كلمة الغدر يمكن إطلاقها على الإنسان، لا على غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني جزاكم الله خيراً ... أنا أعلم أن كلمة (الغدر) تعني نقض العهد ... وأسمع أو اقرأ عن ربط هذه الكلمة بالبحر أو الزمان إلى جانب الإنسان، أؤيد أن بعض الناس يغدر ... ولكن البحر والزمن لا ... السبب إن هاج البحر فلم يهج إلا بأمر الله ... كذلك الزمان فإن تغير حال إنسان (مثلا من فرح إلى حزن) فلم يتغير إلا بأمر الله ... والله سبحانه قال في محكم كتابه العزيز: \"إن الله لا يخلف الميعاد\" فهل فكري صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد رود النهي عن سب الزمان، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار. وقوله: (وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) ، يعني به: أن ما يجري فيه من خير وشر بإرادة الله وتدبيره بعلم منه تعالى وحكمة، لا يشاركه في ذلك غيره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالواجب عند ذلك حمدُه في الحالتين، وحسن الظن به سبحانه وتعالى، والرجوع إليه بالتوبة والإنابة.
وورد النهي أيضاً عن لعن مخلوقات الله كما هو الحال في الذي لعن بعيره والتي لعنت ناقتها، كما في صحيح مسلم وغيره، والنهي عن سب ولعن هذه المخلوقات سببه أن الذي يحدث فيها أو لها إنما هي أمور قدرها الله وأرادها، دون أن يكون لتلك المخلوقات فيها كسب.
ورغم أن خلق كل شيء وإيجاده خيراً كان أو شراً هو من عند الله تعالى، فهو وحده الخالق وهو وحده النافع والضار، كما قال الله تعالى: قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ {النساء:78} ، خلقاً وإيجاداً، إلا أن الإنسان تنسب إليه أفعاله نظراً لما خصه الله به من عقل وإدراك وجوارح، يستطيع بها التصرف، ولذا فإنه يجزى على أفعاله طبقاً لما كسبت أو اكتسبت يده، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {فصلت:46} ، وعليه.. فكلمة الغدر يمكن إطلاقها على الإنسان، لا على البحر والزمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(1/2664)
عدم فهم الحكمة لا يمنع من الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان غير مخير في مكان وزمان ومحيط مولده بما يترتب عليه مسبقا من قبل الله جل جلاله من تسخير الأقدار، فإذا كان الإنسان غير مخير بهذه المسائل التي تعتير من المسلّمات ولا يحق لهذا المؤمن أن يعترض على ما كتب له ولا يسخط أو يصل لحالة اسمها الجزع من القدر والكينونة التي يحياها وعند السؤال عن هذا يأتي الجواب بأن هذه الحالة أو القدر الآتي هو أفضل وأسلم شيء وهبه الله لهذا الإنسان من أجل مصلحة ما أو حكمة ما يعلمها الله. فكيف يعلم هذا الإنسان البائس حكمة الله في هذا لكي يشعر بحالة من الرضا عن هذه المقدرات السماوية؟ وإن لم يقنع بكل ما هو مسّلم به ويريد ويتمنى بأنه لو خلق (استغفر الله) في ظروف أخرى لكانت حالته أفضل!! لكن يأتي الجواب على أنه ربما تكون حالتك أسوأ!! لكن أحيانا هذا الإنسان يتقبل نقمة غضب الله سبحانه وتعالى من أجل أن يغير محيطه لمحيط أفضل حسب تقديراته الدنيوية أتمنى أن أحصل على توضيحات عن هذه المسائل؟ وأتمنى أن تكون واضحة ولا تكون مبهمة فلو قدر لنا أن نكون في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام لكنْا سألناه عن ما يجول في خاطرنا حيث استثنيت من جميع الأسئلة السؤال عن الروح (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ولا تقولوا لي بأن الله يحاسب وبعسر من وهبه الكثير في الدنيا ... أو أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين عاما..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جميع ما يحصل في هذا الكون حاصل بقضاء الله وقدره، وله في كل ذلك حكمة بالغة منه سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49} .
وفي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
واعلم أن الإيمان بالقدر والرضا بما قدر الله أمر لابد منه للعبد، سواء فهم حكمة ذلك أم لا، وفي الحديث: لو كان لك مثل أحد ذهباً تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وفي الحديث: وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس. رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني.
واعلم أنه يشرع للإنسان أن يسعى في تغيير حالته بالأسباب المشروعة، ومن أهم ذلك الدعاء، ففي حديث السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن علي دعاء القنوت وفيه: وقني شر ما قضيت.
وفي حديث الصحيحين: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له.
وفي رواية الطبراني: ألا مقتر عليه رزقه ألا مظلوم يذكرني فأنصره ألا عان يدعوني فأعينه.
وعليك بشكر الله على ما أعطاك فهو سبب للمزيد، قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ {إبراهيم: 8} .
وعليك بالبعد عن المعاصي فهي سبب للحرمان، كما في الحديث: إ ن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان وحسنه الألباني.
وأكثر من الاستغفار فقد وعد الله المستغفرين بالإمداد بالأموال والبنين، كما قال إخبارا عن نوح أنه قال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح: 10-12} .
وعليك بالنظر فيما أسبغ الله عليك من النعم الظاهرة والباطنة، وتأمل في حال من هم دونك من المصابين بالأمراض والعاهات وأنواع الابتلاءات، وأحمد الله على العافية وقل الحمد لله الذي عافاني.
ففي الحديث: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 35549، 14836، 16833، 32933، 23586، 2795 9466، 18306، 19686، 9890.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(1/2665)
لا يحتج بالقدر على المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما دام الإنسان قد كتبت عليه أعماله خيرها وشرها، فكيف يحاسب عن شيء لم يكن له الاختيار فيه مثل اغتصاب فتاة أو اختطافها وزجها في وكر خناء، ما ذنبها، وهل كتب عليها أن تكون هكذا، وهل تعاقب عن شيء كتبه الله عليها؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 30566، 4054، 26413، 61976، 23139.
وراجع الفتوى رقم: 20130 مع إحالاتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1426(1/2666)
تسخط البنات والتعيير بإنجابهن
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على إجابتكم لسؤالي وأعود لأطرح سؤالا يرتبط بما أجبتم به بخصوص القدر ودعاء الوالدة، والموضوع كالتالي: قبل مدة كنت حاملا وأخبرني الطبيب أن الحمل أنثى, فعندما علمت أمي غضبت وخاصمتني ولم تتحدث معي وكانت تسأل عني عن طريق أختي، وبعد فترة بادرت بالحديث معها مخافة الله فذهبت أنا وزوجي للسوق ودعوتها للقدوم معنا، فأتت وبينما نحن في أحد المحال التجارية إذا بها تقول لزوجي أه يا أبا البنات، مع العلم بأن الله رزقنا ذكورا وإناثا والحمد لله إلا أنها تريد أن أحمل دائما بذكور وهذه مشيئة الله، وبعد 4 أيام من قولها هذا وإذا ابني البكر الذي لم يبلغ العاشرة يتعرض لحادث سير مما أدى إلى وفاته رحمه الله وإنا لله وإنا إليه راجعون، فحيرتي هل قد يكون درسا من الله لأمي وهل ما نطقت به لزوجي قد يكون له علاقة، فهي في رأيها أن هنالك طريقة إذا اتبعناها نرزق بذكور وعندما حملت وأخبرني الطبيب بأنها أنثى تغضب وتقول أنت السبب لم تتبعي ما قلت، لو أقدر يعني أمي على أن تنجب لأ نجبت ذكورا على حد قولها، ولا تغضب علي فقط فعلى أخواتي أيضا، حديث طويل عن أمي هداها الله، وأتوقف هنا وأعتذر إن أطلت ألا إني أبحث عن من أخبره بحالي؟ وجزاكم الله عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المؤمن يؤمن بقضاء الله وقدره، وأنه لا يحصل شيء في الكون إلا بإذنه، لقول الله تعالى: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا {التوبة:51} ، ولقول الله تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {التغابن:11} ، وأما تسخط الأم للبنات فإنه من مظاهر الجاهلية القديمة، وقد ذمه الشرع ونهى عنه، وقد أخطأت هذه الأم في إساءتها لصهرها ولمزه بأبوته للبنات، فليس في ذلك عار عليه ولا عار عليك، وكم بنت أفضل من كثير من الرجال.
وأما ما ذكرته الأم في الوسائل المساعدة لإنجاب الذكور فإنا لا نعلم مرادها، علماً بأنه قد شاع في الأوساط الطبية أن هناك بعض الوسائل المساعدة على ذلك، فإذا ثبت الأمر من الناحية العلمية فإنه لا حرج عليك في طاعة أمك في ذلك، مع الإيمان بأن الأمر بيد الله فهو المتحكم في تدبير أموره كلها ولا معقب لحكمه فيها يعطي من يشاء ويفعل ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً.
ولكن تصرف الأم وكلامها لا علاقة له بموت أحد، فإن الموت بيد الله تعالى، وقد قدر الآجال، فإذا جاء الأجل فلن يتأخر العبد طرفة عين، ولا يمكن الجزم بأن موته عقوبة لجدته على كلامها لأن ذلك مما لا يعلمه إلا الله، وننصحكم باللطف بأمكم وبرها ونصحها وتعليمها ما تجهله من الشرع، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9534، 21916، 49153، 25100.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(1/2667)
النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن المسلمون نؤمن بالقضاء والقدر وأن كل ما يحدث لنا هو قضاء وقدر فكيف يكون لنا حرية الاختيار والله سبحانه وتعالى قدر لنا كل أمورنا؟ بمعنى أنه مهما كان اختياري لأي موضوع أو أي عائق فإنه مقدر من الله ومقدر لي أن أختاره إذا اختياري كان مقدرا فلا حاجة لي بالتفكير بالاختيار فهو مقدر
أنا أعلم بأنه يجب علي الأخذ بالأسباب والتوكل على الله ولكن لم أتعب نفسي بالتفكير بالاختيار الصحيح وهو بالنهاية مقدر من الله؟
أنا أعلم أنه ربما يكون كلامي مبهما وغير واضح ولكني أرجو أن أكون قد أوصلت الفكرة التي أريد وأرجو الإجابة على سؤالي.
شكرا لكم والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق كل شيء وبقدر، كما قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49} وفي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
ويدخل في عموم شيء أفعال العباد، وهي تشمل حركاتهم وأفكارهم واختيارهم.
ومما يدل على خلق الله لأفعال العباد قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات: 96} وقوله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
فقد ثبت في الآيتين أن لهم عملا ومشيئة وأسندهما إليهم وأثبت أنهما من خلق الله. وعلى هذه المشيئة والعمل الذي يفعله العبد باختياره يحاسب العبد ويجازى ويسامح فيما فعله من دون قصد أو اضطرار إليه، فعلى العبد أن يستخدم فكره وطاقته في اتخاذ الطريق الصحيح وأن يبذل ما تيسر له من الوسائل في تحقيق طموحاته عملا بما شرع الله له من بذل الأسباب مع العلم بأن كل شيء مقدر، وأنه لن ينال العبد إلا ما كتب الله له.
وفي صحيح مسلم أن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله؛ بَيِّنْ لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر، وفي رواية: كل عامل ميسر لعمله.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره
وللمزيد في الموضوع راجع الفتاوى التالية أرقامها: 2887، 20441، 21852، 49314، 52503.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(1/2668)
الله يخلق ما يشاء ويختار
[السُّؤَالُ]
ـ[قد خلقنا الله من العدم وأخذ العهد علينا أن الله هو خالقنا. هل كان لنا الاختيار أن نخلق أو لا. أنا الآن لا أريد أن أخلق. أريد أن أرجع عدما مثلما كنت إن الأمانة لا أستطيع أن أحملها. لا أستطيع أن أعبد الله مثلما يريد هو. أنا أخاف ناره ولا أستطيع أن أصل إلى جنته. أرجو ألا أكون تجاوزت حدودي في هذا السؤال.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله خلق الناس ولم يجعل لهم اختيارا قبل خلقهم هل يخلقهم أم لا. وقد شرفهم بحمل الأمانة ولم يكلفهم إلا بما في وسعهم، فجعل فيهم قابلية الخير والشر، وألهمهم التقوى والفجور، وبين لهم طريق الخير والشر. فمن استعان بالله وحمل نفسه على طريق الإيمان والتقوى والفضيلة أحياه الله حياة طيبة في الدنيا وأكرمه بالجنة في الآخرة. ومن استسلم لهواه وشيطانه ولم يستجب لأمر ربه فإنه سيجني عاقبة اختياره. قال الله تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا {الشمس:7ـ10} . وقال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً*إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً*إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرا*إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً {الانسان:5} . وقال في معرض جزاء المؤمنين بالجنة وعدم التكليف بما لا يطاق: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {لأعراف:42} . فقد أخبر تعالى في الآية عن جزاء المؤمن بالجنة، وأدخل بين المبتدإ والخبر جملة اعتراضية تفيد أنهم ماكلفوا إلا بوسعهم فقال: لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا. فالواجب حمل النفس على القيام بعبادة الله، والاستعانة على ذلك بالصحبة الصالحة والدعاء وتعلم والوحي لا سيما أحاديث الترغيب والترهيب. وننبه الأخ السائل أنه لا يليق به أن يقول أريد أن أرجع عدماً، بل ينبغي للمسلم أن يعلم أن اختيار الله عز وجل للعبد خير من اختيار العبد لنفسه. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 10263، 25332، 31768، 33659، 56356، 9345.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1426(1/2669)
قد يقع المرء بالخطأ مع علمه بالصواب
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم ساعدوني في التخلص مما أنا فيه في إحدى المرات كنت أقوم بأداء امتحان وصادفت سؤالا وكنت متأكدة من الإجابة الصحيحة ومع ذلك وضعت الإجابة الخطأ000هل لديكم تفسير لما حصل؟ وهل أجد عندكم علاجا لحالة الحزن الشديد التي أصبحت فيها بعد هذه الحادثة.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخطأ الذي حصل منك في وضع الإجابة الخاطئة بدل الصواب مع علمك بالصواب ليس فيه ما يدعو للحزن، لأن الخطأ من سمة البشر، وانصراف ذهن الإنسان إلى خلاف ما يريده أو سبق قلمه أمر وارد. ونوصيك بالالتجاء إلى الله تعالى والاستعانة بالصبر والصلاة ليصرف همك وحزنك ويكشف كربتك، واحرصي على الاستقامة على الأعمال الصالحة فهي سبب النجاح في الأمور كلها، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 13277، 26503، 33789، 49676. فقد تضمنت بعض الأدعية المفيدة في هذا المجال، ويمكنك أن تراجعي قسم الاستشارات بالشبكة أو غيرها من المواقع لعلك تجدين عندهم إرشادات نفسية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1426(1/2670)
لا يعذب الله أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة مدلول الآية الكريمة (ولله ما في السماوات وما في الأرض، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، والله غفور رحيم) من سورة آل عمران، فهل معني هذه الآية أن العذاب مفروض على الإنسان وليس لديه اختيار، بمعنى أن التعذيب أو الرحمة هي بيد الله وحده وأن الإنسان يكتب عليه أي من هذين الأمرين، وأن الإنسان مجبر، وهل يمكن أن يقوم الإنسان بكافة أركان الإسلام من صلاة وصوم وغيرها من أركان الإسلام، ثم يعذب في النهاية، أرجو من سيادتكم الإفادة وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران: 129} يدل على أن الله سبحانه هو الحاكم المالك المتصرف في جميع عباده بالمغفرة والعذاب، فعال لما يريد، لا يسأل عما يفعل، وليس معناها أن الله يعذب المطيع ويرحم الكافر، لأنه وعد برحمة المؤمنين وتعذيب الكافرين.
قال الإمام الطبري: فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ذنوبه فيصفح عنه بفضله ويسترها عليه برحمته فلا يعاقبه بها، ويعذب من يشاء يقول: ويعدل على من يشاء من خلقه فيعاقبه على ذنوبه ويفضحه بها على رؤوس الأشهاد، فلا يسترها عليه. اهـ. بتصرف.
فمعنى الآية الكريمة غير ما ظننت لأن الله تعالى حكيم رحيم عدل لا يعذب أحدا إلا بذنوبه، ولا يعذبه إلا بعد قيام الحجة عليه، قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء: 15} . والله تعالى أعطى العبد عقلا وقدرة وإرادة يتمكن بها من جلب ما ينفعه ودفع ما يضره وعرفه طريق الخير والشر ثم جعله مخيرا بين الأمرين، ولمزيد فائدة في هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 4054.
فمن وفقه الله لطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فمصيره إلى الجنة إن شاء الله. قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {الليل: 5-7} . وقال: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف: 43}
وعليه، فمن أتى بأركان الإسلام واستقام على أمر الله فهو من أهل الجنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق. لمن قال له: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله شيئا. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
واعلم رحمك الله أن الخاتمة التي هي أمارة على الرحمة أو العذاب تكون ميراث السوابق الصالحة أو الطالحة، فعلى المسلم اللبيب الرشيد أن يبقى متمسكا بما أوجب الله عليه حتى إذا اصطلمه الموت كان من أهل الجنة. وراجع الفتويين: 58553، 56824.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(1/2671)
الزواج من قدر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج قضاء وقدر مثل الرزق والأجل أم انه باختيار الإنسان، أتمني الإفادة بالتفصيل وهل هناك حديث فيما معناه أن رجلا طلب من النبي أن يدعو له بأن يتزوج من فلانة فرد عليه صلى الله عليه وسلم لو دعوت الله لك ودعا لك جبريل وميكائيل لم تتزوج إلا التي سبق وأن كتب الله لك في اللوح المحفوظ. أتمنى الإفادة بالتفصيل وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبق في الفتوى رقم 12638 الجواب على هذا السؤال، وأن الزواج قضاء وقدر كغيره من أفعال العبد
غير أن اعتقاد أن الزواج أو غيره قضاء وقدر لا يعني ذلك ترك الأسباب كما سبق أن بينا في الفتوى رقم 52503
أما عن الحديث الذي ذكرت معناه في السؤال فلم نقف عليه، ولم نجده فيما توفر لدينا من كتب السنة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث على الدعاء ومن ذلك قوله: لا يرد القضاء إلا الدعاء. رواه الترمذي.
ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم 6703
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1426(1/2672)
نسبة الأفعال إلى الدهر
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول المتنبي: بذا قضت الأيام مابين أهلها ... * مصائب قوم عند قوم فوائد
ما رأي الشرع في هذا الكلام، هل يعتبر جحدا وإنكارا لتقدير الله للمقادير، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول المتنبي:
بذا قضت الأيام ما بين أهلها * مصائب قوم عند قوم فوائد
يحتمل أنه نسب القضاء للأيام التي هي الدهر مع اعتقاد أن الله هو الفاعل الحقيقي وأنه سبحانه يقلب الدهر كيف يشاء، كما في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار. متفق عليه.
قال الخطابي معناه: أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور. انتهى.
وهذا على عادة العرب في نسبة الأفعال إلى الدهر على معنى أنه ظرف للفعل فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر وأفناهم الدهر.
ويحتمل أنه نسب التقدير للأيام حقيقة أو من دون الله وهذا شرك والعياذ بالله، وهو بعيد والمتبادر الأول، وعلى كل حال ينبغي تجنب مثل هذه الألفاظ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1426(1/2673)
لايسأل عما يفعل والناس يسألون
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجل يشتهي أن يكون له زوجات عديدات ويشتهي أيضا أن زوجاته لا تحب سواه لذلك كرم الله الرجل المؤمن وجعل له زوجات عديدات من الحور العين وغيرهن وجعلهن قاصرات الطرف كما يشتهي كما أن المرأة تشتهي أن يكون لها زوج واحد لا يحب سواها فلماذا جعل الله للرجل زوجات عديدات؟ (وإذا كانت هذه الرغبة لا توجد في الجنة فلماذا لا تكون رغبة الرجال في الزواج بأكثر من واحده غير موجودة في الجنة كي تشتهي النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى حكيم في تدبيره لأمور خلقه والواجب على المسلم الرضى بما قدره الله تعالى في ملكه، وأن يتذكر قول الله تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} . وفي صحيح مسلم عن أبي الأسود الدؤلي قال: قال لي عمران بن الحصين، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم، قال: أفلا يكون ظلما؟ قال: ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت: كل شيء خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال لي: يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر عقلك، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء مضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليه؟ فقال: لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا.
فلتثق المرأة المسلمة أن الله عدل حكيم رحيم بالبشرية، وقد دبر أمورهم بحكمة بالغة وعدل، وقسم بينهم أرزاقهم، فلا يحق لها أن تعترض على جعل الله صلاحيات للرجال أو طاقات أكبر من طاقات النسوان، فلو تصور عاقل ما أن هناك رجلين أحدهما أكول ضخم البدن، والثاني قليل الأكل نحيف البدن فاقد الشهية، هل يصح أن يعترض على الله فيقول: لماذا لم يجعل الله هذا الضخم الأكول فاقد الشهية نحيف البدن حتى يساوي هذا النحيف؟ لا يعقل هذا أبدا ولا يقوله مؤمن. ولا ينبغي كذلك أن يتمنى المفضول على الله أن يساويه بمن فضله عليه، فالله يعطي فضله من يشاء، وقد قال سبحانه وتعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ {النساء: 32} . وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 60378، 16675، 53111.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(1/2674)
فتاوى حول القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ربط أو قول كلمة (حظي) أو هذا حظي سيء في الأمور الدنيوية واتهام النفس بأن حظها ليس مثل الناس واعتقاد ذلك بأن السبب هو الحظ فأرجو إفادتي في هذا الموضوع وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 25613، 9435، 9040، 22011، 47818، 56444، 14836.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1426(1/2675)
الأمور كلها بقضاء الله وقدره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لي أخ يبلغ من العمر 29 سنة ونحن نسكن في بلدة ريفية ولقد تقدم أخي لأداء عدة مقابلات شخصية لاستلام وظائف ولكنه ينجح في الامتحان وتضيع الوظيفة بطريقة مريبة جدا لأسباب تافهة وغريبة جدا ولقد تكرر هذا عدة مرات وقد بدأنا نشك بأن هناك من عمل عملا له يمنعه من الحصول على وظيفة كيف نتأكد من هذا وكيف نتخلص من هذا العمل إذا كان هذا حقيقيا أفيدونا إن أخي في حالة نفسية سيئة جدا؟
ونشكركم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك إلى أن الأمور كلها بقضاء الله وقدره فلا ما نع لما أعطى ولامعطي لما منع، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِه ِ {يونس: 107} . وقال تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ {فاطر: 2} . فعليكم أن تخلصوا الدعاء لله تعالى وسؤاله في أوقات الإجابة أن يرزقكم من فضله وأن يوفر لأخيكم وظيفة مناسبة. وأما اكتشاف كون تأخر الوظيفة من السحر فإنه ليس من تخصصنا إلا أنا ننصحكم بالحفاظ على الأسباب الواقية من الوقوع في السحر وهي المحافظة على أذكار الصباح والمساء وتلاوة القرآن ولا سيما سورة البقرة. وراجعي فيها الفتاوى التالية أرقامها: 5433، 5856، 2244.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1426(1/2676)
إنكارالبعث والاحتجاج بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[شبهة كيف ترد عليها، أنكر الكافرون البعث بعد الموت زاعمين أن ذلك غير ممكن، شبهة كيف ترد عليها، احتج المشركون بقدر الله ومشئته على شركهم، وأنه لو لم يشاء لهم الشرك لما وقعوا فيه، أريد توضيح الجواب منكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يزال منكرو البعث يتوارثون باطلهم ذلك منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهدنا هذا، وقد دحض الله حججهم الباطلة في غير موضع من القرآن بأساليب وحجج متنوعة، من ذلك الاستدلال بأول خلق الإنسان فإن الذي خلقه أولاً قادر على أن يعيده ثانياً، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ إلى قوله تعالى: وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ {الحج} ، فاستدل سبحانه بأول خلق الإنسان وابتدائهم وتصويرهم في الأرحام وتدبيرهم فيها وتصريفهم حالاً بعد حال فمن جعل النطفة إنساناً حياً عالماً ناطقاً فليس هذا أهون عليه من إعادته.
ومنها قوله تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {يس:78} ، إلى قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {يس:82} ، ففي هذا إجمال لقدرة الله عز وجل، قال الإمام ابن كثير: يستبعدون ذلك وهذا إنما هو بعيد بالنسبة إلى قدرتهم العاجزة لا بالنسبة إلى قدرة الذي بدأهم وخلقهم من العدم. انتهى.
ومن الأدلة على البعث التي استخدمها القرآن الاستدلال بخلق المخلوقات العظيمة كالسماء والأرض فمن قدر على خلق هذه المخلوقات مع عظمها قادر على خلق الإنسان ثانية وإعادته بعد موته، كما قال الله تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {غافر:57} ، ومن الأدلة كذلك ما يشاهد في حياة الناس من إحياء الموتى كإحياء الأرض بعد موتها وكإحياء من مات كما في سورة البقرة وتلك قصص وقعت في بني إسرائيل واليهود وأشد الناس خصومة للقرآن فلو لم تكن وقعت لسارعوا إلى تكذيب القرآن ورده ولكنهم يعلمون صحة ذلك ويتوارثونه جيل عن جيل فلا يستطيعون إنكاره.
أما احتجاجهم بالقدر وقولهم: لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا {الأنعام:148} ، فهو احتجاج باطل لا حجة لهم فيه، إذ لو كان حجة لأحد في ذنب لكان حجة لإبليس وفرعون، قال ابن تيمية في منهاج السنة: فإن الاحتجاج بالقدر باطل باتفاق أهل الملل وذوي العقول وإنما يحتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول متبع لهواه، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به، ولو كان القدر حجة لفاعل الفواحش والمظالم لم يحسن أن يلوم أحد أحداً ولا يعاقب أحد أحداً فكان للإنسان أن يفعل في دم غيره وماله وأهله ما يشتهيه من المظالم والقبائح ويحتج بأن ذلك مقدر عليه. انتهى، فعلم أن المحتج بالقدر على فعل الكفر متبع لهواه بغير علم، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ {القصص:50} .
وننبه السائل إلى أن دفع الاحتجاج بالقدر لا ينافي الإيمان به بل لا بد من الإيمان بالقدر مع رد الاحتجاج به على فعل القبائح، لأن الله عز وجل لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر بالفحشاء، بل قال سبحانه: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا {الإسراء:38} ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والله لا يأمر بالفحشاء ولا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يوجد من خطاب باطن ولا ظاهر للكفار والفساق والعصاة بفعل الكفر والفسوق والعصيان ... وإن كان ذلك واقعاً بمشيئته وقدرته وخلقه وأمره الكوني فالأمر الكوني ليس هو أمراً للعبد أن يفعل ذلك الأمر بل هو أمر تكوين لذلك الفعل في العبد أو أمر تكوين لكون العبد على ذلك الحال ... وليس في ذلك علم منه بأن الله أمره في الباطن بخلاف ما أمره في الظاهر، بل أمره بالطاعة باطناً وظاهراً ونهاه عن المعصية باطناً وظاهراً وقدر ما يكون فيه من طاعة ومعصية باطناً وظاهراً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1425(1/2677)
لا حرج في البكاء بسبب الحزن لا التسخط
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أعاني من تشوة في وجهي توحيمة أنا ولدت هكذا. أبكي كثيرا وأدخل في دوامة الحزن هل أكون مذنبة. فكما تعلمون وفي هذا الزمن الذي نعيشه الجمال والمال اللذان يحكمان. فأنا أبلغ 30 سنة رفضت أشخاصا لأنني لم أكن أرتاح لهم والأشخاص الذين أحببتهم لا يستطيعون الارتباط بي لهذا العيب الخلقي. فالرجل مهما يكون المهم فيه هو كيف يفكر وعمله أما الفتاة حتى لو كانت على خلق فلا أحد يستطيع أن يتحمل فتاة مثلي الحمد لله على كل حال.
جزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التألم من الضرر الحسي والنفسي لا حرج فيه ما لم يكن هناك تسخط على القضاء والقدر، إلا أن التصبر أولى، لما في الحديث: ومن يتصبر يصبره الله. رواه البخاري ومسلم.
ثم إنه يجوز لك علاج هذا الأمر إن أمكن علاجه، وعليك بالاستعانة بدعاء مفرج الكروب أوقات الإجابة.
ولا حرج عليك في بكاء يصدر منك غلبة بسبب حزنك على واقعك.
وننصحك بأن تعرضي نفسك على بعض من ترضين دينه وأخلاقه، فإن عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح من هدي السلف كما بوب عليه المحدثون.
وإذا تقدم للزواج بك من لا تلاحظين عليه شيئا في دينه وأخلاقه فاحرصي على الارتباط به، وإياك أن ترفضيه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 32981، 26727، 8601، 17342.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1425(1/2678)
مسير أم مخير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنسان مسير أم مخير؟ ولماذا؟ وما هو المفهوم العام للتسيير والتخيير؟
لو سمحتم: إن رأيي الشخصي هو أن الإنسان مخير كلياً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق تفصيل هذه المسألة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4054، 26413، 30566، 9192.
واعلم أن هذه المسألة شرعية عقائدية عظيمة الشأن مبناها على الأدلة الصحيحة بفهم علماء الأمة الأكابر، ولا دخل للرأي الشخصي فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(1/2679)
الطموح والقضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتعارض الطموح مع القضاء والقدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تطلع النفس لما هو أنفع لها في دنياها وأخراها أمر محمود شرعاً، فقد روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. ولا يعتبر هذا عدم رضا بالقدر، وبما قسمه الله للإنسان، لأن الله قدر المقادير بأسبابها، فقدر النجاح بالجد والمذاكرة والري بالشرب والولد بالوطء، وهكذا فلو طمع الإنسان إلى منزلة دينية أو دنيوية مباحة وعمل من أجل ذلك ووصل إليها فهو بقدر الله. ولا يجوز ترك العمل اتكالاً على القدر لأن ما في اللوح المحفوظ لا يعلمه إلا الله. قال الحافظ في الفتح: وفي الأمل سر لطيف لأنه لولا الأمل ما تهنى أحد بعيش ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1425(1/2680)
خطورة وكراهة الخوض في القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد ما هي الحكمة من قتل الأطفال والشيوخ في حالات الحرب والكوارث علماً أنهم لا يستطيعون أن يشاركوا في الحرب أو أي شيء فلماذا الله يذهب بأرواحهم؟
جزاكم الله كل الخير....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أنه لا يجوز للعبد أن يقول: لم فعل الله كذا؟ على وجه الاعتراض فذلك كفر من جنس كفر إبليس عليه لعنة الله تعالى، فإن الله تعالى وتقدست أسماؤه حكيم لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير حكمة ومصلحة، والأدلة القاطعة من الكتاب والسنة دلت على حكمته في أفعاله فيجب التسليم بمقتضى ذلك، وعدم العلم بالحكمة لا يعني عدم وجودها؛ لعدم إحاطة علم الإنسان بها. قال الله تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً {الإ سراء: من الآية85} ، وقال: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ {البقرة: من الآية255} ، والله سبحانه (ليس كمثله شيء) في ذاته وأفعاله، وله في كل خلق حكمة.
واعلم أن عامة أهل العلم كرهوا الخوض في القدر لأنه سر من أسرار الله، بل الإيمان بما جرت به المقادير من خير أو شر واجب على العباد، فلا يأمن العبد أن يبحث عن القدر فيكذب بمقادير الله أو يعترض على قضائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هلكت أمة قط حتى تشرك بالله، وما أشركت أمة حتى يكون أول شركها التكذيب بالقدر. رواه الطبراني في المعجم عن عبد الله بن عمر. وروي عن ابن مسعود مرفوعا: إذا ذكر القدر فأمسكوا. حسنه الحافظ.
قال الحافظ في الفتح: قال أبو المظفر ابن السمعاني: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء العين ولا ما يطمئن به القلب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى، اختص العليم الخبير به، وضرب دونه الأستار، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة، فلن يعلمه نبيا مرسلاً ولا ملكاً مقرباً. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1425(1/2681)
من أسباب عدم تيسير بعض أمور العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[دائماً أجد نفسي في طريق ولا أجد وسيلة أركبها، هل هذا متعلق بأمور دينية أو متعلق بعملي أو برزقي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه لا يحصل للمرء شيء في هذه الدنيا من خير أو شر أو نفع أو ضر إلا بقضاء الله وقدره، والإيمان بهذه المسألة هو أحد أركان الإيمان التي لا يتم دونها، وقد ورد في حديث جبريل المتفق عليه:.... وتؤمن بالقدر خيره وشره.
وقد يحرم العبد من الحصول على بعض ما يرغب فيه بسبب ذنب اقترفه، روى الإمام أحمد من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وعليه؛ فعدم وجودك لوسيلة تركبها، قد يكون بسبب عمل عملته، وقد يكون لسبب آخر لكنه -على كل حال- قدر قدره الله، وقضاء قضاه عليك، قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1425(1/2682)
لا يترك الأخذ بالأسباب احتجاجا بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القسمة والنصيب والحظ من الأمور المكتوبة للإنسان منذ ولادته كأن تقول الفتاة لن أتزوج إلا المكتوب لي وكلما جاءها خطيب رفضته وهي تقول ليس هذا المكتوب لي؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ثبت في الصحيح، فأول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، قال: ما أكتب، قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة كما صح في الحديث الذي أخرجه أبو داود عن عبادة بن الصامت، وراجع الفتوى رقم: 12638.
أما ترك الزواج احتجاجاً بما كُتب في القدر فغير صحيح لأن لان المقدر غيب والله تعالى يقول: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا {الجن:26-27} ، ولما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعقلها أم أتوكل، قال: أعقلها وتوكل. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وفي الصحيحين عن علي قيل يا رسول الله: ألا نتكل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له.
فلا يجوز ترك الأخذ بالأسباب بحجة الإتكال على القدر، فللمرأة أن ترفض الخطاب لأسباب عندها ولكنها لا تحتج بأنه غير مقدر لأنها لم تطلع على ما في اللوح المحفوظ، فهذا من الجدال بغير حق، روى البخاري عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله طرقه وفاطمة بنت رسول الله فقال: ألا تصليان. فقلت يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله ولم يرجع إلي شيئاً، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(1/2683)
قول الشاعر (إذا الشعب يوما أراد الحياة) في الميزان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسأل عن بيتين من الشعر يرددهم بعض الفنانين الموريتانيين وهم: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، والثاني هو: لولاه ما خلقت شمس ولا قمر ولا نجوم ولا شجر.. تعني محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما قول الشاعر: إذا الشعب يوماً أراد الحياة. فهو ينافي عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر التي هي ركن من أركان الإيمان، فإرادة البشر تابعة لإرادة الله تعالى وليس العكس، قال الله تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:29} , وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان:2} .
وأخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. ولكن هذا لا ينافي الأخذ بالأسباب والعمل بجد واجتهاد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل. رواه الترمذي وحسنه الألباني، فالعمل من تمام التوكل على الله.
أما البيت الثاني: لولاه ما خلقت شمس ولا قمر ولا نجوم ولا شجر. فهو من الغلو المنهي عنه في النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عن البخاري عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله. قال ابن القيم: فهو أعظم الخلق عند الله وأرفعهم منزلة، وذكره سبحانه بصفة العبودية في أشرف مقام مقام الدعوة والإسراء. راجع الفتوى رقم: 5211، والفتوى رقم: 31891.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1425(1/2684)
لا أحد يستطيع أن يمنع شيئا أراده الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عاطل عن العمل منذ مدة ورغم ذلك أنا صابر وأظل أدعو الله أن يوفقني للحصول على عمل مع الأخذ بالأسباب طبعاً، لكن أختي وهي أكبر مني سناً قالت لي يوماً: لماذا لا تذهب إلى أحد الفقهاء فربما يكون أحد من الذين يحسدونك قد عمل لك سحراً لكي لا تحصل على وظيفة لكني رفضت ما قالته لي أختي وقلت لها لا أحد يستطيع أن يمنع شيئاً أراده الله، وسؤالي الآن هو: من منا على صواب أنا أم أختي، وما حكم الشرع فيما قالته لي أختي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السحر حق وله تأثير بإذن الله تعالى، ويشرع الذهاب إلى راق معروف بالاستقامة على السنة وسلامة المعتقد ليعالج منه عند احتمال وقوعه، أما الذهاب للمشعوذين والدجالين فإنه لا يجوز.
وأما ما ذكرت من أنه لا أحد يستطيع أن يمنع شيئاً أراده الله فهو صحيح، ويدل لذلك قول الله تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [فاطر:2] ، وقوله تعالى: وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107] ، وقد ثبت في الحديث: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت. رواه البخاري ومسلم.
واعلم أنه لا يجوز لك أن تتهم أحداً أنه سحرك، واستعن بالله تعالى في حصول مرادك وأكثر من الدعاء ساعات الإجابة، واحرص على الأسباب المباحة وابتعد عن الحرام فإنه من أسباب الحرمان، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5856، 7151، 5230، 7768، 29607، 42127، 32655.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(1/2685)
مطالبة الإنسان بحقوقه لا يعني الاعتراض على القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في إحدى الدول الخليجية منذ عام وفي البداية بعد وصولي لهذا البلد بـ 3 شهور قد وفقني الله في عمل بإحدى الشركات لكن بمرتب بسيط مع العلم بأن المسؤول عن الشركة قد وعدنا بالزيادة من بداية العام 2004 وفي الشهر الأول من بداية العمل وعن طريق أحد أقاربي هنا تم البحث لي عن عمل آخر بمرتب مجزي وكنت في غاية الحيرة ما بين هاك وذاك لكني استخرت الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر واستكملت طريقي للعمل بالشركة الأولى بتوفيق من الله، لكن حدثت بعض الأمور في هذه الشركة ومن أهم هذه الأمور مسألة تأخير الرواتب مع العلم من أنه لم يتم اعطاؤنا حقوقنا كاملة منذ شهر نوفمبر 2003، وها نحن الآن في نهاية مايو 2004 ولكني صبرت لأنني أوقن تمام اليقين بأن الله سبحانه وتعالى لا يريد إلا الخير لعباده لكن خلق الإنسان بطبعه عجولاً، وإنني في أمس الحاجة للمال لتكوين نفسي مثل أي شاب مسلم يريد العفة والعفاف، آسف للاطالة لكن سؤالي لفضيلتكم: هل من حقي أن أطالب بحقي كاملاً أم هذا فيه معارضة لأمر الله جل جلاله حينما أمرنا بالصبر، في حالة وجود عمل آخر هل من الصح أن أترك العمل الحالي والذهاب لعمل جديد أم هذا أيضاً فيه مخالفة لأمر المولى عز وجل، علما بأني قمت بالاستخارة في بداية الأمر والآن أرى أمورا أخرى في هذه الشركة من نقص الأموال وقلة المبيعات ومعاذ الله أنني أتطلع للغيب، ولكن ما أشاهده هو الحقيقة والله عالم الغيب والشهادة، أرجو إفادتي بشدة؟ وشكراً لقراءتكم لكلماتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الشرع أمرنا بطلب ما ينفعنا من أمورنا الدينية والدنيوية، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا.
ولا شك أن مطالبتك بحقوقك كاملة من هذه الشركة أو تحولك عنها إلى شركة أنفع لك وأجدى داخلٌ في ما أمر به الشرع من الحرص على المنفعة المباحة والتسبب المأمور به في تحصيل الرزق، كما قال الله تعالى: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [سورة الملك: 15] .
وليس في ذلك اعتراض على قدر الله، فإنك تفر بهذا من قدر الله إلى قدر الله، وتدفع القدر بالقدر، كما ينبغي أن تعلم أن الاستخارة تكون في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها، أما ما هو معروف خيره من شره فلا حاجة للاستخارة فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1425(1/2686)
بطلان الاحتجاج بالقدر على اقتراف المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مع ثلاثة من الشباب مجموعة للدعوة إلى الله ولكن هناك مشكلة وهي: أن أغلب من ندعوهم وبعد كثير من الكلام يقولون (الله ما يريد لنا الهداية) أو (الله ما بدو يهدينا) ، أو (لو كان الله بدو إيانا لهدانا من زمان) ، أو غير ذلك من الحجج الباطلة، وإنا نذكرهم بقول الله تعالى: (إنا هديناه السبيل ... ) وقوله تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى) ، وغيرها ولكن عبث!!! فهلا نصحتمونا بأحاديث أو كلمات حتى ندحض هذه المقولة الباطلة والمنتشرة كالسرطان بين الشباب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحتجاج بعض الناس على الاستمرار في المعاصي بالقدر وقولهم (لو شاء الله لهدانا) احتجاج باطل لأن هذه هي الحجة التي احتج بها المشركون ولم تنفعهم؛ كما قال الله تعالى عنهم: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا [الأنعام:148] ، أي عذابنا؛ كما في تفسير الجلالين وغيره. فلو كانت هذه الحجة نافعة لنفعت المشركين.
وعليه؛ فالواجب على هؤلاء الناس أن يتقوا الله تعالى ولا يستمروا في مغالطة أنفسهم؛ لأن الله تعالى أعطى العبد مشيئة واختيارا تحت مشيئة جل جلاله لقبول الخير بعد أن بين له حقيقته والوسائل الموصلة إليه، وكذلك الشر، قال الله تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10] ، قال ابن كثير: أي بينا له الخير والشر. وكل إنسان يحس من نفسه ذلك وأنه غير مرغم على مقارفة المعاصي؛ ولكن بعض الناس يتعامون عن الهدى كما فعلت قوم ثمود الذين قال الله عنهم في كتابه: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:17-18] .
فلا نجاة للعبد إلا بالتقوى والإقبال على الهداية والبعد عن خطوات الشيطان ومكره، فالذي ننصحكم به أن تبينوا لهم أنهم غير مجبورين على الضلالة وأن بإمكانهم أن يتوجهوا إلى الله في أي وقت، وحاشا الله أن يمنع الهداية من أقبل إليها وصدق في طلبها، فإن استجابوا فلله الحمد، وإن لم يستجيبوا فاستمروا في دعوتهم ونصحهم وأعلموهم أن في هدايتهم عمارة مستقبلهم الحقيقي، وأن الإنسان في هذه الحياة لا يضمن لنفسه الحياة في هذه الدينا لحظة واحدة، فإذا مات على غير هدى فهو من الخاسرين، ولا ينفعه ماله ولا ولده.
وليس عليكم إلا البلاغ وهداية الإرشاد، وأما الهداية التوفيقية للاستقامة فهي من الله وحده، فقد قال الله لرسوله: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [الشورى:48] ، وقال سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] ، ولذا فلا شيء عليكم إذا أصروا على ضلالهم، فلستم بأحكم من محمد عليه الصلاة والسلام ولا أجدر منه في هداية الناس ومع ذلك لم يستطع هداية من حرص على هدايته ممن أراد الله له سوء الخاتمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(1/2687)
من تزوجت كافرا تستحق العقاب لمعصيتها ربها بإرادتها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو هل الزواج مكتوب أم الأنسان مخير في ذلك
وإن كان مكتوبا فلماذا يحاسب الله من تزوجت من غير مسلم؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى قد قدر مقادير كل شئ قبل أن يخلق السماوات والأرض، ففي سنن أبى داوود والترمذى عن عبادة بن الصامت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب، قال رب وماذا أكتب، قال اكتب مقادير كل شئ حتى تقوم الساعة. الحديث.
وعليه فالإنسان مكتوب عليه ما سيفعله من زواج أوغيره ولن يحيد عنه أبدا، لأن حياده عما أراده الله في الأزل، وكتبه القلم يقتضي جهل المولى عز وجل بما سيقوم به العباد وعجزه عن صرفهم عنه، تعالى الله عن كل ذلك علوا كبيرا.
ولكن المرء وهو غير مخير في أفعاله ـ ليس أيضا مجبرا عليها جبرا مطلقا إذ الجبر معناه إكراه الإنسان على فعل لا يرغب فيه ولا يريده. وليس كذلك حال الإنسان، فهو إذا أراد فعل طاعة فليس يوجد صارف يجبره على تركها، وإذا أراد فعل معصية فلا يوجد ما يجبره عليها، وإنما يفعلها من صميم إرادته ورغبته.
وبهذا يتبين أن المرأة المسلمة إذا تزوجت من غير مسلم، فإنها قد استحقت بذلك عقاب الله، لأنه نهاها عنه، ولو رفضته لما كان ثمت ما يكرهها على فعله وانظر الجواب: 4054.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1425(1/2688)
كل ما يصيب الإنسان من نعمة أو مصيبة بقدر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ المحترم، أود أن أستعلم عن ما يحق لي شرعا من خطيبتي، وأنا من فضل الله كاتب كتاب شرعي عليها بشهادة الشهود وبوجود ولي الأمر ومسجل بالمحكمة الشرعية والحمد لله رب العالمين، بعد خلوتي بها ومفارقتي لها تحدث معي أمور أشعر وكأنها عقاب من الله تعالى على ما يحصل بيننا والله أعلم (مثل أن أفتقر إلى المال لفترة من الزمن، أو أضطر لدفع مخالفات مرورية، أو تأتيني أخبار سيئة أو أواجه مصاعب في سفري وأنا أغادر منزل خطيبتي حيث أن بيننا مسافة جغرافية طويلة) ، مع العلم بأن هذه الأمور قلما تحدث معي والحمد لله، فلا أدري ماذا أعمل وما هذا الذي يحدث معي، وهذه الأمور تحدث وتزداد صعوبة بعد كل مرة أختلي بها بخطيبتي، فصرت أخشى من الاقتراب منها وأتردد كثيرا أن ألمسها، مع العلم أني قرأت فتاوى كثيرة من فضل الله وجميعها تفيد بأن خطيبتي بعد كتب الكتاب عليها تعتبر زوجتي ويحل لي منها ما يحل للأزواج من زوجاتهم والله أعلم، أفيدوني مما علمكم الله؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان عقد النكاح قد تم بأركانه وشروطه مع انتفاء موانعه فالمرأة المذكورة تعتبر زوجة، ولا تسمى خطيبة، ويباح لك الاستمتاع بها، ولكن إذا كان هناك شرط بعدم حصول الدخول مدة معينة فعليك الوفاء بذلك مخافة حصول بعض المشاكل الاجتماعية.
ثم اعلم أن جميع ما يحدث في الكون هو بقضاء الله وقدره، فما يصيب الإنسان من نعمة أو مصيبة فقد قدره الله تعالى، فقد قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22] ، وقال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن:11] ، فما يصيبك من أشياء تكرهها قد يكون بسبب ذنوب ارتكبتها فعوقبت بذلك، فقد قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى:30] .
وعليه؛ فننصحك بتقوى الله تعالى وبإمتثال أوامره، والكف عن نواهيه، ثم بالصبر على زوجتك والابتهال إلى الله تعالى أن يجعل الخير في صحبتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1425(1/2689)
السفر لطلب الرزق مباح
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث يقول فيما معناه \" يا ابن آدم إن لم ترض بما قسمته لك لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها.... \" الحديث فأنا شاب كنت أعمل مدرساً بإحدى المدارس والحمد لله متزوج ولى ابن فقررت ترك المدرسة والسفر إلى السعودية للعمل للحصول على المال وتحسين مستوى المعيشة وأنا الآن في تعب شديد وأرق فهل هذا لأنني تمردت على حياتي في موطني الأصلي وجئت إلى هنا وهل ينطبق علي نص الحديث المذكور في أعلاه. أفيدوني أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 43669، والفتوى رقم: 18340 بيان ضعف الحديث المذكور، واعلم أخي الفاضل أن السعي في الأرض والسفر لطلب الرزق مباح من حيث هو، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (الملك:15) ، وكان الصحابة ومن بعدهم من المسلمين يسافرون للعمل والتجارة والكسب، وإنما يمنع السفر للتجارة إذا ترتب عليه محظور شرعي، كأن يترتب عليه ضياع الأولاد، والغياب عن الزوجة أكثر من ستة أشهر بغير رضاها، أو مقارفة معصية بسبب هذا السفر ونحو ذلك.
وعليه؛ فليس مجرد السفر للعمل سبب للأرق والضيق فلعل هناك سبب آخر.
والحديث إنما فيه الكلام عن الرضى بما قسم الله، فينبغي للإنسان مع أخذه بالأسباب أن يرضى بما قسمه الله له، وفي ذلك الطمأنية والسعادة.
ونوصي الأخ بالإكثار من العبادة وملازمة ذكر الله، فذلك هو السبيل لإزالة الضيق عن الصدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1425(1/2690)
الأخذ بالأسباب مختلف مرتبة وحكما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأخذ بالأسباب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حكم الأخذ بالأسباب يختلف باختلاف المسبب المطلوب إيجاده، فقد يكون الأخذ بالأسباب واجباً، وذلك إذا كان فعله لتحصيل واجب، كتحصيل أسباب الواجبات الشرعية كالعلم بأحكام الصلاة والصيام ونحوهما من الواجبات، وقد يكون الأخذ بالأسباب حراماً، وذلك إذا كان السبب المطلوب فعله يؤدي إلى حرام، كالأسباب المفضية إلى الزنا وشرب الخمر ونحوهما، وهكذا يكون الأخذ بالأسباب مكروها ومستحباً بحسب ما يفضي إليه، وبهذا يُعلم أن الأخذ بالأسباب مختلف المراتب من جهة الحكم، وأنه لا يتنافى مع الإيمان بالقدر ولا التوكل ولا الثقة في الله تعالى، قال ابن مفلح في الآداب: قال الشيخ تقي الدين -رحمه الله- الله هو الذي خلق السبب والمسبب، والدعاء من جملة الأسباب التي يقدرها، فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب بالكلية قدح في الشرع، بل العبد يجب أن يكون توكله ودعاؤه وسؤاله ورغبته إلى الله سبحانه وتعالى، والله يقدر له من الأسباب من دعاء الخلق وغير ذلك ما يشاء، والدعاء مشروع أن يدعو الأعلى للأدنى والأدنى للأعلى. ا. هـ
وقال أيضاً: وقال أحمد للميموني: استغن عن الناس، فلم أر مثل الغني عن الناس، وقال رجل للفضيل بن عياض -رحمه الله- لو أن رجلاً قعد في بيته وزعم أنه يثق بالله فيأتيه برزقه، قال: إذا وثق به حتى يعلم أنه وثق به لم يمنعه شيئاً أراده، ولكن لم يفعل هذا الأنبياء ولا غيرهم، وقد الله تعالى: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (الجمعة: من الآية10) ، ولا بد من طلب المعيشة. ا. هـ
وقال ابن العربي في أحكام القرآن، عند تفسير قوله تعالى: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك. قال: فيها جواز التعلق بالأسباب، وإن كان اليقين حاصلا، لأن الأمور بيد مسببها، ولكنه جعلها سلسلة، وركب بعضها على بعض، فتحريكها سنة، والتعويل على المنتهى (يعني القدر) يقين، والذي يدلك على جواز ذلك نسبة ما جرى من النسيان إلى الشيطان، كما جرى لموسى صلى الله عليه وسلم في لقاء الخضر، وهذا بين فتأملوه. ا. هـ
وللفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15869 / 17431 / 20434 / 20441 / 21491 / 18784
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(1/2691)
لا يقع النكاح إلا بقدر الله جل جلاله
[السُّؤَالُ]
ـ[يا سعادة الشيخ الكريم بالله عليك أفدني فإني أتعذب ومدمرة نفسيا، هل الزواج من قضاء الله وقدره التام؟ ويدخل في الأمور القدرية البحتة مثل الموت والرزق؟ وما هي الأشياء القدرية البحتة التي ليس للإنسان التدخل فيها؟
لأني باختصار أحببت رجلاً وفي الدولة التي هو منها يصعب الزواج من الخارج مع أنها دولة عربية إسلامية من الدرجة الأولى بحجة أن نسبة العنوسة لبنات الدولة كبيرة!!!!!! وتضع بصراحة صعوبات ما لها حدود،
هل لو الطلب الخاص بنا بخصوص الزواج لم يحصل على الموافقة يبقى هكذا الواحد يسلم ويقول هذا قضاء الله سبحانه وتعالى، ولا يلجأ للزواج الشرعي فقط على سنة الله ورسوله مع عدم توثيقه، مع العلم بأنه لو تم ذلك وأتينا بأولاد لا يستطيع الزوج إضافتهم وتسجيلهم عنده ويدخل في مشاكل ما لها حدود مع بلده لأنه عاص للأومر ويعتبر هذا جريمة مع أنه أبسط حقوق للإنسان وهو الزواج على سنة الله ورسوله
وهل هذه الصعوبات التي تضعها معظم الدول العربية لبعضها تعتبر ظالمة وتجبر الإنسان على الزواج الشرعي الذي يسمى في هذا الزمان الزواج العرفي يعتبر جريمة
نحن نريد أبسط الحقوق التي وضعها الله لنا وهو الزواج والحلال يا سيادة الشيخ أفدني بالله عليك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل شيء في الكون لا يكون إلا بقضاء الله وقدره، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (القمر:49) ، وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (الفرقان: من الآية2) ، ومن ذلك النكاح فلا يقع نكاح بين رجل وامرأة إلا بقدر الله جل جلاله، إلا أن الله تعالى جعل للإنسان مشيئة واختياراً تحت مشيئة الله واختياره، كما قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (التكوير: من الآية29) ، والشخص الذي يعيش في بلدة تمنع أنظمتها من الزواج بفتاة من خارجها عليه الالتزام بنظام ذلك البلد، ولا يعرض نفسه وأولاده للأضرار والمخاطر، وفي بلده من النساء الصالحات لزواجه منهن خَلْقاً وخُلُقاً العدد الكثير ولله الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(1/2692)
كثرة العيال وقلتهم لا تزيد ولا تنقص من رزق العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق يقول إنه سوف ينجب 5 أطفال أو أكثر قلت له هذا خطأ فيقول لي كل له رزقه، فقلت له تنظيم الأسرة أفضل، فلو أنجب طفلين وأحسن تربيتهما لكان أفضل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما قاله صديقك حق، ومصداق ذلك قول الله عز وجل: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6] ، ثبت في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم.
أن الله يأمر ملكاً عند نفخ الروح في الجنين بكتابة رزقه وأجله وشقي أو سعيد، فالواجب على المسلم الاعتقاد جازماً أن الأرزاق بيد الله تعالى، وأنها مقدرة مكتوبة، وأن كثرة العيال وقلتهم لا تزيد ولا تنقص في رزقه، وأما تنظيم النسل خشية قلة الرزق فهو من سوء الظن بالله تعالى وضعف اليقين، وراجع في حكم تنظيم النسل الفتوى رقم: 268، والفتوى رقم: 16894.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(1/2693)
البكاء عند الضيق والحزن لا شيء فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مؤمنة بقضاء الله وقدره، ولكن عندما أذهب إلى النوم أتذكر الأمور المحزنة فيضيق صدري، لأني أمر الآن بظرف صعب فأفرغه بالبكاء، وأنا أصلي وأقرأ القرآن وأذكر الله، هل هذا الأمر يعني رفضي لقضاء الله وقدره؟ وجزاكم الله خيرا. ً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن البكاء الذي يعتري المرء عند المصائب أمر فطري، والناس يتفاوتون فيه كثرة وقلة، وقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما رأى ابناً لابنته زينب رضي الله عنها نفسه تقعقع، فلما قال له الصحابة: ما هذا؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. رواه البخاري وغيره.
وقد جاء في الحديث: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب. رواه البخاري وغيره.
وهذا يعني أن البكاء لأجل مشكلة ما أو مصيبة معينة لا شيء فيه، إلا إذا صحب ذلك عدم الرضا القلبي بقضاء الله، أو النطق بكلام يدل على السخط وعدم التسليم للقدر، ولتراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20091، 15197، 13393.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(1/2694)
عدم زواج الفتاة ليس من باب "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التفسير الدقيق للآية الكريمة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ... أقصد هل صحيح أنه إذا لم يكتب لفتاة أن تتزوج فذلك لأن الله يعلم أنها غير قادرة على أعباء الزواج فلم يكتبه لها، وهكذا قياسا على كل شيء؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معنى الآية أن الله تعالى لا يحمل الإنسان من الأعمال فوق طاقته ولا يكلفه بما لا يستطيع أن يقوم به، مثال ذلك أن الصلاة لا تصح بدون توافر شروطها والإتيان بأركانها، فإذا عجز المكلف عن الشروط أو الأركان أو عن بعضها فالله عز وجل لا يكلفه بما عجز عنه ولم يستطعه.
وأما عدم زواج الفتاة فليس من هذا الباب، وإنما هو من تقسيم الله تعالى للأرزاق، وله سبحانه وتعالى هبة ما شاء لمن شاء، وكل ما يحصل واقع بقضائه وقدرته، وهو أعلم بمصالح العباد وعلى المسلم أن يرضى بما قدر الله له، وأن يقول دائماً الدعاء المأثور: اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي في ما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي في ما تحب. رواه الترمذي ورواته ثقات إلا سفيان بن وكيع متكلم فيه، وقد تعضد برواية ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة له بسند آخر.
فعلى الفتاة إذا أكرمها الله بالزواج أن تقوم بأمر الله في الزواج وتتحمل مسؤولية البيت وتربية الأبناء، وإذا لم يقدر لها ذلك فعليها توظيف فراغها في خدمة والديها وفي تعلم القرآن والحديث.
وعليها أن تحرص على ما ينفعها وتستعين بالله وتكثر دعاءه وسؤاله زوجاً صالحاً، ولا بأس في أن تعرض نفسها -بواسطة وليها أو غيره- على من ترتضي دينه وأخلاقه من الرجال ليتزوجها، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 9990، والفتوى رقم: 10103.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1424(1/2695)
لماذا اختلاف ألوان بني آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
ماهو أصل الإنسان ذي البشرة السوداء، هل صحيح أنه أصبح أسود بحرارة الشمس، كما يقول الغرب أم أن هناك حكمة وقدرة لله في هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك.، وصححه الألباني وغيره.
ففي هذا الحديث أن اختلاف ألوان ذرية آدم راجع لاختلاف ألوان التربة التي خلق منها آدم.
وأما القول بأن الأسود من بني آدم إنما أصبح أسود لحرارة الشمس فهذا غير صحيح شرعاً وواقعاً، وهذا لا يخفى على عاقل، صحيح أن لون البشرة يتأثر بالمناخ والحرارة لكن ذلك لا يؤثر على الجينات الوراثية، حيث إن الشخص الأسود إذا انتقل إلى منطقة باردة لا يزول عنه السواد، وكذلك الأبيض إذا انتقل إلى منطقة حارة اسودت بشرته، فإذا عاد إلى منطقته الباردة رجع له بياضه.
وقول السائل: أم أن هناك حكمة وقدرة لله فيه؟ جوابه أن كل شيء في الكون إنما هو بقدرة الله وحكمته، حتى لو قلنا إن سبب اسوداد بعض بني آدم هو حرارة الشمس، فذلك راجع لحكمة الله وقدرته سبحانه وتعالى، وراجع لمزيد من الفائدة والتفصيل الفتوى رقم:
34054.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1424(1/2696)
معنى الجبر والاختيار
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما الجبر وما الاختيار]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالجبر عند من يزعمه هو نفي الفعل حقيقة من العبد، وإضافته إلى الرب، فكأن الله في زعمهم يُكرِه عباده على فعل الذنوب كما يُكرِههم على فعل الطاعات.
وأما الاختيار، فهو إثبات قدرة العبد على اختيار الخير والاندفاع نحوه، والنفور من الشر والبعد عنه، وقد سبق أن بينا أن الإنسان بين التخيير والتسيير، فهو مخير ومسير معاً، كما في الفتاوى التالية أرقامها: 4054، 26413، 30566.
ولمعرفة المتكلمين في القدر بأنواعهم، وموقف أهل السنة منهم راجع الفتوى رقم: 9192، ورقم: 12638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1424(1/2697)
الاعتراض القلبي على القضاء لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم والرحمة والبركات أريد الإفادة في أنه إذا وقع بالإنسان أي نوع من الإبتلاء من الله ولم يصبر عليه، بأن اعترض مع نفسه وتذمر من داخله بهذا القضاء، وأراد تغييره بأي طريقة ولم يستطع، فهل هذا يؤدي به إلى غضب من الله أم أن الله يعطي له أجر هذا الابتلاء بغض النظر عن صبره عليه أم لا؟ وأفادكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: الصبر على البلاء وعدم الجزع أمر مطلوب شرعًا، والأجر فيه بقدر الصبر والتسليم لله عز وجل، وذلك لأن الابتلاء تمحيص للمؤمن واختبار له. قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] . وقد بسطنا القول في هذا في الفتوى رقم: 9803. وعليه فلا يجوز للمسلم أن يصدر عنه قول أو فعل ينافي الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، وإلا كان فاعل ذلك في غاية العصيان لله تعالى، وذلك لأن قضاء الله تعالى خير كله، وعدل وحكمة، فيرضى به كله. فإن وقع منه لا على سبيل التسخط فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، كما وقع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، حين قالت: وا رأساه. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وا رأساه. قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية، فكم من ساكت وهو ساخط، وكم شاك وهو راضٍ، فالمعول في ذلك على عمل القلب لا على نطق اللسان. ومن هذا يتضح للسائل عدم جواز اعتراض القلب على قضاء الله وقدره، اللهم إلاَّ إذا كان ذلك وسوسة لا يستطيع دفعها، فحينئذ لا مؤاخذة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم. رواه البخاري ومسلم. وليس من عدم الرضا بالقضاء طلب تغيير الابتلاء بالطرق الشرعية، كأن يكون الإنسان مريضًا فيذهب إلى الطبيب للمعالجة أو الرقية الشرعية. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(1/2698)
الخوض في القدر.. الجائز والمنهي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق لنا البحث في القضاء والقدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن البحث في القضاء القدر من أجلِ تعلم ما يجب على المسلم اعتقاده ويصحح به إيمانه واجب، لقوله صلى الله عليه وسلم لجبريل جوابًا عن سؤاله عن الإيمان: وأن تؤمن بالقدر خيره وشره. رواه مسلم فدل ذلك على أن الإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي يجب على المسلم أن يؤمن بها، ومعلوم أنه لا يتحقق هذا الإيمان الواجب إلا بعد العلم به.
وأما الخوض في القضاء والقدر بالظن وعدم العلم ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته فإنه لا يجوز. فقد روى أحمد وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب. قال: فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم!. قال: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده. قال الشيخ الأرناؤوط: صحيح.
وفي رواية ابن ماجه قال: خرج رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ عَلَى أصحابه وهم يختصمون في القدر. فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب. فَقَالَ: بهَذَا أمرتم أو لهَذَا خلقتم؟ تضربون القُرْآَن بعضه ببعض. بهَذَا هلكت الأمم قبلكم!. قَالَ: فَقَالَ عَبْد اللَّه بْنُ عمرو: مَا غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عَنْ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ مَا غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عَنْهُ.
وروى الطبراني من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا. وقد حسن إسناده المباركفوري في تحفة الأحوذي، وصححه الشيخ الألباني في السلسة الصحيحة وصحيح الجامع.
والمنهي عنه في هذه الأحاديث هو الخوض فيها بالباطل والظن -كما أسلفنا -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الخوض في ذلك - أي في القضاء والقدر - بغير علم تام، أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنازع فيه.
وفي الحديث الذي ذكرناه أخيرًا ما يدل على ذلك، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا فليس معناه - كما هو معلوم - الإمساك عن ذكر فضائل الصحابة وجهادهم، إنما معناه الإمساك عن ذكرهم بالباطل، وكذلك يقال في القدر.
أما ما يؤثر عن بعض العلماء من أن القدر سر الله في خلقه، فهذا صحيح يجب إدراكه لكل من يبحث في القدر، لكن هذا محصور في الجانب الخفي من القدر، ألا وهو كونه سبحانه وتعالى أضل وهدى، وأمات وأحيا، ومنع وأعطى، وقسم ذلك بين عباده بقدرته ومشيئته النافذة، فمحاولة معرفة سر الله في ذلك لا تجوز؛ لأن الله حجب علمها حتى عن أقرب المقربين، أما جوانب القدر الأخرى وحِكَمُه العظيمة ومراتبه ودرجاته وآثاره، فهذا مما يجوز الخوض فيه، وبيان الحق للناس فيه، بل بيانه مما يندب إليه، وينبغي شرحه وإيضاحه للناس؛ إذ الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي ينبغي تعلمها ومعرفتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1424(1/2699)
ما سيقع من محبوب أو مكروه لا يعلمه إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
لي مسألة أصبحت تسبب لي المشاكل ربما هي غريبة بعض الشيء وتتمثل في حركة لا إرادية لأجفان عيني العليا
والسفلى، والمشكلة أنه كلما تحصل هذه الحركة يحصل أمران إما أن تنزل الأمطار أو يحصل لي أمر سيئ يكون عادة متصل بإعدادي في الامتحان، ربما يبدو أمرا مضحكا ولكنه يحصل منذ سنوات وعبثا حاولت تجاهل هذا الأمر لكني لم أستطع، أفيدونا يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما سيقع من محبوب أو مكروه لا يعلمه إلا الله تعالى ولا سبيل إلى معرفته، لذلك فإنما تتوقعه بعد حركة عينيك مما تحب أو تكره يخشى أن يكون من التطير الذي كانت العرب تأخذ به فيجب عليك رفضه وعدم المبالاة به، وأن تعتقد اعتقاداً جازماً أن ما أراده الله تعالى كونا وأزلاً لا بد أن يقع وما لم يرده لن يكون أبداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(1/2700)
التطلع إلى ما هو أنفع هل ينافي الرضا بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل إذا كنت أعمل عملاً لا يتناسب مع مؤهلاتي وإمكانياتي العلمية، وكنت في بعض الأحيان ساخطة على هذا العمل هل يعتبر هذا عدم رضا ويغضب الله مني، خاصة أنني لا يعنيني الجانب المادي وإنما الجانب المعنوي والحسي ورغبتي في القيام بعمل أشعر فيه بذاتي، فهل هذا يغضب الرحمن مني؟ أفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تطلع النفس إلى ما هو أنفع لها في دينها ودنياها أمر محمود شرعاً، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احرص على ما ينفعك واستعن بالله.
ولا يعتبر ذلك عدم رضا بما قسم الله للإنسان، إلا أنه ينبغي استحضار كون هذا العمل في نفسه نعمة من الله تعالى، إذ أن هنالك من الناس من قد يبحث عن مثل هذا العمل ولا يجده، ومن هنا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر هام ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك. رواه ابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 9466.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1424(1/2701)
القدر يحتج به في المصائب دون المعائب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة متدينة ولا تترك أي فرض من فروض الصلاة وتقرأ القرآن باستمرار يوميا ومرتدية الحجاب ولكن تحب شابا وهي على علاقة به منذ سبع سنوات ولا يستطيعان الزواج لأن أهلها يرفضونه باستمرار وهي تعرف أن هذه العلاقة خطأ وحرام ولكن تقول إن ربنا كاتب لنا أن أجتمع أنا وهو وأساعده ويساعدني فلماذا خطأ هل هو حرام وربنا كاتب ذلك، أصبح لديها نوع من الشك في كل شيء، إذا حرام طيب لماذا ربنا جمعنا، وماهو الطريق الصحيح لها وله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن علاقة الحب بين الرجال والنساء: حقيقة الحب وحكمه وطرق علاجه، وردت كلها مفصلة في الفتوى رقم: 9360.
وأما ما تقوله هذه السيدة التي زعمت أنها متدينة فإنه أخطر بكثير من مسألة العلاقة نفسها، لأنه يتعلق بالعقيدة، فصحيح أن الأمور كلها بمشيئة الله وإرادته، ولكنها كلمة حق يقولها البعض ويريد بها الباطل، فهذا هو نفس الاحتجاج الذي أورده كفار قريش لما نهوا عن عبادة الأصنام قالوا: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ [الزخرف:20] ، وقال الله تعالى عنهم: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام:148] .
فالمرء لن يعمل إلا بما سبق في كتابه، ولكنه لما أتيح له من الأسباب ما يمكنه من سلوك الطريق السوي وبين له ذلك، وجهل ما قدره الله له من السعادة أو الشقاوة يوم القيامة، كان عليه أن يعمل ويأخذ بالأسباب الشرعية ويدع ما سواها، ولا يتَّكل على ما كتب أزلاً، فعن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فأخذ شيئاً فجعل ينكت به الأرض، فقال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة، قالوا يا رسول الله أفلا نتّكل على كتابنا وندع العمل، قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء، فسييسر لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى.... الآية. متفق عليه.
وقال شيخ الإسلام: إن القدر يحتج به في المصائب دون المعائب. عدة الصابرين ج1ص18.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1424(1/2702)
تمني الموت المطلق اعتراض على القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام فيمن يطلب الموت ويلح على الله فى الدعاء لأنه لم يعد يحتمل مرضه إذ أنه معقد نفسيا ويعامل من حوله معاملة سيئة وهذا يعذبه أكثر ويرجو من الله ألا يتركه يتعذب ويعذب من حوله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت لضرر حل به من مرض أو فقد أو نحو ذلك من مشاق الحياة الدنيا، بل يصبر ويحتسب فإن الله جاعل له من همه فرجاً ومن ضيقه مخرجاً مع ما يناله من الأجر العظيم على صبره واحتسابه، قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:90] ، وقال الله تعالى: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] .
وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. رواه البخاري ومسلم.
فتمني الموت المطلق اعتراض على القدر ويأس من رحمة الله لكن الدعاء باللهم أحيني ما كانت الحياة....، تفويض وتسليم للقضاء، فللمسلم أن يدعو به في حال الشكوى والضيق مع أن الصبر والتسليم أولى وأعظم أجراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1424(1/2703)
الله تعالى يعاقب العاصي عدلا ويثيب المحسن فضلا
[السُّؤَالُ]
ـ[عند حدوث أي حدث لشخص يقال إن هذه هي إرادة الله لكنني أعترص أعلم أن الله يعلم الغيب وهو مطلع على كل شيء ولكن هذا الحدث سوف يعاقب عليه الفاعل إذا الله اعطاني العقل لتجنب الأعمال التي تضر وما ليس لنا قدرة عليه هو من عند الخالق الرجاء إفادتي حتى أتجنب هذا الأمر.
ودمتم للإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن أي حدث في هذا الكون هو بإرادة الله وقضائه، ومع ذلك فالله تعالى يعاقب العباد على ما فرط منهم من المعاصي عدلاً منه، ويثيبهم على ما قدموه من الإحسان تفضلاً منه وكرماً.
فهل الإنسان بذلك مسير أم مخير؟ إن الإنسان مسير ومخير في نفس الوقت، وتفسير ذلك أن جميع ما يقوم به من أفعال هو تنفيذ لأوامر كونية قدرية سبق تحديدها، وليس بإمكانه أن يغير شيئاً منها، فهو من هذا المنطلق مسير.
وهو من جهة ثانية قد أُعطي العقل والحواس التي يميز بها بين النافع والضار، وأُعطي القوة لتنفيذ ما يريد، ولم يكرهه أحد على انتهاج هذا المسلك أو ذاك، فهو بذلك مخير، فالتسيير المحض هو أن يهم بفعل فلا يجد الوسيلة لفعله، والتخيير المحض هو أن يقوم بأفعاله من غير أن تكون محددة سلفاً.
ولتنظر أدلة ذلك في الفتوى رقم: 4054.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1424(1/2704)
تقدير النكاح من عدمه بيد الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر اثنتان وثلاثون سنة أصبت بسحر وعولجت بالرقيةالشرعية والحمدلله مشكلتي هي: تقدم لي شاب لخطبتي وأبوه وأخته عارضوا بحجة غير مقنعة.
السؤال: هل هو قضاء الله وقدره أي كل شيء بإذن الله أم بسبب السحر الذي أصابني جعل هذا الزواج لا يتم. في الحقيقة أعيش حالة نفسية مضطربة وإحباط شديد وكان القرآن هو شفاء ما في الصدور أريد إجابة أو موعظة تواسي قلبي الميؤوس مع العلم أنني محافظة على الصلاة وأذكارالصباح والمساء وشكراً....
تحياتي الخالصة لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا من قضاء الله وقدره لأنه لا تأثير للسحر ولا غيره فيما يصل إلى الإنسان من خير وشر إلا بإذن الله، لأن الله تعالى يقول: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107] .
ويقول: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] .
وفي سنن الترمذي: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وفيه: من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله.
فلا داعي للاضطراب والإحباط، فإن الذي كتب الله لك سيصلك، رضي بذلك من رضي، وسخط من سخط. وما اختاره لعبده فهو الخير، والله تعالى يقول: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون [البقرة:216] .
ويقول: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الشورى:36] .
ويقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] .
فتوبي إلى الله تعالى، ولا تعترضي عليه في قضائه، واسأليه من فضله، وانظري الفتوى رقم:
20044 - والفتوى رقم: 18517.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1423(1/2705)
التوقي والحذر من الدواب الفواسق مطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ["حد العقرب لا تقرب وحد الحية أفرش ونام " هذا مثل عندنا فيقولون إن الحية مرسلة من عند الله لتلدغ الإنسان أما العقرب فيقرص من بوجهه ما مدى صحة هذا الكلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كلاً من الحية والعقرب قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهما في الحل والحرم لأنهما من ذوات السموم الضارة، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب والعقرب والحديا.
ويستثنى من قتل الحية ما وجد منها بالبيوت فإنه ينذر ثلاثة أيام فإن خرجت فذلك وإلا قتل، لما في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئاً منها فحرجوا عليها ثلاثاً، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر.
ولا فرق بين العقرب والحية لأن كلا منهما يؤذي، ويجب على الإنسان أن يتوقاه ويحذره، وما ذكره السائل الكريم لم نقف عليه، والذي يفهم منه غير صحيح، فكل المخلوقات تحت مشيئة الله تعالى لا يصيب إلا بأمره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1423(1/2706)
حكم مقولة "صدفة" يرجع إلى اعتقاد قائلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استعمال كلمة صدفة أو حظي.. مع ذكر أقوال العلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المؤمن اعتقاد أن كل ما يحدث في هذا الكون من شيء هو بإرادة وتقدير من الله جل وعلا، قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] .
وأن الله قدر هذا قبل خلق السماوات والأرض؛ كما ثبت ذلك في الحديث الذي أخرجه مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
وعلى هذا؛ فإذا كان القصد بالصدفة هو ما يعتقده الملحدون من أن الأشياء هكذا تحدث صدفة من غير علم أو تدبير من الخالق العليم سبحانه، فهذا كفر يخرج صاحبه عن ملة الإسلام.
أما إذا كان المراد بها حصول الشيء مصادفة من غير علم الإنسان بذلك مسبقًا وهو ما يعرف بالمفاجأة؛ كأن يلقى الإنسان صديقًا عزيزًا عليه مصادفة بعد طول غياب من غير مواعدة بينهما فهذا لا حرج فيه؛ لأنه ليس فيه نفي لعلم الله وتقديره.
وراجع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، الجزء الأول ص60.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(1/2707)
السخط على قضاء الله ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السخط على قضاء الله كفر؟
وما هي كفارته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصبر على قضاء الله، وقدره بالمكروه، وعدم التسخط بقول: كرفع الصوت عند الموت، أو بفعل: كشق الجيب أو نتف الشعر، ونحو ذلك واجب، واختلف العلماء في وجوب الرضا القلبي على قولين وقد فصلهما ابن القيم في كتابه مدارج السالكين فقال: وهو يتكلم عن أعمال القلوب: وكذلك الصبر واجب باتفاق الأمة، قال الإمام أحمد: ذكر الله الصبر في تسعين موضعاً من القرآن أو بضعاً وتسعين، وله طرفان أيضاً واجب مستحق، وكمال مستحب. وأما المختلف فيه فكالرضا، فإن في وجوبه قولين للفقهاء والصوفية، والقولان لأصحاب أحمد، فمن أوجبه قال: السخط حرام، ولا خلاص عنه إلا بالرضا، وما لا خلاص عن الحرام إلا به فهو واجب، واحتجوا بأثر: من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سواي. ومن قال هو مستحب قال: لم يجيء الأمر به في القرآن، ولا في السنة بخلاف الصبر، فإن الله أمر به في مواضع كثيرة من كتابه....
وأما الرضا فإنما جاء في القرآن مدح أهله، والثناء عليهم لا الأمر به. قالوا: وأما الأثر المذكور فإسرائيلي لا يحتج به.
قالوا: وفي الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن استطعت أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره النفس خيراً كثيراً. وهو في بعض السنن.
قالوا: وأما قولكم لا خلاص عن السخط إلا به فليس بلا زم، فإن مراتب الناس في المقدور ثلاثة: الرضا وهو أعلاها، والسخط وهو أسفلها، والصبر عليه بدون الرضا به وهو أوسطها. فالأولى للمقربين السابقين، والثالثة للمقتصدين، والثانية للظالمين.
وكثير من الناس يصبر على المقدور فلا يسخط وهو غير راض به، فالرضا أمر آخر.
وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم، وظن أنهما متباينان، وليس كما ظن، فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به راض به، والصائم في شهر رمضان في شدة الحر متألم بصومه راض به، والبخيل متألم بإخراج زكاة ماله راض بها. فالتألم كما لا ينافي الصبر لا ينافي الرضا به.
وهذا الخلاف بينهم إنما هو في الرضا بقضائه الكوني، وأما الرضا به رباً وإلهاً، والرضا بأمره الديني فمتفق على فرضيته، بل لا يصير العبد مسلماً إلا بهذا الرضا أن يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. انتهى كلام ابن القيم وهو غاية الروعة والدقة والجمال.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1423(1/2708)
بذل الأسباب مع التفويض لا يقدح في الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القول: "ارسم مسار حياتك بنفسك"، أليس في ذلك تجاهل للمشيئة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العبارة التي وردت في السؤال لا تعارض الإيمان بمشيئة الله وقدره، إذ أن الذي يظهر أن المراد بها: اتخاذ الأسباب، بأن يتخذ الإنسان أحسن السبل وأفضل الطرق التي توصله إلى تحقيق أهدافه وغاياته فيما فيه قوام حياته على أكمل وجه.
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احرص على ما ينفعك واستعن بالله. فقد جمع الحديث بين بذل الأسباب وتفويض الأمر إلى الله تعالى.
كما أنه من المعلوم أن الله تعالى قد أثبت للعبد مشيئة فقال: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [التكوير:28] .
وعلى المسلم أن يعتقد أنه لا يقع شيء إلا بإرادة الله ومشيئته، لذلك أتبع هذه الآية بقوله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1423(1/2709)
الإيمان بالقدر يبعث في النفس الطمأنينة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد
سؤالي إليكم هو: عند رسوبي في شهادة البكالوريا كنت أبكي كثيراً في الليل لشدة حزني على البكالوريا وفي أحد الليالي وقف أمامي رجل ومن حوله نور ينظر إلي فذهلت وخفت وتغطيت وبعد نصف ساعة رفعت رأسي فرأيت ذلك الرجل ينظر إلي وكان على وجهه نور وحوله نور فما تفسيركم لهذا؟
والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المؤمن في هذه الدنيا يبتلى بالخير والشر، كما قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة) [الأنبياء:35] .
والواجب عليه هو الصبر على البلاء، وأن يعلم أنه مقدر من الله عز وجل، فإن الإيمان بالقدر يبعث في النفس الطمأنينة والصبر والرضا، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11] .
قال قتادة -رحمه الله-: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.
وقد يكون ما ظاهره الشر في حقيقته خيراً لهذا المسلم وهو لا يدري، فما يدريك أن في نيل درجة البكالوريا خيراً لك؟ أو على الأقل في هذه السنة، فقد تكون سبباً لهلاكك، وأراد الله أن يدفع عنك هذا الشر (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216] .
وأما بالنسبة لما ظهر لك، فإن كان في النوم فالأمر هين، والظاهر أنه رؤيا خير، وإن كان في ظهر في حالة اليقظة فلا نستطيع تحديد أمره، وقد يكون جناً أو شيطاناً يريد أن ينتهز فرصة التوتر الذي تعيش فيه فينال منك بسوء.
وعلى كل، فلن يضرك -إن شاء الله- إذا أكثرت من قراءة القرآن خصوصاً سورة البقرة، والتزمت بأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وأذكار دخول المنزل، والخروج منه، وأذكار دخول الحمام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1423(1/2710)
تقدير الله نكاح فلانة لا يعني التخلي عن الأسباب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج نصيب أي أن الله كتب للإنسان من سيتزوج وعندما يحصل الطلاق يحصل لأنه لا يوجد نصيب بغض النظر عن الأسباب الظاهرية؟
وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن زواج الرجل من المرأة أو طلاقها منه كغيرها من الأمور التي قدرها الله سبحانه وتعالى على خلقه قبل أن يخلقهم، كما هو مبين في الفتوى رقم: 12638.
فلا يمكن أن يتزوج الإنسان إلا بمن قدر الله له ذلك، ولا يمكن أن يستمر زواجهما إذا كان الله قدر فراقهما.
لكن لا يعني ذلك أن نترك الأسباب التي جعلها الله لتحصيل الزواج ممن نرغب أو تجنب طلاق من نحب، بل لنا أن نبذل كل سبب مباح نراه يحقق لنا ذلك، وفي نهاية الأمر لن يكون إلا ما قدره الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(1/2711)
قدر البلاء يدفعه قدر الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
سؤالي هو هل إذا أحس العبد أنه سيقع له شيء ما من قضاء الله وقدره أو بالأحرى قد وقع عليه شيء من هذا القضاء والقدر فهل بدعاء هذا العبد يرد الله عز وجل عنه ما كان سيقع وأرجو أن تنصحني بما يفتح الله سبحانه وتعالى عليك فيما يتعلق بهذا الموضوع لرد ما سيقع علي مما أنا متخوفه منه وللعلم فأنا ملتزمة وأحاول جاهدة إرضاء الله عز وجل ورسوله. أرجو ثم أرجو من الله الاهتمام باستفساري بالسرعة الممكنة لأنني تعبت جدا وأريد منكم أهل الخير والتقوى المزيد من الاطمئنان والعلم فيما يتعلق بهذا الموضوع
وأرجو من الله لكم التوفيق والسداد وأن يلهمكم الجواب الذي يرضي وجهه الكريم والله المستعان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإيمان بقدر الله وقضائه واجب بل هو الركن السادس من أركان الإيمان، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] .
وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في إجابته عن الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
والدعاء من قدر الله تعالى، فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء ويصرف عنه شر ما يخشاه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يرد القدر إلا بالدعاء. رواه أحمد والترمذي بإسناد حسن.
وهذا لا يعني التعارض بين القدر والدعاء ولاتغيير القدر، فإن الدعاء مقدر كما سبق، ولكن المراد أن ما في أيدي الملائكة من الصحف قد يتغير، فمن أوشك أن ينزل به البلاء فدعا الله، صرف عنه ذلك.
والعبد لايدري ما كتب له، ولذلك ينبغي أن لا يتهاون في الدعاء قبل نزول البلاء أو بعده.
روى الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في أوقات الشدة الأزمات ويسأل الله تعالى أن يرفع البلاء، فعن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمريض ويقول: اللهم رب الناس، أذهب الباس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما.
ولا ينبغي للمسلم أن يستسلم ويترك الأسباب بحجة أن هذا قدره، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
فعلى المسلم أن يتسبب ويتعالج ويسترقي.....وكل ذلك من قدر الله تعالى وقضائه وإذا أصابه بعد ذلك ما يكره فليقل: قدر الله وما شاء فعل، كما أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم. وسيجد بردها على قلبه إن كان صادقاً.
ونصيحتنا لأختنا السائلة ألا تتأسف على ما مضى، فإن لو تفتح عمل الشيطان كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1423(1/2712)
الخير فيما اختاره الله وقضاه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أعاني من ظروف صعبة جدا فلدي طفلة منذ ولادتها وهي مريضة بمرض ليس خطيرا ولكن ليس له علاج وأدعو الله دائما أن يشفيها ولكن أحيانا يشتد عليها فأخرج أحيانا عن صبري وأقول: لماذا كل هذا العذاب يارب وأقول كلاما أخر أتمنى من الله أن يغفره لي فهل هذا يعتبر كفرا بالله؟ وكيف أتوب إليه؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى المسلم المؤمن التسليم لقضاء الله وقدره في كل شيء، وليحذر كل الحذر من التسخط وإظهار الجزع من القضاء والقدر، فإن الشر كل الشر في ذلك كما أن الخير كل الخير فيما اختاره الله وقضاه.
والله سبحانه إذا قضى على العبد قضاءً لا يرضاه، كالأمراض والآفات والمصائب في النفس والأهل والأولاد ونحو ذلك، فإن الله أراد لعبده الخير بذلك، ولكن الإنسان ظلوم جهول، فقد روى مسلم عن صهيب بن سنان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"
كما أن في المصائب ابتلاء وامتحانا من الله لعباده ليظهر صدق الصادقين بإيمانهم، ويظهر زيف وكذب المدعين للإيمان.
ففوضي أمرك وأمر ابنتك إلى الله ولا تقولي إلا خيراً، فإن الاعتراض على القدر قد يصل بصاحبه إلى الكفر -والعياذ بالله- فاستغفري الله مما قلت وسلمي بالقضاء والقدر وتضرعي إلى الله سبحانه أن يزيل عنك هذا البلاء، ويدفع عن ابنتك ذلك الضر إنه جواد كريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(1/2713)
الدعاء لا ينافي الرضا بالقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بدايةً أُبارك لكم جهودكم الكبيرة وأمدكم الله بثوابها بالصحة والعافية في الدنيا والآخرة..من هنا أسألكم ما ثواب الإنسان على إيمانه بقضاء الله وقدره من خيره وشره وعندما يقدر عليه الحرمان من الأطفال وهم أحبابه (وهل يكون قضاء هذا الأمر عليه هو غضب من عنده أم اختبار أم..) وهل يستطيع الإنسان أن يدعو الله بأن يعطيه حاجته رغم أنه يعلم قد قدره له.
2- وأرجو كذلك تفسير قول الرسول (ص) تزوجو الودود الولود.. فهل هنا يحكم على الفتاة التي لا تلد بأن تهجر وتهمل ولا تتزوج وتستقر.. وكذلك إن كان الرجل. جزاكم ألف خير وأرجو الرد الدقيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإيمان بقضاء الله تعالى - خيراً كان أو شراً - هو أحد أركان الإيمان وأسسه، فالإنسان قبل أن يؤمن به ويستسلم له لا يعد من المؤمنين، ولا يدخل في زمرتهم، وعندما يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره ويستسلم له، مع إيمانه بباقي الأركان يصير من المؤمنين، والمؤمنون ثوابهم عند الله تعالى الجنة.
والله تبارك وتعالى عندما يجري على العبد قضاءه بما لا يرضاه العبد مثل: أن يحرمه من الولد، أو يبتليه بالفقر، أو الأمراض والآفات، فلا يعني ذلك أنه تعالى ساخط على ذلك العبد المبتلى، بل قد يكون ذلك لتكفير ومحو الذنوب التي لا ينفك عنها الإنسان غالباً.
قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30] .
كما أنه أيضا يكون ابتلاء وامتحانا من أجل إظهار صدق الصادقين في إيمانهم، وتبينه في واقع الأمر، وكشف كذب الكاذبين الذين يدعون الإيمان بالله تعالى وهم كافرون به.
قال تعالى: (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:1-2] .
وهذا استفهام استنكاري ومعناه: أن الله تعالى لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.
فعلى العبد أن يصبر على ما قدره الله تعالى عليه من خير وشر، ولا يقول إلا ما يرضي الله تعالى، لينال بذلك الميزة والخصوصية التي جعلته محل إعجاب وإعظام، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له" ولا يعني هذا أن الإنسان إذا ابتلي بما لا يرضيه، ولا يتلاءم مع طبعه أنه لا يجوز له أن يدعو ربه لكشف ما نزل به، وتخليصه منه، بل له أن يدعو ربه، ويتضرع له ليزيل عنه البلاء ويرفعه، والدعاء بكشف البلاء لا ينافي الصبر، فقد كان أنبياء الله تعالى يدعونه، ويسألونه كشف ما نزل بهم.
قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء:83] .
وقال عز وجل: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87] .
وقال تعالى: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [الأنبياء:89] .
ومعلوم أنه تعالى استجاب دعوة زكريا عليه السلام، فرزقه الولد بعدما تقدمت سنه، ووهن عظمه، وضعفت قوته من الكبر، مع عقم امرأته، ولكن هذا كله لم يمنعه من حسن ظنه بربه، حتى سأله الولد، وهذه هي سنة أنبياء الله تعالى، فعلى العبد أن لا يقنط من رحمة الله تعالى، وأن لا ييأس من زوجه، فمن بيده القضاء هو الذي أمر بالدعاء، ووعد بالاستجابة، ووعده حق وخبره صدق.
إذا الدعاء هو إحدى الوسائل التي يستجلب به المؤمن الرزق من عند الله تعالى، وهو السلاح الذي يدفع به الضر والبلاء، ويواجه به ما لا قبل له به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة.
ويشترط في مشروعية الدعاء أن لا يكون المدعو به مستحيلاً شرعاً أو عقلاً، فإن كان كذلك، فالدعاء به اعتداء، والله تعالى يقول: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [لأعراف:55] .
وبهذا يعلم أن الإنسان له أن يدعو الله تعالى أن يعطيه حاجته التي لا يستحيل الحصول عليها شرعاً ولا عقلاً، وكيف يعلم الإنسان أن أمراً ما لم يقدر له إلا بالنسبة لما مضى، وحينئذ فيصير الدعاء به من الاعتداء، لأنه دفع للواقع، ودفع الواقع مستحيل عقلاً.
وأما بالنسبة للمستقبل، فلا علم له بما سيقع.
وعليه، فلا مانع من أن يدعو ربه للحصول عليه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1422(1/2714)
الرضى بما قسم الله لا يعني الاستسلام وعدم التطلع للأفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ترك العمل والطموح لما هو أفضل بسبب عدم كفاية الدخل يعتبر عدم رضا وقناعة فوالدتي دائما ما تؤنبني وتقول ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس وهذا الموضوع دائما ما يؤرقني بسبب إحساسي بالظلم في هذا العمل الذي تركته أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجرد ترك العمل، والطموح لما هو أفضل بسبب عدم كفاية الدخل لا يعتبر رضا بما قدره الله، ولا عدم قناعة، والمذموم من عدم الرضى هو: التسخط والاعتراض على قسمة الله تعالى، وليس البحث عن العمل ذي العائد الكبير.
وعليك أن تعلم أنه لا يجوز ترك العمل، ولو كان دخله قليلاً، حتى يجد الشخص عملاً بديلاً، لئلا يعرض نفسه للالتجاء إلى الناس، ومما يجدر التنبه له أن ما تقدم من أن توقان النفس إلى تغيير الحال إلى ما هو أفضل لا يعد عدم رضى بما قسم الله - لا يعني أن ذلك التوقان هو أفضل الأحوال التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن - في هذا الباب - بل الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن هو الحال الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه حيث قال له: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وأرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، ولعل والدتك قصدت إرشادك إلى أن تكون على هذا الحال، وهو الأفضل والأكمل بلا شك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1422(1/2715)
عزو انصراف الخطاب للسحر ... ضعف إيماني وبشري
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة لي مِن العمر أربع وثلاثون سنة، وكلما خطبني رجل ترك الأمر ومضى - بعد موافقتنا عليه - ولقد خطبني رجل واستمرت فترة الخطبة ثمانية أشهر، ثم فسخ الخطبة دون ذكر أي سبب واضح بعض المشايخ قالوا: إنها حالة مس أو سحر، فماذا تقولون أنتم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأمور كلها بيد الله تعالى، والأرزاق يقسمها بين عباده كيف يشاء، وله في ذلك حكم بالغة، وهو العليم الخبير لا مانع لما أعطى، ولما معطي لما منع، ولا راد لما قضى سبحانه وتعالى، والخير كل الخير للعبد في الرضا، والشر كل الشر في التسخط والاعتراض عليه.
والذي ننصحك به هو الرضا بما قدر الله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه، فهو لا يرد داعيه خائباً، وأن لا تتسخطي على قضاء الله تعالى، ولا تيأسي من رَوْح الله تعالى.
واحذري من الوساوس والتخيلات، فإنها خطيرة جداً، وعواقبها وخيمة.
ولا تشغلي بالك بهذا الموضوع فما قسمه الله تعالى لك ستنالينه لا محالة، ولا يستطيع أحد أن يحول بينك وبينه، ولعل ما حصل لك من قبل هو الذي فيه الخير لك، وعسى أن يكون الله مدخراً لك ما هو أفضل وأنفع لك.
أما ما قاله لك بعض الناس من أن بك حالة مس أو سحر، فلا تصدقيه إن كان دليله على ذلك هو ما حصل من إعراض الخطاب عنك، فكم من الأسباب لإعراض الخطاب عن الفتاة غير المس والسحر، وعلى كل فإن كان بك مس أو سحر فإن علاجه هو الالتجاء إلى الله تعالى والرقية الشرعية.
ولمعرفة الرقية الشرعية راجعي الجواب رقم: 4310.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1422(1/2716)
الوقوع في الشدة لا يبرر التسخط
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بعض الشباب هداهم الله.. ونحن طلاب ندرس في الهند.. إذا أغضبهم أمر يقولون هذه العبارة:
النار أفضل من الهند.. حتى إن أحدهم يحلف ويقول: والله إن النار أفضل من العذاب هذا.
فما هو رأيكم في هذه العباره وقا ئلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد يجري على ألسنة بعض الناس أن يقول إذا سخط على مكان أو قع في مأزق: النار أفضل من كذا، أو نار كذا أفضل من جنة كذا؟ والمقصد من ذلك أن أي مكان آخر مهما كان فيه من شدة أفضل من المكان الذي هو فيه، أو أي معضلة أخرى قد تكون أفضل مما حل به. وهذا الأمر لا ينبغي، ولا يجوز التلفظ به، لأن المؤمن إذا وقع في شدة فإنه لا يسأل الله غيرها، ولكنه يسأل الله تعالى أن يكشفها عنه، وأن ييسر له أمره.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كان الوفاة خيراً لي" متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: " لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية". متفق عليه.
ثم يجب التنبه إلى أنه إذا كان المقصود نار جهنم فإن مقارنتها بشيء من أنكاد الدنيا وعذابها مخالف للحقيقة من جهة، ومن جهة أخرى فإن فيه خطراً على معقتد المسلم، لأن فيه تكذيب خبر الله وتمنى ما نهى الله عنه وحذر منه أمر خطير على عقيدة المرء.
والحاصل أن على المرء أن يبتعد عن إطلاق مثل هذا اللفظ مهما كانت الأسباب. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1422(1/2717)
الخوف من المستقبل قدح في التوكل
[السُّؤَالُ]
ـ[أصاب أحيانا بنوع من الخوف على المستقبل، علما بأن وظيفتى جيدة. كيف التعامل مع هذه المشاعر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
ينبغي أن يكون الإنسان على خوف من المستقبل الأخروي والمصير الذي ينتظره، (فريق في الجنة وفريق في السعير) [الشورى: 7] والمؤمن يتذكر الموت والقبر والحساب والعرض، وهذا ما يخافه المؤمن مع رجائه رحمة الله وعفوه.
وأما الخوف من الفقر أو المرض ونحو ذلك، فلا ينبغي أن يتصف به المؤمن المطمئن بذكر الله، الواثق من تأييد الله لعباده الصالحين المفلحين، وعليك بالأخذ بالأسباب ثم فوض الأمر لله، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2718)
لا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على فعل المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول كثير من الناس عند دعوته للهداية: إن الله لم يشأ لي الهداية أو إن الله لا يريد أن يهديني، فكيف أرد عليهم من صفة الإرادة والمشيئة لله تبارك وتعالى؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:- ...
الرد على هؤلاء سهل وهو أن يقال لهم إن الله تعالى هدى الإنسان النجدين وجعل له الاختيار ليختار أيهما شاء وأراد منه إرادة شرعية أن يختار طريق الحق والهدى وكلفه بذلك وخاطبه به، ولم يخاطبه ولم يكلفه بما هو كائن في علم الله تعالى وغيبه. وأدلة هذا كثيرة نقلية وعقلية. فمن الأدلة النقلية قول الله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد* أيحسب أن لن يقدر عليه أحد* يقول أهلكت مالا لبدا* أيحسب أن لم يره أحد* ألم نجعل له عينين* ولسانا وشفتين* وهديناه النجدين) [سورة البلد: 4-10] والنجدان طريق الحق وطريق الباطل. وقال تعالى: (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) [المزمل:19] وقال تعالى: (ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) [سورة النبأ:22] وقال تعالى (إن هو إلاّ ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم) [التكوير:28] والله سبحانه وتعالى أثبت للعبد في هذه الآيات -وغيرها كثير- مشيئته للعبد في الاختيار ليختار السبيل الذي يحب. والتعلل بأن الله تعالى مشيئته فوق مشيئة العبد وحاكمة عليه تعلل باطل ولذلك لا يتعللون بهذا في أمورهم الدنيوية فلا يوجد منهم من يمتنع عن الأكل والشرب والتداوي بحجة أن الله تعالى لم يرد ذلك ولم يشأه، ومن الحجج العقلية أنه لا أحد يحس بقوة تدفعه وإرادة تقهره على فعل ما لا يريد هو ويشاء ويختار. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2719)
(أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر..)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم فصلت من عملي ظلما" وعدوانا" حينئذ زادت حالتى النفسية سوءا" من جراء هذا الظلم فلجأت إلى تقطيف شعر رأسي بإحدى يدي، وبدأ رأسي يصيبه الصلع من جراء ذلك. أرجو من سيادتكم التفضل بإرشادي ما العمل؟ هل أقطع يدي حتى لا أنزع شعر رأسي؟ وشكرا" لسيادتكم والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ... على الأخ الكريم السائل أن يعلم أن الأرزاق بيد الله وحده، وليست بيد أحد من الناس فما عليك يا أخي إلا أن تصبر وأن تترك مثل هذه الأفعال السيئة التي يفهم منها التسخط على قضاء الله وقدره. كما ينبغي أن تعلم أن هذا الأمر قد نبه عليه ربنا سبحانه وتعالى في كتابه فقال جلّ شأنه: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) [هود: 6] وقال سبحانه: (يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) [فاطر: 3] وثبت عنه عليه الصلاة والسلام انه قال: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) فاصبر والجأ إلى الله بالدعاء حتى ييسر أمرك ويفرج همك ويعوضك خيراً. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2720)
ابتلاء الله لعباده له حكم وعلى العبد التسليم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
تزوجت قبل سبع سنوات ورزقني الله بنتين مصابتين بمرض التخلف العقلي والحمد الله على كل حال، علماً بأني أجريت فحوصات الوراثة علها تكون السبب لكن أجمع الأطباء على نفي ذلك، ونصحني بعض كبار السن بتجديد العقد بيني وبين زوجتي عله يكون حسدا أو عينا فما الحكم؟
وفقكم الله والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
إن الله جل وعلا يبتلي عباده بما شاء لحكمة عظيمة، وعلى العبد أن يسلم أمره لمولاه ويرضى بما قضى له، ذكر أن عثمان رضي الله عنه لما ضرب جعل يقول والدماء تسيل على لحيته: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستعين بك عليهم، استعينك على جميع أموري وأسألك الصبر على ما ابتليتني". وليعلم المؤمن أن هناك من هو أعظم منه ابتلاء وأشد اختباراً. قال تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم) [محمد: 31] وكما قال الشاعر:
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ... ... ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
وأما ما ذكر من تجديد العقد بينك وبين زوجتك فغير صحيح بالمرة، والأمر لا يتعلق بهذا بل إن كان عيناً فعليك برقية نفسك ورقية امرأتك بالمعوذتين مثلاً وبالرقى الشرعية.. هذا والله نسأل أن ينعم عليك بالخلف الصالح.. هذا والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2721)
تعسر بعض الأمور لا يعني بالضرورة أن الله لا يريد إتمامها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أنوي القيام بشيء ما كشراء سلعة أو تقديم لوظيفة، أو شيء حياتي تحدث عوائق تمنعني من إنجازه أو تؤخرني. على سبيل المثال عندما قررت شراء تذكرة طيران وفكرت في الإبكار لتكون رخيصة السعر، بعدها وأثناء هذا كان الإنترنت تحدث به مشاكل أو يحدث خطأ ما في إتمام الأمر. ومنها أيضا أثناء تقديمي للعمل الحالي الذي أنا به كنت أعمل سابقا مهندس كمبيوتر في شركة كمبيوتر كبيرة، وجاء عرض لي في القطاع الحكومي لكن كمدخل بيانات بالإضافة لعملي مهندس كمبيوتر بشكل إضافي، وتقدمت للعمل وكلما ذهبت لإتمام معاملات التقدم من كشف طبي وما إلى ذلك كانت تحدث أشياء تؤخرني عن إنجازه حتى تأخرت في التعيين ما يزيد عن شهر عن دفعتي بالعمل، وحاليا مازلت موجودا به ولكن بدون عملي كمهندس فعلي، فالكمبيوتر مع علمي ويقيني أنه لو علمت الغيب لاخترت الواقع لأن إرادة الله تفوق كل شيء وما يريده الله لي هو الخير حتى لو بدا بغير ذلك بالنظرة البشرية القاصرة، ولكن في نفس الوقت كنت أقول لنفسي إن العوائق الحالية السابقة كانت علامة من الله على أن هذا الأمر كان يجب أن أقدم عليه، فأنا نفسيا لست مرتاحا تماما بالعمل فأنا أعمل بقطاع حكومي وليس في مجال عملي، لكني اضطررت للعمل به لوجود مضايقات بعملي السابق من مديري بالإضافة للعرض المادي وضعف الراتب في شركتي السابقة وهو أحد المضايقات والاستقرار من خلال الإقامة لأني أعمل بالخليج والإقامة ونقلها من شركة لأخرى من أحد الأمور التي تؤرق المغترب هناك بدون التطرق خارج صلب الموضوع. هل الاعتماد على أن العوائق التي تحدث لي في حياتي تعتبر علامة من الله بعدم إتمام هذا الأمر نظرة صحيحة ومن الإسلام أم لا؟ أرجو أن تفسروه لي لأني متخبط في هذا الأمر بالذات وما الذي يجب أن أفعله حيال ذلك بالذات؟ مثلا مع الاستخارة والتوكل على الله عندما تحدث موانع معينة هل هذا العائق علامة من الله بعدم إتمام الأمر؟
ولكم جزيل الشكر.
ملحوظة: أرجو من سيادة الشيخ أن يقرأ كلامي لآخره ويجيب عليه بالتفصيل بدون ألفاظ لغوية فصحى يصعب إداركها، مع العلم أن المثال السابق ذكره هو لتوضيح وجهة نظري لا لشيء آخر حتى لا يتكرر الرد بأني أطيل بدون داع.
ولكم جزيل الشكر وأفادنا وأفادكم الله بعلمه.
وأعتذر عن الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمؤمن مطالب بالأخذ بالأسباب المشروعة والمباحة مع التوكل على الله وتفويض الأمر إليه، والحرص على ما ينفعه، ثم إذا لم يوفق بعد ذلك في أمر من الأمور كالتي ذكرتها مثلا، فلا يتأسف أو يتحسر على ما فات بل يؤمن بقضاء الله وقدره ويقول: قدر الله وما شاء فعل. وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.
ويحدث في أحيان كثيرة أن تتعلق النفس بأشياء وقد لا يكون الخير فيها، فيصرفها الله برحمته وحسن تدبيره للعبد، وبعض الناس لقصر نظرهم لا يشعرون أن النعمة في المنع أحيانا تكون أعظم مما تكون في العطاء، وقد قال سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {البقرة: 216} .
قال الشيخ ابن سعدي في تفسير الآية: الغالب على العبد المؤمن، أنه إذا أحب أمرا من الأمور، فقيض الله له من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له، فالأوفق له في ذلك، أن يشكر الله، ويجعل الخير في الواقع، لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه، وأقدر على مصلحة عبده منه، وأعلم بمصلحته منه كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره، سواء سرتكم أو ساءتكم. انتهى.
ثم المؤمن كذلك يعلم أنه مهما أخذ بالأسباب وبالغ في الجهد فهناك قدر مكتوب، كما قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. {الحديد:22} .
ونحن نأخذ بالأسباب مع التوكل على الله؛ لأن ذلك هو واجبنا، فأما ما جرت به المقادير مما هو مكتوب لنا فهذا غيب لا نعلمه إلا بعد وقوعه، وعندها يجب الصبر على القضاء، وهو ما أشار إليه الحديث السابق في قوله صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ.
وأما وجود العوائق فلا يعني بالضرورة أن هذا علامة من الله بعدم إتمام الأمر، بل عليك بالتوكل على الله والسعي وتسليم الأمر إلى الله، فإذا لم يحدث هذا الأمر لك فحينها تعلم أنه ليس مقدرا لك حصوله.
ومع الصبر ينبغي ألا نستحضر المشاكل التي حدثت لنا جملة واحدة، ونفكر فيها إلا إذا كنا نفكر فيها للاعتبار ومعرفة وجه تقصيرنا حتى نتعلم ونتدارك ذلك في المستقبل، وأما استحضارها للتأسف والقيل والقال وقول لو على وجه الحسرة، فهذا لا يصلح شيئا مما حدث، بل يفعل كما أخبر صلى الله عليه وسلم بقوله: فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. ولا تغفل أهم الأسباب وهو التوكل على الله، مع الدعاء، والجد والاجتهاد، وراجع الفتوى رقم: 108246. وما أحيل عليه فيها، ففيها مزيد بيان.
وأما عن صلاة الاستخارة فهي مستحبة، وقد بينا ذلك مع بيان كيفية صلاتها في الفتوى رقم: 971. فراجعها. وراجع الفتوى رقم: 32377. فقد بينا فيها أن من استخار الله فلن يلقى إلا خيرا بإذن الله.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق إلى كل خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1430(1/2722)
التوكل على الله والثقة به خير من الاستسلام للهواجس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 21 سنة، تقدم لخطبتي ابن جيراننا، ولكن لي ولد عم يحبني كثيرا ويريد الارتباط بي، وأهلي لم يوافقوا عليه، وقد وافق الجميع على ابن الجيران، وأنا الآن أخاف من ابن عمي أن يخرب علي حياتي، علما بأن إحدى صديقاتي تعلم عن ابن عمي، والمشكلة أن أم صديقتي تعرف أخت ابن جيراننا المتقدم لي، وأخاف كثيرا من صديقتي أن تخبر أخت المتقدم لي لأنها كثيرة الحسد والغيرة. فماذا علي أن أفعل في موضوع ابن عمي وصديقتي لأني أصبت بإحباط وكثرت علي الهواجس والوساوس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الجار المتقدم إليك ذا دين وخلق وقد حدث بينكما القبول، فلا تلتفتي لتلك الهواجس ولا تشغلي نفسك بما تتوهمين بخصوص ابن عمّك، وأقبلي على ربك وأحسني الظن به، وتوكلي عليه، وسوف يكفيك الله كل ما أهمّك، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ. {الطلاق: 3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1430(1/2723)
لا تعارض بين المطالبة بالحق والرضا بالقضاء والتوكل على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف مجتهد جدا، ولكن مديري مهمل لي، ولم يعطني حقي في الترقية مثل باقي زملائي، حيث إن أغلبهم ترقوا، وأنا محلك سر، مع أنه يعطيني كلاما جميلا، وللإدارة العليا يتهمني بالتحريض على زملائي، ويقول إني عصبي، مع أني أقوم بكامل العمل، وكل ما أتت فرصة للترقية يقف لي المدير حجر عثرة، والله إنني مخلص في عملي وحريص، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل. لقد شوه صورتي أمام الإدارة العليا في أكثر من موقف، إلى من أشتكي هذا المدير الذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ كما يروغ الثعلب. أضاع مستقبلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أيها الأخ الكريم أن الرزق بيد الله عز وجل، وأنه تعالى لا يقضي للمؤمن قضاء إلّا كان خيرا له، فعليك بالصبر على ما ينزل بك من البلاء، فالصبر مفتاح الفرج، والعباد لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فضلا عن أن يملكوا ذلك لغيرهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه ابن عباس في وصيته المشهورة التي أخرجها الترمذي وغيره: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. انتهى. فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
فعلّق قلبك بربك تعالى، واعلم أنه وحده هو الذي بيده الأمر، وأن هذا المدير لا يمكنه أن يحجب عنك رزقا قدر الله أن يصل إليك، وإذا كنت تؤدي عملك على وجهه مخلصا في أدائه فاعلا ما يجب عليك، فإن الله تعالى يثيبك على ذلك ولن يضيع أجرك، وثواب الآخرة خير، ومن المحتمل أن يكون ما تتهم به هذا المدير مجرد ظن ووهم لم تقم عليه بينة، وحينئذ فعليك أن تترك سوء الظن فإنه لا يجوز، وأما إذا قامت لديك البينة على صدق ما تتهم به هذا المدير، فعليك أن تناصحه بلين ورفق وتبين له أنه يعرض نفسه بذلك لغضب الله تعالى حين يظلم الناس ويبخس المستحقين حقوقهم، كما يمكنك أن ترفع الأمر إلى من هو أعلى منه منصبا وتبين له حقيقة الحال بإنصاف وتجرد، وأنت في ذلك كله متوكل على ربك جل وعلا، عالما أنه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، واجتهد مع ذلك في الدعاء، والجأ إلى الله تعالى أن يوسع رزقك ويرد عليك حقك، وتعز بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. والله يوفقنا وإياك لكل خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1430(1/2724)
عبارات في القدر لا باس بها
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم ونفع بعلمكم ... سؤالي:
ولولا الهدى ربنا واليقين
لضاعت زهور الجراح سدى
جراحي وماذا تكون الجراح
أليست جراحي هدايا القدر
وأيضا:
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبد الألم
لك الحمد إن الرزايا عطايا
وإن المصيبات بعض الكرم
لك الحمد إن الرزايا ندى
وإن الجراح هدايا الحبيب
أضم إلى الصدر باقتها
هداياك في خافقي لا تغيب
ما الحكم في قولنا (ولولا الهدى ربنا واليقين لضاعت زهور الجراح سدى) ، هل تدخل في الشرك الأصغر كما لو قلنا (لولا الرسول لما اهتدينا) ، وكذلك قولنا (هدايا القدر, الجراح هدايا الحبيب, المصيبات بعض الكرم ... ) وما شابهها من كلمات، أرجو من فضيلتكم تفصيل الإجابة لأني سأطرحها على مجموعة كبيرة من الناس؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الهدى من الله تعالى وقول القائل (لولا الهدى ربنا واليقين) لا نرى به بأساً لأن المعنى الذي يظهر لنا لولا الهدى الذي منحتنا يا ربنا واليقين الذي أعطيتنا لما صبرنا على الجراح وضاع أجرنا سدى ... وهذا معنى صحيح لا إشكال فيه، وكذا قول القائل (لولا الرسول لما اهتدينا) لا حرج فيه بشرط اعتقاد أن الله هو المسبب وحده، وقد ثبت في السنة جواز إضافة لولا إلى السبب دون المسبب -وهو الله- وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب: لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. والحديث في البخاري.
وهذا مع مراعاة أن الله هو المسبب سبحانه وتعالى، وقد درج العلماء على جواز هذا في كلامهم، كما قال ابن القيم في النونية عن الصحابة رضوان الله عليهم: ولولاهم ما كان في الأرض مسلم.. ولولاهم كادت تميد بأهلها ولكن رواسيها وأوتادها هم..
وكذا قوله (هدايا القدر) أي القدر الذي قدره الله تعالى أهدى لنا تلك المصائب وهذا لا إشكال فيه، وفيه تشبيه للقدر بالإنسان الذي يهدي لغيره، ولا شك أيضاً أن بعض المصائب وإن كانت مؤلمة لكنها قد تكون عطايا من الله لعبده، يكفر بها سيئاته ويرفع بها درجاته، فهي بهذا الاعتبار كرم، وكذا لا حرج في قوله (هدايا الحبيب) إن أراد بالحبيب الله سبحانه، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير اسم الله الودود عند قوله تعالى (وهو الغفور الودود) في سورة البروج، قال: الحبيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1429(1/2725)
دفع البلاء من جملة ثمار الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال مهم جدا وذهني مشغول به كثيرا جزاكم الله خيرا جاوبوني ما هو القضاء والقدر؟ وهل يتغير؟ ولماذا مطلوب منا أن ندعو أليس كل شيء مكتوب؟ وما معنى (رفعت الأقلام وجفت الصحف) ولما ندعو مادام لا يغير شيئا؟ هذا سؤال يدور في رأسي وأرجو من الله أن يغفر لي إذا كان ذنبا تفكيري في هذه الأمور. وجزاكم الله ألف ألف خير..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث: رفعت الأقلام وجفت الصحف يعني أنه كتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات، ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر، فعبر عن سبق القضاء والقدر لما يحصل في الكون برفع القلم وجفاف الصحيفة تشبيها بفراغ الكاتب من كتابته. كذا قال المباركفوي في شرح الترمذي، وابن رجب في جامع العلوم والحكم.
وقد دل لكون كل ما يحدث في الكون كتب سابقا عدة أدلة منها قول الله تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. {سورة الحديد 22} ...
وقول الله تعالى: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. {سورة التوبة51}
وفي حديث مسلم: إ ن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وفيه أيضا: أن رجلا قال: يا رسول الله فيم العمل اليوم؟ أفيما جفت الأقلام وجرت عليه المقادير؟ أم فيما نستقبل؟ قال: لا؛ بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: اعملو فكل ميسر لما خلق له.
وأما الدعاء فله تأثير ونفع عظيم ويحصل به دفع البلاء، فقد ذكر أهل العلم أنه يشرع الدعاء برفع البلاء ورد القضاء، فيدعو العبد بدعاء القنوت: وقني شر ما قضيت رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة.
وقد ذكروا أن القضاء نوعان قضاء مبرم وقضاء معلق. فالقضاء المبرم الذي لا يتغير، والقضاء المعلق قد يتغير، فقد يكتب في اللوح المحفوظ أن فلانا قد تصيبه آفة أو بلاء، فإذا دعا الله صرف عنه السوء، وإذا وصل رحم تأخر موته، ويدل لتغير الأحوال بسبب الدعاء ما في الحديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء. رواه الحاكم. وفي الحديث: إ ن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وحسنه الألباني.
ثم إن الدعاء تعبدنا الله به ولو لم تكن عندنا حاجة. وقد ثبت أن الداعي لا يعدم خيرا يناله من دعواته، فإما أن يجد حاجته عاجلا أوآجلا ويدفع عنه من السوء، ففي الحديث: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. رواه أحمد وصححة الألباني.
وراجع لتعريف القضاء والقدر، وللمزيد من البسط فيما ذكرناه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52546، 20306، 75915، 12638، 23751، 43198، 73010، 18306، 65944، 9890، 96904.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1428(1/2726)
المؤمن يقول: قدر الله وما شاء فعل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحببتها وهي أحبتني وقلت لأخيها إني سأخطبها وتكلمت عنها أني سأخطبها، لكن حصلت أكبر مفاجأة اتصلت وقالت لي إنها خطبت لابن عمتها وهو عنده 29 عاماً وهي 18 عاماً، الدنيا ضاقت بي ولا أتكلم مع أحد ولا أخرج من المنزل ولا آكل ولا أشرب وتركت الشغل، فماذا أفعل من فضلكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى عليك أنه ما من شيء إلا وهو كائن بقدر الله تعالى، ومثل هذا الاعتقاد مما يتسلى به المؤمن عند ورود المصائب عليه، ولذا جاء في الأدب النبوي قوله صلى الله عليه وسلم: فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء الله فعل. رواه مسلم.
فإن فاتتك خطبة هذه الفتاة فالنساء غيرها كثير، وما يدريك أن يكون الخير في خطبتك إياها، فقد تكون قد صرف عنك شيء من السوء بعدم تمام هذه الخطبة، وكم من زواج قام في أصله على المحبة وكان مصيره الفشل، فنوصيك باستئناف حياتك كأن شيئاً لم يكن، واسأل الله تعالى أن يوفقك إلى الزواج بمن هي خير منها، ولا ينبغي لك البقاء على الحال الذي ذكرت أنك عليه من ترك الكلام مع الناس وعدم الخروج وترك الأكل والشرب والعمل.
وننبه في ختام هذا الجواب إلى أمرين:
الأول: أن للحب في الإسلام ضوابط ينبغي مراعاتها، وهي مضمنة في الفتوى رقم: 4220.
الثاني: أن محل النهي عن خطبة المرء على خطبة أخيه ما إذا أتت الموافقة عليه وأجيب إلى الخطبة، وأما قبل ذلك فلا ينهى عنها، وأولى إذا لم يتقدم للخطبة أصلاً، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 33670.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1428(1/2727)
ما سبق في علم الله وكتبه في اللوح المحفوظ لا يتبدل
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك إنسان أنا معجبة به كثيراً وفيه كل ما أريد وأتمنى أن يكون زوجي المستقبلي هو لا يشعر تجاهي بأي شعور والله أعلم، ولكني لا أجد منه اهتماما بالرغم من أنني أعرته اهتماما زائدا وأبديت له رغبتي بالارتباط بشخص مثله وأنا أدعو ربي ليلاً ونهاراً بقلب صادق مخلص، فهل سيستجيب لي ربي ويجعله من نصيبي، وأنا كما أعلم أن الفتاة منا يكتب لها زوجها منذ ولادتها، فإن لم يكن هو المكتوب زوجا لي ودعوت ربي أن يجعله قدري ومن نصيبي وأريده حلالاً وبالخير، فهل يستجاب لي، فأرجو الرد بسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعملي أن التفكير في أمر القدر لا طائل للمرء من ورائه، فإن الإنسان لن يأتيه إلا ما كتب له، والمطلوب من المسلم أن يبذل الأسباب المشروعة ويكل الأمر إلى الله تعالى، ولا يخفى عليك أنك لا يمكن أن تجزمي بأن في زواجك من هذا الشاب خيراً لك، فقد يكون الأمر خلاف ذلك، ولذا فالأولى أن تجعلي الأمر إلى الله وتقيدي الدعاء بأن يجعله زوجاً لك إن كان في زواجك منه خير لك، وعليك الرضا بعد ذلك بما قسم الله لك، قال تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} .
واعلمي أن عرضك نفسك عليه للزواج منك لا حرج فيه إن تم في حدود الضوابط الشرعية، وما دام لم يبد رغبة في الزواج منك فلا تتبعيه نفسك، ولعله يريد أن يفكر في الأمر أو أن يشاور بعض الناس، وأما بخصوص تغيير الأمر المقدور فإن ما سبق في علم الله وكتبه في اللوح المحفوظ فإنه لا يتبدل، ولكن قد يتبدل ما في أيدي الحفظة والموكلين كما ذكر أهل العلم، وقد نقلنا شيئاً من كلامهم في هذا في الفتوى رقم: 54532.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1428(1/2728)
الدعاء يرد القضاء بإذن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت فتاة منذ 6 سنوات وكنت أريد الزواج بها ولكن أهلها يريدون تزويجها من آخر لأنه جاهز على الرغم من أني أعمل وأدرس في نفس الوقت والحمد لله أحافظ على الصلوات الخمس في جماعة وإخوتها يريدون التخلص منها بأقل التكاليف الممكنة وأنا لا أملك مصاريف الزواج الآن وفى نفس الوقت أعلم أن الزواج هو قدر من عند الله ولكنى بجد أريدها في الحلال دون معصية أستحلفكم بالله ماذا افعل؟ فأنا أدعو الله في كل صلاة أن تكون من نصيبي فهل ممكن أن يتغير القدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بالدعاء بأن يجعل الله هذه الفتاة من نصيبك ما لم تتزوج، فإن تزوجت فلا يجوز الدعاء بذلك لأنه دعاء بإثم.
والدعاء يرد القضاء بإذن الله تعالى. وسبق بيانه في الفتوى رقم: 35295.
ونحيلك على الاستشارة رقم: 16592، ففيها جوابا لمشكلة مشابهة، فإن لم تجد فيها حلا فأرسل بمشكلتك إلى قسم الاستشارات بالموقع وستجد من يعينك بمشيئة الله عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1427(1/2729)
ليس كل تأخر عن الزواج سببه سحرأو حسد أو عيب فكل شيء بقدر وحكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا فتاة مسلمة عمري 25 عاما أعمل موظفة وملتزمة بالحجاب الإسلامي والحمد لله وأحاول دوما عدم مخالطة الرجال في عملي ولا أخاطبهم إلا للضرورة وأحاول دوما عدم الخضوع بالقول كما أنني ملتزمة بالمسجد وأتعلم الفقه وحفظ القرآن مع التجويد والحمد لله ولكن مشكلتي هي شعوري بالنقص لعدم تقدم الخطاب لي إلى الآن مثل باقي الفتيات وهذا يقلقني وأحيانا أشعر أنني أقل من باقي البنات أو أن عيباً فظيعاً في هو السبب رغم أن جميع من حولي من زملاء في العمل ومن الرفيقات يشهدون لي بحسن الخلق والعشرة كما أنني على قدر من الجمال بشهادة من حولي ومن عائلة طيبة وعطرة السمعة ويتمنى الكثير مصاهرتها وما يزعجني أكثر أن العديد من الزملاء أبدوا إعجابهم ويوصلون لي بطريقة غير مباشرة رغبتهم بخطبتي ولكن لا يحركون ساكناً أو يخطبون فتاة أخرى مما يعزز شعوري بالنقص وطبعاً رغبتهم أكيدة ولا تظنون أنني أتوهم وأنا رغم كل ذلك والحمد لله أحافظ على غض البصر ولا أحاول مطلقاً لفت الأنظار إلي بأي طريقة كما تفعل بعض الفتيات لاصطياد العرسان وأحافظ على كرامتي وعزة نفسي فهل يا ترى هذا ابتلاء من الله؟ أم قد تكون بعض الذنوب أو الحسد سبباً في ذلك أم أن الزواج قدر لا علاقة له بهذه الأشياء؟ أنا راضية بقضاء الله والحمد لله ولكنني أرغب بشاب متدين وتقي يعينني على التقرب من الله وأحلم ببناء أسرة مسلمة والمساهمة بتنشئة جيل يعيد للإسلام عزه ومجده لألقى الله وقد فعلت عملاً نافعاً لديني ولا يهمني المال والمظاهر كما أنه من المستحيل أن أطلب من أي أحد أن يجد لي زوجاً فهذا صعب جدا وإحراج كبير أمام أهلي فأنا لا أطلب شيئا إلا من الله سبحانه كما أن الناس لن يتركوني بحال إن فعلت ذلك فأجيبوني جزاكم الله وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله تعالى أن يرزقك المزيد من الالتزام، وأن يحقق طموحاتك، واعلمي أنه ليس عندنا من يعرف كون الشخص مسحورا أو مبتلى، ولكنا نفيدك بأن الأمور كلها بيد الله فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى فكل شيء بقدر وحكمة يدبرها الله سبحانه وتعالى، وقد كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فما كتبه الله لا يستطيع أحد رده، وقد شرع الله بذل الأسباب وطالب العباد بالقيام بها لتحصل مطالبهم.
