقد تبين أن نطق بعض الحروف قد تغير كثيرا كمثل القاف والطاء الذين كانا صوتين مجهورين وصارا مهموسين أو غيرها من الحروف التي اختلف النحاة في تحديد خصائصها كمثل الضاد والجيم. ما تأثيرذلك على تلاوتنا اليوم للقرآن الكريم وهل يجوز التمادي في همس حرف من القرآن نحن نعرف أنه مهموس مثلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
إن الصفات الذاتية للحروف، كصفة الجهر للقاف والطاء مثلاً هي صفات لا تنقل عن الحرف ولا تنقلب إلى ضدها. ولقد بين لنا أهل اللغة والقراءة أن الحروف تتميز عن بعضها بمخارجها وصفاتها. ولا خلاف في أن الجيم تخرج من وسط اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى. ولا خلاف كذلك أن الصاد تخرج من حافة اللسان مع ما يحاذيها من الأضراس العليا. فهذا من ناحية المخرج، فإن خرج الحرف من مخرج غيره انقلب إلى حرف آخر ولا شك في حرمة هذا إن قرأ به القارئ كتابَ الله. ومن الصفات المميزة لحرف الضاد عن غيره صفة الاستطالة ومعناها في اللغة: الامتداد، وفي الاصطلاح: امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى نهاية مخرج الضاد. فإن ازدادت صفة الاستطالة عن مخرج الضاد حتى تصل إلى الثنايا تنقلب الضاد ظاءً، ويعد ذلك لحنا جلياً لو قرأ به القارئ مثل قوله تعالى: (ولا الضالين) فلو قرأها وزاد في صفة الاستطالة لأصبحت (ولا الظالين) ومعناها الدائمين المستمرين لأنها من ظل والمعنى غير مراد لأن الأُولى من ضل. وقد قال ابن الجرزي رحمه الله: والضاد باستطالة ومخرج ... ميِّز من الظاء............. وإذا تأملنا حرف النون فنجد أن النون حرف مجهور متوسط بين الرخاوة والشدة، وليس من صفاته القلقلة. فمن أحدث صفة القلقلة في ذلك الحرف كما في (أنعمت) مثلاً فإن ذلك يعد لحناً خفياً لأن النون لم تقلب إلى حرف آخر. وأما المبالغة في همس حرفٍ ما كالتاء مثلا، فإن أدت هذه المبالغة إلى زيادة صفة الصفير حتى أشبهت حرف السين كقوله (انفطرتس) بدلاً من (انفطرت) فهذا لحن جلي، وإن لم يصل الحرف فالأصل في القراءة عدم التكلف. ومما تقدم يتبين لنا أن تأثير ذلك التغيير يتوقف على كونه يغير الحرف أم لا. فإن كان يغير الحرف إلى حرف آخر مثل أن يقلب الدال تاء لأن الدال مجهور والتاء مهموس فهذا حرام يأثم به القارئ، وإن لم يغير الحرف فيكون مكروها. ولا يصح المبالغة في إظهار صفة معينة للحرف وإن لم يؤد إلى تغييره لأن الأصل في القراءة عدم التكلف وللحروف موازين تعرف بها كما أشار إلى ذلك الإمام السخاوي في منظمومته بقوله: وللحرف ميزان فلا تك طاغياً فيه ولاتك مخسر الميزان هذا والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1462)
حكم البسملة في بداية القراءة.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم البسملة إذا بدأ القراءة من منتصف السورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا بدأ القارئ القراءة من منتصف السورة فهو مخير بين الإتيان بالبسملة وعدمه، كما نص على ذلك علماء القراءة. قال الإمام الشاطبي رحمه الله
ولابُد منها في ابتدائك سورةً سواها، وفي الأجزاء خيِّر من تلا
وقوله: (سواها) أي: سوى سورة براءة.
وقوله: (وفي الأجزاء) : أي في أجزاء السورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1422(2/1463)
تجويد القرآن واجب على المستطيع في الصلاة وخارجها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليك فضيلة الشيخ هل المسلم ملزم بأن يجود قراءة القرآن في أثناء الصلاة وفي خارج الصلاة (أي: عندما يريد أن يقرأ القرآن من المصحف) ؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فالمسلم كتابه الذي يتلوه ويتغنى به ويقضي وقته معه هو القرآن الكريم.
والله تعالى يقول في كتابه: (ورتل القرآن ترتيلاً) . [المزمل: 4] ، وكلما كانت القراءة مرتلة ومجوَّدة كلما كانت أخشع للقلب وأسرع للفهم وأجلب للسكينة أما القراءة السريعة وغير المجوَّدة التي يقصد منها غالباً الانتهاء من مقطع معين أو سورة أو جزء. فقد ورد نهي السلف عن فعل مثل هذا الأمر كما نقل ذلك عن ابن مسعود.
وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته كانت مدَّاً يمد الحروف ويحسنها حتى قالت عائشة: لربما قرأ السورة القصيرة حتى يظن أنها أطول مما هي عليه.
ولكن لو قرأ الشخص القرآن بالحدر مع مراعاة أحكام التجويد فلا حرج عليه إن شاء الله كما يفعل من أراد القراءة أو المراجعة في غير الصلاة.
مع العلم بأن مراعاة أحكام التجويد واجبة في القراءة أخذاً بقوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل:4] .
وهو قول جماعة من العلماء.
قال الإمام ابن الجزري والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم.
والله أعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1421(2/1464)
حكم المداومة على قراءة سورة الكهف في فجر وعشاء الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أصلي بالناس ـ صلاة الصبح وصلاة العشاء ـ في يوم الجمعة أقرأ دائماً من سورة الكهف، فهل في هذا شيء؟ وهل هوبدعة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أن قراءة سورة الكهف مشروعة يوم الجمعة، وانظر لذلك الفتوى رقم: 604.
وأما قراءتها في صلاة الفجر والعشاء والمواظبة على ذلك فلا نعلم دليلاً على مشروعيته، والمستحب أن يقرأ في فجر الجمعة سورة السجدة، وهل أتى على الإنسان، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، والمستحب أن يقرأ في العشاء بالسور التي وقت النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ أن يقرأ بها بأصحابه، كسورة: والسماء والطارق، وسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها ونحوها من السور، ومن قرأ بغير ذلك أجزأه.
ولكن المداومة على قراءة سورة معينة في وقت معين على هيئة توهم أن هذا سنة، يخشى أن يكون داخلاً في حد البدعة، وانظر في ذلك الفتويين رقم: 6849، ورقم: 54397.
ومن ثم فنحن ننصحك بترك المداومة على ما تفعله من قراءة سورة الكهف في الفجر والعشاء من يوم الجمعة، وعليك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أحسن الهدي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(2/1465)
محل جواز تلاوة سورة معينة والدعاء بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[من خواص سورة الضحى، يا شيخنا هذا الموضوع لقيته في المنتدى وأحس أن فيه بدعة. أرجو منكم إفادتي وجزاكم الله خيرا.
جاء في خواص القرآن أن من قرأ سورة والضحى، سبع مرات عند طلوع الشمس، وعند غروبها، لم يضع له ضائع، ولا يهرب هارب، ولا يسرق من بيته، ولا يقع فى بيته فساد، ولا يدخله وباء ولا طاعون، وكل سارق أو طارق يقرب من بيته بليل يجد على بيته سوراً من حديد ولا يجد لمنزله سبيلاً.
وعن زين الدين البكري رحمه الله تعالى أن من داوم على قراءة سورة: والضحى. أربعين يوماً كل يوم أربعين مرة ثم يقرأ بعد فراغه من السورة:
اللهم يا غني يا مغني، أغنني غنى لا أخاف بعده فقراً، واهدني فإني ضال، وعلمني فإني جاهل.أرسل الله تعالى من يعلمه الحكمة في نومه أو يقظته بحسب اجتهاده واستعداده.
دعاء صلاة الضحى:
تقرأ سورة الضحى ثم تقول: اللهم إن الضحاء ضحاؤك، والبهاء بهاؤك، والجمال جمالك، والقوة قوتك والقدرة قدرتك.
اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيداً فقربه، وإن كان قريباً فيسره، وإن كان حراماً فطهره، وإن كان قليلاً فكثره، وإن كان كثيراً فبارك لي فيه بحق ضحائك وبهائك، وجمالك وقوتك وقدرتك، ائتني ما أتيت به عبادك الصالحين يا رب العالمين.آمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أغلب ما يذكر في خواص القرآن مبني على التجارب، والأصل جواز العمل بتلاوة سورة والدعاء بعدها.
إلا أن الالتزام بتكرارها بعدد معين، أو في وقت معين لا ينبغي، لأن الالتزام بما لم يحدده الشرع يعتبر من البدع الإضافية.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 105763، 114778، 98517، 98362، 114170، 59828.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1430(2/1466)
هل يشرع قراءة سورة الفتح بنية نصر المجاهدين
[السُّؤَالُ]
ـ[قراءة سورة الفتح بنية نصرة المجاهدين، هل لذلك أصل؟ فقد كثرت مؤخرا رسائل على الجوال وفي المنتديات على الشبكة العنكبوتية تطلب قراءة سورة الفتح بنية نصرة إخواننا المضطهدين في غزة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر في أن السلف كانوا يقرؤون سورة الفتح للنصر، ولا شك أن للقران عموما ولهذه السورة على الخصوص فضلا عظيما، فقد ورى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ: إنا فتحنا لك فتحا مبينا.
وعلى العموم، فإن دعاء الله تعالى بأسمائه وتلاوة كتابه والتوسل بذلك لإجابة الدعاء وقضاء الحوائج مشروع أصلا، وليس فيه إلا الخير، لكن الدعوة إلى شيء لم يرد له دليل من الكتاب ولا من السنة وتعميم ذلك على الناس هو من البدع التي يجب الابتعاد عنها، فإن مبنى العبادة على التوقيف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1430(2/1467)
هل يشرع قراءة سورة الفرقان فجر كل جمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن سورة الفرقان من السنة قراءتها كل فجر جمعة فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من السنة تخصيص سورة الفرقان بالقراءة في صلاة فجر يوم الجمعة، وإنما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة بسورتي السجدة والإنسان، جاء في صحيح البخاري: كان النبي صلى الله عليه وسلم: يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر ألم تنزيل وهل أتى الإنسان.
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 9929، والفتوى رقم: 37992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(2/1468)
حكم قراءة القرآن جماعة بعد صلاتي الصبح والمغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في المغرب يقرأ الحزب جماعة دبر صلاة الصبح والمغرب، فهل هذا ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما حكم القراءة مع الجماعة بنية الحفظ؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقراءة الحزب جماعة بعد صلاة الصبح والمغرب لم تثبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد القرون المزكاة بعده، وعليه فالمواظبة على تلك القراءة بعد الصبح والعصر بخصوصهما مع اعتقاد سنية ذلك يدخل في البدع الإضافية، فينبغي تركه، وحفظ القرآن يمكن تحصيله مع السلامة من الوقوع في الابتداع.
وقراءة القرآن جماعة لها صور متعددة بعضها مستحب وبعضها قد قال بكراهته بعض أهل العلم، وراجع التفصيل في ذلك في الفتوى رقم: 53947، والفتوى المحال عليها فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1429(2/1469)
حكم تخصيص قراءة آيات معينة لأسباب معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تخصيص قراءة آيات قرآنية معينة لأسباب مثل: تهدئة الطفل - لمن يريد أخا لابنه الوحيد - لتسخير العامل - لإيقاف النزيف؟ وهل يأثم من عمل بها متيقنا ومعتقدا بصحة مفعولها؟ وما النصيحة لمن يدعو إلى العمل بها ويرشد الناس إليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لمن أراد الحصول على أمر معين أن يدعو الله لذلك ولعله لو قدم بين يدي دعائه شيئا من الأعمال الصالحة كقراءة القرآن والذكر والصلاة والصدقة ونحو ذلك، فإن ذلك أحرى في استجابة الدعاء.
وقراءة القرآن من أعظم العبادات وأجل القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى.
وأما تخصيص قراءة آيات قرآنية معينة لأسباب مثل: تهدئة الطفل أو تسخير العامل أو إيقاف النزيف ... فإنه لم يوجد له أصل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل أن تخصيص الآيات للأغراض المعينة لا يثبت إلا عن طريق الوحي كما أوضحنا في فتوانا السابقة رقم: 62517.
وإذا تقرر ذلك، فإن مثل هذا الفعل يدخل في ضابط البدعة الإضافية كما تقدم في الفتوى رقم: 631.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(2/1470)
حكم قراءة سورة الإخلاص ليلة الخميس إحدى عشرة مرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد شاعت عندنا منذ القدم عادة لا أدري إن كان لها أصل في السنة أم لا، ألا وهي أن هناك الكثير من الناس يقرؤون ليلة الخميس عقب صلاة العشاء سورة الفاتحة ومعها 11 مرة من سورة الإخلاص ويطلقون على هذه العادة اسم الفدوى, حيث يقولون بعد القراءة, اللهم اجعل ثواب ما قرأت وبركات ما تلوت هدية مني إلى ضريح فلان ابن فلانة اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، نرجو منكم جزاكم الله خيراً أن تبينوا لنا هل هناك دليل من السنة في هذا أم أنها مجرد بدعة؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة الإخلاص إحدى عشرة مرة للأموات ورد فيها حديث موضوع كما قال الشيخ الألباني، وعليه فالقراءة لها مساء الخميس وإهداؤها للموتى ليس من السنة، وراجع الفتوى رقم: 67207.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(2/1471)
حكم المواظبة على قراءة سورتي الملك والكهف في صلاة الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[معلوم أنه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة سورة الملك كل ليلة وأنها تمنع عذاب القبر, وكذلك قراءة سورة الكهف ليلة أو يوم الجمعة؛ وسؤالي هو: من كان له عادة قيام الليل فهل له أن يجعل من قيامه يوميا ركعتين أو ركعة يقرأ فيها دائما سورة الملك, وفي ليلة الجمعة أيضا يجعل دائما هناك ركعتان يقرأ فيهما سورة الكهف؛ ويكون ذلك ضمن ما يصلي فى ليلته، فهل المداومة على ذلك وفعله يمكن أن يدخل الشخص في البدعة أم أنه جائز وخير إن شاء الله؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقراءة سورة الملك سبب للنجاة من عذاب القبر كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح المذكور في الفتوى رقم: 45019.
ومن السنة المواظبة على قراءتها قبل النوم كل ليلة وكذلك سورة الكهف تستحب قراءتها في ليلة الجمعة أو يومها، ولم نقف على دليل على ثبوت قراءة هاتين السورتين خاصة ضمن قيام الليل وإن كان ذلك لا بأس به إذا حصل من غير قصد تحديد ذلك الوقت بعينه، لكن إذا داوم الشخص على قراءتهما في هذا الوقت بعينه وعلى تلك الحالة معتقداً سنية ذلك فهذا يعتبر داخلاً في ضابط البدعة الإضافية، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 67866، 10977، 631.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1428(2/1472)
حكم قراءة سورة الكهف جهرا في جماعة يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة سورة الكهف جهراً وجماعة في المسجد يوم الجمعة؟ جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقراءة سورة الجمعة مستحبة في ليلة الجمعة ويومها كما تقدم ذلك في الفتوى رقم: 10977.
لكن المداومة على قراءتها في جماعة جهراً قبل صلاة الجمعة مع اعتقاد سنية ذلك يعتبر داخلاً في ضابط البدعة الإضافية، وراجع الفتوى رقم: 53947.
هذا إضافة إلى المحاذير المترتبة على هذا الأمر من التشويش على من يريد الصلاة ورفع الصوت على القارئين وغير ذلك مما هو مذكور في الفتوى رقم: 49188.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(2/1473)
حكم قراءة القرآن في المناسبات لأجل العطايا
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في البادية أثناء المناسبات مثلا كالعقيقة يحضرون قراءً يقرؤون جماعة القرآن ويأخذون المال أثناء المجلس ومن أعطاهم دعوا له باسمه أمام الحضور مع ما فيه من الرياء.
فهل هذا يجوز؟ وماذا إذا دعيت إلى تلك المناسبة وفيها ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 27933، حكم القراءة بصورة جماعية مع بيان أقوال أهل العلم في ذلك، وذكرنا أن أكثر أهل العلم لا يرون بأسا بقراءة القرآن بصورة جماعية ما عدا بعض الحالات التي اختلفوا فيها بين قائل بالكراهة وقائل بالجواز أو الاستحباب؛ كما هو موضح في الفتوى المشار إليها، ومع أن أخذ الأجرة على مجرد القراءة مختلف في جوازه بين أهل العلم أيضا؛ كما تقدم في الفتوى رقم: 68314، إلا أن من الواضح أن ما يقوم به هؤلاء القراء من أخذ العطايا مقابل تلاوة الآيات والدعاء لا يليق بالقرآن ولا بحملته، حيث يجعلون تلاوته محض وسيلة لأخذ حطام الدنيا في المجامع والمناسبات، فمن أعطاهم دعوا له، ومن لم يعطهم لم يدعوا له، لذا فلا ينبغي حضور هذه المجالس التي يجعل فيها القرآن مجرد وسيلة لسؤال الناس، قال النووي رحمه الله تعالى في التبيان في آداب حملة القرآن: ومن أهم ما يؤثر به أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يكتسب بها، فقد جاء عن عبد الرحمن بن شبيل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه. وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآن من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه. رواه بمعناه من رواية سهل بن سعد: معناه يتعجلون أجره إما بمال وإما سمعة ونحوها. انتهى.
والحديث الأول رواه ابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني، والثاني رواه ابن أبي شيبة أيضا وأبو يعلى وغيرهما وحسنه الألباني في صحيح الجامع، وقد قدمنا في الفتوى رقم: 11701، أن الذي نراه أن قراءة القرآن في مثل هذه المناسبات من البدع أيضا، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 24295.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1427(2/1474)
فتاوى حول الاجتماع لقراءة القرآن للميت
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في ليبيا يقوم أهل الميت أي أولاده من وقت لآخر بدعوة أهل الذكر لتلاوة القرآن الكريم والذكر والتسبيح لله سبحانه وتعالى بقصد إحياء تلك الليلة وتقديم الطعام والشراب وخصوصاً في هذا الشهر الكريم لهؤلاء المدعوين في بيت أبناء الميت، فسؤالي هو: هل تصل هذه التلاوة والذكر إلى الميت أم لا، أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في عدة فتاوى أن الاجتماع لقراءة القرآن للميت أمر محدث وبدعة، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، فانظري لذلك الفتوى رقم: 29940 عند سؤال ورد من نفس بلد السائلة (ليبيا) وعن نفس الموضوع، والفتوى رقم: 67265، والفتوى رقم: 32355.
وأما قراءة القرآن من غير اجتماع لذلك وإهداء ثوابه للميت فقد اختلف أهل العلم في وصول ثوابه للميت وقد بينا أقوالهم والراجح من ذلك في الفتوى رقم: 5541.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(2/1475)
حكم المداومة على قراءة سورة الجمعة بعد صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز قراءة سورة الجمعة بعد صلاة الجمعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن للمسلم أن يقرأ من كتاب الله تعالى ما يشاء في أي وقت شاء، ولكن لا يشرع له أن يتخذ قراءة سورة معينة في وقت ويعتبر ذلك سنة ما لم يرد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم تخصيص قراءة سورة الجمعة في يومها، ولكن الذي ورد هو تخصيص قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 27666.
وعليه فيجوز قراءة السورة المذكورة في يوم الجمعة وغيرها، لكن لا ينبغي أن يتخذ ذلك عادة ولا أن يعتبره القارئ سنة، وإلا كان فعله داخلاً في البدعة الإضافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1427(2/1476)
قراءة سورة الجمعة في صلاة العشاء من ليلة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نسأل الله أن يرزقكم حسن الخاتمة على هذا الجهد وطبتم وطاب مسعاكم وتبوأتم من الجنة منزلا، أما بعد:
سؤالي هو: أن كثيرا من الأئمة عندنا يقرؤون سورة الجمعة في صلاة العشاء يوم الخميس يكاد يكون معتادا بكثرة، سؤالي هو: هل دلت السنه على شيء من هذا القبيل بحيث تكون المداومة عليها سنة وما جزاء من يقوم بهذا، وهل هو جائز إذا لم يكن سنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على قراءة السورة المذكورة في صلاة العشاء ليلة الجمعة، وقد سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 41458، أن المواظبة على شيء لم يواظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف الأولى، بل قد يصل إلى حد البدعة إذا اعتقد أنه من السنة، وعليه فينبغي لمن يواظب على قراءة السورة المذكورة أن يقرأها مرة ويقرأ غيرها في بعض الأحيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1427(2/1477)
قراءة القرآن في المآتم
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال بسيط: جدي رجل كبير وهو صاحب صوت جميل في القرآن ولا يستطيع أن يعمل أي عمل فيلجأ إلى قراءة القرآن في المآتم مع علمه بأنها بدعة كي يحصل على مال يعيش به وهو مؤذن مسجد وراتب الأذان بسيط لا يكفيه فما حكم عمله؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة القرآن الكريم في المآتم وسرادق العزاء من البدع، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 59717، فتراجع، وإذا تقرر أن فعل ذلك بدعة فإنه لا يجوز لهذا القارئ أن يفعل ذلك بحجة حاجته إلى المال وقلة ذات يده، فإن ما عند الله تعالى من الرزق لا يطلب بمعصيته كما في الحديث: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم والطبراني وغيرهما.
فاكتساب الرزق بهذه الأعمال المبتدعة من المنكرات التي أولى الناس وأحقهم بهجرها أهل القرآن، فعلى أهل القرآن أن يبرهنوا على صدق توكلهم على الله عز وجل، وأن ينزلوا على أحكام القرآن في شؤونهم كلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1427(2/1478)
قراءة القرآن قبل أذان الجمعة بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في قريتنا أربعة مساجد تقام فيها صلاة الجمعة، ثلاثة منها يقرأ فيها القرآن قبل الأذان بنصف ساعة والمسجد الرابع لا يقرأ فيه القرآن قبل الأذان بل يقتصر على أذانين بين كل أذان والآخر نصف ساعة، ففي أي المساجد تنصحوننا أن نصلي صلاة الجمعة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 16072، والفتوى رقم: 49188، أنه لا ينبغي رفع الصوت بالقراءة في المساجد لما يترتب على ذلك من التشويش على المصلين والقارئين من أهل المسجد، وهو أمر منهي عنه ولأنه فعل لم يعهد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه الراشدين، ولو حصل لنقل إلينا كما نقل غيره من الأعمال يوم الجمعة.
وعليه، فإن الأولى -والله أعلم- أن تصلوا في المسجد الذي لا يرفع فيه الصوت قبل الصلاة إذا كنتم تتأذون بذلك التشويش، ولو صليتم في المساجد الأخرى فإن الصلاة صحيحة وأنتم مأجورون إن شاء الله على كل حال، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 37093.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1427(2/1479)
الاجتماع لقراءة سورة الأنعام لقضاء الحاجات
[السُّؤَالُ]
ـ[دأبت صديقاتي على الاجتماع لقراءة سورة الأنعام على نية الشفاء أو قضاء الحاجات وهم يقرؤن بصوت عال معاً ثم يدعون معاً فهل هذا جائز أو له أساس بالدين، وشكراً. ... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لم يثبت شيء في تخصيص سورة الأنعام أنها تقرأ لقضاء الحاجات ولا عمل السلف بذلك، وأما الاجتماع للقراءة ففيه تفصيل سبق لنا بيانه في الفتوى رقم: 28859، والفتوى رقم: 18905، والفتوى رقم: 47704، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 32981 / 70548 / 54646 / 52957 / 49953 / 69805 / 32655.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1427(2/1480)
حكم قراءة سورة البقرة بعدد معين
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من صديقة لي أن من يقرأ سورة البقرة 40 ليلة متتالية وفي نفس المكان سخّر له الله ملائكة يسبّحون له كلّما جلس في ذلك المكان. أرجو منكم أن تنوّروني هل هذا صحيح أم لا وإن كان صحيحا كيف لي أن أقرأ في فترة الحيض. وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته صديقتك لم نقف على ما يدل على ثبوته, وبالتالي فقراءة سورة البقرة بعدد معين من غير دليل شرعي يحدد ذلك يعتبر داخلا في البدعة الإضافية؛ كما تقدم في الفتوى رقم: 631.
وعليه، فينبغي البعد عن ذلك والاقتصار على قراءة سورة البقرة من غير تحديد عدد من المرات، فقد ثبت الترغيب في تلاوتها لما يترتب عليه من إبعاد الشياطين عن البيت الذي تقرأ فيه. وراجعي الفتوى رقم: 41576، والفتوى رقم: 5256، والمرأة الحائض يجوز لها أن تقرأ ما شاءت من القرآن لكن لا تمس المصحف. وراجعي ايضا الفتوى رقم: 36329.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1427(2/1481)
حكم تكرار قراءة سورة يس يوميا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله:
أقرأ سورة يس يوميا بعد قراءة ما تيسر من القرآن فهل هذا يعتبر بدعة؟ وهل أستمر في قراءتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تلاوة القرآن عبادة عظيمة لأن القارئ يحصل على عشر حسنات بقراءة الحرف الواحد منه، لكن لا ينبغي للمسلم التزام قراءة سورة معينة في وقت مخصوص مع اعتقاد خصوصية شرعية لذلك الفعل بدون دليل شرعي يدل لذلك لأن هذا داخل في ضابط البدعة الإضافية كما تقدم في الفتوى رقم: 631، والمواظبة على قراءة سورة يس كل يوم لم يثبت دليل شرعي يدل عليها، وكل ما ورد من أحاديث للترغيب في قراءتها فهو ضعيف كما تقدم في الفتوى رقم: 9909، والفتوى رقم: 7008.
ولكن اجتهد في الإكثار من تلاوة القرآن ما استطعت ففي ذلك ثواب عظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1427(2/1482)
استفتاح المناسبات بالقرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استفتاح مجالس المناسبات كالزواج بالقرآن الكريم وهل ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح عقد النكاح بخطبة تشتمل على بعض الآيات القرآنية كما قدمنا في الفتوى رقم: 12788، فإن افتتح بالقرآن قصد تذكيرالناس وترغيبهم وتعليمهم وإنذارهم بالوحي في مناسبة ما فيقصد العالم إفادة الحاضرين بسبب اجتماعهم فلا حرج في ذلك، فكثير ما يذكر كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لقي قوما قرأ عليهم من القرآن، إلا أنه لا ينبغي أخذ قارئ يؤجر على قراءة القرآن في المحافل، ولا تنبغي كذلك القراءة الجماعية بالطريقة المحدثة المعروفة، ولا أخذ سورة واحدة لا يقرأ غيرها، وأما قراءة أحد الحاضرين آيات للتبرك بالقرآن أو للافتتاح به فالظاهر أنه لا حرج فيه ما لم يؤد الأمر لاعتقاد أنه ضروري لا يصح النكاح أو الاجتماع بدون قراءته.
ثم إننا ننصح بعدم المداومة على قراءة القرآن في المناسبات لأن إدامة فعل لم تثبت مشروعية إدامته يخاف على صاحبه من الوقوع في البدع الإضافية، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 36989، 43323، 11701، 17309.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1427(2/1483)
القراءة بصوت واحد وتفريق السكر على الحضور
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: هنا في بلدي هناك عادة تسمى بحزب اللطيف حيث إن من يشتري منزلا أو أي شيء يأتي بمجموعة من الشيوخ يقرؤون بصوت واحد القرآن ويضعون أمامهم السكر ثم بعد الانتهاء يفرقون السكر على الحضور كبركة، هل هذه بدعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه كان يختم القرآن إذا اشترى منزلا جديدا أو أي شيء آخر.
والاجتماع لقراءة القرآن إذا اتخذ سنة راتبة، أو كان بهيئة معينة وكيفية لم يرد لها دليل في الشرع، فإن أهل العلم عدوه من البدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن إذا لم يتخذ سنة راتبة ولا اقترن به منكر من بدعة. انتهى
وقال الإمام الشاطبي: ومنها ــ أي البدعة الإضافية ـ التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ... ومنها التزام العبادة المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة. انتهى
وعليه فما ذكرت أنه يفعل من هذا الأمر بالكيفية التي بينت من إحضار الشيوخ وقراءتهم القرآن بصوت واحد ووضع السكر أمامهم، ثم بعد الانتهاء يفرق على الحضور فإنه بدعة في الدين لم يرد لها دليل، وعلى المسلم أن يبتعد عن مثلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1427(2/1484)
قراءة سورة يس لتيسير الزواج من شخص معين
[السُّؤَالُ]
ـ[أكثر هذه الأيام من المداومة على قراءة يس والدعاء بأن يجعل لي الله نصيبا مع شخص معين بالزواج، مع العلم بأنه قد تقدم لي فعلا وحدث فجأة دون أسباب تذكر انفصال ولم تتم الخطبة، ولكنني لازلت أطلبه من الله زوجا لي، فهل هذا حرام أو فيه معارضة لإرادة الله، فأنا أطلب الستر معه، وهل لكم أن تدلوني على الطريقة الصحيحة لقراءة سورة يس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة سورة يس بهذه الطريقة بدعة محدثة وعليك أن تتجنبيها، وقد سبق بيان حكم قراءة يس وما ورد فيها في الفتوى رقم: 23230 ونرجو أن تطلعي عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
ويجوز لك شرعاً أن تكثري من الدعاء أن يزوجك الله تعالى من الشخص المشار إليه ما دمت تظنين فيه الخير وتطمئنين إلى دينه وخلقه. والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى والمحافظة على فرائضه وعمل المستطاع من أعمال البر أن تسألي الله تعالى أن ييسر لك ما فيه الخير لك في الدنيا والآخرة وأن يرزقك الزوج الصالح دون تخصيص شخص معين. ونرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 40500.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1426(2/1485)
قراءة الفاتحة عقب قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف حكم قول بعض الناس بعد قراءة القرآن الفاتحة، هل هذه بدعة اصطنعوها أم هي من الشريعة أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله الخير كله في الدنيا والآخرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال غير واضح تماماً ولكن إن كان المقصود قراءة الفاتحة بعد ختم القرآن، ففي سنن الترمذي والدارمي وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أحب إلى الله، قال: الحال المرتحل، قال: وما الحال المرتحل، قال: الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل. وهذا الحديث ضعفه أهل العلم بالحديث.
ومع ذلك فقد فهم منه بعض أهل العلم والقراء أن المراد منه قراءة الفاتحة وآيات من أول البقرة عند الختم، وعملوا بهذا، قال في تحفة الأحوذي لشرح سنن الترمذي: قال الجزري في النهاية هو الذي يختم القرآن بتلاوته ثم يفتتح التلاوة من أوله، شبهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحل فيه ثم يفتتح سيره أي يبتدئه وكذلك قراء مكة إذا ختموا القرآن ابتدؤوا وقرؤوا الفاتحة وخمس آيات من أول البقرة.... إلى آخر كلامه.
وقد فند هذا الفهم وهذا العمل بعض أهل العلم وقالوا: إنه بدعة محدثة وإن المراد بالحديث غير هذا.
قال ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين: وفي الترمذي عنه أنه سئل صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الحال المرتحل وفهم بعضهم من هذا أنه إذا فرغ من ختم القرآن قرأ فاتحة الكتاب وثلاث آيات من سورة البقرة لأنه حل بالفراغ وارتحل بالشروع وهذا لم يفعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا استحبه أحد من الأئمة والمراد بالحديث الذي كلما حلَّ من غزوة ارتحل في أخرى أو كلما حل من عمل ارتحل إلى غيره تكميلا له كما كمل الأول.
وأما هذا الذي يفعله بعض القراء فليس مراد الحديث قطعاً. وبالله التوفيق. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1426(2/1486)
قراءة النساء القرآن في جماعة واستماع الرجال لهن
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو كالتالي: نحن في المغرب نقرأ برواية ورش ونقرأ القرآن جماعة، فما حكم قراءة النساء جماعة والرجال يسمعونهن؟
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم قراءة القرآن جماعة في الفتوى رقم: 27933.
وأما قراءة القرآن للمرأة بحيث يسمعه الرجل الأجنبي فمكروه كما بيناه في الفتوى رقم: 24898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1426(2/1487)
قراءة القرآن في بيت العزاء وقراءة سورة يس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة القرآن في بيت العزاء وعلى الميت؟
ما حكم قراءة سورة يس على الميت وفي المقبرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة القرآن في بيت العزاء والتجمع لذلك من البدع المحدثة التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم، ولهذا فينبغي للمسلمين أن يتجنبوا التجمع في بيت العزاء وقراءة القرآن وما أشبه ذلك من البدع المحدثة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وفي رواية: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. رواه البخاري ومسلم.
أما أن يقرأ المسلم القرآن ويهدي ثوابه إلى الميت فهذا لا مانع منه، وقد نص أهل العلم على أن الثواب يصل إلى الميت المسلم لعموم الأدلة الواردة في وصول ثواب الأعمال إلى الموتى، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 2288 / 3406.
وأما قراءة سورة يس على الميت فقد ورد فيها حديث رواه أبو داود وابن حبان وأحمد.
ولكن أهل العمل بالحديث ضعفوه، ولهذا فإن الكثير من أهل العلم لم يعملوا به وخاصة الإمام مالك.
وذهب بعضهم إلى العمل به فاستحب قراءة يس عند رأس المحتضر، قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وأرخص بعضهم في القراءة عند رأسه بسورة يس. للحديث المذكور، ثم قال: ولم يكن ذلك عند مالك أمراً معمولا به لضعف الحديث أو عدم بلوغه إليه.
أما القراءة في المقبرة فالراجح عند أهل العلم كراهتها، ولا مانع من القراءة في أي مكان وإهداء ثوابها للميت كما تقدم.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين: 12197 / 45847 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(2/1488)
قراءة القرآن في المقبرة والوعظ وإنشاد الشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[من عادة القوم عندنا قراءة القرآن في المقبرة أثناء عملية الدفن وكذلك في البيت أثناء السهر مع عائلة الميت كما يقوم آخرون بالذكر جماعيا بواسطة أشعار تشتمل على الوعظ المؤثر بلسان القوم ويقولون إن هذا أفضل بكثير من ترك الفراغ للآخرين يملؤونه باللهو والغيبة والنكت وحكاية الأخبار المختلفة فما حكم قراءة القرآن في المقبرة وهذا الذكر؟
ولكم الشكر الجزيل سلفا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة القرآن في المقبرة أثناء عملية الدفن وعند الاجتماع في بيت المتوفى ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، بل إن السلف كانوا يكرهون الاجتماع عند أهل الميت ويعدونه من النياحة المحرمة، ولكنه لو قرأ القرآن قارئ وأهدى ثوابه للميت، فإنه يصله إن شاء الله.
وأما ذكر المواعظ والأشعار المشتملة على بعض النصائح فهو أولى من الاشتغال بالغيبة واللغو قطعاً، ولكن الاجتماع عليه عند أهل الميت على أنه سنة أو مطلوب ليس مشروعاً في الأصل، وراجع فيما سبق وفي حكم الذكر الجماعي الفتاوى التالية أرقامها: 23828، 8381، 2288، 30622، 31143، 47920، 1000، 61863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1426(2/1489)
الاجتماع لختم القرآن في بيت الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[يجتمعون في منزل شخص هذا الشخص له نية الختم لكن الآخرين بنية تدارس القرآن فكل شخص يقوم بقراءة ثمن حزب من القرآن والآخرون يستمعون وإذا أخطأ يصلحون له وبعد ذلك يقومون بتدارس بعض الأحاديث وبموعظة أهل المنزل إن كانوا يصلون ويمكن أن يكون هنالك اختلاط نساء ورجال في هذا المنزل ويكون ذلك أيضا في بيت الميت فما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم اجتماع الناس لعمل ختمة للميت وقراءة القرآن وإهداء ثوابها إليه، وأن ذلك من البدع المحدثة التي يجب الحذر منها والابتعاد عنها، وذلك في الفتوى رقم: 65966، والفتوى رقم: 29940.
وأما مجرد قراءة القرآن وختمه وإهداء ثوابه للميت دون اجتماع لذلك أو عمل وليمة له أو أخذ مال عليه فلا بأس، ويصل ثوابه بإذن الله كما في الفتوى رقم: 2288.
وكذلك جلوس الناس في حلقة لتدارس القرآن أو قراءة الحديث ونحو ذلك، ولو كان بالدور بينهم، فإنه لا بأس به، كما بينا في الفتوى رقم: 6669.
وأما المحرم فهو اختلاط النساء بالرجال في ذلك أو في غيره دون مراعاة الضوابط الشرعية لاجتماع النساء بالرجال في مكان واحد كما بيناه في الفتوى رقم: 48184.
ويصعب تحقق تلك الضوابط في مثل تلك الجموع فلا تجوز، علماً بأن الأصل أن أهل الميت يواسون بالدعاء وفعل الطعام لهم، كما أمر صلى الله عليه وسلم، وأما الجلوس عندهم وأكل طعامهم فلا ينبغي، لما روى أحمد عن جرير قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة.
قال الشيرازي: ويكره الجلوس للتعزية لأن ذلك محدث والمحدث بدعة.
فإياكم ومحدثات الأمور فالخير كله فيما فعله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، والشر كله فيما أحدث من البدع في هذا الدين، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بالسنة عند فساد الأمة إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1426(2/1490)
حكم قراءة يس ليلة الجمعة وختم القرآن لجلب الولد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من مكدونيا وكثير من المسلمين في المكدونيا (understand) إن قراءة سورة يس خصوصا ليلة الجمعة هي العبادة فهم يقرؤونها لموتاهم فإذا لم يجد القراءة يطلب غيره ليقرأ القرآن أو سورة معينة بدلا منه ويحتجون بالحديث الشريف (اقرءوا يس على موتاكم) .
أو يختمون الختمة لإنجاب الولد والرزق أو غير ذلك فأرجو الإجابة بأسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يؤثر استحباب قراءة سورة (يس) في ليلة الجمعة ولا يومها، وتخصيص قراءة سورة معينة في وقت معين من البدع التي لا يجوز فعلها كما بينا في الفتوى رقم: 6849.
ولا حجة في الحديث المذكور، فإنه ضعيف كما بينا في الفتوى رقم: 12230 وعلى فرض صحته فإن تخصيص ذلك بيوم معين غير وارد وقراءة القرآن في الجملة مما يرجى بركته ويصل ثوابه كما بينا في الفتوى رقم: 2288، 3406.
وأما ختم القرآن لجلب الرزق والولد فلا نعلم له أصلا، ولكن بعض السلف كانوا إذا ختموا جمعوا أهلهم ودعوا الله. وللمرء أن يدعو بما شاء من دنياه أو أخراه ما لم يكن إثما. وينبغي الحذر من البدع والخرافات فالدين قد كمل وما لم يكن يومئذ دينا لن يكون اليوم دينا كما قال مالك بن أنس رحمه الله، والبدعة تفتح من أبواب الشر ما لم يكن في الحسبان ولو كانت نية فاعلها حسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(2/1491)
حكم قراءة سورة (طه) بوقت معين وعدد محدد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اسأل ما فائدة قراءة سورة طه بعد صلاة المغرب ثلاث مرات لمدة إحدى عشر يوما؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتلاوة كتاب الله تعالى من أفضل الأعمال، وفوائدها جليلة لأن القرآن هو كلام الله تعالى الذي يهدي إلى طريق الخير والاستقامة فهو نور وشفاء لكل الأمراض والأدواء، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57} ، إضافة إلى الثواب الجزيل الذي يحصل عليه القارئ حيث يكون له بكل حرف عشر حسنات لقوله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف. رواه الترمذي في سننه، وصححه الشيخ الألباني.
وعليه؛ فتلاوة سورة طه كغيرها من سور القرآن العظيم ثوابها عظيم لكن لا ينبغي تخصيص قراءتها بوقت معين كبعد المغرب ولا تحديد قراءتها بعدد معين كثلاث مرات مثلاً لعدم ثبوت ما يدل على ذلك من الكتاب والسنة فيما نعلم، فكل ذلك من البدع التي ينبغي للمسلم الابتعاد عنها، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 54397، والفتوى رقم: 6849.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(2/1492)
الاجتماع لتلاوة سورة السجدة يوم الجمعة في غير الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[في البدعة التي يقرؤون يوم الجمعة وهي القراءة جماعة وبنغمة واحدة عندما يصلون آية السجود ويسجدون هل أسجد معهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقراءة القرآن بصوت واحد سبق أن بينا حكمه في الفتوى رقم: 27933. فلتراجع. والوارد في السنة الصحيحة قراءة سورة السجدة في صلاة الصبح يوم الجمعة، فإن كان هؤلاء القوم يخصون سورة السجدة بالتلاوة يوم الجمعة في غير الصلاة ويداومون على ذلك فهذا إحداث في الدين ما ليس منه، وأما إن كانوا يقرؤون سورة السجدة أو غيرها من غير تخصيص فلا بأس، ثم إذا أتوا على آية سجدة فالسنة أن يسجدوا ويسجد من قصد استماعهم.
وسجود التلاوة غير واجب أصلا وإنما هو نافلة من النوافل يسن لمن قرأ آية سجدة أو استمع إلى من قرأها؛ لما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى جاء السجدة فنزل وسجد وسجد الناس، وقرأ بها في الجمعة القابلة ولم يسجد، وقال: أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه. وقد فصلنا القول في ذلك وبينا شروطها في الفتوى رقم: 30711.
وذكر بعض العلماء أن سنية ذلك إنما هي على القارئ والمستمع أي من جلس للاستماع وقصده، وأن القارئ لآية السجدة كالإمام إن سجد سجد المستمع، وإن لم يسجد فلا، ويشترط فيه ما يشترط في الإمام. فيجوز لك أن تسجد معهم إن كنت جلست لاستماع القراءة وإن لم تسجد فلا إثم عليك ولا حرج. والأولى لك أن لا تجلس معهم إن كانوا على عمل غير مشروع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1426(2/1493)
حكم التلاوة بإبدال القاف بما يشبه الجيم المشبعة المصرية
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت قارئا من اليمن يقرأ القرآن بطريقة لم نألفها من قراء العالم الإسلامي وهي إبدال حرف القاف بحرف أشبه بالجيم المشبعة المصرية إن صح التعبير. والسؤال ما وجهة هذه القراءة وهل لها سند وأصل في القراءات المتواترة. أم أن القراءة على هذا الشكل ليست من اختصاص علم القراءات.جزاكم الله كل خير ووفقكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القراءة المذكورة لا وجه لها، ولا تجوز القراءة بها؛ لأنها إبدال القاف بحرف آخر يختلف معه في المخرج والصفة، ولم يقرأ بذلك أحد من القراء العشرة الذين تواترت قراءتهم وتلقتها الأمة بالقبول. ومن تعمد القراءة أو الكتابة بإبدال حرف بآخر فهو على خطر عظيم، بل نقل الحزاز عن القاضي عياض أن من بدل حرفا من القرآن عمدا كفر، فقال في عمدة البيان:
روى عياض أنه من غيرا * حرفا من القرآن عمدا كفرا
زيادةً أونقصا أو إن بدلا * شيئا من الرسم الذي تأصلا.
وعلى ذلك درج ابن ما يابى الشنقيطي في كشف العمى حيث قال:
وكل من بدل منه حرفا * باء بنار أو عليها أشفى.
وقد سبق بيان مخرج القاف وصفاته في الفتوى رقم: 42981. نرجو أن تطلع عليها لتعلم الفرق الشاسع والبون والواسع بينها وبين ما يسمى بالجيم المعقودة أو الجيم المصرية.
ولهذا فلا تجوز قراءة القرآن العظيم بهذا الحرف. ولعل القارئ الذي سمعت غلط، أو زل لسانه، أو له عذر غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(2/1494)
فراءة قل هو الله أحد بطريقة جماعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق يجتمع عنده رجل من أهل العلم ببعض الشباب الجدد في الالتزام ليلقي موعظة أو درسا والشيخ جزاه الله خيرا يحاول قدر المستطاع أن يغرس في نفوسهم الدين بشتى الوسائل وقد دار جدل حول أنه قد اقترح عليهم في بداية كل درس أن يقرؤوا سوية وبصوت متوسط سورة الصمد تطبيقا للحديث النبوي بأن من قالها عشرا بنى الله له بيتا في الجنة وذلك لمدة حتى تغرس في نفوسهم ويواظبوا عليها منفردين وقد احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أصحابه الذكر في بداية الأمر بهذه الطريقة، فهل هذا وارد عن المصطفى عليه السلام؟ وهل يتعارض مع إنكار ابن مسعود للرجال الذين كانوا يذكرون الله جماعة في المسجد؟؟ أفيدونا مع ذكر الدليل إن كان جائزا أم لا ورجائي أن توضحوا الدليل حتى تزول الشبه عنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاجتماع للذكر وقراءة القرآن ومدارسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المستحبة لما فيها من الدعوة إلى الله والتعاون على البر والتقوى؛ ولكن شريطة ألا يشتمل الاجتماع على شيء من البدع، ولا شك أن قراءة القرآن الكريم ـ سورة الإخلاص ـ بصوت واحد من البدع التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، وأصح قولي أهل العلم أنها بدعة، وراجع الفتوى رقم: 27933. أما الاحتاج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أصحابه الذكر بهذه الطريقة فليس هناك حديث صحيح في كتب السنة بهذا المعنى، والذي ورد هو أحاديث فيها تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أدعية وأذكارا يقولونها في الصلاة أو غيرها من غير ترديد جماعي، كحديث أبي بكر في الصحيحين أنه قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
ولعل هذا الشيخ يقصد حديث ابن عباس قال: كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير. متفق عليه. وفي رواية (بالذكر) ولكنه ليس فيه إلا الجهر بالذكر، ولم يذكر أنه بصوت واحد سواء قيل إنه صلى الله عليه وسلم جهر للتعليم أولا. وراجع الفتاوى ذات الأرقام: 8381، 20250، 54822.
أما قراءة سورة الإخلاص عشر مرات فثابت كما سبق في الفتوى رقم: 55855.
ومما تقدم يتبين أن ما يفعله هؤلاء الشباب من القراءة بصوت واحد يتناوله إنكار ابن مسعود على الذكر الجماعي، وراجع الفتوى رقم: 58906.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1426(2/1495)
قراءة سور معينة يوم الجمعة لموت أحد من الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم إمام الجمعة بقراءة سورة الصمد أحد عشر مرة وسورة الفلق والناس والفاتحة قبل صلاة الجمعة وذلك عند سماعه بموت أحد من رواد المسجد أو أحد أقاربهم أسئلتي هي:
1- هل هذا جائز شرعا؟
2- هل أقوم بالقراءة معه، علما بأن معظم المصلين يقرؤون معه أم يجب علي أن لا أقرأ معهم إذا كان ذلك غير مشروع؟
3- يقوم الإمام بقراءة آية الكرسي بعد الصلاة مع المصلين بصوت عال، فهل يجب علي وأنا أقوم بمعقبات الصلاة من أن أنتظرهم حتى يكملوا القراءة لقوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت مشروع، لكن تخصيص قراءة هذه السور في هذا الوقت غير مشروع، ولا ينبغي لك مشاركة هذا الإمام ومن معه فيما يفعلون، بل عليك أن تنشغل بقراءة أو ذكر آخر وتنصحهم بالتي هي أحسن عسى الله أن يهديهم.
وأما قراءتهم لآية الكرسي وغيرها من أذكار الصلاة جهراً بعد الصلاة، ففيه تفصيل بيناه في الفتوى رقم: 7444.
وفي حالة قراءتهم لها فالأفضل أن تستمع للقرآن ثم تأتي بالأذكار، وإن كان استماع القرآن خارج الصلاة ليس بواجب، كما بيناه في الفتوى رقم: 26218.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(2/1496)
لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في بلادنا في رمضان بعد صلاة التراويح والشفع والوتر يقرؤون الحمد لله الذي هدانا لهذا إلى قوله تعالى لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ثم يقرؤون الدعاء بعد هذه الآية فما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المداومة على ما تفعله هذه الجماعة لا يستند إلى دليل شرعي، وبالتالي فينبغي نصحهم وبيان عدم مشروعية ما يقومون به، فالأصل في العبادة كونها توقيفية والله تعالى لا يعبد إلا بما شرع.
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين حيث قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه، وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30660، 38829، 6823.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1426(2/1497)
فواتح الفرج
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت في كتاب فواتح الفرج أنه إذا أهمك موضوع ما فلتقرأ سورة الليل وسورة الضحى سبع مرات، فما حقيقة ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذا السؤال في الفتوى رقم: 55151 فليرجع إليها، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 16946.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(2/1498)
قراءة سور معينة لإجابة الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[1- هل يجوز قراءة بعض السور من القرآن بقصد الزواج مثل سورة مريم؟
2- ولقد قيل لي إن قراءة سورة الليل والضحى كل واحدة سبع مرات ومن ثم الدعاء بكشف البصيرة من رب العالمين إذا كنت سأتزوج أو سأشتغل في المستقبل؟ وللعلم جربها عدد من الفتيات ورأت واحدة منهن أنها سوف تتزوج والأخرى رأت أن أختها وجدت لها وظيفة وبالفعل اشتغلت أختها في هذه الأيام بعد الرؤيا؟
وقبل النوم أقول يا جامع 11 مرة؟
فهل هذا جائز أم لا؟ أم هذه بدع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن قراءة القرآن والذكرعلى وجه مشروع عملان صالحان، والداعي ينبغي له أن يقدم بين يدي دعائه عملا صالحا ويتوسل به إلى الله تعالى، فإن ذلك أرجى في قبول الدعاء، والآيات التي ورد فيها توسل بالأعمال الصالحة كثيرة، وكذلك الأحاديث، ولكن تخصيص سورة معينة بأعداد معينة والتزام ذلك على أنه سبب لقبول الدعاء لا نعلم له أصلا في الشريعة، بل هو من المحدثات، والعمل لا يقبله الله إلا إذا كان خالصا لوجهه موافقا لشرعه، وليست البدعة مما يتقرب به إلى الله عز وجل ليجيب الدعاء، وقد يستجيب الله عز وجل لمن فعل ذلك ليس حبا له ورضى عنه ولكن لما قام في قلبه من الضرورة والالتجاء التام إلى الله عز وجل، فيستجيب له كما استجاب للمشركين حين دعوه وهم في البحر فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون.
وما قلناه في تخصيص سورة معينة بأعداد معينة يقال أيضا في تخصيص الدعاء المذكور قبل النوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1426(2/1499)
حكم قول الناس (الله) بعد قراءة المقرئ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال الله بعد قراءة المقرئ للقرآن في المسجد.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول الناس (الله) بعد قراءة المقرئ ليس من هديه صلى الله عليه وسلم ولا من هدي السلف الصالح، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن ويتغنى به ويحبره قال: لقد أوتيت مزمارأ من مزامير آل داود، ولم يقل صلى الله عليه وسلم (الله) أو ما شابه؛ بل كان يتأثر بالقراءة صلى الله عليه وسلم ويبكي كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنه قرأ على النبي صلى الله من سورة النساء قال ابن مسعود: فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل. ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم: 14628. وكذلك يكره رفع الصوت في المساجد ولو بالذكر وهو مذهب المالكية، وكرهه الحنابلة والحنفية إن شوش على المصلين؛ كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 13776، 30802. وأيضا الأصل أن الذاكر يناجي ربه، والله تعالى وسع سمعه الأصوات، فينبغي أن لا يجهر بالذكر فوق ما يسمع نفسه، قال الله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ {الأعراف:205} . وقال صلى الله عليه وسلم: أربعو على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعا بصيراً قريبا. متفق عليه عن أبي موسى الأشعري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1426(2/1500)
تحديد يوم معين لقراءة القرآن على الميت بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يدعى بفك الوحدة للميت بعد دفنه؟ أي قراءة القرآن على الميت ثاني يوم من دفنه وقت الفجر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتويين: 3406، 33988 أن الصحيح وصول ثواب القراءة للميت، أما تخصيص اليوم الثاني بالقراءة على الميت، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من الأئمة المتبعين أصحاب المذاهب وغيرهم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. متفق عليه عن عائشة.
وقد عّد العلماء من البدع التزام العبادات في أوقات لم يأت بها الشرع.
قال الإمام الشاطبي في الاعتصام: ... ومنها: التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة؛ كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته. اهـ
ولمعرفة ضابط البدعة راجع الفتوى رقم: 631.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(2/1501)
حكم الالتزام بقراءة سورة ما في جلسة واحدة لقضاء حاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما سمعت أن قراءة سورة البقرة لأجل شيء معين كي يتحقق وتكون القراءة ـ سورة البقرة كاملة ـ متواصلة في جلسة واحدة وكل يوم ويتحقق ما قرأت لأجله وأقل فترة 7 أيام ثم يتحقق المطلوب هل هذا بدعة؟ وكل من تحقق لهم من الشيطان يزينه لهم أم ماذا
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة القرآن من العبادة التي لا حرج على العبد في التوسل بها إلى الله لتقضى حاجته، ويدل لذلك توسل الثلاثة بأعمالهم الصالحة كما في حديث الصحيحين، وأما الالتزام بقراءة سورة ما متواصلة في جلسة واحدة فإنه لاشك أن الأولى عدم الالتزام بما لم تثبت مشروعية الالتزام به، إضافة إلى أن الالتزام بكونها في جلسة واحدة وتقرأ متواصلة يخشى عليه من الدخول فيما يسمى عند أهل العلم بالبدع الإضافية، والمراد بها أن يكون العمل مشروعا في الأصل ولكن تضاف إليه طريقة محدثة، كالالتزام بعدد أو طريقة عملية. ويمكن أن يقرأ العبد ما تيسر من القرآن من غير التزام بنهج معين، أو يصلى ركعتين، أو يستعين بالأدعية المأثورة. فكل ذلك من وسائل قضاء الحاجة. وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 4413، 631، 6661، 6849، 17613، 28652، 5709، 49867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(2/1502)
حكم قراءة الفرآن في جماعة قبل صلاة الظهر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة حزب من القرآن جماعة في المسجد قبل صلاة الظهر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة القرآن جماعة قد سبق الجواب عنها بالتفصيل في الفتوى رقم: 27933.
وأما الالتزام بتحديد وقت القراءة قبل الظهر مع اعتقاد سنيته فمن البدع الإضافية -إن كانت طريقة القراءة مشروعة- وإلا فهو من البدع الأصلية، فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف من الصحابة والتابعين المواظبة على مثل ذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. متفق عليه.
قال ابن تيمية: الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن إذا لم يتخذ سنة راتبة ولا اقترن به منكر من بدعة. انتهى.
وقال الإمام الشاطبي: ومنها -أي البدعة الإضافية- التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ... ومنها التزام العبادة المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1425(2/1503)
بدعية القراءة الجماعية في مذهب مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[أقول \"التلاوة الجماعية للقرآن بدعة\" مستدلا بأقوال العلماء المتأخرين، فيردون \"نحن مذهبنا مالكي!! \"، فهل من أقوال لعلماء المالكية في بدعية التلاوة الجماعية، أرجو ذكر المراجع المعتمدة؟ حفظكم الله ورعاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي مواهب الجليل للحطاب وهو مالكي:.... قال في المدخل: لم يختلف قول مالك أن القراءة جماعة والذكر جماعة من البدع المكروهة.
وفي منح الجليل شرح مختصر خليل: قال الشيخ عليش:.... كقراءة جماعة معا بصوت واحد فتكره لمخالفة العمل، ولتأديها لترك بعضهم شيئا منه، لبعض عند ضيق النفس وسبق الغير، ولعدم الإصغاء للقرآن المأمور به في قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ.
وقال الخرشي في شرحه لمختصر خليل:.... وكره مالك اجتماع القراء يقرؤون في سورة واحدة، وقال: لم يكن من عمل الناس، ورآها بدعة.
فقد علمت من هذه النصوص أن المالكية هم الذين ينهون عن التلاوة الجماعية، ومعهم في هذا بعض علماء الحنفية، وراجع في هذه الأقوال فتوانا رقم: 27933.
وعليه؛ فقول الجماعة الذين نصحتهم وترديدهم أنهم مالكيون حجة عليهم لا لهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1425(2/1504)
(صدق الله العظيم) من البدع الإضافية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول (صدق الله العظيم) بعد تلاوة القرآن وإن كان حكمها مكروها فهل أرتكب إثما إذا قلتها متعمدة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على قول القارئ صدق الله العظيم عقب قراءة القرآن، وذلك في الفتوى رقم: 3283.
وقد بينا أن قولها لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فهي داخلة في ضابط البدعة الإضافية، وعليه فمن الأفضل في حق المسلم تركها وعدم تعمد الإقدام على قولها بعد القراءة، وخصوصاً إذا كان يعتقد سنيتها، وراجع الفتوى رقم: 43323.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1425(2/1505)
طريقة لا أصل لها في قراءة سورة يس
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن فضائل سورة ياسين وطريقة قراءتها. قيل لي إنها تقرأ لقضاء الحوائج وللشفاء من الأمراض والعلل وذلك بقراءتها بالنحو التالى:
بعد الإستعاذة والبسملة تقرأ (يس –يس- 7 مرات) ثم تدعو بعدها ثم تقرأ الآيات الأولى وتدعو بعدها. وعندما تصل نهاية آيات معينة فى السورة هناك دعاء وحمد وتمجيد لله تعالى.. وليس فى الدعاء أي نوع من أنواع الشرك ولكنه دعاء جامع لخيري الدارين والمنفعة للنفس.
أعطيت هذه الطريقة لصديقتى للاستعانة بها ولكني شككت فيها وقلت لها لأن تقرأ سورة ياسين مرة واحدة مع استحضار قلبها وجميع جوارحها خير لها.. فهل أنا على صواب؟ وهل فى الاستعانة بهذه الطريقة أي نوع من أنواع الدخول في البدع المحرمة؟ أرجو إفادتي مع جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم دليلا يفيد مشروعية الدعاء بهذه الطريقة، بل إننا نكاد نجزم بأنه لا أصل له.
ومن المعلوم أن الأصل في العبادات التوقف حتى يثبت ما يدل على المشروعية
وراجع في الكلام على فضائل ياسين.
وللمزيد في موضوع الدعاء بها الفتاوى التالية أرقامها: 21749، 9909، 23784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1425(2/1506)
ختم القرآن عند الوفاة من البدع المحدثة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الشباب نسأل الله أن يحشرنا مع سيدنا محمد وصحبه أجمعين، إننا نسكن قرية لا يتجاوز عدد سكانها عشرة آلاف ساكن، نقوم بقراءة القرآن أو بالأحرى ختم القرآن في الجنائز وكل من يريد ختم القرآن في منزله الجديد، أو مشروع جديد يريد أن يبارك فيه الله سبحانه وتعالى كما أني أنا شخصيا أفكر في أخذ أصدقائي لنقرأ القرآن في أرضنا الفلاحية ليبارك لنا فيها الله وطريقة قراءة القرآن هي كالتالي وهو أن نجتمع أكثر من 15 شخصا ونأخذ معنا كتاب الله متكون من 30 جزء كل جزء حزبين ويقوم كل واحد بقراءة جزء أو أكثر حتي تقرأ جميع الأجزاءفي أقل من ساعة ثم نختم جلستنا بدعاء ...
علما بأننا لا نأخذ مالاً مقابل قراءتنا حتى أننا لا نقبل أن يقدم لنا كل من نقرأ عنده الطعام فنحن نريد أجرا أكثر من الله لا نريد مالاً ولا نريد طعاماً
إلا أن بعض الناس قالوا بأن ما نقوم به هي بدعة وغير جائز في الدين
شيوخنا الكرام نرجو من الله أن تدلونا فهل ما نقوم به جائز؟ وهل هي بدعة حسنة أم سيئة؟ وما هي الدلائل على ذلك وإذا كان جائزأو غير جائز وكيف نقنع هؤلاء؟
قراءة القرآن في أرض فلاحية لأول مرة سنقوم بها فما رأيكم؟ علما بأني أريد أن يبارك الله في أرضنا بعد المنتوج الضعيف الذي جنيناه في العام الماضي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد وأن نكون جميعاً متبعين لهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ثم اعلم أن الاجتماع لختم القرآن في المناسبات الثلاث: عند وفاة شخص، أو بناء منزل جديد، أو بداية مشروع زراعي أو غيره، يعتبر بدعة محدثة لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الأئمة من أهل القرون المزكاة، وبالتالي فلا ينبغي الإقدام عليها، بل ينبغي إشاعة كونها بدعة محدثة وأنها منكر وعلى المسلمين السعي في تغييره بكل وسيلة ممكنة، فكل عمل مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم مردود على صاحبه قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر: من الآية7) ، وقال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. رواه مسلم وغيره.
وعليه؛ فإن الاجتماع لختم القرآن في المناسبات المذكورة من البدع المستحدثة التي لم يرد دليل على كونها بدعة حسنة، فينبغي لك أيها السائل نصح إخوانك هؤلاء بالكف عما يمارسونه من البدع حاثاً إياهم على كون كل خير وبركة في اتباع هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان مخالفاً لشرع الله تعالى فهو خال من الخير والبركة.
ومن أسباب كثرة الرزق والبركة فيه تقوى الله تعالى، فقد قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*َيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق: 2-3) ، وراجع الأجوبة التالية: 16500 / 27933 / 7673 / 2504.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(2/1507)
لا تنطق حروف القرآن إلا نطقا فصيحا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نطق القاف في قوله تعالى (قل هو الله احد قافاً حجازية مع العلم ان القارئ يقدر على نطقها قافاً فصيحة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لكل واحد من الحروف الهجائية مخرجا وصفات لا يجوز أن يغير فيها، والقاف يخرج من أقصى اللسان مع ما فوقه من الحنك، فهو حرف لهوى، وله ست صفات هي: الجهر، والشدة، والاستعلاء، والانفتاح، والإصمات، والقلقلة.
ويمكنك أن تراجع في ذلك "النجوم الطوالع على الدرر اللوامع" و"النشر في القراءات العشر" و"إتحاف السادات بإفراد القراءات" وغيرها، وأي تغيير لمخرج القاف أو لصفة من صفاتها يعد إبدالا لها بحرف غيرها أو بصوت غير صوتها، وذلك في القرآن حرام للقادر على نطقها فصيحة، ومن العلماء من ذهب بفاعل ذلك إلى الكفر، والعياذ بالله، قال الشيخ محمد العاقب بن مايأبى في كتابه "كشف العمى والرين عن ناظري مصحف ذي النورين":
وكل من بدل منه حرفا ... باء بكفر أو عليه أشفى
وعليه، فإن من نطق القاف في القرآن نطقا غير فصيح وهو قادر على نطقها فصيحة، فقد فعل فعلا محرما، وليتب إلى الله من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1424(2/1508)
حكم قراءة سورة معينة في قيام الليل كل ليلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السور أو الآيات التي تستحب قراءتها كل ليلة أو في أوقات معينة؟ وهل تجوز قراءتها في صلاة قيام كل ليلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيستحب أن يقرأ الشخص كل ليلة قبل أن ينام آية الكرسي وآخر البقرة، وكذلك سورة الإخلاص، وسورة الفلق وسورة الناس، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 38426، والفتوى رقم: 23112، وقد ورد حديث في فضل قراءة سورة الواقعة كل ليلة، ولكنه ضعيف، بينا ضعفه في الفتوى رقم: 13140، وقد صح حديث في فضل قراءة سورتي ألم تنزيل السجدة، وتبارك الذي بيده الملك، كما وضحنا ذلك في الفتوى رقم: 18178.
هذا، ولا نعلم سورة تستحب قراءتها كل ليلة في قيام الليل، ولكن لا بأس أن يقرأ المصلي سورة معينة في صلاته من الليل كل ليلة بدون اعتقاد سنية ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(2/1509)
التأمين الجماعي بعد قراءة البقرة بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[يقرأ إمام الجمعة في جامعنا تقريبا كل جمعة أواخر سورة البقرة وعند انتهائه يقوم المأمومون بالتأمين بصوت عال. هل هذه بدعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تأمين المأمومين على قراءة الإمام لآخر سورة البقرة بصوت عالٍ أمر محدث لا نعلم أن أحدا من السلف فعله، فالواجب الانتهاء عن ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. رواه مسلم. وفي لفظ: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا هو رد. وهذا التأمين عمل ليس عليه عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، وإنما الذي ورد عنهم هو التأمين عقب قراءة الإمام لسورة الفاتحة فقط، قال صلى الله عليه وسلم: إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. وقال ابن شهاب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين. رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
نعم قد روى ابن جرير بسند فيه انقطاع عن معاذ رضي الله عنه أنه كان إذا فرغ من هذه السورة قال: آمين. والإسناد ضعيف، والعلم عند الله، لأن أبا إسحاق السبيعي لم يدرك معاذا.
ورواه وكيع عن سفيان عن ابن إسحاق عن رجل عن معاذ وهذا إسناد ضعيف فيه راوٍ مبهم.
وهو أيضاً ليس فيه أن المأمومين يؤمنون على قراءة الإمام وإنما هو تأمين القارئ نفسه.
وليُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، كما روى النسائي وأبو داود، فليس من السنة ما يفعله بعض الناس من الاجتماع على قارئ يقرأ القرآن قبل الصلاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1424(2/1510)
قراءة سورة يوسف ليس له أثر في الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أشارت علي إحدى الأخوات بأن أقرأ سورة يوسف بعد صلاه الفجر مرة لمدة أربعين يوما لكي ييسر الله لي زواجا من رجل صالح ولكني خفت من أن تكون بدعة وأكون واقعة في الحرام أفيدونا جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعرف نصاً شرعياً يفيد أن لسورة يوسف بخصوصها أثراً في أمر الزواج، والعبادة مبناها على التوقيف، فلا تلتفتي إلى هذا الكلام، وأكثري من دعاء الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، فإنه سبحانه سميع قريب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1424(2/1511)
القراءة الجماعية في صلاة التراويح بدعة محدثة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة سورة الإخلاص بشكل جماعي بين المصلين في صلاة التراويح بين كل ركعتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقراءة سورة الإخلاص بهذه الهيئة بدعة محدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه.
وانظر في حكم البدعة وتعريفها الفتوى رقم: 20250.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(2/1512)
التهليل أثناء قراءة القارئ ليس من هدي سلف الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد:
المجودون للقرآن أمثال أبو العينين والليثي وغيرهما من القراء.. لما يقرأون ويندمجون في القراءة يكون هناك حضور من المستمعين، فهم كذلك مندمجون فلما ينهي مقطع آية يقولون: الله ... والله أكبر.. وصريخ الله الله.. فهذا من اندفاعهم من القارئ، فهل هذا جائز، ويمكن مراجعة الموقع المهتم بهذا وهو خطير جدا.. وبالله التوفيق http://www.qquran.com؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي سلف هذه الأمة الصالح إصدار مثل هذه الأصوات بالتهليل والتكبير عند استماعهم للتلاوة، وهم من أعظم الناس خشوعاً عند تلاوة القرآن الكريم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، إذا تقرر هذا فإحداث هذا ليكون طريقاً للتقرب إلى الله عز وجل به بدعة مذمومة يجب تركها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.
وإن وقع شيء من ذلك اتفاقاً دون قصد، فنرجو أن لا حرج فيه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1424(2/1513)
رفع الأصوات بالقراءة في المقابر بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولك في عدم جواز الدعاء أو قراءة القرآن في القبور بصوت عال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته الدعاء للموتى وللأحياء عند ما يزور القبور، وكان يُعلم ذلك لأصحابه.
ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند زيارة القبور: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وفي رواية له: نسأل لله لنا ولكم العافية.
وأما دعاء الموتى وأصحاب الأضرحة وطلب النفع منهم أو دفع الضر، فإنه لا يجوز، وهو من الشرك الأكبر الذي يحبط عمل صاحبه.
وبإمكانك أن تطلع على تفاصيل ذلك في الفتوى رقم: 14955.
وأما قراءة القرآن عند القبور، فقد اختلف فيها أهل العلم، فكرهها بعضهم، وأجازها آخرون عند الدفن.
ولعل الراجح من أقوالهم -إن شاء الله تعالى- هو القول الأول، فلم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن عند القبور، بل كان يقول لأصحابه إذا فرغ من دفن الميت: استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت، فإنه الآن يُسأل.
وأما قراءة القرآن بعد ذلك في المقابر، ورفع الأصوات بها، فإنه بدعة يجب على المسلم أن يبتعد عنها.
ولمزيد من الفائدة وأقوال أهل العلم، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 14865.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(2/1514)
حكم قراءة الفاتحة في المناسبات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما الحكم في من يطلب الفاتحة لتفريج ضائقة أو لتوسيع رزق، على سبيل المثال في المنارات المتخصصة لتحفيظ القرآن تجلب صدقة عبارة عن مأكل ما، ويقول الشيخ المعلم الفاتحة لأصحاب الصدقات، فهل هذا جائز أم لا؟
جزاكم الله عنا ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا أصل لما يفعله بعض الناس من قراءة الفاتحة في بعض المناسبات كخطبة النكاح، أو في ختام المجلس، أو بعد الفراغ من وليمة ونحو ذلك.
والعبادة مبناها على التوقيف، فلا يعبد الله إلا بما شرع، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنهم فعلوا ذلك رغم كثرة المناسبات التي يجتمعون فيها، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، فالواجب ترك هذه المحدثات، والتقيد بما ورد في السنة من الدعاء لصاحب الطعام، وذكر دعاء ختم المجلس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(2/1515)
الفاتحة لروح الأموات بصورة جماعية لا أصل لها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما حكم الدين في قراءة الفاتحة على أموات المسلمين (كأن يقال لنقرأ الفاتحة على أموات المسلمين جميعاً) ؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الراجح من كلام أهل العلم هو جواز إهداء ثواب قراءة القرآن وغيرها من الأعمال الصالحة للميت، كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 18641.
لكن فعل هذا على الصفة الجماعية المذكورة بالسؤال لا أصل له، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 15970.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(2/1516)
الاجتماع لإهداء ثواب القراءة للميت بطريقة جماعية بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في قراءة القرآن (أي ختمه) في ليالي رمضان بعد صلاة التراويح وهذه القراءة تكون من قبل مجموعة في بيت شخص حيث تقام لهم بعد ذلك مائدة ويتصدق بالختمة على ميت ويدعون له ولهم أفيدونا جزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاجتماع لتلاوة كتاب الله تعالى ومدارسته من العبادات التي يعظم ثوابها عند الله تعالى، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده، ومن بطََّأ به عمله لم يسرع به نسبه.
لكن الاجتماع بقصد إهداء الثواب للميت بطريقة جماعية وإعداد الموائد لذلك يعد من البدع التي لا دليل عليها من الشرع، فيجب تركها لأنها من الأمور المحدَثة في الدين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة رواه مسلم.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع راجع الجوابين: 2504، والفتوى رقم: 3689.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1424(2/1517)
دخول المسجد لدى قراءة القرآن جماعة قبل الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد من فضيليكم أن تفتونا عندنا في المغرب يوم الجمعة الناس يقرؤون القرآن جماعة فهل أدخل إلى المسجد عند ذلك الوقت؟ وشكراً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعتياد قراءة القرآن بالصفة المذكورة في السؤال يعد من البدع المحدثة في الدين حيث لم يثبت فعله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
ومع ذلك فلا نرى مانعاً شرعياً من دخولك المسجد في وقت اجتماعهم فيه طالما أنك لا تشاركهم بدعتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1423(2/1518)
اختيار يوم معين لقراءة القرآن بين القربة والبدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هل الاجتماع بعد صلاة المغرب كل يوم جمعة في المسجد لتعلم قراءة القرآن أو تلاوته أو تدارسه
يعد من البدع وذلك لتثبيت يوم الاجتماع ووقتة كما أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية وظهورالتعارض في أن بعض الشيوخ تقوم بتثبيت مواعيد دروسها الدينية بالمساجد في أيام ومواعيد ثابتة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاختيار فرد أو جماعة من الناس ليوم من الأيام الأسبوع لقلة شغلهم فيه ونحو ذلك ليكون موعداً لقراءة القرآن أو محاضرة علمية أو درس شرعي أو جلسة يتذاكرون فيها الخير، وما منَّ الله عليهم به من النعم ليس بدعة مذمومة؛ بل هو قربة وطاعة، فإن أضافوا إلى ذلك اعتقاد أن لذلك اليوم أو الوقت مزية وفضلاً على غيره من الأيام، وأن فعل ذلك النوع من العبادة فيه أولى وأفضل فقد ابتدعوا، وزعموا بلسان حالهم أن خيراً اهتدوا إليه لم يدلنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكفى بذلك ذماً وقبحاً، وأن يبوء صاحبه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1423(2/1519)
ترديد آية ما حبا لها مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
لقد قرأت في أحد كتب التفسير أن الآية الثالثة من سورة الحديد:"هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم" أفضل من ألف آية. فهل هذا الخبر صحيح أم ضعيف وهل من الممكن شرح هذه الآية لأني أحبها كثيراً وهل هنالك مانع من أن اتخذها وردا أرددها دائماً أم أن هذا الشيء بدعة وهل يمكن أن أقرأها كثيراً وأسأل الله أن يرزقني علماً نافعاً؟ أرجو بيان هذه الأمور وجزاكم الله خيراً
والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارمي، ولفظه كما في سنن الترمذي عن العرباض بن سارية، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، ويقول: إن فيهن آية خير من ألف آية. .قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
والحديث حسنه الألباني، قال في تحفة الأحوذي: والمستحبات هي السور التي في أوائلها التسبيح، وهو سبع سور: الإسراء، والحديد، والحشر، والصف، والجمعة، التغابن، والأعلى.
والآية المشار إليها قيل هي: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ [الحشر:21] . وقال ابن كثير: - والله أعلم-: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3] .
وتفسير هذه الآية كما قال ابن عطية: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ الأول: الذي ليس لوجوده بداية مفتتحة، والآخر: الذي ليس له نهاية مُنقضية.
وقيل: هو الأول بالأزلية، والآخر بالأبدية، وهو الأول بالوجود؛ إذ كلُّ موجود فبعده وبه.
والآخر: إذا نظر العقل في الموجودات حتى يكون إليه منتهاها، قال تعالى: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42] .
والظاهر: معناه بالأدلة ونظر العقول في صنعته، والباطن بلطفه وغوامض حكمته.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد - سبحانه وتعالى- بقوله: وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ الذي بهر وملك فيما ظهر للعقول، وفيما خفي عنها، فليس في الظاهر غيره حسب قيام الأدلة، وليس في باطن الأمر وفيما خفي على النظرة مما عسى أن يتوهم غيره.
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ: عام في جميع الأشياء عمومًا تامًا، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، يعلم السر وأخفى.
ومن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه-: اللهم ربَّ السماوات وربَّ الأرض وربَّ العرش العظيم، ربنا وربُّ كل شيء، فالق الحبِّ والنوى، ومنزّلُ التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من كل شرٍ أنت آخذٌ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنَّا الدين واغننا من الفقر.
وهذا خير تفسير الآية، فالظاهر: الذي ليس فوقه شيء، وفي ذلك إثبات لعلو الله تعالى على خلقه مع معيته وقربه منهم كما أخبر سبحانه.
وأما محبة هذه الآية فمن دلائل الإيمان، وحبّ الله تعالى، لأنها تتضمن صفاته تعالى وأسماءه، فقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه لأي شيءٍ كان يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه.
وأما ترديدها فلا مانع منه، وليس هو من باب البدعة، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: قل هو الله أحد، يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالّها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن.
والحاصل: أن الحديث حسن صالح للعمل والاحتجاج، وأن ترديد الآيات القرآنية وتكرارها لمعنى ما ليس من باب البدعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1520)
البديل الشرعي في التعامل مع الظلمة يغني عن قراءة (يس)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم فيما يعتقد فيه عندنا في مصر بشأن قراءة " عدة ياسين " في الظالم أو المعتدي فتحدث له عقوبة عاجلة من الله قد يفقد ماله أو يموت؟ وجزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما انتشر بين الناس من قراءة سورة يس بصفة مخصوصة، بقصد الإضرار بالغير، بدعة محدثة ليست من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالحين، بل طريقة قراءتها بتكرار آيات معينة منها، وإضافة آيات أخرى إليها أثناء قراءتها مما تواتر نقله في كتب السحر والكهانة، كما ذكر طريقة قراءتها أحمد بن علي البوني في كتابه المظلم "شمس المعارف الكبرى" وليعلم أن الأحاديث الواردة في فضل سورة يس إما ضعيفة وإما شديدة الضعف وإما موضوعة، وقد سبق بيانها في الفتوى رقم:
7008، والفتوى رقم:
12197.
ولمعرفة شروط العمل بالحديث الضعيف راجع الفتوى رقم:
19826.
وقد دلنا الله تعالى على كيفية التعامل مع الظالم والمعتدي، فبين فضيلة التسامح معه، وأباح الدعاء عليه، فقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43] .
وقال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا [النور:22] .
وقال تعالى في إباحة الدعاء عليه: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10] .
وقال تعالى عن موسى وأخيه: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم [يونس:88] .
وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم:
20322.
ومع الأسف الشديد فإن أكثر من يقوم بقراءة "يس" بالصورة المذكورة، من حفاظ القرآن ومعلميه، فنسأل الله أن يهديهم ويرشدهم إلى الصواب والعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(2/1521)
حكم نظم معاني القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[يسر مركز الخليج العربي للاستثمارات الدولية أن يتقدم بهذا البحث العلمي: تفسير القرآن الكريم شعرا. في27369. بيتا من الشعر بوزن واحد وقافية واحدة في حوالي (1300) صفحه ورقية-لأول مرة في التاريخ- وحيث إن آراء العلماء المتخصصين قد اختلفت في جواز تفسير القرآن الكريم شعراَ، ورغبة منا في نشره للعالم الإسلامي في نسخة ورقية. لذا نرجو بيان رأي القراء والمشاركين في جواز أو عدم جواز تفسير القرآن الكريم شعراَ وإمكانيه نشره وتداوله بين القراء. وفي حالة موافقتكم سوف نرسل إليكم تقارير الفحص العلمي والرسائل الواردة إلينا من الدول العربية حول الموضوع، والتي تتضمن الموافقة لبعضهم والرفض لآخرين راجيين مساعدتنا في الوصول إلى رأي نهائي لهذه الموسوعة العلمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعروف أن أهل العلم قد اختلفوا في حكم ترجمة القرآن الكريم، بناء على اختلاف مقاصدهم في حقيقة هذه الترجمة وما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد، وللباحث: محمد محمود كالو رسالة ماجستير بعنوان: ترجمة القرآن الكريم بين الحظر والإباحة. ناقش فيها حكم الترجمة بتفصيل وبيَّن فوائدها وأخطارها.
وإذا قلنا بجواز الترجمة لأنها إنما تكون لمعاني القرآن لا لألفاظه، فلا فرق بينها وبين تفسير القرآن، ولا يخفى أن بين القرآن وتفسيره فرقا واضحا.
قال الشاطبي في الموافقات: للغة العربية - من حيث هي ألفاظ دالة على معان - نظران:
أحدهما: من جهة كونها ألفاظا وعبارات مطلقة دالة على معان مطلقة، وهي الدلالة الأصلية.
والثاني: من جهة كونها ألفاظا وعبارات مقيدة دالة على معان خادمة، وهي الدلالة التابعة.
فالجهة الأولى: هي التي يشترك فيها جميع الألسنة، وإليها تنتهي مقاصد المتكلمين، ولا تختص بأمة دون أخرى ... وأما الجهة الثانية: فهي التي يختص بها لسان العرب في تلك الحكاية وذلك الإخبار.... وقد نفى ابن قتيبة إمكان الترجمة في القرآن يعني على هذا الوجه الثاني، فأما على الوجه الأول فهو ممكن، ومن جهته صح تفسير القرآن وبيان معناه للعامة ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل معانيه، وكان ذلك جائزا باتفاق أهل الإسلام، فصار هذا الاتفاق حجة في صحة الترجمة على المعنى الأصلي. انتهى.
وقد سبق لنا بيان أنه لا يجوز ترجمة نصوص القرآن الكريم، وأما ترجمة معانيه وتفسيره بلسان قوم آخرين فجائزة، بل قد تكون واجبة، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 8266، 63947، 32300.
وإذا عُلم هذا فإنا نقول: لا فرق في الحقيقة بين ترجمة معاني القرآن وبين نظم هذه الترجمة شعرا. فالنظم في الحقيقة ليس لألفاظ القرآن وإنما لمعانيه.
ومما يستفاد منه الجواز أيضا أن أهل العلم قد أباحوا تضمين القرآن في الشعر إذا صح القصد، بأن كان يضاهي مقصود القرآن، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 63619.
ومن المعلوم أن أهل العلم لا تزال عنايتهم متوفرة على نظم العلوم الشرعية ليسهل حفظها وترديدها، ولا شك أن معاني القرآن أولى بهذا، وقد نظم بعضهم غريب القرآن، كما فعل الحافظ العراقي في ألفيته في (غريب القرآن) . ناهيك عن نظم القراءات القرآنية. ولبعض علماء شنقيط- موريتانبا- نظم. في هذا الباب يسمى مراقي الأواه.
والخلاصة أن نظم معاني أو تفسير القرآن أمر جائز بل مندوب، بشرط صحة النظم من حيث المعنى، بحيث لا تلجئ ضرورة الشعر إلى التهاون في دقة التعبير وتمام الإصابة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(2/1522)
مسائل حول تفسير القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي ثلاثة أسئلة, أرجو إجابتها على وجه السرعة إن أمكن:
متى يكون التفسير قطعيا؟ هل يجوز الإجتهاد في التفسير؟ متى يكون مدلوله مستحيلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التفسير هو ما كان معتمداً فيه على النصوص القطعية مثل التفسير بالقرآن أو الأحاديث الثابتة.
ويكون المدلول مستحيلاً إذا استلزم تكذيب ما نص عليه في القرآن أو السنة الثابتة، وذلك مستحيل في حق الله تعالى فهو أصدق القائلين، كما قال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً. {النساء:122} ، فلا يمكن أن يكون كلامه يكذب بعضه بعضاً، قال الشيخ العثيمين في تفسيره:
التعارض في القرآن أن تتقابل آيتان بحيث يمنع مدلول إحداهما مدلول الأخرى مثل أن تكون إحداهما مثبتة لشيء والأخرى نافية. ولا يمكن أن يقع التعارض بين آيتين مدلولهما خبري، لأنه يلزم كون أحدهما كذباً وهو مستحيل في أخبار الله تعالى، قال الله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا ... وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً.
وراجعي الفتوى رقم: 8600 للاطلاع على ضوابط جواز الإجتهاد في التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1430(2/1523)
التفسير المبسط للقرآن للمبتدئين أمر هام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم تفسير القرآن بأسلوب مبسط للطالبات، وربط الآيات مع بعض بذكر أسباب النزول وتقريب للمعنى, لكي يسهل حفظه؟
ماحكم مس المرأه الحائض للتفاسير التي تكون عبارة عن مصحف كامل والتفسير بجوانبه أو بالهامش, ويكتب على غلافه كتاب تفسير وليس مصحف, كالتفسير الوجيز، وتيسير الكريم المنان, وغيرهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عمل تفسير مبسط للقرآن أمر مهم جدا إذ يساعد الطالبات على تدبر وتفهم القرآن، وهذا من آكد الأمور المتحتمة على من يريد دراسة وحفظ القرآن.
وأما مس الحائض لكتب التفسير فلا حرج فيه كما بيناه في الفتوى رقم: 2224.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(2/1524)
فسر أهل كل عصر القرآن كله حسب فهمهم وبما يناسبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تم تفسير القرآن الكريم من قبل المفسرين؟ أم يوجد آيات لم يتم تفسيرها كما يجب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التفسير المقصود منه توضيح كلام الله تعالى وبيان المراد منه، وهذا التوضيح والبيان يختلفان باختلاف الناس وأزمنتهم وأمكنتهم واهتمامهم وتخصصاتهم.. والقرآن الكريم هو خاتمة وحي السماء الذي ليس بعده وحي، ولذلك فإن كل عصر وكل أهل تخصص يكتشفون تفسيراً جديداً لبعض الآيات التي قد فسرت قبل ذلك بما يتناسب مع الزمان والمكان الذي فسرت فيه، وذلك لأن القرآن نزل بلغة العرب، وهي لغة واسعة، وعباراتها تحمل أوجهاً عدة، وعبارات القرآن تحمل معاني كثيرة وأوجهاً متعددة، وقد نقل الشوكاني في تفسيره عن عدد من السلف عبارات تدل على هذا المعنى، فمن ذلك قول علي رضي الله عنه: القرآن حمال ذو وجوه. وقول أبي الدرداء: لا تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوهاً.
وذلك دليل على إعجاز القرآن الكريم وصلاحه لكل زمان ومكان، وأنه كلام الله الذي لا تنقضي عجائبه، وأنه كتاب هداية يجد فيه الجميع ما يدلهم على طريق الحق، وكمثال على ذلك فقد فسر الأقدمون قول الله تعالى: ويخلق ما لا تعلمون. بقولهم: ويخلق ربكم مع خلقه هذه الأشياء التي ذكرها لكم ما لا تعلمون، ومما أعد في الجنة لأهلها، وفي النار لأهلها، مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر. وقيل: من أنواع الحشرات والهوام في أسافل الأرض والبر والبحر مما لم يره البشر ولم يسمعوا به. انظر تفسير الطبري والقرطبي.
وبما أن الآية جاءت في سياق تعداد نعم الله تعالى على الإنسان بالمراكب ووسائل النقل والاستمتاع بجمالها ... فقد فسرها المعاصرون بأنواع المراكب ووسائل النقل التي ظهرت في العصور الحديثة والتي لم يكن يعلمها الأقدمون ومن نزل عليهم القرآن.. وبداية الآية قول الله تعالى: وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا ... {النحل:5} ، إلى قوله تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:8} ، وكلا التفسيرين صحيح، وعموم الآية يقتضي ذلك وغيره مما يحتمله اللفظ، ولهذا لا يمكن أن نقول إن القرآن الكريم قد تم تفسيره كله تفسيراً نهائياً بحيث لا يمكن أن يفهم غير ما ذكر سابقاً في هذا العصر أو في المستقبل، ما دام ذلك وفق الضوابط التي ذكرها أهل العلم بالتفسير، كما أشرنا سابقاً.. ومع ذلك فلا شك أن كل أهل عصر قد فسروا القرآن الكريم كله حسب فهمهم وبما يناسبهم، والدليل على ذلك هذا الكم الهائل من كتب التفسير في كل عصر وكل مصر.. وقد صح عن التابعي الجليل مجاهد أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته ثلاث عرضات أقف عند كل آية اسأله فيم أنزلت وفيم كانت. رواه الدارمي والحاكم.. وقال الذهبي: على شرط مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1430(2/1525)
التفسير علم قائم مجمع عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال إن فيه اختلاف حول كلمة تفسير لأن القرآن لا يفسر، وأن جميع أجزاء كتب تفسير الشيخ الشعراوي غير اسمها بسبب كلمة تفسير، فهل فعلاً هذا الكلام صحيح؟ أي أنه لا تصح كلمة تفسير للقرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأنا لا نعلم نصا لأحد من أهل العلم المعتبرين في إنكار كلمة التفسير أو النهي عنها أو النهي عن تفسير القرآن، ويدل لعدم الحرج في هذه الكلمة ذكر كلمة تفسير في تسمية كثير من علماء السلف كتبهم في التفسير وتبويب المحدثين في كتب الحديث على كتاب التفسير في كتبهم كما عمل الشيخان وبعض أصحاب السنن وغيرهم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8600، 41213، 111051.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1430(2/1526)
هل ورد عن الرسول قول مأثور يقال عقب آخر آية من سورة الملك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قول شيء بعد تلاوة الآية الأخيرة من سورة الملك: (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على قول مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد قراءة الآية التي سألت عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1429(2/1527)
تفاسير هامة يحسن دراستها وتدريسها
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أمكن أن تطلعوني على تفاسير موثقة ومحققة للقرآن الكريم قد حققها علماء ثقات وذلك حتى أعتمد عليها في تدريس الطلاب -بعد اعتمادي على الله-]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتب التفسير مختلفة من حيث الاهتمام من مفسر لآخر، فهناك كتب تفسير بالمأثور مثل تفسير الطبري وتفسير ابن كثير وهو يحوي زبدة تفسير الطبري، أو أحد مختصرات ابن كثير مثل (عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير) ، للشيخ أحمد شاكر أو (تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير) للشيخ محمد نسيب الرفاعي، وكذلك من التفاسير المقررة لمنهج أهل السنة والجماعة، ويناسب المبتدئين في طلب العلم، كتاب (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) للشيخ السعدي. وكذلك تفسير أضواء البيان للعلامة الأمين الشنقيطي فهو تفسير رائع ويهتم بتحقيق المسائل المتعلقة بالعقيدة، وكذلك كثير من المسائل الفقهية المختلف فيها. وإن كان هو لم يتعرض لتفسير كل القرآن. وكذلك تفسير القرطبي فإنه من أحسن كتب التفاسير ولاسيما في مجال أحكام القرآن وبيان معاني ألفاظه وكلماته اللغوية، وقد نهج منهج أهل السنة والجماعة في كثير من مسائل العقيدة، ووافق بعض الأشاعرة في تأويل بعض آيات الصفات، فينبغي مقارنة ما يذكره في آيات الصفات بما يذكره المفسرون الذين تحروا التمسك بمنهج السلف كابن كثير أو غيره.
وكذلك فتح القدير للشوكاني فهو جيد، وكذلك مختصره زبدة التفاسير للشيخ الأشقر.
وهناك تفاسير أخرى، ولكن ينبغي التنبه أثناء القراءة فيها مثل الكشاف للزمخشري فإنه من كتب التفسير التي يحذر منها علماء أهل السنة حيث تكثر فيه الانحرافات العقدية، وينتصر فيها مصنفوها لبدعتهم، -إلا أن طالب العلم المتقدم يستطيع أن يتجنب ما فيه من طوام والانتفاع بما فيه من مباحث لغوية- وكذلك تفسير الجلالين فإنه عظيم في بابه فإن تفسير الجلالين من التفاسير النافعة عظيمة القدر، وقد انتفع به خلق كثير، غير أنه فيه بعض الأخطاء، بعضها متعلق بتأويل بعض آيات الصفات على طريقة الأشاعرة. وبعضها متعلق بقصر العام على بعض أفراده. وبعض الأخطاء متعلق بإيراده لبعض الإسرائيليات. وقد جمع الشيخ محمد عبد الرحمن الخميس هذه الهنات ومثل لها في كتيب صغير سماه: أنوار الهلالين في التعقبات على الجلالين.
وأما الكتب التي توضح الإسرائيليات في كتب التفسير، فمن أحسنها كتاب (الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير) للعلامة الدكتور محمد محمد أبو شهبة، وكذلك من التفاسير التي اهتمت بالتأملات في الآيات وربطها بالواقع ومن أجملها "في ظلال القرآن" لسيد قطب رحمه الله. وتراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27101، 66635، 94550.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1429(2/1528)
الدروس المستفادة من سورة الأنفال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الذي يؤخذ من سورة الأنفال?]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
سورة الأنفال نزلت عقب غزوة بدر الكبرى وهي من السور المدنية التي تعنى بجانب التشريع، وقد ركزت على التشريع في جانب الجهاد في سبيل الله وما يتعلق به.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمنت سورة الأنفال من الحكم والأحكام والدروس والعبر.. ما لا يتسع المقام لذكره، لكن حسبنا هنا أن نشير إلى أن سورة الأنفال من السور المدنية التي عنيت بجانب التشريع، وخاصة ما يتعلق منه بالغزوات والجهاد في سبيل الله ... فقد تضمنت كثيرا من التشريعات الحربية والتوجيهات الإلهية التي يجب على المؤمنين اتباعها.. كما تناولت جانب السلم والحرب وأحكام الأسرى والغنائم.
وقد نزلت هذه السورة الكريمة في أعقاب غزوة بدر الكبرى التي كانت فاتحة الغزوات في تاريخ الإسلام، ولذلك سماها بعض الصحابة سورة بدر؛ لأنها تناولت أحداث هذه الغزوة بشيء من التفصيل..
وكان ذلك في رمضان من السنة الثانية للهجرة النبوية..
وفي ثنايا سرد أحداث هذه الغزوة تكررت النداءات الإلهية لعباد الله المؤمنين بهذه الصفة الرفيعة؛ صفة الإيمان: يأيها الذين آمنوا.. لتذكيرهم بأن هذه التكاليف والتوجهيات.. من مقتضات الإيمان الذي وصفوا به، وأن النصر الذي أحرزوه إنما كان بسبب تحليهم بالإيمان ومقتضياته لا بكثرة العدد والعدة..
وختمت السورة الكريمة ببيان أن الولاية بين المؤمنين مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم وتباعدت ديارهم.. فهم أمة واحدة وعليهم نصر الذين يستنصرونهم في الدين، كما أن الكفر ملة واحدة، وأنه لا ولاية بين المؤمنين والكافرين.
وهذا ما يجب أن يعيه المؤمنون في كل زمان ومكان.
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد مما تضمنته هذه السورة الكريمة من الدروس والعبر في كتب التفسير..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1429(2/1529)
تفسير قوله تعالى: فلما بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على اهتمامكم برسالتي:
أما الآيات التي لا أقتنع بتفسيرها فهي: فلما بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا، وحتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا....
أما التفسير فمعناه أن ذا القرنين وصل في سيره أقصى الأرض المعمورة من جهة الغرب ووجد هناك القوم الذين تحدث عنهم القرآن عند العين الحمئة التي رأى ذو القرنين وكأن الشمس تغرب فيها، وكذلك وصل إلى أقصى الشرق فوجد هناك قوما تقول بعض التفاسير أنهم لم يكن هناك ما يسترهم من الشمس من مباني أو أشجار أو ربما لا يتخذون ملابس كافية، أنا غير مقتنعة بهذه التفسيرات والأسباب هي:
1- الله سبحانه وتعالى يقول: حتى إذا بلغ مغرب الشمس. وحتى إذا بلغ مطلع الشمس.
ولو كان المعني هو أًٌقصى الأرض من الغرب ومن الشرق لقال مغرب الأرض ومشرق الأرض لأن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأعراف: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها. الآية.
لو تأملناها نرى أنها تتحدث عن مكان معين وكأن الشمس تغرب منه من الكرة الأرضية ومكان محدد، وكأن الشمس تطلع منه على الكرة الأرضية.
2- عندما يشاهد الإنسان الغروب فإن قرص الشمس يكون على مرمى البصر عند الأفق الغربي، الإنسان يرى الشمس لأنها قرص كبير، لو كان المتأمل على شاطئ البحر يمكن أن يرى قرص الشمس وكأنه يغيب فيه لأن البحر ممتد لنهاية بصره، ولكن كيف للرائي على كل هذاالبعد أن يرى العين الحمئة التي تغرب فيها الشمس والأكثر من ذلك أن يرى القوم الذين هم عند هذه العين أو عند قرص الشمس الغارب.
3- إذا كان ذو القرنين قد اتجه إلى أقصى الأرض المعمورة من جهة الغرب ثم رأى على مرمى البصر عند الأفق قوما هناك مازالوا إلى الغرب وسار حتى وصل إليهم فهو إذا لم يكن قد وصل إلى أقصى الغرب، عندما رآهم فما معنى حتى إذا بلغ مغرب الشمس؟
4- مكان الشمس عند الغروب يتوقف على مكان الرائي وعلى الارتفاع الذي ينظر منه وكلما تحرك تحرك القرص معه بما يعني أنه لا يمكن ربط مكان هؤلاء القوم بقرص الشمس الغارب، ولكن كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يدل على أن مكان هؤلاء القوم محدد بالمكان الذي تغرب فيه الشمس بما يعني أن غروب الشمس هو في مكان محدد لا يعتمد على مكان الرائي أو هو مكان قريب جدا من الرائي بحيث يمكن تحديده عندما تغرب الشمس ولا يمكن أن يكون هذا عند خط عرض كبير مثل خط الاستواء فهل يمكن حدوث مثل هذا الغروب الحاد القريب في أقصى شمال الكرة الأرضية أو أٌقصى جنوبها؟
5- إذا كان الموضوع موضوع اتجاهات سار فيها ذو القرنين أقصى الغرب وأقصى الشرق فلماذا الحديث عن حال الشمس كيف كان غروبها وكيف كان طلوعها، إذا كان المقصود مكان وصل إليه ذو القرنين وقوم تعامل معهم ما فائدة الحديث عن الشمس، هذه الأماكن أقصى الشرق وأقصى الغرب لا تختلف عن غيرها بالنسبة لوضع الشمس عند الشروق والغروب، الشمس كما هو معلوم دائمة الشروق والغروب والمطالع والمغارب مستمرة على سطح الكرة الأرضية، وأقصى الغرب يقع إلى الشرق من أقصى الشرق وهكذا، مرة أخرى وصف الشمس في هذين الموضعين يدل على حالة خاصة للشمس لا تتحقق بهذه التفسيرات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى المسلم الذي يشكل عليه فهم آية من كتاب الله أن يدعو الله بأن يمنَّ عليه بالفهم، ويجتهد في طلب العلم من العلماء الراسخين، وعليه أن يكف عن الخوض في معاني القرآن الكريم بدون اتخاذ الوسائل الصحيحة للوصول إلى الحقائق.
وقد فسر جماهير المفسرين الآيات السابقة بما لا يدع إشكالا، ولو راجعت السائلة عددا من التفاسير المعتبرة لوجدت أن الآية لا إشكال فيها ولا تناقض حقيقة علمية ثابتة أبدا.
قال القرطبي: ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسها؛ لأنها مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض، ولهذا قال: حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىَ قَوْمٍ لّمْ نَجْعَل لّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً، ولم يُرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم..
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: أي رأى الشمس تغرب في البحر المحيط، ومقتضى كلامه أن المراد بالعين في الآية البحر المحيط، والعين تطلق في اللغة على ينبوع الماء، فاسم العين يصدق على البحر لغة، وكون من على شاطئ المحيط الغربي يرى الشمس في نظر عينه تسقط في البحر أمر معروف، وعلى هذا التفسير فلا إشكال في الآية، والعلم عند الله تعالى.
وقال السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: أعطاه الله ما بلغ به مغرب الشمس، حتى رأى الشمس في مرأى العين كأنها تغرب في عين حمئة أي سوداء، وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس الغربي ماء رآها تغرب في نفس الماء وإن كانت في غاية الارتفاع.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10596، 22383، 72121.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1429(2/1530)
حكم التفسير بالرأي والمقصود به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى عدم تفسير القرآن بالرأي وهل لا يجوز التدبر في آيات الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتدبر هو قراءة القرآن بحضور قلب تفهما لآيات القرآن وما فيها من أوامر ونواه، فإن أشكل أمر رجع إلى مظانه من كتب التفسير أو سأل ذا علم، وهو مطلوب شرعا، ولا تعارض بينه وبين ذم التفسير بالرأي المذموم لأن التفسير بالرأي المذموم هو تأويل كتاب الله والإخبار عن مراده خلافا لنص مفسر للمعنى في آية أو حديث أو خلافا لاتفاق السلف أو لغة العرب أو بلا تحر ولا رجوع لمصادر هذا العلم، وكل هذا مذموم وداخل تحت التفسير بالرأي. وللاستزادة انظر فتاوانا ذات الأرقام التالية: 8600، 9186، 31173.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(2/1531)
تفسير العلماء الأوائل لآيات القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قام العلماء الأوائل بتفسير جميع الآيات، وهل هناك من الآيات التي لم تفسر لكونها واضحة ولا تحتاج إلى تفسير؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المفسرين الأوائل لم يتركوا آية إلا وتناولها بعضهم بالتفسير والإيضاح والاستنباط منها، ولا شك أن الناس تتفاوت أفهامهم، فمنهم من يشكل عليه ما لا يشكل على غيره وقد حصل هذا في عهد الصحابة فهناك آيات لم يفسرها الرسول لعدم إشكال عندهم فيها، ولكن المفسرين بعد العهد الأول خدموا القرآن خدمة جليلة حيث كانت هناك عدة اتجاهات في التفسير، فمنهم من اعتنى بالمأثور، ومنهم من اعتنى بجوانب الأحكام إلى غير ذلك.
ومع ذلك لا يزال القرآن بحراً معيناً يغترف منه أهل العلم ويتناولونه بالبسط والإيضاح والاستنباط، ويتضح ذلك جلياً لمن تناول كتب التفسير التي ألفت في القرن الهجري الماضي، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59195، 77685، 108900، 107043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1429(2/1532)
المرتكز الذي فسر النبي القرأن الكريم على أساسه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتمحور حول شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم, هل كان شرحه مرتبطا بالثوابت في عهده قابلا للتغير بتغير الزمان والمكان والأحداث وظهور أشياء جديدة وجب التماس المرجع في الكتاب والسنة لها. أم أن هذا الشرح كان شموليا صالحا لكل زمان ومكان غير قابل للاجتهاد والتأويل. وأريد أن أعرف هل شرح الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كاملا لأصحابه فإن كان كذلك فكيف شرح الآيات التي تدل على الحقائق العلمية التي لم يثبتها العلم إلا حديثا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الناس في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا يحتاجون إلى تفسير القرآن الكريم احتياج من بعدهم؛ لأن التفسير يرتكز أساسا على ورود النص ودلالته؛ فمن ناحية الورود: الناس في ذلك الوقت يشاهدون نزول الوحي ويعايشون الأحداث والوقائع.. فلا يحتاجون إلى إثبات شيء من ذلك.
ومن ناحية الدلالة: فجلهم- إن لم نقل كلهم- كانوا عربا فصحاء بالسليقة لا يمترون في مدلولات الألفاظ وأساليب لغة العرب (لغتهم الأصلية) التي نزل بها القرآن وهم مع ذلك على الفطرة السليمة لم تتلوث عقولهم الصافية بالأفكار والفلسفات الأرضية التي كدرت عقول غيرهم
ولمعايشتهم لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- ومراحل الدعوة وفهم روح الإسلام ومقاصده.. لم تكن لهم حاجة إلى تفسير القرآن.
ولذلك كان تفسير النبي- صلى الله عليه وسلم- للقرآن الكريم مركزا على الجانب العملي أكثر من النظري؛ يطبقه في حياته وفي واقع الناس؛ فكان خلقه القرآن وعمله القرآن، وهكذا كل شيء في حياته مصداقا لقول الله تعالى " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " فبين صلى الله عليه وسلم ما يحتاج إليه بالقول وهو قليل، ولكن البيان العملي كان هو الأساس.
وكان صلى الله عليه وسلم يكلم الناس على قدر عقولهم وحسب واقعهم وما يفهمون..
ولهذه الأسباب وغيرها فإن القرآن الكريم لم يفسر في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا في عهد خلفائه الراشدين تفسيرا شاملا لكل ما تحتمله دلالات ألفاظه.
وبما أن القرآن الكريم كلمة الله الأخيرة إلى الناس كافة ومعجزة الإسلام الخالدة فإن معانيه تظهر للناس وتتجدد في كل زمان وكل مكان وعلى أيدي من رزقهم الله تعالى حسن فهمه وفتح لهم من علومه.. وهذا الفهم هو ما أشار إليه سيدنا علي - رضي الله عنه- عندما سئل هل خصهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشيء أو عندهم شيء ليس عند الناس؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن أو فهما يعطيه الله رجلا في القرآن. وللمزيد انظر الفتويين: 14652، 74391.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1429(2/1533)
يحتاج المفسر إلى رسوخ قدمه في علوم عديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أقدم للناس تفسير آية ما بذكر المفسر فقط دون ذكر الرواة كما جاء في التفسير مثلاً قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك ... إلى غير ذلك؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن تفسير القرآن الكريم منزلة عظيمة يحتاج صاحبها إلى رسوخ قدمه في عدد من العلوم؛ وخاصة علوم القرآن وعلوم اللغة العربية وقواعدها وأصول الشريعة ومقاصدها، وقد جاء التحذير من تفسير القرآن الكريم بالرأي ولمن لم يكن عالماً بأصول التفسير وقواعده، ففي صحيح مسلم: أن رجلا جاء إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال له: تركت في المسجد رجلاً يفسر القرآن برأيه ... فقال عبد الله: من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم.
وفي جامع الترمذي مرفوعاً: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ. وفي رواية: فليتبوأ مقعده من النار. قال ابن تيمية في الفتاوى:.. لأنه لم يأت الأمر من بابه، فهو كمن حكم بين الناس على جهل في النار وإن وافق حكمه الصواب.
وأما نقل التفسير عن السلف الصالح كابن عباس وغيره فلا مانع منه، بل هو الأفضل، ولكن على الناقل أن يتثبت من صحة النقل، وينسب الأقوال إلى قائلها، ويبين المصادر والمراجع التي أخذها منها وبذلك تبرأ ذمته، ما دام المصدر الذي أخذ عنه مصدرأً موثوقاً به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1428(2/1534)
التفاسير التي تذكر مفهوم السورة إجمالا قبل الشروع في تفسيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة عن اسم كتاب يتحدث عن الأفكار الرئيسية لكل سورة من سور القرآن حتى تعين على التدبر عند قراءة القرآن. وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أحسن الكتب في هذا المجال تفسير سيد قطب رحمه الله (في ظلال القرآن) وتفسير الطاهر بن عاشور (التحرير والتنوير) ، فإنهما يذكران في تفسير أول السورة ما حوته السورة إجمالا ثم يبدءان بالتفصيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(2/1535)
اختلاف أفهام المفسرين في مرجع الضمائر في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد في القرآن ضمائر يختلف فيها على من تعود؟ , وهل هذه الظاهرة جديرة بالدراسة؟، أرجو المساعدة في الكتب التي تناولت هذه الظاهرة أو الآيات المختلف فيها على مرجعية الضمير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في القرآن الكريم ضمائر كثيرة اختلف المفسرون فيما تعود إليه، واختلافهم هذا ليس اختلاف تباين وتضاد وإنما هو اختلاف تنوع واجتهاد وتوسعة في المعنى، ومن الأمثلة على ذلك قول الله تبارك وتعالى: فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ... {البقرة:66} ، فقد اختلف المفسرون في مرجع الضمائر المذكورة، فقال بعضهم: هي العقوبة، وقيل: الأمة، وقيل: القرية، وقيل: القردة، وقيل: الحيتان.
وكذلك في قوله تعالى: وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ {آل عمران:80} ، اختلفوا فيها: هل مرجع ضمير الفاعل في (يأمركم) عائد على بشر، أو على الله تعالى. وفي قول الله تعالى حكاية عن الكفار: قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا {الأنعام:31} ، هل يعود إلى الساعة، أو الحياة، أو الأعمال الصالحة، أو الجنة.
وقد يترتب على الخلاف في مرجع الضمير خلاف في الأحكام الفقهية العملية تبعاً لذلك, ومثاله الخلاف في ضمير (لا يمسه إلا المطهرون) فقيل هو اللوح المحفوظ، وقيل هو ما بأيدي الملائكة، وقيل هو المصحف الذي بأيدينا، وهذا الموضوع طويل والأمثلة عليه كثيرة وهو جدير بالاهتمام والدراسة. فمن بلاغة هذا الكتاب العظيم وإعجازه أنه يتناول معاني كثيرة في عبارة وجيزة.
وبخصوص الكتب التي تناولت هذا الموضوع بالذات فإننا لم نقف على كتاب أو مؤلف تناوله بالخصوص، ولكنه يوجد بكثرة متفرقاً في كتب التفسير وعلوم القرآن وغيرها وخاصة روح المعاني للألوسي، والتحرير والتنوير لابن عاشور، وأضواء البيان للشنقيطي، وأحكام القرآن للجصاص وابن العربي وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1427(2/1536)
تفسير البيضاوي ليس فيه إقرار لدعاوى النصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل ما هي حقيقة تفسير البيضاوي وما هي سيرته وهل يعتد بتفسيره مثل القرطبي وابن كثير مثلا لأن النصارى يستشهدون به على كثير من معتقداتهم منها صلب المسيح ويقولون إن البيضاوي يقول إن الناسوت قد صلب ويستشهدون به في حقائق كثيرة عندهم فأرجو الإفادة ومعرفة هل هذا التفسير صحيح أم لا الأمر جد خطير أرجو سرعة الإجابة؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البيضاوي مفسر من المفسرين، وهومن التفاسير المعتبرة في الجملة، وتفسيره ليس فيه إقرار لدعاوى النصارى وتناقضاتهم الباطلة، وإنما ذكر في تفسيره ما ذكر من صلب الناسوت ضمن الأقوال التي نقلها عن المختلفين في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام، فيبين بعض أكاذيبهم التي لم يستندوا فيها إلا على الظن المبني على الجهل وليس إقرارا منه لها، ذكر ذلك عند تفسير قوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ {النساء: 158} ولا يستغرب من نصارى العصر أن يفهموا فهما خاطئا كما اعتقدوا ما لا تقبله العقول السليمة من التثليث والاتحاد وكون الرب يقتل ويصلب ويعجز عن الانتصار لنفسه أو لابنه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 6238، 30506، 9985، 10326، 6472.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(2/1537)
قلما يخلص مصنف من الهفوات
[السُّؤَالُ]
ـ[لله الحمد فقد بدأت في طلب العلم ومستمر ولله الحمد في حفظ القرآن وإني محب لعلم التفسير واقتنيت مجموعة طيبة من التفاسير من أحبها إلي (أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري، والمصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير لمجموعة من العلماء بإشراف الشيخ صفي الرحمن المباركفوري) ، ولكن حينما أخبرت أحد المشايخ من أصحاب العلم الواسع قال لي إن تفسير الشيخ الجزائري عليه ملاحظات وقد أخبرناه بها ووعد بتعديلها إن شاء الله ونصحني بتفسير ابن كثير، فما توجيهكم؟ جزاكم الله خيراً.
وأيضا أخبرني نفس الشيخ حينما سألته عن كتاب (نزهة المتقين شرح رياض الصالحين) أخبرني أن فيه أخطاء في العقيده وحذرني من اقتنائه ونصحني بالكتب السته، فما توجيهكم؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن تفسير ابن كثير هو واحد من التفاسير المعتمدة التي يحسن لطالب العلم اقتناؤها، والذي عرفناه عن كتاب (أيسر التفاسير) لأبي بكر الجزائري، أنه أحد التفاسير المعاصرة الواضحة، التي حوت كثيراً من الفائدة، ولا مانع من وجود بعض الملاحظات فيه، فقلما يخلص مصنف من الهفوات أو ينجو مؤلف من العثرات.
وبالنسبة لكتاب (نزهة المتقين شرح رياض الصالحين) فإنك لم تخبرنا عن الأخطاء التي أخبرك الشيخ أنها فيه حتى نبين لك ما إذا كانت حقا أخطاء أم لا.
وعلى كل حال فالذي ننصحك به هو أن تعتمد على شيخ موثوق فيه في الفن الذي تريد التفقه فيه، لا أن تعتمد على الكتاب وحده، فإن ذلك قد يؤدي بك إلى فهم خاطئ لما أراده المؤلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1426(2/1538)
تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[1_ ماهي الآية التي فسرها الرسول للصحابة؟
2_ مامعنى التفسير؟
3_ مامعنى التأويل؟
4_ ما الفرق بين التفسير والتأويل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة رضوان الله عليهم آيات كثيرة إلا أنه لم يفسر لهم القرآن كاملاً. ومن الآيات التي فسرها لهم قوله تعالى: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ {الأنعام: 82} فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لما نزلت: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ {الأنعام: 82} الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لا يظلم نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ {لقمان: 13} متفق عليه
وغيرها من الآيات فينبغي تحديد الآية المقصودة.
وأما الجواب عن معنى التفسير والتأويل والفرق بينهما فانظر فيه الفتوى رقم: 12101.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1426(2/1539)
كتب التفاسير والإسرائيليات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كتب التفاسير التي حذر منها العلماء، وما هي الكتب التي توضح الإسرائيليات في التفسير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتب التفسير التي يحذر منها علماء أهل السنة هي التي تكثر فيها الإنحرافات العقدية، وينتصر فيها مصنفوها لبدعتهم، مثل تفسير (الكشاف) للزمخشري - إلا أن طالب العلم المتقدم يستطيع أن يتجنب ما فيه من طوام والانتفاع بما فيه من مباحث لغوية- أو التفاسير التي تكون بمحض الرأي أو التي يكثر فيها الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والواهية أو التي يكثر فيها ذكر الإسرائيليات دون تعقب لها.
