الجنة طيبة فلا يدخلها إلا الطيبون ولا يشتهون فيها إلا الطيبات
[السُّؤَالُ]
ـ[إني شاب أعيش أغلب الوقت وحيدا، عندي أصدقاء، ولكن لا أرتاح لهم، وأيضا هم أصدقاء سوء أهل
معاص وفسق، وسؤالي هو: هل إذا دخلت الجنة واشتهيت أصدقاء على صور معينة في الجمال والخلقة هل يتحقق لي ذلك؟ وأيضا هناك من أهل العلم من يقول إن الجنة لا يوجد بها لواط والله يقول في ما معنى كلامه أني إذا دخلت الجنة فإن أي شيء أريده يتحقق لي. فهل إذا اشتهيت اللواط يتحقق فإن كلام الله واضح ثم كلامي واضح. أرجو الجواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نوافق السائل الكريم على عدم ارتياحه لأصدقاء السوء من أهل الفسوق والعصيان، ونوصيه بالبعد عنهم تماما، فإن في مخالطتهم من الضرر والفتنة ما يجب التحرز منه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة. متفق عليه.
والله تعالى قد خلق الإنسان مدنياً بطبعه، يميل لمخالطة الناس ومجالستهم، ويتأثر بهم ويؤثر فيهم، فالطبع لص والصاحب ساحب، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى في اختيار الصحبة، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. وقال أيضا: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني.
ونوافق السائل أيضا على أن من يدخل الجنة ينال فيها ما يتمنى، ويعطى فيها ما يشاء، ويجد فيها ما يشتهي، فلن يشاء فيها شيئا إلا أعطيه، كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ. {النحل:31} . وقال سبحانه: فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. {الزخرف: 71} . وقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
وأَتَى رجل للنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ، أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ، لَهُ جَنَاحَانِ فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طَارَ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ. رواه الترمذي، وحسنه الألباني بشواهده.
حتى إن من تصيبه النار من عصاة الموحدين ثم يؤذن له بعد ذلك بالخروج منها ودخول الجنة، عندها يقول الله عز وجل له: تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ كَذَا وَكَذَا ـ أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ ـ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. رواه الشيخان.
واعلم أن أهل الجنة لن يتمنوا اللواط ولن يطلبوه، لأنهم قد نُقُّوا وهُذِّبوا، وطابت قلوبهم وسلمت صدورهم وحسنت أخلاقهم، فهم مطهرون بالكلية. وإن كان أحدهم قد ابتلي في الدنيا بمثل هذا الميل الشاذ، فجاهد نفسه وعف عن الحرام فجازاه الله بالجنة، فإنه يُنزع من قلبه هذا المرض تهذيبا وتطييبا، قال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ. (الزمر:73) .
قال السعدي: طِبْتُمْ. أي: طابت قلوبكم بمعرفة الله ومحبته وخشيته، وألسنتكم بذكره، وجوارحكم بطاعته-فـ- بسبب طيبكم- ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ. [ص 731] لأنها الدار الطيبة، ولا يليق بها إلا الطيبون. اهـ.
وقال سبحانه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ. {الأعراف: 43} . وقال عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ. {الحجر:47} .
ولا إشكال في أن أماني العبد ورغباته تختلف من وقت لآخر ومن حال لحال، فما يتمناه المرء الآن قد لا يكون هو أمنيته في الجنة إن دخلها، وما تقر به عينه وتشتهيه نفسه الآن قد يكون بعكس ما تقر به عينه وتشتهيه نفسه هنالك، فهذه الدار تختلف عن تلك الدار جملة وتفصيلا.
فإذا عُلم هذا عُلم أن العبد ينبغي أن يكون اهتمامه بدخول الجنة وعلو درجته فيها، فبهذا ينشغل قلبه ويلهج لسانه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة.. . رواه البخاري.
فإذا حصل له ذلك فقد فاز بالخير كله بحذافيره، ولا ينبغي أن يحجر العبد على نفسه ويتكلف ما لا علم له به، وعليه أن يحقق الإيمان بالله تعالى وما يقتضيه ذلك من اعتقاد وقول وعمل، ثم يسأل الله الفردوس الأعلى من الجنة، ولا يتكلف ما وراء ذلك. وراجع الفتويين: 75647، 58080.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 103498 أن أهل العلم ذكروا أن أهل الجنة مطهرون من الأخلاق السيئة، فما استجد عند الناس مما زينه لهم الشيطان مما تأباه الفطر السليمة والأذواق الرفيعة من الإتيان في غير الحرث ومن اللواط لا يكون عند أهل الجنة، فهم مستغنون بما وفر الله لهم من أسباب المتعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1430(1/2137)
أعلى درجات الجنة الفردوس الأعلى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المرتبة التي توازي الفردوس الأعلى أو أعلى من الفردوس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أعلا درجات الجنة وأعظم مراتبها: الفردوس الأعلى، وهي التي ينبغي للمسلم أن يسألها، فقد روى الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس. صححه الألباني. وانظر الفتوى رقم: 67473.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1430(1/2138)
هل المحارم في الدنيا محارم في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد احترت في موضوع سمعته لا أثق بمصدره، وسؤالي هو: هل هناك محارم في الجنة مثل الدنيا؟ ومن هم المحارم الذين يحرم الزواج منهم في الجنة؟ بارك الله فيكم أجمعين، وأزال الفتن عن طريق المسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قصد السائل بالمحارم: الأمهات والبنات والأخوات والعمات، فمن كان من هؤلاء من المتقين فلا شك أنه في الجنة مع ذويه الصالحين كما قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ {الطور:17} إلى قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {الطور:21} . كما أنه لا شك في حرمة نكاحهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1430(1/2139)
هل توجد في الجنة مظاهر الحضارة الحديثة من أبراج وسيارات
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما نقرأ عن الجنة ـ جعلنا الله من ساكنيها ـ ونعيمها يسر الإنسان بما أعده الله من كبير فضله، والسؤال هل الحياة العصرية يمكن أن توجد في الجنة من أبراج وسيارات ومظاهر أخرى للحضارة الحديثة؟
أم أن الوضع مقتصر على ما جاء في القرآن والسنة من جنان وأشجار وقصور؟.
مع تسليمنا الكامل لله وثقتنا المطلقة بفضله وإحسانه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الجنة جميع ما يشتهيه الناس، لقول الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وتَلَذُّ الْأَعْيُنُ {الزخرف:71} . ولقوله تعالى: لَهُمْ فِيهَا مَا يشاءون {الفرقان:16} . ولقوله تعالى: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت:31} .
وورد في بناء الجنة أنه لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وأن فيها غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، وأن المرء يتنقل فيها كيف يشاء.
هذا من حيث العموم، أما السيارات والأبراج وغيرها من مظاهر الحضارة على النحو المعروف في الدنيا، فلم يرد نص خاص فيها، لكن ليس هناك ما يمنع من وجودها إذا رغب أهل الجنة فيها، تفضلا من الله جل وعلا، فإنه قد ورد ما يدل على أن الله سبحانه يلبي لأهل الجنة ما هو أعظم من ذلك مما هو مستحيل عادة بمقاييس الدنيا.
وانظر للفائدة الفتويين رقم: 111145، 124381.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1430(1/2140)
لقاء المؤمن بأهله في الجنة ثابت في النصوص الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلتقي الأبناء والآباء والأمهات والزوجات في الجنة وبنفس العاطفة أم يتغيرون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنعم، يلتقي الأبناء والآباء والأمهات والزوجات في الجنة، وهذا فضل من الله عز وجل، وقد وعد بهذا وأخبرنا بهذا الوعد في الدنيا لتأنس قلوبنا به، ولنشمر للعمل الصالح حتى لا تكون الدنيا هي نهاية اللقاء، بل هناك لقاء أحلى وأعلى وأجل من لقاءات الدنيا، يقول سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ. {الطور:21} . وقال تعالى: أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ. {الرعد:22-23} . وقال في الآية الأخرى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ. {الزخرف:70} . وقال في دعاء الملائكة للمؤمنين: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {غافر:8} .
وأما عن عاطفتهم فلا شك في تغيرها للأحسن والأكمل، فلا غل ولا حسد، ولا حقد ولا كره، ولا ضغائن نفس أو غيرة من أحد في الجنة، بل هي دار الكمال ودار المتعة المبرأة عن كل نقص، قال في صفة أهل الجنة: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ. {الحجر:47} . وقال تعالى: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. {الزخرف:71} .
وهذا السؤال قد أجبنا عليه بتفصيلات كثيرة، ونقول جميلة في فتاوى سابقة هذه عناوينها وأرقامها فلتراجع للفائدة: الفتوى رقم: 3102 تلتقي الأسر يوم القيامة، والفتوى رقم: 11721. والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم، والفتوى رقم: 22476. أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، والفتوى رقم: 37358 الأدلة على لحوق أقارب المؤمن في الجنة به، والفتوى رقم: 54153 هل يمارس المؤمن حياته الطبيعية مع زوجه وأولاده في الجنة.
ونسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن يجعلنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1430(1/2141)
المؤمن في الجنة لا يحرم من شيء يتمناه
[السُّؤَالُ]
ـ[الإنسان له آمال كثيرة وخيالات وأمنيات كبيرة.
1- هل في الجنة تتحقق كلها؟
2- هل هناك أشياء لا تتحقق؟
3- هل يحقق الله المستحيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم يا أخي الكريم- أكرمنا الله وإياك بدار كرامته- أن في الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فاقرءوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ. متفق عليه.
واعلم أن الإنسان لا يتمنى شيئا في الجنة إلا حققه الله له. قال تعالى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا. {الفرقان:16} وقال جل وعلا: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. {فصلت:31} .
قال ابن كثير في تفسيره: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ. من الملاذ من مآكل، ومشارب، وملابس، ومساكن، ومراكب ومناظر وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد.
وفي فتح القدير: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ. أي: لهم في الجنات ما تقع عليهم مشيئتهم صفوا عفوا يحصل لهم بمجرد ذلك.
فالإنسان في الجنة لا يحرم من شيء يتمناه، ولا يتعارض هذا مع تفاوت مراتب أهل الجنة.
ففي تفسير أبي السعود: ولعل كل فريق منهم يقتنع بما أتيح له من درجات النعيم، ولا تمتد أعناق هممهم إلى ما فوق ذلك من المراتب العالية، فلا يلزم الحرمان ولا تساوي مراتب أهل الجنان.
ومقاييس الآخرة مختلفة عن مقاييس الدنيا، ولذلك هناك أشياء مستحيلة الوقوع عادة في الدنيا، لكنها تقع في الآخرة.
ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث -وعنده رجل من أهل البادية- أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى ولكني أحب أن أزرع. قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء.
وقال عليه الصلاة والسلام: المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني. سنه: أي: كمال سنه وهو الثلاثون سنة.
ففي الجنة ما يتمناه الإنسان وفوق ما يتمناه أيضا، وإن كان مستحيلا عادة بمقاييس الدنيا.
أما المستحيل لذاته، فليس بشيء أصلا، فلا يصح افتراض تحققه؛ لأن الشيء هو ما يمكن تصور وجوده، وليس في قولنا هذا تحديد للقدرة الإلهية، حاشا لله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو سبحانه على كل شيء قدير، لا يستثنى من هذا العموم شيء، لكن مسمى الشيء ما تصور وجوده، فأما الممتنع لذاته فليس شيئا باتفاق العقلاء. مجموع الفتاوى.
وإذا أردت الاستزادة من معرفة صفة الجنة ونعيمها فعليك بكتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن قيم الجوزية، وكتاب الجنة والنار للدكتور عمر سليمان الأشقر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1430(1/2142)
هل يدخل الزوج الجنة بسبب رضا زوجته عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[من ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة.
سؤال: هل من مات وزوجته راضية عنه يدخل الجنة كذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الترمذي وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة. وهذا حديث ضعيف ولا تخلو طرقه كلها من مقال.
ولكن قد جاء هذا المعنى ونحوه في أحاديث صحيحة منها ما رواه أحمد عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
ومنها ما رواه أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت. رواه أبو نعيم في الحلية وصححه الألباني.
ولعل مقصود السائلة السؤال عن من مات وزوجته راضية عنه هل يدخل الجنة بهذا؟ والجواب: أنا لا نعلم نصا ثابتا في هذا الخصوص، ولكنا نقول: لا شك أن رضى الزوجة عن زوجها ناشئ عن حسن خلقه معها وجميل معاشرته لها وهذا من الأعمال الصالحة الجليلة، لما فيها من امتثال أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فقد قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. {النساء:19} . وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم. أخرجه الترمذي وغيره وحسنه الألباني.
ولا شك أن فعل الخيرات وعمل الصالحات وامتثال أوامر الشرع كل ذلك من أسباب دخول الجنة، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا. {الكهف: 107، 108} .
ولكن ننبه السائلة على أن هذه الأحاديث وغيرها من أحاديث الوعد بدخول الجنة مقيدة بمن مات على التوحيد، ولم يكن مصرا على كبيرة، ومات قبل التوبة منها، أما من مات على غير التوحيد والعياذ بالله فإنه لا يدخل الجنة أبدا لما جاء في الحديث: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. متفق عليه.
وأما من مات من أهل التوحيد وهو مصر على كبيرة فهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وللإمام النووي رحمه الله في هذا المعنى كلام نفيس عظيم الفائدة حيث قال رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم: واعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا على كل حال، فإن كان سالما من المعاصي كالصغير والمجنون، والذي اتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلا. فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلا لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه، وأما من كانت له معصية كبيرة، ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولا وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي. فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله عليها ليجمع بين نصوص الشرع. انتهى.
ويقول في موضع آخر في شرحه لحديث: من مات وهو يعلم أن لا اله إلا الله دخل الجنة. أثناء حديثه عمن عصى الله من أهل الشهادتين: فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: دخل الجنة. أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب، وهذا لا بد من تأويله لما جاء في ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة فلا بد من تأويل هذا لئلا تتناقض نصوص الشريعة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1430(1/2143)
المؤمن يلقى أهله في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الرجل يلتقي بأهله يوم القيامة وتكون زوجته رئيسة الحور في الجنة. اشرح كيف ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المؤمن يلقى أهله في الجنة إذا دخلا الجنة كما يدل قوله تعالى: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ {يس:56،55} .
وفي الحديث: إ ن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط.... رواه الطبراني وصححه الألباني.
وقد سبق بيان تفضيل الزوجة المؤمنة على الحور العين في الفتاوى التالية أرقامها: 35117، 74644، 58080.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1430(1/2144)
هل يرى الشهيد زوجاته من الحور العين وهو في البرزخ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشهيد يرى الحورية ويجلس معها قبل قيام الساعة أي وهو في القبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الشهداء مكرمون عند الله تعالى كما قال سبحانه وتعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. {آل عمران:169} .
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه. رواه أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم وصححه الألباني.
وعلى هذا؛ فالشهيد يرى مقعده من الجنة، والظاهر- والله أعلم- أن ذلك يشمل رؤية زوجاته من الحور العين، ولم نقف على حديث يفيد أنه يجلس مع الحور في البرزخ قبل قيام الساعة.
وللمزيد انظر الفتوى رقم: 12114.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1430(1/2145)
نعيم المؤمنات ولقاء الأزواج في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الله جل جلاله يكرم المؤمنين في الجنة بالحور العين. فبماذا يكرم المومنات في الجنة؟ وهل يلتقي أزواج الدنيا في الآخرة؟ وماذا يكون شعورهم كأزواج أو شعور كأي إنسان آخر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يكرم المؤمنات في دار كرامته بما يكرم به المؤمنين من النعيم المقيم الأبدي مما تشتهيه أنفسهن وتلذ به أعينهن كما قال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف: 71}
وقد بينا ذلك في عدة فتاوى منها الفتوى: 72641، وما أحيل عليه فيها. وبخصوص أزواج الدنيا فإن المؤمنين منهم يلتقون في الآخرة، ويرفع الله تعالى درجة الأدنى إلى درجة الأعلى إكراما لهما، ولا شك أنهم يشعرون بالسعادة والرضى عن الله تعالى ومحبته. فقد أخبرنا الله تعالى عن بعض أحوال أهل الجنة بعد دخولها بقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. إلى قوله: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ {الطور:26،27} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(1/2146)
هل النساء يرين سيد المرسلين ويجلسن معه في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النساء سوف يرين الحبيب صلى الله عليه وسلم في الفردوس ويجلسن معه مثل الرجال؟ فهذا كان سؤالا من أخت. غفر الله لكم وأسكنكم الفردوس الأعلى مع الحبيب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل من أطاع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كان في الجنة مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى، كما قال قالله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. {النساء: 69} .
وكلمة: من، من ألفاظ العموم التي يشترك فيها الرجال والنساء، ولذلك فإن النساء من أهل الجنة يرين النبي صلى الله عليه وسلم ويجتمعن به.
ومما يجب الننبه له أن الجنة دار جزاء وليست دار تكليف، وهي دار يعطى فيها المرء كلما اشتهى بدون استثناء، كما سبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتوى رقم: 109789. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1430(1/2147)
لا يريد أن يجعله الله في الجنة يتمنى بالزواج بأكثر من واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي قد يكون غريباً نوعاً ما وهو عن نعيم أهل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها: فكما عرفت بأن أهل الجنة يتزوج أحدهم أقل شيء باثنتين، ولكن إذا كان هناك أحد لا يريد إلا واحدة فقط، بل ولا يريد أن يتمنى أصلاً أكثر من واحدة، يعني لا يريد أن يجعله الله في الجنة يتمنى بالزواج بأكثر من واحدة. ونحن نعرف أن الله يتحكم في كل شيء ومن ذلك الأحاسيس، فلو كان أحد في الدنيا يشعر بأنه لا يتمنى إلا الزواج بواحدة فقط.. فإن الله قادر على أن يبدل شعوره في الآخرة ويجعله يتمنى أكثر من واحدة. وهل يجوز للشخص أن يدعو الله الآن في الدنيا أن لا يجعل له ذلك الإحساس؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأنه عزيز حكيم، وقد أخبرنا الله تعالى عن الجنة فقال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. {الزخرف:71} . وقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
فإذا عُلم هذا عُلم أن العبد ينبغي أن يكون اهتمامه بدخول الجنة وعلو درجته فيها، فبهذا ينشغل قلبه ويلهج لسانه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ... رواه البخاري.
فإن من دخل الجنة نال ما تمنى ووجد ما يشتهي، فلن يشاء فيها شيئاً إلا أعطيه، كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ. {النحل:31} .
وسمع سعد بن أبي وقاص ابنا له يدعو يقول: اللهم إني اسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا.. فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء. فإياك أن تكون منهم، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر. رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الجنة أن لكل واحد منهم زوجتين. رواه الشيخان.
وسبق التنبيه على ذلك في الفتويين رقم: 62696، 70805. فينبغي للعبد أن يحمد الله ويقبل كرامته، ولا يعرض عن نعمته.
والذي يظهر أن الدعاء بخلاف ذلك يدخل في معنى الاعتداء في الدعاء المذكور في حديث سعد السابق، وراجع في معنى الاعتداء في الدعاء الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 45972، 23425، 58303، 111332، 31019.
ونذكر السائل الكريم أن آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً إليها عندما يؤذن له بدخول الجنة يقول الله تعالى له: تمن. فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته، قال الله عز وجل: من كذا وكذا، أقبل يذكره ربه، حتى إذا انتهت به الأماني، قال الله تعالى: لك ذلك وعشرة أمثاله. متفق عليه.
وهذا من المزيد الموعود به في قوله سبحانه: لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. {ق:35} . فلا يصح أن يحجر العبد على نفسه ويتكلف ما لا علم له به، فإن ما يتمناه المرء الآن قد لا يكون هو غاية أمنيته في الجنة إن دخلها، وما تقر به عينه وتشتهيه نفسه الآن قد يكون غير ما تقر به عينه وتشتهيه نفسه هنالك، فهذه الدار تختلف عن تلك الدار جملة وتفصيلاً، وليس بينهما اشتراك إلا في الأسماء، فعلى المرء أن يحقق الإيمان بالله تعالى وما يقتضيه ذلك من اعتقاد وقول وعمل، ثم يسأل الله الفردوس الأعلى من الجنة. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 75647.
وأخيراً.. ننبه السائل الكريم على أن يلتمس أدعية القرآن والسنة، ففيها الخير والبركة والكفاية: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(1/2148)
هل يتزوج المرء في الجنة زوجة غيره في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن أن يتزوج الشخص في الجنة بأي امرأة كان يريدها في الدنيا, ولو كانت متزوجة من غيره في الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه المرأة التي تريدها زوجة لك في الجنة متزوجة في الدنيا من غيرك فليس بممكن أن تكون زوجتك في الجنة، فقد بينا في الفتاوى التالية أرقامها: 2207، 19824، 38909 أن المرأة في الجنة تكون لزوجها الذي تزوجها في الدنيا إن مات وهي في عصمته، وإن تزوجت أكثر من شخص فهي للأخير منهم. وعليه، فلو لم تتزوج هذه المرأة التي تريدها في الدنيا فلا مانع من أن تتمنى أو تدعو الله تعالى أن تكون زوجة لك في الجنة، وإلا فلا.
ومما ينبغي أن يتفطن له الأخ السائل أن أهل الجنة لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، وما لا يريد الله عز وجل أن يكون لهم فإن نفوسهم لا تشتهيه؛ بل يرضيهم الله عز وجل بما يعطيهم بحيث لا يتمنون غيره كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 95541 فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1430(1/2149)
حكم دعاء العبد أن يجمعه مع فلان في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: هل يجوز لأحدنا الدعاء بأن يقول: اللهم اجمعنا مع فلان -ولو كان من الصالحين- بجنة النعيم، أم أن ذلك محصور على الأنبياء فنقول: اللهم اجمعنا مع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم بجنة النعيم، وهل ذلك يعد تزكية لهذا الشخص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الدعوة إن كانت على سبيل الطلب والسؤال للداعي ولفلان المذكور فيها، أن يجمعهما الله في الجنة، فلا حرج، ولا يعدو معناها سؤال الجنة للداعي ولفلان هذا، وأن يجمعهما الله بها، فليس فيها تزكية بهذا المعنى.
وأما إن كانت على سبيل الجزم لفلان بأنه من أهل الجنة ثم سؤال اللحاق والاجتماع به، ففيها تزكية له، وفيها تعدٍ واضح، فإن الجنة وإن كانت ترجى للمؤمن إلا إنه لا يقطع له بها، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 69593.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل: أحسب فلانا والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا. رواه الشيخان.
وقال الطحاوي في عقيدته: نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة. انتهى. وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 23025.
والأولى أن يعمم الداعي فيسأل اللحاق بالصالحين جملةً، كما في دعاء الخليل إبراهيم عليه السلام: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. {الشعراء:83} . ودعاء نبي الله يوسف عليه السلام: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. {يوسف:101} .
وبذلك دعا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. رواه أحمد، وصححه الألباني.
ثم لا شك أن أفضل هؤلاء الصالحين هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن علو الهمة في الدعاء أن يسأل العبد مرافقته في الجنة، كحال ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، فقد كان يبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه بوضوئه وحاجته فقال له: سل. فقال: أسألك مرافقتك في الجنة. رواه مسلم.
وكما في دعاء عب د الله بن مسعود رضي الله عنه: اللهم إني أسألك نعيما لا يبيد، وقرة عين لا تنفد، ومرافقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى الجنة جنة الخلد. رواه أحمد، وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1430(1/2150)
مدى إمكانية شم رائحة الجنة في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن أن يشم الإنسان رائحة الجنة فى الدنيا؟
منذ ثلاثة أيام كنت أركب سيارة وسيطر علي إحساس بأننى سوف أموت وإذا بى أشم رائحة ورود ورياحين وفل وياسمين وما دار بخاطرى أنها رائحة الجنة، ولولا الخجل من أن من بجانبي سوف يسخر منى لكنت سألته هل تشم هذه الرائحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن للجنة رائحة طيبة وأنها توجد من مسافات بعيدة؛ كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:.. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه مسلم.
ولكننا لم نقف على ما يثبت أن الأحياء من أهل الدنيا يشمون رائحتها؛ إلا ما جاء عن أنس بن النضر رضي الله عنه يوم أحد قبل استشهاده، فقد قال لسعد بن معاذ رضي الله عنه: يا سعد بن معاذ: الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد.. الحديث متفق عليه.
وقد اختلف أهل العلم في معنى قوله: إني أجد ريحها.
قال الحافظ في الفتح.. ريح الجنة دون أحد، يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين، حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده، والمعنى أن الموضع الذي أقاتل فيه يؤول بصاحبه إلى الجنة.. قال بن بطال وغيره: يحتمل أن يكون على الحقيقة وأنه وجد ريح الجنة حقيقة، أو وجد ريحا طيبة ذكَّره طيبها بطيب ريح الجنة، ويجوز أن يكون أراد أنه استحضر الجنة التي أعدت للشهيد فتصور أنها في ذلك الموضع الذي يقاتل فيه، فيكون المعنى إني لأعلم أن الجنة تكتسب في هذا الموضع فأشتاق لها.
ولا شك أن أنسا يختلف عن غيره لصحبته وجهاده وقوة إيمانه.. وأن الموقف الذي قال فيه تلك الجملة من مواقف الإيمان التي تختلف عن غيرها.
ولذلك فيمكن أن يكون ما شمه السائل رائحة طيبة لم يألفها ذكرته برائحة الجنة أو شبهها بها.
وعلى كل حال فنحن لم نقف على دليل يثبت أو ينفي إمكانية شم رائحة الجنة في الدنيا وحصول ذلك لبعض عباد الله الصالحين كرامة لهم، ولكن أهل العلم نصوا على أن من قال إنه يدخلها يقظة يكفر بذلك ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل كفرا؛ فقد جاء في شرح الخرشي للمختصر عند قوله: أو يعانق الحور قال: وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ، أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا.
والحاصل أننا لم نقف على على دليل شرعي يثبت أو ينفي إمكانية شم رائحة الجنة في الدنيا كما قدمنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1430(1/2151)
أهل الجنة هل يصيبهم الملل والسآمة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت الجنة في النهاية سوف تمل وتزهق وتجرب كل شيء، ومستحيل أن تبقى إلى أبد الآبدين.
أرجوكم ساعدوني فلقد انقلبت حياتي جحيما لا يطاق وأشعر بملل وضجر وأتمنى الموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما أبدية الجنة والنعيم فيها، فلا خلاف فيه بين أهل العلم، والعقل لا يحيل ذلك، فالذي ابتدأ الخلق قادر على إبقائه، فالقول بإحالة البقاء إلى أبد الآبدين لا يدل عليه صحيح منقو ل ولا صريح معقول.
قال ابن القيم في فصل أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد من كتاب: حادي الأرواح قال: هذا مما يعلم بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به. انتهى.
ثم فصل تفصيلا في بيان ذلك ـ رحمه الله. وراجع في بيان ذلك الفتويين: 75768، 59060.
وأما كون أهل الجنة يجربون كل شيء وفي النهاية لابد أن يملو ا. فهذا إنما يقوله من لا يعلم حقيقة الحياة في مقعد الصدق بجوار الرب الكريم المليك المقتدر تبارك وتعالى، في دار أعدها سبحانه نزلا لأوليائه يكرمهم بها وينعمهم فيها.
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا *خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا {الكهف:108،107}
قال ابن كثير: في قوله: لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائمًا أنه يسأمه أو يمله، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي، لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا ولا ظعنًا ولا رحلة ولا بدلا. انتهى.
ولذلك إذا دخل أهل الجنة ورأوا ما فيها سموها دار المقامة، كما قال تعالى على لسانهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ. {فاطر:34،35} .
قال القشيري: دَارَ الْمُقَامَةِ. أي دار الإقامة، لا يبغون عنها حولا ولا يتمنون منها خروجاً. اهـ.
وقال السعدي: أي: الدار التي تدوم فيها الإقامة، والدار التي يرغب في المقام فيها، لكثرة خيراتها، وتوالي مسراتها، وزوال كدوراتها. انتهى.
ثم إن نعيم الجنة متجدد، وهو دائما في ازدياد، فكيف يمل ما هذا شأنه؟! ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. رواه مسلم.
فننصح السائل الكريم أن يدفع عن نفسه هذه الوساوس، ويقبل على طلب العلم الذي ينير له بصيرته، ويصحح له مفاهيمه وتصوراته، ويحقق به الإيمان الذي يريحه ويشرح صدره، ويدفع عنه ما ذكره من الملل والضجر وجحيم الحياة، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. {النحل:97}
وراجع في مسألة تمني الموت ما يباح منه وما يمنع، الفتوى رقم: 31781.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1430(1/2152)
من صفات الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن المرأة في الجنة من الحور العين تكون جميلة وبيضاء وسمينة؟ أفيدوني جزاكم الله تعالى خيرا واذكروا لي كل صفات الحور العين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل الجنة كلهم -رجالا ونساء- يكونون في أعلى درجات الحسن وكمال الجمال كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 5147، 16780، 27567.
ومن صفات الحور العين ما جاء في قول الله تعالى: وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُون {الواقعة:22،23} .
وقوله تعالى في شأن أهل الجنة: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ {الصافات:48،49}
كما رودت صفاتهن في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما قال البخاري في صحيحه: باب الحور العين وصفتهن يحار فيها الطرف شديدة سواد العين شديدة بياض العين.
وانظر للمزيد عن صفاتهن وصفات أهل الجنة الفتوى رقم: 48035، والفتوى رقم: 10953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1430(1/2153)
غناء الحور العين لأزواجهن في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن في الجنة مجتمعا للحور العين، يرفعن بأصوات لم تَسمع الخلائق بمثلها، ويقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له، هل يشترط لغنائهن أن يكن جواري أم من نساء الدنيا وهل هذا الغناء يكون للزوج فقط أم لجميع أهل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد وصف الحور العين والزوجات أنهن يغنين أزواجهن بمثل هذا الغناء، وأغلب الأحاديث الواردة في هذا متكلم فيها ومنها ما هو ثابت..
فمن ذلك ما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط، إن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان، وإن مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه. رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورواتهما رواة الصحيح كما قال المنذري وصححه الألباني.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحور في الجنة يغنين يقلن نحن الحور الحسان هدينا لأزواج كرام. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وصححه الألباني.
والحديث الأول يدل على غناء الزوجات بهذا ويحتمل أن يراد به نساء الدنيا والحور، ويدل لذلك ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: قلت: يا رسول الله أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة. قلت: يا رسول الله وبم ذاك؟ قال: بصلاتهن وصيامهن لله عز وجل ألبس الله عز وجل وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب، يقلن: ألا نحن الخالدات فلا نموت أبداً، ألا ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ألا ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، طوبى لمن كنا له وكان لنا. قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه وقد تقدم طريق الكبير في سورة الرحمن وفي إسنادهما سليمان بن أبي كريمة وهو ضعيف.
وذكر الهيثمي أنه روي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أزواج الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط إن مما يغنين نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرن بقرة أعيان وإن مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات فلا يخفنه نحن المقيمات فلا يظعنه. رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح..
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحور في الجنة يغنين يقلن نحن الحور الحسان هدينا لأزواج كرام. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله وثقوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1430(1/2154)
كل مؤمن له في الجنة ملك مستقل كبير
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن الجنة درجات وأن عرضها السماوات والأرض ولكن أحببت أن أعرف هل الدرجة في الجنة للمؤمن وحده يسكنها, أم يشاركه المؤمنون الذين لهم نفس الدرجة في الجنة؟ أرجو التوضيح والتفصيل في الأمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدرجة قد يكون فيها مجموعة كبيرة من المؤمنين، ويدل لذلك ما في الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في علو مقام المجاهدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض. رواه البخاري وغيره.
وليس معنى اشتراك بعض المسلمين في الدرجة أنهم يتضايقون في ذلك.... وإنما يكون لكل منهم ملك مستقل كبير، وقد ورد هذا في الحديث في الزيادة التي رواها الترمذي وفيها: لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1430(1/2155)
أهل الجنة يكونون على صورة آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال طالما أردت إيجاد إجابة له، خجلت من الجميع أن أقوله، استحييت حتى من ربي أن أقوله. والآن قررت أن أقوله لك يا سيدي وأنا أرجو الإجابة: إذا دخلت الجنة فهل يمكنني أن أكون كجبريل عليه السلام: في قوته وأجنحته وأخلاقه وإيمانه؟ شكرا للإجابة عن سؤالي يا سيدي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن من يدخل الجنة يحصل فيها على ما تشتهيه نفسه وتلذه عينه وما لا يخطر على قلبه من النعيم المقيم الأبدي، كماجاء في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرؤوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين.
ولذلك فإن على المسلم أن يجعل أكبرهمه وغاية سعيه في الطريقة التي يمكن له بها الوصول إلى الجنة، ولا يشغل نفسه بهذه الأفكار التي هي أقرب إلى التنطع والتعمق.. المنهي عنه شرعا؛ فأهل الجنة يدخلونها على صورة أبيهم آدم - عليه السلام- الذي خلقه الله تعالى بيده فأحسن خلقه؛ فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن كل من يدخل الجنة يكون على صورة آدم.
وعلى المسلم أن يسعى فيما ينفعه في دينه ودنياه ويسأل عما يترتب عليه عمل أو ينبني عليه حكم.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 101779.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1430(1/2156)
نساء الجنة المذكورات في السؤال لا ينالهن كل أحد.
[السُّؤَالُ]
ـ[إني سمعت أن هؤلاء سيدات نساء الدنيا في الجنة وهي حوراء يتباهى بها أهل الجنة من حسنها لولا أن الله كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا لماتوا عن آخرهم من حسنها. قال: فلم يزل عطاء كمدا من قول مالك أربعين يوما. وأيضا الحوراء التي يقال لها لُعبة لو بزقت في البحر لعذب ماء البحر كله. وأيضا العيناء. هل هن أجمل من نساء الدنيا في الجنة وينالهن جميع رجال الجنة أم هن لطائفة محددة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأحاديث المذكورة في هذا السؤال ذكرها القرطبي في التذكرة، وهي أحاديث ضعيفة، فبعضها مجهول السند، وبعضها موقوف أو مقطوع، وقد ذكر في بعض هذه الآثار من ينال هذه النساء، فدل أنه لا ينالهن كل أحد. كما ذكر القرطبي وابن القيم رحمهما الله بعض الآ ثار التي تفيد أن نساء الدنيا إذا دخلن الجنة يكن أفضل من الحور العين.
وطالع للمزيد من التفصيل في الموضوع التذكرة للقرطبي وحادي الأرواح لابن القيم:
وللفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 33404، 35117، 58080، 10953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1430(1/2157)
مسألة حول التزوج بحور العين في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[عن ابن عباس أنه قال: إن في الجنة نهراً يقال له البيدخ عليه قباب من ياقوت تحته حور ناشئات، يقول أهل الجنة: انطلقوا بنا إلى البيدخ، فيجيئون فيتصفحون تلك الجواري، فإذا أعجب رجلا منهم جارية مس معصمها فتتبعه هل في هذه الحالة تصبح زوجته أم يستمتع بها فقط وترجع إلى نهر البيدخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الأثر ذكره ابن القيم في كتابه حادي الأرواح عن ابن عباس باللفظ المذكور. ونسبه السيوطي في الدرالمنثور لابن أبي الدنيا في صفة الجنة بلفظ: إن في الجنة نهرا يقال له البيدخ عليه قباب من ياقوت تحته جوار نابتات يقول أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدخ فيجيئون فيتصفحون تلك الجواري فإذا أعجب رجل منهم بجارية مس معصمها فتبعته وتنبت مكانها أخرى.
فإن صح هذا الأثر فالظاهر- والله أعلم- أن من اختار إحدى الحور تكون زوجة له ولا ترجع إلى مكانها كما يفهم من رواية: وتنبت مكانها أخرى.
وكما في قول الله تعالى: كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ {الدخان:54}
وهذا الأثر إن صح فإن له حكم الرفع لأنه من الأمور الغيبة التي لا يمكن الاطلاع عليها إلا عن طريق الوحي، ولكننا لم نقف على كلام لأهل العلم في سنده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1430(1/2158)
هل الكعبة تمشي غدا على الصراط وتسحب من لم يزرها إلى الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الكعبة يوم القيامة تمشي على الصراط المستقيم وتدخل الجنة وتسحب معها من تمنى أن يزورها ومات ولم يزرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الذي ذكرته ليس بصحيح فيما نعلم، ولا يروى شيء منه في حديث صحيح ولا ضعيف، بل هذا مما لا أصل له، ومثل هذا لا يمكن أن يثبت بمجرد العقل بل لا بد فيه من نقل عن المعصوم، وإذ لا نقل فيه يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو مقطوع ببطلانه، وأما من مات ولم يحج وكان في نيته الحج لو قدر عليه فإنه مأجور بنيته تلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه. أخرجه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1430(1/2159)
سبب سؤال إبراهيم ربه جنة النعيم ولم يسأله الفردوس
[السُّؤَالُ]
ـ[سبب طلب نبي الله عليه السلام إبراهيم وسؤاله لربه عن جنة النعيم وليس الفردوس، وما الفرق بينهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسائل الكريم يريد قوله تعالى على لسان الخليل إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ {الشعراء: 85} . والجواب أن هذا يحتمل أمرين:
الأول: أن كلا الاسمين يطلق على مسمى واحد، فلا تعارض عندئذ بين ذلك وبين قوله صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ. رواه البخاري.
فقد ذكر ابن القيم للجنة اثني عشر اسما، الثامن منها: الفردوس. قال: والفردوس اسم يقال على جميع الجنة، ويقال على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات، وأصل الفردوس البستان والفراديس البساتين، قال كعب: هو البستان الذي فيه الأعناب. وقال الضحاك: هي الجنة الملتفة بالأشجار. وقال الزجاج: وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين.
والتاسع منها: جنات النعيم، قال: وهذا أيضا اسم جامع لجميع الجنات لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكول والمشروب والملبوس والصور والرائحة الطيبة والمنظر البهيج والمساكن الواسعة وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن. انتهى.
والاحتمال الثاني: أن جنات النعيم ـ كما ذكر بعضهم ـ أعلى أو أفضل، أو هي أخص ما في جنة الفردوس، ولذلك جعلها الله جزاء للسابقين المقربين، كما قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. {الواقعة:12،11،10}
وقال السمرقندي في تفسير سورة الرحمن: ثم قال عز وجل: ومن دونهما جنتان يعني من دون الجنتين اللتين ذكرهما جنتان أخروان، فالأوليان: جنة النعيم وجنة عدن، والأخريان: جنة الفردوس وجنة المأوى.
وقال الشوكاني في تفسير قوله تعالى: تحيتهم فيها سلام: قيل: السلام اسم لأحد الجنان السبع، أحدها: دار السلام، والثانية: دار الجلال، والثالثة: جنة عدن، والرابعة: جنة المأوى، والخامسة: جنة الخلد، والسادسة: جنة الفردوس، والسابعة: جنة النعيم. انتهى فجعل جنة النعيم هي السابعة.
وروى ابن أبي حاتم في تفسير آية سورة الشعراء السابقة، عن مالك بن دينار قال: جنات النعيم بين جنات الفردوس وبين جنات عدن، وفيها جواري خلقن من ورد الجنة. قيل: ومن يسكنها؟ قال: الذين هموا بالمعاصي فلما ذكروا عظمتي راقبوني، والذين انثنت أبدانهم من خشيتي، وعزتي إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى أهل الجوع والعطش من مخافتي صرفت عنهم العذاب انتهى.
والظاهر ـ والله أعلم ـ أن جنة النعيم في الآية لا يراد بها مكانة أو درجة معينة في الجنة، وإنما يراد بها سؤال الجنة التي يحصل بها كمال التنعم وتمامه بكافة صوره وألوانه، فالألف واللام فيها للاستغراق، وهذا يكون بنيل أعلى درجات الجنة وأفضلها.
ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة الفتويين: 18890، 68191.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1429(1/2160)
حكم يقين المرء بأنه سيدخل الجنة حتى لو دخل النار
[السُّؤَالُ]
ـ[المسلم المستقيم على أمر الله لو أصبح لديه يقين تام ومستمر من أنه حتى لو دخل النار فإنه في النهاية سيكون مع أهل الإيمان في الجنة، هل يكفر بهذا الاعتقاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات موحدا وإن كان من أهل المعاصي، فهو تحت مشيئة الله تعالى يوم القيامة، فإن شاء عذبه على ذنوبه ثم أدخله الجنة، وإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة بغير سابق عذاب، ومن عقيدتهم أنه لا يخلد أحد من الموحدين في النار، وقد سبق بيان ذلك وأدلته في الفتويين: 31033، 40747.
وهذا في حق من مات موحدا لا يشرك بالله شيئا، ولكن هذا لا يضمنه أحد لنفسه، والأعمال بالخواتيم، قال الإمام سفيان الثوري: إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت.
وقال ابن رجب: قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة لا إله إلا الله فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك، قال: فسألت عنه فإذا هو مدمن خمر. وكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته. وفي الجملة فالخواتيم ميراث السوابق فكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم ... وكان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم، فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا. ويبكي ويقول: أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت. وقال سهل التستري: المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر. ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ويشتد قلقهم وجزعهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر، كما تقدم أن دسائس السوء الخلفية توجب سوء الخاتمة. انتهى.
فلا تأمن مكر الله وأبشر برحمته واعمل بطاعته، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 35806، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 65393.
وليس من المتصور أن يكون للمرء يقين جازم بأنه من أهل الجنة قطعا، وإنما يتصور أن يقوى رجاؤه في الله إلى درجة يستبعد معها ارتداده عن الإسلام، وقد نفينا تصور وجود اليقين في مثل هذا الأمر لأن اليقين هو اعتقاد جازم لا يقبل التغيير، وقيل هو العلم المستقر في القلب لثبوته عن سبب متعين له بحيث لا يقبل الانهدام، ولو افترض جدلا وجود مثل هذا اليقين عند شخص، فإنه لا يعتبر به كافرا، لأنه لا يتصور حصول ذلك إلا من شدة ثقته في الله وحسن ظنه به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1429(1/2161)
صفات وعمر الناس في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل شهر وقع حادث لعائلتي وتوفيت والدتي وأختي بالغة غير متزوجة وأخي طفل صغير، جميعهم ماتوا في الحال هل شعروا بسكرات الموت وما وضع العائله الواحدة بالدنيا إذا انتقلو إلى الجنه فهل يبقى الطفل طفلاً لوالديه أو يصبح بعمر 33 وسيستقل عنهم وهل سنقابلهم بالجنة ونتسامر معهم كما بالدنيا أو أن كلا سيكون لاهياً في نعيمه.. أود أن أعلم عن حال أطفال المسلمين الذين ماتو قبل البلوغ لماذا يتحولون إلى طيور فهل سترى الأم طفلها يصبح طيراً هل البنت الصغيرة التي ماتت أمها عنها بالدنيا ستجد أمها كأم مرة أخرى بالجنة أم لا، الرجاء أفتوني أو وضحوا لي هذه المعلومات فأني أجهلها وتسألني أختي الصغيرة ولا أعرف أن أجاوبها أو أرد على تساؤلاتها فهي تريد أن ترى أمها كأم لها بالجنه أيضا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعظم أجركم، ويرحم موتاكم وجميع موتى المسلمين، وبخصوص سؤالك فلا شك أن الناس كلهم يجدون سكرة الموت، كما قال تعالى: وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ {ق:19} ، وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا إله إلا الله إن للموت سكرات.
فكل نفس تجد آلام الموت وسكراتها ... لكن ذلك مختلف شدة وضعفاً باختلاف الناس، وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 67480.
وإذا انتقل الناس إلى الجنة فإنهم يكونون جميعاً كبيرهم وصغيرهم في عمر واحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة. رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني. وفي الجنة تلتقي الأمهات والآباء من أهل الجنة مع أبنائهم إذا كانوا من أهلها، ويرفع الله الأدنى منهم إلى درجة الأعلى إكراماً له، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... {الطور:21} ، ولذلك فأطفال المسلمين مع آبائهم في الجنة كغيرهم من أهلها، وليس معنى كونهم عصافير الجنة أنهم يكونون فيها طيوراً، وإنما معناه أنهم ليس عليهم تكليف. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 20175، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7646، 3102، 11721.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(1/2162)
نظرات في دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثنا زياد بن عبد الله عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمس مائة سنة وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. قال الترمذي: حسن غريب. كيف هذا وأين ينتظرون خمسمائة عام وإن كان هدا الغني محسنا ومتصدقا. أريد أن أفهم الحديث؟ وكيف سننتظر خمسمائة عام وأين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني وغيره، وعلى المسلم أن يؤمن به ويعتقد بما جاء به، ويوضح معناه والحكمة من تأخير الأغنياء هذه الفترة ما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجَدِّ (الأغنياء) محبوسون إلا أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار.
وذلك أن الغني ـ من أهل الجنة ـ لا يدخلها حتى يسأل عن ما أعطاه الله له من الدنيا، وأما الفقير من أهلها فإنه لا شيء عنده يسأل عنه، وإن كان عنده من شيء فهو قليل، فيكون موقفه أقصر.
فأصحاب المال يشتركون مع غيرهم في الحساب ويزيدون عليهم بالسؤال عن المال سؤالين: من أين اكتسبوه؟ وفيما أنفقوه؟ كما صح عن النبي- صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وغيره.
وأما السؤال: كيف هذا؟ فغير وارد، ولا ينبغي للمسلم أن يطرحه أصلا، بل الواجب عليه أن يسلم ويرضى بقدر الله تعالى، ويعلم أن انتظار الأغنياء في هذه الفترة يكون خارج الجنة من أجل حسابهم وسؤالهم من أين أخذوا هذا المال وفيما صرفوه- كما أشرنا-، وإذا انتهى حسابهم؛ فإن المحسن منهم والمتصدق.. يكون من أهل الدرجات العلا في الجنة.
وللمزيد انظر الفتاوى: 6739، 63544، 22038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1429(1/2163)
الجنة دار الخلد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يوجد بعد الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا دار بعد دار الدنيا إلا الجنة أو النار، ويكون الخلود فيهما أبديا لا شيء بعده، كما قال الله تعالى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ {الشورى:7} .
وكما قال تعالى عن كلا الدارين: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا {التوبة: 22} .
وكل إنسان مجبول بطبيعته على حب الخلود والنعيم المقيم؛ ولذلك فإن أقصى ما يطمح إليه المسلم هو رضى الله الأكبر حتى يدخل الجنة التي فيها من النعيم المقيم الأبدي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وبذلك يشبع رغبته في التملك والخلود والتنعم.. التي لا يمكن أن تسد أو تشبع في هذه الدنيا مهما بلغ صاحبها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1429(1/2164)
للنساء في الجنة ما يرضين ويتمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أقرأ القرآن وأصل إلى الآيات التي فيها وصف حور العين تأتيني وساوس من الشيطان فيقول لي أرأيت أن الله أعطى للرجال الحور العين وأنتم ليس إلا رجل واحد أرأيت أن الله ليس بعادل أستغفر الله فأتألم من هذه الأفكار، ولكن لا أقدر على مقاومتها خصوصا أني أحب الرجال وأعاني من هذه المشكلة، فيقول لي إن الرجال يصبرون على غض البصر لنيل الحور العين وأنت على ما تصبرين، فكيف أجيبه، فأنا لا أشك في عدل الله وأن لنا في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكني جداً حساسة لهذه النقطة وهل آثم على هذه الأفكار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يرد على الإنسان من الخواطر التي لا مدخل له في استجلابها لا يؤاخذ عليها، لكن يجب عليه دفعها والإعراض عنها لأنها من الشيطان، ولا يجوز الركون إليها.. فعليك أيتها الأخت الكريمة أن تستعيذي بالله من نزغات الشيطان ووسوسته ونفثه كلما خطر لك ذلك، وتعرضي عنه ولا تسترسلي فيه.. وإذا وفق الله تعالى وتفضل عليك بدخول الجنة فاعلمي أنه سيعطيك ما يرضيك، فللإنسان فيها ما تمنى وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لكن لا تقارني بين أمانيك في الدنيا وأماني أهل الجنة، وبخاصة فطرة المرأة السوية لا تتطلع إلى تعدد الرجال وتوزع العواطف، ولذلك لم يؤذن للنساء في تعدد الرجال في الدنيا مناسبة لفطرتهن وطبيعتهن.
وما وعد الله به الرجال في الجنة من حور العين وتعدد النساء وكذا ما أباحه لهم في الدنيا من تعدد النساء وحرمة ذلك على النساء إنما هو لحكمة يعلمها سبحانه وعدل منه، وقد قال: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14} ، فنؤمن بأن ذلك هو عين الحكمة ومقتضى العدل، وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16675، 10579، 61352، 112973، 12436، 23914.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1429(1/2165)
أهل الجنة يدخلونها في أحسن صورة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من دخل الجنة سيتغير شكل وجهه وهل الكل يصبح متشابها أم يبقون على صورهم إلا أنهم كلهم يصبحون وسماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة عن السؤال ننبه إلى أنه ينبغي للمسلم أن يكون اهتمامه بالفوز بدخول الجنة والنجاة من النار وكيف يكون ذلك.
وأما أشكال أهل الجنة فلا شك أنها ستتغير عما كانت عليه في الدنيا؛ فإنهم يدخلون الجنة على أجمل صورة وأكملها كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة.
وقد جاء في تفسير الطبري وغيره عند تفسيره قول الله تعالى: إنا أنشأناهن إنشاء: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنا أنشأناهن إنشاء} قال: إن من المنشآت التي كن في الدنيا عجائز عمشا رمصا. والحديث رواه الترمذي وغيره لكن ضعف إسناده الشيخ الألباني.
ولا يعني ذلك أنهم متشابهون بحيث يلتبس بعضهم ببعض أو ما أشبه ذلك، وسبق أن بينا بعض صفاتهم وحسنهم وأنهم يتعارفون يوم القيامة ويتحدثون عن أمور الدنيا، انظر ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 16780، 24057، 51452، 101779.
وفي الصحيحين وغيرهما مرفوعا: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم.
قال العلماء: على صورة آدم على هيئته في الطول والحسن والجمال والسلامة من النقائص والعيوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1429(1/2166)
المؤمنة الجنة يسعى إليها النعيم والمتاع سعيا
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى المفتي الكريم.. أولاً: أرجو ممن سيقرأ سؤالي ألا يفهمني بشكل خاطئ فسؤالي ليس تشكيكا بعدل الله الذي هو فوق كل الظنون ولا مجال للتفكير أو التشكيك به.. وسؤالي هو: لقد وعد الله الرجل الصالح بالجنة والكثير من حور العين, فهل للمرأة كما للرجل مع العلم بأن في الجنة لا ولادة ولا تخالط أنساب والسعادة المطلقة للجميع وأتمنى ألا تقولوا لي إن طبيعة المرأة تختلف لأن طبيعة المرأة تهذبت وفق العادات والتقاليد والدين ومخافة الله وأكبر دليل أن في الغرب الكثير من القصص التي تؤكد أن المرأة تستطيع أن تعايش أكثر من رجل وإن كان هذا حراما في الدنيا فهل يحق للمرأة في الجنة أن تتساوى مع الرجل في هذا، وإن كانت المرأة تشعر أنها لا تكفي زوجها في الدنيا فحلل الله له الزواج عليها، فهل هي أيضا لا تكفيه في الآخرة، فأرجو منكم إيضاح هذا الموضوع وإعطائي إجابة شافية؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بيقينك في عدل الله تعالى وحكمته، ولا حرج على المؤمنة أن تسأل سؤال مسترشدة لتتعلم دينها وتكون على بصيرة، والجواب عن سؤالك الأول: أنه ليس للمؤمنة في الجنة إلا زوج واحد، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 10579، والفتوى رقم: 16675 فراجعيهما.
وأما عن كون المرأة في الغرب لها علاقات محرمة خارج إطار الزوجية، فهذا مما شقيت به المرأة عندهم، وأصبحت سلعة يستمتع بها الرجال، والقصص التي وصلتك ربما لم تصلك كاملة، ولعلك قد اطلعت على شيء من قصص الشقاء التي تحدث عندهم وهي الكثرة الكاثرة جراء تلك العلاقات المحرمة والتي يقول الله فيها: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الإسراء:32} .
إن الإسلام دين الطهر والعفاف والفطرة المستقيمة، وربنا حكم عدل خلق النفوس وعلم ما يصلحها في الدنيا والآخرة، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14} .
وليس كثرة نساء الرجل في الجنة من الحور العين لأن زوجته لا تكفيه، فقانون الآخرة ليس كقانون الدنيا، فإن الغرض من نعيم الآخرة هو إمتاع المؤمنين الصالحين بكل ما تشتهيه الأنفس، والإمتاع يقدره اللَّه ويكيفه حسب إرادته، فكما يجعل متعة الرجل في الحور العين، يجعل متعة المرأة بمعنى آخر، وسيضع الله في قلبها القناعة بحيث لا تغار من زوجات زوجها من الحور، كما جعل الحور أنفسهن قاصرات الطرف على من خصصن له من الرجال، لا يملن ولا يشتهين غير أزواجهن، قال نعالى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ {صّ:52} ، وقد منع اللَّه عن أهل الجنة عامة الغل والحسد، والهم والحزن، قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً {الحجر:47} ، فاطمئني واعلمي أنك إذا دخلت الجنة فستقر عينك ولن يكون هناك مثل هذه الأسئلة ومثل هذه الأمنيات، فأهل الجنة -جعلنا الله وإياك منهم- يقولون كما ذكر الله عنهم: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ* الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ {فاطر:34-35} ، والمهم هو العمل للجنة، فإذا دخلت المؤمنة الجنة فسيسعى إليها النعيم سعيا، وتكون في قرة عين لا تنقطع، وراجعي الفتوى رقم: 60691، والأرقام المحال عليها فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1429(1/2167)
أهل الجنة لا يشتهون إلا الطيب
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: كل ما يتمناه المرء يجده في الجنة فيها مما ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
السؤال: إذا كنت أنا فتاة بالدنيا أعففت نفسي وعرضي هل لي بالجنة إن شاء الله, أن يكون لي نسوة من الدنيا وأن يكون ذلك حلالاً لي مباحاً بالجنة كما حلل الله خمر الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينكر على النساء عند سؤالهن عما سيحصل لهن في الجنة من أنواع النعيم، لأن النفس البشرية مولعة بالتفكير في مصيرها ومستقبلها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر مثل هذه الأسئلة من صحابته عن الجنة وما فيها، ومن ذلك أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ:" لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ.. مَنْ يَدْخُلُهَا يَخْلُدُ لَا يَمُوتُ وَيَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ لَا يَبْلَى شَبَابُهُمْ وَلَا تُخَرَّقُ ثِيَابُهُمْ. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
وهذا حسن بشرط أن لا يصبح مجرد أماني دون أن نتبع ذلك بالعمل الصالح فإن الله يقول للمؤمنين: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الزخرف:72} . فتشوّق المؤمنة نفسها بأخبار الجنة ونعيمها وتصدّق ذلك بالعمل.
ويكفي أن تعلمي أنه بمجرد دخولك الجنة تختفي كل تعاسة أو شقاء مر بك.. ويتحول ذلك إلى سعادة دائمة وخلود أبدي ويكفيك قوله تعالى عن الجنة: لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ {الحجر:48} .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ. رواه مسلم.
وعفة نفسك وصون عرضك من علامات الخير بك، وحري بك أن تستمري على ذلك، وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ. متفق عليه.
ثم إن المرأة التي لم تتزوج في الدنيا أو كان زوجها من أهل النار، تتزوج في الجنة، إن اشتهته فأهل الجنة لا يشتهون شيئا إلا تحقق لهم.
ولكن أمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا، فقد تشتهي المرأة في الدنيا شيئا محرما، كشهوة محرمة، كأن يكون بها ميل لبنات جنسها ويسول لها الشيطان ذلك ويزينه؛ لضعف نفسها، أو قلة التقوى، أو انحراف صديقاتها، غير أن هذه الشهوة المحرمة لا مكان لها في الجنة، ولا يقال: إن الشهوات المحرمة في الدنيا ستكون حلالا في الآخرة إذا امتنع الإنسان عنها مثل الخمر؛ فخمر الجنة ليست كخمر الدنيا ولا مشتملة على ما فيها من المفاسد. وقد قال تعالى: لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ {الواقعة:19} .
كما أن الشذوذ أو السحاق- وهو أن تفعل المرأة بالمرأة مثل صورة ما يفعل بها الرجل- وغيرها من الشهوات المحرمة لا تشتهيها إلا الفطر المنحرفة، التي تحتاج إلى علاج ومجاهدة لترد إلى فطرتها السليمة التي عليها أغلب الخلق، لأن الله فطرهم على الفطرة السليمة ولكن الشياطين جاءتهم فحرفت فطرهم وحرفتهم عن الصراط المستقيم؛ ولذا فلن يكون هناك اشتهاء لمثل هذا في الجنة بل أهل الجنة يكملون في صفاتهم وخَلْقهم وخُلُقهم فلا يشتهون إلا الطيب.
فاحرصي أيتها الأخت على مجاهدة نفسك والثبات على العفة وتخيري صديقات صالحات يعنك على ذلك، واحرصي على مطالعة الكتب النافعة والاستماع لدروس العلم، وتسلية النفس بالمباحات الطيبة، وقد تكلمنا على العشق بين النساء وحكمه ووسائل الاستعفاف عن ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8424، 8547، 9006 فراجعيها، ونسأل الله لنا ولك الثبات، ونعيم الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1429(1/2168)
أول أمة تدخل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي أول أمة تدخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أول أمة تدخل الجنة هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في الصحيح مرفوعاً: نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم. قال النووي في شرحه: قال العلماء: معناه الآخرون في الزمان والوجود السابقون بالفضل ودخول الجنة، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم.. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1429(1/2169)
طيور الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى طيور الجنة؟ وهل في الجنة طيور حقيقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت أن في الجنة طيورا جسيمة وأن أهل الجنة يأكلون من لحومها، وقد بسط المفسرون الكلام عليها في تفسير سورة الواقعة عند قوله تعالى: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ {الواقعة:21} .
وقد روى الإمام أحمد عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فقال: هو نهر أعطانيه الله عز وجل في الجنة ترابه المسك، ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر، قال أبو بكر يا رسول الله إنها لناعمة فقال أكلتها أنعم منها. والحديث صححه الأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1429(1/2170)
هل يوجد في الجنة سيارات وطرق إلخ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في الجنة سيارات وطرق كما في الدنيا؟ إنني حيران في هذا الموضوع هل ستبقى الأرض والكواكب والنجوم والمجرات على حالها يوم القيامة؟ وهل يمكن لشخص وهو في الجنة أن يزور هذه المواقع والأماكن التي يريدها؟ كيف يمكن للشخص أن يتخلص من الأفكار التي تجعله يكره الدنيا ولا يبالي بها أبدا أبداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما يشتهيه أهل الجنة يحصلون عليه، لقوله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ ... {الزخرف:71} ، ولقوله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ {النحل:31} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {الشورى:22} .
هذا من حيث العموم، أما ما يدل على وجود السيارات المعروفة عندنا في الجنة فلم يرد بخصوصه نص، ولكن لا مانع إن رغب بعض أهل الجنة في السيارات أن يتفضل الله عليهم بها، وقد وردت أحاديث في تلبية رغبة بعض أهل الجنّة في بعض أمور الدنيا التي يحبونها مثل الولد والزرع وأنّ طلبهم يلبى لهم دون انتظار.
ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها قاله المهلب. اهـ.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه الألباني.
مع العلم بأن أهم ما يعتنى به هو البحث عن وسائل دخول الجنة والسلامة من النار.
وأما عن الأرض والكواكب والمجرات فهذه كلها تبدل بما يتناسب مع اليوم الآخر وطبيعته، كما قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {إبراهيم:48} وقد كثرت الأقوال في تفسير هذا التبديل، فقيل: إن المراد تبديل الصفات لا تبديل الذوات، بمعنى أن تبديل الأرض يكون بمدها أو بسطها كالأديم. وتبديل السماوات يكون بتكوير شمسها وقمرها وتناثر نجومها. وقيل: يكون التبديل بتبديل ذواتها أي إزالتها، وصححه القرطبي في تفسيره، وفي التذكرة، حيث يخلق الله أرضا أخرى ليحشر عليها الناس. ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ.
والنقى أَيْ الدَّقِيقِ النَّقِيِّ مِنْ الْغِشِّ وَالنَّخَّالِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: وَالْمَعْلَم هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى الطَّرِيق. وَقَالَ عِيَاض: الْمُرَاد أَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا عَلَامَة سُكْنَى وَلَا بِنَاء وَلَا أَثَر وَلَا شَيْء مِنْ الْعَلَامَات الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا فِي الطَّرَقَات كَالْجَبَلِ وَالصَّخْرَة الْبَارِزَة. وَفِيهِ تَعْرِيض بِأَرْضِ الدُّنْيَا وَأَنَّهَا ذَهَبَتْ وَانْقَطَعَتْ الْعَلَّاقَةُ مِنْهَا. اهـ.
ومن الأحاديث الصحيحة التي تبين حقيقة ما سيحدث قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ, وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ, وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ رواه أحمد والترمذي وحسنه، وصححه الألباني. وما سبق هو بعض أقوال المفسرين والعلماء، وفي الكتب متسع لمن أراد المزيد.
وأما عن الزيارة في الجنة لبعض المواقع، فإن كنت تقصد المواقع التي كانت موجودة في الدنيا، فهذه لا إمكان من زيارتها لدخول حياة الآخرة التي قضى الله بأن أهلها لا يرجعون إلى الدنيا مرة أخرى، مع ما سبق من تغير أحوال الكون وتغير الأرض والسماوات.
وأما عن كيفية التخلص من الأفكار التي تجعل الشخص يكره الدنيا، فهذا يكون بمعرفة الحكمة من خلق الإنسان والجنة والنار والكون كله، وقد بينها الله لنا في كتابه فقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذريات:56} فاجعل رضا الله عز وجل وطاعته هي الهدف الأسمى في حياتك، وعليك بإيقاظ الإيمان وتجديده داخل نفسك، فالإيمان مفتاحٌ لكلِّ خيرٍ مغلاقٌ لكلِّ شرّ، ووسائل بعث الإيمان وتمكينه في النفس كثيرةٌ ومتعدِّدة، ومنها الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحات، والحرص على الصحبة الصالحة، وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به، فالدنيا هي مزرعة الآخرة، وأيامك التي تعيشها هي وقت الزراعة, والحصاد سيكون في الآخرة فلا تضيع زمان عمل الخيرات في الأفكار والوساوس المحبطة، واستمع إلى الخير وتعلم العلم النافع فهو خير وسيلة لدفع الشبهات والأفكار الخاطئة عن النفوس، ونسأل الله لنا ولك التوفيق.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9853، 12222، 28419، 35709، ففيها تفصيل لبعض المواضيع السابقة
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1429(1/2171)
سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهدت على القناة المصرية مقابلة مع شيخ جليل وعن موضوع الجنة حيث ذكر أنه يدخل الجنة سبعون ألفا بدون حساب ولا يمرون في النار، وأيضا ذكر حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فإذا كان هذا صحيحا ف من هم هذه الجماعة، وما هي صفاتهم؟ وما هو مصير باقي المسلمين، هل يذهب الجميع الباقي إلى النار ثم الحساب.
أرجو من حضرتكم التكرم أن توضحوا لي هذا الموضوع لأنه حساس بالنسة لنا جميعا لأنه يوجد شيوخ يفتون بمواضيع، وبعدها يدخل الشك في أنفسنا، وما هو الصحيح وما هو الخطأ، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ... رواه البخاري واللفظ له، ومسلم وابن ماجه والترمذي وزاد: مع كل ألف سبعون ألفا، وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل. وقال الألباني صحيح.
وصفات السبعين ألفا ذكرت في الحديث وهي أنهم لا يسترقون أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم لكمال توكلهم على الله وتعلق قلوبهم به، وإن كان طلب الرقية جائزا. وكذا هم لا يكتوون بالنار. ولا يتطيرون أي لا يتشاءمون لأن التشاؤم منهي عنه. والصفة الجامعة لهذه الأمور هي كمال التوكل على الله وكمال تعلق القلوب به سبحانه وتعالى, وليس في الحديث أنهم لا يمرون على الصراط فوق النار, وقد قال الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا {مريم 71, 72} .