ومن أهم أسباب تحصيل الزواج حمل النفس على العفة والاستقامة والإكثار من الدعاء في أوقات الإجابة، ولا غضاضه على المرأة أن تعرض نفسها على من يرتضى دينه وخلقه، ويمكن أن يتم ذلك بطلبه بواسطة إحدى محارمه، ويمكن أن يكون بواسطة أبيها هي أو أخيها، كما عرض عمر بنته حفصة على أبي بكر وعثمان، وقد عرض بعض نساء السلف نفوسهن على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شرع كذلك علاج السحر والحسد، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 56444، 20044، 32981، 26711، 42801.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1426(1/2730)
ليس كل ابتلاء عقابا
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله على أجوبتكم لاستفساراتنا وجعل الله دلك في ميزان حسناتكم، سؤالي نعلم أن الله حكيم رحيم وعادل في قضائه وقدره ولكن تأتيني شبهات وشك فأنا مثلا عمري الآن تجاوز الثلاثين ولا أملك شخصية سليمة، أعاني من الجبن والخجل والعبوس والسلبية ولست أدري لماذا؟ ولقد هتك عرضي وأنا طفل أكثر من مرة وكان هذا بموافقتي فلا شهامة ولاعزة
ومازلت أعاني بسبب ذلك فهل هدا عقاب من الله لي؟ ولماذا يسبق العقاب الدنب مادام الطفل مرفوع عنه القلم؟
بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا غرابة في أن ينتاب الإنسان في بعض أحيانه شيء من الخوف والشك، وتضعف شخصيته لتلبسه بأمر معين، وقد يرجع ذلك إلى حالة نفسية يعاني منها، وقد يكون لظروف اجتماعية، وقد يكون لأسباب مادية، وقد يكون لغير ذلك.
وعلى أية حال، فخير ما يعين على هذه الأمور هو تقوية الإيمان والثقة بالله، وترك الوساوس والخيالات الفاسدة، والمحافظة على الفرائض والإكثار من الأعمال الصالحة، ولا سيما الصدقة وقيام الليل والدعاء والذكر.
وما ذكرت من أنك وقعت فيه من هتك عرضك وأنت طفل أكثر من مرة، وإن ذلك كان بموافقتك، ليس دليلا على أنه لا شهامة لديك ولا عزة، لأنك لم تكن مخاطبا حينذاك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: الصبي حتى يبلغ. رواه أحمد وأبو داود من حديث علي رضي الله عنه.
أما الآن وقد بلغت سن الخطاب والتكليف، فينبغي أن تعلم أن فتح الباب لمثل هذه الأسئلة على نفسك قد يزيد ما أنت فيه من الشكوك والحيرة.
فالله تعالى حكيم رحيم وعادل في قضائه وقدره، ولا يتنافى ذلك مع ما يمكن أن يلحقه ببعض عباده من المصائب والنكبات، فإن ذلك يكون تارة لتكفير الخطايا ومحو السيئات عنهم، وتارة يكون لرفع درجاتهم، وتارة يقع لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين.
وتارة يعاقب المؤمن في الدنيا على بعض الذنوب التي اقترفها، وفي هذه الحالة فإن العقاب لا يسبق الذنب، وإنما يعاقب على ما اكتسبت يده، ويعفى عن كثير منه، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
فأبعد عنك هذه الشكوك، وهون على نفسك، واعلم أن الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1426(1/2731)
هل يؤاخذ الإنسان بذنب غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عدم إنجابي قد تكون له علاقة بظلم أخي زوجي لزوجته الأولى. حيث إنه تزوج من قريبتي, التي أنجبت له أولادا, فظلم الأولى بعدم عدله تماما معها, لا في المبيت ولا في غير ذلك. سؤالي, هل البلاء أو المصيبة تأتي للإنسان بسبب ظلم أبيه أو أخيه لشخص آخر فيسلط الله على أبنائه أو إخوته بلاء من نفس النوع كعقاب له في الدنيا. وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله يحاسب كل عبد ويعاقبه على ظلمه الذي حصل منه هو ولا يعاقبه بظلم غيره ما لم يكن متمالئا معه أو داعيا له إلى الظلم أو مقرا له على منكره.
فقد قال الله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164} وقال: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا {الأنعام: 164}
ولا نعلم دليلا صحيحا يفيد عقوبة الولد بسبب معصية أو ظلم والده، وعليكم باللجوء إلى الله تعالى لعلاج ما بكم فاحرصوا على الدعاء والاستعانة بالصلاة والصدقات التطوعية والتزموا بالشرع أمرا ونهيا.
وراجعوا الفتوى رقم: 50533 والفتوى رقم: 26495 والفتوى رقم: 62756 والفتوى رقم: 19579.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1426(1/2732)
الثقة بالله والتوكل عليه تزيل المخاوف وتدفع وساوس الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح إذا اغتسل الرجل أو المرأة غسل الحدث الأكبر فإنه لا يتوضأ بعد الغسل، بحيث يعتبر الغسل غسلاً ووضوءا، وماذا يفعل الرجل إذا كثر به الوسواس، بحيث يتخيل دائماً بأن هناك شرا ما سيصيبه أو يصيب أحدا أفراد أسرته؟ ولكم جزيل الشكر والعرفان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدمت الإجابة عن السؤال الأول في الفتوى رقم: 8365.
أما عن السؤال الآخر فإن علاج هذه الوساوس يكمن في الثقة بالله وأن الأمور كلها بيديه وبالإعراض عن وساوس الشيطان، فإنه حريص على إزعاج المسلم وقلقه، فعليك أيها الأخ الكريم أن تتقي الله تعالى وتخافه وتتكل عليه وتعتمد عليه بقلبك، وليكن خوفك منه وطمعك فيه، وتكثر من سؤاله العافية في الدنيا والآخرة، ولتعلم أن الأمور كلها بقدر الله، فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإذا اعتقدت هذا استرحت من هذه المخاوف وتبددت آمال الشيطان في وسوستك، ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 21259، والفتوى رقم: 8181.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1426(1/2733)
استفراغ الوسع ثم طلب العون من الله مع التسليم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قال الله تعالى \\\"والله فضل بعضكم على بعض في الرزق\" فأنا أتعب في دراستي وأبذل جهدا إلا أنني لا أحصل على النتائج التي ترضيني وتشجعني لبذل جهد أكبر, وبالرغم من أنه لي صديقات يبذلون جهدا أقل ومستوى ذكائهم أقل مني أيضا ألا أنهن يحصلن على درجات أكبر, فهل تفسير هذه الآية هو الجواب بأنني مهما سأبذل من جهد فإنني سأجد أخريات أعلى مني فقط لأن الله فضلهن في الرزق أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلتعلم السائلة الكريمة أن الأمر كله بيد الله يفعل منه ما يشاء ويقدر، ففي سنن ابن ماجه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس: اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وفي تفسير الآية التي أوردت في سؤالك قال صاحب فتح القدير: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فجعلكم متفاوتين فيه، فوسع على بعض عباده حتى جعل له من الرزق ما يكفي ألوفا مؤلفة من بني آدم، وضيقه على بعض عباده حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم، وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والاطلاع على حقيقة أسبابها، وكما جعل التفاوت بين عباده في المال جعله بينهم في العقل والعلم والفهم، وقوة البدن وضعفه، والحسن والقبح، والصحة والسقم وغير ذلك من الأحوال.
والله قد وضع لكل شيء سببا، فجعل المال لمن يجتهد في طلبه، والنجاح لمن يراجع دروسه، ويصغي لشرح المدرس وغير ذلك من الأسباب، ومن هذا قول الرسول الكريم: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له. متفق عليه. فعليك أن لا تتشاءمي أو تقنطي من التفوق في الامتحان، وابذلي جهدك في ذلك، ولن يضيع الله سعيك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(1/2734)
اختيار الله للعبد خير له من اختيار نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلقة منذ 3أشهر فأنا منذ أن طلقت وأنا دائما أصبر نفسي بأن الله سبحانه وتعالى سوف يمن علي بالزوج الصالح ولكن دائما أتجرع الألم عندما أتذكر منزل الزوجية وكنت أتمنى لو أن زوجي كان ملتزما بتعاليم الله. ماذا أفعل لكي أتخلص من ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعوضك عن زوجك من هو خير منه وأصلح وأتقى، ثم اعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وشأن المؤمن فيها الصبر والتسليم بقضاء الله تعالى وقدره، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي. ويقول صلى الله عليه وسلم: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عز وجل بها عنه حتى الشوكة يشاكها. متفق عليه. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به سيئاته.
فعليك بالصبر وتناسي هذا الأمر، وتوجهي إلى ربك سبحانه بأن يرزقك زوجا صالحا. واعلمي بأن اختيار الله عز وجل للعبد خير له من اختياره لنفسه. ولا بأس بأن تسعي للحصول على ذلك بالطرق الشرعية، ومنها: أن تعرضي نفسك بواسطة أبيك أو أخيك على من ترينه مناسبا، وليس في هذا عيب ولا حرج، وانظري الفتوى رقم: 7682.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1426(1/2735)
تأخير الزواج قد يكون خيرا لك
[السُّؤَالُ]
ـ[في كل وقت أمي تدعو لي بالزواج أنا وأي صديقة لي أو أحد من الجيران كلهم يرتبطون أو يتزوجون ما عدا أنا إلى الآن فما السبب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل تأخير الزواج خير لك، فالله سبحانه وتعالى يقدر لعباده المؤمنين ما هو خير لهم، كما قال سبحانه وتعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ {البقرة: 216} . فمن يدري لعلك تنالين بعد هذا التأخير النصيب الأكبر والخير الأوفى!!
والذي ننصحك به هو تقوى الله تعالى والمحافظة على فرائضه والابتعاد عن معاصيه، وعليك بكثرة الدعاء وخاصة في أوقات الإجابة، والمداومة على الأذكار المأثورة في الصباح والمساء ...
والأخذ بالأسباب المشروعة التي تؤدي إلى الزواج وأهمها التمسك بالدين والمحافظة على تقوى الله تعالى.
ولمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتاوى التالية أرقامها: 7087، 13597، 27645، 18430، 20975.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(1/2736)
من حكم تغير الطقس
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو: لماذا جعل الله الطقس حاراً ولم يجعله معتدلاً بصورة دائمة مع أنه قادر على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الله تعالى حكيم لا يفعل شيئاً عبثا ولا لغير حكمة ومعنى، وحكمته هي الغاية المقصودة، قال الله تعالى: وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {النساء:113} ، واعلم أنه سبحانه لا يسأل عما يفعل، قال الله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} .
ولولا أنه سبحانه جعل الطقس على هذه الحالة ما استملحت الجو المعتدل، فإنه لا يعرف فضل الاعتدال إلا من ذاق من الحر والبرد، فتغير الطقس من تمام حكمة الله بخلق المتضادات والمتقابلات، وأيضاً من حكم تغييره الطقس تذكر عذاب الآخرة والاستعاذة منه.
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها فقالت: يارب، أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(1/2737)
يهون البلاء بالصبر والإيمان بالقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي ابن خالتي بحادث مروي فتدهورت حالتي النفسية، فصرت قليلة النوم كثيرة الهم والتفكير والبكاء، ليس عندي إقبال على الدنيا كرهت الجامعة، أصبحت كل دقيقة أتوقع مصيبة جديدة، الحمد لله على كل شيء، ولكن القلق أصبح وسادتي والخوف أصبح فراشي، أصبحث كثيرة الأحلام والكوابيس، وأفكر فى الذهاب إلى كاهن لأعرف ما يخبئ لي القدر، أريد أن يخلصني مما أنا فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي أيتها الأخت الكريمة أن لكل نفس أجلاً مسمى، فإذا جاء أجلها فلا تؤخر ساعة ولا تتقدمها، قال الله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:11] .
والواجب على المسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره، وليقل عند المصيبة "إنا لله وإنا إليه راجعون" كما أرشده الله إلى ذلك فقال: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:156-157] .
وبذلك تهون المصيبة والبلية ويذهب القلق والاضطراب ويعيش المصاب في راحة وطمأنينة، وننصحك باللجوء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في أن يرفع همك وغمك ويبدلك فرحاً وسروراً، وإياك والذهاب إلى الكهنة والعرافين والسحرة فإنهم لا يزيدونك إلا خبالاً ورعباً وقلقاً، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 20515، والفتوى رقم: 15284.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1424(1/2738)
القدر.. والدعاء، وهل يمكن تغير القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي أكرمكم الله كالآتي: ماهو القدر؟ وما هي الأشياء التي تغير القدر؟ وهل الدعاء يغير القدر؟ وهل النصيب فيما يتعلق باختيار الزوجة له علاقة بالقدر؟ وهل يمكن تغييره أم هو مكتوب من عند الله لا تغيير فيه؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقدر هو ما قدّره الله وقضاه من المقادير، أي الأشياء التي تكون. فلا يقع شيء في الكون إلا وقد علمه الله في علمه الأزلي، وقضى أن يكون.
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم عند حديث: العين حق. ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين: فيه إثبات القدر، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة، ومعناه: أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى، وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين، ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى. اهـ
واعلم أن القدر الذي هو القضاء المبرم الذي علم الله أنه سيقع لا يغيره شيء لا دعاء ولا غيره، ولكن هنالك ما يسميه العلماء بالقضاء المعلق، وهو ما علق وقوعه على شيء، مثل الزيادة في العمر إذا وصل الإنسان رحمه، كأن يقدر له إن وصل رحمه أربعين سنة، وإن لم يصل رحمه ثلاثين سنة، وهذا بالنسبة إلى غير الله معلق. أما بالنسبة إلى الله تعالى فهو مبرم، أي لا يغيَّر فيه شيء.
أما بالنسبة للملك الموكل بقبض الأرواح، أو كتابة الآجال، أو الأرزاق، فيمكن تغييره، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] .
وعليه يمكن تغيير القدر بأمور وردت بها النصوص كصلة الرحم وبر الوالدين وأعمال البر والدعاء، والدعاء أقوى الأسباب في رد القدر، كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها. وفي لفظ: بالذنب يصيبه.
قال السندي في شرحه على سنن ابن ماجه: قال الغزالي: فإن قيل: ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فإن الدعاء سبب رد البلاء، ووجود الرحمة، كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء. اهـ
ويدخل في القدر بلا شك اختيار الزوجة، وأنه مكتوب عند الله تعالى منذ الأزل، ولكن المرء مطالب شرعًا بأخذ الأسباب التي جعلها الله مؤدية لاختيار الزوجة الصالحة، كما في الحديث الشريف: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1424(1/2739)
الخير في ما قضى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
في مرة ذهبت إلى إحدى الدول العربية وجلبت معي أشرطة دينية خطب وأدعية، وأدخلتها بطريقة التهريب،
وضبطت مني بحجة أنها اشرطة محظورة، وأنا متسلف المبلغ وأنا خاير، أرشدوني، وهل الطريقة التي أدخلتها بها صحيحة؟
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان قصدك بكلمة خاير أنك قد استخرت الله قبل القيام بهذا العمل، الاستخارة الشرعية وعملت بما شرح له صدرك، فجرى لك ما جرى، فارض بما قضى الله، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضاه، ومن شقاوة ابن آدم ترك الاستخارة وتسخطه بما قضى الله.
فإذا كنت قد أقدمت على هذا الأمر بعد استخارة الله، فعليك أن تكمل السبب الثاني للسعادة وهو الرضا بما قضى لك، فإن الخير في ما قضى، وراجع الفتوى رقم: 32377،، وجلبك لهذه الأشرطة الدينية لا يخلو من حالين:
فإذا كنت قد جلبت هذه الأشرطة وقمت بتهريبها للتجارة فيها فقد أخطأت، وقد سبق بيان حكم ذلك في الفتوى رقم: 15981.
وإذا كنت قد جلبتها لتوزيعها على الناس للانتفاع بما فيها من خير وهدى، ترجو بذلك الأجر والثواب لا التجارة، وغلب على ظنك السلامة، والبلد المجلوبة إليه تلك الأشرطة في حاجة إليها، ولا يوجد فيه ما يسد مسدها، فلا ريب أن عملك هذا من أعظم القرب إلى الله، وما أصابك فيه من ضياع مال أو مشقة فإن الله يأجرك عليه أعظم الأجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1424(1/2740)
اختيار الله تعالى للعبد خير من اختياره لنفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب سوري عمري 17 سنة وأنا كغيري من السوريين الذين لم يحالفهم الحظ في الدخول إلى الفرع الذي أريده فكانت النتيجة أن ابتعدت عن الله وغرقت في المعاصي وتركت الصلاة ورأيت المنكرات والفواحش أي في ما معناه ابتعدت كل البعد عن الله وأنا الآن في حالة نفسية يرثى لها وأرجو الرد بسرعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنتُ خَلْفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: "يا غُلامُ! إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ؛ وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
أخانا الكريم تأمل هذه الكلمات وما احتوت عليه من معان وعظات بالغة مؤثرة، ومن تأملها حق التأمل فلماذا يحمل الهموم ويكدر حياته بالنكد والحزن على شيء قد قدره الله تعالى وفرغ منه.
إن من أراد السعادة في الدنيا والآخرة فعليه أن يرضى عن الله تعالى في قضائه وقدره، وأن يوقن تمام اليقين أن اختيار الله تعالى له في أموره خير من اختياره لنفسه، وأن ذلك مقدر له قبل أن يولد، بل قبل أن يخلق الله السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة " رواه مسلم والترمذي فإذا علم ذلك العبد المؤمن، وأيقن به كان أفرح لنفسه، وأسعد لقلبه، وأروح لباله، وملأ الله صدره باليقين والرضى والسعادة والراحة.
فإذا كان قد فاتك الدخول إلى الفرع الذي تريده فهل تظن أنه كان مكتوباً لك فمنعك الناس منه، أم أن الله تعالى لم يقدره لك في الأزل، وقدر لك شيئاً آخر هو خير ورحمة بإذن الله إذا كنت من الطائعين له، فالأول مستحيل، وأما الثاني: فهو الحق الذي لا مرية فيه، فلا تتبع نفسك ما لن تناله أبداً، ولا يحملنك فواته على ارتكاب ما حرم الله، فعد إلى الله تعالى، وأقبل عليه، وقل هذا الدعاء: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1423(1/2741)
انتفاء التضاد عن أحاديث زيادة العمر ونقصانه
[السُّؤَالُ]
ـ[أطال الله في عمرك..!
هل هذا الدعاء يغير في عمر الإنسان من شيء!! هل عمر الإنسان ينقص ويزيد..
وهناك حديث للرسول..عندما سمع فاطمة (على ما أعتقد) تدعو اللهم متعني بزوجي اللهم متعني برسول الله! (بما معناه أن الله يطيل في عمرهم) ؟ الرجاء التفسير!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي أشار إليه السائل يرويه الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَتْ أُمّ حَبِيبَةَ، زَوْجُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "اللهُمّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي، رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَبِأَبِي، أَبِي سُفْيَانَ. وَبِأَخِي، مُعَاوِيَةَ. قَالَ: فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ سَأَلْتِ اللهِ لاَِجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ. لَنْ يُعَجّلَ شَيْئاً قَبْلَ حِلّهِ. أَوْ يُؤَخّرَ شَيْئاً عَنْ حِلّهِ. (حِلِّه: بفتح الحاء وكسرها: وجوبه وحينه) وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهِ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَ خَيْراً وَأَفْضَلَ". كتاب القدر.
فظاهر هذا الحديث يدل على أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عمَّا سبق به القدر.
وقد رويت أحاديث أخرى قد يظن بعض الناس أن ظاهرها التعارض مع ما سبق، منها ما رواه مسلم عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط عليه رزقه أو ينسأ في أثره فليصل رحمه.
وما رواه الترمذي وحسنه عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر.
وفي رواية ثوبان: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء.
وللعلماء في الجمع بين هذه النصوص أوجه، منها ما ذكره النووي - رحمه الله- في شرح مسلم: أن هذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.
والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة، وفي اللوح المحفوظ، ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة؛ إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع، وهو من معنى قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39] .
فالنسبة إلى علم الله وما سبق به قدره لا زيادة، بل هي مستحيلة.
وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تُتصور الزيادة، وهو مراد الحديث.
والثالث: أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده، فكأنه لم يمت. (حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل) . انتهى.
وقال الإمام الطحاوي في مشكل الآثار 4/170 بعد أن ذكر الأحاديث المختلفة في ذلك: إن هذا مما لا اختلاف فيه، إذْ كان يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برَّت كذا وكذا، وإن لم تبر كذا وكذا، لما هو دون ذلك، وإن كان منها الدعاء رد منها كذا، وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا، وإن عملت كذا حرمت كذا، وإن لم تعمله رزقت كذا، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه، وفي هذا بحمد الله التئام هذه الآثار واتفاقها وانتفاء التضاد عنها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2742)
دواء إبعاد شبح الخوف
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب السفر بالطائرة لكن عندما أصعد على متنها ينتابني قلق ثم تضطرب أعصابي هل لديكم حل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل ما يصيبك من القلق والاضطراب عند صعودك للطائرة هو نتيجة توقع حدوث كارثة سقوط الطائرة ونحو ذلك، ولكن لا تجعل هذا الخوف يسيطر على كيانك ويتملك عقلك، والعلاج لذلك أن توقن أن المصائب والموت بيد الله جل وعلا فلا يصيبك منها إلا ما قدره الله تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51] .
وفي سنن ابن ماجه عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:...... ولو كان لك مثل أحد ذهباً أو مثل جبل أحد ذهباً تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار.
وبهذا يزول عنك ما تجده من الخوف والقلق بإذن الله تعالى، كما نرشدك إلى الدعاء.. ففي صحيحي البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي، ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري، وقال اللهم ثبته، واجعله هادياً مهدياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1423(1/2743)
كل شيء حاصل بقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
خطبت العام الماضي لرجل ثري ووافقت عليه وتركت الأمر لزوجة أخي ووالدتها (وهي وزوجة أبي) وأخواتي لأبي وتكلموا مرتين يريدون أن يأتوا للخطبة ولا أعلم ماذا يحصل لأنني لم أتابع الموضوع بنفسي لأنني اعتبرت المسألة مسألة كرامة مع أنني كنت أعلم أنهم يكرهون لي الخير وللجميع لأنهم أثرياء ولا يتمنون أن يكون أحد أعلى منهم والخطبة كانت عن طريق أخت زوجة أبي لأبيها وهم لا يحبونها ويغارون منها لأن سمعتها طيبة جدا وتعمل أعمال الخير لجميع الناس وموفقة في حياتها والحمد لله. سؤالي هو: هل أنا تركت ما يخصني للغير وجعلتهم يتحكمون في مصيري أقصد أنني لم أتحرك وأفهم السبب من السيدة الفاضلة لأن الله سبحانه وتعالى يريد من عبده أن يسعى لما ينفعه ولا يتكل على النصيب كما فعلت أنا أم أن هذا قدر الله لي؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه مسلم.
ومن معاني العجز هنا: ترك ما يجب فعله، والتسويف به، وتأخيره. والكيس ضد العجز وهو: النشاط والحذق بالأمور.
ومعنى الحديث أن عجز العاجز قد قدره الله، وكيس الكيس قد قدره الله تعالى.
فإن الله عز وجل قد كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.. كما صح بذلك الحديث في صحيح مسلم وغيره.
فعلى الأخت أن توقن بأن ما تم قد قدره الله عز وجل.
وأنه لا يستطيع أحد من الخلق أن يحول بينها وبين خير قدره الله لها، كما لا يستطيعون دفع مكروه قدره الله عليها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي.
فنقول للأخت أريحي نفسك من "لو" و"لعل" واعلمي أن ما حصل كان مقدراً، ولكن إن أمكنك أن تأخذي بشيء من الأسباب المباحة كأن تبلغي هذه المرأة بموافقتك على الزواج فينبغي أن تفعلي، ومما ينبغي أن تتنبه له الأخت السائلة أن اختيار الزوج لا ينبغي أن يخضع لمقياس الثراء والغنى، بل ينبغي أن تختار الزوج الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1423(1/2744)
ما أصابك لم يكن ليخطئك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان أعجبت بإنسانة ذات خلق عظيم وطيبة القلب ومتدينة وأريد التقدم إليها لكن عاداتهم لا تسمح بتزويجها لنا وأنا أدعو ربي ليلاً ونهار أن يرزقني إياها أرجو التكرم بتزويدي ببعض الأدعية لذلك وهل صلاة الاستخارة هي الحل الوحيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تتعب نفسك كثيراً في الوصول إلى ما تريد فالأمر بيد الله، فأكثر من دعائه وخاصة دعاء الاستخارة. واعلم أن المرأة إن كانت من نصيبك فلن تفوتك فسلم للقدر أمرك، وارض بما قسم الله لك، وانظر الفتوى رقم: 8757 والفتوى رقم: 19333.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(1/2745)
لا تنشغل بما فرغ الله من قضائه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 21 سنة لدي رغبة كبيرة في الزواج وهذا يوثر على نفسيتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عمر الإنسان هو رأس ماله الذي ينبغي أن يستثمره فيما يعود عليه بالفائدة في دنياه وفي أخراه، وهذا مما يقتضي عدم تفويت فرص الطاعات، واغتنام الأوقات في ذكر الله تعالى، والقيام بالواجبات، والحرص على المستحبات، وكثرة مخالطة الصالحين، والتفكر في عجائب الدارين (الدنيا والآخرة) .
ولا ينبغي للعبد أن يشغل نفسه بما فرغ الله من قضائه -وهو القدر- الذي حدد فيه لكل مخلوق رزقاً لا يزيد ولا ينقص بكثرة الفكر فيه أو عدمه، بل ينشغل بما أُمر به من عبادة الله ودعائه، واللجوء إليه والتضرع له.
ولمزيد من النصائح والقوائد راجعي الفتوى رقم: 12767، والفتوى رقم: 19866.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستطع الزواج من الشباب إلى الصوم، فقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" متفق عليه.
فننصح السائلة بمواصلة الصوم إلى أن يسوق الله لها ما قدره لها، وبالصبر على قضاء الله تعالى، كما ننصحها بالالتجاء إلى الله أن ييسر لها أمر الزواج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(1/2746)
الإيمان بالقدر مع بذل الأسباب يوصل للنجاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 16 سنة مشكلتي تكمن في عدم الثقة بنفسي مما تسبب في رسوبي في شهادة الباكالوريا
هل من حل لاسترجاع الثقة بالنفس؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من الأمور الأساسية التي تكون سبباً في نجاح الإنسان في حياته إيمانه بالله عز وجل وثقته به، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لذلك فعلق نفسك بالله تعالى، وتوجه إليه بسؤاله التوفيق والنجاح.
ففي سنن أبي داود بإسناد حسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت".
ثم إنه لابد أن تستمر في بذل الأسباب، ولا تلتفت إلى وساوس الشيطان، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
فالمؤمن دائماً يكون إيجابياً يفكر في المستقبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1423(1/2747)
أنجع حل لمشكلتك الرضا بتقدير الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد منكم حلا لمشكلتي مشكورين
زوجي تزوج من امرأة أخرى من غير رغبة منه وإنما بتأثير أمه وأخته المشكله أنه أصبح عصبي المزاج ويختلق من كل شيء مشكلة ويشعر أنه وقع في خطأ لأنه اعترف لي بأنه لا يريد الزواج وإنما أراد التجربة فقط وساعدوه على ذلك والمطلوب من سعادتكم الآتي:
1- كيف يمكن التعامل مع عصبيته؟ ... ... ... 2-كيف يمكن مساعدته للخروج من المشكلة؟
3- هو يسمع من كل الناس إلا أنا فلا يأخذ مني شيئاً؟ 4-كيف يمكن التعامل مع المشاكل القادمة؟
5-أنا غير راضية عن زواجه وأشعر بمتاعب نفسية ونوبات من البكاء وأصبحت عندي مشاعر كره تجاهه فماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التعدد أمر شرعه الله كما تعلمين، وحيث إن الزواج قد تم فعليك أن ترضي بما قدره الله سبحانه وتعالى، وقولي "قدر الله وما شاء فعل" كما وصى بذلك سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، في حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره، والعبد إذا رضي بما قدره الله ترتاح نفسه، ويطمئن قلبه، واعلمي أن رضاك بتقدير الله هو الذي عليه تنحل مشكلتك بإذن الله، لأنك إذا ارتاحت نفسك فبإمكانك بإذن الله أن تهيئي المناخ المناسب لزوجك، والذي يشعر معه براحة واستقرار، أما إذا كنت غير راضية فسيكثر منك البكاء كما ذكرت، وستكون الأجواء في البيت غير مستقرة، وبالتالي يزداد زوجك عصبية فوق ما يعاني، فعليك أن تتحلي بالرضا والصبر، وكوني هادئة، ثم تقربي من زوجك وتحببي إليه، وذكريه بالله، وإذا كان في حالة عصبية علميه أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عندما وجد الرجل قد أحمر وجهه وانتفخت أوداجه من شدة الغضب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"،
وكذلك قد يسكن الغضب بالوضوء، كما قد يسكن إذا غير الحال التي هو عليها حال الغضب، فإذا كان قائماً فليقعد، وإذا كان قاعداً فليضطجع ... وهكذا.
ونسأل الله تعالى أن يصلح لك زوجك، وأن يصلحك له، وأن يذهب ما بكما من كرب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1423(1/2748)
تفويض الأمر لله مع اتخاذ الأسباب الدافعة للضرر يريح النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لدي مستودع من الأقمشة للسيارات بحوالي مليون ونصف المليون ريال وأنا خائف، فماذا يجب علي أن أفعل ويقولون لي إن التأمين لا يجوز ماذا علي أن أفعل مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى المؤمن أن يأخذ بالأسباب التي تدفع عنه الضرر وتحميه منه، ويجب عليه أن يفوض أمره إلى الله سبحانه ولا ينبغي أن يلازمه الخوف مما قد يحدث له في المستقبل لأن ذلك قادح في إيمانه بقضاء الله وقدره الذي هو أحد أركان الإيمان الستة.
وقد يبتلي الله الإنسان في نفسه أو ماله من أجل إظهار صدق الصادق في إيمانه، وكشف كذب الكاذب، فعلى العبد أن يصبر على ما قدره الله تعالى له من خير وشر، ولا يقول ولا يفعل إلا ما يرضي ربه، فعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
ومثل هذا الخوف عليك أن تتخلص منه، وعليك أن تعلم أنه لا يسوغ لك حماية نفسك من ضرر متوقع بوسيلة محرمة كالتأمين الذي نص العلماء المعاصرون على حرمته كما في قرار مجمع الفقه الإسلامي المبين في الفتوى رقم:
7394.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(1/2749)
جميع ما يحصل في الكون معلوم لله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فعلاً أن كل إنسان مكتوب نصيبه عند الله بشأن من سيتزوج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كل شيء في هذا الوجود مكتوب عند الله تعالى، فقد روى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فقال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة".
وفي رواية: "اكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة".
فأهل السنة يعتقدون أن كل ما يحصل في هذا الكون من رزق وصحة ومرض وغنى وفقر وزواج وطلاق ... مقدر ومكتوب عند الله تعالى، وسبق علم الله تعالى بما هو كائن، وكتابة ذلك لا تتنافى مع مشيئة العبد واختياره، فللعبد اختياره ومشيئته لكنها ليست مستقلة، بل داخلة تحت قدرة الله تعالى ومشيئته، ولمزيد الفائدة راجعي الجواب رقم: 12638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2750)
لا يتم إيمان العبد إلا بالإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة في مرحلة المراهقة ودائما في قلق إذا ذهبت أمي لتوصل أختي المدرسة العربية أقلق على أنه سيحصل لهاحادث ونحوه وأحاول أن أهدئ من نفسي لأنه يجعلني في ضغط شديد، ومنذ السنة الماضية عندما وقع حاذث سيارة لأمي زادت هواجسي، ماذا تقترح علي؟ فهل التفكير الزائد جيد؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يصرف عنك كل شر. واعلمي يا أختاه: أن الله قدر مقادير الأشياء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء. صرح بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما روى مسلم في صحيحه. فعلى أي شيء تقلقين؟ ومن أي شيء تخافين؟!
وعليك أن ترضي بقدر الله حتى تنالي الرضا من الله تعالى. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط رواه الترمذي وابن ماجه.
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس رواه الترمذي.
والإيمان بالقدر من أصول الإيمان، ولا يتم إيمان العبد إلا بالإيمان بالقدر، والآجال والأرزاق بيد الله ليس لأحد تقديمها ولا تأخيرها ولا زيادتها ولانقصانها.
فإذا استقر هذا في نفس المؤمن فإنه يعيش في سعادة وراحة، واشغلي نفسك بالذكر والعبادة والعلم النافع، ودعي الهواجس والأوهام، وفوضي الأمر لله صاحب الأمر فهو أرحم بك منك بنفسك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1423(1/2751)
ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنظر إلى المرآة كثيراً لكبر أنفي فكيف أجعل نفسيتي مطمئنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أعظم أسباب اطمئنان الشخص وراحته النفسية أن يرضى بما قسم الله تعالى وقدره، وأن لا يستنقص ما هو فيه، وأن يعلم أنه ما من درجة يصل إليها من النقص أو البلاء إلا وتحتها درجات، لو استحضرها لحمد الله عز وجل على ما هو فيه، ولعلم أنه في نعمة كبيرة.
ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إِلَىَ مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ. وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَىَ مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ. فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله" رواه مسلم وغيره، فالإنسان إذا نظر إلى مَن فُضِّل عليه في الدنيا استصغر ما عنده من نعم الله وكان سبباً لمقته، وإذا نظر للدون شكر النعمة وتواضع وحمد.
فالسائل الذي يقلق أو ينزعج لكون عضو من أعضائه كبيراً لا شك أنه لو نظر إلى من لم يخلق له ذلك العضو من أصله، أو من به تشويه، أو آفة أكبر كفقد سمع أو بصر أو عقل أو نحو ذلك، لاطمأن لما هو فيه، ولعلم أنه يتقلب في فضل كبير من الله عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1423(1/2752)
التشاؤم يقدح في الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أخت توفيت في حادث سيارة وكان الحادث فظيعاً جدا وبعدها بفترة رزقني الله بطفلة فسميتها على أختي رحمها الله ولكن من ولادة هذه الطفلة وإلى الآن وهي عمرها سنتان ونصف دائماً تكون عرضة للمرض وفي كل فتره بسيط تمرض بصفة مستمرة. فهل الاسم له علاقة بهذا المرض أم لا؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإيمان بالقدر من أصول الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، ففي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب في سؤال جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبالقدر خيره وشره" قال - أي جبريل عليه السلام-: "صدقت".
والنصوص المخبرة عن قدر الله الآمرة بالإيمان به كثيرة، فمن ذلك قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49] .
وقوله: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [الأحزاب:38] .
وقوله أيضاً: (وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً) [لأنفال:42] .إلى غير ذلك من الآيات.
وروى مسلم في صحيحه عن طاووس قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر، قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس.
ومثل هذه الأوهام والشكوك لا ينبغي أن تصدر من قلب مؤمن بالله، مسلم بأقداره. ونؤكد للسائل يقيناً أن الاسم لا أثر له في المسمى، وأن كل ما يصيب هذه البنت - كغيرها من البشر - من صحة ومرض وموت وحياة وفقر وغنى، وغير ذلك من الأعراض الملازمة للبشر، إنما هو بقضاء الله وقدره، سواء سميت باسم المتوفاة، أو سميت باسم آخر، أم لم تسم أصلاً.
وإذا تأملنا أكثر الناس اليوم، خصوصاً من العرب والمسلمين، وجدناهم لا يحملون إلا أسماء آبائهم أو أمهاتهم الذين قد ماتوا، أو غيرهم من الأنبياء والصالحين، فلو كان لاسم الميت تأثيراً فيمن سمي عليه، بمعنى أنه يموت، أو يمرض، لكان جلُّ الناس اليوم مرضى، أو ميتين.
فعليك أيها السائل - حفظك الله - أن تؤمن إيماناً جازماً بأن جميع الواقعات بقضاء الله وقدره، خيرها وشرها نفعها وضرها، لأن العبد إذا آمن بأن كل ما يصيبه مكتوب، وأن الآجال والأرزاق بيد الله تعالى، فإنه يستقبل كل ما يصيبه من ابتلاء وامتحان بقلب ثابت، وضمير مطمئن.
جعلنا الله وإياك من المؤمنين بقدر الله خيره وشره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1422(1/2753)
الإيمان بالقدر لا يعني أن الإنسان مجبر على أفعاله
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال أرجو توضيحه: أنا كمسلمة مؤمنة إيمانا قويا بالقضاء والقدر، ومؤمنة بالجنة والنار، وأعرف أن كل واحد في الآخرة يجزى بما كسب: إن خيرا كوفئ بالجنة، وإن شرا كانت عاقبته النار، ولكن أليس مكتوبا في القرآن أن كل شيء مكتوب على الإنسان يوجد في اللوح المحفوظ، وأنه شقي أوسعيد، ومن يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له؟ فإذا كان الشخص مكتوبا عليه قبل ولادته أن يدخل النار، فلماذا يعاقب على أعماله؟ وإذا كنت قد فهمت هذا الموضوع فهما غير صحيح فالرجاء أن توضحوه لي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان بالقضاء والقدر لا يعني أن الإنسان مجبرعلى أفعاله، كالريشة في مهب الريح، وإنما العبد له قدرة ومشيئة واختيار وكسب، وقد دل على ذلك الشرع والواقع، أما الشرع، فإن الله تعالى أثبت للعبد إرادة ومشيئة وأضاف العمل إليه، قال الله تعالى: مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ {آل عمران: 152} . وقال: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {الكهف: 29} . وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {فصلت: 46} .
وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم الفرق بين أفعاله الاختيارية التي يفعلها بإرادته كالأكل والشرب والبيع والشراء، وبين ما يقع عليه بغير إرادته كالارتعاش من الحمى، والسقوط من السطح، فهو في الأول فاعل مختار بإرادته من غير جبر، وفي الثاني غير مختار ولا مريد لما وقع عليه. شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين.
فإذا ثبت أن الإنسان له إرادة وله مشيئة وله اختيار وله كسب، وليس مجبرا على أفعاله، فحسابه يكون على ما يدخل تحت اختياره ومشيئته، وراجعي لمزيد الإيضاح والفائدة الفتوى رقم: 38356، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1430(1/2754)
إقامة العدل المطلق تكون في الآخرة لا في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أظلم من المجتمع في كثير من الأمور، أو أن أرى بعض الناس المستضعفين كالمرأة المستضعفة، واليتيم، والطفل الصغير الذي يعامله والداه بكل قسوة، وأرى الخيانات الزوجية، وأرى في المجتمع كثيرا من أنواع الظلم الذي تقشعر له الأبدان.
فسؤالي أيها السادة: الله هو ملك الملوك، جبار السماوات والأرض، يستطيع بكلمة: كن، وبأقل من هذه الكلمة أن يحسم كل الأمور، وأن ينهي كل الظلم، لكن أحيانا نجد أن الله عز وجل لا يتدخل، بمعنى أن كثيرا من الناس ظلموا وبقوا في ظلمهم حتى فارقوا حياتهم، ولم يتدخل الله لأجلهم. فلماذا لا يتدخل الله في حياتنا؟
وكيف السبيل أن نجعل الله يتدخل في حياتنا فيزيل عنا الظلم وينصرنا ويحمينا من الفتن والشرور؟
أسمع يومياً كثيرا من القصص، شاب يضرب والديه، أم تقتل ابنتها! ، أب يتحرش بابنته! وكل هذا الشيء ألا يستطيع الله أن يتدخل ويحسم الأمر ويصلح لنا شأننا كله؟ وفي حال دعونا الله عز وجل وأخذنا بالأسباب، ومع ذلك بقي الظلم واقعاً في المجتمع. ماذا بإمكاننا أن نفعل؟ وكيف يتدخل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما يحدث من أنواع المظالم العامة والخاصة لا يخفى على الله منها شيء، ولا شك أيضا أن الله تعالى لا يرضى بالظلم والعدوان، قال تعالى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. {آل عمران: 57} . وقال سبحانه في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. رواه مسلم.
والناس في ذلك بين ظالم ومظلوم، فأما الظالم فإن الله تعالى إنما يملي له ليزداد إثما، ويؤخره ليوم تشخص فيه الأبصار، قال تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. {آل عمران:178} . وقال سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ. {إبراهيم:42} .
قال السعدي: هذا وعيد شديد للظالمين، وتسلية للمظلومين، يقول تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ. حيث أمهلهم وأدرَّ عليهم الأرزاق، وتركهم يتقلبون في البلاد آمنين مطمئنين، فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم، فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما، حتى إذا أخذه لم يفلته: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد. والظلم -هاهنا- يشمل الظلم فيما بين العبد وربه وظلمه لعباد الله. اهـ.
وأما المظلوم فإن الله تعالى يمتحنه تمييزا وتمحيصا، فإن آمن بالله واتقاه جوزي على ذلك بالثواب الجزيل، كما قال تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ. {آل عمران:179} . وقال عز وجل: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. {المائدة:48} .
والدنيا ـ كما هو معروف ـ ليست بدار جزاء ووفاء، وإنما هي دار محنة وبلاء، وذلك أنها لم تخلق للدوام والبقاء، بل للزوال والفناء، فلا يصح أن يحكم على حال الدنيا بمعزل عن الآخرة، فإن الله تعالى لم يخلقها إلا ليبتلي بها عباده ويمتحنهم فيها فينظر كيف يعملون، كما قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. {هود:7} .
فإقامة العدل المطلق لا تكون في الدنيا بل تكون في الآخرة، حيث يقول الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ. {الأنبياء:47} . وقال صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم. وراجع لزاما لبقية الإجابة إجابة السؤال رقم: 117638
وقد سبق الكلام عن الحكمة من خلق العباد، ولماذا لم يخلقوا كالملائكة معصومين، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 5492، 114255، 44950، 113166، 69481، 33718.
وأما السؤال عما بإمكاننا أن نفعل، فإن العبد لا يخلو من سراء أو ضراء، وعليه في كل حال منهما فرض يؤديه لله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. رواه مسلم.
فمن صبر حال الضراء، وشكر حال السراء فقد أدى ما عليه.
وعلى المسلم أن يسعى دائما لنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وإعانة المحتاج، بقدر طاقته ووسعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وفي الوقت نفسه يعلم أن لله تعالى في كل قضاء يقضيه حكمة بالغة، وله على عباده الحجة البالغة، وأنه لا يظلم مثقال ذرة ولا يظلم الناس شيئا، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً. {النساء:40} . وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. {يونس:44} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1430(1/2755)
الخوض في مسائل القدر مزلة اقدام
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلتني الرسالة التالية من أحد الأحبة وهي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي عبد الله
شكراً لك على جوابك المباشر وجزاك الله كل خير على صراحتك وبارك بك..
لكن أخي عبد الله ألا ترى معي أنه يجب إعادة النظر من طرف العلماء في مسألة علم الله المسبق، فبعد نقاشي مع كثير من الملاحدة وجدت أن هذه ربما هي أكبر عقبة في فهم الإسلام من طرف الكثير منهم فالكل يتحدث عن أن الله خلق إنسانا كافرا سيدخله النار بالرغم من أنه يعلم أنه سيخلقه وسيكفر به ومع ذلك يخلقه ويتوعده بالنار يعني أشياء كثيرة تثيرها هذه النقطة العقدية الحساسة ولكن للأسف لا نجد من علمائنا إلا التمسك بتعاريف أئمة سبقوهم لم يصابوا بفتنة بحجم فتنة الأنترنت الذي فتح حوارا عالميا وقرب بين كل بعيد وجعلني وأنا في بيتي أتحاور مع ملحدين لم أكن أظن يوما أنهم أصلا موجودون والذي دفعني أيضا إلى البحث في هذه النقطة هو عدم اقتناعي شخصيا بالتعريف المتعارف عليه وهو علم الله المطلق فهذا تعريف ليس من شأنه إلا أن يجعل الله سبحانه ميتا لا يتحرك يعلم مسبقا ماذا سيفعل يعني أعتذر عن اللفظ ولكنها قمة في الاستخفاف بالعقل فكيف يُعقل أن يعلم الله ماذا سيفعل غدا أو بعد غد يعني مثلا نفترض أنه سبحانه يعلم أنه سيخلق طفلا اسمه زيد غدا طيب إذا اعتبرنا هذا صحيحا فالله لا يمكنه ألا يخلق زيدا غدا لأنه إذا لم يخلقه وغير رأيه فمعنى هذا أنه اليوم لم يكن يعلم أنه سيغير رأيه ولا يخلق زيدا وإذا خلقه معنى ذلك أنه لا يمكنه ألا يخلقه أي أنه غير فعال لما يريد ألا ترى أخي أنه استخفاف بالعقول هذا الذي يريدون منا تصديقه يعني يريدون من الدعاة للإسلام أن يدعوا بشيء هم غير مقتنعين به لا أتحدث عن نفسي فأنا أبعد ما أكون عن داعية فأنا لا أفقه إلا اليسير من الدين ولكن مادمت أخي أنت الذي تفوقني علما في الدين بعشر سنين حسب قولك ليس لديك الجواب فما بالي أنا كيف يمكن أن يكون لي جواب على هذا السؤال انطلاقا مما نقرأه من كتب الأسلاف.
أود أن أقول لك شيئا أخي الحبيب إن بحثي بهذه النقطة الحساسة هو من خوفي على تحميل صفات الله ما لا تحتمله من تعاريف وأرجو منك أن تبحث في هذا الموضوع جاهدا ولا تخف في الله لومة لائم فكم من عالم جليل اتهموه بالكفر وبالزندقة فابن رشد اتهموه وابن تيمية حبسوه وابن حنبل جلدوه هذه هي ضريبة من يقول كلمة الحق إما أن نواليهم ونقول ما يشتهون وإما أن يتهمون من يقول الحق خوفا من الله يتهمونه بالكفر والعياذ بالله.
هذا ما لدي أخي الكريم ودمت في رعاية الله ... وسؤالي كيف أجيب هذا المسلم؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يتم إيمان عبد بالله حتى يؤمن بالقدر وبما يتضمنه من إثبات علم الله الأزلي الأبدي بكل شيء جملة وتفصيلاً، ما كان وما يكون من صغير وكبير وظاهر وباطن سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله أو أقواله سبحانه أو بأفعال عباده وأقوالهم وأرزاقهم وآجالهم، قال تعالى: عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {سبأ:3} .
وقال تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا {الطلاق:12} ، بل إنكار علم الله السابق كفر مخرج من الملة لما فيه من تكذيب القرآن.
فإذا تقرر هذا فلا يُقر زميلك على استشكاله أن الله تعالى يخلق من يعلم أنه سيكفر به سبحانه، فإن الله تعالى لا يسأل عما يفعل في ملكوته، قال تعالى عن نفسه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} ، ومع ذلك فإن لله حكماً وراء أفعاله يبصر الله بها من يشاء، فإن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه لا يحاسب الناس على أعمالهم التي سبق في علمه أنهم سيعملونها حتى تقع منهم فعلاً، وذلك حتى يجازيهم يوم القيامة ولا حجة لهم..
بل وأمر سبحانه الملائكة أن تكتب أعمال بني آدم وأن تسجلها عليهم، مع أن الله تعالى غني عن هذه التسجيلات لعلمه السابق بما يفعله العباد، وإنما كان ذلك لقطع حجج من حق عليهم العذاب.. ومن ذلك أيضاً شهادة جوارح المجرمين على أفعالهم يوم القيامة، وأمره سبحانه الكفار بالسجود فيعجزون، وهذا كله ليس لنقص في علم الله تعالى، وإنما لتمام إقامة الحجة على عباده.
ولتمام البحث في هذا الموضوع ارجع إن شئت إلى الفتوى رقم: 95359، والفتوى رقم: 18046 والتي تفرق بين إرادة الله القدرية الكونية وبين إرادته الشرعية الدينية، وكذلك الفتوى رقم: 52546 التي تفرق بين قضاء الله تعالى المبرم وقضائه المعلق..
هذا وإن مسائل القدر من المسائل التي يجب عدم الخوض فيها عن طريق العقل، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا. أخرجه الطبراني وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وقد قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. انتهى.
فيكفي العبد لكي يحقق الإيمان بالقدر أن يؤمن بخيره وشره دون الخوض في دقائق مسائله؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام الذي سأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان وأمارات الساعة، وفيه قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. رواه الترمذي. وصححه الألباني.
وأن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فريقين، أهل يمين خلقهم للنعيم فضلاً، وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلاً، قال الله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ {الأعراف:179} ، وللمزيد لبيان الموضوع راجع الفتوى رقم: 60787، والفتوى رقم: 110325.
هذا ولا يصح للعوام المبتدئين في طلب العلم النظر في شبهات الملحدين فضلاً عن مناقشتهم ومحاججتهم، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 24320، والفتوى رقم: 2073.
وما كان من الإمام أحمد أو شيخ الإسلام ابن تيمية من صدوع بالحق ورد شبهات المخالفين لهما وصبرهما على ما لقيا من جراء ذلك فقد كان عن علم تام، حيث كانا إمامي زمانهما والمرجوع إليهما في المعضلات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1430(1/2756)
لا يلزم من وجود الأسباب وجود المسببات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ممكن أن يأخذ الإنسان بالأسباب في عمل معين من أمور الدنيا بغض النظر عن كونه مسلما أو غير ذلك, ثم لا يحصل على النتيجة المنوطة بتلك الأسباب, فمثلا ممكن أن أقوم بدراسة مشروع وأقوم بتنفيذ هذا المشروع على أكمل صورة ثم يفشل، أو بمعنى آخر يقول الناس إنه من المُسلَّم به أن واحدا زائد واحد يساوي اثنان (1+1=2) هل هذا يصح في عقيدتنا أم أن واحدا زائد واحد يساوي ما شاء الله، قال لي أحد الإخوة إنه إن قمت بالأسباب على أكمل وجه ولم تحصل على النتيجة المطلوبة فيجب أن يكون هناك تقصير أو خطأ ما حدث في الأخذ بالأسباب وألا يكون ذلك جحودا في حق الله لأنه هو سبحانه الذي تعبدنا بالأسباب, وأن ذلك في أمور الدنيا فقط أم الأمور الدينية كالهداية إلى الإسلام وغيره فالأمر لله وحده, فقلت له نحن نأخذ بالأسباب وندع النتائج على الله في كل الأمور الدينية والدنيوية، وقال لي إن الكافر أو المسلم إذا عملا نفس العمل سيحصلان على نفس النتيجة ولكن يؤجر المسلم على نيته الصالحة وهذا هو الفرق بينهما، وقال لي إن هذا من أبرز الخلافات بين مذهب الأشاعرة ومذهب أهل الحديث السلف الصالح, فالأشاعرة يقولون إن الله قائم على كل أمر بذاته وفي وقت حدوثه, وأهل الحديث يقولون إن الله أودع في الأشياء مهمتها منذ أن خلقها، فأرجو من فضيلتكم التوضيح في هذا الأمر وهذا اللبس الحاصل, أو إرشادي إلى مراجع موثوقة للعلماء الذين يتحدثون في هذا الأمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حكمة الله تعالى أنه ربط الأسباب بمسبباتها، ولكن لا يلزم من وجود الأسباب وجود المسببات فالأمر فيها ليس كالمثل الذي ذكرته، وهو (1+ 1 = 2) فقد يوجد مانع يمنع من حصول المسبب، فالنار تحرق ولكنها لم تحرق إبراهيم عليه السلام معجزة منه سبحانه لنبيه إبراهيم عليه السلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى وهو يتحدث عن الدعاء وكيف أنه سبب للإجابة: الدعاء فى اقتضائه الإجابة كسائر الأعمال الصالحة فى اقتضائها الإثابة، وكسائر الأسباب في اقتضائها المسببات. ومن قال إن الدعاء علامة ودلالة محضة على حصول المطلوب المسئول ليس بسبب أو هو عبادة محضة لا أثر له في حصول المطلوب وجودا ولا عدما بل ما يحصل بالدعاء يحصل بدونه فهما قولان ضعيفان فإن الله علق الإجابة به تعليق المسبب بالسبب. انتهى.
وقال في موضع آخر: فالنار التى خلق الله فيها حرارة لا يحصل الإحراق إلا بها وبمحل يقبل الاحتراق، فاذا وقعت على السمندل والياقوت ونحوهما لم تحرقهما، وقد يطلى الجسم بما يمنع إحراقه، والشمس التى يكون عنها الشعاع لابد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه فاذا حصل حاجز من سحاب أو سقف لم يحصل الشعاع تحته. انتهى.
واعلم أن ربط المسببات بالأسباب ليس محصورا في الأمور الدنيوية فقط بل هو شامل للأمور الدينية، فإن للهداية أسبابها، وقد سبق أن بينا خطأ القول بنفي تأثير الأسباب على مسبباتها، والقول بأن المسبب يوجد عند وجود السبب لا به فراجع الفتوى رقم: 33983.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1429(1/2757)
لماذا يحاسب الإنسان على أشياء كتبت عليه قبل ولادته
[السُّؤَالُ]
ـ[الموضوع:
كلكم تعرفون اللوح المحفوظ وهو اللوح الذي كتب فيه الله عز وجل كل صغيرة وكبيرة في الكون وتعرفون تمام المعرفة أن الله يعلم الغيب أي كل ما سيقوم به هذا الإنسان في الدنيا وبأنه هو الذي كتبه عليه ومن ضمنها كافر أو مسلم.
والسؤال الذي لم أجد له إجابة اذا الله سبحانه وتعالى يعرف الكافر قبل ولادته لماذا إذا يجعله في الدنيا أليس من الأفضل محاسبته قبل؟ وأيضا: لماذا يحاسب على أشياء كتبت قبل ولادته إذا هو أصلا كتب له أن يكون كافرا ولم يصبح هكذا لوحده؟ أنا أعرف أن الله سبحانه وتعالى أعطاه الاختيار بين الخير والشر ولكن في الأخير جميع ما قام به مكتوب ولا يستطيع تغييره.
وسؤال آخر: ألا يفترض بأن تقدم مساعدة للإنسان لكي يرجع عن طريق الضلال ولكن في الأخير لا تقدم له سوى الأشياء التي كتبت له.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يحب الإعذار، ولا أحد أحب إليه العذر منه، فهو يقيم على عباده الحجة ويقطع عنهم المحجة، ومن أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء: 15} وقال سبحانه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {النساء:165} وثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل.
ومن كان حاله كذلك فكيف يحاسب عباده بمجرد علمه بما كانوا سيعملون دون أن يخلقهم ويظهر عملهم في العيان، ومن هنا فسر من فسر من أهل العلم قول الله تعالى: لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ {المائدة: 94} بأن المراد علم الظهور لأنه يعلم ذلك مسبقا، قال البيضاوي في تفسير هذه الآية: فذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره. اهـ ولله المثل الأعلى فلو أن حاكما من البشر قضى على شخص بالعقوبة بمجرد علمه أنه سوف يعملها لعد ظالما، ولكان لهذا الشخص الاعتراض على حكمه.
وأما علم الله السابق بكون العبد سيفعل كذا وكتابة ذلك في اللوح المحفوظ فلا ينافي أن له اختيارا على أساسه يحاسب على أعماله التي عملها، وقد بينا هذا في فتاوى سابقة نحيلك منها على الأرقام: 8653، 7460، 111439.
وأما تقديم المساعدة للإنسان لأجل الهداية فحاصل، ويتبين هذا مما ذكرنا سابقا من إرسال الرسل وإنزال الكتب، وقد أوجب الله تعالى على الأمة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إضافة إلى أنه سبحانه ركب في الإنسان أدوات الفهم وامتن عليه بذلك فقال سبحانه: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ {الملك:23}
وننبه في الختام إلى خطورة الخوض في القدر، وأنه مزلة أقدام ومضلة أفهام كما بينا بالفتوى رقم: 53111، فمن قنع بذلك وسلم الأمر لله تعالى ذاق حلاوة طعم الإيمان، ومن أرخى لفكره العنان واتبع خطوات الشيطان فمصيره الخذلان والخسران ولن يصل إلى نتيجة مقنعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(1/2758)
حساب الخلق بمقتضى عملهم، لا بمقتضى علم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الأحاديث الشريفة أن الله تعالى علم قبل أن يخلقنا أيا منا شقي وأيا منا سعيد، ومن سيموت على الكفر أو الإيمان. فهل من العدل أن يخلق الكافر أو الفاسق وهو يعلم مسبقاً أنه من الأشقياء في الآخرة؟ أم أنه خلق الكافر في الدنيا فقط لكي يكون ذلك حجة على الكافر بأن يكون من أصحاب النار كما سبق بذلك علمه تعالى؟
أرجو التنبه إلى أن سؤالي لا يتعلق بالقول أن الله فرض علينا أعمالنا وأفكارنا. ولكنه تعالى خلقنا دون طلب منا ولو كان أحدنا يعلم أنه سيكون من المخلدين أو المعذبين في النار لما تمنى أن يُخلق. مع العلم وكما ورد في أحاديث شريفة أن 99،9% من الخلق هم من أهل النار، فهل كان سبب خلقنا أن نكون من أصحاب الجحيم وتكون الدنيا حجة علينا فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي هذا المقام يجب التنبه إلى أمور:
أولا: يجب البعد عن الخوض في القدر، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب قال: فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟! بهذا هلك من كان قبلكم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وقال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: أصل هلاك بني آدم إنما كان التنازع في القدر. اهـ
وذلك أن الخوض في مثل هذه الأسئلة وإطلاق العنان للخواطر المثيرة للشبهات والشكوك يعود عليك وعلى دينك بما لا تحمد عقباه، قال تعالى: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11}
ثانيا: يجب على المسلم أن يعتقد جازما أن الله عليم حكيم عدل، وأنه هو الرحمن الرحيم، وأنه لا يظلم أحدا بل حرم سبحانه الظلم على نفسه، وأنه سبحانه لا يُسأل عما يفعل والعباد يُسألون، فهو رب كل شيء ومليكه له التصرف المطلق وله الحكمة البالغة، وهو أعلم سبحانه أين يضع فضله.
فإذا اطمأنت نفس المسلم لذلك فلا ينبغي له البحث وكثرة السؤال والاسترسال مع وساوس الشيطان التي يريد أن يفسد بها دين المرء ودنياه وأخراه.
ثالثا: إيجاده سبحانه للكافر مع علمه سبحانه بمآله وأنه في النار لا ينافي عدله لأنه إنما يحاسب الخلق بمقتضى عملهم وسعيهم واختيارهم لأنفسهم الكفر أو الإيمان، ولا يحاسبهم بمقتضى ما علمه منهم، فقد جعل الله تبارك وتعالى للعبد اختيارا ومشيئة وإرادة بها يختار طريق الخير أو الشر، وبها يفعل ما يريد، وعلى أساسها يحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسه لأنها أفعاله حقيقة، فالاختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف، وإذا فُقِد ارتفع التكليف.
وبذلك تقوم الحجة على العباد بأفعالهم أنفسهم لا بما علمه الله من مصيرهم ومآلهم.
قال تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ. {عمران:182}
وكرر ذلك في موضعين آخرين.
قال تعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى*وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. {الليل: 5، 6، 7، 8، 9، 10}
وللمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31767، 2847، 2855، 5492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1429(1/2759)
البرمجة العصبية تتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قانون الجذب أي قانون جذب الأشياء التي يتمناها المرء والمعروف في البرمجة العصبية هل يتعارض مع التوكل على الله ومع تعاليم الشريعة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبرمجة العصبية -كما عرفها القائلون بها- هي: مجموعة طرق وأساليب تعتمد على مبادئ نفسية لحل بعض الأزمات النفسية ومساعدة الأشخاص على تحقيق نجاحات أفضل في حياتهم.
والبرمجة العصبية (أو قانون الجذب) على اختلاف أنواعها هي مما يمتزج فيه الشرك بالوثنية من الفلسفات القديمة في الصين والهند؛ فهي بذلك ذات جذورٍ فلسفيةٍ شرقيةٍ قديمة تعتمد على فكرٍ فلسفيٍ ماديٍ يقوم على كثيرٍ من المغالطات التي تُعظم شأن الإنسان، وتعمل على تضخيم قدراته العقلية بصورةٍ مُبالغٍ فيها. وقد تصل إلى إعطاء الإنسان قدرات حتمية يمكنه من خلالها تحقيق النجاح في كل شأنه متى ما عرف ما يُسمى بوصفة النجاح التي يُمكنه من خلالها تحقيق كل ما يريد من أهداف ومقاصد، مهما كانت عظيمة أو مستحيلة، اعتماداً على تلك القُدرات المزعومة التي يأتي من أبرزها عندهم ما يُسمى بالقوة المعجزة والفاعلة للعقل الباطن الذي يجعل منه أصحاب هذه البرامج ركيزة أساسية تصنع المعجزات، وتُحقق المستحيل في حياة الإنسان.
وإذا تقرر هذا علمنا أن قانون الجذب لا يتعارض مع التوكل على الله، وإنما يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر الذي هو أصل من أصول الإيمان، وركن من أركانه لا يتم إيمان المرء إلا به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1429(1/2760)
الكف عن الخوض في مسائل القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يندرج تحت موضوع "الجبر والاختيار" وهو باختصار يتعلق بالآيات الكريمات التالية: قوله تعالى "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"، وقوله تعالى "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا"، وقوله تعالى "ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا"، وقوله تعالى "أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم"، وقوله تعالى "ومن يضلل الله فما له من هاد" أليس في هذه الآيات إشارات صريحات إلى أن الإنسان غير مختار أو على الأقل في أمر الهداية والضلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بعدم الخوض في هذه المسائل، وألا تورد الشبه على قلبك فتزيغ، ونفيدك أنا قد بسطنا الكلام على هذه الأمور في عدة فتاوى سابقة، فراجع منها الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 34841، 93136، 95359، 26413، 61976، 9192، 9193.
وراجع الإبانة الكبرى لابن بطة، وراجع أضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي عند تفسير قوله تعالى: وَلَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ {الأنعام:107} ، وأكثر من سؤال الله الهداية والتوفيق للحق، ففي الحديث القدسي: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. رواه مسلم. وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في افتتاح قيام الليل: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1428(1/2761)
شبهة وجوابها حول وجود ميكائيل وإنزال المطر
[السُّؤَالُ]
ـ[تجول في قلبي شبهة محيرة لم أجد لها جوابا وهي أن الذي يمطر السماء وينبت الأرض ليس الله!! إنما هو ميكائيل عليه السلام! وتارة تشككني بقدرة الله وتارة تشككني بوجود ميكائيل عليه السلام, وإلى من ينسب الفعل هل هو لله أم لميكائيل عليه السلام، وكذلك الحال بالنسبة لباقي الملائكة, فكيف يمكن الرد على هذه الشبهة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الله خالق كل شيء وهو الخالق للأمطار ومنزلها ومنبت النبات، وقد كلف ميكائيل بذلك ولكن ميكائيل وأفعاله كلاهما خلق من خلق الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى هو الخالق لكل شيء، خلق الكائنات المتحركة والجامدة، فالملائكة والإنس والجن كلهم خلق من خلقه، وقدراتهم وحركاتهم وتصرفاتهم من خلقه، قال الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96} .
وأما ميكائيل فالإيمان بوجوده واجب على من سمع به لثبوت ذكره في القرآن، وأما الأمطار فقد أسند الله إنزالها إلى نفسه، كما في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء {الحج:63} ، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ {النحل:10-11} ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا {الشورى:28} ، وهو سبحانه يكلف بعض ملائكته بما يشاء، كما كلف ملك الموت بقبض الأرواح، وكلف جبريل بإنزال الوحي، كلف كذلك ميكائيل بإنزال القطر وأمور رزق العباد، وهو سبحانه هو المميت، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ {الحج:66} ، وهو المنزل القرآن كما قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا {الفرقان:1} ، فجبريل نزل القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم بإذن الله وعونه، وميكال ينزل بالقطر بإذن الله وعونه، فحركاته وتصرفاته خلق من خلق الله، فالله خالقه وخالق فعله مثل سائر المخلوقات وهو المنزل الأمطار وخالق الأرزاق حقيقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(1/2762)
جواب شبهات حول الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أرسلت إليكم السؤال التالي لكن لم أجد الجواب ولم أره والسؤال:
لقد سمعت من أحد العلماء الثقات أن الله عز وجل لا يقضي لعباده إلا الخير مع أن من أركان الإيمان والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره فهل هناك تعارض بين هذا وذاك ثم إذا وجد الإنسان فيه شيئا يعتبره نقصا وقال أنا قد خلقني الله هكذا وهو الأفضل لي وقد اختاره الله تعالى لي فكيف لا أرضى به وهو ربما قادر على تحسين ذلك الشيء فيه كالحياء الزائد مثلا عن الحد أو غير ذلك فيتحجج بهذا فهل ذلك صحيح ثم إن الحديث الذي يروى فيه أن سيدنا موسى لقي سيدنا آدم فدار بينهما الحديث الذي تعرفوه ثم قال في الحديث فحج آدم موسى فهل هذا يفتح الباب السابق وما معنى الحديث. وهل قضاء الله يكون خيرا فقط لعباده دون غيرهم أم لكل الناس مؤمنهم وكافرهم أرجو التفصيل في مسائل القدر هذه وجزاكم الله خيرا. وأرجو توضيح عقيدة القدرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإيمان بالقدر واجب، وأفعال الله كلها خير، وما كان منها شرا بالنسبة للعبد قد تكون فيه حكم تخفى على الناس، ويشرع علاج ذلك والسعي في صرفه بالدعاء والوسائل المشروعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالقدر خيره وشره واجب شرعي، وهو من أركان الإيمان كما في حديث مسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر. كما في حديث مسلم أيضا.
وأفعال الله تعالى كلها خير كما يدل له حديث مسلم: والخير كله بيديك والشر ليس إليك.
والمسلم الشاكر الصابر على خير دائما كما في الحديث: عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له! وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم
وقد يكون في بعض المقدورات شر بالنسبة لبعض العباد كفقر أو مرض بعضهم، ولكن فيه خيرا للعبد أو غيره قد يخفى على بعض الناس، فالمرض يشكوه المصاب ولكنه يغفل عما فيه من الثواب وتكفير الذنوب ورفع الدرجات، وقد تستفيد منه الأطباء وشركات الأدوية والممرضون. وإقامة الحدود فيها تطهير للمذنب وحماية للمجتمعات وزجر لها عن الوقوع في مثل تلك المعصية.
وعذاب الكافر وابتلاؤه بالمصائب فيه خير له لعله يرجع ويتوب كما قال الله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21} وقال: تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41} وقد شرع الله تعالى للعباد توقي المصائب بالتعوذ والالتزام بما يبعد البلاء كالقيام بالأعمال الصالحة والبعد عن الذنوب، كما شرع لهم التداوي من الأمراض كما في الحديث: لكل داء دواء، فإذا اصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل. رواه مسلم
كما يشرع للعبد علاج ما به من الخجل أو غيره مما يراه في نفسه بالدعاء والعلاج المشروع، ومن الدعاء في ذلك حديث ابن حبان:.. وقني شر ما قضيت.
وأما محاجة موسى وآدم فتدل على أن كل شيء قدره الله.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها لمعرفة المزيد في الموضوع وعقيدة القدرية: 61976، 9192، 47818، 12519، 80694، 96539، 2855، 7003، 63544.
ويمكنك المزيد من الاطلاع على مسائل القدر عند تصفح موضوع الإيمان بالقدر، وهو من موضوعات العقيدة الموجودة بالعرض الموضوعي لفتاوى الشبكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(1/2763)
جواب شبهتين لعبدة الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نرد على عبدة الشيطان في بعض افتراءاتهم مثلا:
- الشيطان تحدى الله ولم يسجد.
- الشيطان يعيش إلى يوم القيامة وله حرية مطلقة وقدرات عجيبة.
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يمكن لأي مخلوق تحدي الله تعالى وإنما ضل الشيطان لأن الله فتح باب الاختيار في مجال العبادات، وأما طول العمر فهو منحة من الله للشيطان سأله إياها فاستجاب له، وأما القدرات والحريات المطلقة فليست له كما يدل العجز عن الإغواء والتسلط على من اعتصم واستعاذ بالله واستعان بوسائل الحماية منه المذكورة في نصوص الوحي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى هو القوي القادر والقهار الذي لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، ولا يخرج عن إرادته، وقد خضع لقدرته جميع الكائنات ولكنه سبحانه وتعالى في مجال العبادات جعل لعباده الاختيار ولم يقهرهم على العبادة فاهتدى بعضهم وضل بعضهم، وكان الشيطان صاحب الحظ السيئ فتكبر عن امتثال أمر الله بالسجود فلعنه الله وكتب له الخلود في جهنم، وأما طول عمره فهو مطلب طلبه من الله تعالى الذي بيده الموت والحياة فاستجاب الله له وأطال عمره.
وأما الحرية المطلقة فليست عنده ويدل لذلك أنه ليس له سلطان على عباد الله المؤمنين المخلصين، فقد شرع لهم وسائل تحميهم منه وقد قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ. {الحجر 38 -42} .
وقد أخبر الله أن كيده ضعيف، وأخبر عن فراره يوم بدر عن قريش لما رأى الملائكة.
وراجع في أسباب التخلص من غوايته الفتاوى التالية أرقامها: 33860، 61062، 58076، 7427.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(1/2764)
مشروعية التبحر في مسائل القضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة مدى صحة الحديث: إذا ذكر القضاء فأمسكوا، وإذا صح هذا الحديث فما تفسيركم لكتب
العقيدة القديمة والمعاصرة التي تفسر وتتبحر في مسألة القضاء والقدر تبحرا واسعا.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الحديث صحيح، والإمساك محمول على التكلف في معرفة سر القدر وجدال المخالفين بغير علم، وأما تعلم ما يتعلق بالإيمان بالقدر فهو مشروع مطلوب، ومثله كلام أهل العلم في رد الشبه وأقوال أهل الضلال.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا ذكر القدر فأمسكو ا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
والمراد بالإمساك المذكور في الحديث عدم التكلف في إدراك سر القدر، والإمساك عن محاورة ومجادلة المنكرين له، وعدم الخوض فيه بالعقل لئلا يتأثر المجادل بالقدرية أو الجبرية؛ كذا قال المناوي في فيض القدير.
وقال الإمام الطحاوي: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرج الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا أو فكرا أو وسوسة، فإنه تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه؛ كما قال عز وجل: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فمن سأل لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين، فهذا جملة ما يحتاج إليه ...
لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود، فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر لا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وبرد طلب العلم المفقود.. . اهـ
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: قد أكثر أهل الحديث من تخريج الآثار في هذا الباب وأكثر المتكلمون فيه من الكلام والجدال.
وأما أهل السنة فمجتمعون على الإيمان بالقدر على ما جاء في هذه الآثار وعلى اعتقاد معانيها وترك المجادلة فيها.. اهـ
وأما كلام أهل العلم من أهل السنة فيه فهو أمر مهم لما فيه من إحقاق الحق وبيان المذهب الصحيح في شأنه ورد الشبه التي يوردها أهل الضلال والزيغ، فهذا سائغ لأهل العلم، ولا يسوغ للعوام والخائضين فيه بعقولهم المجردة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 34841، 97066، 53111.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1428(1/2765)
شبهات حول الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو الرد على ما يلي، وما هو حكم من يعتقد ذلك ويدعو إليه، يقول تقي الدين النبهاني في كتابه المسمى الشخصية الإسلامية (الجزء الأول: القسم الأول ص/71 ـ 72) ما نصه: «وهذه الأفعال ـأي أفعال الإنسان ـ لا دخل لها بالقضاء ولا دخل للقضاء بها، لأن الإنسان هو الذي قام بها بإرادته واختياره، وعلى ذلك فإن الأفعال الاختيارية لا تدخل تحت القضاء» اهـ، ويقول في نفس الكتاب (الجزء الأول: القسم الأول: ص/74) ما نصه: «فتعليق المثوبة أو العقوبة بالهدى والضلال يدل على أن الهداية والضلال هما من فعل الإنسان وليس
من الله» ا. هـ، وكذا يذكر في كتابه المسمى بـ: «نظام الإسلام» (ص 22) ؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الأقوال الفاسدة تعتبر من مذاهب أهل الأهواء والبدع، وقد رد عليها أهل العلم قديماً وحديثاً وسبق لنا الرد عليها بالتفصيل في عدة فتاوى هي تحت الأرقام التالية: 19724، 17236، 79824 بإمكانك أن تطلع عليها.
ويكفي في الرد عليه باختصار آيات محكمات من كتاب الله تعالى منها قول الله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96} ، وقوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقوله تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ {الإنسان:30} ، والثواب والعقاب يكونان على عمل العبد الذي فعله باختياره دون اضطراره أو نسيانه، فإن الله عز وجل بين لعباده طريق الخير كما بين لهم طريق الشر وترك لهم الاختيار، فقال الله تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {البلد:10} ، وقال تعالى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {الشمس:8} ، فمن سلك طريق الخير نال الثواب ومن سلك طريق الشر باختياره نال العقاب، ولا يعني ذلك أن شيئاً من فعل العبد وإرادته ومشيئته خارج عن إرادة الله تعالى ومشيئته، فالله تعالى يقول: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ {الإنسان:30} ، ولكنه جعل للعبد مشيئة خاصة تحت مشيئته سبحانه وتعالى.
وترتب الثواب والعقاب على الطاعة والمعصية لأنهما من كسب المكلف الذي أعطاه الله عقلا يميز به بين الحق والباطل ... فاختار أحدهما بمحض إرادته واختياره، وذلك لا ينفي خلق الله تعالى لفعل هذا العبد فإنه فعل الفعل بإرادة قلبية وقدرة بدنية، والله تعالى هو خالق تلك الإرادة والقدرة، فالخالق للسبب هو الخالق للمسبب، وننصحك بتقوى الله تعالى وعدم الخوض في مثل هذه الأمور، لأنها كما قال أهل العلم مضلة للأفهام ومزلة للأقدام.. وربما يؤدي الخوض فيها بصاحبه إلى الزيغ والضلال.. نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على دينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1428(1/2766)
ردود على شبهات متعددة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت شخصا مسلما وضعف إيماني كثيراً حتى زال كليا، كيف يمكن بالمنطق أن تعيدوا لي إيماني، أسئلة كثيرة جعلتني لا أؤمن منها، لماذا خلق الله الأنبياء في فترة معينة والآن لا يمكنا رؤيتهم والتحقق من معجزاتهم، أم يجب علينا الاعتماد على تاريخ وكتب وموسوعات كثيرة ... لماذا يذهب المسلمون فقط إلى الجنة بينما يوجد ملايين الأشخاص في العالم لم يعرفوا عن الإسلام ولم يولدوا لأب وأم مسلمين بينما ولدوا لأب وأم عاديين ولم يبحثوا في أمور الدين وهم طيبوا القلب ويفعلون الخير، ملايين الأشخاص ليس لديهم العقل الكامل لأن يقرأوا في كتب كثيرة ليعلموا أن الدين الصحيح هو الإسلام من بين كل هذه الديانات والأصعب من ذلك يجب أن يكون إسلاما سنيا!! أغلب المسلمين مولودون لأب وأم مسلمين أي أنعم الله عليهم بالإسلام فأين العدل في أن المولودين لأب وأم غير مسلمين يذهبون إلى النار، إذا كنا مخيرين ألا يجب أن يكون هنالك شيء واضح يدل على أن الإسلام هو الدين الصحيح وما غير ذلك فهو خاطئ، وعندما يرى الجميع هذا الشيء يمكن عندها من لم يصدق به أن نقول أنه يستحق الذهاب إلى النار فمثلا أن يرينا الله نفسه.. أما أن تكون الهداية من الله وهكذا عشوائية فإنه وكأنها تمييز وغير عدل، يقول بعض النصارى إذا سألت الله أن يبين نفسه لك سيبين، هل الله يبين نفسه لمن يشاء لكي يؤمن به فيدخله الجنة وأما الباقي فيدخلون النار، الناس اللطفاء في العالم وغير المسلمين وهم مولودون على عدم الإيمان بأي شيء وهم طيبون هل يستحقون كل هذا العذاب الموصوف في القرآن، وذنبهم الوحيد أنهم لم يقرؤوا كتب الإسلام السني ليؤمنوا به أو لم يهدهم الله بشخص ليهديهم إلى الإسلام، لماذا لا يوجد في هذه الأيام رسل لنصدق بها، فإن كذبناها ممكن القول أننا نستحق العذاب، إن كان الله رحيما لماذا يسمح بأن يخلق أطفالا مشوهين ومعوقين، ما ذنب هؤلاء لأن يعيشوا بمعاناة تقشعر لها الأبدان، لماذا يسمح الله بما يجري في كل الأرض من تعذيب لناس مدنيين وبطرق تقشعر لها الأبدان، أستعذركم على طريقة كتابتي وأنا كنت مسلما متدينا وأتفهم أن لغتي تزعجكم، ولكن والله أريد أجوبة "منطقية" على أسئلتي حتى أرجع إلى إسلامي فأنا مشتاق إليه ولكن، أفكاري ومنطقي يقول أنه لا يوجد هنالك عدل وخاصه في موضوع غير المسلمين الذاهبين إلى جهنم بغير حق في نظري، وأيضا الأطفال ... وأنا شخص في عملي أتعرف وأعيش مع مئات من الأجانب و"الكفار" يوميا ولا أستطيع أن أقول إن هؤلاء المسالمين يجب أن يذهبوا إلى النار!!؟ شكرا وآسف على ألفاظي إن مست مشاعركم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يمن عليك بالعودة إلى الدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، في سؤالك عدة نقاط:
الأولى: لماذا خلق الله الأنبياء في فترة معينة والآن لا يمكنا رؤيتهم والتحقق من معجزاتهم، أم يجب علينا الاعتماد على تاريخ وكتب وموسوعات كثيرة ... وجوابه: أن محمداً صلى الله عليه وسلم بشر به من قبله من الأنبياء كعيسى عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى عنه: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ {الصف:6} ، وأحمد من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، والبشارة به مدونة في الكتب السماوية السابقة بوصفه الذي تحقق منه من أدركه منهم فآمن به، ومن كفر فإنما كان ذلك حسداً وعناداً، والله يتولى الحكم على الجميع يوم القيامة.
وقد تواتر نقل معجزاته صلى الله عليه وسلم الدالة على نبوته، منها ما مضى في زمنه صلى الله عليه وسلم ورآها من عاصرها وبقي لنا خبرها، كانفلاق القمر قطعتين، ونبع الماء من بين يديه، وتكليم الجمادات له ونحو ذلك، ومنها ما هو باق إلى أن يشاء الله شاهداً على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهي القرآن الكريم، فهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الباقية على مر العصور، والحجة على الخلق أجمعين لما فيه من أنواع الإعجاز، فهو معجز بلفظه فقد أعجز العرب عن الإتيان بسورة مثله مع بلاغتهم وفصاحتهم مما يدل دلالة قاطعة على أنه من عند الله، وهذا النوع معجز في حق جميع البشر لأنه إن كان قد عجز العرب وهم أهل الفصاحة والبيان عن الإتيان بسورة مثل القرآن فإن غيرهم أعجز، فبعجز العرب قامت الحجة على من عداهم، والقرآن معجزة لما تضمنه من العلوم في جوانب شتى ما كان يعرفها العلماء في زمن نزول القرآن فضلاً عن رجل أمي كان يرعى الغنم بمكة، مما يدل دلالة قاطعة أنه منزل من خالق هذه المخلوقات، وهذه العلوم التي يخبر عنها القرآن في جوانب متعددة والتي لم يكتشفها العلم الحديث إلا في هذه الأزمان كانت سبباً في إسلام علماء كبار متخصصين في مجالات متعددة ومن أقطار متفرقة، فالقرآن يتحدث عن مراحل خلق الإنسان وتكوينه في بطن أمه، ويتحدث عن حقائق في علوم البحار وعلم الفلك إلى غير ذلك من العلوم، ونحن ننصحك بمطالعة ما كتبه العلماء في مجال الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وستجد شيئاً كثيراً من هذا في حلقات مسجلة للشيخ الفاضل عبد المجيد الزنداني حفظه الله، وإذا تبين هذا فإن هذا موجب للإيمان والتصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وما أخبر به وإن لم نره.
ولا يشترط في الإيمان بشيء معين رؤيته، فإن أشياء كثيرة يؤمن بها الإنسان ولا يراها، ومن ذلك رب العالمين؛ بل روح الإنسان وعقله يؤمن بهما الإنسان ولم يرهما، وإذا ثبت أنه نبي من عند الله حقا، وجاء القرآن الكريم بأنه خاتم النبيين، كما في قوله تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ {الأحزاب:40} ، وجب القبول والتسليم بأنه خاتم النبيين لأنه حكم من رب العالمين الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب، وليس للمخلوق أن يعترض على الخالق، لأن الله تعالى يقول: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} ، ويقول: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68} ، ويقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36} ، وقد جعل الله الشريعة التي أنزلها على محمد صلى الله عليه وسلم صالحة لكل زمان ومكان، وتكفل بحفظ القرآن من التغيير والتبديل فلم تنله أيدي التغيير على مر العصور، فكيف يقول عاقل بعد ذلك لا بد من نبي في هذا الزمان؟! والقرآن بين أيدينا محفوظ كما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم.
النقطة الثانية: قولك: لماذا يذهب المسلمون فقط إلى الجنة بينما يوجد ملايين الأشخاص في العالم لم يعرفوا عن الإسلام ولم يولدوا لأب وأم مسلمين.. وجوابه: أن الذي تبلغه دعوة النبي صلى الله وسلم ومعجزاته ويؤمن به يكون قد استجاب لله ربه وخالقه والمتصرف في شؤونه فيجازيه الجنة، وأما الذي بلغه ذلك وأصر على كفره فهو عاص لربه ومستكبر عن طاعته فيستحق النار، وليس هذا مقتصراً على من ولد من أبوين كافرين بل هناك من أولاد المسلمين من يعرف الإسلام ويرفضه فيلحق بركب هؤلاء الكافرين، وهناك من الكافرين من تبلغه دعوة النبي صلى الله فيتبعها فيكون من أهل الجنة، فليست القضية كون هذا من أبوين مسلمين وذاك ليس كذلك، وأما من لم تبلغه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعذبه الله، كما قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء:15} ، بل هو من أهل الفترة الذي يختبرون يوم القيامة فمن استجاب كان من أهل الجنة، ومن استكبر كان من أهل النار.
النقطة الثالثة: قولك: ملايين الأشخاص ليس لديهم العقل الكامل لأن يقرؤوا في كتب كثيرة ليعلموا أن الدين الصحيح هو الإسلام من بين كل هذه الديانات ... وجوابه: أن هذا تقصير منهم فالعقل والمنطق يقول: كيف يجد هؤلاء العقل الوقت للتكفير في بناء المساكن الفارهة وصنع المراكب المريحة وأنواع متع الدنيا وملذاتها، ولا يجدون العقل والوقت لمعرفة ما هو الدين الحق الذي يجب عليهم التعبد به لله خالقهم ورازقهم، فهذا ليس عذراً صحيحاً قطعاً.
النقطة الرابعة: قولك: والأصعب من ذلك يجب أن يكون إسلاماً سنياً.. وجوابه: أن المطلوب من الكافر أولاً أن يدخل في الإسلام، فإذا دخل فيه وعرفه فإنه يكون قد عصم نفسه من النار ثم بعد ذلك يوفقه الله تعالى في إسلامه إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويبعده عما أدخله بعض أعداء الإسلام من تحريفات وضلالات معروفة عند العالمين بالدين الإسلامي، ووجود هذا ليس عذراً في ترك الإسلام ولا دليل على بطلانه.
النقطة الخامسة: وهي طلبك دليلاً واضحاً على أن الإسلام هو الدين الحق، فقد سبق بيان ذلك وأنه المعجزات الظاهرة الباهرة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسؤال الذي نريد أن نطرحه عليك ومطلوب منك أن تحاور نفسك في جوابه بصدق هو: هل قبل اتخاذك لقرار ترك الإسلام لمجرد هذه التساولات التي طرأت لك كنت قد قرأت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفحصتها وعرفت حقيقة الشريعة التي جاء بها، وهل حاورت عالماً مشهوداً له بالعلم ومعرفة الشريعة عند المسلمين قبل ذلك؟
واعلم أن تتبع الوساوس والأوهام التي يلقيها الشيطان إلى الإنسان لا يجوز أن يسلم لها، لأن الله قال عن الشيطان: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6} ، ولو وضعت نفسك أمام تلك الحقيقة التي ذكرناها لك في مسألة إعجاز القرآن لوجدت أنك اتخذت قراراً بترك الإسلام قبل الرجوع إلى العقل والمنطق، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ المكتوب لكنه أخبر عن أمور بدأ العلم الحديث يكتشف بعضها ويشهد بصحة ما أخبر به، وبعض من علم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر بما توصل إليه بعد سنين من البحث والتنقيب أسلم وقال: لا يمكن لمن كان في تلك الفترة أمياً وفي ذلك التخلف العلمي أن يخبر بهذه الحقائق من تلقاء؛ نفسه بل تلقاه من خالق هذا الكون والعالم بأسراره، فهل يبقى شك عند عاقل في أن ما في القرآن هو من عند الله وليس من عند محمد عليه الصلاة والسلام.
النقطة السادسة: طلبك آية ظاهرة تجعل الناس جميعاً يؤمنون كرؤية الله مثلاً؟ وجوابه: أن هذه الحياة مبنية على الامتحان والاختبار ولو حصل ما طلبت لانتفت هذه الحكمة وآمن الناس جميعاً مضطرين مثلما يحصل عند طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان.
النقطة السابعة: وهي من أصعب وأعسر ما كتبته على أنفسنا وهي قولك: إن كان الله رحيماً لماذا يسمح بأن يخلق أطفالاً مشوهين ومعوقين، ما ذنب هؤلاء لأن يعيشوا بمعاناه تقشعر لها الأبدان؟ لماذا يسمح الله بما يجري في كل الأرض من تعذيب لأناس مدنيين وبطرق تقشعر لها الأبدان؟ وجوابه أن نقول: إن هذا الكون ملك لله فهو الذي خلقه وأوجده من العدم، وللمالك أن يتصرف في ملكه كيف يشاء لا يسأل عما يفعل سبحانه ولا يوصف تصرفه فيه بظلم أبداً؛ بل كل تصرفه سبحانه عدل لأنه مبني على الحكمة والامتحان والابتلاء في هذه الدار الفانية الزائلة التي لا مقارنة بين مقام الإنسان فيها ومقامه في الدار الآخرة، فخلق طفل مشوه -مثلاً- لحكم يعلمها الله، ومنها: رفع درجته في الدار الآخرة، فهذا التشوه ليس ظلماً له بل لمصلحة أكبر، ومن ذلك جعله عبرة لغيره من الأصحاء ليشعروا بعظيم منة الله عليهم فيحمدوه، فلم يكن في هذا التصرف من الله ظلم للمشوه إطلاقاً.
النقطة الأخيرة: قولك: هل الله يبين نفسه لمن يشاء.. وجوابه: أنه لن يرى أحد ربه بعينه في هذه الدنيا، وسيراه المؤمنون في الدار الآخرة، ومن قال بغير هذا فقد كذب، ولكن الله عز وجل وإن كان لا يُرى في الحياة الدنيا فإنه أقام الدلائل الواضحة على وجوده سبحانه وقدرته وعلمه ورحمته، فالمخلوقات كلها شاهدة بوجود الله جل شأنه، ومنها: أنت أيها الإنسان فتفكر في نفسك لتجد ما لا يحصى من الأدلة على وجود الخالق سبحانه.
وقد تكون هذه الأجوبة التي أوردناها قاصرة في المراد، ولكن فيها إشارات تحتاج منك أن تتأمل فيها ثم تذهب إلى أحد علماء الإسلام وتحاوره فيما طرأ عليك من شبهات وشكوك وستجد عنده الأجوبة الشافية لأن الحوار المباشر أنفع وأجدى، ونود أن تتواصل معنا في طرح أهم ما بقي عندك من الشبهات وتوصيفها بدقة وسنعينك بقدر ما نستطيع بإذن الله تعالى، فنحن كما يعلم الله نحب لك الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، ولا مصلحة لنا في ذلك بل المصلحة هي لك، فاحذر أن تخسر حياتك الحقيقية وسعادتك الأبدية، فأولِ هذا الموضوع اهتماماً كبيراً، وارجع إلى ما تحس أنك في شوق إليه وهو دين الله تعالى، وتوجه إلى ربك بصدق وإخلاص في أن يهديك للحق ويثبتك عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1428(1/2767)
المعترض على أفعال الله قدوته إبليس
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) وقال تعالى في سورة الإنسان (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) ، فالذي لا يسمع ولا يبصر أنا أعلم أنه غير مكلف، ولكن هل الذي لا يسمع ولا يبصر هو غير إنسان كما هو موضح في الآية، وهل هو مخلوق عبثا، ولو نفترض أن الله تعالى قد خلقه فتنة لأبويه واختباراً لهم فما ذنبه هو ليتعب في هذه الحياة ويشقى لكي يختبر أبواه، قال تعالى (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) ، وقال تعالى: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما"، والله منزه على أنه يعذب عباده ليختبرهم هل رحمة الله بعباده المتقين تقتضي تعذيبهم في الدنيا مقابل ما سيحصلون عليه في الآخرة، لماذا هذه الوحشية التي لا تليق برب كريم لعباده المتقين، هل الله غير رحيم لعباده المتقين الذين يعبدونه، في الحديث القدسي عندما يقول الإنسان في الصلاة (الرحمن الرحيم) يقول الله تعالى أثنى علي عبدي، فكيف بقول الإنسان ذلك وهو غير مقتنع بهذه الرحمة، كما أود أن أذكر حالات أخرى غير فقدان السمع والبصر، كالمجنون هل هو مخلوق عبثا، الذي يولد وعنده الإيدز نظراً لأن أبويه كانوا فساقا ما ذنبه هو، قال تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وكذلك الذي يولد من أب وأم زانيين ما ذنبه هو ليرمى في الشارع بلا أب أو أم، الذي يولد مقطوع الأيدي والأرجل أو عنده مرض عقلي أو ذهني، سيعيش بلا عمل وبالتالي سيتسول في الشوارع إن لم يكن أبوه غنيا وتاركا له أموالا طائلة لكي تكفيه طوال حياته، كما أن الإنسان لا يضمن أي شيء، فلنفترض مثلا إنسان مولود مقطوع الأيدي فإنه لو دعا الله حتى بموت أن يعطيه الله أيدي لما أعطاه وهذا عكس الآية (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) ، هذا معناه أن الله سيستجيب له في الدنيا، كما قال صلى الله عليه وسلم (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السأم) أو أن (ماء زمزم لما شرب له) ، فهل لو ضع المعاق هذه الاشياء على جسده وهو على يقين تام أن الله سيشفيه لكي يتكون له يد أو رجل ستتكون! حتى لو دعا الله فإنه لن يستجيب له في الدنيا، ومن المعلوم أن الإنسان يحب ويتمنى أن يعيش في سعادة في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق, ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب) ، أنا الصراحة عندما أخاف من هذه الأحداث أنها تحصل لأبنائي بعد الزواج والإنجاب وبعد ذلك أندم وأحزن عليهم، كما أنني غير متأكد هل سيصبرون على الابتلاءات أم لا لأنه تختلف من إنسان لآخر حسب شخصيته وتقبله للأمر الواقع قررت أن أعمل في هذه الحياة ليتوفر لدي مبلغ حتى لو أصبحت في أرذل العمر أذهب إلى دار رعاية المسنين حتى الموت أنا لا أريد أن أنجب أولادا لكي يتعذبوا في هذه الدنيا وأنا غير ضامن قضاء الله وقدره، وكما أسلفت فإن الدعاء لا يحدث في هذه الحالات، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالفأل، فكيف يفأل الإنسان وهو يرى أن هذه المصائب تحدث أمام عينيه وهو يعلم أن الله لن يستجيب له في بعض الحالات، أن يكون ترابا أفضل له في نظري، وأعتقد أني لو حاولت أن أنجب ولدا واتخذت الأسباب في ذلك فإني إنسان معدوم الضمير، فقررت عدم اتخاذ الأسباب من زواج ونحوه لإنجاب الولد خوفا عليهم ورحمة بهم ولكي أتأكد أنهم لن يعذبوا في الدنيا أو في الآخرة، ومن المعلوم أن هذه الدنيا حقيرة ولكني أيضا عندما أستمع إلى أحداث يوم القيامة وأهوالها أريد أن أريح أشخاصا ما من هذه المشاكل، فما الحكم في ذلك، علما بأن الرسول قال (تكاثروا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) ، وقال صلى الله عليه وسلم (وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) ، علما بأنني عندي عاهة مستديمة وأنا مقتدر على الزواج ماديا ولا أخشى العنت أو الوقوع في الزنا؟ ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الأسئلة والتساؤلات قد احتوت على الكثير من التناقض، وعلى السخرية من القدر، وعلى محاولة تكذيب النصوص الشرعية، ونحن لا نريد تتبع جزئيات السؤال نقطة نقطة، لأنه لا يليق بفتاوانا تناول تلك الجزئيات لما فيها من سوء الأدب مع الله، وسنحاول الرد عليها بصفة مجملة فنقول: إن لله تعالى في مخلوقاته حكما بالغة قد لا يدرك كنهها سائر الأفراد، وليس لأي أن يعترض على الله في شيء من فعله، فقد قال جل من قائل: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} ، ومن اعترض على ربه كان شبيها بإبليس حين قال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا {الإسراء:61} ، والله تعالى يستجيب للعبد ما لم يستعجل، وقد حذرنا نبيناً صلى الله عليه وسلم من الاستعجال، فقال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال، قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. رواه مسلم.
كما أن استجابة الدعاء قد لا تكون على الوجه الذي يتوقعه الداعي، بل قد يدخر الله تعالى له تلك الدعوة إلى وقت أحوج ما يكون إليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر. ولكن الشخص إذا لم يكن مؤمناً بما وردت به النصوص المعصومة فلا ينبغي أن يطمع نفسه في حظ ممن الاستجابة، فندعوك إلى التوبة من هذه الألفاظ قبل أن يحال بينك وبينها، فإنك بها إنما تضر نفسك، ولن تضر الله شيئاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1428(1/2768)
أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسبا وعملا وقدرة وإرادة
[السُّؤَالُ]
ـ[من تفسير ابن كثير تفسير آية: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) سورة الشمس، أن رجلا من مزينة أو جهينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون أشيء قضي عليهم من قدر قد سبق, أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وأكدت به عليهم الحجة؟ قال: "بل شيء قد قضي عليهم", قال: ففيم نعمل؟ قال: "من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها, وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ، السؤال: إذا كان الله قد كتب على بعض من الناس السعادة في الآخرة ودخول الجنة وكتب على البعض الآخر الشقاوة ودخول النار من قبل أن يخلقهم وأنه ييسرهم لما كتبه الله لهم كما هو مكتوب في الحديث فكيف نقول أن الله قد عدل بين عباده ومن أسمائه العدل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على تواصلك معنا ونهنئك بالاشتغال بمطالعة كتب العلم الشرعي، ونسأل الله تعالى ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك، وأن يتقبل منك وأن يثبتك على الحق ويوفقك للمزيد من الخير والعمل الصالح، وننصحك بالبعد عن الجدال والخوض في القدر، عملاً بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
كما ننصحك بالحرص على التخلص من الخطرات النفسية والشيطانية الشريرة فعليك بالتعوذ منها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها، فيقول كما في حديث مسلم في خطبة الحاجة: ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. وقد سأله أبو بكر فقال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك. رواه أبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح.
ثم إنا نربأ بك وأنت في هذا المستوى المعرفي أن يكون في كلامك ما يوهم الشك في عدالة ربك، الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك، وعلمك ما لم تكن تعلم، ففكر في نفسك وانظر هل حرم الله الضالين من شيء هو لهم، أم أن الكون كله ملك لله يفعل فيه ما يشاء، فيخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء ما يشاء، وأنه وهب عباده أهلية سلوك طريقي الخير والشر، وأنه يحاسبهم ويثيبهم أو يعاقبهم على اختيارهم وأعمالهم، أما قرأت في القرآن أنه أحكم الحاكمين؟! أما قرأت في أسمائه الحسنى أنه الحكم العدل اللطيف الخبير؟! أما علمت أن تصرف المالك في ملكه يسمى عدلاً لا يسمى جوراً؟! أما علمت أنه حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين العباد.
أما درست أن من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يجب على الله تعالى لعباده شيء، بل هو سبحانه الفاعل المختار والكبير المتعال، وهو عدل حكيم رحيم بالبشرية، وقد دبر أمورهم بحكمة بالغة وعدل، وقسم بينهم أرزاقهم، وله أن يأمر عباده بما شاء، وينهاهم عما شاء، وأن يختار لهم ما شاء، ويعطيهم ما شاء ويمنعهم مما يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا ملزم يلزمه برعاية مصالح عباده، حكيم في تدبيره لأمور خلقه، ويجب على المسلم الرضى بما قدره الله تعالى في ملكه، وأن يتذكر قول الله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} ، كما قال أحدهم:
ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع
ومع هذا فأفعاله كلها جل جلاله لا تخلو من حكمة بالغة، وعلم واسع، وتنزه عن الظلم، كما قال الله تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {فصلت:46} ، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ {النساء:40} ، وجزاء العباد بما يستحقون من تصرف المالك في ملكه وهو يسمى عدلاً، والله تعالى هو أرحم الراحمين، ولم يخلق الله عباده ليعذبهم، وإنما خلق الخلق ليعبدوه، وفطرهم سبحانه على التوحيد وبين لهم السبيل وأرسل إليهم: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء:165} ، وقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ، وقال تعالى: مَّا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا {النساء:147} .
ولم يؤاخذهم سبحانه قبل قيام الحجة عليهم، وقبل تبين الحق وظهوره، فإن انحرف الإنسان عما خلق من أجله وأبى إلا الشرك والكفر استحق العقاب على شركه وانحرافه بالتخليد في نار جهنم، فلا بد أن تعتقد أن الله سبحانه وتعالى عدل بين عباده وأنه لا يحاسب العبد إلا على فعله وكسبه وتصرفه، فالله تعالى قد أعطى عبده عقلاً وسمعاً وإدراكاً وإرادة ليعرف الخير من الشر، والضار من النافع، وأعطاه إرادة ومشيئة واستطاعة واختياراً، وقدرة على العمل بما شاء تحت مشيئته وقدرته، وجعل فيه قابلية الخير والشر ليختار الطريق التي يفضلها، وقال الله تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {الشمس:8} ، وقال تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ {المائدة:34} ، وقال تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً {آل عمران:97} ، وقال تعالى: وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا {آل عمران:145} ، وقال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا {الشمس:9-10} ، وقال تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان:3} ، وقال تعالى: ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا {النبأ:39} ، وقال تعالى: مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ {آل عمران:152} ، وقال تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا {الإسراء:19} ، وقال تعالى: إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا {الفرقان:55} ،وقال تعالى: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:28-29} ، وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا {الإنسان:29} .
وفي الحديث: إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده. رواه البخاري. وحسب اختيار العبد وعمله يحاسبه الله تعالى ويجازيه عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وقد كلف الله الإنسان وألزمه الأحكام باعتبار ما أعطاه من العقل والطاقات والإرادة، فإذا فقد هذه الأشياء فعجز أو أُكره لم يعد مكلفاً؛ بل يرفع عنه القلم، كما قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286} ، وقال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {البقرة:173} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. أخرجه مسلم، وفي الحديث: تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
والواقع والعقل يشهد بأن الإنسان يعمل باختياره فنراه يأكل ما شاء، ويتزوج من شاء، ويعمل ما شاء، ويختار من الوظائف والمساكن والمراكب ما شاء، والله يراقب أعماله ويجازيه، قال الله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ {التوبة:105} ، وقال تعالى: ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون َ {النحل:32} ، قال الشيخ الألباني: أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسباً وعملاً وقدرة وإرادة، وبسبب تصرفه بتلك القدرة والإرادة يكون من أهل الجنة والنار. انتهى.
وعلم الله السابق بحال هذا الإنسان ومصيره وإعطاؤه القدرة على العمل وكونه قد كتب مقادير العباد لا يعني أن الله يُكره العباد على فعل المعاصي والسيئات، وإنما معناه أن الله تعالى علم في الأزل ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، ثم أعطاهم مشيئة وقدرة وإرادة -كما قدمنا- فمن عصى الله فقد عصاه بمشيئته واختياره، وخالف أمره تعالى بفعله وإرادته فاستحق العقاب، ولا يقبل منه الاحتجاج بالقدر ولا اتهام بعدم العدل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: فإن الاحتجاج بالقدر باطل باتفاق أهل الملل وذوي العقول، وإنما يحتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول متبع لهواه، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به، ولو كان القدر حجة لفاعل الفواحش والمظالم لم يحسن أن يلوم أحد أحداً ولا يعاقب أحد أحداً، فكان للإنسان أن يفعل في دم غيره وماله وأهله ما يشتهيه من المظالم والقبائح ويحتج بأن ذلك مقدر عليه. انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى في لمعة الاعتقاد: ومن صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، ولا يتجاوز ما خُط في اللوح المسطور، أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، خلق الخلق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، قال الله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا. وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. وقال تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ... ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن بأن الله أقام علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثه الرسل، قال الله تعالى: لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ. ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر أحداً على معصية، ولا اضطره إلى ترك طاعة، قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وقال تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ. فدل على أن للعبد فعلا وكسبا يُجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره. انتهى.
وفي الإبانة الكبرى لابن بطة: لا ينبغي لأحد أن يتفكر ويضمر في نفسه لم ترك الله العباد حتى يجحدوه ويشركوا به ويعصوه، ثم يعذبهم على ذلك وهو قادر على هدايتهم، وهو قادر أن يمنع قلوبهم أن تدخلها شهوة شيء من معصيته، أو محبة شيء من مخالفته، وهو القادر على أن يبغض إلى الخلق أجمعين معصيته ومخالفته، وقادر على أن يهلك من همَّ بمعصيته مع همته، وهو قادر على أن يجعلهم كلهم على أفضل عمل عبد من أوليائه، فلم لم يفعل ذلك؟ فمن تفكر في نفسه فظن أن الله لم يعدل حيث لم يمنع المشركين من أن يشركوا به، ولم يمنع القلوب أن يدخلها حب شيء من معصيته، ولم يهد العباد كلهم فقد كفر، ومن قال: إن الله أراد هداية الخلق وطاعتهم له وأراد أن لا يعصيه أحد ولا يكفر أحد فلم يقدر فقد كفر، ومن قال: إن الله قدر على هداية الخلق وعصمتهم من معصيته ومخالفته فلم يفعل ذلك وهو جور من فعله فقد كفر، وهذا مما يجب الإيمان به والتسليم له، وترك الخوض فيه والمسألة عنه، وهو أن يعلم العبد أن الله عز وجل خلق الكفار وأمرهم بالإيمان وحال بينهم وبين الإيمان، وخلق العصاة وأمرهم بالطاعة وجعل حب المعاصي في قلوبهم فعصوه بنعمته، وخالفوه بما أعطاهم من قوته، وحال بينهم وبين ما أمرهم به، وهو يعذبهم على ذلك، وهم مع ذلك ملومون غير معذورين، والله عز وجل عدل في فعله ذلك بهم، وغير ظالم لهم، ولله الحجة على الناس جميعاً، له الخلق والأمر تبارك وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فهذا من علم القدر الذي لا يحل البحث عنه ولا الكلام فيه، ولا التفكير فيه، وبكل ذلك مما قد ذكرته وما أنا ذاكره نزل القرآن وجاءت السنة وأجمع المسلمون من أهل التوحيد عليه، لا يرد ذلك ولا ينكره إلا قدري خبيث مشئوم قد زاغ قلبه وألحد في دين الله وكفر بالله، وسأذكر الآيات في ذلك من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.... انتهى. وراجع بقية كلام ابن بطة في الإبانة وهي موجودة على الإنترنت، فقد أطال النفس في الموضوع كثيراً.
وقال الشيخ السعدي في الدرة البهية رحمه الله تعالى ذاكراً شبهة الجبرية ومجيباً عنها: إن الجميع يقولون بما جاء به الكتاب والسنة، من إثبات الأصلين: (أحدهما) : الاعتراف بأن جميع الأشياء كلها -أعيانها، وأوصافها، وأفعالها- بقضاء وقدر، لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، بل: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. (والأصل الثاني) : أن أفعال العباد -من الطاعات، والمعاصي، وغيرها- واقعة بإرادتهم وقدرتهم وأنهم لم يجبروا عليها بل هم الذين فعلوها بما خلق الله لهم من القدرة والإرادة، ويقولون لا منافاة بين الأمرين فالحوادث كلها -التي من جملتها أفعال العباد- بمشيئة الله وإرادته والعباد هم الفاعلون لأفعالهم، المختارون لها، فهم الذين اختاروا فعل الخيرات وفعلوها، واختاروا ترك المعاصي فتركوها، والآخرون اختاروا فعل المعاصي وفعلوها، واختاروا ترك الأوامر فتركوها، فاستحق الأولون المدح والثواب، واستحق الآخرون الذم والعقاب، ولم يجبر الله أحداً منهم على خلاف مراده واختياره، فلا عذر للعاصين إذا عصوا وقالوا: إن الله قدرها علينا، فلنا بذلك العذر. فيقال لهم: إن الله قد أعطاكم المكنة والقدرة على كل ما تريدون، وأنتم -بزيغكم وانحرافكم- أردتم الشر ففعلتموه: والله قد حذركم، وهيأ لكم كل سبب يصرف عن معاصيه، وأراكم سبيل الرشد فتركتموه، وسبيل الغي فسلكتموه ... انتهى.
وأما الحديث الذي ذكر السائل فصحيح وهو يدل على النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، ويدل على التبشير بعون الله لمن توجه للعمل الصالح، والإنذار بخذلانه لمن اختار طريق الشر بتيسير الشر له وإعانته عليه عقوبة له، ويشهد له ما أخرج الشيخان -واللفظ لمسلم - عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة، قال: فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل، فقال: من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، فقال: اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. انتهى.
وفي الموطأ والمستدرك أن: عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئُل عن هذه الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل أهل النار فيدخل النار. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وفي الحديث: إن الله آخذ ذرية آدم من ظهره ثم أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا: بلى، ثم أفاض بهم في كفيه فقال: هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار. رواه البزار والطبراني عن هشام بن حكيم وصححه الألباني. وفي صحيح مسلم أن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله، بين لنا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر. وفي رواية: كل عامل ميسر لعمله. انتهى.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل، والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له، لا يقدر على غيره. انتهى.
وقال ابن حجر في الفتح: وحاصل السؤال: ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا، وحاصل الجواب: لا مشقة لأن كل أحد ميسر لما خلق له، وهو يسير على من يسره الله، قال الطيبي الجواب: من الأسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا يجعلوا العبادة وتركها سبباً مستقلاً لدخول الجنة والنار؛ بل هي علامات فقط. انتهى.
وقال أيضاً: وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن السعادة والشقاء بتقدير الله القديم، وفيه رد على الجبرية لأن التيسير ضد الجبر لا يكون إلا عن كره ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير إلا وهو غير كاره له، واستدل به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه، لأن العمل أمارة على الجزاء على ظاهر هذا الخبر، ورد بما تقدم في حديث ابن مسعود وأن هذا العمل الظاهر قد ينقلب لعكسه على وفق ما قدر، والحق أن العمل علامة وأمارة فيحكم بظاهر الأمر وأمر الباطن إلى الله تعالى، قال الخطابي: لما أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبق الكائنات رام من تمسك بالقدر أن يتخذه حجة في ترك العمل فأعلمهم أن هنا أمرين لا يبطل أحدهما بالآخر: باطن وهو العلة الموجبة في حكم الربوبية، وظاهر وهو العلامة اللازمة في حق العبودية وإنما هي أمارة مخيلة في مطالعة علم العواقب غير مفيدة حقيقة، فبين لهم أن كلا ميسر لما خلق له وأن عمله في العاجل دليل على مصيره في الآجل، ولذلك مثل بالآيات، ونظير ذلك الرزق في الأمر بالكسب والأجل مع الإذن في المعالجة. وقال في موضع آخر: هذا الحديث إذا تأملته وجدته فيه الشفاء مما يتخالج في الضمير من أمر القدر وذلك أن القائل أفلا نتكل وندع العمل لم يدع شيئاً مما يدخل في أبواب المطالبات والأسئلة إلا وقد طالب به وسأل عنه، فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القياس في هذا الباب متروك والمطالبة ساقطة وأنه لا يشبه الأمور التي عقلت معانيها وجرت معاملة البشر فيما بينهم عليها؛ بل طوى الله علم الغيب عن خلقه وحجبهم عن دركه كما أخفى عنهم أمر الساعة فلا يعلم أحد متى قيامها. انتهى. وقد تقدم كلام ابن السمعاني في نحو ذلك في أول كتاب القدر. وقال غيره: وجه الانفصال عن شهبة القدرية أن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال وغيب عنا المقادير لقيام الحجة ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته، فمن عدل عنه ضل وتاه لأن القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه إلا هو فإذا أدخل أهل الجنة الجنة كشف لهم عنه حينئذ، وفي أحاديث هذا الباب أن أفعال العباد وإن صدرت عنهم لكنهم قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره ففيها بطلان قول القدرية صريحاً. والله أعلم. انتهى.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه: ثبت أن الله حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه، رحيم بعباده، وأنه تعالى أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنزل الكتب وشرع الشرائع وأمر كلاً منهم أن يبلغها مته، وأنه تعالى لم يكلف أحداً إلا وسعه، رحمة منه وفضلاً، فلا يكلف المجنون حتى يعقل، ولا الصغير حتى يبلغ وعذر النائم حتى يستيقظ، والناسي حتى يذكر، والعاجز حتى يستطيع ومن لم تبلغه الدعوة حتى تبلغه، رحمة منه وتعالى وإحساناً، ثم إن الله تعالى حكم عدل علي حكيم لا يظلم مثقال ذرة، جواد كريم يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات، ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمته وواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرون وقدرة على ما يفعلون، ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما هم إلى فعله ملجؤون وعليه مكرهون، وإذاً فقدر الله المحكم العادل وقضاؤه المبرم النافذ من عقائد الإيمان الثابتة التي يجب الإذعان لها وثبوت الاختيار للمكلفين وقدرتهم على تحقيق ما كلفوا به من القضايا التي صرح بها الشرع وقضى بها العقل، فلا مناص من التسليم بها والرضوخ لها، فإذا اتسع عقل الإنسان لإدراك السر في ذلك فليحمد الله على توفيقه، وإن عجز عن ذلك فليفوض أمره لله، وليتهم نفسه بالقصور في إدراك الحقائق فذلك شأنه في كثير من الشؤون، ولا يتهم ربه في قدره وقضائه وتشريعه وجزائه فإنه سبحانه هو العلي القدير الحكيم الخبير: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وليكف عن الخوض في ذلك الشأن خشية الزلل والوقوع في الحيرة، وليقنع عن رضا وتسليم بجواب النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم لمّا حاموا حول هذا الحمى، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل؟ فقال لهم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. رواه البخاري. انتهى.
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هناك مشكلة ترد على بعض الناس وهي: كيف يعاقب الله على المعاصي وقد قدرها على الإنسان؟ فأجاب قائلاً: هذه في الحقيقة ليست مشكلة وهي إقدام الإنسان على العمل السيئ ثم يعاقب عليه هذه ليست مشكلة، لأن إقدام الإنسان على العمل السيئ، إقدام باختياره فلم يكن أحد شهر سيفه أمام وجهه، وقال: اعمل هذا المنكر؛ بل هو عمله باختياره والله تعالى يقول: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا. فالشاكر والكفور كلهم قد هداه الله السبيل وبينه له ووضحه له، ولكن من الناس من يختار هذا الطريق ومن الناس من لا يختاره، وتوضيح ذلك أولاً بالإلزام، وثانياً بالبيان: أما الإلزام فإننا نقول للشخص: أعمالك الدنيوية وأعمالك الأخروية كلاهما سواء، ويلزمك أن تجعلهما سواء، ومن المعلوم أنه لو عرض عليك من أعمال الدنيا مشروعان أحدهما: ترى لنفسك الخير فيه، والثاني: ترى لنفسك الشر فيه، من المعلوم أنك تختار المشروع الأول الذي هو مشروع الخير، ولا يمكن أبداً بأي حال من الأحوال أن تختار المشروع الثاني وهو مشروع الشر، ثم تقول: إن القدر ألزمني به، إذاً يلزمك في طريق الآخرة ما التزمته في طريق الدنيا، ونقول: جعل الله أمامك من أعمال الآخرة مشروعين: مشروعاً للشر وهو الأعمال المخالفة للشرع، ومشروعاً للخير وهو الأعمال المطابقة للشرع، فإذا كنت في أعمال الدنيا تختار المشروع الخيري فلماذا لا تختار المشروع الخيري في أعمال الآخرة، إنه يلزمك في عمل الآخرة أن تختار المشروع الخيري كما أنت التزمت في عمل الدنيا أن تسلك المشروع الخيري هذا طريق الإلزام.
أما طريق البيان فإننا نقول: كلنا يجهل ماذا قدر الله له، قال الله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ. فالإنسان حينما يقدم على العمل يقدم عليه باختيار منه ليس عن علم بأن الله قدره عليه وأرغمه عليه، ولهذا قال بعض العلماء: إن القدر سر مكتوم. ونحن جميعاً لا نعلم أن الله قدر كذا حتى يقع ذلك العمل، فنحن إذاً حينما نقدم على العمل لا نقدم عليه على أساس أنه كتب لنا أو علينا، وإنما نقدم عليه باختيار، وحينما يقع نعلم أن الله قدره علينا، ولذلك لا يقع احتجاج الإنسان بالقدر إلا بعد وقوع العمل، ولكنه لا حجة له بذلك. ويذكر عن أمير المؤمنين عمر قصة -قد تصح عنه وقد لا تصح- رفع إليه سارق تمت شروط القطع في سرقته فلما أمر أمير المؤمنين بقطع يده قال: مهلاً يا أمير المؤمنين والله ما سرقت ذلك إلا بقدر الله. قال له: ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله. فاحتج عليه أمير المؤمنين بما احتج به هو على سرقته من أموال المسلمين، مع أن عمر يمكنه أن يحتج عليه بالقدر والشرع، لأنه مأمور بقطع يده، أما ذاك فلا يمكن أن يحتج إلا بالقدر إن صح أن يحتج به.
وعلى هذا فإنه لا يمكن لأي أحد أن يحتج بالقدر على معصية الله، وإنه في الواقع لا حجة فيه يقول الله عز وجل: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. مع أن ما يعمله الناس بعد الرسل هو بقدر الله، ولو كان القدر حجة ما زالت بإرسال الرسل أبداً، بهذا يتبين لنا أثراً ونظراً أنه لا حجة للعاصي بقضاء الله وقدره، لأنه لم يجبر على ذلك. انتهى.
وسئل رحمه الله تعالى: هل الكفار مكتوب عملهم في الأزل؟ وإذا كان كذلك فكيف يعذبهم الله تعالى؟ فأجاب فضيلته بقوله: نعم الكفار مكتوب عملهم في الأزل، ويكتب عمل الإنسان أيضاً عند تكوينه في بطن أمه، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه -أربعين يوماً- ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد. فأعمال الكفار مكتوبة عند الله عز وجل معلومة عنده، والشقي شقي عند الله عز وجل في الأزل، والسعيد سعيد عند الله في الأزل، ولكن قد يقول قائل كما قال السائل: كيف يعذبون وقد كتب الله عليهم ذلك في الأزل؟
فنقول: إنهم يعذبون لأنهم قد قامت عليهم الحجة وبين لهم الطريق، فأرسلت إليهم الرسل، وأنزلت الكتب، وبين الهدى من الضلال ورُغبوا في سلوك طريق الهدى، وحذروا من سلوك طريق الضلال، ولهم عقول ولهم إرادات، ولهم اختيارات، ولهذا نجد هؤلاء الكفار وغيرهم أيضاً يسعون إلى مصالح الدنيا بإرادة واختيار، ولا نجد أحداً منهم يسعى إلى شيء يضره في دنياه أو يتهاون ويتكاسل في أمر نافع له، ثم يقول: إن هذا مكتوب علي. أبداً فكل يسعى إلى ما فيه المنفعة، فكان عليهم أن يسعوا إلى ما فيه منفعة أمور دينهم كما يسعون إلى ما فيه المنفعة في أمور دنياهم، ولا فرق بينهما بل إن بيان الخير والشر في أمور الدين في الكتب المنزلة على الرسل، عليهم الصلاة والسلام، أكثر وأعظم من بيان الأمور الدنيوية، فكان عليهم أن يسلكوا الطرق التي فيها نجاتهم والتي فيها سعادتهم دون أن يسلكوا الطرق التي فيها هلاكهم وشقاؤهم.
ثم نقول: هذا الكافر حين أقدم على الكفر لا يشعر أبداً أن أحدا أكرهه، بل هو يشعر أنه فعل ذلك بإرادته واختياره، فهل كان حين إقدامه على الكفر عالماً بما كتب الله له؟ والجواب: لا، لأننا نحن لا نعلم أن الشيء مقدر علينا إلا بعد أن يقع، أما قبل أن يقع فإننا لا نعلم ماذا كتب لأنه من علم الغيب. ثم نقول له: الآن أنت قبل أن تقع في الكفر أمامك شيئان: هداية وضلال، فلماذا لا تسلك طريق الهدية مقدراً أن الله كتبه لك؟ لماذا تسلك طريق الضلال ثم بعد أن تسكله تحتج بأن الله كتبه؟ لأننا نقول: لك قبل أن تدخل هذا الطريق هل عندك علم أنه مكتوب عليك؟ فسيقول: لا، ولا يمكن أن يقول: نعم، فإذا قال: لا، قلنا، إذاً لماذا لم تسلك طريق الهداية وتقدر أن الله تعالى كتب لك ذلك ولهذا يقول الله عز وجل: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. ويقول عز وجل: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. ولما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه: بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعدة من النار، قالوا: يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له. ثم قرأ قوله تعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى.
فهذا جوابنا على هذا السؤال الذي أورده هذا السائل وما أكثر من يحتج به من أهل الضلال، وهو عجب منهم لأنهم لا يحتجون بمثل هذه الحجة على مسائل الدنيا أبداً، بل تجدهم يسلكون في مسائل الدنيا ما هو أنفع لهم، ولا يمكن لأحد أن يقال له: هذا الطريق الذي أمامك طريق وعر صعب، فيه لصوص، وفيه سباع، وهذا الطريق الثاني طريق سهل، ميسر آمن. لا يمكن لأحد أن يسلك الطريق الأول ويدع الطريق الثاني مع أن هذا نظير الطريقين: طريق النار، وطريق الجنة، فالرسل بينت طريق الجنة وقالت: هو هذا، وبينت طريق النار، وقالت: هو هذا، وحذرت من الثاني ورغبت في الأول، ومع ذلك فإن هؤلاء العصاة يحتجون بقضاء الله وقدره -وهم لا يعلمونه- على معاصيهم ومعايبهم التي فعلوها باختيارهم وليس لهم في ذلك حجة عند الله تعالى. انتهى.
وسئل رحمه الله تعالى: عن الجمع بين قول الله تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء. وقوله: فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ. فأجاب قائلاً: الجمع بينهما أن الله تعالى يخبر في بعض الآيات بأن الأمر بيده وبخبر في بعض الآيات أن الأمر راجع إلى المكلف، والجمع بين هذه النصوص أن يقال: إن للمكلف إرادة واختياراً وقدرة، وأن خالق هذه الإرادة والاختيار والقدرة هو الله عز وجل، فلا يكون للمخلوق إرادة إلا بمشيئة الله عز وجل، وقد قال الله تعالى مبيناً الجمع بين هذه النصوص: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. ولكن متى يشاء الله تعالى أن يهدي الإنسان أو أن يضله؟ هذا هو ما جاء في قوله تعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. واقرأ قوله تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. تجد أن سبب ضلال العبد من نفسه فهو السبب، والله تعالى يخلق عند ذلك فيه إرادة للسوء لأنه هو يريد السوء، وأما من أراد الخير وسعى في الخير وحرص عليه فإن الله تعالى ييسره لليسرى، ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعدة من النار، قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على الكتاب وندع العمل؟ قال: لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له. ثم قرأ هذه الآية: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى.... إلخ.
واعلم يا أخي أنه لا يمكن أن يوجد في كلام الله أو فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض ابداً، فإذا قرأت نصين ظاهرهما التناقض فأعد النظر مرة أخرى، فسيتبين لك الأمر، فإن لم تعلم فالواجب عليك التوقف وأن تكل الأمر إلى عالمه والله بكل شيء عليم. انتهى.