وفي كتب التفسير السالمة من تلك المعايب غنية لطالب الحق، مثل (تفسير القرآن العظيم) للحافظ ابن كثير، أو أحد مختصراته مثل (عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير) ، للشيخ أحمد شاكر أو (تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير) للشيخ محمد نسيب الرفاعي.
وكذلك من التفاسير المقررة لمنهج أهل السنة والجماعة، ويناسب المبتدئين في طلب العلم، كتاب (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) للشيخ السعدي.
وأما الكتب التي توضح الإسرائيليات في كتب التفسير، فمن أحسنها كتاب (الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير) للعلامة الدكتور محمد محمد أبو شهبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(2/1540)
ملاحظات على تفسير الجلالين
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني المشايخ جزاكم الله خيرا، سؤالي حول تفسير الجلالين، أرغب بمعرفة جميع الأخطاء الموجودة فيه. وإرشادي إلى كتاب يحويها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تفسير الجلالين من التفاسير النافعة عظيمة القدر، وقد انتفع به خلق كثير، غير أنه فيه بعض الأخطاء، بعضها متعلق بتأويل بعض آيات الصفات على طريقة الأشاعرة. وبعضها متعلق بقصر العام على بعض أفراده. وذلك أن اللفظ أحياناً قد يصدق على عدة معان ويطلق عليها ويحتملها كلها أو يقصد به مجموعها، فلو قيل بأحدها فقط وطرح الباقي ولم يلتفت إليه لكان اطراحاً لمعان حقة هي جزء من مدلولات اللفظ. وبعض الأخطاء متعلق بإيراده لبعض الإسرائيليات. وقد جمع الشيخ محمد عبد الرحمن الخميس هذه الهنات ومثل لها في كتيب صغير سماه: أنوار الهلالين في التعقبات على الجلالين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1426(2/1541)
حول تفسير التحرير والتنوير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل محمد الطاهر بن عاشور صاحب التحرير والتنوير من أهل السنة والجماعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على اتصالك بنا ونفيدك أن موقعنا ليس معنياً بتقييم الأشخاص والحكم على مناهجهم وعقائدهم، وكتاب التحرير والتنوير الذي ذكرته يحتوي كثيراً من الفوائد المهمة المفيدة لطلاب العلم، ولا سيما في مجال توضيح أسلوب القرآن والكلام على ما فيه من البلاغة، وليعلم أن العصمة ليست لأحد بعد الرسل، وإن كل العلماء يؤخذ من قولهم ما وافق الحق والصواب ويرد ما خالف الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1426(2/1542)
التفسير والمفسرون
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفسر جل القرآن ولم يفعل ذلك صحابته الكرام واليوم نرى تفاسير لجل القرآن قد تتعارض في كثير الأحيان قد تصل إلى القول في الغيبيات وفي تفسير الحروف التي في أوائل السور والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار فما حكم هذا الكم الهائل من التفاسير التي تضرب بعضها بعض والرسول صلى الله عليه وسلم يقول مالكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الله تعالى أنزل كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم ليتلوه المسلمون ويتدبروا معانيه ويعملوا بمحكمه ويؤمنوا بمتشابهه، كما قال تعالى: الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ {البقرة: 121} . وقال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ {ص: 29} .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبينه لأصحابه ويفسر لهم ما احتاجوا إليه من تفسيره، كما أمره الله تعالى بقوله: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ {النحل 44} .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يشجع أصحابه على فهم القرآن، ويدعو لهم بالتفقه في الدين، وعلم التفسير والتأويل. ففي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب رضي الله عنه: أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر أتدري أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. فضرب في صدري، وقال: والله ليهنك العلم أبا المنذر.
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس: الل هم فقهه في الدين. وفي رواية غيره: وعلمه التأويل. فكان ابن عباس رضي الله عنهما مدرسة للعلوم الشرعية ولعلم التفسير خاصة الذي أصل المعارف الشرعية.
ومن مدرسته تخرج مجاهد بن جبر الذي قال عنه ابن كثير وغيره من أهل العلم: إنه كان آية في التفسير.. ونقل عنه أنه قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها. وقال عنه سفيان الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
وهكذا كان أصحاب ابن عباس وغيرهم من علماء السلف، فكان سعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء والحسن ومسروق وسعيد بن المسيب وأبو العالية والربيع وقتادة.. وغيرهم من التابعين وتابعيهم يفسرون القرآن فكانوا يفسرون القرآن بالقرآن وبالسنة، وبما جاء عن الصحابة الذين هم أعلم الناس بالوحي، لأنهم شاهدوا نزوله وعاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم أعلم بلغة العرب التي نزل بها القرآن.
وهذه من أهم أصول التفسير ومنهجه الذي سار عليه أئمة التفسير وعلماء الأمة بعد ذلك. وقد قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقال ابن كثير: فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه في مظانه وتعلمه وتعليمه، كما قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون عشر آيات ولا يأخذون العشر الأخرى حتى يأخذوا ما في هذه من العمل والعلم، كما روى أصحاب السنن عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود وغيره.
إذا علمنا هذا، فلنعلم أن التفسير لا يعد تفسيرا مقبولا ومعتبرا إلا إذا روعيت فيه أصول التفسير التي استمدها علماء الإسلام من الكتاب والسنة وعمل الصحابة، وبإمكانك أن تطلع عليها في مقدمة كتب التفسير المعتبرة مثل تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، وفي مقدمة أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ولا ينبغي أن ننزعج أو تضيق صدورنا إذا رأينا خلافا بين الأئمة والعلماء فيما يكون الخلاف فيه مقبولا، فقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في الفروع وفيما يحتمل وجوها عدة، وهذا الاختلاف رحمة وتوسعة وإثراء للتفسير والفقه الإسلامي، ولهذا قال العلماء: اختلاف الأئمة رحمة واسعة وإجماعهم حجة قاطعة.
وربما كان الخلاف بينهم خلافا لفظيا وهذا هو الأكثر في تفسير السلف.
والقرآن الكريم بحر زاخر حوى من معارف الأولين والآخرين وعلوم الدين والدنيا ما يحتاج إليه الناس لهدايتهم وإصلاح حالهم.
ولن تنتهي عجائبه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه معجزة الإسلام الخالدة وخاتمة وحي الله تعالى إلى عباده، فلا يمكن أن يكتفي بتفسيره في عصر من العصور أو مصر من الأمصار.. فكل أهل عصر أو أهل مصر يغرفون من بحره حسب علمهم وفهمهم، وما يهتمون به من معارف، ويستخرجون من كنوزه ما يفتح الله تعالى به عليهم، ولهذا نلاحظ تفسير الفقهاء، وتفسير أهل اللغة والأدب، وتفسير أهل الدعوة والإصلاح، وتفسير أهل التربية والأخلاق.
وفي العصر الحديث نجد التفسير في الإعجاز العلمي للقرآن، فالكل يغرف من بحره قدر إنائه وحسب تخصصه.
وأما قول السائل الكريم "من قال في القرآن.. الحديث، رواه الترمذي والنسائي، فقال عنه أهل العلم: إن ذلك في من قال فيه بما سنح له في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالأصول، وإن من استدل على حكم واستنبط فحمله على الحكم المتفق على معناه فهو ممدوح مأجور، وهو ممن قال الله تعالى فيهم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ قاله الجصاص.. وقال عنه ابن كثير: لأنه تكلف ما لا علم له به وسلك غير ما أمر به. وقال عنه القرطبي: من قال في القرآن قولا يعلم أن الحق غيره فليتبوأ مقعده ...
والذي لا شك أن الصحابة وغيرهم من السلف الصالح كانوا يفسرون القرآن بما ظهر لهم وفق المنهج الذي أشرنا إلى بعض قواعده.
فقد روى البخاري وغيره عن أبي جحيفة أنه قال لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي غير ما في كتاب الله؟ قال لا، والذي فلق الحب وبرأ النسمة لا أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن..
وقد ذكرنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس.
وأما حديث: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض، فقد رواه الإمام أحمد وصححه الأرناؤوط، ولكنه جاء في سياق النهي عن الخوض في القدر وليس في النهي عن التفسير، ونصه كما في المسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض، بهذا هلك من كان قبلكم.
والحاصل أن الصحابة كانوا يفسرون القرآن، بل كانوا يقرأون عشر آيات ولا يتجاوزونها حتى يعلموا معناها وكان السلف يفسرون القرآن ولكن ذلك كان مضبوطا بأصول ثابتة ومنهج واضح لا يجوز لمن لم يتوفر فيه أن يقحم نفسه في تفسر القرآن وهو المقصود بالوعيد المكور.
واما هذا الكم الهائل من التفاسير فهو ثروة عظيمة ينبغي للعلماء أن يغوصوا فيها ويستخرجوا دررها ويصححوا ما فيها من أخطاء، فكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1426(2/1543)
التفسير.. معناه وأقسامه
[السُّؤَالُ]
ـ[تعريف التفسير والآراء:]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتفسير مأخوذ من فَسَرَ، والفَسْرُ هو كشف المغطى، فالتفسير لغة هو كشف المراد من اللفظ المشكل، كما ذكر صاحب "لسان العرب".
والتفسير علم شرعي معروف، المراد منه إيضاح كلام الله تعالى، وبيان المراد منه، ومعناه اصطلاحا، كما أورده صاحب "روح المعاني": (1/4) علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولها وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، وتتمات لذلك كمعرفة النسخ وسبب النزول ومنه توضيح ما أبهم في القرآن، ونحو ذلك. انتهى.
وله قواعد وضوابط وضعها العلماء تناولها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمته في أصول التفسير، وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في مقدمة تفسيره أن أصح التفاسير ما كان بالقرآن والسنة، أي تفسير القرآن بالقرآن، ثم تفسير القرآن بالسنة، ثم ما كان بأقوال الصحابة، ثم بأقوال أئمة التفسير من التابعين، ثم ما كان بلغة العرب.
أما الرأي، فلعل مقصود السائل هو التفسير بالرأي المجرد، فهذا يخضع للتمحيص، فإن كان موافقا للكتاب السنة ولغة العرب، فإنه يقبل، وإلا، فإنه يرد، لأن الرأي هنا يرادف الهوى، وهنالك تفاسير بالرأي منها المحمود ومنها المذموم لمخالفته النصوص، كتفاسير الباطنية والجهمية وغيرهما، كل فيما يوافق بدعته.
وللفائدة، راجع الفتوى رقم: 1556، والفتوى رقم: 17498.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(2/1544)
قواعد التفسير النافعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أرجو أن تفيدوني حول محمد البلبيسي وتفسيره الغريب لبعض آيات القرآن الكريم؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشخص المذكور في السؤال غير معروف لدينا، ولم نقرأ له شيئاً في التفسير، وبالتالي لا يمكننا الحكم عليه، لكنك لو أرسلت إليناً نموذجاً من أقواله، أو دللتنا على أحد كتبه لكان أفضل، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20711، 8600، 16725، 20704، 20598، 25002.
فستجد فيها القواعد النافعة للتفسير، مع التعرف على المراجع الأصيلة والكتب النافعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1424(2/1545)
تفسير القرآن الكريم ... وأوائل من قاموا به
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أول من ألف في علم تفسير القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتفسير كعلم من العلوم كان موجوداً منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألونه عما أشكل عليهم، وفي عهد الصحابة كانت هنالك مدارس للتفسير في مكة والمدينة وغيرهما.
أما تدوين التفسير، فقد جاء متأخراً في أواخر عهد بني أمية وأوائل عهد العباسيين، وقد مر التأليف بمراحل عدة:
المرحلة الأولى: جمع التفسير ضمن كتب الحديث، وممن اشتهر بذلك يزيد بن هارون ووكيع بن الجراح وسفيان بن عيينة وغيرهم.
المرحلة الثانية: إفراد التفسير بالتأليف، وجعله علماً قائماً بنفسه، وممن اشتهر بذلك ابن ماجه، وابن جرير الطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وغيرهم، وبعضهم لم تصل إلينا كتبهم، لذلك يذكر بعض العلماء أن الطبري هو شيخ المفسرين، إذ أن كتابه هو الذي وصل إلينا بكامله، وقد تميزت هذه المرحلة بذكر الأسانيد.
المرحلة الثالثة: تفسير بالرأي، أو تفسير بالمأثور مع اختصار الأسانيد، ومن هذه التفاسير: الكشاف للزمخشري، ويجب الحذر مما في الكشاف من أحاديث ضعيفة أو موضوعة، ومن آراء أهل الاعتزال والزيغ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(2/1546)
تفسير قوله تعالى ( ... وأني فضلتكم على العالمين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية في بني إسرائيل وأني فضلتكم على العالمين هل معنى ذلك أنهم كما يدعون هم شعب الله المختار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: (يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة:47] .
يريد على عالمي زمانهم، وأهل كل زمان عالَم.
وقيل: على كل العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء، وهذه خاصة لهم وليست لغيرهم، ولا شك أنهم قابلوا هذه النعمة العظيمة بالكفران، وكان حالهم مع أنبيائهم كما قال الله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) [المائدة:70] ، فلما فعلوا ذلك حلت بهم اللعنة والغضب، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78-79] .
وقال تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة:60] .
وراجع الجواب رقم: 4419.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1423(2/1547)
معنى قوله تعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا إلا ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الآية: (وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا جزء من الآية (235) من سورة البقرة وأولها (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)
وقد أباح الله تعالى في هذه الآية للمؤمنين أن يعرضوا تعريضاً بخطبة المعتدات من وفاة، أو أن يكنّوا ذلك في أنفسهم ويعزموا على تزوجهن بعد انقضاء عدتهن، وأخبر أنه سبحانه وتعالى يعلم أنهم سيذكرونهن إما سراً في أنفسهم، أو علناً بألسنتهم، فرخص في التعريض دون التصريح وقال: (ولكن لا تواعدهن سراً) فنهى عن أخذ ميثاقهن وعهدهن أن لا ينكحن غيرهم.
أما وقوله: (إلا أن تقولوا قولًا معروفاً) فالاستثناء فيه منقطع، أي لكن يجوز لكم أن تقولوا لهن قولاً معروفاً، والقول المعروف هو التعريض الذي أبيح في أول الآية.
وباقي الآية معناه واضح وهو توضيح وتأكيد لما سبق.
ويؤخذ من الآية أحكام كثيرة ليس هذا محل بسطها فراجع لذلك كتب التفسير كالقرطبي وغيره.
وليس في الآية مستند لجواز التعرف على النساء إلا لمن أراد أن يتزوج إحداهن، وكان ذلك في حدود ما شرع الله تعالى من النظر إلى المرأة التي يريد الخاطب الزواج منها ويكون ذلك بحضرة أحد محارمها. ثم يكف بعد ذلك حتى يتم العقد عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1423(2/1548)
المقصود بقوله تعالى (وهم من بعد غلبهم سيغلبون)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآية الكريمة من سورة الروم: (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) هل المقصود هذه الفترة التى نعيشها فى الحرب مع اليهود أننا سننتصر بعون الله دون مفاوضات سلمية وتقديم تنازلات أكثر من مبادرة السلام الوهمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) [الروم:1-4] .
وهذه الآيات ليس المقصود منها الفترة التي نحن فيها، لأن الآيات نزلت لما انتصر الفرس على الروم، فأخبر سبحانه وتعالى أنه بعد بضع سنين سينتصر الروم على الفرس، وقد حصل هذا كما أخبر الله، وحصل في ذلك الرهان بين أبي بكر رضي الله عنه والمشركين في قصة مشهورة.
أما بالنسبة لحربنا مع اليهود، فإن الله تعالى قد وعدنا بالنصر فيها عليهم، فقال سبحانه: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً) [الاسراء:7] ، وكذا وعدنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بذلك، فأخبر أن المسلمين سيقاتلون اليهود حتى يختبئوا خلف الحجر والشجر، فينطق الحجر والشجر، فيقول: ياعبد الله يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله!. كما في البخاري ومسلم.
أما ما يسمونه بعملية السلام، فهي سعي وراء السراب، وفلسطين كلها أرض إسلامية لا يجوز التنازل عن شبر منها، وليست ملكاً لدولة ولا لهيئة ولا لشخص حتى يتنازل عما يشاء، بل هي ملك لكل المسلمين، ويجب إخراج اليهود منها كلها، والله المستعان، نسأل الله أن يعز الإسلام وينصر المسلمين، وأن يخذل اليهود، وكل أعداء الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1423(2/1549)
فائدة تقديم الفرار على الرعب في قصة أصحاب الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[في الآية 18 من سورة الكهف يقول الله تعالى: (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعبا) فلماذا ورد الفرار قبل الرعب بينما المعتقد أن الرعب هو الذي يؤدي إلى الفرار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحكمة من ذلك هي ما أشار إليه أبو السعود في تفسيره حيث قال: ولعل تأخير هذا -الرعب- عن ذكر التولية للإيذان باستقلال كل منهما في الترتب على الاطلاع، إذ لو روعي ترتيب الوجود لتبادر إلى الفهم ترتب المجموع من حيث هو عليه، وللإشعار بعدم زوال الرعب بالفرار كما هو المعتاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1423(2/1550)
لا تعارض بين قول الله (يوم نحس) وحديث "لا تسبوا الدهر"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالي يتعلق بقول الله جل وعلا في حديث قدسي (لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر) وما نقرؤه في سورة القمر قوله عز وجل في يوم (في يوم نحس مستمر)
جزانا الله وإياكم أحسن الثواب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فقد ورد في الحديث القدسي: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار.
رواه البخاري وأبو داود وغيرهما عن إبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قا ل الخطابي: معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور.
وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا: بؤساً للدهر، تباً للدهر.
ولا تعارض بين هذا الحديث القدسي وبين قوله تعالى (في يوم نحس مستمر) فنحوسة هذا اليوم بالنسبة لهم لا إلى ذات اليوم، فمن المعلوم أن ذلك اليوم لم يكن نحساً على الصالحين، بل على الكفار من قوم عاد، وكان يوم نصر وتأييد للمؤمنين الصادقين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(2/1551)
مدة خلق السموات والأرض. وحكمة ذلك.
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد , فسؤالي هو هل عندما خلق الله تعالى الأرض بعد ستة أيام خلق آدم بعدها مباشرةً أم أن الأرض ظلت فترة طويلة إلى أن شاء الله أن يخلق آدم وتحدث معه قصة نزوله إلى الأرض المشهورة في القرآن وإن كان كذلك فما الدليل من القرآن أو السنة , وثم ما هي الحكمة من أن يخلق الله الارض في ستة أيام وهو قادر على أن يقول كن فيكون كل ذلك أما هو أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فالمشهور أن آدم عليه السلام خلق في آخر هذه الأيام الستة، وفي يوم الجمعة في آخر ساعة منه، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة. فيه خلق أدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها". وفيه أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً." وخلق آدم في أخر ساعة من ساعات الجمعة...."
ولكن اختلفوا في مقدار هذه الأيام. فمنهم من قال هي أيام كأيام الدنيا، ومنهم من قال بأن تلك الأيام مقدارها ستة آلاف يوم، وهذا مروي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك، واختاره ابن جرير الطبري.
ومنهم من توقف في مقدار هذه الأيام لأنه لم يأت نص قاطع في تحديد مقدارها، لأن الزمان هو نسبة الحوادث إلى بعضها، كما ذكر ابن القيم رحمه الله، فالأيام في الدنيا مقدرة بحركة الشمس والقمر ولم تكن الشمس ولا القمر موجودين قبل خلق السموات والأرض حتى يصار إلى التقدير بهما.
وأما الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام فراجع لها الجواب رقم 22344
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(2/1552)
أنزل الله على قوم شعيب أنواعا عدة من العذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر تعالى في القرآن الكريم عذاب قوم شعيب عليه السلام ففي سورة كان عذابهم الصيحة وفي أخرى كانت الرجفة وفي ثالثة كان عذابهم يوم الظلة فكيف نجمع بين ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الله تعالى جمع على قوم شعيب كل ما ذكرت من أنواع العذاب، ولا يوجد تعارض بين الآيات، وقد ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية، فقال: وقد جمع الله عليهم أنواعاً من العقوبات، وصنوفاً من المَثُلات، وأشكالاً من البليات، وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات، سلط الله عليهم رجفة شديدة أسكنت الحركات، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات، وظُلة أرسل عليهم منها شرر النار من سائر أرجائها والجهات، ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها ويوافق طباقها. ا. هـ 1/210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(2/1553)
معنى (يستعتبوا) و (كلمة التقوى)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الكلمات التالية: يستعتبوا في قوله تعالى: (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) ؟
كلمة التقوى في قوله تعالى: (وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى (يَسْتَعْتِبُوا) في الآية هو: أنهم لا يُعذرون يوم القيامة إذا طلبوا إبداء العذر، ولا يقيل الله عثراتهم، وقال ابن جرير: (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) أي: يسألوا الرجعة إلى الدنيا فلا جواب لهم. ا. هـ ابن كثير 4/122.
وأما (كلمة التَّقْوَى) في الآية المذكورة، فالجمهور على أنها (لا إله إلا الله) ذكره ابن كثير وغيره من المفسرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(2/1554)
لا تعارض بين قوله تعالى (تنزل الملائكة والروح..) وبين حديث انقطاع الوحي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوحي انقطع عن السماء فعلا، إذ أن زوجة النبي قالت بعد وفاته إن الوحي قد انقطع
والله يقول"تنزل الملائكة والروح فيها"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معنى قوله تعالى: (تنزل الملائكة والروح بها بإذن ربهم من كل أمر) هو أن الملائكة تتنزل في ليلة القدر بكل أمر قدره الله تعالى وقضاه في تلك السنة إلى قابل، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا كقوله تعالى في سورة الدخان: (فيها يفرق كل أمر حكيم) وبمعنى الآية يتضح أن لا تعارض بينها وبين انقطاع الوحي الثابت في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك..؟ إلى أن قالت: ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء… إلى آخره.
وننبه إلى أن أم أيمن هذه هي: حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومربيته، وليست زوجة له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1423(2/1555)
تفسير قوله تعالى (ما ننسخ من آية ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها ... ) إلى آخر الآية؟ وهل الآية الأخيرة في سورة الكافرون قد تم نسخها؟ وما حقيقة الناسخ والمنسوخ؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:106] .
قال ابن جرير: (مَا نَنْسَخْ) أي: ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك أن نحول الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والمباح محظوراً، والمحظور مباحاً، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. انتهى المراد منه.
وقوله تعالى: (أَوْ نُنْسِهَا) قرأت بضم النون الأولى وكسر السين، وقرأت بفتح النون الأولى والسين، قال الشوكاني: فهي على القراءة الأولى بمعنى: نتركها. أي: فلا نبدلها ولا ننسخها، وهي على القراءة الثانية بمعنى: نؤخرها عن النسخ. انتهى المراد منه.
وقوله تعالى: (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) قال الشوكاني: نأت بما هو أنفع للناس منها في العاجل والآجل، أو في أحدهما، أو بما هو مماثل لها من غير زيادة. انتهى المراد منه.
أما الآية الأخيرة من سورة الكافرون، وهي قوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) فمعناها كما قال الشوكاني: أي إن رضيتم بدينكم، فقد رضيت بديني ... وقيل المعنى: لكم جزاؤكم ولي جزائي. انتهى المراد منه.
أما نسخها فقال الشوكاني: قيل هي منسوخة بآية السيف، وقيل: ليست بمنسوخة، لأنها إخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ. انتهى المراد منه.
وأما ما يتعلق بحقيقة الناسخ والمنسوخ، فراجع الفتوى رقم: 3715.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1423(2/1556)
تفسير قوله تعالى (والمحصنات من النساء ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهوتفسير (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) وهل مازال ملك اليمين موجوداً أم لا. ولكم جزيل الشكر والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلفظ المحصنات ورد في القرآن على أربعة معان:
الأول: العفائف، الثاني: الحرائر، الثالث: المسلمات، الرابع: المزوجات، وهذا الأخير هو المراد في هذه الآية الكريمة المسؤول عنها، ومعناها لا يحل لكم أن تنكحوا المؤمنات المتزوجات ولا المشركات المتزوجات أيضاً، بدليل أنه استثنى جواز نكاح المتزوجة إذا سبيت فقط، لأنها صارت ملك يمين فعقد الزوجية ينهدم بمجرد سبيها، ولكن لا توطأ إلا إذا استبرئت بحيضة إن لم تكن حاملاً، أو وضعت الحمل إن كانت حاملاً، ويدل على هذا ما رواه مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبياً يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك، فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن، قال: فنزلت هذه الآية في ذلك: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم)
وملك اليمين لن يزال مشروعاً إلى يوم القيامة، هذا حكم الله ولا معقب لحكمه، والسؤال المطروح هل يوجد ملك يمين الآن أم لا؟ وقد سبق بيان عن هذا الموضوع في الفتاوى التالية أرقامها:
2372 3272 8720
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(2/1557)
تفسير قوله تعالى (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا....)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فيقول الله تعالى: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون) [يس: 80] ، وهذه الآية فيها من أسرار الخلق ما يأسر القلوب ويجعلها خاضعة لعلام الغيوب. يقول الإمام القرطبي: نبه تعالى على وحدانيته، ودل على كمال قدرته في إحياء الموتى بما يشاهدونه من إخراج المحرق اليابس من العود الندي الرطب: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً) أي أن الشجر الأخضر من الماء، والماء بارد رطب ضد النار، وهما لا يجتمعان، فأخرج الله منه النار.
وذكر الإمام ابن كثير قولاً آخر في تفسير هذه الآية فقال: الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضراً نضراً ذا ثمر وينع، ثم أعاده إلى أن صار حطباً يابساً توقد به النار، كذلك هو فعال لما يشاء، قادر على ما يريد لايمنعه شيء.
وجاء العلم الحديث اليوم ليثبت للمعرضين عن منهج الله أن القرآن كتاب الله، وأن محمداً رسول الله الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وذلك من خلال المعجزات الباهرة والآيات البينة التي تظهر مع مرور الأيام وتقدم التكنولوجيا الحديثة، وفي هذا البحر الزاخر الذي لا ساحل له هذه الآية التي بين أيدينا، فقد ثبت أن في أوراق الشجر الأخضر المصنع الوحيد على وجه الأرض الذي يتم فيه صنع الطعام، ويتم ذلك بتحويل الطاقة الشمسية وثاني أكسيد الكربون والماء إلى طعام للإنسان والحيوان، وهذا يطلق عليه اليخضور.
وللمزيد يمكنك الدخول على موقع http:// www. Science 4 islam. Com.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1423(2/1558)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذ يقال عن الذين يفسرون القرآن الكريم من دون علم, ويظنون أنهم يفسرون تفسيرا صحيحا وهو بعض صح وبعض غلط
- وماذا وعد الله هؤلاء الناس؟ شكرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحل لأحد أن يقول على الله تعالى ما لا يعلم.. ومن ذلك تفسير كتابه الكريم بالرأي المجرد، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] .
وقال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] .
وقال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [النحل:116] .
وروى الترمذي وأبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار. وكفى بهذا زاجراً، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
8600.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(2/1559)
هل في كتب التفسير أحاديث ضعيفة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم مساعدتي في حل هذا الإشكال هو: لما نسمع مثلا حديثا (أخرجه الترمذي) أو مثلا (أخرجه البيهقي) أو (أخرجه ابن ماجه) أو (أخرجه ابن حبان) يعني لا يفهم من الحديث أنه صحيح إلا إذا قيد بكلمة (صححه فلان) أو (ضعفه فلان) حينئذ نتعرف على الحديث أنه صحيح أم ضعيف، وهذا يستثنى منه الحديث (أخرجه البخاري) و (أخرجه مسلم) هذان يفهم منهما أن الحديث صحيح من غير تقييد الحديث بكلمة (صحيح) . لكن عندما أقرأ في كتب التفسير أجد فقط كلمة (أخرجه فلان) من غير ذكر نوعية الحديث أنه صحيح أو حسن أو ضعيف.مثلا: (أخرجه قتادة) أو (أخرجه ابن مسعود) أو (أخرجه ابن عباس) ... إلخ كيف يفهم هذا؟ وألاحظ أيضا أن رواة أحاديث التفسير يختلفون عن غيرهم.؟ هل كلمة (أخرجه فلان) التي تذكر بهذه الصيغة المطلقة في كتب التفسير معناه أنه صحيح؟ وهل يوجد أحاديث ضعيفة في كتب التفسير ولا ينبه عنها؟ نرجو منكم توضيحا؟ والله يبارك فيكم!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتب الحديث كما ذكرت منها ما التزم مؤلفوها الصحة، ومنها من لم يلتزم ذلك فينظر العلماء في الإسناد ويحكمون عليه بما يناسبه حسب قواعد علم الحديث، وقد ذكرنا نبذة عن أسماء كتب الحديث المعتمدة في فتاوى سابقة هذه أرقام بعضها فلتراجع: 6979، 11595.
وأما كتب التفسير فما يورد فيها من أحاديث يجمع بين الصحيح والضعيف بل وفي بعضها الموضوع والإسرائيليات، وكلمة أخرجه فلان لا تعني أن الحديث صحيح، بل لا بد من النظر في الإسناد والمتن والحكم عليه حسب قواعد علم المصطلح.
وأما الأمثلة التي ذكرتها من قولك: (أخرجه قتادة) أو (أخرجه ابن مسعود) أو (أخرجه ابن عباس) ، فقتادة من أشهر مفسري التابعين وكان يُرى أنه أعلمهم بالتفسير، وابن مسعود وابن عباس من أكابر مفسري الصحابة وأعلمهم بكتاب الله، والعلماء إذا ذكروا تفسيرا عنهم لا يقولون أخرجه ابن مسعود، بل التفسير يكون مرويا عن ابن مسعود ومن ذكرت معه، وإنما يقولون أخرجه فلان لمن يروي عن ابن مسعود وغيره الحديث أو الأثر، بإسناده إليه كالطبري، وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وكالبخاري ومسلم في صحيحيهما، وكأصحاب السنن وغيرهم ممن يروي التفسير بالإسناد.
وأما الجواب على سؤالك: هل في كتب التفسير أحاديث ضعيفة؟ فنقول: إن التفسير المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة أو عمن بعدهم هو على أنواع، قال الشيخ محمد أبو شهبة: وأما تفسير القرآن بما صح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو على العين والرأس ... وأما الضعيف والموضوع المختلق على النبي: فأحرى به أن يرد.
وأما تفاسير الصحابة والتابعين - وهي أكثر من أن تحصى-: ففيها الصحيح، والحسن، والضعيف، والموضوع، والإسرائيليات، التي تشتمل على خرافات بني إسرائيل، وأكاذيبهم، وقد تدسست إلى الكتب الإسلامية، ولاسيما كتب التفسير، وقد تنبه العلماء المحدثون القدامى، إلى هذه الظاهرة، وهي: غلبة الضعف على الرواية بالمأثور، فقد روي عن الإمام الجليل أحمد بن حنبل أنه قال: ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم، والمغازي، وقال المحققون من أصحاب الإمام: مراده: أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحيحة متصلة، وإلا فقد صح من ذلك شيء غير قليل، كما قلنا فيما سبق. اهـ باختصار من كتاب:" الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله، وهو من الكتب التي ننصح السائل بقراءتها ففيه جواب على كثير مما ذكر وغيره مما يدور في الذهن حول علم التفسير وما ورد فيه من روايات ضعيفة أو موضوعة ونشأة ذلك وأسباب هذه الظاهرة.
كما ننصح السائل لكي يعرف مناهج المفسرين وأي كتب التفسير تعتني بالصحيح وأيها الغالب عليه الضعيف أو الموضوع أو الإسرائليات، ننصحه أن يراجع كتاب: "التفسير والمفسرون" للدكتور محمد حسين الذهبي رحمه الله فهو من الكتب المفيدة في هذا الباب، وقد ذكرنا في فتوى سابقة رقمها: 66635، كلاما حول كتب التفسير والإسرائليات فلتراجع، كما ننبه السائل إلى أن هناك كتبا خاصة في تخريج أحاديث كتب التفسير بإمكانه الرجوع إليها لمعرفة ثبوت الرواية أو عدمها، ككتاب:" الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف" للحافظ ابن حجر، وكتاب:" الفتح السماوي في تخريج أحاديث البيضاوي" للمناوي، وغيرها. والله الموفق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1430(2/1560)
لماذا لم يضع النبي تفسيرا للقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يرد لنا تفسير واضح وصريح من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مثل تفسير الجلالين أو ابن كثير يكون التفسير واضحا خاصة بالنسبة للآيات التي لها علاقة بالغيبيات وغير القابلة للتغير أو الاستحداث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم فسر ما كان يحتاج للبيان والتفسير بالنسبة لمن عاصروا تنزيل الوحي من الصحابة رضي الله عنهم، ولم تكن هناك حاجة لمثل هذه التفاسير التي ألفت مؤخرا، وإنما دعت الحاجة لمثلها في عصور بعد عصره.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 71379، 103304، 107043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1430(2/1561)
هل فسر النبي صلى الله عليه وسلم كل كلمة من القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعلم العلماء اليوم سبب نزول كل آية من القرآن وتفسيرها الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم لأني سمعت الألباني يقول في تفسير كلام رب العالمين (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد شرح وبين معاني كل آيات القرآن للصحابة الكرام فلماذا نجد علماء التفسير يجتهدون في التفسير وغالبا لا يحتجون بأحاديث صحيحة تعطي تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للآيات المنزلة عليه والمبينة له من لدن العليم القدير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين للصحابة الكرام ما كان يحتاج إلى بيان من كتاب الله تعالى كالأحكام المجملة مثل الزكاة والصلاة وغيرها، ولم يفسر كل آية وكل كلمة لأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفهمون ذلك بسليقتهم، ولعل ذلك هو مقصود الشيخ الألباني رحمه الله إن ثبت نسبة هذا إليه، فلم يقل أحد من أهل العلم أنه فسر كل كلمة، قال الطبري: فأما ما لا بد للعباد من علم تأويله فقد بينه لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ببيان الله ذلك له)
وما نقل من أسباب بالنزول محصور، وأيضا فليست كل آية او كل سورة لها سبب نزول، وقد ألف العلماء في ذلك كتبا وأفردوه بأبواب خاصة ضمن كتبهم، كما نقلوا تفسيره صلى الله عليه وسلم وبيانه لما فسر من الآيات وبين، وممن عني بذلك الإمام محمد بن جرير الطبري، وابن كثير، والسيوطي، وغيرهم ممن عنوا بالتفسير بالمأثور، ولهذا وغيره اختلف المفسرون في تأويل بعض الآيات لعدم صحة الأخبار الواردة فيها أو لكثرتها وتناقضها، أو لعدم وقوفهم على أثر في بيانها وهكذا. وللاستزادة انظر الفتوى رقم: 36822، والفتوى رقم: 59195.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1427(2/1562)
Shaving the chest of Muslim man
[السُّؤَالُ]
ـ[I have a Muslim friend who is shaving his chest, I told him that's Haram. He wants proof from Qur'an or Hadith that shaving the chest man is Haram.]ـ
[الفَتْوَى]
Praise be to Allah, the Lord of the Worlds; and blessings and peace be upon our Prophet Muhammad and upon all his Family and Companions. There is no evidence to forbid shaving the hair of the chest. In fact, the Legislator did not say anything about this issue. So, the person has the choice to shave it or leave it. Allah knows best.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(2/1563)
سبب قلة الرواية عن العشرة المبشرين بالجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[الخلفاء الراشدون الأربعة وكذا العشرة المبشرون بالجنة كانوا أقرب الناس إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام، ورغم ذلك ففي كتب تفسير القرآن سواء لابن كثير أو غيرهم، لا نكاد نجد أي رواية في تفسير آية ما منسوبة إلى أحد هؤلاء الخلفاء أو العشرة المبشرين. فنجد أغلب الروايات منسوبة الى ابن عباس وابن مسعود....؟ لماذا ذلك؟ الم يكن الخلفاء الراشدون الأربعة وكذا العشرة المبشرين يهتمون بالتفسير؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخلفاء الأربعة وباقي العشرة كانوا أكثر التصاقا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأخذا عنه من غيرهم. فقد عاصروا تنزل الوحي في العهد المكي والعهد المدني، وكانوا أعلم بذلك من غيرهم، وأكثر اشتغالا بالقرآن وتدبرا له وتعليما، ولكن قلة الرواية عنهم سببها أن أغلب من أخذ عنهم كان من الصحابة، فمثلا نجد ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ كثيرا من علومه عن عمر رضي الله عنه، ومن المعروف عند أهل المصطلح أن الصحابة كلهم عدول، وأنه كان يروي بعضهم عن بعض، وأن مرسل الأصحاب يحكم له بالاتصال، فقد قال أنس: ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، ولكن كان يحدث بعضنا بعضا. رواه الحاكم.
فلذلك كان أغلب الروايات عن ابن عباس لأنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم بضعا وخمسين سنة ونقل عنه التابعون من تلاميذه، ومثله ابن مسعود، فإنه كان بالعراق وأخذ عنه تلاميذه هناك في عهد خلافة عثمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(2/1564)
مظان وجود فتاوى الصحابة وتفسيرات ابن عباس
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل هناك كتب صنفت في جمع فتاوى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أمثال فتاوى ابن عباس مثلا في الفقه والتفسير. وما اسم هذه الكتب إن وجدت.
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جمعت كثير من فتاوى عمر بن الخطاب في كتاب اسمه "فقه عمر موازنا بفقه أشهر المجتهدين" وقد جمع كثير من تفسير ابن عباس في كتاب اسمه "تنوير المقباس من تفسير ابن عباس".
وقد اعتنى مالك في الموطأ، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما والبخاري في كتبه، وابن حزم في المحلى، وابن عبد البر في الاستذكار، وابن قدامة في المغني بذكر أقوال الصحابة في المسائل الفقهية.
كما اعتنى الطبري وابن كثير والقرطبي والسيوطي في تفاسيرهم بذكر أقوال الصحابة في تفسير القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1424(2/1565)
المفسر مجاهد بن جبر المكي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو مجاهد الذي أجده في كتب التفسير، فأرجو إرسال سيرة مختصرة عنه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
مجاهد الذي يرد ذكره في كتب المفسرين هو مجاهد بن جبر المكي التابعي، الإمام الحجة الثقة الثبت، ولد سنة 21 هـ. روى له الجماعة، توفي 104هـ. أو قبلها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجاهد الذي يرد ذكره كثيراً في كتب التفسير عن ابن عباس هو التابعي الجليل أبو الحجاج ولد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر، أثبت أصحاب ابن عباس في التفسير، قال عن نفسه: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها..
قال عنه الذهبي في السير: أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به.
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر: مجاهد بن جبر المكي أبو الحجاج المخزومي المقري مولى السائب بن أبي السائب، روى عن علي وسعد بن أبي وقاص والعبادلة الأربعة ... وخلق كثير.
وروى عنه أيوب السختياني وعطاء وعكرمة ... وآخرون، كان أعلمهم بالتفسير، مات سنة إحدى ومائة، وقيل اثنتين، وقيل ثلاث ... بمكة وهو ساجد، وقيل عاش ابن ثلاث وثمانين سنة. ملخصاً من كتب التراجم ...
انظر ترجمته كاملة في سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، وفي تهذيب الكمال للحافظ ابن حجر وغيرهما من كتب التراجم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1429(2/1566)
حول تفسير ابن كثير وإحياء علوم الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[كدت أن أضل بغير علم أخبرني جزاك الله خيرا فقد سمعت أن تفسير ابن كثير يحوي العديد من الإسرائيليات وإن كتاب إحياء علوم الدين للامام أبي حامد الغزالي فيه العديد من القصص الضعيفة والموضوعة وأن أحاديث كثيرة يظنها الكثير صحيحة يتضح في النهايه أنها ضعيفة جزاك الله عن الاسلام خيرا دلني على الكتب الثقات والأئمة الثقات الذين أقرأ لهم وأنا مطمئن آخذ منهم العلم الشرعى الصحيح بدون ضعف أو وضع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذين الكتابين كتابان مهمان في بابهما، فتفسير ابن كثير من أحسن التفاسير، وقد خرج أحاديثه الشيخ مقبل الوادعي، مع أن ابن كثير كثيرا ما يذكر أسانيده وقد يبين ضعف الأحاديث وما هو إسرائيلي، وكلامه في التفسير والعقائد والأحكام معتمد عند أهل العلم. وأما الإحياء فقد خرج أحاديثه الحافظ العراقي وهو جيد في كثير من المسائل التي تكلم عليها، وعليه ملاحظات فراجع فيها الكتب المعتمدة، والفتاوى ذات الأرقام التالية:
4412، 22007، 6784، 10695، 2410، 80787.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(2/1567)
منزلة تفسير القرطبي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تفسير القرطبي من أحسن التفاسر، وهل هو على عقيدة أهل السنة والجماعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تفسير القرطبي من أحسن كتب التفاسير ولاسيما في مجال أحكام القرآن وبيان معاني ألفاظه وكلماته اللغوية، وقد نهج منهج أهل السنة والجماعة في كثير من مسائل العقيدة، ووافق بعض الأشاعرة في تأويل بعض آيات الصفات، فينبغي مقارنة ما يذكره في آيات الصفات بما يذكره المفسرون الذين تحروا التمسك بمنهج السلف كابن كثير أو غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1428(2/1568)
أضواء على تفسير الطبري وابن كثير وابن عباس
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني طالبة علم، بين يدي تفسير ابن كثير والطبري وتفسير ابن عباس، السؤال الأول: ما هو الأفضل بالترتيب، ثانيا: حينما أفسر من ابن عباس رضي الله عنه أجد مثلا أنه يفسر بالسبب المرتبط بتلك الآية في المقابل وجدت في التفاسير الأخرى يشرحون بعموم المعنى بم ترشدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تفسير ابن كثير هو أفضل هذه الكتب بالنسبة للطالب الذي لا يزال في سن الطلب، لأنه رحمه الله كان يأتي بأهم ما جاء به الطبري مما يتعلق بتفسير الآيات، ويعتني بالتفسير المأثور وبالأحكام وبتفسير القرآن للقرآن، كما كان يأتي بأغلب ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غيره من السلف في التفسير بالمأثور ويذكر أسانيد أغلبها.
وتفسير الطبري وهو أول وأفضل التفاسير وأوسعها وأطولها باعاً في العلوم المتعلقة بالقرآن لاهتمامه بما يتعلق بالقراءات القرآنية وبوجوه اللغة، إضافة إلى أنه يروي الروايات في التفسير بأسانيده عن السلف رحمهم الله، وقد ذكر السيوطي فيه أنه أجل التفاسير وأعظمها، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض والإعراب والاستنباط فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين، وقال النووي: أجمعت الأمة على أنه لم يصف مثل تفسير الطبري. وقال شيخ الإسلام في الفتاوى: وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير ابن جرير الطبري فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين ... انتهى.
وأما تفسير ابن عباس رضي الله عنهما فإن كنت تقصد به التفسير المنسوب إليه المعروف بتنوير المقباس من تفسير ابن عباس، فإن هذا التفسير جمعه الفيروزأبادي رحمه الله وقد ذكر سنده إلى ابن عباس، وفيه محمد بن مروان السدي الصغير عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، ورواية السدي الصغير عن الكلبي هي أضعف روايات التفسير عن ابن عباس، وقد سماها السيوطي في الإتقان: سلسلة الكذب، وقد ذكر الدكتور الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون أن كلاً من الرجلين اتهم بالوضع، ونقل عن السيوطي أن الكلبي مرض فقال لأصحابه: كل شيء حدثتكم عن ابن صالح كذب.
هذا، وننبه إلى أن التفاسير المختصرة مهمة للطالب المبتدئ لما فيها من فك الألفاظ الغامضة وبيان المبهم من القرآن، ومن أهمها تفسير الجلالين، وتفسير البيضاوي، وتفسير السعدي، وراجعي في ذلك للمزيد من الفائدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52536، 31762، 8600، 68832.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1428(2/1569)
ترجمة الإمام البيضاوي
[السُّؤَالُ]
ـ[البحث عن الإمام البيضاوي في هذه الكتب: طبقات المفسرين- الأعلام للإمام الزركلي - التفسير والمفسرون.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد كيفية البحث أو الحصول على ترجمة الإمام البيضاوي في الكتب المذكورة.
فقد ذكره صاحب كتاب التفسير والمفسرون عند حديثه عن التفسير بالرأي أو التفسير بالدراية، وجاء ذلك في الباب الثالث من المجلد الأول تحت عنوان المرحلة الثالثة للتفسير، أو التفسير في عصور التدوين.
فقد عرف في هذا الفصل التفسير وصاحبه.. وقال توفي بتبريز سنة 691 وقيل 685 هـ.
كما ذكره صاحب طبقات المفسرين في فصل: ذكر المفسرين من الأئمة والمشايخ في المائة السادسة، وذكر أنه توفي في تبريز سنة 685 هـ.
وأما صاحب الأعلام فقد ذكره عند ذكر الأعلام الذين بدأت أسماؤهم بحرف العين في المجلد الرابع من طبعة دار العلم للملايين ببيروت لأنه مرتب على حروف المعجم، فقال: عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي الشافعي..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1427(2/1570)
منزلة تفسير ابن كثير ومنهجه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله.... أما بعد:
أعتقد أنني في حيرة من أمري، أرجو إفادتي بإذن الله، حول كتب التفسير أيهما أفضل تفسير الطبري، أم القرطبي، أم تفسير آخر يكون جامعاً شاملاً إن شاء الله تعالى؟ وشكراً، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أعظم العلوم مقداراً وأكثرها شرفاً ومناراً علم التفسير الذي هو رئيس العلوم الدينية، وهو أعظم ما تنفق فيه الأعمار ونفائس الأموال، ومن أعظم التفاسير الموجودة تفسير الحافظ ابن كثير فقد تأثر بمنهج الإمام الطبري وغيره من أئمة التفسير بالمأثور، فكان منهجه تفسير القرآن بالقرآن، فما أجمل في موضع فُسِّر في موضع، ثم بالسنة فالنبي هو أعلم الناس بمراد ربه سبحانه، ثم بالثابت عن الصحابة المشهورين بعلم التفسير كابن مسعود وابن عباس ثم عن أئمة التابعين الآخذين عن الصحابة كمجاهد وعطاء وسعيد بن جبير، فجاء تفسيره كالعقد الفريد مع عذوبة في العبارة، فيكفي أن تقرأ العبارة مرة أو مرتين.
وكذلك اختصار العلامة أحمد شاكر له زاده حسناً بتعليقاته القيمة وحذف أسانيده التي لا يحتاجها غير المتخصصين، ثم إن أردت التوسع بعده فعليك بالطبري والقرطبي ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1425(2/1571)
أهمية تفسير ابن كثير
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فإن زميلي يقول لي بأن له مآخذ على تفسير ابن كثير بأنه كيف عرف صفات النملة التي كلمها سليمان عليه السلام بأنها (عرجاء و ... ) ؟
وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتفسير ابن كثير هو من أهم التفاسير المعتمدة بالمأثور، وإن كان توجد فيه بعض الروايات الإسرائيلية فهي قليلة بالنسبة لغيره، وهذا لا يقلل من أهميته، لأنه دائماً يسند ما روى، ومن أسند فقد برئ من العهدة، ولو افترضنا أن به بعض الأقوال الضعيفة أو الروايات الإسرائيلية، فهذا شأن عمل البشر دائماً فلا ينبغي أن يقلل ذلك من شأن السنة، أو يكون سببا في الصد عنها، ويبقى الكتاب بعد ذلك على رأس لائحة كتب التفسير بالمأثور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا قول المعصوم صلى الله عليه وسلم، وبإمكانك أن تطلع على الفتوى رقم: 7155.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1572)
مؤلفا تفسير الجلالين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هما مفسرا كتاب (تفسير الجلالين) ؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتفسير القرآن المشهور بتفسير الجلالين اشترك في تأليفه الشيخان:
- جلال الدين المحلي واسمه: محمد بن أحمد، ولد سنة 791هـ، وتوفي سنة 864هـ.
- جلال الدين السيوطي واسمه: عبد الرحمن بن أبي بكر، ولد سنة 849هـ، وتوفي سنة 911هـ.
وقد بدأه جلال الدين المحلي من سورة الكهف إلى سورة الناس وفسر الفاتحة، ثم مات. فجاء السيوطي مكملاً للتفسير سائراً على نهج الأول، فبدأ من البقرة حتى انتهى إلى آخر سورة الإسراء، إلا أن المؤلفين رحمهما الله سارا فيه على منهج الاشاعرة في تأويل الصفات، ووقعت لهما بعض الإسرائيليات، فليتنبه لذلك. وإلا فالكتاب جيد مفيد في بابه، فجزى الله الجلالين خير الجزاء وغفر لهما مغفرة واسعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(2/1573)
الشيخ الشعراوي أتم تفسيرالقرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد لم أجد سواكم أحبابي لأسأله أرجوأن تخبروني هل أتم الشيخ الشعراوي تفسيره للقرآن آخر سورة سمعتها له سورة الحشر والناس بعضهم يقول أتم والبعض يقول لم يتم أفيدونا فأنا من المعجبين بأسلوب الشيخ وتفسيره لكتاب الله ولكم منا أجبتم أم لم تجيبوا الدعاء بالتوفيق والثبات]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد حسب ما وصلنا أن الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى قد فسر القرآن الكريم كله وأن الأجزاء الأخيرة من تفسيره موجودة في إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية. والله نسأل أن يبارك فيك ويرزقك العلم النافع. هذا..والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1574)
حكم من قال في القرآن بغير علم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: من جادل في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار. هل هم المسلمون الذين ليس لهم من العلم ما يكفي لتفسير القرآن أم هم أهل الكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه لم نقف عليه باللفظ المذكور، ولكن ورد فيما رواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار. ورواه الترمذي في جامعه وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح. وقد تكلم بعض أهل العلم في سنده.
ومعناه- كما قال العلماء-: من قال في القرآن برأيه، فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأتِ الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب. وسبق بيان ذلك في الفتوى: 20711.
والوعيد المذكور في الحديث عام في كل من اقتحم تفسير القرآن الكريم والقول فيه بغير علم منه بأصول التفسير وقواعد اللغة ومقاصد الشرع..، ولا يختص ذلك بأهل الكتاب بل يعم الجميع.
وسبق بيان أنواع التفسير وأصوله رواية ودراية في الفتوى: 8600 فنرجو أن تطلع عليها.
وأما الجدال والمراء.. فإنهما مذمومان ومنهي عنهما شرعا على العموم، وخاصة إذا كانا في القرآن أو في الدين؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
وقال صلى الله عليه وسلم: من جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع. ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن ابن أبي الدنيا، وضعفه العراقي والذهبي والألباني.
وقال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُ الْمِرَاءِ والجدال فِي الدِّينِ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1429(2/1575)
حول الإعجاز العلمي في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ["أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" الشعراء,
يعبثون بآيات خلقه وتعديلها اتخذوا مختبراتهم وتجاربهم كمصانع لينتجوا سلالة لا تشيخ, وبالتالي تكون مخلدة لا تموت, اشتغلوا على الجينات للاستنساخ وعملوا ليزيلوا منها جينات الشيخوخة لعلهم يخلدون ونسوا كلام الله "لكل أجل كتاب" و"إنك ميت وإنهم ميتون" أصحاب اليمين وأصحاب الشمال في سورة الواقعة،
المخ يتكون من فصين الشمال واليمين ولكل نشاطه وتأثيره الخاص على شخصية الإنسان وتصرفاته ولو دققنا لوجدنا نشاط الفص اليمين يتميز بالأحاسيس الشفافة والقوة الروحانية والغيبيات عند الإنسان والإدراك الغيبي فيؤمنون بالله والملائكة والجن وهذه صفات المؤمنين, والفص الشمال مسئول عن العقل المنطقي العلوم المادية والحسابات فيتعامل بأسلوب علمي وعلماني لا يؤمنون إلا بما هو ملموس محسوس فلا يؤمنون بالغيب، وبالتالي لا يؤمنون بالله العظيم وهذه صفات أهل الشمال, وأما المقربون جعلنا الله وإياك منهم آمين من كانت عنده صفات أهل اليمين وعمل على تقويتها بالعبادات -وسخر نشاط الفص الشمال بكل قدراته العلمية والحسابية والإبداعية ليتدبر آيات الله في خلقه وقدراته في الكون سبحانه وتعالى عما يصفون.
"إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" نعرف أن المعنى العام هو أن لكل فريضة موعدا محددا لأدائها ووقتا ملزما مكتوبا, وهناك لمحة أخرى وهي أن لكل إنسان موعدا لقبض روحه ووفاته بوقت (معلوم عند الله) وكذلك له صلاة الميت الخاصة بالمؤمن المسلم
(إن الصلاة) صلاة الجنازة (كانت على المؤمنين) تصلى على كل مسلم قبل دفنه؟ (كتابا موقوتا) بوقت وفاته حضرة الشيخ الجليل أرجو سماع رأيك ومشاركتك أنا صيدلانية أحب القرآن الكريم جدا أفكر وأتدبر آياته حتى إني أتفاعل معها، درست علم التجويد لأكون من المتقنين أرجو مساعدتي وتوجيهي وأنا أعمل بدار القرآن مدرسة تجويد وتحفيظ كتاب الله هل يمكن اعتبار ذلك آية معجزة؟ وهل يمكن تسجيلها رسميا ضمن الآيات المعجزة في القرآن الكريم؟ جزاكم الله خيراً وشكراً لتعاونكم وتفهمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لقد منً الله عليك بهذا الفضل العظيم وهو حب للقرآن الكريم والتفكر في آياته، أما الكلام العلمي الذي نقلتِه فهو مما علمه الله البشرية، وإذا كنا - نحن المسلمين - تخلفنا قروناً عن مواكبة علوم الدنيا فلا بأس من أن نستفيد مما أنتجه غيرنا لإثبات إعجاز كتابناً وسنة نبيناً، ولكن ذلك يجب أن يكون مبيناً على حقائق علمية ومناسبات واضحة لا على أوهام وظنون وإذا تقرر هذا.
فقوله تعالى: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ {الشعراء:129} ، نزل في قوم عاد فراجعي تفسيرها في كتب التفسير، وما ذكرت من العبث بالجينات صحيح، ولكن لا نحمل القرآن أي معنى ولو كان صحيحاً لا رابط واضح بينه وبين المقصود من كلام الله، وفي هذه الآيات معجزات غير ما ذكرت,
فالمعجزة هنا تاريخية فالكتب السابقة والمؤرخون القدامى لم يعلموا شيئاً عن عاد وثمود وقوم شعيب واكتشفت أماكن هؤلاء الأقوام منذ قرن من الزمان فقط على نفس الهيئات التي فصلها القرآن،
أما قوله تعالى: (وأصحاب اليمين) و (أصحاب الشمال) وربط ذلك بوظائف الفص الأيمن والأيسر من المخ فليس فيه مناسبة واضحة يمكن التعويل عليها من إثبات الإعجاز العلمي؛ لأنه على فرض صحة هذا الكلام علمياً -فإن كلا الفصين يعملان بصورة متكاملة فيما يظهر لنا،
وكذلك في قوله: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103} ، سياقها مع ما قبله في توقيت الصلوات الخمس، ولا يدخل فيها الجنازة، فالخطاب للمصلين والميت لا يصلي، والذي ننصحك به أن تحذري من الخوض في تفسير كلام الله بدون علم، وأن تكثري من القراءة في كتب التفسير.. علمنا الله وإياك ورزقنا العمل بما علمنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1429(2/1576)
حكم التفسير بالرأي والمقصود به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى عدم تفسير القرآن بالرأي وهل لا يجوز التدبر في آيات الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتدبر هو قراءة القرآن بحضور قلب تفهما لآيات القرآن وما فيها من أوامر ونواه، فإن أشكل أمر رجع إلى مظانه من كتب التفسير أو سأل ذا علم، وهو مطلوب شرعا، ولا تعارض بينه وبين ذم التفسير بالرأي المذموم لأن التفسير بالرأي المذموم هو تأويل كتاب الله والإخبار عن مراده خلافا لنص مفسر للمعنى في آية أو حديث أو خلافا لاتفاق السلف أو لغة العرب أو بلا تحر ولا رجوع لمصادر هذا العلم، وكل هذا مذموم وداخل تحت التفسير بالرأي. وللاستزادة انظر فتاوانا ذات الأرقام التالية: 8600، 9186، 31173.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(2/1577)
العامي لا يجوز له القول في القرآن بمجرد رأيه
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً وجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه- فى إحدى خطب الجمعة - بدأ الخطيب بنهي العامة (الذين لا علم لهم ولايقرأون المراجع) عن التطاول على القرآن. ولكنه أتبعه بكلام غريب - فقال إن أيا من العامة لو تكلم على القرآن وأصاب حقا فهو أيضا آثم - أي أنه آثم في كل الأحوال - فالمفتي العالم مثاب حتى لو أخطأ (وهذا معلوم) وغيره آثم حتى لو أصاب - هل هذا الكلام صحيح؟ أليس في هذا خلاف مع الدعوة لله - الموضوع يحتاج توضيحكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلام الخطيب صحيح حيث إنه لا يجوز للعامي أن يتكلم في كتاب الله تعالى برأيه المجرد دون استناد إلى مرجع أو أصل، قال الترمذي: باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، وذكر فيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأخرج من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ. قال أبو عيسى: هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم.
قال في تحفة الأحوذي: من قال في القرآن برأيه أي بغير دليل يقيني أو ظني نقلي أو عقلي مطابق للشرعي قاله القاري ... (ومن قال) أي من تكلم (في القرآن) أي في معناه أو قراءته (برأيه) أي من تلقاء نفسه من غير تتبع أقوال الأئمة من أهل اللغة والعربية المطابقة للقواعد الشرعية بل بحسب ما يقتضيه عقله وهو مما يتوقف على النقل. وقوله (من قال في القرآن) أي في لفظه أو معناه (برأيه) أي بعقله المجرد (فأصاب) أي ولو صار مصيباً بحسب الاتفاق (فقد أخطأ) أي فهو مخطئ بحسب الحكم الشرعي.
قال ابن حجر: أي أخطأ طريقة الاستقامة بخوضه في كتاب الله تعالى بالتخمين والحدس لتعديه بهذا الخوض مع عدم استجماعه لشروطه فكان آثماً به مطلقا ولم يعتد بموافقته للصواب لأنها ليست عن قصد ولا تحر، بخلاف من كملت فيه آلات للتفسير فإنه مأجور بخوضه فيه وإن أخطأ لأنه لا تعدي منه فكان مأجورا أجرين كما في رواية، أو عشرة أجور كما في أخرى إن أصاب، وأجر إن أخطأ كالمجتهد لأنه بذل وسعه في طلب الحق واضطره الدليل إلى ما رآه فلم يكن منه تقصير بوجه.
فتبين من ذلك أن الجاهل لا يجوز له القول في القرآن بمجرد رأيه، ولكن إذا حكى قولا سمعه من أهل العلم أو وقف عليه في مرجع معتمد، أو تكلم فيما كان معلوما من الدين بالضرورة كأن يستدل لوجوب الصلاة بآية تدل على ذلك، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك مما يعلمه كل أحد، ومجرد الاستدلا ل دون الخوض في ذلك فلا بأس؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما -كما روى السيوطي في الدر- قال: تفسير القرآن على أربعة وجوه: تفسير يعلمه العلماء. وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام. وتفسير تعرفه العرب بلغتها. وتفسير لا يعلمه إلا الله، فمن ادعى علمه فهو كاذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1426(2/1578)
الحذر من الوساوس الشيطانية عند تدبر الآيات القرآنية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل مسلم وأصلي الأوقات جميعها حاضرة وأزكي وأتصدق وهذه الأيام أواظب على حفظ ما تيسر من القرآن والسنة والمشكلة أنى أقف أمام آيات من القرآن وبعض الأحاديث وداخلي صراع نفسي وتفسيرها بنفسى بطريقة أشعر أنها أخرجتني عن الدين والعياذ بالله هذا الأمر يشعرني بضيق نفسي فمثلاً في حادثة الأفك الخاصة بالسيدة عائشة تجدني أفكر بتفسير أنا كمسلم لا يجوز أن أفكر فيه هو تفسير يغضب الله فهل هذا مني أم من الشيطان بالله عليكم أفيدوني كي لا أجن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تفسير القرآن لا يكون بمجرد الرأي، وإنما الواجب في معرفة مراد الله الرجوع إلى ما قرره العلماء، وانظر الفتوى رقم: 20711.
وأما إساءة الظن بأم المؤمنين عائشة التي نزلت براءتها من فوق سبع سموات فإنه من الكفر، وانظر الفتويين: 27130، 53577.
وانظر قصة الإفك كاملة - كما رواها الإمام البخاري - في الفتوى رقم: 30182.
هذا، وإن الواجب عليك أن تحذر الشيطان، وأن ترد كيده ووساوسه، وأن تذكر حرصه على إغواء بني آدم، قال تعالى حاكياً عن إبليس اللعين: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف: 16-17} .
وقال سبحانه أيضاً في سورة النساء: إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا {النساء: 117-119} .
ولتنته ولا تسترسل في هذه الخواطر الرديئة، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، واسأله سبحانه أن يحفظ قلبك منه، وحصن نفسك بطلب العلم، واحرص على صحبة الصالحين ورواد المساجد، فالشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وللفائدة انظر الفتاوى: 52270، 18623، 29135، 29452، 45570، 3171.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1425(2/1579)
محاولات بعض العلماء إيجاد تفسيرات لترتيب للآيات
[السُّؤَالُ]
ـ[الموضوع: هل يوجد تفاسير مفصلة لكل آيات القرآن للعلاقات بين آيات القرآن وأسباب ترتيبها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم خلفهم وسلفهم على أن ترتيب الآيات في القرآن توقيفي، أي أن الصحابة اتبعوا فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل، لا خلاف في ذلك بين العلماء، ووردت في ذلك أحاديث كثيرة.
أخرج البخاري من حديث عبد الله بن الزبير، قال: قلت لعثمان: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا" قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها؟ قال: يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه.
وأخرج الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص، قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه، ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى" إلى آخر الآية.
ولقد حاول بعض العلماء المحدثين أن يجدوا تفسيرات لبعض الترتيب للآيات، فذكروا من ذلك أشياء كثيرة، وتوقفوا في كثير، ولا شك أن لله في كل ذلك أسرارا ولطائف لا تهتدي إليها البشرية، ومن الكتب المختصة بهذا الفن من التفسير كتاب: "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" للإمام برهان الدين البقاعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1424(2/1580)
من الابتداع في التفسير
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو تفسير "بسم الله الرحمن الرحيم الرحيم" وأرجو منكم إجابتي لأنني سمعت أن كل حرف له رمز وله تفسير؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فراجع في تفسير البسملة الفتوى رقم: 11233.
وكتب التفسير ومقدمات شروح مؤلفات العلماء التي شرحتها، وأما كون كل حرف له رمز وله تفسير فهذا شيء لم يؤثر عن السلف الاشتغال به، والخير في اتباع من سلف والشر في ابتداع من خلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1424(2/1581)
معنى حديث "من قال في القرآن برأيه ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب) ؟ وهل يعني هذا عدم محاولة تفسير القرآن والتوقف على ما قاله الصحابة رضي الله عنهم فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
إن هذا الحديث رواه الترمذي بألفاظ مختلفة منها: "فليتبوأ مقعده من النار".
والمقصود من الحديث التحذير من تفسير القرآن بغير علم.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: فمن قال في القرآن برأيه، فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأتِ الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب. مجموع الفتاوى (13/371) .
والأصل في تفسير القرآن أن يفسر بالقرآن، أو بالحديث النبوي، ثم بأقوال الصحابة، وإن لم يجد في تفسير الصحابة، فقد رجع كثير من أئمة التفسير إلى أقوال التابعين كمجاهد وغيره، فمن خالف هذه الأصول فهو مخطئ وإن أصاب، وليس من التفسير بالرأي المجرد ما كان جارياً على قوانين العلوم العربية، والقواعد الأصلية والفرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(2/1582)
التفسير بالرأي ... والتفسير بالمأثور
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالشروط التي يجب توافرها لكي يكون التفسير بالرأي مقبولا؟ وما أقسام التفسير بالمأثور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعندما يطلق العلماء التفسير بالرأي، فإنما يقصدون بالرأي: الاجتهاد، أما الأمور التي يجب استناد الرأي إليها في التفسير، فقد نقلها الإمام السيوطي في الإتقان عن الإمام الزركشي، فقال ما ملخصه: للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة:
الأول: النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع التحرز عن الضعيف والموضوع.
الثاني: الأخذ بقول الصحابي، فقد قيل: إنه في حكم المرفوع مطلقاً، وخصه بعضهم بأسباب النزول ونحوها، مما لا مجال للرأي فيه.
الثالث: الأخذ بمطلق اللغة مع الاحتراز عن صرف الآيات إلى مالا يدل عليه الكثير من كلام العرب.
الرابع: الأخذ بما يقتضيه الكلام، ويدل عليه قانون الشرع، وهذا النوع الرابع هو الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس في قوله: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" رواه البخاري ومسلم.
فمن فسر القرآن برأيه أي: باجتهاده ملتزماً الوقوف عند هذه المآخذ معتمداً عليها فيما يرى من معاني كتاب الله، كان تفسيره سائغاً جائزاً خليقاً بأن يسمى تفسيراً، ويكون تفسيراً جائزاً ومحموداً، ومن حاد عن هذه الأصول وفسر القرآن غير معتمد عليها كان تفسيره ساقطاً مرذولاً خليقاً بأن يسمى التفسير غير الجائز، أو التفسير المذموم، وكما يقول صاحب مناهل العرفان: فالتفسير بالرأي الجائز يجب أن يلاحظ فيه الاعتماد على ما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما ينير السبيل للمفسر برأيه، وأن يكون صاحبه عارفاً بقوانين اللغة، خبيراً بأساليبها، وأن يكون بصيراً بقانون الشريعة، حتى ينزل كلام الله على المعروف من تشريعه.
أما الأمور التي يجب البعد عنها في التفسير بالرأي فمن أهمها:
التهجم على تبيين مراد الله من كلامه على جهالة بقوانين اللغة أو الشريعة.
ومنها: حمل كلام الله على المذاهب الفاسدة.
ومنها: الخوض فيما استأثر الله بعلمه.
ومنها: القطع بأن مراد الله كذا من غير دليل.
ومنها: السير مع الهوى والاستحسان.
ويمكن تلخيص هذه الأمور الخمسة في كلمتين هما: الجهالة والضلالة.
انظر: البرهان للزركشي (2/156) ، والإتقان للسيوطي (2/1204) ، ومناهل العرفان في علوم القرآن للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني (2/42) ، هذا باختصار، ومن أراد التوسع فيمكنه الرجوع إلى هذه المراجع.
وأما التفسير بالمأثور فهو يشمل ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل وما نقل عن الرسول الله وصلى الله عليه وسلم وأصحابه. أما ما ينقل عن التابعين، فبعض العلماء يعتبره من المأثور، وبعضهم يعتبره من التفسير بالرأي، لكن كتب التفسير بالمأثور قد ضمت ما نقل عن التابعين في التفسير، ولذلك نعتبره مدرجاً في التفسير المأثور. قال الإمام ابن كثير رحمه الله في مقدمة تفسيره: (والفرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: " فبم تحكم؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول لله لما يرضى رسول الله" وهذا الحديث في المسند والسنن بإسناد جيد، كما هو مقرر في موضعه. وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود ... ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترجمان القرآن…)
ثم قال: (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر، فإنه كان آية في التفسير كما قال محمد ابن اسحاق: ثنا أبان ابن صالح عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها…. وكسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد ابن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين، وتابعيهم، ومن بعدهم) . انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/9) وهذا الكلام نفسه قد نص عليه الإمام ابن تيمية - رحمه الله- وهو شيخ الإمام ابن كثير- في مقدمة التفسير (13/368) ضمن مجموع الفتاوى لابن تيمية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1422(2/1583)
التعريف بالإسرائيليات وحكم روايتها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي كتاب عرفت بفضل موقعكم أنه من قصص الإسرائيليات ثم حرقته، ولدي كتاب آخر أظن أنه من هذا النوع اسمه بدائع الزهور في وقائع الدهور لشيخ محمد بن أحمد بن إياس الحنفي.
هذان الكتابان لدي منذ خمسة عشر عاما تقريبا فهما لجدي رحمه الله وأظن بل أنا علي ثقة كاملة أنه لم يعرف أنهم من القصص الاسرائيلية ولو كان يعلم لحرقهم في الليلة ذاتها.
وأشكر موقعكم من كل قلبي على المعلومات التي أفادني بها في كل المواضيع، إنه موقع جيد جدا أرجو من الله أن يحفظكم ويرعاكم وأن يجزيكم أجرا على خدمتكم للأمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلفظ الإسرائيليات في الأصل نسبة بني إلى إسرائيل، وإسرائيل هو نبي الله يعقوب عليه السلام.
وقد أصبح لفظ الإسرائيليات علما على ما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى سواء أخذوا ذلك عنهم مشافهة أو من كتبهم، وقد أخذ المسلمون عنهم ذلك ونقلوا أخبارهم للعبرة والاتعاظ انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، هذا فيما لم نعلم كذبه أو مخالفته لما أخبر به الكتاب والسنة، وإلا فلا تجوز روايته والاعتبار به.
قال صاحب عون المعبود شرح سنن أبو داود: قال مالك: المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا.
وعلى أية حال، فنحن نشكرك على هذه الثقة في موقعنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1428(2/1584)
اعتقاد أهل السنة في الظاهر والباطن مباين لاعتقاد أهل البدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المواقف الفكرية بين ظاهر النص القرآني وباطنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأهل السنة يعتقدون أن الأحكام الشرعية التي دلّ عليها القرآن الكريم منها ما هو ظاهر، بمعنى أنه لا يحتاج إلى نظر واستدلال، كبيان عدد المحرمات من النساء، واستحقاق المواريث، والحدود المترتبة على الجنايات، كالقتل والسرقة وغيرها.
ومنها ما هو خفي يحتاج في الوصول إليه إلى نظر واستدلال، وهذا النوع هو الذي وضع الأصوليون له مباحث دلالات الألفاظ، وهي عند الجمهور دلالة المنطوق ودلالة المفهوم، ودلالة المنطوق منها ما هو صريح، ومنها ما هو غير صريح، ودلالة المفهوم نوعان: مفهوم الموافقة، ومفهوم المخالفة، ولكل قسم من هذه الأقسام ما يقابله عند الأحناف مع اختلاف التسمية، وراجع في هذا شرح الكوكب المنير 473/3.
أما أهل البدع، فإنهم يجعلون للقرآن ظاهراً وباطناً، فالظاهر عندهم هو تفسير القرآن بالقواعد الشرعية واللغوية، وهو الذي يناسب عوام المسلمين في زعمهم، والباطن هو التفسير المجرد عن القواعد الشرعية واللغوية، وهو عبارة عن تأويلات باطنية ينتحلونها لآيات القرآن الكريم لا تتصل بمدلولات الألفاظ ولا بمفهومها ولا بالسياق القرآني، ويسندون ذلك إلى آل البيت، وإلى جعفر الصادق على وجه الخصوص، وأهل البيت من ذلك براء - رضي الله عنهم أجمعين - وأول من وضع هذا النوع من التفسير هو جابر الجعفي (ت سنة 128هـ) قال عنه ابن حجر في (تقريب التهذيب) : جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي، ضعيف رافضي، من الخامسة ... ا. هـ
فكان هذا التفسير بمثابة النواة التي ارتكز عليها أهل التفسير الباطني فيما بعد، ومن أهم هذه التفاسير: تفسير القمي، وتفسير العياشي، وتفسير البرهان، وتفسير الصافي، وإمام أهل هذا التفسير هو جابر الجعفي، ولذلك فإننا نجد هذا النوع من التفسير يخدم مذهبهم، ويناصر معقتدهم في الأئمة والولاية، وغير ذلك من الاعتقادات الفاسدة، ومثال ذلك:
- ما ذكره جابر الجعفي في قوله تعالى: (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) [البقرة:41] قال: يعني علياً.
- وقال العياشي في قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238] . الصلوات: رسول الله، وأمير المؤمنين، والحسن والحسين. والصلاة الوسطى: أمير المؤمنين (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) : طائعين للأئمة. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1423(2/1585)
لا يجوز لغير المتخصص القيام بالترجمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز ترجمة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اللغة الإنجليزية من قبل شخص عادي، أنا أبحث عن ترجمة لحديث النساء ناقصات عقل ودين ... روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت: يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين. ومعنى الجَزْلة: أي ذات العقل والرأي والوقار، وتَكْفُرْنَ العشير: أي تُنكرن حق الزوج، فكيف من الممكن أن أحصل عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلترجمة الحديث النبوي ضوابط سبق ذكرها في الفتوى رقم: 21219، وعليه فلا تجوز ترجمة الحديث إلا وفقاً لهذه الضوابط.
وترجمة الحديث المسؤول عنه يمكنك أن تبحثي عنها في موقع الشبكة الإنجليزي أو تراسلينا عبره لنبعث لك بالترجمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1428(2/1586)
الغاية من ترجمة القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد موضوعا حول أهم الدوافع التي كانت وراء الدعوة إلى ترجمة القرآن الكريم إلى الأوروبية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أهم الدوافع لترجمة معاني القرآن لغير العربية إيصال وتفهيم كلام الله تعالى للناطقين بتلك اللغات لعلهم يهتدون به ويعملون به ويعلمون ما يدعو إليه. هذا من حيث العموم.
أما إذا كنت تسأل عن دعوة لترجمته في هذا الزمن مؤخرا فإنا لا نعلم شيئا عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(2/1587)
ترجمة معاني القرآن الكريم لا تأخذ حكم المصحف
[السُّؤَالُ]
ـ[- لدينا نسخة من القرآن المترجم ,,هل يجب أن يفتح ويقرأ به , من باب أن لا يجوز أن يترك كتاب الله مغلقا من دون قراءة ,,,علما بأننا مواظبون على قراءة القرآن بالنسخ العادي التي لدينا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ترجمة معاني القرآن الكريم لا تأخذ حكم المصحف من حيث وجوب الطهارة لها واستحباب قراءتها دائما كما يستحب في المصحف حتى لا يتخذ مجهورا.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتويين: 630، 64878.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1426(2/1588)
ترجمة القرآن بالإنكليزية على الشبكة العنكبوتية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن تدلوني على موقع على الإنترنت فيه حفظ (download) الترجمة الصحيحة للقرآن باللغة الإنجليزية.
جزاكم الله عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكنك الدخول على هذا الموقع: www.islamweb.com ففيه ترجمة للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية وغيرها.
مع التنبيه إلى أن الترجمة تقوم مقام التفسير، ولا يمكن أن تحمل معاني كلمات القرآن بدقة متناهية، ولا تحمل روعته وبلاغته، وإنما هي تفسير مع أنها لا تخلو في مجملها من أخطاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1426(2/1589)
حكم تكليف الكافر بطباعة القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أطبع القرآن الكريم في ألمانيا (بلد الإقامة) لدى مطبعة ألمانية علماً بأنهم ليسوا مسلمين. أي عند التغليف سوف يُمس المصحف من قبلهم. وأريد أن أطبع في ألمانيا لإمكانية متابعة العمل والإشراف عليه.
هل يجوز لي ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان ما تنوي طباعته هو نص القرآن الكريم فإنه لا يجوز للكافر لمسه كما بينا في الفتوى رقم: 29022 وليس هنالك ضرورة ملجئة إلى ذلك العمل، فالمصاحف كثيرة ومنتشرة والمؤسسات الإسلامية مليئة بالمصاحف في الشرق والغرب وتوزع بالمجان، كما أن طباعة المصحف طباعة عادية دون مراجعة هيئة مختصة للإشراف والمراقبة على ذلك مما يعرضه لكثرة الأخطاء والتي لا تسلم منها المطابع والقائمون عليها فلا نرى جواز ذلك العمل، لما ذكرناه.
وأما إن كنت تنوي طباعة ترجمته باللغة الألمانية أو غيرها من اللغات فلا مانع من ذلك، فقد نص العلماء على جواز لمس الكافر لترجمة القرآن لأنها تقوم مقام تفسيره كما بينا في الفتوى المحال عليها سابقا، وهذا أولى وأنفع من طباعة نص القرآن مجردا.
وننصحك بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3497، 5045، 11316 فقد تضمنت بعض الأحكام المتعلقة بإقامة المسلم في بلاد الغرب، سائلين الله تعالى لنا ولك التوفيق والهداية إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1426(2/1590)
ترجمة معاني القرآن الكريم ليست قرآنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن نقول إن ترجمة القرآن الكريم هي القرآن نفسه هل هذا القول يجوز أم لا؟.
أرجو منكم الجواب على هذا السؤال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يصح أن يقال لترجمة معاني القرآن الكريم قرآناً، لأن هذه الترجمة لا تأخذ حكم القرآن من وجوب الطهارة لمسه، ولهذا فهي ليست قرآناً في الحقيقة، وإنما هي ترجمة للمعاني فقط، فالقرآن هو اللفظ والمعنى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، أما المعنى وحده فلا يقال له قرآناً.
ولهذا فلا يقال لكتب التفسير قرآن، ولذلك فلا يصح إطلاق كلمة القرآن على الترجمة إلا إذا كان ذلك على سبيل المجاز.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين: 63947، 32300.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1426(2/1591)
حكم ترجمة القرآن حرفيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ترجمة القرآن الكريم بمعانيه إلى لغة أجنبية، المقصود ترجمة حرفية للقرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى أي لغة أخرى بشرط أن يكون المترجم أميناً عالماً ... بل إن ذلك مطلوب شرعاً لأن القرآن العظيم نزل للناس كلهم، وترجمة معانيه إلى لغاتهم مما يسهل وصوله إليهم واطلاعهم عليه.
وأما ترجمته الحرفية فلا تصح لأن الترجمة الحرفية معناها ذكر المرادف أو المقابل للفظ من اللغة الأخرى، وهذا ما لا يمكن في اللغة العربية مع غيرها لسعتها ووجود الكناية والاستعارة، وغير ذلك من أساليب البلاغة التي تختص بها العربية ويقل نظيرها في اللغات الأخرى، فإذا ترجم القرآن ترجمة حرفية تغير المعنى.
وقد ترجم بعضهم قول الله تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ {البقرة:187} ، ترجمة حرفية فقال: هن بنطلونات لكم وأنتم بنطلونات لهن، فليس المقصود باللباس هنا اللباس الحسي وإنما هو السكن والستر فكل واحد منهما ستر وسكن لصاحبه.
وأما كتابة ألفاظه العربية بحروف أجنبية فإنه لا يجوز لما فيه من التحريف وتغيير بعض الحروف، فبعض حروف اللغة العربية لا يوجد في غيرها من اللغات، وقد اتفق أهل العلم على وجوب التقيد بكتابة المصحف على الكتابة الأولى التي كتب بها أصلاً بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في المصاحف العثمانية التي أجمع عليها الصحابة وهذا بالحروف العربية، فكيف بغيرها لا شك أن ذلك سيكون أبعد مما كتب عليه، والحاصل أن الترجمة الحرفية لا تصح، وأن ترجمة المعاني أمر مطلوب شرعاً، ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 32300، والفتوى رقم: 61198.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(2/1592)
من شروط جواز الاستفادة من ترجمة معاني القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ أيام قليلة ذهبت إلى أحد المساجد وطلبت من إمام المسجد كتاب الله مترجما إلى اللغة الإنجليزية وقام بإعطائي كتابا وعندما ذهبت إلى البيت فوجئت بأن هذا الكتاب كان خاليا تماما من اللغة العربية إضافة إلى أنه تضمن السيرة الذاتية للسيد الذي قام بترجمته إلى اللغة الأجنبية مع قليل من الحديث عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وعن شيء من سيرته النبوية ولكن الأغرب من هذا أنه غير أسماء بعض السور مثل سورة (قريش) سماها بـ (القريش) ، وعندما رأيت هذا توقفت عن متابعة القراءة وأحببت معرفة رأي الشرع بهذا الأمر وما يجب علينا فعله في هذه الحالة؟ وجزاكم الله عنا كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية أو غيرها من اللغات أمر جائز، وإذا علم أن الجهة المترجمة أمينة فإنه تجوز الاستفادة من الترجمة التي عملتها، ولعل هذا من فوائد تقديم سيرة المترجم.
وأما أسماء سور القرآن فهي توقيفية على الراجح، ولا ينبغي أن تغير أسماؤها باجتهاد، ولكنه لو أخطأ المترجم في اسم سورة فألحق بها الألف واللام فإن هذا لا يمنع الاستفادة من الكتاب إن لم تكن فيه أخطاء جوهرية تحرف معاني القرآن.
هذا ويمكنك سحب نسخة من القرآن الكريم على جهازك مرئية أو مسموعة، والاطلاع على عدة من الترجمات المعتمدة للقرآن الكريم، عند الدخول إلى هذا الرابط http://www.islamwqrld.net/quran
http://www.islamweb.net/ver2/archive/
http://www.sultan.org/a
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1426(2/1593)
حكم كتابة القرآن بغير الحروف العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد شيئ اسمه كتابة لغة بحروف لغة أخرى وهو عبارة عن كتابة القرآن بالانجليزية كمثل:
هل يجوز إعطاء الكافر نسخه من هذا؟ وهل يجوز مسه؟ أم حكمه كحكم المصحف العادي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية، لما اتفق عليه العلماء من أهل المذاهب الأربعة من وجوب المحافظة على الرسم العثماني، سئل مالك رحمه الله: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء، فقال: لا إلا على الكتبة الأولى.
قال بعض أئمة القراء ونسبته إلى مالك لأنه المسؤال وإلا فهو مذهب الأئمة الأربعة. نقل ذلك الإمام ابن حجر الهيتمي في فتاويه، وابن حجر هذا ذهب إلى تحريم كتابة القرآن بالعجمية ولو كان لمصلحة التعليم، قال رحمه الله: وإذا وقع الإجماع كما ترى على منع ما أحدث الناس اليوم من مثل كتابة الربا بالألف مع أنه موافق للفظ الهجاء فمنع ما ليس من جنس الهجاء أولى..... وزعم أن كتابته بالعجمية فيها سهولة للتعليم كذب مخالف للواقع والمشاهدة فلا يلتفت لذلك.
ولا شك أن فتح الباب أمام كتابة القرآن بغير العربية قد يؤدي إلى تحريف القرآن وتبديله، قال الزرقاني في كتابه القيم مناهل العرفان ج2ص96: ونسترعي نظرك إلى أمور مهمة، أولها أن علماءنا حظروا كتابة القرآن بحروف غير عربية، وعلى هذا يجب عند ترجمة القرآن بهذا المعنى إلى أية لغة أن تكتب الآيات القرآنية إذ كتبت بالحروف العربية كيلا يقع إخلال وتحريف في لفظه فيتبعهما تغير وفساد في معناه، سئلت لجنة الفتوى في الأزهر عن كتابة القرآن بالحروف اللاتينية فأجابت بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسوله بما نصه: لا شك أن الحروف اللاتينية المعروفة خالية من عدة حروف توافق العربية فلا تؤدي جميع ما تؤديه الحروف العربية، فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النظم العربي كما يفهم من الاستفتاء لوقع الإخلال والتحريف في لفظه ويتبعهما تغير المعنى وفساده، وقد قضت نصوص الشريعة بأن يصان القرآن الكريم من كل ما يعرضه للتبديل والتحريف، وأجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على أن كل تصرف في القرآن يؤدي إلى تحريف في لفظه أو تغيير في معناه ممنوع منعاً باتاً ومحرم تحريماً قاطعاً، وقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا كتابة القرآن بالحروف العربية. انتهى.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار: فإذا كانت الحروف العجمية التي يراد كتابة القرآن بها لا تغني غناء الحروف العربية لنقصها كحروف اللغة الإنجليزية فلا شك أنه يمتنع كتابة القرآن بها، لما فيها من تحريف كلمه، ومن رضي بتغيير كلام الله فهو كافر، وإذا كان الأعجمي الداخل في الإسلام لا يستقيم لسانه بلفظ محمد فينطق بها "مهمد"، وبلفظ خاتم النبيين فيقول: كاتم النبيين، فالواجب أن يجتهد بتمرين لسانه حتى يستقيم، وإذا كتبنا له أمثال هذه الكلمات بلغته فقرأها كما ذكر فلن يستقيم لسانه أبد الدهر، ولو أجاز المسلمون هذا للروم والفرس والقبط والبربر والإفرنج وغيرهم من الشعوب التي دخلت في الإسلام لعلة العجز لكان لنا اليوم أنواع من القرآن كثيرة، ولكان كل شعب من المسلمين لا يفهم قرآن الشعب الآخر....
وبهذا النقل تعلم أن كتابة القرآن بحروف غير عربية لا تجوز ولو كانت هذه اللغة تحتوي على حروف العربية، وذلك لأنه منذ نزول القرآن وجمعه في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما والقرآن يكتب بالحروف العربية، وأجمع على ذلك التابعون ومن بعدهم إلى عصرنا رغم وجود الأعاجم فوجبت المحافظة على ذلك عملاً بما كان في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه وأصحابه رضي الله عنهم، وعملاً بإجماع الأمة، كما أنه لا يؤمن إذا فتح هذا الباب أن يفضي إلى تحريف القرآن على مر الأيام كما حصل للكتب السابقة، فوجب أن يمنع ذلك محافظة على أصل الإسلام، وسداً لذريعة الشر والفساد، وقد نص على ذلك إضافة إلى من تقدم عدد من العلماء المحققين كالشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي وكذلك هيئة كبار العلماء في بحث أعد خصيصاً في هذا الموضوع.
وإذا تقرر هذا فإن النسخ الموجودة من كتابة القرآن بالأحرف اللاتينية لا تأخذ حكم القرآن لأن القرآن هو النظم والمعنى، لا المعنى وحده دون النظم ولاسيما أن النظم هو الموصوف بالإنزال والإعجاز وغير ذلك من الأوصاف التي لا تكون إلا للفظ العربي دون غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1424(2/1594)
لا بأس بترجمة الأحاديث النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أترجم أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وتعليقها فى العمارة حتى أذكر الناس بهذه الأدعية لأني فى بلد جميعها أجانب مسلمون مثل دعاء ركوب المصعد ودعاء دخول البيت ودخول الحمامات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من ترجمة مثل هذه الأحاديث إلى لغة أخرى للغرض المذكور، لكن بشروط ذكرناها في الفتوى رقم: 21219، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 5574.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1428(2/1595)
أسباب استحالة ترجمة القرآن الكريم حرفيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يمكن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، ولماذا يصر البعض على أن يطلق عليها ترجمة معاني القرآن بدلا عن ترجمة القرآن الكريم.. الرجاء التوضيح مع إعطاء الدليل وضرب المثال.. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأخرى جائزة باتفاق أهل العلم ممن هو أهل لها، بل هي واجبة على الكفاية لعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، ولأن الناس كلهم مخاطبون بهذا القرآن، ومما يسهل عليهم الوصول إليه وفهم معانيه ترجمة هذه المعاني إلى لغاتهم. وقد سبق بيان شيء من ذلك في الفتويين: 63947، 78573، نرجو أن تطلع عليهما.
وأما عدم جواز ترجمته حرفيا إلى اللغات الأخرى فلأن هذه اللغات لا تستوعب اللغة العربية وأساليبها من حقيقة ومجاز وكناية واستعارة، وتجد بعض الأمثلة على ذلك في الأسئلة المحال إليها، ولأن كتابة القرآن الكريم توقيفية يجب أن يكتب بالكيفية التي كتب بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز تغييرها ولو كان مكتوبا بالعربية وإملائها المتعارف عليه، فما بالك بغيرها من اللغات التي لا توجد بها بعض الحروف العربية أصلا.
ولأن القرآن الكريم كلام الله تعالى نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ من لغة العرب؛ كما قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ {الشعراء:192-195} فإذا كتب بألفاظ لغة أخرى لم يعد قرآنا ولو كانت هذه الألفاظ بمعانيه.. إلى غير ذلك من الأسباب التي تجعل ترجمته حرفية مستحيلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1428(2/1596)
الغاية من ترجمة القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد موضوعا حول أهم الدوافع التي كانت وراء الدعوة إلى ترجمة القرآن الكريم إلى الأوروبية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أهم الدوافع لترجمة معاني القرآن لغير العربية إيصال وتفهيم كلام الله تعالى للناطقين بتلك اللغات لعلهم يهتدون به ويعملون به ويعلمون ما يدعو إليه. هذا من حيث العموم.
أما إذا كنت تسأل عن دعوة لترجمته في هذا الزمن مؤخرا فإنا لا نعلم شيئا عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(2/1597)
لا يجوز إعطاء المصحف لغير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إهداء المصحف الكريم لامرأة غير مسلمة، وهل يطلب منها الوضوء قبل أن تقرأه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز إعطاء المصحف لكافر خشية أن يهينه أو يعبث به، ولأنه لا يمسه إلا المطهرون وهي ليست أهلاً للطهارة التعبدية، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. رواه مسلم.
ولكن الكافر يعلم ويقرأ عليه القرآن، فإذا أسلم وتطهر سلم إليه المصحف، وقد قال العلماء أنه لا مانع من أن يعطى بعض تراجم القرآن، لكن بشرط ألا تصحب بنص عربي منفرد عن ألفاظ الترجمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1428(2/1598)
حكم ترجمة أسماء الأنبياء في القرآن بأسماء الأنبياء في التوارة
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم ترجمة أسماء الأنبياء في القرآن بأسماء الأنبياء في التوارة. مثال سليمان يترجم إلى سالوموس ويحيى إلى يوحنا وداود إلى دافيد؟ مع ذكر الدليل؟ والرجاء السرعة في الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الأسماء (الأعلام) أن تبقى على حالها بألفاظها عند ترجمة النصوص المتعلقة بها إلى لغة أخرى، ولكن إذا كانت هذه الأعلام معروفة في تلك اللغة بألفاظ أخرى فالظاهر -والله أعلم- أنه لا مانع من ترجمتها إلى تلك الألفاظ المعروفة، وخاصة إذا كان المقصود هو التفهيم وتقريب المعنى؛ فهذا من البيان المطلوب شرعا، والأفضل أن تلفظ أو تكتب كما جاءت في نصوص الوحي، ثم بعد ذلك تلفظ أو تكتب بين قوسين باللغة التي يفهمها المخاطبون.
والدليل على ذلك أن هذا من البيان المأمور به شرعا، وقد اتفق أهل العلم على جواز ترجمة معاني القرآن الكريم إلى أي لغة أخرى إذا روعيت في ذلك الضوابط الشرعية كما بينا في الفتويين رقم: 63947، 61198. وكما جاء في فتاوى الأزهر واللجنة الدائمة للبحوث السعودية.
وهذا إذا كان الأمر متعلقا بترجمة معاني نصوص القرآن الكريم إلى لغة أخرى
أما إذا كان القصد ترجمة الأسماء فقط واستبدالها بما ذكر وتركها في النص القرآني هكذا؛ فإن هذا لا يجوز قطعا لما فيه من التحريف والتغيير والتبديل لكلام الله تعالى، وقد نص أهل العلم على حرمته وأن من بدل كلمة أو حرفا.. من كتاب الله عمدا كفر بذلك.
فقد نقل الحزاز عن القاضي عياض أن من بدل حرفا من القرآن عمدا كفر، فقال في عمدة البيان:
روى عياض أنه من غيرا * حرفا من القرآن عمدا كفرا
زيادةً أو نقصا أو إن بدلا * شيئا من الرسم الذي تأصلا.
وعلى ذلك درج ابن مايأبى الشنقيطي في كشف العمى حيث قال:
وكل من بدل منه حرفا * باء بنار أو عليها أشفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1430(2/1599)
كلمة الله تكتب بالفرنسية كما تقرأ في العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كتابة اسم الله بالفرنسية؟ هل نستعمل ترجمة حرفية من العربية إلى الفرنسية؟ أم المرادف الفرنسي أو كلاهما جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة الله تكتب بالفرنسية كما تقرأ في العربية الله، وتكتب هكذا: (Allah) ، ولا يكتب المرادف أو المعنى، لأنك في هذه الحالة تكتب المعنى لا الاسم.
وللفائدة راجع الفتويين: 8266، 21219.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1426(2/1600)
أحكام الترجمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أحكام الترجمة الشرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت تعني بالترجمة الشرعية ترجمة معاني النصوص الشرعية من قرآن كريم وحديث شريف ونحو ذلك، فإنها تجوز بشروط مبينة في الفتويين التاليتين:
8266، 21219، فراجعهما.
وإن كنت تعني غير ذلك فوضحه، فإنا لم نفهم السؤال فهماً كاملاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(2/1601)
رواية الحديث بالمعنى جائزة عند المحدثين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أنا مقيم في البلاد غير الإسلامية كان بعض علمائنا يدرس أبناء القرية بلغتهم حتى قول الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا يقول بلغتهم دون الإشارة إلى أن المقول من ترجمة حديث الرسول يعني من دون قراءة نص الحديث الذي ورد بالعربية بمعنى أن الرسول يتحدث بلغة أعجمية فأرجو الإفادة هل يجوز هذا من الناحية الشرعية؟
والسلام عليكم ورحمة الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تدريس الشريعة بلغة المخاطبين الذين لا يفهمون العربية أمر ضروري لإبلاغهم أحكام الله وتعاليم دينه، ويدخل في هذا ترجمة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بشروطها الموضحة في الفتوى رقم: 21219.
والأولى للمترجم أن يبين للسامعين أن هذا معنى الحديث أو يقرأ نص الحديث ثم يترجمه. وإذا لم يفعل فلا حرج؛ لأن رواية الحديث بالمعنى جائزة عند المحدثين بشروطها. ومن المعلوم عند كثير من المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالعربية ولم يكن يتكلم بلغات العجم، وبالتالي فقد يكون من الواضح للكثير منهم أن هذا الكلام مترجم.
وتراجع الفتوى رقم: 26185، والفتوى رقم: 33344.
وينبغي للمسلمين جميعًا وخاصة المقيمين في بلاد الكفر أن يحسن بعضهم الظن ببعض، ويتعاونوا في ما بينهم على البر والتقوى، ويتأكد الأمر في حق طلاب العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(2/1602)
ترجمة الأحاديث إلى لغة أخرى جائز بشروط
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته ...
هل يجوز لنا ترجمه أحاديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ترجمه حرفية,, مثلا الترجمة إلى اللغة الانجليزية أو اللغة الألمانية أو إلى أي لغة أخرى ... أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز ترجمة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى لغة أخرى غير اللغة العربية، بشرط أن يكون المترجم ممن يفهم المعنى فهماً صحيحاً، بالإضافة إلى إتقان اللغة المترجَم إليها حتى يستطيع التعبير عن هذه المعاني تعبيراً دقيقاً.
وقد ورد عن جمهور العلماء القول بجواز رواية الحديث بالمعنى، فدل ذلك على جواز نقل الحديث إلى لغة أخرى إذا روعي أداء المعنى الصحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(2/1603)
حكم إعطاء ترجمة معاني القرآن الكريم لغير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أعطي المصحف المترجم بلغة هندية مع نص عربي لغير مسلم؟ فقد أعطيت نسخة من قبل؟
آمل الإجابة في ضوء الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز ترجمة نصوص القرآن الكريم، لقوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون) [يوسف: 2] .
ولقوله تعالى: (بلسان عربي مبين) [الشعراء: 195] .
وأما ترجمة معانيه، وتفسيره بلسان قوم آخرين فجائزة، بل قد تكون واجبة لبيان عظمة القرآن، وحجيته ومحاسن أحكامه، ولأداء واجب البلاغ لمن لا يحسن العربية، ويشترط لذلك أن تكون ممن فهم معنى الآيات فهما صحيحاً، كي تستطيع التعبير عنها باللغة المترجمة إليها تعبيراً دقيقاً يفيد المقصود من نصوص القرآن الكريم.
قال ابن تيمية رحمه الله في (مجموع فتاوى: 3/ 304) : وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم، فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحة.
كمخاطبة العجم: من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم، فإن هذا جائز، وحسن للحاجة ... وكذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهيمه إياه بالترجمة. أ. هـ
ولا تعتبر ترجمة معاني القرآن الكريم بغير العربية قرآناً، ولا تنزل منزلته من جميع النواحي، إذ هي نظير تفسيره باللغة العربية لتقريب معانيه، وللمساعدة على تدبره وفهمه، واستنباط أحكامه، وتفسير القرآن لا يسمى قرآنا، وعلى ذلك فيجوز إهداء نسخه من ترجمة معاني القرآن الكريم لغير المسلم، لكن بشرط ألا تصحب بنص عربي منفرد عن ألفاظ الترجمة، أو متخلل لها. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1422(2/1604)
أثر القرآن في الشفاء هل يمكن اعتباره دليلا على صدق الوحي به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر تأثر المسحورين أو من به مس من الشيطان بقراءة القرآن كالذي نراه عند بعض القراء من كلام الجن لهم، وقراءة القرآن عليه فيتألم الجني وينطق بلسان المتلبس به. هل هذا يدل على صدق القرآن وأنه كلام الله؟ وهل نستطيع استخدام هذا الدليل الحسي بالدعوة؟
فهل هذا صحيح من كلام الجن بلسان المتلبس به وتألمه حين قراءة القرآن أم أنه مرض نفسي يصاب به المسحور؟ وهل هناك حالات مماثلة في دول الغرب فيقرأ عليهم كتابهم المقدس فيتأثر الجني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تأثير القرآن على من يرقى به من الأدلة على عظيم فضل القرآن ولكنه لا يكفي في إثبات كون القرآن وحيا منزلا من عند الله تعالى، لأن التأثير المذكور قد يحصل عندما يدعو الراقي بالأدعية التي لم تذكر في القرآن، وعندنا كثير من الأدلة المثبتة لكون القرآن وحيا فيحسن الاستغناء بالأدلة الواضحة التي لا يستطيع الكفار ردها.
وأما كلام الجن على لسان المصاب، فقد كثر وشاع عند الناس أمره وليس عندنا ما يثبته وينفيه من ناحية النصوص، ولكن كثيرا من الرقاة الذين ذكروه يعدون من أهل العلم والدعوة منهم الشيخ وحيد عبد السلام بالي وغيره. وأما وقوع حالات مماثلة في دول الغرب فليس عندنا شيء في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1430(2/1605)
إعجاز القرآن ظاهر بدون الحاجة إلى التكلف
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم ونفع بكم ... وبعد: وجدت هذا الموضوع فى إحدى المنتديات وهو يتكلم أن القرآن الكريم منه آيات هي لوحات عليها الاسمان [الله] [محمد] ، وذلك إذا كتبت آية الكرسي كتابة مقطعة على لوحة من المربعات [19×10] وإذا لونت مربعات حروف آية فإننا نشاهد لوحة تحمل أحد الاسمين كما ذكرنا، مثال: إذا ضغطنا على رابط: [صنع الله] نشاهد لوحة آية الكرسي، وإذا ضغطنا على أزرار حروف آية مثل (بسم الله الرحمن الرحيم) نشاهد لوحة عليها اسم [الله] جل جلاله، وإذا ضغطنا على أزرار حروف آية مثل (وقال الإنسان ما لها) نشاهد لوحة تحمل اسم [محمد] صلى الله عليه وسلم، وهذه اللوحات قد كشفت عن أمور كثيرة، منها:
1- كشفت عن تأويل بعض الآيات المتشابهات.
2- كشفت عن اسم [الله] الأعظم.
3- كشفت عن أعظم معجزة [أعظم آية في القرآن الكريم] .
4- كشفت بأن القرآن الكريم كله لوحات على أساس التجريد من النقط. وقد وضع ذلك على مدونة اسمها المعجزة، فأ رجو من حضراتكم مطالعة الموضوع وتوضيح مدى صحته؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اطلعنا على الموقع الذي احتوى على هذه الفكرة والذي يظهر -والله أعلم- هو: أن الأمر لا يخلو من الوقوع في شيء من التكلف، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ {ص:86} ، وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم. فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم لا أعلم، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. وللمزيد من الفائدة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27843، 43698.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1429(2/1606)
الفرق بين الإعجاز والمعجزة والصرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[الفرق بين معنى الإعجاز والمعجزة والصرفة في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإعجاز في أصل اللغة معناه الفوت والسبق.. وإعجاز القرآن: تحديه للثقلين أن يأتوا بمثله، كما قال الله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {الإسراء:88} ، والمعجزة أمر خارق للعادة يجريها الله تعالى على أيدي أنبيائه عند التحدي تصديقاً لهم وإقامة للحجة على العباد.
والصرفة: رد الشيء عن وجهه، ومعناها عند القائلين بها في هذا الباب، أن الله تعالى صرف همم الخلق عن معارضة القرآن الكريم مع تحديه لهم بأن يأتوا بسورة من مثله، وهو رأي فاسد وكلام باطل يلزم منه أن القرآن الكريم ليس بمعجز في حد ذاته، وأن المعجزة هي المنع والصرفة ...
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 3183.
هذا ونرجو أن تطلعي على كتاب مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمد عبد العظيم الزرقاني رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1429(2/1607)
الإعجاز القرآني لا يوجد مثله في الكتب المحرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي أنني أصبت بنوع من الوسوسة في الدين ولكن بعد أن عرفت المعجزات في الإسلام تيقنت أنه الدين الحق.
ولكن تأتيني أحيانا وساوس تقول إني لو قرأت الإنجيل أو التوراة سأجد معجزات علمية أو غيرها من المعجزات في تلك الكتب، أنا مقتنع بالإسلام لكن هذه الفكرة تؤرقني، أرجو أن أجد عندكم العلاج بإذن الله.
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى أرسل رسله موسى وعيسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم وأيد كلا منهم بالمعجزات، فهم رسل من عند الله يجب الإيمان برسالتهم، وقد ختم الله الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بشر به من قبله من الرسل بمن في ذلك موسى وعيسى، فوجود معجزات لموسى أو عيسى عليهما السلام لا تفيد عدم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي التوراة والإنجيل قبل تحريفهما يوجد الإخبار بالنبي صلى الله عليه وسلم والبشارة عنه وأخذ العهد على اليهود والنصارى باتباعه.
وأما من ناحية الإعجاز فإن الإعجاز الموجود في القرآن الكريم من حيث بلاغة أسلوبه ومن حيث بقائه محفوظا من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن فهذه معجزة لن تجد مثلها في التوراة والإنجيل.
وأما التناقض في النسخ المحرفة عند اليهود والنصارى ومناقضة ما فيهما للحقائق العلمية فهذا يدل على بطلان هذه النسخ المحرفة وأنها ليست من عند الله، فأبعد هذه الوساوس عن قلبك بالإعراض عنها كلية والإكثار من مطالعة الكتاب والسنة وكتب السير ومصاحبة أهل الخير الذين يزيدون إيمانك ويقوون معتقدك، وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 30506، 10326، 27986، 75125، 75046، 70476.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1428(2/1608)
الاكتشافات الحديثة تشهد بصدق القرآن وإعجازه
[السُّؤَالُ]
ـ[كان وجه الإعجاز في القرآن قديماً حول اللغة والأسلوب، أما اليوم فالتنافس التكنولوجي، فكيف نطبق قوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق) على هذه الإبداعات البصرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أوجه الإعجاز في القرآن الكريم -قديماً- لا تقتصر على بلاغته وحسن أسلوبه ... بل إن كل ما جاء في القرآن العظيم من التشريع والقصص والأخبار والتوجيه والأخلاق ... والمعاملات والعقائد والعبادات.... كان ولن يزال قمة في الإعجاز لا يدانيه فيه غيره.
وما يكشفه العلم الحديث اليوم من أسرار في أنفسنا وأجسامنا وفي الكون من حولنا مما يشهد بصدق هذا الكتاب وإعجازه هو مصداق للآية التي أشرت إليها، أي قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {فصلت:53} .
وعلى علماء المسلمين بمختلف تخصصاتهم أن يبحثوا عن أوجه الإعجاز في القرآن بالشروط والضوابط التي وضعها أهل العلم لذلك، كما في الفتوى رقم: 43698.
حتى نسد هذا الباب أمام من ليس من أهله من الأدعياء والمتطفلين والمتشبعين بما لم يعطوا ... فلا يجوز لأحد ليس من أهل الاختصاص أن يخوض في هذا العلم لما يترتب على ذلك من مفاسد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1427(2/1609)
الحروف المقطعة أوائل السور إعجاز أيما إعجاز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الرد على من أثار الشكوك حول قدسية القرآن بالرمي نحو قضية الحروف الزائدة في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصد بالحروف الزائدة المعروفة عند أهل اللغة فإنها تأتي لتأكيد المعنى غالبا، وبعض العلماء يسميها صلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن الذي يقول هو صلة لا يجعل له معنى كما يقوله من يقول ذلك في الحروف الزائدة التي تجيء للتوكيد، كقوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ {آل عمران: 159} و: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ {المؤمنون: 40} ونحو ذلك.
وقال الألوسي في روح المعاني: إفادة التأكيد هو الأمر الشائع في الحروف الزائدة. وهو من باب زيادة المعنى بزيادة المبنى، لأن التأكيد زيادة في المعنى.
وإن كنت تقصد الحروف المقطعة في فواتح بعض السور القرآنية فإن هذه الحروف من مظاهر إعجاز القرآن الكريم، وفيها إشارة إلى أن القرآن الكريم مركب من جنس هذه الأحرف التي يكوِّن منها العرب كلامهم، ومع ذلك فإنهم يعجزون عن أن يصيغوا منها مثل هذا القرآن.
قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية: وإلى هذا وقعت الإشارة بالحروف المقطعة في أوائل السور، أي أنه في أسلوب كلامهم وبلغتهم التي يخاطبون بها، ألا ترى أنه يأتي بعد الحروف بذكر القرآن كما في قوله تعالى: الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ. {البقرة: 1-2} الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ. {آل عمران: 1-2} المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ. {الأعراف: 1-2} الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ {يونس: 1} وكذلك الباقي، فنبههم أن هذا الرسول الكريم لم يأتكم بما لا تعرفونه؛ بل خاطبكم بلسانكم.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان في بداية تفسيره لسورة هود: أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو أن الحروف المقطعة ذكرت في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وحكى هذا القول الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء وقطرب، ونصره الزمخشري في الكشاف. قال ابن كثير: وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية، ووجه شهادة استقراء القرآن لهذا القول أن السورة التي افتتحت بالحروف المقطعة يذكر فيها دائما عقب الحروف المقطعة الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وأنه الحق الذي لا شك فيه، وذكر ذلك بعدها دائما دليل استقرائي على أن الحروف المقطعة قصد بها إظهار إعجاز القرآن وأنه حق. انتهى كلام الشنقيطي.
وعليه، فليس في هذا المعنى ما يطعن به في القرآن، بل إن العكس هو الصحيح، فإنها تدل على إعجاز القرآن الكريم وعدم قدرة الخلق على الإتيان بمثله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1426(2/1610)
الإيمان بإعجاز القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الناس لا يؤمنون بالإعجاز في القرآن ماذا نفعل لهم مع المعرفة أنهم من كبار المشايخ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أوجه الإعجاز في القرآن الكريم متعددة وكثيرة، ولا تنحصر أوجه الإعجاز فيه على الإعجاز البياني والبلاغي واللغوي، وما يجب على المسلم الإيمان به هو أن القرآن كلام الله وكتابه المحكم أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين، وأنه كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.
كما يجب الإيمان بأن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى والآية العظمى. قال ابن حجر في الفتح: وأشهر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، لأنه تحدى به العرب وهم أفصح الناس لسانا وأشدهم بيانا على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا وغيرهم أعجز، والتحدي لا زال قائما، فقد قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا
وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه بالتدبر والنظر في آيات الله المسطورة والمنظورة مما يدل على كمال قدرته وبديع صنعه. قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ {فصلت 53}
وكل ما نسمعه ونقرأه عن الإعجاز العلمي فيه ما هو إلا نقرة عصفور من بحر مسجور، فإن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، لكن لا يجب الإيمان بتلك التجارب ولا تلك المدلولات لأن دلالة القرآن على غالبها ظنية اجتهادية، وما كان كذلك فهو مجال للأخذ والرد، والقرآن ليس بحاجة إلى إثبات ما جاء فيه بنتائج العلم الوضعي التجريبي، ولكن يستأنس بها، فقد تزيد بعض الناس إيمانا وطمأنينة، ولا حرج في ذلك، فقد قال إبراهيم لربه لما سأله: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي {البقرة: 260} إلا أن من لم يؤمن بتلك التجارب لعدم فهمه لأسرارها وإدراكه لكنهها فلا تثريب عليه، فالذي يجب على المسلم الإيمان به اتجاه القرآن هو أن أخباره صدق وأحكامه عدل لا ريب في ذلك، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا
فما جاء من تلك الحقائق موافقا لما في القرآن فقد ثبت عندنا في القرآن، وما كان مخالفا لما في القرآن فهو ليس بحقائق وإنما هو أوهام سيرجع عنها أصحابها ولو بعد حين، كما هو الشأن في كثير من الأمور التي اكتشفت وثبتت على أنها حقائق عندهم ثم تبين خطؤها لأن التجارب في اضطراب.
وللاستزادة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 30472.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1426(2/1611)
الإعجاز العددي في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في مركز إسلامي في دولة أجنبية لغتها الروسية، وظهرت عندنا فكرة ترجمة كتاب للدكتور بسام الجرار عن الإعجاز العددي في القرآن الكريم، وكانت الفكرة من هذا العمل أن تطرح هذه المادة على غير المسلمين بالصورة التي يعرضها المؤلف جزاه الله خيرا بعد ترجمته ترجمة دقيقة لما فيه من الحجج العلمية والعددية التي يطرحها الشيخ في هذا الكتاب فنكون بهذا نواجه الإلحاد بطريقة علمية كما هو عليه أسلوب هذا الكتاب
وقد ظهرت عند بعض الإخوة تحفظات مختلفة من هذه الفكرة وخرجنا بأن نتوجه بالسؤال في هذا الموضوع إلى أهل العلم، والذي نريده من فضيلتكم أن تعطونا رأيكم في هذا الموضوع بعد أن تطلعوا إن أحببتم على محتويات الكتاب من خلال الوصلة التالية
http://www.islamnoon.com/Derasat/Erhasat/home.htm
ولكم منا ومن جميع إخوانكم جزيل الشكر، وجعلكم الله ذخرا للإسلام والمسلمين، ونرجو منكم الرد على العنوان التالي
؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17108، 29468، 32263.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1426(2/1612)
ثبوت إعجاز القرآن- تهافت الادعاء بأن الله غير عادل
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق يدعي أن القرآن غير معجز، وأن الله غير عادل، وهو الآن على درجة الإلحاد فأفيدوني لكي ننقذ هذا الشاب قبل أن يقع في براثن الشيطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إعجاز القرآن أثبت وأوضح من الشمس، ومما يدل لذلك أن الله تحدى العرب بالإتيان بقرآن مثله فعجزوا، ثم تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحداهم بسورة من مثله فعجزوا، ثم أخبر سبحانه وتعالى أنهم لن يأتوا بمثله ولو تعاونوا جميعاً. ولم يسمع في التاريخ من ذلك العصر إلى اليوم أن أحداً كتب مقالاً يحاكي القرآن، وصدق الله تعالى إذ يقول: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] ، قال ابن كثير في البداية والنهاية في معرض حديثه عن دلائل النبوة المعنوية: وهو معنوية وحسية، فمن المعنوية إنزال القرآن عليه وهو أعظم المعجزات، وأبهر الآيات، وأبين الحجج الواضحات لما اشتمل عليه من التركيب المعجز الذي تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك مع توافر دواعي أعدائه على معارضته وفصاحتهم وبلاغتهم، ثم تحداهم بعشر سور منه فعجزوا، ثم تنازل إلى التحدي بسورة من مثله فعجزوا عنه وهم يعلمون عجزهم وتقصيرهم عن ذلك، وأن هذا ما لا سبيل لأحد إليه أبداً، قال الله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] ، وهذه الآية مكية. وقال في سورة الطور وهي مكية: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُون* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ، أي إن كنتم صادقين في أنه قاله من عنده فهو بشر مثلكم فأتوا بمثل ما جاء به فإنكم مثله، وقال تعالى في سورة البقرة وهي مدنية معيدا للتحدي: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24] ، وقال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ [هود:13-14] ، وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ* أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [يونس:37-38-39] ، فبين تعالى أن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن بل عن عشر سور مثله بل عن سورة منه، وأنهم لا يستطيعون ذلك أبداً، كما قال الله تعالى: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ أي فإن لم تفعلوا في الماضي ولن تستطيعوا ذلك في المستقبل، وهذا تحدٍ ثان وهو أنه لا يمكن معارضتهم له لا في الحال ولا في المآل، ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته ولا الإتيان بمثله، ولو كان من منقول من عند نفسه لخاف أن يعارض فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصده من متابعة الناس له. ومعلوم لكل ذي لب أن محمداً من أعقل خلق الله بل أعقلهم وأكملهم على الاطلاق في نفس الأمر، فما كان ليقدم هذا الأمر إلا وهو عالم بأنه لا يمكن معارضته وهكذا وقع، فإنه من لدن رسول الله، وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبداً فإنه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق. انتهى.