الورود هو المرور على الصراط, ومن الناس من يمر كالبرق وكالريح كما ثبت في السنة. ولا يعني هذا الحديث أيضا أن بقية المؤمنين يدخلون النار لأن مِنْ الْمُكَلَّفِينَ مَنْ لَا يُحَاسَبُ أَصْلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا فتعرض عليه ذنوبه فيقال له: عملت كذا وكذا ثم يغفر له، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ فيقال له: لم عملت كذا, ومن نوقش الحساب عذب؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, بل ورد في السنة ما يدل على أن ممن يحاسب قبل دخول الجنة من هو أفضل من هؤلاء السبعين ألفا.
فقد قال الحافظ في الفتح:. ... وقد أخرج أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث رفاعة الجهني قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا وفيه: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوؤا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة ... فهذا يدل على أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا يستلزم أنهم أفضل من غيرهم؛ بل فيمن يحاسب في الجملة من يكون أفضل منهم، وفيمن يتأخر عن الدخول ممن تحققت نجاته وعرف مقامه من الجنة يشفع في غيره من هو أفضل منهم.
وقد ورد ما يدل أيضا على أن هؤلاء يحشرون من مقبرة البقيع، فقد روى الطبراني عن أم قيس بنت محصن وهي أخت عكاشة: أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فقال: يحشر من هذه المقبرة سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب كأن وجوههم القمر ليلة البدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1429(1/2172)
أهل الجنة مع النبيين وإن تفاوتت درجاتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأعزاء جزاكم الله كل خير لما تبذلونه من خدمة هذا الدين جعله الله في ميزان حسناتكم ...
أريد أن أسأل عن شيء يقلقني من المعروف أن كل المسلمين بمشيئة الله مثواهم إلى الجنة في الآخرة ما لم يشركوا بالله، ولكن تختلف درجات الجنة كل على حسب عمله، السؤال هنا: هل العبد الذي يسكن الدرجة الأخيرة من الجنة يستطيع أن يرى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أم يحرم من هذا الشرف العظيم وأنا أقصد بالدرجة الأخيرة أي أقل مرتبة في الجنة، فأفيدوني..؟ وجزاكم الله كل خير ويجمعني بكم في جناته وتحت لواء حبيبه المصطفى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في سبب نزول قول الله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا {النساء:69} ، أن رجلاً من الصحابة قال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي، وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت الآية. أخرجه الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والضياء المقدسي وحسنه عن عائشة (تفسير ابن كثير) .
قال أبو حيان في تفسير البحر المحيط: والمعنى في مع النبيين: إنه معهم في دار واحدة، وكل من فيها رزق الرضا بحاله، وهم بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر، وإن بعد مكانه.. وقيل: المعية هنا كونهم يرفعون إلى منازل الأنبياء متى شاؤوا تكرمة لهم، ثم يعودون إلى منازلهم. وقيل: إن الأنبياء والصديقين والشهداء ينحدرون إلى من أسفل منهم ليتذاكروا نعمة الله، ذكره المهدوي في تفسيره الكبير.
والحاصل أن من أطاع الله ورسوله واتقى الله ما استطاع فسوف يكون بفضل الله ومنه وكرمه مجاوراً ورفيقاً للذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ومتمكنا من رؤيته صلى الله عليه وسلم، ولن يحرم من هذا الفضل الذي هو وعد الله، ولا يخلف الله وعده، ولا يحول بينه وبين ذلك اختلاف منزلة النبي ودرجته عن غيره فمقاييس الآخرة غير ما نتصوره نحن في الدنيا، وفي صحيح سنن الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة ليتراءون في الغرفة كما تتراءون الكوكب الشرقي أو الكوكب الغربي الغارب في الأفق والطالع في تفاضل الدرجات. انتهى ...
ولمعرفة ما يوصل إلى معيته صلى الله عليه وسلم وصحبته والتمتع برؤيته في الجنة راجع الفتوى رقم: 4539.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1429(1/2173)
منازل السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يكون ممن تقام لهم موازين يوم القيامة درجاته أعلى في الجنة ممن يدخلون الجنة بغير حساب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن هؤلاء السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، هم أرفع الناس درجة، ويدل لذلك دخولهم قبل الناس، والتنويه بهم في هذا الحديث يدل على عظم مزيتهم وفضلهم على غيرهم.
قال ابن حجر في الفتح: وعرف من مجموع الطرق التي ذكرتها أن أول من يدخل الجنة من هذه الأمة هؤلاء السبعون الذين بالصفة المذكورة ... انتهى.
وقال عياض: الحديث يدل على أن للسبعين ألفاً مزية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عمن يشاركهم في أصل الفضل والديانة..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1429(1/2174)
الأعمال التي تدخل الجنة وتبعد من النار
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله اصلي بالمسجد ولكن ليس كل الأوقات وهذا طبعا تقصير منى أقرا ما تيسر من القرآن كل صباح
أنصح أصحابي بالابتعاد عن التدخين وعدم سماع الغناء هل هذه الافعال كفيلة أن تدخلني الجنة أرجو بوضع برنامج لي يدلني ويكون سببا في دخولي الجنة إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على الأعمال الصالحة التي تقوم بها، ونوصيك بالاستزادة منها ما أمكن مع إخلاص النية فيها لله تعالى، وهذه الطاعات مهما كثرت فإن صاحبها لايستحق بها الجنة ما لم ينضم إلى ذلك تفضل من الله ورحمة وإحسان، وينبغي للمؤمن أن يجمع بين رجاء ثواب الله تعالى والخوف منه سبحانه، فيكون الرجاء دافعا للاستزادة من الأعمال الصالحة والخوف مانعا من الاغترار بهذه الأعمال أو الوقوع في المحرمات. ودخول الجنة أمرغيبي لا يمكن للإنسان معرفته ما لم يرد نص صحيح من الوحي في شأن تخصيص إنسان معين بكونه من أهل الجنة. وراجع المزيد في الفتوى رقم 10116.
وبخصوص الأعمال الصالحة التى تكون سببا في دخول الجنة والبعد عن النار بفضل الله تعالى فهي الالتزام بأركان الإسلام وغيرها من نوافل الطاعات وأبواب الخير المذكورة في حديث معاذ الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر.
ففى سنن الترمذى عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال: لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير! الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل. قال: ثم تلا {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون} ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه! قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله! قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم! قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقال الشيخ الألباني: صحيح ...
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1429(1/2175)
من كان ذا خلق من المشركين هل يمكن أن يدخل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل من أشرك بالله من أهل الكتاب والوثنيين لا يدخلون الجنة مطلقاً وإذا كان هناك أشخاص بينهم ذوو أخلاق ولا يرتكبون الحرام إلا القليل جداً فيكافأ عن غيره إما بالدنيا أو بتخفيف العذاب ... مسألة أخرى كلمة مشركين وكافرين في القرآن ما الكلمة الشاملة لغير المسلمين وما المحددة فهل تأتي واحدة بوجهين وواحد وأخرى لا ... الخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من مات على الشرك لا يدخل الجنة مطلقا مهما كانت ديانته وأخلاقه، وذلك لقوله تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ. {المائدة:72}
وراجع للمزيد في الموضوع وفي مسألة الشرك والكفر وبيان كون كلمة الكفر هي الشاملة المحددة.
الفتاوى التالية أرقامها: 13395، 49581، 65864، 50475، 56735.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1429(1/2176)
اسم خازن الجنة وخازن النار
[السُّؤَالُ]
ـ[من قاتل أمية بن خلف؟
من خازن الجنة؟
من خازن النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما أمية فقد قتله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وأما خازن الجنة فهو رضوان، وأما خازن النار فهو مالك عليهما السلام.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 14197، ورقم: 61045
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1429(1/2177)
شيء من مظاهر النعيم في جنة الخلد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة بعضا من مظاهر الحياة في جنة الخلد؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لكرامة عباده، ولا يتسع المقام لذكر الكثير من مظاهر الحياة فيها؛ لأنه لا شيء تميل إليه النفس من أنواع النعيم إلا وهو فيها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لكرامة عباده، قال تعالى: مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الكَافِرِينَ النَّارُ {الرعد:35} وقال تعالى: مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ {محمد:15} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخرا، بله ما اطلعتم عليه. ثم قرأ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {السجدة:17} . رواه البخاري ومسلم.
وفي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجنة وبنائها، فقال: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، ولا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم. وصححه الألباني. والملاط: ما بين اللبنتين
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام. رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن.
وفي صحيح مسلم: سَأَلَ مُوسَىَ رَبّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِئُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنّةِ الجَنّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنّةَ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبّ كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ
النّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَىَ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبّ فَيُقُولَ: لَكَ ذَلَكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبّ فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبّ قَالَ: رَبّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي. وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ الله عَزّ وَجَلّ: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أَعْيُنٍ الآية} .
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا.
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، فذلك قوله عز وجل: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف:43}
وروى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة الألنجوج عود الطيب، وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا.
وروى البزار والطبراني والبيهقي باسناد صحيح عن جابر قال: قيل يا رسول الله: أينام أهل الجنة؟ قال: لا؛ النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا يموتون ولا ينامون.
هذا بعض من مظاهر الحياة في جنة الخلد، ولو اتسع المقام لامتلأت الصحف من مظاهر النعيم التي يتمتع فيه أهل الجنة. ونحسب هذا كافيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1429(1/2178)
التفصيل في رؤية الله في المحشر والجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[نعتقد أن المؤمنين يرون الله تبارك وتعالى يوم القيامة ثم في الجنة، أهل السنة والجماعة متفقون على هذا0
أنا أعلم أن العلماء قد اختلفوا في الناس الذين يرون الله في عرصات القيامة على ثلاثة أقوال:
هل المسلمون العصاة أي أهل الكبائر الذين يعذبون في النار سيرون الله في الجنة أيضا؟ أم الرؤية خاصة بالمؤمنين الذين لا يعذبون في النار؟
أسألكم التوضيح مع التفصيل والأدلة وأقوال علمائنا0]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
رؤية الله تعالى في الجنة شاملة لكل من دخلها حتى من عصاة المؤمنين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأدلة الواردة في رؤية الله عز وجل -وهي كثيرة، وسبق ذكرها في الفتوى رقم: 2426، والفتوى رقم: 48052 - ليس فيها ما يدل على أنها خاصة بمن لا يعذب في النار من الموحدين، بل هي عامة تشمل عصاة المؤمنين الذين هم تحت مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم، فإن عذبوا في النار بقدر ذنوبهم كان مصيرهم إلى الجنة كما هو مذهب أهل السنة، وقد قال السلف رضي الله عنهم إن كل من دخل الجنة يرى الله عز وجل كما ورد في الشريعة للإمام الآجري قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا أحمد بن الأزهر قال: حديثا إبراهيم بن الحكم قال: حدثنا أبي عن عكرمة قال: قيل لابن العباس رضي الله عنهما: كل من دخل الجنة يرى الله عز وجل؟ قال: نعم. اهـ
وإنما وقع الخلاف كما أشرت في رؤية غير المؤمنين من الكفار والمنافقين في وقت المحشر لا في الجنة التي حرمها الله عليهم.
جاء في شرح الطحاوية للحوالي: وقوله: (والرؤية حق لأهل الجنة) تخصيص أهل الجنة بالذكر يفهم منه نفي الرؤية عن غيرهم، ولا شك في رؤية أهل الجنة لربهم في الجنة، وكذلك يرونه في المحشر قبل دخولهم الجنة؛ كما ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه قوله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ، واختلف في رؤية أهل المحشر على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يراه إلا المؤمنون.
الثاني: يراه أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار ولا يرونه بعد ذلك.
الثالث: يراه مع المؤمنين المنافقون دون بقية الكفار؛ وكذلك الخلاف في تكليمه لأهل الموقف. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1429(1/2179)
المسرات والفلاح في دار السعادة والأفراح
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل خير على كل ما تقدمونه من مساعدة وتوضيح في هذا الموقع الرائع.
أما بعد:
قرأت عدة فتاوى في موقعكم اليوم والتي تدل على أن الحرام في الدنيا هو حرام في الآخرة, وهل هذا معناه أن من اتقى الله في الدنيا وابتعد عن الأغاني والأفلام والمسلسلات والتلفزيون عامة لن يجد منها شيئا في الجنة لأنها محرمة في الدنيا..؟؟
أنا والحمد لله اهتديت منذ فترة وامتنعت تدريجيا عن الأغاني والموسيقى والأفلام وقد كسرت كثيرا من أسطوانات الأفلام التي كانت لدي صباح اليوم وشعرت بفرحة وإزاحة هم كان على صدري والحمد لله , لقد امتعنت عن التلفزيون منذ فترة طويلة بفضل الله أيضا لكن حاليا أنا أحاول أن أترك المسلسلات الأجنبية التي أشاهدها على الكومبيوتر (مع العلم أني أحاول بقدر الإمكان أن أغض بصري وأنا أشاهدها وأنجح في ذلك والحمد لله) ..
مشكلتى هنا أن معظم هذه المسلسلات مشوقة جدا ولم تنته بعد، أي أنه ما زال هناك الكثير من الأحداث المثيرة التي لم أرها بعد، ولقد كنت عازما على ترك هذه المسلسلات تماما والتفرغ لعبادة الله والعمل للجنه وتمني هذه المسلسلات بل وأحسن منها في الجنة إن شاء الله, لكن بعد أن قرأت في موقعكم أن المحرمات في الجنة هي نفس المحرمات في الدنيا، فقد فقدت عزيمتى تماما على ترك هذه المسلسلات حتى لا تفوتني الأحداث التي قد لا أستطيع أن أراها يوما مرة أخرى.. بل وبدأت أفكر في الرجوع للأغاني.
وللعلم أنا محافظ على قراءة أذكار الصباح والمساء لذلك، فأفكاري هذه ليست من وساوس الشياطين بل هي أفكاري أنا..
وأيضا أنا أعرف أن النفس لن تشتهي الحرام في الجنة, لكن أنا أتكلم عما تشتهيه نفسي من هذه المسلسلات والأغاني في الدنيا.. كيف أتركها الآن، وقد كان حافزي الوحيد لتركها هو أنني سأتمكن من أن أراها وأسمعها في الجنة بإذن الله!؟
أنا أحاول بقدر الإمكان أن أقوم بما هو مفيد بدون عصيان الله طوال اليوم ونزلت الكثير من محاضرات ودروس الشيخ وجدى غنيم الله يبارك له في الدنيا والآخرة إن شاء الله وأستمع إليها من حين لآخر , كما أني تقريبا أقضي معظم وقتي على الانترنت أتصفح الفتاوى على موقعكم وقراءتها تجعل الوقت يمر سريعا، وفي نفس الوقت أستفيد ولا أذنب والحمد لله لكن.. أنا أريد التغيير.. أريد أن أفعل شيئا مختلفا من باب التغيير..
وجزاكم الله كل خير إن شاء الله وأتمنى أن تردوا على جميع أسئلتي بأجوبة مباشرة..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه يجب عليك أن تواصل مسيرتك في التوبة والبعد عن المحرمات والاشتغال في الأعمال حتى تنال رضى ربك فيسعدك في الدارين، واحذر أن يزيغك الشيطان بمثل هذه الأفكار.
واعلم أن المؤمن قد أعد الله له في الجنة من أنواع المتع والرغبات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فمن كان يريد إشباع رغباته بما يسعده ويمتعه فسيجد في الجنة أضعاف ما يتصوره الخيال، ثم إن الجنة ليس فيها تكليف ولا نهي عن شيء من المشتهيات، فالخمر فيها مباح ولا ضرر فيه.
إلا أن هناك أشياء تنزه أهل الجنة عنها، وهي التعلق بما تأباه النفوس السوية وأصحاب الفطر السليمة مثل الشذوذ الجنسي والشيوع والفوضى الجنسية، ومثل التباغض بين الناس واعتداء بعضهم على بعض، فهذا لا يوجد عند أهل الجنة رغبة فيه لأنهم مطهرون من الأخلاق الفاسدة الرذيلة.
فعليك أن تبتعد عن الإصرار على متابعة الأفلام السيئة، فهل ترضى لنفسك أن يحملك الناس من فراش موتك ويشيع بين الناس قولهم توفي وهو ينظر الأفلام السيئة، وهل تأمن أن يستدرجك الشيطان إلى التعلق بالفواحش الكبرى جراء نظرك إلى الحرام، ففكر بعقلك وتذكر مصيرك الأخروي، واصدق التوبة لربك، وابتعد عن الخلوة بالكمبيوتر، واصحب رفقة صالحة تتدارس معهم العلم الشرعي، وتتعاون معهم على البر والتقوى.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 28419، 70600، 4295، 68789، 31768، 100546، 76210، 75237، 68673، 97979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1429(1/2180)
من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، وعليه تبعات للعباد
[السُّؤَالُ]
ـ[من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة هل هذا الحديث صحيح أظن أنه صحيح كيف يدخل الجنة وحقوق العباد والديون لأني أنا واقع في حقوق كثير منها لا أعرف أصحابهم أو لا أعرف بتحديد كل واحد كم له ولا حتى إن أقدر تقديرا لأني غششت كثيرا جدا وعلمت أن الذنوب التي يغفرها الله ما بين العبد وربه إنى غششت كل واحد بعض الحقوق أرجو التوضيح وهل يجب علي أن اذهب إلى كل واحد تعاملت معه أن أطلب منه أن يسامحني لأني عندي شك أن كل واحد اشترى منى أني غششته مع العلم أني كنت أتاجر في السجائر وكنت أظن أن الحرم كله مثل بعضه ما كنت أعرف أنه يوجد فرق في الذنوب بين العبد وربه وبين العبد وإلا ما كنت غششت أبدا أرجو الإجابة على السؤالين وهل إذا كان آخر كلامي لا إله إلا الله في أمل أدخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة الفتوى:
الحديث صحيح، ولكنه لا بد من التحلل من المظالم، فتحلل من أصحاب الحقوق ما دمت حيا، واحتط لنفسك وجد في خلاصها، وترض الناس فاطلب منهم السماح وإلا فصالحهم بما يرضيهم، واصدق في التوبة لله تعالى من الغش وأكل أموال الناس بالباطل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث الصحيح عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. رواه أبو داود والحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. وهذا الحديث يفيد دخول المؤمن الجنة، ولا يمنع من ذلك كونه صاحب تبعات، فمن كانت عليه حقوق للعباد سيطهر بأخذ الحقوق منه قبل دخول الجنة إن لم يكن تاب منها وتحلل أصحاب الحقوق؛ لما في الحديث: من قال: لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه. رواه الطبراني، وقال المنذري: رواته رواة الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع. وفي البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة يأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
وعليه، فواجبك هو أن تكثر من التوبة والاستغفار والعمل الصالح كفارة لما اقترفته من تجاوز لحدود الله، ومن الغش وأكل أموال الناس بالباطل، وتكثر أيضا من الحسنات استعدادا للمقاصة بينك وبين أصحاب الحقوق، ويتعين عليك السعي في التحلل ممن أمكنك الاتصال به منهم ما دمت حيا، فاحتط لنفسك وجد في خلاصها، وترض الناس فاطلب منهم السماح؛ وإلا فصالحهم بما يرضيهم فقد قال صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه. رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم في شأن الغش: من غش فليس مني. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم في التحلل من حقوق العباد: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. متفق عليه.
هذا، واعلم أن الله جل وعلا إذا علم منك صدق التوبة وكنت عاجزا عن أداء الحقوق إلى أصحابها؛ إما لكونك غير قادر عليها، أو غير قادر للوصول إليهم، أو لأنهم لم يرضوا بالمسامحة، وعجزت أنت عن الأداء فإنه جل وعلا قد يتولى عنك إرضاء هؤلاء يوم القيامة فهو يحب التوابين، وهو واسع الفضل والرحمة الكريم المتعال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1429(1/2181)
العلاقة بين الأبناء والآباء في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد في الجنة علاقة الآباء بالأبناء كما كانوا عليها في الدنيا، علماً بأنه ثبت في الصحيحين أن أعمار أهل الجنه 33 جميعاً؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحيح أن أهل الجنة يدخلونها وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، لا تفاوت بينهم في السن، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مردا مكحلين بني ثلاث وثلاثين. رواه الترمذي، وقال عنه الشيخ الألباني: صحيح لغيره. ولكن هذا لا يتعارض مع وجود علاقة في الجنة بين الآباء والأبناء، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {الطور:21} ، قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: يخبر تعالى عن فضله وكرمه وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه، أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم بالإيمان، يلحقهم بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك. تفسير ابن كثير 4/306.
ومن هذا يتبين لك وجود العلاقة التي تسأل عنها وليس من اللازم أن تكون مثل العلاقة التي كانت بينهم في الدنيا، لأن الآخرة مختلفة تمام الاختلاف عن الدنيا، فلا تحاسد فيها ولا تباغض ولا أحقاد ولا فقر ولا مرض ... وإنما سعادة وسرور ولذة لا انقطاع لشيء منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1429(1/2182)
أهل الجنة مطهرون من الأخلاق السيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن في الجنة كل شيء حلال فهل هذا صحيح، وهل في الجنة يجوز إتيان المرأة من دبرها، وهل في الجنه لواط لمن يريد، وهل في الجنة شيء حرام، فأ رجو الإجابه على الأسئلة المحددة فقط وعدم التهرب أو الخروج عليها؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على نص في الوحي في هذا الأمر، ولكن أهل العلم ذكروا أن أهل الجنة مطهرون من الأخلاق السيئة، فما استجد عند الناس مما زينه لهم الشيطان مما تأباه الفطر السليمة والأذواق الرفيعة من الإتيان في غير الحرث ومن اللواط لا يكون عند أهل الجنة، فهم مستغنون بما وفر الله لهم من أسباب المتعة.
وليعلم أن الجنة لا تكاليف فيها وأهلها يوفر لهم جميع ما يشتهون، كما قال تعالى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ {النحل:31} ، وقال: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت:31} ، وكل واحد من أهل الجنة ينال أضعاف الدنيا مرات، فما في مملكته كله مباح له وليس في قلبه تعلق بما عند الآخرين حتى يفكر في الاعتداء عليهم ويقال له هذا حرام.
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 97979، 70600، 45862، 60176، 4295.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1429(1/2183)
شروط اجتماع الرجل وزوجته في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي متوفى وتعرفت على رجل كان معه في إعارة وتقدم لأهلي ولم يوافقوا ولم أره إلا مرة واحدة في مصر بدون لمس فقال تتزوجيني فقبلت فوهبت نفسي له ووهب نفسه لي، فهل هذا يعتير زواجا يعوقني من مقابلة زوجي في الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن أية علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه خارج إطار الزواج الشرعي تعتبر علاقة آثمة محرمة، وتؤول في النهاية إلى ما لا تحمد عقباه، وفيما يخص موضوع سؤالك فإذا كان الذي حصل بينك وبين ذلك الرجل هو مجرد أن قال لك: تتزوجيني، وقبلت أنت ذلك، ثم قلت إنك وهبت نفسك له، وقال هو إنه وهب نفسه لك ... فهذا أبعد شيء عن أن يكون زواجاً صحيحاً، لأن الزواج يشترط لصحته إذن الولي وشاهدان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. رواه ابن ح بان في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. رواه أحمد وأبو داود.
وأما مقابلة زوجك في الجنة فإنه يشترط لها أن يكون هو من أهل الجنة، وتكوني أنت صالحة، قال الله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {الرعد:23} ، كما يشترط لذلك أيضاً أن لا تتزوجي بعده، لما رواه البيهقي في سننه أن حذيفة قال لزوجته: إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا. فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده، لأنهن أزواجه في الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(1/2184)
هل يزور جميع المؤمنين ربهم في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن زيارة من هم أعلى درجة في الجنة وهل زيارة الرحمن متوفرة في كل وقت وحين لكل أصحاب الجنة أم ستقتصر على سكان الفردوس الأعلى (اللهم اجعلنا منهم وإياكم) جزاكم الله خيرا..........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الألوسي في تفسيره أنه ثبت في غير ما حديث أن أهل الجنة يتزاورون، ولم يثبت ما يفيد تفصيلا في تزاورهم؛ إلا أنه روى الطبراني بسند فيه متروك -كما قال الهيثمي في المجموع- وهو بشر بن نمير، روى الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال: يتزاور أهل الجنة على نوق عليها الحشايا، فيزور أهل عليين من أسفل منهم، ولا يزور من أسفل منهم أهل عليين؛ إلا المتحابين في الله يتزاورون حيث شاءوا.
وقد ثبت بالأدلة أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، وأن الكفار لا يرونه، ومن هذه الأدلة قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {القيامة:22-23} وقوله تعالى في الكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ {المطففين: 15} .
وأما زيارتهم فقد ذكر ابن القيم فيها عدة أحاديث لا تخلو من كلام وليس فيها تفصيل بين أهل الفردوس، بل إن ظاهرها أن جميع أهل الجنة يزورنه. وراجع الفتوى رقم: 55358، والفتوى رقم: 2426.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(1/2185)
من أحبت شخصا وتمنت أن يكون زوجا لها في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: وخلقنا من كل شيء زوجين، ما معنى الآية الكريمة.
وهناك كثيرون من أناس ليس لهم حظ من الدنيا أن يتزوجوا ويموتون بلا زواج، هل معنى ذلك أنهم يتزوجون في الآخرة؟ وهل إذا أحب الإنسان شخصا ما وتمنى أن يكون هو زوجا لها ولم يحصل ذلك في الدنيا هل يمكن أن يحقق الله لها ذلك في دار الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائلة الكريمة تسأل عن الآية الكريمة: ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون. {الذاريات: 49} . وكنا قد بينا اختلاف أهل العلم في تفسيرها فلتراجع فيه فتوانا رقم: 34953. ومنه يتبين أن الآية الكريمة ليس معناها ما أوردته هي في السؤال.
وأما من مات بلا زواج ودخل الجنة فإنه سيزوج في الآخرة، وكنا قد بينا أدلة ذلك، فلتراجَع فيها فتوانا رقم: 2369.
وإذا أحب الإنسان شخصا ما، وتمنى أن يكون زوجا له أو لها، ولم يحصل ذلك في الدنيا فلا مانع من أن يحقق الله ذلك في الآخرة، إذا كانا معا من أهل الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1428(1/2186)
استمتاع المؤمن بامرأته في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن أصحاب الجنة - اللهم اجعلنا منهم وإياكم- سيجلسون متقابلين فماذا لو أراد الرجل أن ينكح زوجته؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد في أهل الجنة أنهم متقابلون جميعا وفي جميع الأحيان، وإنما ورد في تكريمهم أنهم يكونون على أسرتهم وفي مجالسهم متقابلين، بحيث تكون وجوه بعضهم إلى بعض وليس أحد منهم وراء أحد.
ووردت الأدلة في أن المؤمن في الجنة يكون له أهلون لا يرى بعضهم بعضا. ففي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا.
ومن ذلك تعلم أن من أراد منهم أن ينكح زوجته فله ذلك دون تشويش.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1428(1/2187)
صورة المؤمنين في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الذراع هل هو المتر، وهل صحيح أن أهل الجنة سيكونون على صورة وجه سيدنا يوسف عليه السلام وكيف سيعرف الرجل زوجته أو صديقه إن كان الأمر كذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المتر هو مائة سنتمتر، والذراع يختلف عنه فهو يطول ويقصر بحسب طول الإنسان وقصره.
وأما أهل الجنة فإنهم يدخلونها على صورة آدم، كما يدل له حديث الصحيحين: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم. وأما كونهم على صورة يوسف فقد ذكره بعض أهل العلم، وقد ثبت أن يوسف أعطي شطر الحسن كما في حديث مسلم، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه أعطي نصف ما كان عند آدم من الحسن.
فإن ثبت الحديث الذي رواه الطبراني وابن أبي الدنيا وابن هبة الله في تاريخ دمشق والديلمي في الفردوس أخذنا به، ونص الحديث كما في رواية الطبراني: يحشر ما بين السقط إلى الشيخ الفاني يوم القيامة في خلق آدم وقلب أيوب وحسن يوسف مردا مكحلين. وقد ذكر الهيثمي أن أحد إسنادي الطبراني حسن، وإن لم يثبت هذا الحديث فإن عموم حديث الصحيحين فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ربما يستفاد منه أنهم على درجة حسن آدم، وهي أعلى من درجة حسن يوسف كما قال بعض أهل العلم.
وأما معرفة الواحد من أهل الجنة زوجته أو صديقه في الجنة فإنه لا يناقض ما ذكر من حسن أهل الجنة، فإن الملامح الأصلية لا يلزم أن يخفيها الجمال، ثم إن أهل الجنة إذا كان يستدلون على منازلهم التي لم يروها في الدنيا، فمن باب أولى أن يستدلوا على أزواجهم وأصدقائهم الذين عرفوهم في الدنيا، ففي حديث البخاري عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(1/2188)
تلاقي الأختين الشقيقتين في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الأختين (الشقيقتين) لا تلتقيان في الجنة؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فغير صحيح أن الأختين (الشقيقتين أو غير الشقيقتين) لا تلتقيان في الجنة، بل الصحيح أنهما إن كانتا من أهلها فإنهما تلتقيان إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(1/2189)
كتب عن نعيم الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي طلب منكم يا سادة وهو ان تدلوني على كتب ومصادر تشرح لي عن نعيم الجنة وعن خيراتها وما أعد الله فيها للمؤمنين.. أرجو ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدث الصحابة كثيرا عن الجنة ونعيمها ويجذبهم ويعلق قلوبهم بها فيزدادون ايمانا وتهون الدنيا في سبيل هذه الجنة..
على أن تكون هذه الكتب او المصادر موثوقة وصحيحة..
وشكرا لكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أحسن الكتب في هذا المجال كتب التفسير المعتمدة كتفسير ابن كثير والطبري والشوكاني والبغوي، وكتب الحديث، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح والترغيب والترهيب، إضافة لأمهات الكتب وكذا كتب العقيدة، ومن أهمها الجنة والنار للأشقر، والتذكرة للقرطبي، والحياة الآخرة للدكتور غالب العواجي، وحادي الأرواح لابن القيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1428(1/2190)
من صفات نهر الكوثر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الكوثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لم نقف على حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الكوثر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم.. الحديث رواه مسلم في صحيحه.
ولم نقف على حديث عنه صلى الله عليه وسلم في فضل السورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(1/2191)
باب الريان من أبواب الجنة الثمانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى شرح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون..) ، هل هذا الباب من أبواب الدخول للجنة أو أنه داخل الجنة، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور متفق عليه ولفظ البخاري: إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد.
وهذا الباب هو أحد أبواب الجنة الثمانية وليس باباً آخر، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث: قوله إن في الجنة بابا قال الزين بن المنير إنما قال في الجنة ولم يقل للجنة ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة فيكون أبلغ في التشوق إليه، قلت وقد جاء الحديث من وجه آخر بلفظ أن للجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون أخرجه هكذا الجوزقي من طريق أبي غسان عن أبي حازم وهو للبخاري من هذا الوجه في بدء الخلق لكن قال في الجنة ثمانية أبواب. انتهى.
وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 17317.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(1/2192)
العاقل يرجو الجنة ويسعى للفوز بها
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ, أنا شاب في 32 من عمري طوال حياتي يروادني شعور غريب فأنا لم أختر أن أخلق, أنا لا أريد الحياة لا أريد حلوها ولا مرها.
الحمد لله أموري ممتازة وأنا ناجح في حياتي بفضل الله, ولكني لا أريد أن أكون موجودا من الأصل, لا أريد الجنة ولا أريد النار، لا أريد أن أشعر بألم الموت, كم أتذكر قول سيدتنا مريم: "يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا" ماذا أفعل، تعبت يا شيخنا, والله إني متعب, أنا مؤمن بالله إيمانا راسخا, ولكني عندما أسمع أن الأمانة عرضت على السموات والأرض فرفضتا أن يحملنها وحملها الإنسان.
أنا صدقا لا أريد أن أحمل أي شيء, كل ما أريده هو أن أكون صخرة أو شجره في غابة لا تشعر لا يكلمها أحدا ولا تكلم أحدا..........
ساعدني.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أنت مخلوق ضعيف مربوب خلقك الله تعالى ولا اختيار لك في خلقك، وأمانة التكليف حملتها ولست مختارا في ذلك، وعليك أن ترجو الجنة وتعمل لها، والخوف الحقيقي يقود إلى الطاعة والعمل؛ لا إلى القنوط واليأس.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن من أسماء الله تعالى الخالق فهو سبحانه يخلق ما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لأمره. قال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ {الزمر: 62} وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً {الفرقان: 2} وكل ما سوى الله تعالى فهو مخلوق مربوب ضعيف مفتقر إلى خالقه سبحانه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {فاطر:15}
وأنت أخي السائل مخلوق ضعيف من مخلوقات الله، وخلق الإنسان ضعيفا، ليس لك من الأمر شيء، وليس لك اختيار في خلقك. قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68} ، وأمانة التكليف حملها الإنسان كما أخبر الله بذلك، ومن أصدق من الله حديثا، وليس لك الآن اختيار في أن تحملها أو لا تحملها، وقد ذكرت أنك لا تريد الجنة وهذا خطأ بين، فإن الجنة هي الدار التي أعدها الله لعباده المؤمنين، ولهذا فالعاقل هو الذي يرجو الجنة ويسعى لها ويعمل للفوز بها.
واعلم أن الخوف من الله أمر محمود لكن الخوف الحقيقي لا يقود إلى القنوط واليأس من رحمة الله، بل الخوف الحقيقي الشرعي يجعل العبد يفر إلى الله لا منه. قال تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ {الذاريات: من الآية50} . وهكذا كان سادات الصالحين وعلى رأسهم سيدهم أجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قادهم الخوف إلى الفرار إلى الله وإلى الاجتهاد في الطاعة والعمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1428(1/2193)
حكم التوقيع في المنتديات بعبارة [المشتاقة للجنة]
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك فتاة تكتب في أحد المنتديات ويكون توقيعها هكذا:
المشتاقة للجنة، محبة النبي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلامانع من التوقيع في المنتديات بعبارة [المشتاقة للجنة] أوعبارة [محبة النبي] صلى الله عليه وسلم بل هما توقيعان يدلان على الخير والبركة.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1428(1/2194)
الجنة طيبة أعدت للطيبين فأهلها لا يشتهون الخبيث
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنسان في الجنة يمكنه أن يطلب من الله عزوجل ما قد حرمه الله في الدنيا، مثال ذلك هل يمكن أن يطلب رجل معاشرة رجل أحبه في الدنيا.
أرجو الرد على هذا السؤال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجنة وإن لم يكن فيها تكليف لكن أهلها لا يشتهون الخبيث، ولا يتمنون ما كان محرما في الدنيا لخبثه ونفور الفطر السوية منه كمعاشرة الرجل للرجل ونحوه، وأمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا هذا من حيث الإجمال، وإليك التفصيل: وهو أن الجنة فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ العين، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما وصفها الخالق جل وعلا، ووصفها رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن زحزح عن النار وأدخل الجنة فله ما يتمنى وله ما يشتهى، لكن أصحاب الجنة همهم عالية وشهواتهم نبيلة، فلا يتمنون الخبيث ولا ما تعافه النفوس من السوية والفطر السليمة مما كان محرما في الدنيا لذلك كمعاشرة الرجال بعضهم لبعض أو معاشرة البهائم ونحو ذلك. قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: فالله سبحانه وتعالى جعل الطيب بحذافيره في الجنة، وجعل الخبيث بحذافيره في النار، فجعل الدور ثلاثة: دار أخلصت للطيبين، وهي حرام على غير الطيبين، وقد جمعت كل طيب، وهي الجنة، ودار أخلصت للخبيث والخبائث، ولا يدخلها إلا الخبيثون، وهي النار، ودار امتزج فيها الطيب والخبيث وخلط بينهما وهي هذه الدار، ولهذا وقع الابتلاء والمحنة بسبب هذا الامتزاج والاختلاط، وذلك بموجب الحكمة الإلهية، فإذا كان يوم معاد الخليقة ميز الله الخبيث من الطيب، فجعل الطيب وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم، وجعل الخبيث وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم، فعاد الأمر إلى دارين فقط: الجنة وهي دار الطيبين، والنار وهي دار الخبيثين، وأنشأ الله تعالى من أعمال الفريقين ثوابهم وعقابهم، فجعل طيبات أقوال هؤلاء وأعمالهم وأخلاقهم هي عين نعيمهم ولذاتهم، أنشأ لهم منها أكمل أسباب النعيم والسرور، وجعل خبيثات أقوال الآخرين وأعمالهم وأخلاقهم هي عين عذابهم وآلامهم، فأنشأ لهم منها أعظم أسباب العقاب والآلام، حكمة بالغة وعزة باهرة قاهرة، ليرى عباده كمال ربوبيته، وكمال حكمته وعلمه وعدله ورحمته، إلخ.
وننصحك بقراءة ما ثبت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف الجنة، وقد ألف علماء الإسلام في وصف الجنة والنار والدار الآخرة تآليف مستقلة كما ضموا كتبهم التفسيرية والحديثية كلاما مستفيضا عنها.
ومن الكتب المؤلفة في هذا الموضوع كتاب التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للإمام القرطبي، وكتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، للإمام ابن القيم، ورسالة في ثلاثة مجلدات، لأحد المعاصرين بعنوان الحياة الآخرة، للدكتور غالب عواجي، ومن المختصرات المفيدة في هذا الباب الجزء الخامس من سلسلة الدكتور عمر سليمان الأشقر والذي عنوانه الجنة والنار.
وراجع لزاما الفتاوى التالية أرقامها: 179، 6872، 6872، 7123، 7413، 16534، 16534، 30615.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1428(1/2195)
سماء الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو لون سماء الجنة وما هو لونها العام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسماء تطلق في اللغة على كل ما علا وارتفع، ومن ذلك تسمية السماء الدنيا بهذا الاسم، والجنة لا شك أنه يعلو بعضها بعضاً فيصح تسمية ما علا منها سماء لما هو تحته؛ ولكن لا علم لنا بوصف ذلك.
فالجنة لها سماء موجودة حقيقة والله تعالى هو العالم بحقيقة لونها فلم نقف له على بيان، قال ابن حجر في الزواجر عن اقتراف الكبائر: السماء كل ما علاك، والأرض كل ما استقريت عليه، وكون الجنة والنار لهما سماء وأرض بهذا الاعتبار أمر قطعي لا يخفى على أحد. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1428(1/2196)
يلحق الله الأدنى بالأعلى في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث (المرأة مع آخر أزواجها في الدنيا) حديث صحيح، وهل معناه أن الزوجة تكون مع آخر زوج لها في الدنيا وهل إذا تزوجت المرأة أكثر من مرة تكون مع آخرهم أم مع أيهم (أيكون أعلاهم درجة مثلا) أم ماذا.
سؤال آخر هل بناء على هذا الحديث إذا كانت الزوجة في درجة أعلى من الزوج في الجنة فهل يرتفع هو إلى درجتها أم تهبط هي لتكون معه، وإذا كانت درجته أعلى منها هل ترفع هي لدرجته أم يهبط هو لها. أرجو التوضيح.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المذكور صحيح كما قال الألباني في السلسلة، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 2207.
وعندما يكون أحد الزوجين أعلى درجة في الجنة من صاحبه فإن ظاهر كلام أهل العلم هو أن الله تعالى بفضله وكرمه يلحق الأدنى بالأعلى؛ كما يقتضي ذلك ظاهر نصوص القرآن الكريم، قال ابن كثير في التفسير عند قول الله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ {الرعد: من الآية23} : أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين، لتقر أعينهم بهم حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتناناً من الله وإحساناً من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ. الآية.
وللمزيد من الفائدة اقرأ الفتاوى التالية أرقامها: 50151، 7646، 11721.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1428(1/2197)
مصير الموحد مرتكب الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك سؤال يريبني وهو حول يوم القيامة، هل صحيح أن المسلم مهما ارتكب من المعاصي (دون الشرك) سيدخل الجنة في آخر المطاف رحمة من الله وما مدى تعارض هذا مع الآية "وقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ" وكافة الآيات من قبيل "خالدين فيها ... "؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من مات على التوحيد سيدخل الجنة مهما كانت معاصيه، كما قدمنا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 64621، 31008، 73614، ولا يعارض هذا ما ذكر في قول اليهود: وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً {البقرة:80} ، لأن هذه المقولة من دعاوى اليهود الكاذبة، قد كذبها القرآن في نفس الآية بقوله: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:80} ، وهؤلاء كفار، والكفار مخلدون في النار، وأما آيات الخلود للعصاة فهي محمولة على من مات منهم على الشرك، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5398، 34468، 5098، 4228، 31033، 47303.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(1/2198)
هل تخرج أنهار الجنة من البسملة وحكم الذكر بأعداد معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنهار الجنة كلها تخرج من بسم الله الرحمن الرحيم، فهل يجوز اتخاذ ورد يومي منها 100 مرة، وهل يجوز كذلك اتخاذ ورد من لا إله إلا الله محمد رسول الله 100 مرة يومياً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون أنهار الجنة كلها تخرج من البسملة هذا قول لا نعلم له أصلاً، وينبغي للمسلم الإكثار من ذكر الله تعالى عموماً بما في ذلك التهليل (لا إله إلا الله محمد رسول الله) والبسملة حيث تشرع البسملة، لكن كونه يواظب على مائة منهما كل يوم فهذا التحديد لا دليل عليه شرعاً، وإن كان قد ورد الحديث بالتهليل مائة مرة بغير هذه الصيغة، وذلك فيما رواه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1428(1/2199)
معنى (الجنة) لغة واصطلاحا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تعريف الجنة لغة واصطلاحاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنة في اللغة البستان العظيم الذي يستر ما بداخله، وهي مشتقة من مادة: جنن التي هي بمعنى الستر، ولذلك سمى الجن جنا لاستتارهم واختفائهم عن الأنظار، كما سمي الجنين جنيناً لاستتاره في بطن أمه، ومنه جنون الليل أي شدة ظلمته وستره لما فيه ... انظر لسان العرب.
وأما في الشرع فإنها دار الخلود والكرامة التي أعد الله -عز وجل- لعباده المؤمنين وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وفيها من النعيم المقيم الأبدي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قال سبحانه وتعالى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {السجدة:17} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(1/2200)
العمل الصالح سبب لدخول الجنة وليس ثمنا لدخولها
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول تعالى: ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون.
ثم: لمثل هذا فليعمل العاملون. وغيرها كثير. ثم يجيء في الحديث,: لن ينجي أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، فسددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة والقصد القصد، تبلغوا
الراوي: أبو هريرة، خلاصة الدرجة: صحيح، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الأدب المفرد الصفحة أو الرقم: 358
فكيف أجمع بين الآيات والحديث.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين الآية والحديث نظرا لاختلاف معاني الباء فيهما، فالباء في الآية سببية تفيد أن العمل الصالح سبب لدخول الجنة، والباء في الحديث بدلية تفيد أن الأعمال ليست ثمنا لدخول الجنة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 40076، 18890، 10116، 28592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1428(1/2201)
حكم دعاء الشخص أن يتزوج امرأة معينة في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل الرجل الجنة فهل لا بد أن يعيش مع زوجته في الجنة إن دخلت معه، أنا أدعو في صلاتي أن تكون فتاة تمنيت أن أتزوجها ولم يقدر الله وغصبت على الزواج من زوجتي وصبرت ورضيت، ولكني أدعو في صلاتي أن تكون تلك الفتاة زوجة لي في الجنة، فهل دعائي صحيح يعني هل من نعم الجنة أن أستطيع أن أتزوج ممن أشاء، فأرجو منكم أن تردوا علي؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة في الجنة تكون مع زوجها المسلم الذي مات وهي في عصمته؛ لما رواه البيهقي في سننه: أن حذيفة قال لزوجته: إن شئت تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر آزواجها في الدنيا. ولذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده، لأنهن أزواجه في الجنة.
وأما من لم تتزوج فإنها تزوج بمن شاء الله تعالى لأنه لا يوجد في الجنة أعزب لا ذكراً ولا أنثى، لما رواه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما في الجنة عزب. قال ابن منظور في لسان العرب: العزاب هم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء.
وعليه؛ فلو لم تتزوج هذه الفتاة فلا مانع من أن تدعو الله تعالى أن تكون زوجة لك في الجنة، وإلا فلا، ولكن مما ينبغي أن يتفطن له الأخ السائل أن أهل الجنة لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، وما لا يريد الله عز وجل أن يكون لهم فإن نفوسهم لا تشتهيه؛ بل يرضيهم الله عز وجل بما يعطيهم بحيث لا يتمنون غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1428(1/2202)
صغار المسلمين في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم وأعانكم الله على عمل الخير أما بعد:
سؤالي لحضرتكم هو عن واقع أعيشه في حياتي وهو عن ابني فقد توفاه الله من أيام قليلة والحمد لله على ما أعطانا وعلى ما أخذ.
أما عن ابني فهو في الثامنة من عمره وقد وقع علية القدر بأن يسقط من الدور الرابع وينتج عن ذلك غيبوبة لمدة أسبوع وبعد الأسبوع توفاه الله، ولكن سؤالي هو أين مقعده الآن؟ وكما نعرف أنه ليس له حساب لأنه مرفوع عنه القلم هل روحه في القبر أوفي حواصل طير خضر أو أين كما حدثنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام
وأريد أن أزيدكم علما بأن ولدي كان من المصلين لجميع الصلوات وكان من أفلح وأحب أولادي
وسؤالي الثاني: هو أنني عندما نقلته للمستشفي كان ينطق ويقول طول الطريق حبيبي يا بابا حبيبي يا بابا وذكر حينها أيضا وكمان حبيبتي يا ماما وكرر هذة المقولة حتى غاب وراح في الغيبوبة، وأيضا كان يقول لي هات يدك أمسكها يا بابا، سؤالي هو: هل هذا كلام وداع لنا أقصد أنه كان يعلم من الله أنه يموت، وما تفسير كل هذا الكلام وهو يتألم ولكم مني جزيل الشكر.
أرجو من حضرتكم ان ترسلوا لي الرد علي إيميلي هذا حتى أضمن أن أشوفه وأقرأه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يحسن عزاءك في الولد ويجعله فرطا وذخرا لك يأخذ بيديك إلى الجنة، ونعزيك بما عزى به النبي صلى الله عليه وسلم ابنته لما توفي ولدهما فأرسل إليها: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب.
وأما سؤالك عن الابن أين هو فنرجو أن يكون في الجنة في كفالة إبراهيم عليه السلام، ففي حديث مسلم: صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه فيأخذ بثوبه فلا ينتهي حتى يدخله الله وإياه الجنة.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذا دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة، وقد نقل جماعة فيه إجماع المسلمين. اهـ
وفي حديث البخاري في حديث الرؤيا الطويل ذكر كفالة إبراهيم لأولاد المسلمين الذين توفوا صغارا، وأما علمه بموته وتفسير كلامه فليس عندنا فيه شيء إلا أن من المعلوم أن الأجل لا يعلم نهايته إلا الله تعالى لأنه من الغيب، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 32668، 59259، 14321، 2978.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1428(1/2203)
الصغير الميت من أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي لي ابن عمره 4 سنوات ونصف تقريبا وكان قصير القامة ونحيل الوجه وبعد الوفاة ازداد طول الولد حيث إنه توفي نتيجة حادث سير وقضى ليلة في ثلاجة المستشفى، مع العلم بأنه توفي في وقت الحادث كما أن وجهه أصبح كما يقال كالبدر ولم يعد نحيلا كما كان وذلك ليس ما رأيته أنا فقط بل كل من عرفني وعرف ابني قال وكأن الولد ابن 7 أو 8 سنين فأرجو منكم الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من تغير حال ولدك بعد موته، حيث ازداد طوله وأشرق وجهه ونحو ذلك مما بينته ... يعتبر دليل خير، لكن أمور الآخرة مغيبة كلها عنا، وليس لنا أن نتكلم فيها إلا بدليل من الشارع.
وعلى أية حال فإن السن التي توفي فيها ابنك تجعله من أهل الجنة حسبما وردت به النصوص الصحيحة، فمن ذلك ما رواه البخاري في حديث المعراج، وفيه: وأما الولدان الذين حوله (أي حول نبي الله إبراهيم عليه السلام في الجنة) فكل مولود مات على الفطرة، قال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة. متفق عليه.
وفي مسند أحمد مرفوعاً: والذي نفسي بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها. قال شعيب الأرناؤوط حديث صحيح لغيره، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3499، 78145، 59259.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1428(1/2204)
الجنة والنار من أمور الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مدى صحة المعلومات الموجودة في كتاب (دقائق الأخبار في ذكرى الجنة والنار) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على هذا الكتاب فلا يمكننا الحكم على ما فيه، وننبه إلى أن الجنة والنار من أمور الغيب التي لا يجزم بشيء مما ورد فيها إلا إذا ثبت في نصوص الوحي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1428(1/2205)
تزويج المؤمن في الجنة بالحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونا بارك الله فيكم بخصوص هذا الموضوع الوارد ذكره في الكثير من المنتديات وهو بعنوان زواج في الجنة
الزمان والمكان
الزمان: يوم القيامة، بعد العرض والحساب على الله..
المكان: مكان يسمى الجنة بعد المرور على الصراط!!
للموقع ثمانية أبواب، يسهل عليك الدخول من أيها شئت..
للأبواب خزنة يلقون عليك السلام عند دخولك الموقع..
مجهز بدرجات وغرف عددها يصل المائة.. أعلاها الفردوس
تخرج من هذه الدرجة أربعة أنهار غرف عليين بها قصور متعددة،، ثم غرف من الجواهر الشفافة..
للموقع حدائق وبساتين وعيون..
يمكنك المرور عليها والشرب منها والوقوف بها..
لك أن تتخيل الموقع،،، (فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)
صفات العروس
(حورية الجنة) هذا اسمها!!
قال الله تعالى (وزوجناهم بحور عين) ..
قال صلى الله عليه وسلم (ولو أن امرأة أطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا)
صفات العريس
(رجل الجنة) ،، هذا اسمه
قال صلى الله عليه وسلم (أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر)
يكون الزوج هناك على صورة يوسف!!
تعالوا معي لتتخيلوا صورة يوسف
قال تعالى (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن
حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم)
لكم أن تتفكروا نسوة من علية القوم لا ينظرن لأي أحد..
والله لم يقل قطعن أنما قال قطّعن،، الجمال الذي أشغلهن عن تلك الآلام وتلك الأعصاب التي قطّعت!!
ولكم أن تتخيلوا عندما خلق الله الجمال شطره نصفين..
نصف إلى جميع الناس من آدم إلى أن تقوم الساعة،، ونصف ذهب إلى يوسف عليه السلام..
فلكم أن تتخيلوا،، ما تلك العيون،، وكيف رجولته،، وكيف هو جماله وجاذبيته!!
رجل الجنة على صورة يوسف،، وقلب أيوب،،، وأخلاق محمد،،، وطول آدم..
فيا من أعجبتها نظرات الشباب لها وباعت نفسها لهم (أتستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير)
لحظات مع اللقاء
يروى أن رجلا من أهل عليين يخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيام الجنة إلا ودخلها ضوء وجهه ويستبشرون بريحه ويقولون.. واها واها لهذا الريح
فيقال هذا رجل الجنة يتمشى في ملكه
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(يعطى الرجل في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع،، قالوا: يا رسول الله أو يستطيع، قال: يعطى قوة مائة رجل)
فينتظرها هناك على سرير من زبرجد أحمر عليه قبة من نور
دخولها عليه وإذا بدت في حلة من لبسها وتمايلت كتمايل النشوان..
تهتز كالغصن الرطيب وحمله ورد وتفاح على رمان..
وتبخترت في مشيها ويحق ذاك لمثلها في جنة الرضوان..
ووصائف من خلفها وأمامها وعن شمائلها وعن إيمان..
كالبدر ليلة حف في غسق الدجى بكواكب الميزان..
فيتقابلا والقلب قبل زفافه فالعرس إثر العرس متصلان..
حتى إذا ما واجهته تقابلا أرأيت إذ يتقابل القمران..
فتسلب عقولهما من جمالهما..
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(سطع نور في الجنة،، فيقال: ما هذا النور؟ فإذا بها امرأة من أهل الجنة ابتسمت لزوجها) فتتكلم معه..
وكلامها يسبي العقول بنغمة زادت على الأوتار والعيدان..
وتتغنج له..
يبني لها الله طريقين تمشي وتتغنج فيه لزوجها بسبعمائة ألف لون..
بعد ذلك الزفاف فإذا بهما يتعانقان أربعين سنة من اللذة..
خلفوا وراءهم التعب..
الآن يتلذذون..
(أنهم كانوا قبل ذلك محسنين)
إنها جنة فسل المتيم أين خلف صبره..
في أي واد أو بأي مكان
بطاقة الدعوة:
الدعوة عامة
الداعي..
الرحيم الرحمن
المدعوون..
كل من وحد قلبه بالشهادتين
بطاقة الدعوة ...
أن تبيع نفسك التي بين جنبيك لله.. ويمنع دخول الهوى والشيطان
والثمن:
(فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)
أرجو الإفادة بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يكرم أهل الإيمان بما يشتهون، ومن ذلك تكريمهم بالتزويج بالحور العين، كما قال تعالى: وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ {الطُّور:20} وقال تعالى: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 25} وقال تعالى في وصف الجنات: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ {الرحمن:56} فالموضوع من أصله ثابت فكل يتزوج فيها لما في حديث مسلم وما في الجنة عزب.
وأما التفاصيل المذكورة في الكتب من صفات جمالهم فكثير منها لا يثبت مع أن العمومات الثابتة في القرآن والأحاديث الصحيحة تشهد لها، وراجع فيها الترغيب والترهيب للمنذري ومجمع الزوائد للهيثمي، وشرح نونية ابن القيم.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 5147، 60176، 28376، 2369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1428(1/2206)
الجنة دار جزاء لا دار شقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[الأفكار تطرأ على الإنسان والعقل نعمة الله على الإنسان ويجب احترام وتقدير هذه النعمة، جعلَ اللهُ مكانة لي في هذه الأرض ولي واجبٌ ومهمة في الحياة, هذا هو المنطق الذي أفهمُه, لكن في الآخرة تُجرّد مني واجباتي ومُهماتي كذلك مكانتي، السؤال هو: ما المنطق في أن أعيش إلى الأبد, آكُل وأشرب كذلك أتنعّم بكُل ماتشتهيه نفسي، لا أحتاج للتفكير من أين آتي بالمال لاشتري طعاما أو سيارة إلخ........! أرجو منكم الجواب البليغ المتفقّه لمخاطبة نعمة الله التي أنعم علينا بها (العقل) ؟ والشكر الجزيل لكم جميعاً ووفقكم الله لما يحب ويرضى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شكر النعم كلها عبادة تعبدنا الله بها، والعقل من أهم النعم التي منح الله عباده، إذ به يعرف العبد ربه ويتأمل في آياته المتلوة والكونية، وقد أوجب الله على العبد واجبات في الدنيا كلفه بالقيام بها، وبقدر تعبه في تحقيق عبودية الله في الطاعات التي تعبد بها يعظم أجره وتزداد وترتفع منزلته عند الله تعالى ويسعده بالحياة الطيبة.
وأما الآخرة فقد جعلها الله دار جزاء لأوليائه حيث ينعمون بإشباع رغباتهم وتكميل شهواتهم وتحقيق طموحاتهم في الجنة، فينالون ما تشتهي أنفسهم من أنواع المشتهيات، ويستريحون فيها من النصب، ويبقون فيها دائماً مخلدين، كما قال الله تعالى: لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ {الحجر:48} ، فالعبد في الجنة غير مكلف بما يشق عليه ويتعبه من الأعمال، وأما مكانته فهي رفيعة عند الله تعالى فهو يسكن مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فلا يقال إنه يجرد من مكانته، وأما إراحته من الواجبات والتكاليف فهي زيادة نعمة عليه جزاء له وتكريماً له، وهذا هدف للناس حيث يسعد العبد سعادة أبدية مع راحته من التكاليف والمشاق، وراجع في أهمية الشكر، وللمزيد عما ذكرنا الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73736، 11554، 60676، 24791، 70399، 56827، 69219.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1428(1/2207)
سهولة الحياة في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال يطرح نفسه - إذا كانت الجنة بها الحياة السهلة وكل شيء مما تشتهون فما الفارق بيننا وبين الأنعام التي لا تفكر ولا تفعل إلا الأكل والشرب والجماع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن الواجب على المسلم الأدب مع الله تعالى ومع رسوله صلى الله عليه وسلم إذ الذي وصف الحياة في الجنة بكونها سهلة ميسرة هو الوحي المنزل من عند الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب على المسلم تصديق ما أخبر الله تعالى به وفقا لما أخبر دون الدخول في شيء من التكلف المذموم، وإنما كانت الجنة كذلك لأنها دار الجزاء على صبر أهلها على ما كلفوا به من ابتلاء في هذه الدنيا، قال تعالى: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا {الإنسان: 12} وقال: وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ {الرعد: 23 ـ 24} فإن كان مع هذا النعيم تكليف وتعب وشقاء لم يكن نعيما خالصا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن أهل الجنة ليسوا في أكل وشرب وجماع فقط بل هم كذلك في ذكر لله تعالى وتسبيح لا على سبيل التكليف بل على سبيل الشكر والتمجيد لهذا المنعم المتفضل، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 60676، والفتوى رقم: 28419، وننبه إلى أنه ينبغي للمسلم الاهتمام بالسؤال عما وراءه عمل فذلك أجدى له وأنفع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(1/2208)
نظر الرجل إلى الحور العين في الجنة وما للمؤمنة من أزواج فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الرجل لما سيرى الحور العين إن شاء الله في الجنة لأول مرة لقوة جمالها سيبقى ينظر إليها 40 عاما حتى تقول له أليس لك رغبة في. وما هو نصيب المرأة في الجنة مثل ما للرجل؟ وهل هي أيضا يمكن أن يكون لها إن شاءت عدة رجال؟. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبخصوص الشق الأول من السؤال فقد روى عبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ضمن حديث طويل: فإذا من الحور العين قاعدة على سرير ملكها فيرى مخ ساقيها من صفاء اللحم والدم فيقول لها: ما أنت. فتقول: أنا من الحور العين من اللاتي خبئن لك، فينظر إليها أربعين سنة لا يرفع بصره عنها، ثم يرفع بصره إلى الغرف فوقه فيرى، فإذا أخرى أجمل منها فتقول: أما آن لنا أن يكون لنا منك نصيب فيرتقي إليها فينظر إليها أربعين سنة لا يصرف بصره عنها.. الحديث، وقد ذكره المنذري في كتابه الترغيب والترهيب، وضعفه الشيخ الألباني في تخريجه لأحاديث هذا الكتاب.
وأما الشق الثاني من السؤال فجوابه أنه ليس للمؤمنة في الجنة إلا زوج واحد.
وقد سبق بيان ذلك بالفتويين: 10579، 16675.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1427(1/2209)
لقاء الأشقاء في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[تم إرسال سؤال محدد لم تتم الإجابة عليه وإحالتنا لفتاوى سابقة ليس لها علاقة به، والسؤال هو: هل يتلاقي الأشقاء في الجنة أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر أن المؤمن يلقى أصدقاءه وأقاربه في الجنة، فقد قال الله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ {الرعد:23} ، قال ابن كثير في تفسيره: أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتناناً من الله وإحساناً من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ. انتهى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مجلز رضي الله عنه في الآية قال: علم الله تعالى أن المؤمن يحب أن يجمع الله تعالى له أهله وشمله في الدنيا، فأحب أن يجمعهم له في الآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1427(1/2210)
الحكمة من كون ثياب أهل الجنة خضرا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يلبس أهل الجنة ثيابا خضرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجاب عن ذلك الألوسي في روح المعاني فقال رحمه الله: لأن الخضرة أحسن الألوان والنفس تنبسط بها أكثر من غيرها، وروي في أثر أنها تزيد في ضوء البصر، وقيل: ثلاثة مذهبة للحزن: الماء والخضرة والوجه الحسن، والظاهر أن لباسهم غير منحصر فيما ذكر إذ لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. وأخرج ابن أبي حاتم عن سليم بن عامر أن الرجل يكسى في الساعة الواحدة سبعين ثوبا، وقيل يحتمل الانحصار ولهم فيها ما تشتهي الأنفس لا يأباه لجواز أنهم لا يشتهون ولا تلذ أعينهم سوى ذلك من الألوان. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(1/2211)
سبعون ألفا بغير حساب وثلاث حثيات
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للسبعين ألفا ومع كل ألف سبعون ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب والثلاث حثيات، سؤالي: هل وصل عدد أمة الإسلام من أيام سيدنا محمد هذا الرقم الكبير حتى يومنا هذا وبالنسبة للثلاث حثيات هل يقصد بها أنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب أم أنهم يخرجهم ربنا من النار بعد أن يدخلوها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدد السبعين ألفاً إذا كان مع كل واحد منهم سبعون ألفاً يساوي (4900.000.000) أربع مليارات وتسعمائة مليون، وهذا العدد يبلغ عدد المسلمين اليوم أكثر من خمسه، فلا يبعد أن يكون عدد المسلمين من عهد الصحابة إلى الآن بلغ أضعاف هذا العدد، والظاهر -والله أعلم- أن الثلاث حثيات المذكورة في حديث الترمذي يدخل أصحابها بغير حساب ولا عذاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(1/2212)
صفة ساق وجذع شجر الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[مم خلق الله سيقان أشجار الجنة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن في الجنة من النعيم المقيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قال الله تعالى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {السجدة:17} وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء.
فقد روى البيهقي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء. صححه الألباني في السلسلة.
وأما عن أشجارها فيقول ابن القيم رحمه الله في النونية:
ولقد أتى خبر بأن الساق من * ذهب رواه الترمذي ببيان
والحديث الذي يشير إليه كما في الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب. صححه الألباني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر.. الحديث نقله صاحب شرح النونية عن ابن المبارك.
وعلى هذا، فأشجار الجنة سيقانها من ذهب وجذوع نخلها من زمرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1427(1/2213)
لا يدخل الجنة إلا مؤمن.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هنالك من أحد دخل الجنة بعمله بغض النظر عن كونه مؤمنا أم لا مثل الشخص الذي دخل الجنة بعد أن سقى كلبا عطشانا ووضع الماء في نعله ليشرب الكلب، أو المرأة التي دخلت النار بعد أن عذبت قطة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون كما ثبتت بذلك النصوص الشرعية، ومنها حديث البخاري ومسلم: لا يدخل الجنة إلا مؤمن.
وأما الرجل المذكور حديثه في الصحيحين الذي سقى الكلب فهو رجل مسلم، فقد ذكر ابن حجر أنه من بني إسرائيل
وأما المرأة التي حبست القطة فلم يذكر في حديثها أنها دخلت الجنة، وقد نقل ابن حجر عن عياض أنها كانت كافرة وأيده ابن حجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1427(1/2214)
هل تكون الأجنبية رفيقة لأجنبي عنها في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الكريم جزاكم الله كل الخير على مساعدة الناس، وهذا الذي دفعني إلى أن أسألك سؤالا غريبا بعض الشيء، أنا أعرف سيدة تكبرني ب 25 عاما وهي غير متزوجة ولم يسبق لها الزواج فماذا أفعل لتكون رفيقتي في الجنة إذا من الله بها علينا، وأقصد بذلك مثل الرجل وزوجته فسيكونون رفقاء، مع العلم أني لا أستطيع الزواج بها لظروف المجتمعات التي نعيش بها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعرف طريقا لذلك سوى الزواج بها كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 2207.
ونحذرك من أن يستدرجك الشيطان إلى الوقوع في بعض ما حرم الله عليك كالنظر إلى الأجنبيات.