وراجع شفاء العليل لابن القيم، وأضواء البيان في تفسير قوله تعالى: وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ {الزخرف:20} ، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5617، 2887، 4054، 20441، 21852، 49314، 52503.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1428(1/2769)
التعلق بالأجنبية هل هو من قدر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي في حكم من أحب امرأة من أول نظرة وهل هو قدر أم ضعف لدى الإنسان، علماً بأنه تعلق بها تعلقا شديدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل شيء يحصل في هذا الكون هو مقدر ومكتوب، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11} ، وفي الحديث: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عندما سئل عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
وعليه فمن الغلط أن يسأل الإنسان هل ما وقع بفلان من مصيبة بسبب ذنبه أم قدر، وما وقع بفلان هل هو بسبب ضعفه أم قدر، وهل خسارة فلان بسبب عدم خبرته أم قدر، إلى آخر تلك الأسئلة، ووجه الغلط في هذه الاسئلة أن الذنب والضعف وعدم الخبرة هي نفسها من قدر الله تعالى، فهي أسباب قدرها الله تعالى، ولو شاء الله تعالى لأوقع النتائج بدون تلك الأسباب، فقد يصاب المؤمن التقي رفعة لدرجته، وقد تقع الخسارة في حق الماهر والخبير، وإذا قدر الله أمراً فلا منازع له، لا رادَّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، وعليه فإن حب الرجل للمرأة من أول نظر إليها قد يكون بسبب ضعفه، وقد يكون لغير ذلك من الأسباب، وسواء أكان حبه لها بسبب ضعفه أم لغير ذلك من الأسباب فالجميع بقدر الله تعالى، والمهم أن يتحكم الإنسان بعواطفه فلا يدفعه حبها إلى ما يغضب الله تعالى، بل إذا كانت تحل له زوجة فعليه أن يسلك الطريق الشرعي المعتبر وهو النكاح، وننصح بمطالعة الفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1428(1/2770)
الأسباب من قدر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أحد الأصدقاء لا يصلي وقع له التباس فيما يتعلق بالقدر حيث يعتبر أنه إذا كان القدر مكتوبا قبل الولادة فالدعوة إلى الأخد بالأسباب لا فائدة منها ما دام أنه لن يصيبنا إلا ما قد كتب الله لنا وخصوصا المصير الأخروي ونظرا لقلة علمي الشرعي لم أستطع أن أقنعه بجوابي فالمرجو من المشايخ الكرام القائمين على الموقع توضيح هذا الأمر لكل من يقع في هذا الخلط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقدر لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب لأن الله تعالى الذي قدر مقادير كل شيء قدرها بأسبابها، فالأسباب من قدر الله تعالى، وقد أمرنا الله بالأخذ بالأسباب ومكننا منها، وجعل فينا المقدرة عليها، فمثلا رزق الإنسان مقدر ومع ذلك فإن الناس يبذلون الأسباب لتحصيل هذا الرزق، ولا يمكن لعاقل أن يترك العمل لتحصيل الرزق بحجة أنه مقدر أو غير مقدر، وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في بيان هذه المسألة، فانظر على سبيل المثال الفتاوى التالية: 2847، 62466، 25832، 5492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1427(1/2771)
جواب شبهات حول الإيمان القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أليس من أسماء الله العدل ...
ولكن عندي سؤال ... هناك أناس ولدوا فقراء وعاشوا فقراء مقهورين وماتوا وهم فقراء مكبوتين لم يفرحوا بالدنيا، ولكنهم كانوا كفارا، وبالتالي سيدخلون النار خالدين فيها ... فلم يفرحوا لا بدنيا ولا بآخرة؛ وهناك أناس عاشوا في الرخاء في الدنيا، وسيدخلون الجنة في الآخرة ...
أنا أعلم أن الله تعالى عادل بل هو العدل سبحانه ... ولكني لا أدرك حكمة الله في ذلك.
والله يا شيوخنا الأفاضل إن نفسي تدور فيها هذه الشبهة ... أرجوكم أعينوني ... لا أريد أن أهلك ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 77624، 61545، 53994، 60556، 55511، 47818.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(1/2772)
الحكمة من إخفاء الله تعالى الغيب عن عباده
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في الاية الشريفة (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) آل عمران 179 ما الحكمة من إخفاء الغيب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن علم الغيب مما استأثر الله به، ولم يجعل للخلق سبيلا للاطلاع عليه، فقد بين تعالى في هذه الآية وغيرها أنه هو المختص بعلم الغيب في السموات والأرض. وذكر هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ {النمل:65} وقوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ {الرعد:9} وقوله تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ {هود: 123} ، وقوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] {الأنعام:59} وقوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {سبأ:3} وقال تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ {الأنعام: 50} وقال تعالى: [قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ {الأعراف: 188} .
وقد بين في مواضع أخر أنه يطلع بعض من شاء من خلقه على ما شاء من غيبه، كمن اصطفاهم لإبلاغ رسالاته من الملائكة والناس قال تعالى: عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا {الجنّ:26-27} . وقال في هذه الآية: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ {آل عمران: 179}
وأما الحكمة من إخفاء الله تعالى الغيب عن عامة الناس فهي ذات أوجه عدة منها:؛ تحقيق اختصاص الله بالغيب وبقاء المكلفين في دائرة الامتحان والابتلاء إذ لو علموا الحقائق المستقبلية لتكاسلوا عن السعي والتسبب، ومنها أيضا: راحة قلوب العباد من هم ومكابدة مصير الأمور فلو علم الإنسان أنه سيموت بعد مائة سنة في الوقت الفلاني المحدد لما طاب له عيش. قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى في الظلال:
كذلك ما كان من شأن الله - سبحانه - أن يطلع البشر على الغيب، الذي استأثر به، فهم ليسوا مهيئين بطبيعتهم التي فطرهم عليها للاطلاع على الغيب، وجهازهم البشري الذي أعطاه الله لهم ليس "مصمما" على أساس استقبال هذا الغيب إلا بمقدار. وهو مصمم هكذا بحكمة. مصمم لأداء وظيفة الخلافة في الأرض. وهي لا تحتاج للاطلاع على الغيب. ولو فتح الجهاز الإنساني على الغيب لتحطم. لأنه ليس معدا لاستقباله إلا بالمقدار الذي يصل روحه بخالقه، ويصل كيانه بكيان هذا الكون. وأبسط ما يقع له حين يعلم مصائره كلها، ألا يحرك يدا ولا رجلا في عمارة الأرض، أو أن يظل قلقا مشغولا بهذه المصائر، بحيث لا تبقى فيه بقية لعمارة الأرض!
من أجل ذلك لم يكن من شأن الله سبحانه، ولا من مقتضى حكمته، ولا من مجرى سنته أن يطلع الناس على الغيب. اهـ
هذا، وننبه إلى أن الله تعالى قد أتاح لنا الفرصة للاطلاع على أفضل علم وهو علم الكتاب والسنة فبين لنا فيه ما نحتاج له وحجب عنا ما لا نحتاج للاطلاع عليه من الغيب، فتعين علينا الاهتمام بما تعبدنا بالاطلاع عليه فلنشغل أوقاتنا ولنصرف همنا في حفظه ومطالعته وتدبره، فان أفضل الأعمال الاشتغال بتعلم ما نزل به الوحي على الأنبياء والمرسلين، وهو الذي أقام الله به حجته، وهدى به أنبياءه ورسله وأتباعهم به، وامتن به عليهم فقال: [كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ] {البقرة:151- 152}
وقال: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا {النساء:113} .
وقال: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {آل عمران:164}
وقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {الجمعة:2}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1427(1/2773)
يحاسب العبد على أساس اختياره ومشيئته
[السُّؤَالُ]
ـ[كل إنسان مكتوب قدره كيف سيموت لكن الإنسان الذي ينتحر والذي هو حرام مكتوب له أن يموت بهذه الطريقة عند رب العالمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما يجري في هذا الكون مهما صغر أو عظم هو بقضاء الله تعالى وقدره وسبق علمه به في سابق أزله، كما قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49} وكما قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {الحديد: 22} وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة. ومع ذلك فقد جعل الله تبارك وتعالى للعبد اختيارا ومشيئة وإرادة بها يختار طريق الخير أو الشر، وبها يفعل ما يريد, وعلى أساسها يحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسه لأنها أفعاله حقيقة، ولذلك فالاختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف إذا فُقِد ارتفع التكليف.
ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه إذا سلب ما وهب أسقط ما أوجب.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 9193، 61976، فالمنتحر العاقل قد ارتكب جريمة من أبشع الجرائم وكبيرة من أعظم الكبائر وهو محاسب عليها؛ لأنها من فعله بمشيئته؛ وإن كان الله سبحانه وتعالى قد سبق علمه بذلك في سابق أزله وكتبه في كتابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1427(1/2774)
شبهة وجوابها حول الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة علي رسول الله
أما بعد: لي شبهة تخطر علي بالي أطرحها لعلي أحصل على جواب، كما نعلم مصير حياة كل إنسان من البداية إلي نهايه مكتوب في لوح عند رب العالمين، وفي سورة الملك يقول الله تعالي: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا. صدق الله العظيم، إذا الله تعالي له علم تام من نهايتنا لماذا يريد أن يمتحننا أو يبلونا حتى يبين له أي واحد منا أحسن عملا، وهل إذا وحد واضح مصيره في الآخرة بإمكاننا أن نقول البشر ليس مختارا، رجاء لا تؤاخذني أو أريد جوابا شافيا كافيا منطقيا؟ والله الموفق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب في عدة فتاوى فراجع فيها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5492، 19697، 7460، 19117، 35041، 38356، 2847، 12222، 723، 56985، 69481.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1427(1/2775)
قدر الله تعالى وفتح النصيب
[السُّؤَالُ]
ـ[عن فائدة فتح النصيب، وهل الله سبحانه هو مسبب الأسباب في هذه الحالة وعن النصيب، ويقولون إن كل شيء في هذه الدنيا نصيب، ما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى هو خالق الأشياء، خالق الناس وأعمالهم، ومسبب أسبابهم ومنجحها، وكل ما يحصل في الكون بقدره، وقد كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما في حديث مسلم، وقال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96} .
فعليكِ بالتسبب بالأسباب المشروعة لتحقيق جميع الطموحات الدنيوية والآخروية، وأكثري الدعاء، والتزمي بالطاعات وبالبعد عن المعاصي، ولا بأس بعرض المرأة نفسها على من يرتضى دينه وخلقه بواسطة أحد محارمها، ولا تأثير لمراجعة المشعوذين الذين يدعون فتح النصيب على قدر الله تعالى، وليعلم أن الإتيان لهؤلاء محرم شرعاً ولا فائدة فيه، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14231، 30985، 56444، 44761، 27215، 20044، 32981.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(1/2776)
شبهة في الإيمان بالقدر وجوابها
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ 4 سنوات وأنا أحضر رسالة دكتوراه في دولة غربية بأحد أعرق مراكز البحث ولله الحمد لكنني ابتليت في إيماني فأنا أعمل مع أشخاص لا يؤمنون إلا بالمادة وفلسفتها يعتبرون أن تطور البشر من القرود من المسلمات وأن وعينا مجرد صدفة كل شيء يفسر بالسببية ولا مجال لخلاف ذلك مما يعتبرونه خرافات أو مجرد وسائل تحكم بالشعوب تأثرت كثيرا بهذا المنهاج في التفكير ومسني غباره حتى أثر على بصيرتي ويقيني فقد كنت أعبد الله على طمأنينة وكأنني أراه لكن الفلسفة المادية تسللت إلى عقلي وراودتني الشكوك فأصبحت صلواتي بلا روح ولم تعد ذكرا للمولى عز وجل وبعدها مرضت بالاكتئاب وأصبحت الدنيا لا معنى لها شككت في ديني وفي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى أنني كدت أن أكفر أو ربما كفرت لأنني أشركت بالله الأسباب أصبحت السببية والعلم المادي رباً جديداً! حاولت أن أستعيذ بالله من هذه الأفكار ومحاربتها وتمكنت من التخلص من بعضها كنظرية التطور التي بدا لي بطلانها بعد دراستها لكونها مبنية على الظن فقط بالمناسبة بعد مناقشتي لزملائي لهذه النظرية تعجبت من تعصبهم الشديد لها رغم الحجج ضدها حتى أنني طلبت تفاصيلها من أحد أشد المؤمنين بها من حولي فوجدت أنني أعرفها أحسن منه! عندها قلت في نفسي: يا عجبا يؤمنون بأمر ظني وأنا أشك بأصل ديني! وعرفت أن المسألة فيها جهل ومصلحة بقي سؤال يحيرني ويعيقني وأتألم منه بشدة: كيف أننا مسئولون عن أفعالنا؟
الفلسفة المادية تقول إن أفعالنا تعتمد على عقولنا التي بدورها تعود إلى عوامل لا نختارها: المورثات التي تخطط للأعصاب قبل الولادة
• البيئة
• التربية
فمن أين تأتي المسؤولية؟ أي أنه في وضع معين ما الذي يجعلني أختار أمرا عوضا عن أمر آخر؟
فإذا كانت المورثات فأنا ورثتها عن والدي البيئة لم أخترها والتربية كذلك حتى إن كانت الشخصية فهي تعود للأمور السابقة.
لا أظن أن الله سيحاسبنا على أمر يعتمد على السببية المادية وإلا لأصبح الأمر جبرا ثم إن الله لا يظلم مثقال ذرة الحل الوحيد الذي أتصوره هو أن تكون لنا قدرة على الاختيار لا تعود لأسباب مادية وإنما تعود لعالم الغيب (هل تلك هي الروح؟) . أتصوراختيارا لا يفسر بالمادة اختيارا لا يعود إلى الأسباب السابقة (المورثات، البيئة والتربية) وإنما يقترن بها عندها يحاسبنا الله حسب اختيارنا النابع من تلك الخاصية الغيبية وتبقى الأسباب الأخرى مجرد ظروف ومعطيات من أجل الإمتحان فلا أحاسب لأنني ولدت مسلما ولكن يعتبر ذلك أمرا في صالحي وأختبر حسب ذلك.
سؤالي: هل من إجابة مقنعة من العقيدة؟ هل من وسيلة لتصحيح فهمي؟ فدون إجابة مقنعة ودقيقة أبقى في شكوكي يقول الله تعالى: \"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون\"، والله إني لأتألم ولا أجد من حولي عالما أثق به ويطمئن له قلبي لأسأله. أسألكم أن تفكوا علي كربتي في الدنيا وعسى أن يفك الله عنكم كرب يوم القيامة أرجو من الله أن يجعل منكم أحد أسباب شفائي ويعيد إلي الإيمان الفطري ويخلصني من ويلات الفلسفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الرد على تساؤلاتك، نريد أولاً أن نزيدك معرفة بدارون وبنظريته المعروفة بنظرية النشوء والارتقاء، أو بنظرية الانتخاب الطبيعي، ولك أن تراجع فيها وفيما قيل عنها فتوانا رقم: 4755.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإنا لا نريد أن نخوض معك في موضوع الفلسفة المادية، وما تقوله عن أفعالنا، وأنها تعتمد على عقولنا التي بدورها تعود إلى عوامل لا نختارها، كالمورثات التي تخطط للأعصاب قبل الولادة، وكالبيئة والتربية ... إلى غير ذلك مما بينته في سؤالك.
واعلم وفقنا الله وإياك لسماع الخير وتقبله، أن جدلية اختيار الإنسان لأفعاله أو جبره عليها، ومدى ارتباط ذلك بالعدل الإلهي هو من المواضيع التي أكثر الناس في نقاشها والبحث فيها، وحقيقة الأمر أن أي حدث في هذا الكون هو بإرادة الله وقضائه، ومع ذلك فالله تعالى يعاقب العباد على ما فرط منهم من المعاصي عدلاً منه، ويثيبهم على ما قدموه من الإحسان تفضلا منه وكرما. وتفسير ذلك هو أن جميع ما يقوم به الإنسان من أفعال هو تنفيذ لأوامر كونية قدرية سبق تحديدها، وليس بإمكانه أن يغير شيئاً منها، وهو من جهة ثانية قد أعطي العقل والحواس التي يميز بها بين النافع والضار، وأعطى القوة لتنفيذ ما يريد، ولم يكرهه أحد على انتهاج هذا المسلك أو ذاك، فهو بذلك مخير، فالتسيير المحض هو أن يهم المرء بفعل فلا يجد الوسيلة لفعله، والتخيير المحض هو أن يقوم بأفعاله من غير أن تكون محددة سلفاً،
ثم تصورك أن تكون للناس قدرة على الاختيار تعود لعالم الغيب. وسؤالك عما إذا كانت تلك الروح، فجوابه أن الأمور الغيبية ليست مجالاً للاجتهاد، وأن الروح هي من الأمور التي استأثر الله تعالى بعلمها، ولم يطلع عليها أحداً من أنبيائه، ولا أذن لهم بالبحث عن حقيقتها فضلاً عن غيرهم، حيث قال سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي {الإسراء: 85}
وننصحك أيها الأخ الكريم بأن لا تتعب نفسك بهذه الماديات والفلسفات، فإن الطريق واضح وليس يحتاج إلى شيء مما ذكرته. وننصحك أيضاً بأن تبتعد عمن ذكرت أنك تعمل معهم، وعن أؤلئك الرفقاء الذين ذكرت من أمرهم ما ذكرت، فالمحافظة على الدين أولى وأهم من أي شيء آخر. ولله در الشاعر حيث قال:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... ... ... ... فما فاته منها فليس بطائل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1426(1/2777)
إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتحدث مع صديق لي عن الموت قتلا سواء عن طريق الاغتيالات أو الحوادث وما إلى ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى موت الإنسان، وكان سبب هذا الحديث كثره التحدث هذه الأيام عن أنه لو لم يذهب إلى ذلك المكان لما مات، أولو أن الدكتور فعل كذا لما مات، وقد اختلفنا حول هل القتيل لو لم يكن متواجدا بمكان الحادث لم يكن ليموت، وكان رأيي أن الإنسان عندما يأتي أجله فإنه ميت لا محالة حتى وإن غادر مكان الحادث وإن كان لازال له عمر فإنه لن يموت حتى لو تواجد بمكان الحادث.
وكان رأي صديقي معاكسا لذلك تماما، لذلك أرجو منكم إيضاح أي الرأيين أصوب مع الاسترشاد بالقرآن والسنة والسيرة الصحيحة للأنبياء عليهم السلام في ذلك الموضوع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من قدر موته بأرض في وقت معين لا بد له من الوجود بذلك المكان ساعة موته ولا ينفعه حذر من ذلك ولا فرار ولا تحصن ولا خبرة دكتور ولا غير ذلك.
ومن المعلوم أن من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله مكان موت العباد.
فقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ {لقمان: 34} وقال تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ {النساء: 78} وقال تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ {آل عمران: 154}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة رواه الحاكم والبخاري في الأدب المفرد. وصححه الألباني.
وليعلم أن الأجل محدود، فإذا جاء وقته فلن يتأخر موت العبد لقول الله تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف: 34}
ولكنه لا يلزم من وجود الإنسان بذلك المكان موته إن لم يكن حان أجله، وأما إذا حان الأجل فلا بد من حضور الإنسان في نفس المكان حتى يموت فيه.
والخلاصة أنه لا تموت نفس قبل أجلها كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1426(1/2778)
تعذيب الكافرين يجري على مقتضى العدل الإلهي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة على رسول الله سألني أحد الفلاسفة عندما كنت في الغرب قائلا إن في دينكم الكافر يخلد في النار، حسنا لنفترض أن أما قالت لابنها يابني لا تغضبني أو لاتعصني فإنني سأعذبك عذاباً شديدا وبعد ذلك عصى الولد أمه كم ستضربه وكم ستعذبه في النهاية ستعفو عنه، والله تعالى أرحم بعباده من الأم بابنها فلماذا يعذبهم في النار مخلدين
أما سؤالي الثاني فهو من أحد المسلمين أقول له لاتسمع الأغاني فيقول لي هذا صدى ليس محرما
وأقول له لا تتابع الأفلام السيئة فيقول لي هذا خيال ليس محرما أرجو الرد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قياس الأم على الله في هذه النقطة قياس مع وجود الفارق، فإن الله خالق الكون ومالكه الذي لا معقب لحكمه فيه ولا راد لقضائه فيه قد حكم على الكفار بعدم المغفرة وبالخلود في النار. قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:48} . وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة ِ {البينة:6} . وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ {النساء:56} .
وراجع في سماع المحرمات ونظرها الفتاوى التالية أرقامها: 1256 و 6617 و 54316 و 20701. وراجع فيما ينبغي معاملة الكفار به الفتوى رقم: 60321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1426(1/2779)
التعذيب بالنار للعصاة والكافرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ولله الحمد ملتزم ولكني يشغلني منذ فترة حوالي أسبوع أمر أرجو أن أجد فيه إجابة شافية: إن الله رب العالمين أرحم الراحمين وغفور ودود وكلنا نطمع في رحمة الله بل ولن ندخل الجنة إلا برحمته وفضله إن شاء الله. الأمر الذي يحيرني هو اختيار الله سبحانه وتعالي للنار ليعذب بها الكافرين والمشركين والمنافقين بل والعصاة، فعلى المستوى البشري إذا جاءني ابني وقد كفر فهل ستطاوعني نفسي على حرقه؟
بالطبع لا مهما صدر منه وذلك أن البشر الذي وضع الله فيه رحمة لا تقارن بالقطع بالرحمة الإلهية، رجاء إفادتي ولكم جزيل الشكر وأنا مؤمن أنها وسوسة شيطان.
أسأل الله ربي وربكم رب العرش العظيم أن يتوب علي ويخلصني منها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذا السؤال في الفتوى رقم: 55511، كما ننصحك بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام: 4228 و 54470 و 59060.
وننبه السائل الكريم إلى خطورة الخوض في القدر والتنقيب عنه فإنه سلم الحرمان، وأما النجاة ففي التسليم التام لحكمة الله البالغة، وسلم تسلم كما قال السلف، وراجع الفتاوى ذات الأرقام: 34841 و 53111 و 53994.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1426(1/2780)
الله تعالى هو أعدل من ملك
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سأل أحد أصدقائي بقوله: أليس الله بالعدل وأنه كما ورد في الأحاديث \" أنه أرحم بعباده من الأم بولدها \"، فقلت: له بلى، فهذه الأحاديث صحيحة ومنها المتفق عليه، قال ما قولك في: في تخليد غير المؤمنين في عذاب جهنم أبد الآبدين، مع أن مدتهم في الحياة التي قضوها لا تساوي شيئاً بالنسبة لدوام العذاب، فالتخليد في النار لا يعادل مدة مكث أول إنسان على سطح الأرض حتى قيام الساعة، فقلت له: إن عقيدة المؤمن ثابتة بأنه الله متصف بالكمال المطلق في العدل والحق، ومن شك في ذلك فقد كفر بالإجماع، قال: أنا أريد إزالة وسوسة الشيطان فهو في كثير من الأحيان يلوح لي بهذه الأفكار \"الخلود في النار وأنه ليس بعدل\"؟ جزاكم الله خيراً وأنا في انتظار الرد الشافي عسى صديقي أن يقتنع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما اتفق عليه أصحاب العقول السليمة أن تصرف المالك في ملكه يسمى عدلاً، وأن الله تعالى أعدل من ملك فلا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهو أرحم الراحمين، ولم يخلق الله عباده ليعذبهم، قال تعالى: مَّا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا {النساء:147} ، وإنما خلق الخلق ليعبدوه، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ، وفطرهم سبحانه على التوحيد وبين لهم السبيل وأرسل إليهم: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {النساء:165} .
ولم يؤاخذهم سبحانه قبل قيام الحجة عليهم، وقبل تبين الحق وظهوره، قال تعالى: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ {التوبة:115} ، فإن انحرف الإنسان عما يخلق من أجله وأبى إلا الشرك والكفر استحق العقاب على شركه وانحرافه بالتخليد في نار جهنم، وهم لو عاشوا في الدنيا أبد الأباد لما تحولوا عن كفرهم فاستحقوا أن يخلدوا في العذاب، قال تعالى: وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {الأنعام:28} .
فالواجب عليك أن تنصح صديقك بأن يحسن الظن بالله، وأن يعلم أن الله لا يظلم مثقال ذرة، وأن يعلم أن سبيل المعرفة في الغيبيات هو الكتاب والسنة لا العقليات، فمن عدل عنهما ضل وتاه في الحيرة، وقد نهى أهل العلم عن الخوض في مثل هذه المسائل لأنها تورث الشك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1425(1/2781)
لا تعارض بين كون الله عدلا وبين مغفرته للذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين أن الله يغفر الذنوب وبين أنه عدل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين كون الله عدلا وبين مغفرة الذنوب، فإن المغفرة تفضل منه سبحانه وهو فوق العدل، وهو سبحانه لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، كما ثبت في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود. وإن كنت تقصد كلام القدرية من المعتزلة القائلين أن الله إن عذب واحداً من العصاة عذب الجميع، وإن غفر لواحد غفر للجميع، ورأوا أن المغفرة للبعض وتعذيب البعض ظلم. فهذا القول باطل عقلاً ونقلا. أما عقلاً فإن الواحد من ملوك الأرض لو رفع إليه رجلان مخطئان فعاقب أحدهما وتجاوز عن الآخر لا يعتبر ظالما لمن عاقبه لأنه لم ينقصه شيئا من حقه وإنما تفضل على الآخر. وأما شرعاً فقال الله تعالى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ٌ {البقرة: 284} ، وقال تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ {العنكبوت:21} ، قال الإمام القرطبي: يعذب من يشاء: أي بعدله، ويرحم من يشاء: أي بفضله. قال ابن كثير: أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل، لأنه الملك الذي لا يظلم مثقال ذرة. اهـ. وقال تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الانبياء:23} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(1/2782)
حكمة الله البالغة في خلق النفوس أصنافا
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله أتم الصلاة والتسليم أما بعد:
فإني والله لكم أستحييت أن أسأل أحدا الكثير من أسئلة العقيدة الخاصة بذات الله وكنت أعتبرها من وساوس الشيطان إلا أن أحدها قد أشكل علي حتى عكر علي جميع عباداتي، وهذا السؤال ببساطة ما يفعل الله بعباداتنا ولماذا خلقنا وهو عنده من الملائكة الساجدين والراكعين له سبحانه وإذا كان خلقنا لعبادته لماذا خلق فينا حب الشهوات والمعاصي فنحيا معذبين حائرين بين الحق والباطل معرضين لآلام المرض، والخوف والفقر، وبعد كل هذا العذاب والحيرة قد نعذب بالآخرة عن زلاتنا، لماذا كل هذا وهو غني عنا، لمَ كل هذا البلاء؟ لم يخلقنا ملائكة من بادئ الأمر نعيش بجنة إن أراد بنا خيرًا؟ هذا السؤال كتمته في نفسي لسنوات طويلة، وأنا عابد لله مسلم له بما شاء على كل حال، ولكن إجابة هذا السؤال قد ترفع عني الكثير من الحيرة، وتغلق عني مدخلاً من مداخل الشيطان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسُلَّم الحرمان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} .
فمن سأل لمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الخوض في القدر، قال أبو هريرة رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه. رواه الترمذي، وقال: حسن غريب وحسنه الألباني.
قال الإمام الطحاوي: العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود، فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وترك طلب العلم المفقود. اهـ
واعلم أن سبب الخوض في القدر، وفي حكم الله البالغة المؤديان إلى التكذيب هو قياس الرب تبارك وتعالى على خلقه، وقياس حكمته على حكمتهم.
قال ابن القيم في شفاء العليل: ومعلوم أن الرب علم أن عباده يقع منهم الكفر والظلم والفسوق، وكان قادراً أن لا يوجدهم أو أن يوجدهم كلهم أمة واحدة على ما يحب ويرضى، وأن يحول بينهم وبين بغي بعضهم، ولكن حكمته البالغة أبت ذلك واقتضت إيجادهم على الوجه الذي هم عليه، وهو سبحانه وتعالى خلق النفوس أصنافاً، فصنف مريد للخير وحده وهي نفوس الملائكة، وصنف مريد للشر وحده وهي نفوس الشياطين، وصنف فيه إرادة النوعين وهي النفوس البشرية، والرب تبارك وتعالى اقتضت قدرته وعزته وحكمته إيجاد المتقابلات في الذوات والصفات والأفعال، وقد نوع خلقه تنويعاً دالاً على كمال قدرته وربوبيته، فمن أعظم الجهل والضلال أن يقول القائل: هلا كان خلقه كلهم نوعاً واحداً فيكون العالم علواً كله أو نوراً كله، أو الحيوان ملكاً له، وقد يقع في الأوهام الفاسدة أن هذا كان أولى وأكمل ويعرض الوهم الفاسد ما ليس ممكناً كمالاً.... فلو كان الخلق كلهم مطيعين عابدين حامدين لتعطل أثر كثير من الصفات العلى والأسماء الحسنى، وكيف كان يظهر أثر صفة العفو والمغفرة والصفح والتجاوز والانتقام والعز والقهر والعدل والحكمة التي تنزل الأشياء منازلها وتضعها مواضعها، فلو كان الخلق كلهم أمة واحدة لفاتت الحكم والآيات والعبر والغايات المحمودة في خلقهم على هذا الوجه، وفات كمال الملك والتصرف، كما أن من عبوديته العتق والصدقة والإيثار والعفو والصبر واحتمال المكاره ونحو ذلك مما لا يتم إلا بوجود متعلقه وأسبابه، فلولا (الكفر) لم تحصل عبودية العتق، فالرق من أثر الكفر، ولولا الظلم والإساءة لم تحصل عبودية الصبر والمغفرة، ولولا الفقر والحاجة لم تحصل عبودية الصدقة والإيثار، فلو سوَّى بين خلقه جميعهم لتعطلت هذه العبوديات التي هي أحب شيء إليه، ولأجلها خلق الجن والإنس. اهـ بتصرف.
واعلم أن هذه الأسئلة من نزغات الشيطان ووسوسته فاستعذ بالله واستعن به ولا تسترسل مع وسوسة الشيطان، ونوصيك بقراءة القرآن ودراسة العقيدة الإسلامية وسلم تسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1425(1/2783)
كل ما يجري في الكون فهو بتقدير الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد:
فلي استفسارات أريد توضيحها، قرأت في القرآن الكريم (الآية 54 من سورة الفرقان كما في آيات آخرى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} وآية آخرى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} ، {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} الآية 8 من سورة النبأ تفسير ابن كثير، وقوله تعالى: \"وهو الذي خلق من الماء بشرا\" الآية أي خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه وعدله وجعله كامل الخلقة ذكرا أو أنثى كما يشاء \"فجعله نسبا وصهراً\" فهو في ابتداء أمره ولد نسيبا ثم يتزوج فيصير صهرا يصير له أصهار وأختان وقرابات وكل ذلك من ماء مهين ولهذا قال تعالى \"وكان ربك قديراً\" كما أعلم وأسمع عن الكبار وقرأت في فتاوى الشبكة الإسلامية أن الله خلق الأرواح كلها قبل خلق الأرض، هل تعني الآيات أن الله خلق الأزواج أي المرأة والرجل والبنتين وكون منها العائلة والنسب وشعوبا وقبائل قبل أن يبعثهم إلى الحياة الدنيا، هل قدر ومكتوب كل بشر كتب قبل الأزل أو وهو جنين، هل كل رجل له زوجة قدرها الله له وكتبها قبل الأزل وسيتزوجها يوما ما، إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، أي كل بشر يكلفه الله مسؤوليات على قدر استطاعته، كما نعرف من اختلاف في الطبائع والسمات بين النساء والرجال، فهل لكل ذي سمة ما يناسبه من صفات كي يستطيع العيش من الآخر، هل إن اسم المرء ومحياه ومماته مقدر من عند الله، هل المرأة والرجل هما اللذان يقرران متا تنجب الأطفال وماذا نسميهم أو أن الله هو الذي سبق بقلمه وقدره كل هذا ولا بد للإنسان في التسمية وموعد الإنجاب، كما يستعملون من وسائل منع أو تأخير الحمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الواجب على المسلم أن يصرف همته إلى ما يفيده من أمر دينه ودنياه، وما يترتب عليه عمل بدلاً من التفكير والنظر في مسائل قد فرغ منها كمسائل القدر أو مسائل لا يترتب عليها عمل، إذ غاية العلم العمل.
وأما ما تضمنه سؤالك من أمور فجوابنا عنه في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أن الله تعالى قد خلق الأرواح قبل خلق الأجساد، وهذه الأرواح هي التي أخذ الله عليها العهد والميثاق وهي في عالم الذر، قال ابن القيم في كتابه (الروح) : وأخذ الله عهدها وشهادتها له بالربوبية وهي مخلوقة مصورة عاقلة قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم وقبل أن يدخلها في الأجساد والأجساد يومئذ تراب وماء. انتهى، فتبين أن الآيات المذكورة إنما هي في خلق الأجساد ثم بعث الأرواح فيها، وأن خلق الأرواح هو الذي وقع قبل ذلك.
النقطة الثانية: أن كل ما يجري في هذا الكون فهو بتقدير الله تعالى، قال سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. ويدخل في ذلك ما سألت عنه من أمر الزوجة والذرية والآجال والمحيا والممات وغيرها.
واعلم أن الله قد خلق الأسباب ومسبباتها ومن ذلك الأب والأم اللذان هما السبب في وجود الولد، وأنه سبحانه لو شاء لأوجد الذرية مع تخلف الأسباب أو توفر الموانع، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال: لا ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء، فتبين أن الأمر كله بيد الله تعالى.
وننبه إلى أن الواجب الحذر من التعمق في أمر القدر لأن ذلك قد يقود المسلم إلى ما لا تحمد عقباه.. وراجع الفتوى رقم: 53111.
النقطة الثالثة: أن كون التكليف مناطاً بالاستطاعة فحقيقة قد قررها القرآن الكريم، قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286} ، وقال سبحانه وتعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا {الطلاق: 7} .
وجاءت بذلك السنة النبوية، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. رواه البخاري ومسلم، ولكن لم يتضح لنا ماذا تقصد من ذكر هذه الحقيقة هنا وما رتبت على هذه الحقيقة من سؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1425(1/2784)
الخوض في القدر يقود إلى الحرمان
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أرحم من الأم على ابنها، ولكن في القرآن آية تقول (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) ، وإن لهب النار لا ينطفئ، ولكن لا يوجد أم تبقى تعذب ابنها إلى مدى الحياة أو إلى ما لا نهاية أولاً أشكر الله أن خلقني مسلماً، ولكن لماذا خلق المشركين كفاراً، كان بإمكانه أن يخلقهم مسلمين.... وأسألك بصراحة لو ولدت من أم مسيحية وأب مسيحي وكل أقربائك مشركين هل ستكون مسلماً، وهذه الوسوسة تلحق بي، فأرجو أن تساعدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، والقدر من الغيب الذي كتمه الله عز وجل عن خلقه، والإيمان به مبناه على التسليم لله تعالى، واعتقاد أنه سبحانه لا يفعل شيئاً إلا عن علم تام وحكمة بالغة.
ولعل من المناسب أن ننقل هنا ما ذكره الطحاوي في عقيدته في هذا الباب حيث قال: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسُلَّم الحرمان، ودرجة الطغيان. فالحذر كل الحذر نظرا ووسوسة فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى في كتابه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فمن سأل لِم فعل، فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. انتهى.
ويكفي المسلم أن يؤمن بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه.
وقد نص بعض أهل العلم على أن القدر على مراتب أربع: الأولى: العلم. الثانية: الكتابة. الثالثة: المشيئة. الرابعة: الخلق.
وما وراء ذلك فهو سر القدر فلا يكشف، فلا يقال: لماذا أضل هذا وهدى هذا، أو أغنى هذا وأفقر هذا ... ونحو ذلك، فإن السؤال عن ذلك وطلب البحث فيه مزلة أقدام، ومضلة أفهام، فالواجب الحذر منه، ودفع ما قد يطرأ على القلب من وساوس وشبهات، وأن يستعاذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وأن يقول: آمنت بالله. وبذلك يسلم العبد وينجو، ونرجو مراجعة الفتاوى: 20434، 2847، 9192، 8652.
أما قولك: لو ولد الشخص من أبوين مسيحيين؟ فالجواب عنه: أن الإسلام لا يربط بين معتنقه وبين ذويه، فكل من أتى بأركان الإسلام فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ولو كان أبواه كافرين. قال صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم. رواه البخاري، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 5935.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1425(1/2785)
كلام نفيس في مسألة الشر المقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[من أين أتى الشر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جميع الأحداث الحاصلة في الكون حصلت بقضاء الله وقدره، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (القمر:49) ، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (التغابن: من الآية11) ، وفي الحديث: وتؤمن بالقدر خيره وشره. رواه مسلم. وفي الحديث: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه مسلم.
واعلم أن الشيخ ابن العثيمين في شرح الواسطية قد ذكر كلاماً نفيساً في مسألة الشر المقدر ملخصه: أن أفعال الله تعالى كلها خير، كما يدل الحديث: والخير كله بيديك، والشر ليس إليك. رواه مسلم.
ولكن المقدور قد يكون شراً بالنسبة للعبد في حال ما لأنه غير ملائم له كالمرض، وقلة ذات اليد، وإقامة الحدود، ولكن قد يكون فيه خير للعبد يخفى عليه فقد يكون فيه تكفير سيئاته، ورفع درجاته كما في الحديث: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري.
وفي الحديث الآخر: عجباً للمؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
وقد يحصل بالبلاء تذكير للعباد حتى يتوبوا إلى الله كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم:41) ، ويحصل بإقامة الحدود على العباد تكفير ذنوبهم، كما في الحديث: فمن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له.
وراجع الفتوى رقم: 2855.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(1/2786)
الرد على شبهة (لماذا خلقنا الله؟!)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم...... أما بعد
سؤالي غريب بعض الشيء ولكنه حيرني جدا وأردت أن أستفسر عنه وأسأل أهل العلم
السؤال ببساطة هو ... لماذا خلقنا الله ...
والجواب في الآية الكريمة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ..... هذا هو الجواب....... ولكن الله فعال لما يريد وإذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ... فإذا أرادنا الله لعبادته..... أمرنا بذلك فكنا له طائعين.... كان جعلنا مثل الملائكة ... ولكن الله خلقنا وأعطانا العقل وخيرنا وبين لنا طريق الخير والشر وأرسل لنا الرسل والأنبياء ليوجهوننا
ولكن سؤالي مادام الله خلقنا لعبادته فلماذا كل هذا اللف والدوران بإرسال الرسل وخلق الجنة والنار.. كان ببساطة جعلنا مثل الملائكة.. ولكن هل أعطانا العقل ليختبره أو ليتسلى بنا.... فإذا أراد من يعبده كما هي الآية جعلنا نعبده.... فلقد وجدت تناقضا بين القول والفعل فلقد قال الله عز وجل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) والواضح أنه خلقنا لغرض في نفسه جل وعلا ليس لعبادته.... فلو أرادنا لعبادته <علنا نعبده رغما عنا..... وهنا يحدث التناقض..... فسروا لي جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهدينا وإياك سواء السبيل وأن يعصمنا وإياك من الشيطان الرجيم ووساوسه.
واعلم أن سؤال (لماذا خلقنا الله؟!) لا بد عند الجواب عنه من معرفة أمرين:
الأول هو: الحكمة القدرية الكونية.
والثاني هو: الحكمة الشرعية.
فالحكمة المذكورة في الآية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ِ} [الذاريات:56] ، هي الحكمة الشرعية لا القدرية.
أما الحكمة القدرية الكونية فهي ظهور حكمة الله وعفوه ورحمته وغضبه وسخطه وعذابه، وغير ذلك من صفاته سبحانه التي تتجلى في خلق الإنسان والجان على الحال الذي هما عليه من العقل والشهوة، حيث إن الله تعالى قد خلق الأحياء على ثلاثة أصناف: فصنف ركب الله لهم عقلاً ولم يركب لهم شهوة وهم الملائكة، وصنف ركب الله لهم شهوة ولم يركب لهم عقلاً وهي البهائم، وصنف ركب الله لهم عقلاً وشهوة وهم الإنس والجن، فمن غلب عقله شهوته فهو على رأس القائمة لأن الملائكة تطيع الله بجبلتها ولا تحتاج إلى مجاهدة الشهوة من أجل الطاعة بخلاف الإنس والجن، ومن غلبت شهوته عقله فهو أدنى من البهائم لأن البهائم لا عقل لها يحجزها عن الشهوة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] .
والفرق بين الأمر الشرعي والأمر القدري الكوني أن الأمر الشرعي قد يقع وقد لا يقع وهو فيما يحبه الله فقط، أما الأمر القدري فهو حتمي الوقوع ومنه ما يحبه الله ومنه ما لا يحبه.
والخلاصة أنه يجب على المسلم أن يعلم أن الله عليم حكيم عدل، وأن له الحكمة البالغة وأنه سبحانه لا يُسأل عما يفعل والعباد يُسألون، فإذا اطمأنت نفس المسلم لذلك فلا ينبغي له البحث وكثرة السؤال والاسترسال مع وساوس الشيطان التي يريد أن يفسد بها دين المرء ودنياه وأخراه، وعلى السائل للمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع أن يراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31767، 2847، 2855، 5492.
وننبه السائل إلى أنه قد وقعت في سؤاله عبارات عظيمة كان في غنى عن أن يقولها في حق الله سبحانه، مثل قوله "فلماذا كل هذا اللف والدوران" وقوله " ... أو ليتسلى بنا" وقوله "لقد وجدت تناقضاً بين القول والعمل...." وقوله "والواضح أنه خلقنا لغرض في نفسه ... " وقوله "وهنا يحدث التناقض" فالواجب عليه أن يتوب إلى الله من ذلك ويسأل الله المغفرة والعفو، وسبحان الله ما أحلمه وأصبره على خلقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(1/2787)
المعصية تقع بفعل العبد وإرادته
[السُّؤَالُ]
ـ[أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب - قال له ماذا أكتب؟ - قال له الله: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وذلك قبل خلق السموات والأرض بخمسين
ألف سنة (فإذا قتل الإنسان أو سرق أو زنى) فما جزاء الإنسان إذ أن الله كتب كل شي؟ أرجو الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالا قريبا من سؤالك، عند ما أخبرهم صلى الله عليه وسلم أن المقادير مكتوبة، وأن منازل العباد عند الله معلومة.
فقد أخرج الشيخان -واللفظ لمسلم- عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا وفي يده عود ينكت به، فرفع رأسه فقال: ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلتها من الجنة والنار، قالوا يا رسول الله، فلم العمل، أفلا نتكل؟ قال: لا اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [الليل:5-6] إلى قوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:10] .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له، لا يقدر على غيره. انتهى.
وكون الله قد كتب مقادير العباد ليس معناه أن الله يكره العباد على فعل المعاصي والسيئات، وإنما معناه أن الله تعالى علم في الأزل ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، ثم إن الله تعالى قد أعطى لعباده مشيئة وقدرة وإرادة، وقد أثبت الله ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:8] .
فمن عصى الله فقد عصاه بمشيئته واختياره، وخالف أمره تعالى بفعله وإرادته.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 4054.
واعلم أخي السائل أن القدر سر الله في خلقه، وأن أعلم الناس بالقدر أكفهم عن الكلام فيه، ويحسن هنا أن ننقل لك كلاما نفيسا نقله الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم عن أبي المظفر السمعاني قال: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة، دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب، لأن القدر سر من أسرار الله التي ضربت من دونها الأستار، واختص الله به، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم، لما علمه من الحكمة، وواجبنا أن نقف حيث حد لنا، ولا نتجاوزه.
وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم، فلم يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، وقيل: إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف قبل دخولها. والله أعلم. انتهى.
ولمزيد من الفائدة، نوصي بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7460، 36591، 12638، 26672.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(1/2788)
الزواج والعنوسة كل مقدر بأسبابه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الفتاة التي يتقدم لها الكثير من العرسان وترفضهم بدون تفكير هل من الممكن أن يكون فيهم الشخص الذي هو نصيبها المكتوب لها عند الله، وبسبب رفضها ضاع منها نصيبها الذي حدده لها الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل ما قدره الله وكتبه للعبد لا بد أن يقع، فلا راد لقضائه سبحانه، ولا معقب لحكمه، فإذا كان سبحانه قدر لك الزواج من شخص، فسيقع ما قدره سبحانه حتما، ولا يستطيع أحد رده.
ولكن لا بد من التنبه إلى أن الله سبحانه قدر الأشياء بأسبابها التي توصل إليها، فإذا قدر على سبيل المثال إنبات الأرض قدر أسباب ذلك من بذر الحب وحرث الأرض ونزول المطر ونحوه مما يتوقف إنبات الأرض عليه، ولا تنبت بدونه.
وإذا قدر سبحانه أن تحمل الزوجة بولد، قدر أسباب ذلك، من زواج وجماع.. الخ، وإذا قدر لك الزواج قدر أسباب ذلك، من اهتمام بالخاطبين، وتفكير جدي في الزواج، ونحو ذلك.
وبالجملة، فكل ما قدره الله من أحوال العباد وعواقبهم، فإنما قدره بأسباب يسوق بها المقادير، والله خالق الأسباب والمسببات، وإذا عرفت هذا، عرفت أن الزواج مقدر بأسبابه، وليس مقدرا بلا سبب، وكذلك العنوسة وعدم الزواج قدره بأسبابه التي منها رفض الخاطبين بدون تفكير، وكل ذلك بقدر الله -السبب والمسبب- ونحن مأمورون من الله تعالى بالأخذ بالأسباب لتحصيل ما ينفعنا ونفع ما يضرنا، فمتى رجوتِ أن تتزوجي دون الأخذ بأسباب ذلك، كنت واهمة، ونسأل الله أن يوفقك ويشرح صدرك ويقيك نزغات الشيطان.
وراجعي لزاما الفتوى رقم: 20441، والفتوى رقم: 19045، والفتوى رقم: 20304.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1424(1/2789)
فعل العبد بمحض إرادته وإن قدره الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإيجاب والقبول في الزواج مخير فيه الإنسان أم مسير؟ وذلك لأن الدارج بين الناس أن الزواج قدر، وإذا ما تعسوا في حياتهم الزوجية بسبب سوء الاختيار فانهم ينسبونه إلى القدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعلوم أن الإيجاب والقبول من الأفعال التي يفعلها الإنسان بمحض اختياره وإرادته، وكل إنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختيار وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار، فالإنسان الذي ينزل من السطح على السلم نزولا اختياريا يعرف أنه مختار، على العكس من سقوطه هاويا من السطح إلى الأرض، فإنه يعلم أنه ليس مختارا لذلك، ويعرف الفرق بين الفعلين، فهو في الأول مختار، وفي الثاني غير مختار. ولذا رتب الله الثواب والعقاب على الأفعال الاختيارية دون غيرها، كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [التكوير:28] .
وقال سبحانه: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَة [آل عمران: 152] .
فالله تعالى قد أعطى الإنسان عقلا وسمعا وإدراكا وإرادة، فهو يعرف الخير من الشر، والضار من النافع، وما يلائمه وما لا يلائمه، فيختار لنفسه ما يناسبها ويدع غيره.
وهو في هذه الأفعال الاختيارية -سواء ما كان متعلقا منها بالطاعة أو متعلقا بالمعصية أو متعلقا بالمباحات، كالزواج وغيره- لا يخرج بشيء منها عن قدرة الله ومشيئته.
قال الله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] .
وقال صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب مقادير الخلق إلى يوم القيامة. رواه الترمذي وصححه.
ومن هذا تعلم أن الزواج وإن قدره الله وقدر نتائجه، فالعبد يفعله بمحض إرادته واختياره، فإن فرط وأساء في اختياره كان ملوما، وإن اجتهد وأحسن الاختيار، كان محمودا.
ورجع الفتوى رقم: 17855، والفتوى رقم: 10560.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1424(1/2790)
الإنسان يعمل باختياره والله يراقب أعماله ويجازيه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الأفاضل لقد دار حوار بيني وبين زميلي في العمل حول الإرادة فقال إن الله تعالى هو المسؤل عن إرادة الناس كافة حتى الإيمان أو الكفر فقلت له: إن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر وإن كفر الإنسان نتيجة رضاه واختياره لهذا الطريق والدليل أن الله تعالى قد بعث الأنبياء مبشرين ومنذرين السؤال: كيف نقنع مثل هؤلاء الأشخاص بمفهوم الإرادة؟
وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما قلته لصاحبك هو الحق، وذلك أن الله خلق الإنسان وأعطاه إرادة ومشيئة وقدرة واستطاعة واختيارًا، وجعل فيه قابلية الخير والشر. قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:7، 8] .
وقال تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34] .
وقال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] .
وقال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا [آل عمران:145] .
وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً [الإنسان:29] .
وفي الحديث: إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده رواه البخاري.
وقد كلف الله الإنسان وألزمه الأحكام باعتبار ما أعطاه من العقل والطاقات والإرادة، فإذا فقد هذه الأشياء فعجز أو أُكره أو حبس لم يعد مكلفًا.
وبناء على هذا، فإن الإنسان يعمل باختياره يأكل ما شاء، ويتزوج من شاء، ويعمل ما شاء، والله يراقب أعماله ويجازيه. قال تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التوبة:105] .
وقال تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32] .
قال الشيخ الألباني: أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسبًا وعملاً وقدرة وإرادة، وبسبب تصرفه بتلك القدرة والإرادة يكون من أهل الجنة أو النار.
هذا؛ ويجب التنبه إلى البعد عن الجدال والخوض في القدر، عملاً بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
كما يجب التنبه إلى أن العبد وعمله ومشيئته من خلق الله. قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: من الآية30] .
وقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96] .
وفي الحديث: إن الله خالق كل صانع وصنعته. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي والألباني.
وراجع شفاء العليل لابن القيم، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5617، 2887، 4054.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1424(1/2791)
لا يعاقب الله الكافر لأنه ولد كافرا
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالى فى العقيدة:
أنا اسمي أحمد.. قدمت إلى الدنيا وأنا مسلم.. أبى وأمى مسلمان.. كل من حولى مسلمون.. بم فضلني الله لكي أنال هذا الشرف العظيم..؟؟!!
وقد قال الله تعالى إنه لن يدخل الجنة إلا من كان مسلما ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. أنا لا أتخيل أني فى يوم من الأيام سأصبح مسيحيا "لا قدر الله"، وبالمثل لا يمكن أن يقتنع المسيحيون بأن يصبحوا مسلمين إلا من هدى الله، سؤالى هو: كيف يحاسب الله من ولد مسيحيا لأنه لم يسلم؟ برجاء الإفادة.. إذا كان ممكنا أن أقابل أحد الشيوخ أو أحد الأساتذة لكى يفسر لي الموقف، لأني أشعر بالضياع من هذا الموضوع..؟ برجاء الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الله تعالى لا يعاقب الإنسان لأنه ولد مسيحياً، ولهذا لو أن المولود لأبوين كافرين توفي قبل بلوغه لكان من أهل الجنة على القول المختار الصحيح من أقوال العلماء، ذلك أن الله تعالى يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15] ، وقوله عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] .
وفي صحيح البخاري من حديث سمرة في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: أنه رأى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان، فقيل له الشيخ الذي في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله فأولاد الناس.، يعني بأولاد الناس كلهم كافرهم ومسلمهم.
ولهذه الأدلة وغيرها قال النووي رحمه الله: والصحيح الذي عليه المحققون أنهم من أهل الجنة -يعني أولاد المشركين-.
وبما تقدم تعلم خطأ المقدمة التي بنيت عليها نتيجتك التي سببت لك شعوراً بالضياع كما تقول، وليس هناك ولله الحمد ما يشكل فالإنسان إنما يحاسب على استمراره على الكفر بعد بلوغه وتمكنه من الاستدلال والنظر، وزيادة في الحجة وقطعاً للعذر لا يعذب بعد بلوغه حتى تبلغه الحجة وتقام عليه المحجة فيرفضها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1424(1/2792)
أجوبة حول الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الله يعلم أن فلاناً سيدخل النار، فلم خلقه؟ وإذا كان كل شيء يحدث بأمر الله وإذنه فلم يدخل العاصين النار بحكم أنهم عصوا الله بأمره وإذنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جواب هذا السؤال موضح في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7460، 2847، 19117، 8652، 25373، 8653، 5492، 25832.
وللزيادة في الموضوع راجع موضوع الإيمان بالقدر ضمن موضوعات العقيدة الإسلامية في موقع الشبكة، وراجع كتاب شفاء العليل لابن القيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(1/2793)
خلق الإنسان وابتلاؤه واقترافه الذنوب.. شبهات متهافتة
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد اليابانيين سؤالا وكان نصرانياً ثم ارتد عن النصرانية بسبب هذا السؤال لماذا لم يخلقنا الله كاملين غير خطاءين؟ لماذا خلقنا ليبلونا ويمتحننا ثم يعذبنا إذا لم نؤمن وحتى لوآمنا وأسلمنا فسوف يعذبنا لا محالة بذنوبنا (وإن منكم إلا واردها) لأن (كل ابن آدم خطاء) وضرب هذا الشخص مثالاً: لو أن أمي ولدتني معوقاً فلن ألومها لأنها أصلا مخلوقة ولا تخلق ولكن الله قادر أن يخلقنا كاملين غير مذنبين فهو يضع كل اللوم على الله الخالق وهو فوق ذلك يعذبنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالنتيجة التي تُوصل إليها في السؤال نتيجة باطلة، لأنها بنيت على مقدمات فاسدة، وما بُني على باطل فهو باطل، وبيان ذلك في نقاط: الأولى: أن الكفر والمعاصي والأخطاء وما يترتب عليها من عقاب راجعة إلى مخالفة أمر الله ونهيه، وليس ذلك متعلقاً بالخلق والإيجاد، فإن الله خلق الإنسان سميعاً بصيراً قادراً، كما قال تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان: 1-3] . فخلقه الله وهداه هداية بيان وإرشاد، فبين له طريق الخير وطريق الشر، ثم مكنّه من الاختيار، فأي إكرام للإنسان فوق هذا الإكرام، وأي احترام للإنسانية فوق هذا الاحترام، ولو أننا سألنا أكثر الخلق هل يحبون أن يكونوا في هذه الحياة مجبورين مقهورين لا يملكون إرادة ولا اختياراً، أو مختارين لهم القدرة والإرادة والاختيار لاختاروا الثاني، فإذا كان الأمر كذلك فكلٌ يتحمل نتيجة سلوكه، ويتحمل مغبة نقصه بعد أن خلقه الله كاملاً في أحسن تقويم، قال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء:79] . فكل حسنة تصيب العبد من صحة وعافية ورزق في الدنيا والآخرة فهي محض فضل من الله. وكل سيئة تصيب العبد في الدنيا والآخرة فهي من نفسه، لأنه قد أوتي قدرة على العمل، واختياراً في تقدير الباعث عليه من درء المضار وجلب المنافع. النقطة الثانية: أنه قامت الأدلة القاطعة في خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان على حكمة الله وعلمه وتقديره، كما قال تعالى: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ... إلى أن قال: ... ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت:9-12] . وقال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [غافر:57] . فإذا اعتقد المؤمن وأيقن بحكمة الخالق جل وعلا وعلمه المحيط وقدرته التي لا يعجزها شيء، فيجب القول بموجب هذا الاعتقاد في كل ما يخلقه الله ويصفه، وفي كل ما يأمر به ويوجبه، وفي كل ما ينهى عنه ويحرمه، وإذا غابت عن العقل البشري الحكمة في جزئية من الجزئيات أو في صورة من الصور لم يكن ذلك مسوغاً لمخالفة تلك الأدلة القاطعة. والله تعالى خلق الخلق على هذه الصورة لحِكَم جليلة ظهر لنا بعضها ولم يظهر البعض الآخر، وقد سبقنا إلى هذا السؤال الملائكة، وأجيبوا جواباً قاطعاً لا يسعنا بعده إلا أن نتيقن حكمة الله، ونطمئن إلى تقديره، قال تعالى حاكياً عن الملائكة: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) [البقرة:30] . فإذا كانت الملائكة لا تعلم فمن باب أولى غيرهم، وليس في منطق العقل أن يحيط المحدود علماً وهو الإنسان المحدود بحدود الزمان والمكان بالمطلق وهو الله تعالى ذو العلم المطلق والقدرة المطلقة، أو يُعقِّب على حكمه. قال تعالى: (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرعد:41] . النقطة الثالثة: أصل هذه الشبهة الفاسدة هو قياس الخالق على المخلوق، وأنه يجب عليه فعل كذا وكذا، وأن الأصح له كذا وكذا، ولا ينبغي له فعل كذا وكذا، وهذا القياس أصل كل بلية، ومنبع كل فساد، فالخالق غير المخلوق، والرب غير المربوب، فكيف يقال له: افعل، أو لا تفعل؟. وهذا ما رده القرآن وأبطله، فقال عن الله عز وجل: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23] . وقال: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفتح:14] . فالمالك القدير له أن يفعل في مملكته ما يشاء، وقد سبق أن أفعاله كلها حكمة، وكلها عدل ورحمة، فالاعتراض على خلقه وتقديره ضرب من الجنون. النقطة الرابعة: وهي تصحيح للفهم الخاطئ للآية الكريمة: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) [مريم:71] . فليس المراد من الورود المكث فيها، أو أنه يصيب المتقين من عذابها وحرها، وسواء قلنا إن الورود الدخول أو المرور، فإن الله يقول وهو أصدق القائلين: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) [مريم:72] . فيجعلها عليهم برداً وسلاماً، كما جعل النار على إبراهيم برداً وسلاماً في الدنيا، فمن ضمن الله له أن يبعد عن النار لا يضره الورود، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ... ) [الأنبياء:101-102] . فعلم من هذا فساد ما ورد في السؤال من حتمية العذاب لكل أحد استدلالاً بهذه الآية. وأما حديث: "كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وصحح إسناده. فحق؛ ولكن لا يلزم أن يُعذب كل خطاء، فرحمة الله وسعت كل شيء، والتائب من الخطأ حبيب الله، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة:222] . وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء:110] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1424(1/2794)
العبرة ليست بكثرة من سيدخل الجنة أو النار
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في العالم بحدود ستة مليار إنسان، فإذا فرضنا من هؤلاء مليار مسلم فقط، فهل سيذهب الباقون جميعهم إلى جهنم باعتبارهم كفار بموجب النصوص الكريمة وما هو موقفهم يوم القيامة، أرجو الإجابة بالتفصيل لأهمية السؤال، ولكثرة المتشككين به؟
والسلام عليكم.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته وحده لا شريك له، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] .
فمن تمرد على الله ورفض عبادته فلا شك أنه في النار، تواترت على ذلك نصوص الوحي والكتاب والسنة، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37 - 39] .
وهذا ما يُسلِّم به العقل السليم والنظر الصحيح، فإن من تمرد على القوانين الأرضية التي وضعها البشر أو رفض أوامر من يحكمون بها فقد عرض نفسه للعذاب المهين في هذه الحياة، وربما قضى عشرات السنين في ظلمات السجون وأليم العذاب، ولا يستنكر هذا لأنها عقوبة قانونية.
فإذا كنا نسلم بأن مخالفة القوانين تستوجب العقوبة من الحاكم وواضعي القوانين.. فكيف لا نسلم بأن مخالف أوامر الله رب العالمين يستحق العقاب؟! وهو سبحانه وتعالى الخالق الرازق.
فالعبرة ليست بكثرة من سيذهب إلى هنا أو هناك، وإنما هي بالطاعة والامتثال، فالله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، كما قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:123، 124] .
ولا يحق لأحد أن يعترض على حكمه سبحانه وتعالى لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] .
ولا تغرنك كثرة المشككين، فإن العاقل إذا سلم بأن الله تعالى هو الخالق لزم من ذلك أن يسلم تلقائيًّا بأنه الآمر الناهي الذي يجب أن يطاع أمره ويجتنب نهيه، كما قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] .
وعليك أن تعلم أن الله جل وعلا قد قال: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] ، وقال: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: من الآية116] .
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم:
5492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1423(1/2795)
اختيارالعبد لا يخرج عن قدرة الله وإرادته
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت ومجموعة من الأصدقاء نتناقش في موضوع تخيير وتسيير الإنسان وبالأخص في العقيدة وقد اختلفت آراؤنا إلى ثلاثة اتجاهات
1-التخيير في العقيدة أكثر من التسيير
2-لا توجد نسبة محددة
3-التسيير أكثر من التخيير
فأي الآراء أصوب؟ وهل هذا الموضوع موضوع خلاف
بين الفقهاء؟ ولو كان كذلك فما هي الآراء المختلفة في هذا الموضوع؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأهل السنة والجماعة مجمعون على أن العبد له اختيار، وأن اختياره لا يخرج عن قدرة الله وإرادته، ولمعرفة المسألة المسؤول عنها انظر الفتوى رقم 5617 والفتوى رقم 4054
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1423(1/2796)
الله قادر على تعطيل الأسباب ومنع نتائجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد إجابة شافية وافية لكي أواجه الدكتور في رأي زنديق حيث يقول إن الله هو من خلق القدر ولكنه ليس له يد فيه وأعطى مثالا على ذلك أنه لو هناك سيارتين تريدان أن تدخلا إلى نفق والنفق لا يسع إلا سيارة واحدة يقول إننا سوف نتوقع حادثاً تقريبا كل خمس دقائق ولكن ليس لنا يد في الأمر كذلك الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان بالقضاء والقدر أصل من أصول الإيمان، وركن من أركانه لا يتم إيمان المرء إلا به، ومعناه الاعتقاد بأن الله تعالى عالم أزلاً بجميع خلقه، وجميع أفعالهم وأحوالهم، وأنه تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ، والإيمان بعموم مشيئته تعالى لجميع الأشياء، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يقع في ملكه شيء لم يرده، وأن أفعال العباد حاصلة بهذه المشيئة كما قال تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً* إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف: 23-24] .
والاعتقاد بأن جميع الأشياء واقعة بقدرة الله، وأنها مخلوقة له لا خالق لها سواه، وما تقدم من عقيدة القدر ثابت بالنص وبالعقل، فأما النص: فما ورد في الكتاب والسنة من الأدلة على ما ذُكر، وهي كثيرة معلومة كقوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] .
وأما العقل: فإن الإيمان بالله تعالى وصفاته العليا من الحياة والقدرة والعلم والحكمة والسمع والبصر والإرادة، يقتضي لا محاله شمول علمه وإرادته وقدرته لكل معلوم ومراد ومقدور لا يُستثنى من ذلك شيء مهما كان حقيراً أو عظيماً، والنتيجة الحتمية لشمول الصفات الإلهية وعموميتها منذ الأزل هي أن تكون كل حادثة كونية معلومة لله ومرادة له.
وهذا الشخص -المشار إليه في السؤال- إما أن يؤمن بالله بصفاته فيلزمه الإيمان بالقدر كما بيناه، وإما أن لا يؤمن بالله فينتقل معه إلى إثبات الخالق الموصوف بصفات الإلهية والخالقية قبل الكلام معه في مسألة القدر.
وبخصوص المثل الذي أورده واستدل به على عقيدته الباطلة يقال: إن من جملة الإيمان بالقدر الإيمان بأن الله تعالى رتب المسببات على الأسباب وربط حدوثها بها، يقول شارح الطحاوية: فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل.
وإذا تقرر ذلك فنقول: إن دخول سيارتين في نفق لا يسع إلا سيارة واحدة، سبب أكيد لتصادم السيارتين إلا أن يشاء الله منعه، وإنما تأكد لنا وقوع الحادث، لأن عادة الله جرت أن المُسبب يتبع سببه وجوداً وعدماً.
لكن الله تعالى قادر على تعطيل الأسباب ومنع نتائجها، ولهذا لم تضر النار إبراهيم عليه السلام حيث ألقي فيها، ولم يُصب يونس عليه السلام بأذى مع بقائه في بطن الحوت، وشرب خالد بن الوليد السم متوكلاً على الله فلم يضره.
وكيف يشك مسلم في أن الله تعالى قادر على إيقاف هاتين السيارتين وحجزهما عن التصادم، والأمر كله إليه، إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1423(1/2797)
كل حظ كتبه الله لعبده سيصله كاملا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نصيب من لم يؤت نصيبا من الحياة الدنيا؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التشاؤم ليس من خلق المؤمن لأنه مناف للإيمان بالقضاء والقدر وهو ركن من أركان الإيمان، لأن الله تعالى كتب رزق العبد وأجله وشقاوته وسعادته، وكل ما يصيبه.
وكل عبد لا يستقبل القضاء والقدر بصدر منشرح ونفس راضية عليه أن يصلح إيمانه ويتدارك خلل اعتقاده قبل أن يفوت الأوان، ونصيب العبد في الحياة ليس مقصوراً على عرض الدنيا!! فهذا أهون من أن يؤرق المؤمن ويقض مضجعه لأنه عنصر كمالي بالنسبة إلى غيره، فأول ما يجب أن يشغل بال المؤمن ويملأ فكره وشعوره هو الإيمان بالله تعالى وبرسله وما يتبع ذلك من لوازم الإيمان الذي هو مفتاح سعادة الدارين، ثم التوفيق للامتثال والاجتناب لما شرع الله لأن العاقبة للتقوى ثم الرضى بالقضاء والقدر، وأن كل حظ كتبه الله لعبده سيصله كاملاً غير منقوص، وأن الله يعلم ما هو خير لعبده في دنياه وأخراه. فيحمده على السراء والضراء، ويعلم أنه رابح في كل ذلك، وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ويقول الله تعالى وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (الشورى: من الآية36)
فما من حال يكون عليه المؤمن إلا هو مطالب بالحمد لأنه في نعم كثيرة تستحق الحمد والشكر وهو معرض لزوالها عنه، وهو معافى من كثير من النقم التي لا يأمن أن تحل به.
وعليه أن يتذكر ذلك ولا يعترض على الله لئلا يخسر الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1423(1/2798)
توضيح إشكال حول السعادة والشقاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء توضيح هذا الكلام وشكراً.....
فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الترمذي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] . فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فأخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلاً مجهولاً. انتهى
إلا أن للحديث شواهد كثيرة يصح بها، والإشكال الذي قد يرد وهو ما سأل عنه الصحابة فلماذا العمل إذن.؟
الجواب عنه هو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم من أن الله يوفق العبد لعمل أهل الجنة إن كان من أهلها، ويوفقه لعمل أهل النار إن كان من أهلها، إلا أن الله سبحانه حكيم عليم، لا يظلم أحدًا، فمن سعى للجنة وفقه الله لعملها، ومن أعرض واستكبر سهل الله له طريق النار، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5 -10] .
وراجع الفتاوى التالية لزاماً:
4054 -
2847 -
5492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1423(1/2799)
قيام الكون على المتناقضات دعوى متهافتة
[السُّؤَالُ]
ـ[في ظل قيام هذا الكون على التناقضات بالضرورة وجود الأسود يقابله بالضرورة وجود الأبيض
وجود الشر يقابله بالضرورة وجود الخير000إلخ، ما ذنبي أنا كإنسان شرير يجب أن أوجد بالضرورة في مقابلك أنت كإنسان خير. وما هي المراجع المتعلقة بهذا الشأن.
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما قلته من قيام هذا الكون على التناقضات غير صحيح، بل أقام الله الكون على التكامل والحق والعدل، يدرك ذلك كل عاقل، قال تعالى: وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الجاثية:22] .
وإذا تأملت أخي - هدانا الله وإياك - في هذا الكون وجدت ما قلناه واضحاً جليّاً في كل شيء، ومن ذلك الليل والنهار ليكتمل اليوم وليكون الليل سكناً والنهار معاشاً، وجعل الأسود والأبيض، وغيرها من الألوان لتكتمل وتتكامل الألوان، وفي السواد من المنافع ما ليس في البياض والعكس كذلك، وجعل الخير والأخيار والشر والأشرار ليكتمل ويتم الامتحان والابتلاء، وجعل سبحانه وتعالى وجود الأنهار مكملاً لوجود الثمار والأشجار، فلا قيام للثاني إلا بالأول، وخلق الله الأرض وبث حولها من الكواكب ما يحفظ اتزانها ويضبط سيرها من خلال الجاذبية فيها، وجعل الشمس ضياء وسبباً من أسباب بقاء الحياة في الأرض، فإن النبات لا يمكن أن يعيش بدون أشعة الشمس وبزوال النبات يزول الإنسان والحيوان، ولو اختل شيءٌ من ذلك لحدث بالكون والكائنات ما لا يعلمه إلا الله الذي خلق، وقد ذكرنا الله ببعض ذلك فقال عن الليل والنهار: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:71، 73] .
ولو صال الفكر وجال في ملكوت الله لإثبات وتقرير تناسق وتكامل هذا الكون لما وسع ذلك المجلدات الكبار.
وأما احتجاجك بالقدر فأنت أول من ترفضه؛ لأنك إن قام أحد بصفعك وركلك وضربك قمت للدفاع عن نفسك، ولم تقل مسكين هذا قدر الله عليه أن يضربني؛ لأنك تعلم في قرارة نفسك أن له مشيئة وقدرة واختياراً، وهكذا في أمر الدين فمن منعك من الهداية والخير وحفظ القرآن والذهاب إلى المساجد والتحلي بمكارم الأخلاق وترك سيئها، وهكذا.
ولمزيد فائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها:
19697 -
12222 -
19117 -
8653 -
5617 -
7460.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(1/2800)
الإنسان يطيع ويعصي بإرادته ومشيئته
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمان الرحيم
أريد أن أسأل سعادتكم عن حكم المتشائم الذي يتمنى الموت اليوم قبل الغد والذي يكره الحياة ويقول إننا نحن البشر مجرد رسوم متحركة لا نسيطر على أنفسنا؟ والشكر الجزيل على جوابكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن تمني الموت في الفتوى رقم:
1691 - والفتوى رقم:
10859.
وأما قول هذا الشخص: إننا نحن البشر مجرد رسوم متحركة لا نسيطر على أنفسنا. فإنه من وساوس الشيطان ونزغاته التي يريد أن يفسد بها على المرء دينه ودنياه وآخرته، فالواجب على هذا الشخص هو أن يتعوذ بالله من الشيطان، ولا يسترسل في هذه الوساوس، وليعلم أن الله سبحانه خلقنا وجعل لنا إرادة ومشيئة نفعل بها ما نشاء، فمن آمن فبمشيئته وإرادته، ومن كفر فبمشيئته وإرادته، ومن أطاع فكذلك، ومن عصا فكذلك، إلا أن الله سبحانه يسهل السبل، ويوفق المرء على حسب ما يأخذ به من الأسباب، فمن أخذ بأسباب الهداية وسعى لها سهلها الله له، ومن أخذ بأسباب الغواية وسعى لها فلا يلومنَّ إلا نفسه، فليجتهد كل واحد في الأخذ بأسباب الهداية والسعي لها، والبعد عن ضد ذلك، وسوف يهديه الله إلى سبل السلام ويشرح صدره وييسر أمره.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال الجميع، وأن يذهب عنا نزغات الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(1/2801)
الإيمان بالقدر لا يعني التخلي عن الأسباب
[السُّؤَالُ]
ـ[الزواج من مقدرات الله وهو رزق فما دور العبد في ذلك؟ مع علمي أن الله يقدر ذلك في ميعاد ووقت محدد عنده ولا دخل للعبد في ذلك.
الرجاء الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد غاب عن ذهن الأخ السائل أن الإيمان بالقدر لا يعني التخلي عن الأسباب، بل إن وقوع المسببات على حسب أسبابها هو من قدر الله تعالى.
فمع إيماننا بأن الله بيده كل شيء، وأنه قدرّ كل شيء، فنحن مأمورون من قبل الله بالأخذ بالأسباب، ونؤمن بأن هذه الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله.
ويجمع ذلك عبارة ابن تيمية حيث يقول: فالالتفات إلى الأسباب، واعتبارها مؤثرة في المسببات شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع. ا. هـ مجموع الفتاوى8/528.
ويقول شارح العقيدة الطحاوية: قد يظن بعض الناس أن التوكل ينافي الاكتساب، وتعاطي الأسباب، وأن الأمور إذا كانت مقدرة فلا حاجة إلى الأسباب، وهذا فاسد، فإن الاكتساب منه فرض، ومنه مستحب، ومنه مباح، ومنه مكروه، ومنه حرام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المتوكلين يلبس لأمة الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب. الطحاوية ص301.
وقال ابن القيم: فلا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى، وإن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، وإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد من هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً. زاد المعاد 3/67.
والحاصل أن تعاطي العبد للأسباب النافعة، سواء في الزواج، أو في الرزق، أو في الدراسة، أو في العلاج داخل في الإيمان بالقدر، ولا ينافيه، وإنما هو مقتضى من مقتضياته، وبغير هذا الفهم للقدر تبطل الحكمة، وتتعطل السنن، وتفسد مصالح الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(1/2802)
من أخذ بأسباب السلامة فسلم فهو مقدر، والعكس مثله
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول الإحصائيات إن أعمار البشر في الدول المتقدمة أطول من أعمار البشر في الدول النامية كيف يكون ذلك والأعمار بيد الله سبحانه وتعالى وهل الاهتمام بصحة الإنسان يزيد من عمره والفقر والعوز وتدني البيئة الحياتية في الدول النامية تقصر من عمر إنسانها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مما يجب اعتقاده وجزم القلب به أن الله عز وجل قد كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض، كما صحت بذلك النصوص.
ومن جملة ما كتبه الله عز وجل أعمار بني آدم.. فقد علم الله عز وجل ما سيكون قبل أن يكون وكتبه فلا يتغير ولا يتبدل؛ بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه أحمد والترمذي من حديث ابن عباس.
ولكن مما ينبغي التنبه له أن الله عز وجل قدر المقادير بأسبابها فعلم أن فلاناً سيأخذ بالسبب المعين فيأتيه المسبب فكتب ذلك كله.
وعلى هذا، فمن أخذ بأسباب السلامة فسلم فإن ذلك مكتوب، ومن ترك أسباب السلامة، أو أخذ بأسباب الهلاك فهلك فإن ذلك مكتوب أيضاً.
فلا يخرج ما يقع عما كتبه الله وقدره.
وبعد هذا نقول للأخ السائل: إن الأخذ بأسباب السلامة قد يكون سبباً لطول العمر إذا كان الله عز وجل قد قدر ذلك: كما أن هناك أسباباً أخرى مثل: صلة الرحم وتقوى الله عز وجل، كما ورد بذلك الحديث وسبقت لنا أجوبة مفصلة في هذا فليراجع الفتوى رقم:
16122 والفتوى رقم: 8120.
فإن صدقت هذه الإحصائيات التي أشار إليها الأخ السائل كانت من هذا الباب، وكان ذلك بقدر الله السابق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1423(1/2803)
من محاسن الدين كون الإنسان مختارا مسئولا عن عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[سبق لي وأن سألت هذا السؤال
إذا كانت أمور الإنسان كلها مقدرة من عند الله ومكتوبة عليه سواء فعل صوابا أو فعل خطأ فعل خيرا أم فعل شرا فكل شيء مقدر عليه سلفا ومكتوب في لوحه منذ خلق الله الخلق وكتب لكل إنسان ماله وما عليه
فإن الله تعالى كتب على كل إنسان منذ بداية خلقه في بطن أمه وبدء تكوينه في رحم أمه كتب الله عليه كل شيء يجري له في حياته
فإذا كان كل ما يجري للإنسان منا في حياته مقدرا من عند الله فلماذا إذا حدث من الإنسان أي خطأ يعاقبه إنسان آخر مثله كأن يرتكب أي معصية من المعاصي؟
أرجو الرد سريعا ودمتم وجزاكم الله عنا خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان أن الإنسان فاعل بالاختيار، وأن علم الله السابق بحاله ومآله لا يعني أن الإنسان مجبور على سلوك طريق معين، وذلك في الفتوى رقم:
8653 والفتوى رقم:
7460.
ولما كان الإنسان يفعل باختياره وإرادته دون أن يشعر بأن أحداً يجبره على فعل معين، لم يكن مستغرباً أن يعاقب على تقصيره في الدنيا من قبل غيره، أو أن يعاقب في الآخرة إذا لم يعف الله عنه.
ولو كان الاحتجاج بالقدر نافعاً في هذا الأمر لقيل للإنسان: لا تأكل ولا تشرب ولا تنفق على أهلك وأولادك، بل ولا تنكح ولا تتزوج، اعتماداً على القدر.
فإن كان مقدراً لك أن تعيش فسيكون ذلك وإن لم تأكل وإن لم تشرب!! وهكذا.... وهذا مما لا يستسيغه صاحب عقل.
ولو رفعت المؤاخذه عن الجاني اعتماداً على القدر السابق لأصبحت الحياة كالغابة الموحشة، يأكل القوي فيها الضعيف لأمنه من العقاب، ولو كلف الإنسان بالصبر وعدم الانتصاف من ظالميه في كل الأحوال لكان ذلك تكليفاً بما لا يطاق، وهذا يعرفه كل إنسان من نفسه، فلو قيل لك: إن فلاناً سيأخذ مالك، ويغصب أرضك، ويعتدي على أهلك، ويؤذيك بأنواع الأذى، وأنك مأمور بالتسليم وعدم الاعتراض، لكون ذلك أمراَ مقدراً، لبادرت إلى الإنكار والاعتراض، وهذا حال الناس جميعاً.
وهذا يؤكد عظمة ما جاء به الإسلام من جعل الإنسان مختاراً، مسئولاً عن أعماله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1423(1/2804)
الثواب أو العقاب مترتب على حرية الاختيار
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الله جل وعلا قد كتب على كل إنسان وقدر عليه الأقدار بكل ما يجري له في حياته من سعادة وشقاء ورزق وتوفيق وخلافه مما هو مقدر من لدن العزيز الحكيم فكيف يؤاخذ العبد ويعاقب في الدنيا من قبل إنسان آخر (الحكومة مثلاً) على شيء قد قدره الله جل وعلا عليه طالما أن الله قد قدر على العبد وكتب عليه هذه المعصية أو هذا الخطأ
شاكرين لكم
وفقكم الله تعالى لما فيه الخير والصلاح
محمود]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى قد خلق في العبد قوة وإرادة بها يتمكن من فعل ما أراد وترك ما لم يُرد، وهذا مما لا يتردد فيه عاقل. فإذا أقدم العبد على فعل شيء يوجب له العقاب، في الدنيا أو في الآخرة، استحق ذلك العقاب، لأنه قد خالف الأمر مختاراً.
وليُعلم أن الله جل وعلا ربط الأشياء بالأسباب، فالجنة تنال بسبب، والنجاة من النار تكون بسبب، والحصول على الرزق يكون بسبب، والحرمان من الرزق يكون بسبب، فإذا فعل العبد السبب المؤدي إلى واحد من هذه الأشياء حصل له المسبب.. إلا إذا شاء الله غير ذلك لمانع من الموانع، وبهذا شهدت أدلة كثيرة من القرآن والسنة والعقل.
أما القرآن فقد ذكر فيه ذلك في كثير من المواطن، كقوله تعالى: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ:17] . وقوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً*وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء:160-161] .
وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] . إلى غير ذلك من الآيات.
وأما السنة فكقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يخطئها. رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني والأرناؤوط.
وكقوله صلى الله عليه وسلم: النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً. رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وأما العقل فإنه يمُلي ضرورة أن إنجاب الولد لابد له من الزواج والجماع، وأن الشبع والري لابد له من تناول الطعام والشراب، وأن اتقاء البرد لابد أن يكون باللباس المناسب، وأن المقاتل لا بد أن يتدرب على القتال قبل دخول المعركة، إلى غير ذلك مما هو معلوم بالعقل.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
9192
14623
14291.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(1/2805)
حقائق حول ذنب آدم وحواء عليهما السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى ذنب آدم وحواء؟
هل ورثنا طبيعتهما؟
وهل وصلتنا الخطيئة أو الذنب بسبب أبوينا الأولين آدم وحواء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد:
فلابد من التأكيد هنا على عدة حقائق ثابتة ومستقرة تتعلق بذنب آدم وحواء عليهما السلام، أولاً: أن ما وقعا فيه من المعصية كان سببه الشيطان، حيث وسوس لهما وأغواهما بالأكل من الشجرة، وأقسم لهما على أنهما إن أكلا من هذه الشجرة فسيكونان خالدين أو ملكين، قال الله تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [لأعراف:20] .
قال الإمام ابن كثير: يقول: ما نهاكما عن الأكل من هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، أي لو أكلتما منها لصرتما كذلك: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [لأعراف:21] . أي: حلف لهما على ذلك كما في الآية الأخرى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) [طه:120] أي: هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع ... الخ. قصص الأنبياء لابن كثير ص 19.
ثانياً: أنهما قد تابا من الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:37] ، وقال سبحانه: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) [طه:121-122] .
ثالثاً: أن ما وقعا فيه من معصية لا يلامان عليه، لأنهما قد تابا منه، ثم إننا لم نرث خطيئتهما ومعصتيهما بذاتها، بمعنى أنه لا يلزم أن كل واحد منا يقع في مثل ما وقعا فيه، وإنما نخطئ لأننا بشر غير معصومين، وأفضلنا هو من يبادر بالتوبة، كما تقدم في الحديث.
ولما حاجَّ موسى آدم عليه السلام ولامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة بسبب خطيئته، أجابه آدم عليه السلام بالحجة القاطعة الظاهرة التي تدفع اللوم عنه، كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "حاج موسى آدم عليه السلام، فقال له: أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم. قال آدم: يا موسى ... أنت الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، أتلومني على أمر قد كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني أو قدره عليّ قبل أن يخلقني؟ قال رسول الله صلى الله عليه: "فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم وموسى" رواه البخاري بهذا اللفظ، ورواه مسلم وأصحاب السنن بألفاظ أخر.
ومعنى (فحج آدم موسى) أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها. ذكره النووي في شرح مسلم، وعند مسلم (قبل أن أخلق بأربعين سنة) .
قال النووي: المراد بالتقدير هنا: الكتابة في اللوح المحفوظ، أو في صحف التوراة وألواحها، أي كتبه عليّ قبل خلقي بأربعين سنة، ولا يجوز أن يراد به حقيقة القدر، فإن علم الله تعالى، وما قدره على عباده، وأراد من خلقه أزليّ لا أول له. وإذا كان الأمر كذلك، فلا نلوم آدم على ذلك.
رابعاً: أنه لابد من الإشارة هنا إلى حقيقة عظيمة مستقرة في ديننا الإسلامي، وهي: أن كل إنسان يحاسب على خطاياه هو، وليس على خطايا من سبقه، كما أنه يحاسب على إضلاله الآخرين ممن يأتون بعده إن كان سبباً في إضلالهم. قال الله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر:38] .
وقال: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21] .
وقال: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً" رواه مسلم وأيضاً: يجازي الله سبحانه الداعي إلى الهدى عمن كان سبباً في هدايتهم، هذا بخلاف ما يدعيه المتبعون للإنجيل المحرف (من كون عيسى عليه السلام ابناً لله) تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. وأنه صلب تكفيراً لخطيئة آدم، وهذا كله باطل لأن عيسى عليه السلام ليس إلهاً، ولا ابن إله بل هو رسول كريم، ثم إنه لم يصلب ولم يقتل، بل رفع إلى السماء، كما قال الله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء:157-158] . ثم إن آدم عليه السلام غير محتاج، ولم يكن محتاجاً يوما إلى من يكفر له عن خطيئته، لأنه قد تاب منها كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1422(1/2806)
الرد على من أنكر القدر وزعم أن إرادة الإنسان هي المؤثرة وحدها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو قول القدرية؟ وكيف يمكن الرد عليهم؟
هناك من يقولون إن إرادة الإنسان وقوة روحه أو قوة تركيزه أو عزيمته هي وحدها المؤثرة. كيف يمكن الرد على هؤلاء؟
هناك من يربطون بين هذا وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)
ويقولون إن الدعاء لا يفيد ولكن اليقين (الإرادة) هي التي تؤثر ويجعلون المسلمين كمن كانوا يعبدون الأصنام. كيف يمكن الرد على هؤلاء؟ كيف يمكن الرد على هؤلاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القدرية هم نفاة القدر، الذين يقولون: لا قدر والأمر أنف، أي مستأنف، وهذا نفي لعلم الله تعالى السابق، واعتقاد أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.
وهذا قول بين الضلال، وهو كفر بالله تعالى، وتكذيب للمعلوم من الدين بالضرورة.
والمعتقد الصحيح الذي تضافرت عليه أدلة الكتاب والسنة إثبات علم الله تعالى السابق، وأنه كتب مقادير الخلائق جميعاً قبل أن يخلقهم، وأنه لا يقع في كونه إلا ما شاء وأراد.
قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49]
وقال: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد:22]
وقال: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125) إلى غير ذلك من الآيات البينات.
وروى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء". وفي الصحيحين -وهذا لفظ مسلم - عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار" قالوا: يا رسول الله فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: " لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) إلى قوله (فسنيسره للعسرى) .
وروى أبو داود في سننه أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال لابنه: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مات على غير هذا فليس مني".
وقد ورد في السنة أحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم في ذم القدرية ووصفهم بأنهم مجوس هذه الأمة، وهي وإن كانت لا تخلو من مقال، إلا أن بعضها يصل إلى درجة الحسن، منها: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم" رواه أبو داود، ورمز له السيوطي بعلامة الصحة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وأول من قال بالقدر: معبد الجهني البصري في أواخر عهد الصحابة، وأخذ عنه غيلان الدمشقي، وقد تبرأ منهم من سمع بهم من الصحابة كعبد الله بن عمر وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن أوفى وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم.
وفي صحيح مسلم عن يحي بن يعمر قال: كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فسألنا عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب… فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر".
ومع إثبات أهل السنة والجماعة للقدر، فإنهم يرون للإنسان اختياراً وإرادة هي مناط التكليف، والعبد وإرادته مخلوقات لله تعالى، وهذا ما أثبته القرآن الكريم وصرحت به السنة النبوية، كقوله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) وقوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وقوله: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في عدة فتاوى، يمكنك الإطلاع عليها من خلال البحث الموضوعي: العقيدة/ أركان الإيمان /الإيمان بالقدر.
ومن هذا يعلم بطلان قول من يقول إن إرادة الإنسان وقوة روحه أو قوة تركيزه أو عزيمته هي وحدها المؤثرة، فإنه لا يقع في كون الله تعالى إلا ما يشاؤه، ولا يستطيع العبد أن يفعل شيئاً إلا إذا أراد الله تعالى ذلك، كما في الآية السابقة (لمن شاء منكم أن يستقيم* وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير:28،29] فأثبت للعبد مشيئة، وأخبر أنها لا تؤثر ولا تنفذ إلا بعد مشيئة الله تعالى، لكن العبد فاعل لفعله حقيقة، ولهذا يحاسب عليه ويجازى.
وأما اشتراط اليقين لإجابة الدعاء فهو كاشتراط طيب المطعم والملبس، وكاشتراط خلو الدعاء من الإثم وقطيعة الرحم، فحضور القلب ويقين الداعي بأن الله سيجبيه سبب لقبول الدعاء، وهو من إحسان الظن بالله تعالى، والله عند ظن عبده به، وقد سبق بيان ذلك تحت الفتوى رقم 9081
وقولهم: الدعاء لا يفيد والمفيد إنما هو اليقين أو الإرادة، خطأ واضح، فإن اليقين هنا يراد به أن تتيقن أن الله سيجيب دعاءك، وهذا لا يكون إلا حيث وجد الدعاء.
ولا وجه لتشبيه المسلم الموحد الذي يفرد الله تعالى بالعبادة ويعتقد أنه الخالق المالك الذي لا يقع في ملكه إلا ما أراد، لا وجه لتشبيه هذا المسلم بعابد الصنم.
وعباد الأصنام كانوا يثبتون القدر، ولكنهم كانوا يحتجون به على جواز الشرك والانحراف، كما قال تعالى (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) [الأنعام:148] والاحتجاج بالقدر على الذنوب والآثام باطل، فإن المشرك يفعل هذا الباطل باختياره، لا يشعر أن أحداً يجبره عليه، فكان واجباً عليه أن يمتثل أمر ربه بتوحيده وترك الإشراك به، وكل هذا في مقدوره وتحت وسعه، وتجد تفصيلاً لهذا الأمر فيما سبق من الفتاوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1422(1/2807)
هداية الله للعبد.. فطرة..أم مجاهدة واكتساب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقو ل الله تعلى في كتابه العزيز الحكيم {إنّك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}
ويقول {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا}
ويقول النبي الكريم " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" إلى آخر الحديث ...
هل معنى هذا أنّ الهداية مكتسبة أم تأتي بالجهد؟
وجزاكم الله عنّا وعن المسلمين خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العبد لا يملك أن يستقل بهداية نفسه إلا بتوفيق الله عز وجل، إلا أنه بعد هذا التوفيق من الله سبحانه وتعالى ينفعه اجتهاده في فعل الطاعات واجتناب المعاصي، وهذا هو معنى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) أي: لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير والرشاد، وهذا المعنى مبيناً في آيات أخر، كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:17)
وقوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة:124)
والهدى يستعمل في القرآن استعمالين: أحدهما عام، والثاني خاص، فأما الهدى العام فمعناه: إبانة طريق الحق وإيضاح الحجة سواء سلكها المبيّن له أم لا، ومنه بهذا المعنى، قوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (فصلت:17) أي بينا لهم طريق الحق، ومنه قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الانسان:3) وأما الهدى الخاص فهو: تفضل الله على العبد بالتوفيق، ومنه بهذا المعنى، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (الأنعام:90)
وقوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125) وبهذا يرتفع الإشكال بين قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56)
مع قوله (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52)
لأن هدى الناس المنفي عنه صلى الله عليه وسلم هو الهدى الخاص لأن التوفيق بيد الله وحده، وإلى هذين المعنيين ترد كل الأعمال المسندة إلى العبد، فإن المهتدي هو من هداه، الله وبهدي الله اهتدى، وبإرادة الله تعالى كان ذلك، لا أنه مستقل بالهدى، ولا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة ……"الحديث، وبين الآيتين اللتين في نص السؤال، لأنه معنى الفطرة المذكورة في الحديث هي ما أخذ عليهم في أصلاب آبائهم، وأن الولادة تقع عليها حتى يحصل التغيير بالأبوين، وقد تقدم الكلام في الجمع بين الآيتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(1/2808)
شبهات حول القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى "من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له " وبناء عليه فإننا مهما التزمنا فلن نهتدى إلا إذا أراد الله. فلماذا نحاسب على ما ليس لنا فيه تصرف؟ . وبما أننا خلقنا على قدرات ونفوس مختلفة فكيف لى أن أطلب من سيارة أقصى سرعة لها 200 أن تتساوى مع سيارة سرعتها 500. فما دمنا لسنا مثل بعض فى القدرات فلماذا الواجبات واحدة.
وما دامت القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء. فالناتج أن الأمر كله ليس لنا شأن به. فربما أكون ملتزما وأعمل كل الواجبات ثم يقلب الله قلبى فانقلب دون ذنب منى؟ . أرجو الأفادة بالأدلة والمنطقيات وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار، ويحكم لا معقب لحكمه، كما قال: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) . [الأنبياء:23]
والله عز وجل عدل لا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة (وما ربك بظلام للعبيد) [فصلت:46] (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) . [النساء:40]
وأن يعتقد أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كما قال سبحانه وتعالى: (من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) [الأعراف: 187] وقوله تعالى: (ومن يضلل فلا هادي له) [الأعراف:168] وغير ذلك من الآيات. لكن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب العبد إلا على فعله وكسبه وتصرفه. فقد أعطاه عقلاً وسمعاً وإدراكاً وإرادة ليعرف الخير من الشر، والضار من النافع، قال تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) [التكوير:28] وقال: سبحانه: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [الشمس:9-10] (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) [الإنسان:3] وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية.
فقولك (فلماذا نحاسب على ما ليس لنا فيه تصرف) خطأ ظاهر، فإن كل عاقل يدرك أنه فاعل بالاختيار، يأتي المعصية باختياره وإرادته، كما يقوم بالطاعة بإرادته واختياره، وعلم الله السابق بحال هذا الإنسان ومصيره لا يعني أن الإنسان مجبور على سلوك طريق معين، بل قد جعل الله له الاختيار. (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) . [الكهف:29]
وأما قولك (وبما أننا خلقنا على قدرات ونفوس مختلفة….فلماذا الواجبات واحدة) .
فجوابه: أن الشريعة لا تساوي بين الناس في التكاليف والواجبات، فأهل الأعذار لهم من الأحكام ما يناسبهم، كما أن لأهل القدرة ما يناسبهم، ولهذا شرع التيمم، والمسح على الخفين، وقصر الصلاة، والصلاة قاعداً ومستلقياً، والفطر في الصوم، والحج عن الغير، وغير ذلك من الأحكام المعلومة التي تراعي حال الكبير والمريض والعاجز.
وأما الفروق الحاصلة بين الناس في الهمة والإرادة والعزيمة، فهذه راجعة إليهم، وهم مطالبون بترقيتها وتنميتها، ويتفضل الله على من يشاء من عباده بمزيد إحسانه وتوفيقه، لا سيما لمن أقبل عليه وأخذ بأسباب الهداية قال تعالى: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) [مريم:76] وقال سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) . [العنكبوت:69]
وأما قولك (وما دامت القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فالناتج أن الأمر ليس لنا فيه شأن به) جوابه: أنك مطالب بالعمل الذي هو راجع لاختيارك وإرادتك - كما سبق- ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حيث قالوا: فيم العمل؟ " عملوا فكل ميسر لما خلقه" متفق عليه.
فلا أعجب في هذا الإنسان الذي يدع ما أمر به، وهو في مقدرته، ويجادل في شيء غائب عنه، لم يطلب منه البحث فيه، وهو يرى الناس من حوله يجتهدون ويحصلون ويفوزون بالدرجات.
وقولك (فربما أكون ملتزماً وأعمل كل الواجبات ثم يقلب الله قلبي، فأنقلب دون ذنب منى) فإن الله تعالى (لا يضيع أجر من أحسن عملاً) وما هو بظلام للعبيد، وهو يحب المحسنين، وهو عند ظن عبده به، وهو أرحم بعبده من الوالدة بولدها.
ولهذا تكون سوء الخاتمة -عياذاً بالله من ذلك- لأهل التفريط والتقصير، أو لأهل الاجتهاد المدخول الذي صاحبه رياء وسمعة، فهو محسن فيما يبدو للناس، لكن الله أعلم بنيته وقلبه.
فالواجب على السائل أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يعلم أن الله لا يظلم مثقال ذرة، وأنه هو الغفور الرحيم الكريم الجواد، يسبغ على عباده ألوان النعم رغم تقصيرهم وعصيانهم، بل مع كفرهم وطغيانهم.
وعليك أن تشتغل بما ينفعك، وأن تدأب في تحصيل الطاعة لتفوز مع الفائزين، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، وكن متشبها بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، لم يكن معرفتهم بالقدر وسبق القلم، وآيات الهداية والإضلال موجباً لقعودهم عن الأعمال، بل دفهم ذلك إلى بذل ما في وسعهم رضي الله عنهم، فهنيئاً لهم، ونسأل الله أن يلحقنا وإياك بهم، وأن يدخلنا في زمرتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1422(1/2809)
لماذا نحاسب على أمور مقدرة علينا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى "من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له " وبناء عليه فإننا مهما التزمنا فلن نهتدى إلا إذا أراد الله. فلماذا نحاسب على ما ليس لنا فيه تصرف؟ . وبما أننا خلقنا على قدرات ونفوس مختلفة فكيف لى أن أطلب من سيارة أقصى سرعة لها 200 أن تتساوى مع سيارة سرعتها 500. فما دمنا لسنا مثل بعض فى القدرات فلماذا الواجبات واحدة.
وما دامت القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء. فالناتج أن الأمر كله ليس لنا شأن به. فربما أكون ملتزما وأعمل كل الواجبات ثم يقلب الله قلبى فانقلب دون ذنب منى؟ . أرجو الأفادة بالأدلة والمنطقيات وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار، ويحكم لا معقب لحكمه، كما قال: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) . [الأنبياء:23]
والله عز وجل عدل لا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة (وما ربك بظلام للعبيد) [فصلت:46] (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) . [النساء:40]
وأن يعتقد أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كما قال سبحانه وتعالى: (من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) [الأعراف: 187] وقوله تعالى: (ومن يضلل فلا هادي له) [الأعراف:168] وغير ذلك من الآيات. لكن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب العبد إلا على فعله وكسبه وتصرفه. فقد أعطاه عقلاً وسمعاً وإدراكاً وإرادة ليعرف الخير من الشر، والضار من النافع، قال تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) [التكوير:28] وقال: سبحانه: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [الشمس:9-10] (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) [الإنسان:3] وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية.
فقولك (فلماذا نحاسب على ما ليس لنا فيه تصرف) خطأ ظاهر، فإن كل عاقل يدرك أنه فاعل بالاختيار، يأتي المعصية باختياره وإرادته، كما يقوم بالطاعة بإرادته واختياره، وعلم الله السابق بحال هذا الإنسان ومصيره لا يعني أن الإنسان مجبور على سلوك طريق معين، بل قد جعل الله له الاختيار. (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) . [الكهف:29]
وأما قولك (وبما أننا خلقنا على قدرات ونفوس مختلفة….فلماذا الواجبات واحدة) .
فجوابه: أن الشريعة لا تساوي بين الناس في التكاليف والواجبات، فأهل الأعذار لهم من الأحكام ما يناسبهم، كما أن لأهل القدرة ما يناسبهم، ولهذا شرع التيمم، والمسح على الخفين، وقصر الصلاة، والصلاة قاعداً ومستلقياً، والفطر في الصوم، والحج عن الغير، وغير ذلك من الأحكام المعلومة التي تراعي حال الكبير والمريض والعاجز.
وأما الفروق الحاصلة بين الناس في الهمة والإرادة والعزيمة، فهذه راجعة إليهم، وهم مطالبون بترقيتها وتنميتها، ويتفضل الله على من يشاء من عباده بمزيد إحسانه وتوفيقه، لا سيما لمن أقبل عليه وأخذ بأسباب الهداية قال تعالى: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) [مريم:76] وقال سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) . [العنكبوت:69]
وأما قولك (وما دامت القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فالناتج أن الأمر ليس لنا فيه شأن به) جوابه: أنك مطالب بالعمل الذي هو راجع لاختيارك وإرادتك - كما سبق- ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حيث قالوا: فيم العمل؟ " عملوا فكل ميسر لما خلقه" متفق عليه.
فلا أعجب في هذا الإنسان الذي يدع ما أمر به، وهو في مقدرته، ويجادل في شيء غائب عنه، لم يطلب منه البحث فيه، وهو يرى الناس من حوله يجتهدون ويحصلون ويفوزون بالدرجات.
وقولك (فربما أكون ملتزماً وأعمل كل الواجبات ثم يقلب الله قلبي، فأنقلب دون ذنب منى) فإن الله تعالى (لا يضيع أجر من أحسن عملاً) وما هو بظلام للعبيد، وهو يحب المحسنين، وهو عند ظن عبده به، وهو أرحم بعبده من الوالدة بولدها.
ولهذا تكون سوء الخاتمة -عياذاً بالله من ذلك- لأهل التفريط والتقصير، أو لأهل الاجتهاد المدخول الذي صاحبه رياء وسمعة، فهو محسن فيما يبدو للناس، لكن الله أعلم بنيته وقلبه.
فالواجب على السائل أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يعلم أن الله لا يظلم مثقال ذرة، وأنه هو الغفور الرحيم الكريم الجواد، يسبغ على عباده ألوان النعم رغم تقصيرهم وعصيانهم، بل مع كفرهم وطغيانهم.
وعليك أن تشتغل بما ينفعك، وأن تدأب في تحصيل الطاعة لتفوز مع الفائزين، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، وكن متشبها بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، لم يكن معرفتهم بالقدر وسبق القلم، وآيات الهداية والإضلال موجباً لقعودهم عن الأعمال، بل دفعهم ذلك إلى بذل ما في وسعهم رضي الله عنهم، فهنيئاً لهم، ونسأل الله أن يلحقنا وإياك بهم، وأن يدخلنا في زمرتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1422(1/2810)
رد شبهة حول حديث "هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي"
[السُّؤَالُ]
ـ[قال أحد الدعاة إن الله خلق الناس ثم قال هذه المجموعة للجنة ولا أبالي وهذه للنار ولا أبالي وأن من كتبت عليه الشقاوة أزلا سوف يدخل النار لا محالة ولواجتمع من فى الأرض جميعا وأن هذا هو العدل المطلق فكيف يكون عدل أن يدخل النار من خلق وهو مكتوب عليه دخولها أزلا. وقال إن الله هو الرحمن الرحيم وسعت رحمته كل شىء ولكن أكثر الناس سيكونون من أهل النار وليس العكس. أرجو المعذرة ولكن الكلام أربكني. أرجو التوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أيها السائل الكريم وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح أن الله عدل حكيم، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على أرض التسليم والاستسلام، وأن الخوض في القدر مزلة أقدام، ومضلة أفهام، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يتجادلون في القدر، فغضب صلى الله عليه وسلم حتى كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: "أبهذا أمرتم؟ أن تضربوا كتاب الله عز وجل بعضه ببعض، إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما هنا في شيء، انظروا إلى الذي أمرتم به فاعملوا به، وانظروا الذي نهيتم عنه فانتهوا" رواه عبد الله بن أحمد في السنة.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا ذكر القدر فأمسكوا" رواه الطبراني وحسنه المباركفورى في تحفة الأحوذي، وما ذلك إلا لخفاء في أمر القدر، وصعوبة في فهمه عند أكثر الناس، ويوم خاض الناس في القدر وعصوا أمره صلى الله عليه وسلم تفرقوا شيعاً وأحزاباً.
وبعد هذه المقدمة التي لم نرد منها إلا بيان خطورة الخوض في القدر، نبين المذهب الحق الذي عليه سادات الأمة من الصحابة، وأئمة الهدى في القرون الثلاثة المفضلة، فنقول وبالله التوفيق، مراتب القدر أربعة:
الأولى: العلم، ومعناه: إحاطة علم الله بكل شيء، فالله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
الثانية المشيئة، ومعناها: أن كل ما يجري في الكون وما جرى هو بمشيئة الله سبحانه، فلا يخرج شيء عن إرادته ومشيئته.
الثالثة: الكتابة، بمعنى أن الله كتب ما قضاه وقدره في اللوح المحفوظ، قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام:38] وقال صلى الله عليه وسلم: " أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال رب، وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء" رواه الترمذي وصححه.
الرابعة: الخلق، فالله سبحانه وتعالى خالق كل شيء من الخير والشر. قال تعالى: (ذلكم الله ربكم، لا إله إلا هو، خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل) [الأنعام:102] فإذا تبين لك ذلك كان لزاماً أن تنزل على مراتب القدر ما أشكل عليك فهمه من قوله صلى الله عليه وسلم: " ثم خلق الله آدم، ثم خلق الخلق من ظهره، ثم قال: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي". رواه الحاكم وقال صحيح. فنقول وبالله التوفيق: إن الحديث متعلق بمرتبة العلم، فالله عز وجل قد علم عمل كل طائفة، فقال عن طائفة أهل الإيمان: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وقال عن طائفة أهل الكفر: هؤلاء للنار ولا أبالي.
ولا يشعر أحد من الطائعين أو العاصين أنه مجبور على فعل من الأفعال، بل كل منهم يفعل باختياره وإرادته. وما كتب عليهم شيء مجهول لهم، لا يعرفه واحد منهم، وإنما يعرف الخير والشر الذي أمامه، فمنهم من يتقي الله ومنهم من يعصيه. كل منهم يفعل ما يفعل مختاراً، مع أمرهم جميعاً بالخير، ونهيهم عن الشر والكفر، وتكافؤ الفرص أمام الفريقين في المؤاخذة والعذر.
وليس معنى هذا أن أعمالهم خارجة عن مشيئة الله وإرادته، بل هي بمشيئته سبحانه، فمن شاء الله هدايته للخير هداه وأعانه عليه، ومن شاء إضلاله منعه التوفيق فلم يعنه ولم يثبته. وليس في ترك إعانة من لم يعنه ظلم لهم، إذ لم يمنعهم حقاً لهم.
والمؤمن يوقن بأن الله تعالى غني عن خلقه، وأنه عدل رحيم لا يظلمهم مثقال ذرة، بل هو سبحانه ينعم عليهم ويتفضل، وهم يتبغضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم نازل، وشرهم إليه صاعد. فكيف يظن العبد أن الله تعالى سيظلمه؟!
فإن فهمت هذا فقد انحلت لك عقدة القدر، وإلا فيكفيك قوله صلى الله عليه وسلم "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" متفق عليه.
وكِلْ علم ما لم تعلمه إلى عالمه، واشتغل بما كلفك الله به، ودع ما لم تكلف به. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1422(1/2811)
التوفيق بين قوله تعالى (فبما أغويتني) وقول آدم (أفتلومني على أمر قدر قدره الله علي ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة في الشبكة الإسلامية وفقكم الله لخير المسلمين، سؤالي على النحو التالي:
ما وجه المفارقة بين قوله تعالى على لسان إبليس " فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم " وقول آدم عليه السلام في محاجة موسى إيّاه (أتلومني بأمر قد كتبه الله علي) أو كما قال صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اعتقاد أهل السنة في قوله تعالى (فبما أغويتني) هو: أن الله تعالى أضل إبليس وخلق فيه الكفر، ولذلك نسب الإغواء في هذا إلى الله وهو الحقيقة فلا شيء في الوجود إلا وهو مخلوق له سبحانه، صادر عن إرادته تعالى، فيهدي من يشاء. ويضل من يشاء قال سبحانه على لسان نوح (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون) [هود:34] فغواية إبليس أرادها الله قدراً، ولم يردها شرعاً. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث محاجة موسى وآدم أن آدم قال: (أفتلومني على أمر قد قدره الله علىَِّ قبل أن أخلق بأربعين سنة، قال فحج آدم موسى) فإن آدم لم يحتج بالقدر على الذنب، وإنما احتج بالقدر على المصيبة، وهذا هو اعتقاد أهل السنة، أن القدر يحتج به في المصائب، ولا يحتج به في الذنوب والمعايب. وانظرالفتوى رقم (5617) ، (4733) . (ضمن البحث المتقدم) والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1421(1/2812)
قول الملحد: ماذا كان يفعل الله قبل خلق الدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السادة الأفاضل.. إنني أحمل اليكم سؤالاً غريبا وأنا في الحقيقة خجل من أن أسأل عنه أحداً أساساً، ولكن أريد أن أسمع إجابة شافية.
أما بعد فإنني شاب مسلم ولقد تربيت على الإسلام وأنا الآن أدرس في الولايات المتحدة وهناك الكثير من شياطين الإنس والجن كما تعلمون! وفي أحد الأيام سألني أحد الملحدين الذين لا هم لهم إلا الإنكار (أستغفر الله) . المهم قد قال: مادام الله قادر على كل شيء كما تؤمن أنت فهل يستطيع الله أن يخلق صخرة كبيرة بحيث لا يستطيع هو تحريكها؟ وقال أيضا: , بما أنك تؤمن أن الله خلق الدنيا في سبعة أيام وخلق آدم وحواء فماذا كان يفعل الله قبل ذلك؟؟ أرجوكم سامحوني على هذه الأسئلة الغريبة فأنا خجل حقا منها وأرجو من الله أن يغفر لي هذه الجرأة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطريقة السلف الصالح الإعراض عن مجالسة أهل الأهواء والشبهات، لأن مجالستهم تمرض القلب، وتورث الشبهة، وتوقع في الريب. لا سيما من لم يكن مؤهلا لذلك برسوخه في العلم، ودرايته بالمناظرة وآدابها.
ولهذا ننصحك بتجنب ذلك ما أمكنك.
وأما قول هذا الملحد: هل يستطيع الله ... إلخ كلامه الباطل، فجوابه أن الله تعالى على كل شيء قدير، ومن كان قادراً كيف يخلق صخرة لا يستطيع تحريكها؟! وما المخلوق بالنسبة للخالق؟! إن هو إلا كذرة في الفضاء يحركها الله تعالى كيف يشاء، ويعدمها حين يشاء. وهل يصل خيال الإنسان إلى صخرة أعظم من السموات أو الأرض أو الأفلاك؟!
والسموات والأرض يطويها الله تعالى يوم القيامة.
فهذا السؤال خطأ من أصله، فالله قادر على أن يخلق هذه الصخرة الكبيرة، وهو قادر على إفنائها، وإعدامها فضلا عن تحريكها، وافتراض أنه يعجز عن ذلك نفي للقدرة.
والله تعالى ليس كمثله شيء، ولا تُضرب له الأمثال، ولا يسأل عما يفعل سبحانه، ولا يفعل إلا لحكمة جل وعلا.
وآثار قدرته وعظمته واضحة جلية، لا تخفى إلا على من أعمى الله بصيرته، فليتخيل هذا الملحد أعظم مخلوق يراه، أو يسمع عنه من بحر أو جبل أو كوكب، ثم ليعْلم أن هذا المخلوق لم يوجد صدفة، ولم يسر على هذا الترتيب البديع الدقيق، إلا بمسير ومقدر عظيم هو الله سبحانه وتعالى.
وليعتبر الإنسان بأبسط المخترعات، فلو نظر إنسان إلى "مصباح كهربائي"، وزعم أن مادته وأسلاكه اجتمعت صدفة، ثم تشكلت بهذا الشكل، وأنارت دون تدخل من صانع، لكان كلامه هذا من جنس كلام المجانين، أفيكون هذا العالم وما فيه من مخلوقات عظيمة موجوداً بنفسه صدفة؟!
قال الله تعالى: (أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون) [الطور: 35، 36] .
وقد وجه الله الإنسان لينظر في نفسه، وما حوله مما خلق الله، ليتعرف على عظمة الله وقدرته: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [الذاريات: 21] .
(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) [الغاشية: 17-20] .
وأما سؤاله عن الله تعالى وفعله قبل خلق آدم وحواء والسموات والأرض.
فالجواب: أن الله تعالى أخبرنا عن خلق السموات والأرض، وعن خلق آدم، وعن خلق القلم الذي كتبت به مقادير الخلائق، وأخبرنا عن وجود الملائكة والجن قبل خلق آدم، فالواجب الإيمان بذلك، والسكوت والإمساك عن الغيب الذي لم يطلعنا الله عليه مع الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق والخلاق العليم، وأن الخلق صفة من صفاته، ثابتة له سبحانه كسائر صفاته، ولا يتوقف ثبوتها على وجود هذه المخلوقات التي نعلمها، بل لم يكن الله تعالى معطلاً عن صفة الخلق، لكنه لم يخبرنا عن مخلوقاته، فنؤمن بما أخبر ونسكت عما عداه.
قال الإمام الطحاوي في عقيدته التي تلقاها الأئمة بالقبول: (خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة. ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بخلقهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، كما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً. ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم.) انتهى.
والقاعدة التي يقوم عليها الإيمان: قوله تعالى، (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء: 23] .
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1421(1/2813)
الفرق بين معصية آدم عليه السلام ومعصية إبليس اللعين
[السُّؤَالُ]
ـ[عصى آدم ربه فتاب عليه وأخرجه من الجنة وأرسله إلى الأرض وعصى إبليس ربه فأخرجه من رحمته وأوجب عليه النار فلماذا لم يتب عليه هو الآخر ثم كيف عصى إبليس ربه وهو مسير وليس مخيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
1- فيجب أن يعتقد المسلم أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار، ويحكم لا معقب لحكمه، (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) ، وهو عدل لا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة (وما ربك بظلام للعبيد) (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) .
2- ولا مقارنة بين آدم عليه السلام وإبليس اللعين، فإن آدم رجع إلى ربه واستغفر من ذنبه وقال مع زوجه: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) [الأعراف: 23] .
أما إبليس فإنه أبى واستكبر وكان من الكافرين، فامتنع من السجود، وأبى عن الانقياد، فقال الله تعالى له (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين) [ص: 70] . فلم يحدث توبة، ويظهر أوبة وإنما تمادى في طغيانه وعناده فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) [ص: 76] .
فأي عناد فوق هذا العناد؟! وأي تمرد على الخالق المنعم بعد هذا التمرد؟!.
وواصل طغيانه وعناده وإصراره على الكفر فقال (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) [ص: 82، 83] .
فكيف يسوى بين التائب المستغفر، والمعاند المصر المستكبر (فما لكم كيف تحكمون) ؟!
أما قولك (كيف عصى إبليس ربه وهو مسير وليس مخيراً) فجوابه أن إبليس وغيره من الجن والإنس مخيرون في باب الطاعة والمعصية والإيمان والكفر، فلهم مشئية وقدرة واختيار كما قال الله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف: 29] .
وقال: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) [الإنسان: 3] .
وقال: (لمن شاء منكم أن يستقيم) [التكوير: 28] .
وقال: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [الشمس: 9، 10] .
ولهذا تنسب الأفعال إليه، فيقال: أطاع وعصى، وآمن أو كفر، ولو لم يكن له اختيار لم ينسب إليه شيء من ذلك، لكن إرادة العبد ومشيئته لا تنفذ إلا بأمر الله تعالى كما قال: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير: 29] .
وليعتبر كل إنسان بنفسه ومن حوله، فكيف كتبت أنت هذا السؤال ورتبت ألفاظه وحروفه وقمت بإرساله؟.
أكنت مجبراً على ذلك، أم كان هذا بمحض اختيارك؟! وهذا في سلوك طريق الخير وطلب العلم.
وقد يسلك الإنسان سبيل الشر فيكتب كلاما محرماً، ثم يرسله إلى جهة ما، فهل يحدث هذا باختياره أم جبراً عليه؟!.
فآدم عليه السلام حين عصى عصى باختياره، وحين تاب تاب باختياره أيضاً، وإبليس قد أقدم على الكفر والعصيان والتمرد مريداً لذلك مؤثراً له على الإيمان والطاعة والانقياد، مع دعوته إليه وإقامة الحجة عليه فاستحق اللعنة إلى يوم الدين، ولن يجد شفقة في قلوب عباد الله المخلصين. والحمد لله رب العالمين.
وللوقوف على توضيح لمسألة التخيير والتسيير يمكنك الإطلاع على إجابة السؤال رقم 4054 والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1421(1/2814)
خلق الإنسان للابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الله يعلم مصير كل إنسان قبل أن يخلقه، هل هو من أهل الجنة أم من أهل النار. فلماذا خلق الله الإنسان إذن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الحياة هي دار ابتلاء حيث يبتلي الله عباده بإرسال الرسل وإنزال الكتب، فمن صدق بالرسل وعمل بما في الكتب كان من أهل الجنة ومن أهل السعادة ومن كذب كان من أهل الشقاء وأهل النار. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يعمله الناس أهو أمر قد قضي وفرغ منه أم أمر مستأنف، فقال بل أمر قد قضي وفرغ منه، فقالوا: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له ". وقد قال الله تعالى: (إنَّ سعيكم لشتّى، فأمّا من أعطى واتّقى وصدَّق بالحُسنى فسنيسّره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعُسرى) [الليل: 4-10] . فعلى كل أحد أن يعمل ويبحث عن مواطن الهداية ويدعو الله أن يرزقه الثبات على الدين، وأن يعلم أن الله تعالى قد خلق الخلق وهو يعلم أرزاقهم وآجالهم وماهم عاملون، ونحن نرى أكثر الناس يستشكلون أمر السعادة والشقاوة، ولايستشكلون أمر الرزق ونحوه، وهي من باب واحد من جهة خفائها عن الخلق وأن علم الله قد سبق فيها.
وأما الاحتجاج بكونه سبحانه يعلم مصير كل فرد من مخلوقاته فهذا أمر طبيعي للإله القادر العليم.
وكيف يكون رباً للأشياء وهو لا يعلم مصيرها ولا ما تؤول إليه: فالإله الذي يجهل مستقبل مخلوقاته ولا يدري هل سيعصونه أم سيطيعونه،
ولا يدري من الذي سيعذب منهم ولا من سيرحم، لا يستحق أن يكون إلها، لعدم إحاطة علمه بما خلق، والله سبحانه وتعالى علمه محيط بكل شيء من مخلوقاته ولذا قال: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [الملك: 14] .
وهو الذي يفعل ما يشاء كيف يشاء لا دخل لأحد من خلقه في فعله جل وعلا، قال تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء: 23] .
وقد أخبرنا سبحانه أنه خلق الجن والإنس لعبادته وطاعته، فقال " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " [الذاريات:56] .
وفي إيجاد الإنس والجن، وابتلائهم بالتكاليف، ثم مجازاتهم على أعمالهم ظهور لآثار أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، فهو الخالق الرازق المحيي المميت، وهو الرحمن الرحيم، والحكيم العليم، وهو ناصر المؤمنين ومخزي الكافرين، وهو الديان الذي يحاسب عباده ويجازيهم على أعمالهم، وهو المنتقم الجبار، الذي ينتقم لأوليائه من أعدائه، وهو الموصوف بكمال العدل والإحسان جل وعلا.
ثم إن هذا اللون من الأسئلة لا ينبغي للمؤمن التشاغل به، فالمتشاغل بذلك لا يأمن أن يتساقط إيمانه شيئاً فشيئاً، والواجب أن نثق بحكمة الله وعدله، وأنه لايعذب أحدا بغير ذنب استحقه وأنه يعفو عن كثير. وقاعدة ذلك التسليم لأمر الله، مابلغته عقولنا وما قصرت عن فهمه، وأن العجز والقصوروالخلل فينا لافي حكمة الله تعالى، بل هو سبحانه: (لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسئَلون) [الأنبياء: 23] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2815)
الحكمة من خلق الخير والشر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هناك عدة أسئلة محيرة لي: لماذا خلق الله الشر؟ إذا كان الله خالق كل شيء فلابد أن يكون خالق الشر؟ ثانيا كيف يأمرنا الله بفعل الخير وهو يخلق الشر؟ أليس من الأفضل خلق إنسان يفعل الخير فقط؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيا أخي الكريم: بادئ ذي بدء ينبغي عليك أن تعلم أن فتح الباب لمثل هذه الأسئلة على نفسك قد يوقعك في كثير من الشكوك والحيرة التي لا حدود لها.. والذي ينبغي في حقك أن تسلم بأقدار الله تعالى وتؤمن بها خيرها وشرها حلوها ومرها، فهذا أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة ألا وهو الإيمان بالقدر.
ثم اعلم أن أهل العلم قد ذكروا أنه ليس من الأدب أن يوصف الله بأنه أراد الشر بعباده وإن كان سبحانه هو خالقه وموجده. ويستدلون بمثل قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80] ، وبمثل قول الجن كما في سورة الجن: (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) [الجن:10] ، فنبي الله إبراهيم لم يقل وإذا أمرضني، والجن لما ذكروا الشر ذكروه بالفعل المبني للمجهول، ولما ذكروا الخير أضافوه إلى ربهم وهذا من أدبهم، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالدعاء المأثور في قيام الليل ومنه: "والشر ليس إليك".
فإذا قال قائل: إننا نرى مثلاً بعض الشرور تحصل، وذلك كالأمراض، وكذلك نرى المعاصي والفجور وغير ذلك، فيقال أولاً: إن أفعال الله سبحانه وتعالى كلها خير وحكمة وليس فيها شر بإطلاق، وإن كانت شراً على بعض الخلق بسبب كسبهم واختيارهم.
ثانياً: الشر هذا الذي نراه إنما هو في مقدوراته ومفعولاته، ويوضح هذا أننا نجد في بعض المخلوقات المقدورات شراً كالحيات والعقارب، ونجد الأمراض والفقر والجدب وما أشبه ذلك، فكل هذه بالنسبة للإنسان شرا لأنها لا تلائمه، لكن باعتبار نسبتها إلى الله هي خير لأن الله لم يقدرها إلا لحكمة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها. وليس هذا موضع تفصيل، لكن عليك أخي بمعرفة هذا القدر، ثم اعلم أن الله تعالى قد أرشدنا في كتابه أن لا نقحم أنفسنا بمثل هذه التساؤلات وإنما علينا الانقياد والتسليم، قال الله تعالى: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1423(1/2816)
(اعملوا فكل ميسر لما خلق له)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سئلت: لماذا خلق الله عز وجل الدنيا ومن عليها والآخرة وهو تعالى يعرف من سيكون كافراً ومن سيكون مسلماً وقد خلقنا تعالى وهو كذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقد خلق الله الحياة الدنيا لحكمة ذكرها في كتابه حيث قال: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور) [الملك:2] . فهذه الحياة هي دار ابتلاء حيث يبتلي الله عباده بإرسال الرسل وإنزال الكتب، فمن صدق بالرسل وعمل بما في الكتب كان من أهل الجنة ومن أهل السعادة ومن كذب كان من أهل الشقاء وأهل النار. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يعمله الناس أهو أمر قد قضي وفرغ منه أم أمر مستأنف، فقال بل أمر قد قضي وفرغ منه، فقالوا: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له ". وقد قال الله تعالى: (إنَّ سعيكم لشتّى، فأمّا من أعطى واتّقى وصدَّق بالحُسنى فسنيسّره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعُسرى) [الليل: 4-10] . فعلى كل أحد أن يعمل ويبحث عن مواطن الهداية ويدعو الله أن يرزقه الثبات على الدين، وأن يعلم أن الله تعالى قد خلق الخلق وهو يعلم أرزاقهم وآجالهم وماهم عاملون، ونحن نرى أكثر الناس يستشكلون أمر السعادة والشقاوة، ولايستشكلون أمر الرزق ونحوه، وهي من باب واحد من جهة خفائها عن الخلق وأن علم الله قد سبق فيها. والواجب أن نثق بحكمة الله وعدله، وأنه لايعذب أحد بغير ذنب استحقه وأنه يعفو عن كثير. وقاعدة ذلك التسليم لأمر الله، مابلغته عقولنا وما قصرت عن فهمه، وأن العجز والقصوروالخلل فينا لافي حكمة الله تعالى، بل هو سبحانه: (لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسئَلون) [الأنبياء: 23] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2817)
لا يجوز أن يقال إن الإسلام قاس في الأحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقال إن الإسلام قاس في الأحكام؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام لا يجوز، لأن أحكام الإسلام هي أحكام الله تعالى الصادرة من الرحيم الحكيم العدل العليم بمصالح العباد، فهو أعلم بهم وبما يصلحهم، وأرحم بهم من أنفسهم ومن جميع الخلق، ويجب على العبد أن يرضى بالإسلام دينا ويذعن لما فيه من الأحكام، فقد قال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65} .