وأما ادعاء أن الله غير عادل، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فإنه مردود شرعاً وعقلاً، وصاحبه متبع لإبليس لعنه الله، قال شيخ الإسلام: ومن طعن في عدل الله وحكمته كان شبيهاً بإبليس، فإن الله ذكر عنه أنه طعن في حكمته وعارضه برأيه وهواه، وأنه قال: قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:39] .
فالله سبحانه وتعالى هو العدل الحكم لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وقد أخبر عن نفسه فقال: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] ، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] ، وفي الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..... أخرجه مسلم.
وقد أوجب سبحانه على الحكام العدل بين الناس في الحكم، فقال: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58] ، وقد أنزل الوحي المشتمل على هذه الشريعة التي هي عدل ورحمة كلها، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها.
وأما الوسائل المساعدة في إنقاذ هذا الشاب، فمن أهمها الدعاء له بالهداية ومحاورته وتعليمه إن كان جاهلاً، وجداله بالتي هي أحسن إن كان متأثراً بالأفكار الإلحادية، ووعظه وترقيق قلبه وتذكيره بآيات الله، قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] ، وعليك بإعارته ما تيسر من الأشرطة النافعة والكتب المفيدة والسعي في ربطة بصحبة صالحة لعلها تجره إلى الخير، فإن الرجل على دين خليله، كما في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
والمدارسة معه في مسألة الإعجاز والعدل انطلاقاً مما ذكرناه سابقاً ومما تراه في كتب التفسير عند الآيات التي ذكرناها، وننصحك إن لم تكن واثقاً من نفسك بالقدرة على جداله أن تستخدم في جداله من يقدر على ذلك لأن إيراد الشبه على القلب يمرضه، فلهذا يتعين عليك أن تحتاط لنفسك حتى لا يؤثر عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1425(2/1613)
القرآن الكريم منزل للتحدي والإعجاز
[السُّؤَالُ]
ـ[تحدى القرآن الكريم البشر بالإتيان بمثله أو بسورة منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن الكريم هو كلمة الله الخالدة، ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم الباقية، وهو منزل للهداية وللإعجاز والتحدي، وإعجاز القرآن له أوجه كثيرة منها اللغوي والتشريعي والعلمي وغيرها، وقد صنف فيها بعض العلماء، وقد سبقت لنا أجوبة في إعجاز القرآن الكريم وتحدي الله به الإنس والجن، نحيلك على ثلاث منها أرقامها: 3183، 20138، 27843 فراجعها للأهمية.
فراجعها للأهمية.
وراجع تفسير الآيات الآتية: قال الله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:34] ، وقال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [هود:13] .
وقال سبحانه وتعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23] .
وقوله عز وجل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1424(2/1614)
القرآن معجز في لفظه ومعناه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المقصود بالإعجاز العلمي في القرآن؟ فالبعض يقول أن الإعجاز في القرآن من ناحية بيانية فقط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن معجز في لفظه ومعناه.
أما في لفظه، فمن حيث بلاغته وأسلوبه.
وأما في معناه، فإخباره بما كان وما سيكون، وإخباره بحقائق بعض المخلوقات ودقائق تركيبها، وكيف لا يكون القرآن كذلك وهو كلام رب العالمين، الخالق الحكيم الخبير بما خلق، قال الله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] .
ولمزيد تفصيل يمكنك الدخول على محور القرآن في موقعنا، وستجد موضوعاً بعنوان (إعجاز القرآن الكريم) وتتبعه تفريعات نافعة، أو الدخول مباشرة عبر هذا الرباط:
http:// islamweb.net/pls/iweb/misc1.Archive?vPart=164&startno=0&thelang=A&
إعجاز 20القرآن 20الكريم=vName
وانظر الفتاوى بالأرقام التالية: 17108، 27843، 12479، 18220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(2/1615)
ليست هناك معجزات متعلقة بالعدد تسعة عشر
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت العديد من المواقع التي تذكر معجزة حول العدد تسعة عشر في القرآن. هل هذه معجزة مؤكّدة في القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعدد تسعة عشر لم يرد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في قوله تعالى في الآية (30) من سورة المدثر: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ يعني بذلك عدد رؤساء زبانية النار.
وليست هنالك معجزة متعلقة بهذا العدد لا مؤكدة ولا غير مؤكدة، بل هذا من التخرصات والأوهام التي لا أساس لها من الصحة.
ولمعرفة بعض الضوابط المتعلقة بما يسمى بالإعجاز العددي في القرآن راجع الفتوى رقم: 17108.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(2/1616)
القرآن كتاب هداية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... أما بعد:
قال الله تعالى فى كتابه العظبم "أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يِومنون" صدق الله العظيم
أريد معرفة تفسير هذه الأية وهل لها علاقة بنظرية الbig bang العلمية التي تفسر نشأة الكون الحديثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نود أن نلفت انتباه السائل إلى أن القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للعبادة وليس كتاب نظريات علمية، ولم يجئ ليكون كذلك، وإنما هو منهج لتقويم الحياة وللمجتمع على أساس الرابطة بينهم وبين ربهم جل وعلا وما يرتضيه لهم من سلوك.
ومع هذا فإن القرآن لا يخلو من الإشارة إلى بعض الحقائق الكونية ليستدل بها على وجود الإله الواحد القادر، ومن ذلك هذه الآية التي سألت عنها وهي قول الله سبحانه وتعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30] .
فهذه الآية يوجه فيها ربنا جل وعلا أنظار الكفار إلى عجائب صنع الله بعد أن كانتا متلاصقتين، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي كان الجميع متصلا بعضه ببعض متلاصقاً متراكماً بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه من هذه فجعل السماوات سبعاً والأرض سبعاً، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء فأمطرت السماء وانبتت الأرض ولهذا قال: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ [الأنبياء:30] .
وهذا دليل آخر على وجود الله وكمال قدرته بأن جعل أصل كل الأحياء من الماء، كما جاء مصرحاً به في قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل شيء خلق من ماء. رواه أحمد.
وأما نظرية big bang فهي نظرية ما زالت لم تثبت بعد عند أهلها والباحثين فيها، ولا يجوز أن يفسر القرآن بالظنون والتخرصات والأوهام، والذي نؤمن به إيماناً قاطعاً أن وصف القرآن هو أدق وصف لأنه من الله تعالى خالق الكون: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1424(2/1617)
الإعجاز العددي بين المثبتين والنافين
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن الإعجاز العددي في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكتاب الله هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:41-42] .
ويجب أن يصان كتاب الله عن الظنون والأوهام، وقد اتفق أهل العلم على حرمة التفسير بالرأي بلا أثر ولا لغة، وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
وقال عمر وهو على المنبر: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً) ثم قال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبُّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر! وقد ذكر هذه الآثار ابن أبي شيبة في مصنفه، وابن القيم في إعلام الموقعين.
والذي لا يشك فيه مسلم هو أن القرآن معجز في فصاحته وبلاغته، معجز في علومه ومعارفه، لأنه كلام رب العالمين الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، قال تعالى:
(لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) [النساء:166] .
ولكن لا ينبغي أن يتكلف المسلم استخراج بعض العلاقات الرقمية في كتاب الله بدافع الحماسة، وكتاب الله فيه من المعجزات والحقائق ما هو ظاهر بلا تكلف، فقد أخبرنا القرآن عن أحداث من الغيب ماضية، وأحداث من الغيب آتية.
والإعجاز العددي أمر لم يتطرق لبحثه السابقون من العلماء، وقد انقسم الناس اليوم فيه بين مثبت ونافٍ، ونحن نذكر بعض الضوابط التي لا بد منها للخوض في هذا الأمر.
أولاً: موافقة الرسم القرآني.
ثانياً: أن يكون استنباط الإعجاز العددي موافقاً للطرق الإحصائية العلمية الدقيقة دون تكلف أو تدليس.
ثالثاً: الاعتماد على القراءات المتواترة، وترك القراءات الشاذة.
رابعاً: أن يظهر وجه الإعجاز في تلك الأعداد بحيث يعجز البشر عن فعل مثلها لو أرادوا.
والذي نراه هو أن أكثر ما كتب في الإعجاز العددي لا ينضبط بهذه الضوابط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1424(2/1618)
المس والإرادة من تنويع العبارات في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا قال الله: إن يمسسك الله بضر، وفي الخير قال: وإن يردك بخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ذكر المس والإرادة هنا من تنويع العبارات وهو من بلاغة القرآن، وقد عبر بالمس بالخير في آية أخرى في قوله في سورة الأنعام: وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ {الأنعام:17}
كما عبر بالإرادة في ذكر السوء والضر في آية الرعد في قوله تعالى: وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ {الرعد:11}
وفي آية الزمر عبر بالإرادة بالضر وبالرحمة في قوله تعالى: إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ {الزمر:38} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(2/1619)
العدد أربعون في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الإعجاز الديني في الرقم 40 الذي يوجد في عدد من الأحاديث وكثير من الآيات مثل:
1: هذا الرقم هو بداية عمر الرسالة المحمدية وهو بداية الدعوة، وهو بداية نزول الوحي وهو عمر الرسول صلى الله عليه وسلم (40 سنة) الذي أرسل إليه فيه. وكثيرا ما يذكر في القران 40 يوما و40 سنة وهكذا وكثير من الأحاديث وأيضا عن سيدنا نوح ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن هذا الدين العظيم وكتابه الخالد وتشريعه الملائم لكل زمان ومكان فيه من الإعجاز ما يبهر العقول.. عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله..
وما على المسلم المهتم بهذا المجال- إذا كان صاحب ملكة..- إلا أن يتدبر نصوص الوحي وما تضمنته من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق وأخبار وقصص ... ويعرض ذلك على عقله بتجرد وإخلاص ويقارنه بغيره من الكتب والشرائع والنظم.. فسيجد العجب العجاب ويكتشف من الإعجاز في هذه المجالات وغيرها ما يطمئن المؤمن ويخرس المعاند مصداقا لقول الله تعالى: سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ {فصِّلت:53} .
وقد يفتح الله تعالى على بعض عباده ويرزقهم فهم ما لم يسبقوا إليه في هذا المجال كما قال الحكيم: وقسمة الأشياء فيها يد خل فهم المسائل التي قد تشكل.
وبخصوص الرقم أو العدد المذكور؛ فقد ورد في القرآن الكريم أربع مرات ثلاثة منها في قصة موسى عليه السلام؛ اثنتان منهما في وعد الله تعالى له، والثالثة في مدة التيه. وأما الرابعة فهي في بلوغ الإنسان أشده
كما ورد هذا العدد في السنة كثيرا؛ فمن ذلك نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأربعين، وأن من صلى عليه أربعون شفعهم الله فيه، وأطوار خلق الجنين، ودعاؤه صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا على رعل وذكوان..، وأن ريح الجنة يوجد من مسيرة أربعين، وما بين مصراعين من مصارعها أربعون، وأن الوقوف أربعين خير من المرور بين يدي المصلي، والتوقيت في خصال الفطرة أربعون، وأن من أتى عرافا لم تقبل صلاته أربعين، ومكوث الدجال..
وقد ورد في القرآن والسنة أعداد أخرى غير الأربعين، ولذلك فإننا لا نقول إن في الأربعين إعجازا دون غيرها من الأعداد ولا ننفيه إلا إذا تبين ذلك بدليل علمي واضح، وإقحامه في الإعجاز من غير دليل لا يجوز لما فيه من القول على الله بغير علم.
ولمعرفة بعض الضوابط التي لا بد منها للخوض في هذا المجال نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 17108.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(2/1620)
الحكمة من إفراد (السمع والنور) وجمع (الأبصار والظلمات)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من إفراد (السمع) وجمع (الأبصار) وأيضاً إفراد (النور) وجمع (الظلمات) في آيات القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لعل الإفراد والجمع في الكلمات المذكورة جاء لتناسق الحروف وخفة الحركات وانتظام السياق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال أهل التفسير: لعل إفراد السمع وجمع الأبصار جرى على ما يقتضيه تمام الفصاحة من خفة أحد اللفظين مفرداً والآخر مجموعاً عند اقترانهما، فإن في انتظام الحروف والحركات والسكنات في تنقل اللسان سراً عجيباً من فصاحة كلام القرآن المعبر عنها بالنظم.. وكذلك نرى مواقعها في القرآن قال تعالى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ ... وإنما جمع الظلمات وأفرد النور اتباعاً للاستعمال، لأن لفظ الظلمات بالجمع أخف، ولفظ النور بالإفراد أخف، ولذلك لم يرد لفظ الظلمات في القرآن إلا جمعاً، ولم يرد لفظ النور إلا مفرداً، وهما دالان على الجنس، والتعريف الجنسي يستوي فيه المفرد والجمع. وقيل غير ذلك.. انظر التحرير والتنوير لابن عاشور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1429(2/1621)
ختام الآيات يتناسب مع موضوع الآية
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى وهو خير القائلين: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما، سؤالي هو: لماذا قال الله: وكان الله عليما حكيما ولم يقل مثلا توابا رحيما ما دام تكلم عن التوبة، وسؤالي الثاني لماذا فى الآية الأولى قال السوء وفي الثانية قال السيئات، فأفيدونا؟ جزاكم الله عنا كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صفتي التوبة والرحمة ذكرتا في الآية السابقة لهذه الآية في قوله تعالى: وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا {النساء:16} ، فلو ذكرتا في ختام الآية الثانية لحصل التكرار، ثم إن صفتي العلم والحكمة مناسبتان لختم الآية التي ذكرت، فهو سبحانه وتعالى عليم بالمخلص، حكيم في عدم تعذيب التائب؛ كذا قال البيضاوي، وراجع تفسير الطبري.
وأما السوء والسيئات فيحتمل أن يكون في الآيتين تنويع العبارة، وهذا من أساليب القرآن البليغة، وبعض المفسرين يرى أن السوء في الآية الأولى يعم الكفر والمعاصي، وأما السيئات فيراد بها ما دون الكفر، ويرد على هذا بأن السيئة تطلق على الكفر؛ كما في قوله تعالى: بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:81} .
وراجع تفسير القرطبي والبغوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(2/1622)
من أوجه البلاغة في قوله تعالى (وما قتلوه وما صلبوه)
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في سورة النساء الآية 157: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) ، لماذا لم يقل "لم يقتلوه ولم يصلبوه" بدلاً من "ما قتلوه وما صلبوه"؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزل كتابه بلسان عربي مبين، وأعجز به أرباب ذلك اللسان وفصحاءه ببلاغته وروعة أسلوبه وجمال عباراته وسلاسة تراكيبه، فقد وضع كل كلمة موضعها الذي لا يوجد ما هو أصلح منها فيه ولو كان يحمل نفس المعنى، فلا غرابة في عبارة من عباراته، أو جملة من جمله.
وليس لنا أن نقول لم قال كذا ولم يقل كذا؟ معترضين أو مستحسنين خلافه؛ إلا أن يكون ذلك لفهم أسراره وسبر أغواره، وهنا نبه العلماء على بعض الفوائد في ذلك، ومنهم السيوطي في كتابه أسرار ترتيب القرآن، وأبو بكر محمد بن الطيب في كتابه إعجاز القرآن، والغزالي في كتابه جواهر القرآن وغيرهم.
وأما سؤالك عن سبب عدوله هنا عن الجملة الفعلية المضارعة المنفية بلم إلى الجملة الفعلية الماضية المنفية بما، فالجواب أننا لم نقف فيما اطلعنا عليه على من نبه إلى علة ذلك، وربما لأنه الأصل، فهو إخبار عن ماض، وما جاء على أصله لا يسأل عن سببه كما يقولون.
ولعل من ذلك جمال الجملة هنا وسلاستها في التركيب، ولما تفيده الجملة الماضية من التحقق والتقرر، فعدم قتلهم له حقيق متقرر واقع، فالتعبير بها هنا دقيق جداً وجميل جداً، وحسبنا أن الله تعالى عبر بها واختارها في هذا المكان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(2/1623)
من بلاغة القرآن العظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض السور في القرآن الكريم بدأت (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض) ، والأخرى بدأت بـ (سبح لله ما في السماوات والأرض) ، ما الفرق في الحالتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من بلاغة هذا القرآن العظيم وإعجازه الخالد أن كل كلمة فيه وكل حرف وضع في موضعه المناسب من السياق, ويعبر عن معنى أو معان لا يطلع عليها إلا من له اطلاع واسع على لغة العرب ورزقه الله تعالى تدبر كتابه ونور قلبه وألهمه دقيق المعاني, فكل جملة أو كلمة أو حرف في كتاب الله تعالى وضع في موضع يناسبه مناسبة عجيبة، ومن الأمثلة على ذلك ما سأل عنه السائل الكريم:
ففي بداية سورة الحديد وحدها جاء قول الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {الحديد:1} ، وفي غيرها من المسبحات جاء قوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ {الحشر:1} ، وذلك لأن سورة الحديد تضمنت الاستدلال على عظمة الله تعالى وصفاته وانفراده بخلق السماوات والأرض فكان دليل ذلك هو مجموع ما احتوت عليه السماوات والأرض من أصناف الموجودات فجمع ذلك كله في اسم واحد هو (ما) الموصولة التي صلتها قوله (في السماوات والأرض) .
وأما سورة الحشر أو الصف، والجمعة، والتغابن فقد سيقت لنعمة الله تعالى ومنته على المسلمين في حوادث أرضية مختلفة فناسب أن يذكر أهل الأرض باسم موصول خاص بهم وهو (ما) الموصولة الثانية التي صلتها (في الأرض) ، وجيء بفعل التسبيح في فواتح سور الحديد والحشر والصف بصيغة الماضي للدلالة على أن التسبيح قد استقر في قديم الزمان، وجيء به في سورة الجمعة والتغابن بصيغة المضارع للدلالة على تجدده ودوامه ... فحصل من هذا التفنن في فواتح هذه السور كلا المعنين. انتهى ملخصا بتصرف من كتاب التحرير والتنوير لابن عاشور.
وبهذا تعلم الفرق بين قوله تعالى (ما في السماوات والأرض) في سورة الحديد وبين قوله تعالى (وما في الأرض) في سورة الحشر والصف والجمعة والتغابن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1427(2/1624)
من بديع أسلوب القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (وما كنت تر جو أن يلقى إليك الكتاب) القصص، لماذا قال عن الكتاب أنه يلقى ولم يقل أنزل، فكيف ألقي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزل كتابه بلسان عربي مبين، وأتى فيه بجميع أساليب البيان والبديع مما حار فيه أرباب اللغة وأساطينها حتى شدهوا أمام بديع أسلوبه وجميل بيانه، فكان معجزة تحدى الله تعالى به من ملكوا أزمة اللغة وذللوا قطوفها تذليلا؛ كما قال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {هود: 38} فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا كما أخبر عنهم في قوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا {البقرة: 24} . ومن بديع أسلوبه إتيانه بالمعنى الواحد بعبارات وطرق مختلفة كما في قوله هنا: وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ {القصص: 86} فالإلقاء هنا بمعنى الإعلام والإنزال كما ذكر ابن كثير وغيره، ومعنى الآية أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يطمع في نزول الوحي عليه، قال الزرقاني في مناهل العرفان: لم يكن قبل نبوته يطمع في نبوة ولا يأمل وفي وحي، وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك، وكذلك لم يكن بعد نبوته بالذي يضمن بقاء هذا الوحي وحفظه وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا* إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا، وذلك مثل قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ، قال ابن كثير: أي ما كنت تظن قبل إنزال الوحي إليك أن الوحي ينزل عليك وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، أي إنما أنزل الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1427(2/1625)
القرآن في قمة الفصاحة والبلاغة والسنة تالية له
[السُّؤَالُ]
ـ[البلاغة في القرآن والحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أهم مصادر البلاغة والبيان، فقد أنزل الله تعالى كتابه بلسان عربي مبين، وأتى فيه من أساليب البلاغة ما يعجز أرباب اللغة عن مضاهاته والإتيان بمثله، كما قال الله تعالى: فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {البقرة:23} ، فبهتوا حتى قال قائلهم وهو الوليد بن المغيرة: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق. .. كما عند عبد الرزاق وغيره.
وأما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءت تالية للقرآن في الفصاحة والبلاغة، فقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم؛ ذكر عياض في الشفا قال: وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهد، سلامة طبع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف، أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم ... اهـ
هذا من حيث العموم والشمول في ذلك، وإن كنت تسأل عن جزئية بلاغية في أسلوب القرآن والسنة النبوية فينبغي توضيحها وبيانها ... وحسن السؤال نصف الجواب كما يقال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1426(2/1626)
القرآن منهج لتقويم الحياة والمجتمع
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة الشيوخ الأفاضل المحترمين
أنا تعرضت إلى سؤال من أحد الأشخاص المسيحيين وهو يقول إن الإنجيل يتكلم عن حدائق بابل المعلقة، فأنا قلت لهم إذا كان هذا الكلام صحيحا فلا بد أن يكون الإسلام تكلم على هذا الموضوع، لأن الدين الإسلامي خاتم الديانات السماوية وهو صالح لكل زمان ومكان، فأرجو من سيادتكم أن تكتبوا لي ما يتعلق بهذا الموضوع لكي أناقش به مع الشخص المسيحي، وكذلك نستفيد أنا وكل الإخوة المسلمين وكذلك ممكن أن يكون سببا في دخول هذا الشخص للإسلام؟ وجزاكم الله عنا وعن جميع المسلمين كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للعباد وليس كتابا لذكر عجائب الدنيا، فهو منهج لتقويم الحياة والمجتمع على أساس الرابطة بينهم وبين ربهم، ثم إن الذي خلق الإنسان من عدم وصوره ونفخ فيه من روحه وخلق السماوات والأرض وما بينهما قد أحكم صنع كل شيء ودعا الناس -سبحانه- إلى التفكر في مخلوقاته، قال الله تعالى: أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {الغاشية:17-18-19} ، وقال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ {فصلت:53} ، وقال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {الذاريات:20-21} .
وحدائق بابل المعلقة أو غيرها من العجائب هي من عجائب الدنيا التي من صنع البشر ومهما عظمت فليست شيئا بالنسبة لما ذكره الله في كتابه من آياته الكونية، وأيضاً هذه العجائب ليست من موضوع القرآن وليس فيه ما يشير إليها بخصوصها.
قال الشيخ سيد قطب في الظلال: وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه وأن يستخرجوا من جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها ليعظموه بهذا ويكبروه! إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها إن كل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة تحتوي أولاً على خطأ منهجي أساسي كما أنها تنطوي على معان ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن. الأولى: الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهمين والقرآن تابع.
الثانية: سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان.
الثالثة: هي التأويل المستمر مع التمحل والتكلف لنصوص القرآن. انتهى باختصار.
وعليه فإن كتاب الله شامل كامل ويصلح في كل زمان ومكان ولا يعني ذلك أنه قد حوى جميع جزئيات الكون بل إنه تضمن أصول كل الأشياء وكلياتها وترك أمر هذه الجزئيات للعقول، قال الإمام الغزالي: فتفكر في القرآن والتمس غرائبه لتصادف فيه مجامع علم الأولين والآخرين وجملة أوائله وإنما التفكر فيه للتوصل من جملته إلى تفصيله وهو البحر الذي لا شاطئ له. اتنهى من جواهر القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1426(2/1627)
أوجه البلاغة في قوله تعالى (ألم تر أن الله يزجي سحابا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في موضوع البلاغة والإعجاز في القرآن الكريم هناك بعض النقاط التي صعبت علي وأريد منكم إذا تكرمتم أن تساعدوني بإيجاد أربع آيات تشتمل كل منها على نوع من أنواع البلاغة والإعجاز القرآني مع بيان هذا النوع وشرحه.
زادكم الله من فضله إيمانا وقوة..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم لنا فتاوى كثيرة في الإعجاز القرآني، ولك أن تراجع من ذلك ما يلي: الفتوى رقم: 25400 والفتوى رقم: 39959 والفتوى رقم: 12479 والفتوى رقم: 24129.
وأما أوجه البلاغة فلا تجد آية من القرآن إلا وفيها من أوجه البلاغة ما يبهر العقول، ولك أن تنظر في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (النور:43) الآية 43 التي أشرنا إليها من سورة النور، ففيها طباق في قوله تعالى: يصيب به، ويصرفه، وهو من صور البديع، وفيها الاستعارة المكنية في قوله تعالى: يقلب الله الليل والنهار، وهي من فروع البيان، وفيها الجناس التام في قوله تعالى: يذهب بالأبصار، لأولي الأبصار، وهو من المحسنات اللفظية.
ولك أن تنظر في الآية: 48 من سورة الروم التي أشرنا إليها في إحدى الفتاوى المذكورة، ففيها أسلوب إطناب وهو من صور المعاني، ويحسن عند التذكير بالنعم ونحوها، فقد أسهب سبحانه وتعالى تذكيراً للعباد بالنعم الكثيرة.
ثم في الآيات المشار إليها من سورة النبأ: أوتاداً- أزواجاً- سباتا- لباسا- معاشا- شداد- وهاجا- ثجاجا- نباتا- ألفافا، فيها سجع مرصع، وهو من البديع الذي يحسن كثيراً في النثر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(2/1628)
الإعجاز القرآني لآية من كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[الإعجاز القرآني في استخدام أدوات الشرط فى سورة الأعراف آية 131؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما من شك في كون القرآن معجزاً في ألفاظه وتركيبه، ومعجزاً في ما اشتمل عليه من معان، وقد يدرك البشر وجوه هذا الإعجاز وقد يجهلونه، وما علمه الناس لا يساوي شيئاً بالإضافة إلى ما جهلوا منه، ولكن تبقى هذه الحقيقة ماثلة وهي قول الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] ، وراجع الفتوى رقم: 27843، والفتوى رقم: 31812 هذا من حيث العموم.
وبخصوص الآية المسؤول عنها وهي قول الله تعالى: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:131] .
فقد ذكر الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير أنه قد جيء في جانب الحسنة بإذا الشرطية، لأن الغالب في "إذا" الدلالة على اليقين بوقوع الشرط أو ما يقرب من اليقين، كقولك: إذا طلعت الشمس فعلت كذا، ولذلك غلب أن يكون فعل الشرط مع "إذا" فعلاً ماضياً، لكون الماضي أقرب إلى اليقين في الحصول من المستقبل ... وجيء في جانب السيئة بحرف "إن"، لأن الغالب أن تدل "إن" على التردد في وقوع الشرط أو على الشك، ولكون الشيء النادر الحصول غير مجزوم بوقوعه ومشكوكاً فيه، جيء في شرط إصابة السيئة بحرف "إن" لندرة وقوع السيئات أي المكروهات بالنسبة إلى الحسنات أي النعم. انتهى المقصود، ويراجع الجزء الخامس صفحة 64-65 لتمام الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(2/1629)
إعجاز القرآن.. معناه.. أنواعه ووجوهه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الإعجاز القرآني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإعجاز القرآني يتمثل في أمرين:
الأول: إعجازه من حيث ألفاظه وتراكيبه وبلاغته، فهو يجمع المعاني العظيمة الكثيرة بأجمل لفظ وأخصر عبارة، وقد تحدى الله العرب البلغاء الفصحاء مجتمعين مع الجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال الله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:34] .
وقال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] .
بل تحداهما بسورة واحدة، قال الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23] .
وقد عجز الجميع عن أن يأتوا بسورة في حجم سورة العصر فأي إعجاز بعد هذا!!
والثاني: الحقائق العلمية التي أخبر عنها في كتابه وتوصل علماء الفلك والطبيعة إلى بعضها في هذا العصر.
ونقل السيوطي في الإتقان في علوم القرآن قوله: اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن.. فذكروا في ذلك وجوهاً كثيرة كلها حكمة وصواب وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءاً واحداً من عشرة معشاره فقال قوم: هو الإيجاز مع البلاغة، وقال آخرون: هو البيان والفصاحة، وقال آخرون: هو الرصف والنظم، وقال آخرون: هو كونه خارجاً عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم، وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم وجنس آخر عن أجناس خطابهم حتى إن من اقتصر على معانيه وغير حروفه أذهب رونقه، ومن اقتصر على حروفه وغير معانيه أبطل فائدته، فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه، وقال آخرون: هو كون قارئه لا يكل وسامعه لا يمل وإن تكررت عليه تلاوته، وقال آخرون: هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية، وقال آخرون: هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع، وقال آخرون: هو كونه جامعاً لعلوم يطول شرحها ويشق حصرها.
وقال الزركشي في البرهان: أهل التحقيق على أن الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكل واحد على انفراده، فإنه جمع ذلك كله فلا معنى نسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع؛ بل وغير ذلك مما لم يسبق، فمنها: الروعة التي له في قلوب السامعين وأسماعهم سواء المقر والجاحد، ومنها: أنه لم يزل ولا يزال غضاً طرياً في أسماع السامعين وعلى ألسنة القارئين، ومنها: جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة، وهما كالمتضادين لا يجتمعان -غالباً- في كلام البشر، ومنها: جعله آخر الكتب غنياً عن غيره وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه، كما قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76] .
فإذن القرآن معجز من حيث تركيبه ومعانيه معاً، ولذلك يفعل في النفوس من التأثير ما لا يفعله غيره. قال الخطابي: وقد قلت في إعجاز القرآن وجهاً ذهب عنه الناس وهو: صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه، قال الله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21] .
وقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1423(2/1630)
نزول بعض القرآن في مكة وبعضه في المدينة ... ليس من الإعجاز
[السُّؤَالُ]
ـ[من إعجاز القرآن الكريم أن سورا قد نزلت في مكة وأخرى في المدينة المنورة وما هو السبب على ذلك والدليل من القرآن والسنة النبوية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن الكريم منه ما نزل بمكة ومنه ما نزل بالمدينة، ولكن هذا ليس من الإعجاز وإنما الإعجاز في ألفاظه ومعانيه.. في بلاغتها ووضوحها وأخذها بمجامع القلوب..
أما سبب كون بعض السور قد نزل بمكة والبعض الآخر نزل بالمدينة فواضح جداً، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر من مكة إلى المدينة فانتقل مهبط الوحي، وأما دليل ذلك فأوضح من أن يذكر حيث إن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مقطوع بها، ونزول القرآن عليه في الفترتين مقطوع به أيضاً!!!
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1423(2/1631)
من بلاغة القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[في الآية 18 من سورة الإسراء قال الله عز وجلّ: من كان يريد العاجلة ... وفي الآية 19 قال: ومن أراد الآخرة. لماذا عبّر بالمضارع في الأولى وبالماضي في الثانية؟ جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من بلاغة القرآن تنويع الأسلوب، ففي هذه الآية الأولى صدر الجملة بفعل ماض ثم أتبعها بيريد، حيث قال جل من قائل: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ. {الإسراء:18} ، ونظير هذه الآية قوله تعالى في الشورى: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا. {الشورى:20} . وقوله تعالى في سورة هود: مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا. {هود:15} . فقد صدر الجمل الثلاث بكان ثم أتبعها بيريد، وقد يصدر الشرطان بفعل الإرادة مضارعاً، من دون كان كما في قوله في آل عمران: وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا. {آل عمران:145} ، وقد تلمس بعض أهل العلم نكتا في ذلك.
فقال النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان: وفي قوله (من كان يريد العاجلة) دون أن يقول: (من أراد العاجلة) كما قال (ومن أراد الآخرة) إشارة إلى أن مريد نفع الدنيا لا يكون مذموماً إلا إذا كان غالباً في ذلك ثابت القدم فسيح الأمل، ومريد الآخرة يكون محموداً بأدنى التفاتة بعد وجود الشرط. انتهى.
وقال ابن عاشور في تفسيره: والإتيان بفعل الكون هنا مؤذن بأن ذلك ديدنه وقصارى همه، ولذلك جعل خبر (كان) فعلاً مضارعاً لدلالته على الاستمرار زيادة تحقيق لتمحض إرادته في ذلك.. والاختلاف بين جملة من كان يريد العاجلة (وجملة) ومن أراد الآخرة (بجعل الفعل مضارعاً في الأولى وماضياً في الثانية للإيماء إلى أن إرادة الناس العاجلة متكررة متجددة) وفيه تنبيه على أن أمور العاجلة متقضية زائلة، وجعل فعل إرادة الآخرة ماضياً لدلالة المضي على الرسوخ تنبيها على أن خير الآخرة أولى بالإرادة، ولذلك جردت الجملة (كان) ومن المضارع، وما شرط في ذلك إلا أن يسعى للآخرة سعيها وأن يكون مؤمناً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(2/1632)
مشركو قريش يشهدون أن القرآن لا يشبه الشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب عليّ البحث عن دليل- إعجاز بلاغي للقرآن، إعجاز علمي، تاريخي،..- للإيمان بالله؟
ما هو ردكم على القول بأنه لا يوجد فرق عملي بين القرآن الكريم والشعر إذا نظرنا إليهما بتجرد، أي بدون ترتيل ولا كتابة بالرسم العثماني، وباسترسال بالنسبة للقرآن وبصيغة الأبيات بالنسبة للشعر؟
مع الملاحظة أنه لم تنتابني مثل هذه الشبهات إلا بعد غرقي في الذنوب في الفترة الماضية. جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالله تعالى لا يجب على طالبه البحث عن دليل إعجاز بلاغي أو علمي، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الإسلام ممن آمن برسالته ولم يطالبه بالبحث عن دليل إعجازي، لكن الاطلاع على إعجاز القرآن أمر مهم وهو مما يزيد الإيمان.
وأما دعوى عدم وجود الفرق بين القرآن والشعر فهو باطل، ويدل لبطلانه أن أقحاح العرب لما سمعوا القرآن أكدوا بأنه لا يشبه الشعر.
فقد قال الوليد بن المغيرة أحد زعماء الكفر في مكة مجيبا لقريش في شأن القرآن: ما فيكم رجل أعلم مني بالشعر ولا بزجره، ولا بقصيده، ولابأشعار الجن، ووالله ما يشبه الذي يقوله محمد شيئا من هذا، ووالله إن لقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمنير أعلاه، مشرق أسفله, وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. انتهى.
ثم إنه لو كان القرآن مثل الشعر لما عجز بلغاء العرب وفصحاؤهم عن محاكاته، فقد تحداهم الله تعالى بالإتيان بمثله فعجزوا، ثم تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله فعجزوا، وتحداهم بسورة مثله، ثم أخبر الله عن عجزهم الأبدي فقال الله تعالى: قل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً ا. {الإسراء:88} .
فأي تحد أكبر من هذا، وهذا التحدي لا يزال قائما والشعر العربي ينبغ فيه شعراء بين كل حين وحين، وفيهم من ناصب الإسلام العداء، فإذا كان القرآن مثل الشعر فلم لم يأت أحد هؤلاء بشعر على قدر أقصر سورة من سورة القرآن ويريح نفسه ومن هم على شاكلته!!
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1430(2/1633)
لمسات حول الألفاظ المضافة لله سبحانه بضمير الجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول ربنا جل وعلا في سورة المؤمنون (ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون) 105، وفي سورة المطففين (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) 15، نلاحظ في الآيتين استخدام صيغة المفرد في الآية الأولى واستخدام الجمع في الآية الثانية، فإن كان الجمع يوحي بالعظمة والهيبة فلم استخدم المفرد، وجاء هذا التنوع في القرآن في عدة مواضع مثل: (قلنا اهبطوا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ، نلاحظ في بداية الآية: (قلنا) جمع، (منّي) مفرد، (هداي) مفرد
وأعتذر على الإطالة؟ ومع احترامي وتقديري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال أبو البقاء العكبري في علل البناء: النون من حروف الزيادة لشبهها بالواو.. وتكون للواحد العظيم لأن الآمر إذا كان مطاعا توبع على الفعل.
ف استخدام ضمير الجمع مكان ضمير المفرد يكون للدلالة على التعظيم والإجلال، والله سبحانه هو المستحق لكمال العظمة والجلال، وقد سبق ذكر هذا المعنى في الفتوى رقم: 36693.
وعليه؛ فإن الألفاظ المضافة لله سبحانه تضاف بضمير الجمع الدال على العظمة، ولذلك جاء لفظ (آياتنا) بضمير الجمع في القرآن (92) مرة، كما في المعجم المفهرس، ومن ذلك قوله تعالى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ {المطففين:13} ، وهذا من باب التعظيم الذي يليق بالله تعالى، والذي يتناسب من جهة أخرى مع سياق سورة المطففين الذي يراد به التهديد والوعيد للفجار والمكذبين، بينما لفظ (آياتي) بضمير المفرد جاء في القرآن (14) مرة فقط، ومن ذلك قوله تعالى: قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ {المؤمنون:66} ، وقوله: أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُون َ {المؤمنون:105} ، وإنما جاءت بلفظ الإفراد مع استحقاق لله لكمال العظمة؛ لأن سياق الآيات في الموضعين من سورة المؤمنون في معرض التنكيل والمجازاة يوم القيامة، وهذا مقام توحُّد وتفرُّد، كما قال الله تعالى: يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {غافر:16} ، مع أن الملك له قبل ذلك اليوم وبعده، فالدلالة على توحد الله وانفراده بالمجازاة في ذلك اليوم تكون أظهر مع ضمير المفرد، هذا بخلاف قوله تعالى في السورة نفسها: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ {المؤمنون:45} ، بضمير الجمع الدال على التعظيم.
وأما قوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة:38} ، فهو من باب الالتفات البلاغي، وهو التحويل في التعبير من اتجاه إلى آخر من جهات أو طرق الكلام الثلاث: التكلّم والخطاب والغيبة، مع أنّ الظاهر في متابعة الكلام يقتضي الاستمرار على ملازمة التعبير وفق الطريقة المختارة أوّلاً دون التحوّل عنها.
قال أبو حيان الأندلسي في تفسير البحر المحيط: (مني) متعلق بيأتينكم، وهذا شبيه بالالتفات، لأنه انتقل من الضمير الموضوع للجمع، أو المعظم نفسه، إلى الضمير الخاص بالمتكلم المفرد، وقد ذكرنا حكمة ذاك الضمير في: قلنا، عند شرح قوله: {وقلنا يا آدم اسكن} وحكمة هذا الانتقال هنا أن الهدى لا يكون إلا منه وحده تعالى، فناسب الضمير الخاص كونه لا هادي إلا هو تعالى، فأعطى الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره الضمير الخاص الذي لا يحتمل غيره تعالى، وفي قوله: مني، إشارة إلى أن الخير كله منه، ولذلك جاء: قد جاءكم برهان من ربكم. وقد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء. فأتى بكلمة: من، الدالة على الابتداء في الأشياء، لينبه على أن ذلك صادر منه ومبتدأ من جهته تعالى. انتهى.
وقال قبل ذلك في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {البقرة:34} ، في قوله: {قُلْنَا} التفات، وهو من أنواع البديع، إذ كان ما قبل هذه الآية قد أخبر عن الله بصورة الغائب، ثم انتقل إلى ضمير المتكلم، وأتى بـ {نا} التي تدل على التعظيم وعلوّ القدرة وتنزيله منزلة الجمع، لتعدد صفاته الحميدة ومواهبه الجزيلة.
وحكمة هذا الالتفات وكونه بنون المعظم نفسه أنه صدر منه الأمر للملائكة بالسجود، ووجب عليهم الامتثال، فناسب أن يكون الأمر في غاية من التعظيم، لأنه متى كان كذلك كان أدعى لامتثال المأمور فعل ما أمر به من غير بطء ولا تأول لشغل خاطره بورود ما صدر من المعظم، وقد جاء في القرآن نظائر لهذا، منها: (وقلنا يا آدم اسكن) ، (وقلنا اهبطوا) ، (قلنا يا نار كوني برداً) ، (وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض) ، (وقلنا لهم ادخلوا الباب) ، (وقلنا لهم لا تعدوا) ، فأنت ترى هذا الأمر وهذا النهي كيف تقدّمهما الفعل المسند إلى المتكلم المعظم نفسه، لأن الآمر اقتضى الاستعلاء على المأمور، فظهر للمأمور بصفة العظمة، ولا أعظم من الله تعالى. انتهى.
ومما له تعلق بهذا الموضوع ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما لفظ "القرب" فقد ذكره تارة بصيغة المفرد وتارة بصيغة الجمع؛ فالأول إنما جاء في إجابة الداعي: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع. وكذلك في الحديث: اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته. وجاء بصيغة الجمع في قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. وهذا مثل قوله: (نتلوا عليك) ، (نحن نقص عليك) ، (فإذا قرأناه) ، و (إن علينا جمعه وقرآنه) ، و (علينا بيانه) ، فالقرآن هنا حين يسمعه من جبريل والبيان هنا بيانه لمن يبلغه القرآن، ومذهب سلف الأمة وأئمتها وخلفها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع القرآن من جبريل، وجبريل سمعه من الله عز وجل، وأما قوله: (نتلوا) ، و (نقص) ، (فإذا قرأناه) ، فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم الذي له أعوان يطيعونه، فإذا فعل أعوانه فعلا بأمره قال: نحن فعلنا: كما يقول الملك: نحن فتحنا هذا البلد وهزمنا هذا الجيش ونحو ذلك؛ لأنه إنما يفعل بأعوانه والله تعالى رب الملائكة وهم لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهو مع هذا خالقهم وخالق أفعالهم وقدرتهم وهو غني عنهم؛ وليس هو كالملك الذي يفعل أعوانه بقدرة وحركة يستغنون بها عنه فكان قوله لما فعله بملائكته: نحن فعلنا أحق وأولى من قول بعض الملوك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1429(2/1634)
حكم السؤال عن الحكمة في التعبير بلفظ معين في نصوص القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[س/1 هل لو سألت عن سبب وجود آية كذا بهذه الصيغة في القرآن أكون ممن يتبعون المتشابه منه الذين وصفهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟
يعني مثل لماذا أول آية في سورة الحديد تختلف عن أول آية في سورتي (الحشر - الصف) في أول جملة (ما في السماوات والأرض) الفرق هو حرف (ما) ؟ أنا لا أشك في بلاغة القرآن الكريم ولا في حكمة البارئ الواحد الأحد ولكن لفت نظري فهل من خبير لغوي يوضح لنا الفرق؟
س/2 ما معنى كلمة المكر السيء في سورة فاطر؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في سؤال أهل العلم عن حكمة الشرع في التعبير بلفظ معين في نصوص القرآن الكريم فإن معرفة مثل هذا قد يزداد بها يقين المسلم، على أن القرآن كلام الله حقا وصدقا، ولا يعتبر السؤال عن مثل هذا من اتباع المتشابه، فما زال أهل العلم ينبهون على لطائف مثل هذه الألفاظ، ولمعرفة المراد بالمتشابه في القرآن راجع الفتوى رقم: 55396.
وأما سبب ذكر اسم الموصول "ما" مرة واحدة في بداية سورة الحديد وتكرارها في بداية سورتي الحشر والصف فقد سبق بيانه بالفتوى رقم: 73304.
وأما معنى المكر السيء فقد قال القرطبي في تفسيره: ومكر السيئ: أي مكر العمل السيئ وهو الكفر وخدع الضعفاء وصدهم عن الإيمان ليكثر أتباعهم. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1429(2/1635)
شهادة الوليد بن المغيرة ببلاغة القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو شرح هذا الكلام: والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه ليحطم ما تحته؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
هذه الكلمات عبارة عن بلاغة القرآن الكريم، وأنه ليس من كلام البشر فهو أعلى وأبلغ وأجمع ... من كل كلام، ولهذا شهد له الأعداء بهذه الشهادة التي تضمنت هذه الحقيقة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الكلمات جزء من كلام طويل للوليد بن المغيرة يصف فيه القرآن الكريم وبلاغته، وهي كناية عن عذوبة ألفاظ القرآن الكريم وجزالتها وحلاوتها ... وقوة تركيبه وسمو معانيه وأخذه بمجامع القلوب وعلوه على كل كلام.
جاء ذلك في كتب السيرة والسنة، فمن ذلك ما رواه الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً! قال: لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟! فو الله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه! قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر (يؤثر يأثره عن غيره) ، فنزلت: ذرني ومن خلقت وحيداً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1429(2/1636)
العلة في تثنية الكعب وجمع المرفق في آية الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[لم ثنَّى الله جل وعلا الكعبين وجمع المرفقين في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجاب عن ذلك الدكتور فاضل صالح السامرائي بأن كل يد لها مرفق واحد، أما كل رجل فلها كعبان، ولو قال تعالى (الكعوب) لما دلّ ذلك على وجوب غسل الكعبين، فلو غسلوا كعباً واحداً لكفاهم، لكن الله تعالى أراد أن يغسل كل واحد من المخاطبين إلى الكعبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو الحجة 1428(2/1637)
معنى الإعجاز البلاغي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الإعجاز البلاغي في القرآن أي في لغة القرآن وما رأيكم في الإعجاز العلمي والعددي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإعجاز البلاغي معناه أوجه البلاغة التي يعجز البشر عن مثلها، والبلاغة -كما عرفها أهلها- هي: بلوغ المتكلم في تأدية المعنى حدا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها ... وقيل في تعريفها أيضاً: البلاغة هي أن يبلغ المتكلم بعبارته كنه مراده مع إيجاز بلا إخلال، وإطالة من غير إملال..
والذي لا يشك فيه عاقل منصف هو أن القرآن معجز في فصاحته وبلاغته، معجز في علومه ومعارفه، لأنه كلام رب العالمين الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً.
ولمعرفة رأينا في الإعجاز العلمي والعددي في القرآن يمكنك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 61536، والفتوى رقم: 17108.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(2/1638)
المحكي في القرآن على لسان الأقوام هو المعنى لا النص
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال لطالما حيرني وهو أن الله عز وجل تحدى العرب والعجم على أن يأتوا بمثله (القرآن) أو بعشر سور أو سورة ... ولفت انتباهي أن بعض الآيات في القرآن قيلت على لسان الأنبياء وبعضها على لسان الصحابة وبعضها على لسان الكفار كقوله تعالى:" قال من يحيي العظام ... " وقوله:"وقال فرعون ذروني أقتل ... " وغيرها كثير. إن كان كذلك فهل في القرآن آيات قيلت بالنص الحرفي من كلام البشر؟ فإن وجد كيف نوفق بأنه كلام الله عز وجل وفيه بعض كلام البشر؟ أرجو توضيحا لذلك مع إيراد الأدلة المقنعة إن تكرمتم. وبارك الله فيكم ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا داعي للقلق والحيرة، فالقرآن الكريم هو كلمة الله الأخيرة إلى الناس كافة، وهو ختام وحي السماء، ومجمع هدي الأنبياء، ومعجزة الرسول الصادق المصدوق.
وإعجاز القرآن الكريم يتمثل في أوجه كثيرة منها بلاغته وأسلوبه، كما يتمثل في صدق أخباره عن الماضي، وإخباره عن المغيبات، وفي تشريعاته وتربيته وتزكيته للنفوس وغير ذلك من أوجه الإعجاز الفلكية والطبية، فهو كتاب هداية وإعجاز، وما أشار إليه السائل هو من باب إخبار القرآن الكريم عن أولئك القوم وبيان قصصهم لأخذ الدروس والعظات والعبر منها، والرد على حججهم الباطلة وشبههم الواهية بالأدلة القاطعة والبراهين الواضحة؛ كما قال تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً {الفرقان:33} وقال: وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {هود:120}
وقد حكى لنا القرآن الكريم الكثير من أقوال الصالحين والطالحين على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم ولغاتهم بأسلوب عجيب لا يمكن للناس أن يأتوا بمثله.
وحكاية القرآن الكريم لأقوال أولئك الأقوام ليس معناه أنهم يمكن أن يأتوا بمثل القرآن، ولهذا فإن بلغاء العرب الذين حكى القرآن بعض أقوالهم لم يستطيعوا أن يحاكوا القرآن فوقفوا عاجزين مقرين بأنه ليس من كلام البشر، وقصصهم في هذا كثيرة عجيبة لا يتسع المقام لذكرها، نرجو أن تطلع عليها في كتب علوم القرآن وغيرها، والحاصل أن المكحي هو معنى ما قالوا وليس نصه، والفرق واضح بين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1427(2/1639)
مثال عما ورد في القرآن من وصف الجمع بمفرد ووصف المفرد بجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد في القرآن الكريم (الصفة مفردة والموصوف جمعاً، أو الموصوف مفرداً والصفة بصيغة الجمع) ؟ وجزاكم الله خيراً ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الصفة مطابقتها للموصوف في التوحيد والجمع، ويجب ذلك إذا رفعت الصفة ضميراً مستتراً، وتخالف الصفة الموصوف إذا رفعت اسما ظاهراً كالفعل تماما. ولذلك قال ابن مالك في ألفيته:
وهو لدى التوحيد والتذكير أو * سواهما كالفعل فاقف ما قفوا
قال ابن عقيل مفسرا لذلك: تقدم أن النعت لا بد من مطابقته للمنعوت في الإعراب والتعريف أو التنكير، وأما مطابقته للمنعوت في التوحيد وغيره.... فحكمه فيها حكم الفعل فإن رفع ضميراً مستتراً طابق المنعوت مطلقاً نحو: زيد رجل حسن والزيدان رجلان حسنان والزيدون رجال حسنون..... فيطابق ... كما يطابق الفعل. وإن رفع اسما ظاهراً فإنه يجري مجرى الفعل في ذلك فيكون مفرداً فتقول: مررت برجل حسنة أمه، كما تقول: حسنت أمه وبامرأتين حسن أبواهما وبرجال حسن آباؤهم: كما تقول: حسن أبواهما وحسن آباؤهم وهكذا. انتهى منه بتصرف.
ومما وقفنا عليه من ذلك في كتاب الله تعالى فلم تطابق فيه الصفة موصوفها ما ذكره أئمة التفسير واللغة في توجيه قراءة (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) قال ابن منظور: وجوز أبو البقاء كونه حالا من قطعا أو صفة له، وكان الواجب الجمع لأن قطعا جمع قطعة إلا أنه أفردت حاله أو صفته لتأويل ذلك بكثير.
هذا من وصف الجمع بمفرد، وأما العكس وهو وصف المفرد بجمع فمنه قوله تعالى (وأرسلنا الريح لواقح) في قراءة حمزة. قال القرطبي: (وأرسلنا الرياح) قراءة العامة (الرياح) بالجمع. وقرأ حمزة بالتوحيد، لأن معنى الريح الجمع أيضاً وإن كان لفظها لفظ الواحد.... كما يقال: أرض سباسب وثوب أخلاق. وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع. وأما وجه قراءة العامة فلأن الله تعالى نعتها بلواقح وهي جمع.
وقد بين الطبري في كلمة جميلة سبب تنويع أساليب اللغة العربية في الإسناد بين المفرد والجمع وغيره فقال: من شأن العرب التأليف بين الكلامين إذا تقارب معنياهما وإن اختلفا في بعض وجوههما، فلما كان ذلك كذلك وكان مستفيضاً في منطقها منتشراً مستعملا في كلامها: ضربت من عبد الله وعمرو رؤوسهما وأوجعت منهما ظهورهما، وكان ذلك أشد استفاضة في منطقها من أن يقال: أوجعت منهما ظهريهما وإن كان مقولا.
وهذا الأمر يحتاج إلى استقصاء واستقراء تام لأوجه القراءات وتخريجها. والموقع مشغول عن ذلك، والمهم هنا بيان جواز ذلك ووقوعه في القرآن، ولا عجب فهو جار على أساليب اللغة آت ببدائعها. وللاستزادة انظر كتب علوم القرآن كالإتقان والبرهان ومناهل العرفان وجواهر القرآن وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1427(2/1640)
بلاغة القرآن وسمو معانيه لا تتفاوت
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما هي أبلغ سورة أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن؟
وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يفيد بأن سورة معينة من القرآن أبلغ من غيرها.
والقرآن توجد منه آيات قد جمعت أوجها من البلاغة لم تجتمع في غيرها، ولكن بلاغة القرآن وعظمته وسمو معانيه لا تتفاوت حتى يقال إن بعضه أبلغ من بعض، قال الزكشي في البرهان في علوم القرآن: وهل يجوز أن يقال: بعض كلامه أبلغ من بعض؟ جوزه بعضهم لقصور نظرهم، وينبغي أن يُعلَم أن معنى قول القائل: هذا الكلام أبلغ من هذا الكلام أن هذا في موضعه له حسن ولطف، وذاك في موضعه له حسن ولطف، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه، فإن من قال: إن (قل هو الله أحد) أبلغ من (تبت يدا أبي لهب) يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب وبين التوحيد والدعاء على الكافرين وذلك غير صحيح، بل ينبغي أن يقال (تبت يدا أبي لهب) دعاء عليه بالخسران، فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه؟ وكذلك في (قل هو الله أحد) لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها، فالعالِم إذا نظر إلى (تبت يدا أبي لهب وتب) ، في باب الدعاء والخسران، ونظر إلى (قل هو الله أحد) في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول أحدهما أبلغ من الآخر، وهذا القيد يغفل عنه بعض من لا يكون عنده علم البيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(2/1641)
الالتفات من أساليب القرآن البلاغية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يتكلم الله في القرآن الكريم عن نفسه سبحانه وتعالي بهذه الصيغة مثل (هو الله الذي لا إله إلا هو) ، فلماذا مثلا لا يقول (أنا الله الذي لا إله إلا أنا) ، وكذلك في معظم آيات القرآن يكون الكلام بهذه الصيغة رغم أن الله تعالي هو المتكلم؟ أرجو الإفادة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكره السائل هو أسلوب بلاغي من أساليب القرآن وهو ما يعرف بالالتفات، أي الانتقال من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى آخر، وذلك تطريزاً للكلام وتفننا في الأسلوب، قال البيضاوي رحمه الله: والكلام إذا نقل من أسلوب إلى آخر كان أحسن تطرية لنشاط السامع وأكثر إيقاظاً له، كما تقرر في علم المعاني.
علماً بأن الله تعالى قال في محكم آياته: إنني أنا الله لا إله إلا أنا.. [طه:14]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(2/1642)
القرآن الكريم معجزة دائمة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد بعثت لكم أمس واستلمت جوابا غير مكتوب، رسالة بدون فحوى.
أما السؤال فهو: هل القرآن الكريم معجزة؟ أم هو تحد فقط؟ وما هو الدليل؟ الثواب على قدر المشقة إن شاء الله، بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لنبيناً محمد صلى الله عليه وسلم، والمعجزة هي -كما قال التاج السبكي في جمع الجوامع-: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة.، وقد سبق في الفتوى رقم: 20684 أن لكل نبي معجزة.
إلا أن القرآن معجزة دائمة ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تابعاً يوم القيامة، وبينا في الفتوى رقم: 27843 أوجه إعجاز القرآن وضعف الإنس والجن مجتمعين عن أن يأتوا بمثله أو بسورة منه، وصدق الله إذ يقول: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:34] .
وهذا تحدٍّ واضح للبشر بأن يأتوا بمثل هذا القرآن وضعف ظاهر حيث لم يأتوا بمثله أو بعضه، وهم -أعني العرب- أهل الفصاحة والبلاغة فدل على أن القرآن ليس من كلام البشر، وإنما هو كلام الله عز وجل.
وأما عن سؤالك عن الدليل على أن الأجر على قدر المشقة ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد، قال: انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأِهلِّي منه، ثم القينا عند كذا وكذا، قال: أظنه قال غداً ولكنها على قدر نصبك أو قال نفقتك.
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: ولكنها على قدر نصبك أو قال نفقتك. هذا ظاهر في أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة. انتهى.
ومثال النصب الذي يذمه الشرع ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1424(2/1643)
الفرق بين قوله تعالى ".. له من في السموات" و "..ما في السموات"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين قوله تعالى ".... له من في السموات والأرض ... النور 41
وقوله تعالى " يسبح لله ما في السموات وما في الأرض ... الجمعة 1 التغابن 1؟
جزاكم الله خيراً عما تقدموه للإسلام من العمل الجليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول في سورة النور الآية 41: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [النور:41] .
ويقول سبحانه في سورة التغابن الآية 1: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التغابن:1] .
ويقول عز وجل في سورة الجمعة الآية 1: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجمعة:1] .
والفرق بين الآيات أنه في آية النور جاء التعبير بـ"من" وفي آية الجمعة وآية التغابن جاء التعبير بـ"ما" ومن في الغالب تكون للعاقل، وفي ذلك من رقيِّ الأسلوب ما يدهش العقول حيث إن باب التغليب في اللغة باب واسع فتارة يغلب العاقل على غير العاقل، وتارة يغلب المذكر على المؤنث، وتارة يغلب المتكلم على المخاطب، وفي هذا من التنويع والتشويق مع عدم التكرار ما يبين إعجاز القرآن، وحيث عبر بـ"ما" فلأنها تتناول الأجناس كلها تناولاً عاماً بأصل الوضع، والإتيان بـ"ما" هو من باب تغليب الأكثر على الأقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1423(2/1644)
السر في تقديم الأموال على الأولاد في القرآن والعكس
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ماهي الحكمة في تقديم حب المال على البنين في قوله تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدينا)
لأننا نرى بعض الناس وخصوصا الذين يمتلكون المال الكثير ولم يرزقهم الله بالبنين، أنهم مستعدون لدفع أي مبلغ للأطباء (وخصوصا على طفل الأنابيب) وحتى إذا خيرنا أي إنسان عادي بالمال الكثير أو عدم الإنجاب لاختار الإنجاب على المال؟ وجزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من وجوه الإعجاز البياني في القرآن الكريم أن كل لفظة موضوعة بما يتناسب مع سياقها وموضوعها، فترى الكلمة قدمت في موضع وأخرت في موضع آخر تناسباً مع سياقها وموضوعها وغرضها، فليس التقديم والتأخير والتكرار عبثاً أو هدراً.
ومن ذلك ما ذكرته في سؤالك عن قوله تعالى في آية الكهف: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46] .
ونظير ذلك قوله تعالى في آية التغابن: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] .
في حين أنك تجد تقديم البنين على المال في آية آل عمران في قوله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ [آل عمران:14] .
والحكمة في هذا التأخير وذاك التقديم أن السياق يقتضيه، فنجد تقديم المال على الولد حيث تكون الفتنة والإغراء والزينة والاستعانة، وذلك لأن المال قوام الحياة والزينة أشد فتنة من فتنة الولد فقُدم عليه.
وحينما يكون السياق عن الحب والمحبة يقدم الولد على المال لأنه الأحب إلى الرجل -كما ذكرت في سؤالك- ولذلك تجد تقديمه على المال في آية آل عمران حيث قال الله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1423(2/1645)
السر في افتتاح سورة الروم بـ "ألم"
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ابتدأت سورة الروم بـ (ألم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد افتتحت سورة الروم بالأحرف المقطعة "ألف، لام، ميم" كغيرها من سور القرآن الكريم، التي افتتحت بهذه الحروف، وقد افتتح الله عز وجل تسعاً وعشرين سورة من كتابه بهذه الحروف.
وهذا من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم؛ فهي إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف، والنطق بهذه الأحرف في متناول المخاطبين به من العرب، ولكنهم لا يستطيعون أن يصوغوا من تلك الحروف مثل هذا القرآن.
وقد ألف العرب - قديماً وحديثاً - من لغتهم الخطب البليغة، ونظموا القصائد الرنانة، ودبجوا المقالات الفصيحة، ولو قارنت ذلك بكتاب الله عز وجل لرأيت العجب العجاب، والفرق الشاسع، فشتان ما بين الثرى والثريّا.
شتان ما بين كلام الله عز وجل وكلام البشر! فكلام الله يشع بالنور وينبض بالحيوية، ولو وضعت جملة منه بين أفصح كلام قالته العرب لميزها أبسط الناس، وهذا ما شهد به ألد أعداء الإسلام قديماً وحديثاً.
وصدق الله العظيم، حيث يقول: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] .
وسورة الروم بعد افتتاحها مباشرة جاءت بنبوءة صادقة، ومعجزة باهرة، وهي الإخبار عن غلبة الروم لفارس في بضع سنين، وكان هذا من المستحيل عند العرب في ذلك الوقت، ولكمال إيمان الصحابة رضي الله عنهم، وثقتهم بوعد الله الصادق راهن أبو بكر رضي الله عنه المشركين على ذلك فتحقق وعد الله تعالى، فأخذ أبو بكر الرهان، وكان ذلك قبل تحريم القمار. وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:6] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(2/1646)
آية في القرآن فيها إعجاز لغوي بديع
[السُّؤَالُ]
ـ[آية في القرآن الكريم فيها إعجاز لغوي بديع حيث جاءت فيها سبع ميمات متتابعة اذكر رقم الآية واسم السورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الآية المشار إليها هي قوله تعالى: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [هود:48] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(2/1647)
أوجه إعجاز القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القرآن الكريم معجز فقط من حيث اللغة أم في جميع المجالات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن معجز في لفظه وفي معناه وفي فصاحته وفي بلاغته وفي أسلوبه، وفيما أخبر به من أمور المغيبات، وفيما أخبر به من خفيات العالم العلوي، والعالم السفلي، إلى غير ذلك، من جوانب إعجازه التي تتجلى يوماً بعد يومٍ، وقد ألّفت في إعجاز القرآن مؤلفات كثيرة قديماً وحديثاً، فارجع إليها تجد بغيتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1648)
الإعجاز القرآني وفواتح السور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر الأحرف التي تبدأ بها بعض السور آيات؟ مثال: الم (سورة البقرة) السؤال الثا ني: قد يتساءل البعض: اذا قال أحدهم سشص أو كلع أو رسق ... الخ. اليست هذه آيات , لقد أتينا بثلاثة آيات فأين الإعجاز. (تعالى الله عن هذا علوا كبيرا) لقد سئلت هذا السؤال افيدوني وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد افتتح الله تسعاً وعشرين سورة من كتابه العزيز بحروف التهجي وربما عُبر عنها بالحروف المقطعة في فواتح السور. وفواتح السور، تسع عشرة من هذه الفواتح آية مستقلة وواحدة منها آيتان وهي حم عسق، وتسع منها جزء من الآية الأولى من السورة. وهي فواتح يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنمل وص والقلم.
أما ما يتساءل عنه بعض المضلين من إمكان أن يؤلف حروفاً تكون مضاهية لهذه الأحرف المقطعة، وبذلك ينخرم الإعجاز فهذا باطل، لأن مجرد التأليف ليس معجزاً وإنما المعجز الإتيان بسورة، ولو كانت قدر أقصر سورة من القرآن كسورة الكوثر، تضاهي القرآن أو تقاربه في فصاحته وبلاغته وقوة أسلوبه وجزالة ألفاظه وروعة معانيه إلى غير ذلك.
ولا شك أن القرآن معجز في هذا الجانب كل الإعجاز إعجازا لا يماري فيه إلا مكابر. ولا أدل على ذلك من أن القرآن نزل على مجتمع قد صرفوا كل عناية إلى الكلام والتفنن في أساليبه نظماً ونثراً، ومع استمرار تحدي القرآن لهم لم يستطع أحد منهم أن يحاكيه أو يقارب ذلك.
بل إن من حاول محاكاته منهم صار أضحوكة الناس كمسيلمة الكذاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1649)
توضيحات حول قصة موسى في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[خطر على بالي هذان السؤالان لدى قراءتي لسورة طه (أرجو الإجابة بسرعة حيث إني أنتظر شهرا أحيانا لأتلقى الإجابة على أسئلتي)
الأول: من الآية 48 إلى الآية 58 كان الحديث قائما بين سيدنا موسى وفرعون، إلا أنه من منتصف الآية 53 إلى الآية 56 أصبح المتحدث الله عز وجل ثم عاد الحديث مرة أخرى بين سيدنا موسى وفرعون. فما الحكمة من تغير طريقة سرد القصة؟
الثاني: أرجو أن لا يفهم أنني أعطي عذرا لفرعون لبقائه على كفره بعد قصة السحرة، حيث إني أشعر أن هنالك أمرا لا أستطيع فهمه، ولكن لو حدثت قصة السحرة مع أحدنا لقال إن السحرة قد اتفقوا مسبقا مع سيدنا موسى خصوصا أن السحر كان منتشرا تلك الأيام، وكان فرعون يعتقد أن ما قام به سيدنا موسى هو من السحر أيضا. وأمر آخر من أين أتوا بعلمهم عن العذاب والمغفرة وعن الجنات (الآية 74 إلى 76) وهم قد أسلموا لتوهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الألوسي في تفسيره أن قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى. {طه: 53} . يحتمل أن يكون ابتداء كلام منه عز وجل وكلام موسى قد تم عند قوله ولا ينسى. ويحتمل أن يكون من كلام موسى عليه السلام، على أن يكون قد سمعه من الله عز وجل فأدرجه بعينه في كلامه وقد رجح رحمه الله الاحتمال الأول وذكر أنه يقويه قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى. {طه:56} .
وبناء عليه يكون عود الحديث لموسى من باب أن الله عز وجل واصل في سرد القصة فذكر أنه أرى فرعون آياته فكذب ثم قال لموسى كذا فأجابه موسى بكذا.
وأما السؤال الثاني الذي لم تفصح فيه إفصاحا كاملا فجوابه أن فرعون مكابر جحود كما أخبر الله عنه في قوله: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ. {النمل:14} .
وأخبر الله عنه في آية أخرى أنه اتهم موسى بأنه مسحور لما جاء بالآيات التسع فأجابه موسى بقوله: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا. {الإسراء:103} .
ففرعون كان مكابرا جحودا، وموسى لم تكن آيات صدقه قاصرة على انتصاره على السحرة بل جاءه بكثير من الآيات الأخرى فكذب وأبى.
وأما علم السحرة بالمغفرة والعذاب فهو غير مستغرب لاحتمال أن يكون موسى حدثهم بذلك إذ من أهم الأمور التي يحدث بها الدعاة مدعويهم أن يحدثوهم عن ذلك كما حدث نوح في قوله: قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. {نوح:3-4} .
وحدث نفر من الجن في قولهم: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. {الأحقاف:31} .
إضافة إلى أن المفسرين قد ذكروا أن كبار السحرة كان أغلبهم من بني إسرائيل أكرههم فرعون على تعلم السحر ومعارضة موسى، ويؤيد هذا قولهم: إنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى. {طه:73} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(2/1650)
توضيحات حول موقف سليمان من ملكة سبأ وقومها
[السُّؤَالُ]
ـ[في قراءتي لسورة النمل وقصة سيدنا سليمان مع ملكة سبأ استوقفني دائما السؤال: لماذا دعا سليمان أهل سبأ وملكتهم بالتهديد؟ ولماذا قال: ألا تعلوا على وائتوني مسلمين.؟ ولماذا آمنت ملكة سبأ بعدما استعرض سليمان عليه السلام ملكه وقوته أمامها؟ أعلم أن الغضب لله من شيم الصالحين وأعلم أن لكل إنسان أسلوبه الذي يتم إقناعه به، ولكن ما الذي يضير سليمان عليه السلام لو أنه أرسل مبشرين للملكة يبشرون بالتوحيد أو عرض رسالته على الملكة بلا تهديد، ألا يعد ما فعله نشراً للتوحيد بحد السيف، وهي شبهة أجل سيدنا سليمان عليه السلام عنها، فأرجو الإفادة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر كما أشارت السائلة الكريمة أن لكل إنسان أسلوبا يناسبه ويليق بحاله، والرسالة التي وجهها نبي الله سليمان -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- إنما وجهها للملكة ولم يوجهها لأهل بلدها، والملوك في الغالب ـكما هو معروف- يؤثرون دنياهم ويقاتلون عن ملكهم ولا يتنازلون عنه طواعيةً، إلا أن يُضطروا إلى ذلك اضطرارا، وهذا ظاهرا جداً من سياق القصة، فإن الملكة لما جاءها الكتاب واستشارت الملأ من قومها قالوا: نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ. {النمل:33} ، ولكنها تعقلت ولم تبادر للمنابذة فقالت: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ* وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ. {النمل: 34-35} ، وهذا ظاهر جدا في أن جلَّ اهتمامها كان بما أوتيت من متاع الدنيا وأن لا تسلب عز مملكتها، وأن سليمان لو دعاها إلى الإسلام دون تخويف بالحرب لما سمعت ولما أطاعت، ويؤكد ذلك أنها اختارت أن تتبين حال نبي الله سليمان بالهدية التي عزمت على إرسالها إليه، قبل أن تذعن له.. هذا إذا أقررنا أن رسالة نبي الله سليمان -عليه السلام- كانت تهديداً واستعراضا للقوة كما وصف السائل، ولكن الأمر ليس كذلك، فقد استفتح نبي الله سليمان رسالته بسم الله الرحمن الرحيم، ثم دعاهم إلى توحيد الله تعالى والإسلام له، ونهاهم عن التكبر والامتناع عن إجابة دعوته.
قال ابن كثير في قوله تعالى: أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ: قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لا تمتنعوا ولا تتكبروا علي {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} قال ابن عباس: موحدين. وقال غيره: مخلصين. وقال سفيان بن عُيَيْنَة: طائعين. انتهى.
وقال ابن عاشور: قوله {إنه من سليمان} هو من كلام الملكة ابتدأت به مخاطَبة أهل مشُورتها لإيقاظ أفهامهم إلى التدبر في مغزاه لأن اللائق بسليمان أن لا يقدِّم في كتابه شيئاً قبل اسم الله تعالى ... وأحاط كتابه بالمقصود، وهو تحذير ملكة سبأ من أن تحاول الترفع على الخضوع إلى سليمان والطاعة له كما كان شأن الملوك المجاورين له بمصر وصور والعراق، فالإتيان المأمور به في قوله: {وأتوني مسلمين} هو إتيان مجازي مثل ما يقال: اتبع سبيلي.. و {مسلمين} مشتق من أسلم إذا تقلد الإسلام. وإطلاق اسم الإسلام على الدين يدل على أن سليمان إنما دعا ملكة سبأ وقومها إلى نبذ الشرك والاعتراف لله بالإلهية والوحدانية ولم يدعهم إلى اتباع شريعة التوراة لأنهم غير مخاطبين بها وأما دعوتهم إلى إفراد الله بالعبادة والاعتراف له بالوحدانية في الإلهية فذلك مما خاطب الله به البشر كلهم وشاع ذلك فيهم من عهد آدم ونوح وإبراهيم. انتهى.
ثم نذكر السائلة الكريمة أن الأمور إنما تقاس بعواقبها وآثارها، وقد رأينا الثمرات الزكية للخطاب الكريم والأسلوب الحكيم الذي انتهجه نبي الله سليمان حيث أتوه مسلمين، وقد ختم الله القصة بقول الملكة: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين َ. {النمل:44} .
ثم ننبهه على أن الإسلام وإن لم يكن قد انتشر بحد السيف كما يفتري عليه أعداؤه، إلا أن السيف كان من أهم أسباب إزاحة العوائق التي تحول بين الناس وبين الدين الحق، فلم يكن ملوك الأرض في زمان الصحابة ومن بعدهم ليتركوا هذا الدين الجديد يهدد عروشهم وشهواتهم، ويزاحمهم حكمهم وتسلطهم، وراجع للتوسع في هذا المعنى الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 73832، 116779، 3584.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1430(2/1651)
هل ورد ما يدل على أن اسم ملكة سبأ هو بلقيس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن ملكة سبأ اسمها بلقيس؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد ذكر بلقيس في خبر مرفوع، قال فيه الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم.
ومثل هذا لا تقوم به حجة، ولكن ورد في بعض الآثارالموقوفة والمقطوعة المروية في بعض الكتب المسندة أن اسم ملكة سبأ: بلقيس ومن ذلك: ما رواه الإمام ابن أبي شيبة في ـ مصنفه ـ عند ذكره ل ما أعطى الله سليمان بن داود ـ عليهما السلام ـ الأثر رقم: 10، قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عطاء عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس قال: اسمها بلقيس بنت ذي شيرة.هـ.
وكذلك ما رواه الإمام ابن أبي حاتم في ـ تفسيره ـ الأثر رقم: 15172 قال: حدثنا علي ابن الحسن، ثنا محمد بن موسى الحرشي، ثنا أبو خلف، ثنا يونس، عن الحسن ـ إني وجدت امرأة تملكهم: وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ.هـ.
ومثل هذه الآثار تكفي لإطلاق اسم بلقيس على ملكة سبأ، حيث إن الأمر في ذلك سهل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1430(2/1652)
وجه عدم ذكر أبي موسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يذكر والد سيدنا موسى عليه السلام فى قصته؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نعثر على ذكر لوالد موسى في حياة موسى، فيحتمل أنه توفي مبكرا قبل ولادته.
ثم إن نصوص الوحي لم تتحدث عن آباء أكثر الرسل، فلم تتحدث عن أبي شعيب ولا نوح ولا هود ولا صالح ولا لوط ولا داود عليهم السلام وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1430(2/1653)
هل رأى موسى ربه وكذلك زهرة النسرين
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت قبل فترة في كتاب أنه: عندما رأى سيدنا موسى الله عز وجل بجانب الطور كانت هناك زهرة النسرين بجانب سيدنا موسى وأيضا رأت الله، فهل هذا الكلام صحيح؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه من المراجع على أصل لهذا الكلام وهو لا يصح بحال، لأن موسى عليه السلام لم ير الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا، ولكنه لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فسأل الله تعالى ذلك، فقال الله له: لن تراني.
وقد قص الله تعالى علينا ذلك في محكم كتابه، فقال تعالى: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ {الأعراف:143} .
قال أهل التفسير: يقول موسى أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.
وروى الحاكم في مستدركه - وصححه ووافقه الذهبي - عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما: أن موسى بن عمران لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه، فقال: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي.
فحف حول الجبل الملائكة، وحف حول الملائكة بنار، وحف حول النار بملائكة، وحف حول الملائكة بنار، ثم تجلى ربك للجبل ثم تجلى منه مثل الخنصر فجعل الجبل دكا وخر موسى صعقاً ما شاء الله ثم إنه أفاق، فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين.
يعني أول من آمن من بني إسرائيل.
ولذلك فرؤية الله تعالى لا تكون في الدنيا ولا تصح لأحد، وإنما تكون في الآخرة للمؤمنين خاصة دون الكافرين كما جاءت بذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة، كقول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {القيامة:22-23} .
قال الحافظ في الفتح: لأن أبصار المؤمنين في الآخرة باقية فلا استحالة أن يرى الباقي - وهو الله تعالى- بالباقي أعين المؤمنين بخلاف حالة الدنيا فإن أبصارهم فيها فانية فلا يرى الباقي بالفاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1430(2/1654)
لا وجود للبشر قبل آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل أود سؤالكم عن مسألة حيرتني: في حصة من حصص العلوم الطبيعية حدثنا الأستاذ المشرف عن موضوع وجود أناس قبل سيدنا آدم لكنهم كانو متوحشين أي لم يميزهم الله بميزة العقل، واستند في ذلك على قول الملائكة لله عز وجل: قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ. [البقرة: 30] . إذ كيف للملائكة أن يعرفوا إذا ما كان الناس سيقتلون ويفسدون فيها إن لم يروا ذلك من قبل؟ وهل يمكن أن يكون هذا الأستاذ ملحداً استنادا على قوله هذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 47113 أنه لا وجود للبشرية قبل آدم عليه السلام، وأما احتجاج ذلك الأستاذ بالآية الكريمة فلا يصح، لعدة أوجه سبق ذكرها في الفتويين: 1099، 17360.
لكن ما قاله لا يكفي بمجرده للحكم عليه بالإلحاد والكفر، وإنما هو متأول مخطئ، والقاعدة أن من ثبت إسلامه بيقين لا يحكم بإنتفائه عنه إلا بيقين مثله لا بشك، للقاعدة الفقهية المشهورة: اليقين لا يزول بالشك. وانظري في الفتوى رقم: 721 في ضوابط التكفير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1430(2/1655)
اللغة التي خاطب بها موسي ابنتي شعيب
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الجزاء ونفع بكم الإسلام والمسلمين، والسؤال هو: كيف تكلم النبي موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب عندما قال: قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. القصص.
علما بأن نبي الله موسى ليس عربيا، وشعيب وابنتاه كانوا من العرب، فكيف تكلما معا؟ هل النبي موسى كان يعرف اللغة العربية؟ أم ماذا؟ وأيضا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما عرج إلى السماء، كيف سلم على الأنبياء كموسى وإبراهيم، وهم ليسوا عربا وصلى بهم؟ هل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعرفون اللغة العربية؟ أم ماذا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمشهور أن أهل مدين كانوا عرباً يسكنون مدين وهي قرية من أرض معان على أطراف الشام من جهة الحجاز، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 56981، وأن لغة نبي الله موسى كانت العبرية، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 26715.
ولكن هذا لا يعني أنه عليه السلام ما كان يفهم العربية، فهو قطعاً كان يعرف القبطية لغة أهل مصر، ولا مانع أنه يعرف لغة أخرى ـ سواء العربية أو غيرها ـ فلا بد أنه يعرف اللغة التي استطاع بها أن يخاطب المرأتين وأباهما بعد ذلك، يقول الدكتور مساعد الطيار في مقال له في ـ ملتقى أهل التفسير: مدين قرية عربية، وهي في شمال الجزيرة على الجانب المقابل لمصر، وهذا يعني أن سكانها عرب يتكلمون العربية وقت موسى عليه السلام، والملاحظ أن موسى عليه السلام لم يحتج إلى ترجمان للحديث مع المرأتين، ولا يقال: إن وجود الترجمان محتمل، إذ إن ذلك يلزم منه أن موسى عليه السلام صار يتكلم لغته ويبحث عمن يعرفها ثم ذهب إلى المرأتين ووقع الخطاب، ثم جاءت البنت وكلمت الترجمان، ثم كلم الترجمان موسى عليه السلام إلخ، لا شك أن تصور ذلك وافتراضه غير مرضي، كما أن افتراض أنهم تكلموا بلغة الإشارة والرموز غير وجيه كذلك.
فإذا كان موسى عليه السلام قد كلمهما مباشرة دون ترجمان، فما اللغة المشتركة التي كانوا يتحدثونها، الذي يبدو -ظناً- أنها عربية تلك الزمان، كانت مثل ما هي عليه اليوم لهجات العرب في مصر والجزيرة والشام والعراق، حيث يمكن أن يتخاطب أولئك بلهجاتهم ويفهم بعضهم من بعض، الذي يبدو أن الحال كان كما هو عليه اليوم، وإنما الأمر لا يعدو لهجات يتكلم بها كل أهل منطقة، لا تستغرب ذلك، فهل هناك ما يدل على غيره؟. انتهى.
ويقول د. أحمد شحلان في كتاب ـ لغات الرسل وأصول الرسالات: لقد عاش موسى في مصر أربعين سنة تربى خلالها في بلاط فرعون فتكون لغته الأم هي المصرية، ويمكن أن يكون ملماً بلغة أخرى إلى جانب المصرية كعادة الملوك في تعليم ذويهم عدة لغات، فربما كان ملماً بلغة خاصة بالعبرانيين أو الإسرائيلين، إذن فهناك احتمال غالب أن تكون لغة البلاغ الأصلي للتوراة هي المصرية دون غيرها، باعتبارها اللغة المشتركة بين جميع سكان مصر، أو يحتمل أن تكون لغة التوراة الأصلية هي لغة هؤلاء الذين هاجروا من فلسطين إلى مصر وهم أخلاط، فتأثروا بعادات مصر واكتسبوا لغتها، ثم رجعوا إلى فلسطين يحملون معهم موروثهم الثقافي والفكر الجديد، فكانت لغتهم على أقل تقدير خليطاً من المصرية والكنعانية الحيثية، فتكون هي اللغة التي دونوا بها التوراة نقلاً عن موسى، وإذا كان موسى قد عاش أربعين سنة في مصر ثم رحل إلى مدين وهي قبيلة عربية -أو على الأقل ليست إسرائيلية - ليعيش فيها أربعين سنة أخرى، فإنه بالتأكيد كان قد ألم بلغة هذه القبيلة قبل عودته إلى مصر رسولاً. انتهى.
أما اللغة التي تخاطب بها الأنبياء ليلة الإسراء والمعراج فهذه ليست محل سؤال، فالأمر من أصله معجز، فليس جمعهم للصلاة ولا إسكانهم في السماء بأشد من جمعهم على لغة واحدة، والظاهر أنها كانت العربية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو تحدث بغيرها لأوشك أن يخبر بذلك، على ما للعربية من فضل في ذاتها، كما تقدم بيان ذلك في الفتويين رقم: 28432، ورقم: 25876.
ثم ننبه على أن كون صاحب نبي الله موسى وأبي المرأتين هو شعيب النبي محل خلاف بين أهل العلم، والأظهر أنه ليس هو، وقد رجح ذلك طائفة من المحققين من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير والسعدي وغيرهم، وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 71249، أن نبي الله شعيب عليه السلام كان في الفترة الزمنية الواقعة بين عهد يوسف وعهد موسى عليهم الصلاة والسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(2/1656)
علم سليمان بمنطق الطير وهل تحدث مع الطاووس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سليمان عليه السلام كلم الطاووس وتحدث معه عن غروره بريشه، وهل يكلم جميع الطيور بأنواعها أم الهدهد فقط؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على شيء من هذا الكلام المزعوم بين نبي الله سليمان عليه السلام والطاووس.
أما فهمه عليه السلام للغة الطير فقال تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. {النمل: 16-17} .
وإطلاق هذه الآيات في الطير الذي عُلم نبي الله سليمان منطقه وجعل من جنوده يقتضي عدم تقييد ذلك بالهدهد، وقد قال تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ. {النمل:20} .
وهذا واضح في أن الهدهد لم يكن الطير الوحيد الذي يتعامل معه سليمان عليه السلام.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 36799.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1430(2/1657)
مواعدة الله تعالى لموسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[وعد الله سيدنا موسي 40 ليلة. لماذا وعده الله إياها، ومتى وعده الله 40 يوما؟ أي قبل أو بعد عبادة قومه للعجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال تعالى عن موسى عليه السلام،: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.. . (الأعراف:142) وكانت هذه المواعدة لبدء وحي كتاب التوراة بعد أن أنجى الله قومه بني إسرائيل من العبودية، وجعلهم أمة حرة قادرة على القيام بما يشرعه الله لها من العبادات وأحكام المعاملات، قال الشيخ ابن سعدي في تفسيره: ولما أتم الله نعمته عليهم بالنجاة من عدوهم، وتمكينهم في الأرض، أراد تبارك وتعالى أن يتم نعمته عليهم، بإنزال الكتاب الذي فيه الأحكام الشرعية، والعقائد المرضية، فواعد موسى ثلاثين ليلة، وأتمها بعشر، فصارت أربعين ليلة، ليستعد موسى، ويتهيأ لوعد الله، ويكون لنزولها موقع كبير لديهم، وتشوق إلى إنزالها. انتهى.
وكانت هذه المواعدة قبل عبادة بني إسرائيل للعجل، فقد بدأت هذه الفتنة أثناء غياب موسى عليه السلام وقبل رجوعه كما قال تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ... إلى قوله تعالى: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ... {الأعراف 148-150}
ولمزيد من التفصيل حول قصة موسى عليه السلام في القرآن الكريم راجع الفتوى: 112560.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1430(2/1658)
مسائل تتعلق بإبراهيم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الصحف العشر التي نزلت علي سيدنا إبراهيم؟
سيدنا إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا بل كان حنيفا مسلما، هل مثلنا نحن أمة سيدنا محمد؟ أم ماذا أصل سيدنا إبراهيم ومن أين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحف إبراهيم عليه السلام ورد ذكرها في القرآن في موضعين، وذكر فيهما بعض ما تضمنته هذه الصحف، فأما الموضع الأول: فهو قوله تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى* وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى {النجم:36-37} ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {النجم:38} إلى آخر الآيات في سورة النجم وفيها:
أولاً: أنه لا يؤخذ امرؤ بذنب غيره. ثانيًا: أن لا يثاب امرؤ إلا بعمله. ثالثًا: أن العامل يرى عمله في ميزانه خيرًا كان أو شرًا. رابعًا: أن الله خلق الموت والحياة. خامسًا: أن العباد كلهم راجعون يوم الميعاد إلى ربهم ومجازيهم بأعمالهم. سادسًا: أنه تعالى هو الذي أضحك وأبكى. سابعًا: أنه هو الذي أغنى وأقنى. ثامنًا: أنه هو الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة تصب في الأرحام. تاسعًا: أنه هو الذي يجازي العبد على سعيه الجزاء الأوفى. عاشرًا: وأنه هو رب الشعرى، النجم المعروف. حادي عشر: وأنه هو الذي أهلك عادًا الأولى، فما أبقاهم، بل أخذهم. ثاني عشر: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، وقد كانوا أظلم وأطغى. ثالث عشر: وأنه أهلك المؤتفكة، وهي قرى لوط وقد قلبت بأهلها وألبسها من العذاب ما ألبسها. انظر كتاب الأنوار الساطعات لآيات جامعات للشيخ عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ رحمه الله.
وأما الموضع الثاني التي ذكرت فيه صحف إبراهيم عليه السلام: فهو قوله تعالى: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى {الأعلى: 18-19} . يعني أن صحف إبراهيم وموسى تضمنت مضمون ماذكر في سورة الأعلى وقد ورد هذا في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلها في صحف إبراهيم وموسى فلما نزلت (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) قال: وَفَّى (أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . رواه النسائي في السنن الكبرى والْبَزَّارُ وقال: لا نَعْلَمُ الثِّقَاتِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلا هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثًا آخَرَ. ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي.
فهذا ما وقفنا عليه مما صح أنه مما ذكر في صحف إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من المفسرين أقوالا وأمثالا قالوا إنها مما في صحف إبراهيم إلا أنها أقوال لا دليل من السنة عليها. وقد ذكرنا طرفا من هذه الأقوال في الفتوى رقم: 39965.
وأما قول السائل: "الصحف العشر" فلم نقف على دليل صحيح يبين أنها كانت عشرا، وإنما ما ذكر في القرآن والسنة الصحيحة ذكر بلفظ: صحف إبراهيم دون بيان عددها، وورد أنها عشر في حديث أبي ذر رضي الله عنه الطويل الذي رواه ابن حبان في صحيحه، وهو حديث ضعيف جداً؛ كما في تحقيق الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان للشيخ شعيب الأرنؤوط.
وأما عن دين إبراهيم عليه السلام فهو ملة التوحيد ودين الإسلام حنيفا مسلما مثلنا تماما في أمور التوحيد والعقيدة وثوابت الأديان التي لم تختلف من رسول إلى آخر، كالإيمان بالجنة والنار والثواب والعقاب والبعث بعد الموت ونحو ذلك، وأما في فروع الشريعة فهي مختلفة عن شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كانت تشريعات كل رسالة تأتي متناسبة مع الأقوام الذين أرسل إليهم رسلهم، وقد بينا في الفتوى رقم: 27614 أن الأنبياء يتفقون على الإيمان ويختلفون في الشرائع. وراجع أيضا الفتويين رقم: 38850، 36905.
وأما أصل إبراهيم عليه السلام، ومن أين هو، فقد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق ذلك، فحكى عن بعض العلماء أن إِبْراهيم عليه السلام وُلد بغُوطَة دِمَشْق بقرية يقال بها بَرْزَةُ، ثم قال ابن عساكر: والصحيح أَنَّه وُلد بكوثَى من أَرض العراق بإِقْليم بابل، وإِنما نٌسب إِليه هذا للْمُقام بَبْرزَة، لأَنه صلَّى فيه لما جاء مُعيناً للوط عليه السلام. وكذا ذكر ابن كثير عنه في قصص الأنبياء وفي البداية والنهاية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1430(2/1659)
هل كان الخنزير من ضمن الحيوانات في سفينة نوح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الخنزير كان من ضمن المخلوقات التي ركبت في سفينة سيدنا نوح عليه السلام، أم تم تنزيله من السماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى مخاطباً لنبيه نوح عليه السلام: ... قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {هود:40} ، قال أهل التفسير: أدخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات، ذكراً وأنثى، لتبقى مادة النسل لسائر الحيوانات التي اقتضت الحكمة الربانية إيجادها في الأرض.
والظاهر أن الخنزير داخل في هذا العموم، ولكنهم ذكروا عند تفسير هذه الآية أن نوحاً عليه السلام لما آذته مخلفات الناس والحيوانات في السفينة أمر أن يمسح ذنب الفيل فمسحه، فخرج منه خنزيران (ذكر وأنثى) وكفى ذلك عنه، ولم نقف على تصحيح لهذا الأثر الذي نسبه بعضهم لابن عباس بصيغة التضعيف (روي) .
وأما كونه نزل من السماء فلم نقف على من قال به، إلا إذا كان القصد أن الله تعالى خلقه بقدر نازل منه -سبحانه وتعالى- كما في قوله تعالى: وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ {الزمر:6} ، قال العلماء: خلقها بقدر نازل منه رحمة بكم. وكل ما في الأرض خلق لنا بقدر من الله تعالى للانتفاع به أو للاعتبار أو الاختبار والخنزير كغيره من هذه المخلوقات. ملخصاً من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(2/1660)
عدم ثبوت نسبة الشرك لحواء وآدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بإشراك آدم عليه السلام وزوجته حواء الوارد في الآية الكريمة رقم 190 من سورة الأعراف؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فند ابن كثير في تفسيره القول بنسبة الشرك إلى آدم وحواء، وضعف ما يروى في ذلك. وذكر أنه من الإسرائيليات. وذكر أن الصحيح أن المراد بذلك المشركون من ذرية آدم وحواء عليهما السلام، وقد بينا بسط القول في ذلك في الفتويين التاليتين: 42896، 33832.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1430(2/1661)
هل كلم الله تعالى ذا القرنين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كلم الله سبحانه وتعالى ذا القرنين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذو القرنين اختلفت أقوال أهل العلم فيه: هل هو نبي أم لا؟
وقد ذكر العلماء في هذا أقوالا كثيرة، أرجحها أنه كان عبدا موحدا مطيعا لله، كما هو ظاهر في سياق قصته في سورة الكهف، والتوقف في شأن نبوته، فلا نقول كان نبيا أو لم يكن، بل نقول: الله أعلم، ويدل على هذا ما رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في سننه الكبرى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أَدْرِي ذا الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ لَا. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وصححه الألباني.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا أدري، فكيف لنا نحن أن نجزم بذلك؟!
وقد بينا الخلاف في نبوته وما قيل في ذلك في فتاوى سابقة، هذه أرقامها: 71738، 7448.
وأما هل كلمه الله أم لا؟ فنقول: الله أعلم، لأنه على القول بنبوته فليس كل نبي كلمه الله، بل الوحي يكون على صور شتى، وظاهر القرآن يحتمل أن الله تعالى كلمه، فقد قال سبحانه: قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً. {الكهف: الآية86} .
قال الرازي في تفسيره عند حكايته أدلة نبوته، وهو ممن اختار أنه نبي: قوله تعالى: قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ. يدل على أنه تعالى تكلم معه من غير واسطة، وذلك يدل على أنه كان نبياً وحمل هذا اللفظ على أن المراد أنه خاطبه على ألسنة بعض الأنبياء فهو عدول عن الظاهر. انتهى.
وقال الألوسي في روح المعاني: واستدل بالآية من قال بنبوته والقول عند بعضهم بواسطة ملك وعند آخرين كفاحا، ومن لم يقل بنبوته قال: كان الخطاب بواسطة نبي في ذلك العصر أو كان ذلك إلهاما لا وحيا بعد أن كان ذلك التخيير موافقا لشريعة ذلك النبي. اهـ
وأما على القول بعدم نبوته أو التوقف في المسألة، فلا يثبت كلام الله له من وجه صحيح، وعلى هذا فيكون معنى الآية كما سبق في كلام الألوسي.
وقال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل: يحتمل أن يكون بإلهام فلا يكون فيه دليل على نبوته. اهـ
وقال الشيخ ابن سعدي: إما أن القائل له نبي من أنبياء الله أو أحد العلماء، أو أن المعنى أنه بسبب قدرته كان مخيَّرا قدرا، وإلا فمن المعلوم أن الشرع لا يسوِّي بين الأمرين المتفاوتين في الإحسان والإساءة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1430(2/1662)
هل كان أبو إبراهيم عليه السلام موحدا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان والد النبي إبراهيم عليه السلام موحداً؟
إن عنوان الأب كما يطلق على الأب فإنه يطلق على غيره كالعمّ أيضاً، وهذا هو منشأ الترديد في قضية النبي إبراهيم من أن أبوه هل كان آزر عابد الوثن أم لا?. فالذي يظهر من الآية: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة،1 والآيات 42 من سورة مريم، و 52 من سورة الأنبياء، و 70 من سورة الشعراء، و 85 من سورة الصافات، و 26 من سورة الزخرف، و 114 من سورة التوبة وغيرها، أن أبا النبي إبراهيم لم يكن موحداً؛ أما أن هذا الأب هل هو نفس الوالد أم غيره؟ وهل أن والد النبي إبراهيم هل كان موحداً أم لا؟، فلا يمكن استظهار أي واحد من هذين المطلبين من الآيات المشتملة على عنوان الأب؛ ولكن يمكن استنباط كلا المطلبين من آية أخرى متضمنة لكلمة الوالد لا كلمة الأب؛ فيمكن معرفة أن آزر عابد الوثن لم يكن والد النبي إبراهيم، وأن الشخص الآخر الذي هو والد النبي إبراهيم والذي لم يذكر اسمه في القرآن، كان موحداً، لا مشركاً؛ فقد قال الله:
أ- «وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى» (2) .
ب- «وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبيّن له أنه عدو لله تبرأ منه» (3) ، أي لم يستغفر له بعد ذلك.
ج- قال النبي إبراهيم عليه السلام في دعاء له في عهد الكبر وفي أواخر حياته: «ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب» (4) .
من هنا يمكن استنباط المطلبين المشار إليهما: أحدهما هو أن آزر عابد الوثن لم يكن والد النبي إبراهيم؛ لأنه تبرأ من آزر بعد أن تبين له شركه وعداؤه مع الله، ولم يستغفر له بعد ذاك، والمطلب الآخر أنه استغفر لوالديه في عهد الكبر، فيظهر أنهما كانا يستحقان الاستغفار؛ أي كانا كسائر المؤمنين من أهل الإيمان لا من أهل الشرك.
ما صحة هذه الأقوال؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن آزر هو والد إبراهيم -عليه السلام -وأنه مات على الكفر وذلك في الفتوى: 15511.
وأما الدعاء المذكور في سورة إبراهيم لوالديه فكان قبل أن يتبين له أن أباه عدوّ لله كما في آية سورة براءة، وهو ما رجحه المحققون من أهل التفسير، قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: وهذا دعاء من إبراهيم صلوات الله عليه لوالديه بالمغفرة، واستغفار منه لهما. وقد أخبر الله عز ذكره أنه لم يكن اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ {التوبة: 114} . ... ... وقال الألوسي في روح المعاني: رَبَّنَا اغفر لِي: أي ما فرط مني مما أعده ذنباً، وَلِوَالِدَيَّ: أي لأمي وأبي، وكانت أمه على ما روي عن الحسن مؤمنة فلا إشكال في الاستغفار لها، وأما استغفاره لأبيه فقد قيل في الاعتذارعنه إنه كان قبل أن يتبين له أنه عدو لله سبحانه، والله تعالى قد حكي ما قاله عليه السلام في أحايين مختلفة، وقيل: إنه عليه السلام نوى شرطية الإسلام والتوبة.. وقيل: أراد بوالده نوحاً عليه السلام، وقيل: أراد بوالده آدم، وبوالدته حواء عليهما السلام، وإليه ذهب بعض من قال بكفر أمه.
وأما المعنى الذي أشرت إليه فقد ذهب إليه بعض المفسرين، وله حظ من النظر، لكنه مرجوح بما ذكرنا من أقوال المحققين من أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(2/1663)
هل ساعد إبليس قوم لوط على فعل اللواط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن إبليس اللعين هو أول من مارس الشذوذ الجنسي لينشر اللواط في الكون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن البشرية لم تعرف هذه الفاحشة قبل قوم لوط فقد قال الله تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ {الأعراف:80} .
وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور أنهم لما قرروا فعلها أولا لأبناء السبيل حتى يحرموهم من ثمار أرضهم، جاءهم إبليس في هيئة صبي أجمل صبي رآه الناس، فدعاهم إلى نفسه، فنكحوه، ثم جرؤوا بعد ذلك على هذا الفعل القبيح. وجاء من رواية ابن أبي الدنيا عن طاوس أن قوم لوط إنما أتوا أولاً النساء في أدبارهن، ثم أتوا الرجال. ملخصا من كتب التفسير والمستدرك للحاكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1430(2/1664)
هل كان هناك ملك ممسك بالحجر عند بناء الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد أن إبراهيم عليه السلام لما بنى الكعبة المشرفة كان هنالك ملك ممسك بالحجر الذي يقف عليه إبراهيم عليه السلام ويحركه ليسهل البناء؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على نص ثابت يدل على ما ذكر، بل إن ظاهر القرآن يدل على أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام رفعا قواعد البيت بمفرديهما، وقد روى البخاري قصة بناء البيت مطولة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وليس فيها ذكر للملائكة ولا لإعانتهم في البناء ولو بتحريك الحجر الذي كان يقف عليه الخليل عليه السلام.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: فهذا كله يدل على أن المراد بالمقام إنما هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة، لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل عليه السلام به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار، وكلما كمل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى يطوف حول الكعبة، وهو واقف عليه كلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي يليها وهكذا حتى تم بناء جدران الكعبة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1430(2/1665)
سبب تسمية عيسى عليه السلام روح الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف السبب في تخصيص عيسي بن مريم رسول الله بالروح (روح الله) كما قال: بسم الله الرحمن الرحيم إنما المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه صدق الله العظيم.
وعدم تخصيص سيدنا آدم بذلك مع أنه ورد في القرآن ما يدل علي النفخ في آدم من روح الله
بسم الله الرحمن الرحيم فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. صدق الله العظيم
أرجو الإجابة أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تخصيص عيسى عليه السلام بروح الله للتنبيه على شرفه، وعلو منزلته بذكر الإضافة إليه، كما قال تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا {الأنفال: 41} . وقال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ {الحجر: 42} مع أن الجميع عبيده، وإنما التخصيص لبيان منزلة المخصص وقيل لأنه رحمة لمن تبعه وآمن به، وقيل لان الله تعالى أوحى إلى مريم بالبشارة به، وقيل لأن روح القدس جبريل نفخ في مريم فحملت بإذن الله وبهذا يتميز عيسى عن آدم عليهما الصلاة والسلام.
قال البغوي في التفسير: وروح منه، هو روح كسائر الأرواح إلا أن الله تعالى أضافه إلى نفسه تشريفاً.
وقيل: الروح هو النفخ الذي نفخه جبريل عليه السلام في درع مريم فحملت بإذن الله تعالى، سمي النفخ روحاً لأنه ريح يخرج من الروح وأضافه إلى نفسه لأنه كان بأمره.
وقيل: روح منه أي رحمة، فكان عيسى عليه السلام رحمةً لمن تبعه وآمن به.
وقيل: الروح: الوحي، أوحى إلى مريم بالبشارة، وإلى جبريل عليه السلام بالنفخ، وإلى عيسى أن كن فكان، كما قال الله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ، يعني: بالوحي، وقيل: أراد بالروح جبريل عليه السلام، معناه: وكلمته ألقاها إلى مريم، وألقاها إليها أيضاً روح منه بأمره وهو جبريل عليه السلام، كما قال: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ يعني: جبريل فيها، وقال: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا يعني: جبريل. اهـ
وقال الشوكاني: قوله وروح منه أي: يرسل جبريل فنفخ في درع مريم فحملت بإذن الله، وهذه الإضافة للتفضيل، وإن كان جميع الأرواح من خلقه تعالى، وقيل: قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحاً ويضاف إلى الله فيقال هذا روح من الله: أي من خلقه، كما يقال في النعمة إنها من الله وقيل روح منه أي: من خلقه كما قال تعالى وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ أي: من خلقه وقيل روح منه أي: رحمة منه، وقيل روح منه أي: برهان منه، وكان عيسى برهاناً وحجة على قومه. وقوله منه متعلق بمحذوف وقع صفة لروح، أي: كائنة منه وجعلت الروح منه سبحانه وإن كانت بنفخ جبريل لكونه تعالى الآمر لجبريل بالنفخ. اهـ
وقال الألوسي في تفسيره: قيل الروح هنا بمعنى الرحمة كما في قوله تعالى: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ على وجه وقيل: أريد بالروح الوحي الذي أوحى إلى مريم عليها السلام بالبشارة وقيل: جرت العادة بأنهم إذا أرادوا وصف شيء بغاية الطهارة والنظافة قالوا: إنه روح فلما كان عيسى عليه السلام متكونا من النفخ لا من النطفة وصف بالروح وقيل: أريد بالروح السر كما يقال: روح هذه المسألة كذا أى أنه عليه السلام سر من أسرار الله تعالى وآية من آياته سبحانه وقيل: المراد ذو روح على حذف المضاف أو استعمال الروح في معنى ذي الروح والإضافة إلى الله تعالى للتشريف ... اهـ.
وأما عدم تسمية آدم بهذا الاسم فلا إشكال فيه فإن تسمية عيسى ثبتت بالنص، ولم يأت النص في آدم بذلك، كما لم تثبت تسميته بالكليم مع أنه كلمه الله كما ثبت في الآيات التي ذكرت قصته في القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(2/1666)
الشجرة التي ولد عندها عيسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم الشجرة التى ولد تحتها سيدنا عيسى عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من قصة عيسى في سورة مريم أنه ولد عند جذع نخلة كما قال الله تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا {مريم:22-23} قال القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة. قال: كأنها طلبت شيئا تستند إليه وتتعلق به، كما تتعلق الحامل لشدة وجع الطلق.
وقال ابن كثير في تفسيره: وهزي إليك بجذع النخلة أي وخذي إليك بجذع النخلة قيل: كانت يابسة.. وقيل: مثمرة، قال مجاهد: كانت عجوة وقال الثوري عن أبي داود نفيع الأعمى: كانت صرفانة (تمرها أحمر) والظاهر أنها كانت شجرة ولكن لم تكن في إبان ثمرها قاله وهب بن منبه ولهذا امتن عليها بذلك.
وعلى كل حال فلا يترتب على معرفة هذه الشجرة ولا معرفة نوعها حكم ولا ينبي عليه عمل.. وإنما يكفي أن نعرف أنها كانت كرامة لمريم عليها السلام.
ولذلك ننصح السائل الكريم بالاهتمام بما ينفعه في دينه ودنياه والسؤال عن ما يفيده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(2/1667)
الخلاف في أول من بنى الكعبة المشرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الكعبة المشرفة كانت قبل سيدنا إبراهيم الخليل. وإن كان هذا فمن بناها. ومن أين جيء بالحجر الأسود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وقع الخلافُ بين أهل العلم في أول من بنى الكعبة، فذهبَ كثيرٌ منهم إلى أنه إبراهيم عليه السلام، واستدلوا بقوله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ {الحج:26} ، وذهبَ آخرون من أهل العلم إلى أن الكعبة بُنيت قبل إبراهيم وإن اختلفوا في تحديد بانيها، وقد ذكرنا خلافهم في الفتوى رقم: 17346.
والظاهرُ أن الكعبة بُنيت قبل إبراهيم عليه السلام، وأن إبراهيم عليه السلام إنما جدد بناءها ورفعَ قواعدها، يدلُ لذلك قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ {آل عمران: 96} , ويدلُ لذلك أن إبراهيمَ عليه السلام حين ترك هاجر وإسماعيل في مكةَ بأمر الله قال ضمن دعاءٍ دعاه: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ {إبراهيم:37} ، وإن القطع بأول من بناها يحتاجُ إلى نص، فالتوقفُ عن الخوض في تعيينه أولى.
وأما الكلام على الحجر الأسود وحقيقته ومن أين جيء به، فقد بيناه في الفتوى رقم: 14443.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1430(2/1668)
النار والشجرة اللتان رآهما موسى بطوى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بكلمة النار التي وردت في القرآن في سورة طه والقصص؟ وما المقصود بالشجرة التي وردت في نفس الآيات المذكورة وفي سورة النور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال تعالى: إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً {طه:10} . وقال عز وجل: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ*فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {القصص:29، 30} .
قال ابن كثير: لما أتاها رأى منظرًا هائلا عظيمًا، حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء، لا تزداد النار إلا توقدًا، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء. قال ابن عباس وغيره: لم تكن نارًا، إنما كانت نورًا يَتَوَهَّج. وفي رواية عن ابن عباس: نور رب العالمين. فوقف موسى متعجبًا مما رأى، فنودي أن بورك من في النار. قال ابن عباس: أي قُدّس {وَمَنْ حَوْلَهَا} أي: من الملائكة. قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة. انتهى.
وقال القرطبي: قال ابن عباس ومحمد بن كعب: النار نور الله عز وجل، نادى الله موسى وهو في النور، وتأويل هذا أن موسى عليه السلام رأى نورا عظيما فظنه نارا.انتهى.
وقال البغوي: قال أهل التفسير: لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا، وقال أكثر المفسرين: إنه نور الرب عز وجل، وهو قول ابن عباس وعكرمة، وغيرهما. انتهى.
وقال الشنقيطي: أكثر أهل العلم على أن النار التي رآها موسى نور، وهو يظنها ناراً. وفي قصته أنه رأى النار تشتعل فيها وهي لا تزداد إلا خضرة وحسناً.
وأما الشجرة فقال البغوي: قال ابن مسعود: كانت سَمُرة خضراء تبرق. وقال قتادة ومقاتل والكلبي: كانت عَوْسَجَة. قال وهب من العُلَّيق. وعن ابن عباس: أنها العنَّاب.
وجاء في حاشية المحقق: السمرة: شجرة من العضاه، جيد الخشب. والعوسج شجرة من فصيلة الباذنجيات شائكة الأغصان. والعليق نبات شائك معرش من فصيلة الورديات، ثمره أحمر وربما كان أصفر، وله نوى صلب مستدير. انتهى.
وأما الشجرة في سورة النور، ففي قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {النور:35}
قال ابن الجوزي في زاد المسير: {من شجرة} أي من زيت شجرة، فحذف المضاف، يدلُّك على ذلك قوله: {يكاد زيتها يضيء} والمراد بالشجرة هاهنا: شجرة الزيتون ... وإِنما خُصَّت بالذِّكْر هاهنا دون غيرها لأن دُهنها أصفى وأضوأ.
وقال ابن كثير: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} أي: يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة {زيتونة} بدل أو عطف بيان.. اهـ
وقال الشوكاني في فتح القدير: الزيتون من أعظم الثمار نماء، وقال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، وإنما هو مثل ضربه الله لنوره، ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية. قال الثعلبي: قد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا، لأن قوله: {زَيْتُونَةٍ} بدل من قوله: {شَجَرَةٍ} .
وقال السعدي: أي: يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1430(2/1669)
تنوع الأساليب وتغير الألفاظ في القصص القرآني
[السُّؤَالُ]
ـ[أحبتي الكرام أود حل هذا الإشكال الذي يطرأ علي عند قراءتي للقرآن
شيوخنا:
في بعض الآيات تكون بسياق معين وبلفظ معين ثم إذا ذهبت إلى سورة أخرى نفس حدث الآية الماضية ولكن بلفظ آخر تماماً وهذا يكون غالبا إذا تكلم الله على لسان نبي أو شخص آخر وأطرح لكم مثالا كي يكون الأمر لكم واضحا:
قال تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ... )
وقال في آية أخرى (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون)
وقال تعالى (يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين) وفي آية أخرى (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي..)
وأيضا هنا (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) وفي آية أخرى (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون) وفي آية (ءأسجد لمن خلقت طينا) .
فأي الأقوال هي التي قيلت؟
وكذلك قال تعالى (امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون)
وقال في سورة طه (إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى)
وفي سورة النمل (إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون)
فأي الأقوال قال موسى إذ تعددت لدينا الألفاظ؟
وقال تعالى في سورة الأعراف (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ... )
وقال أيضا في سورة الشعراء: (هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم)
وقال في سورة الشمس (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها)
فأيهم قال من هذه الأقوال؟
وكذلك في القرآن كيف نفهم إذا مر بنا مثل هذه الاختلافات؟
أرجوا التوضيح أحبتي وتفهيمي في هذا الأمر، جعل الله مأواكم الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أساليب القرآن الكريم في عرض القصص تنويع أساليبها وتغيير ألفاظها؛ فيورد القصة الواحدة والمعنى الواحد بصور متعددة وأساليب متنوعة وألفاظ مختلفة في غاية من البلاغة والحسن والجمال بحيث لو أردت استبدال لفظ بمرادفه ووضعه في المكان الذي ورد فيه لتنافرت الألفاظ واختل نظام السياق وانسجام المعنى..
وكل ذلك من بلاغة القرآن الكريم التي تحدى بها أهل اللسان العربي وخاصة في عصر نزوله الذي وصل أهله قمة البلاغة والفصاحة..
والقصص المذكورة تعتبر مثالا على ما ذكر فبعضها جاء مجملا في بعض السور لمناسبة أسلوب السورة من الاختصار والطي والإجمال، لأن المقام يقتضي هذا الأسلوب، ولأن بعض العقول يعجبه الإيجاز والاختصار والألفاظ الجزلة.. وبعضها يميل إلى البسط والتفصيل والألفاظ اللينة السهلة.. فتأتي القصة في سورة أخرى بشيء من البسط والتفصيل المناسب لأسلوب السورة وهكذا، فما أجمل في سورة بين في أخرى، وما أهمل في سورة ذكر في أخرى مع الاحتفاظ التام بالمعنى وكل ذلك لشحذ الأذهان والحث على التدبر والتعقل لمعاني القرآن الكريم والتنبيه على أهمية الدروس والعظات والعبر التي تضمنتها القصة.
ففي المثال الذي ذكر في قصة آدم - مثلا والتي تضمنت من الدروس والعظات والعبر ما لا يخفى كثير منه على متأمل كما هو مبين في محله من كتب التفسير- نجد أن الله تعالى بين فضل أبي البشر آدم عليه السلام حيث جعله خليفته في أرضه وتعليمه ما لا تعلمه الملائكة.. فطوى ذكر خلقه من التراب والمراحل التي مر بها من الطين والحمإ المسنون إلى الصلصال اليابس....
ثم ذكرت هذه المراحل في سور أخرى بأسلوب آخر لمناسبة المقام وأسلوب تلك السور وهكذا بقية الأمثلة ويمكنك أن تتبعها في كتب التفسير وقصص الأنبياء والبداية والنهاية لابن كثير ...
وأما السؤال: فأي الأقوال.. فغير وارد لأنه من المعلوم أن القرآن نزل بلسان عربي مبين وكثير من القصص التي جاءت فيه منقولة عن أقوام آخرين ليس لسانهم عربيا، ولسان العرب غني بالألفاظ والعبارات والقرآن الكريم يضع كل لفظ منها في مكانه المناسب وبأسلوبه الرفيع وبيانه البديع دون تحريف ولا تغيير للمعنى؛ فلا اختلاف ولا تناقض فيما ذكرت وما لم تذكر وما عليك إلا أن تتدبر وتتأمل.. وصدق الله العظيم حيث يقول: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً {النساء:82} .
وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1902، 67883، 57844.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(2/1670)
العذاب الذي عذب الله تعالى به قوم إبراهيم
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا عذب الله قوم إبراهيم عندما ألقوه في النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل الأخبار والتاريخ أن الله تعالى عذب قوم إبراهيم بالبعوض فأرسله إلى النمرود وجنوده فأهلكتهم.