وينبغي لك أن لا تشغل نفسك بمثل هذا الأمر، بل ليكن همك دخول الجنة فإن الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الاعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1427(1/2215)
النساء العابدات والحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على ما تبذلونه من مجهود كبير، أرجو منكم الرد على سؤالي الذي أتعبني التفكير فيه
لقد جاءني أخي بشريط عنوانه وصف الجنة وهو لشيخ سلفي معروف جدا عندنا، وفوجئت بأن الشريط يتناول فقط مسألة الحور العين وهذا لا يهمني كفتاة ولكنني قلت سأستمع له وطبعا كالعادة تكلم الشيخ في البداية عن المرأة في الدنيا وكيف أنها قذرة فهي إن لم تستحم تتعفن ويمتليء شعرها بالقمل وهي تحيض وينزل منها تلك القذارة كذلك فهي تقضي حاجتها فهي بشكل عام شيء قذر، بصراحة توقفت عند هذا الحد فكثيرا ما أسمع هذا الكلام من شيوخ آخرين، وبصراحة هو يحزنني فهم يريدون الشاب أن يكره المتبرجة فيجعلوننا جميعا قذرات رغم أن ما يحدث لنا كتبه الله علينا وليس بأيدينا إلى جانب ذلك فهو لا يقول مثلا اتركوا المتبرجة واختاروا الصالحة فهي في الجنة ستكون أجمل من الحور العين لعملها، ولكنه يقول هذا بشكل عام، المهم أني لم أكمل الشريط ولكن أعطيته لأخي وبعدها بفترة أعطيته لأمي وفوجئت بأنها مصدومة ليس للكلام السابق وإنما لكلام أخر فهو في بقية الشريط لم يصف الحور العين بذلك الوصف المعروف فقط وهو جمالها العام وإنما بدا يصف جسدها (حجم ثديها كبير مثلا) ثم بدأ يستطرد فيصف اللقاء الذي بينه وبينها ويتخيل إحساسه وهو يحتضنها وهو يقبلها وكيف تكون اللذة ويضيف مؤثرات صوتية أثناء ذلك مثل يا ولد كل هذا والحضور أغلبه من الشباب غير المتزوج، فهل يصح الوصف بهذه الطريقة وهل يصح التفكير في الجنة بهذه الطريقة الشهوانية وهل يصح أن يسمي أحدهم نفسه في المنتديات مثلا عاشق الحور
أرجوكم أجيبوني بسرعة فأنا حائرة وأحيانا أقول إذا كانت المراة مجرد شيء قذر لم يخلق إلا لمتعة الرجل أو ليقرف منه فلماذا خلقنا الله الله العظيم الرحيم، لا يمكن أن يخلقنا لهذا، فأنا لم أترب على هذا، لقد علمتني أمي أنني خلقت لأمر عظيم وأنني جزء من هذا الكون الكبير له قيمة أغلى من هذا، وقد رأيت بعدها الشيخ عائض القرني في حديث له يقول إن المراة ملاك ويوصي الرجال عليها، وهذا شيخ وذاك شيخ فكيف أوفق بين الاثنين.
آسفة للإطالة؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بعض المشائخ حرصا منهم على استعطاف الشباب وترغيبهم في الآخرة وتزهيدهم في التعلق بشهوات الدنيا قد يبالغ أحدهم أحيانا في بعض الأمور، ومهما يكن من إحساننا الظن ببعض هؤلاء أنهم لا يريدون إلا الخير، ومهما يكن في كلامه من المبالغة ومن الصواب والخطأ، فلتعلم المسلمة العابدة أنها خلقت لعبادة الله تعالى، وليكن أهم الأهداف في حياتها أن يرضى الله عنها، وبرضاه عنها تصلح حالها في الدارين، ولتستشعر أن الله تعالى قد كرمها في الدنيا فجعلها مهيأة للطاعات، وقد فرض على ذويها من الرجال القيام بها والإنفاق عليها ورعايتها بنتا وزوجة، وأما، وأوجب على الأبناء بر الأمهات أكثر مما أوجب عليهم من بر آبائهم، ثم إنها في الآخرة ستكون أفضل من الحور العين نظرا لما قامت به المسلمة العابدة في الدنيا من الأعمال الصالحة كما قدمناه في الفتوى رقم: 33404، فلتهتم المسلمة بما خلقت له، وسيحقق الله لها من الطموحات في الآخرة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وراجعي الفتوى رقم: 58080، والفتوى رقم: 75647.
وأما وصف جمال الحور العين فليس فيه ما يعاب، وإن كان الأولى الاقتصار على ما جاء في نصوص الوحي، وقد ذكر بعض العلماء السابقين صفات الحور العين منهم العلامة ابن القيم رحمه الله في قصيدتيه النونية والميمية، وتفنن في ذكر محاسنهن، وأما تعلق الشباب بالحور العين فلا حرج فيه، لأن الشرع ما ذكر الجزاء الأخروي إلا ليرغب فيه وتطمح النفوس له، وأما كون بعض النساء تحيض فلا عيب في هذا فإنه أمر كتبه الله على بنات حواء لحكمة قضاها سبحانه وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت قبل دخول مكة عام حجة الوداع: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت. متفق عليه.
وأما الأثر الذي يظهر على من لم يواظب على النظافة فليس عيبا خاصا بنساء الدنيا، بل إن الرجال والشباب إن لم يواظبوا على النظافة والطهارة كانوا مستقذرين أيضا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1427(1/2216)
جواب شبهة حول أحوال الرجال والنساء في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة في الخامسة والعشرين، متزوجة وأحب زوجي، وقريباً بإذن الله يرزقنا الله بولد جعله الله قرة عين لنا.. آمين، أحب زوجي وأكره أن تشاركني امرأة أخرى حب زوجي لي، وقد علمت من تفسير الشيخ الشعراوي رحمه الله بأن الله قد أباح تعدد الزوجات لمن يريد ولم يجعله واجباً أو مستحباً فقط، هو حلال لمن يريد وذلك بسبب عدد النساء الذي يزيد عن عدد الرجال في بعض الظروف كالحروب، كما قرأت بأن الإسلام لم يأت بقضية تعدد الزوجات وإنما جاء ليحددها، بدل العدد اللامحدود الذي كان في الجاهلية، إذاً تعدد الزوجات لمن يريد فقط، ولا أريد أن تشاركني امرأة أخرى حب زوجي لي، ومشكلتي هي أنني دائماً أشعر بالحزن الشديد لأنني أعرف بأن الله قد وعد الرجل بزوجات من الحور العين، في الدنيا أكثر ما يحزن المرأة هو أن يتزوج زوجها عليها، لتأتي أخرى تشاركها قلب زوجها، فإذا ضمنت المرأة زوجها في الدنيا وكان محباً لها، لن تضمنه في الآخرة، فقد وعد الله بالحور العين، لماذا يجب على المرأة أن تقبل بمن يشاركها زوجها رغما عنها، ستقولون بأن المرأة سوف تنزع الغيرة من قلبها، فلن تغار من الحور العين، إذاً سوف تقبل المرأة بذلك شاءت أم أبت، أي أنها ستكون مسيرة، كمن ينزع منه عقله فيقبل بكل ما يؤمر به بدون تفكير، لماذا لا يقبل الرجل بزوجة واحدة! إن كان ذلك أنانية منا نحن النساء نحتكر الرجل لنا وحدنا، لماذا لا يكون للمرأة أكثر من زوج في الجنة ينشئهم الله كما ينشئ الحور العين، وبذلك لا يحتكر الرجل زوجته لنفسه فقط، أم أن الرجل له أن يغار أما الزوجة تنزع من قلبها الغيرة، قرأت بأن معظم الرجال مطلبه أكثر من زوجة لذلك يرزقه الله بالحور العين، أما المرأة فمطلبها رجل واحد لذلك ليس لها أكثر من زوج في الآخرة، فإذا كان هذا هو ردكم فإن من مطالب الزوجة أن يكون زوجها لها وحدها، والسؤال هنا هو: لماذا يعطى الرجل ما يريد ولا تحصل المرأة على ما تريد وهو أن يكون زوجها لها وحدها، لماذا تنزع الغيرة من قلب المرأة ولا ينزع حب التعدد وجمع الحسناوات من قلب الرجل، لماذا لا يقبل الرجل بزوجة واحدة، أيجب على المرأة أن تضحي في الدنيا والآخرة لأجل شهوة الرجل، ولا يستطيع الرجل أن يرضى بزوجة واحدة لأجل قلب زوجته.. لماذا!
يقولون بأن المرأة من نساء الدنيا ستكون أفضل من الحور العين، وأنها ستكون سيدة الحور العين، وأن زوجها سيكون محباً لها وأكثر شغلا بها من الحور العين، إذاً ستقبل المرأة بذلك شاءت أم أبت، معنى ذلك: أيتها المرأة اقبلي بالحور العين فأنت أفضل منهن، أي تنازلي عن بعض الامتيازات التي ستعطى للرجل مقابل أن تكوني أجمل من الحور العين، لماذا؟ ألا يستطيع الرجل أن يتنازل عن الحور لأجل زوجته التي كانت معه في الدنيا، التي ضحت لأجله ولأجل أولاده، إذا كان الرجل سيحب زوجته أكثر من الحور العين، لماذا لا يكون هذا الحب لها وحدها، إذا لم تنل المرأة مرادها في الدنيا بأن يكون زوجها حبيبها لها وحدها، لماذا لا تنال ذلك في الآخرة، لماذا تنزع الغيرة من قلبها لترضخ لرغبات الرجل، إذا كان الرجل همه شهوته وزوجة واحدة لا تكفي، فإن المرأة همها قلب زوجها وهي تريده معها طول الوقت، وفي الجنة سيكون معها ومع الحور العين، يعطى الرجل ما يريد ولا تعطى المرأة ما تريد، قد تجيبون على هذه التساؤلات بأن في الجنة ما تشتهيه الأنفس سواء للذكر أو للأنثى، إذا كان هذا جوابكم فإني أشتهي أن يكون زوجي لي وحدي، وأشتهي أن لا يريد زوجي زوجة غيري، فهل سأحصل على ذلك؟ أفيدوني يرحمكم الله ولا تقولوا بأن ذلك وسوسة من الشيطان، ولا تقولوا لا تسألي عن أمور أرادها الله وقدرها، فهذه الأسئلة ستخطر على بالكم لو كنتم مكاننا، تخيلوا أن لزوجتكم أكثر من رجل في الجنة، أو تخيلوا أنفسكم مكاننا، الرجل حين يسمع الآيات التي ورد ذكر الحور العين فيها طار شوقاً للجنة، والله إني كلما سمعتها أشعر بالحزن الشديد وقد أبكي، ولكن وضعت في نفسي أمورا تخفف عني (الله لا يظلم عباده سواء في ذلك الرجل والمرأة- لا يحب الله الرجل أكثر من المرأة- في الجنة ما تشتهيه الأنفس وأنا أشتهي أن يكون زوجي لي وحدي، وأشتهي أن لا يريد زوجي زوجة غيري) ، اسأل الله لزوجي ولي الفردوس الأعلى في الجنة، ولمن صلح من آبائنا وذرياتنا، اللهم أهدنا جميعاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المناسب أن نذكر هذه المقدمة بين يدي الرد على سؤال الأخت، فنقول: إن من أصول عقيدة أهل السنة، أنه لا يجب على الله تعالى لعباده شيء، بل هو سبحانه الفاعل المختار والكبير المتعال، وله أن يأمر عباده بما شاء، وينهاهم عما يشاء، وأن يختار لهم ما شاء، ويعطيهم ما شاء ويمنعهم مما يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، ولا ملزم يلزمه برعاية مصالح عباده كما قال أحدهم:
ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع
ومع هذا فأحكامه وأفعاله كلها جل جلاله لا تخلو عن حكمة بالغة، وعلم واسع، وتنزه عن البغي والظلم، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد ِ {فصلت:46) ، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف:49} ، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {يوسف:6} ، إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم ٌ {البقرة:143} ، ثم نقول للأخت بعد هذه المقدمة التي لعلها تدركها، ولكنها تذهل عنها في غمرة غيرتها الشديدة على زوجها، نقول: إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإن فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وإن لأدنى أهل الجنة مثل الدنيا وعشرة أمثالها، وقد ورد في الحديث عن آخر أهل النار دخولاً الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: ثم يأذن له في دخول الجنة، فيقول: تمن، فيتمنى حتى إذا انقطعت أمنيته، قال الله عز وجل: من كذا وكذا، أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني، قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه، قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله ... الحديث.
فنقول للأخت: ليكن همك دخول الجنة، والنجاة من النار، فإذا دخلت الجنة فإن لك ما تشتهيه نفسك وتقر به عينك، وقد يزيل الله عز وجل عنك ما تجدينه من غيرة وحرص على الاستئثار بزوجك في الجنة، كما أنه يزيل ما في قلوب أهل الجنة من غل وأحقاد إلى غير ذلك من أمراض أهل الدنيا، واعلمي أن ما تتمنينه الآن قد لا يكون هو غاية أمنيتك هناك، وما تقر به عينك وتشتهيه نفسك الآن قد يكون بعكس ما تقر به عينك وتشتهيه نفسك هنالك، فهذه الدار تختلف عن تلك الدار جملة وتفصيلاً، وليس بينهما اشتراك إلا في الأسماء، فما عليك ألا أن تحققي الإيمان بالله تعالى وما يقتضيه ذلك من اعتقاد وقول وعمل، ثم اسألي الله الفردوس الأعلى من الجنة.
وأما ما ذكرت من شبهة حول سبب كون الرجل له حور، وليس للمرأة مثله؟ فما أحسن ما أجاب به الدكتور محمد العوضي عن هذه الشبهة، وإليك نص كلامه قال: ألقيت محاضرة بعنوان (الإسلام والإعاقة البصرية) ، فرحت جداً بتعليقات ومشاركات وتساؤلات المكفوفين حول الموضوع، وكان أطول تعليق لمن كان يجلس معي على المنصة الأستاذ جون الدنماركي، وهو أمين سر الاتحاد العالمي، كفيف لكنه نابه جداً ومرتب الأفكار، وفعلاً يصلح أن يكون ناطقاً باسم المكفوفين، بعد أن شكر المحاضرة وألقى مداخلته، قال: عندي سؤال خارج عالم المكفوفين يخص الإسلام، وكان سؤاله: نلاحظ أن القرآن عندما يتطرق لموضوع نعيم الجنة فإنه يعد الرجال بالنساء والزوجات والجواري، ويعطيهم حقهم بينما لا نجد في المقابل عطاء مماثلاً لإشباع حاجات النساء الغريزية أي أن الرجل يحظى بالنعيم الأوفر، أليس في ذلك تحيزاً؟!
قلت له: يا أستاذ جون، سؤال جميل، ولعلمك أيها الضيف الدنماركي أن رسالتي في الدكتوراه موضوعها قضايا المسلمة وشبهات العلمانيين، فالجواب سهل، إن الله لم يفرق في العطاء الأخروي بين الذكور والإناث من حيث الإجمال، فقد وعد كلا منهما على حد سواء بالمثوبة الكبرى والأجر العظيم.
وأن لهم جميعاً في الجنة ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، الآيات كثيرة منها على سبيل المثال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ. فمن حيث الإجمال، الخطاب والعطاء القرآني واحد، ولكن لماذا عند ما جاء عند الجانب الغريزي فصل القرآن للرجال وأوجز للنساء؟ هنا تأتي المعجزة التربوية، فإنه معلوم من النفس البشرية أن الحب عند الرجل يتمحور بالأفعال، بينما عند المرأة يكمن في المشاعر والملاطفة، فهو غريزة تتبعها عاطفة، أما هي فعاطفة مقدمة على الغريزة، أو كما تقول (بربارا دي انجلس) المختصة في الدراسات الأسرية وصاحبة الكتاب المشهور (أسرار عن الرجل على المرأة معرفتها) ، الحب أفعال عند الرجال وأسرار عند النساء، بل إننا نجد في الشعر إياً كان مصدره عربياً أو أوروبياً قديماً وحديثاً الغزل فيه ينطلق من الرجال تجاه النساء والعكس قليل.
فالرجل يعلن رغبة ويطلب، وجمال المرأة في التمنع والتلطف في الطلب، وحتى نحن عندما نداعب أولادنا نقول: إذا نجحت يا ولدي بنسبة عالية سأزوجك فتاة آية في الحسن، ولكن لا يقول الرجل لابنته إذا تفوقت في الدراسة سأزوجك فحلا من فحول الرجال! ضجت القاعة بالضحك، إنه كما يقول الفيلسوف الألماني نيتشة (الملحد) : المرأة تحقق ذاتها في (هو يريد) والرجل في (أنا أريد) ، وكتاب (جنس الدماغ) لعالمة الوراثة البريطانية آن موير، وكتاب (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة) للأمريكي أشهر علماء الأسرة جون حرية، وكتاب (الذكاء العاطفي) لدانييل جولمان، والبحوث العلمية كلها تؤكد على الفوارق الدقيقة من عواطف الحب والتجاذب بين الجنسين، والبحوث العلمية كلها تؤكد على الفوارق الدقيقة من عواطف الحب والتجاذب بين الجنسين، وإذا كان البشر يراعون في خطابهم هذه الفوارق أفلا يراعيها رب البشر؟!. انتهى.
ثم نحيل الأخت إلى فتاوى لنا سابقة في هذا الموضوع وهي تحت الأرقام التالية: 10579، 61352، 62860.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1427(1/2217)
نساء الدنيا في الجنة أفضل من الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أدعو الله بأني لما أدخل الجنة إن شاء الله، يعوضني الله عن الحور العين الذين سأرزقهم بزوجتي، أي عوضا عن كل الحور العين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نساء الدنيا في الجنة أفضل من الحور العين، وإن الله تعالى يكسو وجوههن نورا ثوابا لما قمن به من عبادة الله تعالى في الدنيا، فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة قلت: يا رسول الله: ولم ذلك؟ قال: بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله تعالى، ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب. رواه الطبراني في الأوسط، وذكره العلامة ابن القيم في كتابيه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وروضة المحبين.
وقد تفضل الله على عباده المؤمنين بالحور العين فقال سبحانه: وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ {الدخان: 54} ولا ينبغي للمسلم أن يسأل الله تعالى أن يمنعه فضله، وقد يكون هذا من الاعتداء في الدعاء، وعليه فالذي ننصحك به أن تسأل الله الجنة وتستعيذ به من النار، ولا تخصص الدعاء بالاقتصار على زوجتك في الدنيا بدلا عن الحور العين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(1/2218)
هل يسبق بلال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى أن بلالا يسبقه في الجنة ?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة، قال ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي. واللفظ للبخاري.
وفي رواية لمسلم: أريت الجنة فرأيت امرأة أبي طلحة ثم سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال. وهذا لا يعني أن بلالا يدخل الجنة قبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن من أنت، فأقول محمد، فيقول بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك. رواه مسلم. فالجنة لا يدخلها أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. قال العيني في عمدة القاري: وأما سبق بلال النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول في هذه الصورة فليس هو من حيث الحقيقة وإنما هو بطريق التمثيل لأن عادته في اليقظة أنه كان يمشي أمامه فلذلك تمثل له في المنام ولا يلزم من ذلك السبق الحقيقي في الدخول. وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قيل مشيه بين يديه صلى الله عليه وسلم على سبيل الخدمة كما جرت العادة بتقدم بعض الخدم بين يدي مخدومه وإنما أخبره عليه الصلاة والسلام بما رآه ليطيب قلبه ويداوم على ذلك العمل ولترغيب السامعين إليه.
وهذا جمع حسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1427(1/2219)
أول من يعطى كتابه بيمينه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أول من يسلم عليه الحق ويأخذ كتابه بيمينه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأمور الآخرة وما يجري فيها من الغيب الذي لا يمكن معرفته إلا بالخبر عنه من الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم نقف على خبر صحيح فيما اطلعنا عليه في هذا الشأن، وغاية ما اطلعنا عليه آثار ضعيفة منها ما ذكره علاء الدين في كنز العمال: أن أول من يعطى كتابه بيمينه أبو سلمة بن عبد الأسد، وأول من يعطى كتابه بشماله أخوه أبو سفيان بن عبد الأسد. ثم قال: رواه الديلمي عن ابن عباس وفيه حبيب بن زريق كاتب مالك.
والأثر الثاني ذكره القرطبي في تفسيره, والشوكاني في الفوائد المجموعة وغيرهما، قال القرطبي نقلا عن ابن عباس: أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل له: فأين أبو بكر؟ فقال: هيهات هيهات!! زفته الملائكة إلى الجنة. ذكره الثعلبي. وقد ذكرناه مرفوعاً من حيث زيد بن ثابت بلفظه ومعناه في كتاب التذكرة. وذكره الخطيب في تاريخه أيضاً وضعفه لضعف عمر بن إبراهيم وكذا قال الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.
إذاً فغاية ما نقل مما اطلعنا عليه هذه الآثار الضعيفة, ولا يمكن الاستناد إليها في إثبات حكم غيبي كهذا، فلا سبيل إلا التوقف، مع التنبيه إلى أن مثل ذلك مما لا تدعو الحاجة إلى معرفته, ولا ينبني عليه عمل, فينبغي للمرء أن يسأل عما يفيده في دنياه أو أخراه، لما ورد في حديث أنس بن مالك المتفق عليه، وفيه: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها. فالسؤال ينبغي أن يكون عما يفيد وينفع؛ لأن كثرة السؤال مذمومة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كره لكم ثلاثا؛ قيل وقال, وإضاعة المال, وكثرة السؤال. متفق عليه واللفظ للبخاري، وحمل أهل العلم ذلك على الأسئلة التي لا تفيد السائل ولا تنفعه في معاشه أو معاده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1427(1/2220)
اجتماع الأزواج في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[اطلعت على العديد من الفتاوى حول أهل الجنة واستفدت من ذلك والحمد لله والشكر لكم على ذلك ولكن الأمر الذي بقي غامضا الآتي:
1-الزوجة في الجنة تكون لزوجها في الدنيا حتى ولو اختلفت مراتبهما كيف ذلك ? الرجاء توضيح هذا الأمر بصفة مدعمة بالحجج من الكتاب والسنة.
2-إذا تزوجت المرأة من رجل عن طريق الغصب وتكون غير محبة له (وهذا موجود بكثرة في الواقع) تكون له في الجنة رغم رفضها وكرهها له في الدنيا?
3- ماذا عن الأبناء والأهل وعلاقاتهم في الجنة?
مع الشكر الجزيل على ما تبذلونه من مجهود يذكر فيشكر لإنارة العقول الشغوفة بالاطلاع على دينهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تزوجت برجل زواجا صحيحا ودخل بها وماتت في عصمته يكرمها الله بالاجتماع به وبأولادها في الجنة إذا دخلوها فيرفع الله درجة من هو أقل شأنا من الأسرة حتى يلحقه بأرفعها درجة تكريما, يبين هذا قول الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ {الطور: الآية21} .
وأما ما كان من الكراهة والتنافر بين الزوجين في الدنيا فإن الله يزيله عنهما في الجنة لأن من تمام تكريم الله لأهل الجنة نزعه ما في صدورهم والتباغض.
وقد سبق أن بينا ذلك وحججه من الكتاب والسنة في الفتاوى التالية أرقامها: 63913، 41602، 54153، 11721، 29906، 19824.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1427(1/2221)
تساؤلات عن أحوال أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي:
كلنا نعرف أن العبادات والفرائض بعد الموت تنقطع يعني أنه في الجنة ليس هناك فرائض ولا عبادات لا على الذكر ولا على الأنثى
لكن السؤال هو:
النساء في الجنة يكن متحجبات أم يكن كاشفات رؤسهن ووجوههن
مثال: لو رأينا السيدة عائشة في الجنة او بعض زوجات الصحابة او زوجات العامة ... هل سيكن كاشفات وجوههن وشعورهن أم يكن محجبات ...
ولو نساء أردن أن يسلمن على رسول الله (نساء مسلمات أجنبيات على رسول الله) فهل يراهم رسول الله بدون حجاب أي بدون خمار أم يراهم ويرى وجوههن وشعر رأسهن والله أعلم سوف يراهن محجبات لكن الحجاب فرض وعبادة وفي الجنة ليس هناك فرض ولا عبادة
فكيف يتم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أمور الآخرة من الغيب ولا سبيل إلى معرفتها إلا بالخبر من الله سبحانه وتعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلم. وذلك لأنها لا تقاس بالأمور الدنيوية وأحكامها. وبناء على ذلك فقد ثبت أن الجنة لا تكليف فيها. ولكن أهلها يلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق -كما أخبر المولى سبحانه بذلك في محكم كتابه- وهذا من تمام الزينة وكمالها لامن باب التكليف, كما أن نساءها قاصرات الطرف لاينظرن إلى غير أزواجهن, وكذلك أزواجهم لايشتهون غيرهن؛ كما بينا في الفتوى رقم: 60075، والنساء يرين النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة كما يراه الرجال. وانظر الفتوى رقم: 29056.
وأما ما عدا ذلك من التفاصيل وكيفية اللقيا فلم يرد, وينبغي للمسلم أن لا يتعب نفسه في البحث عنه, بل يعد العدة له ويعمل له عمله. قال تعالى: ومن أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا {الإسراء: 19} وقال صلى الله عليه وسلم للذي سأله متى الساعة؟ قال له: وماذا أعددت لها؟ رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه, فهذا هو الذي ينبغي أن نسال عنه: ماذا أعددنا للساعة ولدخول الجنة والنجاة من النار والفوز برفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(1/2222)
الرضوان الذي لا يعقبه سخط أبدا
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث القدسي. عن أبي سعيد - رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة: فيقولون لبيك يا ربنا وسعديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطينا مما لم تعط أحدا من خلقك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا، وسؤالي هو هل يمكن أن يسخط الله على أهل الجنة بعد أن دخلوا الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور في السؤال رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو دليل على أن رضوان الله تعالى على أهل الجنة لا يتعقبه سخط أبدا، وهذا عام لأهل الجنة كلهم لأن الحديث الشريف لم يستثن أحدا من أهل الجنة، وهذا بخلاف رضوان الله تعالى في غير الجنة فقد يتعقبه سخط. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الإيمان بعد أن ذكر هذا الحديث: وهذا يدل على أنه في ذلك الوقت حصل لهم هذا الرضوان الذي لا يتعقبه سخط أبدا، ودل على أن غيره من الرضوان قد يتعقبه سخط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1427(1/2223)
هل يتذكر المؤمن معاصيه في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتذكر المؤمن عندما يدخل الجنة التجارب المحزنة التي مر بها في حياته والمعاصي التي تحزنه عندما يفكر بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أمور الآخرة من الأمور الغيبية التي لا يمكن القول فيها بالرأي والتخمين فمردها إلى خبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الكتاب والسنة أن صفو الجنة ونعيمها لا يكدره مكدر قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ {الحجر: 45 ـ 47} وقال سبحانه: لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ {الحجر: 48} وقال سبحانه: وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ {الواقعة: 18 ـ 19} وقال على ألسنة أهل الجنة لما دخلوها: الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ {فاطر: 35} فلا حزن في الجنة ولا هم ولا غم، أخرج ابن كثير في تفسيره من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ــ قال ــ فأما الظالم لنفسه فيحبس حتى يصيبه الهم والحزن ثم يدخل الجنة. انتهى
وأما تذكر المرء فيها لبعض أعماله السيئة في الدنيا فقد ورد من وجه ضعيف ما يفيد أنه يذكر بعضا من ذلك، ففي سنن الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا في حديث طويل في سوق الجنة وفيه: إن الله يقول للعبد: أتذكر كذا وكذا، فيذكر ببعض غدراته، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى.. قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد روى سويد بن عمرو عن الأوزاعي شيئا من هذا الحديث، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة وعلى فرض ثبوته وهو مستبعد جدا، فإن تذكره ليس فيه حزن ولا هم ولا غم لأنه قد غفر له. وقد بينا طرفا من ذلك في الفتوى رقم: 11554.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1427(1/2224)
وصف الحور العين وعددهن لكل مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تصفوا لي الحور العين في الجنة، وكم عددهن لكل مسلم؟ وهل من سبيل لرؤيتهم في الرؤيا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوصف الحور العين يؤخذ منه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد وصفت فيهما بما لا مزيد فيه، وكل واصف لهن لا محيد له عنهما، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في الفتويين التاليتين برقم: 5147، 62696، وقد أبدع العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى حيث يقول في قصيدته الرائعة في وصفهن:
فاسمع صفات عرائس الجنات ... ... ...... ... ... ... ثم اختر لنفسك يا أخا العرفان
حور حسان قد كملن خلائقا ... ... ... ...... ... ... ... ومحاسنا من أجمل النسوان
حتى يحار الطرف في الحسن الذي ... ...... ... ... ... قد ألبست فالطرف كالحيران
ويقول لما أن يشاهد حسنها ... ... ... ...... ... ... ... سبحان معطي الحسن والإحسان
والطرف يشرب من كؤوس جمالها ... ...... ... ... ... فتراه مثل الشارب النشوان
كملت خلائقها وأكمل حسنها ... ... ... ...... ... ... ... كالبدر ليل الست بعد ثمان
والشمس تجري في محاسن وجهها...... ... ... ... والليل تحت ذوائب الأغصان
فتراه يعجب وهو موضع ذلك من ... ...... ... ... ... ليل وشمس كيف يجتمعان
فيقول سبحان الذي ذا صنعه ... ... ...... ... ... ... ... سبحان متقن صنعة الإنسان
لا الليل يدرك شمسها فتغيب عند ... ...... ... ... ... مجيئه حتى الصباح الثاني
والشمس لا تأتي بطرد الليل بل ... ...... ... ... ... يتصاحبان كلاهما أخوان
وكلاهما مرآة صاحبه إذا ... ... ... ...... ... ... ... ما شاء يبصر وجهه يريان
فيرى محاسن وجهه في وجهها ... ...... ... ... ... وترى محاسنها به بعيان
حمر الخدود ثغورهن لآلئ ... ... ... ...... ... ... ... سود العيون فواتر الأجفان
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها ... ... ...... ... ... ... فيضيء سقف القصر بالجدران
ولقد روينا أن برقا ساطعا ... ... ... ...... ... ... ... يبدو فيسأل عنه من بجنان
فيقال هذا ضوء ثغر ضاحك ... ... ...... ... ... ... في الجنة العليا كما تريان
لله لاثم ذلك الثغر الذي ... ... ... ... ...... ... ... ... في لثمه إدراك كل أمان
ريانة الأعطاف من ماء الشباب ... ...... ... ... ... فغصنها بالماء ذو جريان
لما جرى ماء النعيم بغصنها ... ... ...... ... ... حمل الثمار كثيرة الألوان
فالورد والتفاح والرمان في ... ... ...... ... ... غصن تعالى غارس البستان
والقد منها كالقضيب اللدن في ... ...... ... ... ... حسن القوام كأوسط القضبان
في مغرس كالعاج تحسب أنه ... ...... ... ... ... عالي النقا أو واحد الكثبان
لا الظهر يلحقها وليس ثديها ... ...... ... ... بلواحق للبطن أو بدوان
لكنهن كواعب ونواهد ... ... ... ...... ... ... فثديهن كألطف الرمان
والجيد ذو طول وحسن في بيا ... ...... ... ... ... ض واعتدال ليس ذا نكران
يشكو الحلي بعاده فهل مدى ... ...... ... ... الأيام وسواس من الهجران
والمعصمان فإن تشأ شبههما ... ...... ... ... بسبيكتين عليهما كفان
كالزبد لينا في نعومة ملمس ... ...... ... ... أصداف در دورت بوزان
والصدر متسع على بطن لها ... ...... ... ... حفت به خصران ذات ثمان
وعليه أحسن سرة هي مجمع ... ..... ... ... الخصرين قد غارت من الأعكان
حق من العاج استدار وحوله ... ...... ... حبات مسك جل ذو الإتقان
وإذا انحدرت رأيت أمرا هائلا ... ...... ... ما للصفات عليه من سلطان
لا الحيض يغشاه ولا بول ولا ... ...... ... شيء من الآفات في النسوان
... إلخ تلك القصيدة الرائعة وللوقوف عليها كاملة أنظر روضة المحبين له أو شرحها لمحمد بن إبراهيم بن عيسى.
وأما عدد ما يكون للمسلم منهن في الجنة فإن ألفاظ الأحاديث الواردة في ذلك مختلفة فبعضها يذكر اثنين وبعضها يذكر اثنتين وسبعين ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض لكل امرئ منهم زوجتان كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن. رواه البخاري قال المناوي: في رواية اثنتان لتأكيد التكثير، قال الطيبي: ثناه للتكثير نحو {ارجع البصر كرتين} لا للتحديد لخبر أدنى أهل الجنة الذي له ثنتان وسبعون زوجة.. فالعدد للتكثير لا للتحديد كنظائره.
وحاول المباركفوري في تحفة الأحوذي الجمع بين الروايات الواردة في ذلك أيضا فقال نقلا عن القارئ: والتوفيق بينه وبين خبر أدنى أهل الجنة من له اثنتان وسبعون زوجة وثمانون ألف خادم، بأن يقال يكون لكل منهم زوجتان موصوفتان بأن يرى مخ ساقها من ورائها وهذا لا ينافي أن يحصل لكل منهم كثير من الحور العين الغير البالغة إلى هذه الغلية كذا قيل والأظهر أنه تكون له زوجتان من نساء الدنيا وأن أدنى أهل الجنة من له اثنتان وسبعون زوجة في الجملة يعني ثنتين من نساء الدنيا وسبعين من الحور العين. انتهى
وقال الحافظ في الفتح: قوله ولكل واحد منهم زوجتان أي من نساء الدنيا فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة وأن لكل منهم من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال.. قال والذي يظهر أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان، وهذا هو الراجح.
وأما قولك هل يمكن رؤية الحور العين في المنام؟ فالجواب عنه نعم يمكن ذلك وقد أثر عن بعض السلف مثله، إلا أننا لا نعلم سبيلا لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1427(1/2225)
الحور العين لكل من يدخل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[كما نعلم بأن هناك الحور العين في الجنةـ جعلنا الله وإياكم من أهلهاـ ولكن هل كل من يدخل الجنة له اثنتان من الحور العين ولو كان أدنى منزلة في الجنة؟ أم الحور العين هي لأشخاص لهم مراتب عند الله تعالى كالأنبياء والمرسلين والشهداء وغيرهم، الرجاء أفيدونا أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل من يدخل الجنة يزوجه الله تعالى من الحور العين، وليس في الجنة أعزب؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ... وما في الجنة أعزب. رواه مسلم وأحمد.
وروى الدرامي في سننه بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما في الجنة أحد إلا له زوجتان ليرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة، ما فيها من عزب. فليس الحور العين مختصات بفئة من أهل الجنة دون أخرى، وانظر الفتوى رقم: 10953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو الحجة 1426(1/2226)
هذه الأشياء غير موجود عند أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[في الجنة هل يمكن لأحدهم أن يختار تغيير جنسه من ذكر لأنثى أو العكس؟ وهل يمكن تحقيق رغبات ممنوعة في الدنيا مثل اللواط وغيرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس كما نص عليه القرآن، ولا نعلم دليلا صريحا في منع ما جاء في السؤال، ولكن انتكاس الفطرة الذي أحدث في الناس حب هذه الأشياء غير موجود عند أهل الجنة، وبالتالي فلن يوجد هنالك من يرغب في ما تسأل عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1426(1/2227)
غير المبشرين بالجنة هم من أهل الجنة على سبيل العموم
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول ابن حزم رحمه الله تعالى: الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا لقوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح..... إلى قوله تعالى (وكلا وعد الله الحسنى) مع قوله تعالى (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) ، فثبت أنهم موعودون بالجنة ومبعدون عن النار، ولكن كيف يتوافق هذا مع تعيينه صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة أنهم من أهل الجنة، فلو كان كلهم كذلك لم يكن لهذا التقييد من معنى، فما هو الصواب في هذه المسألة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من ثبت بالنص الشرعي، أنه من أهل الجنة على سبيل التعيين شهد له بذلك على سبيل القطع، وذلك كالعشرة المبشرين بالجنة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد رضي الله عن الجميع، وكذا بلال وعبد الله بن سلام، والمرأة التي كانت تصرع، وجعفر بن أبي طالب وغيرهم ممن ثبت بالنص أنه من أهل الجنة.
وأما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الآخرون الذين ماتوا على الإيمان، فنشهد لهم بأنهم من أهل الجنة من حيث العموم، كما قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة:100} ، وقال سبحانه: لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {الحديد:10} .
والفرق بين الأمرين أن الأول ثبت بالنص وهو أقوى دلالة مما أخذ بالاستنباط، إضافة إلى أن دخول عموم الصحابة مبني على الوعد بالثواب على أعمالهم، والوعد لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، كما قال شيخ الإسلام، فلا بد من ابتعاد راجي هذا الثواب من الكبائر الموجبة للدخول في النار، والمواظبة على الأعمال الصالحة المانعة من دخولها، فإن فرط في الطاعات أو قارف المحظورات، فإنه يخاف عليه إن لم يعف الله عنه، فقد يدخل بعضهم النار ليطهر كما حصل في كركرة الذي أخذ الشملة، ثم بعد طهارته سيدخل الجنة إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1426(1/2228)
الطريق الموصل إلى الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن يرضى الله عني وعن والدي وعن أهلي وعن كافة المسلمين. فهل من نصيحة شاملة توجهونها إلى كل مسلم ليكون من أهل الجنة ولا يعذبه الله أبدا وحتى لا ينطبق فينا قول الله تعالى \"الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً\".جزاكم الله خيرا ورضي عنكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوسيلة التي يتعين على المسلم أن يسعى بها لدخول الجنة هي الإيمان بالله والعمل الصالح والبعد عما يسخط الله من شرك ومعاصي وتقصير في الطاعات. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا {الكهف: 107} وفي حديث البخاري: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل من يأبى يا رسول الله قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى.
وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ {المائدة: 72} .
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 12744، 5151، 26534.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1426(1/2229)
ترجى الجنة للمؤمن ولا يقطع له بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإجابة على سؤالي, هل فعلا إذا توفي إنسان تقي مصلي عابد لله فيه صفا ت المسلم الصالح بكل معانيه وذلك بعد صراع شديد مع المرض وثقة وإيمان بالله. هل مثواه الجنة وهل فعلا يعي ويحس بما يحدث لأهله وذويه؟
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم المستقيم إذا مات ترجى له الجنة ولا يقطع له بها؛ كما قال الطحاوي في عقيدته: نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة.
ويرجى كذلك غفران الذنب إذا أصيب بابتلاء وأسقام؛ لما في الحديث: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته. رواه مسلم
هذا.. ولا نعلم شيئاً يفيد أن الميت يحس بما يحدث لأهله بعده؛ بل الظاهر أنه تنقطع علاقته بالدنيا وأهلها. وراجع الفتوى رقم: 18135.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(1/2230)
التائب من الكبائر هل يدخل جنة الفردوس
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: إذا ما أذنب عبد من الذنوب والكبائر والموبقات ما لا يعد ولا يحصى ثم تاب إلى الله وكان صادقا مؤمنا يعمل الصالحات، فهل يدخله الله عز وجل الفردوس الأعلى مع نبينا محمد صلى الله وعليه وسلم حيث السابقون السابقون، وإن كانت الإجابة بلا، فما السبيل إلى ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أذنب وظلم نفسه ثم تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه مهما عمل من الكبائر والذنوب، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
هذا إذا صدق في توبته مع الله عز وجل، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136} ، وأما طريق الفردوس الأعلى وسبيل الوصول إليه فقد بيناه في الفتوى رقم: 5151.
وقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا {الكهف:107} ، قال الطبري: إن الذين صدقوا بالله ورسوله وأقروا بتوحيد الله وما أنزل من كتبه وعملوا بطاعته كانت لهم بساتين الفردوس.
فمن تاب وآمن وعمل الصالحات يرجى له ذلك، والله الموفق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:.... فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة..... رواه البخاري، فينبغي لمن كان ذا همة عالية أن يطمع إلى بلوغ تلك الدرجة بالإيمان والتوبة النصوح والعمل الصالح والدعاء آناء الليل وأطراف النهار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1426(1/2231)
درجات الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعتذر لطرح سؤالي هنا فهو لا يتعلق بالفتاوى ولكن أريد أن أعرف عن درجات الجنة أي شرح مفصل لكل درجة من درجات الجنة؟
وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين منها ما بين السماء والأرض، فقد روى الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس. صححه الألباني.
وفي رواية: إن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم.
وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
وفي كل درجة من هذه الدرجات ومنزلة من هذه المنازل من النعيم المقيم الأبدي ما لا يتصوره العقل ولا يخطر بالبال، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ... ثم قرأ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
وقال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف: 71} .
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتاوى: 21383، 32629، 61088.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(1/2232)
\"بينما ولي الله في الجنة مع زوجته..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[روي عن الحسن رضي الله عنه أنه قال: (بينما ولي الله في الجنة مع زوجته من الحور العين على سرير من ياقوت أحمر وعليه قبة من نور، إذ قال لها: قد اشتقت إلى مشيتك، قال: فتنزل من سرير ياقوت أحمر إلى روضة مرجان أخضر، وينشئ الله عز وجل لها في تلك الروضة طريقين من نور أحدهما نبت الزعفران، والأخر نبت الكافور فتمشي في نبت الزعفران وترجع في نبت الكافور، وتمشي بسبعين ألف لون من الغنج) سؤالي: أود أن أعرف صحة هذه الرواية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أعد الله سبحانه وتعالى لأهل الجنة في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأما هذا الأثر بعينه فلم نقف عليه فيما اطلعنا عليه من كتب السنة ودواوين العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1426(1/2233)
الوعد بدخول الجنة في القرآن للذكور والإناث
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي أجنبية واعتقنت الإسلام برغبتها وتقرأ القرآن وتصلي وتصوم رمضان ولله الحمد وسألتني أن القرآن الكريم يخص بالذكر الرجل في الجنة ولا يخص المرأة وتريد إثباتا من القرآن الكريم وكذلك تقول إنها لم تجد نصا واضحا حول غطاء الرأس. وأرجو المساعدة والله الموفق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثير من الآيات الواردة في الوعد بالجنة هي آيات عامة تشمل الذكور والإناث وليس فيها تخصيص لأحد الجنسين، كما في قوله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ {الرعد: 35} فكل من اتقى الله سبحانه وتعالى يدخل في تلك الآية من الذكور والإناث، وكذلك قوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 133-134} فهذه الصفات كل من اتصف بها دخل في ذلك الوعد، وذلك لأن العرب إذا خاطبت النساء والرجال معا تخاطبهم بصيغة جمع الذكور تغليبا واختصارا. وهذا معلوم. فأنت لما تنادي بناتك وأبناءك معا تناديهم أو تخاطبهم فتقول أنتم افعلوا كذا ولا تقول أنتم وأنتن، وكذلك أسلوب القرآن فإنه نزل بلسان عربي مبين، فالخطاب في مثل تلك الآيات هو للجنسين معا وإن كان بصيغة جمع المذكر تغليبا، وقد ورد التصريح بهما معا في آيات أخرى لنكتة بلاغية لاقتضاء المقام زيادة تنبيه وتوكيد كما في قوله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ {آل عمران: 195} وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {النساء: 124} وقوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ... إلى قوله: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا {الأحزاب: 35}
ومما خص فيه النساء بالذكر قوله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {الملك: 11-12}
على أن النساء يدخلن في كل تلك الجموع وإن كانت بصيغة جمع المذكر من باب التغليب.
وللاستزادة نرجو مراجعة الفتويين:: 38294، 16675.
وأما الأدلة الدالة على وجوب تغطية رأس المرأة فانظرها في الفتاوى التالية: 5561، 29204، كما يجب تغطية الوجه أيضا لما بيناه في الفتويين: 4470، 5224.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(1/2234)
ونزعنا ما في صدورهم من غل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أتمنى أن تجيبوا على سؤالي وهو: هل صحيح أن الزوجة التي تصبر على أذى زوجها يكون خيراً لها وترتفع به درجاتها في الجنة، وهل بعد كل هذا الصبر عليه وتحمل أذاه صحيح أنها تأخذه معها في درجتها في الجنة ويكون زوجها في الجنة أيضا؟ مع شكرى الخالص.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمؤمن الذي يصبر على ما يصيبه من بلاء ومن أذى، سواء كان هذا البلاء والأذى مصدره زوج أو غيره، فإنه ينال على ذلك الصبر أجراً كبيراً وثواباً عظيماً، ورفعة لدرجته في الجنة، وانظري الفتوى رقم: 9297.
والجنة درجات وأهلها متفاوتون في النعمة واللذة، بحسب أعمالهم ودرجاتهم، وقد يكون بين الزوج وزوجته تفاوت عظيم في الدرجة، ولا يعني ذلك أنهما لا يجتمعان، فالدرجة ليست ارتفاعاً في المكان بل زيادة في النعمة واللذة والسرور، والمرأة إذا دخلت الجنة تكون لزوجها في الدنيا إذا دخل معها الجنة، ولا شك أنها ستكون راضية به وسعيدة لأن الجنة دار الرضى والسعادة، وذهاب الإحن والبغضاء، وليس في الجنة إكراه ولا تنغيص فإنها بلاد الأفراح والنعيم المقيم وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وراجعي الفتوى رقم: 27363، والفتوى رقم: 63913.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1426(1/2235)
المسلم العاصي هل يبشر بالجنة عند موته
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن المؤمن يبشر بالجنة عند موته، وفي القبر بعد إجابته على الأسئلة بقوله: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، يرى منزلته في الجنة ويقول ربي أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، فهل المسلم العاصي يبشر بالجنة عند موته كذلك، نأمل التفصيل في هذه المسألة بالأدلة لأنه كثر النقاش فيها بين طلبة العلم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى في بشارة المؤمن بالجنة: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {النحل:32} ، وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ {فصلت:30} ، وقال الله تعالى في تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام: فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ* وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ* فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ* وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ* فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ* وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ {الواقعة} .
وما ذكر في فصلت والواقعة واضح ظاهر في بشرى المؤمن المستقيم، كما أن بشرى المكذب الضال بالنار ظاهر في سورة الواقعة، وما ذكر في سورة النحل واضح في بشارة الطيبين الطاهرين من الذنوب، كما أن بشارة النوع الثاني من أهل الإيمان -وهم أصحاب اليمين- بالسلامة واضح في سورة الواقعة أيضاً.
وهذه السلامة المبشر بها تفيد سلامته من النار أوالعذاب، وقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن بعض العصاة يدخلون النار فترة حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة، كما في الحديث الصحيح.
وقد ذكر ابن القيم في الروح- بعد ذكر عدة بشائر وردت في القرآن الكريم للمؤمنين العاملين مبشرة لهم على أنواع من الأعمال عملوها- قال: وهذا في القرآن كثير مداره على ثلاث قواعد: إيمان وتقوى وعمل خالص لله على موافقة السنة، فأهل هذه الأصوال الثلاثة هم أهل البشرى دون من عداهم من سائر الخلق، وعليها دارت بشارات القرآن والسنة جميعها وهي تجتمع في أصلين: إخلاص في طاعة الله وإحسان إلى خلقه، وضدها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون ...
وظاهر كلام ابن القيم في مدارج السالكين، أن البشرى لا ينالها من العصاة إلا من طيب ومحص بالاستغفار والتوبة الصادقة التامة أو بكثرة الحسنات الماحية للذنوب أو المصائب المكفرة، فإن محصته هذه الأربعة وخلصته كان من الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يبشرونهم بالجنة، وكان من الذين تتنزل عليهم الملائكة عند الموت أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة، وإن لم تف هذه الأربعة بتمحيصه وتطييبه محص في البرزخ بدعاء واستغفار وشفاعة أهل الإيمان الذين يصلون عليه صلاة الجنازة، وبفتنة القبر وما يهديه إليه إخوانه من الأعمال كالتصدق عنه والحج.
فإن لم تف هذه بالتمحيص محص في المحشر بأهوال القيامة وشدة الموقف وشفاعة الشفعاء وعفو الله، فإن لم تف هذه بتمحيصه فلا بد من دخول النار رحمة من الله في حقه حتى يطهر فيها وينقى، فإذا طيب فيها ومحص أخرج منها وأدخل الجنة، وبناء على ما ذكره ابن القيم وعلى ظواهر الآيات فلعل المسلم العاصي الذي لم تغفر ذنوبه ولم تكفر لا تناله البشرى عند الموت، والمسألة من المغيبات لا يمكن الجزم فيها بغير دليل.
وعلى كل منا أن يسعى في تزكية نفسه وطهارتها ويتوب توبة صادقة ويتخلص من حقوق الناس ويستقيم على الطاعة ويكثر من الأعمال الصالحة حتى يموت طاهراً نقياً من الذنوب سالماً مما يؤدي به للعذاب في البرزخ أو الحشر أو النار، وعلينا أن نسعى في دعوة العصاة للإنابة إلى ربهم وتوبتهم له فنحاورهم ونرغبهم ونرهبهم ونراسلهم عبر وسائل الاتصال بالمقروء والمسموع مما يحض على التوبة والإنابة إلى الله، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35391، 62141، 38289، 33697.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(1/2236)
ونزعنا ما في صدورهم من غل
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد راسلت فضيلتك بشأن زوجي الذي يشاهد الصور العارية للنساء ونصحتني بالصبر عليه والتزين والتودد له ونصحه إن أمكن وأن أكون الجانب المضحي والآن لي سؤال بعد 3 أشهر من الاجتهاد لا يزال يشاهد تلك الصور فلي عند حضرتك سؤال إن صبرت المرأة على أذى زوجها فإن ذلك يكون لها خيرا وتدخل به الجنة وترفع به درجاتها في الجنة وإذا لم تتزوج غيره يكون لها هو نفس الزوج الذي عذبها في الدنيا ثم قال لي البعض بأنه تأخذه معها في درجاتها في الجنة إن دخلها فهل هذا صحيح وكيف يرتفع إلى درجتها وهو من عذبها وكان سبب شقائها وبأسها في الدنيا؟ أعذرني قد يكون هذا من تلبيس إبليس ولكن هذا السؤال يراودني من وقت لآخر فليس من قدرة العقل البشري تقبل تلك الفكرة والحياة والاستمرار معها.
ولك جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من عظيم فضل الله تعالى أن المؤمن إذا دخل الجنة، فإن كانت زوجته صالحة فإنها تكون زوجته في الجنة، ويرفع الأدنى منزلة إلى الأعلى منه، منة من الله تعالى وإحساناً، ودليل هذا قول الله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ {الرعد: 23} . وقوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ {الزخرف: 70} .
قال ابن كثير في تفسيره للآية الأولى: أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتناناً من الله وإحساناً من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ {الطور: 21} .
وإذا كان الزوج سيء الخلق مع زوجته في الدنيا، فإن الجنة تختلف أحوالها وأمورها عن أحوال الدنيا، وذلك لأنها دار إكرام وتبجيل، فلا يقع فيها ما ينغص الحياة أبداً، فالله عز وجل يذهب ما في قلوب أهلها من غل وحسد.
فأهلها يدخلون مطهرين من كل شوائب الدنيا قبل أن يلجوها عند القنطرة، كما يدل له حديث أبي سعيد عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.
وليس في هذا -أعني رفع درجة الأقل عملا أوالأدون مرتبة من الأقارب والأزواج إلى مرتبة الأكبر عملاً والأعلى درجة- ما يمنعه العقل ولو كان بينهما سوء تفاهم أو تباغض في الدنيا، لأن هذا كله يزول في الجنة، كما قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ {الحجر: 47} .
والجنة فيها ما تشتهيه الأنفس، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية، فما يفعل بأهل الجنة هو مما تشتهيه أنفسهم في تلك الحال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(1/2237)
يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[مؤمنان قتل كل منهما الأخر ودخلا الجنة؟ فمن هما المؤمنان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل يقصد ما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد.
وأما قتل كل منهما الآخر فلم نقف عليه إلا إذا كان ذلك فيما حصل من القتال بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين شهد لهم القرآن الكريم بأن الله تعالى رضي عنهم، ومن رضي الله عنه فهو في الجنة.
فقد قال الإمام النووي في شرح مسلم عند شرحه لحديث أبي بكرة رضي الله عنه: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار.
قال: واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضوان الله عليهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1426(1/2238)
هل تدخل الحيوانات الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحيوانات العشرالتي سوف تدخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال في الفتوى رقم: 56835
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1426(1/2239)
هل يرى النساء ربهن في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن أهل الجنة درجات، هل يتساوون في رؤية ربهم جميعاً نساء ورجالا أم أن ذلك خاص بالرجال فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه حجاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك. وفي رواية لمسلم عن أبي سعيد الخدري قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما. يعني الشمس والقمر.
وهذا الخطاب موجه إلى الصحابة من غير تعيين الذكور من الإناث، ولو افترضنا أن جميع الحاضرين كانوا رجالاً، فالأصل أن ما خوطب به الرجال يشمل النساء، إلا ما دل الدليل على تخصيصه بأ حد الجنسين، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: في قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ. فإن هذا كله يعم الرجال والنساء. وعليه فإن أهل الجنة سيرون ربهم جميعاً، رجالاً ونساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(1/2240)
السوق التي يأتيها أهل الجنة كل جمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن في الجنة سوقا يذهب إليه أهل الجنة كل يوم جمعة هل هذا السوق للرجال والنساء أم للرجال فقط لأنهم سوف يرون ربهم في هذا اليوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي صحيح مسلم وغيره من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا.
فظاهر هذا الحديث أن الذين يذهبون إلى السوق هم الرجال وحدهم دون النساء. وذلك لأن الحديث ذكر أنهم يرجعون من السوق إلى أهليهم، يعني زوجاتهم، فدل رجوعهم إليهن على أنهن لم يكن يرافقنهم.
ويدل على ذلك أيضا ما ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي، قال: وما فى هذا الحديث من (ازدياد وجوههم حسنا وجمالا) ، لا يقتضى انحصار ذلك فى الريح فإن أزواجهم قد ازدادوا حسنا وجمالا ولم يشركوهم فى الريح ... وعلى هذا فيمكن أن يكون نساؤهم المؤمنات رأين الله فى منازلهن فى الجنة رؤية اقتضت زيادة الحسن والجمال إذا كان السبب هو الرؤية كما جاء مفسرا فى أحاديث أخر. كما أنهم فى الدنيا كان الرجال يروحون إلى المساجد فيتوجهون إلى الله هنالك، والنساء فى بيوتهن يتوجهن إلى الله بصلاة الظهر، والرجال يزدادون نورا فى الدنيا بهذه الصلاة وكذلك النساء يزددن نورا بصلاتهن ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(1/2241)
ما تشتهيه النساء في الجنة يحصلن عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل أقوم بدعوة غير المسلمين للدخول إلى الاسلام ولكنهم دائما يسألونني بعض الأسئلة لا أعرف كيف أجيب عليها فأرجو من سيادتكم أن تجيبوا عليها حتى أستطيع الرد عليهم: يقولون لي إن الجنة في الإسلام للرجال فقط فأي امرأة تتمنى أن تكون هي الزوجة الوحيدة فلماذا جعل الله للرجل70 زوجة - 7- كما أن طبيعة الرجل إذا أحب امرأة لا يحب إلا واحدة فما ذنب الأخريات في الجنة 8-كما أن القرآن أغرى الرجال بما يحبون فذكرت آيات كثيرة تتحدث عن جمال الحور العين ولم تأت آية واحدة تتحدث عن جمال نساء الدنيا إلا في آية تقول إنهن سوف يكن أبكارا فى سن 33 يحببن أزواجهن -9- كما أن من طبيعة الإنسان أنه يتمنى أن من يحبه لا يحب سواه لذلك أغرى الله الرجال بأن أزواجهم سوف يحبونهم وحدهم والدليل (فيهن قاصرات الطرف) والمرأة أيضا تتمنى من تتزوجه لا يحب إلا سواها فلماذا جعل الله للرجل 70 زوجة حاولت أن أقنعهم بأن النساء في الجنة لن تطلب هذه الأماني فقالوا لي معنى ذلك أن الله أعطى للرجل ما يحب وجعل المرأة راضية من أجل الرجال؟ أرجو منكم أن تخبروني بإجابات أقولها لهم؟ حتي يؤمنوا بهذا الدين الحق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن غاية السعادة أن يحصل الإنسان على كل مراده ولا تبقى له حاجة إلا نالها، وهذا الوضع لا يكون حاصلا على وجه صحيح إلا في الجنة، فليس في الجنة طلب تطلبه النساء ولا يحصلن عليه، قال تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ {ق: 35} ، فإذا كانت المرأة في الجنة فإنها ستعيش كامل السعادة وكيف لا تشعر بها وهي سيدة الحور العين، والمشكلة أن الكفار يعيشون حياة بهيمية في الدنيا ويريدون أن ينقلوا هذه الحياة إلى الجنة دار السلام، وهذا انتكاس في العقول وبعد عن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، والله عز وجل لا يسأل عما يفعل، فله سبحانه الحكمة البالغة، وليس للمخلوق أن يعترض على خالقه، وإن أدركت عقولنا حكمة بعض الأحكام فستبقى عاجزة عن إدراك البعض الآخر، فيقال لهؤلاء الذين يعترضون إن الله من أسمائه الحكيم، والحكمة صفة من صفاته الثابتة له على وجه الكمال، فهو منزه سبحانه عن العبث في أفعاله وأقواله، فمن خفي عليه وجه الحكمة في فعل من أفعاله تعالى أو قول من أقواله فليتأمل وجه الحكمة في ذلك، سائلا الله العون والفهم، فإن بلغ عقله فالحمد لله، وإن لم يبلغ عقله العلم بذلك فما عليه إلا التسليم والانقياد للعليم الحكيم.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1426(1/2242)
لكل امرئ زوجتان من الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحور العين لجميع أهل الجنة أم لفئة معينة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لكل رجل من أهل الجنة زوجتين من الحور العين، ففي صحيح البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا تباغض بينهم ولا تحاسد، لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين ... الحديث. ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 60378، والفتوى رقم: 10953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1426(1/2243)
النعيم في دار النعيم
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ ماذا عن كلام العلماء هنا في لبنان لا ينكرون علينا سؤالنا ويبشرونا بأن المرأة لها نعيمان الأول نعيم الأكل والشرب والزينة والنظر والسمع إلى آخر ذلك، والنعيم الثانى وأنا متاكد بانه موجود وهو الحياة الجنسية وقد أكدوا لي ذلك، وقالوا لي أيضا القرآن لم ينزل على الرجال دون النساء والآيات الكريمة تبشر الرجال دون النساء فالكل عند الله سواء فماذا تفعلون حينما تعلمون أن هناك امرأة تعشق الجنة وتراها كثيرا ولا تصدقوا ما تراه من رجال هم أزواجها هناك كانت تتمتع بواحد تلو الآخر في غرف جميلة المنظر وجمال هؤلاء الرجال يفوق الخيال وقد رأت في منامها البشرى بأن لها أزواجا، فلماالاعتراض إذا والله يعلم أن غيرة الرجل تفوق غيرة المرأة وربما لذلك السبب لم يذكر أزواج المرأة في الجنة.
فهل من المستحيل إذا طلبت المرأة وهي في الدنيا بأن يعطيها الله هذا النعيم في الجنة، هل يعطيها نعم أم لا فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم وفقنا الله وإياك لطاعته، ورزقنا وإياك الفوز بنعيمه، أن الجنة وما فيها من الشهوات والملذات هي أمور غيبية لا مجال للاجتهاد والرأي فيها، ولا يصح الحديث عنها إلا بما وردت به النصوص المعصومة. وقد ثبت أن أهل الجنة سيكرمون بأصناف من النعيم فوق ما يتصوره المرء. وسيرضى كل من فيها بما أكرمهم الله به. ومن ذلك ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، فذلك قوله عز وجل: ونُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لأعراف: 43} . واعلم كذلك أن الله تعالى قد قضى أن يتمتع المؤمن في الجنة بأعداد من الحور العين، وأن تكون المؤمنة قاصرة طرفها على زوجها لا تحب غيره ولا تتمنى سواه، كما قال الله تعالى: َ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ {الرحمن: 56} . والذي على المؤمن أن يهتم به دائما هو دخول الجنة لأنها أعلى الأمنيات وأقصى الغايات، وسيصل الإنسان فيها إلى الرضا التام بما قسم له، لا أن يضيع وقته في نقاش أمور قد تم القضاء بها، وليس فيها مجال للرأي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1426(1/2244)
المؤمنة في الجنة لا تتمنى سوى زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للمرأة من أهل الدنيا أزواج في الجنة كأعداد زوجات الرجال من الحور العين فهل ينشئ الله تعالى لنا أزواجا غير الزوج من بنى آدم فالرجل يتزوج من نساء الدنيا وأيضا الحور العين والمرأة من أهل الدنيا تزوج بزوج واحد من أهل الدنيا ولم تجيبونا إن كان لها هناك من ينتظرها مثلا الحواريون
وسبق أن سألت عن هذا السؤال فقال المفتي ينشئ الله تعالى لها حواريين ويبثهم لها بثا فهل يشمل هذا النوع من النعيم قصورها وهل لها خيام هناك في نهر البيدخ أزواج كما للرجال جواري الحور العين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أيتها الأخت الكريمة أن تعتقدي أن الله تعالى عادل لا يظلم، وأنه كريم لطيف ودود.
وقد قضى الله تعالى أن يتمتع المؤمن في الجنة بأعداد من الحور العين، وأن تكون المؤمنة قاصرة طرفها على زوجها لا تحب غيره ولا تتمنى سواه، كما قال الله تعالى: قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ. والمرأة التي لم تتزوج أو كان زوجها من أهل النار، تتزوج في الجنة، ويتحقق لها مع زوجها من النعيم ما لا يخطر على قلب بشر.
وأمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا، فقد تشتهي المرأة في الدنيا أن يكون لها أكثر من رجل، لكن هذه الشهوة المحرمة لا مكان لها في الجنة، بل غاية أنس المرأة هناك وقرة عينها أن يكون لها زوج واحد لا تحب غيره ولا ترضى سواه، وهذا من كمال قدرة الله تعالى وحكمته ولطفه بعباده.
والمسلم في هذه الحياة ينبغي أن يكون همه وسعيه الوصول إلى هذه الجنة، لا الانشغال بمثل هذه الأمور التي لا مجال لتغييرها ولا تبديلها، فإذا أكرمه الله تعالى بدخول جنته فإنه يرى من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهل جنته ورضوانه.
وأما نهر البيدخ فقد ورد أنه نهر في الجنة يغمس فيه الشهداء فتحسن صورهم، كما في مسند الإمام أحمد عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة فربما قال: هل رأى أحد منكم رؤيا، فإذا رأى الرجل رؤيا سأل عنه، فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه إليه، قال: فجاءت امرأة فقالت يا رسول الله: رأيت كأني دخلت الجنة فسمعت بها وجبة ارتجت لها الجنة، فنظرت فإذا قد جيء بفلان بن فلان وفلان بن فلان حتى عدت اثني عشر رجلا وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل ذلك، قالت: فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم. قال: فقيل: اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ أو قال: إلى نهر البيدج قال: فغمسوا فيه، فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر. قال: ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها، وأتى بصحفة أو كلمة نحوها فيها بسرة، فأكلوا منها فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا وأكلت معهم، قال فجاء البشير من تلك السرية فقال: يا رسول الله كان من أمرنا كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان حتى عد الاثني عشر الذين عدتهم المرأة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بالمرأة فجاءت، قال: قصي على هذا رؤياك، فقصت، قال: هو كما قالت.
وعليه، فالظاهر أن كل من يفوز بالشهادة من هذه الأمة يغمسون فيه رجالا كانوا أو نساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1426(1/2245)
أول من يدخل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل، من أول شخص يدخل الجنة ومن أول سيدة تدخل الجنة وهل يوجد حديث صحيح.