وفي الحديث: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1430(1/2818)
لا يدخل مواقع الضلال إلا المتسلح بالعلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحتم أنا أعاني من مشكلة أريد حلا لها: أنا الحمد لله محافظ على الصلوات الخمس وخصوصا الفجر في الجماعة، لكن مرة دخلت أحد المواقع المسيحية فقط من باب الفضول وقرأت بعض المقالات ولا أنكر لكم أني بدأت أشك بالدين الإسلامي، مع العلم أني لم أنطق بأي كلمة كفرية لكن ما زال الشك يلازمني. فماذا أفعل بارك الله فيكم لأني أعرف أن الشك بالدين كفر مخرج من الملة. فهل هذا الكلام صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم الذي لم يتسلح بالعلم الشرعي أن يدخل على مثل هذه المواقع لئلا تنطلي عليه شبهات وأوهام أهل الضلال، بل يجب على المسلم أن يفرغ وقته في طلب العلم الشرعي كما قدمنا في الفتاوى: 66840، 103203، 95852، 104958.
واعلم أن العبد يجب عليه اليقين بصحة الإسلام وبما تدل عليه كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل لوجوب اليقين بذلك قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. {الحجرات: 15} . وقال في شأن المنافقين: وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ. {التوبة: 45} .
وإذا كان ما يخطر في بالك مجرد خواطر ترد على القلب ولا تستقر فيه ولم تتكلم به فنرجو ألا يكون مخرجا لك من الملة، وراجع في خطر الشك في الدين ووسائل الثبات عليه الفتاوى: 122636، 15219، 67273، 56097، 75056.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(1/2819)
لا حرج على من سمع كلام كفر إن أنكره وبين خطأه
[السُّؤَالُ]
ـ[إن والدي يعاني من فشل كلوي مزمن، ومنذ زمن أخذ المرض منه كل قوته، فأصبح لا يقوى على الحراك ونقوم بحمله للانتقال إلى مركز الغسيل بمعدل 3 مرات في الأسبوع وخدمته بكل طاقتنا، لكنه في الفترة الأخيرة اشتد عليه المرض فكان يدعو على نفسه بالموت، ويتحدث إلى الله بأسلوب لا يليق أبدا بالذات الإلهية كما يقوم ـ والعياذ بالله ـ بنعت الله بصفات لا تنسب إلى الله، ويتحدث بها بصوت عال أمامنا مما يجعلنا مشمئزين منه وبالرغم من نصحنا له بعدم قول ذلك، ومع بيان جزاء الصابرين، ولكنه يصر على هذا الكلام، كلما اشتد عليه المرض. وللعلم أننا جميعا نقوم بخدمته وجلب الأطباء إلى المنزل كما أننا لا نقصر في علاجه، لكن مرضه مزمن وينال منه، كما أحب أن أضيف أن قواه العقلية سليمة وأنه يعلم الصواب من الخطإ، أرجو من فضيلتكم أن ترشدنا، ما الحكم في مثل هذا الكلام الذي يصدر منه في التطاول علي الله ودعائه بطريقه تخرج عن الأدب مع الله بصوت عال يسمعه كل من حوله؟ وهل يقع علينا ذنب ونعتبر شركاءه لعدم قدرتنا على منعه؟.
أرجو الإفادة. أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهدي والدكم، وأن يلهمه رشده ويكفيه شر نفسه، وأن يثيبكم ويجزيكم خيرا على نصحه وإرشاده وخدمته وإعانته.
ومثل هذا الكلام المذكور في السؤال قد يخرج صاحبه من الملة ـ والعياذ بالله ـ فيخسر دنياه وآخرته. والواجب عليكم أن تستمروا في نصحه وتوجيهه وإرشاده، وأن يكون اهتمامكم بهذا الجانب لا يقل عن اهتمامكم بخدمته وتمريضه، لأن ذلك يتعلق بآخرته، فبينوا له أن الدنيا دار ابتلاء وأن الآخرة خير وأبقى، وأن من تسخط على قضاء الله فلن يضر إلا نفسه، وسيبوء بسخط الله، ولن يغير من الواقع شيئا، على أن السخط لا يزيد الأمر إلا شدة، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ. رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه، وحسنه الألباني.
أما لو صبر المبتلى واحتسب الأجر، فإنه يوفى أجره بغير حساب، حتى يُغبط على ذلك يوم القيامة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وقد سبق لنا بيان أن الدنيا دار ابتلاء، وبيان بعض ثمرات الابتلاءات والمصائب وفوائدها، في الفتويين رقم: 51946، ورقم: 16766.
فأعرضوا ذلك على والدكم، واجتهدوا في الدعاء له بالعافية في دينه ودنياه.
وأما مسألة اشتراككم في الإثم لسماعكم هذه الشناعات، فهذا متوقف على موقفكم منه، فإن أنكرتم هذا الكلام وبينتم له خطأه ونصحتم له، فقد أديتم ما عليكم، ولا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وهذا هو ظاهر حالكم في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1430(1/2820)
كيفية نصح من يسب الله علنا
[السُّؤَالُ]
ـ[اليوم سمعت شابا أعرفه يسب الله عز وجل، فطلبت منه أن يتقي الله ولا يسب الله جل في علاه، وأنه هل يرضى أن تسب أمه، فإن الله أحب إلينا من أمهاتنا، وذلك كان بصوت مرتفع يعبر عن غضبي واستيائي لما قال، ثم هممت بالانصراف من جانبه، فأعاد الكرة، ثم مكث يسب ويسب، سب الله عز وجل بدون انقطاع فأثار غضبي جدا فلم أشعر عدت وضربته بلكمة على وجهه حتى يسكت.
فأريد أن أعرف حكم ما فعلته بارك الله فيكم؟ وإن كنت مخطئا فكيف أصلح الوضع رغم أنها كانت ردة فعل غير شعورية، وبالمرة كيف يجب أن تكون المعاملة مع من يسب الدين ويسب الله عز وجل في الشارع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك غيرتك، وأحبك كما أحببته، وما فعلته بذلك الشاب أقل مما يستحقه، لكن أمر ذلك ليس إلى آحاد الناس، وإنما ينفذ حكم الشرع فيه ولي أمر المسلمين.
فإن من يسب الله أو يسب دينه وهو يعي ما يقول فهو كافر كفرا مخرجا من الملة، ويجب رفع أمره إلى ولي أمر المسلمين ليقوم بتنفيذ ما تعلق به من أحكام المرتد، ويعامل معاملة أمثاله من المرتدين، فلا يناكح ولا يتوارث معه، وتفارقه زوجته إلى غير ذلك من الأحكام.
وأما أنت فاحرص على نصح هذا الشاب وبيان عظيم ما فعل، وإن كان هجره قد يفيد في زجره وردعه فإنه يهجر، أما إن رجيت هدايته بالتواصل معه فذاك. فالهجر وتركه يدور حكمه مع المصلحة الشرعية في ذلك.
وعموما فإن من يسب الله ودينه ويجاهر بذلك، يجب أن ينكر عليه ذلك، لكن بحكمة وهدوء، وإن كان رفع أمره للقضاء مجديا وجب ذلك.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 52463، 20346، 119656.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1430(1/2821)
حكم من صار سب الدين عادة له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الذي يسب الدين كافرا كفرا أكبر مخرجا من الملة لا بد لفاعله أن يدخل في الدين مرة أخرى؟ والذي يتكرر منه هذا الأمر فأصبح عادة له ما حكمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا في الفتويين: 133، 48551. بيان أن أهل العلم قد أجمعوا على أن سب الدين كفر بالله عز وجل، فإذا وقع من مسلم فقد ارتد عن الإسلام والعياذ بالله، ولا يعذر بالجهل.
وعلى ذلك فمن سب الدين -والعياذ بالله- وجب عليه أن يراجع دينه مرة أخرى بتوبة صادقة، والذي ننصح به من وقع في ذلك أن يغتسل ويشهد الشهادتين ويتوب إلى الله تعالى، وأن يكثر من الاستغفار والعمل الصالح، وأن يعلم أن باب التوبة مفتوح أمام العبد من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها.
قال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين أو تنقصه، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو انتقصه، أو استهزأ به؛ فإنه يكون مرتدا كافرا حلال الدم والمال، يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وبعض أهل العلم يقول: لا توبة له من جهة الحكم بل يقتل، ولكن الأرجح إن شاء الله أنه متى أبدى التوبة وأعلن التوبة ورجع إلى ربه عز وجل أن يقبل، وإن قتله ولي الأمر ردعا لغيره فلا بأس، أما توبته فيما بينه وبين الله فإنها صحيحة، إذا تاب صادقا فتوبته فيما بينه وبين الله صحيحة. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: الاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه؛ لقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فإذا تاب الإنسان من أي ردة توبة نصوحاً استوفت شروط التوبة فإن الله تعالى يقبل توبته اهـ.
والذي يكرر هذا الأمر حتى أصبح عادة له هو على خطر عظيم، ومع ذلك فإن خُتم له بتوبة نصوح قبلت منه، وقد سبق أن بيَّنا أن تكرر الردة لا يؤثر في قبول التوبة في الفتوى رقم: 51043.
- وأما اختلاف العلماء في قبول توبة من تكررت ردته فإنما هو في قبول توبته في الظاهر، أما في ما بينه وبين الله فإن حقق شروط التوبة فإنها مقبولة، وراجع في ذلك الفتويين: 54989، 118361.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1430(1/2822)
الموافقة على شرط يؤدي إلى الكفر بين الحرمة والإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أنه إذا كان هناك في عقد ما شرط قد يؤدي بالمسلم إلى الكفر إذا وافق عليه ولكن الضرورة هي التي أجبرته على ذلك السؤال هو:
هل إذا قام الإنسان بمعصية حتى ولو صغيرة هل يؤدي ذلك إلى الكفر لأن كثيرا من المسلمين يستخدمون جهاز الكمبيوتر في معصية الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يوافق على شرط يؤدي به إلى الكفر بالله؛ إلا أن يضطر إلى ذلك ضرورة ملجئة بحيث إذا لم يوافق على هذا الشرط هلك أو تلف منه عضو، فله في هذه الحالة أن يوافق على هذا الشرط في الظاهر ولا يلتزم به في الباطن، بل يكون قلبه مطمئنا بالإيمان، قال تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل: 106}
وإذا ارتكب المسلم معصية غير الشرك وتكذيب الرسل وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ونحو ذلك من نواقض الإيمان فإنه لا يكفر بذلك، وراجع الفتوى رقم: 10765، والفتوى رقم: 16907، والفتوى رقم: 6617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(1/2823)
حكم لبس الحجاب مع بغضه
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت حديثا عن نواقض الإسلام المكفرة وهي عشرة، ومنها أن يبغض المسلم شرع الله سبحانه وتعالى حتى ولو عمل به، ووجدت هذا الشيء ينطبق علي، حيث إنني ارتدي الحجاب منذ عشرة أشهر وغير سعيدة به، أبغضه ولا أحبه وأجبر نفسي عليه انصياعا لأمر الله تعالى، فهل هذا ينقض إسلامي وأكفر به حسب النواقض العشرة، وهل أخلعه ليصبح ذنبي أقل من الكفر والبغض؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على كل مسلم أن يحب ما أحبه الله محبة توجب له الإتيان بما أوجب، وأن يكره ما يكره الله كراهية توجب له الكف عما حرم، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض، فارتداؤك للحجاب أمارة على حبك لله وانصياعك لأمره، وأمارة على الإيمان -إن شاء الله- أما ما تشعرين به من بغض فهو من وسوسة الشيطان والنفس التي غالباً ما تكره النافع المفيد، وليس هو البغض الموجب للكفر، فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم واقرئي القرآن بتدبر، وكذلك تفسير ما يشكل عليك فسوف يذهب عنك هذا الشعور، قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82} ، قال الإمام الطبري: يستشفى به من الجهل والضلالة ويبصر به من العمى للمؤمنين ورحمة لهم. انتهى.
أما الكره الذي ذكره أهل العلم الموجب للكفر، فهو كره القرآن لما فيه من التوحيد والتكاليف المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم، وكره أهل التوحيد وحب أهل الكفر، قال الإمام الطبري عند قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ: كرهوا كتابنا الذي أنزلناه على نبينا محمد وسخطوه فكذبوه وقالوا سحر مبين. انتهى.
وقال ابن القيم: هذا شأن من ثقلت عليه النصوص فرآها حائلة بينه وبين بدعته وهواه فهي في وجهه كالبنيان المرصوص. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(1/2824)
نواقض الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[الأمور التي تنافي التوحيد مع الدليل؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا فتاوى عديدة ذكرنا فيها نواقض الإسلام ومنها الفتوى رقم: 10765.
فنوصيك بمراجعتها حيث إنها قد تضمنت إحالات على أجوبة كافية في موضوع السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1424(1/2825)
من ارتد ثم تاب فعليه أن يغتسل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذ الموقع وبعد فأنا شاب ابن التاسعة عشر وكنت أعيش فى ما مضى مع أقوام من أهل الصوفية، وقد وقعت فى بعض نواقض الإسلام وأنا أجهل ذلك ولكنى الآن تبت والحمد الله مع العلم بأني لم أغتسل حين تبت ولم أكن أعلم حينئذ أني خارج من الملة، وكانوا يقولون لنا إن البلوغ عند سن الثامنة عشرة وإن بلغ المرء قبل ذلك ببعض الأمور الأخرى فلا يكتب عليه حتى يبلغ تلك السن وكنت أترك الصلاة وأنا ابن الخامسة عشرة والسادسة عشرة ولا يوجهونني كما يجب فهل على قضاء وكيف فأنا تلميذ أدرس في الثانوية وهل يجوز أن أتنفل وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنرجو الله تعالى أن يتقبل توبتك ويثبتك على الحق، لكنك أخطأت عندما تركت الاغتسال عند توبتك ما دمت ذكرت أنك قد وقعت في بعض نواقض الإسلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعض من أسلموا أن يغتسلوا، كما هو الشأن مع قيس بن عاصم كما في الترمذي والنسائي وكذلك ثمامة بن أثال كما رواه أحمد، وما قيل لك من كون سن البلوغ ثمانية عشر، فهذا غير مجمع عليه عند أهل العلم، فعند الإمام الشافعي وأحمد أن سن البلوغ خمسة عشر، قال الشافعي في الأم: السن الذي يلزمه بها الفرائض، من الحدود وغيرها خمسة عشر والأصل فيه من السنة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد عبد الله بن عمر عن الجهاد وهو ابن أربعة عشر وأجازه ابن خمس عشرة.
والبلوغ له علامات أخرى وليس السن فقط وهي:
- خروج المني بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لمعاذ خذ من كل حالم ديناراً. رواه أبو داود.
- إنبات الشعر الخشن حول القبل بدليل ما روى عطية القرظي قال: كنت من سبي قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت في من لم ينبت. رواه الترمذي هذا بالنسبة للذكر وتزيد الانثى بعلامتي الحيض والحمل.
أما تركك للصلاة فهو من أكبر المعاصي والمنكرات، وبعض أهل العلم يرى كفر من تركها عمداً بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة. رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي.
وقوله أيضاً: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه الخمسة.
وقال الإمام مالك والشافعي: من تركها كسلاً تطلب منه التوبة، فإن لم يصلِّ قبل خروج الوقت قتل، وأما من تركها منكراً لوجوبها فهو كافر بإجماع الأمة.
أما قضاء ما تركته من الصلوات قبل التوبة، فإن الذي رجحه كثير من أهل العلم أنه لا قضاء عليك إن شاء الله، بدليل حديث المسيء صلاته فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء ما فات مع أنه قال له: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ.
ولكن يجب عليك الابتعاد عن مواطن السوء وكل ما يؤدي إلى فساد دينك، وعليك بالإكثار من الاستغفار، سائر الطاعات، وصحبة أهل الخير، عسى الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويمكنك الرجوع إلى الفتوى رقم: 8500
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1424(1/2826)
سب الله تعالى كفر في أية حالة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من سب الله عز وجل وهو في حالة غضب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سب الله تعالى يعد كفراً مخرجاً من الملة، سواء كان الساب في حالة غضب أو كان في حالة رضا، وسواء كان جاداً أو كان هازلاً، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.... [التوبة:65-66]
وقد تقدم التفصيل في حكم سب الله تعالى في الفتوى رقم:
8927 والفتوى رقم:
767.
والواجب على من بدر منه ذلك الآن هو التوبة الصادقة والندم والاستغفار والرجوع إلى الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(1/2827)
نسيان العباد العهد الذي أخذه عليهم ربهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحكمة بإننا لا نذكر يوم أقسمنا لله أننا عباده وسوف نعبده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه أخبرنا في محكم كتابه أنه لما خلق أبانا آدم عليه السلام أخذ العهد على ذريته أن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئاً، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ* أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ {الأعراف:172-173} ، فقد أقر الجميع في تلك المرحلة، ولكنهم عندما جاءوا إلى دار الدنيا والشهوات سقط أكثرهم في الامتحان فاتبع هواه وأشرك بالله تعالى، وقد روى ابن كثير في تفسيره لهذه الآية أن ابن عباس قال: إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها إلى يوم القيامة فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه ... انتهى.
فالله تعالى فطر خلقه على توحيده وعبوديته، فجاءتهم الشياطين الإنسية والجنية فاجتالتهم عن دينهم فاستجابوا لهم وامتنعوا عن طاعة الرسل واتباعهم وأبى أكثرهم إلا أن يشركوا بالله، قال ابن كثير في تفسير آية الأعراف: يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال الله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. وفي رواية: على هذه الملة. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم. انتهى.
فهذا العهد ثابت بنص الوحي والعبد يولد مقراً به ولكنه يتأثر بواقعه بعد ذلك وقد مثل شيخ الإسلام ابن تيمية لتأثير الواقع على الفطرة فقال: ومثل الفطرة مع الحق مثل ضوء العين مع الشمس، وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس، وكذلك أيضاً كل ذي حس سليم يحب الحلو إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مراً، ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالعقل، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلماً، وهذه القوة العلمية والعملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع ... هي فطرة الله التي فطر الناس عليها. انتهى.
ثم اعلم أن الله تعالى لما انحرف الناس عن التوحيد بعث خيرة خلقه، وهم رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، مذكرين بعهد الله ومبشرين بوعد الله من أطاعه، ومنذرين من وعيده من عصاه، فكان من الناس من أطاع الرسل، ومنهم من اتبع الشيطان واغتر بأكاذيبه وغروره، قال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ {البقرة:213} ، وقال تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ* وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ {الصافات:71-72} ، وقال تعالى إخباراً عن إبليس وهو يخطب أمام جماهيره في النار: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {إبراهيم:22} ، فهذا العهد ثابت كما ذكرنا وعدم تذكرنا له لا نعلم حكمة فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1429(1/2828)
علامات الإيمان والولاية ومحبة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعرف الشخص أنه مؤمن وليس منافقا مع أن سيدنا عمر شك في نفسه فنحن من باب أولى أن نشك في أنفسنا؟ وكيف يعرف أنه من أولياء الله؟ وما معنى أنه من أولياء الله؟ وكيف يعرف أن الله يحبه؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
يعرف الشخص أنه مؤمن بتحقيقه لأركان الإيمان بالله تعالى وفعله الطاعات واجتنابه للمعاصي، فإذا حقق هذا فقد أحرز الإيمان إن شاء الله تعالى، وراجع الفتوى رقم: 47159.
والنفاق نوعان: اعتقادي وعملي، وقد سبق تفصيلهما في الفتوى رقم: 49398، والخوف من النفاق علامة خير فقد كان السلف الصالح يخافون منه كما ثبت ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وغيره، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 68464.
وأولياء الله تعالى هم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة، فقد حققوا الإيمان بالله تعالى واتصفوا بتقواه فمن أحرز ذلك فهو من جملة أولياء الله تعالى.
قال أبو حيان في البحر المحيط: أولياء الله هم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة، وقد فسر ذلك في قوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، وعن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولياء الله فقال: هم الذين يذكرون الله برؤيتهم يعني السمت والهيئة. وعن ابن عباس: الإخبات والسكينة. وقيل: هم المتحابون في الله. قال ابن عطية: وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي، وإنما نبهنا هذا التنبيه حذرا من مذهب الصوفية وبعض الملحدين في الولي. انتهى. وإنما قال حذرا من مذهب الصوفية لأن بعضهم نقل عنه أن الولي أفضل من النبي وهذا لا يكاد يخطر في قلب مسلم. انتهى.
وقال ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم ربهم فكل من كان تقيا كان وليا: أنه لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلون من أهوال القيامة. وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما ورراءهم في الدنيا. انتهى.
ومن علامات حب الله تعالى لعبده المؤمن ما يلي:
1. توفيقه للازدياد من الخير والطاعات.
2. توفيقه للتوبة.
3. التوفيق لحفظ جوارحه من المعاصي.
4. أن يوضع له القبول في الأرض ويحبه المؤمنون.
وراجع الفتوى رقم: 20634، والفتوى رقم: 21885.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1428(1/2829)
كيف تكون مؤمنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أن يكون المؤمن يؤمن بالدين الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدين الإسلامي هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لجميع الأمم، به ختم الله الرسالات، قال تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا {المائدة: 3} وقد وضع الله تعالى لهذا الدين أسسا وقواعد وضوابط وأركانا، فأركان الإيمان ستة، وأركان الإسلام خمسة، وهذا لا يعني أن الدين الإسلامي كله منحصر فيها، بل هناك من الشعب الإيمانية والآداب الإسلامية الكثير، ومثل هذه الفتوى لا تحيط بها ولا تلم بأطرافها، لكننا نحيلك على الكتب التي تفيدك في هذا المجال ومن أهمها:
1 ـ كتاب الإيمان، للأستاذ الدكتور محمد نعيم يا سين.
2 ـ مجموعة الأستاذ الدكتور عمر سليمان الأشقر في أركان الإيمان.
3 ـ تعريف عام بدين الإسلام للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله.
وراجع الفتويين رقم: 5935، 25251.
ولمعرفة كيفية الدخول في دين الإسلام راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38608، 26368، 8832، 13069، 17454، 23420.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1427(1/2830)
الإسلام والإيمان متداخلان ومتلازمان
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد:
أريد أن أعرف هل يمكن أن يكون المؤمن غير مسلم والمسلم أن يكون غير مؤمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام معناه: الاستسلام والخضوع والانقياد لأوامر الله تبارك وتعالى، والإسلام بهذا المعنى: هو الأعمال الظاهرة كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور الذي رواه مسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام: أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتوتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا.
وأما الإيمان فمعناه: التصديق. ولهذا عرفه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور فقال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
فالإيمان بهذا المعنى باطن، وكلاهما ينوب عن الآخر ويقوم مقامه إذا ذكر وحده، فإذا قيل: هذا الشخص مؤمن فمعناه أنه مسلم، وإذا قيل مسلم فمعناه أنه مؤمن، ولهذا قال أهل العلم: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، أي إذا ذكرا معاً فإن لكل منهما معناه الخاص، كما جاء في الحديث، وإذا ذكر أحدهما دون الآخر فإنه يتضمن الآخر غير المذكور.
وعلى هذا؛ فالإسلام والإيمان متداخلان ومتلازمان فالذي ينطق بالشهادتين ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة لا يكون لعمله قيمة إلا إذا كان مؤمنا بقلبه بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.... وإلا فهو منافق يقول بلسانه ما ليس في قلبه.
ومن اعتقد بقلبه الإيمان بالله وملائكته.... ولم تعمل جوارحه بمقتضى ذلك من النطق بالشهادتين وإقام الصلاة.... فإنه لا قيمة لإيمانه ولا ينفعه عند الله تعالى، قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14] .
ويمكن أن يوصف المسلم بأنه غير مؤمن إذا كان يطبق أحكام الإسلام في الظاهر حسب ما يبدو للناس، ولكن قلبه غير مقتنع بذلك، ولا يؤمن به كحال المنافقين والأعراب الذين أسلموا وقالوا: آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم..... فأنزل الله تعالى في شأنهم: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] .
ولكن لا يوصف الشخص بالإيمان إلا إذا كان مسلماً أصلاً لأن الإيمان خاص، أما الإسلام فإنه عام يوصف به من نطق بالشهادتين وعمل بالأحكام الظاهرة.
والحاصل أن المسلم في الظاهر يمكن أن يكون غير مؤمن، أما المؤمن فلا يمكن أن يكون إلا مسلماً وراجع الفتوى رقم: 19304.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1423(1/2831)
أعمال القلوب وأهميتها في الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن لا مشاحة في الاصطلاح، ما دام لا ينبني عليها حكم، أما إذا انبنى عليها حكم فإنه يفرق بينها، ووجدت الكاتب ضرب مثلا بالأعمال القلبية بين ـ قول القلب، وعمل القلب ـ وقال إن الدليل جاء مفرقا بينها ولم يذكره.
فما هوهذا الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن الإيمان يشمل قول اللسان وهو التكلم بشهادة التوحيد، ويشمل قول القلب وهو اليقين والتصديق والاعتقاد لهذه الكلمة ولما يجب اعتقاده من أمور الدين.
ويشمل ذلك عمل القلب والجوارح، وعمل القلب هو: الإخلاص وحب الله والخوف منه إلى غير ذلك من أعمال القلوب.
ويدل لوجوب اليقين بهذه الكلمة ما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة رضي الله عنه: اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لاإله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة.
ومن المعلوم أن كفر المنافقين حصل بسبب عدم تصديق قلوبهم لما تنطق به ألسنتهم، فقد قال الله تعالى في شأنهم: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ {المنافقون:1} .
ويدل لأعمال القلوب قوله تعالى في وجل القلوب وإنابتها وإخباتها: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {الأنفال:2} .
وقوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {الحج:54} .
وقوله تعالى: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ {ق:33} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1430(1/2832)
وجه دلالة قوله تعالى "ولكن الله حبب إليكم الإيمان" أن الإيمان قول وعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما وجه ذكر الصلاة والصيام في كتب العقيدة ككتاب أعلام السنة المنشورة، حيث أورد سؤالاً: ما دليل الصلاة والزكاة، وأورد قوله تعالى "ولكن الله حبب إليكم الإيمان" عند قوله الإيمان قول وعمل، فما وجه دلالة الآية على أن الإيمان قول وعمل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصلاة والصوم من أركان الإسلام والمؤلف رحمه الله بين مراتب الدين الثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان، وفي بيانه للإسلام ذكر معناه وأركانه الخمسة وأدلتها.. وأما قوله تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ {الحجرات:7} ، فهو دليل على أن الإيمان من أعمال القلوب وأقوالها، وقد ذكر المؤلف إن الإيمان يشمل قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، كما أشارت الآية إلى أن الإيمان يشمل جميع الطاعات.
قال محمد بن نصر المروزي: لما كانت المعاصي بعضها كفر وبعضها ليس بكفر فرق بينها فجعلها ثلاثة أنواع: نوع منها كفر، ونوع منها فسوق، ونوع عصيان ليس بكفر ولا فسوق، وأخبر أنه كرهها كلها للمؤمنين، ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان وليس فيها شيء خارج عنه لم يفرق بينها فيقول حبب إليكم الإيمان والفرائض وسائر الطاعات، بل أجمل ذلك فقال: وحبب إليكم الإيمان، فدخل في ذلك جميع الطاعات. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1429(1/2833)
حكم من يقول: إن الإيمان أصل والعمل كمال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يُرمَى بالإرجاء من يقول: "إنَّ الإيمان أصل والعملَ كمال (فرعٌ) "؟ وجزاكم الله خيراً وبارك فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 17836 أن جنس العمل شرط في صحة الإيمان، ولكن لا يصح أن يرمى من يقول بأنه شرط كمال بالإرجاء لسببين:
الأول: إنه ليس كل قائل بذلك يرتضي مذهب المرجئة؛ بل منهم من يعادي هذا المذهب وينفر منه داعياً لمذهب أهل السنة، فكيف يرمى بعد ذلك بما يفر منه؟ خاصة إن كان من أهل العلم المشهود لهم بالفقه والدين والورع والمنافحة عن الحق وأهله، ومن المعلوم أنه ليس أحد معصوماً بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن زلة العالم تغتفر كما أنها تجتنب.
الثاني: أن له في ذلك سلفاً من أهل العلم الذين هم من أهل السنة في الجملة، وهم وإن كانوا خالفوا أهل السنة بذلك إلا أنهم لم يخرجوا عن كونهم منهم.
والذي ينبغي التنبيه عليه في هذا الشأن أن هذه المسألة لا ينبغي أن تشغل المسلمين والدعاة إلى الله لدرجة أن يتعادوا من أجلها ويتنافروا ويتدابروا إذا اتفقوا على لزوم العمل وأهميته؛ إذ الخلاف حينئذ يقرب أن يكون لفظياً، وإن كان خلافاً حقيقياً فإنه يكون لمجرد إصدار حكم على تاركي الأعمال بالكفر، وهذا لا بد أن يسبقه دعوة الواحد من هؤلاء وإقامة الحجة عليه، ويستبعد أن يدعي أحد الإسلام ثم يعرض على السيف ويختار الموت على أن يعمل بشيء من الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(1/2834)
حكم إيمان لا يعتقد بمس الجن للإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من لا يؤمن بمس الجن للإنسان يعتبر إيمانه ناقصا ... فتاة من الأهل تدرس في الجامعة وفي الآونة الأخيرة أصبحت لا تستطيع الدراسة حتى أنها تفتح الكتاب وتريد أن تدرس ولكن لا تستطيع، وتحس بآلام في الجسم وتعب وإرهاق حتى إنها بالأمس كانت تقول بأنها كانت تؤدي صلاة المغرب وهي غير مستريحة، فهل بها مس من الجن أو سحر، وما هو العلاج؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مس الجن للناس ثابت باتفاق أهل السنة والجماعة، ويدل له قول الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ {البقرة:275} .
وفي الصحيحين: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها.
وبناء على ثبوته فإن من أنكره بعد علمه بدلالة نصوص الوحي عليه يعتبر ناقص الإيمان.
وأما تشخيص حالة هذه البنت فليس من اختصاصنا وننصحكم بالعلاج بالرقية الشرعية والطب النبوي فإن الرقية تشرع للمصاب وغيره، كما قال النووي.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 80694، 4310، 5252، 36246، 68860.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(1/2835)
الإيمان يزيد وينقص والأعمال داخلة في مسمى الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الرد على جماعة حزب التحرير الذين يقولون إن الإيمان الذي هو التصديق الجازم لا يزيد ولا ينقص وإنما التقوى واليقين يزيدان وينقصان؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيعرف أتباع حزب التحرير الإيمان بأنه التصديق الجازم الذي يقوم عليه دليل، وقالوا إن هذا الإيمان لا يزيد ولا ينقص، والذي يزيد وينقص عندهم هو ثمرات هذا الإيمان، وهذا مبني على أصل عندهم وهو أن العمل ليس داخلا عندهم في مسمى الإيمان، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص، وقد نقل بعض أهل العلم إجماع الصحابة والتابعين على هذا، فيمكنك مراجعة الفتويين: 12517، 17836.
وقد حمل أتباع هذا الحزب الآيات التي دلت على زيادة الإيمان ونقصانه على أن المقصود بها ثمرات الإيمان لا الإيمان نفسه، وهذا تحكم منهم لا دليل عليه، وأما الأحاديث فقالوا هي أحاديث آحاد لا يحتج بها في العقيدة، وقد بينا في فتاوى سابقة أن الحديث إذا ثبتت صحته فهو حجة في العقائد والأحكام. وراجع الفتوى رقم: 68449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(1/2836)
لا إيمان بدون توحيد لله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن نقول بأنه ليس كل موحد مؤمنا وليس كل مؤمن موحدا، بل ربما يكون موحد كافرا ومؤمن كافر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام لا يصح إذا أريد الإيمان والتوحيد بالمعنى الاصطلاحي المعروف عند أهل السنة والجماعة، فلا إيمان بدون توحيد لله، ولو حصل لكان المشرك مؤمناً وهذا لا يصح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(1/2837)
جواب شبهة حول إيمان من ترك الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[رقم الفتوى: 17836 عنوان الفتوى: جنس العمل شرط في صحة الإيمان تاريخ الفتوى: 06 ربيع الثاني 1423 / 17-06-2002 السؤال بالله عليكم اين الحقيقة
هل العمل في الإيمان شرط كمال أم شرط صحة مع الدليل وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان كما هو معروف عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل، قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل اللسان.
وقول القلب هو: الاعتقاد والتصديق، وعمله هو: الإخلاص والحب والخوف والرجاء وسائر أعمال القلوب التي هي واجبة باتفاق أئمة الدين.
وقول اللسان هو: النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمهما، وعمل الجوارح ما لا يؤدى إلا بها، وهي تابعة لأعمال القلوب ولازمة لها.
فالقلب إذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، وعدم الأعمال الظاهرة دليل على انتفاء الأعمال الباطنة، يقول الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] . وقال تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة:81] . فالباطن والظاهر كما هو واضح في الآيات متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، إذا تقرر ذلك فالذي يعد شرطا في صحة الإيمان هو جنس العمل، فترك جنس العمل مخرج من الملة، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
قوله تعالى: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47] .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول. انظر الفتاوى 7/142.
ويقول في موضع آخر: من الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج لله بيته، فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح.
ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار كقوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ*خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم،42-43] . مجموع الفتاوى 7/611.
أما العمل الذي هو شرط في كمال الإيمان فهو آحاده وأفراده، فمن ترك واجباً من الواجبات الشرعية أو ارتكب معصية، نقص إيمانه لكن لا يزول بالكلية. والأدلة على ذلك كثيرة، منها قول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] . فسماهم مؤمنين رغم اقتتالهم وهو من الكبائر، فالإيمان عند أهل السنة شعب متفاوته -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- وكل شعبة تسمى إيماناً، وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة شهادة التوحيد، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك أماطة الأذى عن الطريق.
وهنا الفتوى الكلام العكس الفتوى رقمرقم الفتوى: 100368
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المفرط في الأعمال هو التارك لها، لأن معنى المفرط في لغة العرب هو من يقصر في الأمر ويضيعه حتى يفوت وقته؛ كذا في الصحاح ولسان العرب، وهو بهذا يساوي تارك الأعمال، وقد سبق أن ذكرنا خطورة فعله في الفتوى المذكورة، وأنه لا يقر على ذلك، بل يؤمر بالإتيان بالأعمال، ويجبره السلطان عليها، ولكنا لا نرى أنه يكفر ما دام مقرا بشهادة التوحيد غير منكر للشرائع، بل هو ناقص الإيمان غير منفية بالكلية؛ لأن انتفاء الشعب لا ينفي الأصل، إلا أنه اختلف في تارك الصلاة، وقد ذهب الجمهور لعدم كفره. وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها:68656، 11344، 12284، 12517.
أيهما اصدق وقد سمعت بعض العلماء يقول انتفاء الظاهر دليل على انتفاء الباطن وان جنس العمل شرط صحة أما أفراد العمل كمال في الإيمان أي أنه لا يكفر بترك احاد أو أفراد العمل وهذا ما اسئل عنه العمل كله أو بمعنى اصح جنس العمل ولقد احترت لما وجدت هاتين الإجابتين متناقضين فأين الحقيقة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان العبد مكلف بالمعرفة والإقرار، والانقياد، والتزام طاعة الله ودينه ظاهراً وباطناً والقيام بجميع الواجبات والبعد عن جميع المحرمات ولا يجوز له التقصير في ذلك، وليس للأمة أن تقر أحدا منها على التقصير في الأعمال والتفريط فيها بل إن عليهم نصحه وأمره ونهيه حتى يستقيم على الطاعة.
ولكنه لو أقر بلسانه واعتقد الإيمان بقلبه ولم يعلم منه الإتيان بما يناقض التوحيد لا يكفر بترك الأعمال للأدلة الدالة على عدم خلوده في النار ففي حديث الصحيحين: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير. رواه البخاري
وقد ثبت في صحيح البخاري أن المؤمنين الذين اجتازوا الصراط يقفون يجادلون في إخوانهم الذين دخلوا النار فيقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون ويعملون معنا فيقول لهم: أخرجوا من عرفتم، فيخرجون خلقاً كثيراً، منهم من قد أخذته النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد مما أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط ...
وقد أخرج البخاري ومسلم في حديث الشفاعة لمن دخل النار أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في آخر مرحلة من مراحل الشفاعة: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول الله: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.
وإليك نص الحديث المذكور كما في صحيح البخاري عن معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون اشفع لنا إلى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيأتونني فأقول أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجداً، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يُسمع لك وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمد بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل. فلما خرجنا من عند أنس قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة فحدثناه بما حدثنا أنس بن مالك فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا فقلنا له: يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة فقال: هيه فحدثناه بالحديث فانتهى إلى هذا الموضع فقال: هيه فقلنا لم يزد لنا على هذا فقال: لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا، قلنا: يا أبا سعيد فحدثنا فضحك وقال: خلق الإنسان عجولاً، ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم حدثني كما حدثكم به، وقال: ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطى واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. رواه البخاري ومسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة " رواه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه مسلم
ويدل لهذا أيضا إجماع الصحابة على عدم كفر من ترك غير الصلاة من الأعمال فقد قال التابعي عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة. رواه الترمذي بإسناد صحيح.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يكفر تارك الصلاة بل هو فاسق مرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر، وقد استدلوا على عدم كفره بأدلة أتى على معظمها الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني ثم قال رحمه الله تعالى:
ولأن ذلك إجماع المسلمين، فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام.
وراجع فتح الباري لابن حجر وشرح النووي لمسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(1/2838)
مصير الناطق بالشهادتين المفرط في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا بمصر دكتور يسمى ياسر برهامي يشرح العقيدة ويقول إن الإيمان قول وعمل ويقول إن أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان ويقول إن من ترك أعمال الجوارح طوال حياته حتى مات أنه عنده أصل الإيمان وهو اعتقاد القلب وقول اللسان وأنه سوف يخرج من النار بناء على حديث لم يعمل خيرا قط فهل هذا الكلام صحيح أم لا، دلوني على الحقيقة لأني في حيرة من أمري، وجزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس من منهجنا تتبع ولا تقويم فتاوى الناس.
واعلم أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان؛ لقوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ {البقرة: من الآية143} وتعني الآية بالإيمان هنا الصلاة، فالإيمان أصل والأعمال الصالحة شعب له؛ كما قال ابن القيم، فمن نطق بالشهادتين معتقدا لهما يعتبر مؤمنا، ويجب عليه القيام بالأوامر الشرعية والأعمال التي هي شعب الإيمان، فإذا فرط في الأعمال لم يكن ذلك ناقضا لأصل الإيمان ولا موقعا لصاحبه في الكفر ولا يخلد في النار إذا دخلها بل يطهر فيها ثم يخرج منها؛ لحديث الصحيحين: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير. رواه البخاري.
وفي حديث الشفاعة أن الله يستجيب له ويقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله. ولحديث: من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه. رواه الطبراني وصححه الألباني.
هذا وننبه إلى أن المسلم لا يحق له أن يفرط في الأعمال الصالحة، ولا أن يأمن من مكر الله فيقصر في الواجبات الشرعية، ومن ضيع الأعمال فرض عليه السلطان القيام بها، فمن ترك الصلاة أجبر عليها فإن أبى قتل، ومن ترك الزكاة انتزعت منه قهرا، فإن قاتل قوتل عليها، ومن ترك الصوم حبس طيلة النهار في مكان لا يجد فيه ما يفطر به.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 64621، 65864، 5150، 12517، 17836، 57726.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(1/2839)
أهم ما يتعين على الباحث عن الدين الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أول مبادئ البحث عن العقيدة الحق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهم ما يتعين على الباحث عن العقيدة الحق أن يهتم بتحقيق كلمة التوحيد بمعرفة معناها وقبولها واليقين بها والإتيان بشروطها كلها إضافة إلى أركان الإيمان الأخرى، وأن يعتمد المصدر الصحيح الذي تؤخذ منه العقائد وهو الكتاب وما ثبت من السنة، ويعتمد في تفسيرهما كتب أهل السنة والجماعة، وأن يكثر من البحث وسؤال من يوثق به عندما يرى خلافاً في مسألة ما، ويسأل الله تعالى الهدى للحق فيما اختلف فيه، وأن يبتعد عن مطالعة كتب أصحاب المناهج المبتدعة أو الشركية لئلا تنطلي عليه شبههم وأوهامهم، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5398، 70331، 54711، 59818، 76223، 70032، 31871، 34148، 74500.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(1/2840)
لا حرج على من لا يستطيع الجهر بالإيمان أن يكتمه
[السُّؤَالُ]
ـ[يسرني شيخنا الفاضل أن أكتب إلى حضراتكم الموقرة, وكلي أمل وثقة بما ستوجهوني إليه من خلال نصائحكم وتوجيهاتكم القيمة، كما عودتمونا, فوالله إنا نحبكم في الله, ونسأله أن يجمعنا تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، أستاذنا الكريم لقد أوصتني أخت تنشط معنا في منتدى صناع الحياة أن أسأل لها على الحالة التي تعيشها حالياً، ونسأل الله أن ييسر أمورها وأمور كل المسلمين، فهي فتاة تعيش وسط عائلة غير مسلمة ديانتها اليزيدية، ولكن لقد من الله سبحانه وتعالى بالهداية فأسلمت منذ أن كانت بنت 16وهي الآن بنت الـ 22، ولكن المسكينة ضاقت أحوالها فهي كما أخبرتني لا تستطيع أن تصلي أو تصوم أو تلبس الحجاب كسائر بنات المسلمين، كما أنها لا تجرؤ على إعلان إسلامها أمام أهلها وهذا لخوفها من المصير الذي ستلقاه على أيديهم, وهذا رغم علاقة الحب والود التي تربطهم، لقد عرضت عليها الزواج ولكنها أخبرتني بأن أهلها لا يقبلون تزويج بناتهم إلا من أصحاب هذه الديانة، سؤالي شيخنا الكريم: هل يجب عليها أن تعلن إسلامها مهما كان الثمن حتى لو كان حياتها، هل يجوز لها أن تتزوج من شاب مسلم يصون عرضها ويحفظ كرامتها ودينها من دون رضى أهلها? بارك الله فيك شيخنا الكريم، وحفظك الله ورعاك لدينك ولأمتك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على ثقتك بموقعنا ونسأل الله تعالى أن يجعلنا دائماً عند حسن ظنك، وأن يجمعنا يوم القيامة على منابر من نور، ونسأله سبحانه أن يجعل لهذه الأخت فرجاً ومخرجاً.
ولا يجب على هذه الأخت أن تعلن إسلامها، بل يجوز لها أن تكتم إيمانهاً حتى ييسر الله تعالى لها مخرجاً، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 32823.
ولكن لا يجوز لها أن تفرط في فرائض دينها وخاصة الصلاة بل تحافظ عليها سراً دون علم أهلها، وكذا الحال بالنسبة للصوم المفروض، وأما الحجاب فيمكنها أن تبقى في بيتها فلا تخرج منه إلا لضرورة، وإذا خرجت لضرورة وجب عليها أن تستر ما يمكنها ستره ولا يلحقها منه ضرر، وتراجع الفتوى رقم: 12498.
وإن أمكنها أن تعلن إسلامها وفعلت، أو قُدِّر اطلاع أهلها عليها وآذوها فلتتق الله ولتصبر ولتستحضر سير الأنبياء والصالحين الذين أوذوا في الله فصبروا فرفع الله شأنهم وأعلى درجتهم، وتراجع الفتوى رقم: 64559، والفتوى رقم: 71765.
وأما زواجها من مسلم يحفظ لها دينها فمن أهم ما ينبغي أن تسعى إليه، فقد يكون ذلك سبيلاً لخلاصها من هذه البيئة الفاسدة، ولا يشترط رضا أهلها، بل لا يجوز أن يكون أحدهم ولياً لها إن كان على عقائد هذه الفرقة الضالة، فإن لم يكن لها ولي مسلم فلترفع أمرها إلى القاضي الشرعي إن وجد، أو توكل من يتولى نكاحها من المسلمين.
ولمعرفة بعض عقائد اليزيدية تراجع في ذلك الفتوى رقم: 56882، والفتوى رقم: 32065.
وننبهك إلى أن هذه الفتاة ما دامت أجنبية عليك فلا تجوز لك محادثتها إلا لحاجة وبقدرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(1/2841)
حكم وصف السلفيين بأنهم يمينيون
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: سمعت ذات مرّة في التلفزيون شخصاً يصف فيه السلفيين بأنهم يمينيون. فما الذي يقصده؟ وما معنى أن يكون الشخص يمينياً أو يسارياً؟ وهل يمكن أن نصف السلفيين بأنهم يمينيون؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاليمين واليسار من المصطلحات التي أصبحت مرتبطة بنظم الحكم وبالمذاهب والأحزاب السياسية المعاصرة، وقد كان يقصد باليمين في السابق المؤيدون للرأسمالية، وأما اليسار فيقصد به المعارضون لها، ثم تطور هذان المصطلحان في الوقت الحاضر وأصبح يقصد باليمين من له ميل عقدي أو قومي أو عرقي، أما اليسار فيقصد به من له ميل إلى التحرر من ذلك، ومن هذا تعرف لماذا يصف بعض الناس السلفيين بأنهم يمينيون حيث إنهم يدعون إلى التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة على منهاج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وقد تقدمت لنا عدة فتاوى عن السلفية ننصح بشدة بمراجعتها، انظر منها على سبيل المثال الفتاوى التالية أرقامها: 5608، 14527، 31293، 64890. ولا يجوز أن يوصف السلفيون المتبعون للسلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان بأنهم يمينيون لأن هذا المصطلح يسوي بينهم وبين أصحاب الميل القومي والعرقي وهم أبعد ما يكونون عن ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1427(1/2842)
لفظ (قول القلب) وارد عن سلف الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أصحاب الفضيلة: نقرأ في بعض الكتب أن الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح، سؤالنا عن معنى قول القلب، لماذا أضيف القول إلى القلب من أن وظيفة القلب التصديق؟ ومعلوم أن الإقرار هو وظيفة اللسان لأنه أداة النطق فما معنى قول القلب؟
بارك الله فيكم وفي علمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد استعمال لفظ (قول القلب) عن سلف الأمة في تعريف الإيمان؛ كما هو مذكور بالسؤال. وهم يقصدون بذلك الاعتقاد والتصديق، وراجع في هذا الفتوى رقم: 20638، والفتوى رقم: 12517، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الاستقامة: فوصف القلب والنفس بأنه يقول ويأمر ويتحدث وينطق ونحو ذلك يستعمل مع التقييد باتفاق المسلمين. اهـ. وقد ذكر أمثلة لذلك من القرآن والحديث وقول السلف ومن ذلك:
1 ـ قول الله سبحانه في سورة يوسف: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ {يوسف: 53}
2 ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به. رواه البخاري ومسلم.
3 ـ قول أبي الدرداء رضي الله عنه: ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر.
4 ـ قول الحسن البصري رحمه الله: ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر، وبالتفكر على التذكر، ويناطقون القلوب، حتى إذا نطقت فإذا لها أسماع وأبصار، فنطقت بالعلم وورثت الحكمة.
5 ـ قول الجنيد: التوحيد قول القلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1427(1/2843)
الإيمان كما أراده الله وغرسه رسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الإيمان الذي غرسه الرسول في قلوب الصحابة حتى آمنوا قبل اكتمال نزول القرآن لا أريد التعريف التقليدي للإيمان أي الإقرار والتسليم فهذا غير كاف حتى يصل المسلم إلى المرتبة التي وصل لها الصحابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان الذي تعلمه الصحابة هو اليقين بالله واليوم الآخر، وتعظيم الله ومحبته، وكمال التصديق والانقياد الذي هيأهم للاهتداء بالقرآن والتصديق والعمل به وتقبل أحكامه، والتصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظم الوسائل التي اكتسبوا بها تلك الدرجة الإيمانية ملاحظتهم دلائل صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما أكرمه الله به من المعجزات، إضافة إلى تركيز النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وكثرة مدارسته معهم مسائل الإيمان بالغيب والآخرة، فتزكت نفوسهم وتطهرت، وصلحت قلوبهم فخضعت جوارحهم وانقادت للأوامر القرآنية. قال الله تعالى: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {البقرة: 1 ـ 5} وقال تعالى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {البقرة: 97} وقال تعالى: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {الأعراف: 2} وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس: 57} وقال تعالى: طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {النمل: 1 ـ 2}
وقد ثبت عن جندب بن عبد الله أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً، رواه ابن ماجه، وقال الكناني في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، قال الشيخ الألباني: صحيح.
وفي المستدرك عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي في التلخيص والألباني في الصحيحة.
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبداً.. .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1426(1/2844)
الحج.. ودخول الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فتواكم رقم 64599 (وصايا نبوية لضمان الجنة)
فهل يجوز أن نقول الحج ضمان للجنة لحديث سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم (الحج ليس له جزاء إلا الجنة) ؟
وأدعو زملائي ومعارفي بهذا (اللي عايز يدخل الجنة بإذن الله يروح يحج) ؟
وأود أن أشكركم على هذا الموقع المفيد للإسلام والمسلمين وجعله في ميزان كل العاملين والقائمين به يوم القيامة.
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من ترغيب الناس في الحج وغيره من أعمال الطاعات بذكر ما ورد في فضلها من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح.
بل إن ذلك من أعظم مهمات المسلم في هذه الحياة أن يدعو إلى الله تعالى، ويرغب في دينه ويبشر الناس وخاصة زملاءه ومعارفه بما يترتب على طاعة الله تعالى من الثواب العظيم.
وهذا من التبشير الذي بعث تعالى به أنبياءه وأمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا. رواه مسلم.
والحديث الذي أشرت إليه حديث صحيح ولفظه كما في الصحيحين: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
قال أهل العلم: الحج المبرور الذي لم يخالطه إثم، وقيل: المقبول عند الله تعالى، ومن علامات قبوله أن يرجع صاحبه خيراً مما كان عليه قبل الحج، وقيل: هو الذي لا رياء فيه ولا تعقبه معصية، ذكر ذلك النووي في شرح مسلم.
فنحن نقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من عمل هذا العمل نال الجزاء المذكور دون أن نقطع لأحد بعينه بدخول الجنة أو بقبول عمله، لأن ذلك من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها إلا بنصوص الوحي.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 4625.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(1/2845)
من أسلم لأي سبب حكم بإسلامه
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: لو دخلت فتاة مسيحية في الإسلام لرغبتها في الزواج من شخص مسلم هل يقبل إسلامها، وهل يكون لهذا الشخص أجر لو تزوج بها بنية إدخالها في الإسلام؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أسلمت حكم لها بالإسلام، وإن كان سبب إسلامها هو رغبتها في الزواج من شخص مسلم، لأن الأحكام تجري على الظاهر، والله يتولى السرائر، وقد أخرج النسائي والبيهقي عن أنس رضي الله عنه: أن أبا طلحة خطب أم سليم، فقالت: يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد خشبة تنبت من الأرض نجرها حبشي بني فلان، إن أنت أسلمت لم أرد منك من الصداق غيره. قال: حتى أنظر في أمري. قال: فذهب ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: يا أنس زوِّج أبا طلحة. ولاشك أن هذا الرجل مأجور إن حسن قصده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(1/2846)
مجرد هذا الإقرار لا ينفع ما دام لم يدخل في دين الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الرجل على الدين المسيحي الصحيح غير المحرف وكان موحداً لله وحده ومؤمناً بمحمد وباقي الرسل وبالملائكة واليوم الآخر والقرآن والكتب السماوية جميعاً والقدر ويشهد الشهادتين ولكن ليس على الدين الإسلامي ولكنه موحد فهل يدخل الجنة بعد الحساب أم سيدخل النار فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه على افتراض وجود رجل على الدين المسيحي غير المحرف وكان موحداً إلى آخر ما ذكره السائل، فإن مجرد هذا الإقرار لا ينفعه إلا إذا دخل في دين الإسلام، وآمن برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والتزم بشريعته ظاهراً وباطناً، يقول الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.
ثم إن هذا لو كان متبعاً اتباعاً كاملاً كما في السؤال لآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولدخل دين الإسلام؛ لأن مما جاء به عيسى التبشير بمحمد صلى الله عليه وسلم، والأمر بالإيمان به فمن لم يفعل لم يتبع عيسى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1425(1/2847)
السر في خطاب القرآن الكريم لمتبعيه بصيغة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يناد الله عز وجل المسلمين في القرآن يا أيها المسلمون بل ناداهم يا أيها المؤمنون وهل الإسلام أعلى درجه أم الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان والإسلام إذا افترقا دل كل واحد منهما على الآخر، وإن اقترنا افترقا، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 2274 وعلى كل؛ فإن الإيمان أفضل منزلة من الإسلام، بدليل قول الحق سبحانه: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا (الحجرات: من الآية14) ، ولأن الإيمان أخص من الإسلام، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن.
وعلى هذا؛ فكان الخطاب في القرآن الكريم لمتبعيه بصيغة الإيمان استلهاما لهم وتحفيزاً، ولهذا كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فارعها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(1/2848)
من صلى صلاتنا.... فذلك المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي ترفض التلفظ بالشهادتين وتقول بأنها ترددها في قلبها، وإن الله يعلم ذلك، وقد هددتها بالطرد إذا لم تسمعني الشهادتين ولكنها رفضت, فماذا أعمل؟ علما بأنها تصلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا داعي لأن تأمرها بأن تسمعك الشهادتين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته. رواه البخاري، فهذه المرأة ما دامت تصلي فهي مسلمة، ولا يجوز تكفيرها لأجل أنها ترفض النطق أمامك بالشهادتين، فربما كان الحامل لها على ذلك العناد، علما بأن الواجب عليها أن تطيعك في هذا، لأن الزوجة مأمورة بطاعة زوجها في المعروف، ومن المعروف أن لا يأمرها بمعصية.
وراجع للأهمية الفتوى رقم: 35837.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(1/2849)
متى يعد الإنسان مؤمنا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صفة المؤمن صفة جميلة متى يعد الإنسان مؤمنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمؤمن قد يطلق ويراد به:
من أتى بأصل الإيمان الواجب، وقد بيناه في الفتوى رقم: 12517.
وقد يطلق ويراد به: من زاد إيمانه وقوي أو قرب من الكمال أو كمل، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18073، 31314، 10894.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(1/2850)
مراتب الناس في الدين وجزاؤهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين المسلم والمؤمن؟ وما هي درجات المؤمنين؟ وما هو الحال مع من كان مسلم فقط بالنسبة للحساب في الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الدين ثلاث درجات: إسلام ثم إيمان ثم إحسان، وقد دل على ذلك حديث جبريل، وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان، وجمهور أهل السنة على أن المؤمن أعلى درجة من المسلم، والمحسن أعلى منهما، وهذا كقوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر: 32] .
فالظالم لنفسه صاحب الذنب المصر عليه، ومن أتى بالإسلام الظاهر مع التصديق الباطني، لكن لم يقم بما يجب عليه من أمور الإيمان، والمقتصد هو المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم، وهذه درجة الإيمان، والسابق بالخيرات هو المؤدي للفرائض والنوافل، وهذه درجة الإحسان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يدل على ذلك أنه قال في حديث جبريل: هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم. فجعل الدين هو الإسلام والإيمان والإحسان، فتبين أن ديننا يجمع الثلاثة، لكن هو درجات ثلاث: مسلم ثم مؤمن ثم محسن، كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر: 32] . والمقتصد والسابق كلاهما يدخل الجنة بلا عقوبة، بخلاف الظالم لنفسه، وهكذا من أتى بالإسلام الظاهر مع تصديق القلب، لكن لم يقم بما يجب عليه من الإيمان الباطن، فإنه معرض للوعيد. انتهى، من مجموع الفتاوى 7/ 10، وانظر 11/ 185.
فمن زال عنه اسم الإيمان المطلق، وبقي في درجة الإسلام لتفريطه في بعض الواجبات أو فعله بعض المحرمات من غير توبة، فهو معرض للعقوبة، واقع تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، لكن مآله إلى الجنة لكونه مسلما موحدا، فلا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد، وقد ترفع عنه العقوبة لحسنة ماحية، أو شفاعة، أو عفو من الغفور الرحيم سبحانه، مع القطع بدخول بعض أهل الكبائر النار لتواتر الأحاديث بذلك، كما تواترت بخروجهم من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة غيره، مع التنبيه على أنه لا يوجد مسلم ناجٍ في الآخرة نجاة لا يدخل معها النار أصلا أو يخرج بها من النار إلا ومعه إيمان باطن، أما في أحكام الدنيا، فيوجد من يتظاهر بالإسلام وهو منافق في الباطن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1424(1/2851)
لا حرج في كتم الإيمان خشية الضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لدي صديقة مسيحية ولكن هداها الله وأسلمت ولكن سراً خوفا من أهلها لم تعلن إسلامها فهل إسلامها صحيح وهي فى السر أو تعلن إسلامها وسوف يقوم أهلها بمحاربتها وهي مع العلم بأنها مبتدئة فى الإسلام، نرجو الرد بسرعه؟ والسلام ختام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجب على هذه الأخت أن تعلن إسلامها على الملأ ما دامت ستتعرض لأذية من أهلها أو غيرهم، ويكفي إسلامها سراً.
قال الله تعالى: وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ [غافر:28] ، فهذا الرجل مؤمن بنص القرآن مع أنه كان يخفي إيمانه عن فرعون وقومه خوفاً على نفسه، وفي قصة إسلام أبي ذر قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر اكتم هذا الأمر (أمر إسلامه) . رواه البخاري.
وفيه دليل على جواز كتم الإيمان لمصلحة أو خشية ضرر ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1424(1/2852)
هل يكفي النطق بالشهادتين ليصبح المرء مسلما
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة كافرة كونت علاقة عاطفية مع شاب مسلم فاعتنقت الإسلام بسبب حبها له ولكي يتزوجها، ونطقت الشهادتين، فهل إسلامها مقبول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن كان على غير الإسلام وأراد الدخول فيه، فيجب عليه النطق بالشهادتين مع الاعتقاد الجازم بهما، والعمل بمقتضاهما، لأن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً، فإذا نطقت الأخت المذكورة بالشهادتين، وعملت بمقتضاهما بعد تعليمها وتوجيهها، فأقامت الصلاة وأدت فرائض الدين كانت مسلمة، لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم، وليس لأحد من خلق الله أن ينقب عما في قلوب الخلق، لأن العبد ليس له إلا الظاهر، والسرائر موكولة إلى الله تعالى.
وإننا ننبه الأخ الذي كوَّن علاقة مع هذه الفتاة إلى أنه وقع في منكر تجب عليه التوبة منه بالإقلاع عنه، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه، وعليه أن يحيل الفتاة على مراكز التعريف بالإسلام، أو يوكل إحدى محارمه لتعليمها، فإن استقامت وتابت هي الأخرى، وحسُن إسلامها بتأدية الفرائض واجتناب الكبائر، فلا مانع حينئذ من التقدم إليها وخطبتها، هذا إن كانت كافرة من غير أهل الكتاب.
أما إذا كانت من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) فنكاحها جائز ابتداء بشرط العفة، وإن كان التزوج بالمسلمة خيراً من التزوج بها، وراجع الفتوى رقم: 12284، والفتوى رقم: 21166.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1424(1/2853)
قدرة الله على الخلق أزلية دائمة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فسؤالي باختصار عن إمكانية وجود حياة قبل سيدنا آدم عليه السلام (حياة أناس مثلنا) أو إمكانية الحياة بعد يوم القيامة ودخول الناس إما إلى الجنة أو إلى النار، وذلك لأنه دار حوار مع أحد الأصدقاء عن أن حياتنا كلها (الكون والسماء والأرض و ... ) عبارة عن أمنية لإنسان دخل الجنة وتمنى أن تكون كل هذه الحياة، فأرجو أن تنصحوني ماذا أستطيع أن أرد على مثل هذا الكلام؟
وطلبي الأخير أن تزودوني ببعض الكتب والمواقع المتعلقة بمثل هذه المواضيع، واقبلوا مني فائق المودة والاحترام؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله تعالى على كل شيء قدير، يخلق ما شاء متى شاء وكيف شاء، قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68] .
وسواء في ذلك الخلق قبل خلق السماوات والأرض والخلق بعد يوم القيامة، هذا ما يجب علينا الإيمان به؛ لأن الله تعالى سمَّى نفسه الخالق، والخلق صفة له. وقد بيَّنا ذلك في الفتوى رقم: 27306 ورقم 6836
والحاصل أن قدرة الله على الخلق أزلية دائمة، لكننا لا نستطيع القول بوجود أناس مثلنا قبل خلق آدم، كما لا نستطيع كذلك أن نزعم وجود حياة أخرى على الأرض بعد يوم القيامة؛ لأن ذلك من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ومما ورد الوحي بإثباته أن الله تعالى خلق الجن قبل الإنس، وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم: 19224
وجاء في الحديث الصحيح: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض. رواه البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
وهذا الحديث يوضح ترتيب خلق هذه المخلوقات على النحو المذكور فيه، وقد ذكرنا تعليقاً مفصلاً حول هذا الحديث في الفتوى رقم: 21199
أما عن قول صاحبك: إن الأصل في خلق هذا الكون هو تحقيق أمنية لإنسان دخل الجنة وتمنى أن تكون هذه الحياة، فقولٌ باطل لا دليل عليه، وقائله داخل تحت قول الله تعالى:) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] . بل أثبت الله تعالى أنه خلق الخلق لحكمة، بل لحكمٍ كثيرة، منها ما ذكره الله تعالى في قوله: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2] .
وقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] .
وقوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ* مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:38-39] .
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الصريحة في حكمة الخلق.
ولمزيد من الفائدة راجع الجواب رقم 9650
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(1/2854)
الأنبياء يتفقون على الإيمان ويختلفون في الشرائع
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع دائماً الحديث عن أن هناك أديانا وليس ديناً واحداً علماً أن القرآن الكريم في معرض ذكره الأولين والآخرين لم يشر إلا إلى دين واحد هو الدين الإسلامي وما اليهودية والنصرانية إلا مللاً فما هو ردكم على هذا التساؤل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدين هو ما شرعه الله لعباده من أحكام سواء ما يتصل منها بالعقيدة، أو الأخلاق، أو الأحكام العملية على ألسنة أنبيائه ورسله جميعاً، فالذي جاء به نوح قومه دين، وهكذا إبراهيم الخليل ونبيناً محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم؛ إلا أن الأنبياء جميعاً يتفقون على شيء واحد وهو أمور الإيمان والتوحيد، ويختلفون في الشرائع والمنهاج والأحكام العملية، قال الله تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة:48] .
والشريعة التي نسخت الشرائع التي قبلها، ولا يصح العمل بغيرها هي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة:48]
أي ناسخاً وحاكماً على التوارة والإنجيل وغيرهما مما كان في الكتب المنزلة قبله، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أصل دين الأنبياء واحد وإن اختلفوا في التفريعات.. بَيَّن ذلك في مثالٍ رائع حيث قال: أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياء أبناء علات.... أخرجه مسلم وأخرجه أحمد بلفظ:......... الأنبياء إخوة أبناء علات أمهاتهم شتى ... وأبناء العلات هم الإخوة من أب، أبوهم واحد وأمهاتهم شتى.
وبهذا يصح اطلاق الدين على الملل التي جاءت بها الأنبياء قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واعتقاد أنها آتية من عند الله؛ إلا أن أصحابها حرفوها وبدلوها وغيروها بعد ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1423(1/2855)
كل مولود يولد متهيئا للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
فى يوم من الأيام سألني سائل وهو غير مسلم وقال لي لماذا أنت مسلم ولست نصرانيا؟ وقال لي أيضا أنني سأجيبه بأني ولدت لأبوين مسلمين ولكنني أجبت عليه بأن التقليد ليس مقاما حقيقيا للإيمان الصادق إلا أني لم أستطع أن أرد عليه قوله لي بأن أًصبح مسلما وليس نصرانيا وسؤالي: لماذا اتبعنا ملة الإسلام ولم نتبع دين النصارى؟
أسأل الله تعالى أن يفتح عليكم بالحق إنه على كل شئ قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا لفظ البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.
فقد دل هذا الحديث على أن الأصل في كل مولود أنه يولد مسلماً، وأن التهود أو التنصر أو التمجس أمر طارئ على أصل الفطرة، قال ابن حجر في فتح الباري: الكفر ليس من ذات المولود ومقتضى طبعه بل إنما حصل بسبب خارجي، فإن سلم من ذلك السبب استمر على الحق. انتهى
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه..... ولم يقل: "أو يسلمانه" لأنه يولد مسلماً، ويؤيد ذلك ما في رواية مسلم قال: وفي رواية أبي كريب عن أبي معاوية: ليس من مولود يولد إلا على الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه.
وفي رواية أخرى له من حديث ابن نمير: ما من مولود يولد إلا وهو على الملة.
قال النووي: والأصح أن معناه: أن كل مولود يولد متهيئاً للإسلام، فمن كان أبواه أو أحدهما مسلماً استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا. انتهى
ونقل ابن حجر عن الطيبي قال: والمراد تمكُّن الناس من الهدى في أصل الجبلة والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد. انتهى
ومن هذا يتبين أن الذي يولد لأبوين مسلمين فليس مقلداً لهما بل هو باق على أصل فطرته، وإنما يحصل التقليد ممن يتهود أو يتنصر أو يتمجس وغير ذلك من الملل.
ولعل فيما ذكرناه كفاية في بيان المطلوب، ولمزيد من الفوائد راجع الفتاوى التالية أرقامها: 813، 2924، 20984، 18941.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1423(1/2856)
تعبير الديانات السماوية غير دقيق
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الديانات السماوية - مع ذكر دليل من القرآن على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدين الذي ارتضاه الله تعالى دين واحد هو الإسلام، كما قال عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] .
وقال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .
وهذا الدين يقوم على توحيد الله تعالى والإيمان بأنبيائه وملائكته ورسله واليوم الآخر، وهو دين نوح، وإبراهيم وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء، وقد صرح القرآن بأن دين هؤلاء الأنبياء جميعاً هو الإسلام، قال الله تعالى عن نوحٍ عليه السلام: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72] .
وقال عن إبراهيم عليه السلام: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78] .
وقال عن موسى عليه السلام: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84] .
ومثل هذا عن يعقوب ويوسف عليهما السلام.
والخلاف الواقع بين الأنبياء إنما هو في تفاصيل الشرائع، ففي شريعة موسى عليه السلام ما هو محرم قد أبيح في شريعة عيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم، ونحو هذا، كما قال سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48] .
وبهذا نرى أن هذا التعبير الأديان، أو الديانات السماوية تعبير غير دقيق، ولو قيل: الشرائع الإلهية، أو السماوية لكان أولى، وينبغي أن يكون معلوماً أن اليهودية والنصرانية الموجودتان الآن محرفتان، ولم تكن شريعة موسى عليه السلام تسمى اليهودية، ولا كانت شريعة عيسى عليه السلام تسمى النصرانية.
وأما دينهما فهو الإسلام كما سبق، وانظر الفتوى رقم: 813، لمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(1/2857)
الأرض هي ميدان الاختبار والابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا جعل الله حياتنا في الأرض وليس في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فذلك فعل الله تعالى، وهو سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لأنه هو الذي خلق الخلق أجمعين، وهو رازقهم، ومحييهم، ومميتهم، ورافعهم، وخافضهم، ومعزهم، ومذلهم.
وعقيدة المسلم في ربه سبحانه أنه أحكم الحاكمين، وأن أفعاله كلها تجري على مقتضى الحكمة، وقد أخبرنا الله تعالى أنه ما خلق الإنس والجن إلا ليعبدوه، وابتلاهم واختبرهم، وجعل الأرض هي ميدان الاختبار، وفيها الفقر والغنى والظالم والمظلوم والضعيف والقوي، وكلٌ مبتلى بحسب ما أعطاه الله تعالى.
أما الجنة دار النعيم المقيم والخير العميم، فجعلها الله من نصيب أهل الإيمان الذين أفلحوا في الأرض دار الامتحان والابتلاء، وانظر الفتوى رقم: 12222، والفتوى رقم: 4295، والفتوى رقم: 723.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1423(1/2858)
نأخذ الناس بما يظهرون من أعمالهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحكم على الظاهر بالإيمان؟؟ مثلا الذي لا يصلي..هل يحكم عليه بالكفر؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم تارك الصلاة في الفتوى رقم:
17277 والفتوى رقم: 1145 والفتوى رقم:
15037.
ولمعرفة الأحوال التي تقضى فيها الصلاة، والفوائت التي يشرع قضاؤها راجع الفتوى رقم:
17940.
ولمعرفة عقوبة تارك الصلاة في الدنيا والآخرة راجع الفتوى رقم:
6061.
وليعلم الأخ السائل أننا نحكم بالإيمان على الظاهر، وليس لنا أن نفتش عما في الباطن، وهذا هو ما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع المنافقين، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث ما يدل على ذلك، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته. وهو ما كان يفعله خلفاؤه الراشدون من بعده.
ففي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة.
والمقصود بالظاهر هنا ما يظهر من الإيمان بشروطه وأركانه التي لا يصح إلا بها، ولمعرفة شروط الإيمان وأركانه راجع الفتوى رقم:
5398.
ولمعرفة موقع العمل وجنس العمل من الإيمان راجع الفتوى رقم:
17836.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(1/2859)
الإيمان والعمل الصالح لا ينفك أحدهما عن الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الإيمان والعمل الصالح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان مصدر آمن، وآمن أصله من الأمن، ضد الخوف.
والغالب أن يكون الإيمان لغة بمعنى التصديق، ضد التكذيب، يقال: آمن بالشيء إذا صدق به، وفي القرآن الكريم: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف:17] .
والإيمان في اصطلاح أهل السنة: قول وعمل واعتقاد.
قول القلب: وهو الاعتقاد والتصديق.
وعمل القلب: وهو الإخلاص والحب والخوف والرجاء وسائر أعمال القلوب.
وقول اللسان: وهو النطق بالشهادتين، والإقرار بلوازمهما.
وعمل الجوارح: وهو العمل الذي لا يؤدى إلا بها كالصلاة، والحج وغيرهما، وهي تابعة لأعمال القلوب، ولازمة لها، ولمعرفة أركان الإيمان وأدلتها راجع الفتوى رقم:
18348.
أما العمل الصالح فهو لازم من لوازم الإيمان وجزء منه، وقد علق الله دخول الجنة على الإتيان به في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72] .
وقد أمر الله تعالى بالعمل الصالح في غير موضع من القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110] .
وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك: 2] .
قال الفضيل بن عياض في تفسير العمل الحسن: أخلصه وأصوبه، فقيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، فالخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة. انتهى
وقد سبق بيان منزلة العمل من الإيمان في الفتوى رقم:
17836 وتبين منه أن جنس العمل شرط في صحة الإيمان، وأفراد العمل شرط في كماله.
وقد سبق بيان الأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى في الفتوى رقم:
12178.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(1/2860)
العمل ... والإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل شرط صحة أو شرط كمال في الإيمان؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن جنس العمل شرط صحته للإيمان، وأن العمل شرط كمال وذلك في الفتوى رقم:
17836.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1423(1/2861)
جنس العمل شرط في صحة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل في الإيمان شرط كمال أم شرط صحة مع الدليل وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان كما هو معروف عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل، قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل اللسان.
وقول القلب هو: الاعتقاد والتصديق، وعمله هو: الإخلاص والحب والخوف والرجاء وسائر أعمال القلوب التي هي واجبة باتفاق أئمة الدين.
وقول اللسان هو: النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمهما، وعمل الجوارح ما لا يؤدى إلا بها، وهي تابعة لأعمال القلوب ولازمة لها.
فالقلب إذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، وعدم الأعمال الظاهرة دليل على انتفاء الأعمال الباطنة، يقول الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] . وقال تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة:81] . فالباطن والظاهر كما هو واضح في الآيات متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، إذا تقرر ذلك فالذي يعد شرطا في صحة الإيمان هو جنس العمل، فترك جنس العمل مخرج من الملة، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
قوله تعالى: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47] .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول. انظر الفتاوى 7/142.
ويقول في موضع آخر: من الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج لله بيته، فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح.
ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار كقوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ*خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم،42-43] . مجموع الفتاوى 7/611.
أما العمل الذي هو شرط في كمال الإيمان فهو آحاده وأفراده، فمن ترك واجباً من الواجبات الشرعية أو ارتكب معصية، نقص إيمانه لكن لا يزول بالكلية. والأدلة على ذلك كثيرة، منها قول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] . فسماهم مؤمنين رغم اقتتالهم وهو من الكبائر، فالإيمان عند أهل السنة شعب متفاوته -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- وكل شعبة تسمى إيماناً، وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة شهادة التوحيد، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك أماطة الأذى عن الطريق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(1/2862)
حقيقة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما هو الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان لغة: التصديق، واصطلاحاً: قول باللسان، وتصديق بالجنان (القلب) وعمل بالأركان (الجوارح) .
قال الإمام أحمد بن حنبل: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
وقال الإمام البغوي: اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان ... وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة. انظر شرح السنة للبغوي (1/38-39) .
وقال الإمام الشافعي: وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان: قول، وعمل، ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر.
شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/886) ، ولا فرق بين قولهم: إن الإيمان: قول وعمل، أو قول وعمل ونية، أو قول وعمل واعتقاد.
فكل ذلك من باب اختلاف التنوع، فمن قال من السلف: إن الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، ومن زاد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول: الاعتقاد (قول القلب) وقول اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية (عمل القلب) فزاد ذلك. وخلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان في الاصطلاح الشرعي أنها: مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان وهو التكلم بكلمة الإسلام (الشهادتين) . والعمل قسمان: عمل القلب، وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به. انظر: الصلاة وحكم تاركها للإمام ابن القيم.
وقد دل على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد نصوص كثيرة من الكتاب والسنة نذكر بعضها باختصار، ومنها قوله تعالى: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات:14] .
وقوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات:7] .
فهاتان الآيتان أفادتا أن الإيمان أصله في القلب، وهذا يشمل قول القلب وعمله، ولابد في الإيمان من قول اللسان، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى" رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي عقب هذا الحديث: واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة، ولا يخلد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقاداً جازماً خالياً من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما، لم يكن من أهل القبلة أصلاً. شرح مسلم للنووي 1/149.
وأما العمل فهو داخل في الإيمان أيضاً لأدلة كثيرة: منها قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) [البقرة:143] . أي: صلاتكم قال الحليمي: (أجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فثبت أن الصلاة إيمان، وإذا ثبت ذلك، فكل طاعة إيمان إذ لم أعلم فارقاً في هذه التسمية بين الصلاة وسائر العبادات) .
وبوب البخاري في صحيحه: باب الصلاة من الإيمان (فتح الباري 1/95) وقوله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" رواه البخاري ومسلم. وهذا لفظ مسلم، والحديث دليل على إدخال الطاعات في الإيمان سواء كانت قولية، أو قلبية، أو عملية.
قال الإمام ابن القيم: الإيمان أصل له شعب متعددة، وكل شعبة تسمى إيماناً، فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة، والحج، والصوم، والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل ... إلخ. كتاب الصلاة لابن القيم ص 53. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1422(1/2863)
الإقرار بالشهادتين جزما دليل صحة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الإنسان مسلما بمجرد النطق بالشهادتين أم لا يعتبر مسلما حتى يتعلم أمور التوحيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مذهب أهل السنة والجماعة هو أن الإنسان إذا نطق بالشهادتين جازما بهما مستعدا للعمل بمقتضاهما يعتبر مسلما، ولا يشترط في إسلامه تعلم أمور العقائد.
بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله" رواه البخاري ومسلم.
قال النووي: وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة لمذهب المحققين من السلف والخلف أن الإنسان إذا اعتقد دين الإسلام اعتقاداً جازماً لا تردد فيه كفاه ذلك، وهو مؤمن من الموحدين، ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين، ومعرفة الله بها. انتهى.
ويدل لهذا أيضاً حديث الجارية التي أراد سيدها عتقها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ائتني بها. قال: فأتيته بها. فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا. قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها، فإنها مؤمنة" رواه مسلم.
قال النووي أيضا: وفيه دليل على أن من أقر بالشهادتين واعتقد ذلك جزماً كفاه ذلك في صحة إيمانه، وكونه من أهل القبلة والجنة، ولا يكلف مع هذا إقامة الدليل والبرهان على ذلك، ولا يلزمه معرفة الدليل، وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(1/2864)
ترك بعض خصال الخير لا يخرج من الملة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسلم لا يزال يبقى مسلما إذا لم يكتمل إيمانه؟ فمثلاً قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الطهور شطر الإيمان"، وإذا كان شخص ما لم يحافظ على الطهارة في حياته أبداً فهل هذا يصبح كافرا لأن إيمانه لم يكتمل؟
وأظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
إذا لم يحب شخص لأخيه ما يحب لنفسه فهل يصبح كافراً؟
فإذا لم يكتمل إيمان شخص، مثلاً: ثيابه، جسده، بيته لم يكن نظيفاً قط، فهل هذا الشخص يدخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإيمان له شعب متعددة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان" رواه البخاري عن أبي هريرة.
وكل شعبة من شعب الإيمان تسمى إيماناً، فالصلاة وسائر أعمال الجوارح من الإيمان، والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل والرجاء من الإيمان، وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً، منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها أقرب، وهذه الحقيقة واضحة في كتاب الله، قال تعالى: (لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ) [الفتح:4] .
وقال تعالى: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً) [لأنفال:2] .
وقال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173] .
فهذه الآيات تدل على أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا معتقد أهل السنة، ولهذا حمل العلماء الأحاديث التي فيها نفي الإيمان على نفي كماله الواجب لا على نفي أصله، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد" رواه مسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" رواه أحمد وابن حبان عن أنس، فالمراد بهذه الأحاديث - في القول الصحيح المعتبر - أنه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله الواجب، كما يقال لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة، والتعبير بالكمال وعدمه ثابت بالسنة، ففي معجم الطبراني الأوسط عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، الموطؤون أكنافاً الذين يألفون، ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف".
والذي يترك المعاصي أكمل إيماناً ممن يقترفها، ومن يحافظ على خصال الخير غير الواجبة كالسنن والمتسحبات أكمل إيماناً ممن يقتصر على الواجبات، ولهذا كان المؤمنون متفاوتون في إيمانهم، فبعضهم أكمل من بعض.
فإن إيمان الصديقين الذي يصّير الغيب في قلوبهم كأنه شهادة بحيث لا يقبل التشكيك والارتياب ليس كإيمان غيرهم ممن لا يبلغ هذه الدرجة، بحيث لو شكك لدخله الشك، ويزيد هذا الإيمان بالنظر في الكون، وتأمل آيات الله المسطورة والمنظورة، وهذا واضح في كتاب الله، فيقول الله عن كتابه المنظور: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) [لأعراف:185] .
ويقول تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام:75] .
ويقول الله عن كتابه المسطور (القرآن) : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2] .
وأهل الإيمان ممن يفعلون الكبائر لا يخلدون في النار، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان" رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
والمقصود بالدخول: الخلود، فإن أهل الإيمان وإن دخلوا النار، فإنهم لا يخلدون فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1422(1/2865)
هل يشترط الغسل لصحة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر كافرا من لم يصل قط ركعتين بعد الغسل رغم أنه يؤمن بكل ما يقرره الإسلام منذ أن أصبح مسلماً؟
إذا كان الشخص مسلماً غير أنه لم يكن يعرف أنه كان عليه أن يغتسل ثم يصلى ركعتين، كشرط لدخول الإسلام وقد مرعلى ذلك زمن طويل فهل هذا يعني أن أعماله إبان تلك الفترة لم تقبل عند الله رغم أن عدم اغتساله وعدم صلاته الركعتين كان عائداً إلى جهله وليس إلى تعنته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيكفي لدخول الإسلام النطق بالشهادتين، واعتقادهما اعتقاداً جازماً خالياً من الشك، وليس الغسل والركعتان بعده شرطاً لصحة الإسلام، وإن كان العلماء اختلفوا في الوجوب أو الاستحباب، والاستحباب هو الراجح، وهو مذهب الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد اختارها جماعة من الحنابلة.
قال في الإنصاف: (وهو أولى) ويدل على ذلك أن العدد الكثير والجم الغفير أسلموا، فلو أمر كل من أسلم بالغسل لنقل ... متواتراً أو ظاهراً، وكذلك بعث معاذا إلى اليمن وقال: ادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ولو كان الغسل واجباً لأمرهم به، لأنه أول واجبات الإسلام.
ومما ينبغي معرفته أن الأيمان أصل له شعب متعددة، وكل شعبة تسمى إيماناً، فالصلاة من الإيمان، والزكاة من الإيمان، وكذلك الزكاة والحج والصوم، والأعمال القلبية الباطنة كالحياء والتوكل، وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادتين، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً، منها ما يلحق بشعبة الشهادة، ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى عن الطريق، ويكون إليها أقرب، فمن ترك السنن والمستحبات، وبعض الواجبات، وفعل المكروهات وبعض الكبائر لا يخرج بذلك عن أصل الأيمان، ويكون عند ارتكاب الكبائر مؤمناً فاسقاً.
والواجب على المسلم أن يرتقي بنفسه في مدارج الكمال، ومنازل الصالحين حتى يكون إلى الله أقرب، وإلى جنته أرغب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1422(1/2866)
الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قمت بإعفاء اللحية والحمدالله ولكن واجهت بعض الانتقادات والتعليقات من بعض الإخوة. وكانت على سبيل المزاح ولكن لم أرد عليهم.. ولكن بعض الإخوه قال لي بأن الإيمان محله القلب وليس اللحية فرددت عليه بأن كلامه صحيح.. ولكن يجب علينا اتباع الكتاب والسنة.. والرسول عليه الصلاة والسلام أوصانا بإعفاء اللحية في عدة أحاديث.. ويجب علينا اتباع ما قاله نبينا محمد عليه الصلاة والسلام حتى نحيي السنة فإذا تركنا هذه السنة فستموت؟ هل كان ردي صحيحا.. وماذا تنصحون بالرد عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك السلام ورحمة الله تعالى وبركاته. ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى، ويلهمنا رشدنا ويثبتنا على الهدى جميعاً.
ثم إن ردك على هذا الشخص صحيح من حيث إن الواجب على المسلم هو امتثال أمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن إعفاء اللحية من تلك الأمور الثابتة الأكيدة التي يجب امتثالها.
ولكن ردك كان فيه قصور من حيث إنك أقررته على صحة ما ادعاه من أن الإيمان محله القلب وليس اللحية، فهذه عبارة يرددها من يريدون التملص من الأوامر الربانية والتكاليف الشرعية، مع احتفاظهم بوصف الإيمان والدخول في حظيرته اعتماداً منهم على أن ما في القلوب لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
ويمكن الرد على هذه المقولة من وجوه:
منها: أن معتقد أهل السنة في الإيمان هو أنه قول واعتقاد وعمل لا يتم الإيمان إلا بمجموع الثلاثة دل على ذلك كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال أئمة السلف الصالح، فالأعمال إذن داخلة في صميم الإيمان، وليس هذا محل لبسط في هذا الموضوع، ومن أراد البسط فيه فليرجع إلى كتب أهل السنة في العقيدة. ومنها: أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل سبيلاً لمن يدعي هذه الدعوى للإفلات من التحقق من صحة دعواه أو بطلانها، وذلك أنه سبحانه وتعالى جعل أعمال الجوارح مصداقاً لما في القلوب وبرهاناً عليه، قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) [آل عمران:31] فكان باستطاعة أي أحد أن يدعى محبة الله تعالى التي هي أساس الإيمان، كما ادعى ذلك اليهود والنصارى، حيث قال الله تعالى عنهم (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) [المائدة:] لولا أن الله تعالى أبطل أي دعوى من هذا القبيل لا أساس لها، بأن جعل لمحبته علامة جليلة يدركها كل أحد وهي: اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن يقال لهؤلاء كيف يمكن التوفيق بين دعوى رسوخ الإيمان في القلب وتغلغله فيه وتشربه لمعانيه، مع عدم امتثال أوامر من يؤمن به المرء، واجتناب نواهيه، واتباع من أرسله مبلغاً عنه بشيراً ونذيراً. ولله در القائل حيث يقول:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1422(1/2867)
العمل الصالح وحده لا يكفي لدخول الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يدخل الإنسان الجنة بعمله أو برحمة الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فالعمل الصالح سبب لدخول الجنة علق الله دخول الجنة على الإتيان به في آيات كثيرة، كقوله تعالى: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) [الزخرف:72]
إلا أن العمل الصالح - مهما عظم- فلن يبلغ بصاحبه درجة استحقاق الجنة بنفس العمل، ما لم ينضم إلى ذلك رحمة من الله، ومعاملة منه لعبده بالتفضل والإحسان، فإن عامله بفضله وإحسانه دخل الجنة، أما إن عامله بعدله ولم يرحمه فلن يدخل الجنة. فمدار الأمر كله على رحمته سبحانه، فمن أدركته رحمة الله عامله بفضله، فقبل منه الحسنات، وتجاوز له عن السيئات، أما من لم تدركه رحمة الله، أو عامله بعدله فحاسبه على كل صغيرة وكبيرة، فإنه سيهلك، وبهذا نجمع بين قوله تعالى: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) وبين قوله صلى الله عليه وسلم: " واعلموا أن أحداً لن يدخله عمله الجنة " قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة وفضل" متفق عليه.
قال الشيخ حافظ الحكمي: (فالباء المثبتة في الآية هي باء السببية، لأن الأعمال الصالحة سبب في دخول الجنة لا يحصل إلا بها، والمنفي في الحديث هي الباء الثمنية، فإن العبد لو عمّر عمر الدنيا، وهو يصوم النهار، ويقوم بالليل، ويجتنب المعاصي كلها، لم يقابل عمله عشر معشار أصغر نعم الله عليه الظاهرة والباطنة، فكيف تكون ثمناً لدخول الجنة) .
وذهب بعض العلماء إلى القول بأن العبد لم يعمل بالطاعة إلا برحمة الله إياه، فهو إن دخل الجنة بعمله فقد دخل برحمة الله، وهو جمع حسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1422(1/2868)
شروط دخول الكتابية في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل يجوز زواج المسلم من مسيحية؟
2-إذا كان الجواب بنعم ... فهل يجب عليها أن تسلم بعد الزواج؟
3-إذا أرادت زوجتي أن تسلم، فما هي الشروط الواجب توافرها للدخول في الإسلام؟
4-هل يوجد لكم كتب دينية باللغة الانجليزية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أحل الله تعالى للمؤمن نكاح المؤمنة المحصنة العفيفة، وبين تعالى أن المؤمنة ولو كانت أمة خير من المشركة ولو أعجبت الناس. قال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) [البقرة:221] .
والعلة في ذلك ذكرها الله تعالى بقوله: (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) [البقرة:221] .
واستثنى الله تعالى من المشركات الكتابيات (النصرانيات واليهوديات) ، حيث إن الكتابيات يشتركن مع المسلمات في بعض العقائد، كالإيمان بالله واليوم الآخر والحساب والعقاب ونحو ذلك، مما عساه يكون مساعداً في هدايتهن إلى الإسلام.
وقيد سبحانه جواز نكاح الكتابية بأن تكون محصنة (عفيفة) ، قال تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] .
فإن كانت غير محصنة (غير عفيفة) فلا يحل نكاحها. ولذلك كان عمر رضي الله عنه يمنع من ذلك، ونهى الصحابة عنه.
والأولى للمسلم أن يتزوج بمسلمة لعدة أمور، منها:
- أن المسلمة تربي أولاده على الإسلام، وليس هناك خلاف بينهما لاشتراكهما في دين واحد، فلا يضر بقاء الأولاد معها في حال المفارقة بموت أو طلاق.
- أنه لا يأمن المسلم من أن تؤثر الكتابية على أولاده فينشئوا متأثرين بعقيدتها وسلوكها.
- أن الغالب على هؤلاء ـ لا سيما الأوروبيات ـ ترك الدين الذي ينتسبون إليه إلى مذاهب وملل أخرى، كالوجودية والإلحاد، ولا ارتباط لهن بدينهن. فهن في الحقيقة لا دين لهن. كما أن الغالب عليهن عدم العفة وهو شرط معتبر في جواز نكاحهن، ومع ذلك فإن وثق من الكتابية في عفتها، وأنها باقية على دينها فإن الأصل جواز نكاحها.
لكن ننصح بعدم اللجوء إلى الزواج منهن إلا في أضيق نطاق لما ذكرنا. وليعلم أن التحريم ليس وحده هو الحاجز، بل هناك مفاسد ومشاكل تنشأ من مثل هذه الزيجات، تجعل تركها أحمد في العاقبة وأهنا للعيش.
ويزداد الأمر خطورة بالنسبة لليهوديات في الوقت الحاضر لأن اليهود قوم بهت ما كرون وقد يستعملون لصالح حربهم المعلنة على المسلمين بعض نسائهم في جلب الشر إلى المجتمعات الإسلامية والتجسس عليها وهذا أسلوب معلوم عندهم في حرب من يعاودونهم.
وإذا تزوج المسلم من كتابية لم يجب عليها أن تسلم بعد الزواج، لكن على الزوج أن يرغبها في الإسلام، ويحببه إليها بقوله وفعله، لينقذها من النار.
وإذا أرادت الزوجة الكتابية أن تسلم، فليس عليها إلا أن تشهد شهادة الحق: لا إله إلا لله محمد رسول الله، وأن تبرأ مما يعتقده النصارى من كون المسيح إلها، أو ابناً لله - تعالى الله عن ذلك - وتبرأ من عبادته، أو عبادة مريم، إلى غير ذلك من العقائد التي كانت تدين بها قبل الإسلام، فالواجب عليها أن تبرأ منها حتى يصح إسلامها.
ثم تلتزم بفعل الصلاة، وتبدأ بتعلم الفاتحة، وتكفيها لصحة صلاتها، بل تبدأ بالصلاة في فترة تعلمها أيضاً.
وليس لدينا كتب باللغة الإنجليزية، لكن يمكنك الاستفادة من المادة الموجودة بالموقع باللغة الإنجليزية، والدخول أيضاً إلى (خدمات الموقع) للتعرف على المزيد من المواقع الإسلامية باللغة الإنجليزية، وعليك زيارة هذا الموقع النافع أيضاً:
www.sultan.org
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1422(1/2869)
بهذه الأمور يحكم على الكافر بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للعروس فى ليلة عرسها فى الحفلة الخاصة بالنساء فقط أن تظهر شعرها بوجود نساء مسلمات وامرأة مسيحية هى زوجة خالها سابقا وهي تدعي أنها قد أسلمت، ولم نسمع منها الشهادتين؟ فهل تعاملها معاملة الأخت المسلمة أم لا وهل ينطبق ذلك على الأخوات المسلمات الحاضرات؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هناك ثلاث طرق يثبت بها للكافر حكم الإسلام:
1-النطق باللسان بالشهادتين: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) ، وليس من اللازم - لغير العربي- أن تكون صيغتهما باللغة العربية. إن تعذر عليه نطقهما بالعربية.
2-الإسلام بالتبعية، أي: أن يأخذ التابع حكم المتبوع في الإسلام، كما يتبع ابن الكافر الصغير أباه إذا أسلم مثلاً.
3-الإسلام بالدلالة، أي: الإتيان بفعل يختص بشرعنا نحن المسلمين: كالوضوء، أو قراءة القرآن، أو الحج كاملاً… وليس فعل عبادة مشتركة بين الأديان، مثل: الصدقة، والصوم. أما مجرد الإدعاء من كافر أنه أسلم فلا يُعْتَدُ به، ولا يعامل بمقتضاه معاملة المسلم.
والجواب على إظهار العروس شعرها في حفل زفافها يراجع فيه الفتوى رقم 284
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1422(1/2870)
لا يحكم لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار إلا بنص ثابت.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحكم لأهل القبلة بجنة أو نار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأهل القبلة الذين هم المسلمون المصلون إليها يحكم أنهم يدخلون الجنة إن ماتوا على الإسلام، ومن دخل النار منهم بسبب معاصيه فلا يخلد فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: " يقول الله تعالى: من كان في قلبه مثقال خردل من إيمان فأخرجوه" يعني: من النار، فأهل السنة والجماعة لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بأي معصية من المعاصي ما لم يستحلها أو تكن شركاً.
أما الحكم على أحد بعينه من أهل القبلة بجنة أو نار فهو موقوف على الوارد في كتاب الله والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرين بالجنة وعكاشة بن محصن ونحوهم ولا مدخل للعقل فيه، لكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء. وننبه على أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فقد تواترت النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن التوبة المستوفية شروطها المعروفة تخلص صاحبها من جميع الذنوب، ومن أصرح هذه النصوص قوله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر:53] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2871)
حكم من زنى فمات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم على شخص زنى فسُجن أو أُعدم فهل يدخل الجنة أو النار؟ وجزاكم الله خيراً،،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق. " متفق عليه. فمن مات من هذه الأمة مؤمناً فمصيره إلى الجنة، فإما أن يدخل النار ثم يخرج منها، وإما ألا يدخلها أصلاً. وهذا في حق من لم يتب من الذنوب، ومن لم يطهر بإقامة الحد عليه. أما من تاب منها- بشروط التوبة المعروفة - فلن يدخل- إن شاء الله النار، لعموم الأدلة الدالة على قبول التوبة وكذلك من أصاب حداً وأقيم عليه، لما في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت في البيعة وفيه: " فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى، ومن أصاب من ذلك شيئاً فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور، ومن ستره الله فذلك إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " وفي رواية لمسلم: "ومن أتى منكم حداً فأقيم عليه فهو كفارته " قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال القاضي عياض: ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات، واستدلوا بهذا الحديث.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2872)
الشرائع متعددة وأصل مضمونها التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الأديان السماوية؟ وهل نزل على سيدنا عيسى عليه السلام الدين المسيحي وعلى سيدنا موسى عليه السلام الدين اليهودي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأديان السماوية هي الأديان التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً وأرسلهم بها إلى الخلق، وهي في الحقيقة دين واحد في أصله، وهو دين الإسلام قال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ) [آل عمران:19] .
قال ابن كثير في تفسيرها: إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثته بدين على غير شريعته، فليس بمتقبل منه، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85] . انتهى.
فإن الديانات السماوية متفقة فيما تدعو إليه من توحيد الله تعالى التوحيد الخالص وعدم الإشراك به، وإن اختلفت في بعض التشريعات الفرعية حكمة من الله وابتلاء لعباده ليتبين المطيع من العاصي، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36] .
وقال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة:48] .
وفي صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأنبياء أخوة لعلاّت أمهاتهم شتى ودينهم واحد".
وقد ختم الله الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونسخ بشريعته كل الشرائع وجعلها باقية إلى يوم القيامة وأرسله بها إلى الناس كافة لا يقبل الله من أحد بعد مبعثه ديناً غير الإسلام، قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85] .
والذي أنزله الله تعالى على موسى عليه السلام التوراة فيها تفصيل لكل شئ والذي أنزل على عيسى عليه السلام هو الإنجيل وفيها هدى ونور، وإباحة لبعض ما حرم في التوراة، وقد نسخ الله ذلك كله بالقرآن الكريم، وختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
وما يدين به الآن اليهود أو النصارى محرف غاية التحريف ومبدل كل التبديل بشهادة القرآن وكفى به شهيداً، وبشهادة بعضهم على بعض، ولو لم يحرفوا ويبدلوا ما جاءتهم به أنبياؤهم وعملوا بمقتضى ذلك لكان لزاماً عليهم أن يؤمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويتبعوه، لأن أنبيائهم أمروهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ونصت على ذلك كتبهم الخالية من التحريف، كما قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف:6] .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1422(1/2873)
الشعور بثقل صلاة النافلة على النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[اشعر بثقل صلاة الناقلة خاصة صلاة ما بعد العشاء، لماذا هل هو مس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم من شعور المسلم بثقل صلاة النافلة عليه أن يكون هذا عن مس أصابه، ومن المعلوم أن إيمان العبد يزيد ويضعف فيشعر بنشاط للعبادة وقت زيادة إيمانه، وربما ثقل عند ضعف إيمانه، وهذا الفتور الذي يعتري المؤمن قد يكون بسبب المعاصي، وقد يكون بسبب المبالغة في العبادة، وقد يكون بسبب مرض عضوي أو نفسي أو مس أو غير ذلك.
والذي ننصح به أخانا السائل هو أن يجاهد نفسه على أداء الرواتب من غير مبالغة في العبادة، وليبشر بالخير إن شاء الله تعالى، وليحذر من أن يرخي لنفسه العنان في ترك السنن فإن النفس إذا ألفت ذلك صعب ردها، وانظر للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1891، 28988، 43712، 54617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1429(1/2874)
مدى صحة نسبة القول بالإرجاء للإمام أبي حنيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان الإمام أبو حنيفة مرجئا؟ وهل تراجع عن ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان من أصول أهل السنة أن الإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح.
ولا خلاف بين أهل السنة – بما فيهم أبو حنيفة رحمه الله - أن الله تعالى أراد من العباد القول والعمل، والمراد بالقول التصديق بالقلب والإقرار باللسان، لكن هذا المطلوب من العباد: هل يشمله اسم " الإيمان "؟ أم الإيمان أحدهما، وهو القول وحده والعمل مغاير له لا يشمله اسم " الإيمان " عند إفراده بالذكر، وإن أطلق عليهما كان مجازا؟ هذا محل النزاع.
وأما نسبة القول بالإرجاء للإمام أبي حنيفة فذكره عنه غير واحد كأبي الحسن الأشعري وغيره من العلماء، ويسمونه وأتباعه على مذهبه هذا بمرجئة الفقهاء.
ومع ذلك فقد بين العلماء وجهة الإمام في المسألة محاولين الاعتذار له وتقريب البون بين قوله وقول أهل السنة وأحيانا دافعين عنه هذه التهمة.
قال الشهرستاني في الملل والنحل: ... كان يقال لأبي حنيفة وأصحابه: مرجئة السنة. وعده كثير من أصحاب المقالات: من جملة المرجئة؛ ولعل السبب فيه: أنه لما كان يقول: الإيمان: هو التصديق بالقلب، وهو لا يزيد ولا ينقص، ظنوا أنه يؤخر العمل عن الإيمان. والرجل مع تحريجه في العمل كيف يفتي بترك العمل؟ !.
وله سبب آخر؛ والمعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم في القدر: مرجئاً، وكذلك الوعيدية من الخوارج؛ فلا يبعد أن اللقب إنما لزمه من فريقي المعتزلة والخوارج. والله أعلم. اهـ
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: والاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة - اختلاف صوري. فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب، أو جزءا من الإيمان، مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه - نزاع لفظي، لا يترتب عليه فساد اعتقاد ... إلى أن قال: ف َالْإِمَامُ أَبُو حنيفة رضي الله عنه نَظَرَ إلى حَقِيقَة الْإِيمَانِ لُغَة مَعَ أَدِلَّة مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ. وَبَقِيَّة الْأَئِمَّة رَحِمَهُمُ الله نَظَرُوا إلى حَقِيقَتِه في عُرْفِ الشَّارِعِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ ضَمَّ إلى التَّصْدِيقِ أَوْصَافًا وَشَرَائِطَ، كَمَا في الصلاة وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ
ويتحصل مما سبق انه لا يصح إطلاق القول بأن الإمام أبا حنيفة كان من المرجئة لان المرجئة فرق متشعبة وقولهم بالإرجاء متفاوت. ولأنه رحمه الله يوافق أهل السنة في لزوم العمل وأهميته، وأنه مطلوب من كل مسلم، وأن الكبائر محرمة ويأثم مرتكبها وأنه تحت المشيئة.
ومن هنا قيد من وصفه ومن تبعه بالإرجاء بتسميتهم مرجئة الفقهاء ليميزوا عن سائر المرجئة وغلاتهم من الجهمية وغيرهم.
ولا نعلم أنه رجع عن هذا القول في الإيمان ولم ينقله عنه أحد فيما اطلعنا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(1/2875)
السبيل لعودة الإيمان كما كان قبل المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي فهل ينقص إن أذنب العبد ذنبا ولو من غير تعمد أو قصد وإنما لفطرته البشرية الخطاءة؟ وكيف يعيد إيمانه أفضل مما كان عليه قبل المعصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما حصل من العبد من غير تعمد له ولا قصد يعفى عنه لقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب: 5} وأما المعصية المتعمدة فينقص بها الإيمان وتجب التوبة منها، وبالتوبة الصادقة المستوفية للشروط يعود الإيمان إلى ما كان عليه قبل الذنب إن لم يكن أعلى وأرفع.
وأما تقوية الإيمان فراجع فيها وفي المزيد عما ذكرنا الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 33780، 31874، 41232، 40757، 62455، 6342، 30758، 76210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1428(1/2876)
تقوية الإيمان بالقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نقوي إيماننا بالقرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه من الممكن للمرء أن يقوي إيمانه بالقرآن عن طريق تلاوته وتدبر آياته بخشوع وحضور قلب، قال الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {محمد:24} ، ومما يعين على خشوع القلب عند تلاوة القرآن.. الإخلاص لله تعالى عند تلاوته، وفراغ القلب عن شواغل الدنيا، والبعد عن الذنوب والمعاصي، والبكاء عند تلاوته أو التباكي، وتحري الأوقات التي يكون القلب فيها أبعد ما يكون عن الشواغل.
كما أن الإنصات لتلاوة القرآن هو أيضاً مما يعين على هذا الأمر، وقد وعد الله المنصت للتلاوة بالرحمة، قال الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الأعراف:204} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(1/2877)
محبة غير الله كمحبة الله شرك
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يقول إنه يحي والدته أكثر من ربه والرسول، وقلت له الآية التي توعد الله بها بالحرب وزوجي يعلمها ومع ذلك هو مصر على أنه يحي والدته أكثر، فهل كفر بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا مقصود السائلة بقولها (يحي والدته أكثر) ومن المعلوم أن التحية السلام، فإن كان يعني أنه يسلم على والدته أكثر، فهذا لا إشكال فيه لأن الإنسان يسلم على من تتكرر رؤيته له أكثر من غيره.
وأما إن كان المقصود أنه يحب والدته أكثر من الله ورسوله فهو على خطر عظيم، فإن محبة غير الله تعالى كمحبة الله شرك فكيف إذا أحب غير الله أكثر، ومحبة غير النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منه تعتبر نقصاً شديداً في الإيمان، وبيان ذلك أن الله تعالى أخبر أن محبة أحد كمحبته سبحانه تعتبر شركاً، فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ {البقرة:165} ، فمن أحب أحداً كمحبته لله فقد اتخذه نداً من دون الله، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة: فمن أحب شيئاً غير الله كما يحب الله فهو من المشركين لا من المؤمنين. وقال أيضاً: ... لا يجوز أن نحب شيئاً من المخل وقات مثل حبه بل ذلك من الشرك، قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ...
كما أن محبة غير النبي من المخلوقات أكثر من محبة النبي يعتبر دليلاً على نقص الإيمان، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.. ولما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر. رواه البخاري.
فالواجب على من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله تعالى فإن الله تعالى هو مولى النعم، كما قال تعالى: وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ {النحل:53} ، كما أنه تعالى المتصف بصفات الكمال فهو أولى أن يحب أكثر من غيره، ورسوله صلى الله عليه وسلم أفضل البشر وسيد ولد آدم وأنقذنا الله به من دركات الجهل والضلال فهو أولى بالمحبة من الوالدين والأولاد، وينبغي أن تعلم الأخت السائلة أنه ليس كل من وقع في عمل أو اعتقاد كفري وقع الكفر عليه، وانظري الفتوى رقم: 721.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1428(1/2878)
التوبة وتجديد الإيمان بعد العصيان
[السُّؤَالُ]
ـ[فى أحيان كثيرة وأنا فى حالات نفسية سيئة أشعر بثقل كبير فى العبادات (الصلاة, الأذكار, قراءة القرآن) بعكس عندما أكون فى حالة نفسية جيدة فهل هذا ضعف فى الإيمان أم قوة الإيمان متغيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم السائل الكريم أن مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وهي امتثال أمر الله تعالى والالتزام بأمره ونهيه بإخلاص، كما أنه ينقص بالمعصية والعياذ بالله تعالى. وعليه، فإن ما يصيبه من الضيق أو الثقل عند العبادة في بعض الأحيان قد يكون سببه ارتكاب بعض المخالفات فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويجدد إيمانه بذكر الله تعالى والتوبة إليه والتفكر في الموت وما بعد الموت، وقد ذكرنا بعض أسباب الفتور عن الدين وعلاج ذلك في الفتوى رقم: 17666، ولبيان ما يعين على الخشوع في الصلاة راجع الفتوى رقم: 9525.
ولمزيد الفائدة نذكر هنا بعض الأحاديث التي تبين طريق الوصول إلى حلاوة الإيمان، فقد روى الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. وعن ابن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام ديناً ومحمداً رسولاً. أخرجه مسلم والترمذي وأحمد. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 34831.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(1/2879)
زيادة الإيمان ونقصانه وعلاج الفتور
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي في الشبكة الإسلامية.. أنا شاب في العقد الثالث من عمري, هداني الله تعالى إلى الصلاة قبل أربع سنوات شعرت فيها بلذة الإيمان, أحيانا كنت أحس بأن الإيمان يكاد يفيض من بين أضلعي، وأحيانا كانت تخف جذوته، هذا في الحقيقة لم يقلقني لأنني أعلم أن الإيمان يزيد وينقص، ولكن ما يقلقني الآن ويقض مضجعي هو حالة الفتور الشديد التي تلازمني منذ أكثر من شهرين، فأنا أصبحت لا أصلي إلا الفروض فقط, كما أنني لم أعد أستطيع استحضار الخشوع في صلاتي ولم أدخل مسجدا منذ ما يزيد عن الشهر، أصبح يلازمني شعور باللامبالاة وعدم الاطمئنان وكثرة النوم، وعلى النقيض الآخر فأنا شديد التحيز لدين الله لا أطيق أن أسمع كلاما يمس دين الله أو رسولنا الكريم إلا وكنت بالمرصاد (مع العلم بأنني أعمل في شركة يهودية في القدس) ، لا أعلم ما علي فعله ولا أعلم ما هي الحالة التي أنا فيها أصلي وقلبي ليس مع الصلاة.... فهل أنا منافق، هل صلاتي مقبولة، من أنا؟ ولكم الشكر الجزيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحمد الله سبحانه وتعالى أن وفقك للتوجه لطاعته والالتزام بالصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، كما نسأله أن يوفقك للاستقامة على دينه ويعينك على أداء فرائضه، ثم اعلم أن الصلاة في الجماعة فرض على الرجل المستطيع فلا يجوز لك التخلف عنها إلا لعذر، ولبيان الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة راجع الفتوى رقم: 60743.
أما ما ذكرت من زيادة الإيمان ونقصانه فذلك صحيح وسبب زيادته امتثال أمر الله تعالى والالتزام بطاعته بإخلاص كما أنه ينقص بالمعصية والعياذ بالله تعالى، أما الفتور الذي يعتريك فقد يكون ناجماً عن بعض المخالفات فعليك أن تتوب إلى الله تعالى ولا تستسلم للكسل والفتور، وقد ذكرنا بعض أسباب الفتور عن الدين وعلاج ذلك في الفتوى رقم: 17666. ولبيان ما يعين على الخشوع في الصلاة راجع الفتوى رقم: 9525.
ثم إن النفاق ينقسم إلى قسمين نفاق مخرج من الملة والعياذ بالله تعالى، وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر وهذا لا ينطبق عليك والحمد لله لما ذكرت من شدة حميتك وانحيازك لدين الله تعالى ومحبتك لرسوله صلى الله عليه وسلم، القسم الثاني النفاق العملي وهذا يوجد عند كثير من المسلمين وقد بينا أمثلته وسبيل التوبة منه في الفتوى رقم: 94258.
هذا وننبه الأخ السائل إلى أنه يجب عليه أن يتوب إلى الله مما مضى من تفريطه في الصلاة وغيرها من الفرائض في فترة ما بين بلوغه وهدايته، وجمهور العلماء يرون أن عليه أن يقضي صلاة تلك الفترة، ولبيان كيفية القضاء تراجع الفتوى رقم: 31107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1428(1/2880)
تقوى العقيدة بالعمل بمقتضياتها ولوازمها
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعرف كيفية استشعار العقيدة.... أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقيدة تقوى عندما يلتزم معتقدها بمقتضياتها ولوازمها في واقع حياته، فالذي يعتقد أن ربه الله فلن يطلب الرزق من غيره، والذي يعتقد أن معبوده هو الله فلن يصرف أي نوع من العبادة لغير الله، ولن يتحاكم في جميع شؤون حياته إلا إلى منهج الله، وسيحب ويوالي أولياء الله من المؤمنين والمسلمين، وسيبغض ويعادي ويتبرأ من أعداء الله والمشركين.
والذي يعتقد أن لله الأسماء الحسنى والصفات العلا سيراقب الله ويحذر من أن يجده واقعاً فيما نهاه عنه، فهو يعتقد أن الله سميع بصير قريب عليم بذات الصدور لا تخفى عليه خافية.
ومن يعتقد بوجود الملائكة لن يستوحش من الوحدة ولا من قلة الموافقين لدينه ومنهج حياته من البشر، وسيشعر أن له مؤيدين من الملائكة يحفظونه ويحفونه ويعبدون الله معه، ومن يعتقد بالقدر سيحسن الظن بربه، وسيصبر على ما يصيبه ويرضى عن الله وسيحتسب أجر صبره ورضاه، ومن يعتقد أن هناك يوماً آخراً وأن بعد الموت بعث ونشور فسيتقي الله في قوله وفعله ولن يحزن على فوات الدنيا منه إن كان فيها فقيراً أو مظلوماً، ففي الآخرة سيعوض وسينسى ما مر به من بلاء وشقاء وبؤس.
وهكذا في سائر أركان الإيمان وأبواب الاعتقاد في المغيبات، فإذا تحرك العبد في حياته موقناً بهذه المغيبات فسيصبح رجل العقيدة الذي يحيا لها ويحيا بها.
واعلم أن الناس متفاوتون في مقدار يقينهم بأركان الإيمان، ومن ثم تتفاوت منزلتهم عند الله، ولذلك كان أبو بكر أفضل الأمة بعد نبيها، نسأل الله أن يذيقنا وإياك حلاوة الإيمان ويرزقنا وإياك اليقين، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 2246، والفتوى رقم: 25174، والفتوى رقم: 10800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1426(1/2881)
ومظاهرضعف الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي علامات ضعف الإيمان؟
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلامات ومظاهرضعف الإيمان كثيرة، ومنها:
- التهاون في أداء الواجبات.
- والتساهل في الوقوع في الذنوب والآثام.
- وعدم التأثر بالقرآن والمواعظ.
- وضياع الوقت فيما لا ينفع.
- وعدم حفظ اللسان عن الوقوع في أعراض الناس.
- وعدم حفظ البصر عن النظر إلى عورات الناس.
- واستثقال الطاعات والعبادات.
وغيرها من المظاهر والعلامات، ولعلاج ضعف الإيمان، راجع الفتوى رقم: 10800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(1/2882)
دلالة عدم ندم العاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أعصي الله وليس عندي إحساس بالندم، فهل هذا استدراج لي من الله، وكيف السبيل للبعد عن المعاصي والذنوب؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعدم ندمك على وقوع المعاصي منك دليل على ضعف إيمانك وعدم مبالاة الله تعالى بك، لأن المؤمن هو الذي تسره حسنته وتسوؤه سيئته، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما هو عند الترمذي وأحمد، قال صاحب تحفة الأحوذي عند شرحه لهذا الحديث قوله: من سرته حسنته -أي إذا وقعت- وساءته سيئته -أي أحزنته إذا صدرت منه- فذكم المؤمن، أي الكامل؛ لأن المنافق حيث لا يؤمن بيوم القيامة استوت عنده الحسنة والسيئة. انتهى، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 18073.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1424(1/2883)
الله سبحانه هو وحده الذي يوفق العبد للهداية والضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم (يهدي من يشاء ويضل من يشاء)
السؤال: من المقصود بيشاء (الله أم الفرد) ؟ وهل أنا مسير إذا شاء الله أن اكون مهتديا أو أن اكون ضالا؟ هل يجوز أن أقول لأي شخص انت ضال اذا كان الله يشاء له الضلال؟
افيدوني وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أولا: فاعلم أن قولك بسم الله الرحمن الرحيم يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يفهم منه أنها آية قرآنية، لكن ليس في القرآن آية بهذا اللفظ، وإنما جاءت في سورة إبراهيم بلفظ"ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء"، وتكررت في سورة النحل بلفظ "ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء"، كما تكررت في سورة فاطر بلفظ"فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء"، وتكررت كذلك في سورة المدثر بلفظ"، كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء"، ويلاحظ أن الله تعالى ذكر الإضلال قبل الهداية في المواضع الأربعة، والسبب في ذلك بينه الشيخ صديق حسن خان في كتابه فتح البيان في مقاصد القرآن، حيث قال رحمه الله "وتقدم الإضلال على الهداية لأنه متقدم عليها إذ هو إبقاء على الأصل، والهداية إنشاء ما لم يكن" انتهى.
ثانيا: اعلم أن فاعل يشاء في الآيات جميعا هو الله سبحانه وتعالى، وهو وحده سبحانه الذي يوفق العبد إلى الهداية أو إلى الضلال، فمن هداه فبفضله، ومن أضله فبعدله، وقد أخبر الله تعالى أن من أسباب هدايته للعبد إقبال العبد على الهداية واجتهاده في تحصيلها، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:17)
وقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69)
ثالثا: أما سؤالك هل أنت مسير أم لا فتجد جوابه مفصلا في الفتويين التاليتين: 4054، 26413 فراجعهما.
رابعا: اعلم أن القدر سر الله في خلقه، ولا يعلم أحد أن الله تعالى قد شاء الهداية أو الضلالة لفلان، والخواتيم مغيبة عنا، فقد يمضي إنسان دهره في ضلال ثم يختم له بعمل صالح فيدخل الجنة والعكس صحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار" متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أما مجرد قولك لإنسان أنت ضال، فإن كان على جهة بيان حقيقة ما هو عليه من ترك لأسباب الهداية وبعد عن الإيمان وكنت تقصد تنبيهه حتى يرتدع فلا حرج في ذلك إن شاء الله، أما إذا كنت تقولها له على جهة التعيير والتنقص، فلا يجوز ذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1424(1/2884)
زيادة الإيمان بالتوبة والعمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[الإيمان ذهب من قلبي فكيف أسترجعه وأنسى هذه الدنيا التي أصبحت أكبر همي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإيمان لا يذهب كلية من قلب المرء إلا إذا أتى بأحد نواقضه، فعقيدة أهل السنة أنهم لا يكفرون مرتكب المعاصي ولو كانت من الكبائر إلا إذا استحلها، قال حافظ الحكمي:
ولا نكفر بالمعاصي مؤمناً ... إلا مع استحلاله لما جنى
لكن العبد إذا أذنب نقص إيمانه بقدر ذنبه، قال حافظ الحكمي:
الفاسق الملي ذو العصيان ... لم ينف عنه مطلق الإيمان
لكن بقدر الفسق والمعاصي ... إيمانه ما زال في انتقاص
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن، ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن.
قال عكرمة: قلت لابن عباس: كيف ينزع الإيمان منه؟ قال: هكذا (وشبك بين أصابعه ثم أخرجها) فإن تاب عاد إليه هكذا (وشبك بين أصابعه) .
وفي رواية عند أحمد: والتوبة معروضة بعد. وصححها الأرناؤوط.
وبهذا يتبين أن الإيمان يزيد وينقص من قلب العبد بحسب أعماله، وأن نقصانه بالمعاصي وزيادته بالتوبة والعمل الصالح، ولذا فإن الواجب على المسلم أن يتوب إلى الله مما تسبب في نقص إيمانه، وأن يكثر من الأعمال الصالحة، ويصحب عباد الله الصالحين الذين يعينونه على الخير ويحضونه عليه، ويطلب العلم النافع لأنه سبيل العمل الصالح، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17666، 18623، 26411.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(1/2885)
علامات تدل على قوة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نعلم أننا مؤمنون حق الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمؤمنون يتفاوتون في إيمانهم تفاوتاً عظيماً، ولم يكمل إيمان واحدٍ منهم إلا إيمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأكملهم إيماناً نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا التفاوت الحاصل يكون بحسب ما في قلوبهم من قوة اليقين في الله والتصديق به وحبه ورجائه وخشيته والتوكل عليه والتسليم لحكمه والرضا بقضائه وقدره ونحو ذلك، وبحسب قيامهم بما أوجب الله عليهم من الأعمال الصالحة، وابتعادهم عما حرم الله عليهم من الأعمال الطالحة.
وهناك علامات يعرف بها الإنسان مدى قوة إيمانه منها:-
1- تقديم ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه نفسه وهواه.
2- بذل النفس والمال والغالي والرخيص من أجل الله تعالى.
3- حب من يحب الله ورسوله، وعداوة من يبغض الله ورسوله ويكفر بهما.
4- الرضا بالقضاء والقدر وعدم وجود الضيق أو الحرج عند نزول البلاء.
5- المسارعة والمسابقة إلى فعل الخيرات والكف عن المعاصي والمنكرات.
6- الطمأنينة والانشراح عند ذكر الله تعالى، قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال،2-4] .
7- اليقين في الله والاعتصام به، قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] .
8- السرور بفعل الطاعة والضيق عند فعل المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن. رواه الترمذي وأحمد والحاكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(1/2886)
سبل تقوية الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن للمسلم أن يقوي إيمانه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت بالكتاب والسنة، وتواطأت أقوال الصحابة والتابعين على أن الإيمان يزيد وينقص، أي: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
قال الإمام البخاري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس -: وهو قول وفعل ويزيد وينقص، قال الله تعالى: (لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ... ) إلى آخر ما استشهد به البخاري من الآيات، وأقوال الصحابة في زيادة الإيمان ونقصه.
وعليه، فمن أراد أن يقوى إيمانه، ويكمل، فعليه أن يمتثل جميع أوامر الشرع، وينتهي عن نواهيه، ويكثر من أعمال الطاعات، لقول البخاري - في باب بني الإسلام على خمس: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان ... إلى آخر كلامه.
فقوة الإيمان إذا مرتبطة بزيادة الطاعات واليقين، ولمزيد الفائدة راجع الأجوبة رقم: 5904، ورقم 6342.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1422(1/2887)
لا إيمان لمن لا يؤمن بما أخبر به الله ورسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[بالله عليكم أفيدوني أنا شاب هداني الله عزوجل ولكن عندما اقرأ كتباً عن بداية الخلق أو الملائكة أو عذاب القبر لا أصدق! لماذا؟ لا أعرف، ولكني مؤمن بالله عز وجل بالله عليكم أفيدوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من لم يؤمن بخلق آدم والسموات والأرض كما أخبر الله في كتابه أو لم يؤمن بالملائكة أو بعذاب القبر، ولم يصدق بذلك، فإنه لا يعد من المسلمين بإجماع علماء المسلمين لأنه يكذب بأمور معلومة من الدين بالضرورة، ويكذب صريح القرآن والسنة؛ وإن زعم أنه يؤمن بالله عز وجل، لأنه يجحد ويكذب بما هو قطعي من دين الإسلام.
فإن كنت تؤمن بالله عز وجل فكيف لا تصدق بكلامه؟ وتؤمن بما جاء في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؟! فيجب عليك أن تجدد إيمانك، وتوقن بقلبك بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، على مراد الله وعلى مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنقاد له لعل الله يغفر لك ما وقعت فيه من الردة والكفر، فإن التوبة تجب ما قبلها، والإسلام يجب ما قبله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1423(1/2888)
الهدي النبوي لمن ابتلي بالوسوسة في العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[تتبادر إلى ذهني بعض الأسئلة الخطيرة وخاصة في موضوع العقيدة والخلق وذلك بعدما أصبت بمرض عادي بعدما كنت أتخيل سيرة النبي الكريم وأنا على جنابة في ليلة من شهر مارس فهل أنا ممسوس أو بي سحر التخييل ما هو العلاج جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا أنفع في علاج الوسوسة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي أحدكم الشيطان فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول: له من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.
فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من ابتلي بهذه الوسوسة إلى الإعراض عن هذا الخاطر الشيطاني، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه، وترك الاسترسال معه، فالتمادي في الوسوسة لا يقف عند حد، وهذا الإعراض والترك يصلح لمن كانت هذه الخواطر طارئة على ذهنه غير مستقرة عنده ولا اجتلبتها شبهة.
فأما عن الخواطر المستقرة التي أوجبتها شبهة، فعلاجها بتعلم ما يدفعها ويبطلها، مع اللجوء إلى من قلوب العباد بين أصبعيه يقلبها كيف يشاء، والتضرع بين يديه وسؤاله التثبيت على الإيمان واليقين حتى يلقاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1423(1/2889)
الإسلام والإيمان بينهما عموم وخصوص
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون المرأة مؤمنة وليست مسلمة فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان أعم من الإسلام؛ حيث إن كل مؤمن مسلم من غير عكس، كما في قوله تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ. {الحجرات:14} .
وذلك لأن الإيمان يشمل الإسلام وزيادة. فمن نطق بالشهادة وأتي ببعض الأعمال الظاهرة فهو مسلم، أما الإيمان فهو اعتقاد وقول وعمل: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان.
وبين الإسلام والإيمان عموم وخصوص؛ بمعنى أنه لابد لكل مسلم من وجود أصل الإيمان في قلبه، وهو تصديق القلب وانقياده، حتى يصح إسلامه بينه وبين ربه، وإلا كان منافقا. وكذلك لا يصح إيمان في الباطن دون وجود أصل الإسلام في الظاهر، وهو كلمة التوحيد، اللهم إلا مع عجز أو إكراه، وإلا فمجرد تصديق الباطن لا ينفع صاحبه، كما قال تعالى عن قوم فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا. {النمل:14} .
وعلى ذلك، فنقول إن كان قصد السائلة أن تكون مؤمنة مطلق الإيمان: أي الحد الأدنى لكي يصح إسلامها بينها وبين الله ولا تكون من المنافقين، فهذا يتحقق بالتصديق الباطني مع الإتيان بالإسلام الظاهر.