جاء في البداية والنهاية لابن كثير بعد ذكر قصة إبراهيم وخروجه من النار ومناظرته مع النمرود: قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكا يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه ثم دعاه الثانية فأبى ثم الثالثة فأبى وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس وأرسل الله عليهم ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاما بادية ودخلت واحدة منها في منخري الملك فمكثت في منخري الملك أربعمائة سنة عذبه الله بها فكان يضرب برأسه بالمرازب في هذه المدة حتى أهلكه الله بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1429(2/1671)
هل الشجرة التي نهي عنها آدم لا زالت في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشجرة التي نهى الله سبحانه أبانا عن الأكل منها موجودة في الجنة حالياً، أو بمعنى أصح لمن سيدخل الجنة برحمة الله، جعلنا الله وإياكم من أهل الفردوس الأعلى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في التفسير والبداية أن الشجرة التي نهي آدم عن الأكل منها هي شجرة الخلد، وذكر رحمه الله أن هذه الشجرة قد تكون هي الشجرة المذكورة في الحديث: أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها شجرة الخلد. وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والدارمي، وقال الشيخ حسين أسد في تحقيق سنن الدارمي إسناده صحيح.
وإذا كانت الشجرة المذكورة في القرآن هي نفس الشجرة المذكورة في الحديث فإنها موجودة حالياً ولا يحرم على أهل الجنة في الآخرة أن يستفيدوا منها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرها ليرغب الناس بها في العمل لدخول الجنة وليس في الجنة شيء محرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1429(2/1672)
مسائل حول قصة موسى في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لسورة الأعراف الآيات التي تبدأ برقم: 140 قصة موسى عليه السلام تابعت في التلفزيون شيخ يفسر أريد أن أسأل عن بعض الأشياء قد قالها هل هي صحيحة أم لا: 1- هل أعطى الله موسى الألواح يوم عرفة عشية عيد النحر؟ هل توجد أحاديث تثبت ذلك وهل كان أصلا يوجد حج أيام موسى عليه السلام؟
2-هل نفخ جبريل الروح في العجل الذي صنعه قوم موسى عندما رأوه عجلا ذهبا فيه الروح عبدوه أم كان جسدا فقط هل قال أحد من المفسرين أنه نفخ فيه الروح؟
3-الآية 143 من سورة الأعراف لماذا قال موسى عليه السلام وأنا أول المؤمنين أليس كان قبله مؤمنون مثل أبي الأنبياء إبراهيم وأيضا السبعون رجلا من قوم موسى الذين اختارهم.
4-كيف استلم موسى الألواح هل وجدها عند الجبل أم سلمها له ملك؟ وهل جبريل الذي سلمه إياها؟ أي أن السؤال عن الصورة التي تسلم بها موسى الألواح؟
5-كيف يقول هارون لموسى إن القوم استضعفوني بينما في سورة أخرى سنجعل لكما سلطانا أو ما معناه أن الله أيد موسى عليه السلام بهارون ووعده بالنصر أو التأييد فكيف يقول هارون إن القوم استضعفونى؟
6-ما معنى سقط في أيديهم (آية 149)
7-آية 154 أخذ الألواح وفى نسختها هدى هل يوجد فرق بين الألواح ونسختها؟ وما سبب الرجفة في آية 155؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على نص حديث مرفوع في تاريخ أخذ موسى للألواح، ولكنه قال ابن كثير في البداية: قال جماعة من السلف منهم ابن عباس ومسروق ومجاهد الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة بكماله وأتمت أربعين ليلة بعشر ذي الحجة فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر. انتهى.
ثم إنه لا علاقة بين مكان عرفة وبين ميقات موسى، فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن المواعدة كانت عند جبل الطور، روي ذلك عن ابن عباس وأبي العالية كما نقله القرطبي والبغوي والألوسي، وأما الحج أيام موسى فقد كان موجودا ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي الأزرق، فقال: أي واد هذا؟ فقالوا هذا وادي الأزرق، قال: كأني انظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية، ثم أتى على ثنية هرشى، فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: ثنية هرشى، قال: كأني انظر إلى يونس بن متى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف خطام ناقته خلية وهو يلبي. رواه مسلم.
وأما جبريل فلم ينفخ الروح في العجل، وإنما ذكر المفسرون أن السامري صنعه من الذهب الذي جمعه بنو إسرائيل، وقذف فيه قبضة من التراب الذي أخذه من موضع حافر فرس جبريل، وقذفه في جوفه فصار له خوار كخوار العجل الحقيقي، وقيل إنه صار عجلا حقيقيا من لحم ودم، لقول الله تعالى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ {طه:88}
وقد ذكر ابن كثير في البداية: أنه رأى فرس جبريل وكلما وطئت بحوافرها على موضع اخضر وأعشب، فأخذ قبضة من أثر حافرها فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان. انتهى.
وقد ذكر البغوي: أنه رأى مواضع قدم الفرس تخضر في الحال فقال إن لهذا شأناً فأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبرائيل وألقي في روعه أنه إذا ألقى في شيء غيره، ثم ألقاها على الذهب فخرج عجلاً من ذهب مرصعاً بالجواهر كأحسن ما يكون، وخار خورة. انتهى بتصرف.
وأما قوله: وأنا أول المؤمنين، فقد قال ابن كثير في التفسير: وأنا أول المؤمنين قال ابن عباس ومجاهد من بني إسرائيل واختاره ابن جرير وفي رواية أخرى عن ابن عباس: وأنا أول المؤمنين، أنه لا يراك أحد وكذا قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون ولكن يقول أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة، وهذا قول حسن له اتجاه. انتهى.
وأما قوله: سقط في أيديهم: فمعناه ندموا على ما صنعوا، كذا قال ابن كثير في التفسير.
وأما قوله وفي نسختها: فقد قال البغوي في التفسير: وفي نسختها اختلفوا فيه، قيل أراد بها الألواح، لأنها نسخت من اللوح المحفوظ وقيل: إن موسى لما ألقى الألواح تكسرت فنسخ منها نسخة أخرى فهو المراد من قوله: وفي نسختها. وقيل: أراد: وفيما نسخ منها.انتهى.
وأما كيفية استلام الألواح فلم نجد فيها نصا سوى ما في القرآن من ذكر الله أنه كتبها له وأمره بأخذها كما في قوله تعالى: وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها. قال الأستاذ سيد قطب في الظلال: وتختلف الروايات والمفسرون في شأن هذه الألواح؛ ويصفها بعضهم أوصافا مفصلة - نحسب أنها منقولة عن الإسرائيليات التي تسربت إلى التفسير - ولا نجد في هذا كله شيئا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنكتفي بالوقوف عند النص القرآني الصادق لا نتعداه. .. أما ما هي وكيف كتبت فلا يعنينا هذا في شيء بما أنه لم يرد عنها من النصوص الصحيحة شيء. والمهم هو ما في هذه الألواح. إن فيها من كل شيء يختص بموضوع الرسالة وغايتها من بيان الله وشريعته والتوجيهات المطلوبة لإصلاح حال هذه الأمة وطبيعتها التي أفسدها الذل وطول الأمد سواء. انتهى.
وقد روي الطبري عن أبي العالية في تفسير قوله: وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة، قال: يعني ذا القعدة وعشرًا من ذي الحجة. وذلك حين خفف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون، فمكث على الطور أربعين ليلة، وأنزل عليه التوراة في الألواح. انتهى.
وأما قول هارون استضعفوني فلا يناقض قوله ونجعل لكما سلطاناً لأن معنى سلطان حجة قاهرة كما قال ابن كثير في التفسير: وقد وعدهما الله بهذا في شأن فرعون فلا يناقضه تمرد القوم على هارون ولا تهديدهم له فالله حافظه وناصره فمعنى استضعفوني كما قال ابن عاشور في تفسيره: حسبوني ضعيفا لا ناصر لي، لأنهم تمالؤوا على عبادة العجل ولم يخالفهم إلا هارون في شرذمة قليلة. انتهى.
وقد ذكر الشيخ الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: أن بني إسرائيل أمرهم هارون باتباعه في توحيد الله تعالى، وأن يطيعوه في ذلك فصارحوه بالتمرد والعصيان والديمومة على الكفر حتى يرجع موسى. وهذا يدل على أنه بلغ معهم غاية جهده وطاقته، وأنهم استضعفوه وتمردوا عليه ولم يطيعوه. وقد أوضح هذا المعنى في قوله: قال ابن آم أن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بى الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين. فقوله عنهم في خطابهم له {لن نبرح عليه عاكفين} يدل على استضعافهم له وتمردهم عليه المصرح به في الأعراف.انتهى.
وأما سبب أخذ الرجفة لهم فهي قولهم لموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة وقيل بل أخذتهم الرجفة بسبب عدم انتهائهم عن عبادة العجل، وقيل: إنهم قوم لم يرضوا بعبادة العجل ولا نهوا السامري ومن معه عن عبادته، فأخذتهم الرجفة بسبب سكوتهم كذا قال الشوكاني في تفسيره.
وللمزيد في الموضوع راجع تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والسيوطي والقرطبي.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1429(2/1673)
كم عدد قصص القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد القصص التي ذكرت بالقرآن الكريم؟
وما هما السورتان اللتان سماهما الرسول بالزهراوين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقصص التي ذكرت في القرآن الكريم لم نقف على من حصرها في عدد معين، والذي نراه أحرى بالبحث هو الحكم المستفادة من تلك القصة لا عدد القصص.
وأما السورتان اللتان سماهما الرسول صلى الله عليه وسلم بالزهراوين فهما البقرة وآل عمران كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما.... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1429(2/1674)
عدد سكان الأرض حين أهبط آدم وحواء
[السُّؤَالُ]
ـ[كم كان عدد سكان الأرض عندما خلق الله آدم وحواء وبدت لهما سوآتهما فطفقا يخصفان عليها من ورق الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصد سكان الأرض من البشر فمن المعلوم أن آدم وحواء هما أصل البشرية كلها، وبالتالي فلا يوجد بشر على وجه الأرض عند ما خلق الله تعالى آدم وحواء حتى خرجا من الجنة وهبطا إلى الأرض فلم يولد لهما مولود قبل هبوطهما إليها.
جاء في تفسير القرطبي عن تفسير قوله تعالى هو الذي خلقكم من نفس واحدة: قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم. {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حوّاء. {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} ليأنس بها ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة. ثم ابتدأ بحالة أُخرى هي في الدنيا بعد هبوطهما فقال: {فَلَماَّ تَغَشَّاهَا} كناية عن الوِقاع. {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} . انتهى.
وعليه فلا يوجد سكان بشريون على وجه الأرض في المرحلة التي ذكرتها باستثناء آدم وحواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1429(2/1675)
هل جثة فرعون تم تحنيطها إلهيا لا على يد بشر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
استشهد خطيب الجمعة بما جاء في سورة هود بأن الحق سبحانه وتعالى مخاطبا فرعون سننجيك ببدنك لتكون عبرة بأن جثة فرعون تم حفظها وتحنيطها إلهياً وليس كباقي الفراعنة على يد بشر وأن جثته ما زالت كما هي محفوظة في أحد المتاحف المصرية كمعجزة إلهية، فأفيدونا عن حقيقة هذا؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 31595. تفسير الآية المشار إليها وأنه قد ذكر في بعض الآراء والروايات التاريخية أن الفترة التي عاش فيها فرعون كانت خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وكان خروج بني إسرائيل من مصر في الثلث الأخير من ذلك القرن، وهي فترة توافق حكم رمسيس الثاني المشهور في عصرنا، وأن جثته المعروضة في أحد المتاحف المصرية الآن هي جثة فرعون لعنه الله، ويكون معنى قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {يونس:92} ، أي آية مشاهدة لمن خلفك من القرون، لكن مع ذلك لا نستطيع الجزم بهذه الرواية التاريخية فضلاً عن القول بأن هذه الجثة تم تحنيطها إلهياً وليس على يد بشر كما تذكر -فالله أعلم- وعلى أي حال فالعبرة والعظة حاصلة بغير ذلك وهو نهاية هذا الفرعون وهلاك هذا الطاغية على هذا النحو المشهود لشعبه الذين ادعى أنه ربهم وسامهم سوء العذاب، وفي خبر الله كفاية وغنى عن التوسع في ما لا علم لنا به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1429(2/1676)
قصة ناقة صالح ومصير ولدها
[السُّؤَالُ]
ـ[ {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الأعراف73
{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} الأعراف77
{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} هود64
{وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} الإسراء59
{قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} الشعراء155
{إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} القمر27
{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} الشمس13
السؤال.
هل من الممكن أن تذكروا لنا جزاكم الله خيرا قصة الناقة وماذا جرى لها وكذلك كيف كان مصيرها ومصير ابنها.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقام لا يتسع لذكر تفاصيل قصة ناقة صالح، وقد ورد في القرآن والسنة بيان حقيقة ما حصل بأوجز العبارة، ويكفي أن نذكر هنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: لا تسألوا الآيات وقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله عز وجل من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله عز وجل قيل من هو يا رسول الله هو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه.
وأما مصير ابنها فلا نعلم فيه دليلا صحيحا، ومما ذكر أهل التفسير بشأنه ما أورد القرطبي في تفسيره حيث قال: وجاء السقب وهو ولدها إلى الصخرة التي خرجت الناقة منها فرغا ثلاثا وانفجرت الصخرة فدخل فيها ويقال: إنه الدابة التي تخرج في أخر الزمان على الناس على ما يأتي بيانه في النمل، وقال ابن إسحاق: أتبع السقب أربعة نفر ممن كان عقر الناقة مصدع وأخوه ذؤاب فرماه مصدع بسهم فانتظم قلبه ثم جره برجله فألحقه بأمه. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1429(2/1677)
ذو الكفل وطالوت في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو طالوت وذو الكفل؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
طالوت ملك من ملوك بني إسرائيل قديماً، وذو الكفل نبي من أنبيائهم على الراجح مما ذكره أهل التفسير فيه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طالوت ملك من ملوك بني إسرائيل قديماً وقد ورد ذكره وقصته في القرآن الكريم في سورة البقرة من الآية 246 إلى الآية 251، وهو -كما قال أهل التفسير والأخبار-: طالوت بن قيش.. من نسل بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
وخلاصة أمره أن الله تعالى ملكه على قومه حين طلبوا من نبيهم أن يولي عليهم ملكاً منهم يقاتلوا معه في سبيل الله، وكان رجلاً من عامتهم وصاحب مهنة عادية ... ولم يكن من آبائه ملك.. فاعترضوا على توليه الملك ... فقص الله تعالى علينا قصته لنأخذ منها الدروس والعظات والعبر التي تضمنتها.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 19489.
وأما ذو الكفل فقد ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة الأنبياء الآية 85 وفي سورة ص الآية 48 مع جملة من الأنبياء، ولذلك قال بعض أهل العلم: كان نبياً من أنبياء بني إسرائيل، وأنه تكفل لملك من ملوكهم العصاة ... أنه إن تاب ورجع دخل الجنة وقيل غير ذلك.
وللمزيد انظر الفتوى رقم: 1655.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(2/1678)
الأمر بذبح إسماعيل هل كان قبل الأمر ببناء الكعبة أم بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أمْر الله لإبراهيم عليه السلام ببناء البيت الحرام قبل أمْر الله له بذبح ولده إسماعيل، بمعنى أيهما الأول؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وما الدليل النقلي على ذلك أو العقلي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر أن الأمر بالذبح هو الأول ويدل لذلك قول الله تعالى في الأمر به: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ {الصافات:102}
ومعنى بلوغ السعي مختلف فيه، وقد ذكر البغوي أنه اختلف في سنه إذ ذاك، فقيل كان ابن ثلاث عشرة سنة
وقيل كان ابن سبع سنين.
وأما الأمر بالبناء فكان بعد زواجه مرتين كما في حديث البخاري الطويل، فارجع إليه في الفتوى رقم: 80165.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1429(2/1679)
صفات قوم عاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن قوم عاد، وكيف كانت أجسامهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان عاد قوم هود عتاة أقوياء الأجسام متكبرين ومتجبرين ... عبدة للأصنام، قال ابن كثير: وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف ... باليمن بين عمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر. فهم من العرب البائدة.
وقد جاء من أخبارهم وأوصافهم في القرآن الكريم ما يدل على قوتهم وشدتهم، فمن ذلك قول الله تعالى: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ {الشعراء:128-129-130} ، وقوله تعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {فصلت:15} ، فأهلكهم الله تعالى بالريح العقيم؛ كما قال تعالى: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ {الذاريات:41-42} ، وللمزيد عنهم انظر الفتوى رقم: 57972.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(2/1680)
الملك الذي خرج في زمنه أصحاب الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو ملك سورة الكهف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا المراد من هذا السؤال
وهل يقصد السائل الملك الذي خرج في زمنه أصحاب الكهف أو الذي ظهروا في زمنه، أو يقصد الملك الذي جاء ذكره في آخر السورة وهو ذو القرنين صاحب السد؟
فقد ذكر أهل التاريخ أن أصحاب الكهف خرجوا زمن الملك برباريوس، وأنهم ظهروا زمن الملك دقيانوس
قال ابن خلدون في التاريخ ".. وتولى برباريوس.. وفي خامسة عشر من ملكه ظهر الفتية السبعة أهل الكهف الذين قاموا أيام دقيانوس ولبثوا في نومهم ثلثمائة سنة وتسع سنين كما قصه القرآن الكريم.."
وأما ذو القرنين فقال عنه ابن كثير في البداية والنهاية "..وقد اختلف في اسمه فروى الزبير بن بكار عن ابن عباس كان اسمه عبد الله بن الضحاك بن معد وقيل مصعب بن عبد الله بن قنان بن منصور بن عبد الله بن الأزد بن عون بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا بن قحطان، وقد جاء في حديث أنه كان من حمير وأمه رومية.. "
هذا، وننبه السائل الكريم إلى أنه لو كان في ذكر أسماء هؤلاء الملوك فائدة لنا لذكرهم لنا القرآن الكريم، ولكن العبر والفوائد في قصصهم.. كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ {يوسف:111} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(2/1681)
عدة بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر مع موسى
[السُّؤَالُ]
ـ[كم كان عدد بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر مع موسى هربا من ظلم فرعون (600 ألف سوى الذرية -6000 سوى الذرية-300 ألف سوى الذرية) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أنهم كانوا ستمائة ألف أو يزيدون.
قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال: وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفا.
ولا يعدون ابن عشرين لصغره، ولا ابن ستين لكبره، وإنما عدوا ما بين ذلك سوى الذرية.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: إن هؤلاء لشرذمة قليلون. قال ذكر لنا أن بني إسرائيل الذين قطع بهم موسى البحر كانوا ستمائة ألف مقاتل وعشرين ألفا فصاعدا. وأتبعهم فرعون على ألف ألف حصان.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: إن هؤلاء لشرذمة قليلون: قال: ستمائة ألف وسبعون ألفا.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي عبيدة مثله
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: إن هؤلاء لشر ذمة قليلون.
كانوا ستمائة ألف. اهـ
هذا، ومما يجدر التنبيه له أنه لا فائدة شرعية في معرفة عددهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1429(2/1682)
سبب مراودة امرأة العزيز يوسف عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السبب الرئيس الذي دعا امرأة العزيز إلى دعوة يوسف عليه السلام إلى الزنا معها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير أن امرأة العزيز كانت رائعة في الجمال، وأن زوجها كان لا يأتي النساء، فإذا انضاف هذا إلى ما جعل الله في يوسف عليه السلام من الحسن، وأنه كان - بحكم الاسترقاق لها- ملزماً بالبقاء معها في خدمتها، فإن كل هذا يعتبر أسباباً بالغة لجلب المرأة إلى الوقوع في الفاحشة، وخصوصاً إذا لم يكن لها وازع ديني.
جاء في تفسير ابن كثير: ... قال: فذكر لي -والله أعلم- أن اطفير هلك في تلك الليالي، وأن الملك الريان بن الوليد زوج يوسف امرأة اطفير راعيل، وأنها حين دخلت عليه قال لها: أليس هذا خيراً مما كنت تريدين؟ قال: فيزعمون أنها قالت: أيها الصديق لا تلمني، فإني كنت امرأة كما ترى حسناء جميلة ناعمة في ملك ودنياً، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما جعلك الله في حسنك وهيئتك على ما رأيت، فيزعمون أنه وجدها عذراء.. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1428(2/1683)
تقطيع النسوة أيديهن حين انبهرن بجمال يوسف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز القول بأن امرأة العزيز قد تنبأت بتجرؤ وإقدام النسوة على تقطيع أيديهن ولهذا أتت لكل واحدة منهن بسكين، وكيف يصل الإعجاب بجمال الإنسان وحسن مظهره إلى حد أن يفعلن بأيديهن ما فعلن؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فامرأة العزيز لم تتنبأ بتقطيع النساء أيديهن، وإنما كان ذلك منها فراسة، لما علمته من حسن يوسف، وأن النساء إذا رأينه سينشغلن عن كل شيء، وكانت قد اعتدت لهن متكئا وآتت كل واحدة منهن سكيناً، كما جاء في القرآن الكريم، قال القرطبي في تفسيره: واعتدت لهن متكئاً أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها، قال ابن جبير: في كل مجلس جام فيه عسل وأترج وسكين حاد. وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير (متكاً) مخففاً غير مهموز، والمتك هو الأترج بلغة القبط، وكذلك فسره مجاهد، روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال: المتكأ مثقلاً (هو) الطعام، والمتك مخففاً هو الأترج.. انتهى.
يعني أنها جعلتهن في هيئة يسهل معها أن يقطعن أيديهن إذا انشغلن بما عليه يوسف عليه السلام من الحسن، وكان يوسف عليه السلام قد أعطي شطر الحسن، جاء في حديث الإسراء قول النبي صلى الله عليه وسلم: ... ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطي شطر الحسن. رواه مسلم وغيره.
ولا غرابة بعد هذا أن يصل الإعجاب بجماله وحسن مظهره إلى حد أن يفعل النساء بأيديهن ما فعلن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(2/1684)
مؤمنو بني إسرائيل ليسوا كمن ضلوا تبعا لآبائهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الجمع بين الآيتين.......في الآية الأولي يتعهد الله جل جلاله أن يعذب بني إسرائيل بفعل آبائهم والثانية بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى.
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} الأعراف167
{قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} الأنعام164]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. أصل عام في عدم تعذيب أحد إلا بما كسب، وما دلت عليه ثابت في صحف إبراهيم وموسى، كما قال تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {36-38}
وأما من يعذبون من بني إسراءيل فإنما يعذبون إذا اتبعوا آباءهم في الانحراف والضلال، فإذا فسدوا سلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، وأما من استقاموا على الطاعات فإن الله يعزهم ويرفعهم كما حصل لهم في عهد سليمان، وكما حصل لمن آمن منهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم. وأما من انحرفوا فيعذبون ببختنصر أو بالمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أو بهتلر أو بعيسى ومن معه في العصر الأخير أو بغير ذلك.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 48985، 60919، 76672، 28825، 76513، 73732.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(2/1685)
سبب عدم الاستجابة لموسى حين طلب الرؤيا في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا استجاب الله لسيدنا إبراهيم ولم يستجب لسيدنا موسى عندما قال رب أرني أنظر إليك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر أن سبب عدم الاستجابة لموسى أنه طلب ما قد قضى الله أن لن يكون في الدنيا، وهو رؤية الله تعالى قبل الموت، فقد قال الله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الأنعام:103} ، وفي الحديث: إ نكم لن تروا ربكم حتى تموتوا. رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
. وفي حديث الدجال: تعلمون أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(2/1686)
هل تزوج يوسف عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيدنا يوسف تزوج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التاريخ والتفسير أن يوسف عليه السلام تزوج بعد ما خرج من السجن وتولى الوزارة لملك مصر، وكان عمره إذ ذاك ثلاثين سنة، ففي تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور: ... فقربه الملك إليه زلفى وأولاه على جميع أرض مصر وهو لقب العزيز ... وزوجه (أسنات) بنت أحد الكهنة وعمره يومئذ ثلاثون سنة. وفي قصص الأنبياء لابن كثير: وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة، وزوجه امرأة عظيمة الشأن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(2/1687)
زواج موسى من بنت الرجل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تزوج سيدنا موسى من الأختين بنتي الرجل الصالح وما أسماؤهما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي تدل عليه النصوص هو أن موسى لم يتزوج إلا واحدة من البنتين؛ وذلك لأن الرجل الصالح إنما عرض عليه الزواج بإحداهما فقط.
قال الله تعالى حكاية عنه: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ [القصص: 27] .
وجاء في التحرير والتنوير لابن عاشور: وفيه جواز عرض الرجل مولاته على من يتزوجها رغبة في صلاحه. وجعل لموسى اختيار إحداهما؛ لأنه قد عرفها، وكانت التي اختارها موسى (صفورة) وهي الصغرى كما جاء في رواية أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما اختارها دون أختها لأنها التي عرف أخلاقها باستحيائها وكلامها فكان ذلك ترجيحا لها عنده.
وأما أختها فذكر أهل التفسير أن اسمها شرفا، وقيل: ليا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1428(2/1688)
سبب عدم ذكر أم يوسف في قصته
[السُّؤَالُ]
ـ[أحبابنا في الموقع لدي سؤال حول قصة سيدنا يوسف لماذا ذكر الله سبحانه وتعالى تأسف وحالة الأب وحالته لفقدان ولده، ولم يذكر الله سبحانه وتعالى أم سيدنا يوسف رغم أن ألم الأم وخوفها على ولدها أكبر من الأب في الغالب?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير والأخبار أن أم يوسف عليه السلام تسمى راحيل قد توفيت عنه وهو صغير في نفاس شقيقه بنيامين، ولذلك لم يرد لها ذكر فيما قصه الله علينا من شأنه، وأما قوله تعالى في آخر القصة: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا {يوسف:100} ، فالمراد بذلك أبوه وخالته كذا قال غير واحد من المفسرين.
وقصص القرآن الكريم إنما تركز على الدروس والعظات والعبر التي يمكن أن تستفاد من القصة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(2/1689)
خطيب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعا
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو خطيب الأنبياء عليهم السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
خطيب الأنبياء هو شعيب عليه السلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخطيب الأنبياء هو شعيب عليه السلام، روى الحاكم بسنده عن محمد بن إسحاق قال: وشعيب بن ميكائيل النبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله نبياً فكان من خبره وخبر قومه ما ذكر الله في القرآن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره قال: ذاك خطيب الأنبياء لمراجعته قومه. سكت عنه الذهبي في التلخيص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1428(2/1690)
المكان الذي أهبط إليه آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي مكان من العالم أنزل الله سيدنا آدم عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية عدة روايات في المكان الذي نزل به آدم، فذكر عن ابن عباس أنه نزل بأرض يقال لها دحنا بين مكة والطائف، وذكر أنه روي عن الحسن والسدي أنه نزل بالهند، وذكر أنه روي عن ابن عمر أنه هبط بالصفا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1428(2/1691)
الاختلاف في اسم أم موسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم أم سيدنا موسى واسم أبيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 45878، والفتوى رقم: 39623.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1428(2/1692)
وجه طلب موسى المغفرة قبل أن يوحى إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية 16 من سورة القصص توضح أن موسى -عليه السلام- طلب المغفرة من الله لارتكابه القتل، فهل كان يعرف الله في تلك اللحظة، لأن الآية30 من نفس السورة توضح أن الله -جل وعلا- تكلم لأول مرة مع موسى-عليه السلام- بعد هذه الحادثة (القتل) أريد توضيح ذلك؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن موسى عليه الصلاة والسلام كان قد تربى مع بني إسرائيل في حضانة أمه الفاضلة وبنو إسرائيل كان عندهم العلم بالله تعالى فلا غرو أن يكون موسى عنده معرفة بالله تعالى ويسأل ربه الغفران لما قتل القبطي، ويسأل الهداية للطريق لما توجه تلقاء مدين، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 68220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1428(2/1693)
زمان أصحاب الأخدود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو اسم نبي أصحاب الأخدود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير أن أصحاب الأخدود كانوا من أتباع عيسى عليه السلام، قال القرطبي: وكانوا بنجران في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفت الرواة في حديثهم. والمعنى متقارب. ثم ذكر حديثهم في صحيح مسلم وغيره عن صهيب رضي الله عنه. وانظر نصه وتفصيل قصتهم في الفتوى رقم: 14081.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1428(2/1694)
الذي ربى موسى بن عمران وموسى السامري
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء عند بعض أهل العلم أن موسى السامري رباه جبريل عليه السلام وموسى النبي رباه فرعون هل هذا صحيح، وإن كان كذلك فكيف ربى جبريل عليه السلام السامري، ثم أليس من الأولى أن يربي جبريل عليه السلام موسى النبي، أريد توضيحا شافيا لذلك؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما موسى نبي الله فليس من شك في أنه قد تربى في بيت فرعون، وقصته وردت في مواطن كثيرة من القرآن، وجاءت في الأحاديث الصحيحة، وأما موسى السامري فلم نقف على خبر صحيح أن جبريل هو الذي رباه، وإنما ورد في كتب القصص والتاريخ أن أمه ربته بين الجبال فرباه جبريل عليه السلام، وقد قيل في هذا:
إذا لم يكن عون من الله للفتى * فقد خاب من يرجو وخاب المؤمّل
فموسى الذي رباه جبريل كافر * وموسى الذي رباه فرعون مرسل
ويقول شاعر آخر:
فموسى الذي رباه فرعون مؤمن * وموسى الذي رباه جبريل كافر
وسواء كانت تربية جبريل لموسى السامري صحيحة أم غير صحيحة، فليس في شيء من هذا ما يستغرب، لأن هداية التوفيق ليست بيد جبريل ولا غيره من المخلوقات، وإنما هي بيد الله عز وجل يجعلها كيفما شاء وأراد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1428(2/1695)
الزمن الذي راودت فيه امرأة العزيز يوسف عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان يوسف عليه السلام نبياً حين راودته امرأة العزيز عن نفسه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ظاهر كلام ابن كثير في البداية وسيد قطب في الظلال أن ما حدث من الابتلاء ليوسف عليه وعلى نبيناً الصلاة والسلام كان قبل إكرام الله له بالرسالة، ويدل لهذا وصفه في الآيات بأنه فتى أو غلام، وقد أخبر الله أنه أوتي الحكم والعلم بعد ما بلغ أشده، فقال الله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا {يوسف:22} ، وقد نص ابن عاشور في التحرير والتنوير أن الحادثة قبل النبوة، ورأى أنه أوتي النبوة بعد دخول أهله لمصر وبعد وفاة أبيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(2/1696)
الحكمة من ذكر بني إسرائيل في قصة ابني آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في كتاب ربنا " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا ... " الآية من سورة المائدة ولو عدنا للتفسير فإننا نجد أن الله كتب عليهم ذلك من أجل فعل ابن آدم من قتله أخاه فلم خص الله بني إسرائيل بذلك وهم لم يكونوا موجودين إذ ذاك؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر بعض أهل العلم حكما لذكر بني إسرائيل، منها أنهم أول من نزل عليهم كتاب فيه أحكام القتل والوعيد عليه نظرا لكثرة سفكهم للدماء وقتلهم للأنبياء، قال ابن العربي في أحكام القرآن: وإنما خص الله بني إسرائيل بالذكر للكتاب فيه عليهم لأنه ما كان ينزل قبل ذلك من الملل والشرائع كان قولا مطلقا غير مكتوب بعث الله إبراهيم فكتب له الصحف وشرع له دين الإسلام وقسم ولديه الححاز والشام فوضع الله إسماعيل بالحجاز مقدمة لمحمد صلى الله عليه وسلم وأخلاها عن الجبابرة تمهيدا له وأقر إسحاق بالشام وجاء منه يعقوب وكثرت الإسرائيلية فامتلأت الأرض بالباطل في كل فج وبغوا فبعث الله سبحانه موسى وكلمه وأيده بالآيات الباهرة وخط له التوراة بيده وأمره بالقتال ووعده النصر ووفى له بما وعده وتفرقت بنو إسرائيل بعقائدها وكتب الله جل جلاله في التوراة القصاص محددا مؤكدا مشروعا في سائر أنواع الحدود إلى سائر الشرائع من العبادات وأحكام المعاملات وقد أخبر الله في كتابنا بكثير من ذلك. أهـ.
وقال الشوكاني في فتح القدير عند تفسير هذه الآية: والمعنى أن نبأ ابني آدم هو الذي تسبب عنه الكتب المذكور على بني إسرائيل، وعلى هذا جمهور المفسرين وخص بني إسرائيل بالذكر لأن السياق في تعداد جناياتهم، ولأنهم أول أمة نزل الوعيد عليهم في قتل الأنفس، ووقع التغليظ فيهم إذ ذاك لكثرة سفكهم للدماء وقتلهم للأنبياء. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1427(2/1697)
حالة آدم عليه السلام حين نزوله على الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نزل آدم على الأرض عريانا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن آدم وحواء عليهما السلام كانا يستران عورتهما -بعد أكلهما من الشجرة- بأوراق شجر الجنة، وأنهما هبطا إلى الأرض على تلك الحالة، فقد قال الله تعالى: ... فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ {الأعراف:22} ، قال أهل التفسير: كان لباسهما نوراً عليهما فلا يرى أحدهما عورة الآخر فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوءاتهما.. فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة كهيئة الثوب.. وقيل تقلص النور الذي كان يسترهما وكان لباسا لهما فصار أظفاراً في الأيدي والأرجل فأخذا ورق التين واستترا به.
قال القرطبي: ... وفي الآية دليل على قبح كشف العورة وأن الله أوجب عليهما الستر ولذلك ابتدرا إلى سترها ... ولذلك فإن من لم يجد ما يستر به عورته إلا ورق الشجر لزمه أن يستتر بذلك كما فعل آدم في الجنة. انتهى ملخصاً من تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1427(2/1698)
السبب الذي لأجله طلب يوسف عليه السلام الولاية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف وازن نبي الله يوسف (عليه السلام) بين المصلحة والمفسدة عند تعرضه لهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد آثر يوسف عليه السلام المصلحة العامة عندما سأل العزيز أن يوليه ويجعله على خزائن الأرض.
فقد نهى الشرع عن طلب تولية الإمارة في أحاديث صحيحة في مسلم وغيره، ولكن يوسف عليه السلام وازن بين المصلحة والمفسدة لأنه علم أن لا أحد يقوم بها مقامه في العدل والإصلاح، قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: إنما طلب الولاية لأنه علم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الحقوق إلى أهلها فرأى أن ذلك فرض متعين عليه وهكذا الحكم اليوم لو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحق في القضاء أو الحسبة ولم يكن هناك من يصلح ولا يقوم مقامه لتعين ذلك عليه ووجب أن يتولاها ويسأل ذلك ويخبر بصفاته التي يستحقها به من العلم والكفاية كما قال يوسف عليه السلام.
وقال ابن العربي في الأحكام: لم يقل إني حسيب كريم.....وإنما قال: إني حفيظ عليم، سألها بالحفظ والعلم لا بالحسب والجمال، وسأل ذلك ليوصل الحقوق إلى الفقراء لا لحظ نفسه ورأى أن ذلك فرض عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(2/1699)
من الابتلاءات التي تعرض لها يوسف عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[واجه نبي الله يوسف عليه السلام كثيرا من الابتلاءات والمحن ما هي هذه الابتلاءات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الابتلاءات التي ابتلي بها يوسف حسد إخوته له وإبعادهم إياه عن أبيه، وإلقاؤهم له في البئر، وبيعه بثمن بخس، واتهامهم له بالسرقة، واستعباده بمصر، وابتلاؤه بمحنة تعلق قلب امرأة العزيز واتهامها إياه، وبقاؤه في السجن بضع سنين، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 68057، 76878، 56185، 34474.
واعلم أن الابتلاء يرفع الله به عباده درجات ولذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء كما في حديث المسند، وقد ذكر بعض أهل العلم أن الله رحيم بعباده وهو يختار لهم ما هو أصلح لهم ويعوضهم خيراً مما فاتهم، ويجزيهم على ما أصابهم، فقد رفع شأن يوسف وأخضع له إخوته وأهل مصر، ومكن له في الأرض وأعطاه السيادة فيها وأظهر له صدق رؤياه التي رآها صغيراً.
واعلم أنه قد ذكر بعض أهل العلم أن من محارم اللسان الاشتغال بذكر ما أصاب الأنبياء من الأضرار ما لم يكن في مذاكرة علم مع من يؤمن عليهم الوقوع في الخطأ في حق الأنبياء صلى الله عليهم وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1427(2/1700)
شبهات وجوابها حول سياق قصة لوط في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[بِسم الله الرحمن الرحيم
(وَلَمَا جاءَتْ رُسُلُنا لوطاً سِئ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هَذا يَوْمٌ عَصيبٌ * وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كانوا يَعْمَلونَ السَّيِئَاتِ قَال يا قَومِ هَؤلاءِ بَناتي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ ولاَ تُخْزونِ في ضَيْفي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشيدٌ * قالوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِنْ حَقٍ وإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُريدُ * قال لَو أَنَّ لي بِكُمْ قُوَّةً أَو آوي إِلى رُكْنٍ شَديدٍ * قالوا يا لوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلوا إِلَيْكَ ... ) هود 77-81 آمنت بِالله صدق الله العظيم
(فَلَمَّا جاءَ آل لوطٍ المُرْسَلونَ * قَال إنكم قَومٌ مُّنكَرون * قالوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانوا فيهِ يَمتَرونَ * وأَتَيناكَ بِالحَقِ وإنا لَصادِقون * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الَّليْلِ واتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وامْضوا حَيْثُ تُؤمَرون * وقَضَيْنا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطوعٌ مُّصْبِحينَ * وَجاءَ أَهْلُ المَدينَةِ يَسْتَبْشِرونَ * قَال إِن هَؤُلاءِ ضَيفي فَلا تَفْضَحونِ * واتَّقُوا اللهَ ولاَ تُخْزونِ * قالوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَمين * قال هَؤُلاءِ بَناتي إِن كُنتُمْ فاعِلينَ *) الحِجرِ 61-71 آمنت بِالله صدق الله العظيم
* إ ن في تسلسُل أحداث رِواية آيات سورة هود (الرِواية الأولى) علِم سيِدُنا لوط علَيهِ السلام بِأن الضِيوف هُم ملائِكة ورُسل الله تعالى، علِم ذلِك بعد أن بدأ تحرُش القَوم بِهِم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
وفي تسلسُل أحداث آيات سورة الحِجرِ (الرِواية الثانِية) علِم بِأن الضِيوف ملائِكة قبل أن يأتي القَوم إلَيهِم.
الأسئِلة:
(1) هل يوجد تعارُض بَين تسلسُل الأحداث بِرِواية الآية الكريمة الأولى ورِواية الآية الكريمة الثانِية؟
(2) في تسلسُل أحداث الرِواية الثانِية، لِماذا تصدى سيِدُنا لوط علَيهِ السلام لِلقَوم ومِن ثَم عرض بناتِهِ علَيهِم وقد علِم بِحقيقة ضَيفِهِ وأنهُم ملائِكة كِرام؟ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
(3) لِماذا قالت الملائِكة الكِرام ( ... لَن يَصِلوا إِلَيْكَ) والقَوم لم يكُن مُرادهِم الوِصول لِسيِدنا لوط علَيهِ السلام بل كان مُرادهِم الوِصول إلَيهِم هُم فكان أحرى أن يقولوا ( ... لَن يَصِلوا إلَينا) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن آية هود لا يفهم منها أنهم تحرشوا بضيوف لوط قبل علم لوط أنهم ملائكة.
وإنما المراد بقوله: وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ: ما كانوا عملوه قبل إتيان الملائك بيت لوط أو قبل إرسال لوط إلى القوم.
قال الشوكاني في تفسيره: ومن قبل كانوا يعملون السيئات، أي ومن قبل مجيء الرسل في هذا الوقت كانوا يعملون السيئات، وقيل: ومن قبل لوط كانوا يعملون السيئات، أي كانت عادتهم إتيان الرجال. اهـ
وقد تصدى لقومه قبل علمه بأن الضيوف ملائكة.
وأما قوله تعالى: لن يصلوا إليك، فهو يحتمل معنيين:
الأول: لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا الذي تخافه علينا.
الثاني: لن يصلوا إليك بالسوء الذي توعدوك به لما طمست عيونهم.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، قال مقاتل: فيه إضمار تقديره لن يصلوا إليك بسوء وذلك أنهم قالوا للوط إنا نرى معك رجالا سحروا أبصارنا فستعلم غدا ما تلقى أنت وأهلك، فقال له جبريل إنا رسل ربك لن يصلوا إليك. اهـ
وقال البيضاوي في تفسيره: قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ: لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا، فهون عليك ودعنا وإياهم، فخلاهم أن يدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم، فخرجوا يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة. اهـ
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (هود:81) .
هذا كلام الملائكة للوط عليه السلام كاشفوه بأنهم ملائكة مرسلون من الله تعالى...... وهذا الكلام الذي كلموا به لوطا عليه السلام وحي أوحاه الله إلى لوط عليه السلام بواسطة الملائكة، فإنه لما بلغ بلوط توقع أذى ضيفه مبلغ الجزع ونفاد الحيلة جاءه نصر الله على سنة الله تعالى مع رسله حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا.
وابتدأ الملائكة خطابهم لوطا عليه السلام بالتعريف بأنفسهم لتعجيل الطمأنينة إلى نفسه لأنه إذا علم أنهم ملائكة علم أنهم ما نزلوا إلا لإظهار الحق. قال تعالى: مَا نُنَزِّلُ المَلَائِكَةَ إِلَّا بِالحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ. ثم ألحقوا هذا التعريف بالبشارة بقولهم لن يصلوا إليك. وجيء بحرف تأكيد النفي للدلالة على أنهم خاطبوه بما يزيل الشك من نفسه. وقد صرف الله الكفار عن لوط عليه السلام فرجعوا من حيث أتوا، ولو أزال عن الملائكة التشكل بالأجساد البشرية فأخفاهم عن عيون الكفار لحسبوا أن لوطا عليه السلام أخفاهم فكانوا يؤذون لوطا عليه السلام. ولذلك قال له الملائكة لن يصلوا إليك ولم يقولوا لن ينالوا، لأن ذلك معلوم فإنهم لما أعلموا لوطا عليه السلام بأنهم ملائكة ما كان يشك في أن الكفار لا ينالونهم، ولكنه يخشى سورتهم أن يتهموه بأنه أخفاهم.
ووقع في التوراة أن الله أعمى أبصار المراودين لوطا عليه السلام عن ضيفه حتى قالوا: إن ضيف لوط سحرة فانصرفوا. وذلك ظاهر قوله تعالى في سورة القمر: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ. اهـ
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 72380.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1427(2/1701)
الأمر بإلقاء موسى في البحر وذبح إسماعيل هل كان وحيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قذف أم موسى لموسى في اليم هو ثمرة التوكل على الله أم هو وحي من عند الله؟
وكذلك تصديق إبراهيم للرؤيا وموافقة ابنه إسماعيل على ذبحه، هل هذا كله ثمرة التوكل على الله أم هو وحي من عند الله؟
ومامعنى التوكل على الله؟
وجزاكم الله عني خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إلقاء أم موسى له في البحر كان وحيا من الله تعالى بنص القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ {طه:38-39} ، فالقرآن الكريم صريح بأن ذلك كان بوحي من الله تعالى، ولكن أهل العلم اختلفوا في نوعية هذا الوحي، فقيل ألهمها ذلك وقيل كانت رؤيا في النوم وقيل وحي كوحي الأنبياء، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: قيل أوحينا ألهمنا وقيل أوحي إليها في النوم، وقال ابن عباس أوحى إليها كما أوحي إلى النبيين، وأما أمر إبراهيم بذبح ابنه عليهما السلام فكان بوحي من الله تعالى للابتلاء والامتحان، فقد جاءه الوحي في المنام بالأمر بذبح ابنه كما صرح بذلك القرآن الكريم: قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى {الصافات:102} وإسماعيل علم أن ذلك أمر من الله تعالى وأن رؤيا الأنبياء وحي، فأجابه بقوله: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ {الصافات:102} ، وعلى هذا فكلا الأمرين كان وحيا من الله تعالى ولحكم ظاهرة ذكرها القرآن الكريم في حديثه عن القصتين، وللمزيد من الفائدة عن قصة ذبح إ سماعيل نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 30302. وحصول الأمرين لا يتنافى مع التوكل الذي هو قوة الاعتماد على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب بل لا بد لتنفيذهما من الاعتماد على الله والتوكل عليه، وقد سبق بيان معنى التوكل وأنواعه في الفتويين: 18784 / 20101، نرجو أن تطلع عليهما للمزيد من التفصيل والفائدة وأقوال أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1427(2/1702)
نصائح إبليس لموسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي نصائح إبليس لموسى عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يريد ما ذكره السيوطي في الدر المنثور ونسبه لابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان: عن ابن عمر قال: لقي إبليس موسى فقال: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وكلمك تكليماً ... إذا تبت، وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي، قال موسى: نعم، فدعا موسى ربه فقيل: يا موسى قد قضيت حاجتك، فلقي موسى إبليس، قال: قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك، فاستكبر وغضب وقال: لم أسجد له حياً أسجد له ميتاً ... ؟ ثم قال إبليس: يا موسى إن لك علي حقاً بما شفعت لي إلى ربك، فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن: اذكرني حين تغضب فإني أجري منك مجرى الدم، واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره ولده وزوجته حتى يولي، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها.
وقد ذكر هذه القصة ابن عساكر بسنده في تاريخ دمشق، كما ذكرها الغزالي في الأحياء وابن الجوزي في تلبيس إبليس، فقد حذره من ثلاث مسائل هي: الغضب، والتولي يوم الزحف، والخلوة بالأجنبية، وهذه المسائل ورد التحذير منها عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1427(2/1703)
وجه إخفاء يوسف أمره عن إخوته حين جاءوا إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤال يتعلق بقصة سيدنا يوسف عليه السلام. عندما أظهره الله وبين براءته وولاه خزائن مصر وجاء إخوته إلى مصر ليميروا أهلهم، أخفى سيدنا يوسف شخصيته ولم يبين لهم من هو، وطلب منهم أن يحضروا أخاه كما نعلم باقي القصة. فلم قام سيدنا يوسف بهذا العمل مع ما سبب لأبيه من حزن ولإخوته من تعب ونصب، ولم لم يعرفهم بنفسه حين جاءوه أول مرة ويوفرعليهم وعلى أبيه كل هذه المشقة؟
جزاكم الله كل خير لسعة صدوركم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن فعل يوسف عليه السلام ذلك وتصرفه مع إخوته كان لحكمة ومصلحة تعود إليه وإلى والده وإخوته وأهليهم، وقد ذكر أهل التفسير لذلك بعض الحكم، فقال بعضهم: إن ذلك كان بأمر الله تعالى ليزيد في بلاء يعقوب وصبره لطول مدة فقد يوسف وغياب ابنين من أبنائه بعد ذلك، ويقوي هذا القول ما جاء في تفسير القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أعطي يعقوب على يوسف أجر مائة شهيد لصبره، وقيل لم يظهر نفسه في البداية وفعل ما فعل مع إخوته خشية أن يدبروا في أمره تدبيرا، أو يكتموا أمره عن أبيه فاحتال بتلك التصرفات للفت الانتباه وترتيب أموره حتى إذا علم أبوه بخبره تكون الأمور قد مهدت لاستقدامه مع أهله.
وقال ابن عاشور في التحرير: وإنما لم يكاشفهم يوسف عليه السلام بحاله وبأمرهم بجلب أبيهم يومئذ إما لأنه خشي إن هو تركهم إلى اختيارهم أن يكيدوا له ولأخيه بنيامين، وإما لأنه قد كان بين القبط وبين الكنعانيين في تلك الفترة عداوات فخاف إن هو جلب عشيرته إلى مصر أن تتطرق إليه وإليهم ظنون السوء من ملك مصر فتريث إلى أن يجد فرصة لذلك، وكان الملك قد أحسن إليه فلم يكن من الوفاء له أن يفعل ما يكرهه أو يسيء ظنه.
ولذلك تريث حتى يرتب الأمور لاستقدام أهله جميعا، وقد قيل في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة، وأيضا استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فكان من المناسب ألا يستعجل يوسف عليه السلام بكشف أمره لأنه يريد استقدام أهله جميعا إلى مصر بصورة مشرفة كما حصل فعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1427(2/1704)
قصة يونس في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الآيات القرآنية تسمى بالقصص القرآني ومن هذه الآيات أو القصص قصة سيدنا يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حين التقمه الحوت، كم المدة التي عاشها النبي يونس (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) في بطن الحوت، وكيف كانت عيشته في بطن الحوت، وكيف كان يأكل ويشرب، وما هي الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة يونس بن متى عليه وعلى نبينا أزكى الصلوات وأتم التسليم ذكرها الله تعالى في محكم كتابه بقوله: وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ {الأنبياء:87} ، وفي قوله: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ* فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ* وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ* فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ {الصافات} ، وأشار إليها في قوله أيضاً: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ {القلم:48} .
فهذه هي قصة يونس عليه السلام كما صورها القرآن، وفيما ذكر تحصل العبرة والبيان والتطلع إلى ما وراءه مما لا ينبغي من معرفة جميع تفاصيل القصة وجميع جزئياتها مما لا يفيدنا في ديننا أو دنيانا، فالاشتغال بما يفيد وتعلم ما ينفع أولى.
وأما ما سألت عنه من مدة لبثه في بطن الحوت وطعامه وشرابه ونحو ذلك من حركاته، فلم نقف على خبر من كتاب أو سنة به فيما اطلعنا عليه غير ما ذكره ابن كثير في تفسيره عن مدة لبثه في بطن الحوت عن سعيد بن أبي الحسن البصري قال: مكث في بطن الحوت أربعين يوماً. رواه ابن جرير، وقال البغوي في تفسيره: فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة. وقال عطاء: سبعة أيام. وقيل: ثلاثة أيام. وقال أبو السعود: قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات كان فيها في بطنه وقيل بعد ثلاثة أيام. وقال الألوسي: قذفه إلى الساحل بعد ساعات. قال الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية. وعن قتادة أنه بقي في بطنه ثلاثة أيام وهو الذي زعمته اليهود. وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أنه بقي سبعة أيام. وهذه جملة من الأقوال مما ذكر في مدة لبثه ولم نقف لها على دليل من كتاب أو سنة فيما اطلعنا عليه ولا على خبر بطعامه وشرابه، والأولى كما ذكرنا سابقاً أن يعرض المرء عن مثل ذلك ويشتغل بما ينفعه فيتفقه في دين الله ليكون ممن أراد الله بهم خيراً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1427(2/1705)
تكرار قصة موسى عليه السلام في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يقول الله تعالى في القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام في أكثر من طريقة، أي جواب فرعون كان مختلفا في كل مرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيرجى مراجعة الجواب في الفتوى رقم: 41664، والفتوى رقم: 1902، والفتوى رقم: 67883.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1427(2/1706)
خفاء موت سليمان على الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما مات سيدنا سليمان أين كان أولاده وأهله وخدمه وحاشيته لأن ما دلهم على موته غير دابة الأرض تأكل منسأته، فأين كان هؤلاء كلهم عندما مات؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قص الله تعالى علينا خبر وفاة سليمان وخفاء موته على الجن ليعلم الناس عدم اطلاعهم على الغيب، ولم يذكر المدة التي جلسوا يعملون فيها بعد موته، ولم يذكر حال أهله هل علموا أم لم يعلموا؟ وقد ذكر أصحاب التفسير قصصا كثيرة في ذلك، منها أنه كان يتبتل فترة يخلو فيها بنفسه ويتزود لها فلا يدخل عليه أحد وصادف موته تلك الفترة، قال البغوي: قال أهل العلم: كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل من ذلك أو أكثر يدخل فيه طعامه وشرابه فأدخله في المرة التي مات فيها.
وذكر ذلك الطبري أيضا وابن كثير وغيرهما، وذكر القرطبي رواية أخرى فقال: وقيل: كان رؤساء الجن سبعة وكانوا منقادين لسليمان عليه السلام وكان داود عليه السلام أسس بيت المقدس فلما مات أوصى إلى سليمان في إتمام مسجد بيت المقدس فأمر سليمان الجن به فلما دنا وفاته قال لأهله: لا تخبروهم بموتي حتى يتموا بناء المسجد وكان بقي لإتمامه سنة.." قال أبو جعفر النحاس وهذا أحسن ما قيل في الآية ويدل على صحته الحديث المرفوع (وفيه) قول سليمان: اللهم عم عن الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب..انتهى منه بتصرف.
وقال الطاهر بن عاشور إن تلك المدة لم تطل كثيرا فقال في التحرير والتنوير: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ) إلى آخره. لا شك أن ذلك لم يطل وقته لأن مثله في عظمة ملكه لا بد أن يفتقده أتباعه.
وحسبنا أن نؤمن ونصدق بما أخبر القرآن به من تعمية موت سليمان عليه السلام لكشف أمر الجن للناس وعدم اطلاعهم على الغيب، والحجة في ذلك تقوم بساعة فأكثر، وقد قامت عليهم سواء أكان مكث أسبوعا أو شهرا أو حولا، وعمي حاله على أهله لنفس العلة إما بما ذكر من تحنثه وتزوده لذلك فلا يدخل عليه أحد أو بطلبه من أهله ألا يكشفوا خبره أو غير ذلك بما ذكر من القصص..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(2/1707)
أسرار عدم تكرر سورة يوسف كغيرها من القصص
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ذكرت قصة سيدنا يوسف في سورة يوسف فقط. مع أن قصص الأنبياء موجودة في أكثر من سورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قص الله تعالى في كتابه على نبيه قصص الأنبياء قبله وبين حكمته في ذلك بقوله: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ {يوسف:111}
وقد كرر الله تعالى في كتابه قصص بعضهم وأفرد بعضا، ومن ذلك قصة يوسف عليه السلام فذكرها جملة واحدة في سورة واحدة، وفصلها أحسن تفصيل، وبينها أكمل بيان، وفي ذلك إعجاز وتحد.
قال القرطبي في تفسيره: قال العلماء: وذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد في وجوه مختلفة بألفاظ متباينة على درجات البلاغة، وقد ذكر قصة يوسف ولم يكررها فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرر ولا على معارضة غير المتكرر.
وهذا وجه لعدم التكرار، وربما يكون منه أيضا مجيئها مفصلة في مكان واحد وقد افتتحها بقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ {يوسف:3} . قال البغوي: وقيل: المراد منه: قصة يوسف عليه السلام خاصة سماها أحسن القصص لما فيها من العبر والحكم والنكت والفوائد التي تصلح للدين والدنيا من سير الملوك والمماليك والعلماء ومكر النساء والصبر على أذى الأعداء وحسن التجاوز عنهم بعد الالتقاء وغير ذلك من الفوائد.
قال خالد بن معدان: سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة. وقال ابن عطاء: لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها.
قال الألوسي: ووجه أحسنيتها اشتمالها على حاسد ومحسود، ومالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وخصب وجدب، وذنب وعفو، وفراق ووصال، وسقم وصحة، ورحل وارتحال، وذل وعز.. قيل: ولكونها بتلك المثابة من الحسن تتوفر الدواعي إلى نقلها ولذا لم تتكرر كغيرها من القصص. وقيل: سبب ذلك ما تضمنته من افتتان امرأة ونسوة بأحد من أبدع الناس جمالا ويناسب ذلك عدم التكرار لما فيه من الإغضاء والستر.. وقال الأستاذ أبو إسحاق: إنما كرر الله تعالى قصص الأنبياء وساق هذه القصة مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب، كأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لهم: إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص، وهو وجه حسن إلا أنه يبقي على أن تخصيص سورة يوسف لذلك يحتاج إلى بيان، فإن سوق قصة آدم عليه السلام مثلا مساقا واحدا يتضمن الإشارة إلى ذلك أيضا بعين ما ذكر. وقال الجلال السيوطي: ظهر لي وجه في سوقها كذلك وهو أنها نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم، فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من الاستيعاب وترويح النفس بالإحاطة. انتهى من روح المعاني بتصرف يسير
وهذا بعض ما أجيب به عن عدم تكرار تلك القصة، وللاستزادة انظر كتب التفسير وقصص الأنبياء.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1427(2/1708)
مهنة أنبياء الله هود وإسماعيل ولوط عليهم السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مهنة كل من الأنبياء عليهم السلام:
1- هود.
2- إسماعيل.
3- لوط.
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمهنة هؤلاء وغيرهم من أنبياء الله ورسله هي عبادة الله سبحانه وتعالى وتوحيده ودعوة الناس إلى ذلك.هذه هي هي مهنتهم ومهمتهم الأساسية، ولهم مهن دنيوية منها رعي الغنم ومنها الصيد، وقد بينا طرفا من ذلك في الفتوى رقم: 54512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1427(2/1709)
سبق علم الله تعالى بأن آدم سيهبط إلى الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) ، هل معنى ذلك أن سيدنا آدم سوف ينزل إلى الأرض حتى ولو لم يعص الله، فأرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في علم الله تعالى الأزلي أن آدم عليه السلام سوف يمر بالمراحل التي مر بها من السكنى في الجنة والأكل من الشجرة والهبوط إلى الأرض والاستقرار فيها، ولذلك أخبر الله تعالى الملائكة بما سيؤول إليه أمره بقوله تعالى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ... {البقرة:30} ، فإحاطة علم الله تعالى بكل شيء هي أول مراتب القدر الذي يجب الإيمان به والذي هو الركن السادس من أركان الإيمان، ولا بد أن يقع ما سبق في علم الله تعالى أنه واقع، ومعصية آدم أو أكله من الشجرة وخ د اع إبليس فيها حكم كثيرة ذكرها أهل التفسير، نرجو أن تطلع عليها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7281، 14678، 60360 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1427(2/1710)
قصة أصحاب الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي قصة أصحاب الجنة في سورة القلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة أصحاب الجنة هي كما ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة القلم بقوله: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ.. إلى آخر الآيات 16 ــ 33 من سورة القلم، وللوقوف على تفسيرها انظر الرابط التالي على موقعنا:
http://www.islamweb.net/ver2/archive/showayatafseer.php?SwraNo=68&TafseerNo=1&ayaNo=17
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1427(2/1711)
قصة أصحاب الرس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي قصة أصحاب الرس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصحاب الرس قوم من الأقوام الذين كذبوا رسولهم وأهلكهم الله سبحانه وتعالى كما يدل عليه القرآن. قال تعالى: وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا {الفرقان: 38-39} والتتبير: الهلاك.
وقال تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ {ق: 12-14} فأصحاب الرس كذبوا وحق عليهم الوعيد فأهلكوا.
وقد اختلف العلماء في تعيينهم فقال بعضهم: هم أصحاب الأخدود المذكورون في سورة البروج، وهذا اختيار ابن جرير. وقال عكرمة: هم أصحاب يس المذكورون في سورة يس، واستظهر ابن كثير أنهم غيرهم واستبعد اختيار ابن جرير.
وروي عن ابن عباس أنهم أهل قرية من قرى ثمود. وروي عنه أيضا: الرس بئر بأذربيجان وسموا أصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في البئر، أي قتلوه ودفنوه في البئر على ما قاله عكرمة.
وللمزيد من المعلومات عن قصتهم بإمكان الأخ السائل الرجوع إلى كتاب قصص الأنبياء للإمام ابن كثير، فإنه أفرد جزءا من الكتاب في ذكر قصتهم وأقوال العلماء والمفسرين فيهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1427(2/1712)
تحقيق المقال في أمر ذي القرنين
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية وبعد
من هو ذو القرنين, هل هو من الأنبياء أو من رجال الله، أو من يكون وفي أي زمان ومكان
لأنه مذكور في سوره الكهف 83-91 وأيضا قول منسوب إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (سمع رجل ينادى: يا ذا القرنين ... فقال عمر: أفرغتم من أسماء الأنبياء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة ... ,
أرجو إجابتي على الاستفسار.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خبر ذي القرنين لم يصح فيه غير ما ذكره الله تعالى في كتابه وقصه علينا من خبره في سورة الكهف في قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا {الكهف: 83-84) ..إلخ قصته) وفي ذلك غنية وبغية، وأما ما أفاض فيه أهل التفسير والتاريخ في خبره فإنه مما يستأنس به ولا يمكن القطع بشيء منه، ومن ذلك ما ذكره البغوي في تفسيره ملخصا لما ذكره غيره فقال: واختلفوا في نبوته: فقال بعضهم: كان نبياً. وقال أبو الطفيل: سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين أكان نبياً أم ملكاً؟ قال: لم يكن نبياً ولا ملكاً، ولكن كان عبداً أحب الله وأحبه الله، ناصح الله فناصحه الله.... والأكثرون على أنه كان ملكاً عادلاً صالحاً. وذكر القرطبي في قول أنه كان على عهد إبراهيم أوقبله بقليل ونقل عن محمد ابن إسحاق قال: حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذي القرنين أن ذا القرنين كان من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح قال ابن هشام: واسمه الإسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه. كما ذكر القرطبي أيضا القول المنسوب إلى عمر: تسميتم بأسماء النبيين فلم ترضوا حتى تسميتم بأسماء الملائكة، ونقل مثله عن علي ولم يحكم عليه، ولو صح لاحتمل أن من الملائكة من اسمه ذو القرنين لا أن ذا القرنين المذكور في القرآن ملك من الملائكة، وكما ذكرنا سابقا فإنه لم يصح في خبر ذي القرنين شيء يعتمد عليه لا في نسبه أو عهده غير ما جاء في كتاب الله تعالى، ولا ينبغي للمرء أن يتكلف طلب غير ذلك فيفني وقته وجهده فيما لا ينفعه في دنياه أو أخراه.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1427(2/1713)
قصة لوط عليه السلام في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نصا عن قصة سيدنا لوط هل لديكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة لوط عليه الصلاة والسلام مبسوطة في آيات كثيرة من القرآن الكريم وملخصها كما يلى وذلك أن لوطا عليه الصلاة والسلام لما دعا قومه إلى عبادة الله وحده لاشريك له ونهاهم عن تعاطى ما ذكر الله عنهم من الفواحش لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما نهوا عنه، بل استمروا على حالهم، ولم يرعووا عن غيهم وضلالهم وهموا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم، حيث كان جوابهم لدعوة لوط وموعظته: أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ {النمل 56} فجعلوا غاية المدح ذما يقتضى الإخراج وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عنه من ارتكاب الطامة العظمى والفاحشة الكبرى التى لم يسبقهم إليها أحد من العالمين؛ ولهذا صاروا عبرة للمعتبرين وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق ويخونون الرفيق ويأتون فى ناديهم ـ وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم ـ المنكر من الأقوال والأفعال على اختلاف أصنافه، وربما وقعت منهم الفعلة الشنيعة فى المحافل فلا يستنكفون ولا يرعون لوعظ واعظ ولانصيحة من عاقل، وكانوا فى ذلك وغيره كالأنعام بل هم أضل سبيلا، ولم يقلعوا عما كانوا عليه فى الحاضر، ولا ندموا على ما سلف من الماضي، ولاراموا فى المستقبل تحويلا، فأخذهم الله أخذا وبيلا، ومن جملة ما خاطبوا به لوطا قولهم: ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ {العنكبوت: 29} فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم فسأل من رب العالمين أن ينصره على القوم المفسدين، فأجاب الله دعوته، وبعث رسله الكرام وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم وبشروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاءوا له من الأمر الجسيم والخطب العميم وقد حكى الله عنه أنه خاطبهم قائلا: قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ {الذاريات: 31-34} فلما حان وقت هلاكهم عمهم الله بالفناء والدمار حيث قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ {هود: 82-83} وللتفصيل راجع كتب التفسير فى سورة الأعراف وهود والحجر وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1427(2/1714)
عدة أصحاب الكهف في كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[خمسة وسادسهم كلبهم، سبعة وثامنهم كلبهم ... السؤال هو: ما هو الهدف الذي لم يعلمنا الله سبحانه وتعالى عن العدد الحقيقي مع أن الهدف الرئيسي هو إخفاؤهم من بطش الروم، لأن الروم في هذه الأيام من عبدة الأصنام؟ ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما يتعلق بهذا السؤال فقد علمنا عدد أهل الكهف بأسلوب أديب بليغ، مع الإشارة إلى أنه لا طائل من وراء معرفة عددهم، قال ابن كثير في تفسيره: فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته. إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فقال في مثل هذا (قل ربي أعلم بعدتهم) ..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1427(2/1715)
أصحاب القرية الذين جاءهم المرسلون
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى فى سورة يس الآية (13) (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية........) ... الآيات-
1- من هم أصحاب القرية؟
2- ما هي القرية؟
3- من هم المرسلون؟ الثلاثة (اثنين ثم ثالث)
4- ما هي المدينة التي جاء ذكرها بعد ذلك؟
5- من هو الرجل الذى جاء يسعى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلفت أقوال المفسرين في أسماء أولئك الرسل واسم القرية التي أرسلوا إليها، ونسوق لك أقوالهم في ذلك لتقف بنفسك عليها قال الطبري (يقول تعالى ذكره: ومثل يا محمد لمشركي قومك مثلاً أصحاب القرية ذكر أنها أنطاكية {إذ جاءها المرسلون} اختلف أهل العلم في هؤلاء الرسل وفيمن كان أرسلهم إلى أصحاب القرية فقال بعضهم كانوا رسل عيسى بن مريم وعيسى الذي أرسلهم إليهم، وهذا قول قتادة، وساق بسنده إلى ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وعن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه قال: كان بمدينة أنطاكية فرعون من الفراعنة يقال له أبطيحس ابن أبطيحس يعبد الأصنام صاحب شرك فبعث الله المرسلين وهم ثلاثة: صادق ومصدوق وسلوم) وقال ابن كثير (وهكذا روي عن بريدة بن الحصيب وعكرمة وقتادة والزهري أنها أنطاكية وقد استشكل بعض الأئمة كونها أنطاكية) وقال القرطبي (هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين فما ذكر الماروردي نسبت إلى أهل أنطيخس وهو اسم الذي بناها ثم غير لما عرب ذكر السهيلي ويقال فيها: أنتاكية بالتاء بدل الطاء وكان بها فرعون يقال له أنطيخس يعبد الأصنام ذكر المهدوي وحكاه أبو جعفر النحاس عن كعب ووهب فأرسل الله إليه ثلاثة: وهم صادق وصدوق وشلوم هو الثالث هذا قول الطبري وقال غيره: شمعون ويوحنا وحكى النقاش: سمعان ويحيى ولم يذكر صادقا ولا صدوقا)
وأما المدينة التي جاء منها الرجل فهي نفس المدينة وكان في طرفها قال القرطبي (هو حبيب بن مري وكان نجاراً وقيل: أسكافا وقيل: قصارا وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: هو حبيب بن إسرائيل النجار وكان ينحت الأصنام وهو ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما ولم يؤمن بنبي أحد إلا بعد ظهوره قال وهب: وكان حبيب مجذوما ومنزله عند أقصى باب من أبواب المدينة.. فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم فـ {قال يا قوم اتبعوا المرسلين} الآية وقال قتادة: كان يعبد الله في غار فلما سمع بخبر المرسلين جاء يسعى فقال للمرسلين: أتطلبون على ما جئتم به أجرا؟ قالوا: لا ما أجرنا إلا على الله قال أبو العالية: فاعتقد صدقهم وآمن) هذا مجمل ما ذكر من الأقوال فيما سألت عنه من شأن القرية وأهلها والمرسلين.
وننبهك أيها السائل الكريم إلى أن الله سبحانه وتعالى قد بين في محكم كتابه من القصص وأحداثها ما تقوم به العظة والعبرة وأعرض عما لا يفيد السامع والقارئ شيئا، وهكذا كان منهج السنة أيضاً في عرض القصص لأن ذكر التفاصيل كلها بأسماء الأشخاص والبلدان والأنساب وغيرها لا طائل منه ولهذا أعرض القرآن عنه صفحا، ومعرفة ذلك تحتاج إلى نقل صحيح والكتاب والسنة قد أعرضا عن نقله فلم يبق سوى القصص الإسرائيلية ولا يمكن القطع بشيء مما ورد فيها لتحريفها وانقطاع أسانيدها واضطراب رواياتها ولهذا اختلفت أقوال من نقل عنها كما بينا، ولعدم الحاجة إلى هذا ولا ذاك فإننا ننصحك أخي السائل الكريم ألا تشغل وقتك الثمين بالبحث عنه واستقصاء الأخبار فيه فلو كان مما ينفع المرء لبينه الله سبحانه وتعالى في كتابه وقطع الشك فيه باليقين ولبينه رسوله صلى الله عليه وسلم فليكتف المسلم العاقل بما بينا وليقطع النظر عما عنه أعرضنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(2/1716)
التسعة الذين عقروا الناقة وهموا بقتل صالح
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم تسعة رهط وما أسماؤهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ {النمل: 48} وقد فسر ابن كثير هذه الآية معرفاً بهؤلاء التسعة وبأعمالهم وذاكراً أسماءهم بقوله: يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورؤوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلال والكفر وتكذيب صالح وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة وهموا بقتل صالح أيضاً بأن يبيتوه في أهله ليلاً فيقتلوه غيلة ثم يقولون لأوليائه من أقربيه: إنهم ما علموا بشيء من أمره وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به من أنهم لم يشاهدوا ذلك فقال تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ أي مدينة ثمود: تِسْعَةُ رَهْطٍ أي تسعة نفر: يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود لأنهم كانوا كبراءهم ورؤساءهم قال العوفي عن ابن عباس: هؤلاء هم الذين عقروا الناقة أي الذين صدر ذلك عن رأيهم ومشورتهم قبحهم الله ولعنهم وقد فعل ذلك، وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس: كان أسماء هؤلاء التسعة: دعمى، ودعيم، وهرما، وهريم، وداب، وصواب، ورياب، ومسطع، وقدار بن س الف عاقر الناقة أي الذي باشر ذلك بيده قال تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ {القمر: 29} وقال تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا. {الشمس: 12} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1426(2/1717)
دخول إبليس في الأمر للملائكة بالسجود لآدم
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أريد أن أعرف لماذا الله سبحانه وتعالى قد خص الملائكة بالسجود وإبليس كان من الجن، فكيف كان توجيه السؤال له؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالسجود لآدم لم يكن خاصاً بالملائكة بل كان موجهاً لإبليس أيضاً، بدليل قوله تعالى: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {الأعراف:12} ، وقال ابن كثير في تفسيره: والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم، دخل إبليس في خطابهم لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم، فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الأمر. وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الارقام التالية: 26059، 68139، 26445.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(2/1718)
سبب ذكر قوم عاد مع قوم ثمود في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يأتي في القرآن الكريم ذكر عاد وثمود مقترنين غالباَ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما يمكن ذكره هنا معنى لكثرة ذكر عاد وثمود معا في كتاب الله تعالى ما ذكره الثعالبي في تفسيره قال: وخص عادا وثمودا بالذكر لوقوف قريش على بلادها في اليمن وفي الحجر في طريق الشام. وكذا قال ابن الجوزي في الوجيز: وإنما خص القبيلتين لأن قريشا يمرون على قرى القوم في أسفارهم. فديار القبيلتين وآثارهما بمكان واحد وهو قريب من قريش فكان التذكير بهما معا للاتعاظ والاعتبار ولمشاهدة آثارهما الدالة على بطشهما وقوتهما، وأن ذلك لم يمنعهما من بطش الله وعقوبته.فلا ينبغي أن تغتر قريش ولا غيرها بالقوة والكثرة وللاستزادة نرجو مراجعة الفتويين: 1902، 60212.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1426(2/1719)
هل أسرى لوط بامرأته مع سائر أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الجمع بين القراءتين الصحيحتين في سورة هود (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) حيث وردت كلمة (امرأتك) بالرفع وبالنصب, مما يوهم بأن هناك تعارضا بينهما, حيث على الرواية الأولى أن امرأة نبي الله لوط عليه السلام لم تخرج معه, أما على الرواية الثانية فقد خرجت معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير الخلاف في المسألة فحمل القراءتين على القولين فقال: وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أي إذا سمعت ما نزل بهم ولا تهولنكم تلك الأصوات المزعجة ولكن استمروا ذاهبين إِلَّا امْرَأَتَكَ قال الأكثرون هو استثناء من المثبت وهو قوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ تقديره: إلا امرأتك، وكذلك قرأها ابن مسعود ونصب هؤلاء امْرَأَتَكَ لأنه مثبت فوجب نصبه عندهم، وقال آخرون من القراء والنحاة: هو استثناء من قوله: وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ فجوزوا الرفع والنصب.
وذكر هؤلاء أنها خرجت معهم وأنها لما سمعت الوجبة التفتت وقالت: وا قوماه فجاءها حجر من السماء فقتلها.
وقد ذكر أبو شامة في شرح الشاطبية توجيها حسنا فذكر أن قوله تعالى: وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ. قر ئ برفع امرأتك ونصبها، فقال جماعة من أئمة العربية إنه مستثنى من قوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ. ليكون مستثنى من موجب وهذا فيه إشكال من جهة المعنى إذ يلزم من استثنائه من فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ أن لا يكون أسرى بها وإذا لم يسر بها كيف يقال: وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ على قراءة الرفع فكيف تؤمر بالالتفات وقد أمر أن لا يسري بها فهي لما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا فيجوز أن يكون هو لم يسر بها ولكنها تبعتهم والتفتت فأصابها ما أصاب قومها والذي يظهر لي أن الاستثناء على القراءتين منقطع لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات ولكن استؤنف الإخبار عنها بمعنى لكن امرأتك يجري لها كيت وكيت والدليل على صحة هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر وليس فيها استثناء أصلا فقال تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ. فلم تقع العناية إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى، فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(2/1720)
المرأة التي سمع الله شكواها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مسلمة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المرأة هي خولة بنت ثعلبة، وراجع في قصتها الفتوى رقم: 16680.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(2/1721)
الأنبياء في سورة الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[كم نبياً ذكر في سورة الأنبياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر في سورة الأنبياء أربعة عشر نبياً، وهم: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وداود، وسليمان، وأيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذو الكفل، وذو النون، وزكريا، وعيسى ابن مريم عليهم السلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1426(2/1722)
ديانة أصحاب الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما ديانة أهل الكهف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصحاب الكهف هم شباب مؤمنون موحدون لله تعالى، يدل على ذلك قوله تعالى: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {الكهف: 13}
وقوله تبارك وتعالى: إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا {الكهف: 14}
وكان قومهم مشركين فاعتزلوهم بسبب شركهم قال تعالى على لسان أصحاب الكهف: هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا {الكهف: 15 ــ 16}
وقد وردت تفاصيل أخرى عن دينهم ليس عليها دليل من الكتاب أو السنة، ومن أراد التوسع أكثر فليرجع إلى كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1426(2/1723)
التلفظ بالنية والحكمة من اختيار الغراب في قصة ابني آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[نسيت التلفظ بالنية في الغسل أو الوضوء فهل تصح صلاتي وصيامي؟
ذكر الله تعالى الغراب \" فبعث الله غرابا ... \" في صورة المائدة من دون الطيور الأخرى فلماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتلفظ بالنية في العبادات سواء كانت غسلاً أو وضوءا غير مطلوب على الراجح، وبالتالي فإن غسلك ووضوءك وصومك كلها أمور صحيحة لا يؤثر عليها عدم التلفظ بالنية وارجع الفتوى رقم: 11235، والفتوى رقم: 7075. والحكمة من تخصيص الغراب في الآية التي ذكرت نبه عليها ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير قائلاً: وكأن اختيار الغراب لهذا العمل إما لأن الدفن حيلة في الغراب من قبل، وإما لأن الله اختاره لذلك لمناسبة ما يعتري الناظر إلى سواد لونه من الانقباض بما للأسيف الخاسر من انقباض النفس. ولعل هذا هو الأصل في تشاؤم العرب بالغراب فقالوا غراب البين. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1426(2/1724)
حياء المرأة في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الآية التي ذكر فيها حياء المرأة، وما هو رقمها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يريد ما جاء في قصة موسى عليه السلام، عندما ورد ماء مدين وسقى لابنتي الرجل الصالح فأرسل إليه إحداهما تدعوه للحضور عنده، فقد جاء في ذلك قول الله تعالى: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا {القصص:25} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1426(2/1725)
أسباب تغييرالألفاظ في قصة موسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[موقف سيدنا موسى مع الله عز وجل
سورةالنمل- سئاتيكم منها بخبر أوآتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون
سورة طة- لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى
سورة القصص- لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار-- الموقف واحد فما هى أسباب تغيير الألفاظ
من آية إلى أخرى جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد الجانب المشار إليه من قصة موسى عليه السلام في عدة سور من سور القرآن الكريم منها سورة طه، وسورة النمل، وسورة القصص، فما أجمل في بعضها يأتي مفصلاً في الأخرى، وما أهمل من موضع يذكر في آخر، وكل ذلك لتقرير أهمية قصة هذا النبي العظيم وما تضمنته من الدروس والعظات والعبر.
ومن أسباب تغيير الألفاظ مع القصة واحدة هو التشويق كما قال أهل العلم، وبيان إعجاز القرآن الكريم وتفننه في العبارات والبلاغة التي تحدى بها البلغاء والفصحاء وخاصة في عصر نزوله.
وقد سبق بيان بعض الحكم من تكرار القصص في القرآن الكريم وقصة موسى خاصة في الفتويين: 1902، 41664. نرجو الاطلاع عليهما للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1426(2/1726)
هل السامري هو المسيح الدجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إفادتي بمعنى السامري الذي ورد ذكره في سورة (طه) وما هي قصته؟ وهل هو المسيح الدجال؟
شاكرين لكم حسن تعاونكم.
... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن فصلنا القول في معنى الآيات المتعلقة بقصة السامري من سورة طه في الفتوى رقم: 19910.
وللمزيد من الفائدة حول قصة السامري راجع الفتاوى التالية: 36124، 36213، 41655.
ومن خلال هذه الفتاوى تعرف أن السامري ليس هو المسيح الدجال، بل هو رجل من قوم موسى وقيل من غيرهم، وما سبق من الإحالات فيها تفصيل أكثر عن التعريف بالسامري فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1426(2/1727)
عمر إبراهيم حين ولادة إسماعيل
[السُّؤَالُ]
ـ[كم كان عمر سيدنا إبراهيم الخليل عندما ولد سيدنا إسماعيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عمر إبراهيم عليه السلام عندما ولد ابنه إسماعيل كان ستا وثمانين سنة على ما ذكره أهل الأخبار والتفسير.
قال ابن كثير في قصص الأنبياء عن هاجر: وولدته ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة، وأوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة فخر ساجدا لله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(2/1728)
خوف موسى من فرعون
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا خاف موسى عليه السلام من فرعون عند قتله للقبطي والحال أن موسى عليه السلام كان من خاصة فرعون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر يفيد أن موسى عليه السلام كان من خاصة فرعون، وإنما المعروف في القصص أن امرأة فرعون هي التي كانت تحب موسى عليه السلام حبا فائقا، وأن فرعون قد هم ذات مرة بقتله بإشارة من بعض حاشيته، وصرفه الله عن ذلك. أخرج النسائي في سننه الكبرى وغيره من حديث سعيد بن جبير قال: ... قالت [يعني امرأة فرعون] لآتين فرعون فلينحلنه وليكرمنه فلما دخلت به عليه جعله في حجره فتناول موسى لحية فرعون فمدها إلى الأرض، قال الغواة من أعداء الله لفرعون: ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه إنه زعم أن يربك ويعلوك ويصرعك. فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه، وذلك من الفتون ... فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت: ما بدا لك في هذا الغلام الذي وهبته لي؟ فقال: ألا ترينه إنه يزعم سيصرعني ويعلوني قالت اجعل بيني وبينك أمرا يعرف فيه الحق، ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه فإن بطش باللؤلؤ واجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين علمت أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل. فقرب ذلك إليه فتناول الجمرتين فنزعوهما منه مخافة أن يحرقا يديه. فقالت المرأة: ألا ترى فصرفه الله عنه بعد ما كان قد هم به.
وسبب خوف موسى عليه السلام من فرعون أنه أخبر أن فرعون وملأه يريدون قتله عقوبة على قتله للقبطي. قال الله تعالى: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ {القصص: 20-21} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(2/1729)
معجزات عيسى هي دلائل على صدق نبوته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما غاية الله من خلق عيسى بكلمة كن وما الهدف من الأعاجيب التي وهبها له، وهل تعاليم الله تتغير مع كل زمان، وهل العمل الذي قام به عيسى يعيب الله والبشارة التي بشر بها باطلة، أما الرسل الذين أرسلهم من اجل البشارة هم أيضا قاموا بالأعاجيب التي تدل على وجود الله الحي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا الكلام على خلق عيسى بكلمة كن في الفتوى رقم: 49232، والفتوى رقم: 30506.
وأما المعجزات التي أظهرها الله على يديه مثل إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وغير ذلك، فهي دلائل صدق عيسى عليه الصلاة والسلام في رسالته وتكذيب لما اتهمه به يهود من الافتراءات.
وأما تعاليم الله وتغيرها مع الزمان، فلتعلم أن ما يحدث في الزمان كله من خلق الله، وأن التعاليم الربانية من شرع الله، والله حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه، فهو يفعل ما يشاء في خلقه ويشرع لهم ما هو أصلح لهم في كل زمان، فقد يبقي بعض التعاليم السابقة في شرع النبي السابق وقد يغير بعضها ولا معقب لحكمه.
فقد جاء عيسى عليه الصلاة والسلام بتشريع يوافق كثيراً مما في التوراة وينسخ بعض ما فيها ويحل بعض ما كان محرما في شرع موسى، فالحاصل أن شرع الله صالح لكل زمان وإذا نسخ الله بعض ما شرع سابقاً فيجب اتباع أمر الله في كل حال.
وأما العمل الذي قام به عيسى عليه الصلاة والسلام فإنا لا ندري عن أيه تسأل ولا عن أيه يظن به العيب، ولكن يجب علينا جميعاً أن نعتقد أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان رسولاً من أولي العزم وكان معصوماً ولم نعلم أنه صدر منه أي خطأ.
ويدل لذلك أن بعض الأنبياء اعتذروا عن الشفاعة ببعض الأعذار وأن عيسى عليه الصلاة والسلام لم يذكر ذنباً، كما في حديث الصحيحين وهو مذكور في الفتوى رقم: 31592.
وأما البشارة التي بشر بها فإن كنت تعني البشارة بنبوة محمد رسول الله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فهي صحيحة وقد شهد بها القرآن الكريم وهي موجودة في التوراة والإنجيل، وقد نقلنا بعض كلام عدة أناجيل في ذلك، كما ذكرنا بطلان الديانة النصرانية سابقاً في عدة فتاوى، فراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8210، 10326، 27986، 53029، 62105، 12746.
هذا ويتعين على الجميع أن يعتقد عصمة الأنبياء ولا يصغي لما اتهمهم به اليهود ومن تابعهم من الأغبياء، فإن اليهود قوم بهت كما قاله الحبر الخير عبد الله بن سلام عنهم فيما رواه البخاري عنه.
وإن من أعجب الأعاجيب ما انطلى على النصارى من أوهام اليهود وأكاذيبهم فإنهم يعتقدون صدقهم في كونهم قتلوا المسيح وصلبوه ومع ذلك يخدمونهم وينصرونهم ويعتقد كثير صدق أكاذيب بولس ومن تابعه في بُنوة عيسى لله تعالى، تعالى الله أن يكون له ولد، ومع ذلك يقرون دعوى اليهود أنهم قتلوه فهل يرون أن اليهود غلبوا الله أم أنهم سعوا في رضاه بقتل عيسى أم ماذا، ولله در القائل:
عجبا للمسيح بين النصارى * وإلى أي والد نسبوه
أسلموه إلى اليهود وقالوا * إنهم بعد قتله صلبوه
فإذا كان ما يقولون حقا * وصحيحا فأين كان أبوه
حين خلى ابنه رهين الأعادي * أتراهم أرضوه أم أغضبوه
فلئن كان راضيا بأذاهم * فاحمدوهم لأنهم قتلوه
ولئن كان ساخطا فاتركوه * واعبدوهم لأنهم غلبوه
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(2/1730)
فداء إسماعيل هل هو نفس قربان هابيل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القربان الذي قدمه هابيل هو نفسه الذي افتدي به سيدنا إسماعيل؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير عند قول الله تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {الصافات: 107} .
أن الله تعالى فدى إسماعيل بكبش أقرن قد رعي في الجنة أربعين خريفاً، وقد ذكروا أنه الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل الله منه فكان مخزوناً حتى فدي به ابن إبراهيم.
وقال بعضهم كان الذي فدي به ابن إبراهيم وعلا، وقيل كان تيساً وقيل غير ذلك، تجد هذه الروايات وغيرها في تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(2/1731)
سبب عدم اتصال يوسف بأهله طوال بعده عنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال بادر ذهني هذه الأيام وهو أنّ سيدنا يوسف عليه السلام، كما نعلم أنه ابتعد عن أهله عندما بلغ من العمر 12 سنة، ولم يتصل بأهله إلا عندما بلغ من العمر 40 سنة، فلماذا لم يبحث عن عائلته طوال هذه المدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل ذلك راجع إلى أنه عليه السلام لم يكن يملك حريته فهو في بداية أمره كان عبداً مملوكاً كما حكى لنا القرآن الكريم: وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ* وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ {يوسف:19-20} ، وكان بعد ذلك في السجن إلى أن خرج منه مباشرة إلى قصر الملك، أضف إلى ذلك صعوبة التنقل وعدم وجود وسائل اتصال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1426(2/1732)
ذكر الشيء في القرآن ليس دليلا على حماية الله له
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
هل من الممكن القول أن الله تعالى سيحمي المسجد الحرام كما أنه تعالى سيحمي المسجد ألأقصى من الزوال لوجود ذكرهم في القرآن في معجزة الإسراء (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى هو القوي الغالب الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، وهو الفعال لما يريد، يرفع ضر من يشاء بما يشاء كما فعل بأصحاب الفيل، ويسلط من يشاء من عباده على من يشاء بسبب المعاصي كما حصل لبني إسرائيل لما أفسدوا فسلط عليه بختنصر.
ولا يمكن القول بأن ذكر الشيء في القرآن يؤدي لحمايته إلا إذا وجد دليل بحمايته.
فقد ذكر في القرآن البيت الحرام، وعندنا خبر صادق أنه سيعتدى عليه وينقض حجرا حجرا في آخر الزمن يقيادة ذي السويقتين من الحبشة، وفي حديث البخاري: كأني أنظر إليه أسود أفحج ينقضها حجرا حجرا يعني الكعبة.
وانظر الفتاوى التالية: 33473، 6164، 21784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1426(2/1733)
أول من يكسى يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد فى مسند الإمام أحمد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن إبراهيم أول الناس يكسى يوم القيامة، فلماذا أعطي الخليل هذا الفضل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرت قد أخرجه البخاري وأحمد وغيرهما وهو صحيح، ولعل السائل الكريم إنما يسأل عن السبب الذي أعطي له إبراهيم -عليه السلام- هذه الفضيلة، ولم يجد ذلك نبينا -صلى الله عليه وسلم- مع أنه أفضل.
وقد أجاب عن ذلك أهل العلم، قال ابن حجر العسقلاني في الفتح: ويقال: إن الحكمة في خصوصية إبراهيم بذلك لكونه ألقي في النار عرياناً. وقيل: لأنه أول من لبس السراويل. ولا يلزم من خصوصيته عليه السلام بذلك تفضيله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن المفضول قد يمتاز بشيء يخص به ولا يلزم منه الفضيلة المطلقة، ويمكن أن يقال: لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على القول بأن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1426(2/1734)
هل ولد لعيسى ابن مريم أولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لعيسي ابن مريم أولاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف بعد البحث والتقصى على ما يفيد أن عيسى عليه السلام قد ولد له ولا ما يفيد أنه تزوج أصلا. وإن كان قد بلغ سن الزواج لأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة على ما رجحه كثير من أهل العلم لكنه لم يذكر عنه عليه السلام أنه تزوج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1426(2/1735)
نبذة عن لقمان الحكيم
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد الأخوة البنجلاديش1:أين ولد لقمان الحكيم وأين دفن؟ 2:هل هنالك شجرة بأسمه وأين هي؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدمت الإجابة عن هذا السؤال في الفتوى رقم 62304.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1426(2/1736)
شجرة لقمان الحكيم
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد الأخوة البنجلاديش عن:1: لقمان الحكيم أين ولد وأين دفن؟ 2:هل هنالك شجرة باسمه وأين هي الآن؟ 3:وهل هذه الشجره لها شكل معين غير شكل الشجر الذي نعرفه؟
... ... ... وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف لقمان الحكيم كان عبدا من عباد الله الصالحين، أعطاه الله تعالى الحكمة كما جاء في كتاب الله عز وجل وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والراجح عند أهل العلم أنه عبد صالح. وقال بعضهم: كان نبيا. وقد قص الله تعالى علينا طرفا من شأنه في القرآن الكريم وبه تسمى سورة من سوره، قال ابن كثير في البداية والنهاية بعد ما ذكر ما ورد في شأنه من القرآن الكريم ... قال: هو لقمان بن عنقاء بن سدون، ويقال: لقمان بن ثاران ... وكان نوبيا من أهل الصلاح، ذا عبادة وعبارة وحكمة عظيمة، ويقال: كان قاضيا في زمن داود عليه السلام فالله أعلم، ثم قال: وعن عكرمة عن ابن عباس أنه كان عبدا حبشيا نجارا من سودان مصر، ثم قال: والمشهور عن الجمهور: أنه كان حكيما وليا ولم يكن نبيا، وقد ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم وأثنى عليه وحكى من كلامه.اهـ ولم نقف على مكان ولادته ولا أين دفن ولا متى كان ذلك إلا ما جاء أنه كان في زمن داود عليه السلام كما ذكر ابن كثير وغيره. ولم نقف في أخباره على ذكر للشجرة المذكورة في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1426(2/1737)
دفع إيهام التعارض في قصة يونس
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد عن سيدنا يونس عليه السلام في سورة القلم الآية (49) قوله تعالى: {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}
وفي سورة الصافات (143-145) : {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} .
والسؤال: يرجى حل التناقض بنفي نبذه عليه السلام بالعراء بالآية الأولى وإثباته بكلمة (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) بالآية الثانية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بين الآيتين الكريمتين تناقض، ففي تفسير القرطبي: (قال في هذه السورة: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وقال في نون والقلم: لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ {القلم: 49} والجواب: أن الله عز وجل أخبر هاهنا أنه نبذه بالعراء وهو غير مذموم، ولولا رحمة الله عز وجل لنبذ بالعراء وهو مذموم، قاله النحاس) . ومثل هذا الكلام عند البغوي وغيره.
والخلاصة أن النفي في سورة القلم ينصب على الحالة التي لم تذكر في سورة الصافات، وهي كونه مذموما مبعدا من كل خير. فظهر منها أن النبذ بالعراء واقع، وأن الذم لم يقع بفضل الله تعالى ومنته.
وأخيرا ننبه السائل أن القرآن الكريم ليس فيه تعارض ولا تناقض، فهو كلام حكيم عليم، وإنما قد نتوهم نحن لضيق صدورنا وعجزنا عن ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(2/1738)
وسوسة الشيطان لآدم وحواء
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اعرف: من هو السبب في طرد آدم وحواء من الجنة, هل هو آدم أم حواء؟
شكرا جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سبب هبوط آدم وحواء عليهما السلام من الجنة هو مخالفتهما لأمر الله تعالى حيث نهاهما عن الأكل من الشجرة، ولكن يقول بعض المفسرين إن الشيطان وسوس لحواء أولا حتى أقنعها بالأكل من الشجرة فأكلت منها فلم يحدث لها شيء فقالت لآدم كل منها فإني أكلت منها فلم تضرني، فأكل منها آدم، فعند ذلك بدت لهما سوءاتهما وحصلا في حكم الذنب فأمرهما الله تعالى بالخروج من الجنة والهبوط إلى الأرض.
جاء ذلك في تفسير القرطبي وغيره، ولكن ليس على ذلك دليل من جهة الوحي فيما نعلم.
وعلى ذلك، فسبب خروجهما من الجنة هو المخالفة التي كان سببها وسوسة الشيطان لهما.
ولتعلمي أن ما جرى لآدم وحواء هو من تقدير الله تعالى لتنفذ حكمته بإعمار الأرض بذريتهما.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتويين 38539، 28220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1426(2/1739)
نبوة الخضر والسلام عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما نتكلم عن سيدنا الخضر نرد تحية الإسلام حيث إنه يقول السلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتبين لنا المقصود من قولك نرد تحية الإسلام حيث إنه يقول السلام، وعلى كل حال، فقد اختلف العلماء في حياة الخضر والراجح أنه ميت كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 26689 فليرجع إليها.
أما إن كنت تقصدين السلام عليه عند ذكره كباقي الأنبياء فقد اختلف العلماء في نبوته، والصحيح أنه نبي، فينبغي أن نصلي عليه فنقول الخضر عليه السلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1426(2/1740)
إحياء عيسى الموتى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هنالك نبي قام بإحياء خمس وثلاثين إنسانا على فترات خلال وجوده.
أفيدوني جزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الوحي أن من معجزات نبي الله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إحياء الموتى بإذن الله تعالى. وقد عد الله تعالى تلك المعجزة في المعجزات والنعم التي امتن بها على عيسى، فقال: وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي {المائدة: 110} . ولكنا لم نطلع على ما يفيد أنه أحيا خمسة وثلاثين إنسانا، وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور، والبغوي في التفسير والقرطبي في التفسير أنه أحيا أربعة أنفس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1426(2/1741)
أنبياء الله تعالى هم أكمل الناس خلقا وخلقا
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزهون عن العيوب سواء الخَلقية أو الخُلقية، ونحن نقرأ قوله تعالى على لسان فرعون: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) ، والآية فيها إشارة إلى أن سيدنا موسى عليه السلام كان لديه مشكلة في النطق, فكيف نوفق بين هذا وأن الأنبياء والرسل لا عيوب فيهم، وأيضا سيدنا أيوب عليه السلام مرض مرضه الذي عزله عن الناس، وكما أعلم أن الناس كانوا ينفرون من مرضه، فكيف ذلك والأنبياء لا يوجد فيهم ما ينفّر الناس منهم, عليهم جميعا وعلى رسولنا الصلاة والسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أنبياء الله تعالى هم أفضل الناس وأشرفهم وأكملهم خلقا وخلقا ... وأصدقهم لهجة خصهم الله تعالى بفضائل لا يلحقهم فيها أحد، كما قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {الحج:75} ، وقال تعالى: وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ {ص:47} ، وقد عصمهم الله تعالى من كبائر الذنوب قطعاً، ومن صغائرها على قول بعض أهل العلم.
وهم بطبيعتهم بشر يجري عليهم من الأعراض البشرية ما يجري على غيرهم كالجوع والعطش والمرض العادي الذي لا يؤدي إلى نقص أو تنفير منهم ومن دعوتهم.
والآية التي ذكر السائل عن موسى هي من قول خصمه اللدود فرعون عليه لعنة الله، قال أهل التفسير بقصد فرعون بالمهين أن موسى لا ملك له ولا سلطان ويعرض بنفسه أنه هو صاحب ذلك وبقوله: ولا يكاد يبين، ما كان عليه موسى في بداية أمره عندما تناول جمرة ووضعها في فمه وهو صغير فأصابت لسانه بعقدة أو ثقل وقد سأل موسى ربه أن يزيل عنه هذه العقدة فاستجاب له، كما قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي.... {طه} ، فاستجاب الله تعالى دعاءه بقوله: قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى {طه:36} .
قال ابن كثير في التفسير: وقوله (ولا يكاد يبين) افتراء أيضاً فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة فقد سأل الله عز وجل أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قوله (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) .
وأما ما أصاب أيوب من الضر في بدنه فلم يكن بالصفة المنفرة التي يصوره بها القصاص والأخباريون الذين نقلوا ذلك من الإسرائيليات وأهل الكتاب، ونحن نكتفي في مثل هذه الأمور بما جاء في نصوص الوحي أو ما صح به النقل.
وفي قصة أيوب يقول الله تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ {الأنبياء:83-84} ، وفي الآية الأخرى: وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ* وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ {ص:41-42-43} ، وفي تفسير التحرير والتنوير يقول العلامة ابن عاشور: ولأهل القصص في قصة أيوب مبالغات لا تليق بمقام النبوة.
ووقوع الأمراض والإصابات في الأنبياء من حكمه التسلي لأتباعهم، كما قال تعالى في قصة أيوب: (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) ، (وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ) ، وعلمك أن الأمراض التي حدثت للأنبياء كانت منفرة ليس من طريق نصوص الوحي ولا من النقول الصحيحة، وإنما هو من القصص والإسرائيليات التي لا تستند إلى دليل علمي ولهذا فلا يلتفت إليها، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 48422، والفتوى رقم: 54814.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1426(2/1742)
قوم عاد مساكنهم وأطوالهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف من هم قوم عاد وكيف كانوا يعيشون، ولماذا الله غضب عليهم، وكم كان طولهم تقريباً؟ وشكراً سلفا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال ابن كثير في البداية والنهاية: إن قوم عاد كانوا من العرب وكانوا يسكنون بالأحقاف بين حضرموت وعمان، وكانوا يعيشون تحت الخيام ذوات الأعمدة الضخام، كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ.
وذكر أنهم هم أول من عبد الأصنام بعد نوح عليه السلام فأرسل الله لهم هوداً عليه السلام فكذبوه واستكبروا في الأرض بغير الحق فأهلكهم الله بالريح وهذا هو سبب غضب الله عليهم.
وأما طولهم فإنهم كانوا أطول من أبناء جنسهم كما يدل له قوله تعالى: أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الأعراف:69} ، وقد ذكر القرطبي والبغوي وابن الجوزي في تفاسيرهم حكاية عن بعض السلف أنه كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا، وراجعي الفتوى رقم: 57972.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1426(2/1743)
الذبيح هل هو إسماعيل أم إسحاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الدليل بالتفصيل على أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق، مع ذكر المراجع لو سمحتم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في هذا الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26532، 40594، 54063.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1426(2/1744)
علم الله آدم أصول اللغات كلها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تم تغيير اللهجات واللغات من وقت سيدنا آدم إلى العصر الحالي مع العلم أن في بادئ الأمر كان سيدنا آدم يتكلم لغة واحدة ثم الآن اختلفت اللغات؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الراجح من أقوال أهل العلم أن الله سبحانه وتعالى علم نبيه آدم عليه السلام أصول جميع اللغات، فتحدث بها آدم عليه السلام مع أبنائه وعلمهم هذه اللغات، ومع انتشارهم وكثرتهم وتفرقهم اختلفت لغاتهم ولهجاتهم، فكان آدم يعرف تلك اللغات جميعا لمعرفته بأصولها، وهذا بناء على أن اللغات توقيفية، أي علمت عن طريق الوحي.
وذهب بعضهم إلى أن اللغات اصطلاحية، فكل قوم أو جيل يصطلحون على وضع ألفاظ يتفاهمون بها، وكلمات يسمون بها الأشياء.
واستدل القائلون بالقول الأول بقول الله تبارك وتعالى: وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا {البقرة: 31} . كما استدل القائلون بالقول الثاني بقول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ {إبراهيم: 4} . على أن اللغة سابقة على بعثة الأنبياء إلى قومهم في مبحث طويل تجده في أصول الفقه، أشار له العلامة سيدي عبد الله الشنقيطي في ألفية الأصول بقوله:
واللغة الرب لها قد وضعا * وعزوها للاصطلاح سمعا
فالحاصل أن قول الجمهور- وهو الراجح- هو أن الله تعالى علم آدم عليه السلام أصول اللغات فتفرقت في أبنائه بعد تفرقهم وانتشارهم.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 3554.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1425(2/1745)
السور التي ذكرت فيها قصة نوح عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً ووفقكم في أعمالكم أودّ ان أطلب منكم أن تمدوني بالسور التي ذكر فيها الله عزّ جلاله قصّة سيدنا نوح عليه السّلام وهل صحيح أنّ عدد حروف سورة نوح 950 حرفا؟
مع الشكر الجزيل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت قصة نوح عليه الصلاة والسلام وقومه في عدة سور، وهي الأعراف ويونس وهود والمؤمنون والعنكبوت والشعراء والصافات والقمر والحديد والتحريم ونوح.
كما وردت الإشارة إلى نوح وقومه في معرض حديث عن الأنبياء في سور أخرى، وأما عدد حروف السورة فيرجع فيه إلى كتب التفسير، أو الكتب التي اعتنت بعدِّ كلمات القرآن الكريم وحروفه ... إلخ.
ولو جعلت اهتمامك منصباً على حفظها أو تلاوتها والتدبر في معانيها لكان خيراً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. رواه الترمذي وغيره، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1425(2/1746)
قصة هود عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[قصة سيدنا هود عليه السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت قصة هود عليه السلام في عدد من سور القرآن الكريم بأساليب مختلفة، وخلاصتها: أن عادا الأولى هم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، وأول أمة أهلكها الله تعالى بذنوبهم وشركهم بعد أمة نوح عليه السلام، ولهذا يأتي ذكرهم في القرآن بعد ذكر قصة قوم نوح مباشرة في عدة سور من كتاب الله تعالى، كما في الأعراف في قوله تعالى: وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ {الأعراف:69} ، وفي سورة المؤمنون، في قوله تعالى: ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ {المؤمنون:31} ، وكذلك في الشعراء.
وكانت عاد قوم هود عتاة أقوياء متمردين عبدة للأصنام ... فأرسل الله تعالى إليهم أخاهم هوداً يأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له ويرغبهم في طاعته واستغفاره ويعدهم على ذلك بخيري الدنيا والآخرة ... ويتوعدهم على مخالفته بالعقوبة في الدنيا والآخرة، فكذبوه وردوا عليه بما أجمله القرآن الكريم في قول الله تعالى: قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {الأعراف:66} ، فأرسل الله تعالى عليهم العذاب بالريح العقيم، قال الله تعالى: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ {الذاريات:41-42} ، وكان هود عليه السلام قد اعتزلهم في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين فلم يصبهم من تلك الريح إلا نسيم العليل الذي تلين به الجلود وتلذ به النفوس، وكانت عاد بين عمان وحضرموت في مكان يقال له الأحقاف من بلاد اليمن.
وهود عليه السلام هو: هود بن شالح بن أر فخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، ويقال هو: ابن عبد الله ابن رباح الجارود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وهو أحد الأنبياء الخمسة من العرب الذين ذكروا في القرآن الكريم وهم بالإضافة إليه صالح وشعيب وإسماعيل ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ويقال إن قبره باليمن وقيل إنه بالشام في دمشق، ويمكنك أن تطلع على قصة هود بالتفصيل في قصص الأنبياء لابن كثير وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1425(2/1747)
ما نقل في القرآن من أقوال حق وصدق لا زيادة فيه ولا نقص
[السُّؤَالُ]
ـ[في القرآن الكريم عندما الله يذكر لنا ما قاله الكفار أو الجن مثلا، هل يذكر لنا الجملة كما هم قالوها أم بأسلوب آخر لكي يتناسق مع القرآن الكريم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما جاء في القرآن من أخبار أو نقل عن السابقين أو اللاحقين من أقوال فإنه حق وصدق لا زيادة فيه ولا نقص - سواء نقل إلينا عن أهل الإيمان أو أهل الكفر أو عن العرب أو العجم أو الإنس أو الجن أو الطير والوحوش، فكل ذلك صدق وعدل لا تبديل فيه ولا تحريف ولا زيادة ولا نقص؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ومن أصدق من الله حديثاً. وقال تعالى ومن أصدق من الله قيلاً.
وقال تعالى: وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم. فهو صدق في الأخبار عدل في الأحكام.
ومن المعلوم أن بعض من نقل عنهم القرآن الكريم الأخبار ونسب لهم الأقوال ليسوا بعرب، ولكنه جاء في القرآن الكريم بألفاظ عربية ذلك لأن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، ولكن المعنى هو هو لم يزد ولم ينقص.
قال القرطبي في التفسير: فقد قص الله تعالى في القرآن الكريم من أنباء ما قد سبق ونقلها من ألسنتهم إلى اللسان العربي.
والقرآن الكريم يقص علينا هذه القصص بأسلوبه الرفيع وبيانه البديع من غير زيادة ولا نقص ولا تحريف، والمعنى هو المعنى والألفاظ ونسقها من عند الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1425(2/1748)
موسى وعيسى والمسيح الدجال وموقف المسلمين منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف قصة سيدنا عيسى وموسى وهل فعلا سيظهر شخص اسمه المسيح الدجال وكيف سيكون موقف المسلمين منه وكيف يتغلبون عليه؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن موسى وعيسى عليهما السلام من أنبياء الله تعالى الكرام، ومن رسله العظام، فهما من أولي العزم من الرسل الذين هم: نوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى موسى وعيسى، ومن الأنبياء الذين ما زالت لهم آثار قائمة على البشرية.
وقد سبق أن كتبنا نبذة مختصرة عن حياتهما نرجو الرجوع إليها في الفتويين التاليتين: 6073، 27784.
وللتوسع والتفصيل نرجو الرجوع إلى تاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير.
وأما خروج المسيح الدجال في آخر الزمان، فإنه من عقيدة المسلم، فقد أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وموقف المسلمين منه موقف العداء والحرب، فهو أعظم فتنة تظهر في آخر الزمان، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ومن فتنته، وسينزل عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فيقاتله مع المسلمين، فينتصرون عليه، ويقتله عيسى عليه السلام.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 10491، 32491.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1425(2/1749)
من القصص القرآني
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما قال موسى لسحرة فرعون (ويلكم) هل قال له جبريل إن الله تعالى يقول لك إن هؤلاء أوليائي وأحبابي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على نص من الوحي يفيد هذا، وقد ذكر القرطبي في التفسير أن موسى لما قال: للسحرة ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب قال له جبريل: ترفق بأولياء الله. ولم يسند القرطبي هذا الكلام، ويحتمل أن يكون من أخبار بني إسرائيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(2/1750)
لا غرابة من حلف أشقياء ثمود بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة النمل الأية 48-49 كيف يقسم أشقياء ثمود بالله وهم كفار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكفار قد يكون عندهم شيء من الإيمان بالله، وخاصة بمواضيع الربوبية، فقد كانوا يقولون عندما يسألون عن خالقهم بأنه الله، قال تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ {الزخرف:87} ، وبناء عليه فإنه لا يستغرب أنهم يحلفون بالله تعالى، وراجع الفتوى رقم: 41037، والفتوى رقم: 15676.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1425(2/1751)
حكم إضافة عبارات في القصص لم ترد في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[موقع إسلامي يريد أن يضيف صفحة خاصة بالطفل المسلم، ومن محاور هذه الصفحة تعريف الطفل بقصص القرآن، كقصة موسى ويونس وأصحاب الأخدود.... الخ عن طريق أفلام كرتونية، فما هي ضوابط ذلك؟
وهل يجوز ذكر أشياء تفهم من السياق؟ ككون رجل من حاشية فرعون قال لموسى كيف تجرؤ أن تدعو إلى عبادة إله غير فرعون ونحو ذلك؟ علما بأن ذلك لم يذكر في القرآن والسنة الصحيحة.
وهل يجوز أن يقول القارئ الذي يتكلم على لسان فرعون: \\\"أنا ربكم الأعلى\\\" ونحو ذلك من عبارات الكفر التي نطق بها فرعون وغيره؟
هذا وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا الضوابط الشرعية التي تجب مراعاتها في أفلام الأطفال الكرتونية في الفتوى رقم: 3127.
وأما ذكر أشياء تفهم من السياق لم يرد لها ذكر في القرآن والسنة الصحيحة مثل المثال المذكور فلا مانع منه شرعا، ولا سيما إذا كان الغرض منه هو تقريب القصة لأذهان الأطفال وتقديمها لهم على حالة من التبسيط والتسهيل لتتناسب مع قدراتهم الذهنية ومستوياتهم العمرية وخصوصا إذا وضعنا في الاعتبار حاجة أطفال المسلمين إلى بديل مفيد معروض بطرق معاصرة مفهومة مقربة بدلا من القصص المستوردة التي تحرض على الفساد والإفساد والتحلل والانحلال، ولو سلمنا أن في هذا كذبا فإن ما فيه من الكذب يغتفر، لأن المصلحة المرجوة منه أرجح من مفسدة الكذب على تسليمه جدليا، على أننا نقول: لا يعتبر هذا كذبا، لأن من نسب إليهم هذا القول هم أتباع فرعون الذين يتنافسون في التزلف إليه والتقرب منه، كما قال تعالى: فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ {هود: 97} .
ومعلوم أن فرعون قال لهم: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي وقال في شأن موسى عليه السلام: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ فمن نسب لهؤلاء الذين اتبعوا فرعون قولهم لموسى أتجرؤ.. لا يعد كاذبا، لأن فرعون قدوتهم ومتبوعهم نسب إلى موسى ما هو أشد من هذا وأقبح، وإقرارهم لفرعون على ما قال وسكوتهم عليه يقوم مقام نطقهم بما قال، فما بالك بما دون ذلك؟! ولسان الحال قد يكون أبلغ من لسان المقال.
ولا بأس أيضا بقول الذي يتكلم على لسان فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ونحو ذلك من العبارات، لأن القائل لا ينسب ذلك إلى نفسه وإنما يحكيه عن فرعون وكل من سمعه علم ذلك لا محالة، وحكاية قول الكافر أو الفاسق لغرض صحيح جائز شرعا بدليل حكاية القرآن قول فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى وحكايته أيضا قول غيره من الكافرين، كحكايته عن اليهود قبحهم الله قولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ. وقولهم لعنهم الله: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ. إلى آخر ما حكى الله عنهم من الأقوال الشنيعة، قال الإمام الجصاص في قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {التوبة:30} في هذا من قول ربنا دليل على أن من أخبر عن كفر غيره الذي لا يجوز لأحد أن يبتدئ به لا حرج عليه لأنه إنما ينطق به على معنى الاستعظام له والرد عليه، فلا يمنع ذلك منه، ولو شاء ربنا ما تكلم به أحد، فإذا أمكن من انطلاق الألسنة به فقد أذن في الإخبار عنه، على معنى إنكاره بالقلب واللسان والرد عليه بالحجة والبرهان.
وقال في "مطالب أولي النهى" ولا يكفر من حكى كفرا سمعه ولا يعتقده قال في الفروع: ولعل هذا إجماع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1425(2/1752)
دعاء يوسف عليه السلام حين ألقي في الجب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدعاء الذي دعا يوسف عليه السلام ربه عندما ألقي بالبئر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في بعض كتب الأخبار والتفسير أن نبي الله يوسف لما ألقاه إخوته في البئر دعا بدعاء علمه له جبريل عليه السلام، وله ألفاظ مختلفة، ونصه كما في تفسير القرطبي نقلاً عن السدي وغيره: اللهم يا مؤنس كل غريب، ويا صاحب كل وحيد، ويا ملجأ كل خائف، ويا كاشف كل كربة ويا عالم كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى، ويا حاضر كل ملإ.. يا حي يا قيوم أسألك أن تقذف رجاءك في قلبي، حتى لا يكون لي هم ولا شغل غيرك، وأن تجعل لي من أمر فرجا ومخرجا، إنك على كل شيء قدير.
ويجب التنبيه إلى أن مصدر هذا اللفظ هو كتب الإسرائليات، فلم يرد وجه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا ألا نكذب أهل الكتاب ولا نصدقهم فيما لم يثبت عندنا فيه نص نفياً أو إثباتاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1425(2/1753)
فرعون موسى مات كافرا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فرعون (موسى عليه السلام) مات مسلماً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فرعون الذي أرسل إليه موسى عليه السلام لم يمت مسلماً، وإنما مات كافراً، أما ما قاله عند ما أدركه الغرق: آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] .
فإنه لا يقبل في اللحظة التي قاله فيها، قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18] .