وشكراً. ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب على سؤالكم هو. أن أول من يدخل الجنة من الرجال هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة.. صحيح جامع الترمذي ومجمع الزوائد. ولحديث: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول قارع باب الجنة. صحيح مسلم. وعند أصحاب السنن: فأقرع فيقول خازن الجنة من القارع فأقول: محمد رسول الله، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك. وصححه الألباني. وأما أول من يدخلها من النساء فلم نقف عليه من وجه صحيح إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن سيدات نساء أهل الجنة فقال هن " خديجة بنت خويلد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وفاطمة بنت محمد. وقد صح ذلك عنه في صحيح مسلم وغيره. وقد جاءت روايات عند الحاكم أن فاطمة هي أول من يدخل الجنة من النساء إلا أن الذهبي تعقب تلك الروايات وقال بأنها منكرة أي سندا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(1/2246)
الحورالعين وزوجة المؤمن في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[لم لا تغار الزوجة على زوجها من الحور العين في الجنة؟
وإن لم تكن الزوجة تحب زوجها في الدنيا فكيف يصبح آخر زوج_وإن كان مؤمنا_ زوجها في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتوى رقم: 43807، والفتوى رقم: 2207، والفتوى رقم 58080، والفتوى رقم 5147، والفتوى رقم 12994، والفتوى رقم 60378.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1426(1/2247)
الجنة ليست دار ابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد عبادات في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعبادات في الجنة تسبيح وتحميد، ولكن بغير تكليف، لأن الجنة دار جزاء ونعيم، وليست دار ابتلاء، وقد روى مسلم عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون، قالوا: فما بال الطعام؟ قال: جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس، وذلك بيين غاية تنعمهم بذكر الله ومحبته. قال الحافظ في الفتح: ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه، فجعل تنفسهم تسبيحا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره. اهـ.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1426(1/2248)
زوجات المؤمن في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[الله سوف يكرم الرجل في الجنه فسوف يجعل له 74 زوجة 2 من الدنيا و72 من الحور العين يحبونه حبا شديدا بدليل قول الله تعالى (قاصرات الطرف) ، وقوله (على نساء الدنيا) عربا أي تحب زوجها، فهل الرجل أيضا سوف يحب أزواجه في الجنة بنفس هذه الدرجه أم هم للمتعه فقط، (الدليل) .
كما أن الرجل بطبيعته لا يحب غير امرأة أو يفضلها عن الباقي فما ذنب الآخريات (مع العلم بأن في الجنة لا توجد غيرة ولا حقد) ، فلماذا لا يجعل الله لكل امرأة زوجا تكون هي أغلى شيء له في الجنة كما للرجل أزواج يكون لهم أغلى شيء (الدليل) ، الحور العين سوف يكن نصيفات نساء الدنيا فهل المقصود من نصيفاتها أزواج زوجها أم فتيات أخريات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله يكرم أهل الجنة بتحقيق طموحاتهم، لقول الله تعالى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ {النحل:31} ، ولقوله: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف:71} ، ولقوله: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت:31} .
ثم إن الله تعالى ميز الرجال عن النساء ببعض الخصائص فجعل المرأة لا تطمح لغير زوج واحد بخلاف الرجال، وما قدره الله تعالى في خلقه لا يعترض عليه ولا يقال فيه لماذا، فإن الله تعالى لا يسأل عما يفعل، بل الواجب التسليم والرضى بقدره واليقين بأن جميع أقداره لحكمة بالغة.
وأما مسألة تفاوت حب الرجل لأزواجه أو تساويه فهو من الغيب الذي لا يطلع عليه إلا عن طريق الوحي، ولم نعلم في الوحي كلاما حوله، مع العلم بأنه لا يوجد ما يشوش خواطر الزوجات ولا يوجد ما يؤدي بهن للغيرة أو المشاكل كما يقع بين الضرائر في الدنيا.
وأما الحور العين فهن أزواج رجال الجنة، كما قال تعالى: وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ {الدخان:54} ، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54476، 10579، 5147، 12994.
وليكن اهتمامك منصبا على الأعمال المفضية لدخول الجنة والحصول على الدرجات الرفيعة فيها، واشغلي فكرك بتعلم الدين وتعليمه والدعوة إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(1/2249)
من صفات الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد المتحدثين يتكلم عن الحور العين ذكر في حديثه أن رقبة الحور مكتوب عليها اسم الرسول صلى الله عليه وسلم وأن الحور لايتم الزواج بها إلا بعد موافقة ولي أمرها وولي أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم. أفيدونا عن صحه هذا الكلام.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد ذكر الحور العين وبعض صفاتهن في كتاب الله عز وجل وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة، وأن لكل واحد من أهل الجنة زوجتين من الحور العين كما في الصححين وغيرهما، وأما بخصوص ما ذكره السائل الكريم عنهن فإننا لم نقف عليه فيما اطلعنا عليه من المراجع التي بين أيدينا. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 10953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(1/2250)
السيارات في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد سيارات في الجنة، وما شكلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنة فيها جميع ما يشتهيه الناس، لقول الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ {الزخرف:71} ، ولقوله تعالى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ {الفرقان:16} ، ولقوله تعالى: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت:31} .
ولم نسمع في الوحي ما يدل على وجود السيارات المعروفة عندنا في الجنة، ولكن لا مانع أن يكرم الله تعالى من أراد من أهل الجنة بالحصول على ما تمنى من سيارة أو غيرها، لعموم الأدلة السابقة، مع العلم بأن أهم ما يعتنى به هو البحث عن وسائل دخول الجنة والسلامة من النار، وراجع الفتوى رقم: 28419.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(1/2251)
أهل الجنة يستمتعون بزوجاتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن هناك زواجا في الجنة فهل يصبحه الجماع. وإذا كان لا ينتج عنه ذرية فكيف ذلك. وهل يحذف تحريم الزنا عندئذ كما يحذف تحريم الخمر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل الجنة يتمتعون فيها بكل أنواع النعيم المقيم الأبدي بما في ذلك الجماع، كما قال سبحانه وتعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف: 71} . وقد فسر بعض أهل العلم قول الله تعالى إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ {يس: 55} بأنهم في جماع؛ ولكن هذا الجماع لا ينتج عنه حمل ولا ولد، فلا حاجة لأهل الجنة بالأولاد، فلهم في الجنة الولدان المخلدون الذي يقومون بخدمتهم. وقال بعض أهل العلم: إذا اشتهى الشخص الولد ولد له، مع أن نساء الجنة مطهرات من الحيض والنفاس والأقذار؛ كما قال سبحانه وتعالى: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 25}
وأما السؤال عن الزنا في الجنة فلا معنى له، لأن الله تعالى أعد لهم فيها كل ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم، وعندهم قاصرات الطرف والحور المقصورات.. فلا يشتهون شيئا إلا وجدوه بين أيديهم.
وأما خمر الجنة فإنه يختلف عن خمر الدنيا الذي يذهب بالعقول ويسبب الأضرار الجسدية والنفسية. فقد وصف الله عز وجل خمر الجنة بقوله: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (الصافات: 45-47)
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 51468، 51436.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1426(1/2252)
الكواعب الأتراب
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الكواعب الأتراب نساء الدنيا أم الحورالعين، هل المقصود من (قاصرات الطرف) أن النساء في الجنة لا يرون غير أزواجهن من الرجال، هل سوف يكون هناك حجاب في الجنة كما في الدنيا أم أن الحجاب للحور العين فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكواعب الأتراب نساء الجنة من أهل الدنيا، ينشئهن الله تعالى إنشاء بعد ما كن عجائز فانيات، كما قال الله تعالى في شأنهن: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا* عُرُبًا أَتْرَابًا* لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ {الواقعة} ، وروى الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا أنشأناهن إنشاء، كن عجائز في الدنيا عمشا رمصا. وروى الطبراني: أن عجوزا قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز، فولت تبكي، فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز. صححه الألباني في الصحيحة.
وأما قاصرات الطرف، فقال أهل التفسير: إن نساء الجنة لا يرين شيئاً أحسن في أعينهن من أزواجهن، ولهذا يقصرن نظرهن عليهم، لا يبغين غيرهم ولا يطمحن ولا يشتهين سواهم، وأما الحجاب وغيره من التكاليف فمحلها الدنيا التي هي دار ابتلاء وامتحان وعمل، وأما الآخرة فهي دار جزاء، لا تكاليف فيها ولا عمل، وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 5147.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(1/2253)
هل يترك التداوي ليكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنا نريد أن نكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ونزل المرض بأحدنا فهل نترك التداوي توكلا على الله كما جاء في الحديث أرجو بسط الإجابة وشرح الحديث شرحا وافيا
أحسن الله إليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 44593، 31887، 15012، 21343، 9468، 49970. وراجع شرح النووي لصحيح مسلم للتوسع في شرح الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1426(1/2254)
مصير من مات على اليهودية أو النصرانية قبل الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من مات على اليهودية أو النصرانية قبل الإسلام يدخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان متمسكا بالدين الصحيح الذي جاء به الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم ومات قبل البعثة على الدين الصحيح السليم من التحريف فإنه يدخل الجنة إن لم يكن هناك مانع آخر، ويدل لهذا قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {المائدة:69}
وقد ذكر سلمان الفارسي أنه لقي أربعة من النصارى كانوا على الدين الصحيح، وذكر أمرهم للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيهم هذه الآية كما قال ابن كثير في التفسير.
هذا، وننبه إلى أن من بلغته رسالة عيسى من اليهود يجب عليهم الإيمان بعيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام معا، ومن كفر منهم بعيسى فإنه لا يدخل الجنة، لأنه كافر. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا {المائدة: 150-151} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1426(1/2255)
الحكمة في إسكان آدم الجنة قبل هبوطه إلى الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة في إسكان آدم الجنة مع العلم بأن الله خلق آدم ليسكن الأرض هو وذريته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى العزيز الحكيم لا يفعل فعلا إلا لحكمة أرادها، علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولعل من الحكمة في ذلك هو إظهار عداوة إبليس لآدم الذي حسده في بداية الأمر وامتنع من السجود له عندما أمره الله تعالى أن يسجد مع الملائكة، فعداوة إبليس قديمة، ولهذا حذرنا الله تعالى منه، فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6} .
ولعل من ذلك إظهار الضعف البشري أمام الشهوات والتكاليف الشرعية، وأن التوبة تمحو ما قبلها، فعندما وقع آدم وحواء في الخطأ ألهمهما الله تعالى التوبة والدعاء فقالا: قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الأعراف:23} ، وقال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {البقرة:37} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1425(1/2256)
ما ينبغي أن يشغل بال المؤمن ليدخل الجنة مع من يحب.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب زوجي حبا أعمى وأغار عليه غيرة عمياء ... وعندما قرأت عن الحور العين, أصابني حزن شديد بأن هناك من سيشاركني فيه على العلم بأنني قرأت أنه لن توجد كراهية وبغضاء ...
هل هو شرط أساسي أن يكون له في الجنة نساء من الحور العين؟ وهل يجامعهن؟ وهل سيجامعني أم سيكتفي بهن؟ وأين سيقضي معظم وقته؟ وإن كان لا يرغب بهن ولا بمعاشرتهن, فهل يسمح له رب العباد بما يريد؟ أتمنى أن أكون معه أينما يكون, مثلما أنا معه في الدنيا, فهل سنكون هكذا في الجنة بإذن الله؟ وكيف ستكون علاقتي بزوجي بالرغم من أنه يحبني حبا شديدا ...
وهل سأملك المواصفات الجسدية التي يملكنها من شفافية الساق وبياضها, أم هي ميزات يمتزن بها هن فقط؟
أرجوكم أفيدوني بأجوبة شافية جزاكم الله عني خير الجزاء ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأهلها كلهم يجدون من النعيم ما لا يخطر لهم في الدنيا على بال، كما قال تعالى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {السجدة: 17} . وكما قال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف: 71} . فالجميع يجدون من النعيم المقيم الأبدي ما لا يشتهون بعده شيئا، ومن ذلك نزع الشحناء والبغضاء والكراهية والغيرة من قلوبهم، كما قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا {الحجر: 47} .
فلا داعي للقلق والتخوف مما يجري في الجنة، فستجدين فيها ما تشتهين من الزوج وكل أنواع النعيم، وإنما يكون الخوف قبل ذلك، وهو ما ينبغي أن يشغل بال المؤمن ويعمل لأجله حتى يدخل الجنة مع زوجه ومع من يحب.
ونساء الدنيا أفضل من نساء الجنة بسبب عبادتهن في الدنيا، ومما يستأنس له بهذا ما رواه الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله: نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة، قلت يا رسول الله: وبم ذلك؟ قال: بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن لله تعالى، ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير، بيض الألوان خضر الثياب صفر الحلي، مجامرهن الدرر وأمشاطهن الذهب، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، وطوبى لمن كان لنا وكنا له. قلت: يا رسول الله؛ المرأة منا تتزوج زوجين أو ثلاثة أو أربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها؟ قال: يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا، فتقول: يا رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه، يا أم سلمة: ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم في "حادي الأرواح" بعد ذكره لهذا الحديث: تفرد به سليمان ابن كريمة، ضعفه أبو حاتم، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير.
نسأل الله تعالى أن يجمعنا وجميع المؤمنين في جنته.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 12994.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1425(1/2257)
ثبوت الجنة بالوحي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن أن نستدل على وجود الجنة دون أن نستعمل القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجود الجنة ونعيمها هو من المغيبات التي لا مجال للعقل فيها، وإنما تثبت بنصوص الوحي من القرآن الكريم والسنة المطهرة الشريفة. قال الله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ {محمد: 15} . وقال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ {القمر: 54} . وأخرج الطبراني بسند قوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أدنى أهل الجنة درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة.
واعلم أن الاستدلال على وجود الجنة بالسنة لا يخرج عن كونه استدلالا عليها بالقرآن، لأن الله تعالى يقول: وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر: 7} ويقول: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم: 3-4} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(1/2258)
هل المخطوبان يكونان لبعضهما إذا دخلا الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الجزاء لما تقدموه من فائدة وعلم للمسلمين
والله يا شيخ أريد أن أسأل إذا كان شاب يريد الزواج من فتاة وعاقد العزم والأمل ومتوكل على الله ويريد الزواج منها وكان أهل الشاب عارفين بالأمر وموافقين عليه ولكن إذا جاءت البلية والمصيبة أن يفرق الموت بين الشاب والفتاة أي يموت الشاب أو تموت الفتاة....بإحدى أنواع الوفيات فهل تكون الفتاة من نصيبه بالجنة إذا ما لم تتزوج من غيره بعد وفاته؟
وهل يكون الشاب هو من نصيب الفتاه في الجنة ما لم يتزوج من غيرها؟
أرجو الإجابة بالتفصيل وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه خلق الجنة للمؤمنين وأعد لهم فيها من كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت: 31} . وقال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ {الزخرف: 71} .وملأها من جميع الخيرات وأودعها من النعيم والحبرة والسرور والبهجة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ولذلك على المؤمن أن يكون همه هو الوسيلة التي توصله إلى الجنة وتجعله من الفائزين بها من الطاعات والصالحات، فلا يحتاج أن يفكر هل ما فاته في الدنيا سيلقاه في الجنة، فإنه يتحقق له كل أمانيه وزيادة على ذلك.
ففي حديث أبي هريرة الطويل الذي أخرجه البخاري وغيره وفيه: ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل النار فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها، فيقول هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول: لا وعزتك، فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلقك، فيقول فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسأل غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك يا بن آدم ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت، فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله عز وجل منه، ثم يأذن له في دخول الجنة، فيقول: تمن، فيتمنى حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله عز وجل: من كذا وكذا، أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني، قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه. قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله، قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله: لك ذلك ومثله معه، قال أبو سعيد: إني سمعته يقول ذلك: لك وعشرة أمثاله
أما بخصوص ما سألت عنه فالوارد هو أن الزوجين في الدنيا من أهل الجنة يكونان كذلك في الجنة هذا إذا لم تتزوج المرأة أكثر من زوج في الدنيا، فإن كان لها أكثر من زوج فإنها تكون لآخرهم لحديث: المرأة لآخر أزواجها
ولم يرد في المخطوبين شيء حسب علمنا.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(1/2259)
الجنة التي كان فيها آدم وحواء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجنة التي كان فيها سيدنا آدم هي الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين وإن لم تكن هي فما تلك الجنة وإن كانت هي الجنه التي وعد الله بها عباده المؤمنين كيف دخلها إبليس وهي محرمة عليه، ونشكركم لحسن استماعكم لسؤالنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم من السلف والخلف في الجنة التي كان فيها آدم وحواء.. وخرجا منها هل في السماء أو في الأرض؟ فالجمهور أنها في السماء وأنها جنة الخلد التي أعدها الله تعالى دار كرامة لأوليائه في الآخرة. وذهب آخرون إلى أنها لم تكن جنة الخلد؛ وإنما هي جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء وامتحان في هذه الأرض. قال ابن كثير في قصص الأنبياء: واختلفوا في ذلك على قولين: أحدهما: أنها في السماء، وأنهما أهبطا منها.. وهذا قول الحسن ... والثاني: أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها وهذا قول ابن يحيى، وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم.. والله أعلم بالصواب.
وقد ناقش ابن كثير الاعتراضات الواردة على كلا القولين ورجح قول الجمهور لأدلة لا يتسع المقام لذكرها تجدها في التفسير وقصص الأنبياء. ولذا نرجو أن تطلع على عليها كما نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 24506.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1425(1/2260)
جزاء من مات لا يشرك الله شيئا
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أتدري ما حق الله على العباد أن لا يشركوا به شيئا ثم قال أتدري ما حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا
وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل هذه المقولة فقال له أبو ذر يا رسول الله وإن زنى وإن سرق فقال عليه الصلاة والسلام وإن زنى وإن سرق.. الحديث والسؤال هو لماذا إذا يعذب عصاة المسلمين الذين لم يشركوا بالله شيئا وهل إذا أشرك العبد بالله شركا أصغر ثم تاب ومات من غير أن يشرك بالله شيئا بعد التوبة هل يكون من الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل بالنجاة من عذاب الله. أجارنا الله وإياكم من الشرك ومن العذاب
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على حديث بالرواية التي ذكرها الأخ الكريم في سؤاله، ولعله جمع بين حديثين مرويين في الموضوع المسؤول عنه. ففي الصحيحين أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير، قال: فقال: يا معاذ: أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. قال: قلت: يا رسول الله: أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلون.
والحديث الثاني هو في الصحيحين أيضا عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت، وإن زنى وإن سرق! قال: وإن زنى وإن سرق.
فلم يرد في الحديث الأول عبارة: وإن زنى وإن سرق. وورد فيه نفي العذاب عمن مات لا يشرك بالله شيئا، وهذا الحديث وما كان في معناه من الأحاديث الأخرى التي ورد فيها نفي العذاب عمن مات لا يشرك بالله شيئا قد اختلف أهل العلم في تفسيره، مع إجماع أهل السنة على أن من مات من أهل الذنوب من غير توبة، في مشيئة الله. قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: فحكي عن جماعة من السلف رحمهم الله منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي. وقال بعضهم: هي مجملة تحتاج إلى شرح ومعناه: من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها. وهذا قول الحسن البصري. وقيل: إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك. وهذا قول البخاري. وهذه التأويلات إنما هي إذا حملت الأحاديث على ظاهرها. وأما إذا نزلت منازلها فلا يشكل تأويلها على ما بينه المحققون. فنقرر أولا أن مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين أن أهل الذنوب في مشيئة الله تعالى، وأن كل من مات على الإيمان وتشهد مخلصا من قلبه بالشهادتين فإنه يدخل الجنة، فإن كان تائبا أو سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة ربه وحرم على النار بالجملة ... اهـ.
وأما الحديث الثاني، فوردت فيه عبارة "وإن زنى وإن سرق" ولم يرد فيه نفي العذاب، فإنما فيه: أن من مات لا يشرك الله شيئا دخل الجنة، وقد يكون ذلك بعد أن يعذب جزاء ما ارتكبه من المعاصي، وقد يكون دخول الجنة من غير أن يسبق بعذاب كما بيناه.
والحاصل أن العصاة من المؤمنين قد يعذبون جزاء ما اكتسبوا من الآثام، وقد لا يعذبون إذا لم يكن لهم ذنوب، أو أنهم تابوا منها قبل الموت، أو أن الله تفضل عليهم بمغفرتها من غير توبة، وكل ذلك يجوز في حقه تعالى، وليس فيه تعارض مع النصوص الواردة في الموضوع.
ومن مات من غير أن يشرك بالله شيئا وكان قد تاب من ذنوبه فقد يكون من المبشرين بالنجاة من العذاب في الحديث المذكور، وقد لا يكون إذا لم يخلص في توبته أو وقع في شيء من موانع قبول التوبة، وهذه أمور غيبية، لا يستطاع الجزم بما سيكون عليه الإنسان منها.
والواجب هو البعد عن الشرك وعن سائر الآثام والتوبة مما حصل منها والإخلاص في ذلك، فإذا فعل العبد جميع ذلك كان مرجوا له أن ينجو من عذاب الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(1/2261)
هل يدخل كلب أهل الكهف وحمار عزير الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: سمعنا منذ فترة من إحدى المدرسات في المساجد أن كلب أهل الكهف وحمار عزير عليه السلام يدخلان الجنة معهم وقد سبب هذا الكلام استهجاناً حيث لم نسمع به من قبل ومعروف مصير الحيوانات يوم القيامة، ما مدى صحة كلامها هذا وما هو الدليل, وهل يوجد أثر بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم دليلا يثبت دخول حمار عزير وكلب أصحاب الكهف للجنة، فلا ندري هل ما يقول بعض الناس مأخوذ من الإسرائيليات أم ماذا. ومن المعلوم أن أمر الجنة غيب، لا يمكن الحكم على ثبوت من يدخلها إلا بدليل من الوحي.
وقد ورد في حديث الصور أن الدواب يقال لها يوم القيامة كوني ترابا كما ذكر المفسرون في سورة النبأ، وكما سبق في الفتوى رقم: 48988، والفتوى رقم: 23195، والفتوى رقم: 24868.
فإخراج بعضها من هذا العموم يحتاج لدليل ولا دليل، فيما نعلم. فالقول إذاً بأن كلب أهل الكهف وحمار عزير يدخلان الجنة قول يحتاج إلى دليل يثبته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(1/2262)
شروط دخول النساء الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن شروط دخول المرأة الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النساء شقائق الرجال، لا فرق بينهما في وجوب امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، فمن أطاع الله تعالى واجتنب نواهيه دخل الجنة. قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل: 97} . وقال تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ {آل عمران: 196} .
وفي صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت الجنة من أي باب شاءت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1425(1/2263)
النساء أكثر من الرجال في الجنة والنار
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في إحدي تسجيلات الشيخ عمر عبد الكافي عن الدار الآخرة أن النساء أكثر في النار من الرجال وأيضاً، قال إنهن أكثر في الجنة من الرجال، لم أستمع للإجابة كيف ذلك أفيدونا أفادكم الله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سمعته من الشيخ صحيح، وقد دلت النصوص على أن النساء أكثر من الرجال في كل من النار والجنة، فأما كثرتهن على الرجال في النار، فقد وردت صريحة فيما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنه، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ورأيت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء ... الحديث.
وأما كثرتهن على الرجال في الجنة، فقد استنبطت من مروي الشيخين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث في وصف أول زمرة تدخل الجنة: ... ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وقد نص النووي وغيره على أن هاتين الزوجتين من الإنس وليستا من الحور ...
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً في صفة أدنى أهل الجنة منزلة قال: وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا. ولأبي يعلى عن أبي هريرة مرفوعاً: فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم.
ولا يخلو بعض هذه الأحاديث من كلام في سندها، وعلى تقدير ضعفها وأن ما في حديث الشيخين خاص بأول زمرة تدخل الجنة، تكون كثرة النساء على الرجال في الجنة هي باعتبار الحور العين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(1/2264)
ليس في الجنة أعزب
[السُّؤَالُ]
ـ[للرجل في الجنة حور عين فما للمرأة؟ وهل ستشتهي المرأة رجلا كانت تحبه في الدنيا ولم تتزوجه وتتزوجه في الجنة؟ وهل سيكون الحرام في الدنيا حلالا في الجنة؟ هل يمكن لأي رجل أن يجامع أي امرأة من نساء الدنيا تمناها؟ وهل للنساء ذلك أيضا؟ وإن كان هذا كذلك ألا توجد غيرة في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله أعد للمؤمنين من التكريم في الجنة ما يشبع رغباتهم ويحقق لهم طموحاتهم وشهواتهم، قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت: 31} . وقال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ {الزخرف: 71} . ولم نطلع على ما يمنع من أن تتزوج المرأة رجلا كانت تحبه في الدنيا ثم ماتت ولم تتزوج منه. وأما إذا كانت تزوجت زوجا في الدنيا ومات وهي في عصمته فإنها تكون زوجا له في الجنة. وإن تزوجت عدة أزواج فإنها تكون لاخرهم. لما في الحديث: المرأة لآخر أزواجها. ولا مانع كذلك أن يزوج الله رجلا من أهل الجنة بامرأة كان يحبها في الدنيا. وأما سؤالك هل سيكون الحرام في الدنيا حلالا، فإن الجنة ليس فيها شيء محرم ولكن الفوضى والشيوعية الجنسية الشائعة في هذا العصر غير موجودة، فإن الجنة ليس فيها أعزب كما في حديث مسلم فكل أهلها متزوجون وكلهم يحب زوجه، وأما الرجال فيعطيهم الله من فضله من عدد الزوجات ما شاءوا، وأما النساء فإنهن قاصرات الطرف على أزواجهن لا يبغين غيرهم ولا يطمحن ولا يشتهين سواهم لعفتهن واكتفائهن بالأزواج، فقد فسر ابن عباس قوله تعالى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ {الصافات: 48} . بأنهن قصرن الطرف على أزواجهن فلا يردن غيرهم، وفي رواية عنه: لا يرين غيرهم والله ما هن متبرجات ولا متطلعات. وراجع تفسير الطبري والدر المنثور عند تفسير قوله تعالى: قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 19824، 41602، 50491، 26953، 16600، 10579، 2369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(1/2265)
هل يمارس المؤمن حياته الطبيعية مع زوجه وأولاده في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يرى المسلم أمه وأباه وزوجته وأولاده وكل ما يخصه في الجنة، وهل يمارس حياته الطبيعية معهم كما كان يمارسها في الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الله تعالى أن العبد يدخل الجنة ويدخل معه أهله المؤمنون الصالحون، فقال تعالى: أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ {الرعد:22-23} ، وقال في الآية الآخرى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ {الزخرف:70} ، وقال في دعاء الملائكة للمؤمنين: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {غافر:8} ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ {الطور:21} ، وقال في صفة أهل الجنة: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ {الحجر:47} ، وقال في وصف الجنة: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت:31} ، وراجع في ممارسته للحياة الطبيعية معهم الفتوى رقم: 28376.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(1/2266)
أهل الجنة لهم ما يشتهون من أنواع اللحوم وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى في سورة الواقعة (ولحم طير مما يشتهون) لماذا خص الله سبحانه وتعالى الطير فقط في هذه الآية هل لسبب، أفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يكرم أهل الجنة بما يشتهون من اللحوم وغيرها قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {فصلت:31} ، وقال تعالى: يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف:71} ، وقد ذكر تعالى في بعض الآيات أنه يكرمهم باللحم ولم يقيد جنس اللحم، فقال: وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ {الطور:22} ، ونص في هذه الآية على لحم الطير.
وقد ذكر ابن عاشور في تفسيرها: أن لحم الطير هو أرفع اللحوم وأشهاها وأعزها، ويحتمل أن يكون ذلك هو السبب لتخصيصه بالذكر في هذه الآية.
وقد ثبت في الحديث ما يفيد وجود الغنم في الجنة، كما في الحديث: الشاة من دواب الجنة. رواه ابن ماجه وقال الشيخ الألباني: صحيح، وقال المناوي في فيض القدير عند شرحه لهذا الحديث: الشاة من دواب الجنة. أي: أن الجنة فيها شياه، وقد ثبت في الصحيحين أنهم يأكلون لحم البقر والسمك، فقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بإدامهم قال: بلى. قال: إدامهم بالام ونون. قالوا: ما هذا؟ قال: ثور ونون يأكل من زيادتهما سبعون ألفا.
قال النووي: أما النون فهو الحوت باتفاق العلماء، وأما بالام فبباء موحدة مفتوحة وتخفيف اللام وميم مرفوعة غير منونة والصحيح في معناها أنها لفظة عبرانية معناها ثور.
وقد قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: وإذا جاز أن يكون في الجنة لحم جاز أن يكون فيها معزى وضأن وإذا جاز أن يكون فيها طير يؤكل جاز أن يكون فيها نعم يؤكل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(1/2267)
أفضل نساء الجنة أربع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف معلومات مختصرة عن السيدات الأربع المبشرات بدخول الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النساء المبشرات بالجنة كثير، ولكن أفضلهن أربع، ذكرن في حديث المسند والطبراني: أفضل نساء الجنة أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة ابنة محمد، وآسية ابنة مزاحم. وقال الهيثمي رجالهما رجال الصحيح، ووافقه الأرناؤوط.
وقد سبق ذكر بعض حياة خديجة وفاطمة ومريم في الفتاوى التالية أرقامها: 26774، 16239، 18203، 20660، 35852.
وراجع في حياة آسية تفسير ابن كثير والبغوي عند آية التحريم، وهما موجودان على الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(1/2268)
لا تكون المرأة في الجنة لمن خطبها ولم يتزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد مات خطيبي قبل شهر بحادث سيارة مؤلم وأتمنى عليكم أن لا تأخذوا سؤالي هذا بأنه كلام تافه فأنا فتاة جامعية ومتدينة وذكية وعمري26 أي أنني لست صغيرة وأسال أسئلة طفولية أنا أسأل لو أجبرت من قبل أمي أو أبي على الزواج برجل آخر علما أنني أرفض أن أتزوج إلا بخطيبي رحمه الله الذي كان ليكون زوجي بعد أشهر قليلة لو تزوجت برجل آخر مجبورة على ذلك فهل هذا يعني أنني سأكون له زوجة في الجنة أيضا حسب حديث نبيينا محمد عليه صلوات الله وسلم بأن المرأة تكون لآخر أزواجها في الجنة؟؟؟
وإن كنت لا أريد أن أكون إلا لغيره ولكن إكراما لأمي وأبي أتزوج بأي رجل من بعد خطيبي فكيف يكون زواجي هذا صحيحا؟؟
أنا والحمد لله أتوق إلى الجنة وأعمل ما في وسعي ليحبني ربي ويرضى عني
ولكن فكرة أن أكون لغير لرجل الوحيد الذي أحببته في كل حياتي ووافقت على الزواج به تحيرني حتى في صلاتي ودعائي أسأل الله وأقول يا ربي ما أفعل؟؟
أرجوكم أنا أتوق لسماع الرد والفتوى في هذا الموضوع وكيف تكون المرأة لآخر أزواجها وأحيانا الأرملة تكون تحب زوجها كثيرا ولا تريد غيره ولكنها تكون مضطرة للزواج بآخر من أجل أطفالها أو ما شابه
جزاكم الله كل خير
أختكم تيم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يزيل وحشتك ويأجرك في مصيبتك. واعلمي أنك إذا كنت تريدين الجنة حقا فارضي بقضاء الله وقدره، والرجل الذي أحببته أكبر درجة من الحب إذا كان توفي فلا سبيل إلى أن يكون زوجا لك، ثم لا ينبغي للإنسان أن يحب هذه الدرجة من الحب، وأفضل الأمور أوسطها. روى الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا: أحبب حبيبك هونا ما ...
والمرأة تكون لآخر أزواجها في الجنة –كما ذكرت- مع أن الموضوع مختلف فيه، ولكنها لا تكون لمن خطبها ولم يتزوجها، وراجعي في هذا فتوانا رقم: 19824.
وليس من حق أبيك أو أمك أن يجبراك على الزواج ممن لا ترضين بالزواج منه، لما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وإذنها صماتها. وفي حديث آخر: لا تنكح البكر حتى تستأذن. متفق عليه، وإذا أجبراك على الزواج فأنت بالخيار، فإذا قبلت ما فعلاه إكراما لهما أو لأي غرض آخر فالنكاح ثابت ولا شيء فيه، وإن لم ترضي فلك أن تفسخيه عند القضاء الشرعي، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 44474.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1425(1/2269)
النفس تحب الفأل والبشارة
[السُّؤَالُ]
ـ[يافضيلة الشيخ حدث لي شيء غريب عندما توفي والدي رحمه الله عندي جارة أجنبية _أمريكانية) قامت بواجب العزاء وقالت لي\"He is in the best place\"ومن يومها لم أعد أبكي عندما أتذكره أو يذكره عندي أحد. فما تفسير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحكم على معين بجنة أو نار موقوف على ماثبت في حقه نص من القرآن أو السنة، ولكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، وانظر الفتوى رقم: 4625 فإن فيها مزيد بيان، وأما كونك لم تعد تبكي بعد كلام المرأة الأمريكية فإنه عائد إلى استبشارك به، والنفس تحب الفأل والبشارة. والذي نظنه أن الكلمة التي فاهت بها هي من عبارات التعزية في مجتمعهم، وننصحك بكثرة الاستغفار لأبيك والدعاء له وبره بعد وفاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(1/2270)
أول من يدخل الجنة بعد أبي بكر رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال وأرجو أن تساعدوني، الرسول صلى الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة ومن بعده الأنبياء ثم أبوبكر الصديق أريد أن أعرف من هم الاثنان بعد أبي بكر الصديق؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا النوع من الأخبار من المغيبات التي لا بد في إثباتها من نص صحيح، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد أتبع في هذا الحديث عمر وعثمان لأبي بكر رضي الله عنهم جميعاً، ثم ذكر باقي العشرة، ولكن الواو ليست نصا في الترتيب، وقد ثبت في الصحيحين أنه بشر أبا بكر وعمر وعثمان بدخول الجنة لما أتوه عند بئر أريس، وقد جاء في بعض الآثار التي لا تخلو من ضعف أن عمر يشارك أبا بكر في أولية الدخول في الجنة.
وهذا يفيد لو صح أن عمر ثاني من يدخل الجنة بعد الأنبياء، ففي الأثر: أول من يدخل الجنة من هذه الأمة أبو بكر وعمر. رواه العقيلي وابن عساكر والديلمي، وضعفه العقيلي وابن عساكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1425(1/2271)
مصيبة فقد الأولاد من أسباب دخول الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ولدت طفلاً توفي بعد أسبوع نتيجة لتشوه في القلب ثم ولدت طفلاً آخر وهو على قيد الحياة والحمد لله ثم وضعت طفلة اختنقت أثناء الولادة بالحبل السري وتوفيت بعد 3 أسابيع (وكنت قد حلمت قبل شهر من ولادتها بأني وضعت طفلة ثم أصابها مكروه ولم ألمسها بيدي وهذا ما حدث بالفعل) أصبت بالحزن الشديد وحمدت الله على ما أعطاني لدي سؤلان:
الأول: هل صحيح أن من يتوفى له طفلان رضيعان يشفعان له يوم القيامة ويدخلانه الجنة ويسقيانه من الماء؟.
السؤال الثاني: قلن لي النساء الكبار في السن إنه علي قطع ما يعرف (بالتابعة) هل ألجأ إلى هذه الأمور أم أرضى بما يقسمه الله علي؟
بارك الله فيكم أرجو أن تجيبوني على سؤاليّ ولكم مني كل الاحترام والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو الله أن يثيبك ويكثر لك الأجر بما حصل لك من موت ولدك وبنتك، وقد صح فعلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصائب في الأولاد سبب لدخول الجنة. روى الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة وعظه صلى الله عليه وسلم للنساء قال لهن فيما يقول: ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار، فقالت امرأة: واثنين؟ قال: واثنين.
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة.
وراجعي الفتويين رقم: 14321، ورقم: 3499.
وفيما يتعلق بالتابعة، فإنه تصوير من الشيطان يريد به أن يصد الناس عن الصراط المستقيم، فلا تصغي إلى ما تقوله تلك النساء عنها، وقد كنا من قبل بينا حقيقة التابعة والواجب على المسلم حيالها، فراجعي فيه فتوانا رقم: 37362.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1425(1/2272)
هل تكون شهوة للولد في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سألتكم عن الإنجاب فقلتم لا إنجاب في الجنة ولكن ما رأيكم بهذا الكلام
المولودون في الجنة
وإذا شتهى أحد من أهل الجنة الولد (الإنجاب) أعطاه الله برحمته كما يشاء وهذه رحمة لمن حرم الإنجاب في الدنيا ولمن يحرمها أيضا إذا شاء.
(لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) (الزمر:34)
قال صلى الله علية وسلم (إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان حمله , ووضعه , وسنه \" أي نموه إلى السن الذي يرغبه المؤمن \" في ساعة كما يشتهي)
هل هذا الكلام صحيح..أم أنه ضعيف وغير وارد عن الرسول ...
وشكرا لخدماتكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن في الجنة من النعيم المقيم الأبدي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرأوا إن شئتم: [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] . رواه الترمذي وأصحاب السنن.
وقد أخبرنا الله عز وجل في محكم كتابه عن نعيم الجنة بقوله تعالى: [وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] (الزخرف: 71) . وقال تعالى: [لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (قّ:35) .
فإذا كان الشخص من أهل الجنة يشتهي الولد فلا شك أنه سيحصل عليه كما دلت على ذلك نصوص الوحي، ولكن هل تكون هناك شهوة للولد؟ جاء في بعض روايات الحديث أن المؤمن لا يشتهي الولد هناك.
والحديث الذي أشار له السائل الكريم رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن بألفاظ مختلفة، وحسنه الترمذي وصححه الألباني، ولفظه كما في الترمذي: المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي. ثم قال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: في الجنة جماع ولا يكون ولد، قاله طاووس ومجاهد والنخعي. وقال محمد يعني البخاري في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة واحدة كما يشتهي، ولكن لا يشتهي. قال محمد البخاري: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد. وليس في رواية الإمام أحمد: ولكن لا يشتهي.
والحاصل أن الظاهر هو أنه لا مانع شرعا ولا عقلا من حصول الولد والإنجاب لمن يشتهيه؛ كما قال تعالى: [لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا] (قّ: 35) . وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتشتهي الطير في الجنة فيخر بين يديك مشويا. رواه أحمد والنسائي من حديث ابن مسعود. ولكن الظاهر أيضا أن هذه حالة استثنائية، فأغلب أهل الجنة لا يشتهون الولد، وراجع الجواب رقم: 51436.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1425(1/2273)
خلق الله الحور العين وخبأهن لأوليائه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النساء والحور العين الموجودات في الجنة للزواج؟ أم للحب؟ أم للمتعة؟ وهل نساء وحور الجنة يكون لهم أوقات شهوة للجماع وأوقات لا؟ أم لهم طول الوقت؟ وهل يتمتع الشخص عند الجماع مع نساء الجنة؟ وهل هم يتمتعان عند الجماع معك؟ أم هم لمتعتك فقط؟ وهل للمرأة رجال كثيرون في الجنة مثل ما للرجل من نساء كثيرات؟
... ... ... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما الحور العين فإن الله خلقهن وخبأهن لأوليائه كما ثبت في الحديث أنهن يغنين بذلك، ففي الحديث: إن الحور في الجنة يغنين يقلن نحن الحور الحسان هدينا لأزواج كرام. رواه البيهقي والطبراني، وفي رواية: خبئنا لأزواج كرام. عزاها السيوطي في الجامع لسمويه، وصحح الروايتين الألباني.
وقد ثبت في الحديث أنه: ما في الجنة أعزب كما في رواية مسلم، وبناء عليه؛ فإن جميع النساء فيها متزوجات، وثبت أنهم يتمتعون فيما بينهم كما شاءوا، قال الله تعالى: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ* هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ [سورة يس:55-56] ، قال ابن عباس وغيره في تفسير قول الله تعالى: فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ أي: في افتضاض الأبكار.
وقد ذكر المفسرون في تفسير الواقعة، ويس، والرحمن كثيراً من الآثار في متعتهم فليراجعها من أراد التوسع، وهذه المتعة يشترك فيها الجنسان، كما في حديث البزار عن أبي هريرة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم هل يمس أهل الجنة أزواجهم، فقال: نعم بذكر لا يمل وفرج لا يجفى وشهوة لا تنقطع.
وراجع للمزيد من الفائدة في الموضوع، وفي كون النساء لا يتعدد أزواجهن، الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24057، 41602، 16675، 2369، 10579، 12994، 2207، 16840، 28376.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(1/2274)
خلقة أهل الجنة وأخلاقهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جسم الرجل وأخلاقه في الجنة ستكون مثل آدم من ناحية الجسم والطول والأخلاق وكل شيء؟ والأنثى مثل حواء ماعدا الشكل. أود توضيح الأمر لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أحوال الناس في الجنة تدخل في أمور الغيب التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي.
وأهم ما تتعين العناية به أن نعمل الصالحات حتى ندخل الجنة فنرى نعيمها ... وحال أهلها.
وقد ثبت في الأحاديث أن صورة الناس في الجنة على صورة أبيهم آدم، كما في حديث الصحيحين: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، وذكر العيني في شرح البخاري: أنهم يكونون على صورة آدم في الحسن والجمال والطول.
ولم نعثر على تفصيل بين خلقة النساء والرجال في المراجع.
وأما من ناحية الأخلاق فإن أهل الجنة على أعلى مستوى من الأخلاق، فقد ثبت في حديث الصحيحين: أن أخلاقهم على خلق رجل واحد، وقال النووي في شرح مسلم: أنه روي في الصحيحين على خلق رجل واحد، وأن الرواة رواه بعضهم على خلق بضم الخاء واللام، ورواه بعضهم بفتح الخاء واسكان اللام وكلاهما صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(1/2275)
لا إنجاب في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك إنجاب في الجنة، أي هل هناك أطفال تولد من الزوجات أو الحور العين في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنة ليس فيها إنجاب ولا ولادة.... ونساؤها مطهرات من كل أذى وقذى وريبة، قال الله تعالى في وصف بعض نعيم أهل الجنة: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] ، قال أهل التفسير: أزواج مطهرة" من البول والغائط والحيض والحمل والنفاس ... والأذى والأدناس والريب والمكاره ...
وأهل الجنة يطوف عليهم الوالدان بالخدمة ولا يحتاجون إلى أولاد أو خدم، كما قال الله تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا [الإنسان:19] .هذا هو الأصل وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا مانع من وجود الولد عند من يشتهيه مستلا بأدلة عامة وأخرى خاصة تجدها في الجواب رقم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(1/2276)
تلتحق الذرية بالآباء إذا دخل الجميع الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[2- هل نلتقي مع آبائنا في الجنّة (اللهم اجعلنا من أهلها أجمعين) وهل يكون هذا الشعور الدنيوي بلقاء من نحب في الآخرة هو ما يشغل تفكيرنا؟ وهل يكون للأب أبناء في الأخرة غير أبناء الدنيا؟؟
جزاكم الله عن المسلمين كل الخير.. أيمن فريد ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لقد ثبت أن الذرية تلتحق بالآباء إذا دخل الجميع الجنة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [سورة الطور: 21] . وليس يلزم من هذا اللقاء أن يكون هو الشغل الشاغل لتفكير الجميع، فإن في الجنة من النعيم والملذات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وليس لأهل الجنة من الأبناء إلا ما كان عندهم من قبل، لأن الجنة ليست محلا للنفاس، فهي مطهرة عن كل ما يستقذر، روى الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك، وهو عند أحمد في مسنده عن أبي رزين العقيلي حديثا طويلا وفيه: الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(1/2277)
المرأة تكون لزوجها في الجنة إذا دخل معها
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحدهم. . هناك شخصان متعارفان ليسا من أسرة واحدة.. ذكر وأنثى.. تحابا في الله.. كلاهما لم ير الآخر.. ولكنهما أخبراني رأي كل منهما للآخر.. وهما تقيان والحمدلله.. لكن ظروفهما الاجتماعية تحول بينهما.. فوضا أمرهما لله.. السؤال: هل يمكن الاثنان إن كانا من أهل الجنة بإذن الله.. أن يلتقيا في الجنة؟
أظن هناك حديث ينص على شيء من هذا؟
أجيبونا جزاكم الله خيراً كثيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي جاءت به الأخبار الصحيحة هو أن المرأة في الجنة تكون لزوجها في الدنيا إذا دخل معها الجنة، وإن تعدد أزواجها فإنها تكون للأخير منهم، وقيل تكون لأحسنهم خلقا، وراجع في هذا فتوانا رقم: 2207.
وأما الشخصان اللذان لم يتزوجا في الدنيا فالثابت من أمرهما أنهما إن كانا من أهل الجنة فسيجد كل منهما أعلى مما يتصور الآن، لأن الجنة قد قال الله تعالى عنها: [وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] (الزخرف: 71) وقال تعالى: [لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ] (ق: 35) .
وأما عن التقائهما في الجنة فإن أمر ذلك إلى الله، ونحن لم نقف على شيء فيه، وينبغي للمسلم أن لا يشغل نفسه بما لا ينتفع به من الأسئلة، وقد كان السلف الصالح يكرهون السؤال عما لا يترتب عليه عمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(1/2278)
حال مؤمني الجن في الجنة كحال مؤمني الإنس
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون حال المؤمنين من الجن في الجنة؟ وكيف يكون نعيمهم؟ وهل بينهم وبين الإنس في الجنة مقابلات وزيارات ومحادثات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حال المؤمنين من الجن في الجنة كحال إخوانهم المؤمنين من الإنس فيها على قول الجمهور القائلين بدخول الجن الجنة.
فهم جميعا في النعيم المقيم الأبدي الذي لايتصوره عقل ولا يخطر على قلب
قال الله تعالى: [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] (السجدة:17)
وهذا الخطاب في أهل الجنة عامة (الجن والإنس)
كما قال تعالى مخاطبا للثقلين، الإنس والجن: [وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ] (الرحمن:46)
وبخصوص الصلة بينهم وبين الإنس في الجنة فإن نصوص الوحي من القرآن والسنة لم تحدثنا بشيء في هذا الموضوع ولم نقف فيما اطلعنا عليه على قول لأحد من أهل العلم يبين ذلك
والمسلم يتوقف في الأمور الغيبية عندما جاء في الوحي ولو كان في ذلك فائدة لنا لذكره الله تعالى في كتابه
أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد حدثتنا نصوص الوحي عن الصلة واللقاءات والزيارات والأحاديث الودية بين أهل الجنة عموما، ولم يذكر في شيء من ذلك ما سألت عنه إثباتا أو نفيا.
يقول الله تعالى في صفات بعض نعيم أهل الجنة: [وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ*وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ*قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ*فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ] (الطور: 24 ـ 27)
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 18484.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1425(1/2279)
الجنة لا يوجد فيها ليل ولا نهار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد في الجنة ليل ونهار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجنة لا يوجد فيها ليل ولا نهار وإنماهي نور دائم، قال الله تعالى مخبرا عن حال أهل الجنة: [مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً* وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً] (الانسان:14)
ولمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 27567.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1425(1/2280)
النصوص الشرعية تثبت رؤية الله؛ لا رؤية نوره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يرى أهل الجنة ربهم بصورة كاملة أو يتجلى لهم ربهم بنور فلا يرون إلا هذا النور]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا خلاف بين أهل السنة والجماعة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة، لا أنهم يرون نوره جل جلاله، فقد جاءت النصوص الشرعية بإثبات رؤية الله لا رؤية نوره، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 2426.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(1/2281)
أهل الجنة لا يموتون ولا ينامون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينام أهل الجنة في الجنة؟ وما الدليل على ذلك؟
والمقصود هنا بالنوم هو النوم العادي أي ليس من التعب
فالشخص ليس بالضرورة أن ينام من التعب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأهل الجنة لا ينامون مطلقاً لا من تعب ولا من غير تعب، فقد أخرج البزار والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في "البعث" بسند صحيح كما قال السيوطي عن جابر رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ قال: لا النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا يموتون ولا ينامون.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(1/2282)
تنال الجنة بتقوى الله والعمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن الدعاء مستجاب ولكن في الوقت الذي يريده الله سبحانه وتعالى
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:\" من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه \".
ولكن يعطى السائل الشهادة في الوقت الذي يريده الله.
وأعلم أنه مكتوب في كتاب الدعاء المستجاب من الحديث والكتاب ما يلي:\" من قرأ الخمس آيات الأواخر من سورة الكهف عند يومه بعثه الله أي الليل شاء \".
ولكن يبعث القارئ في الليلة التي يريدها الله سبحانه وتعالى.
والسؤال هو:
هل توجد وسيلة في الدين الإسلامي يفعلها المسلم أو يقولها فينتقل إلى الجنة في الوقت الذي يريده المسلم في نومه في الدنيا صبحها في الجنة وإن وجدت فما هي؟ وسيلة غير وسيلة الاستشهاد في المعركة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك وسيلة يفعلها المسلم أو يقولها فينتقل إلى الجنة في الوقت الذي يريده، ولكن الجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح والثبات على هذا الدين حتى يتوفاه الله مع تفضل الله تعالى بها، كما قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] (آل عمران: 102) .
وقال تعالى: [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ] (النحل: 99) .
فالحاصل أن تقوى الله والعمل الصالح هو الوسيلة لدخول الجنة في الوقت الذي يختار الله العبد لمجاورته ولقائه، وليس في الوقت الذي يريده العبد.
قال تعالى: [فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] (الأعراف: 34) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1425(1/2283)
هل توجد وسيلة ليدخل المرء الجنة في الوقت الذي يريد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد وسيلة قي الإسلام يفعلها المسلم أو يقولها فينتقل إلى الجنة في الوقت الذي يريده، بدون ذكر الاستشهاد في المعركة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدخول الجنة التي هي دار الكرامة للمطيعين من عباد الله تعالى منزلة رفيعة لا تنال بالتمني ولا بالتشهي، بل بالعمل الصالح بعد تفضل الله تعالى بقبوله.
فقد قال تعالى: [وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] (الزخرف:72) .
قال ابن كثير: أي أعمالكم كانت سببا لشمول رحمة الله إياكم فإنه لا يُدْخل أحدا عملُه الجنة، ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحة. انتهى.
وفي سنن الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة. صححه الشيخ الألباني.
ثم إنه لا توجد وسيلة ينتقل بها المسلم إلى الجنة في الوقت الذي يشاء لأمرين:
الأمر الأول: كون خروج الإنسان من الدنيا ليس بإرادته واختياره، بل عندما ينقضي أجله الذي قدره الله تعالى والإنسان ما زال جنينا في بطن أمه.
الأمر الثاني: أن الإنسان لا يمكن له الجزم بكونه من أهل الجنة لعجزه عن ذلك، فإن الخواتيم بيد الله تعالى.
ففي الحديث المتفق عليه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة.
وهذا لفظ البخاري.
وراجع الفتوى رقم: 10116.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(1/2284)
تفاوت أهل الجنة في الدرجات لا يمنع تزاورهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت أن أرواح المؤمنين تتزاور في حياة البرزخ
وقرأت أيضا أن الذين في الدرجات العليا هم الذين ينزلون ولكن إخوانهم من الدرجات الدنيا لا يستطيعون أن يصعدوا لرؤية إخوانهم ,, فهل هذا ينطبق على رؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد المؤمنون من الدرجات الدنيا أو العليا أن يزوروه وهو في الرفيق الأعلى من الجنة وهي أعلى منزلة في الجنة؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأرواح لها تصرفات بعد الموت لا يعلم كنهها إلا الله، وقد دلت بعض النصوص على شيء من هذه التصرفات، كما بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24989، 15281، 14369، 14368.
وما ذكرته من نزول أهل الدرجات العليا لزيارة أهل الدرجات الدنيا لم نجد ما يدل عليه من القرآن أو السنة، لكن الوارد هو أن أهل الجنة لا يشعرون بهذه الفروق، وقد نزع الله من قلوبهم الحسد والبغضاء فقال تعالى: [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ] (الحجر:47) . وقال: [وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ] . (الطور: 25-28) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض. رواه البخاري.
بل ثبت في السنة أن أهل الجنة الذين هم في درجة أدنى من إخوانهم يرون من فوقهم دون أن يؤثر ذلك في نفوسهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة ليتراءون في الغرفة كما تتراءون الكوكب الشرقي أو الكوكب الغربي الغارب في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات، فقالوا يا رسول الله: أولئك النبيون؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده أقوام آمنوا بالله ورسوله وصدقوا المرسلين. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح، وصححه الألباني.
أما عن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقد قال الله تعالى: [وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً] (النساء:69) .
فقد دلت هذه الآية على أن من أراد أن يكون مع هؤلاء فليلزم طاعة الله ورسوله، قال القرطبي رحمه الله: أي هم معهم في درجة واحدة ونعيم واحد، يستمتعون برؤيتهم والحضور معهم، لا أنهم يساوونهم في الدرجة، فإنهم يتفاوتون، لكنهم يتزاورون للاتباع في الدنيا والاقتداء، وكل من فيها قد رُزق الرضا بحاله، وقد ذهب عنه اعتقاد أنه مفضول. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1425(1/2285)
الجنان الأربع في سورة الرحمن
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في سورة الواقعة ذكر صنفان من أهل الجنة الصنف الأول وهم المقربون (السابقون) والصنف الثاني وهم اصحاب اليمين فأيهم أعلى درجة من الآخر وما الفرق بينهما؟
وأيضا بسورة الرحمن ذكر صنفان من أصحاب الجنة فأيهم أعلى درجة وما الفرق بينهما؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقربون أعلى درجة عند الله تعالى من أصحاب اليمين، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: فأما إن كان المحتضر من المقربين وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات فروح وريحان وجنة ونعيم، أي فلهم روح وريحان، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت. انتهى.
وقال أيضاً: أصحاب اليمين هم الأبرار كما قال ميمون بن مهران أصحاب اليمين منزلتهم دون المقربين. انتهى.
والصنفان المذكوران في سورة الرحمن اختلف فيهما علماء التفسير على قولين:
القول الأول: أنهما المقربون وأصحاب اليمين، قال القرطبي في تفسيره: وقال ابن جريج: هي أربع، جنتان منها للسابقين المقربين فيهما من كل فاكهة زوجان وعينان تجريان، وجنتان لأصحاب اليمين فيهما فاكهة ونخل ورمان، وفيهما عينان نضاختان، وقال ابن زيد: إن الأوليين من ذهب للمقربين، والأخريين من ورِق لأصحاب اليمين.
قلتُ: إلى هذا ذهب الحليمي أبو عبد الله الحسن بن الحسين في كتاب منهاج الدين، واحتج بما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (الرحمن:46) إلى قوله: مُدْهَامَّتَانِ (الرحمن:64) ، قال: تانك للمقربين، وهاتان لأصحاب اليمين. انتهى.
القول الثاني: أنهما صنفان من أهل الجنة متفاوتان في الخشية والخوف من الله تعالى، قال القرطبي أيضاً: فإن قيل: كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين؟.
قيل: الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى، والجنتان الأخريان لمن قصرت حاله في الخوف من الله تعالى. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1425(1/2286)
مسمى الجنة واحد وصفاتها متباينة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن اسماء الجنة الواردة في القرآن هي أسماء لدرجات الجنة. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الجنة هي جنات كثيرة لا جنة واحدة، وأن الجنة درجات كثيرة، وإنما الخلاف هل ما ورد من الأسماء كالحسنى وعدن والمأوى وغيرها من الأسماء المذكورة في الفتوى رقم: 14529، هل هي جنات مختلفة أم هي أوصاف لتلك الجنات.
الذي رجحه ابن القيم رحمه الله تعالى أنها أوصاف لجنة واحدة.
قال رحمه الله تعالى في "حادي الأرواح": ولها عدة أسماء باعتبار صفاتها، ومسماها واحد باعتبار الذات، فهي مترادفة من هذا الوجه، وتختلف باعتبار الصفات، فهي متباينة من هذا الوجه.
وقال المناوي في "فيض القدير": وقال الزمخشري: الجنة اسم لدار الثواب كلها، وهي مشتملة على جنات كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاق العاملين، لكل طبقة منهم جنة منها، قال ابن القيم: ولها سبعة عشر اسما وكثرة الأسماء آية شرف المسمى، أولها هذا اللفظ العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم، والبهجة والسرور، وقرة العين، ثم دار السلام: أي السلامة من كل بلية، ودار الله، ودار الخلد ودار الإقامة، وجنة المأوى، وجنة عدن، والفردوس، وهو يطلق تارة على جميع الجنان، وأخرى على أعلاها، وجنة النعيم، والمقام الأمين، ومقعد صدق، وقدم صدق، وغير ذلك مما ورد به القرآن. اهـ.
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى في تفسيره: والجنات البساتين، وإنما سميت جنات لأنها تجن ما فيها، أي تستره بشجرها، وهو اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(1/2287)
سبب تشبيه عرض الجنة بعرض السموات والأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم الرد على سؤالي هذا لماذا أقسم الله بعرض الأرض وليس بطولها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أن الله أقسم بعرض الأرض، والذي ورد هو تشبيه عرض الجنة بعرض السموات والأرض، وسبب التشبيه كما قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: ونبه تعالى بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض، والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض. قال الزهري: إنما وصف عرضها. فأما طولها فلا يعلمه إلا الله ... وتقول العرب: بلاد عريضة، وفلاة عريضة، أي واسعة، قال الشاعر:
كأن بلاد الله وهي عريضة ... ... على الخائف المطلوب كفة حابل
وقال قوم: الكلام جار على مقطع العرب من الاستعارة، فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السموات والأرض، كما تقول للرجل: هذا بحر، ولشخص كبير من الحيوان: هذا جبل. ولم تقصد الآية تحديد العرض، ولكن أراد بذلك أنها أوسع شيء رأيتموه. اهـ
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: قال ابن قتيبة أراد بالعرض السعة ولم يرد العرض الذي يخالف الطول، والعرب تقول بلاد عريضة أي واسعة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمنهزمين يوم أحد: لقد ذهبتم فيها عريضة ... قال: وأصل هذا من العرض الذي هو خلاف الطول، وإذا عرض الشيء اتسع وإذا لم يعرض ضاق ودق. اهـ
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(1/2288)
أول زمرة يدخلون الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
السؤال / من هم الذين يدخلون الجنة أولا زمرة القائمين الليل أم زمرة الكاظمين الغيظ
وشكرا
وفقكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في صفة أول زمرة تدخل الجنة أنهم الذين يحمدون الله في السراء والضراء، أخرجه ابن أبي شيبة من قول سعيد بن جبير، وفي مستدرك الحاكم بسند صحيح كما قال الحاكم ووافقه الذهبي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قال: الله ورسوله أعلم، فقال: المهاجرون يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون فيقول لهم الخزنة: أو قد حوسبتم؟ فيقولون: بأي شيء نحاسب وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك، قال: فيفتح لهم فيقيلون فيها أربعين عاما قبل أن يدخلها الناس.
وجاء بإسناد فيه نظر كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى الصلوات الخمس في جماعة جاز على الصراط كالبرق اللامع في أول زمرة من السابقين.
ولم نقف على وصف أول زمرة بأنهم الكاظمين أو القائمين الليل.
والله أعلم. ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1425(1/2289)
ولدان الجنة يرادون للخدمة لا غير
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق حميم جداً وهو ملتزم ومحافظ على الصلوات والعبادات وفعل الخيرات، وهو إنسان متدين جداً ودائماً يتكلم عن نعيم الجنة وأوصافها ومنها الحور العين والولدان المخلدون، المشكلة أن لديه فهم عن إحدى هذه النعم وهي عن الآية الكريمة (ويطوف عليهم ولدان مخلدون) ، فدائماً ما يحدثني عن تفسيرها، فهو كما يقول قد سأل واستفسر عنها في الإنترنت وبعض المشايخ وكانت ردودهم مختلفة ومتباينة، ولكن الأخطر من ذلك هو ما قاله لي عن بعض هذه الفتاوى حينما قال إن هؤلاء الولدان المخلدون يستطيع المسلم أن يمتع نظره بهم، بل وزاد في انحرافه حينما قال إنه يمكن للمسلم في الجنة أن يتمتع بهؤلاء الولدان جنسيا (والعياذ بالله) ، فنصحته بأن يتوب إلى الله من هذا الكفر ولكنه يصر على صحة فكره ذلك مستدلاً ببعض الفتاوى غير المعروفة المصدر، فوجهوني كيف لي أن أقنعه بأن يعدل عن فكرة ذلك وإن يتوب من ذلك الفكر فأخاف أن يموت وهو على ذلك الفكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد امتلأت كتب السنة والفقه من ذم اللواط واعتباره من أقذر الفواحش، فهل يعقل مع هذا أن يجعل في الجنة التي هي دار الكرامة وأعلى درجات السعادة، لقد أخطأ صديقك فهم الآية خطأ فاحشاً وليعد إلى كتب التفسير فلن يجد منها واحداً يؤيد ما ذهب إليه، وليس حسن هؤلاء الولدان إلا زيادة في تكريم أهل الجنة، وهم إنما يرادون للخدمة لا غير، قال ابن كثير في تفسيره: ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم، كل خادم على عمل ما عليه صاحبه. 4/856.
والمرء صاحب الملك من أهل الدنيا يحب أن يكون خدمه في أحسن صورة، ومع ذلك فإن من أشد القذارة أن يفكر في الاستمتاع بهم جنسياً، فكيف بأهل الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(1/2290)
المحسن ترجى له الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال أهم من كل شيء فقدت أعز إنسان في حياتي وأريد أن قول لكم إنه والله لا يوجد مثله في الحياة لا أحد بأخلاقه أو جماله أريد أن أطمئن أنه في الجنة الرجاء أخذ الموضوع بأهمية وجد كان خدوما جدا لا يرفض طلب أحد وهو يموت خاف على أهله، كان يفكك في قنبلة وظنها فارغة وعندما كادت تنفجر ضمها إلى جسده خوفا على أهله فقطعته وأصبت أنا وأمه وإخوه وابن خاله بجروح طفيفة وحملته ومات على صدري]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر له ويرحمه ويسكنه فسيح جناته، وأن يخلف عليكم بخير، وأن ينصرنا وإياكم على الأعداء، واعلم أنه لا يمكن أن يقطع لأحد بأنه في جنة أو نار إلا ما ورد فيه النص، ولكننا نرجو للمحسن الجنة، ونخاف على المسيء من النار.
وبما أن هذا المتوفى كان على ما ذكرت من وصفه، فإنا نرجو بإذن الله أن يكون من أهل الجنة، ونريد أن نذكرك بحادثتين حصلتا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهما من المبشرات:
أما الأولى: فعن أنس رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال: وجبت، فقال عمر: وما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة.. رواه البخاري.
وأما الثانية: فعنه أيضاً رضي الله عنه قال: إن أم حارثة أتت النبي صلى الله عليه فقالت: يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة؟ وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب، [أي قتله المسلمون خطأ] ، فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: يا أم حارثة إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى، رواه البخاري.
فنرجو الله أن يكون هذا الأخ مع حارثة في الفردوس الأعلى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(1/2291)
مع كل ألف سبعون ألفا
[السُّؤَالُ]
ـ[صح عنه عليه السلام أنه قال في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب أنهم لا يتطيرون ولا يكتون وعلى ربهم يتوكلون
سؤالي صاحب الفضيله شرح الحديث؟
وهل صحيح أنه أعطي عليه السلام مع كل ألف سبعين ألفا؟
وأخيرا هل هذه صفات مكتسبة أم جبلية خلق عليها الإنسان يعني هل يستطيع الإنسان أن يتمنى ذلك لينال فضل المولى تعالى شأنه
بارك الله فيكم ونفع بعلمكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن شرح الحديث في الفتوى رقم: 21343، والفتوى رقم: 9468.
وأما عن إعطاء الله النبي صلى الله عليه وسلم مع كل ألف سبعين ألفاً، فقد جاء ذلك في أحاديث، ومنها ما رواه الترمذي عن أبي أمامة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفاً وثلاث حثيات من حثياته. قال الترمذي: حسن غريب، وقال الألباني: صحيح.
وأما عن قول السائل هل هذه صفات مكتسبة أم جبلية؟ فجوابه أن من الناس من أنعم الله عليه فصارت هذه الصفات فيه جبلية، ومن الناس من يحتاج إلى جهاد ورياضة حتى يكتسب هذه الصفات.
جعلنا الله وإياكم من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1425(1/2292)
كل من مات محققا للتوحيد فهو من أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي لا يصلي العشاء ولا الفجر وعندما أنصحه لا يقبل النصيحة، يقول لا أحد منكم يدخل الجنة بالرغم من أن المسجد قريب جداً، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً، وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر من سؤالك أن المقصود بعدم صلاة أبيك للعشاء والصبح هو ترك صلاتهما في الجماعة وليس تركهما بالكلية، وعليه فإننا ننبه أباك إلى أن صلاة الرجل مع جماعة المسلمين في المسجد أمر واجب على الراجح من أقوال العلماء، كما بينا أدلته في الفتوى رقم: 10673، والفتوى رقم: 1798.