أما إن كان قصدها أن تكون مؤمنة الإيمان المطلق الكامل، فهو بذلك الاعتبار اعتقاد وقول وعمل كما سبق، فمن أدى الفرائض واجتنب المحرمات مع التصديق الباطني فهو مؤمن، ومن أتى بالإسلام الظاهر مع التصديق الباطني، لكن لم يقم بما يجب عليه من أمور الإيمان، فهو مسلم ليس بمؤمن.
وعلى ذلك فالإيمان يتفاوت، فهو يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فبقدر تحقيقك واستكمالك لشعب الإيمان تترقين في درجات الإيمان حتى تكوني كاملة الإيمان، وبقدر تقصيرك فيها يقل إيمانك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان. رواه مسلم.
وعن عدي بن عدي قال كتب إلي عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن للإيمان فرائض وشرائع فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن عشت أبينها لكم حتى تعملوا بها إن شاء الله وإن مت فوالله ما أنا على صحبتكم بحريص.
وراجعي للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19304، 36680، 34585، 36574.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(1/2890)
هل الإسلام يكون أولا أم الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[من حيث الترتيب هل الإيمان أولا أم الإسلام؟ بالرجوع إلى الآية الكريمة (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا....) تشير هذه الآية إلى أن الإسلام أولا.
وفي الآية (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) الترتيب يفيد أن الإيمان أولا.
نرجو الإفادة من حيث الترتيب بين الإيمان والإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام والإيمان إذا اجتمعا في نص فإنهما يفترقان في المعنى. ويكون الإسلام قبل الإيمان؛ لأن الإسلام نطق باللسان وعمل بالجوارح الظاهرة؛ فمن نطق بالشهادتين، وصلى الخمس وأدى الزكاة إلى بقية أركان الإسلام الخمسة المعروفة فهو مسلم، ولهذا كان نبينا- صلى الله عليه وسلم- يدعو إليه أولا فيقول لمن يدعوه: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم.. ويقول: أسلموا تسلموا. وكلاهما في الصحيحين.
أما ما زاد على الأعمال الظاهرة من التصديق بالقلب والإيمان بالغيب مع بقية أركان الإيمان الستة فهو الإيمان، كما جاء في حديث جبريل المشهور، وكما في الآية التي أشار إليها السائل الكريم.
مع أن كلا من الإسلام والإيمان يقوم مقام صاحبه عند عدم ذكره، كما في قول الله تعالى: وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {آل عمران:102} فقد قال أهل التفسير معناها: محسنون بربكم الظن، وقيل مخلصون، وقيل مفوضون، وقيل مؤمنون.
وفي تفسير ابن كثير: قوله تعالى: وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {آل عمران:102} . روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه. اهـ
وعلى هذا فالإسلام هنا شمل الإيمان أيضا، كما قرر ذلك أهل العلم. وسبق بيانه بالتفصيل في الفتويين رقم: 36680، 47159.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(1/2891)
قواعد الإسلام الخمس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي قواعد الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قواعد الإسلام هي الأركان الخمسة المذكورة في حديث جبريل، الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، قال الناظم:
قواعد الإسلام خمس واجبات
... ... ... ... ... وهي الشهادتان شرط الباقيات
ثم الصلاة والزكاة في القطاع
... ... ... ... ... والصوم والحج على من استطاع
وراجعي الفتوى رقم: 5151.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1427(1/2892)
الإسلام أولا ثم الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل
لقد جاءني سؤال من قبل أخي الكبير.. وإنني في الحقيقة أخشى أن أخطئ في إجابتي عليه أو أقول على الله ما ليس لي به علم ...
وأسأل الله رب العرش العظيم أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم آمين
السؤال كالتالي:
Which comes first EMAN OR ISLAM? WHY ?
سأقوم بترجمته: أيهما يأتي أولا الإيمان أم الإسلام , ولماذا؟
أرجو الإجابة عليه.. وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل بين مسمى الإسلام ومسمى الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتجح البيت إن استطعت إليه سبيلا ... الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. الحديث رواه مسلم.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين ثلاث درجات أعلاها الإحسان وأوسطها الإيمان، ويليه الإسلام.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل، وذهب بعضهم إلى أنهما شيء واحد.
قال الإمام النووي: قال الخطابي: والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام ولا يطلق، وذلك أن المسلم قد يكون مؤمنا في بعض الأحيان ولا يكون مؤمنا في بعضها، والمؤمن مسلم في جميع الأحوال، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا.. وأصل الإيمان التصديق، وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد، فقد يكون المرء مستسلما في الظاهر غير منقاد في الباطن، وقد يكون صادقا في الباطن غير منقاد في الظاهر.. وقال البغوي: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان والتصديق بالقلب ليس من الإسلام؛ بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين.. والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعا، يدل عليه قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 19} وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ {آل عمران: 85} فأخبر سبحانه وتعالى أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام، ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل. اهـ.
وعليه، فإن الإسلام يأتي أولا ثم لا بد له من إيمان ليكون الدين مقبولا عندالله. قال ابن كثير: فالإسلام بعده مرتبة يرتقي إليها وهو الإيمان. اهـ.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 19304.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(1/2893)
أركان الإسلام وأركان الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[1 - ما الفرق بين أركان الإيمان وأركان الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، لمن استطاع إليه سبيلا.
وأركان الإيمان ستة: الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
والفرق بينهما أن أركان الإسلام أعمال ظاهرة تقوم بها الجوارح، من صلاة وزكاة وصيام وحج.
وأركان الإيمان أعمال باطنة محلها القلب، من إيمان بالله وملائكته ... الخ.
وقد يكون الشخص مسلما وليس مؤمنا كما قال تعالى: [قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ] (الحجرات: 14) .
فالأعراب قالوا آمنا ووصفوا أنفسهم بالإيمان فرد الله تعالى عليهم مؤدبا ومعلما.. وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: إن الإيمان هو التصديق مع طمأنينة القلب والوثوق الكامل بالله تعالى، واتفاق القلب واللسان والجوارح وهذه المرتبة لم تصلوا إليها بعد، ولكن قولوا أسلمنا وانقدنا إليك طائعين مستسلمين، وعلى هذا، فالإيمان غير الإسلام، ولمعرفة الفرق بين الإسلام والإيمان راجع الفتاوى: 19304، 36680 لمزيد من الفائدة.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(1/2894)
الإيمان والإسلام في ضوء قول الأعراب آمنا
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) وضح الفرق بين وصف الإيمان ووصف الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبداية الآية قول الله تبارك وتعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات:14] .
ومن المعنى الإجمالي للآية يتضح الفرق بين وصف الإيمان ووصف الإسلام، فالأعراب قالوا آمنا ووصفوا أنفسهم بالإيمان، فرد الله تعالى عليهم مؤدباً ومعلماً ... وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: إن الإيمان هو التصديق مع طمأنينة القلب والوثوق الكامل بالله تعالى، واتفاق القلب واللسان والجوارح ... وهذه المرتبة لم تصلوا إليها بعد، ولكن قولوا أسلمنا وانقدنا إليك طائعين مستسلمين ...
وعلى هذا، فالإيمان غير الإسلام، فالإيمان مرحلة متقدمة لم يصل إليها القوم بعد، وإنما دخلوا في الإسلام بمجرد النطق بالشهادتين مع أداء بعض الأعمال الظاهرة، واستعدوا للانقياد والاستسلام لأوامره.
وإذا اجتمع الإيمان والإسلام في نص افترقا في المعنى، فدل الإيمان على الأمور الباطنة، ودل الإسلام على الأعمال الظاهرة، ويؤيد هذا المعنى ما جاء في حديث جبريل المشهور عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال: الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً.
وقال له في الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.
وإذا افترقا اجتمعا، فدل كل واحد منهما على ما يدل عليه الآخر، وبهذا يتضح لك الفرق بين الإيمان والإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(1/2895)
يزداد المسلم رسوخا في الإسلام بحسب استسلامه وانقياده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نحن مسلمون حقا؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سأل رجل الحسن البصري فقال: يا أبا سعيد: أمؤمن أنت؟ فقال له: الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث والحساب، فأنا به مؤمن. وإن كنت تسألني عن قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً [الأنفال:2 - 4] فوالله ما أدري أنا منهم أم لا. ذكره القرطبي في تفسيره.
وبناءً على هذا فنقول: إن المسلم يدخل في دائرة الإسلام بمجرد شهادته بالتوحيد والرسالة وإقراره بالمضمون مع سلامته من الإتيان بناقض من نواقض الإسلام قوليًّا كان أو عمليًّا، والدليل لما قلناه هو في حديث مسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكٍ فيحجب عن الجنة.، ولما في حديث الصحيحين: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
ثم إنه يزداد المسلم تمكنًا في الإسلام وقوة في الإيمان بحسب ما يكون عنده من تمام الاستسلام والانقياد، وبقدر ما يتحلى به من شعب الإيمان، كما يضعف إيمانه بقدر قيامه بالمعاصي وتقصيره في الطاعات.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. أخرجه مسلم وأخرج البخاري بعضه.
وقد ألف البيهقي رحمه الله كتابًا في شعب الإيمان، فيمكن الرجوع إليه. وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث تلخيصا لما أورده بعض أهل العلم فيها فقال: فائدة قال القاضي عياض: تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان، اهـ، ولم يتفق من عدَّ الشُّعب على نمط واحد وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان، لكن لم نقف على بيانها من كلامه، وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن. فأعمال القلب: فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة: الإيمان بالله: ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء، واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره، والإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه المسألة في القبر والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار، ومحبة الله والحب والبغض فيه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه: الصلاة عليه، واتباع سنته. والإخلاص: ويدخل فيه: ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع، ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير وترك الكبر والعجب وترك الحسد وترك الحقد وترك الغضب وأعمال اللسان وتشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن وتعلم العلم وتعليمه، والدعاء والذكر، ويدخل فيه الاستغفار واجتناب اللغو وأعمال البدن، وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة، منها ما يختص بالأعيان، وهي خمس عشرة خصلة: التطهير حسا وحكما، ويدخل فيه اجتناب النجاسات وستر العورة والصلاة فرضا ونفلا، والزكاة كذلك، وفك الرقاب، والجود، ويدخل فيه إطعام الطعام وإكرام الضيف والصيام فرضا ونفلا، والحج والعمرة كذلك، والطواف والاعتكاف، والتماس ليلة القدر، والفرار بالدين، ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك، والوفاء بالنذر، والتحري في الإيمان، وأداء الكفارات، ومنها ما يتعلق بالاتباع، وهي ست خصال: التعفف بالنكاح، والقيام بحقوق العيال، وبر الوالدين، وفيه اجتناب العقوق وتربية الأولاد، وصلة الرحم، وطاعة السادة أو الرفق بالعبيد، ومنها ما يتعلق بالعامة، وهي سبع عشرة خصلة: القيام بالإمرة مع العدل، ومتابعة الجماعة، وطاعة أولي الأمر، والإصلاح بين الناس، ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة، والمعاونة على البر، ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود والجهاد، ومنه المرابطة وأداء الأمانة، ومنه أداء الخمس والقرض مع وفائه، وإكرام الجار، وحسن المعاملة، وفيه جمع المال من حله، وإنفاق المال في حقه، ومنه ترك التبذير والإسراف، ورد السلام وتشميت العاطس، وكف الأذى عن الناس، واجتناب اللهو، وإماطة الأذى عن الطريق، فهذه تسع وستون خصلة، ويمكن عدها تسعا وسبعين خصلة باعتبار إفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر والله أعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(1/2896)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يتضمن التعريف بمبادئ الإسلام؟ وجزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التعريف بمبادئ الإسلام قد تضمنه حديث جبريل عليه السلام الذي خرجه مسلم وغيره من رواية عمر رضي الله عنه قال: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنّا أَحَدٌ، حَتّى جَلَسَ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّدا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجّ الْبَيْتَ،
إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ!. قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِالله، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، وَتُؤْمنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ" قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟. قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنّكَ تَرَاهُ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنّهُ يَرَاكَ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السّاعَةِ؟. قَالَ: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السّائِلِ" قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبّتَهَا. وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ، الْعَالَةَ، رِعاءَ الشّاءِ، يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ". قَالَ ثُمّ انْطَلَقَ. فَلَبِثْتُ مَلِيّا. ثُمّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ! أَتَدْرِي مَنِ السّائِلُ؟ " قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنّهُ جِبْرِيلُ. أَتَاكُمْ يُعَلّمُكُمْ دِينَكُمْ.
فيتضح من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد قسم الدين إلى ثلاثة أقسام:
المرتبة الأولى: مرتبة الإسلام: وهذه تشتمل على فرائض الإسلام العملية فبعد دخول المرء في الإسلام بأداء الشهادتين لا بد أن يقيم الصلاة المفروضة وهي خمس صلوات افترضها الله على عباده، ويؤتي زكاة ماله إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول، ويصوم رمضان -وهو الشهر المعروف- بإمساكه عن الطعام والشراب والجماع، وجميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس إذا كان عاقلاً بالغا مقيماً انتفت عنه الأعذار والموانع، ويحج بيت الله الحرام إن استطاع إليه سبيلاً حجة واحدة في العمر بالصفة المشروعة.
المرتبة الثانية: مرتبة الإيمان، وقد تضمنت أصول الاعتقاد الذي يجب أن يعتقده المؤمن وهي:
أولاً: الإيمان بالله ويتضمن الإيمان بوجوده، والإيمان بربوبيته بإفراده بالخلق والملك والتدبير، والإيمان بألوهيته بإفراده بالعبودية والإيمان بأسمائه وصفاته، بإثبات ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل.
ثانياً: يتبع الإيمان بالله الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم بأن يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نبي مرسل من عند الله تعالى، وأنه خاتم النبيين ختم الله برسالته الرسالات، ونسخ بها جميع الرسالات المتقدمة، وأنه بشر يجري عليه ما يجري على البشرية من نوم وآكل وشرب ومرض.. غير أنه معصوم من الله تعالى فلا يقع في مخل بالدين والمروءة، وأنه تجب متابعته وطاعته واتباع سنته.
ثانياً: الإيمان بالملائكة ويتضمن أربعة أمور: الإيمان بوجودهم، والإيمان بأعمالهم، والإيمان بمن ذكر في القرآن خصوصاً وبمن لم يذكر جملة، والإيمان بما ذكر من أوصافهم، وأن نعتقد أنهم معصومون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
ثالثاً: الإيمان بالكتب ويتضمن الإيمان بها جملة، والإيمان بما ذكر منها في القرآن وهي التوارة والإنجيل والزبور والقرآن، والإيمان بأن القرآن الكريم جاء ناسخاً لجميع الكتب وأنه آخر كتاب أنزل، والتصديق بجميع ما فيه، والعمل بكل ما لم ينسخ منه.
رابعاً: الإيمان بالرسل ويتضمن الإيمان بهم جملة بمن ذكر ومن لم يذكر في القرآن والسنة، والإيمان بمن ذكر على الخصوص وهم خمسة وعشرون نبياً ذكروا في القرآن وغيرهم مما صحت به السنة، والإيمان بأن محمداً صلى الله عليه وسلم، خاتمهم وأنه لا نبي بعده وأنه أفضلهم عليه الصلاة والسلام، وأنهم جميعاً عبيد لله تعالى ليس لهم من خصائص الألوهية شيء وإنما هم بشر اصطفاهم الله تعالى من بين سائر البشر ليبلغوا رسالاته.
خامساً: الإيمان باليوم الآخر وهو يوم القيامة ويتضمن الإيمان بالبعث بعد الموت والحشر والحساب والجزاء والصراط والميزان والشفاعة، والجنة والنار ويدخل فيه الإيمان بما يتم في البرزخ وما يجري.
سادساً: الإيمان بالقدر ويتضمن أربعة أمور: الخلق والكتابة والمشيئة والعلم بأن تؤمن بأن الله تعالى خلق الخلق وحده وهم ملكه وليس لهم من أنفسهم شيء، وأنه كتب الأقدار قبل أن يخلق السماوات والأرض، وأنه لا يجري في هذا الكون شيء إلا بمشيئة الله وإرادته، فما شاء كان كما شاء وما لم يشأ لم يكن، وأن تؤمن أن علم الله تعالى محيط بكل شيء، وأنه لا يجري شيء في الكون إلا بعلمه سبحانه.
المرتبة الثالثة: مرتبة الإحسان وهي أعلى المراتب بأن يعتقد عند عبادته لله أن الله تعالى يراه فيؤدي هو عبادته مراقباً لله كأنه يراه.
وهذا؛ وقد جاء الإسلام بكل فضيلة وحارب كل رذيلة، وجاء بالعدل والقسط بين الناس.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(1/2897)
كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين المؤمن والمسلم وهل كل مسلم مؤمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تحديد الفرق بين المؤمن والمسلم ينبني على تحديد الفرق بين الإسلام والإيمان، والقاعدة عند العلماء: أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
فإذا ورد الإسلام والإيمان في نص واحد، كان معنى الإسلام: الأعمال الظاهرة. ومعنى الإيمان: الاعتقادات الباطنة، كقوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات:14] .
أما إذا ذكر الإسلام وحده دخل في معناه الإيمان، كقوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران:19] .
وإذا ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام، كقوله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [المائدة:5] .
وعلى هذا التفصيل، فإن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، لذلك يحكم للمنافق في أحكام الدنيا بالإسلام، وقلبه خاوٍ من الإيمان، وإن مات على نفاقه فهو في الآخرة من الخاسرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(1/2898)
من تاب من كفره وأسلم حل له الزواج من المسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعرف أن الشرك بالله هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله إذا مات صاحبه من غير توبة وأنه كفرأكبر، وأنا أريد أن أعرف، هل الاستهزاء بالله يكون أقل درجة من الشرك؟ وهل من الممكن أن يصل المرء إلى درجة كفرلا يمكن قبول توبته بعدها حتى قبل الغرغرة أو في وقت التوبة المعلوم بالأثر؟ وهل يوجد أحد أشد من فرعون كفرا؟ وهل فرعون لو تاب كان من الممكن أن يكون من الصالحين لو أراد ذلك؟ وهل لمن يقترف المكفرات التي ليس لها مثيل من الوقاحة بالاستهزاء بالخالق يؤدي إلى عدم هداية الله له؟ وهل يمكن له الزواج؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكما أن الشرك الأكبر لا يغفره الله لصاحبه إذا مات عليه، فكذلك الاستهزاء بالله، فكلاهما من الكفر الأكبر.
قال تعالى: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ*لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إيمانكم {التوبة:65، 66} .
وانظر الفتويين رقم: 11022، 2093، ولكن من تاب تاب الله عليه مهما كان جرمه وكفره، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} .
فهذا نص عام في جميع الذنوب بأنواعها ودرجاتها، فمهما بلغ كفر الإنسان، فإنه إذا تاب منه توبة صادقة، فإن الله سبحانه يقبل توبته، سواء كان كفره بالاستهزاء بالله أو بغير ذلك من أسباب الكفر مهما بلغت شناعتها، وإذا تاب توبة صادقة، فلا مانع من تزويجه من مسلمة كغيره من المسلمين، وأما تزوجه من كافرة، فإنه ممكن ولو بقي على كفره ولكن لا يجوز أن يتولى عقده مسلم. وراجع الفتويين رقم: 121183، 36141.
ولا شك أن فرعون كان أشد الناس كفرا، ولذلك يضرب به المثل في الكفر، لكن لا مانع من أن يكون أحد أشد كفرا منه، وانظر الفتوى رقم: 96848.
وننصح السائل الكريم بالاهتمام بالأمور التي تعود عليه بنفع في دينه أو دنياه، ولو فرضنا أن فرعون تاب قبل أن يدركه الغرق، فإن الله يقبل توبته، لكن قد سبق في علم الله أنه لن يؤمن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1430(1/2899)
لا ينال الكافر مرتبة الشهيد ولو مات بسبب من أسبابها
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني موقع إسلام ويب أنا عندي سؤال يحيرني: هل الكافر إذا مات غريقا يكون شهيداً أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشهادة مرتبة عظيمة لا ينالها كافر ولو مات بسبب من أسباب الشهادة، لأن شرط حصولها الإيمان بالله تعالى وبرسله، والذي لا يؤمن بالله وبرسله ليس له في الآخرة من نصيب، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ. {آل عمران:91} .
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة.
وقد تواترت نصوص الوحي من الكتاب والسنة على هذا المعنى، وسبق بيان شيء من ذلك في الفتوى رقم: 97165 وما أحيل عليه فيها.
وعلى ذلك فإن الشهادة بسبب الموت بالغرق أو غيره خاصة بأهل الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1430(1/2900)
حكم النصراني إذا جن ثم قتل أباه وانتحر
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب نصراني يفقد عقله ثم يقتل أباه وينتحر. هل يدخل النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دلت عموم نصوص الشرع على أن من ابتغى ملة غير ملة الإسلام كافر، وأنه إن مات على ذلك فمصيره جهنم خالدا فيها، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. وروى ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار. وانظر الفتوى رقم: 2924، وجنون هذا الشاب إن حدث بعد البلوغ فلا تأثير له في الحكم عليه بكونه في النار، وأما إن حدث قبل البلوغ فيجري عليه الخلاف بين العلماء في أطفال المشركين ومن على شاكلتهم، وقد سبق ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة والراجح منها بالفتوى رقم: 28581.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(1/2901)
عمل الكافر ببعض الشريعة لا عبرة به
[السُّؤَالُ]
ـ[قسم أهل العلم العبودية إلى ثلاثة أقسام (عبودية عامة: وهي لكل الخلق ويدخل فيها حتى الكفار
- عبودية خاصة: وهي تعم كل من تعبد لله بشرعه
- خاصة الخاصة: وهي للرسل)
والسؤال هو في القسم الثاني وهي العبودية الخاصة التي تعم كل من تعبد لله بشرعه، فهل يدخل فيها الكفار إذا فعلوا شيئاً من فروع الشريعة تقرباً لله تعالى على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقسيم العبودية إلى عامة وخاصة ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (مدارج السالكين) ، وقد عرف العبودية الخاصة بأنها عبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر، وليس كما عرفها الأخ السائل بأنها تعم كل من تعبد لله بشرعه.
والكافر غير داخل في العبودية الخاصة ولو تعبد ببعض الشريعة وذلك لأمرين:
الأول: أنه لا يمكن أن يقال ذلك، والله تعالى يقول: وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا {الفرقان:55} ، قال سعيد بن جبير: عوناً للشيطان على ربه. وقال مجاهد: يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه.
فلا يمكن أن يكون الكافر من خاصة عباد الله وهو في نفس الوقت يظاهر الشيطان على ربه.
الثاني: أن الكافر وإن تعبد ببعض الشريعة فإن الله لا يتقبل منه عملاً ما دام على الشرك، لقول الله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {الأنعام:88} ، ولقوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ {التوبة:54} ، وقوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {الفرقان:23} ، فإذا كان عمل الكافر غير متقبل فوجوده وعدمه سواء ولا عبرة به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1427(1/2902)
الكافر وإن تنعم فهو في قلق وحيرة وضيق
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله تعالى الذي جعل في كل زمان أناسا يحفظون على الناس أمر دينهم، ونحسبكم من هؤلاء فالله تعالى أسأل أن يعينكم على هذه الأمانة العظيمة التي حملتموها، وسؤالي هو: هل عندكم خبرة بغير المسلمين كيف يشعرون تجاه دينهم هل هم مطمئنون ومنشرحة صدورهم وراضون بما هم عليه من الضلال أم أنهم في حالة نفسية لا يحسدون عليها، ولو كانوا راضين منشرحي الصدر فكيف نوفق بين ذلك وبين قوله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ؟ ومعلوم أن ذكر الله تعالى هنا لا بد أن يكون القرآن وغيره مما فيه ذكر الإله الحق دون غيره، وما موقع قوله تعالى (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) ، هل هو مد في الغي والتيه أم أنه تعالى شرح صدورهم لما هم عليه؟ وجزاكم الله تعالى خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبرنا ربنا بأن الكافرين لا يهنئون بعيشهم، ولا تنشرح صدورهم بسبب ما هم فيه من الكفر والضلال، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا {طه:124} ، قال الحافظ ابن كثير: أي ضنكاً في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبه يتردد، فهذا من ضنك المعيشة. انتهى.
وفي المقابل فإن الله اختص أولياءه بالحياة الطيبة، وانظر الفتوى رقم: 3093.
وأما قوله تعالى: قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا.... {مريم:75} ، قال القاضي البيضاوي: فيمده ويمهله بطول العمر والتمتع به.... استدراجاً وقطعاً لمعاذيره، لقوله تعالى: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1426(1/2903)
الداعي إلى الكفر كفره مغلظ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا خريج كلية اللغات والترجمة وأعمل كمترجم سؤالي عن عملي فأنا أترجم مسلسلات وأفلام أجنبية في شبكة تلفازية والتي لا تخضع لرقابة وقد تحتوي على مشاهد خارجة أريد أن أعرف إن كان عملي هذا حراماً أم حلالاً مع العلم بأن هذا مجالي الوحيد وفق تخصصي الدراسي هذا أو العمل في السياحة مثلاً أو التلفزيون أو الإذاعة
أرجو إفادتي لأن هذا الموضوع يثير قلقي وقد سألت عنه من قبل شيخاً فقال: \"من نشر الفسق ليس بفاسق ومن نشر الكفر ليس بكافر\".
أفيدوني يرحكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك العمل في ترجمة هذه الأفلام والمسلسلات، لما في ذلك من المعاونة على الحرام، وقد قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} .
ولا حرج عليك أن تعمل في الإذاعة والتلفزيون في ترجمة مواد مباحة كالأخبار والمواد العلمية والثقافية، كما لا حرج أيضا أن تعمل في ترجمة الكتب والأبحاث التي لا تتضمن محرماً وهي -بحمد الله- كثيرة، أما العمل في مجال السياحة ففيه كثير من المحاذير الشرعية، فإذا خلت من تلك المحاذير فلا بأس بالعمل في مجالها، وراجع الفتوى رقم: 9743، والفتوى رقم: 37192.
وأما قول هذا الشيخ أن من نشر الفسق ليس بفاسق ومن نشر الكفر ليس بكافر، فهذا خطأ وقول بلا علم، إذ أن نشر ذلك ترويج له ودعوة صريحة إليه، ومن أعظم أسباب الوقوع فيه وإشاعته، وهو من جنس عمل الشيطان الذي يصد عن سبيل الله ويزين للناس الحرام والضلال ويدعوهم إليه، وقاعدة الشريعة في مثل هذا أن عليه من الإثم مثل آثام من اتبعوه لا ينقص من آثامهم شيئاً، قال تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ {النحل: 25} .
قال مجاهد: حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئاً.
وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.
قال ابن القيم: قد استقرت حكمة الله وعدله أن يجعل على الداعي إلى الضلال مثل آثام من اتبعه واستجاب له، ولا ريب أن عذاب هذا يتضاعف ويتزايد بحسب من اتبعه وضل به، وهذا النوع في الأشقياء مقابل دعاة الهدى في السعداء فأولئك يتضاعف ثوابهم وتعلو درجاتهم بحسب من اتبعهم واهتدى بهم وهؤلاء عكسهم. وقال شيخ الإسلام: والداعي إلى الكفر هو كافر كفراً مغلظاً.
وراجع للأهمية الفتويين رقم: 28780، ورقم: 25542.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(1/2904)
العدالة الإلهية في خلود الكفار في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم مهاجر بفرنسا منذ 3 سنوات , مؤخرا أصبت بلبس في عقيدتي وحيرة شديدتين أرجوكم مساعدتي
*عندما أفكر في مصير القوم الذين أعيش بينهم ومصير المسلمين العصاة أي الخلود في النار، كون هدا العبد لا يتجاوز عمره 100 سنة في حياته الدنيا وإن طال (فإذا أذنب عوقب بالخلود في النار)
*الحق سبحانه هو الحكم العدل فهو العدالة نفسها وهو الذي حرم الظلم على نفسه. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
كيف أوازن بين الأمرين؟ عدالة الله منجهه، وحكمه في العصاة الخلود في النار التي لا يطيقها بشر ولو ساعة من زمن. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... أريحوني جزاكم تالله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلتعلم أولا أن عصاة المؤمنين لا يخلدون في النار، وإذا ماتوا قبل أن يتوبوا إلى الله تعالى فإن أمرهم إليه سبحانه وتعالى، إن شاء عذبهم بدخول النار واللبث فيها ما شاء الله، ولا بد أن يأتي يوم يخرج فيه جميع من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار، لما في الحديث: من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه. رواه الطبراني، وقال المنذري: رواته رواة الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ولما في حديث الصحيحين في الشفاعة لمن دخل النار أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول الله: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.
وإن شاء عفا عنهم من أول الأمر، فهم تحت مشيئته سبحانه وتعالى. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48} ولكن الذنوب التي لها تعلق بحق العباد لا بد من استيفائها لأصحابها أو إرضائهم من قبل الله عز وجل عن عباده الذين عليهم الحقوق.
وأما من أخلص التوبة لله تعالى فلا يتناوله الوعيد المذكور لأن الله تعالى يغفر ذنوبه جميعا بالتوبة النصوح وتواترت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ {الشورى 25} وقال: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82}
وأما الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام وسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنوا به فهؤلاء مخلدون في النار في الآخرة إن ماتوا على كفرهم، فقد عاشوا حياتهم الدنيوية في كفر بالله تعالى فاستحقوا أن يعيشوا الحياة الأخروية كلها في عذاب الله، وهذا من تمام عدل الله تعالى، حيث لم يسو بين المسلم المقر بالتوحيد والنبوات الذي تقع منه المعاصي وبين الكافر المنكر لاستحقاق ربه الخالق العبودية والمنكر لرسالات رسله، وقد أشار بعض العلماء إلى الجواب عن نصوص الشبهة التي طرأت على الأخ السائل وحاصل الجواب أن الكفار لو عمروا ما عمروا فإنهم سيعيشون على الكفر، بل لو ردوا إلى الحياة رجعوا إلى ما كانوا عليه كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ {الأنعام: 28} ولذلك استحقوا ذلك الجزاء على وجه التأبيد، والأدلة على تأبيدهم في النار كثيرة، من ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا {البينة: 6} وقوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ {المائدة: 72} وحديث مسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن تتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أو غبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال لهم: من تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله فقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار.
ثم يدعى النصارى فيقال لهم من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأول. رواه البخاري ومسلم
وينبغي للمسلمين الذي عرفوا الإسلام وعرفوا مصير هؤلاء الكفار أن يحولوا قلقهم من مصير الكفار إلى عمل مثمر يفيدهم ويفيد الكفار، فينشطوا في دعوتهم إلى الله وبيان محاسن الإسلام لهم ويحدثوهم عن حياة الآخرة وأهوالها ونعيمها، وأن الإسلام هو الحل الوحيد للظفر بالسعادة في الدارين والأمن من العذاب، وأن يبينوا مثل ذلك للعصاة المؤمنين حتى يتوبوا وينيبوا إلى ربهم قبل الموت، وعليهم أن يستخدموا في ذلك ما تيسر من وسائل الإقناع العقلي والتأثير العاطفي فيرغبوهم ويرهبوهم ويحاوروهم ويجادلوهم بالتي هي أحسن، ويصبروا عليهم ويدعوا لهم ويرسلوا لهم رسائل مسموعة ومقروءة عبر وسائل الاتصال حتى يقرأها الواحد وهو منفرد بنفسه ويراجع نفسه في محتواها.
فإن أعظم ما يكسبه المسلم هو اهتداء شخص على يديه كما في حديث البخاري: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29369، 43329، 46212.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1426(1/2905)
المكفرات المخرجة من الملة ثلاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القول بأن من سب الذات الإلهية متعمدا كافرٌ قولاً لا فعلاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سب الذات الإلهية كفر بإجماع أهل العلم، والواجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وذلك بالندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه أبدًا، مع النطق بالشهادتين ليعود إلى الإسلام بعد أن خرج منه، علمًا بأن العلماء قسموا المكفرات المخرجة من الملة إلى ثلاثة أقسام:
1- كفر قولي، والمذكور في السؤال من هذا النوع.
2- كفر عملي.
3- كفر اعتقادي
ولا فرق بين هذه المكفرات الثلاثة من حيث الأثر المترتب عليها. وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
767، 1327، 26496، 9880، 17875.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1424(1/2906)
أجمع أهل العلم أن سب الله كفر ومن تاب تاب الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا عن صبي في الرابعة عشر من عمره أخطأ وسب الله -عز وجل- عن غير قصد - واشتد خوفه وبدأ يشغل تفكيره كله وأصبح لا يسيطر على أفكاره وحاول جاهداً أن يتوب ولكنه لم يستطع والآن يرى أنه حقاً تاب ويريد أن يرجع إلى الطريق المستقيم فهل يرجعه له؟ وشكراً جزيلاً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فأجمع أهل العلم على أن سب الباري جل وعلا كفر بالله تعالى، وأن من صدر منه ذلك فهو كافر مرتد. وأما من تاب من ذلك فإن جمهور أهل العلم أجمعوا على صحة توبته قال تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم". وتذكر أخي الكريم أن قوله تعالى: "لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً". يشمل ما صدر منك ما دمت قد تبت من هذا وندمت على تفوهك بتلك الكلمة العظيمة وإن كانت من غير قصد منك. وعليك أن تستقيم على أمر الله وأن تكثر من الطاعات لقوله تعالى: "وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون". هذا والعلم عند الله.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1422(1/2907)
هل المعاصي بمجردها تعد كفرا
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت بعض أقوال ابن تيمية ومنها: أنه قال: إن من آذى النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم من غير استحضار فيجب أن يؤدب وينهى عن ذلك، أما من آذاه وهو مستحضر لذلك عالم به فهو كافر خارج عن الملة.
وسؤالي هو: نحن نعلم أن المعاصي ـ وكما يقول ابن تيمية في موضع آخر ـ هي من إيذاء الله ورسوله: فهل يعني ذلك أن من ارتكب معصية من الصغائر أو الكبائر كالزنا والسرقة مثلا وهو مستحضر أن ذلك إيذاء لله ورسوله عالم به، يعد كافرا خارجا عن الملة؟.
نرجو التوضيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كتابه الفذ: الصارم المسلول على شاتم الرسول ـ ليبين كفر أو ردة من فعل ذلك ووجوب قتله، ومما قال فيه: وأما الآيات الدالات على كفر الشاتم وقتله، أو على أحدهما إذا لم يكن معاهدا ـ وإن كان مظهرا للإسلام ـ فكثيرة، مع أن هذا مجمع عليه، كما تقدم حكاية الإجماع عن غير واحد. انتهى.
وذكر ستة منها، ثم قال: الدليل السابع على ذلك قوله سبحانه: لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَل يِمٌ.
وفسر الفتنة بالردة والكفر، ثم بين وجه الدلالة فقال: فإذا كان المخالف عن أمره قد حذر من الكفر والشرك، أو من العذاب الأليم، دل على أنه قد يكون مفضيا إلى الكفر أو العذاب الأليم، ومعلوم أن إفضاءه إلى العذاب هو مجرد فعل المعصية، فإفضاؤه إلى الكفر إنما هو لما قد يقترن به من استخفاف بحق الآمر، كما فعل إبليس فكيف لما هو أغلظ من ذلك؟ كالسب والانتقاص ونحوه، هذا باب واسع، مع أنه ـ بحمد الله ـ مجمع عليه، لكن إذا تعددت الدلالات تعاضدت على غلظ كفر الساب وعظم عقوبته، وظهر أن ترك الاحترام للرسول صلى الله عليه وسلم وسوء الأدب معه مما يخاف الكفر المحبط كان ذلك أبلغ فيما قصدنا له، ولا يرد على هذا قوله تعالى: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ.
فإن المؤذي له هنا إطالتهم الجلوس في المنزل واستئناسهم للحديث، لا أنهم آذوا النبي صلى الله عليه وسلم والفعل إذا آذى النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يعلم صاحبه أنه يؤذيه ولم يقصد صاحبه أذاه، فإنه ينهى عنه ويكون معصية، كرفع الصوت فوق صوته، فأما إذا قصد أذاه وكان مما يؤذيه وصاحبه يعلم أنه يؤذيه وأقدم عليه مع استحضار هذا العلم فهذا الذي يوجب الكفر وحبوط العمل. انتهى.
وكلامه بيّن واضح، لا لبس فيه ولا إشكال، وليتأمل السائل الكريم قوله ـ رحمه الله: ومعلوم أن إفضاءه إلى العذاب هو مجرد فعل المعصية، فإفضاؤه إلى الكفر إنما هو لما قد يقترن به من استخفاف بحق الآمر، كما فعل إبليس.
ف هو جلي في التفريق بين مجرد فعل المعصية وبين اقتران ذلك بما يفضي إلى الكفر كالاستخفاف بالآمر فالمعاصي كلها وإن كان فيها نوع أذية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 75667، إلا أنها ليست كفرا بمجردها، وقد قال شيخ الإسلام في موضع آخر من الكتاب نفسه ـ الصارم المسلول: المؤمن الذي يحب الله ورسوله ليس على الإطلاق بمحاد لله ورسوله، كما أنه ليس على الإطلاق بكافر ولا منافق، وإن كانت له ذنوب كثيرة، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنعيمان وقد جلد في الخمر غير مرة: إنه يحب الله ورسوله، لأن مطلق المحادة يقتضي مطلق المقاطعة والمصارمة والمعاداة والمؤمن ليس كذلك، لكن قد يقع اسم النفاق على من أتى بشعبة من شعبه ولهذا قالوا: كفر دون كفر ـ وظلم دون ظلم ـ وفسق دون فسق.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كفر بالله من تبرأ من نسب وإن دق.
ومن حلف بغير الله فقد أشرك.
وآية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان.
وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه. انتهى.
وراجع للمزيد من الفائدة الفتويين رقم: 46720، ورقم: 50018.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(1/2908)
الفرق بين الكفر والشرك والنفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الله في كتابه الكافرين والمشركين والمنافقين فما الفرق بين الفرق الثلاثة؟ مع الدليل؟ وأرجو منكم التوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا فرق بين الكافر والمشرك والمنافق نفاقا أكبر من حيث المآل؛ فثلاثتهم خالدون مخلدون في النار.
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ
{البينة:6} وقال أيضًا: إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء:140}
وقد اصطلح العلماء على أن من أظهر الإسلام وأبطن الكفر فهو المنافق، وأن من صرف ما يجب لله لغيره أو صرفه لله ولغيره كالعبادات ـ فهو المشرك، وأن من أتى مناقضًا للإيمان من اعتقادات وأقوال وأفعال حكم الشارع بأنها تناقض الإيمان ـ فهو الكافر.
وجاء في بيان معنى الكفر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: الكفر وهو نقيض الإيمان قد يكون تكذيباً في القلب، فهو مناقض لقول القلب وهو التصديق، وقد يكون الكفر عملاً قلبياً كبغض الله تعالى أو آياته أو رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي يناقض الحب الإيماني وهو آكد أعمال القلوب وأهمها، كما أن الكفر يكون قولاً ظاهراً يناقض قول اللسان، وتارة يكون عملاً ظاهراً كالإعراض عن دين الله تعالى والتولي عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو بهذا يناقض عمل الجوارح القائم على الانقياد والخضوع والقبول لدين الله تعالى انتهى ـ. نقلاً من (نواقض الإيمان القولية والعملية) للشيخ الدكتور عبد العزيز عبد اللطيف.
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في (شرح صحيح مسلم) : الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(1/2909)
الفرق بين الوسوسة والشك الذي يكفر به الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أدري من أين أبدأ؟ ولا كيف أبدأ؟ فالخطايا تخنقني والذنوب أهلكتني: فأنا فتاة في 14 من العمر وكنت على قدر كبير من الالتزام ـ والحمد لله ـ وبدايتي كانت عندما تصفحت منتدى للملحدين لعل وعسى أن يكرمني الخالق بهداية شخص على يدي وانصدمت لما رأيت هناك، فشباب في مقتبل العمر يتطاولون على الخالق الجبار فأشفقت عليهم وحزنت لحالهم، ولكن حدث ما لم أتوقعه: أصبحت تراودني وساوس وشكوك في صحة عقيدتنا ـ وأستغفر الله ـ وأصبحت في صراع دائم مع نفسي وتراودني تساؤلات خطيرة جدا جدا، علما أنني لم أترك الفرائض ولا العبادات ولم أفرط في أي واجب، لكن مجرد ذلك التفكير جعلني أجزم بأنني خرجت من الملة ـ والعياذ بالله ـ اسودت الدنيا في وجهي وأصبحت حياتي جحيما لا يطاق، وكان رمضان الماضي محطة هامة، حيث عدت إلى الله وأصبح إيماني أقوى، لكن إحساسي بأنني ارتكبت خطيئة الشرك يقتلني والله إنني أموت في الساعة مائة مرة وأنهار يوميا ولا أدري، هل يغفر الله لي أم لا؟ وأنا لا أقنط من رحمة الله، ولكن ما فعلته من أكبر الكبائر، فهل ـ حقا ـ ظلمت نفسي وخرجت من الإسلام؟.
أرجوكم ساعدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسن الأخت السائلة ـ كما هو ظاهرـ لا يؤهلها لما أقدمت عليه من دخول مثل هذه المواقع، وقد سبق أن نبهنا ـ مرارا ـ أن محاورة الملحدين وغيرهم من أهل الزيغ والضلال لا يصلح لها كل أحد، فلابد لمن يتصدى لذلك أن يكون مؤهلا تأهيلا يجعله قادراً على كشف شبهاتهم وإيصالهم إلى توحيد رب العالمين، وإلا عادت عليه هذه الحوارات بالخسران إذا انطلت عليه شبهات المبطلين وتشربها قلبه، وراجعي في هذا المعنى: الفتاوى التالية أرقامها: 63952، 63082، 62110، 31015، 111900، 62022.
أما بخصوص ما حصل، فلا نراه ـ على ما يظهر من السؤال ـ يصل إلى درجة أن تقول السائلة: أجزم أنني خرجت من الملة ـ فلا ريب أن هناك فرقا بين الشك المخرج من الملة وبين الوسوسة، فالوسوسة: هي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه دلت كراهته على صريح الإيمان، وأما الشك: فهو نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ولا يكون العبد مؤمنا إذا وقع في مثل هذا الشك، فلا بد لحصول الإيمان أن يكون العبد موقنا يقينا جازما بمدلول شهادة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وتوبة الشاك تكون بالإتيان بالشهادتين مع الجزم واليقين بما كان قد شك فيه.
لكن ينبغي التنبه إلى أنه قد يطرأ في نفس الإنسان نوع وسوسة يظنه شكا، ولكنه ليس شكا، بل يكون في داخله مصدقا مؤمنا، وعلامة ذلك كراهته لهذه الخواطر وخوفه ونفوره منها، وأما من تابع الوسوسة وتكلم بها ونشرها ووصل معها لدرجة الشك التي تزعزع أركان اليقين وتخالف التوحيد، فذاك الذي يخشى على إيمانه ويخاف عليه من الكفر ومتابعة الشيطان فيما يلقي إليه من وسوسة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 120582.
وقول السائلة: علما بأنني لم أترك الفرائض ولا العبادات ولم أفرط في أي واجب، لكن مجرد ذلك التفكيرـ يدل على أنها من هذا النوع المؤمن ـ إن شاء الله.
وعلى أية حال ـ فالحمد لله تعالى ـ أن تداركك برحمته في شهر رمضان فاحمدي الله تعالى ولازمي ذكره وتلاوة كتابه وألحي في دعائه واجتهدي في طلب العلم النافع.
ونوصيك بعدم الدخول لهذه المواقع وأمثالها، فبحمد الله تعالى أبواب الدعوة إلى الله كثيرة جدا، والسعي في هداية الناس ميسور بسبل متعددة ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 61074، 37141، 118361.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(1/2910)
حكم من خير رغما عنه بين أن يقتل نفسه أو يكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من خير ـ رغما عنه ـ بين أن يقتل نفسه أو يعيش على الشرك والكفر؟ فهل إذا قتل نفسه يعد شهيدا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم أن يقتل نفسه ـ بحال من الأحوال ـ مهما عظم عليه البلاء واشتد عليه الخوف، قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً {النساء:29} .
فقتل النفس من أعظم الكبائر التي جاء الشرع بتحريمها والتغليظ في عقوبتها، ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 2386، 5671، 29976.
ولا يجوز له أن يعيش على الشرك أو الكفر إلا إذا كان مكرها على ذلك إكراها لا يستطيع الخلاص منه بشرط أن يكون مطمئن القلب بالإيمان، قال الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل: 106} .
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين رقم: 44005، 75433.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(1/2911)
حكم السخرية من الرسول وهل من أقر بها له توبة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ كنت مع 3 من أصدقائي في يوم من الأيام مجتمعين فقام أحد منهم بقول نكتة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحكنا، والآن والله ندمت كثيرا لأني ضحكت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضميري يؤنبني في كل لحظة، كما أني قطعت الصلة مع تلك الصحبة. فهل تقبل توبتي؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن السخرية برسول الله صلى الله عليه وسلم، أوالاستهزاء به كفر مخرج من الملة والعياذ بالله حتى ولو كان صاحبه مازحا، فقد قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ. {التوبة: 66} .
ولا يخفى أن من استمع لمثل هذا الكلام مقرا به أنه شريك لقائله، حيث يقول سبحانه: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً. {النساء:140} . لكن من تاب توبة نصوحا فإن الله يتوب عليه، فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها وتمحو المعاصي كلها، حتى الشرك. وقد أحسن السائل الكريم في قطع صلته بتلك الصحبة، وندمه على ما بدر منه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: النَّدَمُ تَوْبَةٌ. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: الاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه؛ لقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فإذا تاب الإنسان من أي ردة توبة نصوحاً استوفت شروط التوبة فإن الله تعالى يقبل توبته. اهـ.
وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 119995، 71854، 2093، 118361، 101318.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(1/2912)
ضوابط التكفير وخطورة الكلام فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم تكفير الناس؟ وهل يجوز لأي شخص تكفير فلان أو فلانة بحجة أنه لا يصلي أو لا يصوم أو اجتماعي مع أشخاص من غير المسلمين؟ علما بأنه لا يتأثر بهم، أو حتى إذا كان السبب تصفيف الشعر بصورة حديثة بالنسبة للرجال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم بالكفر ليس بالأمر الهين، وقد سبق أن بينا ضوابط التكفير وخطرالكلام فيه، وأن من ثبت إسلامه بيقين لا يزول إسلامه بالشك، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفرعليه، وأن الحكم بردة شخص معين لا بد له من أمرين:
الأول: أن يكون الشخص قد فعل ما يوجب ردته بالفعل.
الثاني: إقامة الحجة عليه وتوفر شروط التكفير وانتفاء موانعه.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 721، 106396، 53835، 15255، 44772.
ويحسن بالسائل الكريم الرجوع لحكم كل مسألة مما ذكر، ويمكن مراجعة حكم ترك الصلاة من حيث الكفر وعدمه في الفتويين رقم: 1145، ورقم: 122448، وترك الصيام في الفتوى رقم: 27799، وحكم مصادقة الكفار وبيان المقصود بالولاء والبراء في الفتويين رقم: 56692، ورقم: 32852، وحكم اتباع الموضة في تصفيف الشعر في الفتوى رقم: 54754، وحكم التشبه بالكفار وبيان ضابط التشبه الممنوع في الفتويين رقم: 116802، ورقم: 21112.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1430(1/2913)
حكم الدخول في منتديات الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدخول إلى المنتديات الكافرة دون الردعليهم، مع عدم الخوض في حديثهم ودون التسجيل في تلك المنتديات يعد كفرا وردة عن الإسلام؟ أم هوحرام فقط؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الدخول إلى تلك المنتديات التي تنال من الإسلام وتشكك فيه إلا لمتضلع من العلم الشرعي الذي يستطيع به درء الشبهات، كما لا يجوز الدخول إليها إلا لمصلحة معتبرة، كإقامة الحجة عليهم ومعرفة ما يلقونه من شبهات في قلوب الناس كي يمكن الرد عليهم ونحو ذلك.
أما الدخول لغير مصلحة شرعية، وإنما لمجرد إشباع فضول النفس فلا يجوز فإن الداخل لا يأمن على نفسه أن يُقذف في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ولا يكفي لإباحة دخوله حينئذ أن يكون غير راض بهذا الكفر، وانظر لذلك الفتوى رقم: 1048.
لكن لا يحكم عليه بالكفر إلا إذا كان راضياً بكفرهم، مقراً لهم مع إقامة الحجة عليه، فحينئذ يكون مثلهم في الحكم بالكفر، كما قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء:140} .
وانظر للمزيد من الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 121252، 125622، 4899، 4387.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1430(1/2914)
الشرك بالله والاستهزاء به من الكفر الأكبر ومن تاب يتوب الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أشد الناس كفراً؟ وما هو الذنب الذي يكون قد اقترفه؟ وقد سمعت أن أشد الناس كفراً على الإطلاق هم من يستهزئون بالله بعد إسلامهم، وهل من الممكن له الزواج من صالحة بعد توبته؟ وهل تقبل توبته أصلاً؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الكلام عن أشد الناس كفراً وسبب ذلك في الفتوى رقم: 126454.
والاستهزاء بالله من أشد أنواع الكفر، وإذا صدر ذلك ممن كان مسلماً كان أشد لأنه يكون بذلك مرتداً، والمرتد أشد كفراً من الكافر الأصلي، لكن ليس بالضرورة أن يكون أشد الناس كفراً على الإطلاق، كما سبق بيان ذلك في الفتوى المشار إليها.
وإذا تاب هذا الشخص توبة صادقة فإن الله تعالى يتفضل بقبول توبته كما يتفضل بقبولها من جميع التائبين مهما سبق من جرمهم وكفرهم، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
بخلاف ما لو مات على استهزائه، فهذا لا يغفر له، لأنه يكون خارجاً من الملة، كما لا يغفر لمن مات على الشرك الأكبر، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:48} .
فالشرك بالله والاستهزاء به كلاهما من الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة، ولا يغفره الله لصاحبه إن مات عليه، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ {آل عمران:91} .
وإذا تاب وحسنت توبته فلا مانع من تزويجه بامرأة صالحة، مهما بلغ كفره قبل توبته، وراجع للفائدة الفتويين رقم: 125945، ورقم: 125172.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1430(1/2915)
مسائل في الكفر العملي والاعتقادي
[السُّؤَالُ]
ـ[من أشد كفرا؟ هل فرعون؟ أم شخص يسب الله؟ فأنا أعرف أن أشد الناس عذابا هو الأشد كفرا ألا وهو فرعون وقومه، وأنا سألت أحد العلماء، فقال لي: إن سب الله من أقبح وأسوإ أشكال الكفر، فهل معناه أن من يسب الله أشد كفرا من فرعون؟ وهو أعظم في الكفر من شخص يرتد ارتدادا كليا عن الإسلام، وأريد أن أعرف، هل الكفر اللفظي أخطر أم العملي؟ ولماذا؟ حيث قال لي نفس الشيخ إن الكفر اللفظي أخطر وأعظم من العملي، فلماذا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسب الله ـ جل جلاله ـ من أشد أنواع الكفر وأقبحها وأسوئها، إلا أن فرعون أشد كفرا ممن يسب الله، لأن فرعون كان ينكر وجود الله وربوبيته فضلا عن إنكاره لألوهيته، ولا شك أن هذا أبلغ من السب الذي هو انتقاص لذات الله مع الإقرار بوجوده وربوبيته، وانظر الفتوى رقم: 125172،
وأما كفر المرتد فهو أشد وأغلظ من كفر الكافر الأصلي، كما سبق في الفتوى رقم: 40113.
وأما كون الكفر اللفظي أخطر من الكفر العملي، فهذا إنما يكون إذا قصدنا بالكفر العملي ما عرفه بعض العلماء بقولهم: هو كل معصية أطلق عليها الشارع اسم الكفر مع بقاء اسم الإيمان على عامله، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
وقوله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
فأطلق صلى الله عليه وسلم على قتال المسلمين بعضهم بعضا أنه كفر، وسمى من يفعل ذلك كفارا، وإنما يكفر العبد بتلك المعاصي مع استحلاله إياها المستلزم لتكذيب الكتاب والرسول في تحريمها، بل يكفر باعتقاد حلها وإن لم يفعلها. من أعلام السنة المنشورة لحافظ بن أحمد الحكمي بتصرف.
لكن هناك أعمال كفرية تخرج صاحبها من الملة، وتسمى كفرا عمليا من جهة وقوعها بالجوارح، إلا أنها تستلزم الكفر الاعتقادي ولا بد، مثل السجود للصنم والاستهانة بالكتاب وسب الرسول والهزل بالدين.
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي في أعلام السنة المنشورة: اعلم أن هذه الأربعة وما شاكلها ليس هي من الكفر العملي إلا من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس، ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده، لا يبقى معها شيء من ذلك، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولا بد، ولم تكن هذه لتقع إلا من منافق مارق، أو معاند مارد، وهل حمل المنافقين في غزوة تبوك على أن {قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} .
إلا ذلك؟ مع قولهم لما سئلوا: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} .
قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .
ونحن لم نعرف الكفر الأصغر بالعملي مطلقا، بل بالعملي المحض الذي لم يستلزم الاعتقاد ولم يناقض قول القلب ولا عمله.
وعلى ذلك فالصواب هو التفصيل في حكم الكفر العملي، وأنه ليس كل كفر عملي لا يخرج من ملة الإسلام، بل بعضه يخرج من ملة الإسلام، وهو ما يدل على الاستهانة بالدين والاستهتار به، كوضع المصحف تحت القدم، والسجود لغير الله، وذبح قربان لغير الله. فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية.
والظاهر أن المقصود بالكفر العملي في السؤال هو القسم الذي لا يخرج من الملة، وإنما هو معاص سماها الشارع كفرا مع بقاء الحكم بالإيمان لفاعلها، وعلى ذلك يكون الكفر اللفظي مثل سب الله تعالى أشد منه بلا شك، لأنه كفر أكبر مخرج من الملة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(1/2916)
أقوال العلماء في السجود لغير الله تعظيما لا عبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا المفضال حفظكم الله، أثناء طلبي لسيرة الإمام الذهبي رحمه الله وبحثي عن مؤلفاته وجدت له رحمه الله في مؤلفه معجم الشيوخ ما يلي: (1/73) : ألا ترى الصحابة من فرط حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ألا نسجد لك؟ فقال: لا، فلو أذن لهم لسجدوا سجود إجلال وتوقير لا سجود عبادة كما سجد إخوة يوسف عليه السلام ليوسف، وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلا بل يكون عاصيا. فليعرف أن هذا منهي عنه وكذلك الصلاة إلى القبر. انتهى.
فأشكل علي فهم المعنى من هذا الكلام، وبالأخص قوله لا يكفر به أصلا بل يكون عاصيا. فما حكم السجود للقبور عند الذهبي رحمه الله خاصة وعند بقية العلماء عامة؟ وهل قوله هذا يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؟ جزاكم الله خيراً ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية لا بد من التنبه إلى أن الذهبي -رحمه الله- قد قطع بكون الساجد لقبر النبي صلى الله عليه وسلم عاص على أية حال، فلا يسوغ لعباد القبور والمشاهد أن يستشهدوا بكلامه، فإنه لا خلاف في حرمة السجود لغير الله وإنما الخلاف هل هو كفر بمجرده أم بحسب نية فاعله وقصده، والذهبي رحمه الله لم يكفر من سجد لقبر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق، بل فصل بحسب القصد من السجود، هل هو على سبيل التحية والتعظيم والتوقير فلا يكفر، أم على سبيل العبادة فيكفر. فالحرمة لا خلاف ولا إشكال فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: أجمع المسلمون على أن السجود لغير الله محرم. انتهى.
وقال أيضاً: ولا يجوز السجود لغير الله من الأحياء والأموات، ولا تقبيل القبور ويعزر فاعله. انتهى.
ويدل لحرمة السجود لغير الله عامة ولقبر النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ما رواه قيس بن سعد قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا، قال: فلا تفعلوا. رواه أبو داود، وصححه الألباني.
فهذا يدل على أن الصحابة وإن كان بعضهم سوغ السجود للنبي صلى الله عليه وسلم وهو حي من باب التحية والإكرام والتوقير، إلا أنه لا يسوغه لقبره صلى الله عليه وسلم بعد موته لانتفاء هذا المعنى.. ولما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تفعلوا. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وهذا يدل على أن السجود بغير نية العبادة لا يكون كفراً بمجرده. وعلى أية حال فالتفصيل الذي ذكره الذهبي محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يقول به، ومنهم من يطلق الكفر في حق من سجد لغير الله، وممن وافق الذهبي على تفصيله الشوكاني، فإن صاحب (مختصر الأزهار) لما قال: الردة باعتقاد أو فعل أو زي أو لفظ كفري وإن لم يعتقد معناه، إلا حاكياً أو مكرهاً ومنها السجود لغير الله. انتهى.
قال الشوكاني في السيل الجرار: اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار ... فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشر لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر. وأما قوله (ومنها السجود لغير الله) فلا بد من تقييده بأن يكون سجوده هذا قاصداً لربوبية من سجد له، فإنه بهذا السجود قد أشرك بالله عز وجل وأثبت معه إلهاً آخر، وأما إذا لم يقصد إلا مجرد التعظيم كما يقع كثيراً لمن دخل على ملوك الأعاجم أنه يقبل الأرض تعظيماً له، فليس هذا من الكفر في شيء، وقد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم مزالق الأقدام فمن أراد المخاطرة بدينه فعلى نفسه جنى. انتهى.
وقال الزيلعي في تبين الحقائق: وما يفعلون من تقبيل الأرض بين يدي العلماء فحرام، والفاعل والراضي به آثمان لأنه يشبه عباده الوثن، وذكر الصدر الشهيد أنه لا يكفر بهذا السجود لأنه يريد به التحية. انتهى.
وكذا قال ابن نجيم في البحر الرائق.
وفي باب حكم المرتد من مطالب أولي النهى للرحيباني: أو سجد لصنم أو كوكب. كشمس أو قمر كفر، لأنه أشرك به سبحانه وتعالى (ويتجه السجود للحكام والموتى بقصد العبادة كفر) قولاً واحداً باتفاق المسلمين (والتحية) لمخلوق بالسجود له (كبيرة) من الكبائر العظام والسجود لمخلوق حي أو ميت (مع الإطلاق) العاري عن كونه لخالق أو مخلوق (أكبر) إثماً وأعظم جرماً، إذ السجود لا يكون إلا لله وهو اتجاه حسن. انتهى.
وفي باب شروط من تقبل شهادته من الكتاب نفسه، عد السجود لغير الله كبيرة من الكبائر، وقال البجيرمي في تحفة الحبيب: مجرد السجود بين يدي المشايخ لا يقتضي تعظيم الشيخ كتعظيم الله عز وجل بحيث يكون معبوداً، والكفر إنما يكون إذا قصد ذلك. انتهى.
وقال الرملي في نهاية المحتاج: قال ابن الصلاح: ما يفعله عوام الفقراء من السجود بين يدي المشايخ فهو من العظائم ولو كان بطهارة وإلى القبلة وأخشى أن يكون كفراً. انتهى.
وعلق على ذلك الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج فقال: إنما قال ذلك ولم يجعله كفراً حقيقة، لأن مجرد السجود بين يدي المشايخ لا يقتضي تعظيم الشيخ كتعظيم الله عز وجل بحيث يكون معبوداً، والكفر إنما يكون إذا قصد ذلك. انتهى.
وقال النووي في المجموع وفي الروضة: ما يفعله كثير من الجهلة من السجود بين يدي المشايخ حرام قطعاً بكل حال سواء كان إلى القبلة أو غيرها، وسواء قصد السجود لله تعالى أو غفل، وفي بعض صوره ما يقتضي الكفر أو يقاربه. انتهى.
وعلق الشرواني على ذلك فقال: قال الشارح في الأعلام بعد نقله ما في الروضة: هذا يفهم أنه قد يكون كفراً بأن قصد به عبادة مخلوق أو التقرب إليه، وقد يكون حراماً بأن قصد به تعظيمة أي التذلل له أو أطلق، وكذا يقال في الوالد والعلماء. انتهى.
ومن أهل العلم من لم يفصل بل أطلق الكفر.
قال السرخسي في المبسوط: السجود لغير الله تعالى على وجه التعظيم كفر. انتهى.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في منهج الطلاب في كتاب الردة:.. أو إلقاء مصحف بقاذورة أو سجود لمخلوق. انتهى.
وقال الجمل في حاشيته: أي ولو نبياً وإن أنكر الاستخفاف أو لم يطابق قلبه جوارحه لأن ظاهر حاله يخالفه ... نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كسجود أسير في دار الحرب بحضرة كافر خشية منه فلا كفر. انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج في كتب الردة: أو سجود لصنم أو شمس. أو مخلوق آخر وسحر فيه نحو عبادة كوكب، لأنه أثبت لله تعالى شريكاً، وزعم الجويني أن الفعل بمجرده لا يكون كفراً، رده ولده، نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كأن كان الإلقاء لخشية أخذ كافر أو السجود من أسير في دار الحرب بحضرتهم فلا كفر. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية: أجمع الفقهاء على أن السجود لغير صنم ونحوه، كأحد الجبابرة أو الملوك أو أي مخلوق آخر، هو من المحرمات وكبيرة من كبائر الذنوب، فإن أراد الساجد بسجوده عبادة ذلك المخلوق كفر وخرج عن الملة بإجماع العلماء، وإن لم يرد بها عبادة فقد اختلف الفقهاء فقال بعض الحنفية: يكفر مطلقاً سواء كانت له إرادة أو لم تكن له إرادة، وقال آخرون منهم: إذا أراد بها التحية لم يكفر بها، وإن لم تكن له إرادة كفر عند أكثر أهل العلم. انتهى.
وأما السؤال عن مخالفة كلام الذهبي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. متفق عليه. فالجواب: أنه لا يخالفه، لأن الذنب الذي يستحق صاحبه اللعن لا يلزم أن يكون كفراً مخرجاً من الملة، كآكل الربا والراشي والمرتشي والسارق وشارب الخمر والواشمات والنامصات وغير ذلك ممن ثبت اللعن في حقه.
ونختم بهذه الفائدة من كلام الشيخ وليد بن راشد السعيدان في الإجماع العقدي: أجمعوا على أن السجود عبادة فلا يجوز صرفه لغير الله تعالى، وأجمعوا على أن السجود تعبداً لغير الله تعالى من الشرك الأكبر، واتفق المسلمون على أنه لا يسجد لقبر النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك بقبر غيره؟ واتفقوا على أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يستلم ولا يقبل ولا يركع عنده البتة، واتفق الأئمة على النهي عن ما يفعله بعض الأتباع عند كبرائهم من الانحناء بين يديه أو وضع الرأس على الأرض قدامه، أو تقبيل الأرض بين يديه فهذا محرم تحريماً قطعياً ووسيلة من وسائل الشرك بل هو الشرك بعينه إن قصدوا به التقرب والتعبد لهذا الشيخ أو الأمير. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1430(1/2917)
توبة الساب لله ورسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما اقترفته من أخطاء في حق الآخرين وحق الله ـ سبحانه وتعالى ـ بسبب حالتي النفسية التي مررت بها والظلم الذي تجرعته والقهر، فانطلق لساني بالفحش والبذاءة على ـ الله سبحانه وتعالى ـ وفي الناس أسب وأشتم وأقَبِح ـ حتى إنني نلت من عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فعلت مافعلت، لأنني كنت ومازلت ناقما وأحاول أن ألوم الله ـ سبحانه وتعالى ـ والمجتمع من حولي، لأنني لم أجد أحدا يأخذ بيدي إلى برالأمان، لذلك لمت الله ـ سبحانه وتعالى ـ لكونه الرازق والمعين والناصر، ولمت المجتمع الذي لا يعرف للأخوة الإسلامية بابا، ولمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاأدري لماذا؟.
لكنني لما تبت وعدت إلى جادة الصواب ودرست السيرة المحمدية صلوات الله وسلامه علي صاحبها عرفت أنه خُيِر بين البقاء بالدنيا والجنة، أوالموت والجنة، فلو اختار البقاء لظل معنا ولمالقيت مالقيت من الظلم والإهانة لأنني يتيم ووحيد كان صلى الله عليه وسلم سيحكم فينا وتكون الأمور على خير مايرام
مع أنني قدتبت إلا أنني لست مطمئنا، فمازلت أتجرع القهر والضياع، لأنني يتيم ووحيد، ومع ذلك ماسك نفسي ولساني وفرجي بكل ما أوتيت من قوة إلا أنني أزل حيانا، فهل توبتي مقبولة أم لها شروط لكي تُقبَل؟ مع أنني يامن تقرأ رسالتي أمسي وأصبح على هون وخوف كبيرين ليس أمامي الآن سوى أن أذهب لأي جبل استعدادا للموت من الجوع ولا أريد أن أموت بالشارع فكرامتي تهمني فأنا شاب لامستقبل لي ولاسند ولامعين
فهل توبتي مقبولة أم لا؟ وماذا علي فعله؟ ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
أرجو أن أكون قد وضحت فتفهموني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تصلح علاقتك بالله وتستعين بعبادته على إصلاح أحوالك وتتحصن به من الظلم، وأما أن تقع في سب الله ورسوله وتلوم الله وتلوم رسوله، فهذا جرم فظيع يتعين البدار بالإقلاع عنه، فمن سب الله، أو رسوله، فقد كفر كفرا مخرجا من الملة، بإجماع أهل العلم، ولا يعذر فيه بجهل ولا بغضب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى: فلا شبهة تدعوه إلى هذا السب ولا شهوة له في ذلك، بل هو مجرد سخرية واستهزاء واستهانة وتمرد على رب العالمين، تنبعث عن نفس شيطانية ممتلئة من الغضب، أو من سفيه لا وقار لله عنده. اهـ.
وقال ابن قدامة: ومن سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً، أو جاداً، وكذلك كل من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه.
; BORDER-COLLAPSE: collapse; mso-yfti-tbllook: 1184; mso-padding-alt: 3.0pt 3.0pt 3.0pt 3.0pt; mso-table-dir: bidi" cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100 " border=0>
واعلم أن الله يقبل توبة الساب إذا تاب توبة صادقة، ويدل لذلك قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38} . وقوله: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {الشورى: 25} .
وفي الحديث: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. فعليك بكثرة الاستغفار والإتيان بما تيسر من الأعمال الصالحة، واحرص على تعلم التوحيد ومصاحبة أهل الخير. قال الله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39} .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول: لا ريب أن توبتهم – يعني المنافقين الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بينهم وبين الله مقبولة إذا كانت توبة صحيحة، ويغفر لهم في ضمنها ما نالوه من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أبدلوه من الإيمان به، وما في ضمن الإيمان به من محبته وتعظيمه وتعزيره وتوقيره، واعتقاد براءته من كل ما رموه به. اهـ.
ويحسن أن تتخذ رفقة صالحة يعينونك على الاستقامة وتتحاور معهم في أمورك ويحسن أن تراجع بعض الأطباء النفسانيين وتستجيب لتوجيهاتهم، لعل الله ينفعك بهم، ويمكن أن تراجع قسم الاستشارات النفسية والطبية بالشبكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(1/2918)
حكم سب الديانات الوثنية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سب أو شتم الديانات الأخرى؟ وما حكم سب الديانة المسيحية؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق تفصيل القول في حكم سب أي دين من الأديان السماوية، فراجع في ذلك الفتوى رقم: 50065.
وأما غير الأديان السماوية كالوثنية ونحوها، فلا مانع من سبها ووصف أصحابها بالشرك والكفر، ولكن إذا كان ذلك يؤدي إلى سبهم لله تعالى أو الإسلام أو نبيه، فإنه لا يجوز سداً للذريعة، فقد نهى الله عز وجل عن سب أصنام المشركين حتى لا يؤدي ذلك إلى سب الله عز وجل، فقال تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108} .
قال القرطبي في تفسيره: قال العلماء: حكمها باق في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي عليه السلام أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك، لأنه بمنزلة البعث على المعصية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1430(1/2919)
حكم المنتحر وعمره ست عشرة سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ولد عمره 16 سنة، قال أحد الأشخاص لأبي هذا الولد رأيت ابنك وكأنه سكران، فرجع الأب فضرب ابنه كما يفعل بعض الآباء، ولكن مع نوع من القسوة في الضرب، مع العلم لم يتأكد الأب أن ابنه كان سكران فعلا. وبعد ساعة شنق الولد نفسه أي انتحر.
1- هل الولد مكلف أي يحاسب مثل ما يحاسب البالغ الراشد؟
2- ما حكم كل من الولد وأبيه؟
هذا، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الولد البالغ ست عشرة سنة يعتبر بالغا عند كثير من أهل العلم، ويدل لصحة ذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق فأجازني. رواه البخاري.
وفي رواية لمسلم: عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة فحدثته هذا الحديث فقال إن هذا الحديث بين الصغير والكبير فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال.
وأما إقدامه على شنق نفسه فهو كبيرة من الكبائر، وكذا الشرب للخمر إذا ثبت عنه فهو كبيرة أيضا، وكان الواجب على الشخص الذي رآه أن يستره ففي حديث مسلم: من ستر مسلما ستره الله. وكان على الأب أن ينصح الابن ويحاوره حتى يقنعه، ويؤخر الضرب فيجعله آخر العلاج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1430(1/2920)
هل تمحو التوبة إثم شتم الذات الإلهية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لو أن شخصا كان في حالة غضب وشتم الذات الإلهية والدين يكون قد كفر؟ وإذا استغفر الله هل تقبل توبته؟ ماذا يفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا وصل الغضب بشخص إلى درجة فقد الوعي وذهاب العقل بحيث لم يعد يعي ما يقول، فإنه لا يؤاخذ بما صدر منه في هذه الحالة، أما من قال ما يقتضي الكفر في حالة غضب لم يصل به إلى فقدان الوعي وذهاب العقل، فقد كفر بالله وخرج من ملة الإسلام، والواجب عليه التوبة، وتجديد إسلامه، والإكثار من الأعمال الصالحات، ومن استغفر وندم على ما قال في حق الله تعالى، وأقلع عن ذلك، وعزم ألا يعود إليه أبداً فقد تاب، والله تعالى هو التواب الرحيم يقبل توبته، كما قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
وقد سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 10062، 27620.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(1/2921)
حكم نكاح من كان يسب الرب ولحوق أولاده به
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت عندنا ظاهرة سب الذات الإلهية بكثرة، والحلف بالطلاق أيضا. فهل كل المتزوجين يفسخ عقدهم مع زوجاتهم وعيشتهم حرام وزنا أم لا؟ وإذا كانت زنا فهل عقوبتها كالزاني ويعرف أنه زاني، وأنا أبي كان منهم لكن تاب والحمد لله. فهل نحن أبناء زنا؟ وهل يجدد عقده على أمي أم لا بعدما تاب من ذلك؟ أرجو التوضيح في هذه المسألة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على أن من سب الله تعالى كفر سواء أكان مازحا أم كان جادا أو مستهزئا. والردة -كما هو معروف- أحد أسباب التفريق بين الزوجين، فإن تاب المرتد فقد ذهب الشافعية والحنابلة في رواية لهم إلى عدم وجوب تجديد العقد على الزوجة المدخول بها إذا رجع إلى الإسلام وهي لا تزال في عدتها، وذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في المشهور عندهم إلى وجوب تجديد العقد. والصحيح من أقول أهل العلم أن الفرقة بين الزوجين إذا ارتد أحدهما تتوقف على انقضاء العدة. وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 12447، 74023، 18293، 75463.
وقال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: سبَّ الدين ردة عن الإسلام، وكذلك سبُّ القرآن وسب الرسول صلى الله عليه وسلم ردة عن الإسلام، وكفر بعد الإيمان، نعوذ بالله، لكن لا يكون طلاقاً للمرأة، بل يفرق بينهما من دون طلاق، فلا يكون طلاقاً بل تحرم عليه؛ لأنها مسلمة وهو كافر، وتحرم عليه حتى يتوب، فإن تاب وهي في العدة رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء، أي إذا تاب وأناب إلى الله رجعت إليه. وأما إذا انتهت العدة وهو لم يتب فإنها تنكح من شاءت ويكون ذلك بمثابة الطلاق، لا أنه طلاق، لكن بمثابة الطلاق؛ لأن الله حرَّم المسلمة على الكافر، فإن تاب بعد العدة، وأراد أن يتزوجها فلا بأس، ويكون بعقٍد جديدٍ أحوط؛ خروجاً من خلاف العلماء، وإلا فإنَّ بعض أهل العلم يرى أنها تحل له بدون عقدٍ جديدٍ، إذا كانت تختاره، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على حالها، ولكن إذا عقد عقداً جديداً فهو أولى؛ خروجاً من خلاف جمهور أهل العلم، فإن الأكثرين يقولون: متى خرجت من العدة بانت منه وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقدٍ جديدٍ، فالأولى والأحوط أن يعقد عقداً جديداً، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة قبل أن يتوب، فأما إذا تاب وهي في العدة فهي زوجته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين أسلموا بعد إسلام زوجاتهم على أنكحتهم قبل خروج زوجاتهم من العدة. اهـ.
وأما بالنسبة للأولاد، فإن كان الحمل بهم في حال الردة، وكان ذلك مع الجهل بحكم نكاح المرتد فهو كسائر الأنكحة الباطلة أو الفاسدة يثبت به النسب، بخلاف ما إذا كان الزوجان يعلمان الحكم، فقد اتفق الفقهاء على وجوب العدة وثبوت النسب في النكاح المجمع على فساده بالوطء كنكاح المعتدة وزوجة الغير والمحارم، إذا كانت هناك شبهة تسقط الحد، بأن كان لا يعلم بالحرمة؛ ولأن الأصل عند الفقهاء أن كل نكاح يدرأ فيه الحد فالولد لاحق بالواطئ، أما إذا لم تكن هناك شبهة تسقط الحد بأن كان عالما بالحرمة، فلا يلحق به الولد عند الجمهور، وكذلك عند بعض مشايخ الحنفية؛ لأنه حيث وجب الحد فلا يثبت النسب. وعند أبي حنيفة وبعض مشايخ الحنفية يثبت النسب لأن العقد شبهة. كما جاء في الموسوعة الفقهية.
وراجع للفائدة الفتويين: 69129، 36421.
وعلى كل فاحمد الله أن تاب أبوك إلى الله واحرص على بره وبر أمك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(1/2922)
أصابه شك في دينه فهل بانت منه امرأته التي لم يدخل بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم في الثلاثين من عمري، عقدت قراني علي ابنة عمي ولم أدخل بها، ثم سافرت إلي الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة، وهناك تعرفت علي مجموعة من الملحدين -ويغفر الله لي- فمر بي شهران من الشك في ديني -والعياذ بالله- علما بأنني كنت في هذين الشهرين أصلي بانتظام، ولا أرتكب أي كبيرة من الكبائر، ولكن الشبهات أصبحت تؤثر في جداً، وأصبحت طوال النهار والليل أفكر هل ديننا هو الحق وما عداه هو الباطل؟ ثم هداني الله في نهاية هذين الشهرين إلي الحق وإلي طريق مستقيم، فعاد إلي الإيمان واليقين الكامل، وقررت أيضا ترك بلاد الكفر بإذن الله إلي غير رجعة، فهل تكون زوجتي بائنة مني ويجب علي أن أعقد عليها عقداً جديداً أم أن هذا لا يلزمني؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشرح صدرك بالإيمان وأن يثبتك على الحق، ثم اعلم أيها السائل الكريم أنك مصيب في ترك بلاد الكفر، فإن السلامة لا يعدلها شيء، والآخرة خير وأبقى.
وأما ما حصل منك مما سميته-الشك في ديني- فلو وصل إلى درجة الشك بالفعل بحيث لم تكن تقطع بصحة دين الإسلام بل أصبح احتمال بطلانه أمرا واردا بالنسبة لك، فهذه ردة ـ والعياذ بالله ـ ينفسخ بها عقد نكاحك في الحال لأنك لم تدخل بامرأتك، جاء في الموسوعة الفقهية:
ردة أحد الزوجين موجبة لانفساخ عقد النكاح عند عامة الفقهاء، بدليل قوله تعالى: لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن. وقوله سبحانه: ولا تمسكوا بعصم الكوافر. فإذا ارتد أحدهما وكان ذلك قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ولم يرث أحدهما الآخر. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 74023.
وذلك أن شهادة التوحيد يشترط في قبولها اليقين، قال الشيخ سليمان بن سحمان في منظومته في بيان شروط لا إله إلا الله:
وسادسها وهو اليقين، وضده هو الشك في الدين القويم المحمدي.
ومن شك فليبقى على رفض دينه ويعلم أن قد جاء يوما بموئد.
بها قلبه مستيقنا جاء ذكره عن السيد المعصوم أكمل مرشد.
ولا تنفع المرء الشهادة فاعلمن ... إذا لم يكن مستيقنا ذا تجرد. ... الدرر السنية في الأجوبة النجدية. وراجع الفتوى رقم: 5098.
فالشك الذي هو نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه. لا يكون العبد معه مؤمنا فلا بد لحصول الإيمان أن يكون العبد موقنا يقينا جازما بمدلول شهادة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. {الحجرات:15} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. رواه مسلم.
فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط. وتوبة الشاك تكون بالإتيان بالشهادتين مع الجزم واليقين بما كان قد شك فيه.
ولكن يبقى النظر في كون ما حصل عندك هل وصل إلى هذه الدرجة أم لا، لأنك تقول: كنت في هذين الشهرين أصلي بانتظام ولا أرتكب أي كبيرة من الكبائر. فإن هذا دليل على وجود الإيمان، وظاهره أن الأمر لم يتعد عندك مرحل الشبهة التي تفكرت فيها حتى وصلت إلى بطلانها، وحصَّلت اليقين القاطع بصحة دينك وسلامة إيمانك من الشبهات، فلا يتعدى الحكم عندئذ حكم الوسوسة في الإيمان.
وعلى أية حال فالحمد لله الذي نجاك وهداك، وعلى أسوأ الأحوال إن كان الأمر قد وصل بالفعل إلى الشك المخرج من الملة، فيمكن إجراء عقد نكاح شرعي جديد بحضور ولي المرأة والشهود، دون الحاجة إلى تسجيل ذلك في الأوراق الرسمية، بل يسعكم أن تكتفوا بالعقد الرسمي الأول، هذا مع الغالب على الظن عندنا أنه لا داعي لإجراء عقد جديد فنكاحك قائم، وما حصل مجرد وساوس لم ترتق إلى درجة الشك المخرج من الملة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(1/2923)
الضحك عند قراءة خبر إزالة بعض المساجد هل يعد كفرا
[السُّؤَالُ]
ـ[في دولة خليجية تم إزالة مساجد مخالفة، وهذا الأمر أحدث خلافا بين مؤيد ومعارض. المهم قرأت مطوية تصف من يزيلون المساجد بالنفاق فضكحت من دون قصد، لظني بأنه مبالغة، ولكنني تداركت الأمر واستغفرت وندمت، خفت أن يكون هذا استهزاء بالدين. فهل علي شيء؟ هل يعتبر هذا الأمر ردة؟ أنا خائفة والله من دون قصد بل من الجهل وأصبحت أوسوس هل علي غسل أو لا؟
ويا شيخ أحيانا أقول كلمة فيأتيني وسواس بأن هذا كفر وردة وعليك غسل؟ ماذا أفعل؟ وهل لي أن أرد على هذا الوسواس برأي الأحناف والشافعية بأن الغسل سنة وليس واجبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما إزالة المساجد فقد سبق بيان أحكامها في الفتاوى الآتية أرقامها: 106680، 17780، 102333.
وأما ضحكك أو صياحك لقراءة الخبر فلا يترتب عليه بمجرده حكم، لا سيما وقد ذكرت أنه دون قصد؛ لظنك أنه مبالغة، وعلى ذلك فأنت بحمد الله على إسلامك، ولم ترتدي عياذا بالله من ذلك.
وقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول إسلامه بالشك؛ للقاعدة الفقهية المشهورة: اليقين لا يزول بالشك.
وعلى ذلك فمسألة الغسل غير واردة في حالتك على جميع المذاهب؛ لأنها مبنية على ثبوت ردتك، وذلك لم يثبت فعليك أن تطرحي هذه الأفكار ولا تجعلي للشيطان عليك سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد، فلا تفتحي بابه على نفسك بالاسترسال مع تلك الوساوس. وراجعي الفتوى رقم: 119321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(1/2924)
حكم إنكار مشروعية ختان النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أنكر ختان النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ختان النساء متفق على مشروعيته عند أهل العلم واختلفوا في وجوبه واستحبابه، وقد كان ختان النساء معروفا عند السلف، وقد وردت فيه أحاديث ضعيفة الأسانيد، وقد ذكر الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة أنها بمجموع طرقها وشواهدها يصح بها الحديث.
وبناء على هذا يعلم أنه لا يحق إنكار الختان للنساء ولا يكفر بإنكاره لأنه ليس من المعلوم من الدين بالضرورة، فلو أن شخصا لم تكن عنده ثقافة شرعية، وتأثر بكلام المعاصرين في شأنه دون تعمد منه لإنكار ما اتفق أهل العلم على مشروعيته فلا يكفر بذلك.
والواجب أن يتعلم أمور الشرع من مظانها، ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 17741، 31783، 48958، 34471.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(1/2925)
هل يكفر من فعل ما يشك أنه كفر أو معصية فكان كفرا
[السُّؤَالُ]
ـ[من اشتبه فى فعل أنه كفر أم معصية وفعله رغم شكه دون أن يسأل عالماً.
فإن كان هذا الفعل فى الحقيقة كفرا، لكن هو لم يسأل على الحكمًَ وتهاون ولم يتب وصلى وصام وعامل نفسه على أنه مسلم، فهل يحكم عليه أنه كافر ظاهرا وباطناً، أم كافر ظاهراً فقط وربما يكون مسلما باطنا، أم ربما كافر باطناً، ولكن يعامل كمسلم ظاهراً؟ هل هو معذور بجهله؟ هل قصده للفعل ظنا أنه معصية وليس كفرا أي قصد المعصية ولم يقصد أن يكفر بها هل هو عذر له؟ أرجو الرد على هذه الحالة بذكر القواعد الشرعية ثم التطبيق على هذه الحالة على وجه الخصوص وأقوال علماء السنة الثقات كابن عثيمين وابن باز والألبانى أحتاج إلى توضيح. هل كل ما أشك أنه كفر أبتعد عنه، وأنا أشك فى أشياء كثيرة وضعيفة الإيمان جداً جداً. عندى أسئلة كثيرة لكن قرأت أن الاجابة ستكون على سؤال واحد هل أرسل فيما بعد أكثر من سؤال فى مرة واحدة فأحتاج إلى الإجابات بأسرع وقت لأن حياتى مضطربة.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم مأمور بأن يبتعد عن المعاصي كلها، كبيرها وصغيرها، ولا يستهين بالمعصية بسبب أنها دون الكفر، فعن سَهْلِ بن سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا في بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حتى أنضجوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بها صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ. رواه الإمام أحمد بسند حسن كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
وعن أَنَسٍ رضي الله عنه قال: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ في أَعْيُنِكُمْ من الشَّعَرِ إن كنا لَنَعُدُّهَا على عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم من الْمُوبِقَاتِ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ.
فالعاقل لا ينظر إلى صغر الذنب، ولكن ينظر إلى عظمة مَنْ يعصيه.
فالواجب على المسلم أن يترك المعاصي بالكلية، ويحذر من عظيم ضررها، وإذا ابتلي بمعصية فعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى.
ولمزيد الفائدة في بيان ضرر المعاصي على دين العبد ودنياه ننصحك بمطالعة كتاب الجواب الكافي للإمام ابن القيم.
أما بخصوص ما تسألين عنه فإن من وقع في فعل من الأفعال الكفرية، ولم يعلم هل هو كفر أو معصية فقد اختلف العلماء في حكمه هل يكفر أم يعذر بجهله، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ {الحجرات:2}
فظاهر الآية يدل على أن العبد قد يقع في الكفر وهو لا يشعر، ولكن قال القرطبي في تفسيره: وليس قوله أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون بموجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر كذلك لا يكون المؤمن كافرا من حيث لا يقصد إلى الكفر ولا يختاره بإجماع كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم. اهـ.
وتعقب الشنقيطي في أضواء البيان القرطبي بقوله: وظاهر هذه الآية الكريمة أن الإنسان قد يحبط عمله وهو لا يشعر، وقد قال القرطبي إنه لا يحبط عمله بغير شعوره وظاهر الآية يرد عليه.
وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه: وقوله عز وجل: أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ) أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري كما جاء في الصحيح: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقى لها بالاً يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض. اهـ محل الغرض منه بلفظه. اهـ.
وجاء في الفتاوى الهندية: ومن أتى بلفظة الكفر، وهو لم يعلم أنها كفر إلا أنه أتى بها عن اختيار يكفر عند عامة العلماء خلافا للبعض، ولا يعذر بالجهل كذا في الخلاصة. اهـ.
والذي يظهر لنا أن الفعل إذا كان معلوماً لا يخفى على آحاد الناس أنه فعل كفري كالسجود للصنم أو إلقاء المصحف في القاذورات فمن فعل ذلك فإنه يكفر، أما إذا كان أمراً خفياً فلا يكفر من فعله إلا بعد العلم بذلك، حتى وإن قصر في طلب العلم.
جاء في مختصر الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية: ومن اعتقد أن زيارتها – أي الكنائس - قربة فقد كفر، فإن كان مسلما فهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك، فإن أصر فقد كفر وصار مرتدا. اهـ.
وقال السيوطي في الأشباه والنظائر: كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزنى والقتل والسرقة والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم. ا. هـ.
وراجعي ضوابط العذر بالجهل في الفتوى رقم: 111072.
ويحسن أن ننبه هنا إلى أمور:
الأول: أن أهل السنة والجماعة لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بمجرد الذنوب ما لم يستحلها مرتكبها. ومن الأفعال التي يكفر بها المسلم كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن إلقاء المصحف كله في محل قذر يوجب الردة، لأن فعل ذلك استخفاف بكلام الله تعالى، فهو أمارة عدم التصديق. وقال الشافعية والمالكية: وكذا إلقاء بعضه. وكذا كل فعل يدل على الاستخفاف بالقرآن الكريم. كما اتفقوا على أن من سجد لصنم، أو للشمس، أو للقمر فقد كفر. ومن أتى بفعل صريح في الاستهزاء بالإسلام، فقد كفر. قال بهذا الحنفية ودليلهم قوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} . اهـ.
الثاني: أن الحكم بالكفر على الشخص المعين ليس بالأمر الهين، بل لا بد أن يكون بعد انتفاء الموانع، فمن ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد قيام الحجة وإزالة الشبهة، وراجعي ضوابط التكفير في الفتوى رقم: 721.
الثالث: أن الواجب على المكلف ألا يقدم على فعلٍ قبل أن يتبين حكمه خاصةً لو اشتبه عليه أمره.
جاء في إذا إدرار الشروق على أنواء الفروق لابن الشاط: من القاعدة التي حكى الغزالي في إحياء علوم الدين والشافعي في رسالته الإجماع عليها من أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله تعالى فيه. اهـ.
الرابع: أن العبد إذا ابتلي بالوساوس في هذه الأمور فالعلاج الناجع للوساوس هو الإعراض عنها، واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء. وراجعي فتوانا رقم: 117523.
وننصحك بالإكثار من الطاعات والدعاء وقراءة القرآن وصحبة الصالحات، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الإسلام، وأن يتوفانا على الإيمان، ونرحب بأسئلتك واستفساراتك فيما يشغلك من أمور دينك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1430(1/2926)
حكم القول بأن هناك رسولا سيبعث في المستقبل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في رجل يقول إن هناك رسولا سيأتي في المستقبل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم أن يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ {الأحزاب:40} .
وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبييون.
وفي صحيح مسلم أيضا: إن لي أسماءً، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد.
وفي رواية: والعاقب الذي ليس بعده نبي.
وقوله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس على قدمي، وفي رواية: على عقبي. أي يحشرون على أثري وزمان نبوتي ورسالتي، وليس بعدي نبي. وقيل: أي يتبعونني.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني.
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وقد أجمع المسلمون على ذلك، فمن ادعى النبوة فهو كافر مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن اعتقد صدق هذا الادعاء فهو أيضا كافر مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فالواجب توجيه هذا الشخص المذكور، وتعريفه بهذه الأدلة إن كان يجهلها، فإن أصر على اعتقاده، فهو كافر مرتد عن الإسلام. وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12535، 9545، 48750.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(1/2927)
حكم من مات على الكفر وحيل بينه وبين معرفة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: يقول الله تعالى في سورة المائدة: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ. ويقول سبحانه في سورة إبراهيم: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار. أفهم أن الذين يضلون هم في النار، فما بال الذين أضلهم قوم آخرون؟ يعني: هناك من غير المسلمين – على مر العصور - من هو أمي لا يعرف لا القراءة ولا الكتابة وهو ساذج، ولم تصله دعوة الإسلام، فيأتيه من يشوه له صورة الإسلام فيقنعه بأن دينه، نصرانية كان أو غيرها، هو الدين الحق، فيبقى على دينه ولربما يقاتل المسلمين -في الفتوحات مثلا- فيُقتل ويموت وهو يظن أنه على هدى، تماما كما يظن المسلم أنه على هدى، أنا لا أشكك في دين الله فأنا مسلم والحمد لله، لكن أريد أن أفهم، أقول فهذا الذي يموت على هذه الحال كان يسمع لرجال دينه الذين يخفون الحقيقة ويعتقد أنهم صادقون..الخ. وأنا أعلم أن المسلمين أٌمروا أن يخاطبوا الناس على قدر عقولهم. فكيف يكون في النار وهو لم يفهم دعوة الإسلام كما يجب، هل لأن الله سبحانه يعلم ما في قلبه أم ماذا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الصنف المذكور في السؤال لم يعرف حقيقة الإسلام، وكان حريصا على معرفة الحق، ولكن حيل بينه وبين معرفته على وجهه الصحيح، فهذا كفره كفر جهل، وهو الذي نفى الله عنه التعذيب، وحكمه في الآخرة أنه يمتحن يوم القيامة مثل الأربعة المذكورين في الحديث.
أما من سمع بالإسلام فلم يرفع به رأسا، ولم يرد معرفة حقيقته أصلا ولا طلبها، فهذا كفره كفر إعراض، وهو مستحق للعذاب في الآخرة.
وقد فصل ابن القيم رحمه الله في كتاب طريق الهجرتين القول في هذه المسألة بما يحسن نقله، قال:
لا بد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه، فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه فقصر عنه ولم يعرفه، فقد قامت عليه الحجة، وهو بتمكنه وإعراضه مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضا: أحدهما: مريد للهدى مؤثر له محب له غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده فهذا حكمه حكم أرباب الفترات -وهم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل ولم يرسل إليهم الأول ولا أدركهم الثاني يشمل ما بين محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام-, ومن لم تبلغه الدعوة.
الثاني: معرض لا إرادة له ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه. فالأول يقول: يا رب لو أعلم لك دينا خيرا مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه، ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي. والثاني: راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز، وهذا لا يجب أن يلحق بالأول؛ لما بينهما من الفرق، فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزا وجهلا. والثاني كمن لم يطلبه بل مات على شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض، فتأمل هذا الموضع والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل فهذا مقطوع به في جملة الخلق. وأما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول. هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة وهو مبني على أربعة أصول:
أحدها: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. وقال تعالى: رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وهذا كثير في القرآن يخبر أنه إنما يعذب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة وهو المذنب الذي يعترف بذنبه. قال تعالى: وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين. والظالم من عرف ما جاء به الرسول أو تمكن من معرفته بوجه، وأما من لم يعرف ما جاء به الرسول وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟!
الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها.
الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها.
فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد. وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل.
والأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئا ولا يتمكن من الفهم وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم: أربعة يوم القيامة يدلون بحجة: رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ومن مات في الفترة. فأما الأصم فيقول: يا رب جاء الإسلام وما أسمع شيئا. وأما الأحمق فيقول: جاء الإسلام والصبيان يقذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: لقد جاء الإسلام وما أعقل، وأما الذي مات على الفترة فيقول: يا رب ما أتاني رسولك فيأخذ مواثيقهم ليطعنه فيرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار قال: فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما. رواه أحمد وغيره عن الأسود بن سريع وأبي هريرة وصححه الألباني.
الأصل الرابع: أن أفعال الله سبحانه وتعالى تابعة لحكمته التي لا يخل بها، وأنها مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة. من كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن قيم الجوزية بتصرف.
والله سبحانه وتعالى أعلم بمن يستحق العذاب، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
وراجع للأهمية الفتاوى ذوات الأرقام الآتية: 39870، 59524، 60700.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1430(1/2928)
هل تطلق الزوجة إذا سب الزوج الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سب الدين يعتبر طلاقا؟ وما الحكم إذا كان الزوج مسافرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرجل المتزوج سواء كان مقيما أو مسافرا إذا سب دين الإسلام، فقد ارتكب كفرا مخرجا عن ملة الإسلام، وراجع الفتوى رقم: 8927، ويفرق بينه وبين زوجته ويفسخ نكاحه بغير طلاق عند الجمهور خلافا للمالكية القائلين بكون الردة طلاقا بائنا. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 25611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1430(1/2929)
قالت إن عدت للمعصية فسأكفر بربي ثم عادت لها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أشكرم على المجهودات الجبارة في سبيل نشر الوعي الفقهي بين المسلمين، وفقكم الله، وسؤالي لفتاة حائرة ماذا تفعل في معصيتها التي وقعت فيها -كما ذكرت- وهي أقسمت بالله العديد من المرات على أن لا تعود لتلك المعصية، وعادت، وقالت مرة أخرى: إن عدت للمعصية سأكفر بربي، وعادت.
أخي في الاسلام إن الفتاة حائرة، فهل كفرت بالله عندما عادت للمعصية أم لا؟ وإن كفرت فماذا عليها أن تفعل حتي تعود إلى ملة الإسلام؟ أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الفتاة لا تكفر بقولها هذا، والواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، وتكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، عسى الله أن يتوب عليها؛ قال سحنون: قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن قال الرجل: أنا كافر بالله إن فعلت كذا وكذا، أيكون هذا يمينا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يكون هذا يمينا، ولا يكون كافرا حتى يكون قلبه مضمرا على الكفر، وبئس ما صنع. المدونة.
وقال ابن حجر: قال ابن المنذر: اختلف فيمن قال: أكفر بالله ونحو ذلك إن فعلت، ثم فعل. فقال ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وقتادة، وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفارة عليه، ولا يكون كافرا إلا أن أضمر ذلك بقلبه. وقال الأوزاعي، والثوري، والحنفية، وأحمد، وإسحاق: هو يمين وعليه الكفارة. قال ابن المنذر: والأول أصح، لقوله صلى الله عليه وسلم: من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله. ولم يذكر كفارة. زاد غيره: ولذا قال: من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال. فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه. فتح الباري. وانظري للفائدة الفتوى رقم: 66748.
والإقلاع عن الذنوب لا يكون بمثل هذه السبل والألفاظ والأيمان، وإنما يكون بتحقيق الإيمان ومخافة الرحمن، وقد سبق لنا بيان وسائل تقوية الإيمان وتحقيق الاستقامة، وذكر نصائح لاجتناب المعاصي وبيان شروط التوبة، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 1208، 93700، 5450. على الترتيب.
فعليك ـ أختي السائلة ـ أن تذكري صاحبتك بالله ترغيبا وترهيبا، وتعينيها على سلوك سبيل الهداية والصلاح، وإذا كانت معصيتها متعلقة بالاختلاط برجل أو رجال أجانب مثلا فإن عليها السعي في الحصول على زوج يعفها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1430(1/2930)
يشك بأنه سب الدين والرب فهل يخرج من الإسلام بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أشك في أني سببت الدين والرب -عياذا بالله- ولا أعلم حقا هل فعلت ذلك أم لا؟ صرت أفكر بذلك بعد ما علمت بأن ذلك مخرج من الإسلام، والشك يقتلني، وأنا متزوج وشكي في هذا قبل الزواج وعلمت بأنه مخرج عن الملة بعد الزواج، أفتوني فتوى حتى ولو وجب علي قتل نفسي لا نريد الدنيا نريد الله ورسوله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولا: من القواعد المقررة في الفقه الإسلامي أن اليقين لا يزول بالشك، وما دام إسلامك قد ثبت بيقين، فلا يزول إلا بيقين مثله لا بالشك.
ثانيا: لو فرض أن ذلك وقع، وحكم بردتك فما دمت قد تبت توبة نحسبها صادقة إن شاء الله - كما يظهر من السؤال - فقد عدت بذلك إلى الإسلام.
ثالثا: لو فرض أن ذلك وقع، فإن كنت قد تبت منه قبل الزواج فلا تأثير له عليه ولا على عدد الطلقات.
أما إن كنت لم تتب منه إلا بعد عقد الزواج فعليك تجديد العقد.
لكن كل هذه الأحكام إنما تلزم إذا تيقنت وقوع ذلك، وما دمت شاكا - كما ذكرت في سؤالك - فلا يقع شيء مما سبق.
ولتحذر يا أخي الكريم من الوقوع في هذا الذنب العظيم، فإن المذنب لا يدري متى يحين أجله، ولربما قبضت روحه على إثر ردته دون إمهال للتوبة، نسأل الله حسن العاقبة، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، ووقانا جميعاً نزغات الشيطان.
وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 133، 12447.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1430(1/2931)
حكم اعتقاد أن بعض القرآن غير معجز ومحاولة تأليف مثله
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ، أنا صاحب الفتوي رقم 119217 وأحب لو اتسع صدركم لي أن أذكر عدة نقاط:
أولها: أنني قد درست بالأزهر وعرفت الكثير من الإعجاز العلمي والطبي والعددي والنظمي للقرآن الكريم، ولكن الشيطان الرجيم أجاب علي كل ردودي ومدافعاتي بأجوبة أستحي من الله أن أذكرها الآن، وتبدو في ظاهرها مقنعة لمن لم يشرح الله صدره للإسلام، فهل ترون الآن أنني لا أعذر بالجهل وتتغير فتواكم.
ثانيا: ذكرت -فضيلتكم- أن هذه الوساوس لا يحاسبني الله عليها طالما ظلت بداخلي فكيف الحال، وقد نطقت فعلا بهذه الوساوس مرة عندما قلت إن القرآن غير معجز، ومرة بعد كتب الكتاب وقبل الدخول حينما ظننت أن سورة النصر ليست بمعجزة بل -ويغفر الله لي- حاولت تأليف مثلها -ثم بعد كتب الكتاب بيومين التزمت بالصلاة والصوم وقراءة القرآن فزالت عني كل الوساوس. لأنني قرأت أن من كتب كتابه فقط ولم يدخل إن حدث منه قول كفري تطلق زوجته وتبين بينونة صغرى، أعلم أن العلم لا يؤخذ من الكتب ولكن الشيطان يستغل هذه النقطة وأحب أن أخرسه تماما فما رد فضيلتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن قال إن القرآن أو بعضه غير معجز وهو في حال اختياره فقد كفر بالله العظيم، وخرج من دين المسلمين، وما كان منك من ظن بأن بعض السور القرآن ليست معجزة وحاولت تأليف مثلها فهذا والعياذ بالله كفر.
ولكنا نظراً لما أنت فيه من بلاء باستيلاء الوساوس على عقلك وقلبك نرى أنه لا مؤاخذة عليك فيما حدث، ولا يتأثر بذلك دينك ولا زواجك -إن شاء الله تعالى- لأن الموسوس في الحقيقة مغلوب على عقله لا حيلة له في أمره، نسأل الله لك العافية والشفاء. لكن الذي تطالب به هو أن تبذل جهدك في التخلص من داء الوسوسة العضال، وذلك بالاستعانة بالله وكثرة ذكره، ثم الإعراض عن هذه الوساوس جملة واحدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1430(1/2932)
هل تقبل توبة ساب الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من رواد المنتديات الإسلامية، وقد رأيت أن أشخاصا كثيرين يسألون عن حكم سب الله وسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد رأيت ثلاثة أراء للعلماء في الموضوع:
الأول: من سب الله والرسول قتل حدا وردة وحكمه حكم الزنديق.
الثاني: من سب الله والرسول يستتاب ولا يقتل.
والثالث وهو الأرجح: قرأته لكثير من العلماء ومنهم ابن العثيمين في كتابه فتاوى العقيدة، وهو التفريق بين سب الله وسب الرسول، فمن سب الله يستتاب ولا يقتل لأن حق الله يسقط بالتوبة، ومن سب الرسول يستتاب ويقتل، وذلك لأن سب الرسول به حقان: حق شرعي وهو حق الرسالة كونه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يسقط بالتوبة، وحق شخصي أو آدمى كونه من البشر وهذا لا يسقط بالتوبة وعليه يقتل حدا لآدمى ميت لم يعلم عفوه. ولكن هذا كله فيمن وصل أمره إلى السلطان والتوبة هنا هي الاستتابة أي التوبة المسقطة للحد والعقوبة عند السلطان، وليست التوبة الماحية للذنب عند الله وهو ما يسأل الناس عن حكمه بمعنى حكم من سب الله ورسوله سرا فيما بينة وبين الله ولم يصل إلى السلطان أو الإمام؟
السؤال الذي أرجو منكم شيخنا الفاضل توضيحه، والإجابة عليه:
إذا سب شخص مسلم الرسول صلى الله عليه وسلم سرا فيما بينه وبين الله، ثم جدد إسلامه وتاب وصلى على النبي، هل بإسلامه وتوبته سقط الكفر أي غفر الله له كفره أم لا؟
وإذا كان الحد حقا لآدمى أي على الحق الشخصي للرسول فهل له أي صلة بمغفرة الله له ككفره وصحة إسلامة ودخوله الجنة؟
وهل إقامة الحد من شروط قبول توبته إذا سب الإنسان الرسول سرا فيما بينه وبين الله فهل علية أن يذهب إلى الإمام ويظهر ذنبه ليقيم علية الحد أم أنه يتوب سرا كما سب سرا من غير احتجاج إلى أن يظهر ذنبه ويفضح نفسه؟ وكيف يؤدي الحق الشخصي أو الآدمي للرسول وقد تعذر طلب العفو أو الاستحلال، أم أنه يكفيه الإكثار من الصلاة على النبي والاستغفار؟ وهل يأخذ النبي من حسناته يوم القيامة كغيره من البشر؟
أرجو من فضيلتكم التوضيح، والاستفاضة والرد على كل جزء من السؤال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب على السؤال نريد أولا أن ننبه إلى أن السؤال يشتمل على شيء من التناقض. مثل قوله صاحبه: قتل حدا وردة وحكمه حكم الزنديق وقوله: يستتاب ولا يقتل أو يستتاب ويقتل، وغير ذلك.
وعلى أية حال فنقول: إن سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر مخرج من الملة بلا خلاف، جاء في الموسوعة الفقهية: حكم سابه صلى الله عليه وسلم أنه مرتد بلا خلاف. اهـ.
وفي موضع آخر: ورد في الكتاب العزيز تعظيم جرم تنقص النبي أو الاستخفاف به، ولعن فاعله. وقد ذهب الفقهاء إلى تكفير من فعل شيئا من ذلك. اهـ.
لكن إن تاب صاحبه توبة نصوحا فإن الله يتوب عليه، فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها وتمحو المعاصي كلها، حتى الشرك، والخلاف الحاصل بين أهل العلم في قبول توبة الساب، إنما هو في رفع القتل عنه بالتوبة، لا في انتفاعه بتوبته عند الله تعالى في الآخرة، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53} ، وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتويين رقم: 117954، 17316.
وأما حق النبي وكيف يؤدى، وهل يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من حسنات من تاب من سبه؟ فالجواب أن التوبة النصوح تكفي صاحبها من ذلك كله إن شاء الله، فإن الإسلام يجبُّ ما قبله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الصارم المسلول) : لا ريب أن توبتهم – يعني المنافقين الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بينهم وبين الله مقبولة إذا كانت توبة صحيحة، ويغفر لهم في ضمنها ما نالوه من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أبدلوه من الإيمان به، وما في ضمن الإيمان به من محبته وتعظيمه وتعزيره وتوقيره، واعتقاد براءته من كل ما رموه به.
وراجع في ذلك الفتوى الأولى التي تقدمت الإحالة إليها.
وأما مسألة الذهاب للإمام لإقامة الحد فهذا لا يلزم، بل يلزمه التوبة والنصح فيها، ويستر على نفسه ويحسن في ما بقي، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1430(1/2933)
حكم التعامل مع تجار يسبون الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤال يحيرني كثيرا.
لي دكان لبيع الأسماك -والأمر الذي يزعجني هو أن بيع الأسماك بالجملة، أي من أين أشتري هذه البضاعة-وهو مكان وحيد، ويكثر فيه سب اسم الجلالة، ولا تستطيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه، لأنهم أناس لا يخافون رب العالمين، ويستطيعون الاعتداء عليك بالشتم اللفظي، وحتى العنف الجسدي.
فما حكم الشريعة في هذا العمل، وفي المعاملات مع هؤلاء الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العافية والتثبيت على الحق, ثم اعلم أن الواجب على المسلم أن ينكر المنكر قدر استطاعته فإن عجز عن الإنكار باليد واللسان، فعليه إنكار المنكر بالقلب، ثم عليه أن يعتزل المنكر إن أمكنه ذلك لقوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام68} .
فعليك أيها الأخ -الفاضل -أن تجتهد في الابتعاد عن هؤلاء الناس ما أمكن, فإن لم يكن لك سبيل إلى اكتساب الرزق إلا عن طريق مخالطتهم، فلا تزد في مخالطتهم عن قدر الحاجة، مع الحرص على نهيهم عن المنكر، وأن تبين لهم أن سب الله ودينه كفر، إن أمكنك ذلك بلا ضرر.
وأما البيع لهم والشراء منهم فجائز، وإن كانوا يرتكبون ما يرتكبون من المنكر العظيم، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- مات ودرعه مرهونة عند يهودي في آصع من شعير, أخرجه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1430(1/2934)
أمور ليست من الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[عند كتابة رسالة من جوالي تظهر على الشاشة علامة صليب، فهل في استعمال هذه الخدمة كفر، وما هو الحكم بالنسبة لي إن استعملتها، وذلك بسبب وساوس في الطلاق المعلق على كتابة شيء في هذه الخدمة، وما هو حكم من سمع من شخص قولا شك في كونه كفراً فقال له أعد ما قلت؟ وما هو حكم من سمع من قال أنا من حزب كذا (ويكون هذا الحزب ديموقراطياً) في سياق مضحك فضحك، فهل في ذلك كفر.. في الحقيقة عندي أسئلة كثيرة من هذا النوع وكذلك وساوس في الطلاق فأرجو أن تعطوني ضابطا واضحا في هذه المسائل حتى لا أتجه مباشرة في كل مرة للسؤال؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فليس في استعمال هذه الخدمة كفر بأي حال؛ فإنك لا تعظم الصليب ولا تعتقد عقيدة الصلب والفداء، بل إنك تكره حتى مجرد رؤيته، كما هو ظاهر السؤال، ويبقى النظر فقط في المشروعية، فإن كان بإمكانك إلغاء أو تغيير هذا الرمز من جوالك فلا يبقى إشكال، وإن لم تكن هناك إمكانية لتغييره فيكفيك - إن شاء الله - كراهية ذلك الرمز إن احتجت لكتابة رسالة فرأيته.. وإن استطعت أن تستبدل بهذا الجوال غيره مما لا يكون فيه ذلك الرمز فهو أولى، وراجع للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 8015.
وأما الطلاق المعلق على كتابة شيء في هذه الخدمة فلا يمكن الحكم عليه إلا إذا عرف لفظه بالضبط، وقد يحتاج الأمر إلى معرفة نية القائل وسبب يمينه..
وأما طلب إعادة الكلام المشكوك في كونه كفرا، فحكمه بحسب الغرض منه، فإن طلب الإعادة بغرض التبين والتثبت من الكلام، بحيث يتسنى له توجيه الرد المناسب من القبول أو الرد والتأييد أو النصح، فهذا محمود شرعا وعقلا، وإن كان هذا الطلب بعد معرفة الكلام والتأكد منه فيحرم هذا الطلب لما فيه من طلب سماع المنكر، وقد قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيع ا ً {النساء:140} ، وقال سبحانه: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام:68} .
ومن سمع من يقول: (هو من حزب كذا الديموقراطي) فيجب عليه أن ينصحه ويبين له خطأه؛ لما بين الديمقراطية والإسلام من الخلاف الجوهري، وقد سبق أن بينا معنى الديموقراطية وماهيتها في الفتوى رقم: 10238.
وعليه فلا يجوز الضحك عند سماع ذلك، إلا إذا كان على سبيل التلطف والتمهيد للإنكار، ولكنه على أية حال لا يصل إلى درجة الكفر، إلا إن كان الضحك على سبيل الإقرار والرضا بالديمقراطية بمعناها المخالف للشرع، وننبه السائل على أن الحكم بالكفر ليس بالأمر الهين، وقد سبق أن بينا ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، وأن من ثبت إسلامه بيقين فلا يزول إسلامه بالشك، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 721، 106396، 53835.
والظاهر أن السائل الكريم يعاني من شيء من الوسوسة في هذا الباب، فعليه أن يطرح هذه الأفكار ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد، فلا يفتح بابه على نفسه بالتعمق في ذلك، وكذلك الحال في الوسوسة بالطلاق، فإنه لا ينبني عليها حكم وينبغي ألا يلتفت إليها، كما سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70594، 95053، 79113.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1430(1/2935)
سماع الموسيقى بجوار المسجد هل يعد استهزاءا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وصديقي كنا في سيارته وكان يشغل المسجل الذي فيه موسيقى وأغاني فمررنا قرب المسجد فأمرته بإغلاق المسجل، فهل استماعنا للموسيقى أثناء مرورنا قرب المسجد يعتبر استهزاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره السائل من سماعهم للموسيقى والأغاني أمر محرم، وقد سبق أن بينا أنواع الغناء وحكم كل نوع وذلك في الفتوى رقم: 987، والفتوى رقم: 5282.
وأما استماع ذلك أثناء المرور قرب المسجد، وهل يعتبر استهزاء؟ فالجواب: أن ذلك إن كان بحيث يصل الصوت إلى المسجد ويسمع من فيه، فهو أعظم إثماً وأشد حرمة لما فيه من التهاون في تعظيم شعائر الله، إلا أنه لا يعتبر من الاستهزاء الذي يخرج صاحبه من الملة، فالأصل أنها معصية وحسب، ولا تعد استهزاء إلا إذا قارنها ما يدل على ذلك صراحة، فليس كل عاص مستهزئا بالدين، بل الأصل أن ذلك لغلبة الشهوة وأثر النفس الأمارة بالسوء، وضعف الإيمان والمراقبة، وقد سبق لنا بيان خطورة الاستهزاء بشعائر الإسلام في الفتوى رقم: 42714. وأنواع الاستهزاء وحكم كل نوع في الفتوى رقم: 2093، والفرق بين الاستهزاء بالدين والمعصية في الفتوى رقم: 5088 ...
وراجع للفائدة عن زيادة الوزر والأجر في الأزمنة والأمكنة المعظمة الفتوى رقم: 26027.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(1/2936)
النظر إلى امرأة سافرة في وجود كتب دينية لا يعد استهزاءا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف ذهبت لأقابل مديرة العمل في مهمة مع بقية الموظفين، وكانت محجبة إلا شيئا يسيرا من شعرها، وكان على طاولتها مجلات وكتب دينية على غلافها كتابات دينية، وكنت أنظر إلى تلك المرأة لأستمع إلى توجيهاتها بخصوص العمل. فهل وجود تلك الكتب مع نظري إلى تلك المرأة يعتبر استهزاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله جل وعلا بغض البصر، فقال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن {النور: 31}
وإذا احتاج الرجل لسماع كلام امرأة لمصلحة معتبرة، فليستمع وهو غاض لبصره، وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1529، 3974، 46020.
والحال التي ذكرها السائل الكريم من وجود بعض الكتب الدينية، لا تعني إطلاقا أن النظر حينئذ يعتبر من الاستهزاء الذي يخرج صاحبه من الملة، والظاهر أن السائل يعاني من شيء من الوسوسة في هذا الأمر؛ فقد تكرر منه السؤال عن بعض المعاصي في بعض الأحوال وهل يعد استهزاء، فننصح لأخينا الكريم بأن يكف عن هذا، وإن بدر منه ما يظنه استهزاء فليستعذ بالله من شر نفسه وشر الشيطان وشركه، وليستغفر الله، وحسبه ذلك؛ حتى لا يستجريه الشيطان، وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 49272، 68289، 78953، 78953.
والله أعلمز
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(1/2937)
الغناء الذي يعد استهزاءا بالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعلم أن المطربين العرب يغنون باللغة العربية وفي بعض أغانيهم مفردات وألفاظ مقدسة ومحترمة فهل هذا من الاستهزاء المخرج من الملة بالنسبة للمطرب والمستمع أيضا إذا انتبه لذلك علما بأن الدعاة والعلماء لا يتطرقون إلى هذه المسألة إلا قليلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يبين السائل الكريم مقصوده بالألفاظ المحترمة والمقدسة ولم يذكر مثالا لذلك، فإن كانت هذه الألفاظ تعبيرا عن شعائر الدين ومقدساته، وذكرت على سبيل الاستهزاء بها والتنقص والعيب لها، فهذه والعياذ بالله ردة عن الإسلام، ومثال ذلك الذين يفتتحون أغانيهم بموّال يبدأ بغناء آيات من القرآن على أصوات المعازف، فهؤلاء قد اتخذوا آيات الله هزوا، للغناء والطرب واللعب، وهذا ـ كما يقول الشيخ العلوان: من أعظم أنواع الاستخفاف بالقرآن والاستهانة بحرمته، وقد أجمعت الأمة على كفر من استخف أو هزل بالقرآن أو بشيء منه اهـ.
وأما إن ذكرت ألفاظ شرعية مقدسة في الغناء، لا على سبيل الاستهزاء واللعب، وإنما على سبيل التبرك كما يزعمون، كمن يتغنى بأسماء الله الحسنى والمدائح المعروفة، فهذا وإن أساء وتعدى بوضع الشيء في غير موضعه، إلا أن ذلك لا يعد استهزاء عقديا مخرجا من الملة.
وقد سبق لنا بيان خطورة الاستهزاء بشعائر الإسلام في الفتوى رقم: 42714. وأنواع الاستهزاء وحكم كل نوع في الفتوى رقم: 2093. والفرق بين الاستهزاء بالدين والمعصية في الفتوى رقم: 5088.
أما بالنسبة للمستمع فإنه إن تفطن لكون هذه الكلمات التي يسمعها استهزاء بالدين واستخفافا بمقدساته، وظل يستمع ولم ينكر ولو بقلبه، فحكمه حكم القائل، لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء: 140} وراجع الفتوى رقم: 60843.
وقد سبق أن بيَّنا أنواع الغناء وحكم كل نوع في الفتويين: 987، 5282.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(1/2938)
هل تقبل توبة الساب وهل يؤاخذ إذا كان مجرد وسوسة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخي الحبيب: صور ومظاهر الردة - والعياذ بالله ذكرها العلماء فى كتبهم ومن هذه الصور: سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله فيا شيخ الأدلة فى القرأن والسنة الشريفة تشهد بأن الكافر تقبل توبته، وأيضا المرتد تقبل توبته، فيا شيخ ما هي أقوال العلماء في توبة من سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله، وهل من قال من العلماء بأنه لا تقبل توبتهم يعنى بذلك في الظاهر؟ وهل لو أن إنسانا قام بهذا الفعل أي سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله علنا وجاهر به وحارب الإسلام والمسلمين سواء أكان مسلما ثم ارتد - والعياذ بالله أو كان محاربا للإسلام فهذا لو تاب تقبل توبته وعند من يقول لا تقبل توبته هل يقصدون في الظاهر؟ لو أن شخصا فعل مثل هذا الفعل أي سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله ولم يصل الأمر إلى الإمام وتاب بينه وبين الله عز وجل فهل تقبل توبته، لو أن إنسانا ابتلى بوسوسة فى هذه المواضيع كأن يأتيه الشيطان أو يأتيه أي حديث نفس ويقول له أنت وقعت في مثل هذه الأمور - والعياذ بالله - فما الحل؟ فقد يأتي الشيطان ويقول لشخص أنت فعلت هذه الأشياء وليس لك توبة، أنت انتهى أمرك ليس لك توبة وأشياء كهذه، شيخى الحبيب أطل النفس في الرد على سؤالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسب الله تعالى وسب رسوله صلى الله عليه وسلم كفر مخرج من الملة والعياذ بالله، ومع ذلك فمن تاب منه فجمهور أهل العلم على صحة توبته، وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 767، 44356، 53874.
وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: الاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه؛ لقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فإذا تاب الإنسان من أي ردة توبة نصوحاً استوفت شروط التوبة فإن الله تعالى يقبل توبته. انتهى.
أما أقوال أهل العلم في من سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم. فجاء في الموسوعة الفقهية: قال الحنفية بقبول توبة ساب الله تعالى. وكذا الحنابلة، مع ضرورة تأديب الساب وعدم تكرر ذلك منه ثلاثا. وفي المذهب المالكي خلاف، الراجح عندهم قبول توبته، وهو رأي ابن تيمية. أما ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى قبول توبته. وقال الشافعية: تقبل توبة قاذفه صلى الله عليه وسلم على الأصح، وقال أبو بكر الفارسي: يقتل حدا ولا يسقط بالتوبة. وقال الصيدلاني: يجلد ثمانين جلدة؛ لأن الردة ارتفعت بإسلامه وبقي جلده. وفي قول عند الحنابلة: لا تقبل توبته. وقال المالكية: من شتم نبيا مجمعا على نبوته بقرآن أو نحوه فإنه يقتل ولا تقبل توبته؛ لأن كفره يشبه كفر الزنديق، ويقتل حدا لا كفرا إن قتل بعد توبته لأن قتله حينئذ لأجل ازدرائه لا لأجل كفره. انتهى.
ومن قال من أهل العلم بعدم قبول توبته فمرادهم في الدنيا وأنه يقتل بكل حال، كما جاء في الموسوعة: اختلفوا في قبول توبته فذهب جمهور الفقهاء إلى قبولها. وذهب الحنابلة إلى عدم قبولها ويقتل بكل حال.. وأما بالنسبة للآخرة، فإن كان صادقا في توبته قبلت باطنا ونفعه ذلك. انتهى.
وقال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين أو تنقصه أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو انتقصه أو استهزأ به؛ فإنه يكون مرتدا كافرا حلال الدم والمال، يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وبعض أهل العلم يقول: لا توبة له من جهة الحكم بل يقتل، ولكن الأرجح إن شاء الله أنه متى أبدى التوبة وأعلن التوبة ورجع إلى ربه عز وجل أن يقبل، وإن قتله ولي الأمر ردعا لغيره فلا بأس، أما توبته فيما بينه وبين الله فإنها صحيحة، إذا تاب صادقا فتوبته فيما بينه وبين الله صحيحة. انتهى.
ولا فرق في قبول التوبة النصوح بين المجاهر بالسب والمسر به، وبين وصول الأمر للإمام وعدم وصوله، وبين المحارب للإسلام وغير المحارب، فمن تاب توبة صحيحة قبلت توبته مهما كان جرمه وعظم ذنبه.
وأما ما يتعلق بالوسوسة في هذه الأمور، فليس المرء بمؤاخذ عليها طالما أنها مجرد وساوس وخواطر تهجم على النفس، يكرهها الإنسان وتزعجه، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76732، 37959، 51285، 99234.
ويجب على المسلم أن يحذر كذلك من القنوط من رحمة الله تعالى، فالوقوع في القنوط لا يقل خطرا عن الذنب نفسه لما فيه من إساءة الظن بالله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(1/2939)
أحكام متعلقة بمن ينكر أمورا معلومة من الدين بالضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ظهر بأسرة من يقول بعدم صحة السنة، وأنهم يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصلي الجمعة لذلك، ويفسر القرآن بجرأة وسذاجة وغيرها من الأمور، فلا يترحم على والده الميت لأنه –حسب زعمه- لا يدري كيف حاله مع الله، ولا يدعو لأمه رغم أنها هي التي تنفق عليه، يدخل برأيه في كل أمر حتى في الزكاة جعلها الخمس، ومرة يدفعها ومرة لا يدفعها (زكاة العسل) ..
ماذا يمكن لهذه الأسرة أن تفعل.
من يقيم عليه الحجة؟، وهو أصلا لن يذهب لأي شيخ ولا يقتنع بأي شيخ..
ما حكم بقائه مع المحارم من نساء هذه الأسرة؟
ما حكم تغسيله وتكفينه وإقباره إذا مات؟
ما حكم توريثه في حالة وفاة أحد أفراد الأسرة؟
كيف تخلي الأسرة مسئوليتها تجاهه أمام الله عز وجل؟
وهو يقارب الأربعين ولا يريد الزواج ولا الخروج للعمل، ويظل أكثر وقته ما بين اللف في المنزل وبين النوم، ويمضي وقتا طويلا بدورة المياه.
وله أحوال غريبة والأهل لا يدرون هل مسه شر، أم حدث خلل عقلي عنده، أم اختلت العقيدة لديه، هل هو مريض مسكين، أم مجرم في حق نفسه لأن أحواله متغيرة..
برجاء الإجابة بشكل محدد وعدم التعريض وتعميم الأحكام، لأننا في مصيبة وقد راسلت الكثيرين من أطباء النفس والمشايخ ولكن الإجابات لا تشفينا إذا أجابوا أصلا..
مع العلم بأنني على قدر معقول من العلم الشرعي، ويمكنني فهم ما تنصحون به إن شاء الله تعالى..
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أخبث هذه المقالة، وما أشد خطرها على الإسلام، فإن القول بعدم حجية السنة لا يريد قائلوه إلا اجتثاث شجرة الإسلام من جذورها، فلا حقق الله لهم مطلبا، وإذا كان العلماء قد صرحوا بتكفير منكر الحديث المتواتر والمكذب به، فكيف بمن أنكر السنة جملة!
وأما إنكار مقدار الزكاة الذي شرعه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون على العمل به فإنكار للمعلوم من الدين بالضرورة، وحكم منكر المعلوم من الدين بالضرورة معلوم.