وفي الحديث: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي وحسنه الألباني، وراجع الفتوى رقم: 31595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1425(2/1754)
هل آمن فرعون قبل أن يموت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فرعون موسى مات مسلماً؟ وفي أي بحر غرق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فرعون الذي بعث إليه موسى مات كافرا دلت على ذلك نصوص الوحي، يقول الله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ*النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر: 45 ـ46)
وقول فرعون عندما عاين الهلاك وأدركه الغرق: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (يونس: 90) ، لا ينفعه لأن الإيمان في ذلك الوقت لا ينفع، وقد تواردت نصوص الكتاب على ذلك، فمن ذلك قول الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} (النساء: 18)
وقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ*فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (غافر:84 ـ85)
قال المفسرون: ولعناد الطاغية فرعون لم يتلفظ بكلمة التوحيد ولم يقل آمنت بالله الذي لا إله غيره، مع أن الإيمان في ذلك الوقت لا ينفع كما ذكرنا.
وأما البحر الذي غرق فيه ذلك الطاغية فهو البحر الأحمر ويسمى بحر القلزم كما ذكر أهل التفسير، وذكر بعضهم أنه النيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1425(2/1755)
النبي الذي مشى قبره معه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو النبي الدي مشى قبره معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد بالقبر الحوت الذي التقم نبي الله سيدنا يونس بن متى عليه السلام.
فقد قال الله عز وجل في شأنه: [وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] (الصافات: 139-144)
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1425(2/1756)
كيفية زواج أولاد آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني رحمكم الله حول الزواج في بدء الخليقة (أولاد سيدنا آدم عليه السلام) ؟ شكر الله سعيكم ووفقكم لكل خير وصلاح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كانت حواء تنجب لآدم عليهما السلام التوائم كل توأم ذكر وأنثى، وقد شرع الله تعالى لآدم أن يزوج غلام هذا البطن لجارية البطن الآخر، قال القرطبي في تفسيره عند قول الله عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] ، سبب هذا القربان أن حواء عليها السلام كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى إلى أن قال وكان يزوج الذكر من هذا البطن الأنثى من البطن الآخر ولا تحل له أخته توأمته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(2/1757)
لا وجود للبشرية قبل آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان بشر في الارض قبل نزول سيدنا آدم عليه السلام إلي الأرض]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يكن بشر على وجه الأرض قبل سيدنا آدم عليه السلام، لأن آدم هو أبو البشر، قال تعالى: [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً] (البقرة: 30) .
وقال: [إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ] (ص: 71) .
وكان المخلوق هو آدم عليه السلام، ولا التفات إلى ما كتب مؤخرا عن وجود بشر قبل آدم عليه السلام، لضعف أدلته ومخالفته للقرآن والسنة، ففي صحيح البخاري أن الخلائق يأتون آدم يوم القيامة يطلبون منه الشفاعة ويقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا؟
وراجع الفتوى رقم: 26672.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(2/1758)
سبب إفراد الضمير وتثنيته في قصة موسى
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نجد قصة سيدنا موسى عليه السلام ترد بصيغة المفرد وتارة بصيغة المثنى (مقترنة بسيدنا هارون (]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أفردت الضمائر العائدة على موسى عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم عندما كان اللفظ موجها إليه هو على انفراده، نحو قوله تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى*إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (طه:9-10) إلى قوله تعالى: قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى* وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (طه:36-37) ....... إلى قوله: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (طه:42) ، وعندما كان الخطاب موجهاً إليه وإلى أخيه كانت الضمائر مفيدة للتثنية، نحو قوله تعالى: وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى (طه:42-45) ، وقصة موسى وأخيه هي أكثر القصص وروداً في القرآن، وتكون دائماً على النحو المذكور، فما وجه السؤال إذن؟
وإذا كان السائل الكريم يعني أنه قد ورد في قول الله تعالى: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ (طه: من الآية47) بتثنية رسول، وورد: إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الشعراء: من الآية16) بالإفراد فهذا قد أجاب عنه أهل التفسير، قال البغوي عند قول الله تعالى: إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ولم يقل: رسولا رب العالمين، لأنه أراد الرسالة، أي أنا ذو رسالة رب العالمين كما قال كثير:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول
أي بالرسالة، وقال أبو عبيدة: يجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع، تقول العرب هذا رسولي ووكيلي، وهذان وهؤلاء رسولي ووكيلي، كما قال الله تعالى: وهم لكم عدو. وقيل معناه كل واحد منا رسول رب العالمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(2/1759)
هل هناك قرابة بين موسى وعيسى عليهما السلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نبي الله موسى هو ابن عمران؟ وإذا كان ابن عمران فما صلة القرابة بينه وبين عيسى ابن مريم وشكراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الطبري في تفسيره نسب موسى عليه السلام، فقال: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب إسرائيل.
فموسى عليه السلام هو ابن عمران، وأما عمران والد مريم عليها السلام، فقد ذكر نسبه ابن كثير في تفسيره نقلاً عن ابن إسحاق أنه قال: هو عمران ابن ياشم أمون ميسا بن حزقيا بن أحريق بن يويم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش، إلى أن قال ابن كثير: فعيسى عليه السلام من ذرية إبراهيم عليه السلام.
فثبت بهذا أن عمران والد موسى عليه السلام هو غير عمران والد مريم عليها السلام، وقد ذكر علي بن أبي طلحة والسدي عند قول تعالى: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ (مريم: من الآية28) أنها كانت من نسل هارون أخي موسى عليهما السلام. وذكر كعب الأحبار أنه كان بين موسى وعيسى عليهما السلام ستمائة سنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(2/1760)
الموت يشمل القتل وغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعرف أن يحبى عليه السلام قتل فلماذا يقول القرآن ... وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ... فالموت غير القتل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالموت كما يقول أهل اللغة هو ضد الحياة، فهو يشمل الموت بالقتل وبغيره، وعليه، فلا تعارض، ولذا تجد في كتب التواريخ والسير أن فلانا مات شهيدا، مع أنه مات مقتولا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1425(2/1761)
حول قصة سليمان عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء فى القرآن عن قصة سليمان أنه مات متكئا وما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فكيف يكون ذلك، أين هم أهله وخدمه ومن يعيشون معه من غير الجن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن قصة سليمان عليه السلام وما يتعلق بموته في الفتوى رقم: 36799.
وأما عن قول السائل: أين هم أهله وخدمه....؟ فجوابه: ما ذكره القرطبي في التفسير حيث قال: وكان داود عليه السلام أسس بيت المقدس فلما مات أوصى سليمان في إتمام مسجد بيت المقدس فأمر سليمان الجن به فلما دنت وفاته قال لأهله، لا تخبروهم بموتي حتى يتموا بناء المسجد. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(2/1762)
جمع الله لقوم لوط صنوفا من العذاب لم يجمعها لأمة غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[من النبي الذي أهلك الله قومه (بحاصب) قلب الأرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقوم الذين أرسل الله عليهم حاصباً هم قوم لوط عليه السلام، والحاصب هو الحصباء أي صغار الحجارة، وكذلك قلب الله بهم قراهم سدوم وما حولها، وقد جمع الله عليهم أنواعاً من العذاب لم يجمعها لأمة غيرهم وهي طمس أعينهم حتى انمحت من أماكنها، ورفع جبريل عليه السلام أرضهم حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم وأصوات حيواناتهم ثم قلب بهم الأرض وأتبعهم حاصباً، وذلك بسبب كفرهم بلوط عليه السلام وفعلهم لفاحشة اللواط قال الله تعالى في سورة القمر (33-39) كذبت قوم لوط بالنذر*إنا أرسلنا عليهم حاصباً إلا آل لوط نجيناهم بسحر*نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر* ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر* ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر* فذوقوا عذابي ونذر
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1424(2/1763)
أهلك الله قوم لوط بالحاصب
[السُّؤَالُ]
ـ[من النبي الذي أهلك الله قومه (بحاصب) قلب الارض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا النبي هو لوط عليه السلام، قال القرطبي: فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ... يعني قوم لوط، والحاصب ريح يأتي بالحصباء وهي الحصا الصغار، وتستعمل في كل عذاب. (13/305)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1424(2/1764)
من ملك سبأ يسمى تبعا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي قصة قوم تبع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوم تُبّع قوم من أهل اليمن وهم الذين قص الله تعالى علينا من أخبارهم في سورة سبأ، حيث يقول الله تعالى في شأنهم: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ* فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ:15-16-17] ، إلى قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ:19] .
وقد وردت الإشارة إليهم في سورة الدخان، حيث يقول الله تعالى منكراً على المشركين المنكرين للبعث المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [الدخان:37] .
كما جاء الحديث عنهم في سورة (ق) ضمن الذين كذبوا رسل الله تعالى فحق عليهم عذاب الله تعالى، قال الله تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ* وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ [قّ:12-13-14] .
قال ابن كثير في تفسيره: وقوم تبع كانوا عرباً من قحطان كما أن هؤلاء (قريشا) عرب من عدنان، وقد كانت حمير وهم سبأ كلما ملك فيهم ملك سموه تبعاً، كما يقال كسرى لمن ملك الفرس، وقيصر لمن ملك الروم، وفرعون لمن ملك القبط، والنجاشي لمن ملك الحبشة ...
ثم ذكر ابن كثير كما ذكر غيره من أصحاب السيرة أن تبعا هذا تبع الأوسط، واسمه أسعد أبو كريب ملك على قومه ثلاثمائة سنة وستا وعشرين سنة ... وهو الذي مر على المدينة وحارب أهلها ثم سالمهم وترك عندهم لوحا فيه شعر، يذكر فيه أنه مؤمن بالنبي الذي سيبعث ويهاجر إلى المدينة، فتوارثوه إلى أن وصل إلى أبي أيوب الأنصاري، وهو الذي نزل عنده النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة مهاجراً، وتبع هذا هو الذي كسا الكعبة المشرفة ودعا قومه إلى الإيمان بالله تعالى، ثم لما توفي عادوا بعده إلى عبادة الأصنام والنيران، فعاقبهم الله تعالى بما ذكره في سورة سبأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1424(2/1765)
الحواريون بيانهم وسبب تسميتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما المقصود بكلمة (الحواريون) فى القرأن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد ذكر الحواريين في القرآن الكريم أكثر من مرة، والمراد بهم أتباع عيسى عليه السلام وخاصته من أصحابه ورسله لتبليغ الدعوة، وقد سموا بذلك لإخلاصهم في نصرة عيسى عليه السلام والنصح له عندما سألهم ذلك، ولهذا قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1424(2/1766)
زينت حواء لآدم الأكل من الشجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هل هناك دليل في القرآن والسنة على أن حواء هي التي أكلت التفاحة وأغرت سيدنا آدم ليأكلها.
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه قد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا حواء لم تَخُن أنثى زوجها الدهر.
قال النووي رحمه الله: قال القاضي: ومعنى الحديث: أنها أم بنات آدم فأشبهنها ونزع العرق لما جرى لها في قصة الشجرة مع إبليس فزين لها أكل الشجرة فأغواها فأخبرت آدم بالشجرة فأكل منها. اهـ
وقال الحافط في الفتح: قوله: "لم تخن أنثى زوجها" فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهها بالولادة ونزع العرق، فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول، وليس المراد بالخيانة هناك ارتكاب الفواحش، حاشا وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم، عد ذلك خيانة له، وأما من جاء بعدها من النساء، فخيانة كل واحدة منهن بحسبها، وقريب من هذا حديث جحد آدم فجحدت ذريته. اهـ.
وأما ما رود في السؤال من أن الشجرة التي أكلا منها هي التفاحة، فهذا ليس عليه دليل، وليس في كتاب الله أو سنة رسول الله الصحيحة شيء يعيِّن هذه الشجرة.
قال ابن كثير رحمه الله بعد أن نقل روايات في تعيين الشجرة التي أكل منها آدم وحواء: قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: والصواب في ذلك أن يقال إن الله عز وجل نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فأكلا منها، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن والسنة الصحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1424(2/1767)
لم يوجب الله على الخضر اتباع موسى عليهما السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخضر عليه السلام كان نبياً أوحى الله إليه علوما لم يعرفها موسى عليه السلام، قال الله تعالى: فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65] .
وقال حكاية عنه بعد تأويل المسائل التي لم يستطع موسى صبرها: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82] .
ثم إن شريعة موسى عليه السلام لم تكن تعم كافة الناس كما هو الحال في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فساغ بذلك للخضر الخروج عليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن موسى عليه السلام لم تكن دعوته عامة ولم يكن يجب على الخضر اتباع موسى عليهما السلام، بل قال الخضر لموسى إني على علم من الله علمنيه الله ما لا تعلمه وأنت على علم من الله علمكه الله لا أعلمه. مجموع الفتاوى 27/59.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1424(2/1768)
الأمر بذبح إسماعيل رؤيا من الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نرد على الذين يقولون إن الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام عن طريق الرؤيا إنما جاء من الشيطان لأن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا القول أعني القول بأن الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام إنما جاء من الشيطان قول باطل ولا أساس له من الصحة، بل هو قول ساقط لا يجوز التلفظ به فضلاً عن تصديقه، ويظهر بطلان هذا القول من وجوه عدة منها: الأول أنه كيف يعقل أن يذبح إبراهيم عليه السلام برؤيا من الشيطان تأمره بذبح أبنه، فيقدم على ذلك بناء على رؤيا شيطاينة، فإن هذا لا يمكن أن يفعله أحد من عامة الناس، فضلاً عن أن يكون إمام الحنفاء عليه السلام، ومثل هذا يقال في إسماعيل عليه السلام الذي رضي بذبحه.
الثاني: أن سلف هذه الأمة قد استدلوا بهذه القصة على أن رؤيا الأنبياء وحي، فقد روى البخاري تعليقاً عن عبيد بن عمير رحمه الله أنه قال: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات:102] .
وقد روى هذا الأثر دون الآية الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما وإسناده حسن.
الثالث: وهو الأهم أن الله تبارك وتعالى قد أثنى على إبراهيم عليه السلام بمسارعته في الاستجابة لأمر ربه، وكذا إسماعيل عليه السلام لصبره على هذا البلاء، فقال سبحانه: وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين [الصافات:104- 105] ، فإذا كان الآمر هو الشيطان فكيف يثني عليه في تصديقها.
الرابع: قال ابن كثير -في تفسيره- في قوله تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [الصافات:106] .: أي الاختبار الواضح الجلي، حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك مستسلماً لأمر الله تعالى منقاداً لطاعته، ولهذا قال تعالى:) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم:37] ، هذا فيما يتعلق بأمر الرؤيا، وأما استدلالهم بكونه تعالى لا يأمر بالفحشاء والمنكر، فهو قول حق أريد به باطل، وذلك لأن الله تعالى يحكم ويشرع ما يشاء، فلا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، كما قال سبحانه: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41] ، هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن الله تعالى قد جعل من تمام توبة بني إسرائيل أن يقتل أحدهم نفسه كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:54] ، فهل يقال إن الله تعالى أمر بالفحشاء والمنكر.
فالحق الذي لا مرية فيه أن الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام كان برؤيا من الله عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(2/1769)
الحكمة من تكرار القصص في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من تكرار قصة عاد وثمود وقصة ضيف إبراهيم في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن العظيم مشتمل على أروع أنواع البلاغة وأقوى تحديات الإعجاز، وأنفع أساليب البيان. وتكرار القصة الواحدة في مواضع متعددة من هذا القبيل فأما من ناحية البلاغة فإبراز المعنى الواحد في صور متعددة وأساليب متنوعة وتفنن شيق وألفاظ مختلفة رفيعة غاية في البلاغة. وأما من ناحية الإعجاز فإيراد المضمون الواحد في صور متعددة مع عجز العرب عن الإتيان بصورة واحدة منها أبلغ في التحدي. علماً بأن العرب في ذلك الوقت وصلوا إلى قمة التفنن في البلاغة وحازوا قصب السبق في الفصاحة وملأوا الدنيا نثراً ونظماً. وأما من ناحية البيان فتكرار القصة الواحدة يلفت الانتباه إليها ويشعر بالاهتمام بها. ويُمكَّن الاعتبار بها في النفس ويرسخها فيها على أساس أن ما تكرر تقرر. ومن الحكم أيضا لتكرار القصة الواحدة في سور متعددة تناسب كل سياق مع السورة التي ورد فيها من حيث الطول والقصر والإطناب والإيجاز إلى غير ذلك من الحكم الكثيرة الجليلة. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1770)
وما يعقلها إلا العالمون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أمثال القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأمثال جمع مثل، وهو تصوير المعاني بصورة الأشخاص، وفوائده جمة ومنها: تقرير المراد وتقريبه للعقل بصورة المحسوس على غير ذلك، والقرآن الكريم جاء بها وضربها للناس، قال سبحانه: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت:43] .
وعلم أمثال القرآن من أعظم العلوم وأنفعها، قال الماوردي عليه رحمة الله: من أعظم علم القرآن علم أمثاله، والناس في غفلة عنه.
وأمثال القرآن كثيرة وقد صنف فيها العلماء مصنفات منها: أمثال القرآن لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، وكذلك الأمثال في القرآن الكريم لابن قيم الجوزية فلتراجع، ففيها غنية في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1423(2/1771)
توضيحات حول المجاز في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو أن هناك شيوخا لا يعترفون بالمجاز في القرآن ولا يؤمنون به ويقولون إن القرآن كله حقيقه ويخلو من المجاز، وهناك شيوخ آخرون يعترفون بالمجاز في القرآن ويؤمنون به.
السؤال يا شيخنا العزيز هو: أن الفريق الذي لا يؤمن بوجود المجاز في القرآن كيف يحملون الآيات (التي في نظر الفريق الآخر مجاز) على الحقيقة. يعني مثال يقول الفريق الذي يؤمن بوجود المجاز في القرآن أن قوله تعالي (يضعون أصابعهم في أذانهم) أن في تلك الآية الكريمة مجاز لأنهم يضعوا جزء من أصابعهم وليس كل أصابعهم.
فسؤالي: سيأتي الفريق الآخر الذي لا يؤمن بوجود المجاز في القرآن ويقول إن هذه الآية حقيقة وإنهم وضعوا أصابعهم كلها.
وكذلك قوله تعالي (فنفخنا فيها من روحنا) يقول الفريق الذي يؤمن بالمجاز إن في هذه الآية مجاز
وسؤالي سيأتي الفريق الآخر الذي لا يؤمن بالمجاز ويقول إن هذه الآية حقيقة وأن الله جل وعلا نفخ فيها من روحه الخاصة به.
وأنا آسف يا شيخنا أطلت عليك. وشكرا لأنك تحملتني وبارك الله فيك وزادك علما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 16870 أن جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وعلماء اللغة والبيان يقولون بوجود المجاز في اللغة وفي القرآن والسنة. وبينا طرفا من حجج القائلين بمنعه وجوابها.
وقبل الإجابة على خصوص ما سأل عنه السائل الكريم نود أن نلفت انتباهه إلى مسألتين:
ـ الأولى أن لفظ الآية الكريمة: (يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ) لا:يضعون أصابعهم.
ـ الثانية: أن أهل العلم إذا اختلفوا في مسألة، وترجَّح للمرء فيها أحد أقوالهم إذا كان أهلا للترجيح، فهذا لا يعني بطلان ما عداه، فالأمر نسبي، ولذلك فالعالم الواحد يتغير اجتهاده في المسألة الواحدة بحسب ما يظهر له من الأدلة أو من دلالاتها، والمهم أن يلتزم الجميع بالمنهج الحق في الاستدلال والتلقي، بالاعتماد على الكتاب والسنة وعدم الخروج على ما أجمع عليه سلف الأمة.
ولذلك فإنا نرى أسلوب السائل الكريم في تناول قول من قال بمنع المجاز من أهل العلم ـ غير لائق ولا سائغ، وفيه قصور واضح في فهم وجهة هذا القول، وفي الاطلاع كذلك على كلام أهل العلم من المفسرين وغيرهم، ويرجى من السائل الكريم مراجعة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 76964، 4402، 11967.
أما بخصوص ما ذكره السائل الكريم في قوله تعالى: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ. {البقرة: 19} فإن المانعين من المجاز لم يقولوا: (إنهم وضعوا أصابعهم كلها) على حد قول السائل. ولفهم مذهبهم لابد أن يعلم السائل أن من أنكر المجاز انطلق من قاعدة أن المعنى المراد يعرف ابتداءً بقرينة السياق، فيعول دائما عليه؛ لأنه يدل على المعنى المراد من اللفظ بلا كلفة عقلية، وأن مردَّ ذلك إلى استعمال اللسان لا إلى قوانين المجاز العقلية.
يقول ابن القيم ـ وهو من منكري المجاز ـ في معرض حجاج مثبتي المجاز، كما في مختصر الصواعق المرسل: إنكم فرقتم أيضا بينهما (أي بين الحقيقة والمجاز) بأن المجاز ما يتبادر غيره إلى الذهن، فالمدلول إن تبادر إلى الذهن عند الإطلاق كان حقيقة، وكان غير المتبادر مجازا، فإن الأسد إذا أطلق تبادر منه الحيوان المفترس دون الرجل الشجاع. فهذا الفرق مبني على دعوى باطلة وهي تجريد اللفظ عن القرائن بالكلية والنطق به وحده وحينئذ يتبادر منه الحقيقة عند التجرد. وهذا الفرض هو الذي أوقعكم في الوهم فإن اللفظ بدون القيد والتركيب بمنزلة الأصوات التي ينعق بها لا تفيد فائدة، وإنما يفيد تركيبه مع غيره تركيبا إسناديا يصح السكوت عليه، وحينئذ فإنه يتبادر منه عند كل تركيب بحسب ما قيد به فيتبادر منه في هذا التركيب ما لا يتبادر منه في هذا التركيب الأخير. اهـ.
وعلى ذلك فقرينة أن الآذان لا تستوعب الأصابع تدل على أن حقيقة الأصابع المذكورة في الآية إنما هي أطرافها أي الأنامل، والنكتة البلاغية في ذلك هي الإشارة إلى أن إدخالهم لأناملهم كان على غير المعتاد، مبالغة في الفرار.
قال الشيخ ابن عثيمين: قيل: إن في الآية مجازاً من وجهين؛ الأول: أن الأصابع ليست كلها تجعل في الأذن. والثاني: أنه ليس كل الأصبع يدخل في الأذن. والتحقيق أنه ليس في الآية مجاز؛ أما الأول: فلأن "أصابع" جمع عائد على قوله تعالى: {يجعلون} ، فيكون من باب توزيع الجمع على الجمع، أي يجعل كل واحد منهم أصبعه في أذنه. وأما الثاني: فلأن المخاطَب لا يمكن أن يفهم من جعْل الأصبع في الأذن أن جميع الأصبع تدخل في الأذن؛ وإذا كان لا يمكن ذلك امتنع أن تحمل الحقيقة على إدخال جميع الأصبع؛ بل الحقيقة أن ذلك إدخال بعض الأصبع؛ وحينئذ لا مجاز في الآية؛ على أن القول الراجح أنه لا مجاز في القرآن أصلاً؛ لأن معاني الآية تدرك بالسياق؛ وحقيقة الكلام ما دلّ عليه السياق، وإن استعملت الكلمات في غير أصلها. اهـ.
وقد ذكر الشيخ الشنقيطي ـ وهو من أشهر المعاصرين المانعين من المجاز ـ في رسالته منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز قاعدة نفيسة خرَّج بها الآيات التي احتج بها المجوزون لوقوع المجاز في القرآن، هي أن: كل ما يسميه القائلون بالمجاز مجازا فهو عند من يقول بنفي المجاز أسلوب من أساليب اللغة العربية.
فنوصي السائل الكريم بقراءة هذه الرسالة لاستيضاح مذهب المانعين، وكذلك نوصيه بقراءة الفصل الرابع والعشرين من كتاب (الصواعق المرسلة) فقد ذكر فيه ابن القيم الطواغيت الأربع التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القرآن ومحوا بها رسوم الإيمان. فكان الطاغوت الثاني منها: قولهم إن آيات الصفات وأحاديث الصفات مجازات لا حقيقة لها.
وأما قوله تعالى: فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا. {الأنبياء: 91} . فقد أبعد السائل النجعة في فهمه، فلم يقل المانعون من المجاز ولا غيرهم إن حقيقتها أن الله جل وعلا نفخ فيها من روحه الخاصة به على حد قول السائل. فإن الروح في هذه الآية إنما هو جبريل الذي سماه القرآن: الروح الأمين، كما في قوله سبحانه: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. {الشعراء: 193} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو من القائلين بمنع المجاز: المسيح خلق من أصلين: من نفخ جبريل، ومن أمه مريم ... فلما نفخ فيها جبريل حملت به؛ ولهذا قيل في المسيح: وَرُوحٌ مِّنْهُ. [النساء: 171] . باعتبار هذا النفخ. وقد بين الله ـ سبحانه ـ أن الرسول الذي هو روحه، وهو جبريل، هو الروح الذي خاطبها، وقال: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} . فقوله {فَنَفَخْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 91] أو: {فِيهِ مِن رُّوحِنَا} [التحريم: 12] أي: من هذا الروح الذي هو جبريل. اهـ.
أي النفخ حصل بواسطة جبريل فإن الله بعثه إليها فتمثل لها بشرا سويا وأمره أن ينفخ بفيه ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1430(2/1772)
الاستعارة في القرآن.. معناها.. وأمثلة عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الاستعارة في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستعارة في الأصل أخذ الشيء من مالكه عرية لاستعماله مدة ثم إعادته إليه، وفي اصطلاح أهل البلاغة: استعمال اللفظ في غير معناه الأصلي لمشابهة بينهما، وهي من أنواع المجاز، وهو أسلوب من أساليب اللغة العربية. وبما أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين فإن أسلوب الاستعارة موجود فيه بكثرة، ومن أمثلة ذلك قول الله عز وجل: خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ {البقرة:7} ، فكأن هؤلاء الكفار من شدة الكفر والإعراض عن الحق ورفضه جعل على قلوبهم ختم وغطاء بحيث لا يصل إليها الحق والإيمان.
وكما في قوله تعالى: فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ {الكهف:77} ، فإنه شبه ميل الجدار للسقوط بالإرادة التي هي من صفات العقلاء، فاستعار لفظ الإرادة الذي هو من صفات العقلاء للجدار الذي هو جماد لا إرادة له للمشابهة بين الميلان للسقوط وبين من يريد ذلك من العقلاء.
وكما في قوله تعالى: وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ {الشعراء:84} ، قال أهل التفسير: وضع اللسان الذي يكون به القول موضع القول استعارة. وفي قوله تعالى: وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ {الواقعة:34} ، قال بعض أهل التفسير: الفرش المرفوعة النساء. وكما في قوله تعالى: وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ {التكوير:18} ، فكأن نسيم الصباح وضوؤه المنتشر نفسا يبعث الحياة في الكون من جديد، فالنفس بالنسبة للصبح استعارة.
وللمزيد من الفائدة عن البلاغة وأسلوب المجاز في القرآن الكريم وخلاف أهل العلم حوله نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 47440، والفتوى رقم: 16870 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1426(2/1773)
المجازفي القرآن ... بين المثبتين والنافين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز القول بوجود المجاز في القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وقع الخلاف بين العلماء في مسألة وجود المجاز في القرآن، فقال جماهيرأهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وعلماء اللغة والبيان بوجود المجاز في اللغة وفي القرآن والسنة.
وذهب بعضهم إلى نفيه منهم الأستاذ/ أبو إسحاق الإسفراييني وأبو علي الفارسي والظاهرية وابن خويزمنداد ومنذر بن سعيد البلوطي وابن تيمية. ونحن نورد لك حجج القائلين بنفي وجود المجاز في القرآن، ورد القائلين بوجوده على هذه الحجج، وذلك بإيجاز إن شاء الله:
- الحجة الأولى: قالوا: المجاز كذب فيمتنع وجوده في القرآن، ولأن المجاز يجوز نفيه وكتاب الله لا يجوز نفي شيء منه، فمن قال: محمد أسد، يقال له: ليس أسداً، بل هو رجل شجاع.
والرد على هذه الحجة من وجوه:
الوجه الأول: أن المجاز اسم مشترك قد يطلق على الباطل الذي لا حقيقة له، وقد يطلق على اللفظ الذي تجوز به عن موضوعه، والقرآن منزه من الأول، أما الثاني: فليس في وجوده فيه ما يدل على نقص، فلا غضاضة في القول بوجوده فيه.
الوجه الثاني: قولهم: إن المجاز يتطرق إليه النفي، والقرآن لا يجوز نفي شيء منه وهم منهم، لأن كذب المجاز إنما يلزم لو كان النفي والإثبات تواردا على جهة واحدة، فشرط التناقض اتحاد الجهة، وهذا غير حاصل في مسألة الحقيقة والمجاز، فإن النفي وارد على الحقيقة، والإثبات وارد على المجاز، فمن قال: رأيت أسداً يقود السيارة، أراد أنه رأى رجلاً شجاعاً، فإثبات الرؤية هنا متجه إلى المعنى المجازي لكلمة أسد، ومن نفى فقال: لم تر أسداً يقود السيارة بل رأيت رجلاً شجاعاً، فنفيه متجه إلى حقيقة اللفظ، فهو لا ينفي ما أثبته الأول، لأن صدق النفي لا يلزم منه كذب الإثبات، لأنهما لا يتنافيان، وإنما يحدث التنافي لو توجه النفي والإثبات على جهة واحدة كقولنا: هو أسد بالحقيقة، ليس أسداً بالحقيقة.
الوجه الثالث: أن المستعير للفظ المجاز يؤول كلامه ويصرفه عن الظاهر، وينصب قرينة تدل على أن الظاهر ليس بمراد له، بخلاف الكاذب فإنه يدعي الظاهر، ويريده ويصرف همته على إثباته، مع كونه غير ثابت في نفس الأمر.
ثم إن المخاطب بالمجاز المتفطن العارف بأساليب الكلام، ووجوه اعتباراته إذا خوطب بالمجاز محتفاً بقرينة حالية أو مقالية، فهم المعنى المجازي، ولا يتبادر ذهنه للمعنى الحقيقي أصلاً.
الحجة الثانية: قالوا: الخطاب بالمجاز طريق إلى الإخلال بالتفاهم لا حتمال خفاء القرينة.
قال الإمام الشوكاني: "المجاز واقع في لغة العرب عند جمهور أهل العلم وخالف في ذلك أبو إسحاق الإسفراييني وخلافه هذا يدل أبلغ دلالة على عدم اطلاعه على لغة العرب. وينادي بأعلى صوت، بأن سبب هذا الخلاف تفريطه في الاطلاع على ما ينبغي الاطلاع عليه من هذه اللغة الشريفة، وما اشتملت عليه من الحقائق والمجازات التي لا تخفى على من له أدنى معرفة بها، وقد استدل بما هو أوهن من خيوط العنكبوت فقال: لو كان المجاز واقعاً في لغة العرب للزم الإخلال بالتفاهم إذ قد تخفى القرينة.
وهذا التعليل عليل فإن تجويز خفاء القرينة أخفى من السها " انتهى.
ولا شك أن هذا التعليل الذي علل به نفاة المجاز لا معنى له، لأن اللفظ إما أن تحتف به قرائن حاليةأو مقالية، فيحمل على مادلت عليه القرائن، وإما أن يخلو منها فالأصل بقاء اللفظ على الحقيقة فلا خفاء في الحالين.
الحجة الثالثة: قالوا: المتكلم لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا ضاقت به الحقيقة وعجز عنها، فيستعير من المجازات ما يبلغ مراده، وهذا مستحيل في حق الله تعالى.
وللرد على هذه الشبهة يقول المثبتون:
أولاً: قال عبد العزيز البخاري -رحمه الله- في كشف الأسرار شرح أصول البزدوي: "والمجاز طريق مطلق"، أي طريق جاز سلوكه من غير ضرورة، فإنا نجد الفصيح من أهل اللغة القادر على التعبير عن مقصوده بالحقيقة يعدل إلى التعبير عنه بالمجاز لا لحاجة ولا لضرورة.
ثانيا: أن في المجاز من حسن التصوير، وبديع الأسلوب، وجمال العبارة وتشويق النفوس، وشحذ الأذهان ما ليس في الحقيقة.
قال العلامة عبد العزيز البخاري في شرح أصول البزدوي أيضاً: "وقد ظهر استحسان الناس للمجازات فوق ما ظهر من استحسانهم للحقائق، فتبين بهذا أن قولهم هو ضروري فاسد، والدليل عليه أن القرآن في أعلى رتب الفصاحة، وأرفع درج البلاغة، والمجاز موجود فيه، وعد من غريب بدائعه وعجيب بلاغته قوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24] ، وإن لم يكن للذل جناح..... إلخ.
ثالثاً: أن هناك أسباباً داعية إلى العدول عن الحقيقة إلى المجاز منها: التعظيم كقوله: سلام على المجلس العالي.
ومنها: التحقير لذكر الحقيقة، كما في قوله تعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [المائدة:6] والغائط هو المكان المنخفض من الأرض، واستعير هذا اللفظ للخارج من الإنسان مجازاً ترفعاً عن ذكر القبيح.
ومنها: المبالغة في بيان العبارة، كما في قوله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبا [مريم:4] ، المعنى شاب شعر رأسه بتحوله من السواد إلى البياض، فجاء هذا المعنى في أبلغ عبارة حيث شبه بياض الشعر باشتعال النار، وحذف املضاف وأبقى المضاف إليه، وهذا مجاز بالحذف، والتقدير: واشتعل شعر الرأس شيباً، إلى غير ذلك من المعاني التي أوضحها البيانيون والتي يطول المقام بذكرها.
والحجة الرابعة: قالوا: اللفظ في سياقه حقيقة ولا يسمى مجازاً، فلفظ الأسد -مثلاً- في قوله: رأيت أسداً يحمل السيف ويقاتل الكفار، حقيقة في الرجل الشجاع، والعرب لم تجتمع وتقرر أن هذا اللفظ وضع أولاً لكذا، ثم استخدم مجازاً في كذا، فيكون هذا التقسيم حادثاً لا دليل عليه.
وللرد على هذه الحجة يقول الآخرون:
أولاً: لم يقل المثبتون للمجاز بأن العرب اجتمعوا في صعيد واحد وتم الاتفاق بيهم أن لفظ الأسد حقيقة الحيوان المفترس مجاز في الرجل الشجاع قال الزركشي في البحر المحيط: قال القاضي عبد الوهاب: "المخالف في وقوعه (يعني المجاز) في اللغة والقرآن لا يخلو إما أن يخالف في أن ما فيهما لا يسمى مجازاً، أو في أن ما فيهما ما هو مستعمل في غير موضوعه، فإن كان الأول رجع الخلاف إلى اللفظ، لأنا لا ندعي أن أهل اللغة وضعوا لفظ المجاز لما استعملوه فيما لم يوضع لإفادته، لأن ذلك موضوع (أي لفظ المجاز) في لغتهم للممر والطريق، وإنما استعمل العلماء هذه اللفظة في هذا المعنى اصطلاحاً منهم، وإن كان الثاني تحقق الخلاف في المعنى، لأن غرضنا بإثبات المجاز يرجع إلى كيفية الاستعمال، وأنه قد يستعمل الكلام في غير ما وضع له، فيدل عليهم وجوده في لغتهم بما لا تنكره الآكابر" انتهى.
وقال العطار في حاشيته على شرح جلال الدين المحلي لجمع الجوامع: "وإن أرادوا (أي نفاة المجاز) استواء الكل في أصل الوضع فهذا مراغمة في الحقائق، فإن العرب ما وضعت اسم الحمار للبليد، وإما أنهم ينكرون أن العرب لم تستعمل لفظ أسد في الشجاع مثلا فبعيد جداً، لأن أشعار العرب طافحة بالمجازات".
ثانياً: أن الحقيقة ما يسبق إلى الذهن عند الإطلاق، وإنكار هذا مكابرة لا معنى لها، فإن لفظ شجرة يتبادر إلى الذهن عند إطلاقه الغرسة المعروفة في الأرض، فإذا قيل: إن الدعوة إلى الله شجرة مثمرة يجني الناس ثمرتها، انصرف المعنى الأول عن الذهن.
والقول بأن السلف لم يتكلموا بتقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز غير صحيح، فقد ورد في كلام الإمام أبي حنيفة وأحمد وغيرهما، وكتب اللغة مليئة بذلك، والقواميس شاهدة بذلك، فمن رجع إليها عرف الأمر وهي الحجة في إثبات أمر في اللغة، وإليها يرجع العلماء قاطبة.
وننبه إلى مسألة هي من أهم المسائل في هذا الباب وهي: أن الأصل هو الحقيقة فلا ينتقل منها إلا بقرينة.
وعليه، فالأصل هو حمل ألفاظ الكتاب والسنة على حقائقها، فإن قوماً ركبوا ظهر المجاز فتوصلوا به إلى تأويل نصوص الوحي بوجه لا يجوز، فنفوا الأسماء وعطلوا الصفات، وشأن أهل السنة في ذلك هو إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسكتون عما سكت عنه الكتاب والسنة، ويسعنا ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال العلامة ابن القيم: "ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى يكون اتفاق من الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات" انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(2/1774)
قواعد لا بد منها عند البحث في الإعجاز العلمي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تحويل الآيات والأحاديث المرتبطة بالنظام الاقتصادي الإسلامي إلى نماذج اقتصادية رياضية أي استخدام الرياضيات في تحليلها؟ ...
... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لم يظهر لنا المراد بنماذج اقتصادية رياضية، وقد سبق في الفتوى رقم: 28373، بيان بعض الأسس والقواعد التي لا بد منها عند البحث في الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، وسبق في الفتوى رقم: 43698 بيان حكم التفسير العلمي التجريبي المادي للقرآن بين المجيزين والمانعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1429(2/1775)
مناقشة الزعم بإشارة القرآن لانفلونزا الطيور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا يا إخوان:
الإعجاز العلمي يكشف عن انفلونزا الطيور في القرآن الكريم
هذا موضوع لباحث قرأته وأردت أن أنقله لكم
وهو لباحث ويقول فيه:
ولما حدث موضوع انفلونزا الطيور ظهرت أمامي آية أحفظها منذ سنين وأحسست أنها مرتبطة بموضوع أنفلونزا الطيور.
ولم أتسرع لأن الكلام في القرآن ليس هكذا إنما يجب أن نتأكد لئلا نتكلم في كتاب الله بلا علم.
فسألت أحد العلماء عن إحساسي هذا فقال متعجبا (سبحان الله) وتعجب جدا ونصحني بنشرها.
الآية تقول إن الناس سيفتقدون لحوم الطيور في زمن من الأزمان لسبب مجهول حتى أنهم سيتشوقون لها جدا (ولعل ذلك السبب مرض ما إذا أكلت تؤدي إليه فيحظر أكلها أو بسبب انقراضها لمرض أو إبادة جماعية لها) - وأن الله في الجنة سيجزي المؤمنين لحوم الطيور التي كانوا يشتاقون إليها في الدنيا جزاء لإيمانهم به.
وقد ذكر ذلك الله تعالى لحوم الطير خصوصا دون لحوم البقر أو الإبل أو الماعز فقال تعالى في سياق آيات النعم التي سينعم الله بها على المؤمنون في الجنة
(وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ {20} وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ {21} ) (سورة الواقعة)
فما الذي سيجعل الناس يشتهون لحوم الطير في الجنة خاصة إلا أن يكونوا قد حرموا منها في الدنيا
وهل نحن نتشوق فقط للحوم الطير في الدنيا ولا نتشوق مثلا للفاكهة التي ذكرت في الآيات ولكنها لم تقترن بلفظ يشتهون - مع أننا نتشوق للفاكهة وغيرها من المأكولات واللحوم الألذ في بعض الأحيان من لحوم الطير.
ولماذا لحوم الطير عامة وليس الدجاج أو البط أو الحمام فالظاهر من الآية أن سبب الاشتهاء سيكون بسبب افتقاد الناس للحوم الطيور عامة بجميع أنواعها.
أي أنه إن كان سبب الاشتياق مرض فإنه سيعم جميع أنواع الطيور وليس نوعا واحدا وذلك بسبب استطاعة الطيور السفر والهجرة ونقل المرض إلى جميع أنواع الطيور في العالم وفي أي مكان - (بالضبط كما يحدث الآن) - عكس جنون البقر مثلا الذي الذي كان محصورا ونستطيع السيطرة عليه لعدم طيران البقر مثلا مثل الطيور المهاجرة.
فنحن نرى اليوم بأم أعيننا الناس وهم يرمون الدجاج والبط والحمام والعصافير والسمان والأوز الحي والمجمد وغيره والحسرة تملأ أعينهم وهم في أشد الحاجة لأكل لحمه اللذيذ.
ألا ترون معي أن تلك إشارة قرآنية مما يحدث الآن فلو استمرت الدول في إعدام الطيور بهذه الطريقة سيؤدي ذلك لإنقراضها كما انقرضت الكثير من الحيوانات من قبل ويصبح لحم الطير ذكرى نتشوق إليها كلما سمعنا عنها.
وفي الجنة سيكون لحم الطير جزاء ومكافأة دون سائر لحوم البقر والضأن والجمل التي توجد في الجنة أيضا ولكن لم يذكر لنا الله في القرآن أننا سنتشوق لها.
فكما ترون الآن الناس تركت لحوم الطير واتجهت لشتى أنواع اللحوم الأخرى في تصديق عجيب للقرآن دون أن يقصدوا ليصبح لحم الطير قريبا من اللحوم التي نشتاق إليها جميعا.
فسبحان من ذكر تلك الآية المعجزة التي نحفظها عن ظهر قلب (ولحم طير مما يشتهون) .
وفي النهاية أحمد الله تعالى أن أنار أمامي الطريق لأرى عظمة كتاب الله وما فيه من المعجزات التي كنت أجهلها وأجهل عظمة معجزة محمد النبي الأمي (الذي لم يكن يقرأ ولا يكتب) صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين. انتهى.
جزاكم الله خيرا واحسن إليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم ينبغي له الاشتغال في تعلم القرآن وتعليمه عملا بحديث البخاري: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وبحديث البخاري: بلغوا عني ولو آية. وليهتم بتعليم نصوص القرآن وتفهم معانيها، وما يستنبطه أهل العلم بالتفسير من فقهها.
وأما التكلف في حمل القرآن على أفهام غير مؤكدة فلا يليق بالمسلم، فإن القرآن لم يذكر انقراض الطيور، كما أن الطيور حتى الآن لم تنقرض، ولا ندري هل ينتهي هذا المرض هذه الفترة من العالم، وتبقى الطيور تتناسل وتتكاثر.
وأما ذكر القرآن اشتهاء أهل الجنة للحم الطيور فليس نصا في فقدهم لها في الدنيا، ولو تصورنا أن أهل القرن الحادي والعشرين فقدوها، فهل من سبق من القرون لا يشتهيها.
ثم إن أهل الجنة يشتهون النساء فهل معنى هذا أنهم فقدوا النساء في الدنيا، فلم يكونوا تزوجوا في الدنيا؟!
ويدل لشهوتهم النساء ما في حديث النسائي: إن الرجل منهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة. اهـ
ثم إن شهوة اللحم عندهم ليست خاصة بلحم الطير؛ بل يشتهون اللحوم الأخرى، وقد نص أهل التفسير عند قوله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ {الزخرف: 71} أنهم يشتهون أنواع المطعوم والملبوس وغير ذلك، ويدل لاشتهائهم أنواع اللحوم قوله تعالى: وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ {الطُّور:22} قال ابن كثير: أي وأتحفناهم بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويشتهى. اهـ
وقال الشوكاني: أي زدناهم على ما كان لهم من النعيم بفاكهة متنوعة ولحم من أنواع اللحمان مما تشتهيه أنفسهم ويستطيبونه.
وقال ابن عاشور في تفسيره عند قوله تعالى: وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. هذا تبشير ببعض ما لهم من النعيم مما تشتاق إليه النفوس في هذه الحياة الدنيا لتشويقهم إلى هذا المصير فيسعوا لنواله بصالح الأعمال.
وليس في الاقتصار على المذكور هنا بمقتضى حصر النعيم فيما ذكر، فقد قال الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(2/1776)
الجهود الحثيثة لتجلية الحقائق العلمية في كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الجهود المتبعة للوصول إلى كشف الحقائق العلمية في الذكر الحكيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بذل المسلمون قديما وحديثا جهودا عظيمة أثبتت أن القرآن الكريم هو معجزة الإسلام الخالدة التي تتجلى فيها الحقائق العلمية والعجائب الكونية، وأنه كلمة الله الأخيرة لهداية الناس كافة، وصدق الله حيث يقول: سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق. {فصِّلت:53}
وفي هذا العصر عقدت عقدة مؤتمرات وندوات للبحث في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وكان أولها في مدينة إسلام أباد بباكستان سنة 1408 هـ 1987 م، وتتابعت المؤتمرات والندوات وجهود الأفراد، ونشرت الأبحاث عبر وسائل الإعلام وعلى المواقع الإلكترونية للشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) ، كما ألفت فيه الكتب والأبحاث، وأنشئت له أقسام في بعض الجامعات الإسلامية، وخصصت له مواقع على الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت)
وقد وضع أهل العلم ضوابط لمن يريد البحث في هذا الموضوع حتى لا يخوض فيه من هب ودب ممن ليس من أهل الاختصاص، نرجو أن تطلعي على هذه الضوابط وغيرها من الفوائد في الفتاوى التالية أرقامها: 43698، 61775، 18220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1427(2/1777)
التوافق بين الآية 57 من سورة الأحزاب وبين الرقم التسلسلي للمنتجات الدنماركية
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهينا) [الأحزاب: 57
لاحظ إن الآية تنتهي بالرقم التسلسلي للمنتجات الدانماركية وهي تتحدث عن أذى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ...
السؤال؟؟
- هل نؤيد مثل هذا الربط ونعتبره من معجزات القرآن أو إن الأمر مجرد مصادفة؟؟؟
أود الجواب في أسرع وقت.. لأهميته..
وجزاكم الله كل الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن جهة العموم فإن إعجاز القرآن أمر لا ينكر، فهو معجز من وجوه متعددة، وقد سبق أن بينا شيئا من ذلك بالفتوى رقم: 3183، وبخصوص الأمر المسؤول عنه فلا نستطيع الجزم بأن هذا التوافق بين الآية 57 من سورة الأحزاب وبين الرقم التسلسلي للمنتجات الدنماركية وهو نفس الرقم: 57 أن هذا من الإعجاز القرآني لأن هذا مما لا يجوز الكلام فيه بمجرد الظنون والأوهام، والذي نستطيع أن نقوله إن هذا من المصادفات الجيدة، وتراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 17108، والفتوى رقم: 16233، والفتوى رقم: 71673.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1427(2/1778)
وجه الإعجاز في قوله تعالى (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت خطيبا يقول إن هناك شجرة في العراق لو أخذت منها ورقتين خضراوين من شجرة معينة وحككتهما ببعض ينتج عن احتكاكهما شرار أي نار بسيطة، وحصل جدال بعد الخطبة بين بعض المصلين، فقال أحد المصلين كيف ورق أخضر ينتج عنه شرار، فقال الخطيب واستشهد بآية: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون. سورة يس، وحدث جدال شديد، فما رأي الدين في كلام الخطيب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل تفسير الآية التي سألت عنها، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 15485.
وجاء العلم الحديث بأمور من الإعجاز العلمي تحير الألباب، فقد كتب الدكتور زغلول النجار مقالاً قيما في وجوه الإعجاز في الآية الكريمة، يقول فيه:.... تقوم النباتات الخضراء بتثبيت أربعمائة مليار طن من الكربون المستخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون الجوي في أجساد النباتات سنوياً في المتوسط، وقد لعبت هذه العملية دوراً مهما في تكوين بلايين الأطنان من الفحم الحجري عبر تاريخ الأرض الطويل خاصة في صخور العصر الفحمي (الكربوني) .
والمنتجات النباتية هي مصدر الطاقة الحيوية في أجساد بني الإنسان وفي أجساد الحيوانات من آكلات الأعشاب، ومن فضلات كل من النبات والحيوان والإنسان تتكون جميع أنواع المحروقات، وذلك بعد تجفيفها أو دفنها وتحللها بمعزل عن الهواء.... إلى آخر ما كتبه.... ولك أن تقرأ بقية كلامه بالدخول على هذا الرابط:
http://www.ahram.org.eg/archive/2002/11/4/opin7.HTM
وعليه؛ فلا مانع من وجود تلك الشجرة التي قيل إنه لو أخذ منها ورقات خضر وحك بعضهما ببعض ينتج عن ذلك نار بسيطة، ولكن الآية لا ينبغي أن تتخذ دليلاً على أن هذا الأمر خاص بشجرة بعينها، وإنما هي دليل على أن الشجر كله مصدر من مصادر المحروقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1426(2/1779)
فتق السموات والارض ونظرية الانفجار الكبير
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير الآية الكريمة (أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض ... ) إلى آخره
وهل هناك تشابه وتطابق مع ما يسمي بنظرية الانفجار الكبير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 16975، 20193، 35709، 58191، 43698.
وراجع كتابات الموثوقين ممن كتب في هذا المجال أو حاضر مثل الشيخ الزنداني، وهي موجودة على الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1426(2/1780)
التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو عن جواز تفسير القرآن بالنظريات العلمية الحديثة
وهل يكون المفسر في حالة خطأ هذه النظرية آثما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد كثر الكلام عن حكم التفسير العلمي التجريبي المادي للقرآن، ووقع الناس فيه بين إفراط وتفريط، وانقسم العلماء إلى مجيزين ومانعين ولذا فلا بد من بسط القول وذكر ما نراه في ذلك.
ونورد هنا مقتطفات من بحث "التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين" للشيخ محمد الأمين ولد الشيخ.
وقد لخص البحث في آخره، ونحن نقدم هذه الخلاصة ثم نعود إلى بعض التفاصيل قال في آخر البحث: والإعجاز العلمي يعني تأكيد الكشوف العلمية الحديثة الثابتة والمستقرة للحقائق الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة بأدلة تفيد القطع واليقين باتفاق المتخصصين. وتهدف دراسته وإجراء البحوث فيه إلى إثبات صدق محمد صلَّى الله عليه وسلَّم في ما جاء به من الوحي بالنسبة لغير المؤمنين، وتزيد الإيمان وتقوي اليقين في قلوب المؤمنين وتكشف لهم عن عجائبه وأسراره، وتعينهم على فهم حكمه وتدبر مراميه. ويعتمد الإعجاز العلمي على الحقائق المستقرة التي تثبت بأدلة قطعية، ويشهد بصحتها جميع أهل الاختصاص، دون الفروض والنظريات. كما يجب أن يدل نص الكتاب أو السنة على الحقيقة العلمية بطريق من طرق الدلالة الشرعية، وفقاً لقواعد اللغة ومقاصد الشارع وأصول التفسير، فإن خرجت الحقيقة العلمية المدعاة عن جموع معاني النص لم تكن حقيقة في الواقع ونفس الأمر. ويجب أن يكون الباحث في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة من العلماء المشهود لهم بالتأهيل العلمي في مجال تخصصه، إضافة إلى قدرته على فهم النصوص الشرعية من مصادرها، والاستنباط منها، وفق قواعد اللغة وأصول التفسير، وعليه أن يستشير المتخصصين في العلوم الشرعية في ما يخفى عليه وجه الإعجاز فيه. ويستحسن أن تقوم بهذه البحوث مجموعات عمل تجمع الخبراء في العلوم الكونية والشرعية. وتقوم لجان الخبرة ومجموعات العمل التي تجمع المفسرين والعلماء الكونيين بإعداد البحوث وإجراء الدراسات في مجال الإعجاز العلمي، حتى توجد المؤسسات التعليمية التي تخرج العالم بمعاني التنزيل وحقائق العلم.اهـ
وقد ذكر جمعا من الفريقين -المجيزين والمانعين- فقال:
المجيزون للتفسير العلمي للقرآن الكريم:
أما مجيزو التفسير العلمي وهم الكثرة، فيمثلهم الإمام محمد عبده، وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد أبو زهرة، ومحدث المغرب أبو الفيض أحمد بن صديق الغماري، ونستطيع أن نعد منهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، صاحب أضوء البيان في تفسير القرآن بالقرآن. وهؤلاء الذين يتبنون التفسير العلمي للقرآن يضعون له الحدود التي تسد الباب أمام الأدعياء الذين يتشبعون بما لم يعطوا.
ومن هذه الحدود:
1- ضرورة التقيد بما تدل عليه اللغة العربية فلا بد من:
أ) أن تراعى معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي.
ب) أن تراعى القواعد النحوية ودلالاتها.
ج) أن تراعى القواعد البلاغية ودلالاتها. خصوصاً قاعدة أن لا يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية.
2- البعد عن التأويل في بيان إعجاز القرآن العلمي.
3- أن لا تجعل حقائق القرآن موضع نظر، بل تجعل هي الأصل: فما وافقها قبل وما عارضها رفض.
4- أن لا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض والنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص. أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسر بها القرآن، لأنها عرضة للتصحيح والتعديل إن لم تكن للإبطال في أي وقت.
المانعون من التفسير العلمي:
أما المانعون من التفسير العلمي فيمثلهم في هذا العصر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت، والأستاذ سيد قطب، ود. محمد حسين الذهبي.
وهؤلاء المانعون يقولون:
1- إن القرآن كتاب هداية، وإن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف.
2- إن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير.
3- إن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه والمغرمين به على التأويل المتكلف الذي يتنافى مع الإعجاز، ولا يسيغه الذوق السليم.
4- ثم يقولون: إن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روي عن معاذ أنه قال: يا رسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة. فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير، ثم ينقص حتى يعود كما كان. فأنزل الله هذه الآية: &64831; يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ... &64830; (البقرة:189) .
ولكن هل تكفي هذه الحجج لرفض التفسير العلمي؟
1- إن كون القرآن كتاب هداية لا يمنع أن ترد فيه إشارات علمية يوضحها التعمق في العلم الحديث، فقد تحدث القرآن عن السماء، والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، وسائر الظواهر الكونية. كما تحدث عن الإنسان، والحيوان والنبات.
2- ولم يكن هذا الحديث المستفيض منافياً لكون القرآن كتاب هداية، بل كان حديثه هذا أحد الطرق التي سلكها لهداية الناس.
3- أما تعليق الحقائق التي يذكرها القرآن بالفروض العلمية فهو أمر مرفوض، وأول من رفضه هم المتحمسون للتفسير العلمي للقرآن.
4- أما أن هذا اللون من التفسير يتضمن التأويل المستمر، والتمحل، والتكلف، فإن التأويل بلا داع مرفوض، وقد اشترط القائلون بالتفسير العلمي للقرآن شروطاً من بينها أن لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا قامت القرائن الواضحة التي تمنع من إرادة الحقيقة.
أما الاستدلال بما ورد في سبب نزول الآية: &64831; يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ &64830; فهو بحاجة إلى أن يثبت، وإلا فهو معارض بما رواه الطبري في تفسيره عن قتادة في هذه الآية: قالوا سألوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون &64831; هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ... &64830; فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم، ومحل دينهم في أشياء، والله أعلم بما يصلح خلقه.
وروي عن الربيع وابن جريج مثل ذلك. ففي هذه الروايات التي ساقها الطبري، أن السؤال هو: لم جعلت هذه الأهلة؟ وليس السؤال ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص؟ . ولذلك فإنه لا دليل في الآية على إبعاد التفسير العلمي.
ثم قال الباحث: والخلاصة:
1- أن التفسير العلمي للقرآن مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية.
2- ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية.
3- ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً.
4- وهو مرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع آخر، أو دل عليه صحيح السنة.
5- وهو مقبول بعد ذلك إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة، وحدود الشريعة، والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله.
6- وهو - أخيراً - مقبول ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب، فكتاب الله أعظم من ذلك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وقد عقد المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مدينة إسلام آباد بباكستان في الفترة من 25-28 من صفر 1408هـ الموافق 18-21 أكتوبر 1987م، وذلك تحت الرعاية المشتركة للجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، وهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ورابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.وقد اشترك في هذا المؤتمر 228 عالماً ينتمون إلى 52 دولة، كما شارك في هذا المؤتمر 160 مراقباً. ولقد قدم للؤتمر 78 بحثاً علمياً غطت 15 تخصصاً علمياً، تم اختيارها من بين أكثر من 500 بحث وردت للجنة المنظمة للمؤتمر من كل أنحاء العالم.
وقد خرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات كان أولها ما يلي:
يوصي المؤتمر الجامعات والمؤسسات التعليمية بالعناية بقضايا الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مناهجها الدراسية، والعمل على إعداد وتدريس مادة جديدة في كل كلية أو معهد تعنى بدراسة آيات وأحاديث الإعجاز العلمي الداخلة في تخصص هذه الكلية أو المعهد، وذلك لربط حقائق العلم بالوحي، تعميقاً للإيمان وتقوية لليقين في قلوب
الدارسين. اهـ
وقد ألف الشيخ عبد المجيد الزنداني كتابا مستقلا في تأصيل الإعجاز العلمي، ومما ورد في مقدمته قوله: وصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم.
والعلم: هو إدراك الأشياء على حقائقها. أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً.
والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي. وعليه فيعرف الإعجاز العلمي بما يلي:
تعريف الإعجاز العلمي: هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في ما أخبر به عن ربه سبحانه.
لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته: ولما كان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى أقوامهم خاصة، ولأزمنة محدودة فقد أيدهم الله ببينات حسية مثل: عصا موسى عليه السلام، وإحياء الموتى بإذن الله على يد عيسى عليه السلام، وتستمر هذه البينات الحسية محتفظة بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول، فإذا حرف الناس دين الله بعث الله رسولاً آخر بالدين الذي يرضاه، وبمعجزة جديدة، وبينة مشاهدة.
المعجزة العلمية تناسب الرسالة الخاتمة والمستويات البشرية المختلفة: ولما ختم الله النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ضمن له حفظ دينه، وأيده ببينة كبرى تبقى بين أيدي الناس إلى قيام الساعة، قال تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (الأنعام: من الآية19) ومن ذلك ما يتصل بالمعجزة العلمية.وقال تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ (النساء: من الآية166) .
وفي هذه الآية التي نزلت رداً على تكذيب الكافرين، بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم بيان لطبيعة المعجزة العلمية، التي تبقى بين يدي الناس، وتتجدد مع كل فتح بشري في آفاق العلوم، والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي.
قال الخازن عند تفسير هذه الآية: " لكن الله يشهد لك يا محمد بالنبوة، بواسطة هذا القرآن، الذي أنزله عليك" وقال ابن كثير: " فالله يشهد لك بأنك رسوله، الذي أنزل عليه الكتاب، وهو القرآن العظيم … ولهذا قال: أنزله بعلمه: أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه، من البينات والهدى، والفرقان، وما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويأباه، وما فيه من العلم بالغيوب، من الماضي والمستقبل.
وقال أبو العباس ابن تيمية: فإن شهادته بما أنزل إليه، هي شهادته بأن الله أنزله منه، وأنه أنزله بعلمه، فما فيه من الخبر، هو خبر عن علم الله، وليس خبراً عمن دونه، وهذا كقوله: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ (هود: من الآية14) وليس معنى مجرد كونه أنزله أنه معلوم له، فإن جميع الأشياء معلومة له، وليس في ذلك ما يدل على أنها حق، لكن المعنى: أنزله فيه علمه، كما يقال: فلان يتكلم بعلم، فهو سبحاه أنزله بعلمه، كما قال:
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (الفرقان: من الآية6)
وإلى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين. وهكذا تسطع بينه الوحي، المنزل على محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم - بما نزله فيه من علم إلهي، يدركه الناس في كل زمان ومكان، ويتجدد على مر العصور، ولذلك قال: " ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً، أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة". قال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: " ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرقه للعادة في أسلوبه، وفي بلاغته، وإخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من الأعصار، إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون؛ يدل على صحة دعواه … فعم نفعه من حضر ومن غاب، ومن وجد ومن سيوجد" إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ*وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (صّ:88) ، وبينة القرآن العلمية يدركها العربي والأعجمي، وتبقى ظاهرة متجددة إلى قيام الساعة. ففي القرآن أنباء تعرف المقصود منها، لأنها بلسان عربي مبين، لكن حقائقها وكيفياتها لا تتجلى إلا بعد حين. قال تعالى: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام:67) ، قال الفراء في تفسير الحين الذي ذكرته الآية أنه: " بعد الموت وقبله، أي لتظهر لكم حقيقة ما أقول (بعد حين) أي في المستأنف. " وذهب السدي الكبير إلى هذا المعنى، وقال ابن جرير الطبري، بعد ذكر الأقوال المتعددة، في تفسير الحين الذي ذكرته الآية: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: إن الله أعلم المشركين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين، من غير حد منه لذلك الحين بحد، ولا حد عند العرب للحين، لا يجاوز ولا يقصر عنه، فإذا كان ذلك كذلك، فلا قول فيه أصح من أن يطلق، كما أطلقه الله، من غير حصر ذلك على وقت دون وقت.
لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام:67) . وشاء الله أن يجعل لكل نبأ زمناً خاصاً يتحقق فيه، فإذا تجلى الحدث ماثلا للعيان أشرقت المعاني، التي كانت تدل عليها الحروف والألفاظ في القرآن، وتتجدد المعجزة العلمية عبر الزمان، وإلى هذا الزمن أشار القرآن في قوله تعالى: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام:67) ويبقى النبأ الإلهي محيطاً بكل الصور، التي يتجدد ظهورها عبر القرون. وقال ابن جرير الطبري: " لكل نبأ مستقر، يقول: لكل خبر مستقر، يعني قرار يستقر عنده، ونهاية ينتهي إليها ليتبين حقه وصدقه، من كذبه وباطله.وسوف تعلمون. يقول: وسوف تعلمون أيها المكذبون بصحة ما أخبر به". وقال ابن كثير: قال ابن عباس وغير واحد: أي لكل نبأ حقيقة، أي لكل خبر وقوع، ولو بعد حين، كما قال تعالى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (صّ:88)
لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (الرعد: من الآية38) .
إلى هذا ذهب كثير من المفسرين.
أنباء الأرض والسماء في القرآن والسنة، تتجلى في عصر الاكتشافات: وأن خبر القرآن والسنة، وما فيهما من أوصاف لما في الأرض والسماء، هو نبأ إلهي عما في الأرض والسماء، ممن هو أعلم بما خلق فيهما من أسرار. ُقلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (يونس: من الآية18)
فالخبر بما في الأرض والسماء، نبأ عما في الأرض والسماء. ولقد زخر القرآن والسنة، بأنباء الكون وأسراره، وتفجرت في عصرنا علوم الإنسان، باكتشافاته المتتالية، لآفاق الأرض والسماء، فحان الحين لرؤية حقائق العلم، الذي نزل به الوحي في القرآن والسنة. حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت: من الآية53) .
ولقد أعلنت البشرية اليوم قبولها العلم طريقاً إلى معرفة الحق، بعد أن كبلت طويلاً بأغلال التقليد الأعمى، فشيدت للعلم البناء، وفرغت لخدمته العلماء، ورصدت له الأموال، وما أن وقفت العلوم التجريبية على قدميها إلا وبدأت في تأدية رسالتها، التي حددها الله لها في جعلها طريقاً إلى الإيمان به، وشاهداً على صدق رسوله.
وقال الشيخ الزنداني أيضاً: الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي
فالتفسير العلمي: هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية
أما الإعجاز العلمي: فهو إخبار القرآن الكريم، أو السنة النبوية، بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية، في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهكذا يظهر اشتمال القرآن أو الحديث على الحقيقة الكونية، التي يؤول إليها معنى الآية أو الحديث، ويشاهد الناس مصداقها في الكون، فيستقر عندها التفسير، ويعلم بها التأويل، كما قال تعالى: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام:67)
وقد تتجلى مشاهد أخرى كونية عبر القرون، تزيد المعنى المستقر وضوحاً وعمقاً وشمولاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم فيزداد بها الإعجاز عمقا وشمولاً، كما تزداد السنة الكونية وضوحا بكثرة شواهدها المندرجة تحت حكمها.
وقال: ولقد قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي:-
(أ) علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود، يقبل الازدياد، ومعرض للخطأ.
(ب) هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية.
(ج) وفي الوحي نصوص ظنية في دلالتها، وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها.
(د) ولا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما.
(هـ) عندما يُري الله عباده آية من آياته، في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق، ويستقر التفسير، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص، بما كشف من حقائق علمية، وهذا هو الإعجاز.
(و) إن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتتابع في ظهورها جيلا بعد جيل.
(ز) إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص، وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية، لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شيء علما، وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلا على صحة تلك النظرية، وإذا كان النص ظنيا والحقيقة العلمية قطعية يؤوّل النص بها.
(ح) وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية، وبين حديث ظني في ثبوته، فيؤول الظني من الحديث، ليتفق مع الحقيقة القطعية، وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي.
وقال الشيخ الزنداني حفظه الله: وتتمثل أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في ما يلي:
1- في التوافق الدقيق بين ما في نصوص الكتاب والسنة، وبين ما كشفه علماء الكون من حقائق كونية، وأسرار علمية لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القرآن.
2- تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية في أجيالها المختلفة، من أفكار باطلة، حول أسرار الخلق لا يكون إلا بعلم من أحاط بكل شيء علما.
3- إذا جمعت نصوص الكتاب، والسنة الصحيحة، وجدت بعضها يكمل بعضها الآخر، فتتجلى بها الحقيقة، مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقة في الزمن، وفي مواضعها من الكتاب الكريم، وهذا لا يكون إلا من عند الله؛ الذي يعلم السر في السموات والأرض.
4- سن التشريعات الحكيمة التي قد تخفى حكمتها على الناس وقت نزول القرآن، وتكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات.
5- في عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة؛ التي تصف الكون وأسراره، على كثرتها، وبين الحقائق العلمية المكتشفة على وفرتها، مع وجود الصدام الكثير، بين ما يقوله علماء الكون، من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات، ووجود الصدام بين العلم، وما قررته سائر الأديان المحرفة المبدلة. وصدق الله القائل: &64831; وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) &64830; (العنكبوت:48-52) .
تنبيه:
وكلامنا هنا محصور في قضايا الإعجاز العلمي؛ الذي تسفر فيه النصوص عن معان لكيفيات وتفاصيل جديدة عبر العصور، أما ما يتعلق بالعقائد والعبادات، والمعاملات والأخلاق، فقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضح تفسيرها.
وقال الشيخ الزنداني حفظه الله: سرور رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بظهور التوافق بين الوحي، وبين الواقع:
روى مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس قال: … فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: " ليلزم كل إنسان مصلاه. ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري، كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال"، ثم ذكر لهم خبر تميم الداري ورحلته؛ التي استغرقت أكثر من شهر في البحر، وجاءت موافقة لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل. وكان الناس يشككون في نسب أسامة بن زيد، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها - قالت: إن رسول الله دخل عليَّ مسروراً، تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مجززاً نظر آنفا إلى زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد (وفي رواية، وعليهما قطيفة، قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما) فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض. وهكذا جاء الدليل من الواقع المشاهد؛ ليحسم الخلاف، فبرقت له أسارير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكم يسر المؤمن في عصرنا، وهو يشاهد حقائق الواقع، والمشاهدات الكثيرة، قد جاءت مصدقة لما جاء به الوحي، قبل ألف وأربعمائة عام.
فهذا تلخيص واف لأدلة المجيزين للتفسير العلمي وضوابط الأخذ به، ونحن مع هذا الرأي إذا انضبط بالشروط والقيود السابقة الذكر.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1424(2/1781)
آيات في الإعجاز العلمي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك آية في الإعجاز العلمي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهناك آيات كثيرة في القرآن تضمنت إعجازا علميا، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 25400، 39959، 12479، 24129.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 18220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(2/1782)
من أسس التفسير العلمي للقرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد آيه ذكر فيها بما معناها البكتيريا والقنابل الذرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم أن هنالك آية في كتاب الله دالة على ما ذكره السائل، ولم نقف على قول لأحد من أهل العلم المعاصرين في هذه المسألة، وبما أن هذا القول -إن وجد- ربما يصدر عمن يتصدى للحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، كان من المناسب أن نتطرق لبعض الأسس والقواعد التي لا بد منها عند البحث في هذا الأمر، ونلخص هنا القواعد التي ذكرها الشيخ عبد المجيد الزنداني -حفظه الله- في بحث له بعنوان "الإعجاز العلمي تأصيلاً ومنهجاً" فكان مما ذكره:
1- أن علم الله تعالى هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود، ومعرض للخطأ، ويقبل الازدياد.
2- أن هنالك نصوصاً من الوحي قطعية الدلالة، كما أن هنالك حقائق علمية كونية قطعية، وهنالك نصوص من الوحي ظنية الدلالة، كما أن هنالك نظريات في العلم ظنية في ثبوتها.
3- أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر، فلا بد أن هنالك خللاً في ثبوت قطعية أحدهما.
4- أنه إذا وقع تعارض بين دلالة قطعية للنص وبين نظرية علمية، رفضت هذه النظرية، لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شيء علما.
5- أنه إذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية وبين حديث ظني في ثبوته أو آية ظنية في دلالتها فيؤول الظني ليتفق مع الحقيقة العلمية، وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي.
هذا بعض القواعد التي ذكرها حفظه الله، والتي بمراعاتها ينضبط البحث في هذا المجال، ويسلك فيه سبيل القصد دون قصور أو شطط، وإذا لم تراع هذه الضوابط فقد يقع الإنسان في التكليف والقول على الله تعالى بغير علم وهو مما حرمه الله سبحانه، فقال: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] .
وفي ختام هذا الجواب نحيل السائل إلى الفتوى رقم:
26538، للمزيد من الفائدة حول نصوص الوحي والحقائق العلمية التجريبية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(2/1783)
إسهامات في الإعجاز العلمي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الإعجازالعلمي والنفسي في الآيات 97 - 117 من سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مركز الفتوى يعنى بالفتاوى والإجابة عن الاستفسارات، وليس بالتفسير، ويمكن للسائل الكريم الرجوع إلى كتب التفاسير، وهي كثيرة معلومة، لا تخلو منها مكتبة إسلامية، كما يمكنك الرجوع لمعرفة ما أسميته بالإعجاز النفسي الموجود في الآيات المذكورة، إلى كتب التأملات، ومن أجملها وأكملها "في ظلال القرآن" لسيد قطب رحمه الله، وأما بالنسبة للإعجاز العلمي فهناك إسهامات متفرقة للدكتور زغلول النجار، والشيخ عبد المجيد الزنداني حفظهما الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1423(2/1784)
التفسير العلمي لقوله تعالى:"أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرفها"
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما تفسير الآية >الآية 41 من سورة الرعد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد في تفسير الآية أقوال ذكرها المفسرون منها: أن المراد أولم يروا أنا نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرض بعد الأرض.
ومنها أن المراد: أولم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية.
ومنها أن المراد: نقصان أهلها وبركتها.
ومنها أن المراد: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير فيها.
رويت هذه الأقوال جميعاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال الإمام ابن كثير: والقول الأول أولى، وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية، كقوله تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى [الأحقاف:27] . وهذا اختيار ابن جرير. . انتهى
أما من الناحية العلمية فإن للآية عدة دلالات أثبتها العلم الحديث ومن ذلك:
- نقص الأرض من أطرافها بمعنى انكماشها على ذاتها وتناقص حجمها باستمرار، فمتوسط قطر الأرض الحالية يقدر بحوالي: 12742كم، ويقدر متوسط محيطها بنحو: 40042كم، ويقدر بأكثر من مليون مليون كم مكعب، وتفيد دراسات أن أرضنا مرت بمراحل متعددة من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابة الدخان الكوني التي تبحث عن عملية الانفجار العظيم إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسية، وبذلك خلقت الأرض أول شأنها، وكانت كتلة ضخمة من الرماد ذات حجم هائل يقدر بمائة ضعف حجمها الحالي على الأقل، ومكونة من عدد من العناصر الخفيفة، ثم ما لبثت تلك الكتلة أن رجمت بوابل من النيازك الحديدية، والحديدية الصخرية، والصخرية، كتلك التي تصل الأرض في زماننا.
وبحكم كثافتها العالية نسبيّاً اندفعت النيازك الحديدية إلى مركز تلك الكتلة، حيث استقرت، مولدة حرارة عالية، أدت إلى صهر كتلة الرماد التي شكلت الأرض، مما أدى إلى تمايزها إلى سبع أرضين، وللدكتور زغلول النجار بحث قيم في هذا، نقلنا أكثر كلامنا هنا عنه جزاه الله خيراً.. فيراجع.
ومما ذكر -حفظه الله تعالى- أن إنقاص الأرض يمكن أن يكون فيه إشارة إلى اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها، وذلك بفعل تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض، فإن الغلاف الصخري للأرض يمزق بواسطة شبكة هائلة من الصدوع العميقة التي تحيط بالأرض إحاطة كاملة وتمتد لعشرات الآلاف من الكيلومترات في الطول، وتتراوح أعماقها من 65 كم إلى 120 كم، وعدد ألواح الغلاف الصخري الكبيرة 12 لوحاً، وهناك عدد من الألواح الصغيرة نسبيّاً، ومع دوران الأرض يحدث التصادم بين هذه الألواح فتتداخل أو تتباعد مما يسبب الهزات الأرضية والبراكين.
- ومن إنقاص الأرض ما يعتري اليابسة من عوامل التعرية، ويوجد شريط مصور يوضح ذلك فينظر.
ولمزيد من الفائدة يمكن الرجوع إلى البحوث التي كُتبت في هذا من خلال مواقع الإعجاز العلمي على الشبكة الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(2/1785)
مواقع في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أرجوا إرسال جميع المواقع التي تتحدث عن الإعجاز العلمي والعددي في القرآن الكريم. وجزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب في إعجاز القرآن من عدة أوجه، ومن ذلك إعجازه علمياً، كما ثبت ذلك في العصر الحديث، وكذلك إعجازه العددي. لكن عند النظر في مسألة الإعجاز العددي فإن هنالك محاذير يجب الاحتراز من الوقوع فيها ومع الأسف الشديد فقد وقع فيها كثير من الناس لإثبات الإعجاز العددي في القرآن انظرها في الفتوى رقم:
17108.
وأما ما نعرفه من مواقع للإعجاز العلمي فنحيلك على هذين الرابطين وهما:
/http://www.raid7.50megs.com
http://www.geocities.com/rr_eem/Ala3gaz-Al3alme.htm
ونرجو أن تجد فيهما بغيتك وننبهك أن ما فيهما عهدته على ناشره، وليست علينا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(2/1786)
التعارض بين قطعي الوحي وقطعي العلم التجريبي غير ممكن
[السُّؤَالُ]
ـ[أجد أن كثيرا من تفاسير الآيات في التفاسير القديمة تنافي الحقائق العلمية اليوم وأجد تفاسير كثيرة لبعض الآيات ويختلط الأمر علي فمن العلماء من يقول إن معنى آية ''والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم'' بأن الشمس سوف تنطفئ بعد مليار سنة أو ما شابه ذلك وقد أثبت ذلك علميا ومنهم من يقول إن معنى الآية أن الشمس في حركة دائمة فكيف يعرف الإنسان الصحيح من التفاسير العلمية؟
بارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقطوع به هو أنه لا يمكن التناقض بين الحقائق العلمية وبين النصوص الشرعية. وإذا ظهر شيء من التناقض بينهما، فإن ذلك لا يخلو من أحد أمرين:
الأول: أن تكون النصوص المستدل بها في الموضوع غير صحيحة، أو أنها قد فسرت تفسيرا غير صحيح.
والثاني: أن تكون المعطيات التي استندت إليها التجربة العلمية غير صحيحة.
ويؤكد هذا فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني حفظه الله حيث يقول: لا يمكن أن يقع تعارض بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر فلا بد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما.
والقرآن فيه أنباء يعرف المقصود منها، لأنها بلسان عربي مبين، لكن حقائقها وكيفياتها قد لا تتجلى إلا بعد زمن. قال تعالى: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {الأنعام:67} .
وعليه، فلا غرابة في أن تجد بعض التفاسير يناقض حقائق علمية، لأن التفسير إذا لم يكن مستندا إلى الوحي فإن احتمال الخطأ فيه وارد؛ لأنه من كلام البشر.
وأما كيف يعرف الإنسان أياً من التفاسير العلمية هو الصحيح؟ فجواب ذلك أن التفسير إذا كان صاحبه يستند إلى نصوص قطعية الورود والدلالة، أو ثبتت مطابقة ما مشى إليه مع ما تحقق في الواقع، كان ذلك دالا على أنه صحيح. وإن اختل أحد الشرطين كان محتملا للخطأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1427(2/1787)
لا تعارض بين حركة الجنين في نهاية الشهر الثاني وحديث (يجمع خلق أحدكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء التنويه أن الاطباء يقولون إن الجنين يتحرك من نهاية الشهر الثاني أو أول الشهر الثالث الرجاء الإفادة بعد المقارنة مع الحديث، وجزاكم الله خيراً، رقم السؤال السابق هو 148581؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنين قبل نفخ الروح فيه تكون له حركة نمو واغتذاء لا إرادية كنمو النبات وحركته، بل إن الحيوان المنوي كان يتحرك وحده قبل التحامه بالبويضة وتمام التلقيح، وليس في الحديث المذكور ولا في غيره من نصوص الوحي ما ينفي هذا النوع من الحركة الذي هو نتيجة لقبول الغذاء والنمو والحياة.
أما الحركة الإرادية فلا تكون إلا بعد نفخ الروح وذلك لا يكون إلا بعد مائة وعشرين يوماً، كما في الحديث وكما قرره الأطباء ... ولهذا فلا تعارض بين ما يقوله الأطباء وبين ما ورد في الحديث، وقد تضمن هذا الحديث وأمثاله من نصوص الوحي من الإعجاز العلمي ما ظلت البشرية تجهله لقرون عديدة، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 9472، والفتوى رقم: 22096.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1426(2/1788)
لا نعلم آية تنص على وجود مخلوقات في الكواكب الأخرى.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم................ فضيلة الشيخ أود أن أستفسر عن الكائنات الفضائية حيث أنني كثيراً ما أسمع عنها، ولكنني أتجاهل الموضوع ولا أصدق شيئا مما يقال ولكن سمعت مؤخرا بأن هناك آية قرآنية تقول بأنه توجد حياة أخرى على الكواكب الأخرى فهل هذا صحيح فما رأيكم يا فضيلة الشيخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد البحث لم نعثر على من استشهد بآية من القرآن على وجود حياة على الكواكب مثل القمر والمريخ ونحو ذلك.
وفي القرآن آيات كثيرة تدل على أن لله خلائق من الأحياء مبثوثة في السماء والأرض، مثل قوله تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة) [الشورى:29]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1789)
لا يفسر القرآن على النظريات العلمية دون دليل قاطع
[السُّؤَالُ]
ـ[في بداية سورة النجم أقسم تعالى بالنجم إذا هوى. في كتاب: صفوة التفاسير. الذي أملكه وجدت تفسيرين للآية: الأول: أي يسقط من علو. والثاني: أي تنتثر النجوم يوم القيامة، لكن كانت هناك فكرة قد صعقتني فجأة ومصدرها معارفنا اليوم حول حياة النجوم، حيث منها من تنهار على نفسها عند نهاية حياتها وقد تتحول إلى ثقب أسود والفعل هوى ينطبق جيدا على هذه الحالة. فما رأي سعادتكم في هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن العظيم يفسر بما تفيده دلالة الألفاظ اللغوية ولا يحمل على النظريات من دون دليل واضح، وهوى في اللغة بمعنى سقط كما في القاموس، وظاهر القرآن يفيد أن من الأحداث التي تحصل عند قيام الساعة تساقط النجوم كما يدل له قوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ. {التكوير: 1-2} .
وقد ذكر بعض الباحيثن في أمور الإعجاز العلمي في القرآن أنه حدث انفجار في نجم عملاق يبلغ وزنه 150 ضعف الشمس في السنوات الماضية.
ذكر ذلك ابن عبد الدائم الكحيل في موقعه نقلا عن مقالة في موقع شبكة، cnn ولكن سقوط نجم ما أو انفجاره في سنة ما لا يجعلنا نحمل الآية عليه، إذ ربما يسقط آخر في عام لاحق، وربما تكون سقطت نجوم كثيرة فيما سبق. وراجع الفتوى رقم: 43698.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1430(2/1790)
لا تعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول
[السُّؤَالُ]
ـ[الدين والعلم افتراق أم اتفاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدين الحق دين الله تعالى الذي بعث به أنبياءه عليهم السلام، وختمه برسالة محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتعارض أو يتناقض مع الحقائق العلمية التجريبية الثابتة ولا مع العقول الصحيحة.
لأن الدين الصحيح من عند الله تعالى خالق الكون ومن فيه وما فيه كما قال تعالى: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {الفرقان: 6} .
وقال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك: 14} .
يقول فضيلة العلامة عبد المجيد الزنداني حفظه الله: لا يمكن أن يقع تعارض بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر فلابد أن هناك خللاً في اعتبار قطيعة أحدهما.
وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول وهو مطبوع في عشرة أجزاء، وقد قرر فيه أنه لا يمكن تعارض صحيح النقل مع صريح العقل، أما الدين المحرف فإنه يمكن أن يفترق مع حقائق العلم ومسائل العقل.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 16595، 43698، 28511.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1426(2/1791)
لا تعارض بين حركة الجنين في نهاية الشهر الثاني وحديث (يجمع خلق أحدكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء التنويه أن الاطباء يقولون إن الجنين يتحرك من نهاية الشهر الثاني أو أول الشهر الثالث الرجاء الإفادة بعد المقارنة مع الحديث، وجزاكم الله خيراً، رقم السؤال السابق هو 148581؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنين قبل نفخ الروح فيه تكون له حركة نمو واغتذاء لا إرادية كنمو النبات وحركته، بل إن الحيوان المنوي كان يتحرك وحده قبل التحامه بالبويضة وتمام التلقيح، وليس في الحديث المذكور ولا في غيره من نصوص الوحي ما ينفي هذا النوع من الحركة الذي هو نتيجة لقبول الغذاء والنمو والحياة.
أما الحركة الإرادية فلا تكون إلا بعد نفخ الروح وذلك لا يكون إلا بعد مائة وعشرين يوماً، كما في الحديث وكما قرره الأطباء ... ولهذا فلا تعارض بين ما يقوله الأطباء وبين ما ورد في الحديث، وقد تضمن هذا الحديث وأمثاله من نصوص الوحي من الإعجاز العلمي ما ظلت البشرية تجهله لقرون عديدة، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 9472، والفتوى رقم: 22096.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1426(2/1792)
شبهة حول الإعجاز العلمي في القرآن وجوابها
[السُّؤَالُ]
ـ[،
أود منكم الرد على هذه الشبهة:
يقول أحدهم إنه من الممكن أن تكون الأشياء المذكورة في القرآن الكريم في مسائل الإعجاز العلمي من مثل مراحل تطور الجنين أو مثل مسألة اتساع الكون وما إلى ذلك من الممكن أن يكون - والعياذ بالله- عن طريق إخبار الجن حيث إن لهم من القدرات بحيث يطلعون على داخل الإنسان أو يجوبون في أنحاء الكون، أرجو الرد على هذه الشبهة بالتفصيل ثبتنا الله تعالى وإياكم، وهل مثل هذا السؤال في حد ذاته يعد كفرا إن كنت أكره هذه الشبهة جدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه أفكار باطلة متهاوية وافتراءات شنيعة، والدافع إليها شدة الحقد والحسد والكراهية للدين وأهله، والرغبة في زعزعة الإيمان عند عوام المسلمين، وهيهات هيهات. قال الله تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {الصف: 8} وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ {الأنفال: 36}
أما القرآن الكريم فهو كتاب الله المعجز الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، أنزل الله به الأمين جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وأخبر فيه سبحانه أن الشياطين من الجن لا يمكنها النزول به. قال تعالى: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ {الشعراء: 210} قال ابن كثير: ثم ذكر أنه يمتنع عليهم ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها أنه ما ينبغي لهم أي ليس هو من بغيتهم ولا من طلبهم، لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وهذا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونور وهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة، ولهذا قال تعالى: وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وقوله تعالى: وَمَا يَسْتَطِيعُونَ أي ولو انبغى لهم ما استطاعوا ذلك. قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ {الحشر: 21} ثم بين أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته لما وصلوا إلى ذلك لأنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله، لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا في مدة إنزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه لئلا يشتبه الأمر، وهذا من رحمة الله بعباده وحفظه لشرعه وتأييده لكتابه ولرسوله، ولهذا قال تعالى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ. اهـ.
وأيضا هذه الشبهة دعوى لا أساس لها، فما الذي منع الجن أن يوحوا بمثل ما فيه من المعجزات إلى أوليائهم من الكافرين والسحرة والمشعوذين، ثم ما الدليل على أن الجن عندهم القدرة على إدراك تلك المعجزات وفهمها فضلا عن الإخبار بها وتعليمها.
فالواجب على المسلم أن يؤمن بالقرآن وبالكتب المنزلة من عند الله تعالى عملا بقول الله تعلى: قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ.. {البقرة: 136} .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا {النساء: 136}
فمن أنكر أن القرآن ليس منزلا من عند الله وادعى أنه من أخبار الجان يعتبر مكذبا للنبي صلى الله عليه وسلم وللقرآن. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، ولكن مجرد السؤال عن هذه الشبهة مع عدم اعتقادها لا يعتبر كفرا.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع ومعرفة ضوابط التكفير: 32547، 13174، 721، 19084، 11128.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1426(2/1793)
حديث القرآن الكريم عن الكواكب والفلك
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل هناك دليل من القرآن الكريم أوالسنة على وجود كواكب المجموعة الشمسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبداية من الضروري أن نضع بين يدي السائل الكريم، قاعدة ضرورية في هذا الموضوع - موضوع علاقة القرآن بالعلوم الطبيعية - فنقول:
إن القرآن الكريم كتاب هداية أنزله الله عز وجل لمقصد عظيم في حياة البشر، وهو هدايتهم إلى خالقهم، وكيف يعبدونه، وما هي مبادئ الأخلاق والقوانين التي ينبغي أن تحكم تعاملات الناس بعضهم مع بعض، فليس القرآن بكتاب علوم طبيعية، وإن حوى في هذا الصدد الكثير من الإشارات في مجال الطب والفلك والجيولوجيا ... الخ.
قال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:15-16] .
ولقد سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدورة الفلكية للقمر، ولما كانت على هذا النحو في ظهورها ونموها وتناقصها ما بالها تصنع هذا؟ كما قال تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ... [البقرة:189] .
فكانت الإجابة: قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ [البقرة:189] .
فلم يحدثهم عن وظيفة القمر في المجموعة الشمسية أو في توازن حركة الأجرام السماوية مع أن ذلك كله داخل في مضمون هذا السؤال: لماذا خلق الله الأهلة؟
فما هو الإيحاء الذي ينشئه هذا الاتجاه في الإجابة؟
لقد عدل عن الإجابة (العلمية) التي لم يأت القرآن من أجلها، وليس مجالها القرآن. إذ القرآن قد جاء لما هو أكبر من تلك المعلومات الجزئية، ولم يجئ ليكون كتاب علم فلكي أو كيماوي أو طبي، كما يحاول بعض المتحمسين له أن يلتمسوا فيه هذه العلوم، وقد يبلغ الحماس ببعض المتحمسين لهذا القرآن أن يحاولو أن يضيفوا إليه ما ليس منه، كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه.
إن القرآن ليس في حاجة لذلك.. إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها، لأن موضوعه هداية الإنسان ذاته الذي يكتشف هذه المعلومات وينتفع بها، وأَعْظِمْ بهذا من موضوع!!
ولكن مع هذا المقصد الأساسي لنزول القرآن، فإن القرآن الكريم يتعرض إلى الكون بما فيه من السماوات والأرض في أكثر من ألف آية بهدف الاستشهاد بقدرة الخالق -عز وجل- غير المحدودة وعلمه وحكمته تعالى الذي خلق هذا الكون، والقادر أن يعيده كما بدأه تارة أخرى.
وقد حوت هذه الآيات عدة حقائق علمية غير قابلة للجدل عن الكون بما يبرهن للأجيال القادمة التي سوف يكشف لها من العلوم ما لم يكشف لمن قبلها، أن القرآن هو كلام الله الموحَى من الخالق عز وجل، كما قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53] .
ولكن لابد أن ننتبه هاهنا إلى أنه من الخطأ البالغ أن نعلق تفسير الحقائق والإشارات العلمية التي يذكرها القرآن بما يفترضه العقل البشري من نظريات علمية قد تصح وقد لا تصح، فحقائق القرآن حقائق نهائية قاطعة مطلقة.
أما ما يصل إليه البحث الإنساني عن طريق الفرض والنظريات فهو - ما لم يثبت ثبوتاً قاطعاً مزيلاً لأي شك - حقائق غير نهائية ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود عقل الإنسان ومعارفه، وهي دائماً قابلة للتغيير والتعديل والنقص والإضافة، بل قابلة لأن تنقلب رأساً على عقب بظهور أداة كشف جديدة، أو تفسير جديد.
مما يجعل من انساق خلفها ليفصِّل القرآن على مقاسها في حاجة دائمة إلى التأويل المستمر والتمحل والتكلف في تفسير النصوص كي توافق نظريات قد لا تثبت، وكل يوم يجد فيها جديد.
وإذا تقرر هذا، فقد ورد في القرآن العديد من الآيات تتحدث عن الكواكب والنجوم والشمس والقمر، فقال تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [الصافات:6] .
وقال تعالى: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ [الانفطار:2] .
وقال جل وعلا: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75] .
وقال جل جلاله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [لقمان:29] .
ومن الثابت علمياً أن الأرض أحد كواكب تسعة تدور حول الشمس مكونة ما يسمى باسم المجموعة الشمسية، وهذه الكواكب تترتب في مدارات حول الشمس من الداخل إلى الخارج كما يلي: عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ، والمشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون، وبلوتو.
ولكن ليس في القرآن أو السنة -في حدود ما نعلم- ما يدل صراحة على هذه المجموعة الشمسية على النحو الذي قدمناه، وإنما جاء الحديث في ذلك عاماً عن الكواكب والنجوم والأفلاك وجريانها ووظائفها، وأنها مربوبة لخالقها مسخرة بأمره خاضعة له، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1423(2/1794)
التفسير الشرعي والعلمي للآية 43 من سورة النور
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل هناك تفسير علمي للآية الكريمة رقم 43 من سورة النور. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية التي يسأل عنها السائل الكريم هي قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [النور:43] .
قال المفسرون: (يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي: يجمع بينه. (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً) أي: متراكما بعضه فوق بعض. (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي: فترى المطر يخرج من بين السحاب الكثيف. (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ) أي: ويُنَزّل من السحاب الذي هو كأمثال الجبال برداً. (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ) أي: فيصيب بذلك البرد من يشاء من العباد فيضره. (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ) أي: ويدفعه عمن يشاء فلا يضره، وكما ينزل المطر من السماء وهو نفع للعباد كذلك ينزل منها البرد وهو ضرر للعباد، فسبحان من جعل السحاب مصدراً للخير والشر. (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) يخطف أبصار الناظرين من شدة لمعانه وقوة ضوئه.
هذا باختصار ما قاله المفسرون في تفسير هذه الآية.
وأما التفسير العلمي لهذه الآية، ففي محاضرات وأحاديث الشيخ الزنداني والدكتور طارق السويدان عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:
أن هذه الآية إحدى آيات ثلاث في القرآن الكريم تتحدث عن المطر، وأنواع السحب، وهذه الآية هي الآية المذكورة هنا، وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الروم:48] .
وقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً) [النبأ:15-16] .
وقد قسم علماء الطقس -في العصر الحديث- أنواع السحب إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
السحب الركامية: وإليها تشير الآية الأولى (آية النور) .
السحب المبسوطة: وإليها تشير الآية الثانية (آية الروم) .
سحب الأعاصير: وإليها تشير الآية الثالثة (آية النبأ) .
وهذه الأنواع الثلاثة تتفرع عنها أنواع كثيرة أوصلها بعضهم إلى ثمانين نوعاً، وبعضهم اختصرها في اثني عشر نوعاً، ولكنها ترجع في أصلها إلى هذه الأنواع الثلاثة المذكورة في القرآن الكريم.
ويسمونها بالإنجليزية: كيوملس، السايرس، التورنيدس.
والقرآن الكريم يحدثنا عن كل نوع من هذه الأنواع، ويبين لنا خصائصه ومميزاته، وننقل لك ملخصاً عن ما قاله علماء الطقس في هذا العصر عن النوع الأول، وهو المذكور في الآية التي سألت عنها، وهو السحب الركامية.
يقولون: وطبيعة هذا النوع من السحب أنها ضخمة كبيرة، ولكن مساحتها صغيرة، حيث تمتد ثمانية كيلومترات، وإذا توسعت فلا تتجاوز عشرة كيلومترات، ولكنها تتصاعد عمودياً، وتتراكم فوق بعضها حتى يصل حجم الواحدة منها إلى حوالي عشرين كيلومتراً كأنها جبل.
هذه السحب تتكون من ثلاث طبقات:
الطبقة السفلى: وهي القريبة منا مملوءة بنقاط الماء الصغيرة.
وأما الطبقة الوسطى: فيوجد بها بخار ماء درجته أقل من الصفر، لأنه في ضغط أقل من الضغط الجوي، وهذا البخار يتجمد بسرعة عندما يصطدم بأي جسم صلب.
وأما الطبقة العليا: فتوجد بها بلورات الثلج الجامدة، وعندما تنزل هذه البلورات تصطدم ببخار الماء في الطبقة الوسطى الجاهزة للتجمد فيتجمد حواليها، فيتكون البرد فيبدأ ينزل، فيصيب نقاط الماء في الطبقة السفلى، فتتجمع حوله فينزل مطراً.
وهذا النوع من السحب في داخله تيار هوائي قوي يصعد للأعلى فيبرد، وينزل للأسفل فيسخن، وصعوده ونزوله مستمر، وعملية التدفئة والتبريد مستمرة، والبردة التي تجمع حولها الماء من قوة التيار يدفعها إلى الأعلى، فيحيط بها مزيد من الجليد فتكبر وتثقل، فتنزل لتصيب مزيداً من بخار الماء المبرد فيتجمع حواليها، فتثقل فتنزل أكثر، فيأتي التيار الهوائي ليصعد بها، تستمر هذه العملية إلى أن يأتي وقت لا يستطيع التيار الهوائي أن يرفعها، لأنها تكون ثقيلة جداً، فتبدأ بالنزول، فتذوب شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى الأرض وهي صغيرة الحجم.
ويثبت العلم الحديث أن هذا النوع من السحب (الركامي) يختلف عن غيره، فهو الذي يحدث فيه البرق والرعد يقول تعالى: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) .
ويقولون: إن البرق يسببه البرد بانتقاله من أسفل إلى أعلى، فتتغير شحناته الكهربائية، ومع انتقال الشحنات الكهربائية وتجمعها يحدث تفريغ، فتحدث شرارة، ويحدث وراءها صوت الرعد بسبب خلخلة الهواء، ومن هنا يحدث الرعد والبرق.
ولهذا قال تعالى: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) والضمير في (بَرْقِهِ) يعود إلى البرد، لأنه أقرب مذكور، وقيل إلى السحاب.
وإذا قرأنا الآية الكريمة وتأملنا ما ذكره علماء الطقس علمنا أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأنه معجزة الإسلام الخالدة، وصدق الله العظيم حيث يقول: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت:53] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1423(2/1795)
بعض أسرار القسم بـ (التين والزيتون)
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا أقسم الله تعالى "بالتين والزيتون" وما وجه الإعجاز القرآني في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما من شيء يقسم الله تعالى به إلا وفي ذلك دلالة على فضله وعظمته، وفي ذلك لفت الأنظار إلى عظيم قدرة الله وعجيب صنعه، ومن ذلك الإقسام بالتين والزيتون.
وقد أوردت كتب التداوي بالأعشاب ما في التين والزيتون من فوائد، فمما ذكر من فوائد التين ما يلي:
أولاً: أنه يحتوي على نسبة عالية من المواد المعدنية، أهمها الحديد والنحاس والكالسيوم، وهي المواد التي تساعد خلايا الجسم على أداء عملها.
ثانياً: أنه يحتوي على نسبة عالية من المواد السكرية التي تعطي الجسم القدرة على العمل، فكل 100 جرام من التين الطازج تعطي الجسم 70 سعرة حرارية.
ثالثاً: أنه يحتوي على مقادير جيدة من فيتامين "ب" لذلك يعتبر التين أكثر تغذية من جميع الفواكه.
رابعاً: أنه يفيد في حالات الإمساك، لأنه ملين للمعدة.
خامساً: أنه يقلل من الحوامض في الجسم، ومفيد للحوامل والرضع.
هذا بعض مما ورد من فوائد التين.
أما الزيتون فإن له استعمالات علاجية كثيرة، ومن ذلك:
أولاً: أن ورقه يمضغ لعلاج التهابات اللثة والحلق.
ثانياً: أنه يستعمل لبخاً على الأورام، ولاسيما أورام اللوزتين والحلق.
ثالثاً: هنالك فوائد صحية عديدة لزيت الزيتون يمكن للسائل مراجعتها تحت بند "طب وعلوم وتكنولوجيا" بالشبكة، فقد ذكرت بالتفصيل.
ومن الممكن أن يخفى على الناس أضعاف ما علموا من الفوائد والأسرار التي توجد في هاتين الشجرتين، فسبحان خالقهما، المبدع في صنعهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1423(2/1796)
هل يتمكن العلم من نقل الإنسان في لحظات آلاف الكيلومترات
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقولون في من يقول إن العلم سيتمكن من نقل الإنسان روحاً وجسداً في لحظات ضوئية آلاف الكيلومترات؟ أرجو التوضيح]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا مانع من أن يتمكن العلم الحديث من اكتشاف أساليب لنقل الإنسان روحاً وجسداً في لحظات إلى آلاف الكيلومترات، وفقاً لأسس علمية صحيحة وسنن الله في هذا الكون، وليس في الدين ما يمنع ذلك، بل ليست هنالك خصومة أصلاً بين العلم الحديث والدين، بل إن الدين يدعو إلى ذلك، كما قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود:61] . أي: طلب منكم إعمارها، وهيأ لكم كل الوسائل التي تقودكم إلى ذلك.
لكن الذي يجب أن لا يغيب عن الأذهان هو: أن ذلك لا يتم إلا بتقدير من الله عز وجل، كما قال تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) [النحل:8] .
وكلما تمكن الإنسان من اكتشاف جديد، دل ذلك على عمق جهله، فيظل هذا الجديد غائباً عنه أزماناً مطاولة، ويكفي في الدلالة على جهل الإنسان أنه لم يستطع معرفة كُنه بعض الأشياء التي هي مرتبطة به كحقيقة الروح، وماهية الموت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1423(2/1797)
الإعجاز في استعمال القرآن أن الشمس ضياء والقمر نور
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول القرآن الكريم أن الله تعالى جعل القمر ضياءً, ولكن العلم الحديث أثبت أن القمر لا يوجد به ضوء سوى أنه يعكس ضوء الشمس؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد فرق الله سبحانه في الآية الكريمة بين أشعة الشمس والقمر، فقال: (هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً) [يونس:5] فسمى أشعة الشمس ضياءً، وسمى القمر نوراً، والمشكلة أن أكثر القواميس غير العربية (الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية) لا تفرق بين الضياء والنور، وبناءً على ذلك ظن الكثيرون أنهما بمعنى واحد، حيث درسوا العلوم الحديثة بهذه اللغات، والواقع أنهما غير متحدين، كما أثبت ذلك بعض العاملين في الإعجاز العلمي فقال: (دعنا نستعرض بعض الآيات الأخرى التي تذكر أشعة الشمس والقمر، فلنأخذ مثلاً: الآيتين: (وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً) [نوح:16] و (وبنينا فوقكم سبعاً شداداً*وجعلنا سراجاً وهاجاً) [النبأ:12-13] نجد أن الله سبحانه وتعالى سمى الشمس مرة بالسراج، وأخرى بالسراج الوهاج، والسراج هو المصباح الذي يضيء بالزيت أو الكهرباء. أما أشعة القمر فقد أعاد الخالق تسميتها بالنور، وإذا نحن تذكرنا في هذا الصدد معلوماتنا في الفيزياء المدرسية لوجدنا أن مصادر الضوء تنقسم عادة إلى نوعين: مصادر مباشرة: كالشمس، والنجوم، والمصباح، والشمعة وغيرها، ومصادر غير مباشرة كالقمر والكوكب. والأخيرة هي الأجسام التي تستمد نورها من مصدر آخر مثل الشمس، ثم تعكسه علينا.
أما الشمس والمصباح فهما يشتركان في خاصية واحدة، وهي أنهما يعتبران مصدراً مباشراً للضوء، ولذلك شبه الخالق الشمس بالمصباح الوهاج، ولم يشبه القمر في أي من الآيات بمصباح. كذلك سمى ما تصدره الشمس من أشعة ضوءاً.
أما القمر فلا يشترك معهما في هذه الصفة، فالقمر مصدر غير مباشر للضوء، فهو يعكس ضوء الشمس إلينا، فنراه ونرى أشعته التي سماها العليم الحكيم: نوراً. ومن العجيب حقاً أننا لم نستوعب هذه الدقة الإلهية في التفرقة بين ضوء الشمس ونور القمر، فكان المفروض أن نفرق بين الضوء والنور، ونسمى الأشعة التي تأتي من مصدر ضوئي مباشر بالضوء، وتلك التي تأتي من مصدر ضوئي غير مباشر بالنور، ولكنا خلطنا لغوياً بين الضوء والنور، واقتصرنا في العلوم على استخدام كلمة الضوء، ونسينا مرادفها وهو: النور، والسبب واضح، ففي الإنجليزية والفرنسية بل والألمانية، وهي اللغات التي جاءت عن طريقها العلوم الحديثة -لا يوجد إلا مرادف واحد- ولم يخطر ببالنا أو ببال المترجمين (ligt-lumiere-licht) لهذا المعنى وهو بالترتيب، أن اللغة العربية أغنى منهم وأدق، ففيها مرادفين لهذه الكلمة يجب أن نفرق بينهما تبعاً لنوعية مصدر الضوء، سواء أكان مباشراً أو (غير مباشر) المصدر: (آيات قرآنية في مشكاة العلم) : للدكتور: يحيى المحجري.
ويمكنك الرجوع إلى كتاب (العلم طريق الإيمان) للشيخ عبد المجيد الزنداني. -حفظه الله- وغيره مما كتب في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1422(2/1798)
مياه عذبة وسط مياه المحيط المالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن توافوني بالآية التي تدل على وجود بحر ذي مياه عذبة وسط مياه المحيط المالحة وتفسيرها؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ... فإذا كان قصدك بيان الآية الدالة على أن الله جل وعلا مرج بحرين أي خلط بينهما بدون أن يمتزجا فهي قوله تعالى: (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً) [الفرقان:53] . ومعنى الآية أن الله عز وجل بين أن من دلائل قدرته أنه خلق المائين: الحلو والملح، فالحلو كالأنهار والعيون والآبار، وهذا هو البحر الحلو العذب الفرات الزلال، فمثلاً الدجلة والفرات نهران جاريان عذبان يصبان في الخليج فوق مدينة البصرة فيشق الماء العذب البحر شقاً حتى يصل إلى الطرف الثاني دون أن يختلط فسبحان من جعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً وهذا من عظيم قدرته كيف أن المائين لا يختلطان حتى يشق هذا ذلك إلى الطرف الثاني ولا يبغي أحدهما على الآخر بالاختلاط. فالبحار مالحة، والأنهار والعيون والآبار عذبة وهذا هو المراد بالبحرين. وقيل: الملح البحار كلها، والعذب ماء الأمطار النازل من السماء، وهو عذب. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1799)
عدم كتابة الألف في رسم كلمة باءو في المصحف
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حذفت ألف باءو في قوله تعالى (باءو بغضب) في سورة البقرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل العلم برسم القرآن في الغالب لا يذكرون ما يقنع في علة مخالفة الرسم للقواعد الإملائية إلا فيما كان الخلاف فيه لمراعاة قراءة قرانية، ومن هذا الذي لم تذكر له علة واضحة عدم وجود الألف المزيدة في جاءوا وباءوا وما أشبهها، وقد تكلم على هذا الشيخ محمد العاقب الشنقيطي في منظومته في الرسم المسماة كشف العمى فقال:
والخط فيه معجز للناس وحائد عن مقتفي القياس
لا تهتدي لسره الفحول ولا تحوم حوله العقول
ليظهر الإعجاز في المرسوم منه كما في لفظه المنظوم
وما أتى من صور مزيده فيه وحذف أحرف عديده
كالياء إذ زيدت لدى بأييد وحذفت من قوله ذا الأيدي
والألف المرسوم في لفظ سعوا في الحج دون غيرها وفي عتوا
فكل ذا العلة مقدرة وحكمة عن الحجا مخدرة
وقد تكلف شيوخ الكتبة فسارعوا فيه لنحت الأجوبة
فذكروا من ذاك ما لا يقنع قلبا ولا غل غليل ينقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(2/1800)
كيفية رسم كلمة رأى في المصحف
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذ كتبت كلمة رأى وكلمة راء بهذه الطريقه في المصحف وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت كلمة رأى في سورة النجم مكتوبة بهمزة فوق الألف وبعدها ياء، ووردت في باقي القرآن مكتوبة بهمزة على السطر بعدها ألف، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن كتابة القرآن بالرسم المعروف من إعجاز القرآن وأنها لا تعلل، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 26916، والفتوى رقم: 39307، والفتوى رقم: 39046.
وقد ذكر الشيخ محمد شملول في دراسة له في إعجاز كتابة القرآن ذكر في هذه الدراسة أن الكلمات التي كتبت همزة رءا فيها على السطر كانت الرؤية فيها بصرية، فجاءت نهاية الكلمة بالألف لتدل على وجود حاجز للرؤية أو حدود لها، وأما آيتا النجم فالرؤية فيهما رؤية البصيرة النافذة أو رؤية الفؤاد حيث كانت الرؤية الحقة بدون حدود لما بلغ صلى الله عليه وسلم السموات العلى وسدرة المنتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1429(2/1801)
التقديم والتأخير في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تبارك وتعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون.
ويقول كذلك: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا.
سؤالي هو لماذا قال الله في الآية الأولى كونوا قوامين لله شهداء بالقسط وفي الآية الثانية العكس، وكذلك في الأولى قال خبير بما تعملون وفي الثانية قال بما تعملون خبير.
أفيدونا في هذا جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتقديم والتأخير في القرآن وجه من أوجه البلاغة فيه، وهو كثير. وقد ذكر ابن الجوزي طرفا كبيرا منه في كتابه المدهش.
قال: فصل في المقدم والمؤخر.
وأورد فيه: في البقرة (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) وفي الأعراف (وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا) .
في البقرة (والنصارى والصابئين) وفي الحج (والصابئين والنصارى) .
في البقرة والأنعام (قل إن هدى الله هو الهدى) وفي آل عمران (قل إن الهدى هدى الله) .
في البقرة (ويكون الرسول عليكم شهيدا) وفي الحج (شهيدا عليكم) .
في البقرة (وما أهل به لغير الله) وفي باقي القرآن (لغير الله به) .
في البقرة (لا يقدرون على شيء مما كسبوا) وفي إبراهيم (مما كسبوا على شيء) .
في آل عمران (ولتطمئن قلوبكم به) وفي الأنفال (به قلوبكم) .
في سورة النساء (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) وفي المائدة (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) .. .
ولم نقف على من علل هذا التقديم والتأخير من المفسرين، لكنه لا يخفى ما فيه من الحسن والبلاغة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(2/1802)
هاء السكت في قوله تعالى (كتابيه)
[السُّؤَالُ]
ـ[لم رسمت هاء زائدة في كلمة (كتابيه) في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الهاء هنا تسمى هاء السكت، وقد رسمت في المصحف هكذا، ولذلك تقرأ كما رسمت، وهذه الهاء قد جاءت في عدة آيات من القرآن الكريم وأكثرها في سورة الحاقة، ففي فتح القدير للشوكاني عند تفسير الآية المشار إليها: والهاء في كتابيه وحسابيه وسلطانية وماليه، هي هاء السكت، قرأ الجمهور في هذه بإثبات الهاء وقفاً ووصلاً مطابقة لرسم المصحف، ولولا ذلك لحذفت في الوصل، كما هو شأن هاء السكت. انتهى.
وفي تفسير الماوردي الذي يسمى النكت والعيون: والهاء من (كتابيه) ونظائرها موضوعة للمبالغة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1428(2/1803)
فواصل الآيات في كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما دور فواصل الآيات في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفاصلة هي ما يقع في آخر الآية مثل قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون.
وهي –كما قال بعض الباحثين- خلاصة مركزة لما بدأت به الآية. وهي دائما تتناسب مع الغرض المقصود، وكل آية تنادي على فاصلتها.
يقول الطاهر بن عاشور: واعلم أن هذه الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز؛ لأنها ترجع إلى محسنات الكلام، وهي من جانب فصاحة الكلام، فمن الغرض البلاغي الوقوف عند الفواصل لتقع في الأسماع فتتأثر نفوس السامعين بمحاسن ذلك التماثل كما تتأثر بالقوافي في الشعر وبالأسجاع في الكلام المسجوع. اهـ
فمن أهمية فواصل الآيات في القرآن الكريم -إذاً- أنها محسنات لفظية ومعنوية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(2/1804)
كلمة إبراهيم في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ورد اسم إبراهيم في سورة البقرة بالكسرة وغيرها بالياء؟ شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة إبراهيم لا تكسر ميمها لأنها ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة ولم تكتب في المصاحف بكسر الميم، وقد وردت كلمة إبراهيم في سورة البقرة خمسة عشر مرة، ولكن كتبت كلمة إبراهيم في سورة البقرة خاصة وفي مصاحف أهل العراق خاصة بحذف الياء وكسر الهاء هكذا (إبراهم) بينما كتبت في بقية السور بإثبات الياء (إبراهيم) وكذا كتبت في مصحف أهل الشام بحذف الياء.
وأما المصحف المدني والمصحف المكي وكذا المصحف الإمام فقد كتبت كلمة إبراهيم في هذه المصاحف جميعا بإثبات الياء.
قال أبو عمرو الداني رحمه الله في كتابه المقنع: وبغير ياء وجدت أنا ذلك في مصاحف أهل العراق في البقرة خاصة وكذلك رسم في مصاحف أهل الشام. انتهى.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 26916، والفتوى رقم: 76454، وراجع أيضا الفتوى رقم: 17759.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1428(2/1805)
مقارنة الرازي بين القسم بالحروف المقطعة في أوائل السور والقسم بالأشياء المعهودة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى "ق والقرآن المجيد" قال بعض أهل العلم إن الحروف المقطعة التي بدئت بها بعض سور القرآن الكريم جاءت للقسم، وضح المقارنة التي عقدها الإمام الرازي بين القسم بهذه الحروف والقسم بغيرها في القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرازي قد عقد مقارنة بين القسم بالحروف المقطعة في أوائل السور والقسم بالأشياء المعهودة في خمسة مباحث:
1- أن الله تعالى قد أقسم بأمر واحد (والعصر) مثلاً وأقسم أيضاً بحرف واحد (ص) كما أقسم بأمرين (والسماء والطارق) وأقسم بحرفين (يس) كما أقسم بثلاثة أمور (والصافات صفا* فالزاجرات زجراً* فالتاليات ذكرا) ، وأقسم بثلاثة أحرف (طسم) كما أقسم بأربعة أمور (والذاريات ذروا* فالحاملات وقرا* فالجاريات يسرا* فالمقسمات أمرا) وأقسم بأربعة أحرف (المص) ، كما أقسم بخمسة أمور (والمرسلات عرفا* فالعاصفات عصفا* والناشرات نشرا* فالفارقات فرقا* فالملقيات ذكرا) وأقسم بخمسة أحرف (كهيعص) ، ثم نبه إلى أن القسم لم يحصل بأكثر من خمسة أشياء إلا في (والشمس وضحيها) ، أما القسم بالأحرف فلم يزد على خمسة نظراً لثقل ذلك في حق معروف المعنى، وهي الأشياء المعهودة، ويكون الثقل أشد بالنسبة لغير المعقول المعنى وهي الأحرف المقسم بها.