كما أنه ورد الترغيب بخصوص هاتين الصلاتين لمن يصليهما في الجماعة، وقد بسطنا القول في هذا، في الفتوى رقم: 19151.
والذي ننصحك به أخي السائل تجاه أبيك هو الاستمرار على نصحه، وحضه على الحضور في جميع الصلوات إلى المسجد، وتبيان الأدلة من القرآن والأحاديث وأقوال أهل العلم في ذلك حتى يقتنع، وإن أضفت إلى ذلك بعض المواعظ التي لها صلة بالصلاة فلا بأس، وليكن حديثك مع أبيك في هذا الأمر أو غيره بأدب واحترام تعظيماً لحق الأبوة.
أما بخصوص قول أبيك لا أحد منكم يدخل الجنة، فهذا كلام لا دليل عليه بل الأدلة الشرعية على خلافه، حيث ثبت أن كل مسلم مات محققاً للتوحيد فإنه مقطوع له بالجنة، إما أن يتفضل الله عليه ويدخله الجنة مباشرة من غير حساب، وإما أن يدخله النار أولاً ثم يخرجه منها ويدخله الجنة، وهذا بخلاف من مات كافراً -والعياذ بالله- فإنه في النار خالداً مخلداً فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(1/2293)
للكافر مقعده في الجنة، ولكنه لا يدخلها
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت قبل فترة من خلال إحدى المحاضرات حديثاً عن الرسول (عليه الصلاة والسلام) ينص على ما معناه: أن أحدنا قد يبنى له بيتاً في الجنة, إلاّ أننا قد لا نتمكن من السكن فيه؟ فهل هذا الحديث صحيح وما نصه الأصلي؟
وقرأت في كتاب ’تنوير الأذهان‘ أن المرء الصالح قد يدفن في مكان سيئ فتأخذ الملائكة جسده من قبره ليحاسب في مكان الصالحين, بينما دفن أحد أصحاب البدع في البقيع بعد أن سقط عليه جدار وبعد مدة أتى أصحابه لينتشلوا جثته فلم يعثروا عليها. ما مدى صحة هذه المقولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام وعلى رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما بخصوص الشق الأول من السؤال فإنه لم يتيسر لنا الحصول على حديث بهذا اللفظ، ولكن لعل المقصود بذلك ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أهل النار يرى مقعده من الجنة، فيقول: لو أن الله هداني، فيكون عليهم حسرة، وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني، فيكون له شكراً، فقد دل هذا الحديث على أن للكافر مقعده في الجنة، ولكنه لا يدخلها، وأما الشق الثاني من السؤال فجوابه أن هذا الكلام لا نعلم فيه دليلاً من القرآن أو السنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1424(1/2294)
لا زوج غير مرغوب في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستطيع المرأة الزواج ممن تريد في الجنة أم أنه محكوم عليها بزوج لا تريده في الدنيا وفي الجنة أيضا
وهل تعاقب الزوجة على ميل قلبها لغير زوجها، وهل تعتبر زوجة خائنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرأة المتزوجة في الدنيا إذا دخلت الجنة تكون لزوجها في الدنيا إذا دخل معها الجنة، وأما إن تزوجت أكثر من زوج في الدنيا فإنها تكون لآخرهم وقيل لأحسنهم خلقاً، وقد سبق أن بينا أدلة ذلك في الفتوى رقم: 2207.
ولا شك أنها في الحالين ستكون راضية سعيدة لأن الجنة دار الرضى والسعادة، وذهاب الإحن والبغضاء، وليس في الجنة إكراه ولا تنغيص فإنها بلاد الأفراح والنعيم المقيم وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
وأما حكم تعلق قلب الزوجة بغير زوجها فينظر جوابه في الفتوى رقم: 35957.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1424(1/2295)
ليس في الجنة ليل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الوقت الذي يكون في الجنة (عصر، مغرب، صبح، ليل) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى عن أهل الجنة: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (مريم: من الآية62) ، أي لهم ما يشتهون من المشارب والمطاعم بكرة وعشياً، أي قدر هذين الوقتين إذ لا بكرة ثم ولا عشية، كقوله تعالى:
غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (سبأ: من الآية12) ، أي قدر شهر، قال معناه ابن عباس وابن جريج وغيرهما ... وخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن الحسن وأبي قلابة قالا: قال رجل يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيجك على هذا؟ قال: سمعت الله تعالى يذكر في الكتاب: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (مريم: من الآية62) ، فقلت: الليل بين البكرة والعشي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس هناك ليل، إنما هو ضوء ونور يرد الغدو على الرواح، والرواح على الغدو، وتأتيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلونها في الدنيا، وتسلم عليهم الملائكة ... وقد ذكرنا في كتاب التذكرة: وقال العلماء ليس في الجنة ليل ولا نهار بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب، وذكره أبو الفرج وابن الجوزي والمهدوي وغيرهما. انتهى كلام القرطبي رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1424(1/2296)
المرأة في الجنة لآخر أزواجها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان متزوجا من أربعة ثم طلقهن ثم تزوجن بعده ثم متن ثم مات هذا الرجل سوف يتزوجن من في الآخرة الرجل الأول أم أزواجهن الآخرين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة في الجنة لآخر أزواجها إن كان من أهل الجنة، كما ورد ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 2207.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1424(1/2297)
أصل النيل والفرات في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن نهري النيل والفرات هما نهران نبعاهما في الجنة، إذا كان صحيحاً فما الدليل على ذلك؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق ذكر الأحاديث الواردة بشأن النيل والفرات، وذلك في الفتوى رقم: 11072.
والأحاديث الواردة في ذلك صريحة في إثبات كون أصل النيل والفرات في الجنة، قال ابن حجر: قال النووي: في هذا الحديث أن أصل النيل والفرات من الجنة، وأنهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى، ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان إلى الأرض، ثم يسيران فيها، ثم يخرجان منها، وهذا لا يمنعه العقل، وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد. انتهى.
وقال ابن حجر أيضاً: والحاصل أن أصلهما في الجنة، وهما يخرجان أولاً من أصلها، ثم يسيران إلى أن يستقرا في الأرض ثم ينبعان. انتهى، وراجع الفتوى رقم: 38014.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1424(1/2298)
عدد ألفاظ الحور العين في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مرة ذكرت (الحور العين) في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد ذكر الحور منكرة في القرآن الكريم في أربعة مواضع:
الأول: كذلك وزوجناهم بحور عين [الدخان: 45]
الثاني: وزوجناهم بحور عين [الطور: 20]
الثالث: حور مقصورات في الخيام [الرحمن:72]
الرابع: وحور عين [الواقعة:22]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(1/2299)
الزواج في الجنة بمن كان يحب في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء الاهتمام بسؤالي:
سألني صديق سؤالا دينيا، فوجدت نفسي لا أعرف الإجابة بالأدلة.
قال صديقي: إن الإنسان إذا لم يرتبط بالإنسانة (المرأة) التي يحب، فبعد الموت هل سيهديه الله تعالى لهذه المرأة. وهل له الحق أن يتزوج 4 زوجات مثل ما هو في الدنيا؟
فأجبته أن الإنسان لما يموت جسده يفنى ولا يبقى إلا الروح، والتي هي على نوعين: روح طيبة، وجزاؤها الجنة، والأشياء الطيبة الحور العين (المذكورات في القرآن) والروح الشريرة التي أعمالها كلها باطلة، فجزاؤها النار.
ثم وجدت أن جوابي غير مقنع، وليس فيه أدلة من القرآن.
وقال لي: إنه بحث كثيرا بالكتاب وما وجد أي دليل من القرآن عن سؤالي هذا، مع العلم بأنه حديث الإسلام، أسلم منذ سنة تقريبا، وهو شاب، وأخاف أنه لعدم فهمه لهذا الموضوع أن يرتد عن الإسلام، وأنا كنت سببا في إسلامه، والحمد لله تعالى.
وسعادتي أنني قدرت أن أساعده بشيء مثل هذا تتركني أخاف من أن عدم تمكني من إقناعه بالأدلة يجعلني في موفف الضعيف، فأرجو في أن تساعدني لأنني أروجو أن أجيبه عن كل تساؤلاته بالأدلة من القرآن، وأن تعطيني اسما لموقع بالفرنسية أو الإنجليزية، لأنه لا يفهم العربية.
والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نهنئك على توفيق الله تعالى لك أن هدى شخصا بسببك إلى الإسلام، وهذا خير كثير، ونذكرك بقوله صلى الله عليه وسلم لعلي ابن أبي طالب: فوا الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
من ناحية أخرى، فإن الإنسان إذا من الله تعالى عليه بدخول الجنة، فإنه يعطيه كل ما يشتهي وما يحب، لقوله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف: 71] .
وفي الحديث القدسي المتفق عليه، واللفظ لمسلم:
قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] .
ولا مانع من أن يكون ضمن هذا النعيم زواج الإنسان ممن يحب في الدنيا، إذا لم يكن لها زوج دخل الجنة.
كذلك أيضا لا مانع من أن يُزَوَّج الرجل في الجنة بأكثر من أربع نسوة، ففي سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه قال: للشهيد عند الله ست خصال: يُغْفَر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشَفَّعُ في سبعين من أقاربه.
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي": في التحديد بالثنتين والسبعين إشارة إلى أن المراد به التحديد لا التكثير، ويُحمل على أن هذا أقل ما يُعطَى، ولا مانع من التفضل بالزيادة عليها. انتهى.
أما جوابك له حول كون العذاب أو النعيم على الروح فقط والجسد يتلاشى، فهذا خلاف ما تدل عليه الأحاديث الصحيحة التي تؤكد أن العذاب أو النعيم يلحقان البدن والروح معا، ففي الحديث المتفق عليه واللفظ للبخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدا من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعا، وأما الكافر أو المنافق، فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين.
فهناك بعض العبارات الدالة على كون العذاب شاملا للروح والجسد، مثل: "يسمع قرع نعالهم" "فأقعداه"، "ضربة بين أذنيه" "فيصيح صيحة" وهذا في مرحلة البرزخ (القبر) ، أما في الآخرة، فإن حياة الإنسان أكمل وأتم، فيتبع الإنسان في الجنة بدنه وروحه، ويدخل أهل الجنة الجنة شبابا مردا في سن الثالثة والثلاثين ليكمل نعيمهم والتذاذهم.
لكن من الأهمية أن تلفتي انتباهه إلى ضرورة الاهتمام والتفكر في الأمور الجادة والنافعة له، وخصوصا في مستقبله الأخروي، كالتفقه في أمور الدين، وضرورة الابتعاد عن الاهتمام بالملذات الدنيوية والشهوات البهيمية.
ونشكرك على اهتمامك بمساعدة الشخص المذكور في سبيل استقامته على دين الحق، ولن يضيع جهدك إن شاء الله تعالى.
ونرجو أن يستفيد من موقعنا الجهة الإنجليزية: www.islamweb.net
وكذلك من موقع: www.al-islam.com
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1424(1/2300)
أبواب الجنة والنار
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أسماء الجنة والنار وأسماء التفاسير وأنواعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق ذكر أسماء أبواب الجنة وأبواب النار في الفتوى رقم: 17317.
أما بخصوص أسماء التفاسير، فهي أكثر من أن تحصر، ومن أهمها تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وتفسير القرطبي وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1424(1/2301)
المرأة في الجنة لزوجها الذي تزوجها في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ إذا دخلت المرأة الجنة وكان زوجها في النار هل يزوجها الله أم تلتقي بزوجها بعد خروجه من النار، وماذا تعمل في الفترة التي يكون في النار، وفي حالة العكس إذا كان هو في الجنة وهي في النار، أرجو منك التوضيح، حيث استشكل علينا الأمر، وبارك الله فيك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 2207 والفتوى رقم:
19824 أن المرأة في الجنة تكون لزوجها الذي تزوجها في الدنيا، وظاهر النصوص يدل على أنها تكون له ويكون لها ولو دخل أحدهما في النار، لأنه سيخرج من النار أو تخرج هي من النار ولو بعد حين، ما داما قد ماتا على الإيمان.
والكلام على ما في الجنة من الغيب الذي يوقف فيه على ما ورد في النص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(1/2302)
التقاء أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[من يريد رؤية شخص في الدنيا ولم يستطع هل يمكن أن يراه في الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانوا من أهل الجنة جميعاً فلا شك في اللقاء بينهم، وهذا ما سبق ذكره في الفتوى رقم: 9853، والفتوى رقم: 16156.
وأهل الجنة قد رزقوا القناعة، فلا ينظر الرجل إلى زوجة غيره، ولا تتشوق المرأة إلى غير زوجها، وليس بينهم تحاسد ولا غيره من الصفات الذميمة، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12994، 26953، 10579.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(1/2303)
لا مانع من تمني الفتاة رجلا بعينه في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شرعا أن تتمنى الفتاة شخصاً معيناً وتدعو الله بأن يرزقها إياه في الجنة وذلك لصعوبة الأمر في هذه الدنيا الفانية؟
وجزاك الله كل خير على جهودك الطيبة يا فضيلة الشيخ في توضيح المسائل الدينية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم مانعاً شرعياً من أن تدعو المرأة بأن تتزوج في الجنة من شخص معين، ولمزيد من الفائدة راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23427، 16600، 2369.
ولكننا ننصح هذه الفتاة بأن تشغل نفسها بالنافع المفيد بدلاً من أن تشغل نفسها بمن تعلقت به، ولتعلم أن الأمر لله من قبل ومن بعد، فما أصابها لم يكن ليخطئها وما أخطأها لم يكن ليصيبها، وما يدريها ما هو الخير لها، فلعل الخير لها في شخص آخر غير هذا، فلتستغفر الله ولترضَ بمن يتقدم لها ممن ترضى دينه وخلقه.
نسأل الله أن يختار لنا ولها ما فيه الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1424(1/2304)
الأدلة على لحوق أقارب المؤمن في الجنة به
[السُّؤَالُ]
ـ[الجنة يوم القيامة درجات والناس أيضاً، فهل إذا ارتكب شخص كبائر من زنا وسرقة وتاب منها جميعاً، هل سيلحق بزوجته التي في الدنيا من أول مرة ويغفر له؟ وإذا كانت الزوجة أو الزوج في مكان أعلى في الجنة والثاني في مكان أدنى منه كيف يكون التلاقي؟ ولكم الشكر على ما تبذلونه من جهد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب وتاب منها تاب الله عليه، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها ولو كان كفراً، فقد دلت على ذلك النصوص القطعية من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما عن لحوق أحد الزوجين بصاحبه في الدرجات التي فوقه، فهناك أدلة تدل على لحوق الأولاد المؤمنين بآبائهم المؤمنين، ولحوق الزوجات بأزواجهن إذا كانوا في درجات أعلى وكذلك الآباء.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] .
ونقل ابن كثير في تفسيره عن الطبراني حديثاً مرفوعاً قال: إذا دخل الرجل الجنة سأل الرجل عن أبويه وزوجته وولده فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به.
ونقل ابن القيم في حادي الأرواح عن ابن عباس حديثاً موقوفاً ومرفوعاً قال: إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بالإلحاق بهم، ثم تلا ابن عباس: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ.
وعلى هذا.. فإن من فضل الله تعالى على عباده الصالحين وأوليائه المتقين، إذا كانوا في درجات أعلى في الجنة، أن يلحق بهم أقاربهم من الأبناء والآباء والأزواج، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة والتفصيل في الفتوى رقم: 36130، والفتوى رقم: 3102.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(1/2305)
يدخل مثله الجنة ما لم يقم به مانع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من صلى على جنازة وهو صائم وعاد مريضا وتصدق يكون من أهل الجنة، إذا مات في ذلك اليوم أو ولو عاش بعدها، وهل من أدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين يوما تكتب له البراءتان ولو عاش بعدها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن قام بمثل هذه الأعمال الصالحة، فيرجى أن يدخل بها الجنة، سواء مات بعد القيام بها مباشرة أو عاش بعدها، إلا أن يقوم به مانع من كفر أكبر أو نفاق اعتقادي أو غيرهما.
وقد ورد بخصوص هذه الأعمال ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله، دعي من أبواب -يعني الجنة- يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، وباب الريان، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟ وقال: هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر.
وما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان، براءة من النار وبراءة من النفاق. وقد صحح الشيخ الألباني هذا الحديث في كتابه السلسلة الصحيحة بالرقمين (1979، 2652) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(1/2306)
أجمع وأصرح ما جاء في وصف الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو وصف الجنة كما جاء في الكتاب والسنة، وبعيداً عن المغالاة والإسرائيليات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث عن أوصاف الجنة ونعيمها في الكتاب والسنة حديث طويل لا يمكن أن نستكمله في فتوى، وعلى هذا، فإننا ننصح السائل بتتبع ذلك في القرآن الكريم وكتب السنة وكتب أهل العلم المتخصصة في ذلك، ومن أحسن ما ألف في وصف الجنة: كتاب "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" لابن القيم.
ولعل من أجمع وأصرح ما جاء في وصف الجنة قول الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [الزخرف: 71] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(1/2307)
أولى أن لا يقال ذلك في أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تعلمت كثيراً عما يوجد في الجنة مما لا عين رأت وأذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وسمعت عن أحسن لذة وهي النظر لوجه الله تعالى وسؤالي: أنه ألا يجب أن نترفع عن شهواتنا في الجنة وتكون الجنة لرؤية الله تعالى وليس لأكل أحسن الفاكهة ونكاح النساء والحور العين ومثل تلك الأشياء التي تلبي الغرائز البشرية الدنيوية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبتت بكلا الأمرين نصوص من الكتاب والسنة، فهما على هذا من الأمور التي قد قضى الله تعالى بكونها نعيمًا لأهل الجنة. والله سبحانه وتعالى قد جعل في غريزة الإنسان حب هذه الأشياء من أمور المأكل والمشرب والملبس وغيرها، فجعلها جزاءً له في جنته ودار كرامته. لذلك قال سبحانه: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31] ، وقال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71] .
والنظر إلى الرب تبارك وتعالى، وإن كان أحب شيء إلى أهل الجنة إلا أن الله سبحانه قد جعله في وقت دون وقت. فقد روى الطبراني في الأوسط، وأبو يعلى في مسنده، عن أنس رضي الله عنه، في حديث طويل، أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يوم المزيد؟ قال: إن الله جعل في الجنة واديًّا أفيح، وجعل فيه كثبانًا من المسك الأبيض، فإذا كان يوم الجمعة ينزل الله فيه فوضعت فيه منابر من ذهب للأنبياء، وكراسي من در للشهداء، وينزلن الحور العين من الغرف، فحمدوا الله ومجدوه. الحديث.
وإذا نظرنا في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وجدنا أنه كانت راحة قلبه وقرة عينه في عبادته لربه تبارك وتعالى، لكن هذا لم يمنعه من التلذذ بطيبات هذه الحياة. روى أحمد والنسائي عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حبب إليَّ من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة. فلا يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترفع عن شهواته من أجل قرة عينه وراحة قلبه في عبادته لربه. وهذا في الدنيا، وهي دار تكليف، فأولى أن لا يقال ذلك في أهل الجنة؛ لأنها دار جزاء.
وننبه في ختام هذا الجواب إلى أنه ينبغي أن يجتنب المسلم التفكير في مثل هذه الأمور، وأن يقبل على ما ينفعه من أمر معاشه ومعاده، وأن يسأل عما تحته عمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(1/2308)
يختلف الرجال عن النساء في آحاد النعيم
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الرحمن وسورة الواقعة وسور أخرى عندما يأتي الحديث عن الجنة يأتي الوعد للرجال دائما بالحور العين وهنا يأتي سؤال النساء لماذا الوعد للرجال فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36] . وهذا يعني أن هناك نوعاً من التفاوت بين الذكر والأنثى، مع استوائهما في أصل البشرية والتكليف، يبين ذلك قوله تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء:32] .
أي أن الله جعل لكل من الفريقين نصيباً على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته.
قال قتادة: للرجال نصيب مما اكتسبوا من الثواب والعقاب، وللنساء كذلك، وللمرأة الجزاء على الحسنة بعشر أمثالها كما للرجال، ويبين هذا أن الرجال والنساء يستوون في الجنة من حيث الصفة العامة لأهل الجنة، وإن اختلفوا في آحاد النعيم، ففي الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي منادٍ إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، فذلك قوله عز وجل: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43] .
هذا، وقد سبق بيان حيثيات الفرق بين الرجل والمرأة في الجواب رقم: 7309 كما بينا مسألة الحور العين للرجال في الجواب رقم: 10579.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(1/2309)
سيد طعام أهل الدنيا والاخرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو سيد طعام أهل الدنيا والاخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد في بعض الأحاديث الضعيفة التي أخرجها ابن ماجه وغيره أن سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة هو اللحم، ففي سنن ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم. ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه والسلسلة الضعيفة بقوله: ضعيف جدًّا.
وروى الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الطب، والبيهقي في شعب الإيمان، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية. قال الطبراني عَقِبَهُ: لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن بريدة إلا أبو هلال، ولا رواه عن أبي هلال إلا أبو عبيدة الحداد، تفرد به أبو سعيد.
هذا وقد رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بالإطلاق: خير الإدام اللحم، وهو سيد الإدام.
وكل هذه الأحاديث وغيرها مما هو في معناها ضعيف جدا أو موضوع، كما جزم بذلك الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة، وغيرها، كما أورد تضعيف بعضها أو الحكم بوضعها غير واحد من الأئمة المتقدمين كالبوصيري في "مصباح الزجاجة بزوائد ابن ماجه"، والمناوي في "فيض القدير"، وضعفه العراقي أيضًا، وحكم بوضعه ابن الجوزي، لكن انتقده ابن حجر.
إلا أنه يمكن أن يطلق على اللحم أنه سيد الطعام أو سيد الإدام، لما ورد أنه كان أحب الطعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولذكره في القرآن كقوله تعالى: وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الطور:22] ، وقوله: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21] .
وتكلم في هذا وأيده الحافظ ابن حجر في الفتح، وابن عبد البر في التمهيد، وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1424(1/2310)
ملوك الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في الجنة ملوك؟ ومن هم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أهل الجنة كلهم ملوك لا يوجد فيهم فقير ولا صعلوك، وأدناهم منزلة كما في صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة: رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله.. فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. فيقول: رضيت رب ... رَوَاهُ مُسْلِم.
وأما أعلى أهل الجنة منزلة فلا يعلم ملكه ونعيمه إلا الله تعالى، ففي الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فاقرءوا إن شئتم قول الله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة:17] .
وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً [الإنسان:20] : إن الملك الكبير هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه.
وقد يطول بنا المقام إذا تتبعنا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في نعيم أهل الجنة وملكهم. وبإمكانك أن تقرأ طرفًا من ذلك في سورة الإنسان من الآية العاشرة وسياقها مع تفسير ذلك والآثار الواردة فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(1/2311)
من أي شيء خلقت الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[مم خلقت الحورالعين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله تعالى لم يطلعنا إلا على القليل من المعلومات المتعلقة بمخلوقاته، قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] . وإن الحور العين قد خلقهنَّ الله زيادة في نعيم أهل الجنة، ولم نقف على الذي خلقن منه، ومثل هذا الموضوع لا يفتى فيه بالرأي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(1/2312)
سل الله الجنة تعطى ما تتمنى.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله.
أتمنى أن أسمع القرٍآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل يتحقق هذا في الجنة إن شاء الله؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن ما تتمناه أمر طيب، ومن الخير الذي تهواه نفوس المؤمنين، لكن حسبك أن تسأل الله الجنة ونعيمها، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذل الأسباب التي يتحقق بها ذلك، وستعطى بإذن الله ما تتمنى.
روى أبو داود في سننه عن ابن سعد رضي الله عنه أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا. وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا. فقال: يا بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء. فإياك أن تكون منهم، إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها. وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر.
وإن من أسباب القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلي:
الأول: حسن الخلق: روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا.
الثاني: كثرة السجود (أي الصلاة) : روى أبو داود والنسائي عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آتيه بوضوئه وبحاجته، فقال: سلني. فقلت: مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود.
الثالث: عموم الطاعات: روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحبك حتى إني لأذكرك، فلولا أني أجيء فأنظر إليك ظننت أن نفسي تخرج، فأذكر أني إن دخلت الجنة صرت دونك في المنزلة، فشق ذلك عليَّ، وأحبّ أن أكون معك في الدرجة. فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فأنزل الله عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69] الآية. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1424(1/2313)
دليل أفضلية نساء الدنيا المؤمنات على الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع وبعد: فكنت عازما على أن أرسل إليكم سؤالا عما إذا كان النساء المؤمنات في الدنيا خير من الحور العين ووجدت الجواب في الفتاوى لكني لم أجد تخريج الذي ذكرتم أن ابن القيم ذكره، والسؤال هو: من روى الحديث؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الطبراني في معجمه الكبير عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله حور عين. قال: حور بيض، عين ضخام العيون، شقر الجرداء بمنزلة جناح النسور. قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله (كأنهن لؤلؤ مكنون) . قال: صفاؤهنَّ صفاء الدر في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي. قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) [الرحمن:70] . قال: خيرات الأخلاق، حسان الوجوه. قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) [الصافات:49] . قال: رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر وهو العرفي. قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله (عُرُباً أَتْرَاباً) [الواقعة:37] . قال: هنَّ اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهنَّ الله بعد الكبر فجعلهنَّ عذارى، عُرُبًا متعشقات محببات، أترابًا على ميلاد واحد. قلت: يا رسول الله أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين، كفضل الظهارة على البطانة. قلت: يا رسول الله وبم ذاك؟ قال: بصلاتهنَّ وصيامهنَّ وعبادتهنَّ الله، ألبس الله وجوههنَّ النور، وأجسادهنَّ الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفراء الحلي، مجامرهنَّ الدر، وأمشاطهنَّ الذهب، يقلن: ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدًا، ألا ونحن الناعمات فلا نبأس أبدًا، ألا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدًا، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدًا، طوبى لمن كنا له وكان لنا. قلت: يا رسول الله المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها، مَنْ يكون زوجها؟ قال: يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقًا، فتقول: أي ربِّ إنَّ هذا كان أحسنهم معي خلقًا في دار الدنيا فزوجنيه. يا أم سلمة ذهب حسنُ الخلق بخير الدنيا والآخرة.
فدل هذا الحديث على فضل نساء الدنيا في الجنة على الحور العين؛ لقوله صلى الله عليه سلم: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين، كفضل الظهارة على البطانة..
لكن هذا الحديث: ضعيف. قال فيه ابن القيم: تفرد به سليمان بن أبي كريمة، ضعفه أبو حاتم. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير ولم أرَ للمتقدمين فيه كلامًا. ثم ساق هذا الحديث من طريقه وقال: لا يعرف إلا بهذا السند.
وروى أبو يعلى أيضًا ما يستدل به على فضل نساء الدنيا من أهل الجنة على الحور العين، وفيه: فيدخل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله، واثنتين من ولد آدم، لهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما الله عز وجل.
ساق ابن القيم -رحمه الله- هذه الرواية في حادي الأرواح ثم عقب عليها بقوله: هذه قطعة من حديث الصور، والذي تفرد به إسماعيل بن رافع، وقد روى له الترمذي وابن ماجه وضعفه أحمد ويحيى وجماعة، وقال الدارقطني وغيره: متروك الحديث. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه فيها نظر. وقال الترمذي: ضعفه بعض أهل العلم، وسمعت محمدًا - يعني البخاري - يقول: هو ثقة مقارب الحديث..
وقد نقل الحافظ ابن حجر في كتابه "تهديب التهذيب" عن البخاري أن هذا الحديث لا يصح، ونقل عن الخلال أن الإمام أحمد سُئل عن هذا الحديث؟ فقال: رجاله لا يعرفون. وعن ابن حبان لست أعتمد على إسناد خبره. وعن الأزدي ليس بالقائم في إسناده نظر. وعن الدارقطي: إسناده لا يثبت.
وقد حكم الشيخ الألباني على هذا الحديث في ضعيف الترغيب والترهيب بأنه منكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1424(1/2314)
الجنة لجميع من أكرمهم الله بها
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في القرآن جنات عرضها السماوات والأرض، هل هذه للجميع أم لكل واحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر أن الجنة لجميع من أكرمهم الله بها، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم للصحابة يوم بدر وهم جمع كبير: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض. رواه مسلم.
فهذه الجنة التي دعاهم إليها يشترك فيها الجميع، وهي التي أعدها الله لعموم المتقين، وندبهم إلى المسارعة إليها فقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] .
وفي آية الحديد قال: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] .
وهذا هو ظاهر كلام الطبري والقرطبي، وقد ذكر الفخر الرازي في الآية وجهاً ثانيا وهو: أن الجنة التي يكون عرضها السماوات والأرض إنما تكون للرجل الواحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1424(1/2315)
أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[من يدخل الجنة من غير الملائكة وابن آدم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذين يدخلون الجنة هم:
-المؤمنون من بني آدم.
-والملائكة.
-والحور العين.
-والولدان المخلدون.
-والمؤمنون من الجن على الراجح من أقوال العلماء.
وراجع الفتوى رقم: 3621، والفتوى رقم: 18484.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(1/2316)
نساء الدنيا في الجنة أفضل من الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نساء الدنيا يأتين في الجنة أجمل من الحور العين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن نساء الدنيا في الجنة أفضل من الحور العين، وإن الله تعالى يكسو وجوههن نوراً ثواباً لما قمن به من عبادة الله تعالى في الدنيا. فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله نساء الدنيا أفضل أم الحور العين، قال: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة، قلت: يا رسول الله ولم ذلك؟ قال: بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله تعالى، ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب. رواه الطبراني في الأوسط والكبير وقال الألباني حديث منكر وذكره العلامة ابن القيم في كتابيه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح"، "وروضة المحبين". والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1424(1/2317)
"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ما دام كل سكان الجنة شباباً وشابات فكيف يقال عن سيدينا الحسن والحسين رضي الله عنهما، سيدا شباب الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد ورد في مسند الإمام أحمد وعند الترمذي وابن ماجه والنسائي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. وصححه الشيخ الألباني، وفي رواية: وفاطمة سيدة نسائهم، إلا ما كان لمريم بنت عمران. وقد وردت تفسيرات لما استشكلته. جاء في تحفة الأحوذي: يعني هما أفضل من مات شابا في سبيل الله من أصحاب الجنة، ولم يرد به سن الشباب، لأنهما ماتا وقد كهلا، بل ما يفعله الشباب من المروءة، كما يقال: فلان فتىً إن كان شيخا، يشير إلى مروءته وفتوته، أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين، وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحدة وهو الشباب، وليس فيهم شيخ ولا كهل. قال الطيبي: ويمكن أن يراد: هما الآن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان ... (ج10 - ص 180) والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1424(1/2318)
الموت على الكفر يحرم الإنسان من دخول الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو العمل الذى يحرم المرء من الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يحرم المرء من الجنة فلا يدخلها أبداً هو الموت على الكفر، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:91] .
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40] .
وأما ما عدا ذلك من المعاصي والذنوب فمهما بلغت فإن مآل صاحبها إلى الجنة -وإن بقي في النار زمناً- إذا مات على التوحيد، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، يقول الله عز وجل: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(1/2319)
يوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسماوات
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة هود آية 108
بسم الله الرحمن الرحيم
(وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)
أرجو الاجابة على هذه الأسئلة:
1- بعد الخلود في الجنة هل هناك سماوات وأرض؟ وما الحكمة من خلقهن بعد تحول الحياة للجنة والنار؟
2- الإستثناء في الآية هل معناه خروج أحد من الجنة أم ماذا؟
3- ما حكم قول – صدق الله العظيم – في نهاية قراءة القرآن الكريم؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت الآية الكريمة على وجود سموات وأرض في الجنة، ولكن هذه السموات والأرض غير سموات وأرض الدنيا، كما قال الله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) [إبراهيم:48] . قال الحسن البصري: تبدل سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه الأرض.
وروى أحمد وعبد بن حميد في مسنده، والترمذي وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، حدثنا عن الجنة، ما بناؤها. قال: "لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا ييأس ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه" فدل على أن أرض الجنة غير أرض الدنيا.
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة، فقال: "درمكة بيضاء مسك خالص".
والدرمك: هو الدقيق الخالص البياض.
وهناك أدلة كثيرة، وأقوال جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم يثبت هذا الأمر، وهي مذكورة عند تفسير هذه الآية، وفي كتب الحديث عند ذكر صفة الجنة والنار، وهذه السموات والأرض في الجنة باقية للأبد، ولله تعالى في خلقهما حكمة يعلمها سبحانه وتعالى، لأنه لم يخلق شيئاً عبثاً، وما كان لنا أن نخوض في ما لا علم لنا به، ولا في ما لا يترتب على السؤال فيه عمل، وليس معنى ذلك أن المسلم لا يبحث عن الحكمة إذا تيسرت معرفتها، لأن ذلك يزيد في الإيمان.
وأتفق أهل السنة والجماعة على أن الجنة والنار لا تفنيان، كما سبق في الفتوى رقم: 4228، والفتوى رقم: 7485.
وأما الاستثناء في قوله تعالى عن أصحاب الجنة: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) فيحتمل معنيين:
أحدهما: أن يراد: إلا ما شاء ربك في أول أزمنة القيامة، وهي المدة التي يدخل فيها عصاة المؤمنين غير التائبين في العذاب إلى أن يعفو الله عنهم بفضله بدون شفاعة أو بشفاعة، كما في الصحيح من حديث أنس: "يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحممة أخرجوا وأدخلوا الجنة، فيقال: هؤلاء الجهنميون.
ويحتمل أن يقصد منه التحذير من توهم استحقاق أحد ذلك النعيم حقاً على الله، بل هو مظهر من مظاهر الفضل والرحمة، وليس يلزم من الاستثناء المعلق على المشيئة وقوع المشيئة، بل إنما يقتضى أنها لو تعلقت المشيئة توقع المستثنى، وقد دلت الوعود الإلهية على أن الله لا يشاء إخراج أهل الجنة منها، وأياً ما كان فهم إذا أدخلوا الجنة كانوا خالدين فيها فلا ينقطع عنهم نعيمها، وهو معنى قوله: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) والمجذوذ: المقطوع. ا. هـ من تفسير التحبير والتنوير لابن عاشور.
وهكذا الاستثناء في أهل النار لا يدل على فناء النار، أو خروج الكفرة منها، وإنما هو في عصاة المؤمنين الذي يدخلون ويمكثون فيها زمناً، ثم يخرجون منها.
قال ابن كثير رحمه الله: وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها أبو الفرج بن الجوزي في كتابه زاد المسير، وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيراً منها الإمام أبو جعفر ابن جرير رحمه الله في كتابه، واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة وأبي سنان ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضاً: أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والمؤمنين حين يشفعون في أصحاب الكبائر، ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين، فتخرج من النار من لم يعمل خيراً قط، وقال يوماً من الدهر لا إله إلا الله، كما وردت الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمضمون ذلك، كما في حديث أنس وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، ولا محيد له عنها، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديماً وحديثاً في تفسير هذه الآية الكريمة. ا. هـ
وأما قول: صدق الله العظيم بعد الانتهاء من قراءة القرآن، فقد سبق جوابه في الفتوى رقم: 3283.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1424(1/2320)
المرات التي ذكرت فيها الجنة في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أسماء الجنة وكم مرة جاء ذكرها في القرآن الكريم مع ثبات ذلك في القرآن الكريم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أسماء الجنة وردت في الفتوى رقم 14529 فلتراجعه.
ثم إن ذكرها في القرآن ورد مائة وتسعاً وثلاثين مرة ما بين صيغ المفرد والتثنية والجمع.
انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1424(1/2321)
المرء بعد موته إما أن يعذب وإما أن ينعم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد أحد الآن في الجنة والنار؟ مع الدليل؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان بعد ولادته يمر بثلاث مراحل من الحياة، أولها الحياة الدنيا، وثانيها الحياة البرزخية، وثالثتها الحياة الأخرى، وهي ما بعد قيام الساعة، ولكل واحدة من هذه الأنواع الثلاثة طبيعتها الخاصة بها بالنسبة لما يحسه المرء فيها من العذاب أو النعيم، وقد ذكر العلامة السفاريني في لوامع الأنوار نقلاً عن ابن القيم في كتاب الروح: أن أحكام الدنيا تقع على البدن أصالة والروح تبع له، وفي البرزخ تقع على الروح أصالة والبدن تبع لها، فإذا كان يوم القيامة، وقع العذاب والنعيم على الروح والبدن معاً اصالة 2/21، وهذا يدل على التغاير التام بين ما يحصل للمرء في كل دار من هذه الدور من نعيم أو عذاب، والقاعدة العامة أن ذلك يحصل له ويتفاوت فيه الناس على قدر أعمالهم، والجنة والنار مخلوقتان وموجودتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، قال حافظ بن أحمد الحكمي: في سلم الوصول:
والنار والجنة حق وهما ... موجودتان لا فناء لهما
وراجع في هذا الفتوى رقم:
19264، والفتوى رقم: 1676.
وقد دلت النصوص القرآنية والنبوية على أن المرء بعد موته إما أن يعذب وإما أن ينعم، ومن ذلك قول الله تعالى عن آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] .
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات أحدكم فإنه يُعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار.
وهذا العذاب والنعيم يدخل تحت ما ذكرناه من حصول ذلك للروح أصلاً وللبدن تبعاً، كما هو طبيعة الحياة البرزخية، ومجموع ما ورد من الأحاديث يدل على أن صالحي المؤمنين يتمتعون بما في الجنة من النعيم، لكن نعيمهم فيها في البرزخ ليس كنعيمهم فيها بعد البعث والنشور، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] ، قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك؟ فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا.
فهذا الحديث في الشهداء خاصة، وروى أحمد في مسنده عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يُرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه. وصححه الأرناؤوط.
قال ابن كثير في تفسيره عن هذا الحديث: فيه البشارة لكل مؤمن، بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضاً فيها، وتأكل من ثمارها، وترى ما فيها من النضرة والسرور، وتشاهد ما أعده الله لها من الكرامة. انتهى.
وقال أيضاً: وأما أرواح الشهداء -فكما تقدم- في حواصل طير خضر، فهي كالكواكب إلى أرواح عموم المؤمنين، فإنها تطير بأنفسها، فنسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان. انتهى.
وكما أن صالحي المؤمنين ينالون من نعيم الجنة نيلاً يليق بحياة البرزخ، فكذلك أهل الكفر والضلال من الكفار، وأهل المعاصي من المسلمين، ينالهم من عذاب النار ما يليق بحياة البرزخ، وقد دلت على ذلك الآيات والأحاديث التي سبق ذكرها، ودل على ذلك أيضاً ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم عن أحوال الناس في البرزخ، ومن ذلك ما رواه البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول اًلله صلى الله عليه وسلم - يعني - مما يكثر أن يقول لأصحابه: (هل رأى أحد منكم من رؤيا؟) . قال: فيقصُّ عليه من شاء الله أن يقصَّ، وإنه قال ذات غداة: (إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرَّة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلُّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقَّي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه - قال: وربما قال أبو رجاء: فيشقُّ - قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنُّور - قال: وأحسب أنه كان
يقول - فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطَّلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا، فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه فيلقمه حجراً فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلاً مرآة، فإذا عنده نار يحشُّها ويسعى حولها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قطُّ، قال: قلت لهما: ما هذا ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قطُّ أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي: ارق فيها، قال: فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنيَّة بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها، فتلقَّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قال: قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك، قال: فسما بصري صعداً، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله، قال: قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه، يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنُّور، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة، الذي عند النار يحشُّها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطراً منهم حسن وشطراً منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحا وآخر سيِّئاً، تجاوز الله عنهم.
قال ابن حجر عن هذا الحديث: وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ. انتهى، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية:
18488، 16902، 16778.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1424(1/2322)
النعيم والعذاب للروح والجسد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في الجنة سوف نبقى أرواحا أو أجسادا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأهل الجنة في الجنة يتنعمون بأرواحهم وأجسادهم، وأهل النار في النار يعذبون بأرواحهم وأجسادهم، وهذا الذي دلت عليه آيات الكتاب والأحاديث الصحيحة، من ذلك:
ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة الألنجوج عود الطيب، وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً.
وهذا الحديث في غاية الوضوح في الدلالة على المقصود، حيث ذكر لهم صورة وطولاً وشعراً ورشحاً ومجامر وقال في آخر الحديث: على خلق رجل واحد.
وكذا ما رواه مسلم من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً.
ومما ورد عن أهل النار:
قوله تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] .
وقال الله تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29] .
وفي البخاري من حديث النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه. فأثبت الحديث القدم وأخمصها والدماغ.
ولو تتبعنا الأحاديث في هذا الباب لطال بنا المقام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1424(1/2323)
أدنى أهل الجنة من له سبعون من الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل صحيح أنه كلما حلف الرجل بالطلاق نقصت حورية من حوريات الجنة، وكم عدد حوريات الجنة
للرجل الواحد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحلف بغير أسماء الله تعالى وصفاته أمر مخالف لما أمر به صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، وهو قوله: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. والمسلم لا ينبغي له أن يعود لسانه على الألفاظ التي قد تعود عليه بما لا يفيده بل يضر به.
أما كون الحلف بالطلاق يعاقب صاحبه بنقص زوجاته من الحور العين، فهذا أمر لم نطلع عليه، وهو من الأمور التي لا تثبت إلا بوحي.
أما السؤال عن نصيب الرجل الواحد في الجنة من الحور العين؟ فالجواب هو: أن أقل زوجات الرجل في الجنة من الحور العين سبعون، ومن نساء الدنيا زوجتان، قال الإمام العراقي في كتابه طرح التثريب: قد تبين ببقية الروايات أن الزوجين أقل ما يكون لساكن الجنة من نساء الدنيا، وأن أقل ما يكون له من الحور العين سبعون. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(1/2324)
رؤية النبي عامة لمن أطاعه ذكورا وإناثا
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءني الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام مرتين ولكنى لم أر وجهه الكريم، في المرة الأولى كان يداريني أنا وزوجي بعباءته وبعدها منّ الله علي بنعمة الحجاب الكامل. وفي المرة الثانية كان في بيت أصدقاء لنا في الله وكنت أتتبعه من غرفة إلى أخرى لكي أرى وجهه ولكني فقط رأيت ظهره عليه الصلاة والسلام، فهل يجوز للمرأة الدعاء لكي ترى وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، وهل تمتع النساء فى الجنه برؤيته عليه الصلاة والسلام أم تكون هذه المتعة للرجال فقط، سامحوني على الإطالة وأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فرؤيته الحقيقية صلى الله عليه وسلم من بشائر الخير للمؤمن؛ لأن من يراه في المنام فسيراه يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، فإن الشيطان لا يتمثل بي. لذلك فلا حرج على المسلم أن يسأل الله رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام.
وأما رؤيته صلى الله عليه وسلم في الجنة فليست خاصة بالرجال دون النساء، بل هي عامة لكل من أطاعه، لعموم قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69] .
وقد ذكر في سبب نزولها أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنك لأحب إليَّ من نفسي وأحبّ إليَّ من أهلي، وأحبَّ إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك وأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ.... الآية. رواه الطبراني والمقدسي.
وثبت في الصحاح والمسانيد وغيرها من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم؟ فقال: المرء مع من أحبَّ. قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث.
وقد ذكر ابن سعد وغيره أن نسيبة الأنصارية وابنها قالت لرسول صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يجعلنا من رفقائك في الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1423(1/2325)
العدل بين زوجات ونساء الرجل في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
قرأت الكثير عن نساء الجنة وأن لكل رجل في الجنة الكثير من النساء، أرجو بيان العدد الحقيقي مع توضيح كونهن آدميات أو حور عين أو جواري، كما قرأت أن الرجل ينزل عند المرأة الواحدة من أزواجه فترة طويلة، فكيف يتحقق العدل بالنسبة للنساء وذلك لأن كل زوجة ستفارق زوجها كل مدة أما الزوج فلا يكون إلا مع إحدى زوجاته على الأقل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم ذكر شيء من صفات نساء الجنة في الفتوى رقم: 5147.
وأما عن عدد زوجات الرجل المؤمن في الجنة فيقول الإمام العراقي في كتابه القيم طرح التثريب 8/268: قد تبين ببقية الروايات أن الزوجين أقل ما يكون لساكن الجنة من نساء الدنيا، وأن أقل ما يكون له من الحور العين سبعون زوجة.
وأما أكثر ذلك فلا حصر له، وفي الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً.
وفي رواية: في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون.
وروى الترمذي من حديث ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وغشية. ضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح، وكذا ضعفه الألباني.
وأما قولك: فكيف يتحقق العدل؟ فهو سؤال في غير محله، فالآخرة هي دار العدل والحق، وليس في الجنة أحد في همٍ أو كدّ، بل الكل في نعيم وسعادة، قد نزع الله من قلوب أهلها البغضاء والحزن.
وراجع الفتوى رقم: 12994.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(1/2326)
بعض ما أعد الله لعباده الصالحين في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد في الحياة الآخرة أنهار وجبال وكواكب ونجوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان بالجنة واجب، وهو داخل ضمن الإيمان باليوم الآخر الوارد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعروف، الذي سأل فيه جبريلُ النبيَ صلى الله عليه وسلم، عن الإسلام والإيمان والإحسان وعن موعد الساعة، وهو من الأمور الغيبية التي نؤمن بوجودها ولا نتعدى ذلك إلى الخوض في تفاصيلها دون علم نستند إليه أو أثر نعتمد عليه، وقد أخبرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ببعض صفات الجنة، من باب التعريف بها والتشويق إليها، وإن كان ما فيها لا يشترك مع ما في الدنيا إلا في مجرد الاسم، أما الحقيقة فمغايرة لها مغايرة لا يعلمها إلا الله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخراً، بله ما اطلعتم عليه. ثم قرأ: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] . رواه البخاري غيره، ومعنى "بله": دع.
ومما أخبرنا به الوحي عن الجنة وما فيها، ما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11] .
وفي حديث الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها -يعني من أصل سدرة المنتهى- نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل، ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.
وقد أخبرنا الوحي كذلك عن صفة تربة الجنة وترابها وبنائها، ففي صحيح مسلم أن ابن صياد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تربة الجنة فقال: هي درمكة بيضاء، مسك خالص. والدرمكة هي: الدقيق الحواري الخالص البياض.
وفي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الجنة وبنائها، فقال: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، ولا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم. وصححه الألباني.
وفي الجنة خيام وقصور، روى أحمد في المسند عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام. ورواه الترمذي عن علي وصححه الألباني.
وقال تعالى: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72] .
وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن. وغير ذلك من النعيم الذي قص الله علينا في القرآن، وبينه النبي عليه الصلاة والسلام.
أما عن الشمس والقمر، فليس لهما وجود في الجنة، قال القرطبي: قال العلماء: ليس في الجنة ليل ونهار، وإنما هم في نور دائم أبداً، وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب، ذكره أبو الفرج بن الجوزي. انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والجنة ليس فيها شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، لكن تعرف البكرة والعشية بنور يظهر من قبل العرش. انتهى
أما عن الجبال والسهول فلم نجد في ذلك أثراً يمكن الاعتماد عليه في الإثبات أو النفي، إلا عموم قول الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(1/2327)
نكاح أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أسأل فضيلتكم عن الذي يدخل الجنة ويتزوج من نسائها، هل يجامعها ويعاشرها كالأزواج ويشعر بالمتعة أم لا؟ خاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم دلنا أنه لا يخرج شيء من السبيلين في الجنة، ولكم منا جزيل الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزوج يطأ زوجته في الجنة ويشعران باللذة والمتعة ولكن بدون إنزال مني فيما يظهر، لقول الله تبارك وتعالى: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] .
ذكر مجاهد وعطاء وغيرهما أنها مطهرة من الحيض والبول والمني ...
وروى الطبري عن أبي أمامة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم يتناكح أهل الجنة؟ قال: نعم بذكر لا يمل وشهوة لا تنقطع.. دحماً دحماً. وفي رواية: لكن لا مني ولا منية. وفي رواية: هل ينكح أهل الجنة؟ قال: نعم، ويأكلون ويشربون.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواها كلها الطبراني ورجال بعضها وثقوا على ضعف في بعضهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(1/2328)
هل يزوج من الحور العين من تاب من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل صحيح أن الزاني يحرم من الحور العين في الجنة حتى لو تاب حيث إني سمعت في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الزاني يحرم الحور العين أرجو منك الاجابة
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الزنا من كبائر الذنوب، وأخطر المعاصي، ولهذا حذر الله عز وجل منه في محكم كتابه، كما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32) ولكن الله عز وجل فتح باب التوبة لعباده تفضلاً منه، ورحمة بهم فقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)
وقال تعالى في وصف عباد الرحمن (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:70،69،68)
فهؤلاء الذين عملوا هذه الكبائر وعلى رأسها الإشراك بالله إذا أخلصوا التوبة لله وعملوا عملاً صالحاً بدل الله سيئاتهم حسنات.
وعلى هذا؛ فإن من تاب من الزنا توبة نصوحاً قبل الله توبته، وأدخله جنته التي فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، ومن ضمن ذلك الحور العين.
والحاصل أن من أخلص التوبة لله من الزنا وعمل صالحاً أدخله الله جنته، وزوجه من الحور العين ما شاء الله.
وأما الحديث الذي أشرت إليه، فلم نقف عليه، وقد جاء ما يشبهه في شأن الخمر، وأن من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة، إلا أن يتوب " رواه مسلم وغيره.
فإذا حصلت التوبة أمن الإنسان الحرمان من هذا النعيم في الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1423(1/2329)
أهل الجنة في نور دائم أبدا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد في الجنة نهار وليل نرجو الله أن ندخلها جميعاً.... لكن طبيعة الإنسان حب المعرفة ... الرجاء الاجابة على السؤال بالتفصيل والأدلة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس في الجنة ليل ونهار لأن الجنة نور دائم. قال القرطبي: قال العلماء: ليس في الجنة ليل ونهار، وإنما هم في نور دائم أبداً، وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب. ذكره أبو الفرج ابن الجوزي.
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً* تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً) (مريم:63)
أي في مثل وقت البكرات ووقت العشيات لا أن هناك ليلاً ونهاراً، ولكنهم في أوقات تتعاقب يعرفون مضيها بأضواء وأنوار.
ويقول ابن تيمية في هذا الموضوع: والجنة ليس فيها شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار؛ لكن تعرف البكرة والعشية بنور يظهر من قبل العرش.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً) ولأن الليل محل للراحة والدعة والسكن.. وأهل الجنة في راحة ودعة وسكن دائم لا يشوبه تعب ولا نصب. قال تعالى (لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1423(1/2330)
زوجات المرء في الدنيا نساؤه في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
بعد التحية أريد أن أستفسر في ما للمرأة المطلقة في الجنة.
ثم هل أن الرجل إذا تزوج بأربعة سيكون معهن جميعا أم فقط مع زوجته الأولى.
وجازاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان ما للمرأة المطلقة في الجنة في الفتوى رقم 26627 والفتوى رقم 26953
أما من تزوج بأكثر من زوجة فإنه إذا دخل معهن الجنة -كما هو الحال بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم- فإنهن يصرن أزواجاً له في الجنة، كما أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هن أزواجه في الجنة لذلك حرم الله تعالى الزواج منهن، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم 19824
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1423(1/2331)
هل يوجد في الجنة امرأة عزب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
وبعد
أريد أن أسأل عما للمرأة المطلقة في الجنة وهل تعيش وحيدة مثل ما هي عليه في الحياة الدنيا؟ وشكراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس في الجنة أحد أعزب؛ لما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب.
قال النووي في شرح مسلم: والعزب من لا زوجة له. انتهى
وقال الإمام ابن القيم في أعلام الموقعين 1/146: والمرأة العزب التي لا وصلة بينها وبين أحد. انتهى
فلا توجد في الجنة امرأة عزب، سواء كانت مطلقة أو أرملة أو ماتت ولم تتزوج.
وعلى كلٍ.. فالجنة دار أعدها الله لنعيم أوليائه، وهي منزهة عن كل عيب ونقص كما وصفها ربنا تعالى بقوله: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71] .
نسأل الله تعالى أن نكون من أهلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1423(1/2332)
كل امرأة تدخل الجنة لها زوج
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد أريد أن أسأل عما أعد الله للمرأة المسلمة في الجنة, فالرجل له زوجته وله الحور العين فما للمرأة إذا كانت مطلقة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة المسلمة في الجنة لها من النعيم المقيم الأبدي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مثل ما للرجل، كما قال تعالى عن أهل الجنة (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (فصلت: من الآية31)
وقال تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:17)
والمرأة المطلقة في الدنيا أو التي لم تتزوج أصلاً تتزوج في الجنة من أحب رجل إليها فلا تبغي به بدلاً.
قال الله تعالى في شأن نساء الجنة (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) (الرحمن:56) أي على أزواجهن لا يبغين بهم بدلاً.
وقال تعالى (فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً *عُرُباً أَتْرَاباً* لأصْحَابِ الْيَمِينِ) (الواقعة: 36:38) .
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم 10579
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1423(1/2333)
هكذا تدخل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع الدخول إلى الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطريق دخول الجنة هو تقوى الله عز وجل بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر، قال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136]
وانظر الفتاوى التالية أرقامها:
12325 -
19568 -
21743 -
23117 -
16979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1423(1/2334)
من كلام الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهد النبي صلى الله عليه وسلم نساء فقلن له: نحن خيرات حسان، نساء قوم أبرار، نقوا فلم يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا. فمن هؤلاء النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنسوة المسؤول عنهن هن: الحور العين؛ كما أورد ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم من حديث أنس بن مالك وفيه قال جبريل: يا محمد، هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ فقال: نعم. فقال: فانطلق إلى أولئك النسوة فسلم عليهن وهن جلوس عن يسار الصخرة، فقال: فأتيتهن فسلمت عليهن فرددن علي السلام. فقلت: من أنتن؟ فقلن: نحن خيرات حسان، نساء قوم أبرار، نقوا فلم يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا ".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1423(1/2335)
حرمان الزاني التائب من الحور العين في الجنة لا يثبت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من عقوبة الزنا حجب الحورالعين عن الزاني يوم القيامة؟ وهل إذا تاب إلى الله ولم يعد للزنا هل يرزقه الله الحور العين؟ وجزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب توعد الله عز وجل أصحابه بالعذاب الشديد، قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70] .
وقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] .
ولا نعلم حديثاً صحيحاً ورد فيه حرمان الزاني من الحور العين في الجنة إن دخلها، والسنة الصحيحة ناطقة بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما روى ذلك ابن ماجه في سننه وصححه الألباني.
ومما يؤكد هذا المعنى أن شارب الخمر في الدنيا توعد بالحرمان منها في الجنة إلا إذا تاب، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة؛ إلا أن يتوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1423(1/2336)
أول طعام يأكله أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أول طعام أهل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أول طعام أهل الجنة زيادة كبد الحوت، وذلك لما خرَّجه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ ابْنُ سَلَامٍ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَالَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ قَالُوا خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ قَالَ هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1423(1/2337)
جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين.
السؤال قد ورد في الحديث أن الله أعد للذين آمنوا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفي قول الله عز وجل في محكم التنزيل: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الجرة فتكونا من الظالمين) .
أفيدونا يرحمكم الله في هذا السؤال مع التوضيح أي جنة التي يتحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وأي جنة يتحدث عنها الله جل شأنه في الآية التي أسكن فيها آدم وهل آدم سكن الجنة التي يتحدث عنها الله؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 4/346، فقال: والجنة التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف الأمة وأهل السنة والجماعة هي: جنة الخلد، ومن قال: إنها جنة في الأرض بأرض الهند أو بأرض جدة، أو غير ذلك، فهو من المتفلسفة والملحدين، أو من إخوانهم المتكلمين المبتدعين، فإن هذا يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة.
والكتاب والسنة يرد هذا القول، وسلف الأمة وأئمتها متفقون على بطلان هذا القول، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) إلى قوله: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [البقرة:34، 36] . فقد أخبر سبحانه أنه أمرهم بالهبوط، وأن بعضهم عدو لبعض، ثم قال: (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) وهذا يبين أنهم لم يكونوا في الأرض، وإنما أهبطوا إلى الأرض، فإنهم لو كانوا في الأرض وانتقلوا إلى أرض أخرى كانتقال قوم موسى من أرض إلى أرض، لكان مستقرهم ومتاعهم إلى حين في الأرض قبل الهبوط وبعده.
وكذلك قال في الأعراف لما قال إبليس: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [الأعراف:13] . فقوله: (فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا) يبين اختصاص السماء بالجنة بهذا الحكم، فإن الضمير في قوله: (مِنْهَا) عائد إلى معلوم غير مذكور في اللفظ، وهذا بخلاف قوله: (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) [البقرة:61] . فإنه لم يذكر هناك ما أهبطوا فيه، وقال هنا: (اهْبِطُوا) لأن الهبوط يكون من علو إلى سفل، وعند أرض السراة حيث كان بنو إسرائيل حيال السراة المشرفة على المصر الذي يهبطون إليه، ومن هبط من جبل إلى واد قيل له: هبط.
وأيضاً، فإن بني إسرائيل كانوا يسيرون ويرحلون، والذي يسير ويرحل إذا جاء بلدة يقال: نزل فيها، لأن في عادته أنه يركب في سيره، فإذا وصل نزل عن دوابه، يقال: نزل العسكر بأرض كذا، ونزل القفل بأرض كذا، لنزولهم عن الدواب.
ولفظ النزول كلفظ الهبوط، فلا يستعمل هبط إلا إذا كان من علو إلى سفل، وقوله: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا) [الأعراف:23-24] .
فقوله هنا بعد قوله: (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) يبين أنهم هبطوا إلى الأرض من غيرها، وقال: (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) [الأعراف:25] . دليل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك بمكان فيه يحيون وفيه يموتون ومنه يخرجون، وإنما صاروا إليه لما أهبطوا من الجنة، والنصوص في ذلك كثيرة، وكذلك كلام السلف والأئمة.
وقد ذكر المسألة العلامة ابن القيم في كتابيه (حادي الأرواح، ومفتاح دار السعادة) وأطال فيها، ونحن نلخص لك ما ذكر في مفتاح دار السعادة 1/14 قال رحمه الله: فنقول: أما ما ذكرتموه من كون الجنة التي أهبط منها آدم ليست جنة الخلد، وإنما هي جنة غيرها، فهذا مما قد اختلف فيه الناس، والأشهر عند الخاصة والعامة الذي لا يخطر بقلوبهم سواه أنها جنة الخلد التي أعدت للمتقين، وقد نص غير واحد من السلف على ذلك. ا. هـ
وللمزيد يراجع كلام ابن القيم في كتابيه المشار إليهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1423(1/2338)
منادمة أهل الجنة بعضهم بعضا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
إذا دخل العباد الجنة هل يعرف الأباء الأبناء؟ وكيفية التعامل بينهم وعن ماذا يتكلمون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 7646 أن أهل الجنة يعرف بعضهم بعضاً.
وأما سؤال السائل عن كيفية التعامل بين أهل الجنة، وعن ماذا يتكلمون، فإن هذا مما ليس تحته عمل، فننصح الأخ السائل، وجميع الإخوة الداخلين على مركز الفتوى بأن يسألوا عما تحته عمل، وعما ينفع علمه في الدنيا والآخرة.
ومع ذلك، فإننا نورد للسائل حديثاً يجد فيه كثيراً مما سأل عنه وهو ما رواه الترمذي وابن ماجه عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: أَسْأَلُ الله أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ في سُوقِ الْجَنّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: افِيهَا سُوقٌ؟ قالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنّ اهْلَ الْجَنّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ، ثُمّ يُؤْذَنُ في مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيّامِ الدّنْيَا فَيَزُورُونَ رَبّهُمْ وَيَبْرُزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَتَبَدّى لَهُمْ في رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ، فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورِ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمنَابِرُ مِنْ فِضّةٍ وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ وَمَا فِيهِمْ مِنْ دَنِيٍ عَلَى كُثْبَانِ المِسْكِ وَالكَافُورِ ومَا يُرَوْنَ أَنّ أَصْحَابَ الكَرَاسيّ بِأَفْضَلَ
مِنْهُمْ مَجْلِساً.
قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قلت: يَا رَسُولَ الله: وَهَلْ نَرَى رَبّنَا؟ قالَ: نَعَمْ، قال هَلْ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤيَةِ الشّمْسِ وَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟ قُلْنَا لاَ، قَالَ: كَذَلِكَ لاَ تَتَمَارَوْنَ في رُؤْيَةِ رَبّكُمْ، وَلاَ يَبْقَى في ذَلِكَ المَجْلِسِ رَجُلٌ إِلاّ حَاضَرَهُ الله مُحَاضَرَةً حَتّى يَقُولَ لِلْرّجُلِ مِنْهُمْ يَا فُلاَنَ بنَ فُلاَنٍ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ قُلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيُذَكّرُهُ بِبَعْضِ غَدَرَاتِهِ في الدّنْيَا، فَيَقُولُ يَا رَبّ أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي؟ فَيَقُولُ بَلَى فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذَهِ، فَبَيْنَما هُمْ عَلَى ذَلِكَ غَشِيَتُهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ فَأَمْطَرَطتْ عَلَيْهِمْ طِيباً لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحهِ شَيْئاً قَطّ، وَيَقُولُ رَبّنَا تبارك وتعالى قُومُوا إِلَى مَا أَعَدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الكَرَامَةِ فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ فَنَأَتِي سُوقاً قَدْ حَفّتْ بِهِ المَلاَئِكَةُ فِيهِ مَالَمْ تَنْظُرْ العُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ وَلَمْ تَسْمَعْ الاَذَانُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ، فَيُحْمَلَ إِلَيْنَا
مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ فِيهَا وَلاَ يُشْتَرَى وَفِي ذَلِكَ السّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً. قَالَ فَيُقْبِلُ الرّجُلُ ذُو المَنْزِلَةِ المرْتَفِعَةِ فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ الّلبَاسِ فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتّى يَتَخَيّلَ إليه مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا، ثُمّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا فَيَتَلَقّانَا أَزْوَاجُنَا فَيَقُلْنَ مَرْحَباً وَأَهْلاً لَقَدْ جِئْتَ وَإِنّ بكَ مِنَ الْجِمَالِ أَفْضَلَ مِمّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: إِنّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبّنَا الْجَبّارَ، وَيَحِقّ لَنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1423(1/2339)
صورة المؤمنين في الجنة..وتذكرهم للأيام الخالية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
الذي أعلمه أنه في يوم القيامة ستكون أشكالنا متشابهة وفي عمر واحد وطول واحد فسؤالي هو:
كيف سنتعرف على بعضنا البعض ونميز الأشكال؟ وهل سنتذكر ما كنا نفعله في الدنيا؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال نرشد الأخ السائل، وجميع الأخوة الداخلين على مركز الفتوى إلى أن يسألوا عما تحته عمل، وعما ينفع علمه في أمر الدين أو الدنيا.
أما عن سؤال الأخ، فإن الوارد هو أن الناس في الجنة -وليس في عرصات القيامة- يكونون على صورة أبيهم آدم عليه السلام، كما ورد ذلك في صحيح الإمام مسلم، وفي رواية له: على طول أبيهم آدم.
فالرواية الثانية تفسر الرواية الأولى، فالمقصود التشابه في الحجم ونسبة الجمال، لا التطابق في الأوصاف. وعلى فرض التطابق، فإن الله على كل شي قدير فهو قادر على أن يجعلهم يميزون بعضهم عن بعض.
أما عن تذكر ما كان يفعله المرء في الدنيا يوم القيامة، فإنه أمر حتمي فسيتذكر كل واحد ما كان يفعله في الدنيا من خير أو شر، أما في الجنة فقد ورد ما يفيد أنه يذكر بعضا من ذلك، ففي سنن الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً في حديث طويل في سوق الجنة وفيه: إن الله يقول للعبد: اتذكر كذا وكذا، فيذكر ببعض غدراته، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى ...