وأما تركه شهود الجمعة وتركه الترحم على والده والدعاء لوالدته فهو من لوازم هذه العقيدة الخبيثة الباطلة. وقد بينا حكم من ينكر السنة وبطلان مقالته في فتاوى كثيرة سابقة وانظر منها الفتوى رقم: 113169، والفتوى رقم: 99388.
والذي يظهر لنا أن صاحب هذه المقالات ليس مصابا بمرض نفسي، وإنما تسلط عليه الشيطان وزين له الباطل، وأوحى إليه زخرف القول فصار من الغاوين، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً. والواجب مناصحة هذا الإنسان، وأن يتصدى له من كان راسخا في العلم ليزيل ما عنده من الشبهات، فإن أعرض وأبى وأصر على عناده واستكباره فهو مرتد لا تؤكل ذبيحته، ولا يرث المسلمين من قرابته ولا يرثونه، ولا يُصَلّى عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين. وعلى ولي الأمر أن يستتيبه فإن تاب وإلا أقام عليه الحد. وليست إقامة الحدود لآحاد الناس وإنما هي لولاة الأمر، وعلى أسرته المحيطين به أن يجتهدوا في مناصحته، فإن يئسوا منه فعليهم أن يهجروه ليحفظوا دينهم من وسوسته ولغطه، ولعله أن يرتدع وينزجر، وأما المحرمية بينه وبين نساء البيت كأمه وأخواته فالظاهر أنها باقية، وهو قول أبي حنيفة والشافعي كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني. ودليل من قال بانتفاء المحرمية بين الكافر والمسلمة وهم الحنابلة غير ظاهر. ونسأل الله أن يهديَ ضال المسلمين، وأن يرد إلى الحق من شرد منهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1430(1/2940)
السماع والنظر المحرم في مكان علقت فيه آيات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[معلوم أنه في معظم بيوت المسلمين وغرفها تعلق آيات قرآنية وأسماء الرسل، وكتابات محترمة مع وجود التلفاز، وما فيه من الأغاني والصور المتبرجة. فمن استمع إلى تلك الأشياء أو رآها مع انتباهه لوجود الأمور المقدسة في الغرفة هل يعتبر مستهزئا مرتدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم تعليق آيات القرآن في الفتوى رقم: 3071.
كما سبق بيان حكم التلفاز في الفتوي رقم: 102830، وما أحيل عليه فيها.
وأما استماع الأغاني المحرمة أو النظر إلى الصور المتبرجة في بيت علقت فيه آيات القرآن الكريم وأسماء الله تعالى ورسله.. فلا شك أنه أشد حرمة من الاستماع في مكان خال منها؛ لما في ذلك من عدم تعظيم حرمات الله تعالى وشعائره.
ولكن الحكم على صاحبه بالردة بعيد، ولا يجوز تكفير من ثبت إسلامه إلا إذا أتى بمكفر اعتقادي كالشك في الله أوفي ملائكته، أو قولي كسب الله تعالى أو رسوله أو كتابه، أو عملي كإلقاء المصحف في القاذورات أو السجود لغير الله على سبيل العبادة.
باختصار فإنه لا يجوز تكفير المسلم إلا إذا توفرت شروط التكفير، وانتفت موانعه كما بينا في الفتوى رقم: 15255، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1430(1/2941)
النطق بألفاظ الكفر عند الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذي يكفر بالله عند غضبه, وهو لا يقصد ذلك-إنما هي عادة- حيث إنه يندم كثيرا بعدها
ولا يتذكر ما قاله ما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من صدر منه ما يوجب الكفر عاقلا مختارا يعتبر كافرا إن توفرت فيه شروط التكفير التي ذكرها أهل العلم، ويتعين على المسلم أن يعود لسانه الأدب مع الله تعالى وألا يقول السوء أبدا، بل يحمل نفسه على الالتزام بقول الخير أو السكوت عملا بالحديث: من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيرا أو ليصمت. متفق عليه.
وأما من كان يقصد هذا الكلام ولا يتذكر بعد ذلك أنه قاله فالظاهر أن هذا القول صدر منه وهو غير واع، ونرجو ألا يكون مؤاخذا به لأن ألفاظ الكفر الصادرة من غير قصد لا يكفر بها، ولأن من ثبت إسلامه بيقين لا يحكم بعدم إسلامه إلا بيقين، لكن من واجبه تعويد لسانه على تجنب مثل هذا الكلام.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31789، 63391، 66547، 98374.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(1/2942)
حكم ساب الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم وهل له توبة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخى الحبيب: صور ومظاهر الردة - والعياذ بالله ذكرها العلماء فى كتبهم ومن هذه الصور: سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله فيا شيخ الأدلة في القرآن والسنة الشريفة تشهد بأن الكافر تقبل توبته، وأيضا المرتد تقبل توبته، فيا شيخ ما هي أقوال العلماء فى توبة من سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله، وهل من قال من العلماء بأنه لا تقبل توبتهم يعني بذلك في الظاهر؟ وهذا لو أن إنسانا قام بهذا الفعل أي سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله علنا وجاهر به وحارب الإسلام والمسلمين سواء أكان مسلما ثم ارتد - والعياذ بالله أو كان محاربا للإسلام فهذا لو تاب تقبل توبته وعند من يقول لا تقبل توبته هل يقصدون في الظاهر.
لو أن شخصا فعل مثل هذا الفعل أي سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله ولم يصل الأمر إلى الإمام وتاب بينه وبين الله عز وجل فهل تقبل توبته.
لو أن إنسانا ابتلي بوسوسة في هذه المواضيع كأن يأتيه الشيطان أو يأتيه أي حديث نفس ويقول له أنت وقعت في مثل هذه الأمور - والعياذ بالله - فما الحل؟ فقد يأتي الشيطان ويقول لشخص أنت فعلت هذه الأشياء وليس لك توبة بل قد انتهى أمرك ليس لك توبة وأشياء كهذه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر قبيح يخرج صاحبه عن الملة الإسلامية، وإذا لم يتب من سب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل لردته، لكنه إذا تاب إلى الله تعالى توبة خالصة فإن الله يتوب عليه، فالتوبة تمحو المعاصي كلها حتى الشرك بالله، لكن ذهب جماعات من أهل العلم إلى أنه يجب عليه القتل حداً بعد التوبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول: إن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر فانه يجب قتله، هذا مذهب عامة أهل العلم، قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل. انتهى.
وقال أيضاً: يقتل ولا يستتاب سواء كان مسلما أو كافرا، وقال ابن عقيل: قال أصحابنا في ساب النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا تقبل توبته من ذلك لما يدخل من المعرة بالسب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو حق لآدمي لم يعلم إسقاطه. وكذلك ذكر جماعات آخرون من أصحابنا أنه يقتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبل توبته سواء كان مسلما أو كافرا ومرادهم بأنه لا تقبل توبته أن القتل لا يسقط عنه بالتوبة. انتهى.
ثم قال: فقد تلخص أن أصحابنا حكوا في الساب إذا تاب ثلاث روايات إحداهن يقتل بكل حال وهي التي نصروها كلهم ودل عليها كلام الإمام احمد في نفس هذه المسالة وأكثر محققيهم لم يذكروا سواها. والثانية تقبل توبته مطلقا. والثالثة تقبل توبة الكافر ولا تقبل توبة المسلم. والمشهور عن مالك وأحمد أنه لا يستتاب ولا يسقط القتل عنه توبته. وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وحكي عن مالك وأحمد أنه تقبل توبته وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي. انتهى.
وقال: وأيضا فلا ريب أن توبتهم – يعني المنافقين الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بينهم وبين الله مقبولة إذا كانت توبة صحيحة ويغفر لهم في ضمنها ما نالوه من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أبدلوه من الإيمان به وما في ضمن الإيمان به من محبته وتعظيمه وتعزيره وتوقيره واعتقاد براءته من كل ما رموه به. انتهى.
وكذلك الحكم في من سب الله تعالى فإنه يكفر ويجب قتله وفي سقوط القتل عنه بالتوبة خلاف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول: من سب الله تعالى فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر فإن الكافر يعظم الرب ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له. ثم اختلف أصحابنا وغيرهم في قبول توبته بمعنى انه هل يستتاب كالمرتد ويسقط عنه القتل إذا اظهر التوبة من ذلك بعد رفعه إلى السلطان وثبوت الحد عليه على قولين: أحدهما أنه بمنزلة ساب الرسول فيه الروايتان كالروايتين في ساب الرسول، والثاني أنه يستتاب وتقبل توبته بمنزلة المرتد المحض.. ومن فرق بين سب الله والرسول قال سب الله تعالى كفر محض وهو حق لله وتوبة من لم يصدر منه إلا مجرد الكفر الأصلي أو الطارئ مقبولة مسقطة للقتل بالإجماع. انتهى.
فعلم مما ذكرناه أن معنى القول بعدم قبول توبة الساب أن التوبة لا تسقط عنه القتل، ولكن إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً فإن توبته مقبولة عند الله إذا تحققت شروطها.
فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 1327، 1845، 17316، 77625.
وإذا ابتلي الشخص بالوسوسة في هذه الأمور فيجب عليه الإعراض عن هذه الوساوس، وإذا لم يصدر من المسلم في حال اختياره أفعال أو ألفاظ كفرية وإنما كان الشيطان يوسوس له بصدور ذلك منه فعليه أن يعرض عن ذلك ولا يشغل نفسه به، وليعلم أنه إن صدر منه أقوال أو أفعال كفرية بغير قصد فإنه لا يكفر به، أما إن كانت هذه الأفعال قد صدرت حال الاختيار فذلك كفر والعياذ بالله تعالى، ولكن التوبة مقبولة، والله يتوب على من تاب. وراجع فتوانا رقم: 117394 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1430(1/2943)
هل يكفر من شعر في نفسه بكره لبعض أحكام الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحبة الفتوى رقم: 114922، وجزاكم الله خيرا على ردكم ولكن أحب أن أعرف هل إذا كنت أعترض على هذه الأمور الشرعية فهل أنا كافرة ويلزمني فسخ النكاح من زوجي حتى أتوب أو يتوب الله علي، وهل السنوات السابقة التي كنت أعيشها معه كانت لا سمح الله زنا وهل المؤمن المرتد لا بد من أن يفسخ النكاح حتى وإن تاب فبل الفسخ أنا أحس أن بداخلي كبرا أو شيئا لا أعرف مسماه أريد التوبة ولا أعرف هل الله غضبان علي لذلك لا يمهد لي سبل التوبة ويجعلني أغوص في بحر الأفكار والاعتراض، وأدخل تحت الآية الكريمة التي تقول إن الأعمال تحبط بسبب كره ما أنزل الله، أنا أحس أن هذه الآية تنطبق علي تماما عندما أقرأ أو أسمع شيئا عن فتوى تتعلق بالتعدد أو حق الزوج والطاعة له في غير معصية أو فضله الذي يفوق فضل الوالدين اللذين تعبا في تربية ابنتهما ثم تذهب لشخص غريب وتصير تحت أوامره وكأن ذنب الوالدين هو رعايتهما وحبهما لها، للأسف أحس بداخلي بالضيق على الرجل عامة والزوج خاصة وعندما أسمع من يذكر حق الزوجة ومدحها وذم الزوج أفرح جدا سامحني الله على ما أكتب ولكن لا بد من أن أرى حكمي هل أنا كافرة هل سأخلد في النار لو كنت كافرة فهل صلاتي تمنعني من دخول النار وصيامي وقراءة القرآن..
أرجو منكم أن تجيبوني عن كل سؤال من أول الرسالة حتى آخرها ولا تتركوا شيئا منها بدون إجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يلهمنا رشدنا وأن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
ونؤكد هنا ما ذكرنا بالفتوى السابقة من أن مجرد الخواطر لا أثر لها، وأنه لا حرج في ذكر مثل هذه الأسئلة إن كان على سبيل الاستفسار والبحث عن الحكمة مع التسليم للشرع.
وأما كراهة ما جاء به الشرع إن كان المقصود به ما قد يشعر به المسلم من ثقل مثل هذه الأحكام على نفسه مع تسليمه لها لكونها من عند الله، فهذا لا يضر صاحبه.
قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير وهو يبين المراد بالحرج في قول الله تعالى: ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت {النساء} قال - رحمه الله -: وليس المراد الحرج الذي يجده المحكوم عليه من كراهية ما يلزم به إذا لم يخامره شك في عدل الرسول وفي إصابته وجه الحق. وقد بين الله تعالى في سورة النور كيف يكون الإعراض عن حكم الرسول كفرا، سواء كان من منافق أم من مؤمن إذ قال في شأن المنافقين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله.... ثم قال: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا، لأن حكم الرسول بما شرع الله من الأحكام لا يحتمل الحيف إذ لا يشرع الله إلا بالحق، ولا يخالف الرسول في حكمه شرع الله تعالى. انتهى.
وينبغي للمسلم على كل حال أن يتقبل أحكام الشرع بالرضا والتسليم ولو لم تظهر له حكمتها، ولا بأس بعد ذلك في أن يبحث عن الحكمة.
وإن كان المقصود بكراهية هذه الأحكام عدم الرضا بها أصلا والشك فيها فلا شك أن هذا كفر بالله تعالى تجب التوبة منه. ومن تاب تاب الله عليه. ولا يلزم من عدم إقبال المرء على التوبة أن يكون ذلك دليلا على غضب الله عليه، وعلى المرء المبادرة إلى التوبة وعدم الانشغال بمثل هذه الأفكار.
وإذا ارتد أحد الزوجين بطل النكاح بينهما، ولكن إن تاب وعاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة بينهما بقيا على النكاح الأول، أي لا حاجة لهما إلى تجديد عقد النكاح، وراجعي الفتوى رقم: 74023.
وأما يحصل من معاشرة بين الزوجين مع الجهل بحصول ما يوجب الردة فلا يعتبر زنى، وإن حصل من ذلك ولد فإنه ينسب إليهما. ومن كفر وارتد عن الإسلام فعلا فلا تنفعه صلاة أو صيام أو قراءة قرآن أو نحو ذلك حتى يتوب ويرجع إلى الإسلام، قال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ {التوبة 54} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1430(1/2944)
هل يكفر إذا راودته أفكار كفرية فدفعها واستغفر
[السُّؤَالُ]
ـ[نفع الله بعلمكم الإسلام والمسلمين.. سؤالي هو: أنا شاب عمري 22 سنة، أصلي صلاتي (قد أكون مقصراً في الذهاب للمسجد) ، وأنا مقصر في قراءة القرآن، ومشكلتي الأساسية تكمن في أن نفسي تنتقص في الذات الإلهية أو قد يجري في نفسي شيء من السخط أو الشك في الذات الإلهية (أستغفر الله) ، وبمجرد حدوث مثل هذا الشيء أقوم بعمل التالي: أستغفر الله (عددا من المرات) ، أقول (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) ، فهل هذا يجزئ في تكفير الذنب الذي لا يمكنني التحكم فيه، وأنا أستذكر قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، وأعلم أن العبد لو كان في قلبه مقدار ذرة من شرك لا يدخل الجنة، فماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر لنا أن ما يقع في نفسك من ذلك هو من الوساوس التي يجب دفعها والإعراض عنها، فننصحك بالاشتغال بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن والحفاظ على صلاة الجماعة وكثرة الاستغفار والدعاء والاشتغال بما ينفعك في أمر دينك ودنياك لئلا تفسح المجال للشيطان.
وإذا كان ما يقع في نفسك هو مجرد أفكار كفرية تقوم بدفعها والاستغفار فليس ذلك مخرجاً من الملة ما لم يصدر من صاحبها أفعال أو أفكار كفرية، وما صدر منك من ذلك بغير قصد فإنك لا تكفر به.
فيكفي أن تقوم بدفع هذه الوساوس وتستعيذ بالله تعالى وتستغفره بأي صيغة من صيغ الاستغفار، ولا بأس بما ذكرته من هذه الصيغ في سؤالك.
وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: جاء نَاسٌ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ في أَنْفُسِنَا ما يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قال: وقد وَجَدْتُمُوهُ؟ قالوا نعم قال: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ.
وروى أيضاً عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال: رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَزَالُ الناس يَتَسَاءَلُونَ حتى يُقَالَ هذا خَلَقَ الله الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ، فَمَنْ وَجَدَ من ذلك شيئا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ. وفي رواية: فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان فان استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك ... وقيل معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد ... وأما قوله: فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله. وفى الرواية الأخرى: فليستعذ بالله ولينته فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه. اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 102447، 111084، 116946، 117004، 6276، 34242.
نسأل الله عز وجل أن يصلح لك شأنك كله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(1/2945)
موالاة الكفار منها ما هو كفر ومنها ما هو دون ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون الولاء للكفار كفرا.. ومتى يكون محرما؟ لأنه قد التبس علي الأمر فأرجو من سماحتكم مساعدتي لإزالة اللبس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمظاهر موالاة الكفار كثيرة منها ما هو كفر ومنها ما هو كبيرة، ومنها ما هو دون ذلك.
فالأمر فيه تفصيل وبحث لا يتسنى ذكره في مقام الفتوى، وننقل لك هنا خلاصة ما ذكره محمد بن سعيد القحطاني في كتابه النافع الولاء والبراء في الإسلام في الفصل السابع بعنوان صور الموالاة ومظاهرها:
قال: وأحب أن أنبه على أنني لم ألزم نفسي تتبع الحكم الشرعي في كل صورة من هذه الصور وذلك لصعوبة القطع بالحكم في كل قضية، لأنه قد يكون القول أو الفعل كفراً ولكن هناك ما يصرفه عن ظاهره ... فهذه الصور تتفاوت في كون فاعلها خارجا من الملة كمن يحب الكفار لأجل كفرهم إلى الكبيرة من الكبائر كتعظيمهم والثناء عليهم، ذلك أن مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة منها ما يوجب الردة ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات. اهـ.
ثم ذكر بعض الصور التي تخرج من الملة ذاكراً الأدلة على ذلك، ومن هذه الصور: الرضى بكفر الكافرين وعدم كفرهم، وتوليهم تولياً عاماً واتخاذهم أعواناً وأنصاراً، الإيمان ببعض ما هم عليهم أو التحاكم إليهم دون كتاب الله تعالى، مداهنتهم ومداراتهم على حساب الدين، مجالستهم والدخول عليهم وقت استهزائهم آيات الله.
وللوقوف على تفصيل صور الموالاة وبيان بعض أحكامها يمكنك مراجعة هذا الكتاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(1/2946)
موقف الزوجة والأبناء إذا كان الأب يسب الله ورسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي لا يصلي أبدا، والظاهر من أفعاله وحديثه أنه لا يؤمن بالله ورسوله، حيث إنه أحياناً يسب الذات الإلهية والرسول عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك كله فهو لا يرتكب فواحش أو معاصي كشرب الخمر أو القمار مثلاً. أنا وباقي أفراد الأسرة ملتزمون ولله الحمد وهو لا يمنعنا من ذلك ولكنه يكره سماع القرآن وأي شيء عن الدين ولا يريد أن يناقش في قناعاته. كيف نتصرف معه؟ وهل هو حلال أم حرام أن تعيش أمي معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان والدكم يسب الذات الإلهية ويسب الرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كافر، فيجب على أمكم فراقه فإنها لا تحل له إلا إذا تاب وهي في عدتها، فترجع إليه بالنكاح الأول. وراجعي الفتوى رقم: 77003، وإن احتاجت أمكم إلى السكن معه في نفس البيت فلا حرج في ذلك بشرط أن تكون في جزء من البيت مستقل بمرافقه، وانظري الفتوى رقم: 95870.
وإن أولى ما نرشدكم إليه أن تكثروا من دعاء الله تعالى أن يهديه ويتوب عليه، وينبغي نصحه برفق ولين ولو من طريق غير مباشر أو عن طريق من لا يمتنع عن الاستماع لنصحه أو من هو أرجى أن يقبل قوله. وينبغي استغلال ما قد يطرأ من أحداث مؤثرة تكون أدعى للتأثير عليه، وكون والدكم لا يرتكب الفواحش ولا يشرب الخمر ولا يتعامل بالقمار أمر حسن، ولكن لا ينفعه ذلك مع إتيانه بالأمور المكفرة. وراجعي الفتوى رقم: 75818.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1430(1/2947)
هل تقبل توبة من داس على المصحف بقدميه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من وضع القرآن الكريم في الحمام ووقف علية بقدميه، هل يقبل الله توبته، لقد كنت أحاول أن أكون ساحرا ... أفيدوني أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعلم السحر وعمله محرم شرعا بل إنه يكفر به من تعلمه وعمله عند كثير من أهل العلم، ومنهم المالكية والحنابلة، ويدل لتكفيره قوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ {البقرة:102}
وقال صاحب الكفاف:
والسحر قال مالك تعلمه * كفر وقال كافر معلمه.
وقال الشيخ الحكمي في سلم الوصول:
واحكم على الساحر بالتكفير * وحده القتل بلا نكير.
كما أنه لا خلاف في أن تعمد أي فعل بالمصحف الشريف بقصد الإهانة يعتبر كفرا مخرجا من الملة، ومن هذا يتبين لك أنك أقدمت على أمور خطيرة وأفعال منكرة للغاية، ولكن الله تعالى عفو غفور رحيم بعباده وقد وعد بقبول التوبة إذا صدق العاصي والكافر المرتد في توبته، فقد قال الله تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ {الأنفال:38} .
وقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {الفرقان:68} .
فبادر إلى التوبة بصدق وإخلاص نية مع ندم وعزم على أن لا تعود إلى شيء من هذه الأمور.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 100275، 54989، 58800، 68274.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1430(1/2948)
سب الله تعالى كفر بإجماع علماء المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شخص نعرفه ولا نزكيه علي الله كان من أهل الخير والصلاح وهو من طلبة العلم الشرعي إلى الآن، في الآونة الأخيرة ظهر بأمور ليست من أصول الشريعة الإسلامية ... كان هو وشخص يتناقشون نقاشا حول بعض أمور العقيدة إلا أن الشخص المعني كتب عبارات غربية وتدل على الكفر والعياذ بالله تعالى، وهي التالي: لعن الله ربك يا فلان - ثم كرر - والله إن ربك تحت قدمي - رب فاجر ظالم.
هذا ما ورد في كلامه بالحوار الذي كان ... ما حكمه الشرعي في الإسلام، هذا الشخص هل يستتاب أو ماذا تحديداً، نريد الإفادة لو تكرمتم ولكم منا فائق الاحترام والتقدير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صدور مثل هذا الكلام من طلبة العلم الشرعي أمر مستغرب جدا لأنه ردة والعياذ بالله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون، فقد ذكر شيخ الإسلام في الصارم المسلول أن من سب الله تعالى كافر مرتد وأن تكفيره مجمع عليه عند علماء المسلمين، ومعلوم أن على ولي أمر المسلمين أن يستتيب المرتد فإن تاب وإلا قتله.
وبناء عليه فيجب السعي في هداية هذا الرجل وإقناعه ومحاورته بالحكمة وبالأدلة الشرعية وكلام أهل العلم في هذه المسألة ليتوب مما قاله، فإن تاب قبلت توبته وإلا رفع أمره إلى الحاكم لأن قتل المرتد ووتطبيق الحدود الشرعية لا يقوم به إلا السلطان أو نائبه، ولا يجوز أن يقوم به أفراد الناس.
ولمزيد من الفائدة في هذه المسالة من كلام أهل العلم يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54602، 9880، 76190، 71499، 77625، 102855.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1429(1/2949)
حكم من قال: عادي هذه المحرمات هي التي أحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة نصحتها بترك بعض المحرمات كنمص الحواجب والخروج متعطرة بلا حجاب شرعي؛ فغضبت وأرسلت لي رسالة على الهاتف تقول فيها "عادي هذه المحرمات هي التي أحبها أنا" سؤالي: هل هذا الكلام كفر واستحلال للحرام، مع العلم بأنها تقول: إنها قالت هذا لما غضبت لتستفزني؛ مع اعترافها وعلمها بحرمة تلك الأمور ... وإذا كان هذا الكلام يعد كفراً فماذا يلزمها فعله حيث إنها قادمة على عقد قران والذي من شروط صحته الإسلام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المقولة التي أرسلتها هذه المرأة على قبحها ونكارتها، لا يُقطع فيها بمعنى الاستحلال؛ فإن لفظة (عادي) التي صدَّرت بها مقولتها تلك، يحتمل أنها تقصد بها أن عادتها وعادة أكثر الناس من حولها قد جرت بارتكاب هذه المحرمات ... ولا يخفى أن كل عاص يحب المعصية لشهوة نفسه، وإن كان يبغضها لإيمانه وعلمه بحرمتها.
فإعلان الإنسان أنه يحب الشيء الفلاني مع علمه بحرمته وإقراره بذلك شيء معلوم. فمجرد ارتكاب المحرمات والتهاون بشأنها لا يدل على الاستحلال، كما أن الاستحلال يتحقق بمجرد اعتقاد حلها وإن لم يفعلها المستحل لها، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 55851.
أما إذا كانت هذه المرأة قالت ما قالت استهزاء بأحكام الدين وسخرية به، وقالت ذلك متعمدة، فإن ذلك كفر أكبر، والعياذ بالله؛ لقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون َ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة:65- 66} ، وقد سبق تفصيل ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 78602، 42714، 26193، 48790، 75445. كما سبق بيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، في الفتوى رقم: 721.
وبناء على ما سبق.. فإذا كانت هذه المرأة لم تقل ذلك مستحلة للحرام، ولا مستهزئة بالدين، فما قالته حرام ولكنه لا يصل إلى الكفر، وإنما هو من عثرات اللسان، وهو كثير المهالك، ومن هنا ننبه إلى خطورة اللسان، وأن الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه، ونرجو أن تراجع الفتوى رقم: 57865، وكذلك يجب على المسلم أن يحرص على ضبط النفس عند الغضب. وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 58964.
وعلى أية حال فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً، سواء من مقولتها هذه، أو مما ترتكبه من المحرمات كالنمص والخروج متعطرة وبلا حجاب شرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(1/2950)
هل اليأس من رحمة الله يعد كفرا
[السُّؤَالُ]
ـ[يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون سورة يوسف الآية 87 هل معنى الآية الكريمة أن من يئس من رحمة الله يعتبر كافرا؟ وهل يكون كافرا بكل ما للكلمة من معنى؟ يعني هل تطبق عليه أحكام الكفار بصيغة أخرى هل اليأس كبيرة تخرج من الملة؟ أرجو التفسير والتوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اليأس من روح الله عده ابن مسعود رضي الله عنه من أكبر الكبائر.
قال ابن حجر المكي في الكبائر: عد ذلك كبيرة هو ما أطبقوا عليه لما ورد فيه من الوعيد الشديد، كقوله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} ، وقوله تعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56} .
وروى ابن أبي حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل ما الكبائر فقال الشرك بالله والإياس من روح الله والأمن من مكر الله وهذا أكبر الكبائر.
ثم قال ابن حجر: وإنما كان اليأس من رحمة الله من الكبائر لأنه يستلزم تكذيب النصوص القطعية. انتهى.
وقد عده الخادمي في بريقة محمودية من أنواع الكفر.
وذكر العطار في حاشيته على شرح جمع الجوامع أن المحلي استدل على أنه من الكبائر بما ظاهره أنه كفر، وذكر أن في عقائد الحنفية أن الإياس من روح الله كفر، ثم قال فإن أرادوا الإياس لإنكار سعة الرحمة الذنوب فهو كفر، وإن أرادوا أن من استعظم ذنوبه فاستبعد العفو عنها استبعادا يدخل في حد اليأس فالأقرب أنه كبيرة لا كفر.
والحاصل أن اليأس من رحمة الله كبيرة من الكبائر وأنه صفة من صفات الكفار، ولا يلزم من الاتصاف بصفة من صفات الكفار أن يكون المرء كافرا بما في الكلمة من معنى، بل هو فاسق وإن أدى به الحال إلى إنكار سعة رحمة الله كان كافرا والعياذ بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(1/2951)
حكم تمزيق المصحف الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ 12 سنة في مشادة كلامية عنيفة قمت بتقطيع المصحف نصفين وتبت وندمت أشد الندم ولم أعد لتلك الفعلة الشنعاء أبداً، أريد معرفة كفارة ذلك أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان تقطيع المصحف صدر عنك من غير قصد ازدراء ولا استخفاف فقد أقدمت على معصية شنيعة، وكفارة ذلك بالمبادرة إلى التوبة الصادقة من البعد عن مثل هذا الفعل والندم عليه والعزم على عدم الرجوع إليه مطلقا، وإن قصدت ازدراء المصحف والاستخفاف به فهذا ردة عن الإسلام والعياذ بالله تعالى.
وإليك بعض كلام أهل العلم في المسألة، ففي أسني المطالب ممزوجا بروض الطالب الشافعي متحدثا عن الردة: وهي قطع الإسلام إما بتعمد فعل, ولو بقلبه استهزاء أو جحودا كسجود لصنم, وإلقاء مصحف أو نحوه ككتب الحديث في قذر استخفافا أي على وجه يدل على الاستخفاف بهما. انتهى.
وفى الفتاوى الهندية على الفقه الحنفي: رجل وضع رجله على المصحف إن كان على وجه الاستخفاف يكفر وإلا فلا, كذا في الغرائب. انتهى.
وفى حاشية العدوى على شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي: قوله: كإلقاء مصحف ومما يرتد به وضعه بالأرض مع قصد الاستخفاف, انتهى.
وفى الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه من استخف بالقرآن, أو بالمصحف, أو بشيء منه, أو جحد حرفا منه, أو كذب بشيء مما صرح به من حكم أو خبر, أو شك في شيء من ذلك, أو حاول إهانته بفعل معين, مثل إلقائه في القاذورات كفر بهذا الفعل. انتهى.
وتوبة المرتد مقبولة إذا نطق بالشهادتين وعاد إلى ملة الإسلام. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 94873 والفتوى رقم: 72201.
وإن كان تقطيع المصحف قد صدر منك أثناء الغضب الشديد بحيث لا تعي ما تفعل فلا إثم عليك لارتفاع التكليف عنك لأنك حينئذ في حكم المجنون وقد قال صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل. رواه أبو داود وغيره وصححه الشيخ الألباني.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 57611، والفتوى رقم: 51043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1429(1/2952)
حكم سب الله عند الغضب ومصاحبة من يفعل ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شخص عندما يغضب يهدد بالكفر وسب الله مع العلم أنه مسلم ويصلي معنا كثيرا ... ولقد سب الله مرات فهل نصاحبه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب الله تعالى يعتبر كفرا عند أهل العلم بالإجماع ويستوي في ذلك حال الغضبان والمازح والجاد طالما أنه لم يفقد وعيه، فعليكم أن تنصحوه بالبعد عن هذه العادة الموبقة، وتبينوا له خطر الكفر وأثره السلبي على العباد في الدنيا والآخرة، وأطلعوه على نصوص الوحي في وعيد أهل النار وخلود الكفار، وأما مصاحبته فهي مثل مصاحبة المرتد فما دام نصحه مرجو الإفادة، فننصحكم بصحبته لعله يتوب، ونوصيكم بالصبر ومواصلة نصحه كما صبر الأنبياء زمانا طويلا على أممهم، وإن أصر على هذه العادة السيئة ورأيتم أن هجره سيؤثر عليه فلا بأس بهجره كما هجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الثلاثة الذين خلفوا.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23340، 65659، 72546، 101367.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1429(1/2953)
حكم أشار بيديه لعلامة الصليب أو حلف به
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مسلم عمره 20 سنة حلف بالصليب يعني أشار بيديه علامة الصليب ما هو الحل برأيك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مراد السائل أن هذا الشاب أشار بيديه لعلامة الصليب وحلف به قاصدا تعظيمه، فهذا كفر بالله العظيم، والعياذ بالله.
وإن كان مراد السائل أنه أشار للصليب وحلف أنه من أهله إن كان كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا، فهذا منكر عظيم؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ. متفق عليه.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
وعليه أن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه توبة نصوحا، ويبادر بقول لا إله إلا الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. متفق عليه.
وقد سبق بيان حكم الحلف بالكفر في الفتويين: 25357، 20908، كما سبق بيان حكم الحلف بغير الله في الفتويين: 26378، 19237.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1429(1/2954)
تزوجت من شخص يتجاوز بكلمات على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة عمري 28 سنة تزوجت قبل سنة ونصف من رجل زواجا أنا اخترته، ولكن بعد فترة من الزواج اكتشفت أنه لا يعبد الله ويتجاوز بكلمات على الله، وأنا امرأة متدينة وعنده طبيعة الشك والغيرة إلى حد الجنون
أفتوني أثابكم الله، هل يحاسبني الله على البقاء معه وهو هكذا أم لا يحاسبني عندما أطلب الطلاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود بقولك إنه يتجاوز بكلمات على الله أنه يسب الله تعالى فإنه كافر يجب عليك مفارقته فورا ولا يجوز لك البقاء معه أو تمكينه من نفسك وإلا كنت آثمة بذلك. وراجعي الفتوى رقم: 25456.
وكذا إن كان المقصود بكونه لا يعبد الله تعالى أنه لا يعبده بالكلية، فإنه كافر، لأن جنس العمل شرط لصحة الإيمان. وراجعي الفتوى رقم: 17836.
وأما إن كان المقصود أنه يتلفظ بكلمات لا تؤدي به إلى الكفر، أو أنه ليس مجتهدا في العبادة كما ينبغي فإنه لا يكفر بذلك، وننصحك بالصبر عليه ومناصحته ومحاولة إصلاحه، فإن صلح حاله فالحمد لله، وإن استمر على ذلك وخشيت على نفسك الضرر بالبقاء في عصمته جاز لك طلب الطلاق منه، ولكن لا تعجلي إلى ذلك حتى توازني بين مصلحة الفراق ومصلحة البقاء معه. وانظري الفتوى رقم: 37112.
وننبه إلى أن الغيرة على الزوجة أمر طيب في أصله ولكن لا يجوز أن تصل بالمسلم إلى حد الغيرة المذمومة والتي يترتب عليها الشك في الزوجة من غير بينة، وراجعي الفتوى رقم: 1995.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1429(1/2955)
كفر من زعم أن القرآن غير محفوظ من التبديل
[السُّؤَالُ]
ـ[أجيبوني هل جميع العلماء مجمعون على أن القرآن محفوظ من النقصان والتغير والتبديل، أي من أن ينقص منه شيء أو يزاد فيه شيء، وما حكم من أنكر ذلك أو شك فيه وهل حكم ذلك أنه كافر بالإجماع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن قد تعهد الله تعالى بحفظه في قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}
والله تعالى وعده حق كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ {فاطر:5}
ولا خلاف بين أهل العلم المؤمنين بالقرآن في كون القرآن محفوظا من التبديل والتغيير، وأن من كذب ما ذكر الله من حفظه للقرآن يعتبر كافرا، ومثله من شك فيما دل عليه القرآن إذا اطلع على النص القرآني وبين له مدلوله.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على كلام أهل العلم في الموضوع:
6472، 6484، 54570.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1429(1/2956)
حكم من أنكر آية من القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ف ما حكم من أنكر آية من آيات كتاب الله الكريم على سبيل المثال سورة الفاتحة عدد آياتها سبع فما حكم من أنكر آية من تلك الآيات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أنكر آية من القرآن الكريم بعد علمه بثبوتها في المصحف أو إخبار الثقات له بكونها من القرآن الكريم فإنه يعتبر كافراً، لأن الله تعالى أمرنا بالإيمان بالكتاب كله، فمن أنكر شيئاً منه فهو غير مؤمن به، وقد نقل الإجماع على كفر من أنكر آية من القرآن جماعة من أهل العلم منهم: عياض وابن قدامة.
أما بخصوص الفاتحة فإن كان ينكر كون البسملة من الفاتحة فهذا ليس كفراً، لأنه مما اختلف فيه أهل العلم، ويمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6484، 58128، 43843.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1429(1/2957)
حكم من يشك في صحة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم قال بأنه يشك في صحة القرآن والعياذ بالله فقلت له لماذا فقال إن المصحف الحالي غير مرتب حسب نزوله فقد يكونون نسوا شيئا.
ـ هل هو مرتد؟
ـ لماذا لم يرتب حسب نزوله؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان بالقرآن وهو الاعتقاد الجازم بأنه منزل من عند الله وبأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ركن من أركان الإيمان، فمن يشك في صحة القرآن فهو كافر يرفع إلى القضاء ليستتيبه القاضي ويرفع عنه الشبهة، فإن رجع وتاب وإلا ضرب عنقه ردة.
أما لماذا لم يرتب حسب نزوله؟ فالجواب أن القرآن لو رتبت آياته حسب نزولها لتقطعت أجزاء السورة الواحدة وتداخلت، فإن السورة كانت تنزل جملة واحدة، وتنزل سورة أخرى منجمة على حسب الحوادث، فلو رتب على حسب نزوله لدخل في السورة آيات من سورة أخرى نزلت قبلها أو بعدها، ثم إن هذا الترتيب توقيفي من عند الله تعالى لا يغير ولا يبدل، وتراجع الفتوى رقم: 54862، والفتوى رقم: 103258، والفتوى رقم: 108289.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1429(1/2958)
قال (فقه البيوع) ثم بصق فهل يعد ردة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحب الأسئلة رقم 2188983، 2188988، 2189281، 2189420 وغيرها وسؤالى هو: كنت فى الحمام وجاء بذهني كلمة فقه البيوع فقمت بالبصق في الحمام وتكرر نفس الشيء مرة ثانية بعدها وأنا كنت ما زلت فى الحمام.. والسؤال هو: هل يعتبر ذلك ردة والذى أعلمه أن الردة تكون إذا انشرح الصدر بها.... وأنا من وقتها فى غم وحزن وخوف أي لم ينشرح الصدر بها وأنا لا أدري لماذا بصقت ... وهل يؤثر ذلك على عقد الزوجية أم لا، علما سيدى بأنني موسوس وخصوصا فى كنايات الطلاق كما في أرقام الأسئلة السابقة فهل هذا من باب الوسوسة التى يجب الإعراض عنها أم لا..
2- كنت أحمل على جهاز الكمبيوتر الخاص بي فى البيت برنامج لتحفيظ القرآن للأطفال وأثناء ذلك جاءت إبنتي الصغيرة وبدأت تلعب في سماعة الجهاز فنهرتها بشدة وقلت لها (ابعدى لما نشوف البتاع ده حيشتغل أم لا أو قلت كلام آخر (ولكن المهم أني قلت كلمة البتاع ده وأنا في خوف فالمقصود بكلمة البتاع ده هو برنامج القرآن الذي كنت أحمله فهل ذلك سوء أدب في الكلام وهل في ذلك ردة.. وبعد ذلك بدأت أتذكر ما قلته لابنتي فقلت هل قلت كلمة البتاع ده ولا كلمة ثانية (كلمة من ثلاثة أحرف هي حرف ز، حرف ف، حرف ت) ، فأنا لم أستطع أن أكتب هذه الكلمة وأنا غير متأكد من قولي هذه الكلمة فأفتوني مأجورين.. فأرجو من فضيلتكم أن يكون الرد علي بسرعة شديدة فأنا في قلق نفسي شديد، وأرجو أن يكون الرد على سؤالي تحديداً ولا تحيلوني لأسئلة مشابهة؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل مما تعانيه من وساوس وشكوك، واعلم أن ما صدر منك من بصق أو عبارة تخص البرنامج المذكور لا تترتب عليها ردة، وبالتالي فلا تؤثر على عقد الزوجية، كما أن تلك العبارة الموجهة إلى الجهاز ليس فيها سوء أدب مع القرآن الكريم.
وعليه فما صدر منك من قبيل الوساوس التي يتعين رفضها وعدم الالتفات إليها لأن ذلك أنفع علاج لها فالاسترسال فيها سبب لرسوخها وتمكنها فأكثر من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى والاستعاذة به من كيد الشيطان ولا تلتفت إلى الوساوس والشكوك.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 721، 8106، 58741.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1429(1/2959)
حكم ترك بعض أركان الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من ترك ركنا من أركان الإسلام أو الإيمان يصبح كافراً، وهل عندما نقول كافر يعني هذا أنه خارج عن الملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها ... أخرجه الشيخان. فمن رضي بالإسلام ديناً ونطق بالشهادتين مواطئاً قلبه لسانه محققاً شروط الشهادتين فهو مسلم داخل في الإسلام ويتضمن هذا الإيمان بأركان الإيمان، وراجع للمزيد من التفصيل ومعرفة كلام أهل العلم في هذه المسألة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5098، 5398، 50911.
أما من أقر ببعض أركان الإيمان وكفر ببعضها الآخر فليس بمؤمن، وأما أركان الإسلام فإن ترك شيئاً منها جحوداً له فليس بمسلم، أما إن تركه كسلاً فلا يكفر عند جمهور العلماء إلا الصلاة ففيها خلاف شديد مشهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1429(1/2960)
حكم تشبيه المسلم نفسه بالله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن طالب بالأكاديمية الفساد فساد الدين والعقول طالب من جنسية عربية ومسمى باسم الرسول عليه الصلاة والسلام شبه نفسه بالله عز وجل ومن أقوله (لا تعصب ربي ... أنا الله) هذه بعض الجمل التي قالها هذا ما قرأت عنه في المنتديات مع فيديو يثبت ما قاله، سؤالي: ما الحكم على هذا الإنسان فهل يعتبر ملحدا أو مرتدا ويجب قتله؟ وهل يعذر إذا كان معصب مع أنه كررها أكثر من مرة، متى تنتهي مهزلة ستار أكاديمي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا إذا كان مسلماً بالغاً مدركاً لما يقول ومختاراً غير مكره فحكمه حكم المرتد، والذي يطالب بإنزال عقوبة المرتد عليه هو الحاكم لا آحاد المسلمين، قال البخاري: سمعته (يعني شيخه نعيم بن حماد) يقول: من شبه الله تعالى بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر. انتهى. ذكره عنه ابن القيم وغيره ... وفي موسوعة المؤلفات العلمية لأئمة الدعوة النجدية: وقد أجمع علماء السنة والجماعة على كفر الاتحادية الذين يقولون الخالق هو المخلوق، وكذلك أجمعوا على تكفير الحلولية الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان. انتهى.
ولا نعلم مرادك بكون كان معصباً فإن كنت تعني غاضباً فلا يعذر بذلك ما دام واعياً لما يقول، وأما عن انتهاء هذا الغي والمجاهرة بالكفر والردة عن دين الله، فإنما يكون ذلك بالعودة إلى دين الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه إقامة الحدود، واجتماع المسلمين على الحق حتى تكون لهم قوة ترهب أعداء الله من الكفرة والمنافقين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1429(1/2961)
توبة الساب للدين والملة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان شخص مسلم لكنه غير ملتزم حليق اللحية ومسبل الإزار ويقوم بعدد كبير من الذنوب والكبائر ولا يصلي ويسب الدين والملة ويقع في بعض أنواع الكفر.. لكن يوما ما أراد أن يتوب إلى الله فهل يكفيه أن يتوب ولا يعود إلى ما كان عليه ويقوم بالأعمال الصالحة ليكفر عن ذنوبه فقط؟ أم أن الواجب عليه أن ينطق بالشهادتين من جديد ويغتسل وبعد ذلك يتوب إلى الله؟ هل يجب الغسل والنطق بالشهادتين لمن كانت حالته كذلك؟ أم يكتفي بالتوبة فقط دون نطق بالشهادتين والاغتسال؟ وهل الاغتسال شرط للتوبة؟ أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الشخص يسب دين الإسلام أو ينقص منه أو يستهزئ به فإنه خارج عن الملة والعياذ بالله تعالى، وفي هذه الحالة تكون توبته توبة من الكفر، فينطق بالشهادتين ويغتسل وجوبا عند بعض أهل العلم، لكن هذا الغسل ليس شرطا لدخول الإسلام، وإذا رجع إلى الإسلام من جديد، فإن هذه هي توبته فليبدأ في تحسين إسلامه بالإكثار من الطاعة والبعد عن المعصية وبذلك يحسن إسلامه، ولا شيء عليه فيما كان يرتكب حال الردة، وقبل الدخول في الإسلام من جديد لأن الإسلام يجب ما قبله.
أما من يرتكب المحرمات من الكبائر وغيرها غير مستحل لها، ولم يصدر منه ما يخرج عن الملة فإن توبته هي التوقف عن المعصية، والعزم على عدم العود، والندم على صدورها منه، ولا يطالب بالنطق بالشهادتين لأجل التوبة ولا بالغسل لأنه لم يخرج عن الإسلام.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 58097، 72320، 94873.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1429(1/2962)
امتهان القرآن كفر مخرج من الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الرد علي في هذا السؤال الذي حيرني كثيراً وضايقني أكثر فلا أعرف من المسؤول أنتم أم هم!! باختصار هذا امتداد لموقع منسوب إليكم بأنكم قمتم بالفتوى بإيجاز استخدام القرآن الكريم كورق تواليت والعياذ بالله أرجو تنويري بالحق أناركم الله في دروبكم ورزقكم صراطه المستقيم، رقم الفتوى الذي فيها الرابط 34382؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن امتهان القرآن كفر مخرج من الدين، والقول بجواز استخدام القرآن فيما ذكر لا يصدر عن أي شخص من عوام المسلمين فضلاً عن أن يصدر عن موقع فتوى معروف، فكل مسلم يعلم وجوب تعظيم كتاب الله وتنزيهه عما هو أسهل بكثير مما ذكر، وإذا كانت الفتوى المشار إليها هي مصدر ما نسب للموقع فإن فاعل ذلك قد بلغ من سوء الفهم مبلغاً عظيماً-هذا إذا أحسنا به الظن وبرأناه من سوء القصد- فإن ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة من جواز الاستنجاء بالمكتوب إذا لم يكن فيه علم نافع، إنما هو في الكتابة التي لا تحتوي على علم نافع، فشرطهم إذاً أن لا يكون في المكتوب علم نافع، فأين القرآن من هذا، نرجو من إخواننا أن يتثبتوا فيما يقرأون ويسألوا عما لا يعلمون، وأن يراجعوا أهل العلم فيما أشكل عليهم قبل أن يحكموا على غيرهم بقول ما لم يقل.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 71647.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(1/2963)
الطلاق وسب الذات الإلهية عند الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أخبرت أصدقائي عن موقعكم الممتاز وهم لا يتعاملون مع الانترنت وطلبوا مني أن أرسل لكم أسئلتهم فأرجوا منكم أن تفتونا فيها:
1- أحد الأصدقاء وهو بجانبي يروي ما حدث له وأنا حريص كل الحرص أن أكتب ما يقول بالحرف وروايته أن زوجته طيبة ولكنها تتصرف أحيانا كالأطفال ودار بينهما شجار حول موضوع ما ثم قالت له بجامتكم التي تلبسها إن اشتريتها فاخلعها وذهب لينام ابتعادا عن الشر ولكنها لحقت به وقالت له المخدة التي تنام عليها أنا اشتريتها أعطني إياها ففعل، ثم قالت له هذه المسبحة أعطاك إياها والدي وممنوع أن تسبح بها فأخذتها فأخرجها من غرفة النوم وأغلق الغرفة بالمفتاح ابتعادا عن حدوث ما لا يحمد عقباه، فأخذت تصرخ من خارج الغرفة وتقول له إن لم تفتح الباب سوف أرمي نفسي من النافذة وأنتحر وبعد قليل هدأ الجو فخشي صديقي أن تكون قد فعلتها ورمت بنفسها من النافذة فخرج من غرفة النوم واخذ يبحث عنها في البيت فلم يجدها فزاد عنده الشك بأن تكون قد فعلتها وإذا بها تخرج من تحت الطاولة في غرفة الضيوف فثارت ثورته غضبا" لما فعلت وأخذ يسب ويشتم (وهو لم يجرؤ منذ سن البلوغ عن سب العظيم القدير الحليم الذي لا يجوز أن يسب ولكن من شدة غضبة سب الذات الإلهية) ثم أخذ يحطم ويكسر ما هو في طريقة فحاولت منعه وإذا به ينطق أنت طالق فوضعت يدها على فمه حتى لا يكرر هذه الكلمة وأخذ ينحب بالبكاء ويقول لما دفعتني على التلفظ بهذه الكلمة وعاود سؤال زوجته هل أنا فعلا"قلتها ليتأكد مما بدر منه وهذا ما قالته زوجته وسألته شخصيا هل كان يعي ما يقول؟ فقال بأنه يعرف أنه نطق هذه الكلمة ولكنه لم يكن قادر على ضبط نفسه والسيطرة عليها, فأرجوكم أفتونا هل يقع الطلاق هنا أم لا؟ وأنأ أخبرته بأن هناك ثلاث حالات للغضب واحدة لا يقع الطلاق بها بأن يكون الإنسان كالمجنون ولا يقع به طلاق، وهناك حالة الغضب الخفيف ويقع به الطلاق والغضب المتوسط بين الحاله الأولى والثانية وفيه اختلاف بين العلماء ولكنه فعلا غير قادر على تحديد مرحلة الغضب التي كان بها ولكم جزيل الشكر فهل يقع طلاقه هنا؟
علما أن المفتي في دار الافتاء في البلد التي يقيم بها أفتاه بأن طلاقة غير واقع وأخذ بالفتوى وبعد فترة زمنية طويلة وبالصدفة التقى بإمام معروف ومشهور في بلدة وأفتاه بأنها طلقة واقعة.
وهو الآن لا يعرف هل يعتبرها طلقة أم لا، فماذا يفعل في هذه الحالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت هنالك دار معتبرة للفتوى وقد عرض عليها الأمر وأ فتته بعدم وقوع الطلاق فلا حرج عليه في تقليدها والعمل بفتواها، ولا ينبغي له أن يكثر السؤال عن نفس المسألة إن كانت الدار معتبرة موثوقا بها.
وحالات الغضب هي كما ذكرت، ولكن الأدهى والأمر هو ما وقع فيه من سب الذات الإلهية، لكن إن كان في حالة لا يملك فيها نفسه فنرجو ألا يكون عليه إثم، والأولى أن يحتاط لنفسه بكثرة الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 98713، 3396، 15595، 27620، 10062.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(1/2964)
تعليق شعار الكفار وادعاء المسلم أنه على غير دين الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لي مدير في العمل اتخذ شعارا للنصارى فى أحد أعيادهم (الزعف) وهو قطعه من شجر النخيل خاصة بعيد لهم باسم عيد الزعف وعلقه على الحائط خلفه، هذا بجانب طلبه من نصارى الشركة بإتيان هذا الزعف بزعم أنه يحب ذلك الشيء، وعندما تناقشت معه وقلت إن هذا حرام إنهم كنصارى وعلى باطل مستحيل أن يتخذوا شعارا لنا ونحن على حق ويعلقونه فكيف لنا أن نفعل ذلك ومن تشبه بقوم فهو منهم فيقول لي مازحاً (أصل أنا مسيحي وسأعلق صليبا أيضا) ويرفض أن يزيل هذا الشعار ... فما حكم هذا الفعل، وما حكم هذا الرجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه التميز بسمته عن الكفار، ولا يجوز له أن يعلق شعاراتهم ولا سيما في مواسم أعيادهم لما في ذلك من التشبه بهم وهو منهى عنه، كما في حديث الترمذي: ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى. والحديث حسنه الألباني.
وأما ادعاء المسلم أنه على دين غير دين الإسلام فقد ذكر أهل العلم أنه يوقع في الردة ولو كان مازحاً، والواجب السعي في إقناع هذا الرجل بالتوبة والعدول عما هو مصر عليه، وينبغي أن يكلمه الرجال، والأفضل طلب ذلك ممن كان تأثيرهم أكبر كالعلماء وأئمة المساجد، وعلى المرأة أن تتحرى في تعاملها مع الرجال وتتحفظ من مخالطتهم إلا لضرورة أو حاجة معتبرة. وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 95527، 75934، 62745، 5810، 60303، 52014، 105354.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1429(1/2965)
زوجها ترك الصلاة واستباح المحرمات وأصبح يشك في دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[مر زوجي بظروف صعبة لا يمكن تخيلها مع أنه هو السبب بتهوره وحبه للمخاطرة ولكن النتيجة كانت مؤلمة له وأصبح يؤوسا قنوطا من رحمة الله ـ تعالى عز وجل ـ وأصبح يقصر في الصلوات ويضيعها حتى وصل الى نقطة لماذا أصلي أصلا نصحته وخوفته مما هو فيه باللين والكلمة الطيبة شهورا وشهورا وأنا أصبر وأحتسب وأدعو له في صلواتي وخلواتي أن يعود الرجل الصالح الذي تزوجته ولكنه تمادى وقال لن يصلي ويصوم وهو أحسن حالا هكذا وأنه يشك بصحة الدين وكيف نعرف أنه من الله كان هذا الكلام صاعقة قتلتني وقتلت كل أمل في قلبي ففقدت وعيي لفترة وانهرت أمامه ببكاء لم يتوقف حتى الآن وقلت كل ما أعرفه لكنه قال ـ لن أعود الشخص الذي تريدينه مرة أخرى أبدا وبدأ يشرب ويجلس على مواقع للفجور بلا حياء قلت له لا حياة زوجية بيننا قال الكفار لديهم أولاد وزوجات فعلت ما أقدر عليه وتركت فراشه وفارقته فيه علمنا أن هذا كان آخر شيء وقد لاحظ أولادنا التغير عليه وقالوا هل أصبح أبي كافرا لن أنسى هذا السؤال ما حييت نقلت له الكلام ولكنه لم يهتم أبدا.
وبعد مرور الشهور عاد يطالب بالفراش ولكني تمسكت بفضل الله وقلت تعود للحق أولا وإلا سأفارقك فقال بعد طول الصد هيا اذهبي وخذي أولادك معك وإلا تطيعيني.
حسبي الله ونعم الوكيل أين أذهب إلى الله المشتكى.
أنا بين خيارين أحلاهما علقم إما الذهاب إلى إخواني وهم في غربة أيضا والعيش معهم مخالفة لنظام الإقامة مع كل الصعوبات التي تتبعها أو العيش هنا حيث بلاد أولادي وأكشف وجهي وأبحث عن عمل يمكنني من العيش لوحدي مع الأولاد حتى أحصل على الجنسية التي تخولني العيش حيث إخوتي بدون مشكلة ولكن زوجي قال بوضوح إنه لا يريدني في بلاده إذا تركته طبعا لن يستطيع منعي ولكني خائفة بشدة من الموضوع ولا أنام الليل وكثيرة البكاء وأنا وحدي والأولاد لا يعرفون شيئا حتى الآن وهم 7و5 2 ويدرسون في مدرسة حكومية هنا ولم نذهب إلى المسجد حتى من سنة كاملة ولا صلاة العيد التي بكوا من أجلها وأنا أحاول أن أربيهم على الدين وأنهم مسلمون متميزون وهم بحمد الله جيدون.
والخيار الأخير أن أبقى في بيتي وأن أدرس حتى أستطيع إتمام دراستي أي عاما آخر من الألم لأنه لا يريد إرسال الأولاد إلى مدرسة إسلامية مع أنه كان وعدني في السابق أنهم سيذهبون العام القادم ولكنه أصبح شخصا آخر كثير الكذب والخداع في كل شيء كل ما أنظر إليه لا أتوقف عن البكاء أتذكر تقواه وخيره وكيف أصبح هكذا ذكرته بخيراته وكيف كان خائفا علي من الافتتان وكيف كان يقول ـ سنذهب للعيش في بلاد مسلمة من أجل الأولاد حتما إن من حقهم أن يسمعوا الأذان لكل صلاة فقال هذا كان وأنا تغيرت وهذا أفضل.
علما أنه أسلم صغيرا وأننا نعيش في بلاده وأنا يتيمة وليس عندي أحد في بلادي وإخوتي يعيشون حيث عشت من قبل زواجي معهم ولكن خسرت إقامتي من4 سنوات ولا سبيل لاستعادتها.
وقد كانت حياتي الزوجية ممتازة في جوانب وان عشنا خلافات لا يخلو منها بيت لكنه تغير بسبب مشكلة فقد فعل أكثر من مخالفة ودخل السجن لسنة وأوقف لأيام مرة أخرى وهي مخالفات نظامية ولم يؤذ أحدا إلا نفسه لتهوره كما ذكرت وهو شديد الحساسية والعناد والصمت والغضب وموقفه مع الأولاد كان شديد الحب لهم ولكن الآن يتجنبهم بشكل مؤلم وقال إنه لا يريد أن يكون أبا مرة أخرى في حملي الأخير وحاول التطرق الى الإجهاض أكثر من مرة وعاملني وكأني أنا السبب وكان يتشاجر بدون سبب وفعل كل ما يجعلني أكرهه من السخافات وتصرف كأنه مراهق لا مسؤول حتى كرهته فعلا إني أتمنى أننا انفصلنا قبل الآن لا أريد له الكفر والنار والله وقد قلت له لأنك جازيتني على صبري على دخولك السجن وسوء أخلاقك بهذا الشكل لا شيء يجعلني أرضى بمسامحتك إلا أن تعود إلى الحق وغير ذلك لا فهل انا مخطئة وبماذا تنصحونني والحال كما ذكرت وجزاكم الله عني كل جزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج همك، وأن يكشف كربك، وأن يوفقك إلى ما يحبه ويرضاه، وننبهك بداية إلى أننا لا نستطيع الحكم على زوجك وما يتفرع عنه من الحكم على نكاحك من خلال ما ذكرت، نظرا لأن أمر التكفير لا بد فيه من وجود ضوابط شرعية لا نستطيع التحقق من وجودها من خلال الفتوى، وحتى يمكن الحكم العيني لابد من الرجوع إلى أحد المراكز الإسلامية الموجودة لديكم والتي يوجد بها علماء من ذوي كفاءة علمية لتنظر في أمره، وتصدر حكمها بشأنه وشأن النكاح الذي بينك وبينه.
ولكن نقول بصفة عامة إذا كان الأمر كما ذكرت من أن هذا الرجل يشك في دينه ويترك الصلاة ويقول إن تركها خير من فعلها ويعزم على أنه لن يصوم ولن يصلي ويستبيح شرب الخمر ومقارفة المنكرات ويختار ما هو فيه ولو فارق زوجته وأولاده لاختيارهم الإسلام، فإنه يعتبر مرتدا شرعا باتفاق أهل العلم، وعليه يكون النكاح الذي بينك وبينه قد انفسخ، ولا يحل لك أن تمكنيه من نفسك – كما قد فعلت وأحسنت - ويجب عليك أن تفارقيه.
كما يجب عليك إن استطعت أن ترجعي بالأولاد إلى بلدك، أو إلى اقرب بلد تستطيعين فيه حفظ أولادك من تأثيره عليهم أو تأثرهم به، ولأن البقاء في هذه البلاد فيه خطر على عقيدتهم وسلوكهم، كما هو معلوم. وراجعي الفتوى رقم: 51334.
وإن أمكنك الرجوع إلى إخوانك فافعلي فذلك أحفظ لك وللأولادك.
وأما إن لم يمكنك ذلك فعليك بالاستقلال في معيشتك مع أولادك بعيدا عن إقامة أبيهم، وابحثي عن عمل تتكسبين به أو اكملي دراستك لتحقيق ذلك.
وعليك بالاستعانة بأهل الخير من المسلمين في المراكز الاسلامية عندكم ونحوها.
وأما كشف الوجه فإن اضطررت إليه فلا حرج فيه إن شاء الله.
وللفائدة راجعي الفتاوى التالية: 80849، 61546، 49545، 51334، 23491.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1429(1/2966)
حكم من يزعم أن علم النبي حاصل للمجانين والولدان والبهائم
[السُّؤَالُ]
ـ[مثل علم النبي حاصل للمجانين والولدان والبهائم بل للحيوانات جميعا، فما الحكم لقائله بينوا تؤجروا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان من تلفظ بمثل هذا القول يعي ما يقول وقاله قاصدا مختارا فهو كافر بالله تعالى وبرسله، وقد حط من قدر الأنبياء والمرسلين، وقد قال الله تعالى: قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة:65-66} والعلم الذي أوتيه الأنبياء هو علم الكتاب والحكم والنبوة؛ كما قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ {الأنعام:89} .
ولا ندري أي علم أوتيه المجانين والحيوانات حتى يقال إنه مثل علم النبي صلى الله عليه وسلم؛ سبحانك هذا بهتان عظيم.
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 61872.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1429(1/2967)
من صدر عنه ما يوجب كفره حال فقدان وعيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصدقة الجارية على صديقك المتوفى، وكيف نتذكره لندعو له ولجميع أموات المسلمين، وما هو الحكم في سب الدين وإخراج صوت من الفم يعني الشخر في لحظة انفعال وغياب وعي، هل يجوز الاستغفار في الحال، وما هو الحل في الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء إن بعض جوانب السؤال غير واضحة نظراً للأخطاء الإملائية ونحن نجيب عما فهمناه، فنقول: إنه لا حرج على الصديق أن يخرج صدقة جارية عن صديقه المتوفى وله الأجر في ذلك إن شاء الله، لأن الصدقة عن الميت مشروعة سواء كان الميت قريباً أو صديقاً أو غيرهما من عموم المسلمين، وانظر الفتوى رقم: 56783.
وسب الدين كفر مخرج من الملة، فمن سب الدين أو استهزأ به فهو كافر خارج من ملة الإسلام إلا إذا كان فاقد الوعي عند نطقه بكلمة الكفر بحيث لا يدري ما يصدر منه، ويجب عليه إن صدر عنه ما يوجب كفره حال وعيه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره فوراً، وأما إخراج الصوت من الفم كما ذكر فإن كان يعني به التأفف ونحوه عند الغضب فهذا عمل لا ينبغي، وحسن الخلق يقتضي كظم الغيظ والبعد عن مثل هذه الأفعال، وقد قال الله تعالى: وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ {لقمان:19} .
وانظر الفتوى رقم: 39428، والفتوى رقم: 48551، والفتوى رقم: 26193.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(1/2968)
تسمية الحلوى أصابع عائشة بغير قصد
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا جالسا أنا وأخوتي نتكلم في بعض الأطعمة وأنواعها وعندنا هنا في مصر نوع من الحلوى يسمى أصابع زينب ولست أدري أصل هذه التسمية وعلى غير قصد مني ونحن نذكر هذه الأطعمة قلت أصابع عائشة ولم يكن في قلبي أن أقصد هذا الاسم بعينه ولكنه الاسم الذي جرى على لساني وقتها بغير قصد مني وما أقصد به أحداً بعينه ولم يأت في قلبي أن أقصد زوج النبي عليه الصلاة والسلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولكن بعد برهة تفكرت في هذا الاسم الذي تلفظت به فأخشى أن أكون قد استهزأت بزوج النبي صلى الله عليه وسلم فأكون قد دخلت في الكفر والعياذ بالله فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لا يحكم على المسلم بالخروج من الإسلام إلا باختياره الكفر قصداً أو بإتيانه ناقضاً من نواقض الدين، وأما ما وقع منك فليس فيه شيء من ذلك بحمد الله، فلا داعي للخوف، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 21800، والفتوى رقم: 8106.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1429(1/2969)
اتباع دين غير الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يتبع ديانات أخرى يسمى بالكافر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن اتبع أي دين غير الإسلام فهو كافر ومن أهل الخلود في النار لقوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. [المائدة/72، 73]
وقال عز وجل: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ. [البينة/1]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ. [البينة/6]
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (النساء137) .
وهي في أهل الكتاب، والمعنى ازدادوا كفرا لما كفروا بمحمد، وقال تعالى: أفرأيت الذي كفر بآياتنا، وهي في العاص بن وائل كفر بدين محمد والبعث كما في سبب النزول.
وقال سبحانه: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ* ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ *. {محمد1،2،3}
قال ابن كثير: وَآمَنُوا بِمَا نزلَ عَلَى مُحَمَّدٍ، عطف خاص على عام، وهو دليل على أنه شرط في صحة الإيمان بعد بعثته صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ. {آل عمران 19} ، وقوله: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ. {آل عمران85} .
جاء في تفسير الطبري: يقول: وهو في الآخرة من الهالكين، الذين غَبَنوا أنفسَهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بمحمد، وعملهم بغير طاعة الله. اهـ.
وفي مسند أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ سَمِعَ بِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِي لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ، مع قوله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فأذن لايدخل الجنة إلا مؤمن. متفق عليه.
ومفهومه إن الذين لا يدخلونها يسمون كفارا، وغير ذلك من آيات وأحاديث كثيرة فضلا عن إجماع المسلمين على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1429(1/2970)
هل يثبت الإيمان لمن لم يؤمن برسول الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نقرأ في كتاب الله عز وجل الآية أدناه:
إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًاِ
سؤالي: ما حكم من آمن بالله ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا كأهل الكتاب مثلا هل يغفر الله له؟
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لا يصح إيمان من آمن بالله ولم يؤمن بمحمد أو غيره من الأنبياء عليهم السلام كما فعل أهل الكتاب أو غيرهم.
جاء في شرح الطحاوية لابن أبي العز: قوله: (ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين) .
هذه الأمور من أركان الإيمان، قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ {البقرة: 285} ، وقال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ {البقرة: 177} - الآية.
فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة مؤمنين، كما جعل الكافرين من كفر بهذه الجملة، بقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا {النساء: 136} . وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته حديث جبرائيل وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل. اهـ
وأخرج الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري مرفوعا: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة. وفي رواية له أيضا: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بي دخل النار. والحديث صحيح.
فعلم مما سبق أن كل من كفر بالله بأن أشرك معه غيره أو كذب برسالته لمحمد صلى الله عليه وسلم أو جحد أي ركن من أركان الإيمان المذكورة في آية البقرة، أو أتى ناقضا من نواقض الإيمان بعد أن دخل فيه فهو غير مغفور له، وهو من أهل النار والعياذ بالله.
وأما الآية التي ذكرتها فلا تنافي ما ذكرناه إذ إن أهل الكتاب وقع منهم الإشراك بالله.
قال الشوكاني في تفسيره فتح القدير: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ. هذا الحكم يشمل جميع طوائف الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ولا يختص بكفار أهل الحرب لأن اليهود قالوا عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقالوا ثالث ثلاثة، ولا خلاف بين المسلمين أن المشرك إذا مات على شركه لم يكن من أهل المغفرة التي تفضل الله بها على غير أهل الشرك حسبما تقتضيه مشيئته، وأما غير أهل الشرك من عصاة المسلمين فداخلون تحت المشيئة يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1429(1/2971)
الإقرار على النفس بالكفر خطر وأي خطر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت أدعو إلى دين الإسلام عبر النت والشات وفي يوم من الأيام قابلت امرأة في الشات متزمتة تكره الإسلام وعندما سألتني هل أنت مسلم؟ كذبت فقلت لها لا وقلت لها ذلك لأفتح لنفسي مدخلا للتحدث معها عن الإسلام وعندما فشلت معها قلت لها على الحقيقة وسؤالي يا سيدي هل إجابتي لسؤالها عندما سألتني عن ديانتي تعتبر والعياذ بالله كفرا؟ أرجوكم أفتوني مع العلم أنني من داخلي كانت النية الدعوة إلى الإسلام ماذا أفعل أرجوكم أفتوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا القول من الخطورة بمكان، إذ لا يجوز للمسلم أن يخبر عن نفسه بأنه على غير ملة الإسلام طائعا مختارا، فقد نص الفقهاء على أن من أقر على نفسه بالكفر أنه يكفر بذلك ما لم يوجد عذر شرعي كالإكراه ونحوه، ففي كتاب فتح العلي المالك للشيخ عليش وهو يبين ضابط ما يكفر به قوله: قال ابن رشد: لا يحكم على أحد بالكفر إلا من ثلاثة أوجه: وجهان متفق عليهما، والثالث مختلف فيه، فأما الاثنان المتفق عليهما فأحدهما أن يقر على نفسه بالكفر بالله تعالى ... اهـ
وليس حسن النية بعذر شرعي، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن لا تعود لمثل هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1429(1/2972)
حكم المجاهر بالكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يجاهر بالكفر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن نطق بما يقتضي الكفر أو فعله مختارا عاقلا غير مكره على ذلك ولا متأول فإنه يعتبر كافرا والعياذ بالله تعالى كما سبق بيانه في الفتوى: 59526.
وتجب عليه التوبة إلى الله تعالى من الكفر، وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 8927، والفتوى رقم: 18427، والفتوى رقم: 21766.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(1/2973)
وجوب التحذير من الشخص الذي يدعو للكفر ويجاهر به
[السُّؤَالُ]
ـ[حتى لا نقع في قطيعة الرحم، ولكي نحافظ على ديننا ومعتقدنا الصحيح الذي نعتقده ونسأل الله تعالى أن يميتنا عليه، ف ما حكم هجري وقطيعتي لأخي الأكبر مني سنا وتحذير إخواني وأهلي من مجالسته وزيارته خوفا عليهم من أن يلقي الشبهات في قلوبهم ويشككهم في دينهم وعقيدتهم فهو يجيد التحدث في شتى المجالات ومنها ما يتعلق بديننا الحنيف ولكنه يعتبر من العوام لا فقه عنده فهو يهرف بما لا يعرف في الدين وهذا الرجل خطير في أفكاره متأثر بكتب يقرأها تخالف عقيدة اهل السنة والجماعة، درس في أمريكا وتأثر بحضارتهم لا يتورع عن سب الله تعالى عند نصيحته وتذكيره بالله وخاصة عندما يغضب، فقد قال ذات يوم لأخي الذي يصغرني بعد أن ذكره بربه – قال له وهو في حالة غضب "أحضر لي ربك لأبول عليه وأتغوط عليه" والعياذ بالله تعالى كما أنه يقوم حاليا بتأليف كتاب يزعم فيه أنه سيلغي الديانات جميعا وقد وقع في كثير من المنكرات منها ترك الصلاة والزنى (باعترافه الشخصي) وشرب الخمر (باعترافه الشخصي كذلك) فقد أخبرني ذات مرة وبحضور ابن عمتي أنه لا يمكنه أن يصبر عن شرب الخمر، كما أنه قاطع لوالده ولا يزوره بحجة أنه عندما يأتي لزيارة والده ليسلم عليه يغضب عليه والده ويغلظ له في القول، وهو كما قال فالوالد هدانا الله وإياه شديد العصبية، فقرر مقاطعة والده علما بأننا حاولنا نصيحته وزيارته والجلوس عنده تأليفا لقلبه عله يتوب ويرجع عن غيه وكنا كذلك نغلظ له في القول أحيانا عله يتوب ويرجع إلى ربه ولكن دون جدوى، فإن وصلته وزرته فهو مستمر في منكره وأن قطعته وهجرته فهو مستمر في منكره إلا أن يشاء الله تعالى أمراً آخر، علما بأني هجرت زيارته في منزله فقط وعندما ألتقي به في أي مكان ما زلت أسلم عليه وأصافحه، وسؤالي فضيلة الشيخ نفع الله بعلمكم: هل يجوز لنا هجره وقطيعته والتحذير من الجلوس معه في هذه الحالة حفاظا على عقيدتنا وديننا حتى يتوب إلى الله تعالى، وهل يجوز لنا أن نسعى للصلح بينه وبين والده إذا علمنا أنه سيستمر في عرض ونشر أفكاره الخطيرة بيننا وبين أهله وإخوانه أثناء مجالستنا له، وما توجيه فضيلتكم لمن يستمرون في مجالسته في الوقت الحالي بحجة إصلاحه وتأليف قلبه وليس عندهم العلم الشرعي للرد على شبهاته وأفكاره الخطيرة، علما بأن الذين يجلسون معه يتجنبون ذكر شيء من الدين في كثير من الأحيان أمامه حتى لا يفسدون العلاقة التي بينهم وبينه وحتى لا يثيرون غضبه، وفقنا الله تعالى وإياكم لكل خير؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن أخيك يعتبر كفراً صريحاً، والعياذ بالله، وليس من شك في أن مجالسته والاستماع إلى أفكاره ومعتقداته تشكل خطراً كبيراً على دين المرء، وخصوصاً أولئك الذين قلت إنهم ليس عندهم العلم الشرعي للرد على شبهاته وأفكاره الخطيرة.
وإذا كان السلف وجمهور الأئمة قد أوجبوا هجران أهل الأهواء من المبتدعة الذين يجاهرون ببدعهم أو يدعون إليها، فإنه لا ينبغي أن يختلف في وجوب الابتعاد عن الكافر الذي يدعو إلى الكفر ويجاهر به، ويتأكد ذلك إذا خيف التأثر بما هو عليه من الضلال.
وعليه؛ فلا نرى عليك حرجاً في هجر الأخ المذكور وقطيعته، وتحذير إخوتك وأهلك من مجالسته وزيارته، بل قد يكون هذا التحذير هو الواجب عليك إذا كنت تخشى عليهم التأثر به، ولا بأس بأن يسلم عليه من لقيه منكم في الشارع ونحوه، كما يحسن أن لا تتركوا الدعاء له بالهداية، فالله قادر على هدايته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1428(1/2974)
حكم من جعل بزعمه كلمات المخلوق لا تنفد ككلمات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت بأحد المواقع بالنت أنه يتم تداول بالشريط الخاص بالمسجات بالقنوات الفضائية هذا المسج هو بالأصل الآية القرآنية رقم 109 من سورة الكهف، قال تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) ، وقد تم تحريف كلام الله سبحانه وتعالى بهذه الآية إلى مسج يقول: لو كان البحر مددا لكلمات حبي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات حبي. استغفر الله العظيم، فما هو ردكم على هذا التعدي على حرمة القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتحريف المشار إليه كفر بالله العظيم، وفاعله كافر خارج من ملة الإسلام، وذلك لأمور:
الأول: لما فيه من التلاعب والاستخفاف بكتاب الله تعالى، جاء في الموسوعة الفقهية: من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه.. فهو كافر بإجماع المسلمين. انتهى.
الثاني: أن في ذلك التحريف المشين تشبيهاً للمخلوق الحقير بالله العظيم رب العالمين، حيث جعل بزعمه كلمات المخلوق لا تنفد ككلمات الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ومن شبه الله تعالى بخلقه كفر لأنه مكذب للقرآن، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11} ، ولذا يحرم تداول تلك الرسالة، والواجب على المسلم إنكارها والتحذير منها والبراءة من أهلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(1/2975)
الأمور المكفرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أنواع المكفرات جميعا التي تخرج المسلم من الملة -علمت أنها عشرة توجد في كتاب العقيدة الطحاوية- فأرجو ذكرها مع الأدلة الشرعية لذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على الاتصال بنا ونفيدك أن بحث المكفرات بحث طويل الذيل وهو مبسوط في كتب العقيدة والفقه، وقد كتبنا فيه فتاوى كثيرة، فيمكن الاطلاع على بعضها في موضوعات الكفر الاعتقاددي والعملي في فهارس الفتاوى، كما يمكنك الاطلاع عليه في شروح كتاب التوحيد وفي كتب الفقه في باب الردة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(1/2976)
عبارة (الله عين كل شيء) تشبه كلام القائلين بوحدة الوجود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الله عين كل شيء؟
جزاكم الله كل الخير عني وعن كل المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبارة هذه تشبه كلام ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وأضرابهم القائلين بوحدة الوجود، وراجع في الكلام عليها الفتاوى التالية أرقامها: 40352، 11542، 32148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1428(1/2977)
مصير الكفار الذين ماتوا قبل البعثة وبعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أهل الجاهلية الذين سبقوا البعثة مخلدين في النار وإن كان ذاك هو الصحيح أفليس هذا أولى بالذين ماتوا على الكفر بعد البعثة وإن لم تبلغهم الرسالة ومنهم من مات على شرك أكبر وهو ينسب إلى المسلمين وهو على جهل.
أرجو التوضيح وعدم إحالتي إلى أسئلة أخرى لأن المسألة عقيدة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من سبق البعثة من الكفار قد رجح أهل العلم أنهم سيمتحنون في الآخرة، ومثلهم من لم تبلغهم الرسالة لكونهم عاشوا في مكان بعيد كما في أميركا قبل اكتشافها، وأما من بلغتهم الرسالة ولم يؤمنوا فهم مخلدون في النار، وراجع للاطلاع على تفصيل الموضوع وعلى العذر بالجهل الفتاوى التالية أرقامها: 3191، 61635، 4723، 721، 75673، 60824، 19084، 98353، 98136، 30284.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(1/2978)
الولاء لا يكون إلا لله وأوليائه
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو إفادتنا في هذا السؤال رجل يصلي ويصوم ويحج ولكنه يعطي ولاءه إلى العلمانيين فما حم الإسلام في هذا الصنف من الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يحرم عليه موالاة العلمانيين ومناصرتهم، ويجب عليه أن يجعل ولاءه لله ولأولياء الله المتمسكين بشرعه ومنهجه، وإن كان يرى أحقية المنهج العلماني فإن هذا خطر على المعتقد، فقد عد أهل العلم من نوافض الإسلام أن يعتقد أن منهج غير الله أكثر صلاحية للناس من منهج الله، وعليه فيتعين عليكم تعليمه وبيان الحق له وإعارته بعض الكتب أو الأشرطة المفيدة في الموضوع.
وراجع للمزيد في الموضوع، وفي شروط تكفير الشخص المعين الفتاوى التالية أرقامها: 2453، 75510، 721، 14489، 35564.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(1/2979)
توضيح حول قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمان الرحيم
أحد المبتدعة يطلب دليلا على أن القاعدة: من لم يكفر الكافر فهو كافر على أنها في الكافر الأصلي وليست في المسلم الذي أتى ناقضا من نواقض الإسلام؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدليل هذه القاعدة أن من كان مسلما لا بد في الجزم بتكفيره من توفر شروط التكفير كلها وانتفاء الموانع، ويحتمل أن يكون مخطئا أو جاهلا أو متأولا ولم تقم عليه الحجة، فنظرا لصعوبة التأكد من ذلك لا يكفر من لم يكفر المرتد.
وراجع الفتوى رقم: 98395.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(1/2980)
حكم من ينكر السنة وحجيتها ويفسر القرآن بهواه
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي صديق عزيز علي يعمل بالكتاب والسنة لكن بعد مدة من الزمن أصبح لا يعمل بالسنة النبوية تأثرا منه بأفكار القرآنيين وأضحى يفسر القران على هواه ويأتي بأحكام مخالفة تماما للأحكام التي أقرتها السنة النبوية مدعيا أن الطاعة منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هي لله فقط فأصبح يفتي بأن الصلاة تؤدى بدون ركوع وأن صلاة الظهر ركعتان وان صلاة الجمعة ركعتان دون الخطبة وأن الحائض عليها أن تصلي وقت الحيض الخ.....
ناقشته كثيرا وحاولت أن أثنيه عن الاسترسال في هذا التوجه لكن دون جدوى فقطعت كل صلة به وامتنعت عن إلقاء التحية عليه كلما التقيت به.
فهل موقفي منه سليم أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من ينكر السنة أو حجيتها ويفسر القرآن على هواه كافر خارج عن دين الإسلام، وكذلك من يعتقد في الصلوات الخمس خلاف ما هي عليه في الهيئة وعدد الركعات، ومن كان كذلك فينبغي هجره والابتعاد عنه إن لم يفد فيه النصح وبيان الحق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما وقع فيه هذا الشخص المذكور من التأثر بالفرقة التي تسمى ب"القرآنيين" واعتقاد ما يعتقدونه من إنكار السنة والاحتجاج بها، إضافة إلى ما ذكر عنه من تفسير القرآن بالهوى والرأي والتحكم في فرائض الله تعالى فإن هذا والعياذ بالله تعالى كفر، فابذل ما في وسعك لإنقاذه من هذا الضلال وذلك باصطحابه إلى أهل العلم ليزيلوا عنه الشبهة أو بمجادلتك له إن كنت ممن يقدر على ذلك، فإذا كنت لا تستطيع إقناعه بالحجج والأدلة أو إحضاره لمن يقوم بذلك أوكان لا يستجيب لذلك فاجتنبه حتى يتوب إلى الله تعالى فإن إنكار السنة كفر مخرج من الملة لأنها هي المبينة للقرآن والشارحة له، بل وفيها أحكام تشريعية ليست في القرآن، ومن كان يؤمن بالقرآن فلا بد من أن يؤمن بالسنة لأن الله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر: 7} ويقول سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ {النساء: 80} ويقول عز وجل: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النحل:44} وروى أبو داود وصححه الألباني عن المقداد بن معديكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه.
وللفائدة في هذا المعنى يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4588، 31742، 64754.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(1/2981)
حكم من قال إن تعدد الزوجات حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من قال إن تعدد الزوجات حرام أو لا يجوز يكفر؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من قال إن تعدد الزوجات حرام أو لا يجوز يكفر إذا لم يكن جاهلا أو متأولا، فإن كان كذلك فإنه آثم ويعلم وتقام عليه الحجة، فإن رجع عما يقول وإلا حكم بكفره.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن قال إن تعدد الزوجات حرام أو لا يجوز فإنه يكفر إذا لم يكن جاهلا أو متأولا لأنه بذلك يكذب الله تعالى القائل في محكم آياته: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ.. {النساء: من الآية3} وهو مكذب بالسنة كذلك وهي طافحة بالنصوص التي تدل على إباحة التعدد، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها والمرأة وخالتها. والحديث يدل على إباحة الجمع بين سائر النساء على ما أذن الله فيه ما لم يكن هناك مانع شرعي يمنع من ذلك. أما إن كان قائل هذا الكلام قاله جهلا أو متأولا فهو آثم بذلك؛ لأنه لا يحل لأحد أن يحلل أو يحرم بغير علم، فقد قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ {النحل:116} ومن كان هذا حاله فإنه يعلم وتقام عليه الحجة، فإذا رجع عما يقول وإلا حكم بكفره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(1/2982)
شبهات وجوابها حول تكفير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ظهرت عندنا مجموعة من الشباب تكفر بالطاغوت وتدعو إلى ذلك على أنه ركن التوحيد، ثم تتبع ذلك القول؛ أن الأصل في المجتمعات الإسلامية اليوم الكفر، وبأن الناس فيها كفار أصليون إلا من أظهر لهم إسلامه، وذلك بأن يكفر بالطاغوت ويقول بقولهم إن الأصل في الناس الكفر وإلا يكون كافراً، ولو كفر بالطاغوت ما لم يقل بالقول السابق، ويحتجوّن على ذلك بأن الأنبياء عليهم السلام جاءوا إلى أقوامهم ودعوهم إلى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فمن أجاب حكم له بالإسلام، ومن امتنع بقي على كفره، وكذلك في عهد مسيلمة الكذاب من كان تحت حكمه فهو في دار الكفر، وكل شخص هناك حكمه الكفر حتى يُظهر إسلامه بكفره بالطاغوت مسيلمة والإيمان بالله، ويستدلون بقصة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع مُجاعة في ذلك الوقت، حيث لم يعترف خالد بإسلامه لمّا أمسكه، لأنه لم ينكر على الطاغوت، وكذلك اليوم الأصل في الناس كلهم الكفر حتى يدخلوا في الإسلام، وذلك بالكفر بالطاغوت -الحكام اليوم- والإيمان بالله، وتكفير كل من لم يفعل ذلك، وهذا شرط عندهم؛ لأن الناس عندهم ما حققوا التوحيد أصلاً، فلم يدخلوا الإسلام وهم كفار -وإن صلّوا وصاموا وزكّوا وحجّوا- وكذلك لو كفرت أنا -مثلاً- بالطاغوت وجاهدته؛ فأنا كافر عندهم حتى أُكفّر المجتمع كلّه، وعندهم الدخول في الإسلام لا يكون بقول لا إله إلا الله فقط، ويردّون على قصة أسامة رضي الله عنه لمّا قتل الرجل، بأن ذمّ النبي صلى الله عليه وسلم له ما كان لأن أسامة قتل مسلماً بعد أن قال كلمة التوحيد، ولو كان الأمر كذلك لأقيم على أسامة الحد، ولمّا لم يحدث ذلك، فهمنا أن الرجل المقتول لم يدخل في الإسلام بنطقه كلمة التوحيد، وأن الذمّ لأسامة كان على شيء آخر، وهو التسرّع في القتل -مثلاً- هكذا يقولون ... وأيضاً يقولون إن اليهود كانوا يقولون لا إله إلا الله فلم تنفعهم ولم يدخلوا بها الإسلام حتى يخرجوا من كفرهم الذي وقعوا فيه ... فهم إذن يركّزون على طرح سؤال: كيف يدخل الشخص في الإسلام؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأصل في المسلم الإسلام لا الكفر، ولا يجوز أن يرمى المسلم بالكفر، ولا يتوقف في أمره حتى يختبر هل يكفر بالطاغوت أم لا، ولا يحكم على معين بالكفر حتى يأتي بما يكفر وتقام عليه الحجة فلا يرجع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يكفر مسلماً إلا إذا توافرت فيه الشروط التي تستلزم كفره وانتفت الموانع التي تمنع من تكفيره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه. متفق عليه واللفظ لمسلم.
وراجع الفتوى رقم: 4132، والفتوى رقم: 53835. ولمعرفة ضوابط التكفير راجع الفتوى رقم: 721، والفتوى رقم: 12800.
أما قولهم إن الأصل في المجتمعات الإسلامية اليوم الكفر فهذا من أشنع الضلالات وأقبح الأقوال فإن الشرع حذر غاية التحذير من تكفير المسلم الواحد بغير حق فكيف بتكفير جماعة المسلمين، وقولهم إن الأصل في الناس الكفر قول باطل بل كل مولود يولد على الفطرة وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، فإذا لم تغير فطرته بأن يُهَوَّد أو ينصر فإنه لن يختار غير الإسلام.
ولا شك أن الكفر بالطاغوت من مقتضيات التوحيد ولوازم الإيمان، لكن أن يتوقف في المسلمين ولا يحكم بإسلامهم حتى يتبين هل يكفرون بالطاغوت أم لا فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، ولكن يؤخذ الناس بالظاهر والله يتولى السرائر، فإذا أظهر أحد منهم ناقضاً للإسلام تقام عليه الحجة ويبين له الأمر بياناً شافياً كافياً لا يخفى عن مثله، فإن رجع إلى الحق وإلا حكم بكفره، وراجع الفتوى رقم: 15255، والفتوى رقم: 55972.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال.
فإذا كان هذا في الصلاة التي هي صلة العبد بخالقه فكيف بغير ذلك، واحتجاجهم بأن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كانوا يدعون قومهم إلى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ... فجوابه: لأنهم كانوا كفاراً لا يؤمنون بالله ولا يكفرون بالطاغوت، وأما أتباع مسيلمة فكانوا كفاراً مرتدين باتباعهم إياه، ووبتصديقهم له ظهر كفرهم وردتهم هذا إذا كانوا مختارين، أما إذا كانوا مكرهين فلا، لقول الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ {النحل:106} .
أما قولهم إن خالد بن الوليد لم يعترف بإسلام مجاعة بن مرارة لأنه لم ينكر على الطاغوت فغير صحيح ولو كان كذلك لحكم بردته وعامله معاملة المرتدين، لكن فيما روي فإن خالداً قال له: قد عفوت عن دمك ولكن في نفسي حرج من تركك. وإن كانوا يقصدون بقولهم إن اليهود كانوا يقولون لا إله إلا الله فلم تنفعهم ولم يدخلوا بها الإسلام، فهذا غاية الجهل وأقبحه فإن اليهود كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكفروا بشريعته فكيف يقارن اليهود بمن شهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة وأذعن لهذه الشريعة في الظاهر على أن اليهود حتى في إيمانهم بالله لم يؤمنوا الإيمان الذي يرضاه الله فقد كفروا بالله تعالى بسبهم له ووصفه بالنقائص تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
أما إن كانوا يقصدون أولئك الذين أشار إليهم الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران بقوله: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {آل عمران:72} ، فهؤلاء إنما فعلوا ذلك ليلبسوا على المؤمنين كما ذكر المفسرون ولم ينفعهم ذلك حيث فضحهم الله تبارك وتعالى في كتابه، والحاصل أن ما يقوله هؤلاء الشباب باطل ظاهر البطلان فيجب الحذر منهم والتحذير منهم كذلك حتى لا ينخدع بهم من لا علم له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(1/2983)
حكم سوء الظن بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر إذا كان عن جهل بأن ذلك كفر؟ وبالنسبة للحديث الذي جاء فيه الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون أنهم يجدون في صدورهم ما تزول منه الجبال وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها صريح الإيمان فإذا كانت الأفكار التي تأتي للمسلم فيها سوء ظن بالنبي صلى الله عليه وسلم وظل الانسان يفكر فيها عن جهل فهل تكون كفرا؟ وهل هناك كفارة لسوء الظن بالنبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء كفر إذا كان متعلقا بصدقه أو أمانته أو تبليغه. ويعذر فيما سوى ذلك بالجهل قبل العلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يجب اعتقاده في حق الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام هو التصديق والأمانة والتبليغ، فإن كان سوء الظن متعلق بهذه فإن صاحبه يكفر بذلك، وعليه المبادرة بالتوبة والنطق بالشهادين، وإن كان فيما دون ذلك فإنه فسق ومعصية تجب التوبة منها، ولذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تنقية قلوب أصحابه ويزيل كل شبهة يمكن أن تؤدي إلى سوء الظن بالمعصوم، وصدق الله العظيم حيث يقول في محكم كتابه: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ {التوبة:128} ويقول: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ {القلم:4}
فقد جاء في الصحيحين: أن إحدى نسائه زارته وهو معتكف في المسجد فقام معها ليقلبها إلى بيتها، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا: أو قال: شيئا.
قال النووي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: فيه بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومراعاته لمصالحهم وصيانة قلوبهم وجوارحهم وكان بالمؤمنين رحيما، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقي الشيطان في قلوبهما فيهلكا، فإن ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع، والكبائر غير جائزة عليهم.
ومن وقع منه مثل هذا جهلا وجب تعليمه والظاهر- والله أعلم- أنه معذور بجهله كما أشرنا لقول الله تعالى حكاية عن نبيه موسى عليه السلام: ... قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {الأعراف: 138} ولقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون.
وبالنسبة لما أشرت إليه مما كان يجده الصحابة في أنفسهم وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: إنه صريح الإيمان فإن ذلك ليس من باب سوء الظن بالمعصوم، وإنما هو من باب الوسوسة في الإيمان، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يقولونه عند ذلك. فمما ورد في ذلك ما جاء في صحيح مسلم: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به! قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. وفي رواية: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلق الله الخلق فمن خلق الله؟! فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله. وفي رواية: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟! فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان، معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فان استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك.. وقيل: معناه إن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فانه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة؛ بل يتلاعب به كيف أراد.
وبهذا تعلم معنى الحديث، وأن الصحابة لم يكونوا يسيئون الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما كانوا يستعظمون ما يجدون من وسوسة الشيطان في نفوسهم فأرشدهم إلى ما جاء في الحديث.
وأما كفارة سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم، فتكون بالتوبة النصوح إلى الله تعالى وتجديد الإيمان بالنطق بالشهادتين والإكثار من النوافل وأعمال الخير..
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 54310.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1428(1/2984)
سب الله تعالى على أي وجه كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[شعبي والعياذ بالله يسب لفظ الجلالة كثيرا ولكن عندما تسأل أحدهم كيف تسب الرب والعياذ بالله يرد عليك بأنها عادة أخذها من غيره من الناس منذ الصغر ولا يقصد بها الله عز وجل ولكن لفظ يخرج من لسانه بغير قصد عند العصبية. هل لهؤلاء الناس من توبة وخاصة أن الكثير منهم ملتزم بالصلاة ويخاف الله في شأنه كله. وكما أسلفت هناك العديد من الشعوب العربية لديها هذا اللفظ المشين فهل يؤاخذهم الله بهذا اللفظ أم تعتبر كلمة (الرب) كرب العائلة أو رب العمل. نرجو إفادتنا.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرت من تعود الناس على سب الرب تبارك وتعالى يعتبر بلية من أشد البلايا ورزية من أعظم الرزايا..
ثم إن أهل العلم قديما وحديثا اتفقوا على أن من سب الله تعالى على أي وجه كفر سواء كان مازحاً أو جاداً أو مستهزئا..
وقد سبق بيان ذلك بالأدلة من نصوص الوحي وأقوال أهل العلم في الفتويين: 71499، 23340، نرجو أن تطلع عليهما.
ولذلك فالواجب عليك أن تبادر بالنصيحة لهؤلاء المساكين وخاصة الذين يزعمون أنهم ملتزمون ويخافون الله،
ومن عاد إلى رشده وتاب إلى الله التوبة النصوح تاب الله عليه وتقبل توبته- إن شاء الله تعالى- فقد قال سبحانه وتعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1428(1/2985)
أحكام من سب الله ورسوله وهو غضبان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من سب الله ورسوله في لحظة غضب، وهل يعتبر الغضب مذهباً للعقل أو منقصاً منه، وهل هذا الشخص يخرج من الملة وتحرم عليه زوجته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن سب الله ورسوله خرج من الملة ولو كان في لحظة غضب ما لم يفقده الغضب عقله، وإذا حكم بردته فإنه يحال بينه وبين زوجته فوراً وينفسخ النكاح بمجرد ثبوتها على الراجح من أقوال أهل العلم.. وإليك تفصيل ذلك:
فسب الله تعالى وسب رسوله صلى الله عليه وسلم كفر أكبر مخرج من الملة، والساب يكفر بذلك ولا يعذر بجهل ولا بغضب؛ إلا أن يصل الغضب إلى مرحلة فقدان العقل فيتكلم بما لا يعقل كالمجنون، وإذا لم يصل إلى هذه الحالة فإن الساب يكفر والعياذ بالله، وانظر تفصيل هذا الكلام في الفتوى رقم: 33915، والفتوى رقم: 48551، والفتوى رقم: 16362.
وأما زوجته فقد أجمع العلماء على أن المرتد يحال بينه وبين زوجته المسلمة، جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد أحد الزوجين حيل بينهما، فلا يقربها بخلوة ولا جماع ولا نحوهما. انتهى.
ثم اختلفوا بعد ذلك في انفساخ العقد فوراً أو بانقضاء العدة، وقد بينا أقوالهم في فتاوى سابقة، فراجعها في الفتوى رقم: 94633.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1428(1/2986)
الترهيب من كتابة اسم الجلالة على النعل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس الأحذية التي تحمل علامة ''فيلا'' الغربية والتي تقرأ الله إذا عكست على المرآة، فهل هي من مكر اليهود أم محض مصادفات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على هذا النوع من النعل ... ولكن لا تجوز كتابة كلمة تقرأ على أنها اسم الجلالة على النعل أو غيره مما هو ممتهن وأحرى أن يلبس ويداس ... كما لا يجوز وضعه في مكان قذر أو تركه فيه إذا رآه فيه كما نص على ذلك أهل العلم، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة والأدلة وأقوال أهل العلم عن وجوب صيانة اسم الجلالة واحترامه في الفتوى رقم: 63910، والفتوى رقم: 73022 وما أحيل عليه فيهما، وأما كون هذا الفعل من دس اليهود أو كيدهم فليس عندنا في ذلك علم، ولا نرى أنه يجدر للمرء أن يخوض فيما لا علم له به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(1/2987)
بطلان نظرية التطور أو النشوء والارتقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم الاعتراف بنظرية التطور لما عدا الإنسان كتطور النبات والحيوان؟ جزاكم الله عنا كل خير وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نظرية التطور أو النشوء والارتقاء نظرية باطلة من أصلها وتناقض الشرع الحنيف، كما تباين العقل الصحيح. وقد فندها علماء المسلمين وغيرهم بالأدلة العقلية فضلاً عن الأدلة النقلية، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 4755.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1428(1/2988)
هل تقبل توبة ساب الصحابة الكرام رضي الله عنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نقبل اعتذار من سب صحابة الرسول الذين هم أطهر خلق الله بعد النبى صلى الله عليه وسلم، هل إلى هذا الحد هان علينا ديننا وربنا، يجيىء جاهل ويسب الصحابة أشهرا متتاليه ثم يقول بكل بساطة آسف وينتهي الموضوع، لا بد أن يكون هناك حدود لهذا الجاهل، هو صحفى فيجب فى مثل هذه الحالات حرمانه من الكتابات الصحفية طيلة عمره رغم أنه مسلم، ولكن من نحن لنقبل أو لنرفض الله وحده أعلم بنيته إن كان قد أخطأ فعلا عن دون قصد وأقر بخطئه ثم تاب، ولكن أين مراجعوا مثل هذه الكتابات، وقد يكون فعل ذلك عمداً من أجل الشهرة وما أحقرها بهذه الطريقة القذرة والدنيئة، أرجو توضيح رأيكم في ذلك الأمر ولا حول ولا قوة إلا بالله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن سب الصحابة من أكبر المنكرات، ومن أعظم الآثام، فإنه انتقاص لمن رفع الله قدرهم وأعلى شأنهم ومدحهم في كتابه بأحسن المحامد، وكذلك مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الطعن فيهم وسبهم تكذيب لله ورسوله، بل وطعن في دين الله تعالى، لأنهم هم الذين نقلوا إلينا هذا الدين، روى الحافظ المزي في كتابه تهذيب الكمال وأبو القاسم الشافعي في كتابه تاريخ مدينة دمشق عن أبي جعفر التستري قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح أولى بهم وهم زنادقة. انتهى. ولمزيد الفائدة في فضائل الصحابة انظر الفتوى رقم: 2429، ولمعرفة حكم من سب الصحابة راجع في ذلك الفتوى رقم: 36106.
ومن أقدم على مثل هذا الفعل فالواجب على ولي أمر المسلمين الأخذ على يده وتعزيره بما يتناسب وحاله بحيث يكون عبرة لغيره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: إن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وإن من سبهم وجب تأديبه وعقوبته ولا يجوز العفو عنه. انتهى.
ومن تاب تاب الله عليه، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجلين تنازعا في سب أبي بكر أحدهما يقول: يتوب الله عليه، وقال الآخر لا يتوب الله عليه؟ فقال في الجواب: الصواب الذي عليه أئمة المسلمين أن كل من تاب تاب الله عليه كما قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. فقد ذكر في هذه الأية أنه يغفر للتائب الذنوب جميعاً ولهذا أطلق وعمم وقال في الآية الأخرى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء. فهذا في غير التائب، ولهذا قيد وخصص، وليس سب بعض الصحابة بأعظم من سب الأنبياء، أو سب الله تعالى، واليهود والنصارى الذين يسبون نبيناً سراً بينهم إذا تابوا وأسلموا قبل ذلك منهم باتفاق المسلمين، والحديث الذي يروى: سب صحابتي ذنب لا يغفر. كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشرك الذي لا يغفره الله يغفره لمن تاب باتفاق المسلمين. انتهى المقصود.
ومن تمام توبة مثل هذا الصحفي المذكور بالسؤال أن يعلن البراءة مما كتب، وأن يبين فضل الصحابة وعلو منزلتهم، وبهذا يمكن معرفة مدى صدقه من كذبه في ادعاء التوبة، قال الله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {البقرة:160} ، قال ابن كثير في تفسيره: أي رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وبينوا للناس ما كانوا يكتمونه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(1/2989)
حكم من يسب الذات الإلهية ثم يتوب ثم يعود
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك رجال من عائلتي يشتمون الله والإسلام والعياذ بالله ولكن بعضهم يتوبون ويستغفرون ومنهم من يصلي لوجه الله ركعتين ولكن يعاودون سب الله والإسلام مرة أخرى وهكذا، نحن لا نعلم عن هذا الشيء بالنسبة لحكمه الشرعي وما هي النصيحة التي تقدمها لنا وما عقوبة هذا في الدنيا والآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على أن من سب الله تعالى أو سب الدين ومقدساته كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً، أو مستهزئاً، لقول الله تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ {التوبة:65-66} ، لكنه إذا تاب إلى الله تعالى فمذهب الجمهور أنه تقبل توبته، واشترط بعض العلماء لقبولها أن لا يتكرر ذلك منه ثلاث مرات، فإن تكرر ثلاثاً لم تقبل لدلالة التكرر على فساد عقيدته، وقلة مبالاته بدينه، ولكن القول بقبولها ولو تكررت أظهر، وقد دلت عليه ظواهر آيات كثيرة، وأحاديث صحيحة.
وبناء على ما ذكر فما قلت إن رجالاً من عائلتك يقومون به من شتم الله والإسلام يعتبر كفراً صريحاً والعياذ بالله، وقد علمت أقوال أهل العلم فيما ذكرته عن بعضهم من أنهم يتوبون ويستغفرون، ولكنهم يعاودون سب الله والإسلام مرة أخرى وهكذا ...
والذي ننصحك به حيال هؤلاء هو أن تتجنب مجالستهم إذا كانوا في حديث مثل هذا، وأن تنكر عليهم هذا المنكر بقدر استطاعتك، ثم لا تنس أن تبذل ما يمكنك من المساعي في هدايتهم وحضهم على التوبة وتفقيههم في أمور العقيدة الصحيحة، فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم، كما في الحديث الشريف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(1/2990)
حكم إهانة القرآن أو السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغفرالله تعالى لمن يهين كتابه أو كتابا يحوي سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل توجد آية أو حديث في هذا الصدد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن إهانة كتاب الله تعالى أو كتب سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن علم واختيار يعتبر كفراً مخرجاً من الملة وعلى من وقع في ذلك التوبة إلى الله تعالى، ومن تاب إلى الله تعالى توبة صادقة مستجمعه لشروطها فإن الله تعالى يتوب عليه ويغفر له مهما كان ذنبه ولو كان كفراً قال تعالى قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ. ... الآية" (الأنفال: 38) .
وقال تعالى:" {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [" (الزمر:53) .
وقال تعالى:" والَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيم " (الأعراف: 153) قال القرطبي " عملوا الكفر والمعاصي "
وأما من لم يتب من الكفر حتى مات عليه فقد أخبر الله تعالى في كتابه أنه لا يغفر له قال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين " (البقرة: 161)
وقال تعالى:" إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا " (النساء: 48) فعلى العبد أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى وليستبشر بالخير فإن الله تعالى أمر عباده بالتوبة ورغبهم فيها وأخبر أنه يحب التوابين.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 82417 والفتوى رقم: 85286. ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1428(1/2991)
حكم ادعاء المسلم الانتساب لملة غير ملة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم مقيم في كندا اضطررت لأن أدعي المسيحية للحصول على أوراق الإقامة، فما حكم ذلك شرعا، وهل أنا مرتد مع العلم بأن نيتي لم تتجاوز الحصول علي الإقامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن ادعاء المسلم الانتساب إلى ملة غير ملة الإسلام ليس بالأمر الهين، بل هو من الخطورة بمكان، فقد نص بعض أهل العلم على أن من ادعى ذلك في غير اليمين ارتد ولو كان هازلاً، قال الدردير في شرحه على خليل، وهو في الفقه المالكي: أو قال هو يهودي أو نصراني أو مرتد أو على غير ملة الإسلام إن فعل كذا ثم فعله، فلا شيء عليه، لكن يحرم عليه ذلك، فإن كان في غير يمين فردة ولو هازلاً. انتهى.
ولا ندري وجه الضرورة لأن تدعي أنك على ملة النصرانية، فالضرورة التي تبيح للمسلم النطق بكلمة الكفر أن يصل إلى حال يخشى فيه على نفسه القتل إن لم ينطق بكلمة الكفر، فحينئذ لا يكفر ما دام قلبه مطمئناً بالإيمان، فإن لم تكن قد وصل الأمر بك إلى هذه الدرجة فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى وعدم العود لمثلها في المستقبل، ونوصيك بالحرص على المحافظة على دينك والارتباط بإخوانك المسلمين، وحضور المحاضرات ودروس العلم التي تقام بالمراكز الإسلامية وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1428(1/2992)
الزوج الذي يسب المسلمين ويسخر من المصلين
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتوني جزاكم الله خيراً، زوجي يملك مقهى خمر ويرغمني أن أعمل معه ولا نملك أي مدخول آخر، بالإضافة إلى أنه يسب الإسلام والمسلمين ويسخر من المصلين وأنجبت 3 أطفال، فما هو حكم الشرع في هذا، وماذا أفعل في علاقتنا الزوجية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الزوج كما ذكرت يسب الإسلام والمسلمين ويسخر من المصلين، فهو مرتد -عياذاً بالله- ويجب عليك أن تفارقيه، لأن ما بينكما من النكاح قد انفسخ بردته، وصار أجنبياً عنك، ولا يحل لك أن تمكنيه من نفسك، والأصل في ذلك قوله تعالى في زوجات الكافرين: لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ {الممتحنة:10} .
وأما بالنسبة لأولادك فهم ينتسبون لأبيهم، سواء منهم من ولد فبل ردة أبيه أو بعدها، لكون الوطء الحاصل في حال الردة وطء شبهة يثبت به النسب ويسقط به الحد، وننصح برفع الأمر إلى بعض المراكز الإسلامية لتمكنك من مفارقته، وتقوم باستتابته لعل الله يهديه، علماً بأنه إذا تاب وظهر حسن إسلامه فله أن يراجعك ما دمت في العدة من انفساخ النكاح دون الحاجة إلى عقد جديد، أما بعد العدة فلا بد من تجديد العقد، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32208، 40649، 25456، 25611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(1/2993)
حكم اغتسال المرتد إذا تاب
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص سب الدين وسأل شيخا في الأزهر قال له الشيخ تشهد وتب أما الغسل فسنة قال الشخص لو فعلت هذا الذنب مرة اخرى سأغتسل.
هل أصبح الغسل فرضا عليه فى حالة لو فعل الذنب مرة أخرى؟
علما بأن الشيطان يأتيه فى الغسل مما يضطره إلى إعادة الغسل أكثر من مرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اغتسال المرتد سنة عند الأحناف والشافعية، وأوجبه الحنابلة والمالكية في قول عندهم. وأما قول الرجل سأغتسل فلا يوجب عليه شيئا. وعلى هذا الرجل أن يكثر الاستعاذة من الشيطان دائما، ويعمر وقته بما يشغل طاقته وذهنه عن نزغات الشيطان من تعلم علم نافع أو تكسب أو مجالسة للأصدقاء الملتزمين.
وراجع في خطورة سب الدين، وفي غسل المرتد الفتاوى التالية أرقامها: 33821، 68313، 76313، 76190، 75332، 71499، 65659، 21254.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1428(1/2994)
حكم رمي الأوراق المحتوية على قرآن في البحر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز رمى الآيات القرآنية المكتوبة على الورق برميها في البحر بدلا من إحراقها؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب أن تحفظ الاوراق التي تحتوي على الآيات القرآنية أو غيرها مما هو محترم أو تدفن أو تحرق أو تمزق تمزيقا لا تبقى معه كلمة في مكان واحد.
ولا ينبغي رميها في البحر لئلا تلقيها الأمواج على الشاطئ فتتعرض للامتهان والأقذار.
وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة في الفتويين: 63414، 26385، نرجو أن تطلع عليهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1428(1/2995)
من موانع الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإغلاق من موانع الكفر، في حالة الفرح، الحديث عن رجل فقد ناقته ثم وجدها فمن شدة الفرح قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك....... إلخ، وبالنسبة للغضب الحديث عن الأعرابي الذي قال: اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم معنا أحداً..... (هاجم الصحابة) . أريد التوضيح، فهل هناك خمسة أم أربعة موانع للكفر جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من موانع الكفر أن يصدر الكلام غلطاً لا يقصده قائله بسبب شدة الفرح أو الغضب، كذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين، ومن موانع الكفر أيضاً الإكراه والتأول والجهل، هذا وليعلم أن حديث الأعرابي ليس فيه ما يكفر به، وقد نقل ابن حجر في الفتح عن ابن بطال أنه أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي البخل برحمة الله على خلقه، فهذا هو الخطأ الذي وقع فيه الأعرابي، فخالف ما رغب فيه الشارع من علو الهمة في الدعاء، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية في موانع التكفير وضوابطه: 60824، 721، 8106، 53835، 75718، 20345، 21800، 10062.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1428(1/2996)
حكم إنكار العين وأن لها تأثيرا في المحسود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اعتقاد تأثير العين في المحسود تعد مسألة دينية يجب اعتقادها، أو أنها قضية دنيوية وما حكم منكرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 16755 أن العين حق وأن لها تأثيراً مع بيان ما يدل على ذلك من القرآن والسنة، ثم إن اعتقاد تأثير العين من جملة تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به وذلك واجب على كل مسلم، أما من أنكر العين أو تأثيرها مع علمه بالأحاديث الواردة فيها فهو فاسق والعياذ بالله تعالى، ولا نحكم عليه بالردة لأنه لم ينكر معلوماً من الدين ضرورة ولا ما ثبت بدليل قطعي.
قال في الشرح الصغير على أقرب المسالك في الفقه المالكي في باب الردة: أو أنكر مجمعاً عليه كوجوب الصلاة أو تحريم الزنا أو حل مجمع على عدم إباحته مما علم من الدين ضرورة بكتاب القرآن أو سنة متواترة، فلا يكفر بإنكار إعطاء السدس لبنت الابن مع البنت وإن كان مجمعا عليه لعدم علمه ضرورة، ولا بإنكار خلافة علي رضي الله عنه ونحوه، أو وجود بغداد، لأنه ليس من الدين ولا يتضمن تكذيب قرآن، بخلاف إنكار المسجد الحرام أو الأقصى أو فرعون من كل ما جاء به القرآن وعلم من الدين ضرورة. انتهى، إلا أن يقصد بإنكاره تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فيكفر والعياذ بالله.
ففي الموسوعة الفقهية ما نصه: وكذلك يعتبر مرتداً من اعتقد كذب النبي صلى الله عليه وسلم في بعض ما جاء به، ومن اعتقد حل شيء مجمع على تحريمه، كالزنا وشرب الخمر، أو أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 19084، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 43160، 12505، 43013.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1428(1/2997)
هل يثاب الكافر على ما فعل من خير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يثاب الكفار على فعل الخير، بدليل قوله تعالى: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما عمله الكفار من أعمال الخير يثابون عليه في الدنيا وليس لهم في الآخرة من نصيب، كما قال الله تعالى في شأنهم: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {الفرقان:23} ، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. وانظر للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 4416.
وأما معنى الآية الكريمة فيفهم من بداية سياقها وهو قول الله تبارك وتعالى: لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ {آل عمران:113} ، ففي تفسير ابن كثير: أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم، أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب، وهؤلاء الذين أسلموا، ولهذا قال الله تعالى: لَيْسُواْ سَوَاء. أي ليسو كلهم على حد سواء، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم، ولهذا قال تعالى: مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ. أي قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه، متبعة نبي الله، فهي قائمة يعني مستقيمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون أي يقومون بالليل ويكثرون التهجد، ويتلون القرآن في صلواتهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله، ولهذا قال تعالى ههنا: وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ. أي لا يضيع عند الله، بل يجزيهم به أوفر الجزاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1428(1/2998)
حكم من يقول ببعث الروح دون الجسد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحكم بكفر من يقول بالبعث بالروح فقط أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول ببعث الروح دون الجسد يوم القيامة كفر بالله وتكذيب للقرآن، وقد ذهب إلى هذا القول بعض الفلاسفة. قال الشيخ حافظ الحكمي في كتابه معارج القبول: وكان الفارابي هذا قبحه الله يقول بالمعاد الروحاني لا الجثماني، ويخصص بالمعاد الأرواح العالمة لا الجاهلة، وله مذاهب في ذلك يخالف المسلمين والفلاسفة من سلفه الأقدمين، وتحمل ذلك عنه ابن سينا ونصره، وقد رد عليه الغزالي في تهافت الفلاسفة في عشرين مجلسا له، كفره في ثلاث منها وهي قوله: بقدم العالم وعدم المعاد الجثماني، وقوله إن الله لا يعلم الجزئيات وبدعه في البواقي. اهـ
وراجعي لمزيد الفائدة الفتويين: 57828، 68414.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1428(1/2999)
حكم الساب لشعيرة الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من سب فعل الوضوء نتيجة لحظة ضجر من الوضوء قبل أن ينتبه أن الوضوء يعتبر من أمور الدين، فهل يكفر بهذا، وماذا يجب عليه في حال كفره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوضوء شعيرة من شعائر الإسلام، وخصلة من خصال الخير، وواحد من الأحكام التي ورد بها الشرع، وأعلى من شأنها، ومما ورد في فضل الوضوء ما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء. وروى مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذالكم الرباط.
فإذا كان الوضوء بهذه المنزلة والفضل فكيف يجرؤ مسلم على سبه، ومن سبه قاصداً الشعيرة نفسها فإن فعل ذلك فإنه يكفر، قال العلامة عليش -وهو من علماء المالكية-: يقع كثيرا من بعض شغلة العوام كالحمارة والجمالة والخدامين سب الملة أو الدين، وربما وقع من غيرهم، وذلك أنه إن قصد الشريعة المطهرة، والأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهو كافر قطعاً. انتهى.
فعلى هذا الساب أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، وأن يكثر من عمل الصالحات، عسى ربه أن يكفر عنه سيئاته، وأما إن قصد أمراً آخر لا علاقة له بسب الشعيرة نفسها فلا يكفر، ولكن ربما تكون في عثرات اللسان كثير من المهالك، ومن هنا ننبه إلى خطورة اللسان، وأن الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه، ونرجو أن تراجع الفتوى رقم: 57865، وكذلك يجب على المسلم أن يحرص على ضبط النفس عند الغضب. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 58964.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1428(1/3000)
موقف الطلاب من ساب الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[قام أحد الطلاب في إحدى الجامعات بسب الرسول صلى الله عليه وسلم ما الحكم في ذلك؟ ومن يصدر الحكم بشأن الطالب؟ ما هو الدور المتوجب علينا نحن كطلاب؟
وهل يستتاب إذا توضأ وصلى ركعتين أفيدونا جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب الرسول صلى الله عليه وسلم كفر كما نقل الإجماع على غير واحد وحكم صاحبه القتل كما ذكره شيخ الإسلام وابن القيم وعياض وغيرهم.
ولكن هذا الحد لا يطبقه إلا ولي أمر المسلمين أو نائبه، وأما الطلاب فعليهم مناصحة زميلهم والتناصح فيما بينهم وحض بعضهم بعضا على الأعمال الصالحة.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 37443، 44469، 1845، 17316، 72152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1428(1/3001)
حكم منكر البعث واليوم الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في من لا يؤمن باليوم الآخر ولا يؤمن بالبعث؟؟ هل يعد كافرا؟؟ وما هي أفضل طريقة للتعامل معه؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن لم يؤمن باليوم الآخر أو بالبعث هو في أكبر دجات الكفر، والعياذ بالله.
والإيمان باليوم الآخر مقرون بالإيمان بالله، فمن لم يؤمن باليوم الآخر لم يكن مؤمنا بالله. وقد ورد الارتباط بين الإيمان بالله واليوم الآخر في أماكن كثيرة من الكتاب والسنة. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا {النساء:38} . وقال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ {البقرة: 177} . وقال تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ {التوبة:29}
وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث جبريل المشهور: ... قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره، قال: صدقت.
وأما التعامل معه فإنه يكون مثل التعامل مع سائر الكفار، فيدعى إلى الإسلام، وإلى التوبة مما هو فيه من الشرك، وإذا تيقن الداعي له أنه لا يستجيب وجب ابتعاده عنه لئلا يفسد عليه دينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1428(1/3002)
هل يكفر من زعم أنه رأى صورة ميت على القمر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الإنسان إني رأيت صورة فلان من الناس على القمر بعد موته وذلك بقدرة الله جل وعلا وصدقه الناس أو قاموا ونظروا معه إلى القمر وربما تخيلوا الصورة وظنوا أنهم شاهدوها وقالوا نعم هذا الكلام صحيح مقرين أن ذلك بقدرة الله، هل هذا الاعتقاد أو العمل يقدح في عقيدة المسلم مع أنه يقول قد يحدث ذلك بقدرة الله سبحانه وتعالى وإن الله على كل شيء قدير.
أفيدونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وبارك الله فيكم.
أخوكم في الله عباس العباسي من العراق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم المقر لله بصفات كماله وقدرته والمؤمن بما جاءت به رسله لا يمكن أن يكفر إلا إذا صدر منه ما يناقض الإيمان من معتقدات باطلة.
وأما زعمه أنه رأى شخصا ما على حالة ما فإنه لا يكفر به، إلا أن ذلك لا يمكن أن يحمله على الغلو في الشخص الذي رآه بتلك الحالة.
كما لا يمكن الجزم بما رآه لأن الأموات بينهم وبين الأحياء برزخ وحاجز يحجب أمورهم عن أهل الدنيا، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 69893، 66327، 66324، 64759.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(1/3003)
حكم الاستهزاء بأحكام الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل من تكلم مازحا بكلام وبعد الانتهاء منه انبته لنفسه بأن هذا الكلام فيه استهزاء بحكم من أحكام الإسلام؟ مع العلم أني عندما انتهيت من الكلام لم أعرف أكان في نيتي الاستهزاء أم لا؟ هل أنطق بالشهادتين وأغتسل حيث إن الاستهزاء بالإسلام كفر أم ماذا أفعل؟ أرجو عدم إحالتي لأسئلة سابقة فقد سألت قبل ذلك سؤالا خاصا بهل الدخول في الاسلام لمن فعل مكفرا يوجب الغسل أم لا وتم إحالتي لأسئلة سابقة ووجدت أن أحد الأسئلة كانت إجابته توجب الغسل للمرتد، والسؤال الآخر كانت الإجابة بعدم وجوب الغسل للمرتد؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائلة لم تذكر لنا كلامها حتى نعلم هل هو مما يكفر به أم لا؟ والاستهزاء بأحكام الدين يكفر به من وقع منه عامدا؛ لقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 65 ـ 66} قال ابن قدامة في المغني: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أو جادا، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه ... اهـ.
هذا.. وننبه إلى أن من دخل في الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين، فعلى العبد أن يخاف من الوقوع في الشرك وأن يبتعد عنه أشد البعد، ولكن لا ينبغي أن يكون موسوسا كلما حصل منه شيء اتهم نفسه بالكفر، وأما غسل المرتد ففيه خلاف بين العلماء قديما، والفتاوى نقلت خلافهم، وراجعي للمزيد فيما ذكرنا الفتاوى التالية أرقامها: 42714، 26193، 721.
ولله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(1/3004)
أول من كفر بالله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول من كفر بالله تعالى؟ أرجو الرد السريع؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود أول من كفر بالله تعالى من المخلوقات فلم نقف على دليل صريح من الكتاب أو السنة في ذلك، وقد اختلف أهل العلم في إبليس هل كان أول من كفر؟ على قولين حكاهما القرطبي في تفسير قول الله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {البقرة: 34} فقيل كان إبليس أول من كفر، وقيل كان قبله قوم كفار وهم الجن الذين كانوا في الأرض.
وأما إن كان المقصود أول من كفر من بني آدم فقد يكون قابيل ابن آدم أول من كفر على القول بأنه كان كافرا، وذلك أن أهل العلم اختلفوا في كونه مؤمنا أو كافرا، فمنهم من قال كان كافرا واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ {المائدة: 29} وأصحاب النار الذين هم أهلها وخالدون فيها هم الكافرون، ورجح القرطبي في التفسير أنه لم يكن كافرا وإنما كان رجل سوء طوعت له نفسه قتل أخيه، كما أن قوم نوح عليه السلام هم أول من كفر من الناس جملة على ما يظهر، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ {البقرة: 213} قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الشريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين ... رواه ابن جرير، ومثله عن مجاهد وقال: فكان أول من بعث نوحا.
ولا يمكن الجزم بأن أحدا بعينه كان أول من كفر لعدم ورد نص صريح في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1427(1/3005)
هل يقتل ساب الرسول ومن الذي يتولى ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو جزاء من يستهزئ بالله ورسوله، والرجاء توضيح هذا الحديث (عندما وجدت امرأة مقتولة فسأل الرسول عن قاتلها فقام رجل أعمى وقال أنا. قال لأنها كانت تسبك فنهيتها فلم تفعل، فرد الرسول ألا وقد دمها قد هدر) فلم يعاقبه الرسول. وأيضا توضيح معنى هدر، وهل يقتل من سب الرسول أي أحد إذا رفض ولي الأمر ذلك على سبيل ما حدث في السودان. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كانت أم ولد لرجل كان له منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم فينهاها ولا تنتهي ويزجرها ولا تنزجر، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم فما صبر أن قام إلى مغول فوضعها في بطنها ثم اتكأ عليها حتى أنفذها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن دمها هدر.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
ومعنى دمها هدر أنه باطل قال ابن الأثير في النهاية: يُقال ذَهَب دَمُه هدرا إذا لم يدرك بثأره. ومنه الحديث من اطلع في دَارِ قَوْمٍ بَغَير إذن فَقَد هَدَرَت عَيْنُه أي إنْ فَقَأُوها ذَهَبت بَاطِلة لا قَصَاص فِيها ولا دِيَة يقال هَدَرَ دَمُه يَهْدِر هَدْراً أي بَطَلَ وأهْدَره السلطان. اهـ
والحديث يدل على مشروعية قتل الساب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو مذهب كثير من أهل العلم، وحكموا عليه بالردة ولكنه لا يقتله إلا السلطان أو من يقوم مقامه، لأن افتيات غير السلطان قد يسبب من انفلات الأمور والفوضى ما يصعب التحكم فيه، ويجر فسادا أعظم فتعين تحري عامة الناس في الموضوع ارتكابا لأخف الضررين، ودفعا لعظمى المفسدتين بارتكاب أدناهما، لأن ارتكاب أخف الضررين وأهون المفسدتين متعين تفاديا للضرر الأكبر المحتمل حصوله، قال الشوكاني في النيل: وفي حديث ابن عباس وحديث الشعبي دليل على أنه يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نقل ابن المنذر الاتفاق على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم صريحا وجب قتله. ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء. فلو تاب لم يسقط عنه القتل حد قذفه، وحد القذف لا يسقط بالتوبة. وخالفه القفال فقال: كفر بالسب، فسقط القتل بالإسلام. وقال الصيدلاني: يزول القتل، ويجب حد القذف. قال الخطابي: لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما. وقال ابن بطال: اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم. فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك: يقتل من سبه صلى الله عليه وسلم منهم إلا أن يسلم. وأما المسلم فيقتل بغير استتابة. ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي وأحمد وإسحاق مثله في حق اليهود ونحوه. وروي عن الأوزاعي ومالك في المسلم أنها ردة يستتاب منها. وعن الكوفيين إن كان ذميا عزر، وإن كان مسلما فهي ردة. وحكى عياض خلافا هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف؟ ونقل عن بعض المالكية أنه إنما لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون له: السام عليك، لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك، ولا أقروا به، فلم يقض فيهم بعلمه. وقيل: إنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم. وقيل: إنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذي لا بد منه، ولذلك قال في الرد عليهم: وعليكم، أي الموت نازل علينا وعليكم. فلا معنى للدعاء به. أشار إلى ذلك القاضي عياض. وكذا من قال السأم بالهمز بمعنى السآمة هو دعاء بأن يملوا الدين، وليس بصريح في السب. وعلى القول بوجوب قتل من وقع منه ذلك من ذمي أو معاهد فترك لمصلحة التأليف هل ينتقض بذلك عهده محل تأمل. واحتج الطحاوي لأصحابه بحديث أنس المذكور في الباب، وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكانت ردة. وأما صدوره من اليهود فالذي هم عليه من الكفر أشد، فلذلك لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، فمن سبه منهم تعدى العهد، فينتقض، فيصير كافرا بلا عهد، فيهدر دمه إلا أن يسلم ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلما لم يقتلوا، لأن من معتقدهم حل دماء المسلمين، ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلما قتل. فإن قيل: إنما يقتل بالمسلم قصاصا بدليل أنه يقتل به ولو أسلم، ولو سب ثم أسلم لم يقتل. قلنا: الفرق بينهما أن قتل المسلم يتعلق بحق آدمي فلا يهدر، وأما السب فإن وجوب القتل به يرجع إلى حق الدين فيهدمه الإسلام. والذي يظهر أن ترك قتل اليهود إنما كان لمصلحة التأليف، أو لكونهم لم يعلنوا به، أو لهما جميعا، وهو أولى، كما قال الحافظ.