2- القسم بالأشياء المعهودة ذُكر في أولها الواو الذي هو حرف القسم (والطور) والقسم بالحروف لم يحصل ذلك لأن الحرف نفسه كان مقسماً به.
3- الله تعالى أقسم بالأشياء كالتين والطور، ولم يكن القسم بأصولها كالماء والتراب ونحوهما، وكان بالقسم بالحروف من غير تركيب لأن الله بيده الأشياء فيركبها على أدق تركيب وأحسنه، أما الحروف فإذا ركبت بمعنى يكون الحلف حينئذ بمعناه لا باللفظ، وإن كان تركيبها لا بمعنى كان المفرد أشرف فكان القسم بمفردات الحروف.
4- وقع القسم بالحروف في أوائل ثمان وعشرين سورة، وبالأشياء التي عددها عدد الحروف (غير والشمس) في أربع عشرة سورة فقط، والحكمة من ذلك أن القسم بالأشياء يقع في أوائل السور وأثنائها؛ كقوله تعالى (كلا والقمر) مثلاً والقسم بالحروف لا يقع ولا يحسن إلا في أوائل السور لأنها غير معقولة المعنى، وذكرها أثناء الكلام المنتظم سبب للإخلال بفهمه.
5- القسم بالحروف وقع في نصفي القرآن الكريم بل في كل سبع، أما القسم بالأشياء المعهودة لم يحصل إلا في السبع الأخير (غير والصافات) لأن القسم بالحروف دائماً يذكر بعده لفظ القرآن أو الكتاب (يس والقرآن الحكيم) ، (الم ذلك الكتاب) ولم يوجد ذلك في القسم بالأشياء المعهودة، هذا حاصل ما ذكره الإمام الرازي في هذه المسألة، ونرجو إن شاء الله تعالى أن تكون قد اتضحت المقارنة التي سأل عنها الأخ السائل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1428(2/1806)
أقسام القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أقسام القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأقسام يصح أن تكون جمع قِسْمٍ أو قَسَمٍ، والذي نرى أنه المراد هنا هو الثاني، لأنه الذي يمكن أن يتصور حصره، والسؤال عن أقسام القرآن هو سؤال كبير للغاية، ولا يمكن أن تسع جوابه مجرد فتوى، فقد أفرده بعض أهل العلم بمصنفات، مثل أقسام القرآن لابن القيم، فارجع إلى هذه المصنفات تجد فيه ضالتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(2/1807)
الآيات المتشابهة في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الآيات المتشابهة في القرآن ودلوني على كتاب وموقع في الإنترنت لأني في مدينة صغيرة ولا يوجد بها مكتبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان السائل يعني بقوله (متشابهة) أي لفظاً فيوجد كتاب المعجم المفهرس للتراكيب المتشابهة لفظاً في القرآن الكريم لمؤلفه الدكتور محمد زكي، وبإمكان السائل الحصول على نسخة إلكترونية من هذا الكتاب بالبحث عنه في محرك البحث الشهير Google والكتاب موجود في موقع (صيد الفوائد) ويمكن تحميله منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1428(2/1808)
المدني والمكي في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد سور القرآن الكريم بالنسبة للمكية والمدنية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى ابن سعد في الطبقات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سألت أبي بن كعب عما نزل في القرآن بالمدينة فقال: نزلت بها سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة.
ولمعرفة المزيد عن المدني والمكي من القرآن بإمكان الأخ السائل الرجوع إلى كتاب "الإتقان في علوم القرآن" للإمام السيوطي رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1428(2/1809)
القرآن المكي والمدني
[السُّؤَالُ]
ـ[المميزات الموضوعية والأسلوبية للآيات المكية والمدنية والضوابط اللفظية للآيات المكية والمدنية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نال القرآن الكريم من العناية والحفظ والدراسة والاهتمام ما لم ينله أي كتاب على وجه البسيطة مصداقاً لقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر: 9}
فنجد أعلام هذه الأمة من الصحابة الكرام ومن بعدهم يضبطون ويحددون مكان وزمان وأسباب نزول سوره وآياته، فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا نزلت آيه من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه. رواه البخاري ومسلم. فالعناية بالقرآن الكريم عند السلف الصالح ليست مسألة تراث أو تاريخ وحسب إنما هي فوق ذلك مسألة دين وعقيدة.
وقد اعتمد الفقهاء في معرفة القرآن المكي والمدني على منهجين أساسيين منهج الرواية والسماع، والمنهج القياسي العقلي الاجتهادي. كما وضعوا ضوابط لأسلوب كل مرحلتين فأسلوب القرآن المكي يتسم بقصر الفواصل والإيجاز والزجر والإنذار والألفاظ القارعة وإقامة الحجج والبراهين العقلية القاطعة على البعث وضرب الأمثلة على ذلك، كما يظهر فيه التحدي لعرب الجاهلية على فصاحتهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن كما يكثر فيه الحديث عن قصص الغابرين وهلاك المكذبين.
وأما الأسلوب المدني فيتميز بطول الفواصل والحديث عن الأحكام الشرعية بالتفصيل والدعوة إلى الجهاد ووضع قواعد المجتمع المسلم والحديث عن العلاقات بين أفراده، وعن المنافقين وكشف مكرهم، كما يتسم بالحديث عن العلاقات بين الأمم والدول وأهل الكتاب وتحريفهم لكتبهم.
وهذا من حيث العموم وقد وضعوا ضوابط ومميزات بالاستقراء أخص لكل سورة فقالوا: كل سورة فيها سجدة فهي مكية، وكل سورة فيها لفظ (كلا) فهي مكية ولم يرد هذا اللفظ إلا في النصف الأخير من القرآن فقد ذكرت ثلاثاً وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة. وكل سورة فيها (يا أيها الناس) وليس فيها (يا أيها الذين آمنوا) فهي مكية إلا سورة الحج. وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية إلا سورة البقرة. وكل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية إلا سورة البقرة أيضاً، وكل سورة تفتح بحروف التهجي (آلم ... حم) فهي مكية سوى الزهراوين البقرة وآل عمران. وأما ضوابط القرآن المدني بالاستقراء: فكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية. وكل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية إلا سورة العنكبوت.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين: 24862، 13802.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1426(2/1810)
تناسب الفواصل في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العلاقة بين قوله تعالى في سورة النساء لعلكم تعقلون لعلكم تتفكرون،هذا موضوع عندي في الجامعة لم أعرف كيف أبحث عنه، وعلي أن أسلمه هذا الأسبوع، وجوزيتم خيرا على هذا الموقع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لم يرد في سورة النساء ما ذكرتيه من قوله تعالى لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، وقد ورد في سور أخرى غيرها، ومنها سورة البقرة، وفي كل موضع يكون معناه بحسبه، وقد اعتنى العلماء بهذا الباب، ألا وهو باب تناسب الفواصل، وللبحث في هذا الموضوع يمكن مراجعة الإتقان في علوم القرآن الجزء الثاني الصفحة: 272 على حسب الطبعات، وكذلك كتاب مناهل العرفان للزرقاني، وكتاب أسرارالتكرار في القرآن للكرماني، وكتاب جواهر القرآن لأبي حامد الغزالي ونحوها من الكتب التي اعتنت بهذا المقام، إضافة إلى كتب التفسير.
ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد وأن يفقهك في أمر دينه إنه سميع مجيب.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(2/1811)
مؤلفات في علوم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أود إفادتي عن جميع المعاجم التي عنيت بمصطلحات علوم القرآن؟ وجزيتم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أهم الكتب التي عنيت بمصطلحات علوم القرآن الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، والبرهان للزركشي ومناهل العرفان للزرقاني، ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان، ففي هذه المراجع يوجد أغلب المصطلحات، وهناك بعض المصطلحات المتعلقة بالأصول وهي موجودة في شروح جمع الجوامع والكوكب الساطع وشروح المراقى.
وهناك بعض المصطلحات المتعلقة بالقراءات والرسم وهي موجودة في النشر وشروح الشاطبية وشروح مورد الظمأن وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(2/1812)
النداء القرآني في السور المكية والمدنية
[السُّؤَالُ]
ـ[يرد في القرآن الكريم نداءات مثل ياأيها الناس ويابني آدم وياأيها الذين آمنوا فما هوالقصد من هذا التعدد في النداء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في كتب التفسير وعلوم القرآن أن النداء القرآني، بيا أيها الناس ويا بني آدم يرد غالبا في السور المكية. وأن النداء بيا أيها الذين آمنوا يرد غالبا في القرآن المدني وجعلوا ذلك من مميزات القرآن المدني عن القرآن المكي. فقبل استقرار أهل الإيمان بالمدينة وتميزهم بكيان خاص بهم وقيام دولتهم كان النداء للجميع بصيغة العموم. وبعد ذلك أصبح النداء لهم بهذه الصفة الخاصة بهم، وهي أشرف صفاتهم وأبرزها وهي التي تميزهم عن غيرهم، وغالبا ما تأتي بعدها الأحكام الشرعية التي تنظم أحوال المجتمع المسلم. وهذا في أغلب الأحوال ـ كما أشرنا ـ لأن الاستقرار والتتبع لسور القرآن وآياته يدل على أن بعض السور المدنية ربما يرد فيها النداء بيا أيها الناس كما في سورة البقرة وسورة النساء ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(2/1813)
توضيح وبيان لبعض الكتب في علوم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[1- أرجو نبذة بشيء من التفصيل حول كتاب (التفسير والمفسرون) للدكتور محمد الذهبي (ط: مكتبة وهبة بالقاهرة ... ) وهل تنصحونا بقراءته؟
2- البرهان والإتقان في علوم القرآن, كتابان عظيمان, ولكن أيهما أكثر تحقيقا للمسائل بتوسع وإسهاب مع التحرير والتدقيق, وأيهما أكثر شمولا؟ أرجو شيئا من التفصيل. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكتاب المذكور (التفسير والمفسرون) كتاب ممتاز ومفيد في موضوعه.
وقد تحدث فيه مؤلفه عن التفسير والمفسرين من الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهده صلى الله عليه وسلم، ثم في عهد التابعين، ثم في عهد تابعي التابعين ومن بعدهم حيث كانت مراحل التدوين
وفيه يبحث ويتحدث عن مدارس التفسير وأئمتهم وتفاسيرهم، ويناقش آراءهم وأفكارهم ومعتقداتهم، وينقل بعض أقوال أهل العلم فيهم.
ثم يتحدث عن تفاسير الفرق مثل الشيعة وطوائفهم، والخوارج وموقفهم من تفسير القرآن الكريم، وعن تفسير الصوفية والتفسير الإشاري، وعن الفلاسفة وتفسيرهم..
ليصل في النهاية إلى التفسير العلمي والتفسير والمفسرين في العصر الحديث.
والحاصل أن الكتاب المذكور كتاب قيم في موضوعه، ينبغي لطالب العلم أن يقرأه ويقتنيه ليرجع إليه عند الحاجة.
وأما الكتابان: (البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي) فهما ـ كما أشار السائل الكريم ـ كتابان عظيمان في موضوعهما لا يستغني عنهما أهل هذا الفن ...
ولهذا فالناس من بعدهما عالة عليهما فلا تكاد تجد كتابا ألف في علوم القرآن إلا وجدته ينقل منهما.
ولذلك ننصح السائل الكريم باقتنائهما ومطالعتهما
وإن كان لابد من الاقتصار على أحدهما دون الآخر فلتقتصر على الإتقان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1425(2/1814)
بين رسم المصحف والقراءات القرآنية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تكتب الميم في القرآن الكريم في نهاية الكلمة تارة بـ ((م)) ومرة ((مـ)) وهل هناك قاعدة معينة؟ ولماذا يكتب اسم إبراهيم ومرة ابراهم؟ وهل تختلف القراءة بينهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كتابة الميم في نهاية الكلمة بأي شكل من الأشكال الخطية أمر واسع لا حرج فيه، ولا علاقة له بالقراءات.
وأما كتابة اسم إبراهيم بغير ياء، فسببه أن الصحابة كتبوا المصاحف بطريقة الرسم المعروفة لحِكَم عديدة ذكر العلماء منها أن يكون المصحف قابلا لأن يقرأ بالقراءات كلها.
وقد رسمت هذه الكلمة بحذف الياء في المصحف الشامي والمدني، كما رسمت بحذفها في مصاحف العراق بالبقرة خاصة.
كما ذكر الجزري في "النشر"، والداني في "المقنع".
وأما اختلاف القراءة بينها، فهو أمر يرجع للرواية التي يقرأ بها القارئ، فمن قرأ بقراءة نافع أو برواية حفص، مثلا، فإن القراءة لا تختلف عنده بين لفظة إبراهيم المحذوفة الياء أو الثابتتها.
وأما من يقرأ برواية هشام عن ابن عامر الشامي، فإنه يقرأ له في ثلاثة وثلاثين موضعا من القرآن بفتح الهاء ومدها بألف، وقد بين تلك المواضع الجزري في "النشر"، والشاطبي في "الحرز"، وقد وافق ابن ذكوان هشاما في الكلمات الخمس عشرة الواردة في سورة البقرة.
وراجع الفتوى رقم: 18871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(2/1815)
من علوم القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الآيات المنسوخة والآيات المتشابهة، وما معنى ((هن أم الكتاب)) ، أرجو أن تبينوا لي معناها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران:7] .
والمقصود بأم الكتاب أصله الذي يعول عليه في الأحكام، ويعمل به في الحلال والحرام، ويرد ما خالفه إليه، وهذه الجملة صفة لما قبلها. انتهى من فتح البيان لصديق حسن خان.
وقال أيضاً: والأولى أن يقال: إن المحكم هو الواضح المعنى الظاهر الدلالة، إما باعتبار نفسه، أو باعتبار غيره، والمتشابه ما لا يتضح معناه أو لا يظهر دلالته، لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره. انتهى.
وقد سبق أن بينا طرفاً من هذا في الفتوى رقم: 19342، كما بينا معنى النسخ وأحكامه في الفتوى رقم: 13919.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(2/1816)
علوم القرآن ... تعريفها، نشأتها، تدوينها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي علوم القرآن وما هو تعريف كل علم منهم وكيف نشأت؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلوم القرآن هي العلوم التي تبحث فيما يتعلق بالقرآن من علم تجويد وقراءات، وعلم رسم، وعلم إعجاز، وعلم مشكل القرآن، وعلم الناسخ والمنسوخ، وأصول التفسير، وغير ذلك من علوم القرآن الكثيرة، والتي أوصلها الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن إلى سبعة وأربعين نوعاً ثم قال: واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لا ستفرغ عمره ثم لم يحكم أمره. انتهى
وأوصلها الحافظ السيوطي في كتابه الاتقان في علوم القرآن إلى ثمانين نوعاً ثم قال: فهذه ثمانون نوعاً على سبيل الإدماج ولو نوعت باعتبار ما أدمجته في ضمنها لزادت على الثلاثمائة، وغالب هذه الأنواع فيها تصانيف مفردة وقفت على كثير منها. انتهى
ونشأت هذه العلوم من حيث وجودها في زمن النبوة والصحابة، وأما من حيث تدوينها فيختلف باختلاف كل نوع منها -حسب علمنا-، وأما من حيث تدوين كتاب يجمع مجمل علوم القرآن في كتاب فأول ما دون فيه حسب علمنا هو كتاب الزركشي البرهان في علوم القرآن، ولمزيد الفائدة يراجع هذا الكتاب، وكتاب السيوطي المذكور ففيهما غنية عن غيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1423(2/1817)
مد الفرق من أقسام المد اللازم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مد الفرق؟ كيف يلفظ؟ وهل هو من أقسام المد الواجب المتصل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مد الفرق هو ما كان بعد همزة الاستفهام، نحو قوله تعالى: (الله أَذِنَ لَكُمْ) ، وقوله تعالى: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ) ، وقوله: (آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) .
وهو قسم من أقسام المد اللازم عند من يجعل همزة الوصل مداً لهمزة الاستفهام في اللفظين المذكورين، وسمي بهذا الاسم للفرق بين همزة الاستفهام وهمزة الخبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1423(2/1818)
أخصر آية، وأقصر آية في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أخصر آية في كتاب الله؟ أرجو منكم الإجابة؟
ولكم مني جزيل الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأخصر آية في كتاب الله -كما ذكر بعض أهل العلم- هي قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين) [هود:44] وأما أقصر آية في كتاب الله فهي قوله تعالى: (مدهامتان) [الرحمن:64] ومن الأحرف المقطعة قوله تعالى: (الم) و (حم)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1423(2/1819)
عدد كلمة (كلا) و (كلا) في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد مرات ذكر كلمة كلا في القران؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت كلمة (كَلا) بفتح الكاف 33مرة.
ووردت كلمة (كُلا) بالضم 15 مرة
انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن لمحمد فؤاد عبد الباقي يرحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1423(2/1820)
الحكمة من ورود المتشابهات في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما فائدة المتشابهات في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال ننبه السائل إلى أن عبارة (ما فائدة) الواردة في سؤاله عبارة غير لائقة، فينبغي للمسلم أن يعظم كتاب الله تعالى، ويتحدث عنه بألفاظ محترمة، ولعل السائل يقصد: ما الحكمة؟ أو ما أشبه ذلك.
والحكمة من المتشابه -كما ذكر أهل العلم- هي الامتحان والاختبار والابتلاء، فكما أن الله تعالى يمتحن بالخير والشر والسراء والضراء والأوامر والنواهي، يبتلي كذلك بالمحكم والمتشابه، ويوضح هذا المعنى قول الله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ... {آل عمران: 7} .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية: آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ. بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس.
ولهذا قال تعالى: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ أي أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه، وأخر متشابهات تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد، فالواجب على المسلم تجاه المتشابه الإيمان به ورده إلى المحكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(2/1821)
كتب متخصصة في المتشابه لحفاظ القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو عرض المتشابهات والمتماثلات من الآيات في القرآن الكريم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآيات المتشابهة في القرآن لا يمكن حصرها في فتوى أو جواب، ولكن يمكن الرجوع إلى الكتب المتخصصة في ذلك، مثل "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وبعض الكتب التي طبعت في المتشابه، مثل كتاب "السلسبيل لحفاظ القرآن الكريم،" وراجع الجواب رقم: 19342.
والله نسأل أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن ييسر لك العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(2/1822)
الخلاف في معنى فواتح السور
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت لكم ما جاء بشأن دلالة الحروف المقطعة في أوائل سورالقرآن، وجوابكم: هو قول عام كغيره من أقوال السابقين، والذي توصلنا إليه ـ بفضل الله ـ أنّ دلالة هذه الحروف المباركة تقع ضمن القسَم والمعنى لجميعها: أقسم بالله ـ ثمّ تكمل النصّ اللاحق لها فيستقيم النص، وليجرب ذلك منْ يريد في مصحف القرآن وكل ما قيل بشأنها لا ينطبق على دلالتها التي توصلنا إليها، ووضعها في اللغة ضمن تصنيف يسمى في البلاغة ـ الإلغازـ فمثلا ً: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه} تكون هكذا: أقسم بالله: ذلك الكتاب لا ريب فيه.
مع تقديري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل على الاتصال بنا، وأما تفسير فواتح السور بأنها أقسام فقد روي عن ابن عباس وعكرمة. والراجح خلافه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير والزمخشري.
وننصحك بالاطلاع على بحث المسألة في أضواء البيان عند كلام الشيخ الشنقيطي على تفسير سورة هود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1430(2/1823)
معنى الآيات المتشابهات والمحكمات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الآيات المتشابهات والمحكمات الوارد ذكرها في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر أهل العلم المتشابهات بأنها الآيات التي احتملت أوجها عدة، أو أنها الآيات التي لا يستقل معناها بنفسه وإنما يحتاج في بيانها إلى إرجاعها لغيرها من المحكمات ليتضح المراد منها، وأما المحكمات فهي الواضحات التي لا التباس فيها ولا غموض ... أو هي ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً.
وقد سبق بيان المحكمات والمتشابهات والفرق بينهما وأقوال أهل العلم فيهما في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55396، 19342، 57733 نرجو الاطلاع عليها للمزيد من الفائدة والتفصيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(2/1824)
ما الفرق بين المحكم والمتشابه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين المحكم والمتشابه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفرق بين المحكم والمتشابه: أن المحكم هو اللفظ الواضح الدلالة على معناه.
والمتشابه: ما استأثر الله تعالى بعلمه أو احتاج إلى بيان أو رد إلى المحكم ...
قال صاحب المراقي في ألفية الأصول:
وذو وضوح محكم والمجمل ... ... ... ... هو الذي المراد منه يجهل
وما به استأثر علم الخالق ... ... ... ... فذا تشابها عليها أطلق
وقد فرق بعضهم بين المحكم والمتشابه بقوله: المحكم ما علم المراد منه، والمتشابه: ما استأثر الله تعالى بعلمه.
وقال بعضهم المحكم: ما لا يحتمل إلا وجها واحداً، والمتشابه: ما احتمل أوجها عدة.
وقال بعضهم المحكم: ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان، والمتشابه: ما لا يستقل بنفسه ويحتاج إلى بيان.
وكل هذه المعاني ترجع إجمالاً إلى المعنى الأول.
والمسلم يعمل بالمحكم، ويسلم للمتشابه وهذا هو الموقف الصحيح. ... ... ... ... ... ... ... والإحكام والتشابه من حيث اللغة يطلقان على القرآن الكريم عامة فيوصف بأنه محكم وبأنه متشابه، كما في قوله سبحانه وتعالى: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
وكما في قوله سبحانه وتعالى: كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ {الزمر: 23} .
فهو في غاية الإحكام والإتقان اللفظي والسمو المعنوي والدقة في التعبير والمعلومة، وهو كذلك متشابه ومتماثل في ألفاظه ومعانيه ويصدق بعضه بعضاً ولا يوجد فيه اختلاف أو تناقض: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1425(2/1825)
هل الحروف المقطعة في فواتح السور من المتشابه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد من الله تعالى علي باكتشاف إعجازات علمية مذهلة داخل كتابه العظيم. ومنها اكتشاف كيف أحكم الله تعالى ترتيب القرآن بحيث ما كان لسورة أن تزيد آية أو تنقص آية, وما كان لها أن تأخذ غير موضعها الذي أراده الله لها. إلا أن هذا الاعجاز مبني على تفسيرالمقصود من الفاتحة القرآنية (ص) تفسيرا علميا, فهل يجوز هذا أم أن المساس بهذه الفواتح ومحاولة تفسيرها حرام شرعا. شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي لا يشك فيه مسلم أن هذا القرآن معجز في فصاحته وبلاغته، ومعجز في بيانه وعلومه ومعارفه، لأنه كلام رب العالمين، قال تعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {هود: 1} . هذا، وقد قال الإمام القرطبي في تفسيره عن معاني الحروف المقطعة في أوائل بعض السور: اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور، فقال عامر الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: هي سر الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سر فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وذكر أبو الليث السمر قندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر، وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوئل السور، ولا ندري ما أراد الله جل وعز بها. قلت: ومن هذا المعنى ما ذكره أبو بكر الأنباري: حدثنا الحسن بن الحباب حدثنا أبو بكر بن أبي طالب حدثنا أبو المنذر الواسطي عن مالك بن مغول عن سعيد بن مسروق عن الربيع بن خثيم قال: إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء وأطلعكم على ما شاء، فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه، وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به، وما بكل القرآن تعلمون، ولا بكل ما تعلمون تعملون. قال أبو بكر: فهذا يوضح أن حروفاً من القرآن ستر معانيها عن جميع العالم، اختباراً من الله عز وجل وامتحاناً، فمن آمن بها أثيب وسعد، ومن كفر وشك أثم وبعد. انتهى. وكذلك اختلف العلماء في ترتيب السور في المصحف هل هذا الترتيب توقيفي أم هو اجتهاد من الصحابة؟ وانظر الفتويين: 36344، 32404. وعلى هذا، فإن ما اكتشفته من وجوه الإعجاز في ترتيب سور القرآن وعلاقته بالمقصود بحرف (ص) الذي ابتدأ الله به سورة (ص) ـ نخشى أن يكون من التكلف، ومن قفو ماليس لنا به علم، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 17108.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1425(2/1826)
المقصود بالمتشابه في آية آل عمران
[السُّؤَالُ]
ـ[تكلم ابن العربي في كتابه عارضة الأحوذي في باب التفسير عن قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} فقال: من الناس من وقف دون المتشابه فلم يتكلم فيه، وسلم الأمر لله بيد أنه آمن بأنه من عنده، وأنه مقصرعنه، فلو وقف هاهنا كما وقف عن الخوض فيه لكان منصفا، ولكنه قال أنا لا أتكلم فيه ولا يتكلم فيه غيري، والخبر أن مالكاً والأوزاعي تكلما فيه تارة وزجرا عنه أخرى بحسب حال المتكلم وهو الحق. السؤال: أين قال مالك والأوزاعي ذلك، المطلوب مصدر قديم. أجيبوا تؤجروا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيكفي في مثل هذا النقل أن يُعزى لابن العربي المالكي -رحمه الله- فهو ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها، قال عنه ابن بشكوال في كتاب الصلة: وقدم إلى أشبيلية بعلم كثير، لم يدخل أحد قبله بمثله ممن كانت له رحلة إلى المشرق غير الباجي، وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها، مقدماً في المعارف كلها، متكلماً في أنواعها، نافذاً في جميعها، حريصاً على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها. انتهى
ولعل ابن العربي أخذ الكلام المذكور من أفواه شيوخه، أو نقله من كتاب لم يطبع إلى الآن، أو فُقد مع ما فقد من كتب المسلمين.
وليعلم الأخ السائل أن ابن العربي -رحمه الله- يقصد بالمتشابه هنا: الأمور التي ظاهرها التعارض وليست متعارضة في الواقع، ولذلك قال في عارضة الأحوذي مبيناً قصده: للمتشابه أنموذجان، بيانها في كتاب المشكلين، ومن أولها في الوقائع قول الكفرة: محمد يخوفنا بنار تأكل الحجارة، ثم يقول: إن في الجنة شجرة.. وقولهم: إن محمداً يزعم أنه سار إلى الشام من مكة وعاد في ليلة، وقولهم: إن محمداً قال إن الناس وما يعبدون في النار، وقد عُبدت الملائكة وعُبد عيسى، وقول نصارى نجران: إنك تزعم أن عيسى كلمة الله وروحه. يعنون: فكيف ينكر علينا أنه ابنه. انتهى
إذاً فليس المقصود بالمتشابه هنا أسماء الله وصفاته، كما قد يظنه البعض، لأن كلام الإمام مالك وجماهيرالسلف يشهد بأنهم لم يتكلموا فيها بتحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولاتمثيل، وإنما أمروا بالإيمان بها على ظاهرها، ومما يشهد لذلك ما أخرجه الدارقطني في الصفات عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالكاً والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات، فقالوا: أمروها كما جاءت. أخرجه أيضاً الآجري في الشريعة وابن عبد البر في التمهيد، وجاء في روايته: أمروها كما جاءت بلا كيف. .
وقد صرح بذلك الإمام مالك نفسه، كما رواه أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء -يعني العرق- ثم رفع رأسه، ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة، وأمر به فأخرج.
وقال ابن حجر عنه في الفتح (بسند جيد) : ولا يغرن السائل ما يرُوجه المبتدعة في هذا الزمان، من روايات أسانيدها ساقطة، ليثبتوا بها ظلماً وبهتاناً أن الأئمة كانوا يقولون بالتأويل المذموم، ومما أظهر كذبهم وفضح كيدهم أنهم ينقلون بعض الكلام ويتركون بعضه نصراً لزعمهم الباطل واتباعاً للهوى والشيطان، وقد بين ذلك الأستاذ عمرو بن عبد المنعم سليم في كتابه دفاعاً عن السلفية.. فراجعه لما فيه من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(2/1827)
ما الفرق بين المحكم والمتشابه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين المحكم والمتشابه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفرق بين المحكم والمتشابه: أن المحكم هو اللفظ الواضح الدلالة على معناه.
والمتشابه: ما استأثر الله تعالى بعلمه أو احتاج إلى بيان أو رد إلى المحكم ...
قال صاحب المراقي في ألفية الأصول:
وذو وضوح محكم والمجمل ... ... ... ... هو الذي المراد منه يجهل
وما به استأثر علم الخالق ... ... ... ... فذا تشابها عليها أطلق
وقد فرق بعضهم بين المحكم والمتشابه بقوله: المحكم ما علم المراد منه، والمتشابه: ما استأثر الله تعالى بعلمه.
وقال بعضهم المحكم: ما لا يحتمل إلا وجها واحداً، والمتشابه: ما احتمل أوجها عدة.
وقال بعضهم المحكم: ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان، والمتشابه: ما لا يستقل بنفسه ويحتاج إلى بيان.
وكل هذه المعاني ترجع إجمالاً إلى المعنى الأول.
والمسلم يعمل بالمحكم، ويسلم للمتشابه وهذا هو الموقف الصحيح. ... ... ... ... ... ... ... والإحكام والتشابه من حيث اللغة يطلقان على القرآن الكريم عامة فيوصف بأنه محكم وبأنه متشابه، كما في قوله سبحانه وتعالى: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
وكما في قوله سبحانه وتعالى: كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ {الزمر: 23} .
فهو في غاية الإحكام والإتقان اللفظي والسمو المعنوي والدقة في التعبير والمعلومة، وهو كذلك متشابه ومتماثل في ألفاظه ومعانيه ويصدق بعضه بعضاً ولا يوجد فيه اختلاف أو تناقض: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1425(2/1828)
بين النسخ وحفظ القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهدت أحد الشيوخ فى إحدى القنوات الفضائية يقول إن هناك آيات من القرآن نسخ رسمها من المصحف وروى حديثا ما معناه أن صحابيا نسي سورة فذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وحكى له ما حدث فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد نسخت هذه السورة البارحة فهل هذا الحديث صحيح، وإن كان صحيحا فكيف يمكن الجمع بينه وبين قول الله -سبحانه وتعالى-: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. وما مدى صحة قول عمر بن الخطاب -رضى الله عنه-: لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما أدراك ما كله لقد ذهب منه قرآن كثير؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الطبراني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن رهطاً من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أنه قام رجل منهم من جوف الليل يريد أن يفتتح بسورة قد كان دعاها فلم يقدر على شيء منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فأتى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ثم جاء آخر وآخر حتى اجتمعوا فسأل بعضهم بعضاً ما جمعهم فأخبر بعضهم بعضاً بشأن تلك السورة، ثم أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبرهم وسألوه عن السورة، فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئاً ثم قال: نسخت البارحة فنسخت من صدوركم ومن كل شيء كانت فيه. ولم نقف على تصحيح أو تضعيف لهذا الحديث سوى كا ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى حيث قال ذاكرا لهذا الأثر: مثل ما صح من حديث الزهري حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف.. ثم ذكر الأثر
وروى ابن حبان في صحيحه والطبري في تهذيب الآثار عن زر بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب: كم تعدون سورة الأحزاب من آية؟ قال: قلت: ثلاثاً وسبعين، قال أبي: والذي يحلف به إن كانت لتعدل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم.
وأما القول الذي نسبته إلى عمر فإننا لم نره منسوباً إليه في شيء من كتب الحديث، ولكن روى أبو عبيد في فضائل القرآن عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: لا يقولن أحدكم: قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر منه. وهذا الحديث محمول على النسخ، والنسخ لا يعارض وعد الله بحفظ القرآن فهو سبحانه وتعالى لا يخلف وعده، ولكن المنسوخ ليس مما تعهد الله بحفظه بل ذكر تعالى أنه ينسخ بعض الآيات، فقال الله تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {البقرة:106} .
قال السيوطي في الديباج: قال القرطبي: ولا يتوهم من هذا أو شبهه أن القرآن ضاع منه شيء فإن ذلك باطل، قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1430(2/1829)
أنواع النسخ وهل يلزم أن يكون إلى بدل
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم إخواني، السؤال: قال تعالى (ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها) ، آية الرجم من الآيات التي نسخت تلاوتا وبقي حكمها.. السؤال ومن خلال الآية الكريمة (ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها) ، الله يقول ما ننسخ من آية نأتي بمثلها أو خير منها, أين الآية التي هي مثلها أو خير منها! معنى النسخ هو أن تحل آية ناسخة مكان المنسوخة وهي تشبهها أو أحسن منها، وأنا أقصد هنا آية الرجم، فالله سبحانه وتعالي يتحدث هنا عن آية قرآنية إذا نسخت يأتي مكانها آية أخري خير منها أو آية مثلها، فالكلام هنا عن آية فهول يقول (سبحانه وتعالى) ما معناه: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بآية خير من تلك الآية المنسوخة أو بمثلها، فأين الآية التي نسخت آية الرجم ... وحتي لو كان معني آية هنا (حكمها) فأين حكمها الجديد، فيجب أن يكون عندنا حكم جديد ويجب إبطال حكم آية الرجم!! هكذا فهمت أنا، فأ رجو الرد على سؤالي وإفادتي بشكل عاجل؟ إخواني وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المنسوخ أنواع، فمنه ما نسخ لفظه وبقي حكمه مثل آية الرجم، ومنه ما نسخ حكمه ولفظه، أو نسخ حكمه دون لفظه، فما نسخ لفظه دون حكمه يعتبر بعض ما نزل من القرآن بعده بدلاً عنه ولا يشترط أن يكون النازل بعده في نفس الموضوع ولا أن يعلم الناسخ له، وقد ذكر السيوطي في الإتقان كثيراً من أمثلة ذلك، ومنه ما في سورة البينة: أن ذات الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية ومن يعمل خيراً فلن يكفره. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقد ذكر السيوطي في بيان حكمة ذلك: أنه يظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به فيسرعون بأسرع شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طريق الوحي. انتهى.
وقد ذكر المرداوي في شرح التحرير: أن من أنواع النسخ ما نسخ رسمه وبقي حكمه ولكن لا يعلم ناسخه ومثل لذلك بـ: لو أن لابن آدم وادياً من ذهب لابتغى أن يكون له ثان. وبما في البخاري أنه نزل في قتلى بئر معونة: بلغوا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا.. انتهى.
وأجاب السيوطي في الإتقان عن آية البقرة، التي ذكر السائل فقال: قال ابن الحصار إن قيل كيف يقع النسخ إلى غير بدل، وقد قال الله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها.. وهذا إخبار لا يدخله خلف. فالجواب: أن نقول كل ما ثبت الآن في القرآن ولم ينسخ فهو بدل مما قد نسخت تلاوته، وكل ما نسخه الله من القرآن مما لا نعلمه الآن فقد أبدله بما علمناه وتواتر إلينا لفظه ومعناه. انتهى.
وقد نحى القرطبي في التفسير منحى قريباً من هذا فذكر أن النسخ يراد به أمران: أحدهما: إبطال الشيء وإزالته وإقامة آخر مقامه، ومنه نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله وهو معنى قوله: ما ننسخ من آية ... وفي صحيح مسلم: لم تكن نبوة قط إلا تناسخت أي تحولت من حال إلى حال يعني أمر الأمة ...
الثاني: إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه كقولهم نسخت الريح الأثر ومن هذا المعنى قوله تعالى: فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ. أي يزيله فلا يتلى ولا يثبت في المصحف بدله، ومن هذا ما روي أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة في الطول فنسخ الكثير منها. انتهى.
هذا، وننبه إلى أن كثيراً من العلماء ذهبوا إلى جواز النسخ إلى غير بدل، قال الزركشي في البحر المحيط: لا يشترط أن يخلفه بدل. وقال الفتوحي في شرح الكوكب المنير: ويجوز نسخ بلا بدل عن المنسوخ عند أكثر العلماء. انتهى، وقال الرازي في المحصول: يجوز نسخ الشيء لا إلى بدل خلافاً لقوم. انتهى. وقد ذهب بعض أهل العلم من الظاهرية والمعتزلة إلى أنه لا يكون النسخ إلا إلى بدل، ورجح مذهبهم الشيخ الشنقيطي في المذكرة مستدلاً بآية البقرة، وراجع كتب الأصول للمزيد من الفائدة في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1430(2/1830)
النسخ في السنة المطهرة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على هذا المجهود الطيب جعله الله في ميزان حسناتكم آمين، سؤالي في الناسخ والمنسوخ في الحديث الشريف بالمشهور بين الناس هو الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، أما الحديث فهل نعرف تاريخ الأحاديث الذي من خلاله يمكن تحديد ما الحديث الناسخ للآخر، أم أن هناك طرقا آخرى، أم أنه لا يوجد ناسخ ومنسوخ في السنة المطهرة؟ جزاكم الله خيراً ونفعنا بعلمكم وزادكم الله علما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح أن الناسخ والمنسوخ موجودان في السنة المطهرة، كما هما موجودان في القرآن الكريم، وكون بعض الحديث لا تعرف تواريخه لا يمنع من ذلك، لأنه يكفي في النسخ أن يعلم تأخر الناسخ عن المنسوخ، ومعلوم أن في القرآن الكريم أماكن كثيرة لم يتفق على تواريخ نزولها، ومن أمثلة نسخ السنة بالسنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً. رواه مسلم وغيره.
قال النووي في شرحه لهذه الأحاديث: والصواب المختار أن التحريم والإباحة للمتعة كانا مرتين، فكانت المتعة حلالا قبل غزوة خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبداً إلى يوم القيامة واستقر تحريمها.
ومن أمثلة نسخ السنة بالقرآن قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِم. فإنها نزلت في زيد بن حارثة الذي كان يدعى زيد بن محمد، قال النحاس: هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني وهو من نسخ السنة بالقرآن.
وقد اختلف في نسخ الكتاب بالسنة، قال الشيخ الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر بعد ذكر أدلة القائلين بعدم الجواز: التحقيق جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة ووقوعه، ومثاله: نسخ آية خمس رضعات بالسنة المتواترة، ونسخ سورة الخلع وسورة الحفد بالسنة المتواترة. ص: 150.
وراجع الفتوى رقم: 46669.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(2/1831)
إزالة شبهة التعارض بين آيتين
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة..... الآية، وفي آية أخرى يقول جل وعلا: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر...... من الذين أوتو الكتاب...... الآية، السؤال قد يبدو للقارئ المبتدئ أو غير المتخصص أن هناك تعارضا بين الآيتين، فهلا شرحتم لنا معنى الآيتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الآيتين فالآية الأولى منسوخة في حق الكافرين بالأمر بقتالهم، قال القرطبي في تفسيره متحدثاً عن الآية الأولى: هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة. فهي محكمة في جهة العصاة من الموحدين، ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين، وقد قيل: إن من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفار ورُجي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة. والله أعلم. انتهى.
وقال البغوي في تفسيره: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة، بالقرآن، والموعظة الحسنة، يعني مواعظ القرآن.
وقيل: الموعظة الحسنة هي الدعاء إلى الله بالترغيب والترهيب.
وقيل: هو القول اللين الرقيق من غير غلظة ولا تعنيف.
وجادلهم بالتي هي أحسن، وخاصمهم وناظرهم بالخصومة التي هي أحسن، أي: أعرض عن أذاهم، ولا تقصر في تبليغ الرسالة والدعاء إلى الحق، نسختها آية القتال. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1428(2/1832)
وجود النسخ في القرآن لا يتنافى مع حفظه
[السُّؤَالُ]
ـ[اتقوا الله لقد حفظ الله القرآن وتدعون أن هناك آية تم حذفها في رجم الزاني ولا حول ولا قوة إلا بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ورود النسخ في القرآن الكريم لا يتنافى مع حفظه الذي تكفل الله به ودلت عليه آياته المحكمة ووقائع التاريخ، كما دلت على النسخ فيه آيات محكمات سنشير إلى بعضها.
ورجم الزاني المحصن بشروطه أمر معلوم من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن شرائع الأنبياء السابقين، وكان مما يتلى في القرآن الكريم فنسخه الله تعالى ابتلاء واختباراً لقوة إيمان هذه الأمة ومسارعتها إلى تطبيق أحكامه الشرعية الظنية وقد أجمع على ذلك علماء المسلمين، ونسخ أحكام الشرع أمر معلوم عند المسلمين، فقد قال الله تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {البقرة:106} ، وقال تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ {النحل:101} ، وقد ورد النسخ في القرآن وفي السنة، وبين علماء الأصول أحكام النسخ والحكمة منه، وفصلوا أقسامه وأن منها نسخ التلاوة وبقاء الحكم كما في آية الرجم، وبإمكانك أن تطلع على بعض ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3715، 19405، 46669، 95171 وما أحيل عليه فيها.
فنحن -إذاً- لم ندع حذف آية من كتاب الله تعالى ولا يمكن لأحد أن يدعي ذلك أو يفعله، فكتاب الله محفوظ من الحذف والزيادة والتغيير والتبديل كما أشرنا، وإنما قلنا بما دلت عليه نصوص الوحي من القرآن والسنة وقال به أهل العلم قديماً وحديثاً وأجمعت عليه الأمة، ونعوذ بالله تعالى من أن ندعي في شرع الله ما ليس منه أو نكون ممن إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم.
والقائلون بهذا القول هم أحرص الناس على القرآن، إنما أرادوا القرآن واتبعوا من هو أعلم بالقرآن وبالسنة.
فهون أخي على نفسك ولا تبادر إلى سوء الظن بإخوانك، واعلم أن هذا القول ليس من عندنا وإنما هو من صميم شرع الله تعالى، هذا ونسأل الله تعالى أن يفقهنا وإياك في دينه ويثبتنا على صراطه المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1428(2/1833)
عدد الآيات المنسوخة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا قال كل من ابن تيمية وابن القيم والألباني في موضوع النسخ أو (الناسخ والمنسوخ) وأين أجد كلامهم في ذلك؟
كم عدد الآيات التي نسخت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على تواصلك بنا ونفيدك بأن هؤلاء الأعلام قد دونت مؤلفاتهم في أقراص وهي متوفرة، كما أن أغلب مؤلفاتهم موجودة على الإنترنت.
فبإمكانك الاطلاع بواسطتها على كلام هؤلاء الأعلام عند ما تبحث عن كلمة النسخ أو عن كلمة ما ننسخ من آية. وما أشببها.
وأما عدد الآي المنسوخ فقد ذكر السيوطي في منظومة له فيها أنها عشرون، وخولف في بعضها.
وبإمكانك الاطلاع على ذلك في الكتب التي تتحدث عن الناسخ والمنسوخ والكتب المؤلفة في علوم القرآن وكتب التفسير.
وقد شرح الشيخ الشنقيطي منظومة السيوطي، وشرحه موجود مع أضواء البيان ملحق به في الجزء الأخير، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 64338، 13919، 48237، 32974.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1427(2/1834)
ما هي السور المشتملة على آيات ناسخة أو منسوخة
[السُّؤَالُ]
ـ[اذكر عدد السورالتي فيها ناسخ ومنسوخ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الإمام السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن أن الناسخ والمنسوخ قد جاء في إحدى وعشرين آية من إحدى عشرة سورة من القرآن، هي: سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والنور والأحزاب والمجادلة والممتحنة والمزم ل. ويمكنك أن تراجع تفصيل ذلك في المرجع المذكور (1/ 653 ـ 658) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1425(2/1835)
النسخ في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القرأن قد نسخ منه جزء كبير جدا وسورة الأحزاب وحدها نسخ منها نحو 130 آية؟ وماحقيقة موضوع النسخ؟ وهل هناك موضوع في القران عن رضاعة الكبير؟ وهل حكم الرجم على الزاني المحصن كان موجودا في القرآن ونسخ حرفا وبقي حكما؟ وكيف حصل هذا؟ ارجو الرد على جميع الأسئلة لأنها مهمة جدا بالنسبة لي. وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدمت أجوبة عن هذه الأسئلة في الفتاوى التالية أرقامها: 40418 / 61665 / 12905 / 13919.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(2/1836)
حكم العمل بالأحاديث المنسوخة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ! هل يجوز أن نعمل بكل حديث قيل في كتب الحديث؟..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العمل بالأحاديث التي ذكر أنها منسوخة، يختلف باختلاف الحديث، فإن كان الحديث قد أجمع العلماء على أنه منسوخ، فلا يعمل به، مثال ذلك: ما رواه أبو داود والترمذي من حديث معاوية: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه.
قال النووي في شرح مسلم: دل الإجماع على نسخه.
وكذلك إن كان الحديث قد دل في نفسه على أنه منسوخ، كقوله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها ... الحديث.
فلا يُعمل بهذا النوع من الأحاديث المنسوخة بالإجماع.
وأما ما كان من الأحاديث مختلفا في نسخه، فهذا يرجع إلى الاجتهاد، كقوله صلى الله عليه وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم. وكقوله صلى الله عليه وسلم: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم. .
فهذه الأحاديث وأمثالها اختلف فيها العلماء، فمنهم من قال: إنها منسوخة، ومنهم من لم يقل بنسخها، وجمع بينها وبين الأحاديث التي تعارضها، وهذا محل اجتهاد.
ومن المهم أن نعلم أن القول بالنسخ لا يُصار إليه إلا إذا توفر شرطان:
1_ العلم بالتاريخ.
2- عدم إمكان الجمع بين الأحاديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1424(2/1837)
البداء لا يجوز على الله ... والقرآن تم جمعه وحفظه كله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي حكمة نسخ القرآن هل هو بداء كما تحدث بعض المستشرقين وماهو حكم الآيات التي لم يتم جمعها عند جمع القرآن وعلاقة ذلك بنزوله مجملا في السماء قبل نزوله منجما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان تعريف النسخ وأنواعه والحكمة منه في الفتوى رقم:
3715 والفتوى رقم:
12905.
وفي طياتها الرد على اليهود وأمثالهم الذين يقولون بأن النسخ بداء، والبداء لا يجوز على الله.
أما قول السائل ما هو حكم الآيات التي لم يتم جمعها عند جمع القرآن، فجوابه أنه لا توجد آيات لم يتم جمعها بل إن كل القرآن قد جمع وحفظ ولتفصيل جمع القرآن راجع الفتوى رقم:
17828 والفتوى رقم: 15858.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(2/1838)
الآية الأخيرة من سورة الكافرون ... منسوخة أم لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها ... ) إلى آخر الآية؟ وهل الآية الأخيرة في سورة الكافرون قد تم نسخها؟ وما حقيقة الناسخ والمنسوخ؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:106] .
قال ابن جرير: (مَا نَنْسَخْ) أي: ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك أن نحول الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والمباح محظوراً، والمحظور مباحاً، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. انتهى المراد منه.
وقوله تعالى: (أَوْ نُنْسِهَا) قرأت بضم النون الأولى وكسر السين، وقرأت بفتح النون الأولى والسين، قال الشوكاني: فهي على القراءة الأولى بمعنى: نتركها. أي: فلا نبدلها ولا ننسخها، وهي على القراءة الثانية بمعنى: نؤخرها عن النسخ. انتهى المراد منه.
وقوله تعالى: (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) قال الشوكاني: نأت بما هو أنفع للناس منها في العاجل والآجل، أو في أحدهما، أو بما هو مماثل لها من غير زيادة. انتهى المراد منه.
أما الآية الأخيرة من سورة الكافرون، وهي قوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) فمعناها كما قال الشوكاني: أي إن رضيتم بدينكم، فقد رضيت بديني ... وقيل المعنى: لكم جزاؤكم ولي جزائي. انتهى المراد منه.
أما نسخها فقال الشوكاني: قيل هي منسوخة بآية السيف، وقيل: ليست بمنسوخة، لأنها إخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ. انتهى المراد منه.
وأما ما يتعلق بحقيقة الناسخ والمنسوخ، فراجع الفتوى رقم: 3715.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1423(2/1839)
النسخ في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حذف من القرآن الكريم آية عند مراجعة جبريل والرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن وما هي الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكفل الله بحفظ كتابه ولم يكل حفظه إلى أحد بخلاف الكتب السابقة فإنه وكل حفظها إلى الأحبار والرهبان فضيعوها، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر:9} .
والقرآن الذي تعبدنا الله بتلاوته وحفظه هو ما بين الدفتين لا زيادة فيه ولا نقص منه، ولم يقبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إلا وقد وعاه الصحابة حرفاً حرفا فجمع تاماً غير منقوص على يدِ زيد بن ثابت رضي الله عنه في خلافة الصديق رضي الله عنه، ثم في خلافة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أعيدت كتابته وبعث به إلى الأقطار.
وقد كان يحصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم نسخٌ لبعض آيات القرآن، وهو على ثلاثة أضرب:
فمنها ما رفع حكمه وبقيت تلاوته وهو كثير كقوله تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ {الأنفال 65} ، نسختها التي بعدها وهي قوله تعالى: الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {الأنفال:66} .
ومنها ما نسخ حكمه ونسخت تلاوته كما أخرج مسلمٌ عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلوماتٍ يحرمن، ثم نُسخن بخمسٍ معلومات.. فالتحريمُ بعشر رضعات منسوخ التلاوة والحكم.
ومنها ما نسخت تلاوته وبقيَ حكمه كالتحريمِ بخمس رضعاتٍ في أصح أقوال العلماء، وكآية الرجم فقد أخبر أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنهم قرؤوها ووعوها على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظها: والشيخُ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم.
ولعل من حكمة نسخ آية الرجم -كما قال أهل العلم- أن يظهر فضل المسلمين على من عاداهم من الأمم كاليهود فإنهم لم يعملوا بحكم الرجم مع أنه موجودٌ في كتابهم، وعمل به المسلمون مع نسخ تلاوة الآية الدالة عليه.
وبالجملة فإن الآيات التي حُذفت -على حد تعبيرك- عند معارضة جبريل القرآن النبي صلى الله عليه وسلم هي المنسوخةُ تلاوة وحكما أو تلاوة فقط، فليست من القرآن الذي تعبدنا الله بتلاوته، وللمزيد انظر الفتوى رقم: 40418.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1430(2/1840)
توضيح معاني النسخ
[السُّؤَالُ]
ـ[النسخ كما في القرآن = تدوين في صحيفة "وفي نسختها هدى ونور""إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" كيف يعني هذا المحو ثم لم يقم دليل من قرآن ولا سنة على ما يدعيه القوم إلا أنه هروب من بعض مدللولات الآيات مثل "واللاتي يأتين الفاحشة...."كون المفسرين لم يدركوا أنها في فاحشة غير الزنا اضطروا لأن يقولوا أنها ألغت حكم الإمساك في البيوت ثم قالوا إن آية النور ألغت حكمها نرجو تحرير العقل من المسطور في الكتب ولا بد من الشجاعة فما العيب أن يكون اجتهاد الفقيه لم يحالفه الصواب أما إن أصر والأمة كلها على العمل بمنهج خاطئ فهذا علاوة عتى ما يترتب عليه بالنسبة لي وللأمة فانه يزيد وزر المجتهد الأول, فيجب إبطال فكرة النسخ هذه, ولنتواصل حولها إن أردت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنسخ في لغة العرب له معان ومنها:
الأول: الكتابة تقول: نسخ الشيء أي كتبه، وفي التنزيل: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الجاثية: 29} وقوله: وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ {الأعراف: 154} فالنسخ هنا الكتابة وليس المحو والإزالة، ومن حمله على ذلك هنا فقد أخطأ.
الثاني: إِبطال الشيء وإزالته، فيقال: نسخت الشمس الظل أي أزالته، ونسخت الريح الأثر أي أزالته، وفي التنزيل: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا {البقرة: 106} فالنسخ هنا الإزالة، وقد يكون إزالة للفظ والمعنى، وقد يكون لأحدهما فقط، وحمله على الكتابة خطأ ظاهر.
وقوله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً {النساء:15} منسوخة بمعنى مزالة المعنى لا اللفظ، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم السبيل الذي أشار الله له في هذه الآية، ومعلوم أن السنة تفسر القرآن وتبينه، ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. وهذه منه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى الآية التي فيها آية الحدود في سورة النور، وقد أجمع أهل العلم عليها، ولا يسوغ لمن بعدهم المنازعة في ذلك، قال الإمام القرطبي في تفسيره: وأما الحبس فمنسوخ بإجماع. والناسخ هو قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {النور:2} وهذا في البكر، وأما المحصن فقد صرح بحكمه الحديث الشريف الذي أوردناه سابقا، وكان يتلى فيه قرآن ثم نسخ، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. وهذا لفظ مسلم. وفي موطأ مالك وغيره أن عمر خطب الناس فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا، وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: قوله: الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيبة فارجموهما البتة.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 3715، والفتوى رقم: 66331.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1428(2/1841)
النسخ وراءه حكم كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[نص الرسالة أولا جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين كل الخير.....ووفقكم الله وجعل أعمالكم في موازين حسناتكم بعد أن قرأت الموضوع التالي.أود أن أسأل بعض الأسئلة....
1- لماذا تم نسخ تلاوة بعض الآيات وتم نسخ الحكم في آيات أخرى دون نسخ التلاوة؟ ..... أو بعبارة أخرى ,ما هي الحكمة من هذا الاختلاف؟
2- الآيات التي تم نسخ حكمها دون تلاوتها....ألا تكون متعارضة مع الآيات التي نسختها؟
3- كيف يمكن الرد على من يقول إن في القران آيات لا تتوافق وعملية النسخ مثل (سنقرئك فلا تنسى) ..... (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
4- ما هي الشبه التي يمكن أن تثار حول هذا الموضوع وكيف يرد عليها؟
لدي تعقيب بسيط: أنا مسلم والحمد لله وليس لدي أدنى شك في القران أو في صحته ولكن أرجو الإجابة على هذه الأسئلة كما لو أن الذي سألها ليس بمسلم حتى يمكنني الرد على من قد يسأل هذه الأسئلة من غير المسلمين. جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنسخ سواء كان نسخا لتلاوة بعض الآيات أو نسخا للأحكام الواردة فيها ... فقد صرح القرآن الكريم بالحكمة منه. قال الله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {البقرة:106} . قال ابن جرير: (ما ننسخ) أي: ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك أن نحول الحلال حراما، والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. انتهى المراد منه.
وقال الشوكاني عند قوله تعالى: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا: نأت بما هو أنفع للناس منها في العاجل والآجل، أو في أحدهما، أو بما هو مماثل لها من غير زيادة. انتهى المراد منه.
والله تعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض ... علم أن الحكم الأول المنسوخ منوط بحكمة أو مصلحة تنتهي في وقت معلوم، وعلم بجانب هذا أن الناسخ يجيء في هذا الميقات المعلوم منوطا بحكمة وبمصلحة أخرى. ولا ريب أن الحكم والمصالح تختلف باختلاف الناس، وتتجدد بتجدد ظروفهم وأحوالهم.
ثم التعارض الذي يكون بين الآيات الناسخة والمنسوخة لا يسمى تعارضا؛ لأن التعارض إنما يكون لو كان كل من الناسخ والمنسوخ مأمورا بفعله. أما وقد علم أن هذا قد انتهى العمل به منذ نزول ذلك، فلا تعارض -إذاً-.
وأما قوله تعالى: سنقرئك فلا تنسى، فقد جاء بعدها قوله تعالى: إلا ما شاء الله. قال بعض أهل التفسير: أي إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه.
وقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} ، قال البغوي في تفسيرها: حفظ القرآن من الشياطين أن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه أو يبدلوا. قال الله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ {فصلت: 42} .
فلا تعارض -إذاً- بين الآيتين الكريمتين وبين النسخ في القرآن.
وأما الشبه التي يمكن أن تثار حول هذا الموضوع فهي هذه التي أثرتها أنت، والرد عليها هو ما علمته.
وختاما نوصيك -أيها الأخ الكريم- بأن تصون نفسك عن التعرض للشبهات؛ لأن الشبهة قد تستقر في قلوب ضعفاء الإيمان. وقد نص العلماء على حرمة النظر في كتب أهل الكتاب لما فيها من التحريف، ولا شك في أن النظر في شبهاتهم سيكون أشد تحريما، لما يمكن أن يجلبه للمسلم الذي ليس له سلاح كبير من العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(2/1842)
سورة الحفد وسورة الخلع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد هناك سورة الحفد وسورة الخلع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقصود بسورة الخلع دعاء: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك.
والمقصود بسورة الحفد دعاء: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق. وهذا دعاءان من أدعية القنوت.
وقد ذكر الإمام السيوطي في الدرر المنثور أنهما كانتا من جملة السور التي أنزلها الله على النبي صلى الله عليه وسلم، وكانتا سورتين سورة ببسملة وفواصل، إحداهما تسمى سورة الخلع، والثانية تسمى سورة الحفد، وقد نسختا، وكتبهما أبي بن كعب رضي الله عنه في مصحفه.
ولمعرفة النسخ وأنواعه في القرآن الكريم والحكمة من ذلك، نحيلك للفتوى رقم: 3715، والفتوى رقم: 44271.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(2/1843)
تهافت شبهة عدم وجود الرجم في القرآن والمعوذتين في مصحف ابن مسعود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيما يدعية بعض الكفرة من أن القرآن محرف ويقولون إن هناك أدلة
الأول آية الرجم التي لم تكتب
الثاني المعوذتان عدم وجودها في مصحف عبد الله بن مسعود
وهل يوجد مخطوطات القرآن التي كتبها عثمان إلى اليوم وسامحوني على التطويل وجزاكم الله خيرا ونفع بكم الإسلام والمسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التشريع الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل عدة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات، والنسخ عرفه العلماء بأنه: رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر.
ولم يقع خلاف بين الأمم حول النسخ، ولا أنكرته ملة من الملل قط، إنما خالف في ذلك اليهود فأنكروا جواز النسخ عقلاً، وبناء على ذلك جحدوا النبوات بعد موسى عليه السلام، وأثاروا الشبهة، فزعموا أن النسخ محال على الله تعالى لأنه يدل على ظهور رأي بعد أن لم يكن، وكذا استصواب شيء عُلِمَ بعد أن لم يعلم، وهذا محال في حق الله تعالى.
والقرآن الكريم رد على هؤلاء وأمثالهم في شأن النسخ رداً صريحاً، لا يقبل نوعاً من أنواع التأويل السائغ لغة وعقلاً، وذلك في قوله تعالى: [مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (البقرة:106) فبين سبحانه أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال تعالى: [نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا] ثم عقب فقال: [أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] (البقرة:106- 107)
والنسخ ثلاثة أقسام:
الأول: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ومثاله آية الرجم وهي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة..) فهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه.
الثاني: نسخ الحكم والتلاوة معاً: ومثاله قول عائشة رضي الله عنها: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات يحرمن) فالجملة الأولى منسوخة في التلاوة والحكم، أما الجملة الثانية فهي منسوخة في التلاوة فقط، وحكمها باق.
الثالث: نسخ الحكم مع بقاء التلاوة عكس الأول، ومثاله قول الله عز وجل: [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ] (البقرة:240) نسخ حكمها بقوله تعالى [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا] (البقرة:234) وبقيت تلاوتها
وأما عدم وجود المعوذتين في مصحف عبد الله بن مسعود فليس دليلا على أن القرآن محرف، فالمصحف المتواتر المجمع عليه من الصحابة إنما هو مصحف عثمان، وأما بقية المصاحف كمصحف ابن مسعود وغيره من الصحابة قد كان في بعضها نقص، وقد أمر عثمان بإحراقها، وقد استجاب الصحابة لعثمان فحرقوا مصاحفهم واجتمعوا جميعا على المصاحف العثمانية حتى عبد الله بن مسعود.
أما سؤالك عن وجود مخطوطة لمصحف عثمان إلى اليوم فقال الأستاذ الدكتور على جمعة محمد أستاذ أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الأزهر: هناك نسخة كاملة في مقام الحسين عليه السلام بمصر من مصحف عثمان، بالإضافة إلى النسخة السمرقندية، ونسخة طوبقابو باسطنبول.
والمصحف الشريف حُفظ في الصدور فكان الحفظ هو الأساس وليس الكتابة، وقبل الحرب العالمية الثانية قام معهد برلين بجمع أربعين ألف نسخة من المصحف عبر العصور؛ لمحاولة إيجاد أي تحريف فيه، وأصدر بعد سنين تقريرًا مبدئيًا، وكان قد انتهى من مقارنة ما يزيد عن ثمانين في المائة مما جمعه. وهذا التقرير يوجد في مكتبة ألمانيا يعترف بعدم وجود أي تحريف في القرآن الكريم.
فصدق الله حيث يقول: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] [الحجر: 9] وراجع في ذلك كتاب "إظهار الحق" لرحمة الله الهندي وله عدة طبعات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(2/1844)
فتاوى في الناسخ والمنسوخ
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال عن أحكام الناسخ والمنسوخ وما يترتب عليها من مسائل مثل هل يتوقف العمل بالمنسوخ مطلقاً وذلك في الكتاب والسنة، أرجو منكم بسط الإجابة؟ ولكم جزيل الشكر، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدمت لنا فتاوى كثيرة حول النسخ ومعناه وأحكامه وغير ذلك مما يتعلق به، ويمكن للسائل الوصول إلي هذه الفتاوى بالرجوع إلى (العرض الموضوعي) ثم على (القرآن الكريم) ثم على (من علوم القرآن) ثم على (الناسخ والمنسوخ) ، وراجع على سبيل المثال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6166، 13919، 3715، 12905، 46644.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1425(2/1845)
الحكم الجلية من وقوع النسخ في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لقد رأيت برنامجاً في قناة مسيحية يتحدث عن الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ويقول ذلك القمص زكريا بطرس أن آيات نزلت على رسولنا الكريم ثم أنساها الله له فلم يعد يذكرها، كما يقول أن سورة التوبة كان بها 200 آية، ويقول كيف يعقل أن ينزل الله آية أو سورة على نبيه ثم ينسيها له، لماذا هل أنزلها الله ثم وجد أنها غير صالحة أم ماذا؟ وهنا أتسأل أنا: هل هذا الأمر صحيح، وإن كان صحيحاً فما الحكمة من ذلك، وهل هو أمر لم تعرف بعد حكمته أم ماذا، ولماذا لا يتعرض علماء المسلمين لهذه القضية، أرجو أن ترسلوا لي الجواب في أقرب وقت ممكن، فأعداء الله لا ينتظرون، وقد يسقط في براثنهم ضعاف الإيمان، وبالمناسبة ذلك البرنامج هو أسئلة عن الإيمان ويقدم بقناة الحياة المسيحية ويقدمه شخص يقول إنه كان مسلماً وأصبح مسيحياً، أو بمعنى أصح ارتد عن الإسلام، أفيدوني أفادكم الله، وانشروا الجواب على الإنترنت ليستفيد منه الجميع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل أن نشرع في الجواب ينبغي التنبيه على أمر مهم وهو أنه يجب على المسلم أن يصون دينه عن الشبهات، فلا يستمع إليها، لأن الشبهة قد تستقر في قلبه ولا يستطيع دفعها لضعف إيمانه أو قلة علمه أو هما معا، وقد نص العلماء على حرمة النظر في كتب أهل الكتاب لما فيها من التحريف، فكيف بالاستماع لشبهات هؤلاء؟! فهو أشد تحريما وانظر الفتوى رقم: 14742.
وأما الكلام عن الحكمة من نسخ الآيات بعد نزولها فقد سبق في الفتوى رقم: 3715، والفتوى رقم: 13919 ونزيد هنا بعض الكلام الذي لا بد منه.
قال الزرقاني في مناهل العرفان وهو يرد على من أنكر النسخ بحجة أنه يستلزم البداء، قال رحمه الله تعالى: البداء بفتح الباء يطلق في لغة العرب على معنيين متقاربين: أحدهما الظهور بعد الخفاء ومنه قول الله سبحانه: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ* وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا، ومنه قولهم: بدا لنا سور المدينة.
والآخر نشأة رأي جديد لم يك موجودا، قال في القاموس: وبدا له في الأمر بدواً وبداء وبداة أي نشأ له فيه رأي ... ذانك معنيان متقاربان للبداء، وكلاهما مستحيل على الله تعالى لما يلزمهما من سبق الجهل وحدوث العلم، والجهل والحدوث عليه محالان لأن النظر الصحيح في هذا العالم دلنا على أن خالقه ومدبره متصف أزلا وأبداً بالعلم الواسع المطلق المحيط بكل ما كان وما سيكون وما هو كائن، كما هدانا هذا النظر الصحيح إلى أنه تعالى لا يمكن أن يكون حادثا ولا محلا للحوادث وإلا لكان ناقصا يعجز عن أن يبدع هذا الكون ويدبره هذا التدبير المعجز، ذلك إجمال لدليل العقل.
أما أدلة النقل فنصوص فياضة ناطقة بأنه تعالى أحاط بكل شيء علما، وأنه لا تخفى عليه خافية، ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمت الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتب مبين، الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار، إلى غير ذلك من مئات الآيات والأحاديث.
ولكن على رغم هذه البراهين الساطعة من عقلية ونقلية ضل أقوام ... وزعموا أن النسخ ضرب من البداء أو مستلزم للبداء ... ونسوا أو تناسوا أن الله تعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض ... علم أن الحكم الأول المنسوخ منوط بحكمة أو مصلحة تنتهي في وقت معلوم، وعلم بجانب هذا أن الناسخ يجيء في هذا الميقات المعلوم منوطا بحكمة وبمصلحة أخرى، ولا ريب أن الحكم والمصالح تختلف باختلاف الناس وتتجدد بتجدد ظروفهم وأحوالهم، وأن الأحكام وحكمها والعباد ومصالحهم والنواسخ والمنسوخات كانت كلها معلومة لله من قبل، ظاهرة لديه لم يخف شيء منها عليه، والجديد في النسخ إنما هو إظهاره تعالى ما علم لعباده لا ظهور ذلك له، على حد التعبير المعروف شؤون يبديها ولا يبتديها وما كان ربك نسيا.
وقال الزرقاني رحمه الله تعالى: أما حكمته سبحانه في أنه نسخ به الأديان كلها فترجع إلى أن تشريعه أكمل تشريع يفي بحاجات الإنسانية في مرحلتها التي انتهت إليها بعد أن بلغت أشدها واستوت، وبيان ذلك أن النوع الإنساني تقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير الحال التي تناسب دورا غيره، فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجة وبساطة وضعفا وجهالة، ثم أخذوا يتحولون من هذا العهد رويدا رويدا ومروا في هذا التحول أو مرت عليهم أعراض متباينة من ضآلة العقل وعماية الجهل وطيش الشباب وغشم القوة على تفاوت في ذلك بينهم اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعا لهذا التفاوت، حتى إذا بلغ العالَم أوان نضجه واستوائه وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه جاء هذا الدين الحنيف ختاما للأديان ومتمما للشرائع وجامعا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية ومرونة القواعد جمعا وفق بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد وأسر وجماعات وأمم وشعوب وحيوان ونبات وجماد، مما جعله بحق دينا عاما خالدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ...
وأما حكمة الله في أنه نسخ بعض أحكام الإسلام ببعض فترجع إلى سياسة الأمة وتعهدها بما يرقيها ويمحصها.. على مهل متألفة –أي الشريعة- لهم متلطفة في دعوتهم متدرجة بهم إلى الكمال رويدا رويدا، صاعدة بهم في مدارج الرقي شيئا فشيئا، منتهزة فرصة الإلف والمران والأحداث الجادة عليهم لتسير بهم من الأسهل إلى السهل، ومن السهل إلى الصعب، ومن الصعب إلى الأصعب حتى تم الأمر ونجح الإسلام نجاحا لم يعرف مثله في سرعته وامتزاج النفوس به ونهضة البشرية بسببه.
تلك الحكمة على هذا الوجه تتجلى فيما إذا كان الحكم الناسخ أصعب من المنسوخ كموقف الإسلام في سموه ونبله من مشكلة الخمر في عرب الجاهلية بالأمس، وقد كانت مشكلة معقدة كل التعقيد يحتسونها بصورة تكاد تكون إجماعية، ويأتونها لا على أنها عادة مجردة بل على أنها أمارة القوة ومظهر الفتوة وعنوان الشهامة. فقل لي بربك هل كان معقولا أن ينجح الإسلام في فطامهم عنها ولو لم يتألفهم ويتلطف!! ...
أما الحكمة في نسخ الحكم الأصعب بما هو أسهل منه فالتخفيف على الناس ترفيها عنهم وإظهارا لفضل الله عليهم ورحمته بهم وفي ذلك إغراء لهم على المبالغة في شكره وتمجيده وتحبيب لهم فيه وفي دينه.
وأما الحكمة في نسخ الحكم بمساويه في صعوبته أو سهولته فالابتلاء والاختبار ليظهر المؤمن فيفوز والمنافق فيهلك ليميز الخبيث من الطيب.. انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وبذا يتضح لك تهافت دعاوى هؤلاء المبطلين.
وأما نسيان النبي صلى الله عليه وسلم فسبق الكلام عنه في الفتوى رقم: 29478 والفتوى رقم: 37776 , وقد ذكر أهل العلم أن سورة الأحزاب كانت مثل سورة البقرة فرفع أكثرها تلاوة وحكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1425(2/1846)
حكم العمل بأحكام الفترة المكية المنسوخة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ: هل يجوز أن يترك الداعية المسلم أعمالا ظاهرية من الواجب والسنة، كإعفاء اللحية، ولباس السروال القصير، وجمع الصلوات تقديما أو تأخيرا، وقصرها بغير السفر في وقت الدعوة الخفية، بناء على حياة رسول الله في مكة، وعلى تجربة عملية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تضمن سؤالك عدة أمور يختلف حكمها، ولذا سنفصل الجواب فيها على النحو التالي فنقول:
أما إعفاء اللحية أو لبس ما فوق الكعبين من السراويل أو غيرها، فواجب شرعي لا يسوغ لآحاد المسلمين تركه، فكيف يتركه الداعية الذي ينبغي أن تتطابق أفعاله وأقواله، وأن يكون قدوة حسنة لمن يدعوهم، ومتى لم يكن قدوة في نفسه لم يكن لدعوته أثر في الناس، وزل كلامه عن القلوب كما يزل الماء عن الحجر، ولا يرخُص للمسلم في حلق لحيته أو إسبال ثوبه ونحو ذلك من المحرمات مطلقاً، إلا إن كان مكرهاً على ذلك إكراهاً شرعياً يسقط عنه به الإثم، أما في حال السعة والاختيار، فلا يجوز له أن يقدم على فعل هذه المحرمات، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 3198.
وأما قصر الصلاة في غير السفر فهو محرم بالإجماع، وقد كانت الصلاة فرضت بمكة ركعتين ركعتين، ثم عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم زيد فيها حتى صارت على النحو المعروف اليوم، ونسخ الله الحكم السابق الخاص بعددها، فليس لأحدٍ أن يترك العمل بالناسخ ويعمل بالمنسوخ وفاعل ذلك ضال جاهل، مستحق للعقوبة البليغة التي تردعه عن الابتداع وإفساد الدين، فإن من صلى الصلاة قصراً في غير سفر، فهو في الحقيقة تارك للصلاة الرباعية والثلاثية المأمور بها، وهو داخل في الوعيد الذي توعد به تارك الصلاة.
وأما جمع الصلوات بغير عذر فهو من الكبائر، كما يروي البيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 8171.
وأحكام الفترة المكية التي نسخها الله بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز للمسلم أن يعمل بها، لأنها بعد نسخها لم تعد أحكاماً شرعية، فمن عمل بها وترك العمل بما نسخها كان فيه شبه بمن عمل بدين منسوخ، وأعرض عن دين الإسلام الذي نسخ ما سواه من الأديان، كما أن هذا يفتح الباب لترك كل الأحكام التي شرعت في المرحلة المدنية، ولا شك أن ذلك هدم للإسلام وتغيير لأحكامه، فليحذر المسلم من هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(2/1847)
سورتا: الخلع والحفد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حقيقة ما يقال عن سورتي الخلع والحفد؟ إجمالا كيف نفسر مثل هذه الأخبار التي توجد في كتب التفسير ويستخدمها غير المسلمين لإثارة الشبهات؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يسمى بسورتي الخلع والحفد ورد في بعض الروايات أنهما كانتا مما نزل من القرآن ونسختا، ولا يقال لهما بعد ذلك سورتان إلا على سبيل التجوز، فاسم القرآن لا يطلق إلا على ما بين دفتي المصحف من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس، فهذا هو القرآن المتعبد بتلاوته، المعجز بألفاظه ومعانيه، المحفوظ من التغيير والتبديل والتحريف والزيادة والنقص ... مصداقاً لقول الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .
ولا يشكل عليك وجود النسخ في القرآن الكريم، فقد ثبت في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:106] ، وقال الله تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ* قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:101-102] .
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من التفصيل عن النسخ وأنواعه في الفتوى رقم: 3715 وفي كتب التفسير عند تفسير الآيات المذكورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1424(2/1848)
النسخ قد لا يخلفه بدل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما معنى قول الزركشي في البحر المحيط: لا يشترط في النسخ أن يخلفه بدل؛ كما في نسخ الصدقة في مناجاة الرسول، والإمساك بعد الإفطار في ليالي رمضان، وما المقصود بالنسخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق تعريف النسخ وبعض أحكامه في الفتوى رقم: 3715 فليرجع إليها.
أما معنى قول الزركشي في البحر المحيط المذكور، فهو أن النسخ قد لا يخلفه بدل، أي قد ينسخ الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم الحكم ولا يأتي حكم بديل عنه، فمثلاً تقديم الصدقة عند إرادة مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم الوارد في الآية (12) من سورة المجادلة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ نسخ هذا الحكم ولم يأت بدل عنه، حيث جاء النسخ في الآية التي بعدها: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المجادلة:13] .
فلم يُطلب منهم شيء يقدمونه إذا خلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم يناجيه أحدهم في أمر.
وكذلك كان الإمساك لمن أفطر من الصيام واجباً بقية الليلة فنسخ بغير بدل، نسخته الآية (187) من سورة البقرة: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] .
وكذلك نسخ تحريم الجماع ليالي رمضان بقوله في نفس الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(2/1849)
الناسخ يستلزم منسوخا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله واصحابه الطيبين اما بعد:
افيدونا رحمكم الله ما هو ((الناسخ والمنسوخ))
ولماذا جمعا معاً وليس كل واحد في كتاب
وشكرا جزيلاً لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على تعريف الناسخ والمنسوخ وأقسام النسخ في الجواب رقم 13919 والجواب رقم 6166 وإذا تم اطلاع الأخ على هذين الجوابين فسيعلم أن الحديث عن أحد القسمين دون الآخر غير ممكن نظراً لترابطهما في أغلب الأحوال، إذ الناسخ يستلزم منسوخاً، وكذا المنسوخ في أغلب أحواله له ناسخ، فهذا الترابط هو الذي جعل المؤلفين يجمعونهما عند الكلام عليهما، وهذا شيء لا إشكال فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1423(2/1850)
فتاوى في بيان وجه الحق في النسخ
[السُّؤَالُ]
ـ[يثار الآن بين المسلمين في بلدان كثيرة موضوع الناسخ والمنسوخ من القرآن وقد تكلم فيه إخواننا بعض الناس بأسلوب خاطىء وافتروا على الله والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والصحابة كثيراً من الأخطاء فكيف نرد عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن النسخ في القرآن، في الفتاوى التالية:
3715
12905
13919
18663، فراجعها ففيها بيان الحق في هذه المسألة، وبطلان قول من أنكر النسخ أو أثبته وزعم أنه يمكن أن يقع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق إمام أو غيره، فإن هذا من أعظم الباطل لقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] .
وقوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] .
ونحن نقطع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة، وتركها على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1423(2/1851)
النسخ ... تعريفه ... وأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[-ما المقصود بالآيات المنسوخة وكيف نعلمها وما الفرق بينها وبين الآيات الأخرى وهل يجب على المسلم معرفة هذه الآيات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنسخ هو: رفع حكم شرعي بخطاب شرعي متراخ عنه. والآيات المنسوخة في القرآن الكريم تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم رفع الله حكمه وأبقى تلاوته، كنسخ حكم آية الاعتداد من موت الزوج، إلى أربعة أشهر وعشر، بدلا من حول كامل، وذلك في قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج) [البقرة:240] فنسخ الله حكمها بقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً) [البقرة:234] وقسم رفع الله حكمه وتلاوته، كما روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن، عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات… الحديث.
وقسم رفع الله تلاوته وأبقى حكمه، كنسخ تلاوة آية الرجم للزانيين المحصنين مع بقاء حكمها، كما رواه مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه ... وفيه أنه قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله تعالى، لكتبتها: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة. قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: قوله: الشيخ والشيخة الثيب والثيبة، فارجموهما البتة. ا. هـ
فالقسم الأول والثاني نسخ في كل منهما الحكم، وجاء حكم بدلاً منه، وفي القسم الثالث نسخت التلاوة فقط وبقي الحكم كما هو، فكان المنسوخ تلاوتها والتعبد بها.
والفرق بين الآيات المنسوخة وغير المنسوخة، أن المنسوخة لا يعمل بها بعد نزول الناسخ، هذا في القسمين الأولين، ولا تتلى للتعبد في القسم الثالث، أما غير المنسوخة فإنها يُعمل بها ويتعبد بتلاوتها على الأصل.
ويمكنك أيها السائل أن تتعلم الآيات المنسوخة من الكتب التي ألفت في هذا الفن خصيصاً، ومنها: كتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس، ولكل من ابن العربي المالكي وأبي داود السجستاني، وأبي القاسم بن سلام كتاب في نفس الموضوع ويحمل نفس الاسم، وكذلك عليك بمراجعة كتب التفسير بالمأثور كابن جرير الطبري، والدر المنثور للسيوطي، وتفسير ابن كثير.
هذا، وليُعلم أن تعلم الناسخ والمنسوخ بأحكامه لا يجب على جميع المسلمين، ولكن يجب على من أراد منهم أن يتصدى لتعليم الناس وإفتائهم، لئلا يقع في إصدار الأحكام بناءً على أدلة منسوخة، وتعلم أحكام الناسخ والمنسوخ لا بد فيه من قراءة كتب أصول الفقه القديمة والحديثة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1422(2/1852)
معنى الناسخ والمنسوخ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معني الكلمات الآتية:
الناسخ
المنسوخ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالناسخ والمنسوخ: مصطلحان أصوليان، والنسخ: هو رفع الحكم الشرعي المتقدم بخطاب متأخر بحيث لو لم يرد لكان الحكم الأول باقياً. وأركانه ثلاثة:
1- الناسخ وهو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما أذن الله به، وعليه فلا يمكن لأحد كائناً من كان أن يدعي نسخ حكم شرعي إلا ببيان من الكتاب أو السنة.
2- المنسوخ عنه: وهو الحكم المتقدم.
3- المنسوخ إليه: وهو الحكم المتأخر، مثاله:
صوم يوم عاشوراء كان واجباً في بداية الإسلام، ثم نسخ الله وجوبه بصوم شهر رمضان. فالناسخ هو الله، والمنسوخ عنه: هو صوم يوم عاشوراء، والمنسوخ إليه: صوم شهر رمضان. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1853)
معنى النسخ وأنواعه في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حفظكم الله ومد في حياتكم لكل ما فيه خير وصلاح لهذه الأمة. إخوتي لقد سمعت مؤخراً حواراً بين بعض الإخوة في ما يسمى النسخ في القرآن, وأنه قد اختلف العلماء في تحديد الناسخ والمنسوخ من الآيات في القرآن الكريم, وكذلك علمت أن معنى النسخ في الشرع: الإلغاء, طبعاًالمفروض أن يكون الإلغاء لحكم شرعي كان قد عمل به. السؤال: كيف يختلف العلماء في مسألة من المؤكد ان النبي صلى الله عليه وسلم قد بينها ودلنا عليها, وكما أعلم أن الله يقول في كتابه على لسان النبي (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) [المائدة: 3] . إلا إذا كان النسخ عملية اجتهادية أفيدونا افادكم الله. أخوكم أبو سليمان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يرد النسخ في اللغة لمعنيين: أحدهما: التحويل والنقل، ومنه نسخ الكتاب وهو أن يحول من كتاب إلى كتاب. والثاني: الرفع، يقال نسخت الشمس الظل أي ذهبت به وأبطلته. والنسخ في الاصطلاح: هو إزالة ما استقر من الحكم الشرعي بخطاب وارد متراخياً لولاه لكان السابق ثابتاً والنسخ في القرآن على وجوه، أحدهما: أن يثبت الخط وينسخ الحكم مثل آية الوصية للأقارب وآية عدة الوفاة بالحول وآية التخفيف في القتال ومنها أن ترفع تلاوتها أصلاً عن المصحف وعن القلوب، كما روي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن قوماً من الصحابة رضي الله عنهم قاموا ليلة ليقرؤوا سورة فلم يذكروا منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فغدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال صلى الله عليه وسلم: "تلك سورة رفعت تلاوتها وأحكامها". والنسخ لا يدخل إلا الأحكام، فلا يدخل النسخ على الأخبار وهو مذهب جمهور أهل العلم، ولم ينكر النسخ إلا طوائف متأخرة ممن ينتسب إلى الإسلام وهؤلاء محجوحون بقوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) [البقرة: 106] وقوله تعالى: ( {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر) [النحل: 101] . فهاتان الآيتان صريحتان في وجود النسخ في القرآن، وقد أجمع السلف على وجود النسخ، وهذا الإجماع لا يضره ما ورد بعده من خلاف ممن لا يعتد بمخالفتهم. وللنسخ فوائد منها إظهار امتثال العباد أوامر الرب جل وعلا، ومنها التخفيف على العباد وهذا الغالب، ومنها كذلك التدرج في الأحكام كنسخ الأحكام التي أباحت بعض الأمور التي كان عليها المسلمون إلى الحرمة. وقد ينسخ الأثقل إلى الأخف والأخف إلى الأثقل كنسخ صيام يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان، وينسخ المثل بمثله نقلاً وخفة كالقبلة، وينسخ الشيء لا إلى بدل كصدقة النجوى، وينسخ القرآن بالقرآن والسنة، وحذاق الأئمة على أن السنة نسخ بالقرآن كذلك كما في قوله تعالى: (فلا ترجعوهن إلى الكفار) [الممتحنة: 10] . فإن رجوعهن إنما كان بصلح النبي صلى الله عليه وسلم لقريش. والحذاق كذلك على جواز نسخ القرآن بخبر الواحد عقلاً واختلفوا هل وقع شرعاً، فذهب أبو المعالي وغيره إلى وقوعه في نازلة مسجد قباء، ولا يصح نسخ نص بقياس إذ من شروط القياس ألا يخالف نصاً. وهذا كله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أما بعد موته واستقرار الشريعة فأجمعت الأمة أنه لا نسخ، ولهذا كان الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به إذ انعقاده بعد انقطاع الوحي، فإذا وجدنا إجماعاً يخالف نصاً فيعلم أن الإجماع استند إلى نص ناسخ لا نعلمه نحن وأن ذلك النص المخالف متروك العمل به. وإنما اختلف العلماء في مسألة من المؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بينها للأسباب التي اختلف بها كثير من الأئمة في مسائل الأحكام، منها عدم بلوغ النسخ لهم، ومنها اختلافهم في الحكم على الخبر الناسخ، هل هو صحيح أم ضعيف، ولاختلافهم في معرفة طرق النسخ وغير ذلك. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(2/1854)
الناسخ والمنسوخ.. شروطه.. نسبة النسخ.. ومؤلفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهدت بالصدفة في قناة الحياة الفضائية الحلقة ال 80 والأخيرة لبرنامج يهاجم الحديث الشريف بأدلة من الأزهر الشريف وأن المصحف به 65.\\. منسوخ , أليس هذا أيضا تدنيسا للإسلام؟ أوجه استنكاري للعلماء المسلمين على سكوتهم وترك كل من هب وقال أنا مفت أفتي بدون رقابة , أناشدكم أن يرد هؤلاء السفهاء عن العبث في كرامة الإسلام , وان لم تقدروا على حمايته علانية فالله أولى به ((وإنا له لحافظون)) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه القناة قناة نصرانية تحارب الإسلام ويريد أصحابها إطفاء نور الله بأفواههم، فعلى من لا يملك حماية نفسه من التأثر بشبهها حجبها وحجب ما أشبهها من القنوات الفاسدة عن بيته، وأما ادعاء نسخ هذا العدد المذكور فهو باطل من أباطيلهم، فالنسخ لا بد له مما يثبته كنص الشارع على النسخ، أو وقوع الإجماع عليه.
وقد ألف في الناسخ والمنسوخ جمع من العلماء منهم النحاس وابن حزم والمقري والكرمي وقتادة وابن البارزي وابن الجوزي، وتكلم عليه من ألفوا في علوم القرآن كالسيوطي والزركشي والزرقاني ومن المتأخرين مناع خليل القطان وصبحي الصالح وقد تفاوت عدد ما ذكروه من المنسوخ في القرآن، فبعضهم عد بضع عشر آية، وبعضهم عد عشرين، وبعضهم رد على ذلك، ولكنه لم يبلغ أقصى ما ذكروه إلا نسبة ضئيلة في المائة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 56322، 63031، 39414.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1426(2/1855)
آية أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[آية نزلت أزال الله بها أحكاما كانت في صدر الإسلام منها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين. ماهي الآية والسورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآية التي سألت عنها هي الآية السادسة من سورة الأحزاب.
قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب: 6] . إلى آخر الآية.
قال الإمام القرطبي في تفسيره: هذه الآية أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام، منها أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين، فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته. أخرجه الصحيحان، وفيهما أيضا: فأيكم ترك دينا أو ضياعا فأنا مولاه. .
انتهى.
وراجعي الفتوى رقم: 13808.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(2/1856)
ما قد يطلق عليه اسم (سورة) وليس من القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السورة التي لم تذكر في المصحف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن المتعبد بلفظه: هو ما بين دفتي المصحف من الفاتحة إلى الناس، وما خرج عن ذلك فليس بقرآن كالذي نسخ تلاوة وحكما، وبعض هذا النوع قد يطلق عليه اسم السورة كما أخرج ابن كثير في فضائل القرآن عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت: وحفظ منها: إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى لهما وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
وكذلك سورة الخلع: "اللهم إنا نستعينك..... ونخلع ونترك من يفجرك"
ولكن مثل هذا لم يعد يسمى سوراً إلا تجوزا لأنه ليس بقرآن، وقد تكفل الله بحفظ القرآن من الزيادة أو التبديل قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .
وانظر الفتوى رقم:
6484.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1423(2/1857)
مذهب الأحناف في نسخ القرآن بالسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأحناف يرون أن القرآن الكريم قاض على السنة ومهيمن عليها، وأن السنة المطهرة لا تنسخ حكما ورد في القرآن الكريم ولا تضيف حكما لم يرد في القرآن الكريم، وأن السنة المطهرة ينحصر دورها في شرح وبيان أوامر وأحكام القرآن الكريم المجملة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد إطلاقا لمثل هذه العبارة فيما اطلعنا عليه من كتب الحنفية، وقد سبق أن بينا في جواب سؤال مماثل أن العبارة التي وردت عن بعض السلف هي قولهم: السنة قاضية على القرآن وليس القرآن بقاض على السنة، وذكرنا أن مرادهم بذلك أن السنة مفسرة للقرآن ومبينة له.
وأما مسألة نسخ القرآن بالسنة فمذهب الحنفية فيها أن القرآن ينسخ بالسنة المتواترة وبالسنة المشهورة ولا ينسخ بأخبار الآحاد.
قال أبو بكر الجصاص الحنفي في كتابه: الفصول في الأصول: باب القول في نسخ القرآن بالسنة: اختلف الناس في نسخ القرآن بالسنة فأجازه أصحابنا إذا جاءت السنة مجيئا يوجب العلم ولم يكن من أخبار الآحاد. اهـ والذي يوجب العلم هو المتواتر والمشهور.
قال ابن أمير حاج وهو حنفي أيضا في كتابه التقرير والتحبير وهو يعلل كون المشهور ينسخ القرآن كالمتواتر: وكونها مشهورة فيجوز نسخ الكتاب بها الحق أي هو الحق لأنه في قوة المتواتر إذ المتواتر نوعان: متواتر من حيث الرواية ومتواتر من حيث ظهوره يغني الناس عن روايته وهذا بهذه المثابة فإن العمل ظهر به مع القبول من أئمة الفتوى بلا تنازع فيجوز به النسخ. اهـ
وبهذا يتبين أن الحنفية لا يرون أن السنة ينحصر دورها في بيان أوامر وأحكام القرآن.
ولعلك تشير بقولك: (ولا تضيف حكما لم يرد في القرآن الكريم) إلى السؤال عن مسألة أخرى وهي مسألة الزيادة على النص عند الحنفية هل هي نسخ أو لا؟ ومذهبهم فيها أن الزيادة على النص نسخ فلا تقبل الزيادة عندهم.
قال البزدوي في كشف الأسرار: أما القسم الرابع فمثل الزيادة على النص فإنها نسخ عندنا. وقال الشافعي: إنه تخصيص وليس بنسخ، وذلك كزيادة النفي على الجلد وزيادة قيد الإيمان في كفارة اليمين والظهار. اهـ فالأحناف مثلا لا يرون تغريب الزاني البكر بل يرون الجلد فقط لأن التغريب عندهم يعتبر زيادة على النص. ولهذا السبب كذلك لا يرون اشتراط الإيمان في عتق الرقبة في كفارة اليمين وكفارة الظهار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1428(2/1858)
النسخ في أحكام الشريعة له حكم عظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في سورة البقرة آية 187: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. تفسير ابن كثير: هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام, فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك, فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة والرفث هو الجماع، وكان السبب في نزول هذه الآية ما روى أن أصحاب النبي إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما وكان يومه ذلك يعمل في أرضه فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك, فغلبته عيناه فنام, وجاءت امرأته فلما رأته نائما قالت خيبة لك أنمت؟ فلما انتصف النهار غشي عليه, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآيه: (احل لكم ليلة الصيام الرفث ... ) إلى آخر الآيات ففرحوا بها فرحا شديدا، ولفظ البخاري عن البراء قال لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء في رمضان كله, وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) ، وعن أبي هريرة في هذه الآية قال: كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلوا العشاء الأخر حرم عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا, وأن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء, وأن صرمة بن قيس الأنصاري غلبته عيناه بعد صلاة المغرب فنام ولم يشبع من الطعام ولم يستيقظ حتى صلى الرسول عليه الصلاة والسلام العشاء فقام فأكل وشرب, فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأنزل الله عن ذلك (أحل لكم ليلة الصيام..) , وقال ابن جرير: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر إلى الغد, فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده, فوجد امرأته قد نامت فارادها فقالت إني قد نمت, فقال ما نمت ثم وقع بها، وصنع (كعب بن مالك) مثل ذلك, فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي فأخبره, فأنزل الله (علم الله أنكم ... ) إلى آخر الآيات فأباح الجماع والطعام والشراب في جميع الليلة رحمة ورخصة ورفقا، السؤال: هل كان الله عز وجل لا يعلم الغيب والضرر الذي سيحصل للمسلمين عندما وضع لهم حكما لا يتناسب معهم وعندما علم أنهم غير قادرين على تنفيذه بعد تنفيذ التجربة رخص لهم وغير الحكم، والمعرف أن القاعدة الشرعية تقول إن الله عز وجل يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما أن الله عز وجل يعلم من سيدخل النار ومن سيدخل الجنة بعلمه المسبق للأحداث ويعلمه للمستقبل والغيبيات، كما أن دائما علماء الطب يقولون إن الصيام صحة، وكثيراً ما أجد حالات إغماء للمسلمين خصوصا في شهر رمضان وعند ذلك يفطرون المغمى عليه، حاشا لله أن يكون كذلك ولكني أريد توضيح هذه الشبهة التي تخطر على بالي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل متصف بكل كمال ومنزه عن كل نقص، فهو المتصف أزلا وأبداً بالعلم الواسع المطلق المحيط بكل ما كان وما سيكون وما هو كائن، قطعت بذلك الأدلة العقلية، كما نطقت به وتواترت عليه الأدلة النقلية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وما ذكره السائل هو من باب النسخ والتربية.
فالنسخ في أحكام الشريعة له حكم عظيمة ذكرها أهل العلم ومن هذه الحكم: إظهار امتثال العباد أوامر الرب جل وعلا، ومنها التخفيف على العباد وهذا الغالب -كما في هذا السؤال- ومنها كذلك التدرج في الأحكام كنسخ الأحكام التي أباحت بعض الأمور التي كان عليها المسلمون إلى الحرمة، وقد ينسخ الأثقل إلى الأخف والأخف إلى الأثقل، وينسخ المثل بمثله ثقلاً وخفه كما هو مبين في محله.
قال العلامة الزرقاني في مناهل العرفان: وأما حكمة الله في أنه نسخ بعض أحكام الإسلام ببعض فترجع إلى سياسة الأمة وتعهدها بما يرقيها ويمحصها ... على مهل متألفة -أي الشريعة- لهم متلطفة في دعوتهم متدرجة بهم إلى الكمال رويداً رويداً، صاعدة بهم في مدارج الرقي شيئاً فشيئاً، منتهزة فرصة الإلف والمران والأحداث الجادة عليهم لتسير بهم من الأسهل إلى السهل، ومن السهل إلى الصعب، ومن الصعب إلى الأصعب حتى تم الأمر ونجح الإسلام نجاحاً لم يعرف مثله في سرعته وامتزاج النفوس به ونهضة البشرية بسببه.
تلك الحكمة على هذا الوجه تتجلى فيما إذا كان الحكم الناسخ أصعب من المنسوخ كموقف الإسلام في سموه ونبله من مشكلة الخمر في عرب الجاهلية بالأمس، وقد كانت مشكلة معقدة كل التعقيد يحتسونها بصورة تكاد تكون إجماعية، ويأتونها لا على أنها عادة مجردة بل على أنها أمارة القوة ومظهر الفتوة وعنوان الشهامة، فقل لي بربك هل كان معقولاً أن ينجح الإسلام في فطامهم عنها ولو لم يتألفهم ويتلطف!!.. أما الحكمة في نسخ الحكم الأصعب بما هو أسهل منه فالتخفيف على الناس ترفيها عنهم وإظهاراً لفضل الله عليهم ورحمته بهم وفي ذلك إغراء لهم على المبالغة في شكره وتمجيده وتحبيب لهم فيه وفي دينه، وأما الحكمة في نسخ الحكم بمساويه في صعوبته أو سهولته فالابتلاء والاختبار ليظهر المؤمن فيفوز والمنافق فيهلك ليميز الخبيث من الطيب.
وبذلك تعلم أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علماً، وأن له الحكمة البالغة في تشريعه ووضع أحكامه، وبه تتضح لك الحكمة، وتزول عنك الشبهة من نسخ الحكم المذكور، وبإمكانك أن تطلع على المزيد عن هذا الموضوع في الفتوى رقم: 46644.
وأما ما ذكرته من قول الأطباء فهو صحيح مجرب، ولكنه بالنسبة للصائم القادر المقيم (غير المسافر) مصداقاً لقول الله تعالى: وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:184} ، ولقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ {البقرة:184} ، وما تجده من إغماء يصيب بعض المسلمين بسبب الصيام فإن الله تعالى لم يكلف هذا النوع من الناس بالصيام كما رأيت في الآية السابقة الذكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1428(2/1859)
أحاديث منسوخة
[السُّؤَالُ]
ـ[آسف على السؤال السابق، ولكن قصدي هل هناك ما يسمى أحاديث منسوخة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمعت الأمة على جواز النسخ، سواء كان نسخ القرآن أو نسخ الحديث، والنسخ معناه: إزالة حكم شرعي بآخر شرعي متأخر عنه، ولك أن تراجع في تعريف النسخ الفتوى رقم: 13919.
ومن الأحاديث المنسوخة ما رواه أبو داود والترمذي من حديث معاوية: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه. قال النووي في شرح مسلم: دل الإجماع على نسخه. يعني أن الإجماع دل على أن شارب الخمر لا يقتل بل يحد بالجلد ولو كان الشرب متكررا منه في حالات كثيرة.
ومن الأحاديث المنسوخة أيضاً أن يدل الحديث في نفسه على أنه منسوخ، كقوله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها.. الحديث رواه مسلم وغيره.
ومن ذلك أيضاً نسخ إباحة المتعة؛ كما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس: إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً. إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1428(2/1860)
جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة ووقوعه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في مذكرة الشنقيطي رحمه الله في الأصول، عندما تحدث عن النسخ، وقول من قال بنسخ السنة للكتاب، قال ومثاله نسخ آية خمس رضعات بالسنة المتواترة ونسخ سورة الخلع وسورة الحفد بالسنة المتواترة، والسؤال هو ما معنى قوله آية خمس رضعات وسورة الخلع وسورة الحفد؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في مسألة نسخ الكتاب بالسنة، وقال الشيخ الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر بعد ذكر أدلة القائلين بعدم الجواز: التحقيق جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة ووقوعه، ومثاله: نسخ آية خمس رضعات بالسنة المتواترة، ونسخ سورة الخلع وسورة الحفد بالسنة المتواترة. ص: 150.
فأما آية خمس رضعات فهي ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن.
وأما سورة الخلع وسورة الحفد فلفظهما هو: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكافرين ملحق، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونثني عليك الخير، ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. رواها ابن أبي شيبة وصححها الألباني، واعلم أن مثل هذا لم يعد يسمى قرآنا، كما سبق أن بينا وراجع الفتوى رقم: 26908، والفتوى رقم: 30280.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(2/1861)
مما نسخ من القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك آيات أنزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم حذفت ماهي هذه الآيات؟ أريد الإجابة سريعا لو سمحتم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم:
13919، والفتوى رقم: 3715.
تعريف النسخ وفوائده وأقسامه ونماذج مما نسخ من القرآن والسنة، وحصر الآيات المنسوخة لا يتسع له مجال الفتوى ولكن يمكنك قراءة النوع السابع والأربعين من كتاب الإتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطي، المجلد الأول صفحة 647، طبعة دار الكتاب العربي، فقد وفى المقام حقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(2/1862)
نسخ الحديث بالحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: هل توجد أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم منسوخة (حكماً) بأحاديث صحيحة أخرى يرجى إيراد أمثلة؟ مع العلم بأنني لا أقصد الأحاديث الضعيفة.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتوجد أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة، وهي منسوخة بأحاديث أخرى صحيحة، من ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان، فصرخ به، فخرج يجر إزاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعجلنا الرجل"، فقال عتبان: يا رسول الله، أرايت الرجل يعجل عن امرأته، ولم يمنِ ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الماء من الماء" رواه مسلم أي لا يجب عليه الغسل حتى ينزل منه المني. وهذا الحكم نسخ بما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب عليه الغسل" زاد مسلم "وإن لم ينزل".
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل".
قال الإمام النووي يرحمه الله: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال ثم رجع بعضهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين. أ. هـ
ومن ذلك حديث أو أحاديث إباحة نكاح المتعة، ففي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا فأذن في المتعة، وهناك أحاديث أخرى في إباحة نكاح المتعة إلا أنها نسخت بأحاديث أخرى صحيحة وصريحة، منها حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاُ، ثم نهى عنها. رواه مسلم.
قال ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة، فقال: إن ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يُعَرِّض برجل فناداه فقال: إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين.. يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.
قال ابن شهاب فأخبرني خالد بن المهاجر سيف الله أنه بينما هو جالس عند رجل، جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري مهلاً. قال ما هي، والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين قال ابن عمرة: إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين، ونهى عنها. رواه مسلم.
ولذا قال النووي -رحمه الله- مبوباً على هذه الأحاديث: باب النكاح والمتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة، ونقل عن المازري قوله: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزاً في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة أنه نسخ، وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها.
وهناك أحاديث كثيرة صحيحة منسوخة بمثلها يطول ذكرها، وأما النسخ في القرآن، فقد فصلناه في الفتوى رقم: 13919 فلتراجع للفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1423(2/1863)
الفرق بين نسخ التلاوة ونسخ الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين نسخ التلاوة ونسخ الآية وكيف الاستدلال على ذلك من الكتاب والسنة؟ وجزاكم الله خيرا على ما تقدمون من فائدة للمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا السؤال مبحثه في أصول الفقه وعلوم القرآن. يجوز نسخ تلاوة الآية دون حكمها. ونسخ حكمها دون تلاوتها ونسخ الحكم والتلاوة معا. مثال نسخ التلاوة دون الحكم: أية الرجم، (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم) . فقد نسخت تلاوة هذه الآية ولكن حكمها باقٍ. ومثال نسخ الحكم دون التلاوة: قوله تعالي: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيتة لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج) . [البقرة: 24] ، فقد نسخ حكم هذه الآية وبقيت تلاوتها. ومثال نسخ التلاوة والحكم: ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن. ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن". فالقسم الأول من الآية (عشر رضعات … هذه منسوخة تلاوةً وحكماً عند الجميع والقسم الثاني منها (ثم نسخن بخمس.. نسخت عن الجمهورتلاوة وحكماً وعند الشافعي ومن وافقه نسخت تلاوة لا حكماً) . والله تعالي أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1423(2/1864)
جواب شبهة حول خلق السماء والأرض وذكرهما مقترنين في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ترد الأرض في القرآن مقرونة مع السماء؟ وكيف يقرن الصغير جدا مع الكبير جدا؟ فالسماء ـ كما نعلم ـ فيها كل شيء في الكون من نجوم ومجرات وهي مقارنة بحجم الأرض مليارات الأضعاف، والأرض ما هي إلا كوكب صغير جدا كذرة رمل تسبح في السماء وهي أيضا جزء من السماء كسائر الكواكب والنجوم، فلماذا النص القرآني يشعرنا أن الأرض والسماء متقاربتان في الحجم؟ وكذلك في مدة الخلق في سورة فصلت؟ حيث خلق هذا الكوكب الصغير في أربعة أيام والسماوات في يومين فقط، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأنه باستطاعته أن يخلق كل شيء بمجرد قوله كن، ولكن ـ رجاء ـ أجيبوني عن هذه الشبهة التي لم أجد لها حلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعروف أن الأرض بالنسبة للإنسان هي مستقره الذي يحيى فيه ولا يستطيع العيش دونه، وهي بيئته التي مكَّنه الله منها دون غيرها من أجزاء الكون الفسيح، فهذه السموات ـ على عظمتها وسعتها ـ ليس فيها موضع يمكن لنا أن نستقر فيه، فالأرض بالنسبة لنا هي السكن والمستقر والمتاع، فالتنويه بذكرها تذكير مباشرة بشيء محسوس لجميع بني آدم، وهو أدعى للامتنان وشكر الله تعالى، قال تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ {الأعراف: 10} .
وقال سبحانه: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {البقرة: 36} . ولذلك كان من المناسب أن يكون اهتمام القرآن بالحديث عنها أكبر وأعظم من غيرها من أجزاء الكون، ولا سيما والقرآن لم ينزل فقط لعلماء الهيئة والفلك ونحوهم، بل نزل للناس كافة، وفيهم من لا يدرك إلا البيئة القريبة التي يباشر حياته عليها.
ولهذا المعنى أيضا: نجد أن القرآن يكثر من ذكر الشمس والقمر رغم وجود ملايين النجوم والأقمار المبثوثة في مجرات هذا الكون الفسيح مما يكبرهما بأضعاف كثيرة، وذلك لأن الشمس والقمر معروفان لكل بني آدم، ويتصل نفعهما المباشر بهم جميعا، وترتبط بدورتهما مصالح دنياهم وكذلك دينهم كأوقات العبادات من الصلاة والصيام والحج والزكاة.
وقد نبه أهل العلم على العلة من قصر مدة خلق السموات عن مدة خلق الأرض مع كونها أعظم منها، وما في ذلك من الحكم واللطائف، ومن ذلك ما قاله البقاعي في نظم الدرر: جعل مدة خلقها ضعف مدة خلق السموات مع كونها أصغر من السموات، دلالة على أنها هي المقصودة بالذات، لما فيها من الثقلين, فزادت بما فيها من كثرة المنافع وتباين أصناف الأعراض والجواهر، لأن ذلك أدخل في المنة على سكانها والاعتناء بشأنهم وشأنها وزادت أيضا بما فيها من الابتلاء بالتهيئة للمعاصي والمجاهدات والمعالجات التي يتنافس فيها الملأ الأعلى ويتخاصم، كل ذلك دلالة على أن المدة ما هي لأجل القدرة، بل لأجل التنبيه على ما في المقدر من المقدور وعجائب الأمور, وليعلم أيضا بخلق السماء التي هي أكبر جرما وأتقن جسما وأعظم زينة وأكثر منافع بما لا يقايس في أقل من مدة خلق الأرض أن خلقها في تلك المدة ليس للعجز عن إيجادها في أقل من اللمح, بل لحكم تعجز عن حملها العقول ولعل تخصيص السماء بقصر المدة دون العكس لإجراء أمرها على ما نتعارفه من أن بناء السقف أخف من بناء البيت، تنبيها على أنه بنى أمر دارنا هذه على الأسباب تعليما للتأني وتدريبا على السكينة والبعد من العجلة. هـ.
ونقل بعض ذلك الخطيب الشربيني في تفسير السراج المنير.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: إنما كانت مدة خلق السماوات السبع أقصر من مدة خلق الأرض مع أن عوالم السماوات أعظم وأكثر لأن الله خلق السماوات بكيفية أسرع، فلعل خلق السماوات كان بانفصال بعضها عن بعض وتفرقع أحجامها بعضها عن خروج بعض آخر منه وأما خلق الأرض فالأشبه أنه بطريقة التولد المبطئ، لأنها تكونت من العناصر الطبيعية فكان تولد بعضها عن بعض أيضا. هـ.
ولعل من المناسب أيضا هنا أن نذكر بأولية خلق الأرض، فقد قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {البقرة: 29} .
قال ابن كثير: في هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعًا، وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك، وقد صرح المفسرون بذلك، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعاً بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض. هـ.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 69060.
ثم ننبه السائل الكريم على أمرين: الأول: يتعلق بقوله عن الأرض: هي أيضا جزء من السماء كسائر الكواكب ـ فهذا ليس بصحيح لا في لغة العرب، ولا في الاستعمال القرآني ولو صح ذلك فلا إشكال أيضا، ويكون ذلك من عطف الخاص على العام، للاهتمام به وإعلاء قدره وإظهار شأنه، كقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ {الأحزاب: 7} .
وقوله: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ {البقرة: 98} .
والثاني: يتعلق بقوله: لماذا النص القرآني يشعرنا أن الأرض والسماء متقاربان في الحجم؟.
فهذا ليس بصحيح، وليس هناك في اقتران ذكر السماء بالأرض ما تفهم منه المقارنة بين حجميهما أصلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1430(2/1865)
القراءات القرآنية الثابتة لا تناقض بينها في المعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي متعلق بالقرآن، فكما قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون.
فسؤالي هذا لم أسأل عنه لأكون على علم وبصيرة بكتاب ربي وديني، بل لاتقاء الشبهات، وإنما أوجد الله العلماء لتبصرة الناس وتبيين وتوضيح الحق وكشف الشبهات، فقد سمعت من أحد اليهود كلاما عن القرآن وكذلك عن حديث ابن مسعود في المعوذتين، وأن هناك اختلافا كثيرا في القرآن، فمثلا: في سورة آل عمران في الاية: 146 وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير. وقراءة أخرى: وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير.
وأنا أعرف أن القرآن نزل علي عدة أحرف، وأن هناك قراءات عدة للقرآن، لكن لا أعرف التفسير العلمي الصحيح من أحد، ولا الكتاب الأفضل الذي عندما أقرؤه أكون علي علم كامل بالطريقة التي تم بها جمع وترتيب القرآن حتى وصل إلينا، ولماذا اعتمدنا رواية حفص عن عاصم؟ حتى نقي أنفسنا من الشبهات ونكون على علم وفهم بكتاب الله.
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجميع القراءات القرآنية الثابتة لا تناقض بينها من حيث المعنى، بل فيها تنوع وتكامل يكشف عن وجوه في إعجاز القرآن وشمول معانيه وتيسير تلاوته، فما وقع بين القراءات من اختلاف لم يقع في أصل المعنى، وإنما هو من باب اختلاف التنوع في المعاني لامن باب التضاد. وأمرآخرـ لابد من الوقوف عليه ـ وهو: أن اختلاف القراءات ليس عن رأي واجتهاد، وإنما هي سنة متبعة مأخوذة بالتلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن القرآن ثابت بالنقل في جميع القراءات، كما سبق بيانه ـ تفصيلا ـ في الفتاوى التالية أرقامها: 4256، 123333، 108786.
ومن ذلك المثال الذي ذكره السائل الكريم في قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ {آل عمران: 146} .
قال الدمياطي في إتحاف فضلاء البشر: واختلف في ـ قتل معه ـ فنافع وابن كثير وأبوعمرو كذا يعقوب: بضم القاف وكسرالتاء بلا ألف مبنيا للمفعول، وافقهم ابن محيصن واليزيدي. والباقون: قاتل ـ بفتح القاف والتاء وألف بينهما بوزن فاعل. هـ.
وفي هاتين القراءتين من تنوع المعاني ما تعظم به فائدة الآية وتتسع دلالتها.
قال النحاس في معاني القرآن: من قرأـ قتل معه ـ ففيه عنده قولان: أحدهما: روي عن عكرمة، وهو أن المعنى: وكأين من نبي قتل على أنه قد تم الكلام، ثم قال: معه ربيون كثير بمعنى: ومعه ربيون كثير، وهذا قول حسن على مذهب النحويين، لأنهم أجازوا رأيت زيدا السماء تمطر عليه، بمعنى: والسماء تمطر عليه.
والقول الآخر أن يكون المعنى: قتل معه بعض الربيين، وهذا معروف في اللغة، أن يقال: جاءني بني فلان، وإنما جاءك بعضهم، فيكون المعنى على هذا: قتل معه بعض الربيين. هـ.
وقد سبق لنا بيان ما في تعدد القراءات القرآنية من الفوائد والحكم. فراجع الفتاوى التالية أرقامها: 19945، 21795، 44576 21627.
كما سبقت لنا عدة فتاوى عن جمع القرآن الكريم، والجواب عن بعض الشبهات المتعلقة بهذا الموضوع، فانظر الفتاوى التالية أرقامها: 116220، 104843، 94872، 64502.
ثم ننبه السائل الكريم على أن القراءات السبعة ليست هي الأحرف السبعة الواردة في الحديث، كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 45103، 5963، 18304.
وكذلك سبق لنا بيان ما جاء عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في شأن المعوذتين، في الفتاوى التالية أرقامها: 33429، 74473، 68203.
أما المراجع التي تتناول الطريقة التي تم بها جمع وترتيب القرآن حتى وصل إلينا، فكثيرة، ومن أجمعها رسالة ماجستير بعنوان: جمع القرآن في مراحله التاريخية من العصرالنبوي إلى العصرالحديث ـ للباحث: محمد شرعي أبو زيد.
ومن المختصرات المفيدة في ذلك رسالة: جمع القرآن الكريم حفظا وكتابةً ـ للأستاذ الدكتور: علي بن سليمان العبيد.
ورسالةـ جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين ـ للدكتور: عبد القيوم عبد الغفورالسندي.
ومن الكتب المختصرة المهمة والمكملة لهذا الموضوع رسالة ـ مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه ـ للدكتور: أبو بكر كافي.
ورسالة ـ الشبهات المزعومة حول القرآن الكريم ـ للكتور: محمد السعيد جمال الدين.
وجميع هذه المراجع وغيرها كثير متوفرعلى موقع المكتبة الشاملة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1430(2/1866)
السبب في حفظ الله تعالى للقرآن دون بقية الكتب
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حفظ الله عز وجل القرآن الكريم ولم يحفظ الإنجيل أو التوراة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل، والقرآن هو خاتم الكتب، ومن ثم فلا جرم في تكفل الله بحفظ هذا الكتاب؛ إذ هو آية صدق نبينا صلى الله عليه وسلم، وأعظم شاهد على صحة نبوته ولا غرابة في ذلك، قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ. {العنكبوت51} . وليكون حجة على المعاندين إلى قيام الساعة، ومحجة للسالكين على طريق الاستقامة والفلاح، وحفظ الله لكتابه من رحمته الواسعة التي شمل بها هذه الأمة فإنه تكفل هو بنفسه بحفظ القرآن، ووكل حفظ الكتب السابقة للأحبار والرهبان، فقصروا وخانوا الأمانة، ومن ثم تطرق إليها التبديل والزيادة والنقصان، كما قال تعالى عنهم: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. {المائدة: 44} .