نسأل الله حسن الختام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1423(1/2340)
الأسماء في الآخرة هل هي الأسماء في الدنيا.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
هل الناس في الجنة إن شاء الله سينادي بعضهم البعض بنفس أسمائهم المتعارف عليها في الدنيا؟ جزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال ننبه الأخ السائل، وجميع الداخلين على مركز الفتوى إلى أنه ينبغي أن يسألوا عما تحته عمل، وعما ينفع في أمر الدين أو الدنيا.
أما عن سؤال الأخ، فالظاهر أن الناس يوم القيامة وفي الجنة والنار سينادي بعضهم بعضاً بأسمائهم التي كانوا يسمون بها في الدنيا، وراجع الفتوى رقم:
6179، والفتوى رقم:
20374.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(1/2341)
الدعاء بالزواج من النبي عليه الصلاة والسلام ... نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أما بعد:
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تدعو الله أن تتزوج من الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في الجنة
جزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من دعاء الله تعالى برفقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة، وقد روى مسلم في صحيحه عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود.
والقاعدة أن الله تعالى يعطي أهل الجنة كل ما يحبون ويشتهون، قال تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71] .
وعليه، فلا مانع من أن تتزوج المرأة في الآخرة من تحب وتشتهي، لعموم الآية السابقة، ولو كان هذا المرغوب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل هذا دليل على علو الهمة، والرغبة في الخير، لكن ينبغي أن يكون هذا الدعاء مصحوباً بالعمل الصالح الذي يناسبه، لأن الشيء المطلوب ينال بسببه.
وقد ذكر الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين: أن علياً رضي الله عنه مر على رجل يعبث بالحصى بيديه، وهو ساجد يصلي ويقول: اللهم زوجني الحور العين، فقال له علي رضي الله عنه: بئس خاطب القوم أنت!! تخطب الحور العين، وأنت تعبث بالحصى. انتهى
وقد وعد الله تعالى نبيه المقام المحمود، وطلب منه ثمنه فقال: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً [الإسراء:79] .
وعسى في حق الله محققة، وراجعي الفتوى رقم:
16600، والفتوى رقم:
2369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1423(1/2342)
ألحقنا بهم ذريتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
أريد أن أعرف هل سيكون أطفالي وزوجي معي فى الجنة نسأل الله أن يدخلنا إياها برحمته وفضله، فأنا ياشيخي الفاضل أحب عائلتي كثيراً فهل أنا آثمة لأني كل ما تخيلت الجنة تخيلتهم معي, وهل أيضا آثمة بحبي الشديد لهم فأنا لأجلهم لم أفكر في عمل أو وظيفة مع أني خريجة جامعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن مات على الإيمان وكانت ذريته من أهل الإيمان أيضاً، فقد وعد الله عز وجل بأن يجمعهم في الجنة، قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] .
فأخبر سبحانه أنه بفضله وكرمه يجمع بينهم على أحسن الوجوه، وذلك بأن يرفع الناقص العمل ليكون في درجة كامل العمل، وليس العكس بأن ينقص الكامل ليتساوى مع الناقص.
وعلى المسلم والمسلمة أن يحرصا على تحقيق الإيمان والترقي في شعبه، وأن يربيا أولادهما على الإيمان والعمل الصالح حتى يظفرا بهذا الفضل العظيم.
وأما عن حب الأخت السائلة لزوجها وأولادها ... فإن هذه المحبة من نوع المحبة الطبيعية التي لا يأثم الإنسان بسببها إلا إذا قدمها على محبة الله ورسوله ودينه.
والمرأة لها أجر عظيم إذا هي أقبلت على الاهتمام بتربية أبنائها التربية الصحيحة، وتنشئتهم التنشئة الإسلامية السليمة وتفرغت لذلك، والقيام بحقوق زوجها عليها، فإن ذلك خير لها من حطام الدنيا ولعاعتها التي قد تتحصل عليها من وراء الوظيفة التي قد تعمل فيها، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1423(1/2343)
جنة الدنيا ثواب عاجل
[السُّؤَالُ]
ـ[قال ابن تيمية: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة.... فما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجنة الدنيا هي الإيمان بالله والإقبال عليه ومحبته والرضا بقدره، وغير ذلك من شعب الإيمان، وهذا هو مقصود ابن تيمية -رحمه الله- من هذه الجملة.
قال ابن القيم في الوابل الصيب: والإقبال على الله تعالى، والإنابة إليه، والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل، وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. انتهى
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1423(1/2344)
بون شاسع بين درجة المقربين في الجنة ودرجة العصاة
[السُّؤَالُ]
ـ[المعلوم أن كل إنسان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله سيدخل الجنة ولكن كيف يتساوى ذو الإيمان القوي مع أي إنسان آخر صاحب الغيبة والنميمة والذي لا يحس بالآخرين ولا يتصدق ويدخلون الجنة جميعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس كل من شهد شهادة الحق يدخل الجنة بل لابد من الإتيان بشروطها، والسلامة من الإتيان بنواقضها، وقد تقدمت التفاصيل عن ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية:
5098
12284
12517.
وكذلك لا تستوي درجات المؤمنين الذين يدخلون الجنة فبعضهم في أعلى عليين في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وبعضهم في أدنى درجات الجنة، وبين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض.
كما أن من وقع في الذنوب والآثام من المسلمين، فإنه مستحق للعقاب، وقد يعفو الله عنه بمنِّه وكرمه، وقد يدخله النار بقدر ذنوبه وآثامه، ثم يخرج بعد ذلك إلى الجنة، وينال من الدرجات بقدر عمله في الدنيا.
نسأل الله أن يكرمنا وإياكم في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1423(1/2345)
سمات الذين يدخلون الجنة بغير حساب
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الذين سيدخلون الجنة بغير حساب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. وفي رواية أخرى بزيادة: ولا يكتوون. فهؤلاء الأصناف الأربعة هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
ومعنى"لا يسترقون" أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، وطلب الرقية جائز في الأصل.
ومعنى "لا يتطيرون" أي لا يتشاءمون، والتشاؤم منهي عنه.
ومعنى "لا يكتوون" أي طلباً للأفضل، لأن الكي جائز في الأصل.
ومعنى "وعلى ربهم يتوكلون" أي يفوضون أمرهم إلى الله تعالى، مع بذل الأسباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1423(1/2346)
ثواب سؤال الجنة والاستعاذة من النار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قال اللهم أجرني من النار ثلاث مرات 0 قالت النار: يارب إن عبدك استجار بك مني فأجره 0 أفيدوني جزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الترمذي في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجره من النار. وصححه الألباني، ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه في مسنده، كلهم بأسانيد صحيحة، قال في تحفة الأحوذي: بلسان القال لقدرته تعالى على إنطاق الجمادات. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(1/2347)
الزوجة المؤمنة لآخر أزواجها في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن الزوج في الآخرة هل هو نفسه الزوج في الدنيا؟ أنا فتاة أحببت شخصاً ومات ولا أريد الزواج في الدنيا فهل أتزوجه في الآخرة؟ وإذا تزوجت في الدنيا هل أتزوج زوجي في الجنة أم من أريد أو من أحببت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا دخل الزوج الجنة، فإن كانت زوجته صالحة، فإنها تكون زوجته في الجنة أيضاً، لقوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) [الرعد:23] . ولقوله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) [الزخرف:70] .
أما إذا تزوجت المرأة أكثر من زوج، ودخل جميعهم الجنة، فالراجح أنها لآخر أزواجها، لما رواه البيهقي في سننه أن حذيفة قال لزوجته: إن شئت تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا. فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده، لأنهن أزواجه في الجنة.
أما قول السائلة أنها أحبت رجلاً ومات، وأنها لا تريد الزواج في الدنيا طمعاً بأن تتزوجه في الآخرة، فالجواب عنه أن هذا الشخص الميت إذا كان قد تزوجها فعلاً، فلها أن تمتنع عن الزواج بغيره لحديث حذيفة المتقدم، وخصوصاً إذا كانت غير محتاجة للزواج، أما إذا كان الشخص الميت المحبوب غير زوج فلا يحق لها الامتناع عن الأزواج، ولأن من بلغت سن الزواج لا يحق لها ولا لوليها رفض الزواج ممن خطبها من أكفائها، وخصوصاً إذا كانت المرأة تخشى من الوقوع في الفاحشة إن هي لم تتزوج، وكانت محتاجة للزواج من وجه آخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1423(1/2348)
دخول الجنة ونيل رضوان الله متلازمان
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما رأيكم في هذه الأبيات
أن تدخلني ربي الجنة ... هذا أقصى ما أتمنى
فهل دخول الجنة أقصى ما نتمنى؟؟؟؟؟؟؟ وأنا أعتقد أن رضى الله هو أقصى ما نتمنى
فما رأيكم؟؟؟؟؟؟ لأنني مشاركة في منتدى النشيد ووجدت هذه الأنشودة؟؟؟؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أقصى ما يتمناه المرء العاقل هو أن يدخل الجنة دار السعداء، وأن ينجو من النار دار الأشقياء. وهكذا كان عامة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يدور حول هذين الأمرين، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ما تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن. رواه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة، وقال الألباني إسناده صحيح.
والدندنة: أن يتكلم الرجل بكلام تسمع نغمته ولا يفهم. ومعنى قوله"ما أحسن دندنتك" أي لا أحسن مسألتك الخفية.
وبمثل هذا كانت أماني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عامة أدعيتهم كذلك فيها.. يسألون الله الجنة ويستعيذونه من النار، وهكذا الصالحون من عباد الله شأنهم أن الجنة غاية أمانيهم. ولهذا فهم دائماً يسألون ربهم أن يدخلهم الجنة، ويستعيذون به من النار، كما جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون اللَّه عز وجل تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً، فيقول: فماذا يسألون؟ قال يقولون: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبةً. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يتعوذون من النار؟، قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافةً، قال: فيقول: فأُشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء
لا يشقى بهم جليسهم.
أما رضى الله فإن العبد يناله إذا تمنى الجنة وعمل لها، وإذا دخل الجنة حلَّ عليه رضوان الله فيها كما في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: يا ربنا فأي شيء أفضل من ذلك؟! قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً.
والخلاصة هي أن الفوز بالجنة والنجاة من النار هي أقصى ما يتمناه المرء ولامنافاة بين دخول الجنة ورضى الله تعالى بل هما متلازمان، فنسأل الله لنا ولك ولسائر المسلمين أن يرزقنا الجنة ويعافينا من النار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1423(1/2349)
أسماء أبواب الجنة وأبواب النار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أسماء أبواب الجنة وأبواب النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللجنة ثمانية أبواب ثبت ذلك في نصوص شرعية، منها ما رواه البخاري ومسلم عن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنّ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنّ مُحَمّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنّ عِيسَىَ عَبْدُ اللهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنّ الْجَنّةَ حَقّ، وَأَنّ النّارَ حَقّ، أَدْخَلَهُ الله مِنْ أَيّ أَبْوَابِ الْجَنّةِ الثّمَانِيَةِ شَاءَ".
ولهذه الأبواب أسماء ثبتت بنصوص شرعية، مثل: الصلاة والجهاد والصدقة والريان والأيمن وباب الكاظمين الغيظ، ومنها ما اختاره بعض العلماء لإشارات وإيماءات في النصوص مثل: باب التوبة أو الذكر أو العلم أو الراضين أو الحج.
ودليل الأربعة الأولى ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أي أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة.
ودليل الخامس ما رواه البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة في حديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: فيقال: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من باب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب.
ودليل السادس ما رواه الإمام أحمد عن الحسن مرسلاً: إن لله باباً في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة. كما ذكر الحافظ في الفتح.
واختلف شراح الحديث في أسماء البقية بعد أن اتفقوا على تسمية الأربعة الأولى.
قال النووي: قال القاضي: وقد جاء ذكر بقية أبواب الجنة في حديث آخر في باب التوبة وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وباب الراضين فهذه سبعة أبواب جاءت في الأحاديث، وجاء في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم يدخلون من الباب الأيمن، فلعله الباب الثامن.
وقال ابن حجر: وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة ... وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى فمنها" باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ... ومنها: باب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولاعذاب. وأما الثالث: فلعله باب الذكر، فإن عند الترمذي ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم انتهى.
وأما النار فلها سبعة أبواب، كما قال الله سبحانه: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ*لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر:43-44]
ولا نعلم نصاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في تسمية هذه الأبواب، لكن جاءت آثار عن الصحابة في ذلك، منها ما ذكره القرطبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: هل تدرون كيف أبواب الجنة؟ قلنا: مثل أبوابنا. قال: لا. هي هكذا بعضهم فوق بعض -زاد الثعلبي- ووضع إحدى يديه على الأخرى. وأن الله وضع الجنان على الأرض والنيران بعضها فوق بعض، فأسفلها جهنم وفوقها الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها لظى وفوقها السعير وفوقها الهاوية. وكل باب أشد حراً من الذي يليه سبعين مرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله سبحانه: لها سبعة أبواب قال: جهنم والسعير ولظى والحطمة وسقر والجحيم والهاوية وهي أسفلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(1/2350)
يتفاوت أهل الجنة على قدر أعمالهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا واقع في حيرة لماذا هذا ملك مرتاح وعنده مال ويمكن أن يدخل الجنة ويجلس في الفردوس وواحد آخر لا يملك مالاً ويدخل أخفض مكان في الجنة وهذا إنسان وهذا إنسان فما وجه العدل في ذلك؟ أرجو التوضيح]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجنة دار المتقين أعدها الله تعالى للذين أحسنوا في الحياة الدنيا. وشاءت حكمته سبحانه وتعالى أن يجعل الجنة درجات بعضها فوق بعض، ويتفاوت أهل الجنة فيها على قدر أعمالهم، والعقل يقضي بأن ذلك مقتضى العدل، فليس من اجتهد وأتعب نفسه لله كمن لا يجتهد، لا يستوون. وهذا ربيعة بن كعب الأسلمي يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: سلني، فيقول، أسألك مرافقتك في الجنة! فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ قال: قلت: هو ذاك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأعني على نفسك بكثرة الصلاة السجود. رواه أبو داود والنسائي. والحديث يدل على أن كثرة السجود يكون سببا في بلوغ الدرجات العلى من الجنة.
ومن هنا تعلم أيها السائل الكريم: أن تفاوت الدرجات في الجنة سببه تفاوت الأعمال في الدنيا. ونذكرك بما قال الإمام الطحاوي رحمه الله: "ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام." فأصل إسلامك أن تستسلم لله تعالى استسلاما كاملاً مع الخضوع والانقياد الكامل له سبحانه وتعالى وأن تعلم أن الله تعالى كما قال: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وهذا يقتضي ألا تقول: لم فعل؟ وإنما تسلم وتنقاد، وتعلم أنه تعالى ما فعل ما فعل بلا حكمة.
وأنه تعالى لا يظلم أحداً، كما قال: (ولا يظلم ربك أحدا) وذلك لكمال عدله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1423(1/2351)
الدلائل العقلية والنقلية على وجود الجنة والنار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هنالك من ذهب للموت أي توفي ثم رجع ليخبرنا أن هنالك جنة ونارا أريد إثباتا حقيقيا 000
فالنبي إبراهيم قد طلب توثيقا من الله وأنا أعلم أن الإجابه موجودة في القرآن ولكن حتى يطمئن قلبي
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللجواب على السائل نقول: إن المسلم يجب ألا يحتاج - لكي يؤمن بالجنة والنار- إلى أن يعود أحد الموتى ليخبرنا بما رأى بعد موته.
فيكفي المسلم أن الصادق المصدوق الذي زكى الله فؤاده وبصره عن الزيغ والطغيان والكذب والبهتان، ذهب إلى ذلك العالم ورأى ما أعده الله لأهل الجنة من النعيم المقيم، وما أعده الله لأهل النار من الخزي والعار، ثم رجع ليخبرنا بما رأى تفصيلاً وإجمالاً.
ورؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثق عندنا من رؤية أنفسنا، لو أتيح لنا رؤية ذلك، ورحم الله أحد السلف إذ قال يوماً لأصحابه: رأيت الجنة والنار حقيقة في الدنيا!!
فقالوا: كيف رأيتهما؟؟ قال رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعينا رسول الله أوثق عندي من عيني رأسي.
أما ما طلبه السائل من إثبات حقيقي على وجود الجنة والنار، فالجنة والنار لا توجدان في عالم الشهادة حتى يثبت وجودهما مادياً، لكنهما في عالم الغيب، والإيمان بهما إيمان بالغيب، وعندنا من دلائل هذا الإيمان ما يزيد على الإثباتات المادية، الحسية.
وبيان ذلك: أن إيماننا بهما فرع عن الإيمان بالله، فإن العدل الإلهي المطلق يأبى أن يخلق هذا العالم ليكون مسرحاً للمآسي والظلم والهمجية، ثم ينقضي بدون أن يقتص للمظلوم من ظالمه وللمقتول من قاتله، وينتهي الأمر بهذه الصورة، فلا المحسن يثاب ولا المسيئ يعاقب، هذه صورة تبعث على اليأس والقنوط والكفر والفجور، إذاً فلا بد من يوم يقيم فيه الإله الحاكم العدل موازين الحق وقسطاس العدل بين عباده فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:8] .
وكذلك المؤمن ينفي عن الله العبثية كما نفاها عن نفسه سبحانه: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] ، ونفي العبثية عن الحكمة الإلهية يعني أن الله لم يخلق الإنسان هملاً لا يؤمر ولا ينهى، وبالتالي لا يحاسب ولا يجازي.
والإيمان بالجنة والنار فرع عن الإيمان بالقرآن وأنه كلام الله، وفيه من الحديث عن الجنة والنار وما فيهما من النعيم والعذاب المادي والمعنوي، وفيه إيراد الأدلة الكثيرة والبراهين العديدة على البعث والنشور وما يلحق ذلك من الحساب والجزاء، فمن ذلك دلالة النشأة الأولى على النشأة الآخرة: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء:51]
ومنها دلالة الأطوار الإنسانية والنباتية، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ [الحج:5] ، فالله الذي قدر على أن ينقل الإنسان من حال إلى حال ومن طور إلى طور، هو نفسه قادر على خلقه في طور جديد، في نعيم مقيم أو عذاب أليم.
والإيمان بالجنة والنار، فرع من الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا آمنا بأن محمداً رسول الله وصدقناه، صدقنا بكل ما جاءنا به من عند الله من أخبار وأوامر ونواهي، ومما أخبرنا به الجنة والنار وأحوالهما، وأحوال أهل كل واحدة منهما.
وهنا كلمة نقولها للسائل: وهي أن أهل الأديان جميعاً (السماوية أصلاً) وإن اختلفوا في أشياء كثيرة إلا أنهم متفقون على الجنة والنار وإن اختلفت الأسماء، وغير أهل الأديان من ملاحدة ودهريين لا يملكون دليلاً ولا ربع دليل على إنكار ذلك، ولذا سمى القرآن ما قالوه وادعوه في هذا الباب ظناً: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24] .
وأنصح السائل بقراءة كتاب الإسلام يتحدى لوحيد الدين خان الباب الخامس دليل الآخرة.
كما ننبه السائل إلى أنه ينبغي له أن يعلم أن الهداية بيد الله، وكم من قوم ظهرت لهم آيات بينات وأوتوا معجزات ظاهرات باهرات قاطعة لدابر الشك، ومع ذلك حرموا التوفيق والهداية، فمن وضح له الحق في أول الأمر فليحمد الله أن هداه، وليسأله المزيد من التوفيق واليقين، وليتدبر قول الله جل وعلا: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ*وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام:110] ، وقوله أيضاً: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً [فاطر:42] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1423(1/2352)
فطرة الرجل مهيأة لمعاشرة أكثر من امرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا جعل الله في الجنة زوجات حور ولم يجعل أزواجا حورا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله سبحانه وتعالى خلق الحور العين بالإضافة إلى من يدخل الجنة من نساء أهل الدنيا ليكنَّ أزواجاً لمن يدخل الجنة من الرجال، وهذا من كمال فضل الله ونعمه على الرجال والنساء، لأن حكمته سبحانه اقتضت أن الرجل مهيئ فطرة لأن يكون قادراً على أن يعاشر أكثر من امرأة، بخلاف المرأة، ولا توجد امرأة في الجنة إلا ولها زوج تتنعم به. كما هو مبين في الفتوى رقم:
10579 وهذا الزوج لا يكون على صورته التي كان عليها في الدنيا؛ بل يكون في أحسن صورة وأجمل هيئة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين على خلق آدم ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع. رواه أحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1423(1/2353)
صفات أصحاب الجنة في القرآن والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد وصفا لأهل الجنة؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصفات أهل الجنة كثيرة جداً ويصعب حصرها، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم منهم.
فمن أوصافهم على سبيل المثال ما تضمنته الآيات من 13-21 من سورة الإنسان، والآيات 33- 35 من سورة فاطر، والآيات 15-37 من سورة الواقعة ... إلى غير ذلك من صفاتهم الكثيرة والمذكورة في القرآن الكريم.
ومن صفاتهم في الأحاديث النبوية ما في صحيح البخاري وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، وأمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1423(1/2354)
غاية أنس المرأة في الجنة أن يكون لها زوج واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[العلماء دائماً يذكرون أن الرجال يثابون بحور العين في الجنة وكيف يتمتع الرجل بأكثر من امرأة ... وماذا للمرأة هناك، أؤمن أن الله عادل وغير ظالم، أريد أن أفهم فقط؟
إذا ترشدني إلى كتب فأكون شاكراً لك، أريد أن أعرف أكثر لأني أشعر أن الطريقة التي ينشر بها الإسلام في وقتنا الحاضر لا يليق بالله.
توجد أفكار خاطئة ومواعظ كثيرة جداً تدفعك بعيداً عن الإسلام إن الله كريم، لطيف ودود لعباده، فمن أين تأتي هذه الدناءة وهذا العرض السيئ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب أن يعتقد العبد أن الله تعالى عادل لا يظلم، وأنه كريم لطيف ودود.
وأن يعتقد أيضاً أن الله حكيم عليم، يفعل ما شاء ويختار، لا معقب لأمره ولا راد لحكمه جل وعلا.
وقد اختار الله بحكمته أن يكون للرجل في الدنيا أربع زوجات، وليس للمرأة ذلك، وفي هذا من الحكم ما يدركه أولو الحق الذين جمعوا بين البصائر والإيمان.
وقضى الله تعالى أن يتمتع المؤمن في الجنة بأعداد من الحور العين، وأن تكون المؤمنة قاصرة طرفها على زوجها لا تحب غيره ولا تتمنى سواه، كما قال الله تعالى (قاصرات الطرف) .
وينبغي أن تعلم أن الجنة ليس فيها عزب، فالمرأة التي لم تتزوج أو كان زوجها من أهل النار تتزوج في الجنة، ويتحقق لها مع زوجها من النعيم ما لا يخطر على قلب بشر.
وأمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا، فقد تشتهي المرأة في الدنيا أن يكون لها أكثر من رجل، لكن هذه الشهوة المحرمة لا مكان لها في الجنة، بل غاية أنس المرأة هناك وقرة عينها أن يكون لها زوج واحد لا تحب غيره ولا ترضى سواه، وهذا من كمال قدرة الله تعالى وحكمته ولطفه بعباده.
والمسلم في هذه الحياة ينبغي أن يكون همه وسعيه الوصول إلى هذه الجنة.. لا الانشغال بمثل هذه الأمور التي لا مجال لتغييرها ولا تبديلها، فإذا أكرمه الله تعالى بدخول جنته فإنه يرى من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهل جنته ورضوانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1423(1/2355)
كون من لم تتزوج تزوج أحد الصحابة في الآخرة لم يرد نص فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح حديث عن الرسول أن البنت التي لم تتزوج في الدنيا تتزوج أحد الصحابة في الآخرة؟ وهل عدم الزواج لهذا السبب (إن كان صحيحاً) يعتبر حراماً حيث لا رهبانية في الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى إذا مَنَّ على أحد من خلقه بأن أدخله الجنة، فإنه يعطيه كل ما يشتهي وكل ما يحب، قال تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الزخرف:71] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
وعليه، فلا مانع من أن تتزوج البنت في الآخرة مِن مَن تحب وتشتهي، ولكن كونها تتزوج أحد الصحابة أمر لم يرد نص بخصوصه، وقد سبق أن أجبنا على هذا الموضوع برقم: 2369.
كما أن الرجال يتزوجون فيها، قال تعالى: (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ) [البقرة:25] .
وأما ترك التزويج لذلك السبب فغير صواب، لأن الزواج من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن تركه فقد رغب عن سنته صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من رغب عن سنتي، فليس مني" متفق عليه.
وخلاصة الأمر: أنه لا ينبغي العزوف عن الزواج بقصد التزوج في الآخرة ولا منافاة بين حصول ذلك في الدنيا وحصوله في الآخرة إذا كان الشخص من أهل الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1423(1/2356)
من لم تتزوج بعد زوجها تدخل الجنة معه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي زوجة متوفاة وأرغب في الزواج حالياً وفي حالة وفاة الزوجة الثانية بعد عمر طويل فأي من الزوجتين تكون لي زوجة في الاخرة؟ ومن سيكون للزوجة الثانية؟
أفيدوني عاجلاً وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله الجنة لنا ولكم وللمسلمين، واعلم أن المرأة في الجنة لزوجها في الدنيا إن دخل معها الجنة، وكذا بقية الزوجات.
فمن كان له زوجات لم يتزوجن غيره، فهن له في الجنة.
وانظر الفتوى رقم: 2207
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1423(1/2357)
أسماء الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[- أحب أن أعرف ما هي أسماء الجنة؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أسماء الجنة:
1/ الحسنى، قال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى) [يونس: 26] .
2/ دار السلام، قال تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:127] .
3/ جنات عدن، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) [التوبة: 72] .
4/ جنات النعيم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [يونس:9] .
5/ دار المتقين، قال تعالى: (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) [النحل:30] .
6/ جنات الفردوس، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) [الكهف:107] .
7/ جنة الخلد، قال تعالى: (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً) [الفرقان:15] .
8/ الغرفة، قال تعالى: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً) [الفرقان:75] .
9/ دار المُقامة، قال تعالى: (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) [فاطر:35] .
10/ دار القرار، قال تعالى: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر:39] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1423(1/2358)
أحاديث تنص على أن اسم خازن الجنة (رضوان) ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو نص الحديث الذي يذكر فيه أن خازن الجنة اسمه رضوان؟ وما مدى صحته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تسمية خازن الجنة برضوان قد ورد في بعض الأحاديث، ومنها:
- حديث أبي بن كعب عند القضاعي في مسند الشهاب وهو حديث طويل وفيه: "وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان خازن الجنة بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه، فيقبض ملك الموت روحه وهو ريان".
- وحديث أنس عند ابن حبان في المجروحين، وابن عدي في الكامل، والعقيلي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أول ليلة من رمضان نادى الله رضوان خازن الجنة فيقول: نَجِّد جنتي، وزينها للصائمين ... ". وفي بعض طرقه أحدم بن حوشب، وفي بعضها الآخر: عباد بن عبد الصمد، وهما متروكان.
- وفي تفسير القرطبي قال: يُروى أن هذه الآية: ( ... وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) أنزلها رضوان خازن الجنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الخبر أن رضوان لما نزل سلم على النبي صلى الله علي وسلم ثم قال: يا محمد رب العزة يقرئك السلام ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1422(1/2359)
لا اختلاف ولا تباغض بين زوجات المؤمن في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان للرجل زوجتان من الحور العين في الجنة فهل ستحزن زوجته من الدنيا لوجود زوجة أخرى لزوجها فذلك من طبيعة المرأة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس بين أهل الجنة تشاحن ولا تباغض، ولا غير ذلك من الصفات الذميمة، قال الله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً) [الحجر:47] وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون… لكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً"
وعلى كل، فطبيعة المرأة في الجنة غير طبيعتها في الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1422(1/2360)
أعمال تعلي درجة صاحبها في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال الصالحة التي تعلي منزلة المؤمن في الجنة ... وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من امتثل أوامر الله واجتنب نواهيه، وكان مخلصاً لله تعالى كان أهلاً لأن يدخله الله جنته، ويرفع درجته فيها، وقد بين الله سبحانه وتعالى أن من حصل الإيمان والعلم يرفع درجات، قال جل وعلا: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة:11] .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فيه فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة".
وعنه أيضاً رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟. قلنا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذالكم الرباط" رواه مسلم.
ولا شك أن من علت درجته عند الله سبحانه وتعالى، فسيعلى منزلته في الجنة. نسأل الله سبحانه وتعالى علو الدرجة والمنزلة عنده إنه جواد كريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(1/2361)
الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل يدخل بعض المؤمنين الجنة بعد وفاتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت أن بعض المؤمنين وهم الشهداء أحياء ينعمون في الجنة بعد وفاتهم.
جاء ذلك في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن الكتاب قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) [آل عمران:169]
ومن السنة ما ثبت في صحيح مسلم عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن معنى هذه الآية (يعني الآية المتقدمة) فقال: أما إنا سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ فقالوا: أيَّ شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا.
قال القرطبي: ولا يتعجل الأكل والنعيم لأحد إلا للشهيد في سبيل الله بإجماع من الأمة، حكاه ابن العربي.
وأما غير الشهيد فإنما يعرض عليه مقعده في الجنة؛ إن كان من أهلها، حتى يبعث يوم القيامة.
ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1422(1/2362)
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي منذ وقت قريب، فهل أراه في الجنة (إن شاء اله) وإذا كنا في درجات مختلفة في الجنة فهل مع ذلك يمكن اللقاء والتذكر عن عيشنا معا في هذه الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الولد المسلم يرى والده المسلم في الجنة، ويلحق به في درجته إذا كان الابن في درجة أعلى منه، كما يلحق الوالد بالولد إذا كان الولد في درجة أعلى منه، وهذا من فضل الله على عباده. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21] .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: يخبر تعالى عن فضله وكرمه وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه، أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان يلحقهم بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه بأن يرفع الناقص العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذلك ...
وهم في تلك المنازل العالية والنعيم المقيم يتبادلون الحديث بينهم، ويتذكرون ما كانوا عليه في الدنيا من عناء وتعب، فيحمدون الله تعالى على هذا النعيم، كما قال الله تعالى: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) [الصافات:50] .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: يخبر تعالى عن أهل الجنة أنه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون أي عن أحوالهم، وكيف كانوا في الدنيا؟ وماذا كانوا يعانون فيها؟ وذلك من حديثهم على شرابهم واجتماعهم في تنادمهم ومعاشرتهم في مجالسهم، وهم جلوس على السرر، والخدم بين أيديهم يسعون ويجيئون بكل خير عظيم من مآكل ومشارب وملابس وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1422(1/2363)
ماهية الحياة بعد يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون الحياة بعد يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحياة بعد يوم القيامة وبعد ما يستقر الناس في منازلهم الأبدية تنقسم إلى حياتين:
حياة نعيم مقيم لا ينقطع أبداً، ولا يحيط عقل بوصفه كماً ولا كيفاً ولا عدداً، وإنما هو كما أخبر الله تعالى عنه في كتابه العزيز: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17] .
ويقول في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل هذه الحياة في الفردوس الأعلى، واعلم أن أهل هذه الحياة منهم من يدخل الجنة مباشرة من غير أن تمسه النار، أو يراها، أو يمر بها إلا تحلة القسم.
ومنهم من يدخلها بعد ما يقضي فترة في النار - نسأل الله السلامة والعافية - وهؤلاء هم عصاة الموحدين الذين يدخلون النار أولاً بسبب ما اقترفوه في الدنيا من ذنوب ومعاصٍ، ثم يخرجهم الله تعالى منها، ويدخلهم الجنة: إما بمحض فضله وواسع مغفرته بدون أي سبب، وإما بسبب شفاعة الشافعين عنده سبحانه وتعالى.
وعلى كل حالٍ، فمن دخل الجنة سواء كان من أولئك أو من هؤلاء، فإنه قد بدأ حياته الأبدية السعيدة.
وأما الحياة الثانية: فهي حياة جحيم وعذاب أليم لا ينقطع أبداً، ولا يستطيع أحد عليه صبراً ولا جلداً، أصناف وألوان لا يتخيلها العقل، نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
ومن أراد أصدق حديث عن تلك الحياة التي بعد يوم القيامة بقسميها المذكورين، فليقرأ كتاب الله تعالى بتدبر وتأمل، فقلما تخلو سورة منه من ذكر حال ذينك الفريقين: إما تفصيلاً وإما إجمالاً.
وليطالع لذلك ما ثبت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقد ألف علماء الإسلام في هذه الحياة تآليف مستقلة، كما ضمنوا كتبهم التفسيريه والحديثية كلاماً مستفيضاً عنها.
ومن الكتب المؤلفة في هذا الموضوع كتاب (التذكرة في أحوال الموتى، وأمور الآخرة) للإمام القرطبي، وكتاب (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) للإمام ابن القيم، ورسالة في ثلاثة مجلدات لأحد المعاصرين اسمها (الحياة الآخرة) للدكتور: غالب عواجي. ومن المختصرات المفيدة في هذا الباب الجزء الخامس من سلسلة الدكتور/ عمر سليمان الأشقر، والذي عنوانه (الجنة والنار) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1422(1/2364)
مصير أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم..
هل أمة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام مصيرها الجنة؟
ومن هي أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم تطلق إطلاقين:
تطلق ويراد بها كل من بلغته دعوته، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم.
فقوله من هذه الأمة أي: أمة الدعوة.
وتطلق ويراد بها: أتباعه، وهم أمة الإجابة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" رواه أبو داود والترمذي.
ومذهب أهل السنة والجماعة أن من مات يؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم دخل الجنة، فإن كان عاصياً، فقد يدخل النار فترة على حسب معصيته، ويخرج منها، ويدخل الجنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول: الله تعالى أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
وأما من مات على الكفر - والعياذ بالله - فهو خالد في النار لا يخرج منها أبداً، ولو كان معدوداً في الظاهر من أمة الإجابة، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) [النساء:48] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1422(1/2365)
وصف الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو وصف الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه أما بعد:
فقد جاء وصف الجنة في القرآن الكريم في عدة آيات:
منها قوله تعالى: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133] ومنها قوله: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) [الرعد:35] .
ومنها قوله تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) [محمد:15] .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" مصداق ذلك في كتاب الله: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17] .
ولعل أشمل ما ورد في وصفها قوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الزخرف:71] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1422(1/2366)
ما يؤهل المؤمن للمكافأة بالحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال الصالحة التي تمكن المؤمن من الزواج بفتاة من الحور في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في السنة الصحيحة أن لكل رجل في الجنة زوجتين من الحور العين، ومنهم من يزوج بسبعين من الحور العين وهم الشهداء، ففي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حُلة يُرى مخ ساقها من وراء الثياب".
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة…" الحديث.
وفيه: "ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فتقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك".
وأما الشهيد، فقد جاء في ثوابه ما رواه الترمذي من حديث المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه".
ومن الأعمال التي يكافأ صاحبها بالزواج من الحور العين: كظم الغيظ.
ففي سنن الترمذي: "من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء".
فمن رام الوصول إلى الحور العين فليجتهد في تحصيل الأسباب التي تنال بها الجنة، من الإيمان والعمل الصالح والجهاد والاستشهاد والتخلق بالأخلاق الحسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1422(1/2367)
المرأة لها زوج واحد في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الله تعالى فى مواقع عديدة من القرآن عن تمتع الرجال بالحور العين وذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن للرجل فى الجنة 40 من الحور العين، وسؤالى هو إذا كانت هذه مكافأة الرجال فى الجنة ومتعتهم، فماذا جعل الله تعالى من أجل النساء ومتعتهم فى الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً: ورد في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في أهل الجنة:" لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم من الحسن".
وروى أحمد والطبراني وحسنه ابن حجر عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للشهيد عند الله سبع خصال… ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين" ولم نقف على حديث يفيد أن المؤمن يعطى أربعين امرأة من الحور العين.
ثانياً: إن المرأة في الجنة تتمتع بزوج كما يتمتع الرجل بالزوجات، فلا يوجد في الجنة أعزب، كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وما في الجنة عزب " قال ابن منظور في لسان العرب: العزاب هم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء. وقال الله عز وجل: (إنا أنشأناهن إنشاء *فجعلناهن أبكاراً *عرباً أتراباً) [الواقعة:35-37] أي نساء الدنيا يعيد الله نشأتهن، بعدما كن عجائز رمصاً، صرن أبكاراً عرباً، أي بعد الثيوبة عدن أبكاراً عرباً، متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة، إلا أن الله عز وجل ميز الرجل فأعطاه من نساء الدنيا ومن الحور العين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، كما أن للجميع من المتع ما يشاؤون كما قال تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون) [الزخرف:71]
ومن المناسب هنا أن نرد على إشكال أثاره بعض الناس عندما سمع هذه الآية، فقال: هذه الآية تدل على أن المرأة إذا اشتهت أن يطأها غير زوجها مكنها الله من ذلك. والجواب: أن اشتهاء المرأة غير زوجها لا يكون، والدليل قول الله تعالى: (فيهن قاصرات الطرف) [الرحمن:56] قال ابن عباس وغيره: أي غضيضات الطرف عن غير أزواجهن، فلا يرين شيئا في الجنة أحسن من أزواجهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1422(1/2368)
الحب في الله من أسباب دخول الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب أختي كثيراً وذلك بسبب ديننا الذي نلتزم به أنا وهي على عكس إخوتي الآخرين فإذا جمعني الله وإياكم في جنته ولم أجد أختي المحببة إلي.. فهل بإمكاني أن أراها إذا كانت في النار؟ وإذا كان كذلك هل بإمكاني أن أدعو الله أن يخرجها ويعفو عنها لتكون معي في جنات الخلود.. وشكرا وجمعني وإياكم وجميع المسلمين في جنات النعيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحب في الله من أقوى أسباب الأمان والنجاة يوم القيامة، فقد روى مسلم والبخاري وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قبله معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".
فاستمرار محبتك لأختكِ للتدين والصلاح هو: استمرار لهذا الضمان من الله بأن يظلكما في ظلّه يوم القيامة - إن شاء الله - ومَن أظلّه الله تعالى في ظلّه لم يُعذبه، وما عليكما إلّا الثبات على الإيمان والصلاح والعبادة، والاستمرار على هذه المحبة الخالصة لله سبحانه، واسألاه جلّ وعزّ أن يحشركما في ظله ويدخلكما في نعيمه.
ثم إن المؤمنين يُشفِّعُ الله مَن يشاء منهم، فيمن يشاء يوم القيامة، فقد روى ابن خزيمة من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل يَشْفع للرجلين والثلاثة، والرجل للرجل"، وأخرج الترمذي وحسنه، وأحمد، وابن خزيمة من حديث ابن أبي جدعان رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم"، قال: قلنا: سواك يا رسول الله؟ قال: "سواي".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1422(1/2369)
ولد الزنا يحاسب على عمله لا عن كسب أبويه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ولد الزنا يدخل الجنة؟ وإن كان لايدخل فما الحكمة من ذلك علما بأنه بريء من جريمة والديه؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من وُلد من الزنا لا ذنب له في ذلك، ولا إثم عليه، بل هو ممن يولد على الفطرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة ... " الحديث. وهذا يشمل أولاد الكفار، وولد الزنا إن كان من مسلمين فهو أولى أن يكون على الفطرة، وهو سيحاسب على ما عمل، وعلى ما كسب هو، لا ما كسب أبواه من الزنا، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) [الأنعام: 164] .
وإذا بلغ سن التكليف ومات بعد ذلك، فإنه قد يكون من أهل الجنة، أو من أهل النار حسب عمله كسائر الناس.
وأما ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ولد الزنى لا يدخل الجنة" فإن هذا غير صحيح، فقد أورد هذا الحديث كثير من العلماء في الأحاديث الموضوعة، ومن هؤلاء ملا علي القارئ في كتابه: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة. وقال فيه العجلوني في كشف الخفاء: يدور على الألسنة ولا أصل له. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1421(1/2370)
الطريق إلى جنة الفردوس
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أدخل في الإسلام بصورة صحيحة بحيث أنال جنة الفردوس كما وعد الله تعالى الذين يؤمنون بدينه الحق وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد
نشكر الأخ الكريم على حرصه على النافع من العمل ليصل به إلى رضوان الله تعالى ويكون من أهل الفردوس الأعلى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز". رواه مسلم. ولكي يحصل العبد رضوان الله ليكون من أهل الفردوس كما قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً) . [الكهف:107] عليه أن يحقق تلك الآية العظيمة التي بينت صفات أصحاب الفردوس أنهم آمنوا وعملوا الصالحات، وأن يحقق الدين في نفسه كما جاء في حديث جبريل الذي رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال: صدقت. قال فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال فأخبرني عن الإيمان: قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك…… الحديث". وفي آخره قال: "فانه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم". فعليك أن تقوم بأركان الإسلام الظاهرة، وأهمها وأجلها الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الصلاة خير موضوع" أخرجه الآجري. وقال: "لا يحافظ عليهن إلا مؤمن". وعليك أن تحافظ عليها في جماعة لقول ابن مسعود رضي الله عنه: "من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى". وأن تنقي عقيدتك من شوائب البدع والشرك والخرافة وأن تحل الحلال وتحرم الحرام وأن تجتنب ما نهى الله عنه. فلا يراك الله في مكان يحب ألا يراك فيه. وأن لا يفتقدك في مكان يحب أن يراك فيه. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن أبي ثعلبه الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تضيعوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وترك أشياء من غير نسيان ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها". وعليك أيها السائل الكريم أن تتعلم العلم النافع الذي به تستبصر الأمور قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) [يوسف:108] وأن تحرص على مجالسة أهل العلم ممن تثق به ويتحلى بالورع والاستقامة. والله نسأل أن يوفقنا وإياك إلى مرضاته، وأن يجعلنا من أهل الفردوس الأعلى.
... والله ولي التوفيق.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2371)
صفات نساء أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تعطوني بعض المعلومات عن نساء الجنة مما ورد في الكتاب والحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء وصف نساء الجنة في آيات وأحاديث كثيرة، فمن ذلك قوله تعالى: (ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) [البقرة: 25] والمطهرة هي التي طهرت من الحيض، والبول، والنفاس، والغائط والمخاط والبصاق، وكل قذر وكل أذى يكون من نساء الدنيا، وطهر مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة، وطهر لسانها من الفحش والبذاء، وطهر طرفها من أن تطمح به إلى غير زوجها، وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ.
قال عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (مطهرة) : لا يحضن ولا يحدثن، ولا يتنخمن.
وقال تعالى: (كذلك وزوجناهم بحور عين) [الدخان: 54] والحور: جمع حَوراء، وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين. قال زيد بن أسلم: (الحوراء) التي يحار فيها الطرف، و (عين) حسان الأعين.
وقال تعالى: (فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان. كأنهن الياقوت والمرجان) [الرحمن 56-58] قال الإمام ابن القيم: والمفسرون كلهم على أن المعنى: قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم.
ومعنى (لم يطمثهن) أي: لم يمسسهن، أي ولم يجامعهن أحد، فهن أبكار. وأما قوله: (كأنهن الياقوت والمرجان) فقد قال الحسن وعامة المفسرين: أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان، شبههن في صفاء اللون وبياضه بالياقوت والمرجان نقله ابن القيم عنهم.
كما قال الله في وصف نساء الجنة (إنا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً لأصحاب اليمين) [الواقعة: 35-38] وقوله (عرباً) جمع عروب، وهن الحسناوات المتحببات إلى أزواجهن. فجمع سبحانه وتعالى بين حسن صورتها وحسن عشرتها، وهذا غاية ما يطلب من النساء، وبه تكمل لذة الرجل بهن. وقوله (أترابا) أي: مستويات على سن واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة.
وقد روى الإمام البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً، ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" وعن الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب". وقد وصف الله أهل الجنة بأنهم في شغل، قال تعالى: (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون. هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون. لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون " [يسن:55-57] قال ابن مسعود رضي الله عنه: شغلهم افتضاض العذارى.
فما أعظم هذا النعيم وما أحسنه. والآيات والأحاديث في وصف الحور العين كثيرة ومن أراد الاستزادة يمكنه الرجوع إلى كتب التفسير والحديث، والكتب المؤلفة في وصف الجنة مثل كتاب: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم رحمه الله.
نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياها بمنه ورحمته، وأن يوفقنا لعمل صالح يكون وسيلة لديه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2372)
اللغة التي يتكلم بها أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اهل الجنة يتكلمون العربية وإذا كان هذا صحيح فما هو الدليل من الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فلم نعثر من وجه صحيح مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما يثبت نوع لسان أهل الجنة هل هو عربي أم لا؟ وغاية ما وقفنا عليه في هذا الباب آثار تنسب إلى بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم، منها ما ذكره ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى في سورة الشعراء: (بلسان عربي مبين) [الشعراء: 195] قال واللسان يوم القيامة بالسريانية، فمن دخل الجنة تكلم بالعربية، رواه ابن أبي حاتم.
ومنها ما ذكره ابن القيم في كتابه حادي الأرواح فقال: روى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: لسان أهل الجنة عربي. وقال عقيل: قال الزهري: لسان أهل الجنة عربي (حادي الأرواح الباب التاسع والستين) .
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2373)
الأعمال التي توصل المسلم لمصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... هل يمكن لأحد من عصرنا هذا أن يكون بجوار الرسول-صلى الله عليه وسلم- في الجنة؟ أو حتى يكون بجوار أصحابه في المنزلة؟ وماهي الأعمال التي توصل الفرد الى تلك المنازل؟ أو ماذا يعمل ليكون بجوار الرسول-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الجنة؟ أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن درجة الأنبياء في الجنة هي أرفع الدرجات ومنزلتهم أعلى المنازل، والصحابة رضوان الله عليهم لما عرفوا هذه الحقيقة، واستشعروا أن تلك المنازل العالية لا يستحقها غير الأنبياء، خافوا أن يكون علو درجته صلى الله عليه وسلم سبباً مانعاً من رؤيته ومجاورته، وهو حبيبهم وأنيسهم والذي لا يستطيعون أن يفارقوه لحظة، فجاء رجل منهم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي، وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل قول الله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) [النساء: 69] أخرجه الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والضياء المقدسي وحسنه عن عائشة [تفسير ابن كثير] ومعنى قوله تعالى: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) أنه معهم في دار واحدة ونعيم واحد، يستمتع برؤيتهم والحضور معهم، وهذا عام فلا يخص عصراً دون عصر، ولا جيلا دون جيل، فمن أطاع الله ورسوله الطاعة التامة امتثالاً واجتناباً فسوف يكون بفضل الله ومنه وكرمه مجاوراً ورفيقاً للذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين… وعد الله لا يخلف الله وعده.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال:" كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة". وأشار مالك بالسبابة والوسطى، وفيه أيضاً من حديث ربيعة بن مالك الأسلمي رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " سل" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة فقال: "أو غير ذلك؟ " فقلت: هو ذاك قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود".
وفي الصحيحين عن أنس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: " وما أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: "أنت مع من أحببت" قال أنس: فما فرحنا بشيء أشد فرحاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت مع من أحببت"
فالحاصل أن كفالة اليتيم، وكثرة السجود، وحب النبي صلى الله عليه وسلم وحب أصحابه وتابعيهم بإحسان، والإكثار من أعمال البر، كل ذلك من الأعمال التي ترتقي بصاحبها إلى مجاورة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ومنهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2374)
تحريم بعض الأمور في الدنيا وإباحتها في الجنة لانتهاء الابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حرمت أشياء في الدنيا وهي في الجنة حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن التحليل والتحريم إلى الله تعالى، وأنه ما من شرع إلا وراءه حكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها.
والابتلاء بالتحريم والتحليل يظهر العبودية والامتثال، فالعبد المؤمن يقول: سمعنا وأطعنا. والعبد الخاسر يقول: سمعنا وعصينا. وليس للمؤمن فيما قضى الله ورسوله خيرة، كما قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبيناً.) [الأحزاب:36]
وليس للعبد أن يعترض على مولاه، ولا أن يتقدم بين يديه بالسؤال: لم حرم هذا؟ ولم أبيح ذاك؟ فالله تعالى: (لا يسأل عن ما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء:23]
وإذا دخل أهل الجنة الجنة انقطع التكليف، وزال الابتلاء، وحل عليهم الرضوان، وأعطاهم الله ما يشتهون من ألوان النعيم، ومن ذلك أن يبيح لهم بعض ما حرم عليهم في الدنيا، جزاء صبرهم وامتثالهم، مع أنه لا مقارنة بين ما في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى عن خمر الجنة: (يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم) [الطور:23] وقال تعالى: (بيضاء لذة للشاربين* لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) [الصافات: 46،47] وقال تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون* بأكواب وأباريق وكأس من معين*. لا يصدعون عنها ولا ينزفون) [الواقعة: 17-19] قال القرطبي رحمه الله في تفسير آية الطور: (لا لغو فيها ولا تأثيم) : أي لا يتكلمون فيها بكلام لاغ، أي: هذيان، ولا إثم، أي: فحش كما يتكلم به الشربة من أهل الدنيا، قال ابن عباس: اللغو: الباطل، والتأثيم: الكذب.
وقال مجاهد: لا يستبون ولا يؤثمون.
وقال قتادة: كان ذلك في الدنيا مع الشيطان، فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، كما تقدم، فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكلية، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيئ، الفارغ من الفائدة، المتضمن هذياناً وفحشاً، وأخبر بحسن مظهرها وطيب طعمها ومخبرها فقال: (بيضاء لذة للشاربين* لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) . انتهى.
وقال في تفسير آية الصافات: قال زيد بن أسلم: خمر بيضاء، أي لونها مشرق حسن بهي لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدرة إلى غير ذلك مما ينفرمنه الطبع السليم. انتهى.
وقوله تعالى: (ولا هم عنها ينزفون) أي: لا تذهب عقولهم.
قال ابن عباس: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2375)
تزوج من لا زوج لها في الجنة ممن لا زوجة له
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني بعض الإخوة الحديثي عهد بالالتزام من ألبانيا وقالوا إن الرجل عندما تموت زوجته كافرة فإنه سوف يتزوج بالحور العين بالجنة ولكن عندما يموت زوج المرأة المسلمة وهو كافر فمع من تتزوج في الجنة؟ أفتونا وجزاكم الله حيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإن المرأة إذا ماتت بلا زوج، فإن الله تعالى يخيرها بين الرجال الذين هم بالجنة وماتوا بلا أزواج كما أن الرجل يعطى من الحور العين فلا فرق بينهما أن الله يكرمها بذلك والله على كل شيء قدير. والله تعالى أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2376)
تلتقي الأسر يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجتمع الأسرة يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيوم القيامة يوم عظيم ويوم رهيب، قال الله تعالى في شأنه: (فإذا جاءت الصاخة * يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرىءٍ منهم يومئذ شأن يغنيه) . [عبس: 33 - 37] . وفي هذا اليوم العصيب يود من عصى الله أن لو افتدى نفسه من عذاب الله بأقرب الناس إليه - قال تعالى: (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه * وفصيلته التي تؤويه * ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه* كلا) . [المعارج: 11-15] . فالأمر يا أخي الكريم أشد وأفظع مما تتصور أو يجري في مخيلتك وذهنك، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يحشر الناس حفاة عراة غرلا، قالت عائشة: فقلت الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك" وفي رواية " من أن ينظر بعضهم إلى بعض ". [رواه الشيخان وابن ماجه والنسائي] . قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أي بعل كنت لك؟ فتقول: نعم البعل كنت وتثني بخير ما استطاعت، فيقول لها: فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين فتقول له: ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئاً أتخوف مثل الذي تخاف وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول يا بني أي والد كنت لك؟ فيثني بخير، فيقول له: يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى فيقول ولده: ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف فلا أستطيع أن أعطيك شيئاً ". [ذكره ابن كثير في تفسيره عن عكرمة] . وقال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً) . [لقمان: 33] . فعلم من هذه الآيات والآثار أن الأسرة قد تلتقي يوم القيامة ولكن الأمر كما قال الله تعالى: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) . [عبس: 37] . نعم إذا نجا الكل من دخول النار وكان الأبناء قد اتبعوا آباءهم بإحسان ألحقوا بهم في الجنة وإن كانت مرتبتهم التي يستحقونها دون مرتبة الآباء تكرمه للأباء نص على ذلك أهل العلم ويشهد له قول الله جل وعلا (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين) . [الطور: 21] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2377)
لا توجد منزلة بين الجنة والنار في الآخرة.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك منزلة بين الجنة والنار؟ ومن هم أهل الأعراف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فلا توجد منزلة بين الجنة والنار في المآل بمعنى أنهم لا يدخلون الجنة ولا يدخلون النار لأن الله تعالى يقول: "فريق في الجنة وفريق في السعير". [الشورى:7] أما قبل أن يفصل الله بين الناس فهناك منزلة أهل الأعراف وهم الذين تتساوى حسناتهم وسيئاتهم فيحبسون حتى يقضي الله فيهم بحكمه. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(1/2378)
المؤمنة التي لا زوج لها في الدنيا يكون لها زوج في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
ما هو جزاء المسلمة فى الجنة من ناحيه الزواج إن لم تتزوج فى الدنيا؟ ...
شكرا لكم على هذه الصفحة المفيدة السلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغالب على الظن باستقراء النصوص أنه لا توجد امرأة في الجنة إلا ولها زوج وذلك لعدة أسباب الأول: أن الرجال في الجنة كثر ومنهم من له أكثر من زوجة واحدة من الأنس.
فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حديث في وصف أول زمرة تدخل الجنة…." ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم"، وقد نص النووي وغيره على أن هاتين الزوجتين من الإنس وليستا من الحور فهما امرأتان استحقتا دخول الجنة بفضل الله ثم بما قدمتا من عمل صالح.
الثاني أنه ورد في بعض روايات مسلم" وما في الجنة عزب " رواه بهذه الرواية العلماء المغاربة كما نص على ذلك عياض ولفظ "عزب" بغير همزٍ يشمل الذكر والأنثى، ففيه التصريح بأن أهل الجنة كل منهم ذو زوج ذكورا وإناثا.
الثالث: أن النكاح مما يشتهى طبعاً عند النساء كما يشتهى عند الرجال والله جل وعلا قال في الجنة "وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين" [الزخرف:71] . ولا شك أن المرأة السوية تشتهي أن يكون لها زوج تستمتع بالنظر إليه ومعاشرته لها.
والعلم عند الله.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2379)
تكون المرأة في الجنة لزوجها في الدنيا إذا كان مؤمنا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى: سؤالي هو على النحو التالي: ... المرأة المسلمة متزوجة كانت أم لا؛ إن ماتت وجزاها ربنا بالجنة، فهل هي تكون مع زوجها الدنيوي أم تخير بين سائر الرجال. وإن لم يكونوا على درجة واحدة؟. 2- وأيضا إذا كانت في حياتها الدنيوية تزوجت مرتين أو عدة مرات بعد وفاة أزواجها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن المرأة تكون في الجنة لزوجها في الدنيا إذا دخل معها الجنة وإن لم يكن في درجتها. وأما إن تزوجت أكثر من زوج في الدنيا فإنها تكون لآخرهم كما صح في الحديث أن معاوية رضي الله عنه خطب أم الدرداء فأبت أن تتزوجه وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المرأة لآخر أزواجها ولست أريد بأبي الدرداء بدلاً، فنصحها معاوية بالصيام. وفي رواية: أيما امرأة توفي عنها زوجها فتزوجت بعده فهي لآخر أزواجها. والقصة مخرجة في السلسلة الصحيحة الجزء الثالث صفحة 275 وعن حذيفة أنه قال لامرأته: " إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة. أخرجه البيهقي في السنن وقيل: لأحسنهم خلقا ودليل ذلك ما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت يا رسول الله: المرأة تتزوج مرتين في الدنيا فيموتان ونموت فلمن تكون هي في الآخرة؟ قال لأحسنهما خلقا يا أم سلمة، ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة. رواه الدارقطني. هذا والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2380)
خمر الجنة منزهة عن قاذورات خمر الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حرمت أشياء في الدنيا وهي في الجنة حلال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن التحليل والتحريم إلى الله تعالى، وأنه ما من شرع إلا ووراءه حكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها. والابتلاء بالتحريم والتحليل يظهر العبودية والامتثال، فالعبد المؤمن يقول: سمعنا وأطعنا. والعبد الخاسر يقول: سمعنا وعصينا. وليس للمؤمن فيما قضى الله ورسوله خيرة، كما قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبيناً.) [الأحزاب:36] وليس للعبد أن يعترض على مولاه، ولا أن يتقدم بين يديه بالسؤال: لم حرم هذا؟ ولم أبيح ذاك؟ فالله تعالى: (لا يسأل عن ما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء:23]
وإذا دخل أهل الجنة الجنة انقطع التكليف، وزال الابتلاء، وحل عليهم الرضوان، وأعطاهم الله ما يشتهون من ألوان النعيم، ومن ذلك أن يبيح لهم بعض ما حرم عليهم في الدنيا، جزاء صبرهم وامتثالهم، مع أنه لا مقارنة بين ما في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى عن خمر الجنة: (يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم) [الطور:23] وقال تعالى: (بيضاء لذة للشاربين* لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) [الصافات: 46،47] وقال تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون* بأكواب وأباريق وكأس من معين*. لا يصدعون عنها ولا ينزفون) [الواقعة: 17-19] قال القرطبي رحمه الله في تفسير آية الطور: (لا لغو فيها ولا تأثيم) : أي لا يتكلمون فيها بكلام لاغ، أي: هذيان، ولا إثم، أي: فحش كما يتكلم به الشربة من أهل الدنيا، قال ابن عباس: اللغو: الباطل، والتأثيم: الكذب. وقال مجاهد: لا يستبون ولا يؤثمون. وقال قتادة: كان ذلك في الدنيا مع الشيطان، فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، كما تقدم، فنفى عنها صداع الرأس ووجع البطن وإزالة العقل بالكلية، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيئ، الفارغ من الفائدة، المتضمن هذياناً وفحشاً، وأخبر بحسن مظهرها وطيب طعمها ومخبرها فقال: (بيضاء لذة للشاربين* لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) . انتهى.
وقال في تفسير آية الصافات: قال زيد بن أسلم: خمر بيضاء، أي لونها مشرق حسن بهي لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدرة إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم. انتهى.
وقوله تعالى: (ولا هم عنها ينزفون) أي: لا تذهب عقولهم. قال ابن عباس: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2381)
من تاب من شرب الخمر في الدنيا شربها في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل شرب الخمر ثم تاب توبة نصوحا هل يحرم من خمر الآخرة اذا دخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الشخص قد تاب توبة نصوحا وقبل الله توبته وأدخله الجنة فلا شك أنه يكون من أهل النعيم ويتنعم بما يتنعم به أهل الجنة لكن إذا داوم على شربها في الدنيا ومات غير تائب منها فإنه يحرم من الخمر في الآخرة.
فقد روى الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة"، وفي رواية لمسلم: " ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2382)
دركات الكافرين في النار متفاوتة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتساوي غير المسلمين يوم القيامة؟ بمعنى: أن منهم من يعمل خيرا كثيرا في حياته ومنهم من يعمل شرا تجاه الناس والمجتمع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يجازى الكافر في الدنيا على عمله من الخيرات، وليس له في الآخرة من نصيب، جاء في صحيح مسلم مرفوعا: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيعطى بحسنات ما عمل لله تعالى في الدنيا، حتى إذا قضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها.
قال النووي: أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا. انتهى.
ثم إن الكافرين لا يتساوون في الآخرة فمنهم من يكون عذابه أشد من غيره بسبب كفره أو ظلمه أو لدعوته لعبادة نفسه فبحسب ذلك يكون حالهم في دركات النار ـ أعاذنا الله منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(1/2383)
حول الاستجارة من النار وبعض الأذكار
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أسألكم ـ جزيتم خيرا ـ عن مدى مصداقية من قال: اللهم أجرني من النار سبع مرات، فهل تقول النار يوم القيامة لا أريده أن يدخلني؟.
وأيضا ماهو: فضل سورة الملك؟ وهل تشفع لصاحبها يوم القيامة؟.
3ـ هل من قال: اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين إلخ يحصل عن كل مسلم ومسلمة على حسنة؟.
4ـ هل إن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه، أجرها عظيم؟.
5ـ وأردت أن أسأل ـ جزيتم خيرا ـ عندما مثلا أقول: سبحان الله عدد النجوم، هل تحسب لي فعلا كعدد النجوم؟ وهل في الموضوع بدعة؟.
وخاصه أنني أقول أستغفر الله عدد النجوم، أو أستغفر الله عدد حبات الرمل إلخ.
6ـ وأنا الآن عملت لنفسي جدولا دينيا يوميا، فهل في الموضوع بدعة؟ حيث إنني ألتزم بهذا الجدول، ولكي أوضحه لكم في جدولي: أسبح 100 مرة، وأستغفر 100 مرة إلخ، أرجوكم رجاء خاصا أن لا تردوني وأجيبوا على كل أسألتي، فالله تعالى أعلم بظروفي وكيف أنني لا أستطيع كتابة كل سؤال على حده، أرجوكم جاوبوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
1- فقد أخرج أبو يعلى في ـ مسنده ـ والضياء أيضا في صفة الجنة حديث: ما استجار عبد من النار سبع مرات في يوم إلا قالت النار: يا رب إن عبدك فلانا قد استجارك مني فأجره، ولا يسأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات إلا قالت الجنة: يا رب إن عبدك فلانا سألني فأدخله الجنة. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة. وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 16648، 20703، 113390.
2- ثبت أن سورة الملك تشفع لصاحبها، فقد روى أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: تبارك الذي بيده الملك. وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 104119، 101775، 1480.
3- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍٍ حَسَنَةً. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني وإسناده جيد. وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
4- أخرج مسلم في صحيحه عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم: خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
5- قولك سبحان الله عدد النجوم ليس بدعة ونرجو لك من أجر الذكر بقدر ما أحلت على عدده، وانظر الفتويين رقم: 92974، ورقم: 111347.
6- لا ينبغي للذاكر التزام أعداد معينة لم يرد في الشرع تحديدها، لكن لو وقع هذا العدد من الذاكر أحيانا دون الالتزام به واتخاذه سنة، فلا بأس.
أما الأذكار التي وردت في الشرع بعدد ما، فيشرع تحري ذلك العدد، ومن ذلك التسبيح مائة مرة والاستغفار مائة مرة، ففي سنن ابن ماجه ومسند أحمد عن أم هانئ قالت: أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، دلني على عمل، فإني قد كبرت وضعفت وبدنت، فقال: كبري الله مائة مرة، واحمدي الله مائة مرة، وسبحي الله مائة مرة، خير من مائة فرس ملجم مسرج في سبيل الله، وخير من مائة بدنة، وخير من مائة رقبة. وحسنه الألباني.
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة.
ـ ليغان على قلبي: المراد ما يتغشى القلب من الغفلة عن ذكر الله.
وانظر الفتوى رقم: 51760.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(1/2384)
من أطاع الله دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مليار مسلم أو أكثر. هل بقية العالم الذين ليسوا مسلمين يذهبون إلي جهنم وهم كثر. أتمنى أن أجد إجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن العبرة ليست بكثرة من سيذهب إلى الجنة أو النار، وإنما هي بالطاعة والامتثال، فالله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 29369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1430(1/2385)
هل أهل النار سيدخلونها ولو لم يوسوس لهم إبليس
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الشيطان يوسوس لبني آدم وهو يعلم أن عدد الذين يدخلون النار تسعمائة وتسعة وتسعون سواء وسوس لهم أو لم يوسوس لهم فإن عدد الذين يدخلون النار ثابت، وأريد الإجابة بأسرع ما يمكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل يقصد أن عدد من يدخلون النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كما في صحيح البخاري ومسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين ... إلخ الحديث.
ونحن لا نجزم بأن إبليس يعلم عدد من سيدخلون النار لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ثم من شاء أن يطلعه عليه من خلقه كما أطلع عليه نبيناً محمد عليه الصلاة والسلام فأطلعنا عليه، فيحتمل أن إبليس علم ذلك، ويحتمل أن الله قد حجبه عنه.