وأما المستهزئ بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافر يستحق القتل لقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ {التوبة:65-66}
ونعود فنؤكد أنه إنما يتولى مثل هذا النوع من الحدود والتعزيرات هو السلطان أو نائبه وليس عامة المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1427(1/3006)
حكم سب دين الجماد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسب دين الجماد؟ هل يستوجب الاغتسال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من سب دين الإسلام يعتبر مرتدا يجب عليه الرجوع للإسلام والتوبة، ويجب عليه الغسل عند كثير من أهل العلم. كما بيناه في الفتاوى التالية أرقامها: 68313، 55063، 33821، 48551، 47738.
وأما سب دين الجماد فإن قصد به صاحبه سب ما اعتادت عليه الجمادات كالسيارات أو الأجهزة مثلا فإنه لا يكفر به ولا يجب به الاغتسال، ولكننا ننبه إلى أن هذا النوع من السب يتعين البعد عنه، لأن المسلم ليس من شيمته السب واللعن، ثم إنه يتعين أن يعلم أن الجمادات خلق من خلق الله وهي خاضعة ومسبحة وقانتة لله، فما هي عليه من الخضوع والطواعية لله تعالى يحرم سبه ويخشى على صاحبه من الردة إن قصد بقلبه سبه.
وراجع الفتوى رقم: 53862، والفتوى رقم: 53336.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1427(1/3007)
لا تجوز مجالسة من يسب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من فلسطين وكنت أذهب إلى بيت خالتي عند أبنائها للعب معهم وقد كان عمري 22 عاماً، وكانوا يسبون الذات الإلهية دائماً، وقد كنت أغضب وأستغفر الله كثيراً ثم أذهب عنهم، وكنت أتردد كثيراً عليهم.. حتى صارت الشتائم أسمعها في أذني وكأنه يوسوس إلي وأنا لست عندهم صار يخيل إلي أنه يوجد أحد يشتم الله والدين وذهبت إلى الطبيب النفسي حينها، ولكني لم أستجب إلى علاجه، ولكن بقدرة الله نسيت هذه المسألة تدريجياً لكنها عادت إلي الآن، وأنا عمري 28 عاماً وأنا متضايق جداً منها، والآن ألجأ للقرآن والصلاة، ولكن لا أعلم لست مرتاحاً، فماذا أفعل وهل علي إثم؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شتم الله تعالى من أقبح وأشنع المكفرات القولية، وقد أجمع العلماء على كفر من سب الله تعالى، ولا تجوز مجالسة الساب ولا إقراره بل الواجب إنكار منكره بقدر الاستطاعة.
وأما ما تتخيل سماعه فعليك بالانشغال عنه بما يفيد من تعلم علم ومجالسة لأهل الخير وسعي فيما ينفع من شغل مفيد أو ترفيه مباح، ولا مانع أن تراجع بعض الأطباء النفسانيين وتستجيب لتوجيهاتهم لعل الله ينفعك بهم، ويمكن أن تراجع قسم الاستشارات النفسية والطبية بالشبكة، ولا تنس أن تبذل ما يمكنك من المساعي في هداية أقاربك وحضهم على التوبة وتفقيههم في أمور العقيدة الصحيحة، فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم؛ كما في حديث البخاري، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35563، 8927، 73924، 71499، 68385، 75046، 51601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1427(1/3008)
السخرية من الأوامر الشرعية والضحك من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[كان أبي في نقاش معى يحاول أن يقنعنى أن أخفف لحيتي لأنه يرى الضرورة في ذلك وخلال النقاش قال بعض التعبير التي أود أن أستفسر عنها، قال إن الله لن يقيس لحيتك بالميكرسكوب وإذا كانت قصيرة سيلقيك في الدرك الأسفل فلم أتمالك نفسي وضحكت مما قال، قال لو أن اللحية أمر أساسي من الدين وليس كماليات لقال الله (أقرأ بسم ربك الذى خلق* أعفوا اللحى حتى تصل إلى الأرض) أو قريب من ذلك فلم أتمالك نفسي وضحكت أيضا، وقال إن "العلماء أستطاعوا أن يجدوا حلا للربا رغم الوعيد الشديد ألم يستطيعوا أيضا أن يجدوا حلا للحية" فلم أتمالك نفسي وضحكت أيضا، والسوال هو: هل ضحكي مما قال يعد كفرا وردة مخرجة من الملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ما كان ينبغي لك أن تضحك من مثل هذه الأقوال التي تظهر منها السخرية والاستهزاء بالحساب وبالسنة ... فالمسلم إذا رأى منكراً أو سمعه فالواجب عليه أن ينكر ذلك بوسيلة من وسائل الإنكار المبينة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
فأضعف الإيمان أن تنكر بقلبك ويتمعر وجهك عندما يسخر من الدين أو يستهزأ بتعاليمه, وهذا الذي حصل منك يدل على ضعف في الإيمان، وعليك أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره، ونرجو ألا يصل ذلك إلى الردة والكفر المخرج من الملة ما دمت لم ترض من السخرية من الدين وتعاليمه.
أما ما قاله أبوك فإنه يعتبر كلاماً خطيراً ويدل على ضعف الإيمان والاستهتار بالدين وبتعاليمه وبالسخرية من السنة والتقليل من شأنها ... وعلى أبيك أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى.
وعليه إذا أراد المناقشة في أمر ما أو إقناع من يريد إقناعه أن يستخدم في ذلك أسلوباً غير هذا الأسلوب الممجوج الذي يلجأ إليه بعض الجهلة عندما يعجزون عن الإقناع بالحجة والبرهان، والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى والمبادرة إلى التوبة هو أن تنصح أباك بأحسن أسلوب, وتبين له خطورة الاستهزاء بالدين وبتعاليمه. كما نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 42846، 60843، 5642 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1427(1/3009)
يحرم وضع الصور التي ترمز إلى شعارات الكفر في المنتديات وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[وضعت في إحدى المنتديات صورة إيزيس وماعت الشهيرة الموجودة على مقبرة حتشبسوت إذ تضع ماعت الشمس فوق رأسها كما اعتاد المصريون القدماء تصويرها وتجلس على كرسي، وتجلس أمامها على الأرض إيزيس باسطة جناحيها في مكان الصورة الرمزية للعضو، فما هو حكم وضع هذه الصورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز وضع تلك الصورة ونحوها من الصور المحرمة بالمنتديات ولا بالبيت أو غيره لأنها صور ورسوم محرمة ترمز إلى بعض شعارات الكفار وعباداتهم الباطلة، وفي تعليقها تعظيم لها، فلا يجوز، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 57783.
وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 69920، 680.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1427(1/3010)
خطورة الوقوع في سب النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أتاني أخي وزوجته يوم الأحد وخرج زوجي للتحدث معهم وفي سياق الحديث تحدثت الزوجة عن الرسول صلى عليه وسلم وقد قالت عنه كلاما منه أنه غير منزه ونالت من عرضه ذلك في سياق نقاش عن الأديان.
فلم أستطع سماع هذا فخرجت وصرخت فيهم وطردت الأخ والزوجة من بيتي شاتمة إياهم بالأخص شتمت أب الزوجة المتوفى فتسبب هذا في أزمة عائلية.
طُلب مني الاعتذار عن الشتم ولكن ماذا عن الحديث الذي دار حول الرسول صلى عليه وسلم؟
ما هو رأيكم وهل من كفارة علي أو عليهم؟
... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نيل هذه المرأة من النبي صلى الله عليه وسلم منكر فظيع يجب إنكاره ولا حرج في الرد عليها بالشتم، وأما شتم أبيها فهو محرم؛ إذ لا تزر وازرة وزر أخرى، ومثله الأخ زوجها إن كان لم يصدر منه مشاركة في النيل من النبي صلى الله عليه وسلم.
وبناء عليه.. فإن الاعتذار عن شتم الوالد والأخ إن كان لم يشارك لإزلة الأزمة العائلية أمر مهم حتى يحصل الإصلاح بين الناس، وقد كان الأولى بك أن تنصحي زوجة أخيك أولاً برفق وتبيني لها خطورة ما قالته وتعليمها إن كانت جاهلة لعلها تتوب وتنيب إلى الله، ويمكن الآن مناصحتها فإن تابت فلا بأس بالاعتذار لها وبيان أنك إنما انفعلت عليها انتصارا للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لو كانت الحدود الشرعية مطبقة لتم قتلها لآن حد ساب النبي صلى الله عليه وسلم هو القتل. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 1845 / 31456 / 1327.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1427(1/3011)
كيفية التخلص من آفة الإلحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل من بلي بالإلحاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى من بلي بالإلحاد أن يستهدي الله تعالى ويتضرع إليه ويدعوه في السجود وساعات الإجابة أن يشرح صدره للهدى ويبعد عنه الشكوك، وأن يبذل قصارى جهده في هداية قلبه للحق فيتأمل في آيات الله الكونية والمتلوة وفي دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته فيقرأ سيرته ومعجزاته، ويستعين بالعلماء الربانيين في جواب الشبه التي يوردها الشيطان على قلبه. وأن يبتعد عن الانسياق وراء التفكير في هذه الشبه كثيرا بل يشغل نفسه في التلاوة ومطالعة كتب الرقائق والسير ويجالس أهل العلم، وليطالع كتاب العقيدة في الله للدكتور عمر الأشقر وكتاب الإيمان للشيخ الزنداني. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 63082 / 71644 / 28751 / 70657.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1427(1/3012)
مراتب الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ. فهل معنى ذلك أن الكفر يزيد وينقص كما أن الإيمان يزيد وينقص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الآية أن إنساء الشهر الحرام وتأخيره إلى شهر آخر زيادة في الكفر أي معصية من معاصيهم المنضمة إلى كفرهم بالله ورسله؛ كذا قال الشوكاني في تفسيره. ولا شك أن الكفار قد يكون بعضهم أشد إجراماً من بعض نظراً لما يقترفه من ادعاء الربوبية كما حصل من فرعون، أو من الدعوة للكفر كما حصل من إبليس ومن تابعه، أو لما يقترفه من الظلم وإيذاء الناس وتحريم الحلال وتحليل الحرام.
وقد يخف مستوى الكفر حتى يصل إلى درجة الكفر الأصغر الذي لا يخرج به صاحبه من الملة، وهذا خاص بمن معه أصل الإيمان، دون أن يأتي بناقض من نواقض الإيمان، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 38537، والفتوى رقم: 16495.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1427(1/3013)
هل يعذر من سب الدين جاهلا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال (يحرق ملتكم) وهو لا يعرف معناها حيث كان يسمعها من والده فعندما عرف معناها تاب إلى الله توبة نصوحا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الكلمة أقل ما يمكن أن يقال عنها هو أن فيها استهزاء بالدين, والاستهزاء بالدين كسبه, وسبه يكفر به صاحبه ولا يعذر بجهل حكمه، وأما من كان لا يفهم معنى الكلام فإنه لا يدخل في ذلك فهو أشبه بمن نطق كلمة أعجمية لا يفهم معناها، وبما أن هذا الشخص تاب توبة نصوحاً بعد ما فهم معنى الكلمة، فنرجو الله ألا يؤاخذه بما فات. وعليه أن يحرص على حفظ لسانه مما لم يتأكد أن فيه خيراً عملاً بالحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. متفق عليه.
وعلى طلاب العلم أن يسعوا قدر المستطاع في تعليم العامة التوحيد وعلوم الدين, وأن يحذروهم من الألفاظ الدارجة على الألسن المخالفة للشرع. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 133، 57611، 52463، 50065.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1427(1/3014)
قول كلمة الكفر بقصد إغاظة الوالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أني أكره أهلي والأخص والداي كرها شديدا جداً وأحس أنهم سبب كل مشاكلي.. فأعاملهم بقسوة وبشدة، وأدعو عليهم دائماً بالموت، وما أحب أعمل أي شيء حسنا أمامهم، حتى صلاتي أصليها لما يكونوا نائمين أو مشغولين ما ينتبهوا أني أصلي، ودائماً أقهرهم وأحكي لهم كلام كفر أمامهم لكن بداخلي أستغفر الله من هذا الحديث، لكن المشكلة أني غير قادرة أن أعيش معهم, أكرههم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما تفعلينه لا شك أنه غلط عظيم، مهما كان السبب الدافع إليه، وماذا نقول لك وقد جمعت -غفر الله لك- بين عقوق الوالدين وقول كلمة الكفر والاعتداء في الدعاء، واعلمي أن قول كلمة الكفر لتغيظي والديك يعتبر خروجاً من ملة الإسلام، ولو كان قصدك هو إغاظتهما لا الكفر، وانظري الفتوى رقم: 1327، والفتوى رقم: 71499.
ولذا فعليك أن تجددي إسلامك وتنطقي بالشهادتين، وتتوبي إلى الله تعالى من عقوق الوالدين, وتسعي في حل الإشكالات التي بينك وبين أهلك بعقل وحكمة وأدب، وتذكري أنك منتقلة من دار الغرور إلى دار الحساب والجزاء، وأنك ستحاسبين على أعمالك، فماذا أنت قائلة لربك، واعلمي أن الموت قد يأتيك في أي لحظة، قال الله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ {لقمان:34} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(1/3015)
الجلوس على طاولة قريبة ممن سب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أسأل عن ثلاثة شباب ذهبوا إلى المطعم الجامعي الذي هو عبارة عن قاعة كبيرة صفت فيها الطاولات والكراسي، أخذوا العشاء واختاروا مكانا ثم سمعوا أحد الطلبة بالقرب منهم يسب الله أي على الطاولة التي تليهم فقام أحدهم وغادر المكان مباشرة وبقي الآخران لكن ابتعدا قليلا أي تركا بينهام وبين الذي كفر طاولتين بحيث ظنا أن ذلك اجتهاد منهما والحقيقة أنه لو رفع صوته في حديثه لسمعوه فهل يعتبر هذا تطبيقا لقوله تعالى: \" فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره؟
وجزاكم الله عنا خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القاعات الكبرى تعتبر كل طاولة منها مجلسا، وبالتالي فإن الظاهر أن المجالسة إنما تكون إذا كنتم جالسين مع هذا المجرم الساب على طاولة واحدة، وإذا حصل بعدكم عنه مسافة عدة طاولات فأنتم بذلك غير مجالسين له، ولكنه يجدر التنبيه إلى أن الأصل هو إنكار منكر الساب والرد عليه بالحكمة وعدم اللجوء للفرار عنه إلا عند العجز عن الإنكار أو خوف حصول مضرة معتبرة، وراجع في هذا الفتاوى التالية أرقامها: 36372، 21461، 11421، 9358، 44641، 5575.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(1/3016)
مصير الكفار يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الجزاء ووفقكم الله، اختلفت أنا وصديقي في مصير النصارى يوم القيامة أهم إلى النار إلى الأبد أم لا، أخبرته أنهم إلى نار جهنم وبئس المصير خالدين فيها استناداً للآيات، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85) ، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة:72) ، فالنصارى يشركون بالله وبذلك تنطبق عليهم، لكن أود أن أسألكم كيف نفسر هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:62) ، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (المائدة:69) ، سؤالي هو: كيف نستطيع أن نوفق بين هذه الآيات، أما سؤالي الثاني: أين سيكون مصير العرب الذين ماتوا قبل بعثة الرسول الكريم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم أمثال أبيه عبد الله وأمه آمنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمصير الكفار من النصارى الخلود الأبدي في نار جهنم ويدل لهذا قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا {البينة:6} ، وقول الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} ، وقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا {النساء:150-151} .
وفي حديث مسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. وراجع للتوفيق بين ما قررناه وبين آيتي البقرة والمائدة الفتوى رقم: 24670، وراجع في جواب السؤال الثاني الفتوى رقم: 49293.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1427(1/3017)
جزاء المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو جزاء من تطاول على شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 44469، 64301، 71536.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1427(1/3018)
حكم الاستهزاء بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تعتبرون الصور الكريكاتيرية المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا على وجه التحديد المقصود من سؤالك، ويبدو أنك تقصد: ماذا تعتبر هذه الصور التي تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان الأمر كذلك نقول إن هذا يعتبر كفراً بالله تعالى، وكفراً برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة:65-66} ، ومن فعل ذلك من الكفار فقد ازداد كفراً إلى كفره، ورجساً إلى رجسه، ونحيلك للمزيد من الفائدة إلى الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71536، 71469، 71673، 71423.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1427(1/3019)
إنكار الشفاعة ووسم الإسلام بأنه يعلم الإرهاب
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم من أنكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامه هل كفر؟ أيضا أن الإسلام هو من علمنا الإرهاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم منكر الشفاعة في الفتوى رقم: 61360، فانظره، وأما من سب الدين ووصفه بما لا يليق من المعاني السيئة فهو كافر ولو كان لاعبا، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 65 ـ 66} وقائل تلك العبارة إن كان يقصد بها المعنى السيء المذموم للإرهاب كقتل البريء، وقطع الطريق ونحوه، فهو كاذب وكافر، ولكن لا يجوز الحكم على معين بالكفر إلا بعد توفر شروط ذلك وانتفاء موانعه، وانظر الفتويين رقم: 721، 8106.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1427(1/3020)
بين إهانة المصحف والاستهزاء بسيد المرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يافضيلة الشيخ هو: لماذا عندما أهين المصحف الشريف من قبل أعداء الأمة رأينا ردود فعل ضعيفة بالمقارنة مع الردود على الإهانة التي تعرض لها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؟
والعزة لله ورسوله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أنه قد وجد شيء من الاختلاف في قدر ردة الفعل تجاه ما نقل عن بعض أهل الكفر من إهانتهم المصحف الشريف، وما ثبت من صورمهينة تسيء إلى شخص رسوله صلى الله عليه وسلم وتنال من مقامه الشريف، ولعل من ضمن أسباب هذا الاختلاف في ردة الفعل، أن الأول- وهو أمر إهانة المصحف الشريف- لم يتعد كونه خبرا لم يتسن التأكد من ثبوته، إضافة إلى أن الجهات المسؤولة عمن نقل عنهم فعل ذلك قد استنكرت حدوث هذا الأمر ووعدت بالتحقيق فيه، فكان لهذا أثر كبير في امتصاص ردة فعل المسلمين تجاه هذا الخبر، ومع هذا فقد وجد شيء من الاستنكار من قبل المسلمين.
وأما أمر الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت وقوعه بإقرار فاعليه، والإقرار هو أقوى البينات، إضافة إلى أن الصور الساخرة أبلغ في الدلالة على الاستهزاء والتأثير على من يطلع عليها، وانضم إلى هذا رفض الجهة التي أصدرت هذه الصور الاعتذار للمسلمين، وكذا رفض الجهات المسؤولة في تلك الدول الاعتذار رغم المحاولات المتكررة التي امتدت لبضعة أشهر.
وأما تعظيم المسلمين للقرآن ومعرفتهم قدره وعلو شأنه فأمر ثابت لا ينكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1427(1/3021)
المقصود بالإلحاد وحكم الملحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الإلحاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الطبري في تفسيره: أصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد والجور عنه والإعراض ثم يستعمل في كل معوج غير مستقيم ولذلك قيل للحد القبر: لحد لأنه في ناحية منه وليس في وسطه يقال منه: ألحد فلان يلحد إلحادا ولحد يلحد لحدا ولحودا.. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ {الأنعام: 180} فقال بعضهم: يكذبون.. وقال آخرون: معنى ذلك: يشركون.. وقد كان إلحاد المشركين في أسماء الله أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها آلهتهم وأوثانهم وزادوا فيها ونقصوا منها فسموا بعضها (اللات) اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو (الله) وسموا بعضها (العزى) اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو (العزيز) . انتهى منه بتصرف.
ويطلق الإلحاد اليوم وصفاً للذين لا يؤمنون بوجود رب خالق, فيقولون بالصدفة والطبيعة وغير ذلك، وقد بينا حكم الملحد في الفتوى رقم: 38920.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1427(1/3022)
توبة ساب الدين والرب
[السُّؤَالُ]
ـ[عزيزي الشيخ هذا ليس سؤالا ولكن أنا أبحث عن طريق الهداية.
طبعا أنا شخص مسلم وأصلي ولا أقطع فرضا من سنتين ولكن عندي مشكلة كبيرة كبيرة مضيعة صلاتي كلها فما أصليه بالنهار أضيعه بالليل وما أصليه بالليل أضيعه بالنهار أو أي لحظة. مع أنني أشتغل بمكان محترم وصاحب شخصية قوية ولكن مشكلتي الكبرى المؤثرة علي أين ما ذهبت وغير قادر على أن أتحاشاها هي (مسبات الدين والرب) وخصوصا مع العصبية لا أعرف كيف تخرج مني مسبات وشتم والمشكلة أني أشعر أنها سهلة وأسهل من سهلة تطلع مني ولكن الحقيقه أنها مؤثرة على حياتي كلها وأين ما رحت أظل خائفا من هذه الناحية. وكل يوم أقول خلاص هذه آخر مرة أسب فيها ولكن لاأقدر وبنفس الوقت لا أجد حلا.
أتمنى يا شيخ أن أنام وأصحو وأجد نفسي مغسولا من هذه الخطيئة اليومية اللحظية التي تثيرني والله بعلم كم قلبي طيب ولكن ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل العظيم رب العرش العظيم أن يمن عليك بالهداية والتعظيم له ولدينه ولرسوله، فما تقوم به هو أعظم الكفر والعياذ بالله وعلى ذلك أجمع أهل العلم.
فأي كفر أعظم من سب الرب الذي خلقك فسواك فعدلك، ومَنّ عليك بالإيجاد والصحة والعافية فاتق الله وراقبه وتأمل فيما تفعل وانظر إلى أولئك المنافقين الذين قال الله عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة:65-66} .
وقد نزلت في أناس لم يعلنوا بسب الدين صراحة، لكنهم طعنوا في حملته ونقلته فقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء، فكيف بمن تجرأ وسب الرب والدين رأسا.
قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصارم المسلول 3 / 1017: فصل فيمن سب الله تعالى.. فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب، ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا سبة له، إلى أن قال: فإن الناس مجمعون على أن من سب الله تعالى من المسلمين يقتل، وإنما اختلفوا في توبته.
وقال ابن قدامة في المغني 12/ 298: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أوجادا وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ {التوبة:65-66} .
وروى ابن القاسم عن الإمام مالك أنه قال: من سب الله تعالى من المسلمين قتل ولم يستتب.
والذي عليه الشافعية والحنفية أن سب الله ردة فإذا تاب الساب قبلت توبته، فهذا ما عليه أهل العلم.
ولا نعلم أحدا قال بأن الذي يسب الله تعالى معذور بجهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن سب الله ليس له داع عقلي في الغالب، وأكثر ما هو سب في نفس الأمر إنما يصدر عن اعتقاد وتدين يراد به التعظيم لا السب. انتهى.
واعلم أنه لا يستطيع أحد من الخلق أن يمنعك مما تفعل، فعليك أن تتوجه إلى الله بصدق وإخلاص في أن يعصمك من هذا الكفر الصراح، وأن تعلم أن الذي يدفعك إلى هذا الفعل هو الشيطان وأعوانه واتباع الهوى والنفس، وتذكر قول الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر: 6} وقوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات: 40-41}
وقوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي {يوسف: 53} فجاهد نفسك تصلح، وإلا استمرت على ما هي عليه، وصدق من قال:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.
فجدد إيمانك وألزم نفسك تقوى الله ومراقبته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1427(1/3023)
بعض من ادعى النبوة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الخلفاء الذين ادعوا النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أحدا من الخلفاء ادعى النبوة لا من خلفاء بني أمية ولا من الخلفاء العباسيين ولا غيرهم من العثمانيين، وإنما ادعى النبوة أفراد كطليحة بن خويلد الأسدي , والأسود العنسي, ولقيط بن مالك الأسدي, ومسيلمة الكذ اب , وغيرهم وتجمع حولهم كل أحمق مقطوع الذنب من أقوامهم فأبادتهم سيوف الحق وصاروا غابرا بعد حاضر ولله الحمد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي.. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
وانظر للأهمية الفتوى رقم: 9545، والفتوى رقم: 48750.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1426(1/3024)
السكنى مع من يسب الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسب الدين علما أنه معلم مربي أجيال. وما حكم من سمعه وماذا عليه أن يفعل وما حكم من يسكن معه؟ ... ... ...
جزاكم عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب الدين كفر مخرج من الملة كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 1327، ويجب على من سمعه أو من يسكن معه نصحه ودعوته إلى التوبة من هذا الذنب العظيم وتذكيره بأنه إذا مات على ذلك دون توبة صادقة فهو خالد مخلد في جهنم لا يخرج منها أبدا، نسأل الله السلامة ويمكن لناصحه أن يطلعه على الفتوى المحال عليها سابقا فإن استجاب فهذا هو المطلوب وإن أصر على كفره وسبه الدين فهومرتد يعامل معاملة المرتدين فيجب إظهار كراهية ما هو عليه ولا يجوز الانبساط معه ولا مجالسته حين تلفظه بسب الدين، لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) كما أن عليك إن لم يتب أن ترفع أمره إلى القاضي فلعل ذلك يردعه.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 65659.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(1/3025)
الزعم بأن الله خلق الأرض والناس إكراما لرسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من أحد أفراد من جماعة الدعوة والتبليغ يقول وأمام جمع من المصلين: إن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض والناس إكراما لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ما صحة ذلك في القرآن والسنة، ما حكم الإسلام في من يعتقد ذلك، وما دوري أنا كمستمع حيال ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قاله هذا الشخص -عفا الله عنه وهداه- غير صحيح، وربما أنه يستند فيه إلى بعض الأحاديث الموضوعة التي لا تجوز نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بين ذلك أهل العلم.
فقد أورد الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة قوله: لولاك ما خلقت الأفلاك (موضوع) ومثله أتاني جبريل فقال: يا محمد لولاك ما خلقت الجنة ولولاك ما خلقت النار. وفي رواية ابن عساكر: لولاك ماخلقت الدنيا.
وحكم بوضع هذه الأحاديث وأمثالها كثير من أهل العلم، ومن يعتقد ما ذكر لا يمكن القول بأنه خارج من الملة لكونه معذوراً بجهله، وعلى من سمعه أن ينبهه إلى هذا الخطأ، ويخبره أن الأمر خطير جداً، ولا يجوز للمسلم الاستمرار على اعتقاده، وأحرى تعليمه للناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1426(1/3026)
ادعاء المرء علم الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك رجل من إيران يدعي أنه يعلم الغيب هل هذا صحيح؟
شکرا لکم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 29569 // 57098 // 55240.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(1/3027)
موقف الشرع من التداوي بالشرك والكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[تعاني زوجتي ومنذ فترة لا بأس بها من آلام في الرأس بشكل متكرر مع دوار تمت مراجعة عدة أطباء من اختصاصات مختلفة (قلبية، عامة، أذنية، غدد..) دون فائدة تذكر.
في الآونة الأخيرة ازدادت آلام الرأس وبدأت تشعر بخوف وضيق تنفس وعصبية زائدة وكثرة المنامات المخيفة وأحياناً الكوابيس راجعنا إحدى العارفات بالله فأفادتها بأنها تحتاج إلى صلحة (ذبح خروف في منزلنا بوجودها أي العارفة بالله) . أصبحنا في حيرة من أمرنا
أفيدونا زادكم الله خيراً مع العلم بأن زوجتي لا تنقطع عن تلاوة القرآن الكريم وأداء الصلاة في مواعيدها تماماً.
سؤالنا: ما الذي يحصل لها وهل كلام العارفة بالله صحيحاً (كوننا نجهل هذه المواضيع) وما العلاج المناسب في مثل حالتها؟
زادكم الله خيراً وجزاكم عنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلربما كان الذي أصاب زوجتك سحراً أو حسداً أو مساً من الجن، والمرجع في هذا لأهل الاختصاص بعلاج ما ذكرنا من احتمالات، وبغض النظر عما ألمَّ بزوجتك من أعراض فإنه لا يجوز بحال معالجة السحر بذبح الذبائح، سواء أكان المذبوح خروفاً أو غيره، وما تدعيه هذه المرأة محض كذب وافتراء، وإنما هي مشعوذة دجالة من الدجالين الذين يتعاملون مع الشياطين، والذبح لهم شرك بالله عياذاً بالله من ذلك، وهذا هو الوصف الصائب لها ولأمثالها، ولا ينبغي وصفها بأنها عارفة بالله، قال الدكتور عمر سليمان الأشقر في كتابه عالم الجن والشياطين: وبعض الناس يحاولون استرضاء الجني الذي يصرع الإنسان بالذبح له، وهذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وروي أنه نهى عن ذبائح الجن، وقد يزعم بعض الناس أن هذا من باب التداوي بالحرام، وهذا خطأ كبير، فالصواب أن الله لم يجعل الشفاء في شيء من المحرمات، وعلى القول بجواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخمر، فلا يجوز أن يستدل بذلك على الذبح للجني، لأن التداوي بالمحرمات فيه نزاع لبعض العلماء، أما التداوي بالشرك والكفر فلا خلاف بين العلماء في تحريمه، ولا يجوز التداوي به باتفاق. انتهى
وعلى هذا.. فنحذر الأخ السائل من ذبح خروف أو غيره، كما نحذره من التعامل مع هذه المرأة التي تتعاطى هذا الأمر، فإذا أراد معالجة السحر فعليه أن يلتجئ إلى الله سائلاً إياه العافية والرحمة من هذا البلاء، وعليه أن يتحصن بالرقى والأذكار الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيجدها في كتب الأذكار: كالكلم الطيب لشيخ الإسلام، وصحيحه ل لألباني، والوابل الصيب لابن القيم، والأذكار للنووي، وتحفة الذاكرين للشوكاني، كما يمكنك أن تستعين براق يحسن الرقية بكتاب الله كالفاتحة، وآية الكرسي، والمعوذات وغيرها، وبالرقى والأذكار الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن يكون الراقي صالحاً ذا دين متبعاً الكتاب والسنة.
يقول الدكتور الأشقر في عالم الجن والشياطين: وينبغي للمعالج أن يكون قوي الإيمان بالله معتمداً عليه، واثقاً بتأثير الذكر وقراءة القرآن، وكلما قوي إيمانه وتوكله قوي تأثيره، فربما كان أقوى من الجن فأخرجه، وربما كان الجني أقوى فلا يخرج، وربما كان المخرج للجني ضعيفاً فتقصد الجن إيذاءه، فعليه بكثرة الدعاء والاستعانة عليهم بالله، وقراءة القرآن، خاصة آية الكرسي. انتهى
وراجع الفتوى رقم: 67018، ولمعرفة ما يفعله المرء عند حصول الأحلام المزعجة والكوابيس، راجع الفتاى ذات الأرقام التالية: 31518 // 68043 // 40025، ولمعرفة علاج السحر والعين وصفات المعالج بالقرآن راجع الفتوى رقم: 2244 // 5689 // 5252 // 10981 // 6347.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(1/3028)
موقف المسلم من المسلم الذي وقع في الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل إذا كفر أحد أمامي، كيف يجب أن تكون ردة فعلي؟ بارك الله فيكم وفي موقعكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوقوع في الكفر هو أنكر المنكرات ويتعين على من رآه أن ينكره بحسب طاقته، بما لا يؤدي إلى أعظم منه عملاً بحديث مسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
فمن أمكنه إنكاره بالحجة والبيان حتى يرجع من وقع في الكفر إلى دين الإسلام تعين عليه ذلك، ومن كانت له سلطة تمكنه من تطبيق حكم الشرع عليه كالسلطان العام للمسلمين أو نائبه، يحمله على التوبة، فإن تاب فبها ونعمت وإن أصر على الارتداد قتله إن توفرت فيه شروط التكفير عملاً بما في حديث البخاري: من بدل دينه فاقتلوه.
وأما غير السلطان فليس عليه إلا الإنكار باللسان لأن تطبيق غير السلطان للحدود قد يؤدي لفتن أعظم، هذا ويتعين على من تيقن حصول الكفر من شخص ما أن يعامله معاملة المرتد، فعلى زوجته أن لا تمكنه من نفسها، وأن تسعى في التخلص من البقاء في عصمته، وعلى من خطب عنده ألا يزوج موليته لحرمة تزويج المسلمة بالكافر، وعلى من وجده إمام صلاة أن لا يصلي خلفه، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36372، 43762، 44641.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1426(1/3029)
حكم حكاية قول الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[من قال لعنة الله على دين وتذكر أنه سيكفر فسكت هل يعتبر كافراً؟
لدي أب يخطئ أحيانا ويكفر مع العلم أنه يصلي ويصوم ويخاف الله ورسوله لكنه لم يكن يعلم أن هذا كفر فاعتاد على ذلك
ومن يقل فلان قال كذا ويعيد ما قال من الكفر مع العلم أنه يقول هذا للتوضيح فقط وليس قصده الكفر فهل يعتبر كافراً؟
من فضلكم أريد الإجابة عن الأسئلة بالضبط
... ... ... ... جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن لعن الدين أو سبه كفر بالله عزوجل، وإذا وقع من مسلم فقد ارتد عن الإسلام، عياذاً بالله من ذلك، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 65 ـ 66}
وهذه الآية نزلت في أناس لم يعلنوا بسب الدين صراحة ولكنهم طعنوا في حملته ونقلته فقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، فكيف بمن تجرأ ولعن الدين رأساً.
وهذا مما لا يعذر فيه بالجهل وصاحبه مرتد والعياذ بالله إلا أن تكون كلمة الكفر قد خرجت على لسانه دون أن يقصد التلفظ بها. ثم إن حكاية قول الكفر وإعلانه للناس محرم شرعاً، ما لم يرد صاحبه بيان بطلانه وضلاله. فعليك أن تنصح أباك بالمبادرة إلى التوبة والابتعاد عما ذكرته عنه من الاستهزاء بالدين. واعلم أن ما ذكرته عنه من الصلاة والصيام والخوف من الله لا ينفعه شيء منه إذا لم يبتعد عن الكلام المخرج من الملة.
ثم اعلم أن عبارة: يخاف الله ورسوله، التي وردت في سؤالك هي من العبارات الشركية التي يجب على المسلم الابتعاد عنها، ولك أن تراجع فيها وفي مثلها فتوانا رقم: 21290.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(1/3030)
حكم من قال: إن تقاليد مجتمعنا فوق الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذي يقول إن عادات وتقاليد مجتمعنا أو قبائلنا (البدو) فوق الدين، بأنهم يعملون بأمر الدنيا بما لم يشرع الله ورسوله؟ وجزاكم الله خيراً بما ستعينوني وتفتوني به.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخلو حال قائل تلك العبارة من أحد أمرين: فإما أن يقصد أن عاداته وتقاليده أسمى من الدين وأحكم فهي مقدمة على الدين لو عارضها وهذا كفر والعياذ بالله يجب تنبيهه إلى ذلك وأن يتوب إلى الله عز وجل، وإن أصر بعد تنبيهه فهو كافر لما في ذلك من رد حكم الله وتكذيب كتابه فقد قال: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ {الأنعام:57} ، وقال في من استهزأ بالدين: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة:65-66} .
ونص العلوي في نوازله على ردة من رد حكم الله أو حكم رسوله، أو قال غيرهما أولى منهما. واستدل بقوله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65} .
وأما إن كان قصده غير ذلك كأن يقصد أن العادة والعرف يقرهما الشرع ونحو ذلك فإنه لا يكفر، وينبغي أن يصحح اللفظ ويقوِّمه لأنه يوهم ما لا يليق.
هذا مع التنبيه إلى أن القول المحتمل لا يحكم بردة صاحبه إلا بعد بيان الحق له وإصراره عليه ويتبين مقصوده، قال ابن مايابي في نظم نوازل العلوي:
والارتداد لا عليه يحمل * لفظ له على سواه محمل
ومدخل ألفا من الملاحده * أقرب من مخرج نفس واحده
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1426(1/3031)
مصادقة الملحد وإكرام ضيافته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تحرم مصادقة الملحدين وإكرام ضيافتهم في داري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجوز مصادقة الملحد ولا مودته ولا موالاته وإن كان من ذوي الأرحام، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {التوبة:23} ، وقال أيضاً: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ {المائدة:51} ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {المائدة:57} ، وقال أيضاً: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ {المجادلة:22} ، وقال تعالى: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ {هود:113} ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ {التوبة:73} ، وللمزيد من البيان راجعي كتاب (الولاء والبراء في الإسلام) لمحمد سعيد القحطاني، وانظري خطر مصاحبة الملحدين على دين المرء في الفتوى رقم: 20995.
هذا، ولا مانع لمن تضلع من العلم الشرعي أن يجالس الملحدين والكافرين لدعوتهم إلى الإسلام وكشف ما عندهم من الشبهات، ولا بأس حينئذ من إكرام ضيافتهم إذا كانت نية المكرم لهم تأليف قلبهم وترغيبهم في الإسلام، ولكن يحذر من تطاولهم على الله ورسوله أو طعنهم في الإسلام، فإن الله حرم استماع ذلك بدون إنكار، قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء:140} ، ولمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27185، 57344، 36991، 47679، 38253، 61372.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1426(1/3032)
حكم قتل الكافر الذمي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قتل المسيحي أو الكافر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن كان من أهل الكفر بينه وبين المسلمين عهد أو أمان أو ذمة فإنه لا يجوز قتله، بل ولا يجوز الاعتداء على ماله ولا على عرضه، ولا فرق في ذلك بين المسيحي واليهودي وغيرهما، جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً. رواه البخاري، وفي النسائي وغيره من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة.
قال في شرح سنن أبي داود: والمعاهد من كان بينك وبينه عهد وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما. انتهى.
وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا من ظلم معاهداً أو انتقضه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(1/3033)
التكذيب بالقدر وادعاء صلب المسيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من ادعى بأن الأمر بالإيمان بالقضاء والقدر لا يوجد في كتاب الله بل يوجد فقط في السنة وأيضا ادعى بأن المسيح صلب إلا أنه لم يمت وهرب إلى كشمير ومات هناك وإلى أي فرقة ينتسب هذا القائل؟.
جزاكم الله خير الجزاء لعنايتكم في أمور المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القدر ثابت بكتاب الله تعالى، فقد قال سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49} .
وقال أيضاً: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا {الأحزاب: 38} .
وقال أيضاً: فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ {المرسلات: 23} .
وأما من ادعى أن المسيح عليه السلام قد صلب وهرب إلى كشمير ... إلخ فإنه مكذب للقرآن، كافر بالله العظيم، فإن الله أخبرنا أنه رفع المسيح عليه السلام إليه، ونجاه ممن أرادوا قتله، وانظر الفتوى رقم: 6238.
هذا، وليعلم أن السنة الصحيحة بمنزلة القرآن في تصديق الخبر والعمل بالحكم، وانظر الأدلة على ذلك في الفتويين: 26320، 28205.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(1/3034)
معنى كفر الجحود وكفر الجهل
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب أن الكفر أنواع، فمنه كفر الجحود، ومنه كفر الجهل، ومنه كفر الإعراض ... ما معنى كل من هذه الأنواع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كفر الجهل هو عدم التصديق بسبب الجهل، كما قال الله تعالى: بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ {يونس:39} ، وقال تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {النمل:83-84} .
وأما كفر الجحود فهو كتم الحق مع العلم بصدقه، كما قال الله تعالى في شأن اليهود: فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ {البقرة:89} ، وقال في شأن فرعون وقومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا {النمل:14} ، وقال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {البقرة:146} ، وراجع في كفر الإعراض الفتوى رقم: 39187.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1426(1/3035)
هل يقال للكافر لايعقل وإن كان حاد الذكاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك فرق بين العقل والذكاء؟ حيث إننا نجد أناسا من الكفار أذكياء وقد اخترعوا أشياء غاية في التعقيد ومع ذلك لو ماتوا على ذلك لقالوا في النار (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) .
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل العلم عرفوا العقل بتعريفات متقاربة مفادها أنه قوة بها تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية، وتميز بين الحسن والقبيح والخير والشر، وسمي العقل عقلاً لأن صاحبه بتمييزه بين الخير والشر والضار والنافع يعقل نفسه عن الوقوع في المهالك والمخاطر.
وأما الذكاء فمجمل تعريفاته عندهم أنه سرعة الفطنة والفهم وتمام العقل، كذا في كتب اللغة كاللسان والقاموس والمصباح ومختار الصحاح، وقد نفى الله تعالى العقل عن الكفار في عدة آيات ومنها قوله تعالى:: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ {الأنفال: 22} .
ومنها قوله تعالى فيهم: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ {البقرة: 171} .
والمراد بكونهم لا يعقلون أنهم لم يستعملوا عقولهم ولم ينتفعوا بها في الاستدلال بالآيات المرئية والمسموعة الدالة على توحيد الله تعالى وعبادته، فنفى عنهم العقول لأنهم لم يستفيدوا بها في تحصيل الإيمان الموجب لسعادة الدنيا والآخرة، كما نفى عنهم السمع والبصر لأنهم لم يستفيدوا بهما في نظر الآيات وسماعها، فقال فيهم: صُمٌّ بُكْمٌ
وقال: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا {الفرقان: 44} .
قال النسفي رحمه الله في تفسيره للآية: أو نعقل أي نعقله عقل متأمل. اهـ
وقال الشوكاني: قال الزجاج لو كنا نسمع سمع من يعي أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار. اهـ
ولا منافاة بين ما نفاه الله تعالى عنهم من الانتفاع بالعقل في أمور الإيمان وبين ما أوصلتهم إليه عقولهم من علوم الدنيا واختراعاتها، يدل على ذلك قوله تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {الروم: 6-7} .
فنفى عنهم العلم الذين ينفعهم في معادهم وأثبت لهم علما بظاهر الحياة الدنيا فقط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1426(1/3036)
فتوى غير صحيحة حول تعمد إهانة الكتب السماوية المحرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فى أحد المواقع صدور فتوى بجواز استخدام ورق الإنجيل محل ورق التواليت، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الفتوى غير صحيحة فالكتب السماوية -وإن كانت محرفة- لا يجوز استخدامها في الحمام ولا رميها في القذر ... لأنها تضمنت ذكر الله تعالى وبعض أسمائه وصفاته، وأسماء الأنبياء، وقد نص أهل العلم على وجوب احترام أسماء الله تعالى وأسماء الأنبياء.
ففي حاشية الدسوقي عند قول خليل المالكي: كإلقاء مصحف بقذر. قال: ومثل المصحف أسماء الله وأسماء الأنبياء ...
ولذلك لا يجوز استخدام أوراق الإنجيل ولا غيره من أوراق الكتب المحرفة فيما هو مستقذر خشية أن يكون بها شيء مما هو محترم شرعاً، واعلم أن فعل هذا قد يجر صاحبه إلى الكفر بالله الكفرالأكبر المخرج من ملة الإسلام والعياذ بالله، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 40378، والفتوى رقم: 2105 وما أحيل إليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1426(1/3037)
خطر القول بأنك لا تحبين الله بسبب إزعاج البنت
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنتي تزعجني دائما بطلباتها ولضمان الرد عليها تقول لي لو تحبين ربك اعملي كذا، ولكن في بعض الأحيان أقول لها لا أحب ربي حتى تيأس من الرد عليها، فما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن محبة الله محبة أعظم من كل شيء فرض، وهي أصل دين الإسلام وبكمالها يكمل الإيمان وبنقصانها ينقص، فعليك بسؤال الله أن يرزقك محبته، واسعي في تحصيلها وتذكري نعمه التي أسبغها عليك حتى تنمو تلك المحبة، قال الله تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {التوبة:24} ، قال البيهقي في الشعب: أبان بهذا أن حب الله ورسوله..... فرض.. وبمثل ذلك جاءت السنة. انتهى، وفي الحديث: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه. رواه الترمذي والحاكم والطبراني والبيهقي. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي إلا أن في سنده عبد الله بن سليمان النوفلي قال عنه الذهبي في الميزان: فيه جهالة. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه فقال: اسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وبناء عليه فإنه لا يسوغ شرعاً بل يعتبر منكراً من أعظم المنكرات -إن لم يصل إلى الكفر المخرج من ملة الإسلام- أن تصرحي بأنك لا تحبين الله بسبب إزعاج البنت لك، وإنما المفروض أن تعلقي قلب البنت بالله وأن تحرضيها على سؤاله الحاجات وأن تعوديها على الاستعانة بالصلاة والدعاء بالاسم الأعظم أوقات الإجابة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1426(1/3038)
حكم من ألقى أوراقا تحتوي على آيات وأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على هذا الموقع المفيد.... والذي فيه من الفائدة والنفع الشيء الكثير جعله الله في ميزان حسناتكم
أريد أن أستشيركم في حادثة حصلت لي منذ فترة وهو أن أحد الأشخاص أعطاني مذكرة ويوجد بها بعض الأحاديث والآيات القرآنية وشروحها والأحكام المبينة لها ... ولقد استفدت منها. وعند الانتهاء منها وضعتها في السيارة لفترة من الزمن ...
وعندما قمت بتنظيف السيارة قمت بإلقائها بسلة المهملات لجهل مني أو من استغفال لي من الشيطان.
ومن وقتها بدأت الأمور تتدهور وتضيق علي وبعض الأبواب توصد علي وتغلق.
نسيت هذه الحادثة ولم أتعلق بها ولكن تذكرتها عندما حدثت لي نازلة فقلت في نفسي هذا جزاء ما اقترفته يداي..
وأنا أقول هل الذي فعلته له علاقة بالذي حصل لي ... أم هو إيحاء من الشيطان ... أو ... أو
لا أعرف وأنا نادم على ما أقدمت عليه. فهل من طريقة أكفر بها عن هذا الخطأ.. أرجوكم إفادتي.... من أجل أن أرتاح وأبعد نفسي هذه الأوهام والهواجس لأنني أتجرع كأس الهم والحزن والضيق
آسف على الإطالة
وتقبلو موفورالصحة والعافية
ملاحظه:- 1-أرجوكم الإجابه بسرعة لان الأمر هام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى مما فعلت، فقد نص أهل العلم على أن من رأى ورقة كتبت فيها آية من كتاب الله تعالى أو حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أو اسما من أسماء الله تعالى مرمية في مكان مستقذر ولم يخرجها منه فإن تركه لها في ذلك المكان يعد كفرا مخرجا من الملة. والعياذ بالله.
قال العلامة خليل المالكي في مختصره: الردة كفر المسلم بصريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه؛ كإلقاء مصحف بقذر. قال شارحه: ومثل المصحف الحديث وكذلك الآية أو الحرف منه، والمراد بالقذر ما يستقذر طبعا ولو كان طاهرا
وكفارة ما صدر منك هي التوبة النصوح والإكثار من أعمال البر، ومن أخلص في توبته لله تعالى فإنه سبحانه غفور رحيم يقبل توبة عباده ويعفو عن السيئات، وكما قال سبحانه وتعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 70} وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} . ونرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 1064.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1426(1/3039)
الإكراه المعتبر في جواز النطق بالكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً، نحن جماعة نقول إن الإنسان إذا تعرضت أمواله وعرضه للهلاك أنه يجوز له أن ينطق بكلمة الكفر هل هذا كفر أم لا، هل هذا من الإكراه المعتبر شرعا، لأن هناك أقوالا للعلماء كابن حزم في المحلى، والمغني كتاب الطلاق والشاطبي في الموافقات.. ألخ، جزاكم الله خيراً نريد أن نقنع الفريق الآخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مذهب الجمهور عدم اعتبار حفظ المال إكراهاً مبررا للوقوع في الكفر، قال الجصاص عند تفسير الآية الأولى من سورة الممتحنة: وفي هذه الآية دلالة على أن الخوف على المال والولد لا يبيح التقية في إظهار الكفر، وأنه لا يكون بمنزلة الخوف على نفسه لأن الله نهى المؤمنين عن مثل ما فعل حاطب مع خوفه على أهله وماله.. إلى أن قال: ويدل على أن الخوف على المال لا يبيح التقية أن الله فرض الهجرة على المؤمنين ولم يعذرهم في التخلف لأجل أموالهم وأهلهم فقال: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. وقال: قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا. انتهى.
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكرَه عليه، فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد....
وفي بداية المبتدئ وهو من أكبر مراجع الفقه الحنفي: وإن أكره على الكفر بالله تعالى أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراهاً حتى يُكره بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه، وإذا خاف على ذلك ووسعه أن يظهر ما أمروه به ويوري فإن أظهر ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه.
وقال خليل بن إسحاق في مختصره في الفقه المالكي: وأما الكفر وسبه عليه السلام وقذف المسلم فإنما يجوز للقتل.
وقال المواق في شرحه ناقلا عن سحنون وغيره: إن أكره على كفر أو شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو قذف مسلم بقطع عضو أو ضرب يخاف منه تلف بعض أعضائه لا تلف نفسه لم يجز له ذلك؛ إنما يسعه ذلك لخوف القتل لا لغيره، وله أن يصبر حتى يقتل وهو أفضل.
وما ذكره المواق وغيره من تفضيل الصبر على القتل والامتناع عن النطق يؤيده ما في قصة خبيب رضي الله عنه أنه صبر على القتل ولم يرضخ لقريش، وما في حديث البخاري عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا، فقال: كان يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه. وما يدل له ما في قصة سحرة فرعون أنهم لم يرضخوا للتهديدات التي هددهم بها بعد إسلامهم.
هذا، ويتعين على المضطر دائماً أن يحرص على التورية في النطق بكلمة الكفر، وللمزيد والاطلاع على مسألة تكفير المكره راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26496، 12633، 721.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1426(1/3040)
المقر على نفسه بالكفر يعامل معاملة الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تعيين شخص بالكفر علما أن الشخص المعني بالأمر شهد على نفسه أنه ليس له دين وأن من خلقه هو أمه وأبوه مع الجهل إذا كان قالها جادا أو لا.
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقر على نفسه بالكفر وإنكار خلق الله له، ولم يكن يدعي الإسلام ولا ينتمي إليه، سواء كان جاداً أو مازحاً يعامل معاملة الكافر، فيبتعد من علم ذلك منه عن محبته وموالاته والزواج به.
وأما الحكم عليه، فإنه يرفع أمره إلى القاضي الشرعي حتى يحكم عليه بما يقتضيه الشرع، وعلى الأشخاص العاديين الذين سمعوا كلامه أن يدعوه إلى الله تعالى ويبينوا له دلائل ربوبيته وألوهيته ويحاوروه ويناقشوه بالتي هي أحسن ويستخدموا ما أمكنهم من وسائل الإقناع ويحثوه على الاتصال بالعلماء والمواقع الدعوية.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 12800، 721، 55241.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(1/3041)
حكم لبس النعل المكتوب في أسفله اسم الجلالة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النعل المكتوب في أسفله اسم الجلالة هل يجوز لبسه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن احترام أسماء الله سبحانه وتعالى واجب ولا يجوز تعريضها للإهانة.
قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ {الحج: 30) .
وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32} .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يذكر اسم الله إلا على طهارة، كما في حديث المهاجر بن قنفذ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر. رواه أبو داود وصححه الألباني.
ولا شك في أن كتابة اسم الجلالة في النعل من أي مكان يتنافى مع تعظيمه، وأحرى إن كان في أسفله.
وعلى كل فلا يجوز هذا الفعل أصلا، ومن كتب اسم الجلالة في أسفل نعل عامدا مختارا خرج من ملة الإسلام، وكذلك الحال فيمن لبس نعلا على هذه الصفة والعياذ بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(1/3042)
لا يخرج المسلم من الإسلام إلا بيقين
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد سألت عن أمر أهمني، وبمراسلتكم أخبرتموني أنه يوجد سؤال مشابه لسؤالي، وقد بحثت كثيراً عن هذا السؤال فلم أجده ... وقد سألت في كثير من المواقع فلم يجبني أحد إلا موقع دار الإفتاء المصري، وسؤالي هو:
أنني دعيت لعشاء عند شخص نصراني، وأثناء العشاء طلب أن يمسك يدي لتلاوة صلاته، وقد وجدتني أعطيه يدي، ولكنني لم أصدق شيئاً مما كان يدعوه، ولكن لازمني شعور شديد بأن ما فعلته كفر مخرج عن الملة، أو حتى أنه شرك أصغر، لدرجة أنني اغتسلت ونويت الدخول بالإسلام مرة أخرى خوفاً من أن أكون قد خرجت منه أو أن يكون قد انطبق علي قول الرسول صلى الله عليه وسلم يمسي مؤمناً ويصبح كافراً.
فهل ما فعلته بأن وضعت يدي بيد النصراني عند تلاوته لصلاته قبل تناول العشاء كفر مخرج عن الملة أم ماذا؟؟ وهل يجوز أن ينوي الإنسان المسلم الدخول بالإسلام مرة أخرى؟
أرجو أن تفيدوني بسرعة. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استجابتك للنصراني لما دعاك للعشاء عنده أمر مباح، لما في حديث أنس أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبر شعير وإهالة فأجابه. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
وأما إمساكه بيدك لتلاوة صلاته فإنا لم نعلم المراد بصلاته، فإن كان المراد بها دعاء يدعو به ولم يكن فيه شرك أو كان فيه ولم تكن مقتنعا بها فإنه لا يخرجك من الملة لأن من دخل في الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين، وعليك أن تتحفظ من استضعاف هذا النصراني لك وطمعه في التأثير عليك ودعوتك لدينه الباطل، ولتكن أنت حريصا على هدايته ودخوله في الإسلام، واستخدم في ذلك ما أمكن من الوسائل فحاوره إن استطعت أو اطلب من بعض الدعاة المتمرسين في دعوة النصارى أن يمشي معك إليه، ويدعوه وأعره ما تيسر من الكتب المختصرة والأشرطة المفيدة في هذا المجال، وأطلعه على بعض المواقع التي تهتم بدعوة النصارى ودحض شبههم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 10818، 62022، 29347، 10326، 47095.
وأما كون المسلم ينوي الدخول للإسلام مرة أخرى فإنه يتعين البعد عنه لما يخاف على صاحبه من الوسوسة ولتصريح أهل العلم بمنع إعادة النسك لغير داع.
ويشرع أن يجدد إيمانه دائما بالإكثار من كلمة التوحيد وعمل الصالحات وسؤال الله الهداية.
ففي الحديث: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم. رواه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع إسناده حسن.
وفي الحديث: جددوا إيمانكم قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله. رواه أحمد والحاكم والطبراني وحسنه العجلوني في كشف الخفاء.
وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، وضعفه الذهبي لوجود صدقة بن موسى في سنده وهو ضعيف.
واعلم أنك لم تذكر لنا رقم السؤال الذي أحلناك عليه حتى نعلم هل له علاقة بسؤالك أم لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(1/3043)
قدماء المصريين في ميزان الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القدماء المصريون كانوا مؤمنين بالله أم لا، وما هي المراجع لذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المعنى بقدماء المصريين الفراعنة كأخنتون وأمثاله، فإنهم لم يكونوا مؤمنين بالله تعالى الإيمان المطلوب شرعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1426(1/3044)
سب الشهداء أو من قتله المحتل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سب الشهداء أو من قتله المحتل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسب الشهداء إن كان بغضا لهم من أجل أنهم نصروا الدين، ودافعوا عنه فهو كفر، والعياذ بالله. قال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل: قال أبو محمد: ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر لأنه وجد الحرج في نفسه مما قد قضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من إظهار الإيمان بأيديهم، ومن عادى عليا لمثل ذلك فهو أيضا كافر، وكذلك من عادى من ينصر الإسلام لأجل نصرة الإسلام لا لغير ذلك.
وإن كان الساب للشهداء ليس لأنهم نصروا الدين ودافعوا عنه، وإنما لأمر دنيوي فإن الفاعل لذلك قد آذى المسلمين، وأذية المسلمين وشتمهم بلا مسوغ من أعظم ما نهى الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58} . وقال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ {الهمزة:1} . وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام: عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. رواه البخاري ومسلم. ويضاف إلى ذلك ما في سب الأموات من الإثم، فقد روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضوا إلى ما قدموا. وفي رواية للترمذي: لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء.
ومما ذكر يتبين لك أن ذنب من سب الشهداء أو من قتله المحتل عظيم إن لم يبلغ بصاحبه درجة الكفر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(1/3045)
سب الصائم رب العالمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من سب الله وهو صائم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسب الله أو رسوله أو كتابه ردة عن الإسلام سواء كان الساب صائماً أو مفطراً، وعليه أن يجدد إسلامه ويقضي صومه إن كان واجباً كما في الفتوى رقم: 27305، والفتوى رقم: 1327.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1426(1/3046)
حكم سب الله عزوجل والمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كافر قام بسب الله عز وجل والإسلام والمسلمين شوه صورة المسلمين عبر القنوات الفضائية هل يجوز قتله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب الله تعالى يرفع حصانة المسلم الذي كان موحداً، كما تقدم في الفتوى رقم: 12625.
فأحرى من كان كافراً، ولكنا ننبه إلى أن قتل من يسب الدين ليس من اختصاص الأفراد وإنما هو من مهام الحاكم؛ لأن تنفيذ ذلك من قبل الأفراد قد يترتب عليه شر أكبر، فالواجب أن يرفع أمره إلى أهل العلم في البلد للنظر فيما يناسب في التعامل مع الموضوع، وراجعي الفتويين التاليتين: 9880، 60286.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(1/3047)
من وطئ على ورقة من المصحف دون قصد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك إثم على شخص وضع قدمه على ورقة من المصحف دون قصد وذلك حدث مرتين ودون قصد لأنها كانت واقعة على الأرض ولم أر ذلك، وهل هناك كفارة وهل هذا يدخل في الكفر والعياذ بالله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على المسلم الحذر كل الحذر من الاستهزاء بآيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم. مما يقع فيه كثير من الناس قصدا أو عن غير قصد، ومن ذلك تقليبهم لأوراق المصحف وغيره بالبزاق، ورمي الأوراق التي فيها اسم الله واسم رسوله صلى الله عليه وسلم في القمامة وأماكن الامتهان، وترك ما فيه ذلك وسط الطريق. قال العلماء: إن فعل ذلك وهو لا يعلم ما في الورق أثم لاحتمال أن يكون فيها آية أو حديث، وأما إذا علم ذلك وتركها تداس فإنه يكفر والعياذ بالله. وقد نظم محمد العقاب بن مايابى ذلك في نوازل العلوي فقال:
وتارك ورقة لا يعلم * مكتوبها وسط الطريق يأثم
وإن دراه خبرا أوآية * فتركها للكفر أي آية.
لأنه امتهان لا غبار عليه، وهو مما ينافي تعظيم حرمات الله، وقد قال تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ {الحج: 30} . وقال: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32} . كما حذر الله تعالى من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، بل حكم بكفر من وقع منه ذلك قطعا فقال: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 66} . وأما من وقع في نحو ذلك دون قصد منه فإنه لا يكفر قطعا لعدم قصده الامتهان ولأنه معذور. لكن يأثم إذا تساهل في ذلك كما مر، وتجب عليه التوبة إلى الله، ومن تاب تاب الله عليه، ولا شيء عليه إن لم يتساهل كمن وطئ ورقة في المصحف، وهو لا يراها ـ كما هو حال السائل ـ لأن الله سبحانه وتعالى قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان؛ كما في قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة: 286} . قال صلى الله عليه وسلم: قال الله: قد فعلت، وفي رواية "نعم". أخرجه مسلم. قال ابن كثير: والمعنى لا تؤاخذنا إن تركنا فرضا على جهة النسيان أو فعلنا حراما كذلك ... وفي الحديث: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1426(1/3048)
الاستهزاء بالمسلم وأسماء الله وأنبيائه
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية نشكركم على جهودكم الرائعة وجزاكم الله خيراً على ماتقومون به سؤالي عن موضوع انتشر في بعض المنتديات كثيراً فأصبح البعض يتداول هذه الأيام اسم سيد الخلق نبينا ((محمد)) صلى الله عليه وسلم على أنه ((مهمد)) كنوع من السخرية على من يتسمون بهذا الاسم في وقتنا الحاضر وبنفس الأسلوب ولنفس الغرض وهو السخرية تحول اسم الله من ((المحسن)) إلى ((المهسن)) سخرية من بعض من يتسمون بـ ((عبد المحسن)) وهكذا بنفس الأسلوب حاولنا أن ننصحهم ولكن ماوجدنا منهم إلا التمادي والاستمرار في هذا الأمر أتمنى من سعادتكم توضيح الحكم في هذه المسألة وتوجيه كلمة بسيطة لمن اتبع هذا الأسلوب، نسأل الله الهداية للجميع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يسخر من أخيه المسلم بأي حال من الأحوال، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه مسلم. هذا إذا كانت السخرية والاستهزاء بالأشخاص العاديين. أماإذا كان القول المذكور بقصد الاستهزاء والسخرية بأسماء الله تعالى أو صفاته وتحريفها والإلحاد فيها.... أو بنبي من أنبيائه.. فإن ذلك يعتبر كفرا مخرجا من الملة لقول الله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم {التوبة: 65ـ66} . ولهذا فإن عليك أن تنصح هؤلاء بالتوبة والابتعاد عن هذا النوع من المخالفات الشرعية التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك والعياذ بالله تعالى. وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتويين: 35551، 2093.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1426(1/3049)
توبة الساب والمستهزئ بالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ارتد الإنسان بسبٌ الدين أو الاستهزاء به ثمٌ أراد أن يتوب فماذا عليه أن يفعل علما وأنٌه يقطن في بلد كفر. فقد سمعت أنٌ رجوعه للإسلام يجب أن يكون أمام شيخ عالم وإلاٌ فإنٌها لا تعتبر توبة صحيحة: هل هذا الشٌرط صحيح. أرجو التفصيل في الإجابة.
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن سب الدين والاستهزاء به كفر مخرج من الملة في الفتويين التاليتين: 133، 39575 فليرجع إليهما
وعليه، فمن وقع منه ذلك والعياذ بالله وجبت عليه التوبة فورا، وتراجع الفتاوى ذوات الارقام: 33821، 54989، 51043، وإذا توفرت شروط التوبة المذكورة في الفتوى رقم: 7007 فإنه يعتبر تائبا توبة نصوحا.
أما اشتراط حضور أحد المشايخ لتصحيح توبته فغير صحيح، بل هو باطل لأنه شرط ليس في كتاب الله، وفيه تشبه بالنصارى، ولم نر من أهل العلم من اشترطه للتوبة
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1426(1/3050)
دلالة تعظيم ما لم يعظمه الله ورسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال لخبط كياني ... ماذا تقولون في مسلمة تقول إن عيد الحب لا يؤثر في إيمانها ... وتقول كيف يقدر الإنسان أن يكفر بعد ما عرف الإيمان؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحرم الاحتفال بأعياد الكفار، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4586، 4589، 26883، 57416.
وانظري أصل الاحتفال بعيد الحب في الفتوى رقم: 6735.
ولتنتبهي هنا إلى أمرين:
الأول: إن مجرد فعل المحرم لا يعني أن صاحبه قد انتقل من الإيمان إلى الكفر، فإن ارتكاب المحرمات وإن كان دليلاً على نقص إيمان العبد، إلا إنه لا يكفر به إلا إذا فعلها مستحلاً لها، وكذلك يكفر كل من استحل ما حرمه الله وإن لم يفعله.
الأمر الثاني: إن استنكار وقوع الكفر بعد الإيمان يدل على أن الكفر عند السائل مقصور على مجرد جحد الإله أو عبادة غيره أو عبادته وغيره، وليس الأمر كذلك، فإن الكفر يكون أيضاً باللسان كأن يسب العبد ربه أو رسوله أو دين الإسلام أو يستهزئ بشيء من شعائر الدين، ويكون الكفر كذلك بالقلب كأن يعتقد نقص الرسول أو أن هدي غيره أحسن من هديه، أو أن حكم غير الله خير من حكمه، أو يعتقد أن أم المؤمنين عائشة وقعت في الفاحشة، أو يعتقد أن ما عليه الكفار من الشعائر والشرائع صواباً، أو أنهم يدخلون الجنة مع المسلمين، أو غير ذلك من الاعتقادات الباطلة، فالكفر يكون بالأفعال والأقوال والاعتقادات.
هذا وإن الواجب على المؤمن بالله وبرسوله إذا علم حكم الله في مسألة أن يستسلم وينقاد لذلك الحكم، ولا يعترض عليه بعقل أو هوى، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36} ، بل إن رد حكم الله مؤد إلى الكفر، قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} .
وما تدري هذه المرأة أن الاحتفال بأعياد الكفار لا يؤثر في إيمانها، إن تعظيم ما لم يعظمه الله ورسوله يدل دلالة أكيدة على اعتقاد عدم كمال الشريعة، وأن ما عند الكفار فيه استدراك وزيادة، وهذا كفر بالله العظيم.
ثم إن مشاركة الكفار في أعيادهم يؤدي إلى استحسان ما هم عليه وعدم بغضه، وهذا أيضاً كفر بالله العظيم.
ومتى رأينا الكفار يحتفلون بأعيادنا؟ ومتى رأيناهم يضحون في عيد الأضحى كما نضحي؟ ومتى رأيناهم يعظمون شعائرنا ويشاركوننا مناسكنا؟ فلم نحن تبع لهم؟!! ولماذا الهزيمة أمام كل ما هو غربي؟!!
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يلهم هذه الفتاة رشدها وأن يرزقها الاعتزاز بدينها وأن يبغضها في كل هدي غير هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1426(1/3051)
النطق بكلمة الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الدين في رجل قسيس مسيحي ولكنه مسلم في الخفاء ويعمل في الكنيسة وبالطبع يضل الناس في أي مناسبة ويقول إن المسيحية صح وغير ذلك ولكنه يذهب في منزله يصلي ويتلو القرآن ولكن لا أحد يعرف ذلك فهل هذا الشخص يصح إسلامه أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن ينطق بكلمة الكفر ولا أن يظهر دينا غير الدين الإسلامي إلا عند الضرورة كما سبق بيانه في الفتاوى: 26496، 44005، 55241. ولكن كونه معذوراً عند الضرورة على النطق بكلمة الكفر لا يجيز له الترويج للكفر وتضليل الناس، أو نشر النصرانية فضلا عن عمله بالكنيسة قسيساً فهو بذلك يكون مرتداً، وراجع الفتوى رقم: 38537. فالواجب عليكم النصح لهذا الرجل وأن تقيموا عليه الحجة وأن تبينوا له موقف المسلمين الأوائل الصحابة والتابعين وتابيعهم من مفاصلة الكفر وأهله والبراءة منه، ولم يخشوا في الله لومة لائم، ولم يقدموا على دينهم دينا ولا ولدا ولا وطنا، قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {التوبة:24} . وقال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهار {المجادلة: 22} . وبينوا له أنه يجب عليه ترك هذا العمل وليستعن بالله، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، وإن خاف أن يعتدي عليه النصارى إن أظهر دينه الإسلامي فعليه أن يخبر ولاة الأمر ليحموه من بطش الكنيسة، فإن تعذر عليه فر بدينه في سبيل الله، قال الله تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ {العنكبوت:56} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1426(1/3052)
النطق بكلمة الكفر ولطم الخدود
[السُّؤَالُ]
ـ[قالت أختي لزوجها حينما ازدادت حدة النقاش بينهما لفظ \" أنا كفرت \" ولطمت وجهها\" وهى نادمة على ذلك فما رأى الدين وهل عليها كفارة نريد الرد السريع وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه المرأة قالت هذه الكلمة وهي عاقلة مختارة ولم يخرجها الغضب عن عقلها، فقد ارتدت عن الإسلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن قال كلمة الكفر من غير حاجة عامدا لها عالما بأنها كلمة كفر فإنه يكفر بذلك ظاهرا وباطنا. اهـ.
وقال في الموسوعة الفقهية: اتفق العلماء على تكفير من صدر منه قول الكفر، سواء أقاله استهزاء أم عنادا أم اعتقادا، لقوله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 65-66} وهذه الألفاظ المكفرة قد تكون صريحة كقوله: أشرك أو أكفر بالله، أو غير صريحة. اهـ. والواجب عليها في تلك الحال التوبة النصوح، وتجديد إيمانها بقول لا إله إلا الله، ولا كفارة عليها، ولكن تكثر من العمل الصالح، وتمسك عليها لسانها، وتعزم على عدم العود. قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82} .
أما إن كانت تلفظت بذلك عند شدة الغضب بلا قصد للكلمة فلا شيء عليها. قال ابن القيم في أعلام الموقعين: ومن تدبر مصادر الشرع وموارده تبين أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها، بل جرت على غير قصد منه كالنائم والناسي والسكران والجاهل والمكره والمخطئ من شدة الفرح أو الغضب. اهـ.
أما لطم الخدود فهو من فعل الجاهلية، وانظر الفتوى رقم: 34288.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1426(1/3053)
إلصاق التهم بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم على شخص من غير المسلمين (كافر) قال في نبينا رسول الله محمد عليه السلام بأنه كان يحب الأطفال جنسياً ولهذا تزوج من عائشة رضي الله عنها وهي بعمر 9 سنوات. وقام هذا الكافر بنشر كلامه هذا في صحيفة عامه تناولها الكثيرون. ــ فما هو الحكم الشرعي الذي يُرْضِي الله ورسوله على هذا الشخص؟ ،، وما هو الحكم على من قال هذا أو أيده من المسلمين؟؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله المستعان عما يصفون، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
نأمل الإجابة على سؤالنا ـ وبارك الله لكم وجزاكم خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الكلام في حق نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك الكافر زيادة في الكفر.
وأما الناشر لهذا الكلام الساقط بغير قصد شرعي كالرد عليه -مثلا- فقد ارتد ولم يعد من المسلمين، وكل من ردد هذا الكلام من المسلمين مؤيدا له غير منكر فقد وقع في الردة، وتجري عليه أحكام الكفار، والله الموعد، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
والواجب على من ولاه الله أمر حفظ الدين وسياسة الدنيا به أن يضرب على يد هؤلاء ويكفهم عن سفههم ويخلص البلاد والعباد من رجسهم من قبل أن يعمنا الله بعذاب من عنده.
لكن تغيير المنكر باليد كقتل المرتدين ونحوهم فإنه ليس للأفراد وإنما هو من وظيفة أولياء الأمور، وانظر الفتاوى ذات الأرقام 1845، 44469، 6069.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1425(1/3054)
حكم من قال (يحرم علي ديني)
[السُّؤَالُ]
ـ[القصد بكلمة ديني يعني قلت يحرم علي ديني بس قلتها في لحظة غضب وندمت على هذه العبارة، وحكمها في الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يحفظ لسانه ويحذر من زلاته، فاللسان من أخطر الجوارح، فقد يورد صاحبه المهالك ويهوي به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب إذا استخدمه فيما لا يرضي الله تعالى، وبالمقابل فإن بإمكانه أن يرتقي بسببه إلى أعلى عليين إذا استعمله في الخير فهو سلاح ذو حدين، يستعمل في الخير كما يستعمل في الشر، ويكون سببا في السعادة كما يكون سببا في الشقاء، نسأل الله تعالى العافية.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب. رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ:.. كف عليك هذا، فقال: يا رسول الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي.
والغضب من أخطر ما يجر لصاحبه المتاعب ويؤدي به إلى المهالك، فيندم حيث لا ينفع الندم؛ ولهذا حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاءه رجل يطلب منه الوصية فقال له: لا تغضب، فردد مرارا فقال: لا تغضب. رواه البخاري ومسلم.
فإن كان قصدك بما قلت مخاطبة شخص آخر بهذه الكلمة أي أنه يحرم عليه دينك، فهذا كلام لغو لا قيمة له ولا يترتب عليه حكم ولا ينبني عليه فعل، إلا إذا كان قصدك الدعاء عليه بالموت على الكفر فهذه كبيرة عظيمة قد تصل إلى الردة إذا قصد الرضى له بالكفر.
وأما إن كان قصدك مخاطبة نفسك -وهذا ما نستبعده- أي أنك تحرم على نفسك الدين أو تدعو الله أن يحرم عليك الدين أو ما أشبه ذلك، فهذا قول منكر وأمره خطير قد يصل بصاحبه إلى الكفر أيضاً -والعياذ بالله-، ولكن الراجح من أقوال أهل العلم أنه ليس بكفر مخرج من الملة، قال العلامة خليل في المختصر مع الشرح: لا بأماته الله كافرا -على الأصح- أي لا يكفر بدعائه على نفسه أو غيره بالموت على الكفر.
والحاصل أن على المسلم أن يمسك لسانه عما لا ينبغي ويحذر من الغضب وما يجر إليه، وعلى كل فإن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما صح بذلك الحديث عن محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1425(1/3055)
تعمد حذف حرف من كتاب الله تعالى كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام في الصلاة بعد قراءته لسورة الفاتحة يبتدئ قراءته بحذف الحروف أو الكلمات الأولى فمثلا: 1- (قل ادعو الله أو ادعو الرحمن ... ) يقرؤها مباشرة (ادعو الله أو ادعو الرحمن ... ) 2- (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة ... ) يقرؤها مباشرة (لقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة ... ) بحذفه \"قل\" في المثال1 وحرف \"و\" في المثال2
فما الحكم الشرعي في هذه القراءة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم شرعا ولا يعقل طبعا تعمد حذف حرف من كتاب الله تعالى أو زيادة فيه أو نقص منه، ومن فعل ذلك متعمدا فهو آثم. وفي جمع النوازل للشنقيطي نقلا عن القاضي عياض أن من فعل ذلك عمدا كفر به قال:
روى عياض أنه من غيرا * حرفا من القرآن عمدا كفرا.
ولعل ما سمعت من الإمام المذكور أو نقل إليك عنه يكون ناشئا عن سبق لسان منه أو غلط.. أو عدم تمكن السامع من بداية القراءة. فلا يعقل أن يتعمد مسلم عامي تغيير القرآن الكريم أحرى أن يكون إماما يؤم المسلمين في الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. وإذا كان ذلك بسبب الخطأ أو الغفلة فإنه لا يؤثر في صحة الصلاة ما دام في غير الفاتحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1425(1/3056)
لا مؤاخذة على من نطلق بكلمة كفر خطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[بينما كنت أدعو الله أخطأت في نطق كلمة بدون قصد ونطقت بدلا منها كلمة تشبهها في الأحرف لكن هذه الكلمة شتيمة وأخشى أن أكون قد سببت الله بذلك، فهل يخرجني ذلك من الإسلام وقد نطقت بالشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) ، وأردت أن أسأل هل يجب علي الغسل أو أي شيء آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك لم تخرج من الإسلام بنطق هذه الكلمة خطأ، ولا يلزمك شيء، والله سبحانه أعلم بما في صدور العالمين، وانظر الفتوى رقم: 21800 فإن فيها بيان أن الله من رحمته لا يؤاخذ العباد على مثل هذه الأخطاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1425(1/3057)
هل يثاب الكفار إذا عملوا أعمالا صالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أود لو أخبرتموني عن أهل الكتاب وغيرهم من المشركين الذين يعملون الصالحات في الدنيا من إطعام للمسكين ورفق بالناس وعدم الإفساد في الأرض كما يفعل غيرهم من بني دينهم وهل فعلهم هذا يجزون به فقط في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم فقد يكون منهم من ظلم من قبل البشر وحتى سفك دمه أو أبيح عرضه وهدمت ديارهم فوق رؤوسهم؟ فأرجوكم يا إخواني اخبروني إن كان عندكم علم كيف يقضي الله بين العباد في مثل تيكم الحالات؟ ولا أسأل إلا لمجرد دفع الوساوس ومحاولة الوصول إلى الإعتقاد الصحيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دل الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم على أن ما عمله الكافرون من خير لا يثابون عليه في الآخرة ما داموا قد ماتوا على الكفر، قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الزمر:65} ، وقال تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:217} ، وقال تعالى: وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {المائدة:5} .
والآيات في هذا المعنى كثيرة وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
فالإسلام شرط لقبول العمل الصالح والإثابة عليه في الدار الآخرة، قال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ {التوبة:54} ، كما أن الإسلام شرط لدخول الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الجنة إلا نفس مسلمة. متفق عليه عن أبي هريرة.
فأعمال الخير التي يقوم بها الكفار يجازون بها في الدنيا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته. رواه مسلم عن أنس.
أما كون بعض الكافرين معذباً في الدنيا ومشرداً، فقد يكون لشدة كفرهم وضلالهم فينتقم الله منهم مع ما يدخره لهم في الآخرة من عذابه، كما فعل بقوم نوح وقوم فرعون، وقد يكون رحمة من الله لعلهم يتوبون ويعودون، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {الأنعام:42-43} .
وقد يكون لحكمة يعلمها الله فهو سبحانه يفعل ما يشاء، لا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل، ولا يظلم ربك أحداً، أما يوم القيامة فيحشرون إلى جهنم ظالمهم ومظلومهم، كما روى البخاري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.... إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: تتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أو غبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال لهم: من تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً ابن الله، فقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فما تبغون، فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا، فيشار ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنهم سراب يحطم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم.... فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأول. رواه البخاري ومسلم.
أما كون الله يقتص للكافرين ممن ظلمهم فلم نجد من العلماء من نص عليه مع كثرة البحث عن ذلك، وننبه الأخ السائل إلى الحذر من الخوض في القدر، فإنه ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، فهو سر من أسرار الله تعالى، ولمزيد فائدة راجع الفتاوى التالية: 53952، 53111، 54045، 53994.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1425(1/3058)
السخرية مما ورد في الحديث كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[إن سنة الرسول الكريم وشرع دين أحمد في خطر وخاصة في بلدنا مدينة زليتن فقد خرج رجل هذه الليلة ويقول (قد كذب من قال بشرعية الإزار وقال إن الرسول لم يأمر بذلك وقد كان يتكلم بكل سخرية عن هذا الموضوع وقد استمع كلامه الكثير من الناس منهم الجاهل ومنهم العاقل ومنهم من صدقه ومنهم من لم يصدق، فأرجو منكم أن ترشدوني في كيفية الرد على أمثال هذا الرجل، كما أرجو دعاءكم في أن تحكم سنة المصطفى وتسود.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن السائل الكريم يقصد بشرعية الإزار ما ورد من الأحاديث التي تنهى عن الإسبال، وفيه روى الإمام مسلم من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. قلت: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا؟ فأعاد ثلاثا. قلت: من هم خابوا وخسروا؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر.
وروى البخاري: ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار. ولأبي داود: إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج أو لا جناح فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل الكعبين فهو في النار.
والرجل الذي تحدثت عنه إذا كان يقصد بما يقول السخرية مما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر خارج عن الملة والعياذ بالله، ولك في الرد عليه أن تراجع فتوانا رقم: 6069.
وإن كان يقول ما يقوله جهلاً منه بالأحاديث الصحيحة في الموضوع، ولا يقصد الاستهزاء بالدين فبين له ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الموضوع وتلطف به، وانصحه بلين ورفق، لعله يرعوي مما هو فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1425(1/3059)
حكم لعن الكافر المعين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح الحكم على شخص معين من الكفار بعد موته بدخول النار؟ أعني مثلا أن نقول إن هتلر في النار أو إن لينين وماركس في النار؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن مات كافراً وجبت له النار وحرمت عليه الجنة، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ {آل عمران: 19} . وقال أيضاً: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} . وقال صلى الله عليه وسلم: إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة. رواه البخاري، وانظر الفتوى: 2924. وبناء على هذه النصوص وأمثالها فالحكم بالنار على شخص معين مات كافراً حكم صحيح. أما الكافر المعين الحي، فهو متوعد بالخلود في النار والعذاب الأليم لو مات على الكفر، ولكن لا يلعن لإمكان توبته. قال الإمام ابن مفلح في: الآداب الشرعية: ويجوز لعن الكفار عامة. وهل يجوز لعن كافر معين ـ على روايتين: قال الشيخ تقي الدين: ولعن تارك الصلاة على وجه العموم جائز، وأما لعنة المعين فالأولى تركها لأنه يمكن أن يتوب. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1425(1/3060)
نسبة المواقع الإسلامية إلى المسيحية يدخل في باب الرمي بالكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد:
هناك من يشكك في العديد من المواقع الإسلامية وينسبها إلى مواقع مسيحية ما تعليقكم، مع العلم بأن جميع أسئلتي أو الفتاوى أستمدها من موقعكم أفيدونا أفادكم الله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز نسبة المواقع الإسلامية إلى المسيحية، لأن المسيحية كفر، ورمي المسلم بالكفر يعيد الكفر على الرامي، فقد أخرج الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. وفي لفظ مسلم: إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه.
وقد نهى الله عن ظن السوء دون بينة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} ، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث.
وواجب من سمع هؤلاء المشككين في المواقع الإسلامية والناسبين لها إلى المسيحية أن ينهوهم عن هذا التشكيك نصحاً لهم ونهيا عن المنكر ودفاعاً عن الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(1/3061)
عقد الإسلام ينتقض إذا تمكن من القلب شك
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت في دائرة الشك حول أي الأديان هو الحق بسبب مجموعة من النصارى كل هدفهم تنصير المسلمين ووضعوا أمامي مجموعة من الآيات التي بها بعض التناقضات في اللفظ وليس تناقضا في المعنى، ولكن للأسف بجهلي لم أستطع التفريق ودخلت معهم في دائرة الشك، هل أصبحت بذلك مرتداً عن الإسلام، وهل لو كنت وصلت لهذه الدرجة والعياذ بالله فما الحل وما الطريق الصحيح، وبأي الكتب أبدأ وبأي المراجع أبدأ للتفقه في الإسلام، وهل أصبحت كافراً الآن لما وصلت إليه من الشك، ولو كنت وصلت لهذه المرحلة والعياذ بالله هل يصح إسلامي لو نطقت الشهادتين مرة أخرى أرجو منكم النصح والإرشاد جزاكم الله عن المسلمين كافة خيرا، فأنا الآن لا أعلم شيئاً سوى أني نادم على ما فعلت وأعيش الآن في أزمة لا يعلمها إلا الله الواحد الأحد الذي لا شريك له تعالى عما يقول السفهاء من الذين اتبعوا الباطل، أريد المساعدة والنصح، أرجوكم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي التنبيه إلى الفرق بين الشك والوسوسة، فالوسوسة هي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهته صريح الإيمان، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22055، 187، 7950.
والإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: القول المطلق والعمل المطلق في كلام السلف يتناول قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فقول اللسان بدون اعتقاد هو قول المنافقين، وهذا لا يسمى قولاً إلا بالتقييد، كقوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ. وكذلك قول الجوارح بدون أعمال القلوب هو من أعمال المنافقين التي لا يتقبلها الله. انتهى.
وعلى ذلك، فإن عقد الإسلام ينتقض إذا تمكن من القلب شك، لأنه ينافي قول القلب وهو الاعتقاد، وجاء في الفتوى رقم: 7150 من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية: الردة هي الكفر بعد الإسلام، وتكون بالقول والفعل والاعتقاد والشك. انتهى، وانظر الفتوى رقم: 8106، والشك نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه.
فلا يكون العبد مؤمناً إلا إذا كان موقناً يقيناً جازماً بمدلول شهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {الحجرات:15} ، وقال صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. رواه مسلم، فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، وانظر الفتوى رقم: 5398.
واعلم أن الإنسان قد يطرأ في نفسه نوع شك لكنه مع ذلك يكون في داخله مصدقا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفي مثل هؤلاء يقول شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل: ولكن ليس كل من دخل عليه شعبة من شعب التفاق والزندقة فقبلها جهلا أو ظلما يكون كافرا منافقا في الباطن بل قد يكون معه من الإيمان بالله ورسوله ما يجزيه الله عليه ولا يظلم ربك أحدا.
وتوبة الشاك بالإتيان بالشهادتين مع الجزم واليقين بما كان قد شك فيه، قال في زاد المستقنع: ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين – إقراره بالمجحود به.
واعلم أن من أراد الوصول إلى اليقين فعليه أن ينظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ويتأملها ويتدبر كلام الله تعالى قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جملة فلا يسمعها ولا يلتفت إليها وأما مع التفاته إليها ونظره فيها فإنه لا يبقى معه شك لأنها مستلزمة للصدق ولا سيما بمجموعها فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار. ومما يعين في هذا الباب أن يطالع ما كتبه العلماء عن إعجاز القرآن، ومنها ما كتب الشيخ عبد المجيد الزانداني في كتابيه: (التوحيد) و (الإيمان) ، وكذلك انظر كتاب (الإيمان والحياة) للقرضاوي، وكتاب (العقيدة في الله) للأشقر، وكتاب (العلم يدعو إلى الإيمان) لوحيد خان.
كما ننصحك بطلب العلم النافع، والاستماع إلى الأشرطة النافعة، وصحبة الصالحين، هذا ولا ينبغي الخوض مع النصارى إلا بعد التضلع من العلم، حتى لا ينطلي عليك ما يلقونه من الشبهات مع أنها داحضة في نفسها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(1/3062)
استحلال الكبائر يتحقق بمجرد اعتقاد حلها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون الانسان مستحلا لبعض الكبائر هل معنى هذا أن يقول الإنسان الكبائر حلال؟ افتونا وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من استحل الكبائر المتفق عليها أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة فإنه يكفر، واستحلال الكبائر يكون بمجرد اعتقاد حلها وإن لم يفعلها المستحل لها. قال الإمام ابن قدامة في "المغني": ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(1/3063)
حكم سب الزمن أو الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسب الزمن أو الوقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى الشرع عن سب الزمن والوقت الذي هو الدهر في أحاديث منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار. رواه مسلم بلفظ: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر.
وساب الزمان أو الدهر إن اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن عتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك وهو يسب من فعله فهو يسب الله، وإن سب الدهر لكونه ظرفا فقد سب مخلوقا لا يستحق السب، وقد سبق تفصيل هذه المسألة في الفتوى رقم: 50029، والفتوى رقم: 38043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1425(1/3064)
هل يعلن النصرانية طلبا للمال مع إسلامه بقلبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم على:
رجل مسلم يعيش في أمريكا أو ما شابهها من البلاد الغربية وضاقت به ظروف الحياة ولديه عائلته التي ينفق عليها وتعيش في بلده الأصلي ووجد أنه يستطيع أن يغير حاله وذلك بأن يعلن نصرانيته ويذهب إلى الكنيسة كي يحصل على جنسية البلد التي يعيش فيها وبالتالي تفرج أموره مع العلم بأنه سيبقى مسلماً في السر حتى يصل إلى هدفه وبعدها يظهر إسلامه. أرجو توضيح الإجابة.
وجزاكم الله الخير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أظهر الكفر بتنصره وردته عن الإسلام كفر إذا توفرت فيه شرائط البلوغ والعقل والاختيار، وانتفت عنه موانع الجهل والجنون والإكراه وما شابه، حتى ولو لم يرد الكفر بقلبه، وقصدُ تحصيل المال لا يبيح الكفر، فإن غرض الكفر في الغالب إما مال أو شرف، كما أن مدعي النبوة يقصد إما الرئاسة أو تحصيل الشهرة الظاهرة، فمن قال أو فعل قاصداً مختاراً ما هو كفر كفر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافراً.
قال ابن نجيم: إن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده. اهـ
واعلم أنه لا يبيح النطق بالكفر إلا الإكراه. قال ابن تيمية - في الفتاوى-: فإنه من كفر من غير إكراه فقد شرح بالكفر صدراً ... وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعاً فقد شرح بالكفر صدراً ... قال تعالى: وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا {النحل: 106} أي لاستحبابه الدنيا على الآخرة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً ويمسي مؤمنا ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل. اهـ
قال أبو محمدابن حزم - في الفصل-:. .. أخرج من ثبت إكراهه عن أن يكون بإظهار الكفر كافراً إلى رخصة الله تعالى والثبات على الإيمان، وبقى من أظهر الكفر لا قاريا ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً على وجوب الكفر له بإجماع الأمة على الحكم له على من قال كلمة الكفر أنه كافر. اهـ
فعلى هذا الرجل أن يبتعد عن هذه الأفكار الشيطانية وأن يطلب الرزق بالأسباب التي أباحها الله، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2- 3} .
وقال: إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها ورزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه الطبراني عن أبي أمامة بإسناد صححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1425(1/3065)
هل يحال بين ساب الله وبين زوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم سب الرب من قبل الزوجة لزوجها بعد أن استغفرت!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن من صدر منه سب لله أو للدين خرج من ملة الإسلام بالكلية، ويحال بينه وبين زوجته في الحال، سواء كان المتلفظ بذلك الزوج أو الزوجة، لكن إن تاب المرتد منهما جاز الارتجاع مادامت المرأة في العدة، وانظر في هذا الفتوى رقم: 12447 والفتوى رقم: 48106.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1425(1/3066)
حكم من سب رب الكرسي زاعما أنه يقصد صاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[فالرجاء إفادتي عن شخص يلعن بقوله والعياذ بالله مثلاً (يحرق رب الكرسي، يحرق دين الطاولة، يلعن -والعياذ بالله- رب الغرفة) وعندما نهيناه عن ذلك قال بأنه يسب رب الشيء يعني صاحبه، فما حكم الدين في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حرّق أو لعن رب الكرسي أو رب الغرفة، وكانت قرينة تدل على إرادته بذلك سب الله عز وجل فإنه قد جاء بمنكر عظيم وإثم مبين، ولم يختلف المسلمون في أن من سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً أو مستهزئاً، قال ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: فصل فيمن سب الله تعالى.... فإن كان مسلماً وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر ...
وقول هذا الشخص إنه يقصد رب الشيء يعني صاحبه، فإن كان ثم ما يصدقه، بأن كان بينه خلاف مع صاحب الكرسي أو صاحب الغرفة أو وجد منه سبب للعنه لم يكفر بسبب ذلك القول ولكنه ارتكب إثماً إن كان ذلك الشخص لا يستحق اللعن، وإن لم يكن له وجه يصدق دعواه وإنما تكلم بهذا الكلام استخفافاً بحق الله تعالى لم يقبل منه ما ذكر أنه يقصده، فهو كمن عرض بلعن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أردت العقرب، فإن ذلك لا يقبل منه.
قال خليل:..... أو قيل له بحق رسول الله فلعن وقال أردت العقرب قتل ولم يستتب حدا.... وقوله حداً يعني إن تاب وإلا قتل كفرا، كما قال الدردير وغيره من شراح خليل، وقال الدسوقي: وإنما لم يقبل منه ذلك لظهور لحوق السب بذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(1/3067)
حكم من سب نبيا أو استخف به
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق كان يحاور أباه في أمر النصارى فبينما هو محتد فقال وما النصارى هل تظن أن دينهم هذا حق وأن نبيهم نبي ... ثم ندم على ذلك في نفس المجلس وقال لأبيه إنه كان يقصد أنه ليس النبي الخاتم وليس النبي المفروض اتباعه الآن، فهل هذا من الكفر بالرسل (هو لم يكن يقصد ما تفوه به) ، وهل هو كفر مخرج من الملة يعني هل يجب عليه الغسل والشهادة، أم تكفيه التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالرسل وتوقيرهم وتنزيههم عن السب والاستهزاء ركن من أركان الإيمان، قال الله تعالى: قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة:136} .
وقد اتفق العلماء على أن من سب نبياً من الأنبياء أو عابه أو ألحق به نقصاً أو عَرَّض به أو قلل من شأنه فهو كافر، قال إسحاق بن راهويه: أجمع المسلمون أن من سب الله أو رسولاً من رسله أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبياً من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله. انتهى.
قال في منح الجليل: وحكم من سب أنبياءه تعالى وملائكته أو استخف بهم أو كذبهم أو أنكرهم حكم من سب نبينا. انتهى.
وأما قوله (إنه لم يقصد ما تفوه به) فإن من فعل الكفر أو تكلم به كفر وإن لم يقصده، قال ابن تيمية في الصارم المسلول: فمن قال أو فعل ما هو كُفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً؛ إذ لا يكاد يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله. انتهى.
قال أبو محمد بن حزم في الفصل: كل من ينطق بالكلام الذي يحكم لقائله عن أهل الإسلام بحكم الكفر لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً فقد شرح بالكفر صدراً. انتهى.
وبناء على ما تقدم.. فإن ما تلفظ به هذا الشخص يتضمن ظاهرة نفي نبوة عيسى عليه السلام، وذلك من الكفر الأكبر المخرج من الملة، فإن كان هذا الشخص يقصد هذا الظاهر فقد كفر، فعليه أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً ويشهد شهادة الحق، ويجب عليه الاغتسال عند من يقول بوجوبه، وإن كان لا يقصد ظاهر هذا وإنما يقصد حقيقة ما ادعاه، فإنه لا يكفر بذلك، ولكنه أساء الأدب وتلفظ بلفظ موهم يجب عليه الابتعاد عنه مع التوبة النصوح وكثرة الاستغفار والأعمال الصالحة.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(1/3068)
التمادي في السب يجر إلى سب دين المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سب الدين لبعض الأشياء (مثل السيارة على سبيل المثال) ، وهل هو يخرج فاعله عن ملة الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب دين السيارة وما شابه من الجمادات ليس كفرا إذا لم يقصد به قائله سب دين الله تعالى، ولكن ذلك أمارة على انفلات لسان صاحبه وعدم ضبطه لنفسه، فيجب على من ابتلي بهذا الأمر أن يضبط نفسه ويمسك لسانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا، فقلت يا نبي الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
قال المناوي: فمن أطلق عذبة لسانه مرخي العنان سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار. ولا ينجي من شر اللسان إلا أن يلجم بلسان الشرع. انتهى.
وليحذر من يصدر منه ذلك من التمادي في السب فيجره إلى سب دين المسلمين الذي هو كفر بالإجماع، وراجع الفتوى رقم: 11652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(1/3069)
كره أحكام الدين من علامات الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفاد بوجوب طاعة ولي الأمر في الحق وعدم طاعته في الباطل وأعتقد أنني قد أحسست بضيق من ذلك وتمنيت أن لا تكون الطاعة له في الحق ما دام قد أمر بغير الحق في أشياء أخرى، ولكنني عدت وتذكرت (وكنت قد نسيت) وجوب عدم كره ما أنزل الله وأنكرت ما تمنيته في نفسي، فهل تنطبق عليّ الآية الكريمة {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} ، فأنا أخاف من ذلك خوفا شديداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طاعة ولاة الأمر تجب -كما ذكرت- إذا لم يأمروا بمعصية، أما إذا أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وذلك لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء:59} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد وصححه السيوطي والألباني، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف.... رواه البخاري وغيره.
هذا؛ وننبه إلى وجوب العدل في كل شيء، فلا يحق لنا أن يحملنا جور الأمراء على ترك الطاعة في الحق التي أوجب الله لهم علينا ولا كراهية حكم الله تعالى بذلك، قال الله تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {المائدة:8} ، وقد ذم الله تعالى الكارهين لأحكام الدين في عدة آيات وجعل ذلك من علامات الكفر، فقال: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ {الشورى:13} ، وقال تعالى: لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ {الزخرف:78} ، وفي مثل هذا المقام جاء قول الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ {محمد:28} ، فالواجب على المسلم الاستسلام لما حكم الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36} ، وقال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68} ، وقال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65} .
قال العلامة ابن القيم رحمة الله تعالى عليه: أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكدا بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضا والتسليم وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض.
هذا؛ ونرجو الله تعالى أن يعفو عنك بسبب ما ذكرت من النسيان وإنكارك ما تمنيت في نفسك بعد تذكرك للآية، وأن لا يحبط عملك، قال الله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة: 286} ، وفي الحديث: تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1425(1/3070)
موالاة الكفار ذريعة إلى استحسان ما هم عليه من الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أحب النصارى أو المشركين، أليس حكمة الله أن يكون في الدنيا مؤمن ويكون كافر ... وأن يكون هناك جنة وهناك نار، إني أخاف من كثرة حبي للنصاري من فتنة الموت ... فكيف لا أحبهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجوز موالاة أعداء الله تعالى ومحبتهم، لأن الله قد نهى عن ذلك وحذر منه، قال الله سبحانه: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {المائدة:51} ، ولأن موالاتهم ذريعة إلى استحسان ما هم عليه من الكفر، وربما أدى ذلك بالمسلم إلى الوقوع في الكفر.
فالواجب الحذر من ذلك، وبغض ما هم عليه من الكفر، واجتناب مصاحبتهم، وميل القلب إليهم، وأما البر والإحسان إليهم بلا ميل قلبي، فلا ينافي البراءة منهم، ولاسيما إن رجى المسلم بذلك تأليفاً لقلوبهم على الإسلام، وتراجع الفتوى رقم: 9896، والفتوى رقم: 11768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1425(1/3071)
حكم من قال إن الدين لا يحتاج لشخص النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل في عرض حديثه يريد استنقاص رجل فقال: الدين لا يحتاج إلى أحد حتى إلى الرسول، فما حكم قائل هذا الكلام قاصدا أو غير قاصد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا القائل، يقصد أن الدين قد كمل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ وأدى الأمانة، ولم يترك شيئاً يقرب من الله إلا أمر به، ولا شيئاً يباعد عن الله إلا نهى عنه، فلا ريب أن على هذا المعنى كلامه صحيح، فالدين كمل، والنبي بلغ، فأصبح الدين لا يحتاج لشخص النبي، قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا {المائدة:3} .
أما إن كان يقصد بذلك الانتقاص أو أن دين الله الحق لم يكن بحاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبلغه للناس ويبينه لهم، وأن الناس بفطرهم قد يهتدون إلى دين الإسلام بدون تبليغ وتبيين من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذب أولاً، وارتدَّ عن الإسلام ثانياً والعياذ بالله، فيجب عليه في هذا الحال التوبة ونطق الشهادتين والاغتسال ولا يعود إلى هذا أبداً.
وقد نص فقهاء الحنفية على أن من قال إن رسول الله كان أمياً وقصد بذلك انتقاصا يكفر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال إسحاق بن راهويه: أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبياً من أنبياء الله، أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بما أنزل الله. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1425(1/3072)
لا يجوز نشر ما يروج للكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا الموضوع وصلني عبر الإنترنت هل يجوز نشره على الجميع أرجو الإفادة في صحته
صور تمس عقيدة المسلم احذروها؟
http://home.att.net/~scorh2/Angel1c.gif
http://ma7room.com/upload/uploading/baby2.gif
هذه الصورة تمثل نوعاً من الملائكة عند النصارى, فمثلا هناك ملاك الحب يستخدمونه في الزواج ووضعه على بطاقات الزواج وتكون امرأة بأجنحة
https://store.angelhaven.com/cart2/thumbnails/1469.gif
وهناك عندهم ملاك النوم أو الحلم
https://store.angelhaven.com/cart2/thumbnails/61.gif
وتسمى الملائكة عندهم angel
وحكم الشرع لمن يعتقد أو يصدق أن هذا هو شكل الملائكة هو الكفر لما فيه من ادعاء علم الغيب ولما فيه من تكذيب الله الذي أنكر على المشركين قولهم أن الملائكة إناث وذلك في قوله تعالى في سورة الزخرف
(وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون)
فاحذروا وحذروا منها سواء عبر الإنترنت أو عبر مجسمات في بيوتكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز نشر الكفريات التي تمس العقيدة، ولا نشر غيرها مما يروج للعقيدة النصرانية التي هي من أصل دينهم المحرف، وذلك للحفاظ على المسلمين من فتنة الشبهات التي يفتن بها كثير من العامة، ولا يجوز تصديق شيء من ذلك، ومن صدقه وهو عالم ببطلانه وقامت عليه الحجة بذلك فهو كافر والعياذ بالله تعالى.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1425(1/3073)
لا يكفي النطق المجرد للشهادتين في الدخول إلى الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[شيء عجيب أي والله
أعرف شخصاً نصرانياً يلبس الصليب على صدره ويحب الديانة المسيحية وهي ديانة عائلته وملته
ولكن عندما يرى شيئا عجيبا أو عندما يغضب يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله،
فهل هذا الشخص في عداد الكافرين المشركين المخلدين في جهنم أم في عداد المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدخول في الإسلام لا يكفي فيه النطق بالشهادتين مجرداً عن اعتقاد ما دلت عليه لا إله إلا الله من بطلان عبادة ما سوى الله، بل لابد من الكفر بما سوى الله تعالى.
قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256] .
وفي الحديث: ومن قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله. رواه مسلم.
فعليكم أن تحرصوا على هداية هذا الرجل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري، وراجع الفتوى رقم: 5098.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1425(1/3074)
الشرع لا يؤاخذ العبد بما لم يقصده
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث منذ عدة سنوات أني كنت أغير محطات التلفاز فكنت أعيب على ما فيه وبينما كنت أغير القنوات بسرعة مررت على قناة كان يقرأ فيها القرآن الكريم ولكني كما قلت كنت أعيب على ما في القنوات فخرجت مني كلمة تعييب على ما في هذه القناة التي فيها قرآن قبل أن أعي أن هذا قرآنا كريما فكيف أتوب عن ذلك؟ وهل يكفي أن أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله كتوبة عن ذلك؟ أم ينبغي علي أن أفعل شيئا آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صدور ما يؤذن بما يعيب القرآن الكريم ذنب عظيم ممن قام به، إذا كان صادراً عن قصد، وقد حكم العلماء على صاحبه بأنه مرتد.
قال ابن قدامة في المغني: ومن سب الله كفر، وكذا من استهزأ بالله أو بآياته وبرسله أو كتبه. قال الله تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ [سورة التوبة: 65] .
والحل في مثل هذه الحالة هو أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتتوب مما صدر منك توبة نصوحاً، ومن تاب تاب الله عليه.
وأما إذا كان ما صدر منك لا تعني به القرآن كما هو الظاهر من السؤال، فإنا نرجو أن يعفو الله عنك لأن الشرع لا يؤاخذ العبد بما لم يقصده، ويدل لذلك ما في حديث الصحيحين: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 20345، 23340، 21800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1425(1/3075)
البغض لأحكام الإسلام وكراهية الدين من أمارات الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتم الجمع بين الآيات التالية: قول الله تعالى (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم)
وقول الله تعالى (.....وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) وقول الله تعالى (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) هل الرضي القلبي شرط لقبول الأعمال أم أن آية سورة محمد (القتال) تخص الكافرين فقط وما حكم من يبغض بعض أحكام الإسلام كما هوحال بعض المسلمين اليوم؟
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البغض لأحكام الإسلام وكراهية الدين من أمارات الكفر والضلال كما أن محبة الدين وتعاليمه من أمارات كمال الإيمان.
وقد ذم الله تعالى الكارهين للدين في عدة آيات وجعل ذلك من علامات الكفر.
فقال: [كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ] (الشورى: 13)
وقال: [لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ] (الزخرف:78)
وفي مثل هذا المقام جاءت آية سورة محمد المذكروة في السؤال، [ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ] (محمد: 9)
وأما الآيتان المذكورتان في الجهاد فالمراد بالكراهية فيهما نفور الطبع عنه لما فيه من مشقة القتال على النفس البشرية وخطره على الروح لا أنهم كرهوا أمر الله، كذا قال البغوي في تفسيره، وقال ابن كثير في التفسير: قوله تعالى [ُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ]
(البقرة: 216) ، أي شديد عليكم ومشقة وهو كذلك فإنه إما أن يقتل أويجرح مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء ثم قال: [وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ] (البقرة: 216) ، أي لأن القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء والاستيلاء على بلادهم وأموالهم وذراريهم وأولادهم، [وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ]
(البقرة: 216) ، وهذا عام في الأمور كلها قد يحب المرء شيئا وليس له في خير ولا مصلحة ومن ذلك القعود عن القتال قد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير عند تفسير قوله تعالى: [وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ] (لأنفال: 5) ، فيها قولان أحدهما كارهون خروجك، والثاني: كارهون صرف الغنيمة عنهم وهذه كراهة الطبع لمشقة السفر والقتال وليست كراهة لأمر الله تعالى.
وراجع الفتوى رقم: 23586 في جواب الرضى بأمر الله الديني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(1/3076)
بعض الكفر أعظم قبحا من الإشراك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشرك أكبر سوءا عند الله أم الكفر؟ وأي فرق منهما يستحق العذاب أكثر يوم الآخر؟ حيث إن أكثر الصينيين هم من الكفار والملحدين وبعضهم من البوذيين والمشركين.
هل يعتبر أهل الكتاب من المشركين أم من الكفار أم من المؤمنين؟ وجزاكم الله أفضل الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن أصدرنا عدة فتاوى في بيان الفرق بين الشرك والكفر، وأن كل مشرك كافر، وكل كافر مشرك، وأن الكافر والمشرك كليهما مخلدان في نار جهنم، فنحيل السائل إليها وهي برقم: 49581، و 11022
وأما أيهما أكبر الشرك أم الكفر؟ فإن صور الشرك كثيرة، وكذلك الكفر، وبعض أنواع الكفر أكبر من الشرك، فمثلاً نفي وجود الخالق عز وجل كفر، وهو أكبر من شرك من عبد مع الله عز وجل غيره.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الشرك بال له. رواه البخاري. قال: بعض الكفر أعظم قبحا من الإشراك. اهـ.
وقول السائل: هل يعتبر أهل الكتاب من المشركين أم من الكفار أم من المؤمنين؟ نقول: أهل الكتاب هم اليهود والنصارى وهم كفار، وهم أيضا مشركون وليسوا مؤمنين، وقد حكم الله عز وجل عليهم في القرآن بالكفر كما في قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا] (البينة: 6) . وكما قال تعالى: [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ] (المائدة: 74) . وكفر اليهود والنصارى من المعلوم من الدين بالضرورة، والآيات في هذا كثيرة، وقد سبق لنا أن أصدرنا فتاوى في بيان كفرهم، وانظر الفتوى رقم: 5750، و 2924، 7299، و 14927.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(1/3077)
شبهة وجوابها حول تكفير من ضرب أولاده فقال أنا يهودي
[السُّؤَالُ]
ـ[إلحاقاً لفتواكم رقم 49166 بتاريخ 7ربيع الآخر بعنوان \" حكم من شبه نفسه بقسوة اليهود عندما ضرب أولاده \" أقول لكم: هذا الذي أفتى بكفر من قال أنا يهودي عندما ضرب أولاده أخبرناه بفتواكم السابق رقمها وتاريخها رد بقوله: (إئتني بلفظة يهودي من كتاب الله أو من سنة رسوله تدل على القسوة أو تدل على أي معنى آخر غير الملة وأنا أوافقك الرأي بأنه ليس بكافر أما اعتمادك على معنى يهودي من خلال القرائن الدالة في كلامه بأنها تدل على قسوة القلب فهذا اعتمادٌ على العرف وليس على مدلول الألفاظ الشرعية ولهذا لن أتراجع عن كونه كافراً باعترافه الشخصي ونسبه لنفسه باليهودية) أفتونا مأجورين على هذه المسألة التي فرقت الصف وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا داعي للمماحكة في هذه المسألة فالحكم على الأعيان بالكفر مسألة قضائية لا تصح إلا من القاضي بعد توفر شروطها وانتفاء موانعها نظرا لما يترتب عليها.
والفتوى التي أشرت إليها بينا الأدلة فيها على ما ذكرنا وأقوال العلماء في المسألة.
ومقولة الشخص المذكور تدل على أنه يشبه نفسه عند قسوته على الأولاد بقسوة اليهود وهذا ما بينه بقوله: أنا لا أنسب نفسي لملة اليهود وإنما قصدت أنني قاس عندما أضرب أبنائي.
وهذا نوع من التشبيه: البليغ الذي حذفت منه أداة التشبيه ووجه الشبه وهو كثير في القرآن الكريم والحديث الشريف ولغة العرب وكلام العوام.
وأما القرائن والعرف فلا يمكن إلغاؤهما أو عدم اعتبارهما لأن الشريعة الإسلامية اعتبرتهما وبنت عليهما الأحكام.
قال ابن العربي في أحكام القرآن عند قوله تعالى: [تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ] (التوبة: 92)
قال علماؤنا: " من قرائن الأحوال ما يفيد العلم الضروري ومنها ما يحتمل التردد.
ثم مثل لذلك وعقب عليه بقوله: ومع ذلك فإنها قرائن يستدل بها في الغالب وتبنى عليها الشهادة.. بناء على ظواهر الأحوال وغالبه ا.
وأما العرف فهو أصل من أصول الاستنباط كما هو مقرر في علم الأصول،
ومن القواعد الفقهية المتفق عليها: العادة معتبرة، أو محكمة، والأصل في هذه القاعدة قول الله تعالى:
[خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ] (لأعراف: 199)
وقوله صلى الله عليه وسلم، لهند بنت عتبة: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف.متفق عليه.
وعلى هذا فلا داعي لإلغاء هذه الأمور وتجاهلها وخاصة في هذه المسألة الخطيرة التي يترتب عليها إخراج مسلم من دينه،
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1425(1/3078)
حكم سب دين النصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من سب دين النصارى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان القصد بدين النصارى الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام فإن ذلك لا يجوز، بل هو كفر. ولا يجوز سب أي دين من الأديان التي جاء بها الأنبياء السابقون، فالدين الذي جاء به الأنبياء جمعيا واحد، والمسلمون يؤمنون بجميع الأنبياء؛ كما قال تعالى: [آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ] (البقرة: 185) .
وسب أي دين من أديان هؤلاء أو شتمه أو الاستهزاء به يعتبر كفرا، قال تعالى: [قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ] (التوبة: 65-66)
وقال تعالى: [شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ] (الشورى: 13) .
أما إن كان القصد بالدين ما أحدثه النصارى من التحريف والتبديل والشرك والخزعبلات فهذا لا مانع من سبه ووصف أصحابه بالشرك والكفر.
فقد قال الله عز وجل: [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ] (المائدة: 73) .
ولكن ذلك إذا كان يؤدي إلى سب الإسلام أو نبيه فإنه لا يجوز سدا للذريعة، فقد نهى الله عز وجل عن سب أصنام المشركين حتى لا يؤدي ذلك إلى سب الله عز وجل، فقال تعالى: [وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ] (108) .
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 19944.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(1/3079)
التحول عن السكن في قرية يفشو فيها الشرك أولى
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش فى قرية أهلها يتحاكمون إلى ما يسمى بسوالف البادية ويظهر فيهم الشرك بكافة أنواعه من الذبح لغير الله والخوف والرجاء من الأولياء وزيارة القبور ويسبون الله والدين والعياذ بالله وينتشر بينهم الزنا والسرقة والربا والتبرج والاستهزاء بالملتزمين بكتاب الله والاستهزاء باللحية والسواك والجلباب ومع ذلك يقولون لا إله إلا الله ويصلون ويصومون رمضان. هل تجوز الصلاة خلف مستور الحال من هؤلاء الناس؟ وما حكم هؤلاء الناس؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن سب الله عز وجل كفر أكبر مخرج من الملة، وكذلك سب الدين أو الذبح تعبدا لغير الله، والاستهزاء بشعيرة من شعائر الإسلام، والحكم بغير كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على تفصيل ذكرناه في الفتوى رقم: 35130 فليرجع إليها.
ومن تلبس بذلك وتوفرت الشروط لتكفيره وانتفت الموانع فإنه كافر وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، ولا تصح الصلاة خلفه.
وأما من كان مستور الحال من أهل هذه القرية فالأصل جواز الصلاة وراءه، ونحن ننصح السائل بأنه إذا كان حال هذه القرية كما ذكر في السؤال وغلب على أهلها هذا الشرك وتعذر عليكم دعوتهم، فننصحكم بالتحول عنهم إلى قرية أخرى خشية أن يصيبهم عذاب فتكونوا معهم. قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [سورة هود: 102] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(1/3080)
الفرق بين الكافر والمشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة المشايخ في مركز الفتوى كلي أمل من فضيلتكم أن تأخذوا هذه الرسالة بكل جدية، تعريف الكافر والمشرك والفرق بينهما، هل يخلد الكافر أو المشرك في النار أم لا، وما هي المدة التي يبقى فيها في النار، ما الفرق بين بني إسرائيل واليهود اليوم، ما الفرق بين اليهود والنصارى من ناحية الدين العذاب في الآخرة والنجس والنسب منهم، هل يخلد أو يسكن أحد من أهل الكتاب في نار جهنم والمقصود هنا المسلمين، والأسباب المؤدية إلى ذلك مع كل الاحترام والتقدير؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ الكافر مشتق من الكفر وهو الجحود لبعض ما يجب الإيمان به والمشرك مأخوذ من الشرك وهو جعل شريك مع الله، وقد ذكر النووي في شرح مسلم: أن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش فيكون الكفر أعم من الشرك.
واعلم أن الكافر والمشرك مخلدان في النار كما يدل له قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] ، وقوله تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] ، وسبب تخليدهم فيها هو كفرهم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله، وأما الفرق بين بني إسرائيل واليهود اليوم فإن بني إسرائيل هم بنو يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام.
وأما اليهود اليوم فكثير منهم من يهود الخزر الذين جاءوا من بلاد السوفيات وبعضهم من أعراق أخرى، ولا فرق بين اليهود والنصارى من ناحية العذاب والنجاسة والكفر إذ كلهم داخلون في عموم تعذيب الذين كفروا من أهل الكتاب الذي تقدم، وداخلون في عموم نجاسة الشرك المذكور في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28] .
وأما من ناحية النسب فبعض النصارى رومان وبعضهم أقباط وبعضهم عرب وبعضهم من الشعوب الإفريقية أو الأسيوية أو الأمريكتيين، وبعض اليهود من بني إسرائيل وبعضهم من الخزر وبعضهم من العرب أو غير ذلك من الشعوب، ولا علاقة بين النسب والديانة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 24670، والفتوى رقم: 2924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1425(1/3081)
حكم قول القائل عن نفسه إنه يهودي
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن حكم زوج كان يناقش زوجته في بعض الأمور الدينية فلم يقتنع بقولها فقال لها إنني لن أقتنع بكلامك فأنا \"يهودي\".. هل في هذه الحالة يعتبر مرتدا عن الإسلام؟؟.. إذا كان نعم هل يجب عليه الغسل وإعادة الشهادتين كما لو كان أول مرة يدخل في الإسلام.. للإشارة فهو لم يترك من الإسلام شيئا أبدا فقط كان نعته لنفسه باليهودي في ساعة غضب وهو مسلم قلبا وقالبا.. وهل عليهما تجديد عقد الزواج؟؟.. وما حكم زوجته لأنها امتنعت عن فراشه لخوفها من كونه أصبح مرتدا عن الإسلام بقوله إنه يهودي وارتأت أن تنتظر معرفة الفتوى الشرعية في أمره حتى لا يكونا في حكم الزانيين؟؟..
بالله عليكم أسرعوا في الجواب فالأمر معلق بين هذين الزوجين في انتظار الفرج من الله وصدور فتواكم مشكورين.. والسلام عليكم ورحمة الله تعال وبركاته..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فإن من قال إنه يهودي وهو غير مكره ولا في معرض يمين فقد ارتد عن الإسلام إن كان قاصدا ذلك، ويفرق بينه وبين زوجته فورا حتى يتوب إلى الله تعالى، وقد اختلف أهل العلم في هذه الفرقه هل تعتبر طلاقا أو تعتبر فسخاً فقط،
لذلك الموضوع يرجع في الفتوى رقم: 23647.
أما عن موضوع غسله - حيث حكمنا بردته - عند رجوعه للإسلام فإنه محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من لم يوجبه ومنهم من أو جبه مستندا لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن ثمامة بن أثال أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به إلى حائط بني فلا ن فمروه أن يغتسل. متفق عليه. وعن قيس ابن عاصم أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر. رواه النسائي وغيره بإسناد صحيح، وقد ذكر ابن هشام في سيرته والطبري في تاريخه أن سعد بن معاذ وأسيد بن حضير حين أرادا الإسلام سألا مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة كيف تصنعون إذا دخلتم في هذه الأمر قالا نغتسل ونشهد شهادة الحق، ومن لم ير الغسل واجباً وهم الحنفية والشافعية قالو: باستحباب الغسل لعدم استقاضة النقل بالأمربه مع كثرة من أسلم، والراجح القول الأول لوجود الأحاديث الواردة في ذلك، فعلى السائل أن ينظر في ما صدر منه فإن كان في غير معرض يمين وكان عن قصد للكفر فهو ردة، فعليه أن يرجع إلى الإسلام ويغتسل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(1/3082)
الحروف العربية وغير العربية هل لها حرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو احترام الحروف العربية؟ أيجوز لأحد أن يدوس بالرجل شيئا مكتوبا بالحروف العربية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرء أن يدوس برجله شيئا مكتوبا بالحروف العربية، بل ولا أن يتركها ملقاة في الطريق، وفاعل ذلك يعتبر مرتدا إذا كانت الحروف قرآنا أو حديثا.
قال الدسوقي: من رأى ورقة مكتوبة مطروحة في الطريق ولم يعلم ما كتب فيها فإنه يحرم عليه تركها مطروحة في الطريق لتوطأ بالأقدام، وأما إن علم أن فيها آية أو حديثا وتركها كان ذلك ردة، كما قال المسناوي. (4/302) .
ومن أهل العلم من قال بحرمة الحروف مطلقا عربية كانت أو غير عربية.
قال في المصدر السابق: قال الشيخ إبراهيم اللقاني: محل كون الحروف لها حرمة إذا كانت مكتوبة بالعربي، وإلا فلا حرمة لها إلا إذا كان المكتوب بها من أسماء الله، وقال عج: الحروف لها حرمة، سواء كتبت بالعربي أو بغيره، وهو ما يفيده ح وفتوى الناصر. قال شيخنا وهو المعتمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(1/3083)
الاستهزاء بالدين من أخطر الكبائر وأعظمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرت في الآونة الأخيرة نكت طالت الدين الإسلامي في المواقع الألكترونية والهواتف المتحركة بشكل مؤسف ومخزٍ.. ويتناقلها بعض الأشخاص من باب الضحك المميت للقلب طبعا:
1. دجاجة معلقة صورة بيضة مقلية.. ليش؟ هذه صورة أخوها الشهيد..
2. إمام لبناني قرأ الفاتحة في الصلاة.. وعندما قالت النساء آمين.. قال: يئبرني (فديت أو يا محلا) هذا الصوت راح أرجع اقرأ الفاتحة من جديد..
3. ثعلب التقى بديك كان فوق الجدار فقال له: انزل نصلي جماعة.. وغيرها الكثير من النكت التي طالت الملائكة عليهم أفضل الصلوات والسلام أيضا.. فما حكم الإسلام بشكل مفصل دون الاكتفاء بكلمة حرام من قبلنا، أفيدونا؟ جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما ذكرته في هذا السؤال يعتبر استخفافاً بالدين الإسلامي واستهزاء بمقدساته وبتعاليمه، وإن كان المتعاطي لهذه الأمور والمتداول لها واحداً ممن ينتمون إلى الإسلام وفعل ما فعل استخفافاً بالدين فاعلمي أنه قد كفر كفراً مخرجاً من الملة والعياذ بالله، قال الله تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66] .
والاستهزاء بالدين من أخطر الكبائر وأعظمها لأن صاحبه مريض القلب، مستهين بالدين، لا يرضاه منهجا للحياة ويفضل عليه غيره، وإن كان الناشر لهذه السخافات والمروج لها هو بعض أعداء الإسلام، فلا غرابة في ذلك، فإن عداء خصوم الإسلام للإسلام سيظل موجوداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يهدأ ذلك إلا إذا ترك المسلمون دينهم، وانتموا إلى الديانات الأخرى، قال الله تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة:120] .
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] .
وواجب المسلم إزاء مثل هذه الأمور هو الدفاع عن عقيدته ومقدساته وتعاليم دينه، ونسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وإياك ممن يغار لدينه ويدافع عن شعائره ويحميها بكل ما يستطيع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(1/3084)
هل يعذر من سب الدين جهلا أو غضبا
[السُّؤَالُ]
ـ[أود توضيح مسألة مهمة جدا بالنسبة لي وهي تتعلق بانتشار سب الدين في بلدنا واختلفت مع أحد الإخوة في حكم من سب الدين فهو يقول لي إن سب الدين كفر ولكن لا يجوز أن نحكم بالكفر على شخص بعينه حتى وإن سب الدين فيجب أن نقيم عليه الحجة بأن نخبره بأن هذا العمل كفر فإن أصر فهو كافر وأنا قلت له إنه بمجرد سبه للدين فقد كفر ويجب عليه الدخول في الإسلام مرة أخرى ولا أظن أن هناك عذرا بالجهل في هذه المسألة أو حتى التعلل بأي عذر آخر كأن يقال إنه كان غاضبا أو مثل ذلك من الأعذار. أرجو من فضيلتكم توضيح هذه المسألة بالأدلة وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن سب الدين كفر بالله عز وجل، فإذا وقع من مسلم فقد ارتد عن الإسلام، عياذا بالله من ذلك، ولا يعذر بالجهل، ومن باب أولى لا يعذر بالغضب، لأنه لا يعذر به في شيء ما لم يبلغ به غضبه إلى حالة لا يدرك معها ما يقول، فحينئذ يعذر لأنه يعتبر فاقدا للعقل الذي هو مناط التكليف، أما إذا صدر منه السب وهو يدرك ما يقول فلا عذر له، وقد قال الله تعالى: [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ] (التوبة: 65-66) .