قال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ومن لطائف القاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد ما حكاه عياض في المدارك عن أبي الحسن ابن المنتاب قال: كنت عند إسماعيل يوما فسئل: لم جاز التبديل على أهل التوراة ولم يجز على أهل القرآن فقال: لأن الله تعالى قال في أهل التوراة: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فوكل الحفظ إليهم. وقال في القرآن: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر:9} . فتعهد الله بحفظه فلم يجز التبديل على أهل القرآن. قال: فذكرت ذلك للمحاملي فقال: لا أحسن من هذا الكلام. انتهى. وقال عند قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. مبينا بعض الحكم في حفظ القرآن دون غيره من الكتب: وفي هذا مع التنويه بشأن القرآن إغاظة للمشركين بأن أمر هذا الدين سيتم وينتشر القرآن ويبقى على مر الأزمان. وهذا من التحدي ليكون هذا الكلام كالدليل على أن القرآن منزل من عند الله آية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو كان من قول البشر أو لم يكن آية لتطرقت إليه الزيادة والنقصان ولاشتمل على الاختلاف قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. {النساء: 82} . انتهى.
فبعد هذا البيان الواضح لا يبقى عند المؤمن شك في الحكمة العظيمة التي اقتضت تخصيص القرآن بالحفظ دون سائر الكتب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1430(2/1867)
الرد على شبهة متعلقة بقوله تعالى: للبث في بطنه إلى يوم يبعثون
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تقول هذه الآية عن سيدنا يونس عليه السلام: للبث في بطنه إلى يوم يبعثون، أليس سيدنا يونس سيموت أو الحوت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالآية أنه يكون بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة، كذا قال القرطبي في التفسير.
وأما الإشكال الذي ذكر السائل فقد أجاب عليه الشيخ الشعرواي: قد وجدت شبهة في قصة يونس فكيف يلبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون مع أن يونس سيموت وسيأتي أجل الحوت ويموت هو أيضاً أم أن الحوت سيظل إلى يوم القيامة يحمل يونس في بطنه؟ وفات هؤلاء نظرية الاحتواء في المزيجات كما لو أذبت قالباً من السكر في كوب ماء فسوف تحتوي جزئيات الماء جزئيات السكر والأكثر يحتوي الأقل.. فلو مات الحوت ومات في بطنه يونس عليه السلام وتفاعلت ذراتهما وتداخلت فقد احتوى الحوت يونس إلى أن تقوم الساعة، وعلى هذا يظل المعنى صحيحاً فهو في بطنه رغم تناثر ذراتهما. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1430(2/1868)
كتاب الخلق من العرش إلى الفرش في الميزان
[السُّؤَالُ]
ـ[ابدأ كلامي بتحية الإسلام
وأقول: استفساري وبكل اختصار وأرجو الرد:
منذ فترة قرأت في أحد المنتديات عن كتاب اسمه: قصة الخلق من العرش إلى الفرش. للكاتب عيد ورداني. حيث يتكلم عن الكون والمجموعات الشمسية والخ........... الخ
بعد قراءتي لجزء بسيط لاحظت بأنه يرفض كل ما قرأناه في المدارس والجامعات لدرجة أنه يرفض كل كلام العلماء في مجال الفلك وغيره، ومستعينا بآيات قرآنية، ولكن للأسف لم أستطع أن أقتنع بذلك وأحببت أن أرى رأيكم بهذا الكتاب ومدى صحة كلامه. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسن السائل الكريم في عدم اقتناعه بما قرأ في الكتاب المذكور، الذي لا يُعرف لمؤلفه مكانة علمية لا في العلوم الشرعية ولا في العلوم الكونية، والذي يرفض الحقائق العلمية الثابتة ثبوتا لا يقبل التشكيك، بدعوى أنها مخالفة للقرآن، والحقيقة أنها مخالفة لفهمه هو للقرآن، فمثلا حقيقة وجود قانون الجاذبية لا يمكن أن ينكره عاقل، ولكن قد يخطئ المرء في فهمه لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا. {فاطر: 41} . فيرى تعارضا بينها وبين إثبات قانون الجذب، والحقيقة أنه لا تعارض، فالله تعالى هو الذي قدر هذا التقدير الحكيم للتجاذب بين الأشياء ودبر ذلك بعلمه وقدرته، كحال كل القوانين والحقائق الثابتة في الكون، فالمسلم يعلم مثلا أن الله تعالى هو الذي سخر البحر ولا يرى تعارضا بين هذا وبين إثبات قانون الطفو الذي استطاع العلماء من خلال فهمه اختراع الغواصات وتطوير السفن، وهذا من حكمة الله في الخلق أن تنظمه قوانين ثابتة يفتح الله على من شاء من خلقه بفهمها فيترتب على ذلك منافع للخلق جميعا، ويتميز المؤمن بتفكره فيها زيادةً في يقينه بعلم الله الكامل وقدرته التامة وحكمته البالغة، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. {الجاثية: 12-13} . فكأن هذا الخلق المحكم بالتسخير من الله تعالى غايته استخراج عبادتي الشكر والتفكر المؤدي لزيادة الإيمان ومعرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، قال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ. {الحج: 65} .
فالله تعالى هو الذي خلق تلك القوانين التي تحكم المظاهر الكونية وجعلها ثابتة لا تتغير رحمة بخلقه ومعونة لهم، فمن خلال فهمها يمكنهم التفاعل مع الكون واستحداث ما يلزم لأمور المعاش، قال تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ. {الأعراف: 10} . وقال عز وجل: وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ. {الحجر: 19-20} .
ومؤلف الكتاب المذكور لم يوفَّق في كتابه، ولم يوافقه عليه أحد من المتخصصين في المجالين لا الشرعي ولا الكوني، ومن المعروف أن كل علم له أهله، ولا يصح أن يفتح الباب لكل من شاء أن يتكلم فيما لا يحسن. والحقيقة التي توصل إليها المؤلف من خطأ هذه العلوم الحديثة من الفلك وغيره وتناقضها واختلافها مع القرآن، من دواعي العجب والأسف، فهي علوم مبنية على أسس واضحة لا تحتمل التشكيك، ومن ناحية أخرى ففي بعض جوانبها إثبات لبعض نواحي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، الأمر الذي كان سببا في إسلام كثير من المتخصصين في العلوم الكونية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(2/1869)
جواب شبهة حول قوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[اضطربت حياتي وفقدت اللذة والسعادة التي كنت أجدها، أنا إنسان لا تظهر علي سمات الالتزام، ولكن في الفترة الأخيرة تقريبا منذ سنة شعرت بحلاوة غريبة عند قراءتي القرآن وعند الصلاة، وعند التفكر في الجنة والنار. والآن ومنذ أسبوع تقريبا راودتني عدة شكوك حول وجود الله وغيره، ولكن أستطيع أن أتغلب على مثل هذا الشعور، فهذا ليس بسؤالي، ولكن سؤالي هو حول آيات من سورة يس تروادني الشكوك حولها كل ثانية من حياتي وهذه الآية هي (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) فكيف يمكن للشمس أن تدرك القمر وهي أكبر منه بملايين المرات، وطريقة جريان الشمس وفلكها يختلف عن فلك القمر القريب من الأرض، فلن أستطيع أن أتخيل كيف يمكن للشمس أن تصطدم بالقمر لأن ذلك يحتم أيضا اصطدامها بعطارد والكواكب القريب بالإضافة إلى الأرض، فالاصطدام يخيل لي أن الشمس بحجم القمر ويسير بفلك قريب من فلك القرب حول الارض فيكون الاصطدام ممكنا، ولكن الوضع بعد الاكتشافات العلمية الجديد غير ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بما أنعم الله به عليك من لذة العبادة والشعور بحلاوتها، ونسأل الله أن يديم عليك ذلك.
واعلم أن هذه الشكوك التي تراودك قد تكون دليل إيمان مادمت كارها لها. فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: "وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان. أي ما تجدونه من كراهية هذه الأفكار هو صريح الإيمان. لكن عليك أن تدفع تلك الشكوك عن نفسك ولا تسترسل معها، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم لئلا يكون له عليك سبيل. وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى أرقام: 22279، 100160، 117216.
أما الآية التي سألت عنها فليس فيها ما يستدعي إثارة الشك؛ فإنها لا تدل على إمكان اصطدام الشمس بالقمر، بل تنفيه؛ لأنها إذا نفت إدراك الشمس للقمر، فإنها تنفي إمكان اصطدامها به من باب أولى. وهذا ما فسره العلم الحديث، بأن لكل من الشمس والقمر مساراً مستقلاً، وهما مساران متباعدان لا مجال لالتقائهما، فحركة الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفن في الخضم الفسيح، فهي في ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطا سابحة في ذلك الفضاء المرهوب ...
أما قولك بأن الاصطدام يخيل لك أن الشمس بحجم القمر وتسير بفلك قريب من فلك القرب حول الأرض، فهذا فهمك أنت، وقد يكون هذا فهم كثير من الناس في الماضي أيضا، إلا أن الآية لا تدل عليه من قريب ولا بعيد، وعلى ذلك فلا تعارض بين ظاهر الآية وبين الاكتشافات العلمية الجديدة. بل هي برهان على أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 39301.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1430(2/1870)
شبهتان وجوابهما حول آيتين من كتاب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا.
السؤال: هنا يطلب من المسلمين أن يؤمنوا بالقرآن وبالكتاب المقدس نتساءل كيف يمكن لإنسان أن يؤمن بكتابين متناقضين من حيث الخلاص والكفارة والتوبة وغفران الخطايا والسلوك في هذه الحياة في موضوع الزواج مثلا وأيضا بتضمنان تعليمين مختلفين في موضوع الجنة في الحياة الأخرى أليس هذا تناقضا هل يمكن أن يكون هذا وحيا من الله؟ وإذا سلمنا فيه فالمسلمون اليوم لا يطيعون هذا الكلام فهل هم على ضلال بعيد؟؟ – سورة النساء 157 -159
وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا ... وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا
السؤال: إذا تفحصنا الكلام هنا نراه يرد على قتلة المسيح بأنهم قالوا قد قتلنا المسيح قبلك أي تخلصنا منه فمالك تأتينا بتعليم جديد؟ وهو يقول شبه لهم وما قتلوه يقينا أي هم اعتقدوا أنهم قتلوه وتخلصوا منه لكنه بالحقيقة قام يقينا لم يقتلوه. لأنه لا يستطيع أن ينكر أن المسيح نفسه قال إنه سيسلم إلى أيدي اليهود ويقتلوه وسيقوم باليوم الثالث. لذلك قال في العدد 159 وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته. فهو هنا يعترف بموته.
وأصلا يقول في آل عمران 55 يا عيسى إني متوفيك ورافعك الي ...
فما هو هدف المسلمين من رفض حقيقة موت المسيح مع أن محمدا لم يرفضها بل ذكر في سورة المائدة 117 فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم. وهذا يثبت أنه اعترف بموت المسيح. ونحن نضع هذا التساؤل بين يدي المسلمين، ألا يكون أنه بعد موت محمد وابتداء الحروب الإسلامية والتي سميت فتوحات ونشر الإسلام بالقوة. اكتشف المسلمون بعد قراءتهم للإنجيل والتوراة أنه إذا كان موت المسيح حقيقة فهو سيكون الكفارة للفداء والخلاص وهو سيكون الذبيحة الحقيقية التي تكلم عنها في التوراة التي بها يكفر عن الذنوب، وهو سيكون الطريق الوحيدة للحصول على الجنة كما قال المسيح عن نفسه في الإنجيل. فبقبول هذه الحقيقة أي موت المسيح الكفاري وقيامته يعني رفض القرآن ولا داعي لدين جديد يقول إن الخلاص هو بالأعمال الصالحة وهم بذلك يناقضون ما قاله محمد بالأساس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى كلف المسلمين بالإيمان بالقرآن وبما أنزل على موسى وعيسى وغيرهما من الرسل فقال الله تعالى: قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة:136} .
ولكن القرآن مهيمن على ما سبقه من الكتب وهو كتاب الله الذي تعهد بحفظه من التبديل والتغيير فقال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} .
وأما الكتب الأخرى فقد حصل في بعضها التحريف، فكان من أحبارهم من يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله.
فإذا تصورنا أنه يوجد في التوراة أو الإنجيل ما يتعارض مع القرآن، فالواجب إتباع ما في القرآن، وأما ما كان في الكتب السابقة إن صح وسلم من التحريف فهو منسوخ بما في القرآن كما في قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ {المائدة:48}
وأما إن كان الخلاف والتعارض حصل بسبب التحريف مثل ما يحكى من قتل عيسى وصلبه وموضوع الكفارة والفداء فكل هذا مردود على مفتريه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها لبيان التوفيق بين آيتي آل عمران مع آية النساء وبيان كون عيسى لم يصلب وبيان الترهات والتحريفات التي حصلت في الإنجيل:
70824، 27986، 26317، 77676، 97132، 29269، 9992، 53029، 43148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1430(2/1871)
استحالة معارضة القرآن بالحكايات التاريخية
[السُّؤَالُ]
ـ[وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا.
السؤال: ماذا يعني استبدال زوج مكان زوج، كيف يكون هذا، وعلاقة الزواج علاقة طاهرة، الله يصادق عليها، وهو يبدل كما يشاء ومسموح به في كتاب ديني. لماذا لم يسمح بهذا التعليم من قبل؟ وهل الله يغير رأيه؟
– سورة النساء 82 أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
السؤال: هنا القرآن يضع مادة للتساؤل هل فعلا يوجد اختلاف فيه؟ هل هو يجاوب على كلام أناس قالوا إن فيه اختلافا؟ فماذا يقول عن خلطه بين مريم أخت هارون وبين مريم أم المسيح؟ ماذا يقول عن كلامه: يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي. وأيضا قوله: فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم مع قوله: وما قتلوه وما صلبوه. أليس هذا اختلاف في موضوع موت المسيح؟
وماذا عن قوله عن المسيح: وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. في آل عمران 55
وأيضا يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين. في البقرة 122. مع قوله في آل عمران 85 ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
ماذا عن تقديم إسحق كذبيحة وقوله وفديناه بذبح عظيم. في سورة الصافات 107 مع قولكم إن المقدم هو إسماعيل؟ وماذا عن تنجية امرأة نوح من الطوفان مع عائلتها في سورة الأعراف 64 وموتها في سورة التحريم 10 عندما جعلها مثلا مع امرأة لوط؟ وإذا كان نجا مع أهله في الأعراف 64 كيف يقول في هود 42 – 43 أن ابنه مات في الطوفان؟ ومن هو الابن الذي مات؟ (بعضهم يقول أنه الابن الرابع لنوح؟؟؟) .
ماذا يقول عن اختلافه مع الواقع والتاريخ: مثلا عدم تكلم زكريا 9 أشهر وهو جعلها 3 أيام. وأيضا الضربات العشرة في مصر على يد موسى هو جعلها 9 , وأيضا في الأعراف 133 حيث يقول فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. وبالحقيقة لم يرسل الطوفان والقمل على مصر. وأيضا عن قتل الصبيان واستحياء البنات بعد دعوة موسى لفرعون بالحق في سورة غافر 25 , وفي الحقيقة أن هذا الأمر قد صدر قبل ولادة موسى من أجل هذا رمته أمه في الماء وليس بعدما جاءهم موسى بالحق. أليس تحويل الناس إلى قردة في الأعراف 166 خطأ فادح يختلف مع واقع خلق الله الإنسان ومحبته له؟ – سورة النساء 136؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقصود من الاستبدال في الآية الكريمة هو التطليق للسابقة والتزوج من أخرى، كما بين ذلك أهل التفسير. قال البيضاوي في تفسيره: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، تطليق امرأة وتزويج أخرى. وقال فيه صاحب الدر المنثور: إن كرهت امرأتك وأعجبتك غيرها فطلقت هذه وتزوجت تلك ...
ولما كان الطلاق في بعض الأحيان سببه إرادة التزوج من امرأة أخرى ناسب هذا التعبير بالاستبدال، ونهى الأزواج عن اضطرار الزوجة وتلجئتها إلى الافتداء بما أعطيت من صداق. قال ابن عاشور في تفسيره: إن لم يكن سبب للفراق إلا إرادة استبدال زوج بأخرى، فيلجئ التي يريد فراقها حتى تخالعه ليجد مالا يعطيه مهرا للتي رغب فيها، نهى عن أن يأخذوا شيئا مما أعطوه أزواجهم من مهر وغيره.
ثم إنه إذا حصل الخلاف بين الزوجين، ولم يمكن الإصلاح بينهما فإن من محاسن الإسلام في هذه الحالة إباحة الطلاق، وقد يرزق الله كلا منهما خيرا من صاحبه، قال الله تعالى: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130} .
والطلاق مشروع عند اليهود كما قال صاحب موسوعة اليهود واليهودية: ولا تُحرِّم اليهودية الطلاق، ولكن لا يمكن للمطلقة الزواج إلا بعد الحصول على شهادة الجيط، أي القسيمة الشرعية للطلاق التي لا تَصدُر إلا بعد أن تتأكد المحكمة الحاخامية من أن المرأة قد طلقها زوجها فعلاً. اهـ. وقد كان معروفا عند العرب قبل الإسلام.
واعلم أن القرآن ليس فيه تناقض ولا اختلاف، لأن القرآن منزل من حكيم حميد خبير، وما قد يبدو للناظر القصير النظر من تعارض، إنما هو بحسب فهمه هو، لا أن الكتاب مختلف على الحقيقة، فالله يقول: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82}
وهذه المسائل المذكورة في السؤال لا إشكال فيها فالكلام على نفي موت عيسى فصلناه في جواب السؤال رقم: 120643، كما تقدم الكلام عن قوله يا أخت هارون وعن نجاة امرأة نوح وعن ابنه وعن الذبيح في الفتوى رقم: 41214 والفتوى رقم: 17643 والفتوى رقم: 47237، والفتوى رقم: 112167.
وأما قوله تعالى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {البقرة:47} فهذا التفضيل نعمة من الله على بني إسرائيل حيث فضلهم على العالمين في زمانهم الأول حيث كان فيهم من الأنبياء في تلك الفترة والدعاة والمصلحين، ما لم يوجد في غيرهم من الأمم.
ولكن الله قد أخذ عليهم العهد بواسطة أنبيائهم إذا بعث نبي آخر الزمان أن يؤمنوا به ويتبعوه، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ {آل عمران: 81}
وقد ختم الله الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونسخ بشريعته كل الشرائع، وجعلها باقية إلى يوم القيامة، وأرسله بها إلى الناس كافة لا يقبل الله من أحد بعد مبعثه دينا غير الإسلام، ولا يقبل إيمانا ببعض الرسل دون بعض؛ كما قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} . وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً {النساء: 47} وقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاًأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا {النساء: 150،151} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.
وأما معارضة القرآن بالحكايات التاريخية فلا يقول به من له عقل، فإن القرآن كلام الله تعالى العليم الخبير وهو سبحانه أدرى بحال الناس الذين تحدث القرآن عنهم، ولا يخفى عليه شيء من حالهم، وهو بكل شيء عليم، يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، فكل ما جاء في القرآن من أخبار أو نقل عن السابقين أو اللاحقين من أقوال فإنه حق وصدق لا تبديل فيه ولا تحريف ولا زيادة ولا نقص؛ كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا {النساء:87} . وقال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً {النساء: 122} وأما المؤرخون فإنما يعتمدون على روايات أحسنها ما كان مأخوذا من التوراة والإنجيل المحرفين ومنها ما هو مأخوذ من روايات لا سند لها ولا يوثق بصحتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1430(2/1872)
الوحي والحقائق العلمية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن للمسلم أن يحافظ علي إيمانه بدينه ونبيه في هذا العصر الذي ظهرت فيه بعض الحقائق العلمية التي تناقض بعض ما جاء بالقرآن الكريم؟
مثلا: أصبح الإنسان قادرا علي أن يعلم ما في الأرحام.
أرجوكم لا تقولوا لي إن علم ما في الأرحام هو شقي أم سعيد، غني أم فقير،.إلخ، فالآية واضحة تماما، ما في الأرحام، وليس بعد أن يخرج الإنسان من رحم أمه.
مثال آخر: هو اكتشاف حفريات لما يعرف بأشباه البشر وهي السلالات التي تطور منها الإنسان الحالي وأشهرها إنسان نيندرتال بما يناقض نظرية خلق آدم وحواء خلقا مباشرا.
المثال الأخير: هو كون الإنسان يخلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، حيث كانت هناك نظرية يونانية قديمة تقول بأن المني يخرج من الظهر -مكان الكليتين- ولكن المعروف علميا أن المني يخرج من الخصيتين؟
أرجو أن تتحملوا أسئلتي الثقيلة ولكم جزيل الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ينبغي أن نقرر هنا حقيقة أن الوحي معصوم وأنه حق محض، وأن النظريات الحديثة هي التي تعرض عليه وليس العكس، وأنه لا تعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول، فالوحي لا يتعارض بحال مع الحقائق العلمية الثابتة، كما سبق بيانه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 77935، 66196، 4626، 32263.
وثانيا: ينبغي أن نفرق بين فهمنا لنصوص الوحي وبين دلالتها الصحيحة، فقد يفهم الإنسان ما ليس مرادا، فيكون الخطأ في فهمه وليس في النص.
ومن هذا فهم السائل الكريم للآيات التي أوردها، فقوله تعالى: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ {لقمان:34} . ظاهر في أن الله تعالى هو الذي يعلم علما مطلقا حقيقة ما في الأرحام في كل لحظة وفي كل طور، من فيض وغيض وحمل حتى في حين لا يكون للحمل حجم ولا جرم، وهو وحده الذي يعلم ما هو مودع في تلك النطفة في ظلمات الرحم من مواهب وطاقات، فذلك العلم الدقيق الشامل لما في كل رحم من الأرحام هو مما يختص الله بعلمه سبحانه، فالأمر لا ينحصر في الذكورة والأنوثة ولا حتى في ملامح الجنين، ولا في موعد ولادته، بل الأمر يتعدى ذلك بكثير.
وفي ما يتعلق بنوع الجنين ذكورة وأنوثة، فقد ثبت مع تقدم الطب في علمه وآلاته أن الحالة التي يمكن فيها معرفة نوع الجنين هي حالة الازدياد، لأن النطفة تمر بمرحلتين: مرحلة الغيض، ومرحلة الازدياد، قال تعالى: اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ {الرعد:8}
والذي اختص الله بعلمه هو حالة النطفة في مرحلة الغيض، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفاتيح الغيب خمسة، لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله.
فالمحجوب تماما عن علم غير الله هو الغيض، كما سبق بيانه في الفتويين: 36924، 3197.
وكذلك مسألة خلق الإنسان من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، لا تعارض فيه بين دلالة القرآن والعلم الحديث، بل هذه الآية تحمل وجها واضحا من وجوه الإعجاز العلمي في القرآن، وقد سبق لنا بيان ذلك من خلال كلام الدكتور على البار، وذلك في الفتوى رقم: 38118.
وأما بالنسبة للحفريات التي ذكرها السائل فما هي إلا بعض الخدع التي صنعها التطوريون ليضلوا بها العامة، والتي منها: الإنسان القرد وهو في الحقيقة مجرد رسم لتخيلات من صنع أصحاب نظرية التطور.
كما يقوم أصحاب هذه النظرية بإنتاج حفريات لا يمكنهم العثور عليها، ويعملون على خداع الناس بها، وأشهر هذه التزويرات: إنسان بلثدون، وإنسان نبراسكا ذكر ذلك الأستاذ هارون يحي ثم قال: الحفرية التي تم العثور عليها لإنسان في إسبانيا عام 1995 تدمر تماما رواية تطور الإنسان، والجمجمة التي يبلغ عمرها 800.000عام والتي اكتشفت في منطقة أتابيرسا ترجع إلى الحقبة التي ظهر فيها نصف القرد نصف الإنسان حسب ما يدعى أصحاب نظرية التطور، ولا يوجد فرق بينه وبين الإنسان الحديث. هذا يعني أنه لا فرق بين الإنسان الذي عاش 800.000عام وبين الإنسان الذي يعيش في الوقت الحالي.
تم نشر مقال في مجلة نيو ساينتست بتاريخ 14/3/1998 بعنوان: الإنسان القديم كان أكثر ذكاء مما توقعنا، وهذا يخبرنا بأن الناس المدعوين: هومو أريكتس من قبل أصحاب نظرية التطور كانوا يمارسون نشاطا في البحر للصيد قبل 700 ألف عام، وهؤلاء البشر الذين كانوا يملكون علما كافيا وتكنولجيا لبناء القوارب، ويمتلكون الثقافة التي مكنتهم من استخدام المواصلات في البحر، من الصعوبة أن تطلق عليهم صفة بدائيين. انتهى.
وننصح السائل الكريم بقراءة كتابات الكاتب المعروف هارون يحي في تفنيده لنظرية التطور.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 57722، 4755.
واعلم أن هذه الأسئلة إنما يتحمل وزرها ويجد ثقلها من اعتقدها إن مات على ذلك، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ {الشعراء227}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1430(2/1873)
جواب شبهة حول قوله تعالى (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الله تعالى أنه من فعل مثقال ذرة شرا يره. هل يعني أن الله لن يغفر لنا ذنوبنا حتى إن تبنا وندمنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قبول التوبة المستجمعة لشروطها أمر مقطوع به، وهي موجبة لمغفرة الذنوب جميعا بفضل الله ورحمته، وقد وعد الله تعالى من يقترف أكبر الكبائر كالشرك والقتل والزنا، بأن يبدل سيئاتهم حسنات، إن هم تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان: 68-71} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ. رواه مسلم. وقد سبق بيان أن التوبة النصوح تمحو أثر كل الذنوب في الفتوى رقم: 16907.
أما علاقة قبول التوبة ومغفرة الذنوب بقوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ {الزلزلة:8} ، فقال العلامة الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) : هذه الآية الكريمة تقتضي أن كل إنسان كافرا أو مسلما يجازى بالقليل من الخير والشر، وقد جاءت آيات أخر تدل على خلاف هذا العموم ... أمّا ما عمله المسلم من الشر فقد صرّحت الآيات بعدم لزوم مؤاخذته به لاحتمال المغفرة أو لوعد الله بها، كقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُم} إلى غير ذلك من الآيات، والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الآية من العام المخصوص، والمعنى: ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره إن لم يغفره الله له، بدليل آيات احتمال الغفران والوعد به.
الثاني: أنّ الآية على عمومها، وأنّ المؤمن يرى جزاء كل عمله السيئ في الدنيا بالمصائب والأمراض والآلام، ويدل لهذا ما أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وابن أبي حاتم وجماعة عن أنس قال: بينا أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الآية فرفع أبو بكر يده وقال: يا رسول الله إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من شر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر. الحديث.
الوجه الثالث: أن الآية أيضاً على عمومها وأن معناها أن المؤمن يرى كل ما قدم من خير وشر فيغفر الله له الشر ويثيبه بالخير اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(2/1874)
جواب شبهة حول وقوع خطأ في خط المصحف في بعض الآيات
[السُّؤَالُ]
ـ[روى الإمام محمد بن جرير الطبري بسنده في تفسيره لقول الله تعالى في سورة النساء (162) " لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا" فقال رحمه الله: 10838- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه سأل عائشة عن قوله: "والمقيمين الصلاة"، وعن قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) [سورة المائدة:69] ، وعن قوله: (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) [سورة طه:63] ، فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكاتب، أخطئوا في الكتاب، ف ما الجواب على هذه الشبهة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الأثر مداره على أبي معاوية الضرير وهو متكلم في روايته عن هشام بن عروة كما قال أحمد وابن خراش، وقد رد أهل العلم التخطئة المذكورة بما ثبت من تواتر القراءة وفصاحة الكتاب وموافقة جمهور الصحابة لهم، وموافقة ما قرئ به للغة العرب فقد قال القرطبي في التفسير في رد هذه التخطئة: قال القشيري: وهذا المسلك باطل، لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة، فلا يظن بهم أنهم يدرجون في القرآن ما لم ينزل. انتهى.
وقال الطبري في تفسيره: لو كان ذلك خطأ من الكاتب، لكن الواجب أن يكون في كل المصاحف، غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه، بخلاف ما هو في مصحفنا. وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبي في ذلك، ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ. مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخط، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقنوه الأمة تعليماً على وجه الصواب وفي نقل المسلمين جميعاً ذلك قراءةً، على ما هو به في الخط مرسوماً، أدل الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع في ذلك للكاتب.. انتهى.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: المصاحف التي نسخت كانت مصاحف متعددة وهذا معروف مشهور وهذا مما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ إنه غلط من الكاتب أو نقل ذلك عن عثمان فإن هذا ممتنع لوجوه؛ منها: تعدد المصاحف، واجتماع جماعة على كل مصحف، ثم وصول كل مصحف إلى بلد كبير فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرؤون القرآن.. ويعتبرون ذلك بحفظهم والإنسان إذا نسخ مصحفاً غلط في بعضه عرف غلطه بمخالفة حفظة القرآن وسائر المصاحف، فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفاً ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار للأول والثاني أمكن وقوع الغلط في هذا، وهنا كل مصحف إنما كتبه جماعة ووقف عليه خلق عظيم ممن يحصل التواتر بأقل منهم. ولو قدر أن الصحيفة كان فيها لحن فقد كتب منها جماعة لا يكتبون إلا بلسان قريش ولم يكن لحنا فامتنعوا أن يكتبوه إلا بلسان قريش فكيف يتفقون كلهم على أن يكتبوا (إن هذان) وهم يعلمون أن ذلك لحن لا يجوز في شيء من لغاتهم أو المقيمين الصلاة وهم يعلمون أن ذلك لحن كما زعم بعضهم قال الزجاج في قوله: المقيمين الصلاة (قول من قال إنه خطأ بعيد جداً لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والقدوة فكيف يتركون شيئاً يصلحه غيرهم فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم.. انتهى.
وقال السيوطي في الإتقان: وهذه الآثار مشكلة جداً وكيف يظن بالصحابة أولاً أنهم يلحنون في الكلام فضلاً عن القرآن وهم الفصحاء اللد، ثم كيف يظن بهم ثانياً في القرآن الذي تلقوه من النبي كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه ثم كيف يظن بهم ثالثاً اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته ثم كيف يظن بهم رابعاً عدم تنبههم ورجوعهم عنه ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ وهو مروي بالتواتر خلفاً عن سلف هذا مما يستحيل عقلاً وشرعاً وعادة.... فقد أجاب عنه ابن أشته وتبعه ابن جبارة في شرح الرائية بأن معنى قولها أخطئوا أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز قال والدليل على ذلك أن ما لا يجوز مردود بإجماع من كل شيء وإن طالت مدة وقوعه. انتهى.
وقال الزرقاني في المناهل: قال أبو حيان في البحر: وذكر عن عائشة رضي الله عنها وعن أبان بن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح ذلك عنهما لأنها عربيان فصيحان وقطع النعوت مشهور في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره، وقال الزمخشري: لا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه خطأ في خط المصحف. وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب يريد كتاب سيبويه ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان وخفي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة يسدها من بعدهم وخرقاً يرفوه من يلحقهم. انتهى ...
وراجع الفتاوى التالية للاطلاع على توجيه وبيان إعراب هذه الكلمات: 2715، 43468، 72520، 70461.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(2/1875)
جواب شبهة حول آية (إن لك ألا تجوع فيها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن يتسع صدركم لسؤالي الذي قد يبدوغريبا ولكني أبحث عن إجابة له ليطمئن قلبي، إني مؤمن بالله وبرسوله عليه الصلاة والسلام ومؤمن بأن الله له حكمة في أفعاله بعباده علمها من علمها وجهلها من جهلها، بعد خروج آدم وحواء من الجنة إلى الأرض قال له الله سبحانه وتعالى إنه لا يجوع فيها ولا يعرى، فهل يتعارض ذلك مع وجود ملايين الجوعى فى العالم ومنهم من يموتون جوعى؟ جزاكم الله فينا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل الكريم على تدبره لكتاب الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياه طمأنينة وإيماناً. وبخصوص سؤاله فإن وعد الله تعالى لآدم عليه السلام بما ذكر لم يكن بعد خروجه من الجنة -كما توهم- وإنما كان قبلها، والضمير في قوله تعالى "فيها" راجع إلى الجنة وليس الأرض لأنها لم يرد لها ذكر من قبل، فإذا قرأت بداية السياق، وهو قوله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا {طه:115} ، اتضح لك ذلك قال أهل التفسير: لما خلق الله آدم وفضله، أتم نعمته عليه بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها، ويستأنس بها، وأمرهما بسكنى الجنة، والأكل منها رغداً، واسعاً هنيئاً، حيث شاءا من أصناف الثمار والفواكه، وقال لهما: وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ. شجرة بعينها الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحاناً وابتلاء ... وقوله تعالى: فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ. يدل على أن النهي للتحريم، لأنه رتب عليه الظلم، وقال له: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا -أي في الجنة- وَلَا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى. فأعلمه أن له في الجنة هذا كله: الطعام والشراب والكسوة والمسكن، وأنك إن ضيعت هذه الوصية، وأطعت العدو (الشيطان) أخرجكما من الجنة فشقيت تعباً ونصباً، أي جعت وعريت وظمئت وأصابك حر الشمس ... لأنك ترد إلى الأرض إذا أخرجت من الجنة، وخص آدم بالذكر لأنه المسؤول والمكلف بالكسب وبتحصيل هذه الأمور من النفقة والكسوة والسكنى.. وبذلك تعلم أنه لا تعارض بين الآية الكريمة وما يقع لبني آدم في الأرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(2/1876)
جواب شبهة حول نكاح الكتابيات دون سائر الكافرات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من تمكين المسلم من الزواج بمسلمة أو مسيحية أو يهودية، وعدم تمكينه من الزواج من بوذية أو أي ديانة أخرى، علما بأن مسيحيي ويهود هذا الزمان هم مشركون مثل البوذيون، ف هل يعتبر هذا إزدراء من الإسلام لباقي الديانات غير السماوية؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنما أذن الله في نكاح الكتابيات دون سائر الكافرات لأنهن أقل ضرراً ولاشتراكهن مع المسلمين في أصول الديانة وكثير من الأحكام الشرعية، ولا يمكن التسوية بين ديانة سماوية وأحكام وضعية أرضية يغلب عليها الهوى والتشهي، وما وقع فيه اليهود والنصارى من الشرك ليس حديثاً بل نزل القرآن وهم عليه كما أخبر عنهم في قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ {التوبة:30} ، ومع ذلك أباح نكاح نسائهم العفيفات مراعاة لأصل الديانة ولما تشترك فيه مع الإسلام من الأحكام الشرعية فهي أقرب من غيرها من الديانات الوضعية، علماً بأن هناك حكما عديدة ربما يعوزنا الاطلاع على حكمها ولكن المؤمن يعلم بأنه ما شرع الله عز وجل لعباده أمراً وأباحه لهم إلا فيه مصلحة وخير، وما منعهم من أمر وحرمه عليهم إلا وفيه شر لهم سواء علموا ذلك أم جهلوه.. وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74132، 9894، 110302.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1429(2/1877)
جواب شبهة حول كمال القرآن الكريم وحفظه من التحريف
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أحد الباحثين قال إنه مجمع بين علماء المسلمين من فقهاء ومفسرين وأهل حديث أن القرآن قد سقطت منه آيات وسور ورفعت منه آيات وسور أي أن المصحف العثماني غير حاو للقرآن كله وأنه ناقص وأن جميع العلماء والمفسرين ومحدثين على ذلك فهل ذلك الكلام صحيح أم أن جميع العلماء من مفسرين وفقهاء ومحدثين مجمعون على عكس ذلك أي أن المصحف العثماني لم يسقط منه أو يرفع منه آيات أو سور وعلى أن المصحف العثماني حاو للقران بأكمله وأن ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة. وما حكم من أنكر ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الباحث يعني أن الله تعالى أزال من القرآن بعض الآيات بالنسخ فهذا صحيح متفق عليه. ويدل عليه قوله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا {البقرة:106} وقوله تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {النحل:101}
وأما إن كان أراد أن غير المنسوخ لفظه سقط منه شيء أو أن القرآن بقي منه شيء لم يكتبه الصحابة أيام خلافة أبي بكر وخلافة عثمان رضي الله عنهما فهذا باطل، وهو مناقض لما تعهد الله تعالى به من حفظ القرآن في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} والله تعالى لا يخلف الميعاد، ومن اعتقد عدم حفظ الله تعالى كتابه بعد اطلاعه على النص القرآني في هذا، فهذا كافر كما بينا في الفتوى رقم: 112393.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 49145.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1429(2/1878)
جواب شبهة حول لفظ امرأة في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسيحي وأدرس الدين الإسلامي وأبحث عن الحق وأحببت شخصية محمد الرسول ولكن أصحابي من المسيحيين يحاولون أن يشوشوا أفكاري بهذه الأسئلة، ومنها هذا السؤال الذي يتعلق في الإعجاز البياني وهو إذا تعطلت آية الزوجية من السكن والمودة والرحمة، بخيانة أو تباين في العقيدة، فنجد أن القرآن الكريم يستعمل تعبير «امرأة» وليس «زوج» مثل «امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا» (يوسف 30-51) و «امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئا» (التحريم -10) فهنا تتعطل آية الزوجية مع الخيانة، ومن أمثلة ذلك ما جاء في القرآن في امرأة لوط آيات: العنكبوت 33، النمل 57، الحجر 60، الذاريات 81، الأعراف 83، ولكن هنا في هذه الآية يذكر امرأة، أريد أن أفهم معنى الآية ولماذا ذكر هنا امرأة <إذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ> أتمنى منكم المساعدة ولا تطردوني من المنتدى لكوني مسيحيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أننا يسرنا جداً دخولك إلى موقعنا، فهدفنا نشر رسالة الإسلام والتي هي للناس أجمعين، كما أن الإسلام هو الدين الحق الذي نسخ الله عز وجل به جميع الأديان، ونحسب أن لك عقلاً لن يسلمك إلا إلى خير، وإننا فقط ننصحك بالحذر من التأثيرات الخارجية فهي التي تحول بين الإنسان وبين اتباع الحق في الغالب، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8210، 10326، 33974.
ولا ندري من أين لهؤلاء بهذا الإعجاز البياني، وآية آل عمران التي ذكرتها أخيراً تدل على أنه ليس هنالك قاعدة على النحو المذكور، فزوجة عمران امرأة صالحة فكلامهم باطل من أساسه، وزوجة الشخص وامرأته بمعنى واحد، ويمكننا أن نذكر لك نصوصاً غير آية آل عمران تدل على ما ذكرنا، فقد قال الله تعالى عن زوجة إبراهيم عليه السلام سارة وهي امرأة صالحة أيضاً: وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ {هود:71} ، وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل يا رسول هذه زينب، فقال: أي الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: نعم، ائذنوا لها فأذن لها. وزينب هذه كانت امرأة مؤمنة صالحة.
وننصح هؤلاء بدلاً من محاولة تتبع القرآن للنيل منه -وأنى لهم ذلك- أن يلتفتوا إلى تدبر ما فيه من دلائل دالة على كونه الكتاب الحق الذي نسخ الله تعالى به ما قبله، فلعل ذلك يقودهم إلى الدخول فيه، ونرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19694، 21599، 29326.
وإن استمروا في محاولة الطعن في القرآن كان حالهم معه أشبه بمن قال عنه الشاعر:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
وأصدق دليل على ذلك أن القرآن نزل والعرب في قمة العناية باللغة خطابة وشعراً ونقداً ومع ذلك لم يستطيعوا أن يطعنوا في القرآن من هذه الناحية مع شدة حرصهم على أن يجدوا فيه ما ينقد، وراجع الفتوى رقم: 107145.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1429(2/1879)
كلمة: (آمين) تخالف كلمة: (آمون) لفظا ومعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي بارك الله فيكم عن كلمة: "آمين" التي تقال بنهاية سورة الفاتحة ...
حسب ما علمت فإن الكلمة هي لفظ ثاني لفرعون مصري اسمه آمون ... ويلفظ بالانكليزية واللاتينية ب "آمين"
سألني شخص غير مسلم ونبهني حول هذا الأمر قائلا: إن الديانات اليهودية والمسيحية والمسلمة تبجل وتردد اسم فرعون مصري عند الانتهاء من أدعيتهم ... فما تفسير هذا الأمر؟ ...
ثم تقولين لي إن الإسلام دين موحد ... فكيف يمكن لدين موحد أن يشرك اسم فرعون مصري باسم الله عند الصلاة بدعاء من قرآنكم (يقصد سورة الفاتحة) ؟
أتمنى أن تعطوني الإجابة الشافية بخصوص هذا الموضوع ... أرجوكم!!!
خصوصا لأني تعرضت لنفس السؤال من أخي الصغير أيضا بعد مشاهدته لبرنامج تلفزيوني تاريخي ...
ولم أستطع إجابته لأنه واجهني بحقائق تاريخية.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا يختلف فيه اثنان أن ألفاظ كل لغة لا يمكن فهم معانيها إلا من أهلها، فمن غير المعقول ولا الجائز أن نحاكم ألفاظ لغة إلى معاني لغة أخرى لمجرد التشابه اللفظي بين اللفظين، فهذا لا يقبله عاقل، فمثلا كلمة (كَانْ) العربية إذا نطقها عربي يكون لها معنى معروف. ونفس هذا اللفظ المسموع إذا سمعه من ينطق بالإنجليزية ولا يفهم العربية سيفهم منها معنى (يستطيع) وهو معنى آخر مخالف تماما لمعناها العربي.
وكذلك كلمة (آمين) العربية لها معناها المعروف، فهي اسم فعل بمعنى اللهم استَجب لي. وقيل: معناه كذلك فليكن، يعني الدعاء، كما قال ابن الأثير.
وليس لهذه الكلمة العربية أية علاقة من قريب أو من بعيد بهذا الفرعون المسمى (آمون) .
على ما بينهما من مخالفة سمعية في لغة العرب، فهذه بالياء وتلك بالواو.
ثم إننا ننصحك أيتها الأخت بتجنب مجالسة ومحاورة أهل الكفر والضلال؛ لأن ذلك قد يجلب ضررا كبيرا على من لم يكن له رسوخ في العلم، وإذا كان الطرف الآخر ذكرا فإن ابتعاد الأنثى عنه آكد لما في مجالستها له من الفتنة والفساد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1429(2/1880)
الإيمان الجازم بالقرآن أصل للإيمان بكل ما فيه من عقائد وأحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[تائهة تبحث عن الحقيقة.
إخوتي الكرام أنتم الملاذ الأخير لي فقد كاد اليأس يقتلني..........
أكتب لكم هذه الرسالة لأستنجد بك لعلي أجد حلا لديك بعدما ضاقت بي كل السبل، باختصار كنت ملتزمة قوية الإيمان ثم دخل قلبي الشك في كل الغيبيات وبعد دراسة ليست طويلة توصلت إلى الاعتقاد المتين بوجود لله عز وجل.
وأنا الآن منكبة منذ مدة طويلة على دراسة دلائل النبوة ومصدر وإعجاز القران الكريم لكني لم أصل إلى النتيجة المرجوة ... وبعد اطلاعي على كم هائل من الكتب صارت كفتا الإيمان والشك متساويتان. نعم صدقت بالأدلة عليه لكن بمجرد معرفة من يعارض تلك الأدلة يدخل الشك قلبي من جديد. أشعر وكأنه وجود معارض يؤدي إلى أن هذه الفكرة غير مثالية وصحيحة. فمثلا في الإعجاز العلمي دائما أتساءل كيف الغرب لم يؤمن وعلماؤهم يكتشفون ما اكتشفه القرآن قبلهم.نعم آمن القليل منهم فقط. أظن أنهم يبالغون في وصف الاعجاز العلمي في القرآن الكريم. لقد حرت وكأني أنتظر العالم كله يؤمن حتى يقوى يقيني.
إخوتي صنفوني كما شئتم..اماعه..ذات شخصية ضعيفة..غبية..حمقاء ...
المهم أرشدوني كيف أصل إلى اليقين والاعتقاد المتين بصدق رسالة محمد..
إخوتي لو تعرفون مقدار العذاب الذي أعيشه..لدرجة أني مستعدة أن أعطي عيناي وكل ما أملك مقابل أن أصل إلى اليقين..
أنا في انتظار ردكم على أحر من الجمر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى بحكمته ورحمته أيد رسله بآيات بينات، وبراهين ساطعات، تدل بوضوح تام على صدقهم وأمانتهم فيما يبلغون عن ربهم تبارك وتعالى، وقد مضى كل نبي بمعجزته فلم نرها ولم نعايشها، إلا خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بقيت معجزته وآيته الكبرى لتكون حجة تامة على العالمين، وهي هذا القرآن العظيم، والكتاب الكريم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عليه الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إلي، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البخاري ومسلم.
ولهذا كان أولى ما ينبغي للسائلة الكريمة أن تهتم بدراسته وتدبره وتفهمه هو هذا القرآن العظيم، الذي بيَّن الله عز وجل فيه أركان الإيمان وأصول العقيدة أتم بيان وأجمله، بأيسر أسلوب وأسهله، بحيث يستطيع العاقل مهما كانت مؤهلاته، ولو كان بدويا لم ير إلا الصحراء، أن يتقبله ويتفهمه.
ولنأخذ على ذلك مثلا، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ. قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. رواه البخاري.
فكان سماعه لهذا الآيات الكريمات سبباً في إسلامه وهدايته، وكاد قلبه أن يطير من حسن هذا البيان وروعته، وفصاحته وبلاغته، ومن وضوح الحجة وسطوع الحق، فإن معناها أم خلقوا من غير خالق، وذلك لا يجوز فلا بد لهم من خالق، وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم، وذلك في الفساد والبطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق، وإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا، ثم قال: أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أي إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السماوات والأرض، وذلك لا يمكنهم، فقامت الحجة، ثم قال: بَلْ لَا يُوقِنُونَ فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان، وهو عدم اليقين الذي هو موهبة من الله ولا يحصل إلا بتوفيقه، فلهذا انزعج جبير حتى كاد قلبه يطير، ومال إلى الإسلام.
ولذلك سمى الله القرآن فرقانا فقال: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا {الفرقان: 1} فمن أقبل عليه وآمن به انتفع وارتفع، ومن أعرض عنه وجحده خاب وخسر، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا {الإسراء: 82} وقال عز وجل: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عليهمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ {فصلت: 44} .
فمن أراد الشفاء الناجع، والموعظة الحسنة، والهداية التامة، والرحمة العامة، فعليه بكتاب الله، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس: 57} .
فمن درس القرآن وتدبره لابد أن يوقن بأنه كلام الله الحق، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما قال تعالى: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ {يونس: 37}
قال السعدي في تفسيره: أي: غير ممكن ولا متصور أن يُفترى هذا القرآن على الله تعالى، لأنه الكتاب العظيم الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وهو كتاب الله الذي تكلم به رب العالمين، فكيف يقدر أحد من الخلق أن يتكلم بمثله، أو بما يقاربه، والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه، فإن كان أحد يماثل الله في عظمته، وأوصاف كماله، أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولو تنزلنا على الفرض والتقدير، فتقوله أحد على رب العالمين، لعاجله بالعقوبة، وبادره بالنكال.
والمراد أن الإيمان بالقرآن إن تم واكتمل في القلب صار أصلا للإيمان بكل ما فيه من عقائد وأحكام.
ومن القضايا التي تناولها القرآن المجيد: إثبات صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بعدة أساليب، كل واحد منها كاف شاف.
فنوصي السائلة بمدارسة آيات القرآن التي تتناول هذه القضية، كقوله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إليهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ * إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أليمٌ * إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ {النحل: 103-105} .
وقوله عز وجل: فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ علينَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ {الحاقة: 38-52} .
وقوله: وَإِذَا تُتْلَى عليهمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إلي إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عليكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ {يونس: 15-17} فهذا هو مفتاح الإيمان ودليله، وعنوان الفلاح وسبيله.
كما نوصي السائلة بملازمة ذكر الله؛ فهو حصن من الشيطان، وحرز من وسوسته. وجالب لطمأنينة القلب، قال تعالى: الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} .
كما نوصيها بكثرة الدعاء والتضرع واللجوء إلى الله وطلب الهداية منه؛ فإن مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. رواه مسلم.
وقد سبقت عدة فتاوى فيها بيان دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم منها الفتوى رقم: 99787، والفتوى رقم: 63050. والفتوى رقم: 20138
كما سبقت عدة فتاوى عن الأدلة المتلوة والمرئية على وجود الله جل جلاله: 22279، 33504، 35673، 46174، 52377، 63790، 75468.
ثم ننبه السائلة على أن ما تعانيه قد يكون وسوسة في أمور الاعتقاد والإيمان، وقد سبق في بيان ذلك وكيفية علاجه كثير من الفتاوى منها: 17066، 2081، 12400، 13369، 18353، 12300، 12436، 28751، 37959، 53313، 63041، 76732.
وأخيرا ننبه السائلة على خطأ قولها في بداية سؤالها: (أنتم الملاذ الأخير لي فقد كاد اليأس يقتلني) فأين إذن الرجاء لرحمة الله تعالى القائل: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1429(2/1881)
جواب شبهة حول قوله تعالى (واللائي لم يحضن)
[السُّؤَالُ]
ـ[أثار تفسير ابن كثير رحمه الله للآية رقم 4 من سورة الطلاق جدلاً كبيراً في فرنسا وخاصة علي المنتديات، فإبن كثير فسر قوله تعالى "وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ" أي الصغيرات اللاتي لم يحضن بعد، فقال العلمانيون إن القرآن يبيح الزواج بالبنات اللاتي لم يبلغن الحلم مما أدى ببعض المسلمات أن يشككن في كون أن القرآن نزل وفي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأعرف مسلمة ارتدت بعد ما تأكدت من تفسير ابن كثير رحمه الله، هل هناك معنى آخر لهذا الجزء من الآية وكيف نرد لتثبيت المسلمين والمسلمات، فهل البلوغ شرط من شروط الدخول?
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه أولاً إلى أنه ينبغي الرجوع إلى أهل العلم عند ورود بعض الشبهات حول الإسلام، وعلى المسلم أن يبادر أولاً إلى اتهام فهمه وقصور علمه قبل أن يتهم الإسلام.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلا يجوز لمن لم يكن له إلمام بالعلم الشرعي الدخول لمثل هذه المنتديات التي تثير مثل هذه الشبهات لأن هذا قد يترتب عليه من الأمور ما لا تحمد عقباه كما هو الحال فيما ذكرت من أمر هذه الفتاة التي ارتدت عن الإسلام بسبب هذه الشبهة، ونوصي الأخوات المسلمات بالحرص على مناصحتها والاهتمام بأمرها وأمر أمثالها، وكذا نوصي بذلك الإخوة القائمين على المراكز الإسلامية.
وأما الآية المذكورة فلا شك أنها قد دلت على جواز نكاح الصغيرة التي هي دون البلوغ وأنها تعتد بالأشهر إذا دخل بها الزوج، قال ابن العربي في كتابه أحكام القرآن: المسألة الرابعة: قوله تعالى: واللائي لم يحضن دليل على أن للمرء أن ينكح ولده الصغار، لأن الله تعالى جعل عدة من لم يحض من النساء ثلاثة أشهر ولا تكون عليها عدة إلا أن يكون لها نكاح فدل ذلك على هذا الغرض وهو بديع في فنه. انتهى.
ولكن لا يجوز للزوج أن يطأها إلا إذا كانت مطيقة للوطء، بل قد جعل بعض بعض الفقهاء الصغر مانعاً من تسليم المرأة لزوجها، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 108613، 45168، 11251.
وننبه هنا إلى أمر مهم وهو أنه ليس من الغريب أن يطعن من لا يؤمن بالله واليوم الآخر في شيء من أحكام الله تعالى، ولكن الغريب أن يؤدي إثارة مثل هذه الشبهات ببعض المؤمنين إلى الردة بسببها، وقديما قال المشركون بشأن تحريم أكل الميتة: إن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله، فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكلونه وما ذبحوه هم يأكلونه، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء، فأنزل الله: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. وإذا كان الشخص متزلزل الإيمان بحيث إنه كلما مرت عليه عاصفة شبهة عصفت به فهذا حقيقة يجب أن يراجع نفسه وإيمانه بالله تعالى، فما زال أعداء الإسلام ولن يزالوا يثيرون مثل هذه الشبه السخيفة غير أن المؤمن الصلب الإيمان يدفعه بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبكلام أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1429(2/1882)
جواب شبهات حول تعدد الزوجات واستمتاع الرجل بمملوكته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم جدا ولكن قبل يومين أخبرني رجل مسيحي أن في القرآن أخطاء وقال لي إنه في سورة النساء آية تقول إن الرجل يستطيع أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع.. وبآخر الآيه: أو ما ملكت أيمانكم، وهو يقول إن ديننا يسمح للرجل أن يتزوج امرأة أجيرة عنده بدون ولي أمرها أو أي حقوق لها ويستطيع أن يستمتع بها يعني مثل زواج المتعة اليوم، وإن الرسول تزوج من مريم القبطية التي أهدوه اياها بدون عقد قران وهو يقول إن ديننا لا يساوي بين الحرة والأجيرة، أرجوكم أفيدوني بالحق لكي أثبت لهذا الرجل أخطاءه. الرجاء الرد السريع ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ما فتئ النصارى يسعون في تشكيك العوام من المسلمين بدينهم، لكن ما يسوقونه من شبه واهية لا تنطلي على من عنده علم وبصيرة، فالحكم بزواج الرجل أكثر من امرأة حكم شرعي وفيه كثير من المصالح للمجتمع، وكذا استمتاع الرجل بما يملك من الجواري مشروع، وهذا معروف في قبل الإسلام، فهذا إبراهيم عليه السلام كانت عنده جارية اسمها هاجر وقد رزق منها بنبي الله إسماعيل عليه السلام، وكان لداوود وسليمان عليهما السلام عدد من الأزواج والسراري، وهناك فرق كبير بين الأجيرة والمملوكة.
فالمملوكة ولي أمرها هو سيدها المالك لها، ولا يجب عليه العدل بينها وبين الزوجات الحرائر، وهذا هو حال مارية القبطية حيث كانت مملوكة له صلى الله عليه وسلم.
والمملوكة لا تسمى أجيره في اللغة ولا في الشرع فهي ملك لسيدها وله الاستمتاع بها، وفي ذلك رفع لشأنها حيث إنها إذا ولدت منه تصبح أم ولد وتكون بعد وفاة سيدها حرة، وأما الأجيرة فلا يجوز زواجها إلا بإذن وليها ولا يجوز التمتع بها دون زواج.
ثم إن مملوكة الغير إذا تزوجها من يجوز له الزواج بها يجب عليه أن يعدل بينها وبين غيرها من أزواجه.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41214، 70259، 58813، 63641، 2286، 26907، 32834، 47344، 2372.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(2/1883)
معاني القرآن هل هي واضحة لكل أحد من الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر بأن القرآن الكريم معناه واضح وأن معظم آياته محكمات وأن بإمكان قارئه فهمه. فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات المحكمات هي معظم آيات القرآن الكريم وأكثرها.
ففي تفسير ابن جرير الطبري: وإنما سماهن أم الكتاب، لأنهن معظم الكتاب، وموضع مفزع أهله عند الحاجة إليه. وكذلك تفعل العرب، تسمي الجامع معظم الشيء أماً له. فتسمي راية القوم التي تجمعهم في العساكر أمهم، والمدبر معظم أمر القرية والبلدة: أمها. انتهى.
والفرق بين المحكم والمتشابه سبق بيان معناه في الفتوى رقم: 55396.
ومعاني القرآن كلها ليست واضحة لكل أحد بل قد يتضح لبعض الناس المعنى الإجمالى وقد يستعصي فهم الكثير من معانيه ويحتاج في فهمه إلى كتب التفسير، وسؤال أهل العلم بتفسيره.
قال الألوسى فى روح المعانى: فلأن فهم القرآن العظيم المشتمل على الأحكام الشرعية التي هي مدار السعادة الأبدية وهو العروة الوثقى والصراط المستقيم أمر عسير لا يهتدى إليه إلا بتوفيق من اللطيف الخبير حتى أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم على علو كعبهم في الفصاحة واستنارة بواطنهم بما أشرق عليها من مشكاة النبوة كانوا كثيرا ما يرجعون إليه بالسؤال عن أشياء لم يعرجوا عليها ولم تصل أفهامهم إليها بل ربما التبس عليهم الحال ففهموا غير ما أراده الملك المتعال كما وقع لعدي بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود ولا شك أنا محتاجون إلى ما كانوا محتاجين إليه وزيادة. انتهى.
ومن الخطورة بمكان الإقدام على تفسير القرآن بغير علم والخوض في معانيه بالرأي المجرد، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 67614. والفتوى رقم: 80948.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1429(2/1884)
جواب شبهة حول نزول القرآن باللغة العربية دون غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الكبرى هي القرآن الكريم، فما هو الرد على غير المتحدثين باللغة العربية بأنهم لا يرون إنصافاً في هذا حيث إنهم لا يمكنهم تذوق حلاوة وسحر القرآن باللغة العربية، وأن المتاح لهم فقط هو الترجمة للغات أخرى والتي بالتأكيد لا تستطيع التعبير عن إعجاز القرآن كما هو الحال باللغة العربية.. أطمع في سعة صدركم حيث إنني أعمل مترجماً وكثيراً ما يواجهني هذا السؤال وأرجو المساعدة ليتسنى لي تقديم الرد المقنع..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلام هؤلاء يرد عليه من ناحيتين.
1- يبين لهم أن إعجاز القران ليس خاصا بإعجازه من حيث الفصاحة والبلاغة والبيان، بل إنه معجز من نواح أخرى كثيرة يفهمها العربي وغير العربي، ومن أعظمها إعجازه العلمي وإخباره عن الأمور المستقبلة والأمور الماضية وبقاؤه محفوظا على مر العصور، وهذه الأمور يدركها العربي وغير العربي.
2- أنه إذا حصل التحدي بالقرآن للعرب فعجزوا عن الإتيان بمثله وهم الفصحاء والبلغاء الحريصون على معارضة القرآن وتكذيب الرسول فإن هذا دليل صدق الرسول، وأن هذا الكتاب ليس من كلام البشر، فالبشر المختصون بهذا أهل العلم به عاجزون عنه فكيف بغيرهم، فقيام الحجة على العرب وثبوت عجزهم عن معارضة هذا الكتاب والإتيان بآية من مثله قيام للحجة على غيرهم، كما قامت الحجة على فرعون ومن معه بعجز السحرة عن الإتيان بمثل معجرة موسى، فلم يكن التحدي متوجها لكل أحد ليفعل ذلك إذ قد يعتذر المعتذر منهم فيقول أنا لا أحسن السحر فيقال له قد عجز السحرة عن الإتيان بمثله وهكذا الشأن هنا.
ثم إن تعلم لغة العرب التي نزل بها القرآن ليس صعبا ولا سيما في هذا العصر الذي تطورت فيه الوسائل واختلطت فيه الشعوب، ففي العصر الأول تعلم كثير من العجم لغة العرب حتى برعوا فيها منهم سيبويه، وقد تعلم العرب اللغات الأخرى بسهولة، فقد تعلم زيد بن ثابت العبرية في أيام قليلة، ويحكى أن ابن الزبير كان يتكلم أكثر من عشر لغات، وقد استفاد أهل الشام والعراق ومصر وبلاد فارس وأفريقية من القرآن أيام دخولهم في الإسلام ولم يمنعهم من ذلك كونه منزلا بلغة العرب.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74391، 27999، 20138، 27843، 49793، 68547.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1429(2/1885)
تهافت الزعم بتناقض آيات الكتاب العزيز
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلة الشيخ الرد على هذا المقال حيث إنه ينشر في كثير من الأماكن والمنتديات وأردت أن أكبح تلك الحجج الواهيةعن طريق آراء العلماء
جزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... المقال بعنوان: تناقضات في القرآن
نحن هنا أمام وجهين متناقضين للإسلام تجاه أهل الكتاب بأي الوجهين يعمل المسلمون اليوم ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين؟
هل أمام المنتديات الحضارية وفي البلاد المتحضرة وحالات ضعف المسلم يظهر وجه المودة لأهل الكتاب أما في البلاد الإسلامية وفي حالة سيطرة المسلم وقوته فالوجه الآخر هو الوحيد والصحيح؟ هل هناك تفسير لهذا الانقلاب من الضد إلى الضد ومن النقيض إلى النقيص؟ هل تغير إيمان أهل الكتاب وعقيدتهم لا بين مكة والمدينة فقط بل في السورة المدنية الواحدة يقول عنهم القرآن في آياته كلاما معسولا ثم ينقلب عليهم بكلام أمر من العلقم؟
قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا (آل عمران 3: 98-99)
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله ... أولئك من الصالحين (آل عمران3: 113-114 (
وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب (آل عمران3: 199)
في الآية الأولى من سورة آل عمران يعلن كفر أهل الكتاب وأنهم يبعدون الناس عن طريق الله ويريدونها عوجا ثم في
الآيتين التاليتين من نفس السورة يستثني فئة من أهل الكتاب ويعلن أنهم من الصالحين ولهم أجرهم ففي آية التكفير الأولى عممها وشمل كل أهل الكتاب ثم بعد ذلك خص فئة منهم فكيف ذلك؟
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون (البقرة62:2)
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم ... (البقرة120:2)
الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون (البقرة121:2)
وهنا تأمل موقفه من أهل الكتاب في سورة البقرة الآية وسابقتها.
ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ... (المائدة14:5)
وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم.... (المائدة18:5)
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء (توادونهم) بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (المائدة51:5 (
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون (المائدة69:5)
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ... (المائدة82:5)
أيوجد تناقض أعظم من هذا في السورة الواحدة؛ الآية (14) من المائدة العداوة والبغضاء بين النصارى إلى يوم القيامة، الآية (18) الله يعذب اليهود والنصارى، الآية (51) تمنع المسلم من صداقة ومودة اليهود والنصارى، الآية (69) اليهود والنصارى لا خوف عليهم ولاهم يحزنون الآية (82) اليهود أشد الناس عداوة للمسلمين والنصارى أقربهم مودة. مواقف متناقضة في السورة الواحدة والفارق بينها آيات قلائل، ترى لماذا هذا التناقض والضد؟ يقال إن السياسة لا تعرف صداقة دائمة أو خصومة دائمة بل أن الصداقة قد تفتر والعداء قد يتلاشى وذلك تبعا لتغير وتباين المصالح والأهداف، هل ينطبق ذلك على مواقف القرآن من أهل الكتاب؟ هل هناك تفسير غير ذلك يرد العقل عن حيرته بسبب هذا التناقض والضد لا بين قرآن مكة والمدينة بل في السورة المدنية الواحدة؟
ويأتي تناقض آخر لأن الله لا مبدل لكلماته!! حسب ما جاء في نفس القرآن:-
لا مبدل لكلمات الله (الأنعام6: 34)
لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا (الكهف18: 27)
ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد (ق 50: 29)
ولكن هذه ليست النهاية لحل هذه المعضلة فآلايات الثلاث اعلاه تناقضها آيات اخرى مثل:-
وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر (النحل16: 101)
ما ننسخ (نلغي ونغير) من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها (البقرة2: 106)
ياللمصيبة الله ينسى!!!
ولدي الكثير بعد من التناقضات في ما يدعى كتاب الله!!!
انتهى!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل الكريم على اهتمامه بدينه وغيرته على كتاب ربه، وننبهه إلى أن كيد الأعداء لهذا الدين العظيم والتشكيك في كتابه والطعن في مبادئه لصرف الناس عنه أمور لا تنتهي. وذلك لقول الله تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ {البقرة:120} ، وقوله تعالى: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ {البقرة:217} ، وقوله تعالى: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء {النساء:89} ،
ولكن الله تعالى ناصر دينه وحافظ لكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسوف تتحطم مكائد هؤلاء وترتد سهامهم في نحورهم، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ {الأنفال:36} ، وقال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {الصف:8} .
ثم إن وسائل التشكيك ودعايات المشككين التي ظهرت في هذ العصر أمرها عجب، فمن العجب أن يدعي التناقض في القرآن ناس جهلة بلغته وأساليبه ولا يفطن لهذا الأمر فصحاء العرب الذين عاصروا تنزل القرآن وكانوا حريصين على الطعن فيه.
فهذا القرآن كلام الله تعالى العليم الخبير ليس فيه شيء من التناقض إطلاقاً، ولو كان فيه شيء من ذلك أو يشبه ذلك لأثاره أعداء هذا الدين الإسلامي قديماً، فقد نزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، والعرب في ذلك الوقت بلغوا أقصى الغاية في الفصاحة والبلاغة والنقد، ولم يستطيعوا أن يجدوا في القرآن مطعناً رغم رفضهم لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ومحاولاتهم المختلفة أن يظهروا معايب تلك الرسالة ويصدون الناس عنه، نعم قالوا عنه صلى الله عليه وسلم إنه ساحر أو مسحور أو شاعر أو مجنون.
لكن لم يطعنوا في القرآن من حيث أسلوبه وإحكام سبكه؛ بل ان منصفهم يقرُّ أن هذا الكلام ليس من كلام البشر، وهذا مدون في كتب السير والتاريخ وغيرها، فكيف يأتي الآن من لا يفهم العربية ولا يتكلمها على وجه صحيح فصيح ثم ينتقد هذا الكتاب، فيما لم يمكن لأولئك أن ينتقدوه فيه؟!! أظن أن أي عاقل منصف لا يقبل ذلك.
فكل مما ذكرت في السؤال لا تعارض فيه أصلاً، وإنما حصل التعارض فيه في ذهن صاحب المقال، ولعله لجهله باللغة وأساليبها، أو لتحامله وسعيه في إغواء جهلة المسلمين وإضلالهم.
فهذه الإشكالات لا تنطلي على من عنده علم باللغة ودلالات الالفاظ فما استثني في آيات من حال أهل الكتاب يعتبر من الخاص المخصوص من العموم في الآيات الأخرى، فقد استثني من كان على الدين الصحيح مثل من لقيهم سلمان الفارسي أو من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كالنجاشي وعبد الله بن سلام فقد قال ابن كثير في التفسير عند آية: ليسوا سواء: والمشهور عند كثير من المفسرين كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره، ورواه العوفي عن ابن عباس ـ أن هذه الايات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم، أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب، وهؤلاء الذين أسلموا، ولهذا قال تعالى: ليسوا سواء، أي ليسوا كلهم على حد سواء، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم، ولهذا قال تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة أي قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه، متبعة نبي الله، فهي قائمة، يعني مستقيمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون أي يقومون الليل ويكثرون التهجد، ويتلون القرآن في صلواتهم، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين، وهؤلاء هم المذكورون في آخر السور: ة وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله ... الآية، ولهذا قال تعالى ههنا: وما يفعلوا من خير فلن يكفروه أي لا يضيع عند الله، بل يجزيهم به أوفر الجزاء، والله عليم بالمتقين أي لا يخفى عليه عمل عامل، ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملاً. اهـ.
وقال أيضا في تفسير قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ... إلى آخر الآية: وقال السدي: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا الآية: لما بين تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم وما أحل بهم من النكال، نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه؛ كما قال تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عمر بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال سلمان رضي الله عنه: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم، فذكرت من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ... إلى آخر الآية، وقال السدي: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ... الآية، نزلت في أصحاب سلمان الفارسي بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون لك ويشهدون أنك ستبعث نبياً، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا سلمان هم من أهل النار، فاشتد ذلك على سلمان فأنزل الله هذه الآية فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى، فلما جاء كان من تمسك بالتوارة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكاً، وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمناً مقبولاً منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبع محمد اً صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكاً. قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا، قلت وهذا لا ينافي ما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر الآية ـ قال ـ فأنزل الله بعد ذلك: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملاً إلا ما كان موافقاً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه بما بعثه به، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة،...... فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى،..... فلما بعث الله محمد اً صلى الله عليه وسلم خاتماً للنبيين، ورسولاً إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر. وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر، وهؤلاء هم المؤمنون حقاً...... . .اهـ
وقال أيضا في تفسير قوله تعالى: لتجدن...... الآية: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت هذه الآيات في النجاشي وأصحابه الذين حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب بالحبشة القرآن، بكوا حتى أخضلوا لحاهم، وهذا القول فيه نظر، لأن هذه الآية مدنية، وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة. وقال سعيد بن جبير والسدي وغيرهما: نزلت في وفد بعثهم النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوا كلامه ويروا صفاته، فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا، ثم رجعوا إلى النجاشي فأخبروه. قال السدي: فهاجر النجاشي فمات بالطريق. وهذا من أفراد السدي، فإن النجاشي مات وهو ملك الحبشة، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات، وأخبر به أصحابه، وأخبر أنه مات بأرض الحبشة. ثم اختلف في عدة هذا الوفد، فقيل: اثنا عشر: سبعة قساوسة وخمسة رهابين. وقيل: بالعكس. وقيل: خمسون. وقيل: بضع وستون. وقيل: سبعون رجلاً، فالله أعلم. وقال عطاء بن أبي رباح: هم قوم من أهل الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة الحبشة من المسلمين. وقال قتادة: هم قوم كانوا على دين عيسى ابن مريم، فلما رأوا المسلمين، وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا، واختار ابن جرير أن هذه الآيات نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة، سواء كانوا من الحبشة أو غيرها.
فقوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. ما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم، ولهذا قتلوا كثيراً من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة، وسموه وسحروه، وألبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
وقوله تعالى: ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، أي الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة، وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال تعالى: وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية. وفي كتابهم: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر. وليس القتال مشروعاً في ملتهم، ولهذا قال تعالى: ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون، أي يوجد فيهم القسيسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم،.......
فقوله: ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون، تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف، فقال: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، أي مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، أي مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به.
وقد روى النسائي عن عمرو بن علي الفلاس، عن عمر بن علي بن مقدم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية في النجاشي وفي أصحابه: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين......... وهذا الصنف من النصارى هم المذكورون في قوله تعالى: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله ... الآية، وهم الذين قال الله فيهم: الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ... إلى قوله: لا نبتغي الجاهلين. ولهذا قال تعالى ههنا: فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار، أي فجزاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ـ أي ماكثين فيها أبداً لا يحولون ولا يزولون ـ وذلك جزاء المحسنين أي في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان وأين كان ومع من كان.... . اهـ
وأما كلامه في نسيان الله فهو دليل على جهله بلغة العرب وجهله بالفرق بين نسي الثلاثية وأنسى الرباعية فإن الله تعالى منزه عن النسيان، وسائر صفات النقص؛ كما قال تعالى: قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [طه:52] . وقال: وما كان ربك نسيا [مريم:64] .
ولكنه سبحانه ينسي غيره إذا شاء، كما أن النسيان يأتي في اللغة بمعنى الترك، ومن جهل لغة العرب التي نزل بها القرآن حق له أن يقع في أنواع الجهالات القبيحة، وصدق من قال:
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم.
وأما موضوع النسخ والتبديل راجع فيه الفتاوى التالية أرقامها: 57355، 46644، 24670، 59239، 68324.
ولكن أهم ما يتعين التنبه له في هذه المسألة أن يستشعر جميع المسلمين الخطر، ويسعوا في أداء واجبهم تجاه دينهم، ويبذل كل من وسعه وطاقته في نصره، فمن الضروري أن يتعلم كل مسلم ما يهمه من أمر دينه، ويتعلم القرآن ويتعلم ما يساعد على تدبره من العلوم المساعدة، ومن الضروري كذلك أن يتعاون المجتمع المسلم على تعلم الشرع، وينشط العلماء في تعليمه للراغبين وغيرهم، وتنتشر الدروس العامة في المساجد وغيرها حتى يستفيد منها المتفرغون للتعلم وغيرهم، ويحرص الجميع على تكوين علماء أجلاء ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
ففي الحديث: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. رواه البيهقي وصححه الألباني.
ومن المستحسن الاعتناء بأذكياء الشباب في كل بلد، فتوفر لهم إمكانيات تساعدهم على المواصلة في الدراسة حتى يتعلموا من فروض الكفايات ما تحتاج إليه الأمة، لأن القراءة والكتابة كثيرة الآن نسبة إلى العصور القديمة، ولكن العلم الحقيقي بالشرع قليل والاهتمام بتعلمه بقدر الحاجة قليل، والناس يحتاجون للكيف أكثر من الكم، فلو أن في كل حي من أحياء المسلمين مسجداً فيه إمام ومؤذن على قدر كبير من العلم الشرعي، وكانا نشيطين في تعليم الناس ما يهمهم من أمور دينهم لكان هذا أفضل من وجود كثير من المثقفين الذين يقل فيهم حفظ نصوص الشرع وفهمها، فحبذا لو اعتنت المؤسسات التربوية والراغبون في الخير ببعض الأذكياء وفرغتهم للمواصلة في تعلم علوم الشرع، وأعطتهم حاجياتهم حتى يسعفوا الناس ويزيحوا الشبهات وافكار أهل الزيغ عمن يستهدفون ويسعى أهل الضلال لإضلالهم.
ثم إنا ننبه إلى أن الدخول على المواقع التي يقوم عليها أهل الضلال لا يسوغ لمن كان من العوام في علم الدين لأنه يخشى من التأثر على معتقده ودينه بما ينشر في تلك المواقع، فيخاف عليه أن يصدق بما هو باطل أو أن يكذب بما هو حق، وأما من كان عنده تسلح بالعلم الشرعي وتبصر في أمور الاعتقاد وكان يريد الدخول والمشاركة ليحاور أهل الضلال ويجادلهم بالتي هي أحسن لعل الله يهديهم به فإن هذا هو واجب المسلم المستطيع، قال في مطالب أولي النهى: 1/ 607: (ويتجه جواز نظر) في كتب أهل البدع لمن كان متضلعا من الكتاب والسنة مع شدة تثبت وصلابة دين وجودة وفطنة وقوة ذكاء واقتدار على استخراج الأدلة (للرد عليهم) وكشف أسرارهم وهتك أستارهم لئلا يغتر أهل الجهالة بتمويهاتهم الفاسدة فتختل عقائدهم الجامدة، وقد فعله أئمة من الفقهاء المسلمين وألزموا أهلها بما لم يفصحوا عنه جوابا، وكذلك نظروا في التوراة واستخرجو منها ذكر نبينا في محلات وهو متجه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1429(2/1886)
العاقل لا يتعب نفسه في البحث عما لم يفصل في القرآن من أحداث
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الإخوه الأعزاء فأني أعيد لكم الفتوى رقم 105634 بتاريخ 2 ربيع أول 1429 وأني أحدد الجزء الثاني من الفتوى (فمعناه أنه لا ينبغي للإنسان أن يتعب نفسه فيما لم يثبت دليل يدل عليه من أخبار الأمم السابقة) فإنه يدل لنا من جوابكم القصير والمفيد بأن الله عز وجل يكتب فى القرآن الكريم مواضيع عدة ولم يكن يعرفها وحاشا الله أن يكون هذا وأن هذا الجواب يثبت دليل المسيحيين بأن القرآن عند كتابته حصلت به أخطاء منها ما جاء فى سورة الكهف فأرجو التعليق على هذا وأن تقبل مني هذا بكل قلب كبير لأني أبحث عن الحقيقة التي
هذه بداية الحقيقه؟ ولكم مني كل احترام وتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك يتعين عليك أن تتثبت فيما تقول، وتتحفظ من تجاوز الخطوط الحمراء فيما تتكلم به عن الله تعالى، فالله تعالى أحاط علمه بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء، وقد أنزل القرآن ليتدبر معناه ويعمل بمقتضاه، فما ذكره في القرآن مفصلاً يجب الإيمان به مفصلاً، وكذلك ما ذكره مجملاً وفصلته السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما لم يفصله في القرآن ولا في الثابت في السنة مثل: اسم الشجرة، وعدد السحرة، وأخبار الأمم السابقة، وأسماء حملة العرش، وغير ذلك مما لم يثبت في تفصيله نص شرعي فهذا الذي ذكرنا أنه لا ينبغي للعبد أن يتعب نفسه في البحث عنه؛ لأنه لو وجد فيه خبراً عن القصاصين لن يجد ما يثبته، والعاقل لا ينبغي أن يتعب في البحث عن مثل هذا ويترك نصوص الوحي الثابتة التي حضنا الشرع على دراستها وحفظها وتفهمها والعمل بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1429(2/1887)
شهادات أعداء الإسلام بأن القرآن من عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أكتب لكم هذه الرسالة ويداي لا تقويان على تحمل الحزن الذي يملأ قلبي وتفكيري. أريد أن أعلمكم أنني في يوم 12 من مارس كنت أبحث في التلفاز في قنوات القمر الصناعي الأوروبي وتوقفت على قناة تدعى تي سي تي مسيحية تبشيرية واستغربت من وجود رجل دين يهودي فيه يقدم برنامجاً عن الحرب الروحية. ما صدمني هو كيف أن هذا الشخص ويدعى رابيا موشي يحاول أن يثبت أن القرآن ليس كلام الله وأن من كتبه هم أشخاص عديدون بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وأن الإسلام لم يتنشر في عهده وإنما بدأ من بغداد وهنالك ظهر القرآن! وذكر أن كتاب التوراة غير محرف لأنه بحسب قوله أن على كل أسرة يهودية أن تكتب وتحفظ كتاب التوراة، وأن التوراة نزلت في قوالب. وكان يستشهد بآيات من القرآن ولم أتذكرها وأنها متناقضة عن كيفية كتابة القرآن. ما أثار غضبي هو قوله أن المسلمين لا يحبون النقد في دينهم وأنهم يقتلون من يشكك في دينهم! وأن الله يدعو إلى الحب والعدل والسلام لا للقتل والظلمة في إشارة ساخرة منه للإسلام! هذه صفحة القناة على الإنترنت: لماذا لا يقوم علماؤنا بالرد على مثل هؤلاء الأشخاص؟ هم لا يبدؤون بذلك ويتعللون بأننا لا نسمع الآخر وأننا ضعفاء وسلاحنا الدفاعي هو الغضب. لماذا لا يتم تخصيص حوار بين الأديان بين رجالات الدين للرد والتوضيح؟ الأفضل أن يكون عبر الإنترنت لا عن طريق ندوات لا تصل للعالم. أرجو أن يكون هنالك تواصل وحوار فعال وجاد معهم من قبل رجالنا، وأن تخصص قنوات إعلامية للتعريف بالإسلام وتوضيحه للعالم بلغاتهم. وأسأل الله لنا النصر على هؤلاء الذين لا يريدون أن تظهر كلمة الحق. واللهم صل وسلم على محمد؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لقد شهد أعداء الإسلام بأن القرآن من عند الله، وعجز عن الإتيان بمثله أهل البلاغة والفصاحة، ووقعت حوارات بين الأديان، وخصصت قنوات للتعريف بالإسلام باللغات الأجنبية، فلم يزد الكافرين كل ذلك إلا ضلالا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن أعداء الإسلام لن يفتروا عن إلقاء الشبهات في القرآن وفي شريعة الإسلام، وغرضهم من ذلك هو تشكيك المسلمين في دينهم وثوابتهم.
والقرآن الكريم قد شهد ألد أعداء الرسالة النبوية وأعتى خصومها بصدقه، وأنه لا يستطيع أن يقول مثله بشر. يقول الوليد بن المغيرة: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر.
وقال لقومه: والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئاً من هذا.
وشهد أعداء الإسلام من النصارى وغيرهم أن القرآن لم يوجد فيه تبديل بخلاف الكتب الأخرى. ذكر العيني في شرحه للبخاري أن بعض علماء النصارى سأل محمد بن الوضاح، فقال: ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقصان، وكتابنا بخلاف ذلك؟ فقال: لأن الله وكل حفظ كتابكم إليكم فقال: ُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ {المائدة:44} فلما وكله إلى مخلوق دخله الخرم والنقصان، وقال في كتابنا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون. {سورة الحجر: 9} .
ولقد عجز كفار قريش –وهم أهل البلاغة والفصاحة- عن الإتيان بسورة واحدة من مثل القرآن. قال الله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ {الطور: 34} ، وقال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {هود: 13} .
وقال سبحانه وتعالى: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. {البقرة: 23} .
وقال عز وجل: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. {الإسراء: 88} .
وهذا التحدي بالآيتان بسورة مثل أي سورة من سوره تحد قائم ولن يزال قائما، فيكفي فيمن ادعى أنه من عند غير الله أن يقال له إيت بمثل سورة من سورة لو كانت أقصر سورة، ومعلوم أن هؤلاء الأعداء يدركون عجزهم وفيهم نصارى عرب بلغاء فصحاء.
والإسلام هو الدين الذي قامت الدلائل العقلية والنقلية على أنه دين الحق المنزل من عند الله القائم على توحيده، وهو منهج الحياة الذي ينظم علاقة الإنسان بربه وبأخيه الإنسان وبالحيوان وبالمادة وبالكون، وبالجملة فهو منهج يحكم تصرفات الإنسان من المهد إلى اللحد، منهج يربط كل الأنظمة والتشريعات التي تحكم الفرد والمجتمع بما يريده الله من خلقه ويرتب على ذلك الثواب والعقاب.
ثم إن الإسلام قد حث على انتهاج الحكمة في الدعوة إلى الله. قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين {النحل: 125} .
وقال: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف: 108} .
وهذا لعمري هو عين الحوار ...
ولقد خصصت قنوات إعلامية للتعريف بالإسلام وتوضيحه للعالم باللغات الأجنبية، ولكن من كتب الله له الشقاء في الأزل فلن يهتدي إلى الحق أبدا. قال تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ. {الأنعام: 125} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(2/1888)
التعمق في معاني القرآن والنظر في محاسن الإسلام يزول الشك
[السُّؤَالُ]
ـ[الموضوع كبير لا أعرف كيف أبدؤه ولا يمكن أن أغطي جميع جوانبه في هذه الرسالة ولكن باختصار أنا لي معاناة مع الشك في الدين _ للأسف الشديد _ منذ صغري وأنا الآن عمري يقارب 24 عاما وقد بعثت إليكم بمجموعة رسائل تفضلتم بالإجابة علي بعضها وأعرضتم عن البعض الآخر حتى ظننت أنه لا توجد إجابة لديكم علي أسئلتي وأنني _معذرةً_: "أفحمتكم".
ومؤخرا أرسلت إليكم رسالة تحوي أرقام الأسئلة التي أعرضتم عنها وعذراً إن كان في لهجتي بعض الوقاحة حيث إنني صدمت بعدم الإجابة علي تساؤلاتي.
وبصراحة لن أعيد طرح أي أسئلة من تلك النوع وإن كنت بالفعل قد فقدت إيماني لبعض الأوقات إلا أنني أشعر الآن أنني بدأت العودة لطريق الإسلام بعد حدوث مواقف أريد أن أقصها عليكم وأريد رأيكم فيها هل يُعْتَدُّ بها أم لا.
الموقف الأول:كان قبل أن أبلغ الحلم صبياً في أول نشوئي: فلقد طالعت بعضاً مما يخص الديانة المسيحية وعلمت أن المسيحيين يؤمنون بالله علي عكس ما كنت قد تربيت عليه آنذاك من أنهم "كفرة" لا يؤمنون بالله فأحدث ذلك حرجا في صدري وآثرت ألا أطْلِع أحدا من الناس علي ما أجد خشيةً من رد فعل من أقص عليه ذلك.
وملت كثيرا نحو الديانة المسيحية وأحسست أنهم علي الحق ونحن على الباطل.
ولكن بحكم عمري لم أستطع الاطلاع كثيرا في المسيحية ذلك الوقت ولكن كان إحساسي السابق ذكره يلازمني دائما وأقول لنفسي "إن كان الإسلام هو الحق فلولا أن أري آيةً تهديني إلي الصواب"
وجلست علي تلك الحال وقتا لا أذكر قدره حتى جاءت اللحظة الآتية عندما قررت أن أفتح المصحف وأرى "حظي" كما كنا نفعل في ذلك الوقت _وإن كنت الآن أعلم أن ذلك حرام شرعا _ وكانت الصاعقة التي نزلت عليّ وقتها حيث كلما أفتح المصحف يقع بصري _قدراً_ فوراً علي آية تتحدث عن المسيح أو الأحبار أو أهل الكتاب وكانت عيني تطالع تلك الآيات للمرة الأولى وقتها ولم أكن أعلم في ذلك الوقت السور التي بها مثل هذه الآيات مثل النساء أو المائدة وغيرها.
ولا أذكر بالضبط الآيات التي قرأتها وقتها عدا الآيتين:
"ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام"
و"يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل"
فأنا متأكد تماما أنهما كانت من ضمن ما فوجئت به من غريب "الصدفة" المتكررة في الحال عند فتحي للمصحف. ثم كان في تلك الأيام أن فتحت جهاز المذياع فسمعت فوراً قارئاً يقرأ "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا"
وكانت أيضا المرة الأولى التي أسمع فيها هذه الآية فكان لتلك المواقف التي حدثت لي متتالية أن ذهب الشك والكفر من قلبي دون رجعة.....كلا..... للأسف لقد عاد الشك إلي قلبي بعد زمن طويل أكثر من 10 سنوات بعد أن أصبح عمري حوالي 22 عاما فلقد نسيت ما ذُكِّرت به وأوغلت في الاطلاع في مواقع الإلحاد والبوذية والمسيحية وغيرها علي الإنترنت فتشتت ذهني وتبلبل فكري وأصبت بداء "السوداوية" أو الاكتئاب النفسي الجسيم: أعتى ما يمكن أن يُعذَّبَ به امرؤٌ في الحياة الدنيا وأصبح اعتقادي قريبا من الإلحاد أو"اللاأدرية" وجلست علي هذا الحال قريبا من سنتين وليس "شهرين" كما كان حال الإمام أبي حامد الغزالي على حد ما قرأت عنه من وقوعه في ظلمات الشك.
وللحديث بقية في رسالة أخرى إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على الاتصال بنا، ونرحب بأسئلتك الهادفة وببقية رسائلك ونرجو أن ترسل لنا أرقام الأسئلة التي لم نجب عليها فإننا بحثنا عن أسئلتك السابقة فلم نطلع فيها على شيء لم نجب عليه فتأكد من الموضوع.
ثم إننا ننبهك على أن مما يحزن في رسالتك ويدعو للقلق أنك في مطالعاتك لم تذكر لنا أنك فرغت شيئا من وقتك في دراسة القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وسيرته وشمائله، وما كتبه أهل العلم في بيان بطلان ما عليه النصارى والبوذيون، واعلم أنه يمنع على من ليس عنده اطلاع واسع على أمور الشرائع والأديان من خلال نصوص الوحي أن يبحر في مواقع أهل الضلال، فإن هذا يجره للزيغ والانحراف لذا يجب عليك أن تقرأ كلام ربك الذي خلقك، وتقرأ ما ثبت من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتتفهم في معاني نصوص الوحيين من خلال كلام سلف الأمة، وإذا أشكل عليك شيء فاسأل عنه أهل العلم، وأكثر من سؤال الله تعالى أن يهديك ويثبتك على الحق، وصاحب أهل الخير، ولازم الصلاة في الجماعة، وراجع في بطلان ما عليه النصارى والبوذيون الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 30506، 34579، 61499، 94197.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1429(2/1889)
التصريح في القرآن بكفر بعض الناس بأعيانهم.. نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا أنزل الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (وهو كتاب الله إلى يوم القيامة) ، السورة التي لعن فيها أبو جهل لعنة شديدة، وهل تكون هذه السورة حسرة وألما لأولاده بعد أن كانوا مؤمنين، الرجاء منكم جوابا كافيا؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن أبا جهل لم يرد في القرآن لعنٌ بخصوصه، وإنما ورد اللعن لعموم الكافرين وهو منهم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا {الأحزاب: 64} ، وورد في خصوص أبي جهل -كما قال المفسرون- قوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى* أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى* أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى* أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى* كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ* فَلْيَدْعُ نَادِيَه* سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ* كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ {العلق} .
وفيما يخص موضوع سؤالك، فاعلم -زادنا الله وإياك علما- أن الله -جلت قدرته- لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأنه لا يستحيي من الحق، وله الحكمة البالغة في أقواله وفي أفعاله، وقد أنزل في كتابه التصريح بكفر بعض آباء بعض الأنبياء وأبنائهم وزوجاتهم، وغير ذلك من قراباتهم، فأبو إبراهيم - عليه السلام - قد كان من الكافرين بنص القرآن الكريم. قال تعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ {التوبة: 114} ، وهكذا جاء هذا المعنى في سورة مريم، وسورة الممتحنة، وغيرهما، وامرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين بنص القرآن الكريم، قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {التحريم:11} ، وابن نوح كان أيضاً كافراً كما في سورة هود: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {هود:46} ، وقد خاطب -الله تعالى- نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بقوله في سورة التوبة: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم ِ {التوبة:113} ، فإذا كان هذا في حق آباء وقرابات الأنبياء –عليهم الصلاة السلام- فما بالك بآباء وقرابات سائر أفراد المسلمين؟!
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(2/1890)
النبي بلغ وفسر جميع ما أمر بتفسيره وتبليغه
[السُّؤَالُ]
ـ[في مختصر تفسير ابن كثير عند شرح آيات الربا الموجودة في سورة البقرة أن عمر بن الخطاب لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم جمع الناس وحذرهم من الربا وقال إن آيات الربا من أواخر الآيات التي نزلت قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يبينها النبى صلى الله عليه وسلم، كيف يكون هذا والرسول صلى الله عليه وسلم قال تركتم على المحجة البيضاء...... وغيرها من الأحاديث التى تبين أن النبى بين كل شيء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج ابن ماجه عن عمر بن الخطاب قال: إن آخر ما نزلت آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسرها لنا، فدعوا الربا والريبة. وهذا الحديث قد قال عنه الشيخ الألباني إنه صحيح.
ولكنه مع صحته لا يتعارض مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك. .. الحديث.
فكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تركنا على المحجة البيضاء ليس معناه أنه قد فسر كل شيء وحدد كل شيء؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما ساغ الاختلاف بين أهل العلم.
وليس من شك في أنه صلى الله عليه وسلم قد بين وفسر جميع ما أمر بتفسيره وتبليغه، وأما ما لم يؤمر بتبليغه فقد تركه رحمة بالأمة ولحكم يعلمها الله.
فمن ذلك ما كان يريد أن يكتبه لما اشتد عليه الوجع في مرض موته ولم يكتبه. فقد أخرج البخاري عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع.
ومنه نهيه صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال والاستفصال في المسائل التي لم يفصلها، كما في الصحيحين عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس؛ قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم.
ومن هذا أخذ بعض العلماء قاعدة هي أن: ترك الاستفصال ينَزَّل منزلة العموم.
قال في مراقي السعود:
ونزلن ترك الاستفصال * منزلة العموم في الأقوال.
وراجع في كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفسر جميع الآيات، وفي المزيد عما تقدم الفتوى رقم: 63097، والفتوى رقم: 71379
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1428(2/1891)
كيف يمزق المصنوع قول صانعه؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[القرآن الكريم ادعى الغيب لكن العلم الحديث مزق ذلك الغيب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ماذا تقصد السائلة بهذا الغيب الذي ادعاه القرآن ومزقه العلم الحديث! فإن ما في القرآن من عند الله، وما في الكون من صنع الله، فكيف يمزق المصنوع قول صانعه؟! لا يمكن أن يحدث هذا، ومن توهم حصول شيء من ذلك فلا يخلو من أن يكون فهم القرآن فهما غير صحيح، أو اعتمد على نظريات تسمى علمية ولم تصبح حقائق علمية بعد.
هذا جواب مجمل عن سؤالك المجمل، وإذا كان لديك إشكال عن مسألة تفصيلية معينة فأرسلي بها تجدين إجابة مفصلة.
علماً بأن التعبير المذكور -ادعى القرآن ... ومزق ذلك.... لا يخفى ما فيه من سوء الأدب مع الله، ونسأل الله العافية من داء الجهل وسوء الأدب، والله المستعان وعليه التكلان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1428(2/1892)
جواب شبهة حول وطء ملك اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نرد على الذين يقولون إن الزواج مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانهم، وقصدهم في ما ملكت أيمانهم أنهم من غير زواج يعني زنا، أريد أن أعرف ما ملكت أيمانهم يبقى زواجا من غير حقوق على أساس أنها هي ملك يمينه، أنا أريد تفسيرا أرد به على الذين يتحججون أن الآيات القرآنية ضعيفة والعياذ بالله.
أنا يمكن أن أكون لا أعرف كيف أوضح وجهة نظري، لكن هناك مسيحي يسألني ويقول ما هو: ما ملكت أيمانكم، يعني زنى، بالله عليكم أريد تفسيرا سهلا يمكنني من شرح الموضوع.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
وطء ملك اليمين هو وطء الرجل لأمته التي يملكها ملكاً صحيحاً وله التصرف فيها كبقية أمواله، وله وطؤها بذلك الملك، ووطؤه شرعي صحيح وليس زنى ولا يقول ذلك إلا جاهل بأحكام الشرع، ولا ينبغي للعامة مجادلة من يقول ذلك وأمثاله ممن يقذفون الشبه لصد المسلمين وتشكيكهم في دينهم، بل يردون إلى أولي العلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا معنى ملك اليمين والمقصود به في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6186، 96456، 4341.
وبناء عليه فالمقصود بوطء ملك اليمين هو وطء الرجل لأمته التي يملكها ملكاً صحيحاً وهي رقيقة عنده يتصرف فيها بالبيع والهبة وغيرهما، وليس المقصود به وطء الأجنبية الذي هو زنى، ومن يقول ذلك فهو ضال أو جاهل ولا ينبغي مجادلته، وإنما بيان الحق والمراد له، فإن اقتنع به فبها ونعمت، وإلا فينبغي الكف عنه، سيما إن كان من أصحاب الشبه والجدل، فأولئك لا يريدون الحق وإنما يريدون صد الناس عنه وقذف الشبه لتشكيك أصحابه فيه، ولذا حذر أهل العلم من مجالستهم ومجادلتهم، فالذي يتصدى لأمثال هؤلاء هم أهل العلم، قال الله تعالى: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً {النساء:83} .
فلا ينبغي للجاهل محاورة أولئك لأن الشبهة قد تقع موقعها من قلبه فلا يستطيع ردها وهي داحضة باطلة قريبة لو عرضت على أهل العلم.
وللمزيد ننصحك بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6069، 12210، 22018، 52718.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1428(2/1893)
جواب شبهة حول التكرار في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شبهة في أن القرآن الكريم فيه تكرار لا فائدة منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الجهالة العمياء والسخافة المظلمة أن يظن ظان أن في القرآن الكريم تكرارا لا فائدة منه؛ ذلك أن التكرار في القرآن لا يرد بأسلوب واحد ولا طريقة مملة أو لغير زيادة فائدة هنا أو هناك.
فالقرآن العظيم مشتمل على أروع أنواع البلاغة وأقوى تحديات الإعجاز، وأنفع أساليب البيان.
والتكرار في القرآن له قيم بلاغية: كإبراز المعنى الواحد في صور متعددة وأساليب متنوعة وتفنن شيق وألفاظ مختلفة رفيعة غاية في البلاغة.
وله قيم إعجازية؛ لأن إيراد المضمون الواحد في صور متعددة مع عجز العرب عن الإتيان بصورة واحدة منها أبلغ في التحدي.
وله قيم تربوية؛ إذ هو يلفت الانتباه إلى المسألة المكررة، ويشعر بالاهتمام بها ويرسخها، وقد قيل: ما تكرر تقرر.
وهذا القدر يكفي لإبطال مثل هذه الشبهة، رواجع الفتوى رقم: 57648.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(2/1894)
تكفل الله بحفظ القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[موضوع سؤالي حول جمع القرآن الكريم.
صحيح البخاري (كتاب فضائل القرآن) باب جمع القرآن
حدثنا موسى حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه: (أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق قال ابن شهاب وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فألحقناها في سورتها في المصحف) .
السؤال: واضح من الحديث أن المصحف الكريم الذي جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان لدى حفصة بنت عمر رضي الله عنها أم المؤمنين زوج الرسول عليه الصلاة والسلام فعندما وقع الاختلاف بين المسلمين أتوا بالمصحف الذي جمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ونسخوا منه مصاحف الأمصار الذي بعثها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أمصار المسلمين ليتعلموا كتاب الله، ولا يختلفوا بالقراءة وقد عهد عثمان رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه بنسخ الصاحف.. فكان في عهد أبي بكر جمع وبعهد عثمان نسخ.. طيب واضح من الحديث أن زيد بن ثابت فقد آيه من مصحف حفصة بنت عمر رضي الله عنها ولم يجدها بين طياته فاستفساري:
1- هل كان المصحف الذي جمع على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ناقصا وغير كامل وبقي المسلمون يتعبدون بكتاب غير كامل الجمع.. ماذا لو كان قد مات خزيمة الأنصاري رضي الله عنه قبل تولي عثمان رضي الله عنه الخلافة هل كان سيبقى القرآن ناقصا إلى الآن؟؟؟
2- ألا يدل ذلك على عدم دقة ورعاية الرعيل الأول بجمع القرآن وإهمالهم ما عهد إليهم من حفظ القرآن ورعايتهم وبالذات تقصير زيد بن ثابت رضي الله عنه بجمع القرآن؟
3- احتمال أن يكون جمع كاملا في عهد أبي بكر ولكن عندما بقي عند أم المؤمنين حفصه اعتراه إهمال من قبلها ففقدت الآيه منه وربما آيات أخر؟؟؟
4-هل عندما رد الخليفة الراشد عثمان بن عفان الصحف إلى أم المؤمنين بدون أن يضيف ما فقد منه؟؟
أرجو منكم الإجابة الشافية الكافية.. وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت نريد أولاً: أن ننبهك إلى أن صحابة رسول الله صلى لله عليه وسلم هم خير هذه الأمة وأفضلها وأبرها، وقد أثنى الله تعالى عليهم أحسن الثناء، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. {سورة التوبة: 100}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. أخرجه البخاري عن أبي سعيد، ومسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما.
وقال أيضا: خيرأمتي قرني، ثم الذين يلونهم. كما في الصحيحين عن عمران بن حصين. فهذا القدر قد ذكرناه لما ذكرته من أن ما في الحديث الشريف يدل على عدم دقة الرعيل الأول في جمع القرآن، وإهمالهم ما عهد إليهم به من حفظ القران الكريم.
وأما زيد بن ثابت رضي الله عنه فيكفيه فضلا أنه قد اختير لجمع القران. روى البخاري وغيره أنه رضي الله عنه قال -لما كلف بهذه المهمة النبيلة الصعبة من طرف أبي بكر -: فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القران....
وأما قولك: ماذا لو كان قد مات خزيمة الأنصاري رضي الله عنه قبل تولي عثمان رضي الله عنه الخلافة؟ وهل كان سيبقى القرآن ناقصا إلى الآن؟
وطرحك احتمال أن يكون الرعيل الأول قد أهملوا ما عهد إليهم من حفظ القران الكريم.. فجوابه أن الله تعالى هو الذي تكفل بحفظ القرآن، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر: 9} ولم يكل ذلك إلينا كما فعل بأهل الكتاب. فقد ذكر العيني في شرحه للبخاري أن بعض علماء النصارى سأل محمد بن الوضاح، فقال: ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقصان وكتابنا بخلا ف ذلك؟ فقال: لأن الله وكل حفظ كتابكم إليكم. فقال: استحفظو من كتاب الله، فلما وكله إلى مخلوق دخله الخرم والنقصان، وقال في كتابنا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر: 9} . فتولى الله حفظه فلا سبيل إلى الزيادة فيه والنقصان.
ومن هذا تعلم أن خزيمة ما كان ليموت قبل خلافة عثمان. علما بأن الآية الكريمة كانت محفوظة لدى الصحابة، كما جاء صريحا في نص الحديث. وفي هذا أيضا رد على ما طرحته من احتمال فقد الآية عند أم المؤمنين حفصة، أو فقد آيات أخرى عندها.
وأما السؤال عما إذا كان الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه قد رد الصحف إلى أم المؤمنين بدون أن يضيف ما فقد منها، فذلك ما لم نجد فيه نقلا، وبالتالي فلا نملك له جوابا قاطعا، ولكن الغالب على الظن أن زيداً أضافها إن لم تكن موجوة أصلا فهو من جمع المصحف الأم الذي كان موجودا عند حفصة وذلك بأمر من أبي بكر رضي الله عنه إبان كان خليفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1428(2/1895)
الخطوط المغناطيسية والقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[تأتني شكوك أن المجالات المغناطيسية أتت بشكل وحي على الرسول وأنبأته بالرسالة، وأن الخطوط المغناطيسية ألفت القرآن وأنزلته على الرسول والعياذ بالله، وأنا خائف أن أكون مشركا وكافرا، وخائف من عذاب يوم القيامة، أتستطيع أن تدلني على أدلة تنفي أن المجالات المغناطيسية لا دخل لها، إني خائف، أريد أن أؤمن أن الرسول مرسل من الله حق الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك أولا بذكر الله تعالى، والتعوذ من الشيطان، وقراءة القرآن، وخصوصا آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين ... وفيما يخص موضوع سؤالك، فإن أقرب شيء يمكنك أن تستدل به على أن القرآن الكريم هو من عند الله وليس من صنع أية جهة أخرى، هو أن هذا الكتاب، على كثرة ما فيه من تنوع المواضيع كالقصص والتشريع والأمثال والعقائد ... لم يلاحظ فيه شيء من الاختلاف، بخلاف أي نص من تأليف المخلوق ... قال جل من قائل: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فما أعلم أحدا من الخارجين عن الكتاب والسنة من جميع فرسان الكلام والفلسفة إلا ولا بد أن يتناقض، فيحيل ما أوجب نظيره ويوجب ما أحال نظيره، إذ كلامهم من عند غير الله، وقد قال الله تعالى: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
ثم كيف يُتصور -عقلا- أن الخطوط المغناطيسية يمكن أن تؤلف القرآن وتنزله على الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ أليست الخطوط المغناطيسية بنفسها محتاجة إلى من يؤلفها ويركبها حتى تؤدي الدور المنوط بها؟
وعلى أية حال، فإن ما ذكرته عن نفسك من الخوف من الكفر، يفيد أنك -والحمد لله- لست كافرا، وإنما تلك وساوس لا يكاد يخلو منها مؤمن. وقد جاء بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا ما لو يكون أحدنا حممة (فحمة) أحب إليه من أن يتكلم به، فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. رواه أحمد وأبو داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1428(2/1896)
جواب شبهة حول قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد اطلعت على عدة تفاسير حول تعليم الله آدم الأسماء كلها ومع ذلك لم أجد تفسيرا صحيحا مقنعا فتعليم الله سبحانه الأسماء لآدم هو تبكيت للملائكة على قولهم لله سبحانه أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء لذلك أصبح معنى الجواب هو حكمة الله في مقاساة الإنسان لعبادته في الأرض والسؤال كيف تعرب الآية عن هذا المعنى فأفتوني وفقكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نفهم الوجه الذي جعلك لا تقبل صحة التفاسير التي فسر بها أهل العلم قول الله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ... وتعليلك ذلك بأن تعليم الله سبحانه الأسماء لآدم هو تبكيت للملائكة على قولهم لله سبحانه أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء.. فالله تعالى علم آدم عليه السلام أسماء الأشياء كلها، ولم تكن الملائكة تعلم ذلك، وقد جاء القرآن صريحاً في هذا، قال الله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {البقرة:31-32-33} .
فالله تعالى استنبأ الملائكة وقد علم عجزهم عن الإنباء ليبين لهم أن في من يستخلفه من الفوائد العلمية التي هي أصول الفوائد كلها ما يستأهل لأجله أن يستخلف، فبين لهم بذلك بعض ما أجمل من المصالح في الاستخلاف في قوله: قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:30} ، ثم أمر -جلت قدرته- آدم بإنبائهم بالأسماء بعد أن عرض المسميات على الملائكة ولم يعرفوا أسماءها: قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُون َ {البقرة:33} .
ثم أين يكون الصواب في تفسير القرآن إذا لم يكن هو الذي في كتب التفسير المشهورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1428(2/1897)
توضيح حول توجيه قوله تعالى (وخضتم كالذي خاضوا..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فى الشبه اللغوية والموجودة حسب تصنيف موقعكم الموقر فى الشبكة الإسلامية -القرآن الكريم- شبهات حول القرآن، شبهات لغوية (وخضتم كالذي خاضوا) جاء ردكم على ثلاثة محاور مجملها رد على إفراد الاسم الموصول (الذي) بينما الأمر أيسر من ذلك كما هو ظاهر النص وكما جاء فى التفاسير منها على سبيل المثال تفسير السعدي وتفسير الجلالين، ولا أعتمد على تفسير الجلالين فى تفسير آيات الأسماء والصفات، جاء فيهما ما معناه أن معنى الآية خضتم كخوضهم الذي خاضوا وهذا وجه للرد -والله أعلم- أيسر وأقرب وحبذا لو أمكن إضافتها لردكم الكريم على الشبهة ... وجزاكم الله خيراً أسأل الله ألا أكون قد تعديت حدودي حيث إنى لا أبلغ أن أكون طويلب بعلم فضلا عن أتكلم فى مثل هذه الدقائق من الأمور من تفسير كتاب الله عز وجل ولكني نقلت مما قرأت فى التفاسير والله أعلم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على هذه الملاحظة التي لا شك أنك لا تريد من ورائها إلا خدمة ديننا.. فجزاك الله خيراً على ذلك، ومع ذلك فنريد أن نلفت انتباهك إلى أن ما أوردناه في الرد على الشبهة المذكورة يشمل ما تفضلت به أنت، فقد بينا أن (الذي) في قوله تعالى: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ {التوبة:69} ، هو نعت لمفرد أي كالفوج الذي خاضوا، بناء على أن الذي موصول اسمي، أو كالخوض الذي خاضوا، بناء على أنه موصول حرفي. وقيل: أصله كالذين فحذفت النون، والأولى أن يقال: إن الذي اسم موصول مثل من وما، يعبر به عن الواحد والجمع.
فقولنا: كالخوض الذي خاضوا، هو عين ما تفضلت به أنت من قولك: كخوضهم الذي خاضوا، والتي قلت إنك أخذته من تفسير السعدي وتفسير الجلالين، فنحن جئنا بالخوض معرفاً بأل، وأنت جئت به معرفاً بالإضافة إلى الضمير، وكلاهما يصلح لأن يكون منعوت "الذي".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(2/1898)
الأدلة على صدق الوعد والوعيد وصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الرد بسرعة لأهمية الموضوع والرد بشكل مفصل ومطول على عنواني البريدي وجزاكم الله خير الجزاء.
ما الرد على شخص يدعي أنه مسلم يؤمن بوجود الله ونبوة النبي محمد لكنه قال الله وعد من يطيعه بالثواب والجزاء الحسن ومن عصاه بالعكس فهو قال ما يدرينا أن الله صادق في وعده والعياذ بالله وهو قال هذا كله كلام فقط ووعود فكيف نؤمن بصحتها ونصدقها , كما أنه قال: السنة انتقلت إلينا عن طريق الناس والناس عرضة لأن يكونوا كاذبين فربما يكون الشخص الذي يروي الحديث يظهر التقى لكنه يكذب على النبي أو أنه يخطئ في ألفاظ الحديث فكيف تردون على هذه التشككات والأوهام لكن من غير الاستدلال من القرآن لأن الشخص إذا كان يشك بصدق الله فكيف نستشهد له من كلامه سبحانه.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تصديق ما ثبت في الوحيين فرض على المسلم ولو لم يفهمه عقله، وقد ثبت صدق كثير مما فيهما من الوعد والوعيد فيما سبق من الأزمان؛ كما يدل لصدق ما فيهما ما ثبت من المعجزات الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما نقلة الأحاديث فقد تحرى المحققون من المحدثين فيهم فلم يقبلوا رواية غير العدل الضابط.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فإن التصديق بوعد الله ووعيده الثابت في الكتاب والسنة من مستلزمات الإيمان بالله والغيب واليوم الآخر والملائكة والنبيين.
وقد أقسم الله تعالى في عدة آيات على تحقيق ما يوعد به الناس فقال: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ {الذاريات 1-6} وقال تعالى: وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ {المرسلات: 1-7} وقال تعالى: وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ {الطور 1-7} وقد تحقق وعد الله ووعيده في الدنيا في الأزمان والقرون الماضية كثيرا، فكم من أمة أهلكها الله بالذنوب، وكم من أمة حقق الله لها العز بسبب الطاعة. فقد قال الله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ {الأنعام: 6} وقال تعالى في إهلاك قوم نوح وهود وصالح بعد ما تحدوا الرسل وقالوا: فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا {الفرقان: 37-39} وقال في إهلاك عاد وثمود وقوم موسى: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا {العنكبوت: 38-39} وقد أغرق الله فرعون وقومه ورآهم بنو إسرائيل، وأعز الله بني إسرائيل ونجاهم من مكر فرعون ومكن لهم في الأرض كما قال تعالى: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ {البقرة: 50} وقال تعالى: وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ {الأعراف: 132-137}
هذا في تحقق وعد الله ووعيده.
وأما ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم فمن أعظم ما يشهد لصحته دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر الكفار في عهده أنهم لم يجربوا عليه كذبا؛ كما قال أبو سفيان لهرقل في حديث البخاري، ويدل له أيضا ما أكرمه الله من المعجزات الدالة على تأييد نبوته الموجب لتصديقه وطاعته.
وقد ذكر من ألفوا في دلائل النبوة في السير كثيرا من المعجزات والأخبار المستقبلة التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت واقعيا كما أخبر، كما ذكر من كتبوا في العقيدة كثيرا من علامات الساعة الصغرى التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقعت كما أخبر.
ومن أعظم ذلك البركان الذي حدث في المدينة ووصل ضوؤه بلاد الشام، وقد تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى. متفق عليه.
قال ابن كثير في البداية والنهاية عند الكلام على ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده: حديث آخر فيه الإخبار عن ظهور النار التي كانت بأرض الحجاز حتى أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، وقد وقع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة.
قال البخاري في صحيحه: ثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى. تفرد به البخاري. وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس: وتواتر وقوع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة. قال الشيخ الإمام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرخين في زمانه شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الملقب بأبي شامة في تاريخه: إنها ظهرت يوم الجمعة في خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة وإنها استمرت شهرا وأزيد منه، وذكر كتبا متواترة عن أهل المدينة في كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادي شظا تلقاء أحد، وأنها ملأت تلك الأودية، وأنه يخرج منها شرريا كل الحجاز، وذكر أن المدينة زلزلت بسببها، وأنهم سمعوا أصواتا مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام أول ذلك مستهل الشهر يوم الاثنين، فلم تزل ليلا ونهارا حتى ظهرت يوم الجمعة فانبجست تلك الأرض عند وادي شظا عن نار عظيمة جدا صارت مثل طوله أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال وعمقه قامة ونصف يسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك ثم يصير كالفحم الأسود، وذكر أن ضوءها يمتد إلى تيماء بحيث كتب الناس على ضوئها في الليل وكأن في بيت كل منهم مصباحا، ورأى الناس سناها من مكة شرفها الله! قلت: وأما بصرى فأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي قاسم التيمي الحنفي قال: أخبرني والدي وهو الشيخ صفي الدين أحد مدرسي بصرى أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة من كان بحاضرة بلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجؤوا في هذه الأيام إلى المسجد النبوي وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها، واستغفروا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم مما سلف منهم، وأعتقوا الغلمان وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم، وقد قال قائلهم في ذلك:
يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا ... فقد أحاط بنا يا رب بأساء
نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها ... حملا ونحن بها حقا أحقاء
زلازل تخشع الصم الصلاد بها ... وكيف تقوى على الزلزال صماء
أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء
بحر من النار تجري فوقه سفن ... من الهضاب لها في الأرض إرساء
يرى لها شرر كالقصر طائشة ... كأنها ديمة تنصب هطلاء
تشنق منها قلوب الصخر إن زفرت ... رعبا وترعد مثل الشهب أضواء
منها تكاثف في الجو الدخان إلى ... أن عادت الشمس منها وهي دهماء
قد أثرت سعفة في البدر لفحتها ... فليلة التم بعد النور ليلاء
فيا لها آية من معجزات رسو ... ل الله يعقلها القوم الألباء
وقد كان الصحابة والسلف الكرام يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما أخبر به إذا ثبت عنه ولا يحكمون عقولهم ولا أفهامهم، فقد صدَّق أبو بكر حادثة الإسراء ولم يتردد فيها. فقد روى الحاكم عن عائشة قالت: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس! قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن قال ذلك لقد صدق. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وأما الرواة الذين نقلوا الأحاديث فإن المحدثين لم يقبلوا رواية كل أحد؛ بل تحروا في الرواة ولم يقبلوا إلا رواية العدول الضابطين بالسند المتصل. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 7097، 38113، 57344، 70657، 20138، 64754، 56251، 20984.