ثم نقول: إن الله سبحانه وتعالى قد ربط الأسباب بمسبباتها، فخلق الجنة وخلق لها أهلها فهم بأعمال أهل الجنة يعملون، وخلق النار وخلق لها أهلها فهم بعمل أهل النار يعملون. وهو سبحانه قدر أسباب الهداية وأسباب الغواية، قال تعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. {الليل 5-10} .
ومن أسباب غواية البشر وسوسة الشيطان وتزيينه الباطل لهم، فعداوة إبليس لآدم وذريته قديمة منذ أن أمر بالسجود لآدم فأبى، قال تعالى عن إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ* لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ. {ص: 82-85} .
فسعى إبليس لإغواء بني آدم واتباع أكثرهم له، واستحقاقهم دخول النار، كل ذلك قد قدره الله عز وجل، فالقول بأن أهل النار يدخلونها سواء وسوس لهم إبليس أم لا ليس بصواب، فإن الله عز وجل قدر دخولهم بأسباب تستوجب ذلك، ومنها إغواء إبليس لهم واتباعهم إياه، فكما أن أفعاله سبحانه وتعالى تابعة لمشيئته، فهي أيضاً تابعة لحكمته. وراجع في ذلك الفتويين رقم: 78470، 98611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1430(1/2386)
الخلود في النار.. لماذا
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي عدة أسئلة ستبين لماذا كتبت في عنوان الرسالة أني قد أكون من الظانين بالله ظن السوء:
1- هل كل المسيحيين يدخلون جهنم خالدين فيها ولماذا؟
2- هذه هي أخطر فكرة تراودني ألا وهي أنني أظن أن الحرق بالنار أي في جهنم حكم قاس جدا وأحن على داخليها، لذلك أقول أنني ربما من الظانين بالله ظن السوء، لأنني من جانب آخر أقول: هل أنا أعدل من الله؟ أستغفر الله.
وفي الأخير أتمنى من حضرتكم أن تجيبوني بكلام يغير مفاهيمي ويؤثر في، وأن تجيبوني جوابا بعد أن أقرأه إن شاء الله تكون لي منظومة فكرية جديدة حول كل من الجنة والنار وداخليها، رغم أنني لا أعرف هل أنا من أهل الجنة أم النار؟
وعذرا إذا كان سؤالي يتسم بالغرابة. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت لنا عدة فتاوى تدفع قراءتُها تلك الشبهات عن قلبك؛ ففي الفتويين: 2924، 58961. بيان كُفر أهل الكتاب ومصيرهم في الآخرة، وفي الفتوى رقم: 54711. الأدلة على أن دين الإسلام هو الدين الحق.
وليكن في علمك أيها الأخ الكريم أنه لا يخلد في نار جهنم إلا من أبى أن يكون عبدًا للرحمن، واختار أن يكون عبدًا للشيطان. قال تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ. {المائدة:72} . وقال أيضًا: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء. {النساء:48} .
وأن الله سبحانه وتعالى قد فطر الناس على التوحيد، فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأنه سبحانه قد أخذ عليهم الميثاق قبل أن يولدوا أن لا يعبدوا غيره. قال صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة.
وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. {الأعراف:172} .
ثم كان من تمام رحمة الله تعالى وجميل إحسانه إلى خلقه أن أرسل إليهم رُسله ليردُّوا ضالهم إليه، ويبشروهم بما أَعدَّ للمطيع، ويحذروهم مما أعد للعاصي، وأيد الله تعالى أولئك الرسل بالحجج القاطعة، والبراهين الظاهرة، والمعجزات الباهرة، الدالة على صدقهم فيما يخبرون عن ربهم، وما من أمة إلا خلا فيها نذير. قال تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. {النساء:165} .
وانظر الفتويين: 38819، 39870.
فلا يهلك على الله ـ إذن ـ إلا هالك اختار أن يتنكب طريق الحق والهداية، وهؤلاء المارقون ينبغي أن لا تذهب نفسُك عليهم حسرات، وانظر الفتوى رقم: 65864.
وإننا نهيب بك أيها الأخ الكريم أن تتعرف على ربك ومولاك أكثر من خلال تدبر آثار رحمته بخلقه وإحسانه إليهم ولطفه بهم، ومن خلال التأمل في معاني أسمائه الحسنى وصفاته العلى، والتي منها العدل والحكمة والرحمة، وأكثر هذه المسائل تطرحها كتب العقيدة التي تربط قلوب الناس بربهم، وتؤكد على افتقارهم إليه واستغنائه عنهم، ونرشح لك كتاب: العقيدة في الله للشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر، وهو من مطبوعات دار النفائس بالأردن.
وهذه القراءة لا تغني أبدًا عن صحبة أهل العلم الذين يوضحون لك المشكلات. كما نوصيك بالالتجاء إلى الله تعالى والتضرع إليه سبحانه أن يرزقك اليقين والعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(1/2387)
هل من ضربه سيف سيدنا علي هو في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن من ضربه سيف سيدنا علي فهو في النار؟ وأن من رأى شعر أم المؤمنين عائشة فهو كذلك في النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دخول النار والنجاة منها من الأمور الغيبية التي تتوقف معرفتها على دليل من الشرع يثبتها أو ينفيها، ولم نقف على دليل يقول إن من ضربه سيف علي رضي الله عنه يعتبر من أهل النار، ولم نقف على من قال إن من قتله علي رضي الله عنه من أهل الإيمان يعتبر في النار.
ولعل هذا - والله أعلم - من المبالغات والموضوعات التي وضعت في علي رضي الله عنه وفي سيفه ... وفي مثلها يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: وهذا الكذب المذكور في ذي الفقار من جنس كذب بعض الجهال أنه كان له سيف يمتد إذا ضرب به كذا وكذا ذراعاً، فإن هذا مما يعلم العلماء أنه لم يكن قط لا سيف علي ولا غيره. اهـ
وكذلك لم نقف على شيء مما ذكر عن شعر عائشة رضي الله عنها، ومن المعلوم أن شعر الأجنبية عموماً يحرم النظر إليه، كما أن حرمة أمهات المؤمنين عموماً أشد، ولم نقف على خصوصية لعائشة في هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1430(1/2388)
نار جهنم ترى وتتكلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النار لها شهوة لأن تأكل العباد كما فهمته من الحديث الذي مكسبه حرام النار أولى به، وعندما تسأل النار هل امتلأت، فتقول هل من مزيد هل لها عقل وفكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت ما يدل أن للنار حسا وإدراكا وإرادة ورؤية وكلاما، وجزء الآية المذكورة في السؤال يدل على كلامها، وأما الحديث فليس صريحا في الموضوع.
فقد قال الشيخ عطية سالم رحمه الله في تفسير قوله تعالى: إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا.... قال ناقلا عن الشيخ الأمين الشنقيطي رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه: في هذه الآية إثبات أن للنار حسا وإدراكا وإرادة، والقرآن أثبت للنار أنها تغتاظ وتبصر وتتكلم وتطلب المزيد، كما قال هنا: {تكاد تميز من الغيظ} . وقال: {إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} . وقال: يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد. انتهى.
وقال الشيخ الأمين في الأضواء عند تفسير سورة الفرقان: اعلم أن التحقيق أن النار تبصر الكفار يوم القيامة، كما صرح الله بذلك في قوله هنا: إذا رأتهم من مكان بعيد، ورؤيتها إياهم من مكان بعيد، تدل على حدة بصرها كما لا يخفى، كما أن النار تتكلم كما صرح الله به في قوله: يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد. والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، كحديث محاجة النار مع الجنة، وكحديث اشتكائها إلى ربها، فأذن لها في نفسين، ونحو ذلك، ويكفي في ذلك أن الله جل وعلا صرح في هذه الآية أنها تراهم، وأن لها تغيظا على الكفار، وأنها تقول: هل من مزيد، واعلم أن ما يزعمه كثير من المفسرين وغيرهم من المنتسبين للعلم من أن النار لا تبصر، ولا تتكلم، ولا تغتاظ. وأن ذلك كله من قبيل المجاز، أو أن الذي يفعل ذلك خزنتها كله باطل ولا معول عليه لمخالفته نصوص الوحي الصحيحة بلا مستند، والحق هو ما ذكرنا، وقد أجمع من يعتد به من أهل العلم على أن النصوص من الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن ظاهرها إلا لدليل يجب الرجوع إليه كما هو معلوم في محله.
وهذا القدر كاف للدلالة على ما سألت عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1430(1/2389)
الجنة نعمة، والنار عذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[الجنة نعمة من الله سبحانه وتعالى..فهل الجحيم نعمة أيضا! وكيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المعلوم بالضرورة عند كل مسلم أن الجنة هي دار الكرامة والتنعم التي أعدها الله لأوليائه، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهلها، وأن النار هي دار المهانة والعذاب والشقاء التي أعدها لعقاب أعدائه ومن كفر به، نسأل الله تعالى أن يجيرنا وإياكم منها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجت الجنة والنار، فقالت النار: فيّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيّ ضعفاء الناس ومساكينهم، قال: فقضى بينهما؛ إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكلاكما علي ملؤها. رواه أحمد وغيره وصححه الأرنؤوط.
ولذلك فالجنة نعمة، والنار عذاب. فهذا هو الأصل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(1/2390)
مصير الكافرين وتشكل الشياطين وإيذاؤهم لبني آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك 3 أسئلة إن شاء الله يترتب عليها إسلام إحدى الفتيات المسيحيات في أمريكا.. هي تعمل مدرسة في إحدى الجامعات هناك وأسأل الله العلي العظيم أن يشرح صدرها للإسلام، ولكن هي مترددة لأنه حسب كلامها تريد أن تكون مسلمة جيدة بالإضافة أن أهلها مسيحيون متعصبون وسوف تواجه مشاكل في حالة إعلان إسلامها وربطت إعلان الشهادة بالأسئلة التالية، وأنا سوف أترجم كلامها مثل ما حكته بالضبط إن شاء الله..
السؤال الاول: هل بالإسلام نص يدل على أنه كل غير المسلمين سوف يعذبون بالنار حتى لو كانوا كويسين؟ فكيف يتحقق العدل مع جماعة ما يسمعون عن الإسلام إلا عندما تأتي سيرة الإرهاب؟
السؤال الثاني: هي مقتنعة أن عدل الله لن يجعله يعذب هؤلاء رغم عدم إسلامهم بالنار، فهل هذا الاعتقاد يبطل صحة إيمانها ويخرجها من الإسلام؟
السؤال الثالث: هل ممكن الشيطان يتصور للإنسان ويلاحقه في صحوته ومنامه لما يعمل شيئا عاطلا، إ ن شاء الله تكون إجاباتكم يارب هي إيذانا ً بنطقها للشهادة يارب؟ بارك الله فيكم ... وشكراً جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشرح صدر هذه المرأة للإسلام، وأن يوفقها للدخول فيه، وأما بخصوص السؤال الأول: فإن الله تعالى قد جعل الإسلام الدين الخاتم والناسخ لجميع الأديان، فلا يقبل من الناس ديناً سواه، كما قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} ، فكل من دان بغير دين الإسلام فهو في النار، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ {البينة:6} ، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.
ولا ندري ما تعني بقولها "ولو كانوا كويسين" فإن كانت تعني أنهم يتعبدون كما يفعل الرهبان مثلاُ أو يقومون بأعمال حسنة في خدمة الإنسانية مثلاً، فهذا لا ينفع صاحبه إن كان قد فقد أصل الإيمان الصحيح، قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ* وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ* عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ* تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً {الغاشية:1-4} ، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {الفرقان:23} ، وقال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا* ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا {الكهف:103-106} ، وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. وكيف يقال إن شخصاً ما حسن أو جيد وهو لا يقر لمن خلقه ورزقه وسواه -لا يقر له- بالوحدانية ولا يدين له بالعبادة، وهل يصح أن يوصف إنسان بالإحسان وهو سيء في حق الله تعالى، وقد سبق أن بينا أن من لم تبلغه دعوة الإسلام يمتحن يوم القيامة، فإن أطاع دخل الجنة وإن عصى دخل النار، وراجع ذلك في الفتوى رقم: 3191.
وبالنسبة للسؤال الثاني: فمما لا شك فيه أن الله تعالى عدل لا يظلم أحداً، ولو عذب أهل الأرض كلهم لم يكن بذلك ظالماً لهم، فيجب أولاً اعتقاد عدل الله تعالى، ويجب ثانياً اعتقاد ما جاء به القرآن أن من مات على الكفر فهو خالد مخلد في نار جهنم، وعدم الإيمان بهذا مبطل للإيمان لأن فيه تكذيباً لما جاء به القرآن، وراجع في العدل الإلهي الفتوى رقم: 60556، والفتوى رقم: 77624.
وأما بالنسبة للسؤال الثالث فإن الله تعالى قد أعطى الشيطان قدرة على التشكل سواء في صورة إنسان أو غيره من المخلوقات، وهو قد يؤذي ابن آدم، ولكن ينبغي أن يعلم أن كيد الشيطان ضعيف، وأنه لا يستطيع أن يضر أحداً إلا بإذن الله، ولولا ذلك لكان منه ضرر عظيم على الخلق، وينبغي عدم الاسترسال في التفكير في أمر الشيطان وإضراره بالإنسان، لأن هذا قد يدخل المرء في وساوس وأوهام قد لا تحمد عقباها، وننصح هذه المرأة بالمبادرة للدخول في الإسلام، وإذا وفقت للدخول فيه بصدق فستزول عنها هذه الإشكالات وينشرح صدرها للحق والإيمان ويمتلئ قلبها بمعرفة الله تعالى فتقدره سبحانه وتعالى حق قدره، فلا تعترض على شيء من أفعاله بل سوف توقن أنها كلها محض عدل وفيها الحكمة البالغة والمصلحة المتمحضة، وعليها أن لا تجامل أحداً أهلا أم غيرهم في الدخول في هذا الدين الذي ربط الله به سعادة البشرية في الدنيا والآخرة، وإذا احتاجت إلى أن تخفي إيمانها مدة من الزمن فلا بأس بذلك على أن لا يؤدي بها ذلك إلى ترك شعائر الإسلام الظاهرة كالصلاة مثلاً، فالواجب عليها أداؤها ولو في الخفاء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 32823.
وينبغي أن تبين لها هذه الأمور كلها بحكمة ولين عسى الله أن يشرح صدرها للإسلام، ونرجو إحالتها على بعض الفتاوى في قسم اللغة الإنجليزية من موقعنا هذا، وهذه الفتاوى ذات الأرقام التالية:85307، 88906، 81979، 85234.
وننبه إلى أن الأولى أن تتولى المرأة دعوة النساء لأن محادثة الرجل للمرأة قد تكون سبباً للفتنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1429(1/2391)
النساء أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد دخلت منتدى ووجدت موضوعا يقول صاحب الموضوع كاتب حديث الرسول فيما معناه أن النساء أكثر حطب جهنم وأنهم سيدخلون النار لا محالة إلا إذا دللت الزواج فيقول صاحب الموضوع ما دامها خاربه خاربه سوقو وغازلوا واسرقو لأن مصيركم بالنار مع أبو لهب، فأرجو الرد على هذا العقل المتخلف لأني أريد الرد عليه بالأدلة وبرأيكم السديد فالرجاء الرد بسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الأحاديث ما يفيد أن النساء هن أكثر أهل الجنة وأكثر أهل النار، ومن أسباب دخول من يدخل منهن النار إكثارهن اللعن وسوء معاشرتهن لأزواجهن وتبرجهن.. وليس دخول النار عاماً في الجميع، فالله لا يظلم مثقال ذرة وإنما يجازي الناس بقدر إساءتهم، ومن حصل منه خطأ توعد الشارع عليه بالنار حري به أن يتوب إلى الله لا أن يعمل أخطاء أخرى تستوجب المزيد من العذاب.
وقد أكد الشرع إحسان معاشرة الزوجة لزوجها كما أكد كذلك على الرجال أن يحسنوا معاشرة أزواجهم فلهن من الحقوق مثل الذي عليهن بالمعروف، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على الأحاديث والمزيد من البسط في الموضوع: 43533، 41491، 60729، 67212، 54957، 56652، 67978، 26387.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1429(1/2392)
المستوجبون النار من أمة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من في أمة سيدنا محمد سيدخل النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يدخل النار من هذه الأمة أهل المعاصي والكبائر الذين لم يتوبوا منها ولم تزد حسناتهم على سيئاتهم ولم يعف الله تعالى عنهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من يدخل النار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم العصاة الذين ماتوا على المعصية ولم يتوبوا منها ولم تزد حسناتهم على سيئاتهم ولم يتجاوز الله تعالى عنهم ويغفر لهم، قال ابن أبي زيد المالكي في مقدمة الرسالة:.. وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر، وجعل من لم يتب من الكبائر صائراً إلى مشيئته، إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ونقل ابن القيم عن حذيفة وابن مسعود وغيرهما قولهم: فمن رجحت حسناته على سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف.
فهؤلاء الذين لم يتوبوا ولم يغفر الله لهم أو تزد حسناتهم على سيئاتهم يعذبون في النار بحسب ذنوبهم ثم يخرجون منها بعد ذلك بشفاعة الشافعين من الأنبياء والملائكة والشهداء والصالحين وبعفو الله تعالى ومغفرته ويكون مصيرهم إلى الجنة في النهاية، ولا يخلد أحد من أهل التوحيد والإيمان في النار، وإنما يخلد فيها المشركون والكفار، وللمزيد من الفائدة والتفصيل انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29369، 23872، 398، 103320.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1429(1/2393)
من يخلد في النار ومن لا يخلد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل الفرق الضالة تخلد في النار ... إ ن الله عز وجل قال: "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ "...... فمن خلال هذه الآية الكريمة استنتجت أن جميع الفرق الضالة لا تخلد في النار والشاهد هذه الآية "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ"، إن الغل والحقد والخلاف الذي كان بين الفرق كلها تزول في الجنة ويكونون جميعا إخوانا وأحبة في الله, وإنما العذاب في النار يكون بمقدار المعاصي والمخالفات لكن دون خلود.... فهل هذا الاستنتاج صحيح، أعلم أنه ليس من حقي أن أستنتج وأصدر رأيي للعامة في أمر من أمور الدين, فهذا الأمر يحتاج له إلى علم حتى يكون كل شيء على بينة من الأمر, ولكني قلتها لكم لأني أثق أنكم على قدر من العلم إن شاء الله, فأحببت أن أعلم هل ما قلته صحيحا أم لا؟ والله الموفق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من وصل ضلاله من الفرق الضالة إلى درجة الكفر المخرج من الملة يخلد في النار بسبب كفره، ويدل لذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ {البينة:6} ، وليس دخولهم النار بسبب خلافهم فيما بينهم؛ بل لعنادهم وكفرهم بخالقهم الذي خلقهم لعبادته، وبهذا يمنعون من دخول الجنة؛ لما في الحديث: إ نه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. متفق عليه.
وأما من دخل الجنة من الموحدين فإنه يكرمهم الله بنزع ما في صدورهم من الغل ويؤاخي بينهم.
وننصحك بالمواصلة في تعلم الدين وأن تعلم الناس ما تعلمته، وإذا سئلت عما لا تعلم فقل: لا أعلم، واحرص بقدر طاقتك على هداية الكفار حتى يأمنوا دخول النار أو الخلود فيها.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 58035، 63969، 65864.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1428(1/2394)
لا نصيب لأهل النار في الملذات
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة نساء أهل النار وكيفية النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأهل النار محرمون من المتع والملذت فليس لهم نصيب في ذلك، بل هم في عذاب دائم وألم متواصل، فإذا كان مقصود السائل بنساء أهل النار زوجاتهم فهم ليسوا من أهل الاستمتاع ولا من أهل الود والرحمة، لأن ذلك من الإكرام وهم ليسوا مكرمين، وأما صفات النار وأهلها رجالاً كانوا أو نساء فانظر فيها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 45148، 60266، 44644.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1428(1/2395)
لا نصيب للكافر في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى خطب الجمعة زعم الإمام أن حساب الكافر الطيب ليس كحساب الكافر الشرير، الكافر الطيب يجزى عن حسناته بأن يخفف عنه الله من عذاب جهنم ...
أرجو منكم مدي بالأحاديث والآيات التي تؤكد صحة كلام الإمام، وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل من مات على الكفر بالله تعالى وقد كان قبل موته عمل بعض الأعمال الصالحات فلا تقبل منه في الآخرة، وبالتالي فلا يخفف عنه من العذاب بسببها، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ {آل عمران:91}
لكن إن كانت تلك الأعمال لا تحتاج صحتها إلى نية يجازى عليها في الدنيا إما بتوسعة رزقه أو نصره على عدوه مثلا، وليس له في الآخرة نصيب، ففي صحيح مسلم من حديث أنس: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا متقربا إلى الله تعالى، وصرح في هذا الحديث بأن يطعم في الدنيا بما عمله من الحسنات أي بما فعله متقربا به إلى الله تعالى مما لا يفتقر صحته إلى النية كصلة الرحم والصدقة والعتق والضيافة وتسهيل الخيرات ونحوها، وأما المؤمن فيدخر له حسناته وثواب أعماله إلى الآخرة، ويجزى بها مع ذلك أيضا في الدنيا، ولا مانع من جزائه بها في الدنيا والآخرة، وقد ورد الشرع به فيجب اعتقاده، قوله: إن الله تعالى لا يظلم مؤمنا حسنة معناه لا يترك مجازاته بشيء من حسناته، والظلم يطلق بمعنى النقص، وحقيقة الظلم مستحيلة من الله تعالى كما سبق بيانه، ومعنى: أفضى إلى الآخرة صار إليها. انتهى.
وفي فيض القدير للمناوي: وأما الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا كأن فك أسيرا وأنقذ غريقا فيطعم بحسناته في الدنيا أي يجازى فيها على ما فعله من القرب التي لا تحتاج لنية بنحو توسعة لرزقه ودفع مصيبة ونصر على عدو وغير ذلك، وقال في المؤمن يعطى، وفي الكافر يطعم؛ لأن العطاء أكثر استعماله فيما تحمد عاقبته حتى إذا أفضى إلى الآخرة أي صار إليها لم تكن له حسنة يعطى لها خيرا ... إلى أن قال: وذكر في القرينة الثانية أن الكافر إذا فعل حسنة يستوفي أجرها بكمالها في الدنيا حتى لا يكون له نصيب في الآخرة، والمؤمن إنما يجزى الجزاء الأوفى في الآخرة، وتحرير المعنى أن الله لا يظلم أحدا على حسنة، أما المؤمن فيجزيه في الآخرة الجزاء الأوفى، ويفضل عليه في الدنيا، وأما الكافر فيجزيه في الدنيا وما له في الآخرة من نصيب. انتهى
وللمزيد راجع الفتوى رقم: 56735
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(1/2396)
مصير من لم تبلغه الرسالة على وجهها الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[الأمر خطير: لي صديق يقول كيف يدخل اليهود والنصارى النار وهم مؤمنون بدينهم كما نحن مؤمنون بديننا إذا وأستغفر الله إن الله ظلمهم ولماذا لم يكن ديننا هو الخطأ ودينهم هو الصحيح، ولماذا لم نبحث في دينهم عن معتقدهم لعلنا على خطأ لأننا مسلمون على ما عليه آباؤنا وأهلنا فيمكن أن نكون قد أخطانا (حاولت إقناعه بكل شيء عن الدين وهو يصلي، ولكن غير منتظم ووصل لمرة خطيرة من التفكير ويتكلم على الله كأنه بشر مثلنا فمثلا يقول هل الله بكيفه يدخل أي أحد النار يبقى يظلمهم) ، عذراً على طول الحديث ولكن كل ما أريده رداً شافيا على كيفية حساب اليهود والنصارى في عصرنا هذا وبقية الأديان لأنهم ليسوا مسلمين، هل الله يختار من منهم من غير المسلمين سيكون مسلما، هل الله يبعث إليهم بعلامات ودلائل لدخول الإسلام، ولكنهم لم يدخلوا، عاقبة من منهم تربى على ديانة ولم يبحث عن الديانات الأخرى، أنه يعتقد أن أي شيء يقتنع بشيء يدخل الجنة حتى لو خطأ لأنه على يقين أن ما فعله صحيح، ولماذا ربنا يدخل بعض الناس النار ما دام هناك شيء أثر على تفكيرهم بهذا المستوى وأقنعهم به فكيف يعذبون في النار واعتقادهم أنهم صح، ف أرجو أن أكون وضحت جزءا من الصورة التي عليها زميلي في السكن وأتمنى من الله يوفقكم وأرسلوا لي الرد الشافي بأسرع وقت حتى أخبره به وأقنعه عسى الله يرجعه إلى الصواب؟ وجزاكم الله كل خير وجعلكم عونا لنا دائما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدنيا والآخرة ملك لله تعالى كما أخبر عن نفسه، فقال: وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى {الليل:13} ، وقال تعالى: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى {النجم:25} ، والجنة والنار كلتاهما ملك لله تعالى، ولا يدخل الجنة إلا المؤمنون بالله وبما أرسل به رسله، ففي حديث الصحيحين: لا يدخل الجنة إلا مؤمن. وبهذا يعلم أنه ليس عند اليهود جنة ملك لهم يدخلونها إذا تمسكوا بدينهم، بل إن الجنة ملك لله يدخلها من آمن برسله وبدينه حسب زمانه، وفي هذه العصور المتأخرة لا يقبل إيمان من لم يؤمن بخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، فأي يهودي أو نصراني سمع به وبلغته رسالته لا يقبل منه التمسك بدينه الأصلي، بل يجب عليه الدخول في الإسلام، وإلا كان من أهل النار، كما في الحديث: والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.
وقد رد الله على اليهود والنصارى دعواهم أنهم يدخلون الجنة هم ومن كان على دينهم دون بقية الناس، وأكد أنه لا يدخلها إلا من أسلم نفسه لله وتمسك بدينه الحنيف، فقال تعالى: وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة:111-112} ، وقال تعالى: لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا* وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {النساء:124}
ثم إننا نحن المسلمين لم نعلم أصوبية ما نحن عليه تقليداً للآباء، وإنما علمناها من نصوص الوحي الثابتة كتاباً وسنة، فقد كثر فيها الوعد للمؤمنين بالجنة والوعيد للكفار بالنار، واعلم أن الله تعالى خلق الناس وتعبدهم بدينه ولم يكلفهم إلا بما في وسعهم وجعل فيهم قابلية الهدى، وبين لهم طريق الخير والشر، وهو سبحانه يعلم أعمالهم ويهدي من يشاء منهم فيوفقه بفضله، ويضل من يشاء فيخذله بعدله، فكل ميسر بتيسير الله إلى ما سبق علم الله به، كما قال ابن أبي زيد في الرسالة.
وقد أيد الله تعالى رسله بالمعجزات والبراهين الدالة على صدقهم فيما جاءوا به عن الله تعالى، ومن أعظم معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا تزال بين أيدينا الآن معجزة القرآن الكريم، فيه الهدى والنور وبيان الحق من الباطل، فمن سمعه وفهمه من أهل الكتاب يعتبر ممن بلغتهم الرسالة وقامت عليهم الحجة، فإن مات ولم يؤمن بما فيه كان من أهل النار، وأما من لم تبلغه الرسالة أو لم يجد من يبلغه القرآن ويفهمه معانيه فالراجح أنه يمتحن يوم القيامة، ولكنه يجب على من سمع منهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم أن يبحث عن الحق ويبذل وسعه في الاطلاع عليه.
وراجع في بيان عدل الله وفي المزيد عن بيان مصير أهل الكتاب المعاصرين، وهداية الله لعباده، وفي بعض نصوص الوعد بالجنة والوعيد بالنار الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2924، 39870، 68324، 58035، 5750، 54470، 81047، 4054، 61990، 3670، 77154، 4228، 95359، 71484.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1428(1/2397)
هل في جهنم واد اسمه هبهب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفسر منكم جزاكم الله خيراً، هل يوجد في جهنم واد باسم هبهب، وما هو هذا الوادي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في جهنم وداياً يعذب فيه الجبارون.. كما روى ابن أبي شيبة في مصنفه والحاكم في المستدرك وغيرهما عن محمد بن واسع قال: دخلت على بلال بن أبي بردة فقلت: إن أباك حدثني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في جهنم وادياً يقال له هبهب يسكنه كل جبار فإياك أن تكون منهم.
والحديث تكلم أهل العلم في سنده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1428(1/2398)
الخلود أبدي لأصحاب الجنة وأصحاب النار
[السُّؤَالُ]
ـ[عند ذكر جزاء الكافرين في القرآن الكريم يقول الله تعالى: {خالدين فيها} بينما جزاء المؤمنين الخلود الأبدي في الجنة {خالدين فيها أبدا} . السؤال: هل الخلود في الجنة يختلف عن الخلود في النار? هل الكفر في الدنيا (60 سنة مثلا) يستوجب العذاب إلى أبد الآباد? (أليس الله بأحكم الحاكمين) . أرجو ألا يساء فهم السؤال، فأنا على يقين تام بأن الله أحكم الحاكمين. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ذكر الخلود الأبدي لم يختص بأهل الجنة في القرآن الكريم، وإنما ذكر أيضا عند الحديث عن أهل النار؛ كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا {النساء: 168-169} وفي قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا {الأحزاب:64-65} وفي قوله تعالى: إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا {الجنّ:23}
فالخلود الأبدي للجميع.
وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل وأقوال أهل العلم في الفتاوى: 31357، 7485، 64739.
وأما خلود من كفر ستين سنة أو أكثر أو أقل فإنه عدل وحكمة لأن الكفر ظلم عظيم وجرم شنيع يدل على خبث الطوية ودناءة النفس، ولذا قال تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ {الأنعام: 28} قال الفخر الرازي: والمعنى أنه تعالى لو ردهم أي إلى الدنيا بعد موتهم ومعاينتهم العذاب لم يحصل منهم ترك التكذيب وفعل الإيمان؛ بل كانوا يستمرون على طريقتهم الأولى في الكفر والتكذيب.
وأما الذي لا يخلد في النار فهو من لم تصل معصيته إلى الكفر بالله تعالى والشرك به؛ كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
ولتعلم أن لله تعالى الحكمة البالغة في خلقه والحكم العادل.. لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، يفعل ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1427(1/2399)
معنى عبارة (يأتي على النار يوم لا يوجد بها أحد من الموحدين)
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا، يعجز اللسان عن التعبير عن مدى حبنا وإعجابنا بكم وما تفعلوه في سبيل الله إن شاء الله.... فجزيتم خيرا.
السؤال: يأتي على النار يوم لا يوجد بها أحد من الموحدين، لقد قرأت هذه المقولة يوما ما في موقعكم أو موقع آخر في الانترنت، أرجو توضيح وتصحيح هذه المقولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه العبارة وهي: يأتي على النار يوم لا يوجد بها أحد من الموحدين. يقصد بها أن من مات على الإسلام وكان من العصاة ولم يشأ الله أن يغفر له فأدخل النار فإنه لا يبقى فيها خالدا مخلدا؛ بل لا بد أن يأتي يوم يخرج فيه منها، فلا يخلد في النار أحد من الموحدين؛ إذ إن الخلود فيها من شأن الكفار والمنافقين، وقد سبق أن أوضحنا هذه المسألة بأدلتها بعدة فتاوى راجع منها: 40747، 31033، 65864.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1427(1/2400)
البطال قد يدخل النار ولو كان مسلما
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا ,, لي سؤال عن معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم " وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعا لا يبغون أهلا ولا مالا " ما معنى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولماذا استحق هذا الصنف أن يكون من أهل النار ,, وهل يشمل ذلك من دخل في دين الله وانطبقت عليه صفات هذا الصنف ,, ألا يشفع له توحيده لله عز وجل ,,,
أفيدوني أفادكم الله ,,,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فسر بعض العلماء قول النبي صلى الله عليه وسلم: الضعيف الذي لا زبر له. فقالوا هو الذي لا عقل له يمنعه مما لا ينبغي، وممن ذكر ذلك النووي في شرحه على مسلم، وفسره آخرون على معنى البطالة والكسل، فقالوا إنه لا قوة له ولا حرص على ما ينتفع به صاحبه في الآخرة من التقوى والعمل الصالح، وممن اختار هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى، والحافظ ابن رجب في كتابه التخويف من النار. قال ابن تيمية: فإن العبد إذا كان زاهدا بطالا فسد أعظم فساد فهؤلاء لا يعمرون الدنيا ولا الآخرة كما قال عبد الله بن مسعود: إني لأكره أن أرى الرجل بطالا ليس في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة، وهؤلاء من أهل النار. اهـ
ثم ذكر حديث مسلم هذا، وقال الحافظ ابن رجب: وهذا القسم شر أقسام الناس ونفوسهم ساقطة لأنهم ليس لهم همم في طلب الدنيا ولا الآخرة، وإنما همة أحدهم شهوة بطنه وفرجه كيف اتفق له، وهو تبع للناس خادم لهم أو طواف عليهم سائل لهم.
وهذه الصفات تشمل المسلم الذي يتصف بشيء منها، وأما قولك ألا يشفع له توحيده؟ فجوابه أن من المقرر عند أهل السنة والجماعة أن نصوص الوعيد مقيدة، فقد يتخلف هذا الوعيد بسبب توبة أو مغفرة أو شفاعة أو نحو ذلك من المكفرات، وتراجع الفتوى رقم: 40374.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1427(1/2401)
مصير العصاة الذين يموتون في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[حضرة الشيخ حسب الكتاب والسنة فإن أبواب النار مغلقة في شهر رمضان المبارك، فما هو مصير من يتوفى في هذا الشهر وهو عاص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد في الكتاب أن أبواب النار تكون مغلقة في شهر رمضان، وإنما ورد ذلك في الحديث الشريف، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين. متفق عليه عن أبي هريرة.
وإغلاق أبواب النار في رمضان ليس معناه أن من مات في هذا الشهر من الكفار والعصاة لا يدخل النار، وإنما معناه أن المؤمنين يثابرون على العبادة في هذا الشهر ويبتعدون عن المعاصي، فيكونون بذلك مبتعدين عن النار. قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموما كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها، وكذلك تغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات.
وقال المناوي في فيض القدير: (وغلقت أبواب جهنم) كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الآثام وكبائر الذنوب العظام وتكون صغائره مكفرة ببركة الصيام ...
وقال العيني في عمدة القاري: قوله «وغلقت أبواب جهنم» لأن الصوم جنة فتغلق أبوابها بما قطع عنهم من المعاصي وترك الأعمال السيئة المستوجبة للنار ولقلة ما يؤاخذ الله العباد بأعمالهم السيئة ليستنقذ منها ببركة الشهر ويهب المسيء للمحسن ويجاوز عن السيئات وهذا معنى الإغلاق ...
وعليه، فمصير من يُتوفى في هذا الشهر وهو عاص هو مصير سائر العصاة الذين تُوفوا قبل التوبة من المعصية. فهم في مشيئة الله إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1427(1/2402)
أسماء النار في كتاب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة أسماء النار الوارد ذكرها بالقرآن الكريم؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سميت النار والعياذ بالله بعدة أسماء في كتاب الله تعالى منها جهنم والحطمة وسقر والجحيم ولظى والسعير والهاوية نعوذ بالله تعالى من النار ودركاتها، قال الله تعالى: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا {النبأ:21} ، وقال تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ* نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ {الهمزة:5-6} ، وقال تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ* لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ {المدثر:26-27-28} ، وقال تعالى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ {الشعراء:91} ، وقال تعالى: كَلَّا إِنَّهَا لَظَى* نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى {المعارج:15-16} ، وقال تعالى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ {الشورى:7} ، وقال تعالى: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ* نَارٌ حَامِيَةٌ {القارعة:9-10-11} ، قال القرطبي: سماها أمه لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 17317.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1427(1/2403)
مجاهد قتل من أهل النار
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الرجل الذي رآه الرسول يتبختر بسيفه فأخبره أنه من أهل النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه من كتب السنة وكتب السير والتاريخ على خبر بذلك، وربما حصل وهم في قصة أبي دجانة رضي الله عنه يوم أحد لما اختال في مشيته بين الصفين، فقال صلى الله عليه وسلم: إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع. رواه الطبراني في المعجم الكبير. قال المناوي في فيض القدير: التبختر مشية يبغضها الله إلا بين الصفين، فإذا علمت أن للمواطن أحكاماً فافعل بمقتضاها تكن حكيماً.
فربما اختلطت عليك قصة أبي دجانة تلك مع قصة الرجل الذي أبلى مع المسلمين بلاء حسناً وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار، وقصته في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: التقى النبي صلى الله عليه وسلم هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار! فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه. فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه. هذا مجمل ما وقفنا عليه مما له صلة بما ذكرت ونأمل أن يكون فيه جواب ما سألت عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1426(1/2404)
الذين تحق عليهم جهنم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الذين تحق عليهم جهنم في الدنيا مهما كان الخير الذي يفعلونه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجهنم لا تحق يقيناً على معين إلا على من مات وهومشرك أو كافر بالله عزوجل قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الزمر: 65} وقال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ {البقرة: 217} وقال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء: 18} وقال في عمل الكفار: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا {الفرقان: 23}
وأما المؤمنون الموحدون الذين ماتوا على ذلك فإنهم سيدخلون الجنة جميعاً إلا أن بعض العصاة الموحدين قد يدخلون النار ثم يخرجون منها فتطهرهم من ذنوبهم التي عملوها ولم يتوبوا منها قبل موتهم ولم تغفر لهم، ولكنهم لا يخلدون في النار مثل الكفار والمشركين والمنافقين فأولئك هم الذين لا تنفعهم أعمالهم الصالحة في الدنيا لأن شرط قبول العمل الصالح هو الإيمان بالله عزوجل وإخلاص العمل له. وفي الحديث: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. متفق عليه.
وفي حديث معاذ: أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ... وفيه هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه قلت الله ورسوله أعلم قال حق العباد على الله أن لا يعذبهم. متفق عليه
وللاستزاده نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11656 // 1487 // 59524 // 4625 // 23872.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1426(1/2405)
بقاء النار وخلود الكفار فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في برنامج ديني (الكلمة وأخواتها) يبث على قناة دبي الفضائية في الحلقة التي بثت بتاريخ 30/1/200م، وهو لفضيلة الدكتور أحمد الكبيسي، رد الدكتور الكبيسي على سؤال لاتصال هاتفي من أحد المشاهدين، حيث أورد المتصل فيما معناه حديثا نبويا قدسيا عن أن الله عز وجل يوم القيامة يضع قدمه (تبارك وتعالى عن التشبيه) في النار ويطفئها بعد مدة من الزمن لا يعلمه إلا هو (الله عزوجل) ..، ومتسائلاً المتصل عن مدى صحة هذا الحديث.
وقد أفاد الدكتور الكبيسي بأن الحديث صحيح، وتكلم بعدها عن الأبدية يوم القيامة، وأن الأبد هو فترة لها نهاية مما طالت مدة هذه الفترة، وضرب مثلاًَ أن المجرم قد يحكم بالحبس المؤبد ومن ثم يخرج من السجن بعد 25 سنة، وبأن حساب المدة تختلف بين قياسنا إلى قياس رب العالمين، حيث إن السنة عند الله تبارك وتعالى هي خمسون ألف سنة مما تعدون وعذاب الكافرين في النار لملايين السنيين هو الأبد والخلود في النار وهي ليست بالقليلة أبداً، ومن ثم تكلم الدكتور الكبيسي عن فكرة الخلود في الجنة أو النار، وأن الله عز وجل يضع قدمه في النار ويطفئها، وأن الأبد لا بد أن يكون له نهاية بعكس السرمدية التي لا نهاية لها.
وأسئلتي لسماحتكم:
1- ما رأيكم بما طرحه الدكتور الكبيسي حول فكرة الخلود في الجنة أو النار، وهل إطفاء رب العالمين للنار يعني أن النار قد أخمدت، وبالتالي ما هو مصير الكافرين بعد إطفاء النار؟ وما مصير الجنة وخلود المؤمنين فيها؟ هل سوف يخرج من النار كل الكافرين الجاحدين بالله ويرفع عنهم العذاب؟
2- ما هو الخلود في الجنة وهل هو محدود مثل النار كما أفاد الدكتور الكبيسي عن إطفاء النار حسب ما تقدم؟
3- ما رأي فضيلتكم أدامكم الله حول ما أبداه الدكتور الكبيسي من فكرة الأبدية المحدودة النهاية والسرمدية التي لا نهاية لها.. وفكرة إطفاء النار، هل ذلك صحيح، وأرجو الاهتمام والرد على سؤالي.. حيث أرغب بشدة في معرفة واستيضاح صحة الكلام الوارد بالحلقة المذكورة، وقد راسلت إلكترونياً عدداً كبيراً من الدعاة وللأسف لم أتلق جواباً من أي منهم (لاأعرف سبب عدم ردهم) ؟ وأملي كبير بحصولي على رد شاف من فضيلتكم (جزاكم الله كل خير) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على حديث يفيد أن الله تعالى يضع قدمه في النار ويطفئها وإنما اطلعنا على حديث الصحيحين: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط. هذا لفظ مسلم، وفي لفظ البخاري: فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله تقول قط قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض.
وليس في هذا الحديث ما يفيد إطفاء النار وفناءها، وإنما يفيد إنها تسأل ربها أن يملأها كما وعدها سابقا، فكلما وضع فيها فوج من الناس سحقتهم وسألت المزيد حتى إذا وضع الله فيها قدمه قالت قط قط قد امتلأت، وراجع الفتوى رقم: 53852.
وقد أشبعنا الكلام على بقاء النار وخلود الكفار فيها، وكذلك الجنة في فتاوى سابقة فراجع منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4228، 7485، 31357، 64739.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1426(1/2406)
هل يخفف العذاب عن أبي لهب كل يوم اثنين
[السُّؤَالُ]
ـ[مامدى صحة حديث < يخفف العذاب عن أبي لهب كل يوم اثنين >]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، وقد روى عروة خبرا مرسلا أنه لما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة رواه البخاري. وقد ذكر السهيلي أن العباس رضي الله عنه قال: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين. كذا في عمدة القارئ للعيني. وهذان الأثران لا يعدوان أن يكونا من المرائي المنامية التي لا يمكن الحكم بصحتها ولا سيما إذا عارضها ما ثبت في القرآن لا يخفف عنهم العذاب. كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا {فاطر: 36} . وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ*قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ {غافر:49ـ50} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1426(1/2407)
فناء النار عند ابن تيمية وابن القيم
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله تعالى فيكم وجمعنا وإياكم بنينا عليه الصلاة والسلام عند الحوض ورزقنا رفقته في الجنة.. أردت سؤالكم بارك الله فيكم عن أمر أشكل علي فهمه..ما صحة القول بفناء النار؟ وهل صحيح ما نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؟ وكذلك تلميذه ابن القيم؟ إن كان صح ذلك ففي أي الكتب؟ وأي القولين هو الراجح عنهما إذا صح أنهما قالا بالقولين؟ وأي الأدلة ترونها أقوى؟ وهل صحيح أن ذلك كان مأثورا عن الصحابة رضي الله عنهم؟ وأيهما الأرجح من الآخر..القول بأبدية النار أم القول بفنائها؟ وما دليلكم بارك الله فيكم؟ وما رأيكم بالشيخين عبد الكريم الحميد وحمود بن عقلا الشعيبي؟
وجزاكم الله تعالى خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحيح الراجح أن الجنة والنار لا تفنيان ولا تبيدان، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وانظر الفتوى رقم: 1676.
هذا، ولا تصح نسبة القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فإن الراجح عنده أبديتها وعدم فنائها، وقد نص على ذلك رحمه الله في أكثر من موضع من كتبه، فقد قال رحمه الله تعالى في كتابه: درء تعارض العقل والنقل: وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يعذبون، ليس لذلك آخر ...
وقال رحمه الله أيضاً في كتابه: بيان تلبيس الجهمية: وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين، كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها. اهـ
وانظر كلام شيخ الإسلام أيضاً في مجموع الفتاوى (8/304) ، (18/307) وفي غير ما موضع من كتبه الأخرى.
وسبب الغلط على شيخ الإسلام ونسبة القول بفناء النار إليه أن ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح) قد ذكر الأقوال في فناء النار وعدمه، وأشار إلى أن ابن تيمية قد حكى بعض هذه الأقوال، والتي منها القول بفناء النار، وليس في ذلك ما يدل على نسبة هذا القول الباطل لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد حكى هذه الأقوال غيره من أهل السنة والجماعة كشارح الطحاوية، وحكاية شيخ الإسلام لأقوال الطوائف مشحونة بها مؤلفاته، ولكن للرد عليها لا لتقريرها، وهذا واضح ولا يحتاج إلى مزيد بيان.
وأما الإمام ابن القيم، فإنه له قولين: الأول مال فيه إلى القول بفناء النار، وقواه وأيده بالأدلة، وذلك في كتابه (حادي الأرواح) (وشفاء العليل) كما أنه توقف في المسألة في كتابه (الصواعق المرسلة) القول الثاني لابن القيم، وهو الموافق لمذهب أهل السنة هو القول بأبدية النار وعدم فنائها، وذكر ذلك منصوصاً عليه في كتابيه (الوابل الصيب) و (طريق الهجرتين) .
فقد قال في الوابل الصيب: وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء المتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض. اهـ
وعلى هذا، فإن إطلاق القول بأن ابن القيم يقول بفناء النار غلط عليه، إذ تبين لك أن له قولان، وإنما البحث هو في أي القولين هو المتأخر الناسخ للأول؟
ولقد غلب بعض الباحثين الظن بأن ما قاله ابن القيم في (الوابل الصيب) و (طريق الهجرتين) ناسخ لما ذكره في (حادي الأرواح) و (شفاء العليل) و (الصواعق المرسلة) وأيد هذا الاستنتاج ببعض الحجج انظرها في كتاب (كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار) لعلي الحربي، طبعة دار طيبة.
هذا، وإن القول بفناء النار قد أثر عن بعض السلف وهم: عمر وابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري، وهذه الآثار إما أنها لا تصح نسبتها إليهم، أو أنها محمولة على وجه آخر غير القول بفناء النار.
وانظر مناقشة هذه الآثار وإبطال الاستدلال بها في (شرح العقيدة الطحاوية) لابن أبي العز (2/651، 652) في الحاشية، طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق الأرناؤوط.
وأما سؤالك عن الشيخين حمود بن عقلاء الشعيبي وعبد الكريم الحميد، فنفيد بأن الموقع غير متخصص في تقويم الرجال والجماعات، وإن كنا نحسن الظن بجميع من يعمل لدين الله ما لم يظهر منه ما يقدح في منهجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1426(1/2408)
الوعيد بالعذاب في النار حق وواقع
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شبه تقول إن الوعيد بالعذاب والنار إنما لتخويف الناس من عمل المعاصي وأن من يعمل المعاصي لن يلقى أي تعذيب في الآخرة وذلك استنادا إلى أن الله لن يستفيد من تعذيبهم أو من عبادتهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام باطل، ويدل لبطلانه إقسام الله تعالى بعدة أقسام على وقوع ما يوعد به الناس من العذاب أو الجزاء، قال الله تعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ {الذاريات: 1-6} .
وقال تعالى: وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ.... اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الطور: 1-16} .
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من المعذبين في البرزخ والآخرة، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 31047، 19264، 2112، 25833، 58302.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1426(1/2409)
إحساس العصاة بعذاب النار
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا عن بعض المشايخ مفاده أن المؤمن العاصي عندما يدخل النار لا يحس بالعذاب
أجيبونا من فضلكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن عصاة الموحدين يستحقون العذاب الأليم (أي المؤلم) ومن ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ {البقرة: 178} وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ رالتوبة: 34} إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء: 10}
وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفى به وإلا لم يف له، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدقه فأخذها ولم يعط بها. رواه البخاري.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. (ثلاث مرات) قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. رواه مسلم.
وقوله أيضا: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب، وعائل مستكبر. رواه مسلم.
ولكن ثبت في صحيح مسلم أيضا ما يدل على أن عصاة الموحدين بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها الله تعالى يميتهم إماتة حقيقية يذهب معها الإحساس فيحبسوا في النار من غير إحساس المدة التي قدرها الله تعالى ثم يخرجون من النار إلى منازلهم في الجنة، ولعل هذا هو مراد الشيخ الذي سمعته يحدث بأن عصاة الموحدين لا يحسون بالعذاب في النار.
قال صلى الله عليه وسلم أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل. رواه الإمام مسلم.
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولكن ناس أصابتهم النار إلى آخره فمعناه أن المذنبين من المؤمنين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها الله تعالى وهذه الإماتة إماتة حقيقية، يذهب معها الإحساس ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم ثم يميتهم ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس المدة التي قدرها الله تعالى، ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحما فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة ويلقون على أنهار الجنة فيصب عليهم ماء الحياة فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها فتخرج لضعفها صفراء ملتوية ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم وتكمل أحوالهم فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1426(1/2410)
مصير من مات من أولاد الكفار بعد البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أقنع نفسي بأن أبناء غير المسلمين يستحقون مصيرهم في النار لكوني أتعاطف معهم باعتبار تدخل ذويهم في الفطرة التي فطروا عليها وبالتالي مصيرهم حدد دونما تدخل منهم إنما التربية هي التي حددت سلوكياتهم ودينهم جزاكم الله عنا خيرا أروني وجه العدالة الإلهية والتي ولله الحمد لا يساورني أدنى شك فيها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تعني من مات من أولاد الكفار بعد بلوغ سن الخطاب، وكان قد استمر على نصرانيته وكفره ومات على ذلك فإنه مستحق للنار بكسبه، لأنه بلغ سن التكليف الذي يؤاخذ فيه على أعماله وتصرفاته واختياره، قال سبحانه وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {المدثر:38} . وهذا مقتضى عدل الله سبحانه، ولا يظلم ربك أحدا، فالله سبحانه أعطاه عقلا وسمعا وبصرا، وأقام له الحجج والبراهين التي يعرف بها الحق من الباطل، قال سبحانه وتعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {البلد:10} . فإذا سلك أحد السبيلين جزي على اختياره وعمله.
وإن كنت تعني من مات قبل بلوغ سن الخطاب والتكليف، فذاك قد اختلف أهل العلم في تعذيبه، وكنا قد بينا أقوالهم في الفتوى رقم: 2740.
واعلم أن مما اتفق عليه أصحاب العقول السليمة أن تصرف المالك في ملكه يسمى عدلا، وأن الله تعالى أعدل من ملك فلا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهو أرحم الراحمين، ولا يحتاج المسلم عادة إلى البرهان على ما ذكرنا، فإن عقيدته تقتضي منه الاقتناع بذلك، وإنما المحتاجون إلى البراهين والإقناع هم الكفار أصحاب العقائد الفاسدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1426(1/2411)
مكان وجود النار
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسال أين أجد في القرآن أو السنة معلومات عن مكان وجود جهنم ومن هم حراسها؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن النار موجودة الآن، وقد أعدها الله سبحانه وتعالى دار خلود لأعدائه، كما قال سبحانه وتعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ {آل عمران:131} . وكذلك الجنة التي جعلها الله تعالى دار كرامة لأوليائه موجودة الآن، كما قال تعالى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {آل عمران: 133} . ونصوص الوحي من الكتاب والسنة متواترة على وجودهما، وإن كانت النصوص لم تعين تحديد مكان لهما بصريح العبارة، ولهذا قال زروق المالكي في شرح الرسالة عند قوله: وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به.. قال: لم يرد نص صريح في مكان الجنة والنار، والأكثر على أن الجنة فوق السماوات السبع وتحت العرش؛ لقول الله تعالى: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى*عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. والنار تحت الأرضين السبع. وقال العدوي في حاشيته عند النص المذكور: إن الجنة فوق السماوات السبع وتحت العرش وإنه سقفها، ولم يصح شيء في مكان النار، وقيل إنها تحت الأرضين السبع، وقيل إنها محيطة بالدنيا وإن الجنة بعدها. وقد استأنس بعض أهل العلم إلى أن النار تحت الأرضين السبع بقول الله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ {المطففين:7} . وبما في صحيح البخاري وغيره مرفوعا: وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. قال زروق في شرحه المذكور: والحق تفويض ذلك إلى علم العليم الخبير. وأما خزنة جهنم فهم الملائكة الكرام، وقد خصص الله عز وجل لها تسعة عشر ملكا على رأسهم مالك خازن النار. قال الله تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ*لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ*لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ*عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ*وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا {المدثر: 27ـ31} . قال القرطبي في التفسير: ولا ينكرهذا، فإذا كان ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلائق كان أحرى أن يكون تسعة عشر على عذاب بعض الخلائق. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى: 19264، 17317، 60266.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1426(1/2412)
لا فناء للجنة ولا لنعيمها ولا للنار ولا لعذابها
[السُّؤَالُ]
ـ[حول الرأي بفناء النار على أساس أنها مخلوق؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي عليه سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام.
قال ابن حزم: اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها ولا للنار ولا لعذابها؛ إلا الجهم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف وقوماً من الروافض. اهـ
وقال في سلم الوصول:
والنار والجنة حق وهما *موجودتان لا فناء لهما
وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا {الجن: 23} . وقوله تعالى: ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {فصلت: 28} .
وحديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود لا موت، ولأهل النار يا أهل النار خلود لا موت. رواه البخاري ومسلم.
ولمزيد من التفصيل راجع الفتوى رقم: 7485، والفتوى رقم: 4228.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1426(1/2413)
الصديد شراب أهل النار
[السُّؤَالُ]
ـ[من شراب أهل النار الصديد، فما هو الصديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل التفسير أن الماء الصديد الذي هو شراب أهل النار في الآخرة ـ والعياذ بالله ـ هو الماء الذي يسيل من جلودهم ولحومهم في النار، وقال بعضهم: هو عصارة أهل النار، وقيل: هو القيح والدم.. وهذه الألفاظ متقاربة المعنى. والصديد مشتق من الصد لأنه يصد الناظر عن رؤيته، فيشيح بوجهه عنه عندما يبصره استقذارا واستقباحا له. وهذا لون آخر من العذاب والعياذ بالله تعالى. وقد جاء وصف شراب أهل النار في عدة آيات وبعدة أصناف منها قول الله تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقا.... {الكهف: 29} . وقوله تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ.. {محمد: 15} . وقوله تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً*إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً ... {النبأ:24ـ25} ، إلى غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(1/2414)
سبب دخول بعض المجاهدين والقراء النار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحسنة التي تدخل صاحبها النار، وما هي السيئة التي تدخل صاحبها الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الثابت في الشرع أن السيئات سبب لدخول النار، وأن الحسنات سبب لدخول الجنة، ويدل لهذا قول الله تعالى: بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:81-82} ، ولا ينافي هذا ما ثبت في الحديث أن بعض المجاهدين والقراء والمنافقين هم أول من تسعر بهم النار، لأن سبب دخولهم النار هو عدم إخلاصهم لله في العمل، وراجع الفتوى رقم: 45534.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1425(1/2415)
النار في الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النار في السماء أم الأرض؟
مع ذكر الدليل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: إ ن أكرم خليقة الله عليه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وإن الجنة في السماء والنار في الأرض.
وروى أبو الشيخ في كتابه العظمة: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: الجنة في السماء السابعة العليا، والنار في الأرض السابعة السفلى.
وقال ابن رجب في التخويف من النار: الباب الخامس في ذكر مكان جهنم: روى عطية عن ابن عباس قال: الجنة في السماء السابعة ويجعلها الله حيث يشاء يوم القيامة وجهنم في الأرض السابعة. خرجه أبو نعيم.
وخرج ابن منده من حديث أبي يحيى القتات عن مجاهد قال: قلت لابن عباس: أين الجنة؟ قال: فوق سبع سموات. قلت: فأين النار؟ قال: تحت سبع أبحر مطبقة.
وروى البيهقي بإسناد فيه ضعف عن أبي الذعراء عن ابن مسعود قال: الجنة في السماء السابعة العليا، والنار في الأرض السابعة السلفى، ثم قرأ: إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ {المطففين: 18} إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ {المطففين: 7} . وخرجه ابن مندة، وعنده: فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث شاء، وقال محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن سلام قال: إن الجنة في السماء وإن النار في الأرض. خرجه ابن خزيمة وابن أبي الدنيا، وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن قتادة قال: كانوا يقولون إن الجنة في السموات السبع، وإن جهنم لفي الأرضين السبع.
وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ {الذاريات: 22} . قال: الجنة في السماء، وقد استدل بعضهم لهذا بأن الله تعالى أخبر أن الكفار يعرضون على النار غدواً وعشياً يعني في مدة البرزخ وأخبر أنه لا تفتح لهم أبواب السماء، فدل على أن النار في الأرض، وقال تعالى: إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ {المطففين: 7} . اهـ
قال ابن الجوزي في المنتظم: ومما يدل على أن النار في الأرض حديث أبي هريرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فسمعنا وجبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله أعلم. قال: هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفاً، فالآن انتهى إلى قعرها. انفرد بإخراجه مسلم. فإن قيل كيف تكون جهنم في الأرض، وقد رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنه رآها في الأرض في طريقه إلى بيت المقدس، وقد روينا عن ابن الصامت أنه رؤي على سور بيت المقدس الشرقي يبكي، فقيل له في ذلك، فقال ههنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه رأى جهنم.
والثاني: أنه لا يمتنع في القدرة أن يرى جهنم في الأرض وهو في السماء، وقد بدى له المقدس وهو بمكة فوصفه للقوم. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1425(1/2416)
جهنم فيها العذاب بالبرد كما فيها العذاب بالحر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف مدى صحة قول بعض الناس عن أن النار نوعان أحدهما حار والآخر بارد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يسأل هل في النار عذاب بالبرد، كما أن فيها العذاب بالحر؟ فالذي لا شك فيه أن العذاب في نار جهنم أنواع وألوان وأشكال مختلفة ومتفاوتة كما ذكر أهل التفسير عند قول الله تعالى: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا* لِلْطَّاغِينَ مَآبًا {النبأ:21-22} ، فلا مانع شرعاً ولا عقلاً أن يكون من ألوان العذاب العذاب بالبرد....
وقد ورد في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير.
وعلى هذا؛ فالنار يوجد فيها البرد كما يوجد فيها الحر وأنواع العذاب -أجارنا الله تعالى منها- قال الحافظ في الفتح: والمراد بالزمهرير شدة البرد، واستشكل وجوده في النار ولا إشكال فيه لأن المراد بالنار محلها، وفيها طبقة زمهريرية....
والحاصل أن نار جهنم يوجد فيها العذاب بالبرد كما يوجد فيها العذاب بالحر أعاذنا الله تعالى منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(1/2417)
الفرق بين (لن يلج النار) و (حرمه الله على النار)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق في المعنى بين (يلج النار) وبين (حرمه الله على النار) ، هل هما نفس المعنى، أم أن هناك اختلاف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبارتين تدلان على نفس المعنى، وهو تأمين هذا الشخص من دخول النار، ولكن الدلالة اللغوية للعبارتين في الأصل مختلفة فلن يلج النار معناها لن يدخلها، فالولوج معناه الدخول، ونفي الدخول يفيد سلامة العبد من النار.
وأما حرمه الله على النار، فإن التحريم معناه المنع، ومن منعه الله من النار قدراً وشرعاً، فإنه لن يدخلها قطعاً. فاتفقت دلالة العبارتين على المعنى.
إلا أن هذا النوع من الوعد لابد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، كما قال شيخ الإٍسلام، فلابد من ابتعاد راجي هذا الثواب عن الكبائر الموجبة للدخول في النار، والمواظبة على الأعمال الصالحة المانعة من دخولها، فإن فرط في الطاعات أو قارف المحظورات، فإنه يُخاف عليه إن لم يعف الله عنه، وراجع الفتوى رقم: 33212، والفتوى رقم: 34468، والفتوى رقم: 36574.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1425(1/2418)
نار جهنم لا يخمد لهيبها عن المخلدين فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي الأعزاء: أريد أن أشكر لكم جهدكم وأتمنى منكم أن تفيدوا أخاكم بما ترونه مناسباً، الموضوع يا إخوتي الكرام كالآتي: وجدت حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن خالد بن الوليد قال: (إن صبيا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: أريد أن أطفئ نار جهنم، فقال عليه الصلاة والسلام: اصبر على المصائب في الدنيا تطفئ نار جهنم) ، وكما تعلمون يا إخوتي الكرام فإن باقي الحديث طويل ولا أريد أن أطيل عليكم، فأرجو منكم أن تفيدوني بصحة هذا الحديث، فإذا كان صحيحاً فإنه يخالف الشرع، فإن نار جهنم لا تخبو ولا تنطفئ أبداً، والدليل على ذلك قول الله تعالى: \"كلما خبت زدناهم سعيرا\"، وهذا دليل على أن نار جهنم لا تنطفئ ولا تخبو أبداً، أفيدوني أفادكم الله بما ترونه صحيحاً ويتوافق والشريعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه لم نعثر على ما يدل على كونه حديثاً بعد البحث في مظانه، وبالنسبة لنار جهنم فإن النصوص القرآنية تدل على عدم خمود لهيبها عن الكافرين المخلدين فيها، ومن الآيات التي تدل على هذا:
1- قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:56] .
2- قوله تعالى: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97] .
3- قوله تعالى: نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ* إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ* فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ [الهمزة] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(1/2419)
وصف النار
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو وصف النار ومن هم أهلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكنك الدخول على الرابط التالي:
http://www.islamweb.net/php arabic/Shwchapter.php?Babld=160&Chapterld=160&Bookld=1095&Catld=760
في شبكتنا، وستجد وصف النار أنجانا الله وإياك منها.
وأما أهل النار، فهم الكفار بالله ورسله، وهم فيها خالدون، أما عصاة المؤمنين، فلا يخلدون فيها، وانظر الفتوى رقم: 31033، وستجد في الكتاب الذي أحلناك عليه في الرابط مزيد بيان أصناف أهل النار، فراجعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1425(1/2420)
من أسباب كون أكثر أهل النار النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[من هن نساء جهنم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهناك أعمال وصفات محرمة من فعلها استحق النار سواء كان رجلاً أو امرأة، إلا أن هناك بعض هذه الأعمال اختص بها النساء أو أكثرن منها فكن أكثر أهل النار، ومن ذلك كفران العشير وكثرة اللعن والتبرج والسفور، وغير ذلك، كما في الفتوى رقم: 36508، والفتوى رقم: 8569.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(1/2421)
خلود المسلم العاصي في النار خلود مستعار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يرى أهل السنة والجماعة تخليد آكل الربا بعدما جاءته الموعظة في النار؟ ماذا عن الكاسيات العاريات؟ وماذا عن تارك الصلاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن آكل الربا والمرأة المتبرجة وتارك الصلاة غير الجاحد لها، كل هؤلاء من أهل الكبائر الذين إذا ماتوا على التوحيد، ولم يتوبوا من ذنوبهم قبل الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها، فإنهم لن يخلدوا في النار لو أنهم دخوها، وقد يعذبون بقدر ذنوبهم إذا لم يتجاوز الله عنهم، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وليست لهم عقيدة سواها.
وأما قول الله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] .
فليس فيها ما يخالف ما قررناه لأنها في من استحلّ الربا وقال ما نهاه الله عنه في صدر الآية: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا [البقرة:275] ، ولا شك أن قائل هذا الكلام إن كان عالماً بما يقول فإنه معترض على الله في شرعه وحكمه ومعقب عليه في أمره ونهيه وهذا كافر، ويخلد في النار، وإنما المسأله في المسلم الذي يقر أن الربا حرام ولكنه يفعله ضعفاً وشهوة فهذا عاصٍ، وإن مات بلا توبة فأمره إلى الله.
ورحم الله ابن عطية حيث قال في تفسيره للآية: إن قدَّرنا الآية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي، وإن لحظناها في مسلم عاصٍ فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة، كما تقول العرب ملكٌ خالدُ، عبارة عن دوام ما لا يبقى على التأبيد الحقيقي. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1424(1/2422)
مثقال الدينار من الإيمان ليس حدا لمن يدخل النار
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى فضيلة الشيخ لدينا سؤال عندما يدخل المسلمون الجنة ويطالبون بإخوانهم الذين في النار، فيأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ويشفع فيهم مع المؤمنين فيخرجون من في قلبه مثقال دينار من إيمان إلى مثقال ذرة وسؤالنا: هل معنى ذلك أن من عنده أكثر من مثقال دينار من إيمان لا يدخل النار أصلاً، وهل الشفاعة تكون بعد دخول المؤمنين الجنة مباشرة أم بفترة طويلة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه: فيقال لهم -أي للمؤمنين- أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً......