وقد نزلت في أناس لم يعلنوا بسب الدين صراحة، لكنهم طعنوا في حملته ونقلته فقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، فكيف بمن تجرأ وسب الدين رأسا؟!
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1425(1/3085)
سب الدين يخرج صاحبه عن ملة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن من سب الدين وجب قتله وقال آخر إنه يخرج من الملة فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن سب دين الإسلام فقد كفر كفراً مخرجاً من الملة، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 133.
وما سمعته من أنه يقتل فصحيح أيضاً، قال الشيخ خليل رحمه الله: وإن سب نبياً أو ملكاً أو عرّض أو لعنه أو عابه أو قذفه أو استخف بحقه، أو غيّر أو ألحق به نقصاً وإن في بدنه أو خصلته أو غض من مرتبته أو وفور علمه أو زهده، أو أضاف له ما لا يجوز عليه، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو قيل له بحق رسول الله فلعن وقال: أردت العقرب، قتل ولم يستتب.
ولكن يجب أن يعلم أن الحدود لا يقيمها أفراد الأمة فلا يقيمها إلا السلطان المسلم أو نائبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(1/3086)
هذا التشبيه سوء أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت رجلاً يقول تخيل أنه توجد ضفدعة ويوجد صياد يريد أن يصطاد السمك والضفدعة تنزل في الماء وتخبر السمك بوجود الصياد فالنبي صلى الله عليه وسلم
مثل الضفدعه مع فرق التشبيه والشيطان مثل الصياد
فقلت له كيف تشبه النبي صلى الله عليه وسلم بالضفدعة
قال لي ما دمت قلت مع فرق التشبيه لا تكون ذنبا فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم على الوضع المذكور فيه استخفاف وإهانة، ويخشى على من ضرب هذا المثل من الكفر والعياذ بالله ولا ينفعه قوله بعد ذلك مع فرق التشبيه، حيث لو كان للنبي صلى الله عليه وسلم مكانة في قلب هذا الشخص ما ضرب له هذا المثل، ولبحث عن مثل آخر تتجلى فيه عظمة النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا الشخص أن يتوب إلى الله من هذا الفعل الشنيع بدلاً من المجادلة بالباطل، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي بالباطل، نسأل الله أن يرزقنا الأدب مع رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(1/3087)
بيان حول قاعدة: ناقل الكفر ليس بكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ (ناقل الكفر ليس بكافر)
ما أصل هذه المقولة ومن هو صاحبها، وهل تعد قاعدة فقهية أفيدونا بكل ماله علاقة بالمقولة
أثابكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقاعدة: ناقل الكفر ليس بكافر، ويعبر عنها أيضاً بحاكي الكفر ليس بكافر، قد وردت على لسان بعض أهل العلم، ومن أولئك الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية وشيت بن حيدرة في كتابه حز الغلاصم، وهذه القاعدة صحيحة فيما إذا كان الناقل يحكي الكفر فقط، أو يحكيه ويرد عليه، وهذا في القرآن والسنة كثير، وأما إذا كان ناقل الكفر ينقله مقراً له أو موافقاً فهو كافر كالقائل.
وليست هذه القاعدة من القواعد الفقهية، لكنها من القواعد العقدية في باب التكفير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1425(1/3088)
من عزم على الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال شخص في سره سوف أرتد، هل يعتبر كفر، وإذا كان كفر ماذا يفعل مع التوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن عزم على الكفر في المستقبل فإنه يكفر حالاً، قال الإمام الرملي في نهاية المحتاج: أو عزم على الكفر غداً -مثلاً- أو تردد فيه أيفعله أولا كفر. ا. هـ
وقال الجمل في حاشيته على منهج الطلاب: فإذا عزم على الكفر كفر حالاً، بخلاف ما لو عزم على فعل المكفر فلا يكفر إلا بفعله. ا. هـ
وقال الإمام بدر الدين الزركشي في المنثور: لو نوى قطع الإسلام كفر بمجرد النية، وكذا لو عزم على الكفر غداً كفر في الحال.
وقال الطرابلسي الحنفي في معين الحكام: إذا عزم على الكفر ولو بعد مائة سنة يكفر في الحال. ا.هـ
والواجب على من وقع في ذلك أن يجدد إسلامه وينطق بالشهادتين.
وكلامنا هنا في من عزم (أي نوى) الكفر في الحال أو في المستقبل، أما إذا كان الذي ورد عليه مجرد وسواس من الشيطان، فما عليه إلا أن يستعيذ بالله من كيد الشيطان ووساوسه، ولا يسترسل في التفكير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1425(1/3089)
تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون معاملة الإسلام في شخص ملتزم وهناك في البيت الأم تكفر بالله قولا فهي تسب الله بل تلعنه وتلعن الدين، والعياذ بالله فهذا كفر بذاته لا يستوجب استحلالا فهي كافرة فهل تعذر أو لا في موانع التكفير وثانيا كيف معاملتي معها هل أصرخ بوجهها أو أضربها أو أشد عليها كما فعل إبراهيم مع أبيه الكافر في شدة الكلام وهل هناك فرق في معاملة الأبوين الصالحين الملتزمين وبين الكافرين كفراً أصلياً وطارئاً من حيث المعاملة وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكم سب الله تعالى وسب دينه هو كفر بلا ريب، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 767، والفتوى رقم: 1845، ويستوي في هذا الحكم من فعله مازحاً أو جاداً كما قال ابن قدامة: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أو جاداً. اهـ
وليعلم أن من قام به فهو كافر لكن التعيين أي الحكم على فلان بعينه أنه كافر وإقامة أحكام الكفر عليه يحتاج إلى أن توجد شروط وتنتفي موانع كما يقول ابن قمين: إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع. ا. هـ
ويقول: ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة، فإذا قامت الحجة على هذه المرأة وأزيلت الشبهة عنها ثم لم تتب فهي كافرة بلا شك، ويعاملها أولادها معاملة الأم الكافرة، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 2674، والفتوى رقم: 16256، والفتوى رقم: 43891.
ويجب التنبه إلى أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان، وراجع الفتوى رقم: 18427.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1425(1/3090)
تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون معاملة الإسلام لشخص ملتزم وهناك في البيت الأم تكفر بالله قولا فهي تسب الله بل تلعنه وتلعن الدين، والعياذ بالله فهذا كفر بذاته لا يستوجب استحلالا فهي كافرة فهل تعذر أولا في موانع التكفير وثانيا كيف معاملتي معها هل أصرخ بوجهها أو أضربها أو أشد عليها كما فعل إبراهيم مع أبيه الكافر في شدة الكلام وهل هناك فرق في معاملة الأبوين الصالحين الملتزمين وبين الكافرين كفرا أصلياً أو طارئاً من حيث المعاملة وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكم سب الله تعالى وسب دينه هو كفر بلا ريب، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 767، والفتوى رقم: 1845، ويستوي في هذا الحكم من فعله مازحاً أو جاداً كما قال ابن قدامة: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أو جاداً. اهـ
وليعلم أن من قام به فهو كافر لكن التعيين أي الحكم على فلان بعينه أنه كافر وإقامة أحكام الكفر عليه يحتاج إلى أن توجد شروط وتنتفي موانع كما يقول ابن قمين: إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع. ا. هـ
ويقول: ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة، فإذا قامت الحجة على هذه المرأة وأزيلت الشبهة عنها ثم لم تتب فهي كافرة بلا شك، ويعاملها أولادها معاملة الأم الكافرة، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 2674، والفتوى رقم: 16256، والفتوى رقم: 43891.
ويجب التنبه إلى أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان، وراجع الفتوى رقم: 18427.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1425(1/3091)
ساب الرسول المتنقص له كافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رسم وتصوير الذات الإلهية
ما حكم رسم وتصوير الرسول عليه السلام
ما حكم الرسم الكاريكتوري الساخر من شخص الرسول الكريم.
الرجاء الإفاضة في التدليل والدليل. نحتاج ذلك لتدعيم شكوى قانونية بجريدة La liberté السويسرية التي رسمت الرسول الكريم في شكل كاركتوري ساخر في 21 يناير 2004. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن رسم وتصوير الذات الإلهية كفر شنيع وكذب قبيح فظيع، لأنه تشبيه لله تعالى بصورة ارتسمت في ذهن مصورها، وتجسيم للخالق جل وعلا تخيله عقله، وقول على الله بغير علم، وكون هذا كفرا معلوم من دين الإسلام بالاضطرار، فإن الله تعالى ليس له مثيل ولا نظير ولا شبيه ولا يقدر قدره أحد، وهو فوق ما يتصوره عقل أو يتخيله.
قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى: 11)
فقوله تعالى: "ليس كمثله شيء" رد على المشبهة وإبطال للتشبيه.
وقال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (مريم: 65) يعني شبيها أو مثلا.
قال الإمام الطحاوي: اتفق أهل السنة على أن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
وأما رسم الرسول صلى الله عليه وسلم وتصويره وتمثيل شخصيته فحرام، وحرمة ذلك محل إجماع عند علماء الإسلام اليوم، وقد صدرت في هذا الأمر فتاوى من الأزهر في عام 1968، وفتوى مجمع البحوث الإسلامية عام 1972، ودار الإفتاء المصرية عام 1980، وبنوا فتواهم تلك على أمور: منها أن التمثيل أو الرسم أو التصوير لا يكون أبدا مطابقا تمام المطابقة للأصل، فهو كذب بالفعل والقول، والكذب على الرسول حرام بالنص: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
2- أن عدم الدقة في تمثيله أو تصويره إيذاء له، وإيذاؤه حرام، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (الأحزاب: 57)
3- التمثيل والتصوير يؤديان إلى هز صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المشاهدين، وذلك مدعاة للانصراف عنه وعدم حبه، وهو على خلاف الشرع الذي أمر بحبه وطاعته، وذكروا غير ذلك من المفاسد التي تنتج عن هذا الإفك المبين، فهو حرام بلا شك في عقيدة المسلمين، وإهانة للمسلمين، وهذا كله في مجرد التصوير الذي لم يصحبها بما يدل على السخرية والاستهزاء، فإذا صحب بذلك، كان الذنب والجرم أضخم، فلا تقبلوا أبدا أن تمر هذه الحادثة مرورا عاديا، فيجب عليكم أن تسعوا لدى كل الجهات من أجل أن ينال القائمين على هذه الصحيفة ما يمكن أن ينالهم من عقاب ردعا لهم ولأمثالهم عن العبث بدينكم ونبيكم.
وأما السخرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في دين الإسلام كفر صريح وردة ظاهرة أيضا.
قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (التوبة: 65-66)
فهذا نص في أن الاستهزاء والسخرية بالله وبآياته وبرسوله كفر.
قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم المنتقص له كافر.
وقال القاضي عياض: اعلم أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزدراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له، فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب.. وهذا كله إجماع من الصحابة وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1425(1/3092)
سب الذات الإلهية كفر مخرج من الملة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أنني في أحد الأيام قمت والعياذ بالله بسب (شتم) الذات الإلهية وكنت في ساعة لا أحسد عليها حيث الغضب الكثير وعدم التحكم بالأعصاب.
لقد ندمت كثيرا على هذا العمل وتمنيت لو خسرت أي شيء ولم أتلفظ بهذا اللفظ.
بعدها قمت بأداء العمرة وتبت عن هذا العمل ولكن سؤالي هو أنني أتذكر المسبة تقريبا كل يوم وحتى أذكرها في الصلاة فهي لا تفارقني.
بالله عليكم أرشدوني وأجيبوني على سؤالي فأنا شاكر لكم وبارك الله فيكم ونفعنا بهديكم
شكرا لكم من الأعماق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسب الله تعالى كفر مخرج من الملة والعياذ بالله، سواء في ذلك المازح والجاد، والغضبان وغيره، ولكن من تاب، تاب الله عليه مهما بلغ الذنب وعظم، وتذكرك لهذا الذنب والندم عليه دليل على صدق التوبة إن شاء الله، نسأل الله أن يغفر لنا ولك، وراجع التفاصيل في الفتاوى التالية: 1327، 767، 89270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1424(1/3093)
ماذا يفعل من أكره على النطق بكلمة الكفر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يا أيها الأساتذة الكرام الذين تعملون على نشر دين الإسلام إلى شعوب العالم كلهم ليل نهار بدون مبالاة تعب ونصب كما أنزله ربنا الله..
تمنعنا -نحن المسلمين الناطقين بالإيغورية- الشيوعيون من الصلاة منعا شديدا إذا اعتقلنا في السجن, ثم نحاول أن نصلي خفية بإيماء متيممين ونحن مشاة أو عاملون بأعمال شاقة, إذا شعر بنا شرطة الشيوعيين على رغم ذلك فنتعرض لعذاب شديد لا صبر له عادة, ونحبس –إلى جانب ذلك الحبس- فى بيوت بلية ندية فى السجن لا يرى نور شمس فيها, وفوق ذلك يشدوننا بالقيود والأصفاد إلى أوتاد الحديد, ويعذبوننا بتجويع وتظميء في تلك البيوت البلية.
لا نخلص من تلك العقبات طول أعمارنا حتى نقول أمام المحبوسين الأخرى: إني أخطأت وندمت ولن أصلى بعد الآن وأنتم أيضا لا تصلوا.
يفتي بعض علمائنا اعتبارا بتلك العقبات بأنه يجوز للمحبوسين ألا يصلوا الصلاة, وألايقولوا الحق, وأن ينطقوا أقوال الكفر عند الإكراه.
إن نعمل بهذه الفتوى نخرج من السجن بعد أن قضينا وقتا حبسيا محددا وقته الشيوعيون, ثم نعمل ما شاء الله من خير الأعمال, إن شاء الله, وإلا فنبقى في العقبات التي تزداد يوما بعد يوم حتى الموت.
إن قلنا –الدعاة المسلمون الأيغورية- كلمة الحق جليا وإن لم نقل كلمة الكفر التي نكرهها أمام شرطة الشيوعين منذ أن لاقيناهم قبل أن تبلغ فهمنا الصحيح الإعتقادي -التي نرضى أن نعذب ونقتل في سبيلها-, إلى قليل من الناس في محلنا, فمنع شرطة الشيوعيين منعا شديدا في وقت ذلك كل إنسان من الفاسق والكافر -غيرأئمة الكفر- من أن يلاقي معنا خشية أن يسمع شيئا من كلمة الحق.
من سبب ذلك حصر فهمنا الصحيح الاعتقادي في أنفسنا –كل الدعاة- إن لم نقل كلمة حق جليا أمام شرطة الشيوعيين, وأسررنا عقائدنا وأعمالنا, وقلنا كلمة الكفر التي نكرهها فأمكن أن ندعو خفية كل فاسق وكافر -غير أئمة الكفر- بقدر استطاعنا إن شاء الله.
هذه الأحوال عمليات شهدناها ولقيناها وسمعناها, ليست بتصورات.
أيها الأستاذة الكرام! أي سبيل نختار فى السجن ونشير لإخواننا الذين في المجتمع.
ننشدكم بالله أن تيسروا لنا مشكلتنا هذه بسماحة الشريعة الغراء والدين الحنيف اليسر وأن تجيبونا عنها جوابا مقنعا لنا بدلائله وحججه.
يافضيلة الشيخ! هذا السوآل إن لم يوافق إلى النوع الذي اخترته لخدمتك للإسلام فننشدكم بالله أن تهب إلينا فهمك في هذه المسألة, لأنها جديدة لنا وشعبنا, وبذلك يحسن أن نسمع فهم كل واحد من العلماء المجتهدين الساعين لنشر الدين بوسائل شتى.
أيها الأستاذة الكرام! لعلكم تترددون أن هذه الأحوال هي عملية أم تصورية, لأنكم لم تشهدوها, لذلك نرجو منكم أن تستخيروا الله فتجيبونا بما ألهمه الله لكم بعد أن تبحثوا عنه.
يا ربنا الرحمن الرحيم! وفق أستاذة العرب إلى فتاوى صحيحة مفيدة برزقهم فهما صحيحا من الكتاب والسنة ومن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإلهامهم كياد الشيوعيين الذين يضطهدوا المسلمين الناطقين بالأيغورية ومشكلاتنا.
يا ربنا الرحمن الرحيم! يسر لنا مشكلاتنا في دعوتنا إلى سبيلك بأن تهب للعلماء المرشدين المجتهدين الساعين لتيسير مشكلات المسلمين من العرب والأعاجم علما نافعا وفهما واسعا من الدين كما وهبتهما لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه! آمين!!!!.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج كربتكم، وأن يذهب غربتكم، وأن ييسر لكم أمركم، ثم اعلموا أن من قواعد الدين الأساسية قاعدة الحرج، وكون المشقة تجلب التيسير، فقد قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج: من الآية78) ، وقال سبحانه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة: من الآية185) ، فما دام الحال على ما ذكرتم فالواجب عليكم أداء الصلاة على الهيئة التي يمكنكم بها أداء الفرض، ولو كان ذلك بالقلب، بل إذا لم تتيسر الطهارة بالماء أو التراب صليتم على غير ماء ولا تيمم، وذلك أن الصلاة لا تسقط عن المرء بحال ما دام عنده عقله، إذا أن العقل هو مناط التكليف، فالحاصل أن الواجب عليكم أداء الصلاة ولكن على حال لا يترتب عليكم فيه ضرر.
وبخصوص ما يقع من إكراهكم على التلفظ بكلمة الكفر، فلا حرج عليكم في ذلك ما دامت قلوبكم مطمئنة بالإيمان، فقد فعل مثل ذلك بعمار بن ياسر رضي الله عنهما وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعذرهم الله تعالى، روى الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنهما، فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي في التلخيص.
ونذكركم في ختام هذا الجواب بالصبر على هذا الابتلاء لأن في ذلك تكفيراً للسيئات ورفعة للدرجات، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ونوصيكم بالثبات على دينكم، وأن تتذكروا أن هذا سبيل المؤمنين قبلكم، روى البخاري عن خباب رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، ولَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله.
فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1424(1/3094)
التنظيف بالجرائد العربية.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التنظيف بورق الجرائد الخالية من الآيات القرآنيه ولفظ الجلالة، لأني سمعت من يحرم استخدام ورق الجرائد في التنظيف بسبب احتوائها على اللغة العربية؟
وجزاكم الله كل خير وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا خلت هذه الجرائد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أو أسماء الأنبياء والرسل مقترنة بما يخصصها لا مجرد الاشتراك في الاسم، يعني إذا وجد اسم يحيى أو إبراهيم أو عيسى أو محمد مقترناً بما يدل على أن المراد به الرسول كمحمد رسول الله أو عيسى عليه السلام ونحو ذلك من العبارات، أقول إذا خلت من ذلك فلا مانع من التنظيف بها، ولو كانت باللغة العربية، أما إذا اشتملت على آية أو حديث أو اسم معظم بشرط فلا يجوز استعمالها في ما يعد امتهاناً وابتذالاً، وإليك ما قاله أهل العلم في هذه المسألة: جاء في أسنى المطالب: ويحرم أن يطأ على فراش أو خشب نقش بالقرآن. ا. هـ
وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي: سئل هل يحرم دوس الورق أو الخرق المكتوب عليها اسم الله أو اسم رسوله؟ فأجاب: نعم يحرم دوس ذلك لأن فيه إهانة، وينبغي أن يلحق بذلك كل اسم معظم. ا. هـ
وجاء في أعلام الموقعين: ومنها (الكبائر) : الاستهانة بالمصحف أو إهدار حرمته كما يفعله من لا يعتقد أن فيه كلام الله من وطئه برجله ونحو ذلك. ا. هـ
وجاء في كشاف القناع: ويحرم توسده أي المصحف، والوزن به، والاتكاء عليه، لأن ذلك ابتذال له. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1424(1/3095)
لا يجوز رمي ما فيه اسم الله في سلة المهملات
[السُّؤَالُ]
ـ[حينما أشتري بعض الأغذية أجد مكتوبا على غلافها مثلا" (مصنع عبد الله)
أو (مصنع عبد الرحمن) فهل علي ذنب إن رميتها في سلة المهملات مع
أنني أرسلت رسائل إلى أحدهم لأنبههم ولم يرد علي أحد وهل يجب علي
أن أرسل رسالة إلى كل عنوان من هذه الأغذية؟ أرجو النصيحة لهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز رمي ما فيه اسم الله في سلة المهملات أو القاذورات؛ لما فيه من الإهانة لاسم الله تعالى، والواجب عليك نصح هؤلاء الذي يضعون اسم الله على أوراق الأغذية أو قراطيسها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم، فالواجب عليك تغيير هذا المنكر حسب قدرتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(1/3096)
خطورة الاستهزاء بشعائر الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في رمضان سألت عن مسجد لصلاة التراويح فأجابني قريب لي بنوع من التنقيص بأنه يقرأ بسور قل هو الله أحد وقصار السور فابتسمت هل أنا كافر؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن يمسك لسانه عن القدح في أمر من أمور الدين ولو كان سنة من السنن، فإن عجز عن التطبيق فليستغفر الله دون اعتراض أو سخرية.
ولا خلاف بين العلماء في أن الاستهزاء بالله أو بآياته أو رسوله كفر أكبر مخرج من الملة، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (التوبة65-66)
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى: اعلم أن العلماء قد أجمعوا على أن من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه فهو كافر، وكذا إذا أتى بقول أو فعل صريح من الاستهزاء. ا. هـ
فإذا كان صاحبك قال تلك المقالة قاصداً الاستهزاء بسورة الإخلاص وقصار السور، فقد أتى كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وكان الواجب عليك أن تنهاه عن هذا المنكر العظيم بدل أن تبتسم في وجهه، وكذلك إذا قال تلك الكلمة استهزاء بصلاة التراويح، التي هي سنة من سنن الإسلام.
والحاصل أنه يجب عليكما التوبة إلى الله عز وجل، ومن تاب تاب الله عليه، وقد قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (الشورى:25) .
ولمعرفة خطورة الاستهزاء بشعيرة من شعائر الإسلام، نحيل السائل إلى الفتاوى التالية: 24283 / 1845 / 5442 / 5642
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1424(1/3097)
حكم وضع ما كتب فيه اسم الله على الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز وضع الأوراق التي تحتوي على اسم الله -سبحانه وتعالى- مع أو على الكتب القديمة والتي يحتمل وجود قذارة بها، ولكنني لا أعلم هل بها قذارة أم لا ولكنها كتب تباع على الأرصفة مثلا. وهل يجوزوضع الحقائب التي توضع على الأرض ويلتصق بها التراب على الأوراق التي تحتوي على اسم الله -سبحانه وتعالى-]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم مأمور بتعظيم حرمات الله وشعائره، قال تعالى: ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه [الحج:30] وقال: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [الحج:32] ، وليس من تعظيم الحرمات والشعائر أن يضع المرء ما فيه اسم الله مع ما يحتمل وجود قذر، ولا أن يضع الحقائب التي لصقت بها التراب فوق ما فيه اسم الله.
فإن فعل شيئاً من ذلك استخفافاً واستهزاء فقد كفر والعياذ بالله، قال تعالى: قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون*لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [التوبة:65/66] ، وإن لم يكن فعله استهزاء فإنه يحرم إن كان إهانة لما فيه اسم الله، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 1064، والفتوى رقم: 28628
وهذا كله على تقدير ما ذكرت من احتمال القذر في الكتب القديمة، ولا بد فيه من جود ما يشعر باحتمال هذا القذر، وأما كون الكتب قديمة فإن ذلك لا يصيرها مستقذرة ولو كانت متآكلة من القدم أو محترقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1424(1/3098)
الاستهزاء بالعمامة والاستهزاء بلابسها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت أنه من قال عميمة عالم ويقر بأنه استهزاء بهذا العالم، مع العلم بأن العمامة هي سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد كفر فما حكمكم؟ هل يجوز نقد أفعال العلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعمامة سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية، فمن استهزأ بها مع علمه بسنيتها قاصداً بذلك الاستهزاء بالسنة، فالحكم عليه بالخروج من الإسلام غير بعيد، أما إن كان يقصد الاستهزاء بلابسها، فهذه معصية يجب عليه أن يتوب منها كسائر المعاصي والذنوب، وهي تدخل تحت قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ [الحجرات:11] .
وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 33741، والفتوى رقم: 37125.
أما عن انتقاد العلماء والرد عليهم ومناظرتهم ممن هو أهل لذلك، فذلك لا بأس به، بل قد يكون واجباً في بعض الأحيان، لكنه مشروط بشروط منها:
أولاً: أن يكون قصد الناقد النصح لا الفضيحة والتشهير.
الثاني: أن يلتزم الأدب في كلامه، ويبتعد عن الألفاظ البذيئة والكلمات الجارحة.
الثالث: أن يكون عالماً بالمسألة، عارفاً بالخلاف الوارد فيها، فإن أكثر المنتقدين في عصرنا، قد بدأوا حياتهم العلمية بالنقد، قبل أن يتعلموا.
الرابع: أن ينصح العالم في ما بينه وبينه أولاً إن أمكن ذلك، ولمعرفة المزيد عن هذا الأمر راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 33943، 6506، 11967، 19536، 11129.
وننبه السائل إلى أنه تنبغي كتابة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم كاملة دون رمز، كما ورد في السؤال مثل (صلعم) ونحوه، ولمعرفة ذلك راجع الفتوى رقم: 7334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1424(1/3099)
عوامل الخروج من الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يخرج المسلم من إيمانه؟ وكيف يعيد إيمانه جزكم الله خيرا وبارك الله في سعيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فخروج المسلم من إيمانه قسمان:
الأول: الخروج الكلي، ويكون بارتكاب الكفر أو الشرك المخرج من الملة، وقد تقدم الكلام عن أنواع الكفر ومسائل أخرى حول الكفر، وذلك في الفتاوى التالية: 10765، 12800، 38537.
والثاني: الخروج الجزئي، ويكون بارتكاب الذنوب والآثام، وهو معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. متفق عليه.
وأحاديث أخرى مماثلة تجدها في الفتوى رقم: 11344، وتكون العودة إلى الإيمان بالتوبة، والإقلاع عن السبب الذي أخرجه عنه كليا أو جزئيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1424(1/3100)
حكم إلقاء الأسماء في القمامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أسماء الرسول مثل خاتم المرسلين وغيره لا يجوز إلقاؤها في القمامة؟ وهل أسماء الناس مثل محمد أو أحمد لا يجوز أيضا إلقاؤها في القمامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأوراق المكتوب عليها اسم من أسماء الله تعالى أو أسماء أنبيائه، يجب احترامها وصيانتها عن أن تلقى في مكان لا يليق بها. قال ابن حجر في فتاواه: فإن القرآن وكل اسم معظم، كاسم الله أو اسم نبي له، يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه.
والمقصود بأسماء الأنبياء ما يفهم منه أنه لنبي، بحيث يقرن به من العبارات ما يفهم أنه لنبي، كمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عيسى عليه الصلاة والسلام، أو موسى كليم الله ونحو ذلك، أما مجرد اسم محمد أو عيسى أو موسى، فلا يأخذ هذا الحكم.
جاء في "حاشية الدسوقي": على الشرح الكبير عند قول صاحب الشرح: ويكره الاستنجاء بيد فيها خاتم فيه اسم الله أو اسم نبي. قال: وقوله: واسم نبي، أي مقرون بما يعنيه كالصلاة والسلام، لا مجرد الاشتراك. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1424(1/3101)
لا يعذب الله أحدا حتى تقوم عليه الحجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا سيكون مصير الذين سمعوا عن الإسلام ولا يعرفون عنه شيئاً؟ وماذا سيكون مصير المسيحين مثل الأم تريسا التي لم تفعل إلا الخير فقط؟ وماذا سيكون مصير الملايين الذين هم اختارو الإلحاد لسبب إجبار الدولة على الإلحاد؟ ما مصير الهنادكة والبوذيين بعد موتهم؟ وما مصير اليهود الذين يؤمنون بإله واحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الله تعالى لا يعذب أحداً حتى تقوم عليه الحجة كما قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15] . ومعنى قيام الحجة هو بلوغ الإسلام إلى الشخص وتمكنه من العلم به، كما قال ابن القيم: فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبلوغ ذلك إليه وتمكنه من العلم به سواء علم أو جهل، فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه فقصر عنه ولم يعرفه، فقد قامت عليه الحجة، والله سبحانه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه. انتهى من مدارج السالكين. ومما تجدر الإشارة إليه أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص كما قال ابن القيم: إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له. فإذا قامت الحجة الرسالية على الشخص فلم يسلم ثم مات كافراً فهو من أهل النار خالداً مخلداً فيها، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [البقرة:161-162] . وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] . أما ما عمله هؤلاء الكفار من خير في الدنيا فإنه لا ينفعهم أمام الله يوم القيامة، فكفرهم وشركهم يحبط كل عمل خير عملوه، فإن الشرك هو أعظم الظلم على الاطلاق، قال الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] . وقال تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً ... [مريم:90-91] . فانظر إلى فظاعة وشناعة قول أهل التثليث والتعدد حتى أن نظام الكون يكاد يختل من إفكهم. فما عسى أن تكون أعمالهم الخيرة في الدنيا وهم يؤذون الله خالقهم وباريهم، وما عسى أن تكون أعمالهم الخيرة في الدنيا وهم يظلمون أعظم الحقائق حقيقة التوحيد، ويعتقدون أشنع العقائد التثليث وتعدد الآلهة. وأما أولئك اليهود الذين يؤمنون بإله واحد كما ذكرت، فإنهم وإن لم يقولوا بالتعدد إلا أنهم وصفوا الله بما يتنزه عنه ويتقدس، فوصفوه بالفقر والتعب والنسيان كما قال الله عز وجل راداً عليهم: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [قّ:38] . وقال تعالى: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] . وقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا [المائدة: 64] . فبسبب هذا الكفر لم ينفع الكافرين حسناتهم يوم القيامة، كما قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] . قال ابن كثير: قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر، فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء، وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها وإما المتابعة لشرع الله، فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل، فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معاً فتكون أبعد من القبول حينئذ. انتهى. وقال الشوكاني: في قوله: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ... وذلك أنهم كانوا يعملون أعمالاً لها صورة الخير من صلة الرحم وإغاثة الملهوف وإطعام الطعام وأمثالها، ولم يمنع من الإثابة عليها إلا الكفر الذي هم عليه. انتهى. ومثل الآية المتقدمة قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18] ، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور:39] . هذا في الجزاء الأخروي لأن شرط المثوبة هناك الإسلام، وأما في الدنيا فإن الله عز وجل يعطي الكافر جزاء ما عمله من خير فيها قبل موته، فإن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم وبهذا يتبين لك أن الكافر لو عمل خيراً يريد به وجه الله، فإنه لا يموت حتى يعطى ثوابه، فإذا جاء إلى الآخرة لم تكن له حسنات يجزى بها. وأما سؤالك عن مصير الذين سمعوا بالإسلام ولم يعرفوا عنه شيئاً؟ فجوابه: أن من مات على غير الإسلام ولم تكن بلغته الدعوة على وجهها فإن مآله في الآخرة موضع نظر بين أهل العلم، وقد ذكر أقوالهم الدكتور الصاوي في كتابه الثوابت والمتغيرات، فقال: فمنهم من جزم بعدم عذره وأنه معذب لا محالة، ومنهم من جزم بعذره وأنه لا يعذب حتى تقام عليه الحجة الرسالية، وهذا ما جزم به ابن القيم، وهؤلاء الذين قالوا بعذرهم حتى تقوم عليهم الحجة انقسموا إلى قسمين، فقسم أطلق القول بعذرهم وأن الرحمة تشملهم ابتداء، قال الغزالي: بل أقول: إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة، إن شاء الله تعالى، أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك، ولم تبلغهم الدعوة، فإنهم ثلاثة أصناف: الصنف الأول: لم يبلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم أصلاً، فهم معذورون. الصنف الثاني: بلغهم اسمه ونعته، وما ظهر عليه من المعجزات، وهم المجاورون لبلاد الإسلام، والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون. الصنف الثالث: هم بين الدرجتين، بلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضاً منذ الصبا أن كذابا اسمه محمد -نعوذ من ذلك بالله تعالى- ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذاباً يقال له: المقفع بعثه الله تحدياً بالنبوة، كاذباً، فهؤلاء عندي في أوصافه في معنى الصنف الأول، فإنهم مع أنهم لم يسمعوا اسمه، سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك النظر في الطلب. ومنهم من قال يمتحنون في عرصات يوم القيامة: وقد صحت في هذا القول بعض النصوص، وذهب إلى القول به عدد كبير من أهل العلم، منهم ابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر، وابن حزم، وابن كثير، والبيهقي ونسبه أبو الحسن الأشعري إلى أهل السنة والجماعة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أربعة يوم القيامة يدلون بحجة، رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ومن مات في الفطرة، فأما الأصم فيقول: يا رب، جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: جاء الإسلام والصبيان يقذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: لقد جاء الإسلام وما أعقل، وأما الذي مات على الفطرة فيقول: يا رب، ما أتاني رسولك، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار، قال: فو الذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً. قال ابن كثير رحمه الله: بعد أن ساق النصوص التي تشير إلى امتحان هؤلاء في عرصات يوم القيامة، وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض، وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد، وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد. انتهى. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1424(1/3102)
سب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كفر أكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أدرس في ثانوية يكثر فيها الفساد، فأكثرهم يسبون الله ويسبون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تجد على ألسنتهم إلا كلام الكفر وكلام الفاحشة، وأنا بينهم ولا يوجد من يلتزم بالصلاة وحسن السلوك، بل كلهم إلا ما شاء الله معلنين الفساد وأنا أخاف على نفسي إذ لا يوجد لدي رفيق فماذا أفعل جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك الثبات والعون على طاعة الله تعالى، وعليك أن تبحث عن مدرسة أهلها صالحون لتنتقل إليها بدلاً عن هذه المدرسة الفاسدة والبيئة الموبوءة.
ولتحذر من مخالطة هؤلاء ومجالستهم، فإن من يسب الله تعالى أو يسب نبيه صلى الله عليه وسلم لا خير فيه إذا لم يبادر بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل، فقد اتفق المسلمون على أن من سب الله تعالى أو سب دينه أو رسله.. فقد كفر كفراً مخرجاً من الملة، سواء كان جاداً أو هازلاً (مازحا) وكذلك الاستهزاء والسخرية، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (التوبة: 65-66) .
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة عن هذا الموضوع في الفتاوى التالية أرقامها:
1327 / 9880 8927
ولهذا ننصحك بالبعد عن هؤلاء والبحث عن أصدقاء وزملاء صالحين وستجدهم إن شاء الله.
واستعن بالله تعالى واعلم أنك قوي بالله تعالى عزيز بدينك وبأخلاقك، وستجد من يشد أزرك ويعينك على الحق بإذن الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1424(1/3103)
حكم تكفير الكفر وجها لوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هل يجوز الإشارة إلى الكافر باليد والقول له أنت كافر علما بأنه كافر فهل يجوز ذلك علماً بأن الذي لم يكفر الكافر أو يشك فى معتقدهم فهو كافر كما قال مجدد السنة الشيخ ابن عبد الوهاب والشيخ ابن باز رحمهما الله نرجو الإجابة، هل يجوز أم لا أفيدونا حفظكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره أنه كافر، وهذا أصل أصيل في الإسلام، إلا أن هذا لا يعني ما ذكره السائل من إسماع الكافر كونه كافراً، بل الغالب أن ذلك يتنافى مع الحكمة، إذ كيف يقال هذا الكلام لمن يرجى تأليفه على الإسلام، لا سيما وأن الكافر قد يعتقد أنه على حق، فإسماعه هذه الكلمة مقتض لتنفيره عن سماع الحق وعن قبوله إياه.
ويستثنى من هذا حالة وهي فيما إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك، ويغلب أن يكون هذا في حق المعاند، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15255، 11542، 12718، 12800، 721.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1424(1/3104)
نسبة الولد إلى الله من أشنع الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يصح أن نقول كما يقول النصارى "إن المؤمنين أبناء الله والله هو الأب لهم".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يقوله النصارى في حق الله تعالى من أشنع الكفر وأقبح الكلام، حيث نسبوا لله تعالى الولد وهو عيسى عليه السلام، والنصوص الشرعية تدل على تنزيه الله تعالى عن مشابهة جميع المخلوقين، فهو غني عن الولد والوالد وغير ذلك، ومن النصوص الدالة على هذا:
1- قوله تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً [مريم:91] .
فالله تعالى أوضح فظاعة هذا الكلام الذي يكاد يترتب عليه خراب الكون نظرا لكونه في منتهى الشناعة والغرابة.
2- قوله تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام:101] .
3- قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ
4- وقال تعالى ردا على هذه الدعوى الشنيعة: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30] .
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أحدٌ أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى، إنهم يجعلون له ندا، ويجعلون له ولدا، وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم.
وحاصل القول: إنه يجب تنزيه الله تعالى عن الوصف بالأبوة، سواء أريد بها المعنى الحقيقي أو المجازي، لأن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، فلا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وينضاف إلى ذلك أن استعمال هذا اللفظ فيه مشابهة للكفرة الذين قالوا: "نحن أبناء الله وأحباؤه" والتشبه بهم غير جائز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1424(1/3105)
الكفر العملي وكفر الإعراض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الكفر العملي وكفر الإعراض؟ وهل هما مخرجان من الملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفرق بين الكفر العملي وكفر الإعراض هو أن الكفر العملي يعمل صاحبه عملاً يكفر بسببه، ولو لم يتلفظ بكلمة الكفر، مثل أن يلقي مصحفاً أو أي شيء من كتاب الله تعالى أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في القذر.
وأما كفر الإعراض فصاحبه لا يلقي بالاً للدين، ولا يهتم به ولا يسأل عنه ولا يعمل به ولا يتعلمه.. فهذا من شأن الكفار، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3] .
وكلا النوعين مخرج من الملة، وقد قسم ابن القيم رحمه الله تعالى الكفر المخرج من الملة إلى خمسة أقسام، نحيلك لمعرفتها إلى الفتوى رقم: 38537.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(1/3106)
حكم التظاهر بالكفر لأجل الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من فتاوى تخولني أن أكون أمام أهل فتاة مسيحية مسيحياً من ديانتها لأحظى بها
وبيني وبينها أن نرتبط بالزواج العلني مع أبناء ديني ضمن الشرع والسنة النبوية أرجو توضيح إن كانت هناك فتاوى؟ هل من فتوى؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لا يجوز للمسلم أن يتظاهر بالكفر إلا عند الضرورة، كما قال الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106] .
وليس ما ذكرت من رغبتك في الزواج بهذه الفتاة ضرورة تبيح لك أن تظهر الكفر، لأن من قال الكفر أو فعله اختياراً كفر، ولو كان فعله له رغبة في مال أو متاع، لقول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل:107] .
وانظر الفتوى رقم: 26496، والفتوى رقم: 36317.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(1/3107)
أبوه يحتقر الدين ويعتقد أنه تخلف
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا شاب أبلغ 17 سنة، مشكلتي مع أبي أنه يحتقر الدين ويعتقد أنه التخلف، وأنا أصبحت متدينا رغم هذا، وهذا ما يزعجه، وهو يعاملني وكأني جاهل، ويحذرني من إطلاق اللحية أو حتى لبس القميص.
سؤالي هو: هل أستطيع الذهاب في رمضان لصلاة التراويح خفية لأنه يمنعني من ذلك بحجة أن الدراسة أولى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يزيدك ثباتا على دينك، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولا ريب أن ما ذكرت من احتقار أبيك للدين وزعمه أن الدين تخلف يدل على أن أباك على خطر عظيم، فإن هذه الأمور التي ذكرت، من علامات الردة والنفاق، عياذا بالله، إذ لا يحتقر الدين من يؤمن به. قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65- 66] .
وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9] .
وقد أجمع العلماء على أن من استهزأ بالدين أو أبغض شيئا منه أنه كافر.
ولذا، فإننا ننصحك بأن تجتهد في دعوته وبيان الحق له، واستعن على ذلك بالله، وألح على الله سبحانه في الدعاء أن يهدي والدك، وأن ينقذه من الضلال وسوء الخاتمة، ولتتحل في دعوتك له بالرفق واللين والإحسان إليه، فإن هذا مطلوب في حق كل مدعو، فكيف بالوالد الذي أمر الله ببره والإحسان إليه؟! سواء كان مسلما أو كافرا.
ويمكنك الاستعانة ببعض أهل الخير والصلاح ممن يحترمهم والدك في نصح الوالد وإرشاده، فإن استجاب فالحمد لله، وإن أصر على ما هو عليه، فترفق به وأحسن إليه مع ملازمة نصحه، ولا تطعه فيما يأمرك به من معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 1454، فإن كان ما يأمرك به ليس معصية، فأطعه في ذلك، فإذا كان يمنعك من صلاة التراويح في المسجد، فلتطعه وصلها في البيت، فإن صلاة التراويح ليست واجبة، وتاركها ليس عاصيا، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 30170 والفتوى رقم: 23297.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(1/3108)
الكفر الأكبر والأصغر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم: السلا م عليكم ورحمة الله هل الكفر واحد أم هناك أنواع للكفر كتارك الصلاة،
هل هو كفرمطلق أم كفر دون كفر؟ وهل الرواية المنقولة عن ابن عباس رضي الله عنهما المنقولة عن هشيم: كفر دون كفر وفسق دون فسق...... هل هي رواية صحيحة أم هي رواية مطعون فيها؟
استنادا إلى رأي بعض العلماء نرجو التفصيل والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ما من شك في أن الكفر أنواع، وقد ذكرها أهل العلم في كتبهم وبينوها، فمنها ما هو كفر أكبر مخرج من الملة، وهذا النوع عده ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "مدارج السالكين" خمسة أقسام:
الأول: كفر التكذيب. ودليله قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ [الزمر:32] .
ومنها كفر الاستكبار والإدبار مع التصديق، ودليله قوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34] .
ومنها كفر الإعراض، ودليله قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الاحقاف: 3] .
ومنها كفر الشك، ودليله قوله تعالى: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً* قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً [الكهف:35- 37] .
ومنها كفر النفاق، ودليله قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون:3] .
وأما الكفر الأصغر، فهو ما أطلق عليه الشرع لفظ الكفر مع ثبوت الإسلام لصاحبه بأدلة أخرى، كقوله صلى الله عليه وسلم: من حلف بغير الله فقد كفر.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
وأما ترك الصلاة هل هو كفر أكبر أم كفر أصغر؟ فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من قال: إنه كفر أصغر، ومنهم من قال: إنه كفر أكبر، وقد سبق لنا فتوى في ذلك، وهي برقم: 1145، فنحيل السائل إليها.
أما أثر ابن عباس الذي رواه الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن" من طريق هشام بن حجر عن طاوس عنه في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44] .
قال: "كفر دون كفر" فلا يصح سنده، إذ فيه هشام بن حجير: ضعفه يحيى القطان وابن معين، وقال أحمد بن حنبل: ليس بذاك، وإنما أخرج له البخاري ومسلم كلاهما في موضع واحد متابعة.
ومع ضعفه، خالفه عبد الله بن طاوس وهو ثقة، فرواه عن أبيه طاوس،قال: سئل ابن عباس عن قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44] . قال: "هي به كفر" أخرجه الطبري في تفسيره، وهذا اللفظ يحتمل الكفر الأكبر والأصغر، بخلاف رواية هشام فإنها نص في الكفر الأصغر.
على أننا نقول: إن من صور الحكم بغير ما أنزل الله ما هو كفر أصغر اتفاقا، ومنها ما هو كفر أكبر حسب حال الحاكم ونوع حكمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(1/3109)
حكم من تلفظ بالكفر عن طريق الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل من تفوه بكلمة تؤدي إلى الكفر ولكن قالها خطأ لفظياً ولم يكن غاضباً أو منفعلاً في حينها
هل عليه شيء..
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن من تلفظ بكلمة الكفر خطأ دون قصد مع اطمئنان القلب بالإيمان، أنه لا يؤاخذ بذلك، ما لم يكن ذلك قد وقع تساهلا واستخفافا، فإنه يكفر بذلك، ولتراجع في هذا الفتوى رقم: 21649.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1424(1/3110)
يخشى الكفر على من استهزأ بالنقاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستهزاء بالنقاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتغطية الوجه أمر مشروع بالإجماع، وإنما الخلاف في وجوبه أو استحبابه، والراجح الوجوب، كما هو مبين في الفتوى رقم: 4470.
وعليه فالاستهزاء بما شرع الله أمر عظيم يخشى على صاحبه من الكفر، نسأل الله العافية، وراجع الفتوى رقم: 2093.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1424(1/3111)
حكم منكر قبح الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[الزنا شيء طيب ما رأيك يا سماحة الشيخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قائل هذه العبارة إن كان مسلما فقد ارتد وخرج -والعياذ بالله- من الملة، وذلك لسببين:
الأول: أنه كذَّب الله الذي وصف الزنا بالفاحشة وسوء السبيل، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] .
والثاني: أنه أنكر ما علم من الدين ضرورة، وهو قبح الزنا وتحريمه، إذ لا أحد سليم الفطرة يماري في أن الزنا من أقبح الآثام وأولاها بالتحريم.
ثم إن قائل هذه العبارة كاذب ومكابر، فبصرف النظر عن حرمة الزنا في جميع الشرائع السماوية، فقد شوهد من أضراره الصحية وغيرها ما يؤكد قذارته وقبحه وسفالة من يمارسونه.
وعليك -أيها القائل لهذه العبارة- أن تتوب إلى الله وتبادر إلى ذلك، فإنه َلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 99] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(1/3112)
الكفر المخرج من الملة يحصل بالقول وبالفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القول (إن من سب الذات الإلهية متعمدا كافر قولا لا فعلا) ؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سب الله تعالى من أشنع أنواع الكفر، وصاحبه يحكم عليه بأنه كافر خارج عن الإسلام بإجماع العلماء، قال ابن قدامة في المغني: ومن سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو كتبه، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66] .
وينبغي أن لا يُكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام حتى يؤدب أدباً يزجره عن ذلك، فإنه إذا لم يُكْتَفَى ممن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة فممن سب الله تعالى أولى. انتهى.
وللمزيد من التفصيل عن هذا الموضوع يرجع إلى الفتوى رقم: 12447، والفتوى رقم: 1845.
ولعل مراد القائل بقوله عن الساب (إنه كافر قولاً لا فعلاً) لعل مراده أن كفره في هذه الحالة إنما جاء من قبل القول لا الفعل، ومعلوم أن الكفر المخرج من الملة يكون بالقول كالتلفظ بالسب، وبالفعل كالسجود للصنم، وبالاعتقاد كاعتقاد قدم العالم، فإذا كان هذا هو المراد، فلا إشكال، والكافر بالقول أو بالفعل خارج عن الإسلام، عند توافر شروط التكفير وانتفاء موانعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1424(1/3113)
القول بانتقال روح الإنسان إلى حيوان أو غيره كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تلتقي أرواح الإنسان بأرواح حيوانات مثل القطط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يمكن أن تلتقي أرواح الإنسان وأرواح الحيوان أو تنتقل من أحدهما إلى الآخر، فهذا هو تناسخ الأرواح الذي لا يصح عقلاً ولا يقبل شرعًا.
وقد نص أهل العلم على أن القول به كفر مخرج من الملة. قال خليل بن إسحاق المالكي، في مختصره، عاطفًا على الأشياء التي توجب الحكم بالكفر والردة: أو بتناسخ الأروح.. قال شراحه: أي انتقالها في الأشخاص الآدمية وغيرها، وأن تعذيبها وتنعيمها بحسب زكاتها وخبثها، فإذا كانت النفس شريرة أخرجت من قالبها التي هي فيه وألبست قالبًا يناسب شرها من كلب أو خنزير أو نحو ذلك، فإن أخذت جزاء شرها بقيت في ذلك القالب تنتقل من فرد إلى فرد، فإن لم تأخذ انقلبت إلى قالب أشر، حتى تستوفي جزاء الشر، وفي الخير تنتقل إلى أعلى.. اهـ
والقصد من هذا نفي الحساب والعقاب والجنة والنار.. وفيه ما لا يخفى من تكذيب نصوص الوحي وإجماع المسلمين.
والحاصل أنه لا يجوز شرعًا ولا يصح عقلاً أن يقال إن روح الإنسان تنتقل إلى حيوان أو غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1424(1/3114)
[السُّؤَالُ]
ـ[]ـ
[الفَتْوَى]
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(1/3115)
السامع لا يشارك القائل في كفره
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أرجوكم أن تقرأوا رسالتي كاملة.
أنا شاب تونسي أصلّي منذ الصغر ولكن ينقصني التأطيرالدّيني فظللت أبحث وأبحث إلى أن منّ الله عليّ برجل أحسبه من العلماء والله حسيبه هذا الرجل تلقى العلوم الشرعية في بلاد الحرمين ويشهد له بعلمه العديد من الزيتونيين وكان قد أفتى لنا بما يلي:
نظرا لتفشي ظاهرة سب الدين والجلالة في المجتمع التونسي منذ الصغر وانتشار الجهل بعواقبها التي تؤدي إلى الردّة والشرذمة التي بقيت تجهل أنّ القعود معهم أثناء تلفظّهم بهذه الألفاظ يؤدي إلى كفرهم [الآية 140 النساء] لذلك فالمجتمع كافر على التعميم لا على التعيين وبالتالي تنقلب القاعدة ويصبح الأصل لا تبرئة الذمة وإنما يجب أن نعاملهم معاملة كفار إلى أن يثبت عكس ذلك فلا نتزوج منهم ولا نأكل ذبيحتهم ولا نصلي وراء أئمتهم لأنهم منصَبون ويخدمون مصلحة السلطة لا الدين ومنهم من عرف بفسقه [مراودته الملاعب حيث تكثر تلك الألفاظ التي تؤدي إلى الردة] .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإيمان بالله تعالى مبني على التعظيم والإجلال للرب سبحانه وتعالى، ولا شك أن سب الله تعالى والاستهزاء به يناقض هذا التعظيم ولا يجامعه.
والسب عرَّفه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقال: هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم، كاللعن، والتقبيح ونحوه، وهذا الذي دل عليه قوله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام:108] . اهـ
ويقول في موطن آخر: فما عده أهل العرف سبًّا وانتقاصًا أو عيبًا أو طعنًا ونحو ذلك فهو من السب. اهـ
ولا شك أن سب الله تعالى أقبح المكفرات القولية؛ لأنه يناقض إيمان الباطن وإيمان اللسان. يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: فهو إهانة واستخفاف، والانقياد للأمر إكرام وإعزاز، ومحال أن يهين القلب من انقاد له وخضع واستسلم أو يستخف به، فإذا حصل في القلب استخفاف واستهانة امتنع أن يكون فيه انقياد أو استسلام فلا يكون فيه إيمان.
وقد أجمع العلماء على كفر من سبّ الله تعالى. قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: قد أجمع العلماء على أن من سبّ الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئًا أنزله الله عز وجل، أو قتل نبيًا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله، أنه كافر. التمهيد لابن عبد البر (4/226) .
وقال القاضي عياض رحمه الله: لا خلاف أن سابَّ الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم. (الشفاء 2/582) .
وقال ابن حزم رحمه الله: وأما سبّ الله تعالى فما على ظهر الأرض مسلم يخالف أنه كفر مجرد. اهـ (المحلى 13/498) .
وعلى المسلم أن ينكر هذا المنكر العظيم ما استطاع، ولا يجوز له الجلوس في مكان يُسَبُّ فيه الله تعالى أو يستهزئ به أو بآياته أو برسوله؛ لقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140] .
وقال ابن كثير رحمه الله: أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويُستهزأ وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه، فلهذا قال الله تعالى: (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) في المأثم. اهـ
ويتبين من هذا أن السامع لا يشارك القائل في كفره إلاَّ إذا أقر ذلك أو رضيه. فلا يصح أن نعمم الحكم بالكفر على كل من سمع الكفر، ومن كان الأصل فيه الإسلام فلا يزول عنه ذلك بمجرد الشك. يقول ابن تيمية رحمه الله: ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك. (مجموع الفتاوى 12/323) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(1/3116)
الطاعن في السنة والصحابة ليس على الحق حبة خردل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
عندي عمي يتبع مذهباً مخالفاً لما عليه أهل السنة ويريد إقناعنا بأنه المذهب الصحيح فأفيدوني بأدلة كافية أستطيع إقناعه بأنه على خطأ؟ وأن عمر الفاروق قال على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يهذي أثناء مرضه فلا تأخذوا منه؟ وهل حقا أن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها خرجت لقتال علي
رضي الله عنه؟ الرجاء تفصيل الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن معتقد أهل السنة والجماعة في الله تعالى وصفاته وأسمائه ومعتقدهم في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته هو المعتقد الحق الذي قامت عليه الحجج والبينات العقلية والنقلية، وكيف يكون من كفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجاته وقذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد نزّل الله في شأنها وبيان براءتها قرآنا يتلى، كيف يكون هذا على الحق؟
وكيف يكون على الحق من قام دينه على إنكار السنة والطعن في رواتها ورد ما أجمعت عليه الأمة كالصحيحين؟
وعموماً فما سألت عنه سبق الجواب عنه ونحيلك على الفتاوى بالأرقام التالية: 10605 / 3227 / 1372 / 10104 / 29281 / 2429 / 29774
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1424(1/3117)
كفر من أنكر أصلا من أصول الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[- ما حكم من أنكر أصلا من أصول الإيمان مع ذكر الأدلة على ذلك؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أنكر أصلاً من أصول الإيمان فهو كافر ضال، نعوذ بالله تعالى. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً [النساء:136] ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً) (النساء:150، 151] .
وفي حديث جبريل: قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. رواه مسلم من حديث عمر. رضي الله عنهما.
وفي الحديث: لا يؤمن المرء حتى يؤمن بالقدر خيره وشره. رواه أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو، وصححه الأرناؤوط والألباني.
وفي الحديث: ولو أنفقت جبل أحدٍ في سبيل الله ذهبًا ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير ذلك لدخلت النار. رواه أحمد وأبو داود من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/3118)
رمي المسلم بالكفر من أشد الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أنا شاب تزوجت منذ ستة أشهر ولم أدخل بزوجتي بعد، لكن الزوجة الآن تريد الطلاق حالا، ولم تجد أي ذريعة إلا إخراجي من أهل التوحيد افتراء علي، فقولتني بما لم أقل بل بما لم أعتقد بذلك أبدا وهو عدم تكفيري للكافر، وقالت إذا زواجي بك باطل، واعتبرتني من المشركين، ولا أبالغ في شيء مما أكتب، وأنا قلت لها إني مستعد لأن نحتكم إلى علماء الدين الذين ترغبين بهم، ولكنها أبت واستكبرت، وأريد منكم جزاكم الله خيرا أن توضحوا لها عواقب هذا الافتراء، وعواقب تكفير مسلم، وأن تنصحوني بما يجب أن أفعل في حالة ما إذا خلعتها، أرجوكم رجاء مضطر أن تجيبوني على السرعة لأنها تستعجلني في أمر الطلاق، فصلوا لنا الأمر جزاكم الله عنا بكل خير، وما التوفيق إلا بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن رمي المسلم بالكفر من أشد الذنوب ومن أكبر الكبائر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرجل لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما متفق عليه.
كما قال صلى الله عليه وسلم: من دعا رجلاً بالكفر أو قال يا عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه متفق عليه.
والتكفير ليس مسألة يطلقها الإنسان على غيره وينفذ مقتضاها حسب اجتهاده، وإنما هو حكم قضائي يصدر ممن هو مؤهل لذلك.
ولذا، فإن عليك أن تعامل زوجتك بحكمة، وتسعى للاتصال بأهل الحكمة والرأي من أهلها، حتى يقوموا بنصحها والإصلاح بينكما.
فإن تعذر ذلك، فيمكن أن تلجأ إلى مخالعتها، وهي مسألة ثابتة شرعاً أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعت الحاجة إليها، ففي صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة واحدة.
وينبغي أن ترفع المسألة إلى القضاء الشرعي، لينظر في جوانبها ويقرر فيها ما يرى، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
12800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(1/3119)
سب الله تعالى لا عذر فيه بجهل أو غضب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسب الله عز وجل والدين وعند ما يستنكر عليه ما فعل يقسم بأن الذي قاله كان بسبب الغضب وأن إيمانه بالله كبير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من سب الله تعالى أو دين الإسلام فهو كافر كفراً مخرجاً من الملة بإجماع العلماء، ولا يعذر فيه بجهل ولا بغضب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فلا شبهة تدعوه إلى هذا السب ولا شهوة له في ذلك، بل هو مجرد سخرية واستهزاء واستهانة وتمرد على رب العالمين، تنبعث عن نفس شيطانية ممتلئة من الغضب، أو من سفيه لا وقار لله عنده انظر الصارم المسلول 3/ 1026.
وانظر الفتوى رقم: 23340
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(1/3120)
من كفر من ليس بكافر فقد ارتكب خطأ عظيما
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فقد كفرت واحداً اعتقادا مني أنه مشرك ولكن تبين لي غير ذلك فماذا علي؟ وهل مشائخ الصوفية كفار؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإقدام على تكفير المسلم أمر خطير، وزلل عظيم، ويكفي في بيان خطورة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه. رواه مسلم.
وروى الترمذي: ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله.
وروى أحمد: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما.
قال ابن تيمية: وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشك.
وليعلم أن الكفر حكم شرعي، والكافر من كفره الله ورسوله.
قال ابن الوزير: إن التكفير سمعي محض، لا مدخل للعقل فيه، وإن الدليل على الكفر لا يكون إلا سمعيا قطعيا، ولا نزاع في ذلك.
وبهذا تعلم أنك إن كنت كفرت من ليس بكافر، فقد ارتكبت خطأ كبيرا، وتجب عليك التوبة والندم والاستغفار والعزم على عدم العود، وأما هل مشايخ الصوفيين كفار؟ فهذا ليس إليك، ولا يستقيم أن تشغل نفسك به، فإن المسلم إذا ارتكب فعلا يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها، وكان يحتمل عدم الكفر من وجه واحد، فاحمله على الأخير، لأن التكفير مزلة أقدام ومدحضة أفهام، ومشايخ الصوفية الأصل فيهم الإسلام حتى يثبت خلافه، وهم ليسوا سواء، منهم المبتدع، ومنهم الزنديق الغالي، ولا يمكن إطلاق حكم عام لكل منتسب إلى الصوفية، وراجع الفتوى رقم:
322.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1424(1/3121)
الأدلة على كفر من اعتقد أن هدي غير النبي أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فما هو الدليل على الناقض الرابع من نواقض الإسلام "من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه"؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] .
ويقول الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] .
وقال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] .
وقال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54] .
وقال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] .
وفي مسند أحمد من حديث المقدام بن معد يكرب الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه.
وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجه وغيرهما من حديث جابر في ذكر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم: وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذه النصوص دلت دلالة قطعية على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم خير الهدي، وحكمه خير الحكم، فمن اعتقد خلاف ذلك فقد كذّب بمضمون هذه النصوص، ويكفر بذلك كفراً أكبر مخرجاً من ملة الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(1/3122)
لا يجوز لأحد أن يغير شيئا من أحكام الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: هل يجوز لعالم من علماء الإسلام أن يغير مسألة شرعية من الشريعة، وذلك تحت التهديد بالقتل من قبل سلطان جائر مثلا كأن يحلل المفتي الشرعي الربا تحت التهديد بالقتل مثلا؟
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز لأي أحد كائنا من كان أن يغير شيئاً من أحكام الدين وقوانينه وإلا كان فاعل ذلك مفتريا على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وتوعد الله الكاذبين عليه سبحانه بالعذاب الأليم يوم القيامة بقوله: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:117] ، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئاً مما حرم الله أو حرم شيئاً مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه. انتهى.
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.
وعلى هذا فإن وُجِد أحد يقول بتحريم الحلال أو تحليل الحرام الثابتين المعلومين من الدين بالضرورة فإنه يعد كافراً مرتدا عن الإسلام لتكذيبه لله ورسوله صلى الله عليه وسلم إن كان لديه العلم بهذا، اللهم إلا إذا كان واقعاً تحت الإكراه فإنه والحالة هذه غير مؤاخذ على ما يقول لأن الله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ، وقال سبحانه وتعالى في حق من أكره على قول كلمة الكفر: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ [النحل:106] .
ولكن يشترط أن يكون الإكراه مُلِجئاً، وأن يعلم أن المكِره قادر على إنفاذ تهديده ومستعد لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1424(1/3123)
حكم السخرية من الزخارف الدينية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أنا للأسف مصاب بوساوس ومشكلتي هي أني كنت أتكلم يوما مع صديق لي وكنت أريه كتابا دينيا اشتريته وكانت عليه بعض الزخارف فقلت له: انظر إلى هذا الكتاب (المشخلع) أقصد ما عليه من زخارف، ولكن أثناء قولي هذا جاء لي هاجس ألا تقول هذا الكلام ولكن قلته، مع العلم بأني شديد الحرص على ألا أخوض في أي كلام فيه استهزاء_والعياذ بالله_بالدين، فهل أكفر بفعلي هذا؟ أغيثوني يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك أن تعرض عن الوساوس والأوهام التي قد توقعك في ما لا يحمد.
وأما وصفك للكتاب بما ذكرت، فإن قصدت به السخرية مما فيه من الشرع فلا شك أن ذلك منكر عظيم وردة عن الإسلام، دليل ذلك قول الله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66] ، وإن قصدت السخرية بالزخارف أو نوع الغلاف فلا حرج عليك في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1424(1/3124)
الخطأ في قول الكفر غير المتعمد
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد نشأت وعندي معلومات ضعيفة عن الدين وكنت أسمع أن الحمام بيت الشيطان وأنه حرام أن نقول بسم الله في الحمام فعندما دخلت كنت أقول بسم الشيطان (أعوذ بالله) ولكني لم أقصد بها شيئاً وهذه الأيام بدأت أتوب ولكن الشيطان يقول لي إن ما فعلت يعتبر كفرا (أعوذ بالله) ولن يغفر الله لك فهل يغفر الله لي ذنوبي هذه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] .
وقد وردت شروط التوبة في الفتوى رقم: 5450 فلتطالعها، ولتكثر من الاستغفار.
ثم اعلم أن الشيطان عدوك فلا تستمع إلى ما يقوله، وقد قال الله في شأنه: إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] .
فإذا كنت أخطأت في القول، وقلبك مطمئن بالإيمان لا تتعمد الكفر ولا تقصده، فإن الله تعالى يعفو عنك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه أخرجه ابن ماجه والبيهقي عن أبي ذر الغفاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1424(1/3125)
المحرمات منها ما هو كفر ومنها ما هو دون ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إطلاق الشرك على ما هو حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحرام ثلاثة أقسام: الكفر أو الشرك، والكبائر، والصغائر، لقول الله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام:151] .
وقوله عز وجل: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] .
فالمحرمات منها ما هو شرك أو كفر، والمرجع في ذلك تسمية الشارع، فقد سمى الشارع قتال المسلم والنياحة والطعن في الأنساب كفراً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت. رواه مسلم.
كما سمى الرياء والتطير والحلف بغير الله شركاً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء. رواه أحمد بسند صحيح.
وقوله: الطيرة شرك. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
وقوله: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك. رواه أحمد والترمذي.
إلى غير ذلك من الأمور التي سماها الشارع كفراً أو شركاً، كدعاء غير الله، والاستهزاء بآيات الله وبرسوله، وترك الصلاة، وإتيان الكهان وتصديقهم.
ويدخل في ذلك ما أجمع العلماء على أنه كفر أو شرك ينقل عن الملة، أو دخل ضابط شرك الألفاظ، كقوله: اعتمدت على الله وعليك، ونحوه.
وأما الذنوب التي لم يدل الدليل على كونها شركا أو كفراً فلا تجوز تسميتها شركاً أو كفراً، إذا التسمية ليست لنا، فلا يجوز تسمية الزنا والسرقة وشرب الخمر شركا أو كفرا، ما دام لم يرد نص صريح يفيد ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1424(1/3126)
إطلاق الكفر على المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذالموقع وبعد
فهنالكم بعض من ينسبون أنفسهم للإسلام من أهل الصوفية وهم مشركون فهل من لم يكفرهم كافر أم لا وماهو الدليل وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على المسلم التحري وعدم التسرع في إطلاق كلمة الكفر على الغير، وذلك لأن الأمر في غاية الخطورة، لأن الآثار المترتبة على ذلك عظيمة، حيث إن الشخص إذا ثبت بالفعل كفره فإنه يفرق بينه وبين زوجته، ويمنع من أن يرث أو يورث ويستحق الخلود في النار يوم القيامة.. إلى غير ذلك.
ولهذا شدد الشرع في النهي عن إطلاق الكفر على المسلمين قبل التأكد من وجود الشروط المكفرة وانتفاء الموانع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس لأحد أن يكفِّر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن يثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
ولمعرفة ضوابط التكفير نحيلك على الفتوى رقم:
721
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1424(1/3127)
اليوم الآخر.. رؤية إيمانية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من شك مجرد شك في اليوم الآخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا الشك مجرد خاطر طرأ فاجتهدت في دفعه فلا يؤثر على صحة إيمانك وإسلامك، بل ضيق صدرك من هذا الخاطر دليل على الإيمان، فقد روى أبو داود عن أبي زميل قال: سالت ابن عباس فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به؟ قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله عز وجل: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ (يونس: من الآية94) قال: فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إن منا من يجد في نفسه -يُعرِّضُ بالشيء- لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة رواه أحمد. انتهى.
وإذا كان هذا الشك شكاً مستقراً يطمئن له صاحبه، ويركن إليه ولا يتعاظم أن يتكلم به فإنه يكفر بذلك، لأن الإيمان الجازم باليوم الآخر أحد أركان الإيمان التي لا يصح الإيمان إذا اختل أحدهما، قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ (البقرة: من الآية177)
وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث جبريل المشهور:....قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره، قال صدقت.
وانظر للأهمية الفتوى رقم:
7950 والفتوى رقم: 3086
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(1/3128)
منكر الصلوات الخمس كافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك من يدعي أن عدد الصلوات في اليوم هو صلاتان وليس خمس صلوات؟ كما أنه ليست هنالك صلاة خاصة بيوم الجمعة؟ بل الصلاة المعنية هي صلاة الصبح؟ هل لنا أن نكفره؟ ومن أين أتى بكل هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما أجمع عليه المسلمون وعلم من دين الإسلام بالضرورة ووردت به نصوص السنة أن الله تعالى افترض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة، فمن أنكر ذلك فهو كافر خارج من ملة الإسلام، يستتاب ثلاثة أيام؛ فإن تاب وإلا طبق عليه حد الردة وهو القتل، ويجب التنبه إلى أن الحدود لا يطبقها إلا السلطان أو نائبه ولا يحق لأفراد الناس تطبيقها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1424(1/3129)
"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله" - بيان وتوضيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سب دين اليهود والنصارى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:108] .
قال القرطبي رحمه الله تعالى في كتابه "الجامع لأحكام القرآن": قال العلماء: حكمها باقٍ في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك، لأنه بمنزلة البعث على المعصية. انتهى.
لكن لا مانع من قيام بعض المختصين ببيان الأخطاء والانحرافات الموجودة في كتبهم ومعتقداتهم حتى لا يغتر بها الجاهلون، وهو عمل محمود بل قد يكون واجباً كفائياً، لاسيما إذا انضاف إليه دفع الشبه والأباطيل التي تلقى على الإسلام جزافاً، والله المسؤول أن يمكن لدينه في الأرض وأن يفتح له قلوب الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1424(1/3130)
الأليق بالصحف أن لا تلقى في القمامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هوحكم رمي الأوراق التي تحوي في داخلها لفظ الجلالة (الله) أو أحد أسمائه الحسنى في سلة القمامة؟ أو تلك التي تحوي بعض الآيات القرآنية؟ ومثلها كأن يأكل الإنسان الطعام على جريدة فيها اسم الله؟ وجزاكم الله خيراً على جهودكم وبوركتم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم استخدام الصحف العربية التي يغلب على الظن احتواؤها على لفظ الجلالة أو آيات قرآنية، كما يحرم إلقاؤها في صناديق القمامة ونحوها لما في ذلك من إهانة ما فيها من الآيات القرآنية، وأسماء الله تعالى وصفاته، ولا شك في كفر متعمد ذلك.
وراجع الفتاوى رقم:
8145، 660، 25895، 28628، 1064، 22913.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1423(1/3131)
لا يمتهن كل ما عليه اسم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لدينا في فلسطين مدينة باسم رام الله وتكتب كثيرا على أغلفة المأكولات والمشروبات الغازية عبارة صنع في رام الله بما في ذلك العلب المعدنية.
السؤال: ما حكم رمي هذه المغلفات في القمامة مع أنها تحوي لفظ الجلالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز رمي الأوراق والمغلفات التي تحتوي على اسم الجلالة في القمامة أو مكان الأوساخ لما في ذلك من امتهانها. والواجب على المسلم أن يحفظ ما في يده مما يتضمن اسم الله عز وجل حتى يدفنه في مكان محترم أو يحرقة، وما كتب على العلب المعدنية يمكن إزالته بالنار أو بالحك المؤدي إلى تساقطه، إضافة إلى إمكان دفنه كما سبق.
ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم 660 والفتوى رقم 22913 والفتوى رقم 1064
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(1/3132)
حكم من سجد للمصحف عن جهل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
بصراحة لا أعرف كيف أبدأ
المهم اليوم كنت أدرس طفلي درساً عن الشرك بالله فتذكرت أمراً فعلته سابقاً، وهو في غمرة فرحي وانسجامي بالدعاء إلى الله وضعت أمامي في السجود كتاب الله وسجدت طبعا على القبلة والقرآن وكانت نيتي والله أعلم بي أنه كلام الله المعظم، فخفت أن أكون أشركت بالله والعياذ بالله فالرجاء إخباري ما الحكم في ذلك وبسرعة لأنني أصبحت خائفة جدا؟ ولا أعلم ماذا أفعل طبعا إنني أستغفر الله وأدعوه أن يتوب علي ويسامحني والسؤال المهم هل ما فعلته يعتبر إشراكا بالله؟ وجزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتعظيم المصحف بقراءته والعمل بما فيه لا بالسجود له. وبما أتك فعلت ذلك عن خوف من الله وعن جهل فلا إثم عليك إن شاء الله تعالى.
وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قَالَ رَجُلٌ، لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطّ، لأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرّقُوهُ. ثُمّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ. فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذّبَنّهُ عَذَاباً لاَ يُعَذّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ. فَلَمّا مَاتَ الرّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ. فَأَمَرَ اللهُ الْبَرّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ. وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ. ثُمّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ. يَا رَبّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ. فَغَفَرَ اللهُ لَهُ. رواه البخاري ومسلم.
يقول ابن تيمية: فإن هذا الرجل جهل قدرة الله على إعادته، ورجا أن لا يعيده بجهل ما أخبر به من الإعادة، ومع هذا لما كان مؤمناً بالله وأمره ونهيه ووعده ووعيده خائفاً من عذابه وكان جهله بذلك جهلاً لم تقم عليه الحجة التي توجب كفر مثله، غفر الله له، ومثل هذا كثير في المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخبر بأخبار الأولين ليكون ذلك عبرة لهذه الأمة. انتهى الصفدية 1/233
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1423(1/3133)
أخطر الذنوب يستأصل بالتوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ارتكب الإنسان في صغره (فترة المراهقة 17 إلى 20 سنة) كبيرة ترده عن الإسلام مثل سب الله في حالة الغضب وذلك من جراء نفس غافلة لا تدرك أن هذا الإثم أشد من الكفر نفسه لكنه تاب منذ سنوات عن هذا الكفر وازداد ندما أشد الندم لما علم مدى عظيم وخطورة ما اقترفه في حق الله عز وجل فهل يقبل التواب توبته وهل تنطبق عليه الآية: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن من سب الله تعالى مختاراً مدركاً لما يقول، فقد كفر بالله وخرج من ملة الإسلام، والواجب عليه التوبة، وتجديد إسلامه، والإكثار من الأعمال الصالحات، ومن ندم ندماً شديداً على ما قال في حق الله تعالى، وأقلع عن ذلك، وعزم ألا يعود إليه أبداً فقد تاب، والله تعالى التواب الرحيم يقبل توبته لأن الكفر تمحوه التوبة، كما قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وقال تعالى في شأن المنافقين الذين هم أشد كفراً من الكفار: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النساء: 145-146] .
وقال تعالى في حق النصارى الذين كفروا بقولهم: إن الله ثالث ثلاثة، فاتحاً لهم باب التوبة من هذا الكفر: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:73-74] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1423(1/3134)
موقف الشرع ممن رمى القرآن مغضبا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من رمى القرآن على الأرض وكان في حالة غضب شديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يخلو من فعل هذا من أمرين:
الأول: أن يكون فعله على سبيل الاستهزاء والحال أنه مدرك لما يفعل.. فهذا لا شك أنه بفعله هذا قد خرج من دائرة الإسلام، لقول الله تبارك وتعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] .
الثاني: أن يكون فعل ذلك لا على سبيل الاستهزاء.. فهذا إن كان لديه وعي لما يصدر منه فإنه قد أتى آثماً عظيماً يستوجب التوبة لأنه فعل ما ينافي التعظيم والاجلال في حق كتاب الله عز وجل.
أما إن كان فعل ذلك في حالة لا يشعر فيها بما فعل من تصرفات فلا شيء عليه إن شاء الله تعالى، ويستأنس لهذا بما حكاه القرآن عن إلقاء موسى عليه السلام، للألواح لما كان مغضباً، حيث قال الله سبحانه: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ [الأعراف:150] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1423(1/3135)
حكم التلفظ بمثل هذا اللفظ
[السُّؤَالُ]
ـ[يشاع عندنا في الجزائر خاصة الشباب عند الكلام يقول يا ربك وفي غير موضعها
فأصبحت عادة وفاصلة بين جملة وأخرى فما الحكم في ذلك؟ جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بلغنا عن بعض الثقات من أهل الجزائر أن من تلفظ بهذه العبارة إنما يقصد إيقاف المتحدث عن الكلام خشية الوقوع في الخطأ فإن كان الأمر كذلك فلا حرج أما إن كانوا يقصدون بها سب الخالق جل وعلا فإن ذلك
كفر مخرج من ملة الإسلام وانظر الفتوى رقم:
1845 - والفتوى رقم: 9880 - والفتوى رقم: 18080 - والفتوى رقم: 17875.
أما من سبق لسانه إلى ذلك، ولم يقصد السب والشتم فلا يكفر، وانظر الفتوى رقم:
18261.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1423(1/3136)
موقف الشرع ممن قال كلمة الكفر مختارا بغير اعتقاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي أبحث عن عمل لأنني أرغب في توقيف الدراسة بسبب دخل الأب الذي لا يكفي فاتصلت بعدة جمعيات خيرية فتلقيت الرفض، وعندما وضعت عنواني في إحدى مجلات الجامعة تلقيت رسالة من عند جمعيات نشر المسيحية وعرضوا علي عملا مغريا في أوروبا بشرط أن أدخل النصرانية، وسؤالي: هل يجوز لي أن أدعي بأنني نصرانيي لأحصل على العمل لأني بحاجة ماسة للمال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز لمسلم أن يتلفظ بلفظ الكفر إلا عند الضرورة، كما قال الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106] .
والضرورة هنا قتل محقق أو فقد عضو ونحو ذلك، ولأن يموت المسلم جوعاً خير له من أن يتلفظ بالكفر، ومن قال كلمة الكفر مختاراً كفر بذلك ولو لم يعتقد معناها، أو كان هازلاً بها، أو حمله على ذلك رغبة في مال أو متاع، وراجع الفتوى رقم: 721
وعليه؛ فلا يجوز لك قبول هذا العرض الدنيء ولا أن تفكر فيه، فأي شيء أدرك من فاته رضا الله؟! وأي شيء فات من أدرك رضا الله تعالى وتوفيقه.
وانظر إلى فعل كعب بن مالك رضي الله عنه حينما تخلف هو وثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن غزوة تبوك وأمر الرسول ألا يحدثهم أحد وظل هكذا خمسين يوماً حتى قال: لقد تنكرت له الأرض وطالت عليه جفوة الناس.. وفي هذه اللحظات العصيبة يأتيه مثل الذي جاءك نبطي من أنباط الشام، فدفع إليه كتاباً من ملك غسان فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مذلة فالحق بنا نواسك فقال كعب لما قرأها: وهذا أيضاً من البلاء! فتيممت بها التنور فسجرته بها. رواه البخاري. وغيره.
فلا تتردد أخي الكريم أن تكون أن تكون مثل كعب رضي الله عنه قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] ، فإن الردة عن الإسلام هي أعظم ما عصي الله به، وهي موجبة لحبوط العمل، وربما كان عقبها حلول الأجل، فيقدم العبد على ربه وقد سخط عليه وجعل مصيره نار جهنم خالداً مخلداً فيها.
وعليك بتقوى الله تعالى وسؤاله والالتجاء إليه، فإن مفاتيح الرزق بيده سبحانه....
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1423(1/3137)
هل يغني تمزيق الأوراق المشتملة على ما هو معظم عن الحرق
[السُّؤَالُ]
ـ[أسماء الأنبياء تكون على الأوراق التي تلقى على الأرض فهل يجب أن نحرقها أو ماذا نفعل؟ أنا عندما أرى مثل ذلك أو أرى البسملة مثلا فلي طريقة في التخلص منها ألا وهي أن أمزق الورقة قطعا صغيرة بحيث لا أبقي اسما كاملا فيها له معنى فهل هذه الطريقة صحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأوراق التي تشتمل على ما هو معظم شرعاً كالبسملة أو أسماء الله تعالى أو أسماء أنبيائه يجب أن تحفظ في مكان مناسب أو تحرق، والأصل في الحرق ما ثبت في البخاري أن عثمان رضي الله عنه بعد كتابته للمصحف أمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
قال ابن بطال رحمه الله: في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار، وأن ذلك إكرام لها، وصون عن وطئها بالأقدام.
والذي يظهر أن التمزيق المذكور كالتحريق، وذلك للرواية الأخرى التي قال الحافظ ابن حجر: إنها رواية الأكثر، وهي أن يخرق بالخاء المعجمة، أي يمزق.
ولأن القصد هو عدم تعريض تلك الأوراق للامتهان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1423(1/3138)
الاستهزاء بالدين كفر ولو مازحا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من استهزأ بالإسلام عن طريق المزاح وإن كان كفراً فهل يسلم من جديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاستهزاء بالإسلام أو بحكم من أحكام الإسلام كفر يخرج صاحبه من الملة، سواء كان ذلك جداً أم كان هزلاً؛ لقوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون*لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [التوبة:65-66]
قال ابن العربي رحمه الله: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جداً أو هزلاً، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو العلم والحق، والهزل أخو الباطل والجهل، فإذا حصل الاستهزاء بالله أو بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بالدين من شخص عاقل غير مكره فإنه يكفر بذلك ويعتبر ذلك ردة عن الإسلام، فعليه أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، فإن الله تعالى إذا علم منه صدق التوبة والرجوع إليه قبل توبته وتاب عليه، وقد قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر: 53] وقال تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) [الفرقان:70]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(1/3139)
لا يجوز استخدام الصحف العربية كمفرش للطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم فرش الجرائد العربية كمفرش لفضلات الطعام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز فرش الجرائد العربية كمفرش لفضلات الطعام لاشتمال هذه الجرائد غالباً على لفظ الجلالة وبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، واستعمالها كمفرش لفضلات الطعام تكون به في محل الامتهان وبعد ذلك تلقى في مرامي القمامة.
وحق كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون في محل التعظيم والإجلال، وأن يكون في أعلى مكان وأطهره، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
22913.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1424(1/3140)
حكم ترويج الكفر وإشاعته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يروج لأفكار كفر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن يروج لأفكار كفرية مثل الطعن في الدين، وعدم صلاحية الشريعة للحكم أو الدعوة لفصل الدين عن الدولة أو الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، وإشاعته بين الناس، فإن كان في الأصل مسلماً فإنه يكفر بهذا العمل؛ ولو كان هازلاً قال الله تعالى عن بعض المنافقين: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم [التوبة:65-66] .
فإذا ثبت أن ما يدعو إليه هذا الشخص أفكار كفر وجب إبلاغ السلطان به حتى تجرى عليه أحكام المرتد، ويكف شره عن الناس، نسأل الله أن يتوب على الجميع ويهديهم سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1423(1/3141)
حكم صلاة من يسب الذات الإلهية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذي يصلي ويسب الجلالة دائما؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي يصلي ويسب الله جل جلاله أو اسماً من أسمائه أو صفة من صفاته لا تنفعه صلاته؛ لأنه كافر والكافر عمله محبط غير مقبول، لقول الله عز وجل: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] .
وقال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] .
فلابد أن يتوب هذا الإنسان أولاً من الكفر بسب الله عز وجل ثم يعمل ببقية أعمال الإسلام وأهمها الصلاة.
نسأل الله الهداية للجميع، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 1845 8927 9880 12447 18080 17875 18261
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/3142)
حكم الزوجة إذا كان زوجها يسب الله والدين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
المشكلة أن زوجي رجل عصبي المزاج حيث إنه عند حدوث أمر يزعجه ولو كان تافها يسب الله والدين مع أنه رجل محافظ على الصلاة ويعظ الناس بالخير فهو خطيب في جامع حينا وهو لا يفعل هذا الفعل أمام الناس وإنما يفعله فقط بالبيت وأنا لا أشعر أن ضميره يؤنبه أو أنه يتوب إلى الله بعد القيام بهذا الفعل فما الحكم الشرعي في ذلك وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسبُّ الله عز وجل وسب دينه كفر مخرج من الدين. قال الموفق ابن قدامة في المغني 12/298: ومن سبَّ الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أو جادّاً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو آياته أو برسله، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65، 66] .
فإذا ثبت أن زوجك يسب الله والدين ولم يتب من ذلك، فلا يحل لك البقاء معه، ولا أن تمكنيه من نفسك لقول الله تعالى في زوجات الكافرين: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] .
والواجب عليك التخلص من هذا الرجل بطلب الطلاق منه أو رفع حالته إلى القاضي ليرى رأيه في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1423(1/3143)
كفى بسب الله والدين إثما
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد اطلعت على الفتوى 1322 و 18628
فماذا لو كان هذا الزوج يسب الله والدين ويعاقر الخمر ولا يقيم الصلاة ولكنه لا ينكر شيئاً من ذلك بل ينطق الشهادتين ويعترف بأنه مذنب ويضربها ويعنفها ولكنه بالمقابل يحبها ولا يريد فراقها. فهل يمكن حينها الدعاء بأن يخلصها الله منه وتشجيعها على ذلك وهي تريد الطلاق ولكن أهلها يمنعونها من ذلك ومن ناحية أخرى هي تخشى أن يكون طلبها الطلاق مخالفا للدين.
مع العلم أنه ليس في بلدنا محاكم شرعية بل مدنية لا تحكم على سب الذات الإلهية بأكثر من السجن لأسابيع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسب الله كفر مخرج من الملة لا يعذر به أحد، وإن أقر بالإسلام وبكل أحكامه، وسواء قال ذلك جاداً أو هازلاً، كما هو مبين في الفتوى رقم: 12447 والفتوى رقم: 23340 ومثله سب الدين كما هو مبين في الفتوى رقم: 133 وترك الصلاة تركاً مطلقاً كفر مخرج من الملة، كما هو مبين في الفتوى رقم:
5629
وأما معاقرة الخمر فهي فسوق وعصيان، لكن كفى بالكفر إثما وجرماً.
وعليه؛ فلا يجوز لك البقاء مع هذا الزوج إلا أن يرجع إلى الإسلام ويتوب إلى الله، ويحافظ على الصلاة، ويفارق الخمر، أما إن بقي على حاله فاعلمي أن هذا المرتد يعاشرك سفاحاً وأن ردته توجب بينكما الفرقة بدون طلاق، وإذا كانت المحاكم في بلدكم لا تفصل في ذلك، ولا تستطيعين الزواج إلا بفراق رسمي من المحكمة فاحتالي لمفارقته بطلب الطلاق منه، وابقي في بيت أهلك ولا تطيعيهم في الرجوع إليه، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1423(1/3144)
الجهل بتحريم سب الله تعالى ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل ساب الله يعذر بالجهل, مع العلم أننا في بلد مسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السب هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، ولم يختلف أحد من أهل العلم في أن من سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أو جاداً أو مستهزئاً، قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصارم المسلول 3 / 1017: فصل فيمن سب الله تعالى.. فإن كان مسلماً وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب، ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا سبة له، إلى أن قال: فإن الناس مجمعون على أن من سب الله تعالى من المسلمين يقتل، وإنما اختلفوا في توبته.
وقال ابن قدامة في المغني 12/ 298: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أوجاداً وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66] .
وروى ابن القاسم عن الإمام مالك أنه قال: من سب الله تعالى من المسلمين قتل ولم يستتب.
والذي عليه الشافعية والحنيفة أن سب الله ردة فإذا تاب الساب قبلت توبته، فهذا ما عليه أهل العلم.
ولا نعلم أحداً قال بأن الذي يسب الله تعالى معذور بجهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن سب الله ليس له داع عقلي في الغالب، وأكثر ما هو سب في نفس الأمر إنما يصدر عن اعتقاد وتدين يراد به التعظيم لا السب. انتهى
فإن الكافر يتدين بكفره ويقول إنه حق ويدعو إليه، وليس من الكفار من يتدين بما يعتقده استخفافاً واستهزاءً وسباً، وإن كان في الحقيقة سباً -وأما السب- فإنه مظهر للتنقص والاستخفاف والاستهانة بالله منتهك لحرمته انتهاكاً يعلم من نفسه أنه منتهك مستخف مستهزئ، ويعلم من نفسه أنه قد قال عظيماً، وأن السموات والأرض تكاد تنفطر من مقالته وتخر الجبال، وأن ذلك أعظم من كل كفر وهو يعلم أن ذلك كذلك.
قال ابن تيمية أيضاً: ولو قال بلسانه: إني كنت لا أعتقد وجود الصانع ولا عظمته والآن فقد رجعت عن ذلك" علمنا أنه كاذب، فإن فطر الخلائق كلها مجبولة على الاعتراف بوجود الصانع وتعظيمه، فلا شبهة تدعوه إلى هذا السب ولا شهوة له في ذلك؛ بل هو مجرد سخرية واستهزاء واستهانة وتمرد على رب العالمين، تنبعث عن نفس شيطانية ممتلئة من الغضب، أو من سفيه لا وقار لله عنده. انتهى
والحاصل أنه لا يتصور الجهل بتحريم سب الله تعالى، لكن قد يستعمل الإنسان لفظاً يجهل أنه موضوع للسب والتنقص، فبعض الألفاظ تكون سباً في بلد، وقد لا تكون كذلك في بلد آخر حسب عرف أهلها، فمثل هذه الألفاظ لو قالها من قالها ثم اعتذر عن مقولته فإنه يقبل عذره في الظاهر وأمره إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1423(1/3145)
تصان الآيات والأحاديث في الجرائد عن الأكل عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم الشرع في الأكل على الجرائد والصحف التي يكون فيها آيات وأحاديث وما شابه ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تيقن المرء أو غلب على ظنه أن اسم الله تعالى أو آيات من القرآن الكريم أو الحديث النبوي مكتوبة على أوراق الجرائد والصحف -وهو أمر لا تخلو منه الجرائد غالباً- فلا يجوز له أن يأكل عليها، لما في ذلك من الإهانة الواضحة لها، بل فعل ذلك عمداً واستهانة عمل كفري، إذ الاستهزاء بآيات الله أحد الأفعال الكفرية المخرجة من الملة، والواجب في هذه الحالة إحراقها أو الاحتفاظ بها، أو وضعها في الأماكن المخصصة لجمعها، كما يفعل في بعض البلاد الإسلامية، ومن فعل ذلك جاهلاً بالحكم أو جاهلاً أن فيها كلام الله، فلا شيء عليه، لقوله تعالى: لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] .
وفي صحيح مسلم أن الله تعالى قال: "قد فعلت"
وينبغي على المسئولين عن هذه الصحف أن ينبهوا الناس بكتابة ما يفيد حرمتها بخط واضح يقرؤه الجميع خروجاً من العهدة، وتعاوناً على البر والتقوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1424(1/3146)
معنى (الكفر البواح)
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو الكفرالبواح؟ والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت هذه الكلمة فيما رواه البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان.
والكفر البواح هو: الكفر الظاهر الواضح، قال الإمام ابن حجر في الفتح: قال الخطابي: معنى قوله بواحاً: يريد ظاهراً بادياً، من قولهم: باح الشيء يبوح بوحاً وبواحاً إذا أذاعه وأظهره. انتهى
وللتعرف على نواقض الإيمان راجع الفتوى رقم:
10765 ففيها إحالات كثيرة مفيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1423(1/3147)
الرجلان اللذان ادعيا الألوهية
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الأشخاص الذين ادعوا الألوهية في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخبرنا الله عز وجل في القرآن عن رجلين ادعيا الألوهية:
أولهما: نمرود بن كنعان ملك بابل، قال الله عنه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258] .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وقوله تعالى: حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أي وجود ربه، وذلك أنه أنكر أن يكون ثَمَّ إله غيره. انتهى
وثانيهما: فرعون عليه لعنة الله، فقد قال الله عنه: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] .
وقال لموسى عليه السلام: قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء:29] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1423(1/3148)
حكم التلفظ بالكفر استهزاء أو غلطا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من استهزأ بكلمة من حديث مثل كلمة اخشوشنوا في زلة لسان يعتبر مرتداً.
وفي هذه الحالة هل حبط كل ما عمله من خير رغم توبته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاستهزاء بالله تعالى أو بكتبه أو رسله أو ملائكته أو أحكام شرعه أو أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، كل ذلك كفر سواء كان الشخص جاداً أو هازلاً، لقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 66] .
والاستهزاء بالدين من أخطر الكبائر وأعظمها لأن صاحبه مريض القلب، مستهين بالدين لا يرضاه لنفسه ويفضل عليه غيره.
هذا إذا كان الاستهزاء مقصوداً سواء كان ذلك بقصد اللعب واللهو كما قال المنافقون، وأحرى أن يكون صاحبه جاداً. والعياذ بالله من ذلك كله.
أما ما كان مجرد سبق لسان أو غلطاً أو حكاية لا يقصد بها الاستهزاء أو كان من مكره فهذا لا يضر إن شاء الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه بن ماجه والحاكم.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان. متفق عليه.
وقال تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106] .
وكذلك الخطأ فقد قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن رجل في حديث التوبة: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح. رواه مسلم.
وعلى هذا فإذا كانت زلة اللسان من الخطأ أو النسيان أو الغفلة..... فنرجو ألا يكون بها بأس. وعلى من صدر منه شيء من ذلك أن يستغفر الله تعالى، ويبادر بالتوبة، وإذا حكم بردة شخص عن الإسلام فقد حبط ما قدمه من عمل على أصح أقوال أهل العلم، وعليه إذا تاب ورجع إلى الله تعالى عليه أن يجدد عقد زوجته من جديد، وإذا كان قد حج حجة الإسلام فإن عليه أن يحج مرة أخرى، وهكذا كل أعماله. ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] .
وننبه السائل الكريم إلى أن الحديث الذي وردت فيه كلمة اخشوشنوا روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروي موقوفاً على عمر رضي الله عنه، فقد رواه الطبراني عن عبد الله بن أبي حدرد بلفظ: تمعددوا واخشوشنوا، وانتضلوا، وامشوا حفاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1423(1/3149)
نعت الإسلام بالتخلف كفر قبيح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
قرات وسمعت عن الختان بالنسبة للبنات ... لكنني أريد معرفته بصورة أوسع. فهل هو معروف في الإسلام وماذا قال عنه الرسول محمد عليه افضل الصلاة وأتم التسليم ... فهناك من لا يصدق بوجوده ويعتبره جهلا وتخلفا ولا إنسانية وبما ان الزمن تغير فيجب ترك هذه الأعمال ولو كانت مستحبة في الإسلام.. فنطور عاداتنا وسنن نبينا بالتطور التكنلوجي في الغرب.. أفتوني حتى أعرف الصواب من عدمه ... فأنا قرأت عنه وأعرف بوجوده.لكن أريد معرفة المزيد عنه ... جزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن ختان البنات في الفتوى رقم
4487، والفتوى رقم 17741
أما من يقول إن شيئاً من الإسلام - ولو كان مستحباً - تخلف ورجعية أو أنه يجب أن يتغير لأن الزمن تغير فلا يصلح لهذا الزمان، فإن هذه الكلمة خطيرة جداً؛ بل هي الكفر بعينه والعياذ بالله، لأن كل شيء في الإسلام يصلح في كل زمان وكل مكان فهو منزل من الله رب العالمين العليم الخبير، وهو أعلم بخلقه وما يصلحهم (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ،) (الملك:14) ، ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم 2453
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1423(1/3150)
التلفظ بالكفر بين المؤاخذة والتجاوز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التلفظ بكلمة الكفر بدون قصد لمعناها كأن يقول الإنسان (قال ابن الرب) على وجه الغفلة لا على نية الاعتقاد فهو لا يقصد الاعتقاد بها ولكنه قالها ولم يأخذ باله عند قولها فهل هذا كفر؟ على الرغم من كرهه الشديد للكفر وحبه للإيمان ولكن الغفلة جعلته يقولها والإنسان أحيانا يشرد فكره فيقول كلمة وهو لا يأخذ باله بها إلا بعد الإتيان بها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تلفظ بكلمة الكفر دون قصد لمعناها مع اطمئنان القلب بالإيمان، فإنه غير مؤاخذ بذلك لأن من شروط المؤاخذة القصد، ففي سنن ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
هذا فيما إذا لم يكن الدافع لذلك هو عدم المبالاة، والاستخفاف بشعائر الله تعالى.
أما من كان التلفظ بذلك عادته بسبب عدم المبالاة، والجرأة على الله تعالى، فإنه مؤاخذ به ويكون كافراً، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ".
قال الحافظ في الفتح: لا يتأملها بخاطره، ولا يتفكر في عاقبتها، ولا يظن أنها تؤثر شيئاً، وهو من نحو قوله تعالى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15] .
وفي ختام هذا الجواب نقول للسائل: إن من أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه، فمن وقي شره فقد وقي أعظم الشر، وإن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب، فإذا لم ينطق به إلا في خير سلم، ولتجعل شعارك: قل خيراً تغنم أو اسكت تسلم.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1423(1/3151)
حكم من سبق لسانه فشتم الذات الإلهية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في رجل سب الله بدون قصد. فهل يعد كفرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سب الله تعالى كفر مخرج من الملة بإجماع المسلمين كما سبق بيانه في الفتوى رقم:
9880 والفتوى رقم:
17875.
إلا أن من سبقه لسانه بسب الله تعالى بدون قصد منه فلا شيء عليه، لقول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:5] .
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة:284] . قال دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا: سمعنا وأطعنا وأسلمنا. قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قال: قد فعلت. رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قال قد فعلت: وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا قال: قد فعلت.
وعليه، فإذا كان الأمر كما ذكر الأخ السائل أنه لم يقصد قول السب وإنما سبق لسانه به فلا شيء عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1423(1/3152)
المستهزئ بوعد الله أو وعيده على خطر عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي هو: لدي عائلة طيبة والحمد لله وكلنا نصلي والحمد لله ولكن عمي عمره (30) سنة وعمتي عمرها (27) سنة لا يصليان وإذا نصحنا عمي بأن يصلي لا يستمع إلينا وإذا قلنا له لو أتاك الموت في أي لحظة ماذا ستفعل فيقول عادي لا أخاف من الموت وعادي لو دخلت النار ... أما عمتي فقد كانت تصلي لفترة كبيرة ولكنها الآن لاتفعل..حتى الحجاب تلبسه فقط مع بعض الناس والبعض الآخر لا وتقول ما زلت صغيرة ... الله يهديهم.....فأرجو منكم الجواب على هذه الاسئلة....وشكرا جزيلا لكم ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاحمدي الله على أن منَّ عليك بالمحافظة على فرائضه والاستقامة على دينه، فإن من أعظم نعم الله على عبده أن يوفقه لطاعته.
ثم عليك أن تبيني لعمك أن كلامه في الموت ودخول النار وتهاونه في ذلك يدخل في الاستهزاء بالوعد والوعيد، وذلك ينافي الإيمان بهما، لأن من الإيمان بوعد الله ووعيده تعظيمه وإجلاله. وقوله "عادي لو دخلت النار" يناقض هذا الإجلال والتعظيم.
وقد نص كثير من أهل العلم على كفر المستهزئ بوعد الله أو وعيده، من ذلك ما ذكره البهوتي الحنبلي في كتابه كشاف القناع، وهو أن مما يوجب الردة السخرية بالوعد والوعيد.
فعليه التوبة إلى الله من هذا القول الفظيع وأن يجدد إسلامه، وأن يعلم أن الصلاة شأنها عظيم في الإسلام فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وعليك أن تبذل معه ومع عمتك كل ما تستطيعه من جهد ونصح وتستعين بمن له تأثير عليهما.
واستعن كذلك بالكتيبات والأشرطة المبينة لحكم الصلاة وأن ذلك كفر مخرج من الملة عند المحققين من أهل العلم ولو كان تكاسلاً. كما هو مبين في الفتوى رقم:
1145 واجعلي جل اهتمامك في هذا الأمر. ولا مانع أن تهتم بحجاب عمتك وتبين لها أن من في سنها يلزمها الحجاب بإجماع علماء المسلمين، إذ المرأة المسلمة إذا بلغت مبلغ النساء وجب عليها جميع التكاليف الشرعية ومنها الحجاب، كما هو مبين في الفتوى رقم:
5413.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(1/3153)
(فلانة مسلمة والإسلام منها بريء) هل يجوز هذا القول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قول: (إن فلانة مسلمة والإسلام منها براء) مع العلم أن فلانة هذه ذات أعمال باطلة مكروهة ولا يقبل بها أحد مثل سماع الأغاني وشرب الخمر والتبرج والسفور وإظهار مفاتنها للغير ولكنها مسلمة هل يجوز هذا القول؟
أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان قصد قائل هذه العبارة (فلانة مسلمة والإسلام منها براء) أنها كافرة فهذا لا يجوز، لأن ما قامت به هذه المرأة من المعاصي ليس مكفراً.
ومعلوم أن عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز تكفير من ثبت إسلامه إلا إذا أتى بمكفر، سواء كان قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً وتوفرت الشروط وانتفت الموانع، لأن باب التكفير من أخطر الأبواب، وقد ضلت فيه الخوارج، ووقع بسبب ضلالهم فيه إزهاق كثير من الأرواح، وإتلاف كثير من الأموال، وذاقت الأمة أصناف البلاء وأنواع الويلات.
وأما إن كان قصد قائل هذه العبارة هو أن الإسلام بريء من المعاصي والذنوب التي تقوم بها هذه المرأة فهذا صحيح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من غش فليس مني". رواه مسلم، وقال: "من حلف بالأمانة فليس منا". رواه أبو داود.
وأمثال هذا كثير. وليس معناه أنه كافر، ولكن معناه أن فعله أو قوله الذي أتى به ليس من طريقنا وهدينا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(1/3154)
لا تقبل دعوى الجهل بحرمة سب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماحكم الدين بالنسبة للزوجة التي تشاجرت مع زوجها وقام بسب الله وهو غاضب وهذه تقريبا المرة الثالثة وبعدها سمعا من أحد الشيوخ أنه شرك بالله والزوج لم يكن يعلم ذلك وهو نادم أشد الندم والزوجة تريد أن تعلم هل هناك كفارة عن ذلك وهل التوبة الصادقة تكفي خاصة أنه يقصد سبها هي وليس الله أم يعقد عليها قراناً من جديد وهي الآن تتعذب لأنها تريد أن تعلم حكم الدين قبل أن تقع في ما يغضب الله فأفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من سب الله تعالى وسب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سب دينه كفر كفراً مخرجاً من الملة. ويجب على سلطان المسلمين قتله بإجماع العلماء إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع ولم يتب من ذلك.
والغضب ليس مانعاً من الحكم بكفره إلا إذا وصل صاحبه إلى الانغلاق وعدم إدراك ما يقول، فحينئذٍ يكون مانعاً من تكفيره لأنه أصبح في حكم المجنون.
ولا تقبل دعوى الجهل بحرمة سب الله تعالى لأن حرمة ذلك معلومة من الدين بالضرورة، ولا يتصور جهل مسلم بها. والعجب من هذا الساب كيف يقدم عذراً أقبح من ذنب وذلك بزعمه أنه يقصد بسبه لله سب زوجته!! وهذه مغالطة مكشوفة.
والواجب عليه أن يتقي الله تعالى ويعترف بذنبه ويستغفر ربه، ويجدد عقد نكاحه.
نسأل الله تعالى أن يمن عليه بالتوبة النصوح ويقبلها منه إنه غفور رحيم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لو أنه - أي الساب - قبل رفعه إلى السلطان ظهر منه من الأقوال والأعمال ما يدل على حسن الإسلام وكف عن ذلك -السب- لم يقتل في هذه الحال. وفيه خلاف بين أهل هذا القول -القائلين بقبول توبته وعدم قتله- أهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(1/3155)
سب النبي ردة إلا أن يتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أولا أشكركم على غيرتكم هذه نفع الله بكم الإسلام والمسلمين.
ثانيا كما يقال ليس بعد الكفر ذنب فماذا يفعل أصحاب هذا الموقع للقائل؟
ثالثا ما حكم من سب الرسول صلى الله عليه وسلم وهل له توبة ويقتل حدا؟ أم يكفر ويقتل ردة؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر قبيح يخرج صاحبه عن الملة الإسلامية، وقد سبقت الإجابة على حكمه في الفتوى رقم:
1327 1845
وإذا لم يتب من سب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل لردته، لكنه إذا تاب إلى الله تعالى توبة خالصة فإن الله يتوب عليه، فالتوبة تمحو المعاصي كلها حتى الشرك بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(1/3156)
الغضب بما يشبه الجنون لا مؤاخذة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم والدي بهذه الحالة والدي كان سابقا مصاباً بجلطة خفيفة قبل 7 سنوات وعمل حادث وأصبح اذا توتر لا يعرف الضيف ولا يعرف أحداً بجواره علما هو يميز ويتكلم عادي ويصلي ولكن إذا أنا أنكرت منكراً في البيت وعملت سجالا معه قال لي لعنة الله الرب الذي تعبده ويسب الدين مثلا يقول لعنة الله على دينك وهو كبير في السن عمره 67 سنة ولكن عندما يتوتر لا يعرف أحداً ثم بعد انتهاء الغضب يثني على رسول الله ويعظم الله ويسبني وينكر ويقول الله العظيم أنا لا أسب ربي وديني عظيم ورسول الله هو أهدى البشرية وما شابه هذا الكلام من الإشادة، ولكن هل حكمه الآن مرتد؟؟ والسلام عليكم علما هو كان مصاباً بجلطة خفيفة وعمل حادثاً وعندما يغضب لا يعرف أحداً ولكنه يصلي ويصوم ويميز ويتكلم جيدا ويتحرك ويمشي ولكنه إذا غضب لا يعرف أحداً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان والدك عند غضبه يصل إلى مرحلة يفقد فيها عقله فيتكلم بما لا يعقل كفعل المجنون فإنه مرفوع عنه القلم ولا يؤاخذ بما قال، أما إن كان غضبه لا يوصله إلى ما ذكرنا، فهو بقوله مرتد خارج من ملة الإسلام وقد بينا ذلك في الفتوى رقم:
9880 والفتوى رقم: 1327 واعلموا أن إغضاب الوالد أمر عظيم خصوصاً، إذا كان الغضب يوصله إلى ما ذكرتم فاحذروا من إغضابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1423(1/3157)
حكم تعمد إهانة ما كتب اسم الله عليه بغير العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أكياس المحلات التي عليها اسم الله باللغة الإنجليزية مثلا:FATHALLA]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كتابة اسم الله على الأكياس ينظر إليه من جهتين:
الجهة الأولى: حكم هذه الكتابة.
الجهة الثانية: حكم إهانة هذه الكتابة برميها في القمامة، أو وضعها في الأماكن غير اللائقة.
أما حكم هذه الكتابة فإنه لا بأس به ما لم يعلم أن هذه الأكياس ستهان وترمى.
وأما حكم الإهانة فإنه حرام سواء كانت الكتابة بالعربية أو بالإنجليزية أو بغيرها، فمن عرف أن هذا اسم الله حرم عليه ذلك، بل إن تعمد الإهانة كفر بالله العظيم، نسأل الله العافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1423(1/3158)
ماهية الكفر ... وعلى من يطلق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السوال:
ما معنى الكفر ومن هو الكافر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكفرلغة: الستر والتغطية. واصطلاحا: هو ما يضاد الإيمان من الأقوال والأفعال والاعتقادات.
ولمعرفة حقيقة الكفر نسوق طرفاً من أقوال أهل العلم في تعريفه: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (20/86) : (الكفر: عدم الإيمان -باتفاق المسلمين- سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئاً ولم يتكلم"
ويقول رحمه الله: (إنما الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم) درء تعارض العقل والنقل: 1/242
ويقول رحمه الله: (فتكذيب الرسول كفر، وبغضه وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة أهل العلم) منهاج السنة: 5/251
ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى (7/533) (والكفر تارة يكون بالنظر إلى عدم تصديق الرسول والإيمان به، وتارة بالنظر إلى عدم الإقرار بما أخبر به، ثم مجرد تصديقه في الخبر، والعلم بثبوت ما أخبر به، إذا لم يكن معه طاعة لأمره، لا باطناً ولا ظاهراً، ولا محبة لله ولا تعظيماً له، لم يكن ذلك إيماناً) انتهى بتصرف يسير
ويقول ابن حزم -رحمه الله- في تعريف الكفر: (وهو في الدين صفة من جحد شيئاً مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معاً، أو عمل عملاً جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان) الإحكام: 1/45 ومن كلامهم في تعريف الكفر يمكن القول بأن الكفر قد يكون تكذيباً في القلب، وقد يكون عملاً قلبياً، مثل بغض الله تعالى، أو آياته، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون قولاً باللسان، مثل سب الله تعالى، أو سب رسوله، أو الاستهزاء بدينه وشرعه.
وقد يكون عملاً ظاهراً كالسجود للصنم، وإلقاء المصحف بالقذر ونحو ذلك.
وأما من الكافر؟ فمن قام به الكفر فهو كافر، ولكن لا بد هنا من التفريق بين الإطلاق أي تعريف الكافر مطلقاً، وبين التعيين أي الحكم على فلان بعينه بأنه كافر، فليس كل من وقع على الكفر وقع الكفر عليه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يسلتزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع) مجموع الفتاوى 12/487
ويقول: (ومن ثبت إسلامه بقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة) .
مجموع الفتاوى12/466
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1422(1/3159)
عدم تكفير الكفار كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من لا يكفر الكافر؟ وما حكم من لا يطبق بعض السنن: اللحية والتقصير خوفا على نفسه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاليهود والنصارى والبوذيون وغيرهم من أهل الملل التي دانت بغير دين الإسلام كلهم كفار، وكفرهم معلوم بالضرورة من دين الإسلام.
فمن أنكر كفرهم أو شك فيه أو لم يكفرهم فإنه كافر، لأن من نواقض الإسلام عدم تكفير الكفار أو الشك في كفرهم. قال القاضي عياض في كتابه الشفاء عند ذكره لما هو كفر بالإجماع: (ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو توقف منهم أو شك أو صحح مذهبهم، وإن أظهر الإسلام واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه فهو كافر بإظهار ما أظهر من خلاف ذلك) انتهى.
وقال في الإقناع وشرحه -وهما من كتب الحنابلة- في باب المرتد: (أو لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى واليهود، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم فهو كافر، لأنه مكذب لقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [آل عمران: 85] انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1422(1/3160)
هذا القول ردة
[السُّؤَالُ]
ـ[- ما حكم شخص قال المفروض: أن أهلنا أعلمونا بجميع الديانات وفيما بعد نختار الديانة المناسبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الكلمة كفر وردة - والعياذ بالله - يستتاب قائلها، فإن تاب وإلا رفع أمره إلى المحاكم الشرعية لتقيم عليه حد الردة، وكان الواجب أن يقول: الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كان لنا أن نهتدي لو أن هدانا الله، ويحمد الله أن ولد في مجتمع إسلامي ومن أبوين مسلمين، فإن هذه أعظم نعم الله علينا، ففي الإسلام صلاح الدنيا والآخرة، قال الله سبحانه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85] .
وقال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ) [آل عمران:19] .
وقال سبحانه: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3] .
نسأل الله الثبات على الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1422(1/3161)
أذناب مسيلمة الكذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هنالك امرأه تدعي والعياذ بالله بأن ملكا ينزل عليها من السماء وقد أنزل عليها ثلاثة كتب (قرآن) وهي تأخذ المال ممن تعرف من أقربائها النساء مدعية بأن الملك يطلب منا المال حتى وصل المبلغ الذي أخذته من امرأتين ما مجموعة ثمانية ملايين درهم وللأسف هؤلاء النسوة يصدقنها لأنها في كل مرة تدعي بأن الملك سوف يقوم بأخذ روح أحد أفراد عائلتها أو يضره كما أنها تدعي بإمكانية الشفاء من الأمراض ...
أرجو منكم بيان الحكم في هذه المرأة المدعية الحكم فيمن يصدقها من الناس وأرجو منكم التوقيع بالاسم على هذه الفتوى وذلك حتى نريهم حكم الله فيهم.. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجرد زعم هذه المرأة أن ملكاً من السماء ينزل عليها، وأنه قد أنزل عليها ثلاثة كتب قرآنية يعد كفراً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنها كذابة دجالة محيية سنة مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، والمختار بن أبي عبيد، وغيرهم من أئمة الكفر، وأركان الضلال، وقد استخدمت الكذب والدجل لأخذ أموال الناس بالباطل، فلا يحل لمسلم أن يأتي إليها، ويصدقها في دعواها ومن فعل ذلك فهو ناقص العقل، فاقد الدين مثلها، لأنه من المعلوم بالضرورة في ديننا أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، كما قال الله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) [الأحزاب:40] وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي" متفق عليه. واللفظ لمسلم.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله" وفي سنن أبي داود والترمذي وصححه عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتى بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي) فكل من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم فهو كذاب دجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1422(1/3162)
البعد عن الدين يورث المعيشة الضنك
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي واقعة في مشاكل وانقطعت علاقتها مع القرآن وتركت الصلاة وتظن أن الإسلام لا يفيد المسلم شيئاً، حاولت الكللام معها، ولكن لم ينفع ذلك، ولم أستطع تغيير فكرها، وهي ليست قادرة على نفسها وترى أحلاماً سيئة، وأعرف أنها جيدة من داخلها فبماذا تنصحها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت هذه المرأة كما ذكرت: انقطعت علاقتها بالقرآن وتركت الصلاة، وظنت أن الإسلام لا يفيد من التزمه شيئاً، فهي مرتدة عن الإسلام، لاسيما وأنك قد بذلت معها جهداً لإقناعها بترك هذا الاعتقاد الباطل فلم تستجب.
وكونها تحس بعدم قدرتها على نفسها وتشعر باضطرابات وضيق، وترى أحلاماً سيئة ونحو ذلك، فهذا كله إنما أصابها نتيجة لإعراضها عن القرآن، قال الله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى* قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً* قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى* وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) [طه:124-127] فإذا أرادت الراحة والسعادة في الدنيا والآخرة فعليها بالرجوع إلى القرآن والإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1422(1/3163)
حكم التنكيت بالقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الأشخاص يستعملون القرآن في النكت ليضحك الآخرين فما رأيكم في هذا الأمر؟
السلا م عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا ريب فيه أن الإيمان بكتب الله ركن من أركان الإيمان، والإيمان بها يقتضي تعظيمها وتوقيرها. والاستخفاف بها، وجعلها عرضة للتنكيت وإضحاك الآخرين ينافي ذلك التعظيم المستلزم للإيمان، ومن فعل هذا بالقرآن الذي هو أفضل الكتب المنزلة من عند الله، فقد كفر كفراً بواحاً مخرجاً من الملة، يعتبر به مرتداً عن دين الإسلام، ومن ارتد فإنه يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب قبلت توبته، وإلا فإن الواجب على سلطان المسلمين أن يقتله بعد الغروب من اليوم الرابع.
ويستوي في الحكم بالردة من استخف هازلاً ومن استخف جاداً، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة:65-66] .
قال عبد العزيز الحنفي في (كشف الأسرار) معلقاً على هذه الآية: فصار المتكلم بالكفر بطريق الهزل مرتداً بعين الهزل لاستخفافه بالدين الحق لا بما هزل به، أي لا باعتقاد ما هزل به.
وقال ابن قدامة في المغني: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أو جاداً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته، أو برسله، أو كتبه، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66] .
وينبغي أن لا يكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام حتى يؤدب أدباً يزجر من ذلك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1422(1/3164)
من تكرر منه شتم الرب، وحكم بقاء زوجته معه
[السُّؤَالُ]
ـ[1- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. فضيلة الشيخ قد قرأت الفتوى السابقة لمن يسب الرب والعياذ بالله.. وسؤالي متعلق بهذا الموضوع اذ أن زوجي للأسف سب الرب قبل العيد بيومين (في شهر رمضان) وكان صائما ولكنه أتم صيامه وصلاته حتى صلاة التراويح والتهجد.. فهل تقبل منه.. وهل يتوب الله عليه فور عودته للصلاة أم ماذا؟ وبالنسبة لي (زوجته) فقد أشرتم في الفتوى السابقة بأنه يجب التفريق بين الزوج والزوجة.. فما هو وضعي في هذه الحالة مع العلم بأنها ليست المرة الأولى التي يقولها، وما ترونه فضيلتكم قد يردعه عن تكرار ذلك القول؟؟ .. أفيدوني أفادكم الله وبارك فيكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أجمع العلماء على أن من سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً، أو كان جاداً، أو مستهزئاً، لقول الله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون*لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم..) [التوبة:65-66]
لكنه إذا تاب إلى الله تعالى فمذهب الجمهور أنه تقبل توبته، واشترط بعض العلماء لقبولها أن لا يتكرر ذلك منه ثلاث مرات، فإن تكرر ثلاثاً لم تقبل لدلالة التكرر على فساد عقيدته، وقلة مبالاته بدينه، ولكن القول بقبولها ولو تكررت أظهر، دلت عليه ظواهر آيات كثيرة، وأحاديث صحيحة.
ثم إن المرتد إذا تاب إلى الله تعالى أو نطق بالشهادتين قبلت توبته قطعاً، بل قال الحنابلة لو صلى المرتد حكم بإسلامه، إلا أن تكون ردته بجحد فريضة أو كتاب أو نحو ذلك.
وعليه، فنقول للسائلة: إذا علمت أن هذا الرجل تاب إلى الله تعالى أو نطق بالشهادتين، أو صلى صلاة المسلمين واستقام مع جماعتهم قبل أن تخرجي من العدة فالعصمة باقية والزوجية مستمرة، لأن الصحيح من أقول أهل العلم أن الفرقة بين الزوجين إذا ارتد أحدهما تتوقف على انقضاء العدة.
وننبه أخيراً إلى أن عليك أن تجلسي مع زوجك وتبيني له خطورة هذا الأمر وتطلعيه على ما فيه من فتاوى، وتوضحي له توضيحاً صريحاً أنك غير مستعدة للبقاء معه إذا تكرر منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1422(1/3165)
وصف الله بغير العدل كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[1-شخص غير عربي مسلم يعرف الدين بالوراثة من أبويه لكن لا يعرف نواقض الإيمان لأنه من الأقليات المسلمة في دولة غير مسلمة تحاصرالتعليم الإسلامي فهم لايعرفون إلا ماورثوه وذات مرة غضب لأن أباه أضاع مبلغاً من المال وقال: الله غير عادل. فما حكمه مع العلم أنه تغيرعندما بدأ يعرف أحكام الإيمان؟
2-
3-
4-
5-
6-
7-
8-
9-]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن هذه الكلمة التي قالها هذا الشخص كفر وردة، ويجب على من قالها أن يجدد إسلامه وإيمانه، فإذا تاب وأناب ورجع إلى الإسلام فلا شيء عليه -إن شاء الله- ونرجو أن يغفر الله له.
ويجب أن يعلم هذا الشخص أن من سنن الله أن يبتلي عبده المؤمن ليعلم صدق إيمانه وصبره، فأما الصادق فيحمد الله ويصبر، وأما المنافق فينقلب على وجهه، قال تعالى (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون*ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) [العنكبوت:1،2] وقال تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) [العنكبوت:10] وقال تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خيراً اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) [الحج:11]
نسأل الله الثبات لنا وله ولجميع المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1422(1/3166)
سب الدين، والحلف بالإنجيل مخرج من الملة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-زوجي يسب الدين ويحلف بالإنجيل وتارك للصلاة متعمداً يصليها جمعاً وقت فراغه لا يصلي في المسجد سوى الجمعة فهل أكون محرمة عليه من جميع الجهات أم ماذا أفتونا مأجورين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن سب الدين أو استهزأ به كفر بإجماع العلماء. قال القاضي عياض: (اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما.. فهو كافر عند أهل العلم بإجماع) ومن حلف بإنجيل من الأناجيل المحرفة تعظيماً لها، واعتقاداً بأن ما فيها حق، فهو كافر باتفاق أهل العلم، لأنه كذب القرآن المخبر بتحريفها وبطلانها، ومن ترك الصلاة بالكلية فهو كافر باتفاق الصحابة رضي الله عنهم، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله: (كانوا -الصحابة- لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) رواه الترمذي.
وإن كان يصلي تارة ولا يصلي تارة أخرى، وربما جمع بين الصلاتين بغير عذر، كما هو حال زوجك، فهو على خطر عظيم، وإن لم يحكم بكفره.
ومما سبق يتبين أن زوجك كافر، خارج من ملة الإسلام، لا يجوز لك البقاء معه بحال، إلا إن أعلن توبته ورجوعه إلى الإسلام، وعليك أن ترفعي أمرك إلى المحاكم حتى تقوم بالتفريق بينك وبينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1422(1/3167)
عقيدة الحلول والاتحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما معنى الحلول والاتحاد؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحلول والاتحاد عقيدتان كفريتان، ويظهر ذلك من خلال معرفة معناهما، أما الحلول فمعناه أن الله يحل في بعض مخلوقاته، ويتحد معها، كاعتقاد النصارى حلوله في المسيح عيسى ابن مريم، واعتقاد بعض الناس حلوله في الحلاج، وفي بعض مشايخ الصوفية، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وهؤلاء الذين تكلموا في هذا الأمر "الاتحاد العام" لم يعرف لهم خبر من حين ظهرت دولة التتار، وإلا فكان الاتحاد القديم هو الاتحاد المعين، وذلك أن القسمة رباعية، فإن كل واحد من الاتحاد والحلول إما معين في شخص، وإما مطلق، أما الاتحاد والحلول المعين كقول النصارى والغالية في الأئمة من الرافضة، وفي المشايخ من جهال الفقراء والصوفية، فإنهم يقولون به في معين: إما بالاتحاد كاتحاد الماء واللبن، وهو قول اليعقوبية وهم السودان، ومن الحبشة والقبط، وإما بالحلول، وهو قول النسطورية، وإما بالاتحاد من وجه دون وجه، وهو قول الملكانية. وأما الحلول المطلق وهو أن الله تعالى بذاته حال في كل شيء فهذا يحكيه أهل السنة والسلف عن قدماء الجهمية، وكانوا يكفرونهم بذلك. فأما ما جاء به هؤلاء من الاتحاد العام فما علمت أحداً سبقهم إليه إلا من أنكر وجود الصانع، مثل فرعون والقرامطة، وذلك أن حقيقة أمرهم أنهم يرون أن عين وجود الحق هو عين وجود الخلق، وأن وجود ذات الله خالق السموات والأرض، هي نفس وجود المخلوقات، فلا يتصور عندهم أن يكون الله تعالى خلق غيره، ولا أنه رب العالمين، ولا أنه غني وما سواه فقير، لكن تفرقوا على ثلاثة طرق، وأكثر من ينظر في كلامهم لا يفهم حقيقة أمرهم لأنه أمر مبهم) .
وأما الاتحاد فمعناه أن عين المخلوقات هو عين الله تعالى وهو ما سبق تسميته في كلام شيخ الإسلام الاتحاد العام.
وقال عنه في مكان آخر (فإن صاحب هذا الكتاب المذكور الذي هو "فصوص الحكم" [لابن عربي] وأمثاله، مثل صاحبه القونوي والتلمساني وابن سبعين والششتري وابن الفارض وأتباعهم مذهبهم الذي هم عليه: أن الوجود واحد، ويسمون أهل وحدة الوجود، ويدعون التحقيق والعرفان، وهم يجعلون وجود الخالق، عين وجود المخلوقات، فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن وقبيح، ومدح وذم، إنما المتصف به عندهم عين الخالق، وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها أصلا، ً بل عندهم ما ثم غير أصلا للخالق ولا سواه. ومن كلماتهم: ليس إلا الله، فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم، لأنهم ما عندهم له غير، ولهذا جعلوا قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) [الإسراء:23] بمعنى قدر ربك أن لا تعبدوا إلا إياه، إذ ليس عندهم غير له تتصور عبادته، فكل عابد صنم إنما عبد الله.
ولهذا جعل صاحب هذا الكتاب: عباد العجل مصيبين، ... وفرعون من كبار العارفين المحققين، وأنه كان مصيباً في دعواه الربوبية ... ويكفيك معرفة بكفرهم أن من أخف أقوالهم أن فرعون مات مؤمناً بريئاً من الذنوب ... ) إلى آخر ما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- عنهم، مما يدل دلالة واضحة صريحة على كفرهم، وخروجهم عن الملة، نسأل الله الثبات على الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1422(1/3168)