تنبيه: الحديث المتقدم لم ينفرد به البخاري، فقد أخرجه مسلم أيضا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1428(2/1899)
جواب شبهة حول موقف الصحابة من القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نرد على غير المسلمين قولهم إن الصحابة الذين كتبوا القرآن يمكن أن يكونوا قد حرفوه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنيبغي أن يعلم أولا أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ القرآن فهو كتاب لا يدخله التحريف بحال، قال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}
ثانيا: أن الصحابة قد زكاهم رب العالمين في كتابه فهم عدول لا يكذبون على الناس فضلا عن أن يكذبوا على الله تعالى، روى قتادة عن أنس حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل لقتادة: أنت سمعت من أنس قال: نعم، وقال رجل لأنس أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، أو حدثني من لا يكذبني، والله ما كنا نكذب ولا ندري ما الكذب. وتراجع الفتوى رقم: 56684.
ثالثا: أن الصحابة قد عرف عنهم حرصهم الشديد على القرآن والمحافظة عليه من أن تصل إليه يد العابثين فقد بذلوا جهدا كبيرا في جمعه كما نقل ذلك عنهم أهل العلم وهذا مما يعرفه عامة المسلمين فضلا عن علمائهم ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 15858.
رابعا: أن الصحابة كان لهم أعداء من المنافقين وغيرهم وكانوا حريصين على الطعن فيهم وهمزهم ولمزهم بكل عيب، وهنالك حوادث تدل على هذا، فلو حدث منهم تحريف للقرآن لفرح أهل النفاق بهذا الفعل ولأشاعوه في الناس، ولا يعرف عنهم أنهم طعنوا في الصحابة بأنهم قد حرفوا كتاب الله.
خامسا: أمية النبي صلى الله عليه وسلم ليست نقصا فيه وقصورا في مقدرته على تبليغ ما أوصاه الله إليه على أكمل وجه وأتمه، وإنما هي معجزة ومدعاة إلى تصديقه بأن هذا القرآن ليس من تأليفه واقتباسا من كتب سبقت قال الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ {العنكبوت:48}
ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 6472، والفتوى رقم: 21627.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(2/1900)
لا مقارنة بين أسلوب القرآن وكلام الشعراء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم متدين حدث لي مرة وأن شاهدت إحدى القنوات المسيحية الناطقة بالعربية والتي تبث من قبرص (قناة الحياة) فوجدت برنامجا يقدمه رجل دين (بطرس زكريا) بعنوان حوار الحق فقررت متابعته بسبب أهمية الموضوع علما أني أحيانا أتابع هذه القنوات بنية معرفة أفكار ومعتقدات الآخرين. وقد كان موضوع الحلقة هو التشكيك في مصدر القرآن الكريم من خلال ثلاث نقاط رئيسية وقد كانت أكثر هذه النقاط التي أربكني في الحقيقة هي الادعاء بأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يستنبط بعضا من القرآن من قصائد لشعراء الجاهلية، وقد قال إن النبي صلي الله عليه وسلم «كان مغرما بشعر امرئ القيس» واستشهد بقصيدة اقرب ما تكون إلى سورة «القمر» في عدة آيات خاصة من الآية 1الي الآية 14تقريبا كما استشهد بقصيدة للخنساء حول آية أخرى في إحدى طوال السور.
لا أنكرا أن هذا الأمر أربكني بل كان كالمصيبة لي وقد ندمت ندما شديدا لمتابعتي لهذه الحلقة رغم أني لطالما كنت أعتز بإيماني وصلابة عقيدتي.
وبما أن ما حصل قد حصل ونسيت الأمر مع مرور الوقت وومحاولات تثبيت النفس, ها أنا أعود وبعد ما يقارب السنة وأكتب إليكم هذه الرسالة طارحا قصتي مع سؤال ملح هو كيف لمثل هؤلاء التجرؤ على النبي ... والقرأن دون أن تكون هناك محاولات طرح لهذا الموضوع والرد عليه حتى يكون لأمثالي فكرة عن هذه المحاولات قبل أن يطرحها طرف من ديانة أخرى.
كما أريد أن أعرف حقيقة هذه القصائد ومتى وكيف ومن وضعها.
وأرجو منكم تنبيه الإعلام الإسلامي بتقديم برامج تطرح مثل هذه المواضيع خاصة مع ارتفاع عدد القنوات المتخصصة.
وفي الأخير أسأل الله الثبات وأرجوا الاهتمام بهذه الرسالة.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
على المسلم ألا يجعل قلبه موردا لشبه أهل الضلال، وأن يوظف وقته في تعلم نصوص الوحي، وأما ادعاء أن القرآن يستنبط من أشعار الشعراء فهو باطل، ولو كان حقا لانتبه له العرب المدعون أن القرآن افتراه الرسول قبل أن ينتبه إليه بطرس في القرن الخامس عشر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حذر أهل العلم من أن يجعل المسلم قلبه موردا لشبهات أهل الزيغ والضلال كراهة أن تنطلي شبههم على من لم يقف على أرضية ثابتة وكان مؤهلا للرد عليهم وهو ينوي بذلك جهادهم كما فعل شيخ الإسلام رحمه الله.
فلا يليق برجل عاقل أن يتابع أفكار برنامج يعلم أنه يريد الطعن في الإسلام والتشكيك في القرآن، ولو طالعت القرآن لعلمت أن مجال حديثه وعظمة أسلوبه وسمو معانيه بعيد عما يقوله الشعراء، ولو كان مأخوذا من الأشعار لفطن له العرب لما زعموا أنه مفترى.
ثم إنك لم تذكر لنا شيئا من القصائد التي سمعتها حتى نبين لك من قالها إن كان عندنا علم بذلك.
ولكننا نؤكد أن القرآن تحدى الله به أساطين البلاغة من أقحاح العرب أيام نزول القرآن فعجزوا عن محاكاته والإتيان بمثله ودل على أنه غير مفترى بل هو كلام الله.
وقد كان أسلوب القرآن فوق الأساليب التي يتكلم بها العرب، وقد تكلم الباقلاني رحمه الله في إعجاز القرآن على معلقة امرئ القيس "قفا نبك.."
فبين كثيرا مما ينتقد فيها من النواحي الأسلوبية والبلاغية، واستدل بذلك على مستوى ارتفاع أسلوب القرآن عن كلام الشعراء المقدمين عند العرب.
وأما دور الإعلام الإسلامي ومسؤوليته عن نصر الإسلام ونشر تعاليمه فهو أمر ضروري يتعين القيام به على القائمين على الإعلام في العالم الإسلامي.
وراجع في خطورة الاطلاع على القنوات والمواقع المضللة، وفي دحض الشبه التي توردها قناة الحياة الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 80250، 75780، 75466.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1428(2/1901)
قول (إني أجد فيه لحنا) موضوع لا تصح نسبته
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال عن قول عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد أن جمع القرآن في مصحف، فقال: إني أجد فيه لحنا ستقومه العرب بألسنتها، فأي لحن يعني والقرآن محفوظ بقوله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، أفتونا وفقكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا القول لا يصح عن عثمان رضي الله عنه، وقد أنكر العلماء صحة نسبته إليه، وممن أنكر نسبة هذا القول إلى عثمان المصنف ابن الأنباري وابن الجوزي والزمخشري وأبو حيان والألوسي وابن عاشور، ثم إن عثمان لم يستقل بجمع المصحف بل شاركه الصحابة في جمعه وكتابته ولم ينشروه بين المسلمين حتى قابلوه على الصحف التي جمع القرآن فيها على عهد أبي بكر رضي الله عنه، فلم يتداوله المسلمون إلا وهو بإجماع الصحابة موافق تمام الموافقة للعرضة الأخيرة التي عرض فيها النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه السلام.
وهل يظن ظان أن عثمان رضي الله عنه وهو ثالث الخلفاء الراشدين يرى في المصحف لحنا يخالف ما أنزل الله ويتركه ويقول: ستقيمه العرب بألسنتها! وكيف يعقل أن يقول ذلك في حضرة الصحابة ولا يقفون في وجهه ويردون عليه قوله وهم أنصار الدين وحماته.
قال الألوسي في تفسيره: وأما ما روي أنه لما فرغ من المصحف أتي به إلى عثمان رضي الله عنه فقال: قد أحسنتم وأجملتم، أرى شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، ولو كان المملي من هذيل والكاتب من قريش لم يوجد فيه هذا، فقد قال السخاوي: إنه ضعيف، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع فإن عثمان رضي الله عنه جعل للناس إماماً يقتدون به، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها، وقد كتب عدة مصاحف وليس فيها اختلاف أصلاً إلا فيما هو من وجوه القراءات، وإذا لم يقمه هو ومن باشر الجمع وهم هم كيف يقيمه غيرهم؟ وقال ابن الأنباري في كتابه: الرد على من خالف مصحف عثمان: الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك لا تقوم بها حجة، لأنها منقطعة غير متصلة، وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته وقدوتهم يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام فيتبين فيه خللا، ويشاهد في خطه زللا فلا يصلحه! كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده.. . وراجع الاتقان في علوم القرآن للسيوطي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1428(2/1902)
الرد على من زعم أن القرآن يحتوي على أخطاء لغوية
[السُّؤَالُ]
ـ[في قراءتي لأحد المواقع المسيحية وجدت الموضوع التالي وأريد منكم بعض الشرح لتنيروا به دربي في المجال الدعوي.. أخطاء لغوية في القرآن 1. البقرة آية 196 (تلك عشرة كاملة) ، والصواب: تلك عشرٌ كاملة. 2. الأعراف آية 160 (اثنتي عشرة أسباطا) ، والصواب: التذكير في الأول والإفراد في الثاني، أي: اثني عشر سبطا. 3. النساء آية 162 (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) ، والصواب: والمقيمون الصلاة. 4. المائدة آية 69 (والصابئون والنصارى) ، والصواب: والصابئين. 5. المنافقون آية 10 (وأكن من الصالحين) ، والصواب: وأكون بالنصب. 6. آل عمران آية 59 (ثم قال له كن فيكون) ، والصواب: فكان. 7. الصافات آية 130 (سلام على إلياسين) ، والصواب: إلياس. 8. التين آية 2 (وطور سينين) ، والصواب: سيناء. 9. الحج آية 19 (هذان خصمان اختصموا في ربهم) ، والصواب: اختصما في ربهما. 10. الحجرات آية 9 (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) ، والصواب: اقتتلتا أو: بينهم. 11. الأنبياء آية 3 (وأسروا النجوى الذين ظلموا) ، والصواب: وأسر النجوى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن مثل هذا الموقع لا ينبغي مطالعته لمن ليس متحصنا بالعلم.
واعلم أن القرآن قد أنزل بلسان عربي مبين، وأتى فيه من أساليب البلاغة ما عجز أرباب اللغة عن مضاهاته والإتيان بمثله، كما قال الله تعالى: َف أْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {البقرة:23} ، فبهتوا حتى قال قائلهم وهو الوليد بن المغيرة: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق ... كما عند عبد الرزاق وغيره.
ومع تحدي القرآن للعرب ووجود الدافع منهم للمعارضة والنقض والتشنيع، وانتفاء المانع ببلوغهم ذروة الفصاحة والبيان لم ينقل عن أحد منهم أنه طعن في لغة القرآن، بل غاية ما قالوا عنه: إنه سحر مفترى
والآن سنبدأ بالإجابة عما سألت عنه.
· البقرة آية 196 (تلك عشرة كاملة) ، قالوا إن الصواب هو: تلك عشرٌ كاملة. هذا جهل واضح باللغة؛ وذلك لأن الآية الكريمة تتعلق بالأيام. قال الله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ {البقرة: 196} . ومعلوم أن اليوم مذكر، وأن التاء في العدد تكون مع المذكر وتحذف من المؤنث.
· الأعراف آية 160 (اثنتي عشرة أسباطا) ، قالوا إن الصواب هو: التذكير في الأول والإفراد في الثاني، أي: اثني عشر سبطا، والجواب عن ذلك هو أن تأنيث العدد فيه لأنه أراد بالأسباط القبائل، كما في قول الشاعر:
وإن قريشا كلها عشر أبطن * وأنت بريء من قبائلها العشر
أراد بالبطن القبيلة، فأنث العدد كذا في تفسير الشوكاني، وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وجيء باسم العدد بصيغة التأنيث في قوله (اثنتي عشرة) لأن السبط أطلق هنا على الأمة فحذف تمييز العدد لدلالة قوله أمما عليه.
وأسباطا حال من الضمير المنصوب في (وقطعناهم) ولا يجوز كونه تمييزا لأن تمييز اثنتي عشرة ونحوه لا يكون إلا مفردا. وقوله: أمما بدل من أسباط أو من اثنتي عشرة، وعدل عن جعل أحد الحالين تمييزا في الكلام إيجازا وتنبيها على قصد المنة بكونهم أمما من آباء إخوة، وإن كل سبط من أولئك قد صار أمة، قال تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ. مع ما يذكر به لفظ أسباط من تفضيلهم لأن الأسباط أسباط إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
النساء آية 162 وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، قالوا إن الصواب: والمقيمون الصلاة. والجواب: ذكر الشوكاني في التفسير أنه اختلف في وجه نصبه على قراءة الجمهور على أقوال: الأول: قول سيبويه أنه نصب على المدح، قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب على التعظيم، ومن ذلك والمقيمين الصلاة.
وأنشد:
لا يبعدن قومي الذين هم * سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك * والطيبون معاقد الأزر
قال النحاس: وهذا أصح ما قيل في المقيمين.
· المائدة آية 69 وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى، قالوا إن الصواب هو: والصابئين. والجواب كما قال الخليل وسيبوبه: الرفع محمول على التقديم والتأخير، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك، وأنشد سيبويه وهو نظيره:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم * بغاة ما بقينا في شقاق
وقال ضابئ البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله *فإني وقيار بها لغريب
وقيل: إن "الصابئون" معطوف على المضمر في " هادوا " في قول الكسائي.
· المنافقون آية 10 وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ، قالوا إن الصواب هو: وأكون بالنصب. والجواب أن هذه الكلمة قرأها الجمهور (وأكن) بالجزم عطفا على محل فأصدق لأنه على معنى: إن أخرتني أصدق وأكن، وكذا قال أبو علي الفارسي وابن عطية وغيرهم.
قال أبو شامة في شرح الشاطبية: وقرأ أبو عمرو -وأكون من الصالحين- عطفا على -فأصدق- لفظا وهي قراءة واضحة. وقرأ غيره بإسكان النون وحذف الواو لالتقاء الساكنين، ووجه ذلك أنه مجزوم عطفا على موضع فأصدق لأن الفاء لو لم تدخل لكان أصدق مجزوما لأنه جواب التحضيض الذي هو في معنى التمني والعرض، والكل فيه معنى الأمر، وما كان كذلك ينجزم جوابه على قاعدة في علم العربية مقررة: وإن كان فيه فاء انتصب ... فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم كأنه جزاء الشرط حمل قوله (وأكن) عليه مثل ذلك قراءة من قرأ: من يضلل الله فلا هادي له ونذرهم ...
· آل عمران آية 59: ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، قالوا إن الصواب هو: فكان. والجواب أن المستقبل يكون في موضع الماضي إذا عرف المعنى كما قال أهل اللغة والمفسرون. انظر تفسير القرطبي.
· الصافات آية 130 سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ، قالوا إن الصواب هو: إلياس. والجواب أن إلياسين وإلياس اسم سرياني تكلمت به العرب على وجوه كما فعلوا في جبريل وميكال فقالوا: إلياسين كجبرائيل وإبراهيم وميكائيل. وقالوا: إلياس كإسحاق؛ كذا قال السخاوي في شرح الشاطبية، وقال ابن جني: العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبا، فياسين، وإلياس، وإلياسين شيء واحد. وذهب أبو عبيدة إلى أنه جمع جمع التسليم على أنه وأهل بيته سلم عليهم، وأنشد: قدني من نصر الخبيبين قدي ... وإنما يريد أبا خبيب عبد الله بن الزبير فجمعه على أن من كان على مذهبه داخل معه. كذا في تفسير القرطبي.
· التين آية 2 وَطُورِ سِينِينَ، قالوا إن الصواب هو: سيناء. والجواب أن طور سيناء وطور سنين هو موضع واحد وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى وليس جمعا، وإنما هما اسمان، ويمكنك أن تراجع كتب التفسير في هذا.
· الحج آية 19 هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ، قالوا إن الصواب هو: اختصما في ربهما. والجواب هو أن الخصام جرى بين فريقين، وقوله تعالى (اختصموا) للدلالة على أن كلا من الخصمين جماعة كبيرة، ولو قال اختصما لدل على التثنية الحقيقية، والضمير قد يلاحظ فيه لفظه أو معناه، والجواب عن هذه الشبهة هو مثل الجواب عن قوله تعالى وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا {الحجرات: 9} .
فالعرب قد تطلق لفظ الجماعة على الواحد وعلى التثنية، ومنه قوله: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ {ص 21} ثم قال: خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ {ص 22} وقال: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا {التحريم 4} وقال: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ {الأنبياء 78} وقال: بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ {النمل 35} والرسول واحد. وقال تعالى: أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ {النور: 26} يعني عائشة وقيل عائشة وصفوان. وقال: وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ {الأعراف 15} وكانا اثنين كما نقل في التفسير، وقال: وَأَطْرَافَ النَّهَارِ {طه: 130} وهما طرفان، وقال: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ {الشعراء 15} وقال: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ {السجدة:18} وقال: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ {آل عمران 173} وكان واحدا ... وهذا كله صحيح في اللغة سائغ إذا قام عليه دليل.
· الأنبياء آية 3 وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا {الأنبياء: 3} ، قالوا إن الصواب: وأسر النجوى. والجواب أن هذا التركيب مطابق لقواعد اللغة العربية باتفاق علماء اللغة وإن اختلفوا في الفاعل الذي أسند إليه الفعل، والجمهور على أنه مسند للضمير، والاسم الظاهر بدل منه. قال ابن مالك في ألفيته:
وجرد الفعل إذا ما أسندا لاثنين أو جمع كفاز الشهدا
وقد يقال سعدا وسعدوا والفعل للظاهر بعد مسند
وخلاصة القول في الرد على هذه الشبه أنه يكفي لبيان بطلانها الرجوع إلى كتب اللغة والنحو والبلاغة، فيتضح أن ما زعموه أخطاءً هو موافق لنسق اللسان العربي وليس مخالفا له، ولو كان مثل ذلك يعد خطأ لسبقهم العرب المشركون وأهل الكتاب إلى إظهاره والتمسك به، وكانت دواعيهم لذلك متوفرة، ولكن الذي حصل أنهم اعترفوا بإعجازه، وخضعوا لفصاحته وبلاغته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1427(2/1903)
شبهات وأباطيل حول القرآن تفنيدها والرد عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[إني جورج شمشون
لدي بعض الأسئلة أود من حضراتكم الإجابة عليها
س1 في السور والآيات التالية (المائدة آية 41 وكذلك 13 والنساء الآية 46) نجد أن الآيات تذكر كلمة التحريف ولكن نجد أن التحريف وقع في التوراة فقط وأتحدى أن تكون هناك أية تدعي التحريف في الإنجيل مع العلم أن معنى التحريف هنا حسب القرطبي يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله. وَذَمَّهُمْ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ مُتَعَمِّدِينَ. وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ " الْكَلَام ". قَالَ النَّحَّاس: و " الْكَلِم " فِي هَذَا أَوْلَى ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُحَرِّفُونَ كَلِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ مَا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَلَيْسَ يُحَرِّفُونَ جَمِيع الْكَلَام ,
أي أن التحريف يقصد به التأويل وهدا وارد في القران حيث إن كل مفسر يؤوله حسب رأيه وأن المقصود بالتحريف هو محمد الذي تدعون أنه مكتوب في التوراة والإنجيل.
وكذلك تجد أن في القران آيات وهي (المائدة آية 44 وكذلك 46 والإسراء 2) حيث يصف التوراة والإنجيل بالهدى ونور وأن المسيح جاء مصدقا للتوراة من هذه الآيات نستنتج:
أ - تناقض القرآن نفسه في آياته مرة يقول إن التوراة والإنجيل هدى ونور ومرة أخرى يدعي التحريف وقد أثبتنا أن التحريف في المعنى وهذا وارد حتى في القران والدليل كثرة التفاسير.
ملاحظة: المعلوم أن الآيات أعلاه نزلت في زمن محمد نفسه
ب- بالرجوع إلى سورة الحج الآية 52 وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ نجد في تفسير الآية التالي وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول" هُوَ نَبِيّ أُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ "وَلَا نَبِيّ" أَيْ لَمْ يُؤْمَر بِالتَّبْلِيغِ "إلَّا إذَا تَمَنَّى" قَرَأَ "أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أَمْنِيَّته" قِرَاءَته مَا لَيْسَ مِنْ الْقُرْآن مِمَّا يَرْضَاهُ الْمُرْسَل إلَيْهِمْ وَقَدْ قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُورَة النَّجْم بِمَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْش بَعْد: "أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى" بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَان عَلَى لِسَانه مِنْ غَيْر عِلْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيق الْعُلَا وَإِنَّ شَفَاعَتهنَّ لَتُرْتَجَى فَفَرِحُوا بِذَلِكَ ثُمَّ أَخْبَرَهُ جِبْرِيل بِمَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَان عَلَى لِسَانه مِنْ ذَلِكَ فَحَزِنَ فَسُلِّيَ بِهَذِهِ الْآيَة لِيَطْمَئِنّ "فَيَنْسَخ اللَّه" يُبْطِل "مَا يُلْقِي الشَّيْطَان ثُمَّ يُحْكِم اللَّه آيَاته" يُثَبِّتهَا "وَاَللَّه عَلِيم" بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَان مَا ذُكِرَ "حَكِيم" فِي تَمْكِينه مِنْهُ بِفِعْلِ مَا يَشَاء
فقل لي بربك كم من الآيات ألقاها الشيطان على لسان محمد ولم ينسخها الله لمحمد لذلك فإن من الوارد أن تكون أغلب آيات القران من وحي الشيطان على أنه هناك آية يدعي فيها الله لكل نبي عدو شيطان مبين الأنعام آية 112
والأمر المعروف أن القران تم جمعه جمعا كاملا في عهد عثمان بن عفان وهو إنسان وليس بنبي غير قابل للخطأ مع أن نبيه محمدا أخطا كثيرا ولا مجال لذكر الآيات ولكن على سبيل الذكر سورة عبس الآية 1 عَبَسَ وَتَوَلَّى وهدا جزء من تفسير القرطبي قَالَ الثَّوْرِيّ: فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ إِذَا رَأَى اِبْن أُمّ مَكْتُوم يَبْسُط لَهُ رِدَاءَهُ وَيَقُول: [مَرْحَبًا بِمَنْ عَاتَبَنِي فِيهِ رَبِّي] . وَيَقُول: [هَلْ مِنْ حَاجَة] ؟ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى هذا غيض من فيض فما الذي يمنع أن يكون عثمان قد أضاف أو حذف من القرآن وإلا فما سبب قتله راجح كتاب المصاحف للسجستاني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلا من الكتب المنزلة من عند الله من كلام الله، ويشمل ذلك القرآن الكريم والتوراة والإنجيل الصحيحين قبل تحريفهما، فكل منهما منزل من عند الله ويجب الإيمان به؛ لقوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى {البقرة: 136} وقال الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ {المائدة: 44} .
وقال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
{القصص:43} .
وقال تعالى في شأن عيسى: وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ {المائدة: 46}
فهو سبحانه وتعالى زكى في القرآن الكتب المنزلة من عنده، وأما الإنجيل الذي يوجد الآن فإنه يختلط فيه كلام الحواريين والقصاصين والمضلين بالإنجيل الأصلي.
والجرم الأكبر الذي عمله النصارى تركهم ما أمروا به، وعملهم بما قاله واعتمده القساوسة الضالون من تحريف وزيد ونقص وتحليل وتحريم وغير ذلك مما لم ينزل الله به سلطانا حتى وقعوا في الشرك بالله والتثليث ونسبة الولد لله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا قال الله تعالى: [وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا {مريم: 88 – 95} . وقال: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا {الكهف:4} * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا] {الكهف:4، 5} .
وقال تعالى:
يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا {النساء: 171}
وقال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ {المائدة: 72-77}
وقال الله تعالى في تركهم أمره وإخفائهم بعض ما نزل في كتابه: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ {المائدة: 14- 15}
وقال في خلطهم الحق بالباطل مخاطبا نصارى نجران:
لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {آل عمران:71} .
وعن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن وسمعته يقرأ في سورة براءة {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. رواه الترمذي وغيره وحسنه الألباني.
وقال ابن كثير: ورواه الإمام أَحمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أَنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فر إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، فأُسرت أُخته وجماعة من قومه، ثم منًَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُخته وأَعطاها فرجعت إلى أَخيها فرغبته في الإسلام وفي القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عدي المدينة وكان رئيسًا في قومه طيء وأَبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم، فتحدث الناس بقدومه فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة وهو يقرأُ هذه الآية: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ) قال: فقلت: انهم لم يعبدوهم. فقال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأَحلوا لهم الحرام فاتبعوهم. فذلك عبادتهم إياهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عدي ما تقول أيفرك أَن يقال الله أكبر فهل تعلم شيئًا أَكبر من الله؟ ما يفرك؟ أيفرك أَن يقال لا إله إلا الله فهل تعلم إلهًا غير الله؟ ثم دعاه إلى الإسلام فأَسلم فشهد شهادة الحق. قال فلقد رأَيت وجهه استبشر، ثم قال: إن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون)) . اهـ.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: (كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرؤونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم) رواه البخاري.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت ملوك بعد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بدلوا التوراة والإنجيل. رواه النسائي وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد موقوف.
ثم إن الإنجيل الموجود يكفي في ثبوت تحريفه ما وقع فيه من قصة صلب المسيح عليه الصلاة والسلام، وأنه صلب ومات يوم كذا ودفن في القبر، فهذا قطعا ليس في الإنجيل الصحيح المنزل على عيسى عليه السلام ولا يقبله عاقل لأنه إخبار عن شيء حصل بعد وفاة من نزل عليه الكتاب ونقله لأمته فمن كتب هذا الكلام فقد حرف في الإنجيل بالزيادة.
ويضاف لهذا ما في الإنجيل الموجود حاليا من تناقضات وتداخلات بين النسخ التي يكذب بعضها بعضا كما سنبينه لاحقا.
ومن أهم النصوص التي حرفت في الإنجيل؛ تلك النصوص التي تدعو إلى عبادة الله وحده دون سواه، والتي تبين أن الإله سبحانه حي قيوم غني عن خلقه، خالق مالك مدبر، ليس له صاحبة ولا ولد، ومن أهم النصوص التي حرفت في الإنجيل تلك النصوص التي تشير إلى مجيء النبي – صلى الله عليه وسلم – وتدعو إلى الإيمان به.
ومما يدل لتحريف الألفاظ من ناحية الواقع أن الإنجيل ترسبت فيه أفكار بولس اليهودي الماكر، فلم يبق مما جاء به عيسى عليه السلام إلا النزر اليسير شيء بل بدلت ملته وحرفت واستبدل النصارى التوحيد بالشرك.
فبولس هو أول من حرف في دين النصارى فقد كان بولس نظرا لاستعارته من فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة أو ابن الإله أو الروح القدس، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء وقيامة المسيح وصعوده إلى السماء ليجلس على يمين الرب ليحاسب الناس في يوم المحشر.
ومن نظر في الأناجيل الأربعة وجد كثيرا من الاختلافات الجوهرية والأغلاط التي يستحيل معها: أن يكون هذا الموجود بين أيديهم موحى به من عند الله. وقد بين العلامة رحمة الله الهندي في كتابه "إظهار الحق" وجود 125 اختلافا وتناقضا في كتابهم المقدس، ووجود 110 من الأغلاط التي لا تصح بحال، ووجود45 شاهدا على التحريف اللفظي بالزيادة، وعشرين شاهدا على التحريف اللفظي بالنقصان فننصح المهتم بهذا الموضوع أن يرجع إلى هذا الكتاب وهو مفيد جدا في بابه. وحسبك من اختلافهم: اختلافهم في نسب (المسيح) . فقد أعطاه متى نسبا مخالفا لما دونه لوقا. 1. فمتى نسب المسيح إلى يوسف بن يعقوب وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود. أما لوقا فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود عليه السلام. 2. أن متى جعل آباء المسيح إلى داود عليه السلام سبعة وعشرين أبا، أما لوق افجعلهم اثنين وأربعين أبا. ومع هذا الاختلاف الشديد ففيه من الغلط ما لا يليق بكتاب مقدس إذ كيف ينسب عيسى إلى يوسف النجار (خطيب مريم) ، فإن هذا تصديق لطعن اليهود في مريم وافترائهم عليها، وكان الواجب على النصارى أن ينسبوه إلى أمه مريم عليها السلام. وكيف يكون متى معصوما أو ملهما من الروح القدس وهو يجهل نسب عيسى ويسقط من آبائه خمسة عشر رجلا. وكذلك الاختلاف في تعيين أسماء الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام فإن متى ولوقا ذكرا منهم: لباوس الملقب تداوس، فجاء لوقا فحذفه، ووضع بدلا عنه يهوذا أخا يعقوب. فهل يمكن أن يكون كتاب موحى به من الله يجهل أسماء الحواريين؟. 3. ومن الأغلاط الظاهرة قول متى في إنجيله بعد الصلب المزعوم للمسيح: (وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت والصخور تفتقت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا للكثيرين) . فهذه الآية التي - لو حدثت - لنقلت بالتواتر، لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها، لكن لم يعلم بها أصحاب الأناجيل الثلاثة: لوقا ومرقص ويوحنا مع اهتمامهم بذكر أمور بسيطة لا تدعو حاجة ولا ضرورة إلى ذكرها مما يدل على أنه محض خيال توهمه الكاتب.
4. ومن ذلك أيضا ما جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله: ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. وهذا خطأ فاحش فإن المسيح لم يكن ملكا لليهود، ولا ملكا على آل يعقوب ولا حصل له شيء من ذلك، فهل يتخلف وعد الله؟ فهذا كله وأضعافه مما يورث اليقين بأن هذه الأناجيل ليست هي الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، وأنها لا تعدو أن تكون اجتهادات من تلاميذ المسيح لعرض سيرته، وهي من البعد عن العصمة والإلهام بمكان.
قال شيخ الإسلام في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح:
وأما الأناجيل الذي بأيدي النصارى فهي أربعة أناجيل إنجيل متى ويوحنا ولوقا ومرقس وهم متفقون على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح وإنما رآه متى ويوحنا وأن هذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل وقد يسمون كل واحد منهم إنجيلا إنما كتبها هؤلاء بعد أن رفع المسيح فلم يذكروا فيها أنها كلام الله ولا أن المسيح بلغها عن الله بل نقلوا فيها أشياء من كلام المسيح وأشياء من أفعاله ومعجزاته وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه فكانت من جنس ما يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبي من أقواله وأفعاله التي ليست قرآنا فالأناجيل التي بأيديهم شبه كتاب السيرة وكتب الحديث أو مثل هذه الكتب وإن كان غالبها صحيحا وما قاله عليه السلام فهو مبلغ له عن الله يجب فيه تصديق خبره وطاعة أمره كما قال الرسول من السنة فهو يشبه ما قاله الرسول من السنة فإن منها ما يذكر الرسول أنه قول الله كقوله يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ونحو ذلك ومنها ما يقوله هو ولكن هو أيضا مما أوحاه الله إليه فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله فهكذا ما ينقل في الإنجيل وهو من هذا النوع فإنه كان أمرا من المسيح فأمر المسيح أمر الله ومن أطاع المسيح فقد أطاع الله وما أخبر به المسيح عن الغيب فالله أخبره به فإنه معصوم أن يكذب فيما يخبر به وإذا كان الإنجيل يشبه السنة المنزلة فإنه يقع في بعض ألفاظها غلط كما يقع في كتب السيرة وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ثم هذه الكتب قد اشتهرت واستفاضت بين المسلمين فلا يمكن لأحد بعد اشتهارها وكثرة النسخ بها أن يبدلها كلها لكن في بعض ألفاظها غلط وقع فيها قبل أن تشتهر فإن المحدث وإن كان عدلا فقد يغلط لكن ما تلقاه المسلمون بالقبول والتصديق والعمل من الأخبار فهو مما يجزم جمهور المسلمين بصدقه عن نبيهم هذا مذهب السلف وعامة الطوائف كجمهور الطوائف الأربعة وجمهور أهل الكلام من الكلابية والكرامية والأشعرية وغيرهم لكن ظن بعض أهل الكلام أنه لا يجزم بصدقها لكون الواحد قد يغلط أو يكذب وهذا الظن إنما يتوجه في الواحد الذي لم يعرف صدقه وضبطه أما إذا عرف صدقه وضبطه إما بالمعجزات كالأنبياء وإما بتصديق النبي له فيما يقول وإما باتفاق الأمة المعصومة على صدقه واتفاقهم على العمل بخبره أو اتفاقهم على قبول خبره وإقراره وذكره من غير نكير أو ظهور دلائل وشواهد وقرائن احتفت بخبره ونحو ذلك من الدلائل على صدق المخبر فهذه يجب معها الحكم بصدقه وأنه لم يكذب ولم يغلط وإن كان خبره لو تجرد عن تلك الدلائل أمكن كذبه أو غلطه كما أن الخبر المجرد لا يجزم بكذبه إلا بدليل يدل على ذلك إما قيام دليل عقلي قاطع أو سمعي قاطع على أنه بخلاف مخبره فيجزم ببطلان خبره وحينئذ فالمخبر إما كاذبا أو غالطا وقد يعلم أحدهما بدليل فالمسلمون عندهم من الأخبار عن نبيهم ما هو متواتر وما اتفقت الأمة المعصومة على تصديقه وما قامت دلائل صدقه من غير هذه الجهة مثل أن يخبر واحد أو اثنان أو ثلاثة بحضرة جمع كثير لا يجوز أن يتواطئوا على الكذب بخبر يقولون إن أولئك عاينوه وشاهدوه فيقرونهم على هذا ولا يكذب به منهم أحد فيعلم بالعادة المطردة أنه لو كان كاذبا لامتنع اتفاق أهل التواتر على السكوت عن تكذيبه كما يمتنع اتفاقهم على تعمد الكذب وإذا نقل الواحد والاثنان ما توجب العادة اشتهاره وظهوره ولم يظهر ونقلوه مستخفين بنقله لم ينقلوه على رؤوس الجمهور علم أنهم كذبوا فيه.
ودلائل صدق المخبر وكذبه كثيرة متنوعة ليس هذا موضع بسطها ولكن المقصود هنا أن المسلمين تواتر عندهم عن نبيهم ألفاظ القرآن ومعانيه المجمع عليها والسنة المتواترة وعندهم عن نبيهم أخبار كثيرة معلومة الصدق بطرق متنوعة كتصديق الأمة المعصومة ودلالة العادات وغير ذلك وهم يحفظون القرآن في صدورهم لا يحتاجون في حفظه إلى كتاب مسطور فلو عدمت المصاحف من الأرض لم يقدح ذلك فيما حفظوه بخلاف أهل الكتاب فإنه لو عدمت نسخ الكتب لم يكن عندهم به نقل متواتر بألفاظها إذ لا يحفظها إن حفظها إلا قليل لا يوثق بحفظهم فلهذا كان أهل الكتاب بعد انقطاع النبوة عنهم يقع فيهم من تبديل الكتب إما تبديل بعض أحكامها ومعانيها وإما تبديل بعض ألفاظها ما لم يقوموا بتقويمه ولهذا لا يوجد فيهم الإسناد الذي للمسلمين ولا لهم كلام في نقلة العلم وتعديلهم وجرحهم ومعرفة أحوال نقلة العلم ما للمسلمين ولا قام دليل سمعي ولا عقلي على أنهم لا يجتمعون على خطأ بل قد علم أنهم اجتمعوا على الخطأ لما كذبوا المسيح ثم كذبوا محمدا فإذا كانت الكتب المنقولة عن الأنبياء من جنس الكتب المنقولة عن محمد ولم تكن متواترة عنهم ولم يكن تصديق غير المعصوم حجة لم يكن عندهم من العلم بالتمييز بين الصدق والكذب ما عند المسلمين فهذه الأناجيل التي بأيدي النصارى من هذا الجنس فيها شيء كثير من أقوال المسيح وأفعاله ومعجزاته وفيها ما هو غلط عليه بلا شك والذي كتبها في الأول إذا لم يكن ممن يتهم بتعمد الكذب فإن الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة لا يمتنع وقوع الغلط والنسيان منهم لاسيما ما سمعه الإنسان ورآه ثم حدث به بعد سنين كثيرة فإن الغلط في مثل هذا كثير ولم يكن هناك أمة معصومة يكون تلقيها لها بالقبول والتصديق موجبا للعلم بها لئلا تجتمع الأمة المعصومة على الخطأ والحواريون كلهم اثنا عشر رجلا وقصة الصلب مما وقع فيها الاشتباه وقد قام الدليل على أن المصلوب لم يكن هو المسيح عليه السلام بل شبهه وهم ظنوا أنه المسيح والحواريون لم ير أحد منهم المسيح مصلوبا بل أخبرهم بصلبه بعض من شهد ذلك من اليهود فبعض الناس يقولون إن أولئك تعمدوا الكذب وأكثر الناس يقول اشتبه عليهم ولهذا كان جمهور المسلمين يقولون في قوله ولكن شبه لهم عن أولئك ومن قال بالأول جعل الضمير في شبه لهم عن السامعين لخبر أولئك فإذا جاز أن يغلطوا في هذا ولم يكونوا معصومين في نقله جاز أن يغلطوا في بعض ما ينقلونه عنه وليس هذا مما يقدح في رسالة المسيح ولا فيما تواتر نقله عنه بأنه رسول الله الذي يجب اتباعه سواء صلب أو لم يصلب وما تواتر عنه فإنه يجب الإيمان به سواء صلب أو لم يصلب والحواريون مصدقون فيما ينقلونه عنه لا يتهمون بتعمد الكذب عليه لكن إذا غلط بعضهم في بعض ما ينقله لم يمنع ذلك أن يكون غيره معلوما لا سيما إذا كان الذي غلط فيه مما تبين غلطه فيه في مواضع أخر وقد اختلف النصارى في عامة ما وقع فيه الغلط حتى في الصلب فمنهم من يقول المصلوب لم يكن المسيح بل الشبه كما يقوله المسلمون ومنهم من يقر بعبوديته لله وينكر الحلول والاتحاد كالأريوسية ومنهم من ينكر الاتحاد وإن أقر بالحلول كالنسطورية اهـ
واعلم أن العلماء اختلفوا في المقصود بالتحريف على أربعة أقوال. قال الحافظ في الفتح: وقال بعض الشراح المتأخرين اختلف في هذه المسألة على أقوال:
أحدها: أنها بدلت كلها وهو مقتضى القول الممكن بجواز الامتهان وهو إفراط، وينبغي حمل إطلاق من أطلقه على الأكثر، وإلا فهي مكابرة. والآيات والأخبار كثيرة في أنه بقي منها أشياء لم تبدل.. من ذلك قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ {الأعراف:157} .
ومن ذلك قصة رجم اليهوديين وفيه وجود آية الرجم، ويؤيده قوله تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {آل عمران:93} .
ثانيها: أن التبديل وقع ولكن في معظمهما وأدلته كثيرة وينبغي حمل الأول عليه.
ثالثها: وقع في اليسير منها ومعظمها باق على حاله، ونصره الشيخ تقي الدين بن تيمية في كتابه الرد الصحيح على من بدل دين المسيح.
رابعها: أنما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ، وهو المذكور هنا -أي في كلام البخاري- وقد سئل ابن تيمية عن هذه المسألة مجردا فأجاب في فتاويه: أن للعلماء في ذلك قولين، واحتج للثاني من أوجه كثيرة منها: قوله تعالى: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّه {الأنعام:34} . وهو معارض بقوله: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ {البقرة:181} . اهـ
واعلم أن المراد بالتأويل الموجود في كتب التفسير المعتمدة تفسير القرآن بمعناه المراد ولا يراد به تحريف المعاني ومن هذا المعنى ما ثبت أن ابن عباس دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. أخرجه الإمام مسلم فالمراد بالتأويل في الحديث هو فهم معاني القرآن الصحيحة.
وأما قصة الغرانيق فهي باطلة فقد قال ابن العربي: إنها باطلة لا أصل لها. اهـ
وقال الإمام الشوكاني في شأنها: ولم يصح شيء من هذا ولا ثبت بوجه من الوجوه ومع عدم صحته بل وبطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ {الحاقة:44-46} .
وقوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى {النَّجم:3} .
وقوله تعالى: [وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا] {الإسراء:74} .
فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون، قال البزار: هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل، وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، وقال الإمام ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة، وقال القاضي عياض: في الشفاء إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لا قصدا، ولا عمدا، ولا سهوا، ولا غلطا. اهـ
وأما جمع عثمان للقرآن فلم يكن جمعه له من نفسه حتى نقول بإمكانية الخطأ، وإنما جمع عثمان القرآن الذي كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه، وقد قامت معه بالأمر لجنة من قراء الصحابة، ويكفي أن عثمان رضي الله عنه قد فعل ذلك والصحابة متوافرون، فلم ينكر عليه أحد، وقد نقل ابن أبي داود في كتاب المصاحف موافقة الصحابة له على ذلك.
وقال الزرقاني رحمه الله تعالى:
وأما الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه فقد كان عبارة عن نقل ما في تلك الصحف في مصحف واحد إمام، واستنساخ مصاحف منه ترسل إلى الآفاق الإسلامية، ملاحظا فيها تلك المزايا السالف ذكرها، مع ترتيب سوره وآياته جميعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1427(2/1904)
شبهة وجوابها حول تفسير القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[في الآية (ثم إن علينا بيانه) معنى كلمة بيانه أي تفسير معانيه سؤالي لماذا لم يفسر الله كلامه وهل العلماء يصل تفكيرهم إلى تفكير الله لكي يقوموا بتفسيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن يعلم أولا أن الله تعالى وصف كتابه بأنه بين واضح في لفظه ومعناه. قال تعالى: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ {النور:34} أي واضحات في أنفسهن موضحات للأحكام.
وقال تعالى: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الفَاسِقُونَ {البقرة:99} وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ {الحج: 16} أي واضحات في لفظها ومعناها حجة من الله على عباده.
فالقرآن ليس كتاب ألغاز حتى يقال لماذا لم يفسر الله كلامه.. إلخ ما ذكره السائل، وما وجد في القرآن من ألفاظ مجملة تحتاج إلى زيادة بيان وإيضاح تكفلت السنة النبوية التي هي وحي من الله أيضا بإيضاحه فالقرآن أمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والسنة النبوية بينت كيفية إقامة الصلاة وكيفية أداء الزكاة من حيث المقدار والأصناف التي تجب فيها الزكاة وهذا كثير جدا، فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه.
وهذا لا يعني أنه لا يمكن أن يحتاج الناس بعد ذلك إلى التفسير فإن من الآيات ما لا يعلم تفسيره إلا الله سبحانه وتعالى، حيث استأثر سبحانه وتعالى بعلمه كالحروف المقطعة في أوائل السور.
وقد كان الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفسير ويبين لهم صلوات الله وسلامه عليه كما وقع لعدي بن حاتم لما أخطأ في فهم آية البقرة: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ {البقرة: 187} فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد من الخيط الأبيض والخيط الأسود بياض الفجر وسواد الليل.
وهكذا يحتاج الناس إلى التفسير إما لعدم إدراكهم معنى الآية بسبب خطأ في الفهم، وإما لعدم فهمهم للغة العربية التي نزل بها القرآن، وإما لعدم علمهم بالسنة المبينة للقرآن وغير ذلك من الأسباب التي ليس مردها إلى أن القرآن غير واضح في نفسه.
وقول السائل هل العلماء يصل تفكيرهم.. هذا كلام خطأ من وجهين:
الأول: أنه لا يصح أن يقال تفكير الله لأن لفظ التفكير لم ترد إضافته لله تعالى في الشريعة.
ثانيا: أن الله سبحانه لا يحيط بعلمه أحد من خلقه كما قال تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ {البقرة:255} وقال تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه:110}
فلا أحد من الخلق أعلم من الله تعالى. قال تعالى أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ {البقرة: 140} وقال تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ {يوسف: 76} . فلا يصح أن يسأل ويقال: هل العلماء.. ثم إن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء يفسرون كلام الله تعالى بكلام الله وبكلام رسوله المبلغ عنه وبما تقتضيه اللغة العربية فإن الله أنزل القرآن عربيا على قوم عرب يعرفون معاني الكلام العربي، وبقي هذا القرآن إلى زمننا هذا باللغة التي نزل بها على عكس بعض الكتب السابقة التي اندثرت لغتها، وترجمت إلى لغات أخرى، وترجمت الترجمة إلى لغات أخرى مما جر إلى تحريف تلك الكتب في ألفاظها ومعانيها، ثم صار فك معانيها وتفسيرها حكرا على علمائهم وادعوا أنهم يتكلمون بإيحاء من الله ففرق بين تفسير علماء المسلمين وغيرهم.
وانظر لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 59195، والفتوى رقم: 17498.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(2/1905)
شبهات وجوابها حول القرآن الكريم والنصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[تقولون في صلب المسيح إنه لم يصلب بل ألقي شبهه على أحد غيره. هل هذه هي قدرة الله؟ في يوم القيامة إذا حاسبنا الله على هذا الأمر أنا من الناس أقول له إن الجميع رأوا أن المصلوب كان المسيح بدليل إلقاء الشبه وأن الله لم يبلغ على الأقل تلاميذه بهذا الأمر لذلك الكل يستطيع أن يحاجوا الرب في هذا الأمر لأن شهادة شاهدين تكفي لذلك فلا أعتقد أن الله بهذه السذاجة (أستغفر الله) حتى يقوم بهذا العمل وما ذنب الذين ماتوا وهم مؤمنون بهذا الأمر؟
مسالة أخرى القرآن يتفق مع الإنجيل في مسالة قتل النبي يحيى وهذه حقيقة تاريخية فكيف أغفل هذه الحقيقة عن صلب المسيح؟
أنتم يا معشر السلام تغالطون كثيرا في تفاسيركم ولا عجب في ذلك فالقرآن لم يفسره الله بل ترك تفسيره للعلماء الذي لكل واحد رأي مختلف والسؤال لماذا لم يفسر القرآن من قبل الله على حد قوله (ثم إن علينا بيانه) وهدا يناقض قوله كتاب مبين أي واضح وهذا خلاف الواقع لأن أغلب القرآن مبهم وتقولون هذا كتاب الله
السؤال الأخير تقولون إن القرآن لم يحرف بدليل قوله إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون أولا أكان لله القدرة على حفظ القرآن ولم يكن له القدرة على حفظ الكتاب المقدس (يا له من إله ضعيف) حاشا لله والأمر الآخر ألا تعني كلمة الذكر الكتاب المقدس أيضا وإلا لكان قد حدد بهده الآية وقال إنا أنزلنا القرآن وأنهى الإشكال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كون عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لم يصلب ليس قولا لنا بل هو قول الله الذي خلق عيسى وخلق معاصريه والذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهذا الأمر منصوص عليه في القرآن والأناجيل تدل عليه. وقد قدمنا بيان ذلك وبيان الرد على شبهة إلقاء الله الشبه على غيره.
وبيان حكم من اعتقد صلبه اتباعا لما شاع آنذاك في الفتاوى التالية أرقامها: 53029، 6238، 74347، 6272.
وأما زعم السائل أنه شهد عدلان بصلب المسيح أو أكثر من شاهدين فهذا عار من الصحة، فمن شاهدوا أو حضروا لم يوقنوا بالأمر، بل كانوا شاكين وأولى بالشك من جاء بعدهم، ولاسيما إذا اطلع على تكذيب القرآن للأمر وعلى قول أهل العلم في الموضوع وقد قدمناه في الفتاوى المحال عليها سابقا.
واعلم أن الله لا يلزمه إخبار تلاميذ عيسى بأي أمر وقد جلى الحقيقة لنا عند نزول الوحي على أول رسول بعد عيسى صلى الله عليه وسلم.
فوجب على الجميع الإيمان بما جاء به من عدم قتل عيسى وعدم صلبه وأنه سينزل آخر الزمن ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقتل الدجال ومن تابعه من يهود.
ولا أغرب من سخافة عقول نصارى الزمن من حيث يلهجون وراء أكاذيب اليهود ودعوى أنهم قتلوا وصلبوا عيسى وهم مع ذلك يخدمونهم وينصرونهم ويدعمونهم.
وأما إخبار الله بقتل بعض الأنبياء وعدم إخباره بقتل وصلب عيسى فإنه أمر لا يستغرب. فعيسى لم يقتل ولم يصلب كما صرح به القرآن ولم يغفله.
وأما مسألة بيان القرآن فإن الله أنزله مبينا على من يفهم لغة القرآن، وفيه بعض الأحكام والأمور التي جاءت مجملة بشكل مختص كأعمال الصلاة والحج وما أشبهها وقد كلف الله نبيه بيانها فقال: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ {النحل:44}
كما كلف أهل العلم الراسخين ببيان وتفسير ما يشكل على الناس بسبب خفاء المعنى اللغوي عليهم أو خفاء دلالة الكلمة التي تحتمل من معنى كما المحتملة للموصولية والاستفهام والنفي وكإن النافية والمخففة من أن المشدد، وفي هذا المجال قد يختلف أهل العلم بسبب كون اللفظ له عدة احتمالات وكلهم لم يختلفوا في أصل المسائل فلم يختلفوا في شخص فيجعله بعضهم هو الله وبعضهم يجعله ابن الله وغير ذلك من التناقضات الواقعة في النصرانية المحرفة. وراجع في حفظ القرآن من التحريف دون غيره وفي بيان تناقضات النصرانية المحرفة وبيان بطلانها وفي المزيد عما تقدم الفتاوى التالية أرقامها:
4042، 20706، 72294، 63472، 60869، 8210، 62110، 10326، 30506.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(2/1906)
جواب شبهة حول قوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل)
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني فضيلة الشيخ من الوسوسة في العقيدة فمثلا على ذلك يقول الشيطان لي ونحن على أبواب رمضان المبارك إذا كان القرآن كلام الله خالق كل شيء فكيف يقول الخالق سبحانه ثم أتموا الصيام إلى الليل وهو سبحانه يعلم أن هناك أماكن في الكرة الأرضية ليس فيها ليل كالمناطق القطبية أو أن النهار فيها طويل مما يسبب الشقاء للناس، أفيدوني أفادكم الله وبارك فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أيها السائل أن القرآن كلام الله حقا وأنه كما قال تعالى: لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {فصِّلت:42} وأنه لا تعارض فيه ولا تضاد ولا اختلاف، كما قال تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النساء:82}
وإذا توهم أحد أن فيه اختلافا فهذا راجع إلى الجهل وليس إلى القرآن، وقول الله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ {البقرة: 187} ليس فيه إشكال من حيث وجود بعض الأماكن التي يطول فيها النهار، وذلك من وجهين:
الأول: أن تلك الأماكن التي يطول فيها النهار لستة أشهر أو أكثر كما هو الحال في القطب الشمالي، تلك أماكن قليلة جدا في العالم ومحدودة ونادرة والنادر لا عبرة به، والآية الكريمة إنما هي في المناطق التي يتعاقب فيها الليل والنهار وهذه المناطق هي الأصل في الكرة الأرضية، فكل الأرض يتعاقب بها الليل والنهار بصفة عادية إلا تلك المناطق النادرة.
ثانيا: أن الشريعة الإسلامية لم تهمل بيان حكم العبادات في مثل تلك الأماكن النادرة، فقد روى مسلم في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن المسيح الدجال أنه يمكث أربعين يوما في الارض يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم قال الصحابة فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره. فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم حل مشكلة مواقيت الصلاة في اليوم الذي يطول فيه النهار وأنهم يقدرون له قدره، وهذا تنبيه على حكم العبادات المرتبطة بالنهار والليل كالصلاة مثل الصوم والزكاة، فيقدر للصوم قدره وللزكاة قدرها وغير ذلك، وهذا يدل على أن هذه الشريعة من عند الله الحكيم الخبير الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهكذا الحال في مسألة الصوم في القطب الشمالي يقدرون وقت الصوم كما يقدرون وقت الصلاة استنادا على الحديث المتقدم، وانظر تفصيل هذا في الفتوى رقم: 13228، وأخيرا نحيلك لبعض الفتاوى في علاج الوساوس في العقيدة، فانظر على سبيل المثال الفتوى رقم: 18353، والفتوى رقم: 13369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1427(2/1907)
جواب شبهة حول نزول القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يمكن الجمع بين قول ابن عباس بأن القرآن نزل به جبريل من بيت العزة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبين القول بأن جبريل كان يسمع القرآن من الله فينزل به على محمد صلى الله عليه وسلم حيث يظهر تناقض بين القولين، وأرجو من الإخوة أن لا يحيلوني إلى أسئلة مشابهة لأني أحتاج إلى إجابة دقيقة، وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا خلاف أن القرآن نزل من الله تعالى بواسطة جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله كان ينزل جبريل به شيئا فشيئا، وأن جبريل سمعه منه، وأن جبريل ما كان ينزل إلا بأمر الله، لقوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ {النحل:102} وقوله تعالى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ {البقرة:97}
ولقوله تعالى: فَ لَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ {الحاقة: 38-43} .
وقوله تعالى: تَنْزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ
وقوله: حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {فصِّلت:1- 3}
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42] .
وقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} .
وقوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ {الواقعة:77-80} ، وقوله تعالى: تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ العُلَا {طه:4} ، وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ {الشعراء:192- 195} .
وقد قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وشعبة نزل به الروح بتشديد الزاي.
فقد أكد جل وعلا في هذه الآيات الكريمة أن هذا القرآن العظيم تنزيل رب العالمين، وأنه نزل به الروح الأمين الذي هو جبريل على قلب نبينا صلى الله عليهم وسلم ليكون من المنذرين به.
ولا يبعد أن يكلم الله جبريل بالآيات المراد نزولها وقت تنزيلها كما يكلمه بما قضى به من الأمور لما في الحديث عند الطبراني مرفوعا: إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله، فإذا سمع أهل السماء بذلك صعقوا وخروا سجدا، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، فينتهي به على الملائكة، كلما مر بسماء سأله أهله ماذا قال ربنا، قال الحق، فينتهي به حيث أمر.
وروى البخاري عن عائشة أنها قالت: والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى. اهـ
وقد ثبت النقل عن السلف أن جبريل سمع القرآن من الله تعالى، قال شيخ الإسلام في الفتاوى:
ومذهب سلف الأمة وأئمتها وخلفها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع القرآن من جبريل، وجبريل سمعه من الله عز وجل.
وقال أيضا في موضع آخر:
والنبي سمعه من جبريل وهو الذي نزل عليه به، وجبريل سمعه من الله تعالى كما نص على ذلك أحمد وغيره من الأئمة، قال تعالى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ، وقال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وقال تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ، فأخبر سبحانه أنه نزله روح القدس وهو الروح الأمين وهو جبريل من الله بالحق....
وقال ابن حجر في فتح الباري:
والمنقول عن السلف اتفاقهم على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، تلقاه جبريل عن الله، وبلغه جبريل إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وبلغه صلى الله عليه وسلم إلى أمته. اهـ
وأما ما روي عن ابن عباس من نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا ثم كان جبريل ينزل به شيئا فشيئا فإنه نقله أغلب المفسرين محتجين به، ورواه بعض المحدثين وصححوه ولم نعثر على من طعن فيه، فقد روى النسائي في سننه، والحاكم في مستدركه، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق حسان بن حريث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي والسيوطي في الإتقان. وقال السيوطي في الإتقان: وأخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس قال أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجوما إسناده لا بأس به، وأخرج الطبراني والبزار من وجه آخر عنه قال: أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ونزله جبريل على محمد بجواب كلام العباد وأعمالهم. وأخرج ابن أبي شيبة في فضائل القرآن من وجه آخر عنه: دفع إلى جبريل في ليلة القدر جملة واحدة فوضعه في بيت العزة ثم جعل ينزله تنزيلا. اهـ
وذكر السيوطي عن ابن كثير أنه حكى الإجماع على أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا.
وقال الحافظ في فتح الباري عند شرح حديث لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين: يؤخذ من هذا الحديث أنه نزل مفرقا ولم ينزل جملة واحدة، ولعله أشار إلى ما أخرجه النسائي وأبو عبيد والحاكم من وجه آخر عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة وقرأ: وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث الآية، وفي رواية للحاكم والبيهقي في الدلائل، فرق في السنين، وفي أخرى صحيحة لابن أبي شيبة والحاكم أيضا: وضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم. وإسناده صحيح. اهـ بتصرف قليل.
وقال ابن كثير في تفسير آية شهر رمضان ... :
يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عمران أبو العوام عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة يعني ابن الأسقع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ...
وأما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل، فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة، وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه، كما قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ، وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ، ثم نزل بعده مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس، كما قال إسرائيل عن السدي، عن محمد بن أبي المجالد، عن مقسم، عن ابن عباس: أنه سأل عطية بن الأسود فقال: وقع في قلبي الشك، قول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وقوله: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ، وقوله: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ، وقد أنزل في شوال، وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة، وفي المحرم وصفر وشهر ربيع، فقال ابن عباس: إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلاً في الشهور والأيام، رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه وهذا لفظه، وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أنزل القرآن في النصف من شهر رمضان إلى سماء الدنيا، فجعل في بيت العزة، ثم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة لجواب كلام الناس، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر، على هذه السماء الدنيا جملة واحدة، وكان الله يحدث لنبيه ما يشاء ولا يجيء المشركون بمثل يخاصمون به إلا جاءهم الله بجوابه، وذلك قوله: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا. اهـ
وقال ابن كثير في موضع آخر:
وقرآناً فرقناه، أما قراءة من قرأ بالتخفيف فمعناه فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً منجماً على الوقائع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، قاله عكرمة عن ابن عباس اهـ
وقال القرطبي في التفسير:
ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر ـ على ما بيناه ـ جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل به نجماً نجماً في الأوامر والنواهي والأسباب، وذلك في عشرين سنة. وقال ابن عباس: أنزل القرآن من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكتبة في سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل عليه السلام نجوماً ـ يعني الآية والآيتين ـ في أوقات مختلفة في إحدى وعشرين سنة. اهـ
وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية التوفيق بين أثر ابن عباس وما ثبت من سماع جبريل القرآن من الله، فقال في مجموع الفتاوى بعد كلام طويل في إثبات أن القرآن منزل من الله:
وهذا لا ينافى ما جاء عن ابن عباس وغيره من السلف فى تفسير قوله: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ، أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم أنزله بعد ذلك منجما مفرقا بحسب الحوادث، ولا ينافى أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله كما قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، وقال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ، وقال تعالى: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ، وقال تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ، فإن كونه مكتوبا في اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبريل أو بعد ذلك، وإذا كان قد أنزله مكتوبا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أن ينزله. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1427(2/1908)
جواب شبهة حول قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شبهة ألقاها نصراني في منتدى وأردت أن أرفعها عن المسلمين هناك وهي أن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة البقرة " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم "اليهود لا يوجد عندهم تبشير في دينهم أي أن اليهودي يجب أن يكون يهوديا
فارجوا التوضيح...........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اليهود دائما يحبون أن يتبعوا ويقتدى بهم وأن يكونوا قادة للأمم, ويدل لذلك أسفهم على تحويل القبلة كما قال الله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ للهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. {البقرة:142} وقد أسفوا لما خالفهم في أمر الاستمتاع بالحائض من دون وطء، فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه كما في حديث مسلم.
واليهود وكثير من دعاة التبشير النصارى لا يريد من الناس الدخول في دين اليهودية أو النصرانية المحرفة, ولكنهم لا يألون جهدا في جعل الناس أتباعا لهم. وراجع في تفسير الآية الفتوى رقم: 37371.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1427(2/1909)
القرآن محفوظ من التغيير والتبديل
[السُّؤَالُ]
ـ[j ai trouve cette article est ce que c est vrai son contenu
نداء يا مسلمون!!!
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22) البروج
الإخوة والأخوات، نداء إلى كل من يدافع عن الحق ...
نحن نؤمن بأن القرآن كتاب محفوظ..بإذن الله تعالى..
هناك حملة جديدة لمحاربة الإسلام، ولأن كتبهم محرفة، يريدون أن يحرفوا كتاب الله تعالى - وهذا بلا شك منذ زمن - ولكن ما هو مستجد الآن، أن هناك قرآن جديد سُمي ب (القرآن الحق) موجود على النت، وهذا يشكل خطرا، ولكن..الخطر الأكبر، وكان لي كالصاعقة اليوم، هو أنهم يوزعون الكتاب..
وهو باللغتين..الانجليزي والعربي، يتم توزيعه في أميركا وكندا ... على شاشات التلفزيون في أميركا الشمالية وهناك أرقام مجانية خصصت للتوزيع من قبل النصارى ... أسأل الله العظيم،، أن يرينا فيهم يوما.
الإخوة والأخوات، أتمنى أن تعيروا الموضوع اهتماما ... فوالله في داخلي أشعر كالنار تقود..تريد أن تحرق كل نصراني..وكل كافر، حسبي الله ونعم الوكيل..
هل تعلمون أن هناك من يعمل جاهدا من أجل الدعوة إلى الإسلام..في بلاد الغربة!! هل تعلمون أن هناك صراعا ما بين الحق الذين عليه، وبين الباطل من حولهم!! أتعلمون كيف نربي أولادنا..وهم يبثون السموم بالتعليم وزراعة معتقداتهم الباطلة أثناء تعليمهم بالمدارس!!
هل تعلمون..أننا ليس بالسهل الحصول على مجموعة كبيرة من القرآن..حتى نوزعها!!! هل تعلمون أنه غير مسموح لنا بإظهار الحق على الإعلام..
لأن من هو مسئول على الإعلام..أعداء الإسلام، ويحاربوننا قبل أي أحد!!
إخوتي في الله، الموضوع كبير للغاية ... فمن يشك بالنصرانية ... سيلجأ إلى ذلك الكتاب المحرف....لأنه سمي قرآن الحق،، حسبي الله ونعم الوكيل!!
وماذا عن أبناء الجالية المسلمة..في بلاد الغرب،، كيف تتوقعون بعد خمسين عام من انتشار ذلك الكتاب..!!!
نداء أيها الإخوة والأخوات..اتجهوا لكل شيخ ... واعترضوا عما يحدث، ونريد حلا..
من جهة أخرى، بإذن الله لن نصمت هنا في أمريكا الشمالية..
وسنلجأ إلى أكبر مراكز إسلامية وبإذن الله سنحضر رسالة لهم..نعترض عما يحدث،،
لا تهملوا الأمر ... الموضوع كبير، إن كان أمره بسيطا الآن، لكنه بالمستقبل البعيد..خطر كبير..
حسبي الله ونعم الوكيل....والله أكبر عليهم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على غيرتك على القرآن والإسلام والسعي في الانتصار له, ونبشرك بأن القرآن محفوظ من التغيير، فقد تعهد الله بذلك في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} ونسأل الله أن يعين جميع الدعاة في أطراف العالم ويهدي بهم ويصلح أولادهم, ويعينهم على تعليمهم وتربيتهم تربية إيمانية صالحة. ونوصيكم بالجد في دعوة المسلمين أولا وحثهم على التمسك بدينهم والاستقامة عليه, وأن تكثروا الاتصال بعلماء المسلمين واستشارتهم عبر الإنترنت أو غيره من وسائل الاتصال ليساعدوكم في صراعكم مع الباطل. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 31768، 61490، 32949، 62938، 50460، 10326، 21599.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1427(2/1910)
دحض شبهات حول آيات من كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأحباء بموقع الشبكة الإسلامية.... أما بعد:
فيدور بيني وبين أحد النصارى على الإنترنت حوار متصل، وقد تمكنت بحمد الله تعالى من بيان كثير من الحقائق عن الإسلام له، ولكنه يأتي أحيانا ببعض الشبهات الباطلة والتي أحاول أن أردها عليه بعلمية، وما لا أمتلك فيه علما، فإني أحيله إليكم ثقة فيكم وفي علمكم ولعلي أنقل لكم بعض ما أرسله لي حول القرآن الكريم مع يقيني الكامل أنه عدو ما يجهل، فقط أرجو منكم إرسال الرد لي على بريدي الإلكتروني مباشرة وعرضه على موقعكم لو أحببتم ذلك، وأرجو إفادتي هل أواصل التحاور معه أم لا، وأنا آمل في أن يهديه الله تعالى لنعمة الإسلام ... وجزاكم الله خيراً، وهذا بعض مما أورده: جدول يوضح الأخطاء اللغوية والنحوية في القرآن
رقم الخطأ نوع الخطأ النحوي شرح الخطأ ومكانه في القرآن
1- رفع المعطوف على المنصوب جاء في (سورة المائدة 5: 69) : "إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ" وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم إن فيقول: والصابئين في كما فعل هذا ورد فى البقرة 2: 62 والحج 22: 17.
2- نصب الفاعل جاء في (سورة البقرة 2: 124) : "لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول: الظالمون.
3- تذكير خبر الاسم المؤنث، جاء في (سورة الأعراف 7: 56) : "إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ" وكان يجب أن يتبع خبر إن اسمها في التأنيث فيقول: قريبة.
4- تأنيث العدد وجمع المعدود جاء في (سورة الأعراف 7: 160) : "وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً" وكان يجب أن يذكر العدد ويأتي بمفرد المعدود فيقول: اثني عشر سبطاً.
5- جمع الضمير العائد على المثنى جاء في (سورة الحج 22: 19) : "هذانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ" وكان يجب أن يثنّي الضمير العائد على المثنّى فيقول: خصمان اختصما في ربهما
6- أتى باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً جاء في (سورة التوبة 9: 69) : "وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا" وكان يجب أن يجمع اسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول: خضتم كالذين خاضوا
7- جزم الفعل المعطوف على المنصوب جاء في (سورة المنافقون 63: 10) : "وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِين"َ وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المنصوب فأَصدق وأَكون.
8- جعل الضمير العائد على المفرد جمعاً جاء في (سورة البقرة 2: 17) : "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ" وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول: استوقد ... ذهب الله بنوره.
9- نصب المعطوف على المرفوع جاء في (سورة النساء 4: 162) : "لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً" وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول: والمقيمون الصلاة.
10- نصب المضاف إليه جاء في (سورة هود 11: 10) : "وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" وكان يجب أن يجرَّ المضاف إليه فيقول: بعد ضراءِ
11- أتى بجمع كثرة حيث أريد القلة جاء في (سورة البقرة 2: 80) : "لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً" وكان يجب أن يجمعها جمع قلة حيث إنهم أراد القلة فيقول: أياماً معدودات.
12- أتى بجمع قلة حيث أريد الكثرة جاء في (سورة البقرة 2: 183و184) : "كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَات" وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث أن المراد جمع كثرة عدته 30 يوماً فيقول: أياماً معدودة.
13- جمع اسم علم حيث يجب إفراده جاء في (سورة الصافات 37: 123-132) : "وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ ... سَلاَمٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ... إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِين" فلماذا قال إلياسين بالجمع عن إلياس المفرد، فمن الخطا لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلَّف، وجاء في (سورة التين 95: 1-3) : "وَالتِّينِ وَالزَيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا البَلَدِ الأَمِين" فلماذا قال سينين بالجمع عن سيناء، فمن الخطأ لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهم ما يتعين التركيز عليه لمن يريد الحوار مع النصارى أن يركز الإنسان المسلم على نفسه ويزيد من ترسيخ الإيمان في قلبه، ويتسلح بالعلم الشرعي الذي يمكنه من دفع الشبه التي تورد عليه.
فإن علم من نفسه عدم العلم بالجواب عما يورد عليه فليبتعد عن الجدل بغير علم، ومن أهم ما يتعين التركيز عليه أثناء الحوار مع النصارى أن يركز لهم على موضوعات الإيمان ويرغبوا فيه بالحكمة والموعظة الحسنة ومخالقتهم بالأخلاق المفضية لهدايتهم، وأن يهاجموا بإبراز تناقضاتهم الواضحة، وبطلان عقيدة التثليث، وبيان التحريف والتناقض الواقع في كتبهم المحرفة، ومناقضة ما فيها للعقول والفطر السليمة.
واعلم أن قوله: والمقيمين الصلاة ذكر الشوكاني في التفسير أنه اختلف في وجه نصبه على قراءة الجمهور على أقوال: الأول: قول سيبويه أنه نصب على المدح، قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب على التعظيم، ومن ذلك والمقيمين الصلاة. وأنشد:
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم * إلا نميراً أطاعت أمر غاويها
الظاعنين ولما يظعنوا أحداً * والقائلون لمن دار نخليها
وأنشد:
لا يبعدن قومي الذين هم * سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك * والطيبون معاقد الأزر
قال النحاس: وهذا أصح ما قيل في المقيمين....
وأما الذي في قوله: وخضتم كالذي خاضوا، فهو نعت لمفرد أي كالفوج الذي خاضوا، بناء على أن الذي موصول اسمي، أو كالخوض الذي خاضوا، بناء على أنه موصول حرفي، وقيل: أصله كالذين فحذفت النون، والأولى أن يقال: إن الذي اسم موصول مثل من وما، يعبر به عن الواحد والجمع. وراجع تفسير الشوكاني.
وأما قوله: وأكن من الصالحين فقد قرأه الجمهور (وأكن) بالجزم عطفاً على محل فأصدق لأنه على معنى إن أخرتني أصدق وأكن، وكذا قال أبو علي الفارسي وابن عطية وغيرهم.
قال أبو شامة في شرح الشاطبية: وقرأ أبو عمرو -وأكون من الصالحين- عطفاً على -فأصدق- لفظا وهي قراءة واضحة. وقرأ غيره بإسكان النون وحذف الواو لالتقاء الساكنين، ووجه ذلك أنه مجزوم عطفاً على موضع فأصدق لأن الفاء لو لم تدخل لكان أصدق مجزوماً لأنه جواب التحضيض الذي هو في معنى التمني والعرض، والكل فيه معنى الأمر، وما كان كذلك ينجزم جوابه على قاعدة في علم العربية مقررة: وإن كان فيه فاء انتصب ... فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم كأنه جزاء الشرط حمل قوله (وأكن) عليه مثل ذلك قراءة من قرأ -من يضلل الله فلا هادي له ونذرهم ...
وأما قوله: وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمما فإن قوله (اثنتي عشرة) أنث العدد فيه لأنه أراد بالأسباط القبائل، كما في قول الشاعر:
وإن قريشاً كلها عشر أبطن * وأنت بريء من قبائلها العشر
أراد بالبطن القبيلة، فأنث العدد كذا في تفسير الشوكاني، وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وجيء باسم العدد بصيغة التأنيث في قوله (اثنتي عشرة) لأن السبط أطلق هنا على الأمة فحذف تمييز العدد لدلالة قوله أمما عليه.
وأسباطا حال من الضمير المنصوب في (وقطعناهم) ولا يجوز كونه تمييزاً لأن تمييز اثنتي عشرة ونحوه لا يكون إلا مفرداً.
وقوله: أمما بدل من أسباط أو من اثنتي عشرة، وعدل عن جعل أحد الحالين تمييزاً في الكلام إيجازاً وتنبيهاً على قصد المنة بكونهم أمما من آباء إخوة، وإن كل سبط من أولئك قد صار أمة، قال تعالى: وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ. مع ما يذكر به لفظ أسباط من تفضيلهم لأن الأسباط أسباط إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
وأما قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فإن الذي هنا يراد بها الجمع كما في قول الشاعر:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقيل: إن المراد به المفرد وإنما وحد الذي واستوقد وحوله لأن المستوقد كان واحداً من جماعة تولى الإيقاد لهم، فلما ذهب الضوء رجع عليهم جميعاً فقال: بنورهم. قال القرطبي في التفسير: قوله: الذي يقع للواحد والجمع. قال ابن الشجري هبة الله بن علي: ومن العرب من يأ تي بالجمع بلفظ الواحد، كما قال:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقيل في قول الله تعالى: والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون: إنه بهذه اللغة، وكذلك قوله: مثلهم كمثل الذي قيل: المعنى كمثل الذين استوقدوا، ولذلك قال: ذهب الله بنورهم، فحمل أول الكلام على الواحد، وآخره على الجمع، فأما قوله تعالى: وخضتم كالذي خاضوا. فإن الذي ها هنا وصف لمصدر محذوف تقديره وخضتم كالخوض الذي خاضوا. وقيل: إنما وحد الذي واستوقد لأن المستوقد كان واحداً من جماعة تولى الإيقاد لهم، فلما ذهب الضوء رجع عليهم جميعاً فقال: بنورهم.
وأما قوله: بعد ضراء فإن ضراء مخفوضة بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنها ممنوعة من الصرف بسبب وجود الف التأنيث، قال ابن مالك في الألفية عند ذكر موانع الصرف:
فألف التأنيث مطلقاً منع * صرف الذي حواه كيفما وقع
وأما: أياماً معدودة فإن كلمة يوم لا تجمع جمع تكسير إلا على أيام؛ كما قال ابن منظور في لسان العرب. ووصف جمع التكسير الدال على القلة أو الكثرة يجوز فيه كل من الإفراد والجمع، كما قال ابن مالك في الكافية وأبو حيان. والأولى فيه إفراد جمع الكثرة وجمع ما أريد به القلة. والوصف بمعدودة في الآية الأولى مؤذن بالقلة، كما قال ابن عاشور ويؤيد ذلك وصفه في آية آل عمران بمعدودات. قال ابن عاشور: والوصف بمعدودة مؤذن بالقلة لأن المراد بالمعدود الذي يعده الناس إذا رأوه أو تحدثوا عنه، وقد شاع في العرف والعوائد أن الناس لا يعمدون إلى عد الأشياء الكثيرة دفعا للملل أو لأجل الشغل سواء عرفوا الحساب أم لم يعرفوه، لأن المراد العد بالعين واللسان لا العد بجمع الحسابات إذ ليس مقصوداً هنا. انتهى.
والوصف بمعدودات في الآية الثانية حكمته التهوين لأمره على المكلفين، قال ابن عاشور: وإنما عبر عن رمضان بأيام وهي جمع قلة ووصف بمعدودات وهي جمع قلة أيضاً، تهوينا لأمره على المكلفين، والمعدودات كناية عن القلة، لأن الشيء القليل يعد عداً، ولذلك يقولون: الكثير لا يعد، ولأجل هذا اختير في وصف الجمع مجيئه في التأنيث على طريقة الجمع بألف وتاء، وإن كان مجيئه على طريقة الجمع المكسر الذي فيه هاء تأنيث أكثر، قال أبو حيان عند قوله تعالى الآتي بعده من أيام أخر صفة الجمع الذي لا يعقل تارة تعامل معاملة الواحدة المؤنثة، نحو قوله تعالى: إلا أياما معدودة وتارة تعامل معاملة جمع المؤنث نحو: أياما معدودات، فمعدودات جمع لمعدودة، وكلا الاستعمالين فصيح.
وأما إلياسين وإلياس فهو اسم سرياني تكلمت به العرب على وجوه كما فعلوا في جبريل وميكال فقالوا: إلياسين كجبرائيل وإبراهيم وميكائيل. وقالوا: إلياس كإسحاق؛ كذا قال السخاوي في شرح الشاطبية، وقال ابن جني: العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعباً، فياسين، وإلياس، وإلياسين شيء واحد. وذهب أبو عبيدة إلى أنه جمع جمع التسليم على أنه وأهل بيته سلم عليهم، وأنشد: قدني من نصر الخبيبين قدي.... وإنما يريد أبا خبيب عبد الله بن الزبير فجمعه على أن من كان على مذهبه داخل معه. كذا في تفسير القرطبي.
وأما طور سيناء وطور سنين فهو موضع واحد وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران وليس جمعا وإنما هما اسمان وراجع كتب التفسير، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية لبقية الكلمات.وللمزيد فيما سبق: 21599، 10326، 2715، 64009، 63641، 51244، 65986، 70461.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(2/1911)
قتل الساب هل يتعارض مع الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الإسلامي على راسم الكارتون المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، في السيرة ورد أن الرسول طالب بقتل رجل كان يؤجر الجواري لغناء أغاني مسيئة للرسول مثلاً، ولكن في القرآن يقول المولى عز وجل: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، ويقول تعالى:..فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.... وأيضاً نقرأ في القرآن أن الله تعالى يبين لنا أن الحكم على الذي يتسبب في الفتنة أو القصاص هو بتر اليد والرجل من خلاف، فما هو الحكم الأمثل لراسم الكارتون اللعين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قدمنا الكلام على ما يتعلق بمن تنقص النبي صلى الله عليه وسلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1845، 44469، 31456 وبينا حكم الحرابة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 49395، 13010، 17567.
وأما قصة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فلا نعلم فيها إلا ما روي عن ابن خطل وسببه أنه حاد الرسول صلى الله عليه وسلم وارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين، فقد اجتمع فيه من أنواع الشر الارتداد وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم بالهجاء، قال النووي في شرح مسلم: إنما قتله لأنه كان قد ارتد عن الإسلام وقتل مسلماً كان يخدمه وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويسبه وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
وذكر ابن حجر في الفتح أنه: روى ابن إسحاق في المغازي حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة قال: لا يقتل أحد إلا من قاتل إلا نفراً سماهم فقال اقتلوهم وإن وجدتموهم تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد. قال ابن حجر: وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه كان مسلماً فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلماً فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيساً ويصنع له طعاماً فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئاً فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركاً وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يعارض هذا ما في آية النحل من الدعوة بالحكمة والجدال بالتي هي أحسن ولا ما في آية فصلت من الحث على الصفح والعفو وهما آيتان منفصلتان، فقد قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125} ، وقال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ، فلا تعارض بين الآيتين وبين قتل ابن خطل إذ أن لكل مقام حكما يناسبه، فالمدعو بداية يترفق معه ويدعى بالحكمة ويجادل بالتي هي أحسن، والمخطئ يسامح ويعفى عنه وتقابل إساءته بالحسنى، فهذا هو الأفضل ويجوز مقابلة المسيء بالإساءة، فقد قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:40-41-42-43} .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الصبر والحلم، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً كما في قصة إسلام الحبر اليهودي زيد بن سعنة، ففي صحيح ابن حبان والمستدرك قال عبد الله بن سلام: إن الله تبارك وتعالى لما أراد هدي زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة: إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب فأتاه رجل على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغداً وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث وأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا فيه طمعاً فإن رأيت أن ترسل إليهم من يغيثهم به فعلت، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل إلى جانبه أراه عمر فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله، قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت له يا محمد: هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا، فقال: لا يا يهودي، ولكن أبيعك تمراً معلوماً إلى أجل كذا وكذا ولا أسمي حائط بني فلان، قلت: نعم فبايعني صلى الله عليه وسلم فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، قال: فأعطاها الرجل وقال اعجل عليهم وأغثهم بها، قال: زيد بن سعنة فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ونفر من أصحابه فلما صلى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه فأخذت بمجامع قميصه ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت ألا تقضيني يا محمد حقي فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب بمطل ولقد كان لي بمخالطتكم علم قال ونظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم رماني ببصره وقال أي عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتفعل به ما أرى فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعا من غيره مكان ما رعته، قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر فقلت: ما هذه الزيادة، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك فقلت أتعرفني يا عمر، قال: لا، فمن أنت، قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحبر، قلت: نعم الحبر، قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت، وتفعل به ما فعلت، فقلت: يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فقد اختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وأشهدك أن شطر مالي فإني أكثرها مالا صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال عمر أو علي: بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم، قلت: أو على بعضهم، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، فآمن به وصدقه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة ثم توفي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر رحم الله زيداً. قال الهيثمي في المجمع وابن حجر في الإصابة: رجاله ثقات.
وأما المرتد والساب فله حكم آخر هو ما بيناه في الفتاوى السابقة فهو كافر يحكم بقتله، ولكن إنكار منكره بالقتل لا يقام به إلا عند الأمن من ترتب منكر آخر أكبر منه، وذلك أن العلماء قد نصوا على أن من أراد أن يغير منكراً وعلم أن هذا التغيير سيترتب عليه ارتكاب منكر آخر أكبر منه، فإن عليه أن يقتصر على ما هو ممكن من التغيير بالقلب أو اللسان، فراجعي الفتوى رقم: 54406.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(2/1912)
جواب شبهة حول قوله تعالى (فوجدها تغرب في عين حمئة)
[السُّؤَالُ]
ـ[تواجهني مشكلات في فهم بعض الآيات وبعض الأحاديث ولكن سأذكر أهمها آملاً أن أجد عندكم ما ينهي حيرتي، يقول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} ، الشمس أكبر بكثير من الأرض وذو القرنين وجدها تغرب في عين حمئة وطبيعة هذا الإيجاد خداع بصري ليس إلا! فهل كلمة (وجد) مناسبة لوصف هذا الحدث على حقيقته، وخصوصاً أنها استعملت مرة أخرى في نفس الآية لوصف إيجاد حقيقي للقوم الذين عند الشمس، فهل لو استعملت كلمة أبصر أو رأى ستكون أبلغ في الوصف من كلمة (وجد) ، المذكورة في الآية الكريمة (حاشا لله أن يكون في كلامه نقص أو عيب) ، أم أن هذا الأمر يدعونا لإعادة النظر في حقيقة الشمس والنظريات التي تتكلم عن حجمها وموقعها بالنسبة للأرض، أم أن المشكلة كلها تكمن في فهمي لدلالات الكلمات المستعملة في الآية؟ جزاكم الله خيراً وهدانا وإياكم إلى الحق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم - وفقنا الله وإياك للاستماع واتباع أحسن القول - أن القرآن معجز في فصاحته وبلاغته ونظمه وأسلوبه، وقد تحدى الله الذين أنزل في عصرهم، وهم فصحاء الناس وبلغاؤهم أن يأتوا بكتاب مثله، فإن عجزوا فليأتوا بعشر سور مثله، فإن عجزوا فليأتوا بسورة مثله، فعجزوا عن ذلك كله وأفحموا، وقامت عليهم الحجة وعلى من بعدهم إلى يوم القيامة، لأن التحدي للجميع والعجز حاصل للجميع إلى يوم القيامة.
وإذا علمت هذا فاعلم أن وجد تأتي لمعان كثيرة يمكنك أن تطالعها في لسان العرب لابن منظور، أو في أي معجم آخر من المعاجم اللغوية، وقد وردت في الآية الكريمة بمعنى الرؤية، وهي أنسب عبارة، ولا يمكن أن تحل محلها عبارة تؤدي دورها، فأحرى أن تكون أنسب منها، وقد فسر المفسرون الآية الكريمة بما لا يبقى مجالاً للشك أو الحيرة، قال ابن كثير: وجدها تغرب في عين حمئة أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه ... .
وقال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان:..... وكون من على شاطئ المحيط الغربي يرى الشمس في نظر عينه تسقط في البحر أمر معروف ... ولعلك إذا عدت إلى كتب التفسير وجدت مزيداً من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(2/1913)
جواب شبهة حول أشهر الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[إن بعض العلمانيين والمستشرقين المشككين في الإسلام (غضب الله عليهم ولعنهم) يقولون إن مناسك الحج يمكن أن تؤدى في أي شهر من الأشهر المعلومات (الحج أشهر معلومات) إلى آخر الآية وليس بالضرورة أن يكون في شهر ذي الحجة فكيف نرد عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرد على هؤلاء العلمانيين والمستشرقين وأذنابهم هو أن نقول إن الله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا {الحشر:7} ، وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ {النحل:44} ، وقال تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا {النساء:80} ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب اتباع السنة النبوية وروى أبو داود من حديث المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه. وروى الترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله. وما دام الأمر كذلك فنحن نتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وما سار عليه المسلمون واتفقوا عليه، لأن الله أمرنا بذلك وأن قولكم هذا تحريف للدين واتباع للهوى ومخالفة لسبيل المؤمنين، ويكفيكم قول الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً {النساء:115} ، وهذا دليل واضح على وجوب اتباع سبيل المؤمنين الذي اتفقوا عليه.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم وقت الحج وكيفيته وقال عليه الصلاة والسلام: خذوا عني مناسككم. رواه مسلم، ولا يغتر بهؤلاء إلا ضعيف العقل أو فاسد الدين ولا يخفى أمرهم لأن حجتهم واهية ومخالفة لما اتفق عليه المسلمون وشذوذ عن هديهم ومن شذ شذ في النار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1427(2/1914)
جواب شبهة حول القصص القرآني
[السُّؤَالُ]
ـ[يزعم الكثيرون أن بعض القصص التي أتت بها الكتب السماوية كانت معروفة من قبل لدى اليونانيين القدماء مثلا كقصة سيدنا آدم وحواء وكيف أخرجوا من الجنة. فكيف يرد على هذا الكلام؟ بارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن الحضارة اليونانية حديثة النشأة بالنسبة للرسالات السماوية.
ولا شك في أن قصة آدم عليه السلام وخروجه من الجنة، وقصص أنبياء آخرين محتواة في الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه.
وإذا كان الأمر كذلك، فما المانع من أن يعرف اليونانيون أو غيرهم قصص الأنبياء الذين سبقوهم؟
وعليه، فالرد على من يقول الكلام الذي ذكرته هو أنه لا مانع من أن يكون اليونانيون القدامى قد اطلعوا على القصص التي أتت بها الكتب السماوية.
غير أنه إذا كان القائل لهذا الكلام يريد منه الإشارة إلى أن القرآن مستنسخ من كلام الأقدمين وأنه ليس وحيا من عند الله، فالجواب عليه حينئذ أن هذا الكلام سبقه إليه كفار قريش، حيث قالوا كما حكى الله عنهم: وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا. فقال الله تعالى لنبيه في ذلك: قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض.
ويكفي في الجواب عن هذا السخف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أميا لا يقرأ ولا يكتب. فكيف يمكن تصور أن يأتي بهذا القصص المنسق، الذي لم يوجد فيه أي اختلاف أو تعارض، ولم يكن معروفا في مجتمعه؟
ثم اعلم أن الإعراض عمن هذه حاله من الجهل وتدني المستوى الفكري أولى من محاججته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1427(2/1915)
لا يؤخذ الدين من الكفار والفساق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أنا عندي استفسار أحد الإخوة النصارى بعث رسالة يقول إن هذا حديث قاله الرسول الشريف سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام \"انكحوا ما طاب لكم من النساء وإن عدلتم\" أرجوالرد علي بأسرع وقت ممكن وتزويدي بالحديث الصحيح للرد على هذه الرسالة ولكم جزيل الشكر وجزاكم الله خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد هذا النص بدون " وإن عدلتم" في آية من كتاب الله تعالى من سورة النساء وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم والآية هي قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا {النساء: 3} ولمعرفة معناها وما يستنبط منها من أحكام انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8366، 990.
وننبهك إلى أن إطلاقك كلمة الأخ على الكافر لا تجوز إلا بضوابط معينة بيناها في الفتوى رقم: 67185، وأنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ دينه عن كل من هب ودب سيما من الكافر والفاسق، وممن لا يتورع عن الكذب والتحريف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1427(2/1916)
القرآن ليس مجرد كتاب قصص أو تاريخ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي سؤال لماذا القرآن لم يقل عن أي رسول أو نبي في أمريكا أو الصين أو استراليا ولماذا لم يكشف عن القصص في الشرق والغرب أنا مسلم ولكني مؤمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى لم يذكر لنا كل الأنبياء والرسل، وإنما ذكر لنا بعضهم فقط، قال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ {غافر: 78}
لكن الله تعالى قد أخبرنا أنه ما من أمة إلا وقد أرسل لها رسولا فقال سبحانه: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ {فاطر: 24} وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ {النحل: 36} وقال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء: 165} فكون القرآن لم يذكر لنا أنبياء أرسلوا إلى أمريكا أو الصين أو استراليا لا يعني نفي ذلك، أضف إلى ذلك أن بعض الأراضي لم تكتشف إلا في فترات متأخرة من عمر البشرية، ويرجع الكثير من الدارسين أنها كانت خالية من البشر.
قال قتادة كما في كتب التفسير: كل أمة كان لها رسول. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 59579.
ثم إن القرآن ليس مجرد كتاب تاريخ أو قصص، وإنما وردت فيه القصص التي وردت لحكم بالغة منها ما بينه الله في قوله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {هود: 120} وليس يلزم أن ترد فيه قصص الشرق أو الغرب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1426(2/1917)
شبهات حول الإسلام ودفعها
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية أنا أعجبني هذا الموقع ورائع جداً ومن أفضل المواقع وأسأل الله العزيز القدير أن يجزيكم خير جزاء على هذا العمل الصالح.
أنا أعرف أن موضوعي قد سبب لكم صدمة لكن أحب أعلمكم ما حصل لي وجعلني أقول هذا الكلام أنا طالب جامعي ولدي شقة وقد اشترى أخي لي دش أوروبي وفجأة عندما كنت أتفرج في قنوات منها قذرة لأكون صريحا كلها قذرة المهم أدهشني قناة مسيحية تهاجم الإسلام بكل الطرق.
وبدأت أنا أتابع هذه القناة بشكل يومي وبدأت أخاف وأشك في ديني لقد أظهروا الكثير من الفظائع المخيفة حتى إني أبكي كل ليلة قبل أن أنام أخاف أن يكون القرآن من تنزيل الشيطان وأنا لا أريد أن أدخل نار جهنم لا أريد وقد أظهروا الكثير من الأشياء التي هدمت حياتي وجعلتني خائفا من يوم عمري 22 حتى الآن والله وأنا خائف ومن ضمنها سورة البقرة آية 194 (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) ! هل يعني من اعتدى بالزنا أو اللواط يعتدى بمثل ما اعتدى؟
وهل الله يقول في نفسه سورة التحريم آية 5 (عسى ربه إن طلقكن.....) وغيرها مثل ربهم الله يقول لنفسه هكذا أم شخص يقول هذا عن الله؟
وهل كارثة تسونامي وزلزال باكستان هل هي حب من الله للمسلمين أم كره؟
أنا والله أفكر في أن أصبح نصرانيا والله وأنا خائف لأني أخاف أن أضل طريقي وأنا لا أريد أريد أن أربح الآخرة وهذا هدفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثيراً ما نبه أهل العلم على خطورة مشاهدة القنوات الفضائية دون روية وتمحيص، والحال الذي أنت فيه نتيجة للتفريط والتساهل في هذا الأمر، فالواجب الحذر والتخلص من هذه الوسيلة والتوبة إلى الله تعالى مما سبق قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31}
واعلم أن الواجب على المسلم أن يكون على يقين من كون القرآن حقاً وأنه كلام رب العالمين قطعاً، أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم حقاً، ولا يجوز أن تكون الشبهات التي ترد إليه من أي جهة كانت باعثاً له على الشك في إيمانه، فإن هذا من الخطورة بمكان، وباعث على الردة والعياذ بالله، وراجع الفتوى رقم: 56097، وإذا لم يكن لك علم ترد به هذه الشبهات ففوض العلم إلى الله تعالى، وقل كما قال الله سبحانه عن الراسخين في العلم: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ {آل عمران: 7}
وأما إذا كانت هذه الخواطر مجرد وساوس لم تستقر في القلب، وتقوم بمدافعتها فإنها لن تضرك بإذن الله، بل إن مدافعة الوساوس دليل صدق إيمان صاحبها، وراجع الفتوى رقم: 7950، وأما بخصوص ما أوردت هذه القناة من شبهات فيدخل ضمن القديم المتجدد من قبل أعداء الإسلام للطعن فيه والتشكيك في أصوله ومبادئه، وهي محاولات يائسة قال تعالى: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 217} ثم إن جواب هذه الشبهات في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أن المعاقبة بالمثل حال الاعتداء قد وضع أهل العلم لها ضوابط، ومنها أن المحرم لا يحل الاقتصاص فيه بالمثل، وراجع في هذا الفتوى رقم: 23483، والفتوى رقم: 46548.
النقطة الثانية: أن القرآن قد أنزل بلغة العرب، ولهم أساليب في بلاغة الكلام يقصدون منه معاني حسنة، ومن ذلك تطريب أذن السامع، وشد انتباهه للتأثر بالكلام، ومن هذه الأساليب التنويع في الخطاب بين استعمال ضمير المتكلم أو ضمير الغائب أو ضمير المخاطب واستخدام أحدهما مكان الآخر، والانتقال من أحدهما إلى الآخر في السياق الواحد كما في قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وهذا كله بضمير الغيبة، ثم قال بعده: فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى {طه: 53}
ويبحث أهل العلم في الأسرار البلاغية في هذا التنوع في الخطاب، فقد يدركون هذه الأسرار أو جزءاً منها، ويعجزون عن إدراك بعضها، ويبقى أن القرآن هو كلام الله المعجز الذي تحدى به العرب الفصحاء فعجزوا عن أن يأتوا بمثله.
وفي الآية المذكورة وهي قوله سبحانه: عَسَى رَبُّهُ {التحريم: 5} ونحوها من الآيات التي يخبر فيها الله تعالى عن نفسه بأسلوب الغائب قد يكون المقصود التعظيم، وهذا موجود في لغة العرب، قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير) عند قوله الله سبحانه: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ {الزخرف: 77} قال رحمه الله: وتوجيه الأمر إلى الغائب لا يكون إلا على معنى التبليغ كما هنا، أو تنزيل الحاضر منزلة الغائب لاعتبار ما مثل التعظيم في نحو قول الوزير للخليفة: لير الخليفة رأيه. اهـ وقد يكون ذلك لمعنى آخر غير ما ذكرنا، والله أعلم.
النقطة الثالثة: أن الزلازل وغيرها من المصائب التي قد ينزلها الله على عباده، قد تكون بلاء عليهم بسبب فسادهم كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: 30} فقد يعذب الكافر لكفره، ويعذب المسلم لفسقه ومخالفته أمر ربه، فيبغض منه هذا الفعل ويعاقبه عليه، بل وقد ينزل العذاب فيعم الصالح والطالح عند كثرة الفساد، وراجع الفتوى رقم: 43939، ثم إن ما يصيب الكفار من زلازل وكوارث أعظم بكثير مما يصيب المسلمين، وما إعصار كاترينا عن الناس ببعيد، فماذا يقول أصحاب هذه القناة وغيرها من أبواق الكفر والضلال عن هذه الأعاصير وأمثالها والتي فيها مصداق قول الله تعالى: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ {الرعد: 31} أما كان الأولى بأصحاب هذه القناة أن يلتفتوا إلى ما في أناجيلهم من تناقضات دالة على بطلان ما عليه النصارى من معتقدات، فإذا أعملوا عقولهم ووقفوا مع نفوسهم وقفة تجرد لعلموا أنهم لا يملكون حجة صحيحة يثبتون بها مبادئهم فضلاً عن إبطال مبادئ غيرهم، وراجع في بيان تحريف الإنجيل وأباطيل النصرانية الفتاوى بالأرقام: 10326، 8210، 2105، وإننا لا نجد مثلاً لهؤلاء في محاولة نيلهم من الإسلام إلا كما يقول القائل:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وفي الختام نوصيك بأن تتقي الله تعالى وتحرص على دينك، وأن تحذر ما قد يفسده عليك من مشاهدة أمثال هذه القنوات وغيرها، وينبغي أن تحرص على العيش في بيئة صالحة تجالس فيها أهل العلم وتصاحب فيها الأخيار، وأن تجتنب العيش في بيئة فاسدة تجالس فيها أهل الجهل والغفلة وتصاحب فيها الأشرار، حفظ الله تعالى لك دينك وثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(2/1918)
دفع شبهات حول آيات من كتاب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم فك اللبس لدي في فهم القرآن الكريم بخصوص المواضيع أدناه
1- قول الله تعالى \"ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون , ثم عفونا عنكم من بعد ذلكم لعلكم تشكرون\" , كيف يعفو الله عن ذنب الشرك؟
2- قول الله تعالى \" كل نفس ذائقة الموت \" ثم قول الله تعالى على لسان سيدنا عيسى \" تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك \" هنا الله يقر أن له نفسا وفي الآية الأولى أنه كل نفس ستموت. مع ملاحظه أن الآية الأولى ذكرت كلمة \"نفس\" أي نكرة وليس معرفة وبالتالي لا تستثنى أي نفس من الموت ما دام اسمها \"نفس\".
3- قول الله تعالى على لسان الهدهد \" إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ... \"الآية ,, السؤال هو أنني أعلم أن الآية السابقة هي كلام الله ولكن هل نُقلت إلينا عبر الوحي كما قالها الهدهد تماما, إذا كان الجواب نعم فإننا نتعبد بكلام الهدهد أم بكلام الله؟ وكذلك فان الإعجاز اللفظي للقران يكون من نطق الهدهد. ولا يمكن أن يكون الجواب أن الكلام السابق ليس كلام الهدهد لأنه لا أصدق من الله.
وجزاكم الله خيرا
(أستغفر الله العظيم) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنيبغي أن يعلم أولا أن كتاب الله تعالى كله حق وصدق، لا اختلاف فيه ولا تضاد، وقد قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النساء: 82} وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {فصلت: 41-42} . وقال تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {هود: 1} وما ينقدح في أذهان بعض الناس من وجود اختلاف في القرآن أو تضاد إنما مرده إلى الجهل بكتاب الله تعالى، وقلما يقع هذا لطالب علم، فينبغي للمسلم أن يطلب العلم الشرعي ليرفع الجهل عن نفسه، ولئلا يصير ألعوبة بيد الشيطان يقلبها كيف يشاء، ولربما شككه في كتاب ربه فيضل بعد الهدى والعياذ بالله.
وأما ما ذكره السائل من الإشكالات فنقول:
أولا: الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو الشرك الذي يموت عليه صاحبه من غير توبة. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48} ، وأما من تاب من الشرك قبل موته فإن الله تعالى يقبل توبته ويعفو عنه. قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا {الزمر: 53} ، وقد كان كثير من أهل مكة مشركين ولما أسلموا وتابوا إلى الله تعالى من الشرك صاروا خير هذه الأمة وأعظمها منزلة عند الله.
والذين عفا الله عنهم من عبدة العجل تابوا إلى الله تعالى فقد أخبر الله عز وجل عن موسى أنه أمرهم بالتوبة إلى الله وجعل توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا ففعلوا فتاب الله عليهم. قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ {البقرة: 54} قال القرطبي: في الكلام حذف تقديره ففعلتم فتاب عليكم. اهـ.
وأخبر تعالى أن الذين عبدوا العجل َلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الأعراف: 149}
ثانيا: قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ. أي كل نفس مخلوقة فنفس الله عز وجل غير داخلة أصلا في هذا العموم لأنها غير مخلوقة، ولفظة: (كل) تضاف إلى الشيء ويراد به عموم ما يناسبه ألا ترى إلى قول الله تعالى عن ملكة سبأ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. أي مما يعطاه الملوك في ذلك الزمن وإلا فهي لا تملك ما أتاه الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام.
ثالثا: قوله تعالى: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ {النمل: 23} هذا إخبار من الله تعالى أن الهدهد قال ذلك وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا {النساء: 87} أي لا أحد، ونحن نتعبد ونؤجر عند قراءة هذه الآية لأن الله قالها فهي من كلام الله وليس لأن الهدهد قالها، وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن غير الهدهد فأخبر عن الشيطان أنه قال: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ {إبراهيم 22} وحكى الله لنا أقوالا كثيرة عن المشركين وبين بطلانها ومع ذلك فإن المسلم إذا قرأها وتلاها فإنه يؤجر لأنها من كلام الله. وإننا أخيرا ننصح السائل أن يشتغل بطلب العلم فإن هذا يقيه بإذن الله من وساوس الشيطان التي يلقيها على قلبه نسأل الله الهداية للاخ السائل وان يوفقه لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(2/1919)
جواب شبهة حول قوله تعالى (وفديناه بذبح عظيم)
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد النصارى ذكر لي ما يلي: أننا نؤمن بأن المسيح هو الذبيحة الكاملة والعظيمة أتى لكي يفدي البشرية كلها، ثم ادعى أن في القرآن الكريم ما يدل على ذلك في سورة الصافات (107) {وفديناه بذبح عظيم} ، وهذا الذبيح هو الله متجسد في المسيح لأن العظمة لله وحده، فما هو الرد على هذه الشبهة، وما هو المغزى من إرسال الكبش لإبراهيم على الرغم من تأكد الله من طاعته له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قوله تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {الصافات:107} ، ورد في سياق قصة فداء الله تعالى لنبيه إسماعيل عليه السلام، والقصة مذكورة كاملة في سورة الصافات من الآية 83 إلى الآية 113، وليس فيها ذكر لنبي الله عيسى عليه السلام، وهذه الشبهة من تدليس النصارى وجهلهم، والقرآن الكريم نص بصريح العبارة على أن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب، قال الله تعالى: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا* وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء:156-157-158} .
وأما قولهم إن العظمة لله وحده، فإن لله عظمة تليق بجلاله سبحانه، ولبعض المخلوقين عظمة تليق بهم، ولا تشبه عظمة الله تعالى، وقد وصف الله تعالى عدة مخلوقات بالعظمة، كوصفه سبحانه للعذاب بذلك في آيات كثيرة حيث يقول: عَذَابٌ عَظِيمٌ البقرة (7-114) ، آل عمران (105-176) وغيرها كثير، ووصف سبحانه الأجر بالعظمة: أَجْرٌ عَظِيمٌ. آل عمران (176-179) ، بل وصف الإثم بذلك فقال سبحانه: وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) {النساء: 48} ، ووصف بها ملك آل إبراهيم فقال: فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا {النساء:54} ، بل إنه سبحانه وصف اتهام اليهود لمريم عليها السلام بالفاحشة بالبهتان العظيم، كما مر معنا في الآيات السابقة، حيث قال سبحانه: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا {النساء:156} ، ووصف السحر بذلك، فقال الله تعالى عن سحرة فرعون: قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ {الأعراف:116} ، ووصف بذلك عرش بلقيس، فقال سبحانه وتعالى: وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ {النمل:23} ، ووصف خلق النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عظيم، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {القلم:4} ، إلى غير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه في هذه الفتوى.
وأما الحكمة من إرسال الله تعالى الفداء لإبراهيم عليه السلام مع أن الله تعالى يعلم طاعته له، فإن هذا من ابتلاء الله تعالى لعباده، فإن الله عز وجل لعدله لا يحاسب الناس على ما يعلمه منهم، وإنما على عملهم، وهذا الابتلاء لم يكن خاصاً بإبراهيم لوحده، بل ابتلاء لإبراهيم ولإسماعيل عليهما السلام، وقد نجحا في هذا الابتلاء نجاحاً باهراً، ولهذا قال سبحانه وتعالى: وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ* كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ {الصافات:104:111} .
قال ابن كثير في تفسيره: قوله تعالى (إنا كذلك نجزي المحسنين) أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد ونجعل لهم من أمرهم فرجا ومخرجا، كقوله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا.... وإنما كان المقصود من شرعه أولاً إثابة الخليل على الصبر على عزمه على ذلك، ولهذا قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ. أي الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فيسارع إلى ذلك مستسلماً لأمر الله تعالى منقاداً لطاعته، ولهذا قال الله تعالى: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى. انتهى.
وفي الختام ننصح الأخ بأن يصون دينه عن الشبهات، فلا يستمع إليها، لأن الشبهة قد تستقر في قلبه ولا يستطيع دفعها لضعف إيمانه أو قلة علمه أو للأمرين معاً، وقد نص العلماء على تحريم النظر في كتب أهل الكتاب لما فيها من التحريف، فكيف بالاستماع إلى شبهاتهم، وللمزيد من الفائدة والتفصيل حول عقيدة النصارى راجع الفتوى رقم: 10326، والفتوى رقم: 29347 والفتاوى المتفرعة عنهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1426(2/1920)
تهافت شبهة معارضة الحقائق الشرعية بالعقل
[السُّؤَالُ]
ـ[أحبتي أنا مسلم ملتزم منذ شبابي وخلفيتي الدينية جيدة, وأنا الآن أقارب الأربعين ولكن تعرضت لكثير من الضغوطات الفكرية التي لا ترحمني سيما وأنا أعتمد على العقل في تحاليل الأمور كلها ولولا العقل لسقطت التكاليف، هناك كثير من الأسئلة ولكن سأكتفي بسؤالي والذي أرجو أن يأخذ منحة اهتمام لديكم لأنني وعلى ما أظن أنني سوف أراجع إنتمائي للإسلام إذا ما لم أجد أجوبة واضحة وفاعلة ولست مسرورا في ما سيؤول إليه حالي, فها أنا ذا أقدم العذر إلى الله وإلى نفسي فيما سأفعل، فهل من مسعف حريص، السؤال منشطر
1- هل تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون منطلقة من التشريعات الإلهية (القرآن) .
2- هل كانت تصرفاته مطابقة.
3 - إذا كان جواب السؤال الأول بنعم, أريد نصا غير اجتهادي في إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم الحق بالزواج من 9 نساء، وإذا كان جواب السؤال الثاني أنها مطابقة أريد تفسيراً لمطابقتها مع مخالفة تحديد عدد الزوجات المنصوص عليه قرآنيا، كما أرجو إيفائي بما إذا كان جوابكم أنها من خصوصيات النبوة عما إذا كان هناك نص قرآني يعطي منحة الخصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، سؤالي كان يروادني منذ 15 عاما ولم أسمح لنفسي بأكثر من الاقتناع بالخصوصية، ولكن الآن الوضع أصبح مختلفا بالنسبة لي تماما، فأنا مغترب وأرى وأسمع الكثير وليس هناك من عالم يفيدني ولا أريد أن أنجرف وراء تيار العلمانية فساعدوني ويا حبذا أن يصطحبني أحد الصالحين العالمين منكم برحلة قصيرة عبرالماسنجر يساعدني فيها على تخطي محنتي؟ مشكورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننبهك أولاً إلى أن العقل ضعيف وقدرة إدراكه محدودة، ولا تجوز معارضة الحقائق الشرعية به فإنه قاصر قد لا يدرك أبسط الأشياء وأوضحها، والعقل قد دلنا على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه وأنه رسول من عنده من خلال النظر في المعجزات والآيات الدالة على نبوته، فإذا سلم العقل لتلك الحقيقة فينبغي أن يلقى إليه الزمام لأن إيمانه به رسولاً من عند الله يستلزم صدقه واستقامته، وأنه لا يعمل إلا ما أمره ربه بعمله وأذن له فيه سواء أدرك العقل حكمة ذلك أو لم يدركها لقصوره، لا لاختلال في الوحي ولا فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله أو أمر به.
وإذا أردت أن تدرك عجز العقل أحيانا وقصوره فانظر إلى حال أولئك القوم من أهل الجاهلية وهم يقولون: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ {ص:5} ، فعقولهم البسيطة لم تدرك أن عبادة إله واحد، الإله القادر وإفراده بذلك أولى من كثرة الآلهة وتشاكسها، ولذلك ضرب الله لهم مثلاً فقال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا {الزمر:29} ، وقال على لسان يوسف وهو يدعو من معه في السجن: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {يوسف:39} ، إن الحقيقة هنا من الوضوح بمكان، ولكن عقولهم لم تهدهم إليها لأنها تتأثر بكثير من المؤثرات التي تحجب عنها بعض الحقائق فتعمى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ {الحج:46} .
قال الشاطبي في الاعتصام: وتحكيم العقل على الدين مطلقاً مُحْدَث وقد ثبت بهذا أوجه اتباع الهوى وهو أصل الزيغ عن الصراط المستقيم: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ. وحاصل ما عولوا عليه تحكيم العقول مجردة فشركوها مع الشرع في التحسين والتقبيح، وأهل الأهواء إذا تحكمت فيهم أهواؤهم لم يبالوا بشيء ولم يعدوا خلاف أنظارهم شيئاً ولا راجعوا عقولهم مراجعة من يتهم نفسه ويتوقف في موارد الإشكال وهو شأن المعتبرين من أهل العقول، وجميع ذلك راجع إلى معنى واحد وهو إعمال النظر العقلي مع طرح السنن، إما قصدا أو غلطاً وجهلاً، والرأي إذا عارض السنة فهو بدعة وضلالة. .
فإياك وتحكيم الناقص -ألا وهو عقلك- على الكامل ألا وهو شرع الله كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولو كان صحيحاً سليماً فإنه لن يعارض ذلك، لأن العقل الصحيح لا يعارض الشرع الصريح، وإذا توهمت بعض ذلك فاتهم نفسك وعقلك القاصر، ولا تتهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينطق عن الهوى ولا يصدر إلا عن أمر ربه.
وما ذكرت من كونك ستراجع انتماءك إلى الدين إن لم تصل إلى نتيجة ترضي عقلك وتقنعه قول خطير وجراءة على الله كبيرة، وأنت بذلك إنما تضر نفسك، فمن آمن وأطاع فقد رشد، ومن ضل وغوى فإنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً، قال الله تعالى: فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {الكهف:29} ، فتب إلى الله من تلك الوقاحة فإننا والله نشقق عليك، وينبغي أن تشفق على نفسك من نفسك قبل أن تزل قدمك.
وأما سؤالك عن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فقد بينا أقسام اجتهاده صلى الله عليه وسلم وتصرفاته وذلك في الفتوى رقم: 3217.
وبالجملة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يجتهد أحياناً فيما لم ينزل عليه فيه وحي، فإذا أصاب أُقِر، وإذا أخطأ لم يقر على خطئه فيأتيه الوحي بالصواب كما بينا.
وأما محور السؤال وبيت القصيد، وهو ما الدليل على إباحة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بتسع نسوة أو أكثر؟ فالجواب عنه: أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا {الحشر:7} ، فهو مشرع، وما فعله وأقره ربه عليه فهو حق لا باطل قطعاً، هذا من حيث الجملة.
وأما في ذات الزواج فقد قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا* تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا {الأحزاب:50-51} ، فهذا نص قرآني لا اجتهاد فيه يبين أنه سبحانه خص نبيه بإباحة زواجه بمن شاء من غير تحديد، وقد أفضنا في هذا الأمر وفصلناه تفصيلاً في الفتوى رقم: 1570 وذكرنا أنه من المفارقات العجيبة أن يستكثر بعض أهل الكتاب والملاحدة ومن سار في فلكهم على النبي صلى الله عليه وسلم زواجه تسع نسوة أو أكثر، ويدندنون حول ذلك ويجعلونه شبهة مانعة من النبوة في حين أنهم يؤمنون بنبوة سليمان وداود، قد كان لسليمان تسع وتسعون امرأة وختمها مائة، ومع ذلك يؤمنون بنبوتهما، ونحن كذلك نؤمن بنبوتهما، ولكن هذا من باب الاحتجاج على الخصم بما يقرُّ به ويعتقده.
إن محمدا صلى الله عليه وسلم في السنوات الأخيرة من عمره كما يقول الشيخ محمد الغزالي: تزوج عدة نساء كسيرات القلوب لظروف ألمت بهن، وعشن معه طالبات آخرة لا ترف ولا سرف، وربما أرسل إلى الحبشة يتزوج من لم يرها لأنها وهي من أسرة رياسة وملك فقدت رجلها فأسرع إلى مواساتها كما فعل مع رملة بنت أبي سفيان زعيم مكة.. فأين مكان الشهوة هنا أو هنا؟.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك إنه سميع مجيب، ونعتذر إليك عن خدمة الماسنجر فخدماتنا تنحصر في تحرير الفتوى ونشرها على الموقع وإرسالها إلى السائل على عنوانه إن طلب ذلك، وأما المحادثة على الماسنجر فليست من الخدمات المتوفرة لدينا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(2/1921)