فقوله في الحديث أخرجوا من عرفتم، ثم قوله أخرجوا من في قلبه مثقال دينار، دليل على أنه يدخل النار أناس عندهم أكثر من الدينار من الإيمان.
وأما قول الأخ السائل: وهل الشفاعة تكون بعد دخول المؤمنين الجنة مباشرة أم بفترة طويلة؟ فالجواب: أن ظاهر ما رواه مسلم في صحيحه يدل على أن طلبهم للشفاعة يكون بعد مرورهم على الصراط ونجاتهم من النار مباشرة، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار....
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(1/2423)
الأدلة على كثرة أهل النار، وحكمة ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث نبوي يخبر بأن أهل النار أكثر من أهل الجنة؟
وإذا كان صحيحا فلماذا خلق الله البشر مع علمه بأن معظمهم في النار؟ أرجو ذكر مكان الحديث المذكور.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة على كثرة من يدخل النار من بني آدم، وقلة من يدخل الجنة منهم، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
فمن القرآن قوله تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] .
وقوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20] .
وقوله تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13] .
ونحو ذلك من الآيات.
ومن السنة ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: يا آدم: فيقول: لبيك وسعديك والخير كله في يديك، ثم يقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها.
وأما قولك: لماذا خلق الله البشر مع علمه بأن معظمهم في النار؟ فالجوابك أن السؤال بهذا اللفظ لا يصح، لأن الله تعالى لا يسأل لماذا فعل أو يفعل؟ قال سبحانه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]
قال ابن جريج: لا يسأل الخالق عن قضائه في خلقه، وهو يسأل الخلق عن عملهم، ولا يعني ذلك أن قضاءه سبحانه خالٍ من الحكمة -تعالى عن ذلك علوا كبيرا- ولكننا قد نعلم الحكمة وقد نجهلها.
وقد تكلم أهل العلم في الحكمة من كون أهل النار أكثر من أهل الجنة، فقال ابن القيم رحمه الله بعد أن طرح سؤالا عن الحكمة من كون أهل النار أضعاف أهل الجنة: لو كان أهل الإيمان والخير هم الأكثرين الغالبين، لفاتت مصلحة الجهاد وتوابعه التي هي من أجل أنواع العبودية، وفات الكمال المترتب على ذلك. وراجع تمام ذلك في كتاب شفاء العليل لابن القيم رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(1/2424)
تخفيف العذاب عن الكافر مرده إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم نصراني قتل في حرب أكتوبر، هل هو خالد في النار أم يخفف عنه العذاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن مات على غير ملة الإسلام فهو كافر، مصيره النار خالداً مخلداً فيها، لأدلة سبق أن ذكرناها في الفتوى رقم: 5750، والفتوى رقم: 11656.
وأما تخفيف العذاب فالأمر فيه إلى الله سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(1/2425)
ليذوقوا العذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بعض الأسئله: عندما يشفع الرسول صلى الله عليه وسلم في من دخلوا النار يكون على فترات على حسب الإيمان ما مدة كل فترة؟ وما مدة مكثهم وما أطول مدة بقائهم في النار، وكيف تقوى أجساد الناس على تحمل عذاب النار؟ وأتمنى لكم التوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشفاعة في أهل الكبائر ممن دخلوا النار ثابتة بأحاديث صحيحة متواترة، وأما عن مدة بقائهم في النار ومن أطولهم مدة، فهذه أمور علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.
وأما كيف تقوى أجساد الناس على تحمل عذاب النار؟ فإنها لن تتحمل العذاب؛ بل سوف تتألم أشد الألم حتى تحترق جلودهم ويبدلون جلوداً أخرى، قال الله تعالى عن أهل النار: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:56] .
ومن شدة الألم أخبر سبحانه وتعالى أنهم: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37] .
نسأل الله السلامة والمغفرة والرحمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1424(1/2426)
عدد أودية جهنم لا يدرك إلا بالوحي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد أن أسأل كم عدد وديان جهنم؟
والسلام عليكم ورحمة الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعدد أودية جهنم من الأمور الغيبية التي لا تدرك إلا بوحي من الله تعالى، ولم نعثر في شيء من الوحي على ذكر عدد تلك الأودية، والذي ورد هو ذكر لبعض وديانها، ومع ذلك لا تخلو الأحاديث التي ذكر فيها ذلك من ضعف، ومنها الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الويل وادٍ في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره.
قال الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث ابن الهيعة.
وروى أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعوذوا بالله من جُب الحَزَن. قالوا: يا رسول الله، وما جب الحزن؟ قال: وادٍ في جهنم، تتعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة.
قال الترمذي عن ابن مسعود موقوفاً في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] . قال: وادٍ في جهنم.
قال الألباني: ضعيف موقوف.
هذا وليعلم أنه لا فائدة عملية من معرفة عدد وديان جهنم، وينبغي السؤال عما تحته عمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1424(1/2427)
مصير أهل الكبائر الموحدين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
من فضلكم هل جميع المسلمين سيدخلون الجنة ولو كانت لهم معاصي الكبائر والزانيات والمتبرجات ... بعد أن يقضوا وقتا في جهنم، وهل صحيح أن المتبرجات خاصة سيقضين وقتا في جهنم ثم يدخلن الجنة وهذا ما قاله أحد الدعاة مع نفي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهذا في حديثه كاسيات عاريات ... أريد جوابا مفصلا وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن معتقد أهل السنة والجماعة أن أهل الكبائر من هذه الأمة لا يخلدون في نار جهنم، وأن من استحق منهم النار ودخلها سيخرج منها بعد أن ينال نصيبه من العذاب، أو يشفع فيه أحد الشافعين، أو يعفو الله عنه بمحض منه ومغفرته، فقد روى البخاري في صحيحه حديث الشفاعة الطويل عن أنس رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأقول: يا رب، أمتي، أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل.
هذا هو الأصل عند أهل السنة والجماعة، أما ما ورد من النصوص مما يخالف ظاهره هذا الأصل، فقد ذهب بعض العلماء إلى تأويله بما يوافق هذا الأصل، ومن ذلك الحديث الذي أشار إليه السائل والذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
ومن هذه التأويلات ما ذكره الباجي في المنتقى: أنهن لا يدخلن الجنة بأعمالهن وإن دخلنها بفضل الله وعفوه، أو لا يدخلن ابتداء وقت دخول من نجا من النار، وإن دخلن الجنة بما وافين من الإيمان بعد الخروج من النار إن عاقبهن الله.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: فهذا محمول عندي على المشيئة وأن هذا جزاؤهن، فإن عفا الله عنهن فهو أهل العفو والمغفرة، لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. انتهى.
ولا شك أن القول بعدم خلود أهل الكبائر من الموحدين أصل أصيل ثابت بنصوص محكمة، وما خالف ظاهره ذلك الأصل فهو من المتشابه الذي يجب رده إلى ذلك الأصل المحكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1424(1/2428)
الحكمة من دخول الشمس والقمر النار يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس والقمر يدخلان جهنم يوم القيامة، هل هذا صحيح وما العلة في ذلك؟
السلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسائل الكريم يشير إلى الحديث الذي رواه البخاري بسنده مختصراً عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشمس والقمر مكورِّان يوم القيامة.
ومعنى مكوران: مطويان ذاهبا الضوء، والتكوير هو: اللف والضم، فيجمعان ويكفان ويذُهب بضوئهما وليس في البخاري "أنهما في النار" وإنما روى هذه الزيادة بعض العلماء كالطحاوي في مشكل الآثار، والبيهقي في كتاب البعث والنشور، والبزار وغيرهم، وصححها الألباني في السلسلة الصحيحة 1/243.
أما معنى أنهما في النار؟ على فرض صحة هذه الزيادة.... فيقول الحافظ ابن حجر بعد ذكره حديث البخاري: الشمس والقمر مكوران يوم القيامة، قال: زاد في رواية البزار ومن ذكر معه "في النار" فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أبو سلمه: أحُدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: وما ذنبهما؟..... وأخرج أبو يعلى معناه من حديث أنس وفيه: ليراهما من عبدهما. كما قال الله تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98] .
قال الخطابي: ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت "توبيخ" لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلاً، وقيل: إنهما خلقا من نار فأعيدا فيها.
وقال الإسماعيلي: لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذاباً وآلة من آلات العذاب، وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة. انتهى من فتح الباري.
وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: ونحن نقول: إن الشمس والقمر لم يعذبا بالنار حين أدخلاها فيقال ما ذنبهما؟ ولكنهما خلقا منها ثم ردا إليها.... وما مثل هذا إلا مثل رجل سمع بقول الله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24] .
فقال: وما ذنب الحجارة؟!. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1423(1/2429)
هل يدخل النار كل من اقترف معصية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
هل كل إنسان يوم القيامة عند الحساب سيدخل النار على قدر ما فعل في الدنيا ويخرج منها (لأنه لا يوجد شخص لم يرتكب ذنبا في حياته حتى لو كان بسيطا) فكيف سيحاسب؟ أم أن هناك من الخلق من سيدخلون الجنة مباشرة من دون الدخول في النار أعاذنا الله منها؟ جزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس كل من ارتكب ذنباً سيدخل النار على قدر ذنبه، بل إن منهم من يدخلها، ومنهم من يعفو الله عنه فلا يدخلها، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء [النساء:48] .
ومن أهل الذنوب من يكون قد استغفر منها فمحاها الله أو بدلها حسنات، ومنهم من تكون حسناته أكثر من سيئاته.
والحاصل أن النار لا يدخلها ممن مات مسلماً إلا من غلبت سيئاته على حسناته، ولم يتجاوز الله عنه، ثم إن من مات مسلماً إذا دخلها فإنه سيخرج منها ولو بعد حين.
وهناك أناس يدخلون الجنة بغير حساب، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا أُمَّتِي هَذِهِ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ قِيلَ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الْأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.
نسأل الله أن يجعلنا منهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(1/2430)
مصير من مات وقد ظهرت عليه علامات البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[من مات وهو سنه 14 أو15 أو16 سنة وديانته غير الإسلام, هل يحاسب حساب الكافر أم يعتبر صغيراً لا يحاسب على تركه للإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في مصير من مات من أولاد الكفار قبل البلوغ، كما هو مبين في الفتوى رقم:
2740.
وعليه، فإن كل من مات من هؤلاء بعد كمال خمسة عشر سنة على الراجح أو بعد ظهور علامة من علامات البلوغ المذكورة في الفتوى رقم:
7762، فإن مصيره مصير سائر الكفار البالغين، لقوله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1423(1/2431)
تفلت النار من أيدي الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الآتي: يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بزمام النار يوم القيامة بعد أن تتفلت من الملائكة ويأمرها بالرجوع إلى مكانها حتى يأتيها أهلها فتقول خل سبيلي فأنت محرم علي فيقول الله لها اسمعي كلام حبيبي وأطيعيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها.
ولم نقف على حديث صحيح يفيد أن النار تتفلت من الملائكة، ولا باللفظ الذي ذكرته ولا بغيره.
وإنما ذكر القرطبي رحمه الله في كتابه التذكرة عن زيد بن أسلم ما يفيد أن النار تتفلت من أيدي الملائكة ثم إنهم يدركونها. وإسناده لا يصح.
ونقل عن كتاب كشف علوم الآخرة لأبي حامد: أن النار تتفلت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بأمر الله، فيأخذ بخطامها ويقول: ارجعي مدحورة مدحورة إلى خلقك، حتى يأتيك أهلك أفواجاً، فتقول: خل سبيلي فإنك يا محمد محرم علي، فينادي مناد من سراقات العرش: اسمعي منه وأطيعي له، ثم تجذب وتجعل عن شمال العرش.
وهذا مذكور بلا إسناد، فلا عبرة به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1423(1/2432)
الخلود في النار للكافرين فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنّ المسلم لا يخلّد في النّار, مهما كانت أعماله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات على الإسلام لا يخلد في النار مهما كانت ذنوبه، وقد يدخل النار على قدر تلك الذنوب وقد يغفرها الله له إذا شاء، قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] .
وقال صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهن وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. رواه البخاري ومسلم.
أما الخوارج فإنهم يكفرون المسلم بفعل الكبيرة، ويقولون: هو خالد مخلد في النار، وقد وافقهم المعتزلة في مصيره في الآخرة، وخالفوهم في اسمه في الدنيا فقالوا: هو في منزلة بين المنزلتين لا مسلم ولا كافر بل فاسق.
وننصح السائل بأن يراجع الفتاوى التي تتعلق بموضوع الإيمان والإسلام، وذلك بالدخول على مركز الفتوى، ثم على البحث الموضوعي، ثم على عنوان "الإيمان ونواقضه".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1423(1/2433)
الأدلة القاطعة على وجود النار
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعرف بأن الجنة موجودة الآن وفيها أرواح المؤمنين فهل نار جهنم وجهنم بالذات متقدة ومستعرة الآن أيضا وفيها أرواح الكافرين؟ أم أن جهنم سوف توقد وتستعر يوم القيامة؟ وهل عذاب آل فرعون المذكور في القرآن بأن النار يعرضون عليها غدوا وعشيا هل يعني هذا أنهم يعذبون بعرضهم على نار جهنم أم نار أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النار موجودة الآن، كما أن الجنة موجودة، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم.
قال الله تعالى عن فرعون وقومه: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46] .
ومن الأحاديث في ذلك:
- حديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عمرو بن لحي في النار" رواه الشيخان.
- حديث: "أن الله لما خلق النار قال لجبريل: اذهب فانظر إليها ... الخ الحديث، وقد رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
- حديث: "اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء" رواه البخاري ومسلم.
والأدلة على ذلك كثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1423(1/2434)
لا ينجو من النار أحد إلا بالإيمان به عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك عتقاء من النار من غير أمة محمد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبعد مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا ينجو أحد من النار إلا بالإيمان به، كما روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاّ كان من أصحاب النار".
وأما قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم، فمن آمن بنبيه الذي أرسل إليه ومات على ذلك كان من أهل الجنة، ومن كفر فهو من أهل النار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1423(1/2435)
لا يحكم على إنسان بدخول الجنة أو النار إلا من ورد بشأنه نص
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وقع نقاش بيني وبين صديقي حول الحكم على إنسان بدخوله إلى جهنم أو إلى الجنة مع العلم أن الشخصية التى تحدثنا عنها هي شارون فقال لي: لا تحكم على أي شخص في الدنيا بدخوله إلى الجنة أو إلى النار لأن رحمة الله واسعة. فجاوبته: بأن رحمة الله لا تجوز إلا على المسلمين ولا تجوز على شخص جزار يقتل الأبرياء من النساء والأطفال بالمئات كل يوم مثل شارون. فقال لي: أنت لا تعرف الله ولا يجوز لك أن تتحدث في مثل هذا الموضوع. ...
فأعينوني جزاكم الله خيراً إن كان كلامي صحيحا كي أقنعه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يحب من أحبه الله ويبغض من أبغضه الله، والله تعالى يحب المحسنين. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195] ويحب التوابين والمتطهرين. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222] ، ويحب المتقين. قال تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [آل عمران:76] ، ويحب المتوكلين. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159] ، ويحب المقسطين. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [المائدة:42] ، ويحب الذين يقاتلون في سبيله. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف:4] ، والله تعالى لا يحب المعتدين. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190] ، والله تعالى لا يحب الكافرين. قال تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:32] ، ولا يحب من كان مختالاً فخوراً. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) [النساء:36] ، ولا يحب من كان خوانا أثيماً. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً) [النساء:107] ، ولا يحب الفرحين. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص:76] ، ولا يحب المستكبرين. قال تعالى: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) [النحل:23] ، ولا يحب الجهر بالسوء. قال تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء:148] ، ولا يحب المسرفين. قال تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام:141] .
ومحبة العبد لمن يحبه الله وبغضه لمن يبغضه الله من كمال إيمانه، ولكن لا يجوز للمسلم أن يحكم لإنسان معين بجنة أو نار، لأنه لا يدري إن كان مؤمناً أيموت على الإيمان؟ وإن كان كافراً أيموت على الكفر؟ فإن القلوب بيد الله.
وانظر الفتوى رقم: 4625.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(1/2436)
عدد ألفاظ (النار) في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مرة ذكرت النار في القرآن مع ذكر أسماء السور وتفصيل الآيات التي ذكرت فيها النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكرت النار في القرآن الكريم بلفظ النار في 145 موضعاً في عدة سور، كما في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي من ذلك أنها ذكرت في سورة البقرة 14 مرة، وفي سورة آل عمران 11 مرة. ولو ذهبنا نذكر كل السور التي ذكرت فيها النار لطال المقام، ولكن يمكن الأخ السائل إذا أراد الاستقصاء أن يرجع إلى الكتاب المذكور.
كما أن للنار أسماء أخرى مثل: جهنم وسقر وسعير ولظى والهاوية، وغير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1423(1/2437)
الخلود في النار لمن مات على غير الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[1- هل المسيحين واليهود سيدخلون الجنة بعد تطهيرهم من السئيات؟ ام هل سيخلدون في النار
2- هل صحيح إن المسلمين لن يخلدوا في النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من بلغتهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم من يهود أو نصارى أو غيرهم ولم يسلموا، وماتوا على ذلك، سيخلدون في النار، لقول الله عز وجل: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء:48] وقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [آل عمران:85] وقوله: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) [هود:17] ولحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1422(1/2438)
الجنة والنار باقيتان أبدا لا تفنيان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد فجزاكم الله خيراعلى مابذلتموه من نشر للإسلام والله يجزيكم يوم لاظل إلا ظله أماسؤالي فهو: هل حقا أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال إن عذاب النار سينتهي وليس ممتدا فهل هذا قاله أم هو من الأكاذيب الملصقة به وإن كان قاله فماهو دليله مع أن هناك كثيرا من الآيات يكذب ماقال أوما ألصق به.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من القول بفناء النار ليس صحيحاً، وليس في كتبه المطبوعة المتداولة شيء من ذلك، وغاية الأمر أن تلميذه ابن القيم -رحمه الله- نقل عنه أن في المسألة قولين للسلف، وذكر بعض الآثار في ذلك عن الصحابة.
والموجود في كتب شيخ الإسلام القول بدوام الجنة والنار وبقائهما، بل وحكى اتفاق السلف والأئمة على ذلك.
وقد تولى الباحث الدكتور علي بن علي جابر بيان رأي شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم في هذه المسألة في كتابه: كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار.
ومما نقله عن شيخ الإسلام في ذلك:
1- سئل شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى 18/307:
عن حديث أنس مرفوعاً: "سبعة لا تموت ولا تفنى ولا تذوق الفناء: النار وسكانها، واللوح والقلم، والكرسي والعرش" وهل هذا حديث صحيح؟ فأجاب:
(هذا الخبر بهذا اللفظ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام بعض العلماء، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان، ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله، وإجماع سلف الأمة وأئمتها) . انتهى.
2- استشهد شيخ الإسلام في كتابه درء تعارض العقل والنقل 2/ 308:
بكلام الإمام أبي الحسن الأشعري في المقالات، وذلك في معرض بيان شيخ الإسلام لبطلان قول الجهم بن صفوان:
قال أبو الحسن الأشعري: واختلفوا أيضا هل لأفعال الله سبحانه آخر، أم لا آخر لها على مقالتين: فقال الجهم بن صفوان: إن لمعلومات الله ومقدوراته غاية ونهاية، ولأفعاله آخر، وإن الجنة والنار تفنيان، ويفنى أهلهما، حتى يكون الله آخراً لا شيء معه، كما كان أولا لا شيء معه.
وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة منعمين، وأهل النار في النار يعذبون، ليس لذلك آخر، ولا لمعلومات الله ومقدوراته غاية ولا نهاية. انتهى.
3- إقرار شيخ الإسلام لحكاية ابن حزم الإجماع في المسألة، فقد قال ابن حزم في مراتب الإجماع: وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً، لا تفنى ولا يفنى أهلها أبداً بلا نهاية. ولم يتعقبه شيخ الإسلام بشيء في كتابه نقد مراتب الإجماع، مع أنه تعقبه في مسائل كثيرة أخرى.
4- وقال شيخ الإسلام أثناء مناقشته لمسألة تسلسل الحوادث (الفتاوى 8/154) : (ولم ينازع في ذلك -أي في حوادث غير متناهية في المستقبل- إلا بعض أهل البدع الذين يقولون بفناء الجنة والنار، كما يقوله الجهم بن صفوان، أو بفناء حركات أهل الجنة، كما يقوله أبو الهذيل) .
5- وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة 1/146:
(قالوا -أي جمهور أهل السنة القائلين بالتعليل-: والتسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين، وغيرهم من أهل الملل، وغير أهل الملل، فإن نعيم الجنة والنار دائم مع تجدد الحوادث فيهما، وإنما أنكر ذلك الجهم بن صفوان، فزعم أن الجنة والنار تفنيان، وأبو الهذيل العلاف زعم أن حركات أهل الجنة والنار تنقطع، ويبقون في سكون دائم، وذلك لأنهم اعتقدوا أن التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي والمستقبل. قالوا هذا القول الذي ضللهم به أئمة الإسلام.
وقد أشار ابن القيم إلى أن شيخ الإسلام صنف في ذلك مصنفاً مشهوراً، لكن لم يُعثر على هذا المصنف بعد، وقد قال الحافظ ابن عبد الهادي في كتابه (العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية) أثناء سرده لمؤلفات شيخ الإسلام: (وله قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار) .
وننصحك بالرجوع إلى الرسالة المشار إليها في أول الجواب.
وأما القول بتكفير شيخ الإسلام فهو من الأقوال الباطلة الجائرة، وقد أقر لشيخ الإسلام بالفضل والعلم والإمامة الموافق له والمخالف، ونحيلك إلى ما سبق تحت الفتوى رقم: 7022
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1422(1/2439)
الجن يعذبون بالنار وتؤثر بهم وإن كانوا خلقوا منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنتم تعلمون أن الله يعذب العصاة من البشر يوم القيامة بالنار أعاذنا الله منها. ولكن العصاة من
الجن هل يعذبون بها؟ وكيف يعذبون بها وهم مخلوقون منها؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالثابت قطعاً بنص القرآن أن الله يعذب كافري الجن في جهنم كما قال تعالى (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس) [الأعراف:179] وكونهم مخلوقين من نار، لا يعني بقاءهم على أصل خلقهم، فآدم عليه السلام خلق من تراب ثم جعله الله لحماً ودماً، وهكذا الجن خلقوا من نار ثم صاروا إلى طبيعة أخرى تؤثر فيها النار ويعذبون بها، واعتبر ذلك بحال بنى آدم فهم وإن كان أصل خلقهم من تراب إلا أن الرجل يتألم لو ضرب بفخار، أو وضع التراب في عينيه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1421(1/2440)
الذي عليه أهل السنة أن الجنة والنار لا تفنيان
[السُّؤَالُ]
ـ[1 (هل القول بانقطاع العذاب وفناء النار يعتبر عقيدة فاسدة تدخل صاحبها النار لمخالفتها النصوص القطعية من القرآن والسنة؟ أرجو ذكر الدليل في حال الإيجاب أوالنفي 2) هل القول باستحالة رؤية الله في الدنيا والآخرة يعتبر عقيدة فاسدة تدخل صاحبها النار لمخالفتها النصوص القطعية من القرآن والسنة؟ أرجو ذكر الدليل في حال الإيجاب أوالنفي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار لا تفنيان. كما قال الطحاوي في عقيدته المشهورة: والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان ولاتبيدان.
وقال ابن حزم في كتابه الملل والنحل: (اتفقت فرق الأمة كلها على أن لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها، إلا الجهم بن صفوان) .
وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى عن أهل النار: (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً *إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً) [النساء: 168-169]
وقوله: (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً* خالدين فيها أبداً) [الأحزاب:63-65] وقوله: (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) [الجن: 23] وقوله: (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون* لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون) [الزخرف: 74-75]
وقوله: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين) [النساء:14]
وقوله تعالى: (ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون) [فصلت 28]
فالنار باقية لا تفنى وكذلك أهلها من الكفار والمنافقين، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين بالشفاعة أو بعد تنقيتهم وتهذيبهم.
وقال الله تعالى في شأن الجنة وأهلها:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية* جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) [البينة 7-8] وقال تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم) [الدخان: 65]
وقال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً* خالدين فهيا لا يبغون عنها حولاً) [الكهف: 107] وقال تعالى: (أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا) [الرعد:35] وقال: (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) [ص 54]
إلى غير ذلك من الآيات.
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. ويقال ياأهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح. ثم يقال: ياأهل الجنة خلود فلا موت، وياأهل النار خلود فلا موت "
فهذا هو الحق الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة، بناء على النصوص القطعية من القرآن والسنة.
ثانياً:
دل الكتاب والسنة على أن المؤمنين يرون ربهم سبحانه وتعالى في الجنة، وعلى ذلك أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أهل الهدى.
قال الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة* إلى ربها ناظرة) [القيامة22-23:]
وقال سبحانه: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) [المطففين: 15]
قال الشافعي: لما حجب هؤلاء في السخط دل على أن أولياءه يرونه في الرضى.
وقال عز وجل: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) فالحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟. قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.)
وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال " إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته "
وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر"؟ قالوا: لا يا رسول الله قال "هل تضامون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ " قالوا: لا يا رسول الله. قال: "فإنكم ترونه كذلك " الحديث أي ترونه رؤية صحيحة لا مضارة فيها.
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي رواها بضعة وعشرون صحابياً وهي أحاديث متواترة كما بين ذلك أهل العلم.
وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فإنها جائزة عقلاً، لكنها غير واقعة شرعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم محذراً من الدجال: " تعلمون أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت، وإنه مكتوب بين عينه ك ف ر يقرؤه من كره عمله" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وليس في هذا خلاف بين أهل السنة إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نوراً وهو الحجاب. كما روى مسلم في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قد سألته - أي عن رؤيته لربه - فقال: "رأيت نوراً ".
وفي مسلم أيضاً من حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: " نور أنى أراه " أي كيف أراه!
وقد دل على أن النور هو الحجاب قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
وسبحات وجهه، أي: نوره وجلاله وبهاؤه.
قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلاً، وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين، وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، ورواها نحو من عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة … وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فقد قدمنا أنها ممكنة، ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنها لا تقع في الدنيا …) انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2441)
الكفار مخلدون في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو القول حول قضية الخلود في النار وإذا لم يكن هناك خلود في النار فماذا يفعل بمن كانوا في النار، خاصة وأن الأحاديث الصحيحة تشير إلى أن أصنافاً من الناس لا يدخلون الجنة وأحاديث أخرى تدل على أن الموت يذبح فلا يموت أهل الجنة ولا أهل النار فماذا يفعل بهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الذين يدخلون النار صنفان من الناس: الصنف الأول مؤمنون موحدون ارتكبوا في الدنيا بعض المعاصي وأسرفوا على أنفسهم ففاقت سيئاتهم حسناتهم هؤلاء يدخلون النار ويلبثون ما شاء الله أن يلبثوا بها ثم يخرجون منها، ويدخلون الجنة بفضل الله تعالى. والصنف الثاني: الكافرون الذين ماتوا على كفرهم والعياذ بالله تعالى - فهؤلاء يدخلون النار وما هم منها بمخرجين، خالدين فيها أبداً، كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب لا يقضى عليهم فيها فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها.
ونصوص الوحي كتاباً وسنة طافحة بهذا المعنى صريحة فيه لا يمكن تأويلها ولا صرفها، فلا تكاد تقلب صفحة من كتاب الله تعالى إلا وتجد فيها شيئاً من هذا المعنى، واقرأ إن شئت سورة البينة كمثال على ذلك.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2442)
الجنة والنار مخلوقتان، وأبديتان لاتفنيان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القول بانقطاع العذاب وفناء النار يعتبر عقيدة فاسدة تدخل صاحبها النار لمخالفتها النصوص القطعية من القرآن والسنة؟ أرجو ذكر الدليل في حال الإيجاب أوالنفي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار لا تفنيان. كما قال الطحاوي في عقيدته المشهورة: والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان ولاتبيدان.
وقال ابن حزم في كتابه الملل والنحل: (اتفقت فرق الأمة كلها على أن لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها، إلا الجهم بن صفوان) .
وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى عن أهل النار: (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً *إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً) [النساء: 168-169]
وقوله: (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً* خالدين فيها أبداً) [الأحزاب:64-65] وقوله: (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) [الجن: 23] وقوله: (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون* لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون) [الزخرف: 74-75]
وقوله: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين) [النساء:14]
وقوله تعالى: (ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا يعملون) [فصلت 28]
فالنار باقية لا تفنى وكذلك أهلها من الكفار والمنافقين، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين بالشفاعة أو بعد تنقيتهم وتهذيبهم.
وقال الله تعالى في شأن الجنة وأهلها:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية* جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) [البينة 7-8] وقال تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم) [الدخان: 56]
وقال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً* خالدين فهيا لا يبغون عنها حولاً) [الكهف: 107] وقال تعالى: (أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا) [الرعد:35] وقال: (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) [ص 54]
إلى غير ذلك من الآيات.
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. ويقال يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح. ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت "
فهذا هو الحق الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة، بناء على النصوص القطعية من القرآن والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2443)
من مات على كفره أو شركه فهو في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جميع الذين لم يدخلوا في دين الاسلإم مصيرهم جهنم ولو كانت أعمالهم حسنة؟ إذا كان الجواب بنعم أو لا فأرجو أن ترفقها بآية قرآنية أو بأحاديث نبوية وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ... فالجواب: نعم، بلا ريب ومن شك في ذلك فهو منهم والعياذ بالله، ومن أدلة على ذلك:
1:قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) . [آل عمران:85] .
2: قوله تعالى: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) . [هود: 17] .
3:قوله تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً، أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً) . [النساء: 150-151] .
4:ما رواه مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال:" والذي نفسي بيده، لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي، إلاّ دخل النار "، قال سعيد بن جبير رحمه الله: تصديق ذلك في كتاب الله تعالى: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) . [هود: 17] . وأجمعت الأمة على ذلك فلا ريب أن من يعتقد خلاف ذلك مكذب بهذه النصوص مخالف لهذه الأدلة، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1422(1/2444)
من بلغته الدعوة ولم يؤمن بها فإنه من أصحاب النار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الذين يموتون على غير الإسلام وهم لا يعلمون شيئاً عن الإسلام يعتبرون من أهل النار؟ وهل نحن المسلمين نأثم في عدم دعوتهم؟ من المسؤول الأول عن ذلك؟ شكرالله لكم ماتقومون به.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ... على المسلمين أن يكونوا دعاة لدين الله تعالى يهدون الناس إلى الحق ويبصرونهم بالنور قال تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) . [فصلت: 33] . والواجب على المسلمين أن تقوم منهم طائفة بهذه المهمة ولا يتقاعسوا عنها. ومن بلغته دعوة الإسلام ولم يؤمن بها فإنه يكون من أصحاب النار، لتقصيره في البحث عن الحق، قال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودياً أو نصرانياً ثم لم يؤمن بي إلا كان من أهل النار". [رواه مسلم] . والمقصود بقوله من هذه الأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(1/2445)
الغيب واكتشاف الإلكترونات والموجات الكهرومغناطيسية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أمكن للعلماء باستخدام المجاهر الإلكترونية (كركوسكوب-السيلكترون) من رؤية الإلكترون, وكذلك الموجات الكهرومغناطيسية والمجال المغناطيسي, أم كل هذه الرسومات مجرد تمثيل لها؟ وهل يدخل هذا الماديين في دائرة الإيمان بالغيب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية يحسن أن ننبه على أن الغيب نوعان: غيب مطلق وغيب مقيد، فالمطلق: ما غيبه الله عن جميع خلقه فلم يطلع عليه أحد منهم. والمقيد: ما يكون مشهوداً لبعض الخلق، فهذا يكون غيباً بالنسبة لمن غاب عنه، وشهادة بالنسبة لمن يعرفه. وهذا الغيب المقيد يمكن للإنسان أن يعرفه إما بطريق مشروع كالإلهام أو إخبار الثقات أو الاعتماد على العلوم المتقدمة التي يعرف بها بعض الأمور الخفية كحال الجنين في بطن أمه، وما في قاع البحر وغور الأرض ونحو ذلك، وإما بطريق غير مشروع كحال الكهنة والعرافين. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 20497.
وأما مكونات المادة من الجزيئات والذرات، ثم مكونات الذرة من نواة تجتمع فيها النيوترونات والبروتونات، وما يدور حولها من الإلكترونات، فهذا من الغيب المقيد، الذي أمكن كشفه بعد اكتشاف المجاهر الإلكترونية، وليس الكشف بالرؤية فحسب، بل دراسة ذلك واكتشاف خواصه وسلوكه، وما ترتب على ذلك من اختراعات كثيرة ما بين نافع وضار. وما لم يمكن رؤيته عن طريق المجاهر لكونه ليس جسما كالموجات الكهرومغناطيسية والمجال المغناطيسي، أمكن إدراك بعض آثاره والاستفادة منها أيضا في كثير من المخترعات الحديثة.
وأما السؤال عن دخول الماديين بهذا في دائرة الإيمان بالغيب، فإن كان المراد أن هذه الاكتشافات توقفهم على بعض آثار قدرة الله التامة وعلمه المحيط، مما يدعوهم إلى الإيمان، فهذا صواب، ولذلك أمر الشرع الحنيف بالتفكر والنظر في بديع خلق الله تعالى، فإن ذلك يقود إلى معرفة الخالق سبحانه، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46174، 54232، 33504.
وإن كان المراد أن هذه الأمور من الغيب المأمور شرعا بالإيمان به، فليس بصحيح، فالغيب المأمور بالإيمان به إنما يدخل فيه ما أخبرنا الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، كالإيمان بالله وملائكته واليوم الآخر ونحو ذلك، كما سبق بيانه في الفتويين: 114536، 102054.
كما أن هذه الأمور المذكورة في السؤال بعد الاطلاع عليها والعلم بها لم تعد من الغيب بل صارت من عالم الشهادة فالعالم بها لا يقال إنه آمن بغيب أو علمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1430(1/2446)
رؤية الله تعالى في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جميع من يدخل الجنة إن شاء الله سيرى وجه الله؟ وماذا عن من سيدخلون النار -- جعلنا الله وجعلكم من أهل الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 55358، 31498، 2426، 4228.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1426(1/2447)
ذكر الموت حافز للعمل بطاعة الله والبعد عن نواهيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا يا إخواني لا أنسى الموت أبدا وصرت في حالة تشاؤم ولا أقدر أن أفعل أي شيء لدنيا وكأني دائما في الحلم وكأن جسدي ليس معي فأنا عندي سؤالان الأول: ماذا أفعل في حالتي هذه التي تكلمت عنها حتى أستطيع أن أكون في وعيي وأفعل ما يفيدني بالدنيا والآخرة؟
وسؤالي الثاني: يا إخوان أنا يصعب عليَ أن أختلط مع الذكور وأرتاح جدا في الاختلاط مع الإناث ولكن دون حدوث أي شيء حرمه الله علينا وأنا دائما أحكي عن الموت لكل من يتكلم معي؟
أرجو الإجابة إذا أمكن وبارك الله فيكم.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تذكر الموت ينبغي أن يكون حافزاً لاستعداد صاحبه للقاء الله تعالى، ونشاطه في الطاعة وبعده عن الكسل، وأن يكثر من الأعمال الصالحة ويتوب توبة صادقة، ويبتعد عن جميع المحرمات، ومن المحرمات مخالطة النساء الأجنبيات والالتذاذ بالنظرإليهن وبمحادثتهن.
ونوصيك أن تراجع بعض الأطباء النفسانيين، أو مراجعة قسم الاستشارات بالشبكة، لعلهم يفيدونك في حالتك النفسية.
وراجع الفتاوى المتعلقة بأحكام النظر والاختلاط ضمن العرض الموضوعي لفتاوى الشبكة وهي في مقدمات مواضيع النكاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1426(1/2448)
من آثار الإيمان بالغيب على نفس المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي آثار الإيمان بالغيب على حياة المسلم (الإيمان بالله والملائكة بدون رؤية) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإيمان بالغيب قد جعله الله تعالى من أول صفات المتقين، حيث قال الله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة:2-3] .
وذلك لما له من أهمية في حياة المسلم، وإن من أهم آثار الإيمان بالغيب على نفس المسلم:
أولاً: الشعور برقابة الله تعالى عليه، وأنه مطلع على جميع حركاته وسكناته، فيبعثه ذلك على الخشية منه.
ثانياً: الاستقامة على أمر الله تعالى بتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي.
ثالثاً: الشعور بالطمأنينة والأنس، فيكون ذلك دافعاً إلى الصبر وعدم اليأس.، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 34148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1424(1/2449)
جواب شبهة حول نزول عيسى في آخر الزمان
[السُّؤَالُ]
ـ[شبهة من أخطر الشبة الذي يثيرها أتباع العقيدة الأحمدية القاديانية وهي: كيف تؤمنون بختم النبوة وانقطاع الوحي وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا عيسى عند نزوله بالنبي في مواضع كثيرة مثل: " ... يحصر "نبيّ الله" عيسى وأصحابه ... فيرغب "نبيّ الله" عيسى وأصحابه.... ثم يهبط "نبيّ الله" عيسى وأصحابه.... فيرغب "نبيّ الله" عيسى وأصحابه إلى الله؟
وكذلك كيف تؤمون بانقطاع الوحي وقد وصف عيسى عليه السلام في الحديث نفسه: إذ أوحى الله إلى عيسى...." مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، أرجوا سرعة الرد حتى نرد بها عليهم. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ختم النبوة بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ثبت به النص في القرآن والسنة.
وأما عيسى عليه الصلاة والسلام فبعثته سبقت بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وإذا أنزل في آخر الزمن فلا يحكم بشرع جديد وإنما يحكم بشرع النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الوحي الذي يوحى إليه فليس فيه نسخ ولا تجديد لشريعتنا، وكونه تنزل عليه خطة يؤمن فيها أصحابه من شر يأجوج ومأجوج فلا يعتبر وحيا جديدا يخالف ختم النبوة.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65890، 73086، 105675.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1429(1/2450)
اليقين بالخلود بعد الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شيء يؤرقني وهو التفكير في فكرة الخلود بعد الموت (بغض النظر في الجنة أو في النار والعياذ بالله) ، كلما فكرت في هذا الموضوع سواء قبل النوم أو في فترة تفكير عميق أحس بالاختناق والضيق وأفقد توازني، فكرة عدم وجود نهاية للحياة بعد الموت تشكل كابوساً لا أستطيع التخلص منه، وفكرة لا أستطيع فهمها بالمرة، لم أجد شخصاً يتفهم وجهة نظري ولا من يساعدني في التغلب على المشكلة، أخشى أن يكون في الأمر نوع من الاعتراض على قضاء الله، الرجاء إفادتي بما يساعدني على فهم الأمر والتعامل معه وتقبله، كما أرجو تنبيهي إذا كان في الأمر تشكيك في قدر الله، كما أضيف أني قرأت لعلماء يقولون بفناء كل شيء في الأخير؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم الإيمان بما أخبر الله به من الغيب وبما وعد به، ولتعلم أخي أن أمور الغيب يجب الإيمان بما صح لنا منها سواء أدركناه بالعقل أم لم ندركه، واعلم أن ما كتب للإنسان سيناله لا محالة بقدرة الله التي لا يعجزها شيء، ولا شك أن الله قادر على فعل ما شاء وتحقيق وعده متى شاء، فهو الفعال لما يريد والعزيز الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، وإنما يقول للشيء كن فيكون، كما قال الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {يس:82} ، وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقّ ٌ {فاطر:5} ، وقد دلت على خلود الناس في الآخرة في الجنة أو النار نصوص الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى في شأن أهل النار: وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا {الجن:23} ، وقوله تعالى: ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {فصلت:28} ، وقال الله تعالى في شأن الجنة وأهلها: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ {البينة:7-8} ، وقال تعالى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {الدخان:56} ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا* خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا {الكهف:107-108} .
وفي حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود لا موت، ولأهل النار يا أهل النار خلود لا موت. رواه البخاري ومسلم.
ومن ذلك ما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً.
فعليك أن تؤمن بما ثبت في الوحيين وتصرف فكرك وطاقتك لكسب السعادة الأبدية في الآخرة والسلامة من العذاب الأبدي فيها، ولا يتم ذلك إلا بالالتزام بالطاعات والبعد عن المعاصي، فإن العاقل من شمر عن ساعد الجد وبادر إلى طاعة ربه، وأيقن أن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، وأن العبد يجازى على الصغيرة والكبيرة، قال الله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف:49} ، فلا يشغلك الشيطان بهذه الأفكار عن نجاتك بنفسك من سخط الله وعذابه، وعن ظفرك بالفوز برضاه وجنته، فقد قال الله تعالى: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ {آل عمران:185} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1427(1/2451)
وسائل الإقناع باليوم والآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شاب تعرفت عليه عن طريق الإنترنت.. وهو مسيحي.. ولكنه يريد أن يسلم.. ولكنني لا أعرف كيف أشرح له.. إنه يقول أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. ويسأل كثيراً عن الإسلام وغير ذلك.. فهو لا يؤمن بالآخرة، فكيف أقنعه بأن هنالك آخرة، وهو يسأل عن الروح، بمعنى إن مات الإنسان فأين تذهب روحه، فأتمنى أن تساعدوني كي أساعده ويدخل الإسلام؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هناك أسساً لدعوة النصارى إلى دين الإسلام، انظري طائفة منها في الفتوى رقم: 62022 وما تفرع عنها من فتاوى.
هذا وإن الإيمان بالآخرة وبسائر أركان الإيمان مبني على الإيمان بالله وبرسوله وتصديق خبرهما، وعلى هذا فإن البداية الصحيحة في دعوة النصاري هي غرس الإيمان بالله وبرسوله في قلوبهم، فإذا تم ذلك فإن إيمان المرء بأن القرآن كلام الله حقاً وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، سيدعوه إلى تصديق ما يخبران به من البعث بعد الموت وما يتبعه من أمور الآخرة، وانظري الفتوى رقم: 34148.
ثم إن هناك أدلة عقلية على بعث الأموات ومحاسبتهم ومجازاتهم، ونحيلك على كتاب (الإيمان) للدكتور محمد نعيم ياسين، وسلسلة (العقيدة في ضوء الكتاب والسنة) للدكتور عمر الأشقر، وخاصة الأجزاء المتعلقة بالقيامة الكبرى والصغرى والجنة والنار، وفيما أحلناك عليه من كتب بيان ما تتعرض له روح الإنسان بعد موته، وانظري أيضاً الفتوى رقم: 11722.
وانظري الفتوى رقم: 25116 فإن فيها كيفية دعوة المرأة الرجل الكافر للإسلام، وانظري قواعد دعوة الكافرين للإسلام في الفتوى رقم: 21363.
وانظري صفات وآداب أساسية ينبغي أن يكون عليها الداعية في الفتوى رقم: 8580.
هذا وإن الأولى أن يتولى دعوة الرجال رجال مثلهم، وأن تنشغل المرأة بدعوة النساء، وانظري الفتوى رقم: 30911.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1426(1/2452)
العدالة الإلهية في خلود الكفار في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم مهاجر بفرنسا منذ 3 سنوات , مؤخرا أصبت بلبس في عقيدتي وحيرة شديدتين أرجوكم مساعدتي
*عندما أفكر في مصير القوم الذين أعيش بينهم ومصير المسلمين العصاة أي الخلود في النار، كون هدا العبد لا يتجاوز عمره 100 سنة في حياته الدنيا وإن طال (فإذا أذنب عوقب بالخلود في النار)
*الحق سبحانه هو الحكم العدل فهو العدالة نفسها وهو الذي حرم الظلم على نفسه. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
كيف أوازن بين الأمرين؟ عدالة الله منجهه، وحكمه في العصاة الخلود في النار التي لا يطيقها بشر ولو ساعة من زمن. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... أريحوني جزاكم تالله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلتعلم أولا أن عصاة المؤمنين لا يخلدون في النار، وإذا ماتوا قبل أن يتوبوا إلى الله تعالى فإن أمرهم إليه سبحانه وتعالى، إن شاء عذبهم بدخول النار واللبث فيها ما شاء الله، ولا بد أن يأتي يوم يخرج فيه جميع من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار، لما في الحديث: من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه. رواه الطبراني، وقال المنذري: رواته رواة الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ولما في حديث الصحيحين في الشفاعة لمن دخل النار أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول الله: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.
وإن شاء عفا عنهم من أول الأمر، فهم تحت مشيئته سبحانه وتعالى. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48} ولكن الذنوب التي لها تعلق بحق العباد لا بد من استيفائها لأصحابها أو إرضائهم من قبل الله عز وجل عن عباده الذين عليهم الحقوق.
وأما من أخلص التوبة لله تعالى فلا يتناوله الوعيد المذكور لأن الله تعالى يغفر ذنوبه جميعا بالتوبة النصوح وتواترت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ {الشورى 25} وقال: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82}
وأما الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام وسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنوا به فهؤلاء مخلدون في النار في الآخرة إن ماتوا على كفرهم، فقد عاشوا حياتهم الدنيوية في كفر بالله تعالى فاستحقوا أن يعيشوا الحياة الأخروية كلها في عذاب الله، وهذا من تمام عدل الله تعالى، حيث لم يسو بين المسلم المقر بالتوحيد والنبوات الذي تقع منه المعاصي وبين الكافر المنكر لاستحقاق ربه الخالق العبودية والمنكر لرسالات رسله، وقد أشار بعض العلماء إلى الجواب عن نصوص الشبهة التي طرأت على الأخ السائل وحاصل الجواب أن الكفار لو عمروا ما عمروا فإنهم سيعيشون على الكفر، بل لو ردوا إلى الحياة رجعوا إلى ما كانوا عليه كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ {الأنعام: 28} ولذلك استحقوا ذلك الجزاء على وجه التأبيد، والأدلة على تأبيدهم في النار كثيرة، من ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا {البينة: 6} وقوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ {المائدة: 72} وحديث مسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن تتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أو غبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال لهم: من تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله فقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار.
ثم يدعى النصارى فيقال لهم من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأول. رواه البخاري ومسلم
وينبغي للمسلمين الذي عرفوا الإسلام وعرفوا مصير هؤلاء الكفار أن يحولوا قلقهم من مصير الكفار إلى عمل مثمر يفيدهم ويفيد الكفار، فينشطوا في دعوتهم إلى الله وبيان محاسن الإسلام لهم ويحدثوهم عن حياة الآخرة وأهوالها ونعيمها، وأن الإسلام هو الحل الوحيد للظفر بالسعادة في الدارين والأمن من العذاب، وأن يبينوا مثل ذلك للعصاة المؤمنين حتى يتوبوا وينيبوا إلى ربهم قبل الموت، وعليهم أن يستخدموا في ذلك ما تيسر من وسائل الإقناع العقلي والتأثير العاطفي فيرغبوهم ويرهبوهم ويحاوروهم ويجادلوهم بالتي هي أحسن، ويصبروا عليهم ويدعوا لهم ويرسلوا لهم رسائل مسموعة ومقروءة عبر وسائل الاتصال حتى يقرأها الواحد وهو منفرد بنفسه ويراجع نفسه في محتواها.
فإن أعظم ما يكسبه المسلم هو اهتداء شخص على يديه كما في حديث البخاري: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29369، 43329، 46212.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1426(1/2453)
خلود الكفار في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[الذي عليه أهل السنة والجماعة أن النار والجنة لا تفنيان ولكن ما رأيكم بآيات الله تعالى:
أـ آية سورة النبأ: (لابثين فيها أحقابًا) (الآية: 23) . فتقييد لبثهم فيها بالأحقاب يدل على مدة مقدرة يحصرها العدد، لأن ما لا نهاية له لا يقال فيه: هو باق أحقابًا، وقد فهم ذلك من الآية الصحابة - وهم أفهم الأمة لمعاني القرآن - كما سنذكر بعد.
ب ـ آية سورة الأنعام: (قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) (الآية: 128) .
جـ ـ آية سورة هود: (خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) (الآية: 107) .. وقال بعدها في الجنة وأهلها: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) (الآية: 108) .
ولولا الأدلة القطعية الدالة على أبدية الجنة ودوامها، لكان حكم الاستثناء ين في الموضعين واحدًا. كيف؟ وفي الآيتين من السياق ما يفرق بين الاستثناء ين فإنه قال تعالى في أهل النار: (إن ربك فعال لما يريد) فعلمنا أنه تعالى يريد أن يفعل فعلاً لم يخبرنا به، الرجاء التفسير والتوضيح؟
وهناك أقوال لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
فمن الصحابة: عمر رضي الله عنه قال: \\\"لو لبث أهل النار في النار عدد رمل \\\" عالج \\\" لكان لهم يوم يخرجون فيه\\\".
وابن مسعود رضي الله عنه قال: \\\"ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا\\\".
وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه روي عنه نحوه.
وأبو هريرة قال: \\\"أما الذي أقول: إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ: (فأما الذين شقوا..) الآيتين.
وأبو سعيد الخدري قال في آية: (إلا ما شاء ربك) : \\\"أتت على كل آية في القرآن، أي آية وعيد\\\".
وابن عباس - في رواية عنه - قال في الآية: (إلا ما شاء ربك) : \\\"استثنى الله قال: أمر الله النار أن تأكلهم\\\".
ومن التابعين وأئمة السلف: الشعبي قال: \\\"جهنم أسرع الدارين عمرانا، وأسرعهما خرابًا\\\".
وأبو مجلز قال عن النار: \\\"جزاؤه، فإن شاء الله تجاوز عن عذابه\\\".
وإسحاق بن راهويه - وقد سئل عن آية هود - قال: \\\"أتت هذه الآية على كل وعيد في القرآن\\\".
وابن القيم -رحمة الله قال بأن النار سوف تفنى
وأهم قول قول ابن مسعود: وابن مسعود رضي الله عنه قال: \\\"ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا\\\". ولكن هذا لا يتوافق مع قول الله عز وجل
عن الكفار خالدين فيها أبدا فكيف ذلك؟؟؟؟؟؟
3:)
(ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا) . (غافر: 7) .
فهل يعني أنه حتى الكافر تسعه رحمة الله. (ذلك معنى النص)
4:)
ـ دل العقل والنقل والفطرة على أن الرب تعالى حكيم رحيم: والحكمة والرحمة تأبيان بقاء هذه النفوس في العذاب أبد الآباد، وقد دلت النصوص والاعتبار على أن ما شرعه الله وقدره من العذاب والعقوبات في الدنيا، إنما هو لتهذيب النفوس وتصفيتها من الشر الذي فيها، ولحصول مصلحة الزجر والاتعاظ، وقطع النفوس عن المعاودة - وغير ذلك من الحكم - وفي القرآن والسنة ما يدلنا على أن جنس الآلام إنما هو لمصلحة الإنسان (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ) (التوبة: 120) . الخ، (وليمحص الله الذين آمنوا) (آل عمران: 141) .إلخ، ورب الدنيا والآخرة واحد، وحكمته ورحمته موجودة في الدارين، بل رحمته في الآخرة أعظم، فقد ورد في الصحيح: أن رحمته في الدنيا جزء من مائة جزء من رحمته في الآخرة، فإذا كان العذاب في هذه الدار رحمة بأهله ولطفا بهم ومصلحة لهم، فكيف في الدار التي تظهر فيها مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض.
وليس لله غرض في العذاب كما قال تعالى: (ما يفعل بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) (النساء: 147) . كما أنه لا يفعله سدى، وإذن فلا بد من حكمة ومصلحة تعود على عباده، وهي إما مصلحة أحبائه وأوليائه بتمام نعيمهم وبهجتهم بما يفعله في أعدائه وأعدائهم، وإما مصلحة الأشقياء ومداواتهم، أو لهذا ولهذا. وعليه، فالتعذيب مقصود لغيره، قصد الوسائل لا قصد الغايات، والمقصود من الوسيلة إذا حصل على الوجه المطلوب زال حكمها. ونعيم أهل الجنة ليس متوقفًا في أصله ولا كماله على استمرار عذاب أهل النار ودوامه، ولو كان أهل الجنة أقسى خلق الله لرقوا لحال أعدائهم بعد طول العذاب. ومصلحة الأشقياء ليست في الدوام واستمرار العذاب، وإن كان في أصل التعذيب مصلحة لهم.
فهذه مسألة عجيبة ومتعبة الرجاء التفسير
والتوضيح بالتفصيل وأن تقولوا رأيكم في الأدلة التي ذكرت ورأيكم في قول ابن مسعود والصحابة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على اتصالك ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع والتحقيق في أمور الشرع، ونفيدك بأن ما نقلت من الإشكال في هذه المسألة هو نفس ما ذكر كلام أهل العلم فيه ابن القيم رحمه الله في كتاب حادي الأرواح، وفي كتاب شفاء العليل.
والمسألة مبحوثة من قديم الزمان، ومن أحسن من بين التوفيق بين الآيات المتعارضة فيها علامة القرآن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، فقد شفى فيها الغليل عند قول الله تعالى: قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ {الأنعام: 128} وعند قوله تعالى: لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا.
فراجع كلامه في الموضوع وكلام ابن القيم، وعلينا جميعا أن نصرف من وقتنا وطاقتنا في رد الناس إلى ربهم وهدايتهم حتى يتوب عليهم ويسلمهم من العذاب، فإن هذا أنفع للأمة وأكثر أجرا لنا من إثارة هذه المباحث التي حققت فيما سبق، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 31357، 7485، 4228.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1426(1/2454)
الثابت عن الإمام أحمد اثبات الرؤية القلبية
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أود أن أشكركم يا د. عبد الله وكما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) صححه الألباني، السؤال: هل رأى رسول الله صلي الله عليه وسلم ربه عند سدرة المنتهى أم رأى نور حجاب ربنا جل وعلا، وهذا سؤال مهم جدا, جزآكم الله إلى ما يرضاه.
لقد قرأت للإمام أحمد بن حنبل أن من أصول السنة أن نقر في أنفسنا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد رأى ربه في الإسراء والمعراج، والحديث يقول عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال رأيت نورا أني أراه، فجزاكم الله خيراً أن تدلوني على منهج سلفنا الصالح في هذه المسألة العظيمة؟ والرجاء التفصيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا منهج أهل السنة في رؤية الله تعالى في الفتوى رقم: 2426.
أما الإمام أحمد فلم ينقل عنه نص صريح في إثبات الرؤية العينية، وإنما الثابت عنه تقييد الرؤية بالقلب أو إطلاقها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الذي نص عليه الإمام أحمد في الرؤية هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فتارة يقول رآه بفؤداه متبعاً لأبي ذر فإنه روى بإسناده عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده وقد ثبت في صحيح مسلم أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم، هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه. ولم ينقل هذا السؤال غير أبي ذر، فلما كان أبو ذر أعلم اتبعه أحمد، مع ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: رآه بفؤاده مرتين. وتارة يقول أحمد رآه فيطلق اللفظ ولا يقيده بعين ولا قلب ... ولم ينقل أحد من أصحاب أحمد الذين باشروه عنه أنه قال: رآه بعينه.. وقد ذكر ما نقلوه عن أحمد الخلال في كتاب السنه وغيره. انتهى.
وكذلك أنكر ابن القيم في الهدى على من زعم أن أحمد قال رأى ربه بعين رأسه، قال: وإنما قال مرة رأى محمد ربه وقال: مرة بفؤاده وحكي عن بعض المتأخرين رآه بعيني رأسه وهذا من تصرف الحاكي.
فلا تعارض بين الحديث وقول الإمام أحمد، وأما مذهب السلف في هذه المسألة فليس بينهم خلاف إلا ما روي عن ابن عباس كما قال الإمام النووي: وقد عرفت من النقول السابقة أن مقصود ابن عباس الرؤية القلبية، أو مطلق الرؤية فلا خلاف بينهم في الحقيقة وقد حكى عثمان الدارمي اتفاق الصحابة أنه لم يره.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(1/2455)
هل كشف اللوح المحفوظ لشيخ الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإسلام في المشاهدات، وما هو رأيكم في كشف اللوح المحفوظ لشيخ الإسلام ابن تيمية، المرجو إعطاء أدلة من الكتاب والسنة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم قصدك بكلمة المشاهدات، فيمكنك أن تبين لنا مقصودك لنتمكن من الرد عليك، وأما عن كشف اللوح المحفوظ لشيخ الإسلام ابن تيمية فراجع فتوى الشبكة رقم: 2658.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(1/2456)
هل يوم القيامة انفجار كوكب وانتهاء عمره
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نرد على من قال إن يوم القيامة ليس إلا انفجار كوكب وانتهاء عمره كانفجار الكواكب الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا القائل يقصد بانفجار كوكب وانتهاء عمره، أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد فقط فلا شك أن هذا الكلام غير صحيح، وأن معتقده كافر لنفيه ضمناً لليوم الآخر الذي الإيمان به أحد أركان الإيمان الستة، أما إن كان يقصد ما ذكره الدكتور زغلول النجار في معنى قوله تعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ {الأنبياء:104} ، حيث قال: إن الله سوف يطوي صفحة هذا الكون جامعاً كل ما فيها من صور مختلف المادة والطاقة والزمان والمكان على هيئة جرم ابتدائي ثان (رتق ثان) شبيه تماماً بالجرم الابتدائي الأول (الرتق الأول) الذي نشأ عن انفجار الكون الراهن، وإن هذا الجرم الثاني سوف ينفجر بأمر الله كما انفجر الجرم الأول، وسوف يخلق الله تبارك وتعالى في هذا الانفجار أرضاً غير أرضنا الحالية، وسماوات غير السماوات التي تظلنا كما وعد سبحانه وتعالى، ومن هنا تبدأ الحياة الأخرى، ولها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الحياة الدنيا فهي خلود بلا موت.. إلى آخره كلامه الذي ذكرناه في الفتوى رقم: 35709.
فإن كان قائل هذه المقولة يقصد هذا المعنى فله فيه سلف من أهل العلم المعاصرين كالدكتور زغلول وغيره ممن سلكوا هذا الاتجاه في التفسير، وهو مقبول إذا كان مضبوطاً بالضوابط التي ذكرناها في الفتوى رقم: 43698.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1425(1/2457)
لا يعلم مصير العباد إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتونا مأجورين في حال وفاة الإنسان وقد تقدم من عمله ما لا يحمد عقباه ودل علي ذلك سوء خاتمته قبل مماته بما يعني أن مصيره قد آل إلى جهنم، فكيف يجزي عنه بعد مماته التصدق عنه والدعاء له وكيف سيغير ذلك من حقيقة أن خاتمته انتهت بالصورة التي ذكرناها آنفا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلم بكون شخص ما قد آل إلى جهنم لا يعلم إلا من خلال نص من القرآن أو الحديث، لأن هذا الأمر غيب بالنسبة لنا لا يعلمه إلا الله الذي يعلم مصير العباد، فإن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا ناراً.
فإن العاصي مهما كانت معاصيه يمكن أن يغفر الله له إذا شاء تفضلاً منه وإحساناً كما يمكن أن يعاقبه عدلاً منه، وهذا لا يعلم ما يقع منه إلا الله، قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [سورة النساء: 48] .
واعلم أن الميت قد أفضى إلى ما قدم ويجب ستره لما في الحديث: لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا. رواه البخاري.
وأما التصدق عمن مات على الإيمان والدعاء له فهو مشروع ويصله ثوابه إن شاء الله، ويتأكد فعل ذلك له من قبل أولاده.
ففي الحديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.
وفي الحديث أن رجلاً قال: يا رسول الله، أن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها. قال: نعم، فتصدق عن أمك. رواه البخاري ومسلم.
وراجع الفتوى رقم: 33828، والفتوى رقم: 10602، والفتوى رقم: 8208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1425(1/2458)
لا تعارض بين كون الحوادث بقدر الله وكونها قد تقع بتقصير العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة حكم حادث السيارة والإصابة فيه: هل هو مقدر ومكتوب في الكتاب منذ خلق وأن يتم فى الوقت الذي حدث فيه وأنه من الإيمان بالقضاء والقدر؟ أم تقصير مني وعدم الأخذ بأسباب الحيطة والحذر في القيادة؟ وهل هذا ابتلاء من الله لمعرفة صبري على المصائب؟ أم غضب من الله علي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجميع ما يحصل في الكون من خير أو شر قد سبق به علم الله تعالى وجرى به القلم في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق، كما قال تعالى: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا {التوبة:51} .
وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {التغابن:11} .
وقال عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة. رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم.
ولا تعارض بين كون الحوادث التي تصيب العبد بقضاء الله وقدره، وبين كونها قد تكون بسبب تقصيره وعدم أخذه بأسباب السلامة، فإن ذلك نفسه بقضاء الله تعالى وقدره، فالله تعالى هو الذي خلق الأشياء وأسبابها وقرن بينهما بحكمته سبحانه، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 103587، 47818، 80725.
وأما الحكمة من وراء هذه الحوادث، فهي كسائر أنواع البلاء تارة يكون لتكفير الخطايا ومحو السيئات، وتارة يكون لرفع الدرجات وزيادة الحسنات، وتارة يقع لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض ذنوبه، كما سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 27048، ورقم: 44779.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(1/2459)
اختيار المرء لزوجته لا ينافي كونه بمشيئة الله وقدرته
[السُّؤَالُ]
ـ[يقولون إنه عندما يولد الإنسان يكتب له من سوف يتزوج وكم طفل سيرزق؟ وآخرون يقولون نحن من نختار الشريك وليست قدرا مكتوبا، والقرآن الكريم يقول: وجعل بينكم مودة ورحمة.
وألفت بين قلوبهم.
فما حكم القدر في الزواج؟ وهل اللعب بورق الشدة يجلب الشياطين؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تدل دلالة صريحة على إثبات قدر الله بمراتبه، من علم الله بما كان وما هو كائن وما سيكون وكتابته لمقادير الخلق قبل أن يخلقهم ومشيئته وخلقه.
فالعلم والكتابة في قوله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {الحج: 70} .
والمشيئة في قوله تعالى: وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء {إبراهيم: 27} .
وقوله: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ {الأنعام: 112} .
والخلق في قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات: 96} .
والنصوص في إثبات القدر ومراتبه كثيرة جدا، ومنها كذلك النصوص المشار إليها في السؤال، وهي: قوله تعالى: وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً {الروم:21} .
وقوله: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {الأنفال: 63} .
وحديث عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق المصدوق ـ قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا، فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح. إلخ الحديث. متفق عليه.
والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدرة عليها، لأن الشرع والواقع دالان على إثبات ذلك له.
أما الشرع: فقد قال الله تعالى في المشيئة: فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا {النبأ:39} .
وقال: فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ {البقرة:223} .
وقال في القدرة: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا {التغابن:16} .
وقال: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ {البقرة:286} .
وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل وبهما يترك، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته.
لقول الله تعالى: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:28، 29} .
ولأن الكون كله ملك لله تعالى، فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته، وانظر لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 4054، ورقم: 26413.
والزواج من هذا القبيل، فلا تعارض بين تقدير الله له وبين اختيار العبد للزواج بمن يريد، لكن اختيار العبد تابع لاختيار الله، فلو لم يكن الله قد قدر له هذا الاختيار لما اختاره.
وأما تأليف القلوب وعكسه، فهو ـ أيضا ـ بقدر الله عز وجل، إلا أن الله سبحانه قدر المسببات وقدر لها أسبابها فإذا قدر تأليفا بين قلوب بعض العباد، فإنه يقدر أيضا أسباب هذا التأليف، وإذا قدر الاختلاف والتنافر، فإنه يقدر أيضا أسبابه، كتعاطي الخمر ولعب الميسر والنرد ونحو ذلك.
قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ {المائدة:91} .
وانظر الفتوى رقم: 80224.
ولا شك أن المعاصي والغفلة عن ذكر الله تجلب الشياطين وتقربهم من الإنسان، قال تعالى: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {الزخرف:36} .
أي: قيَّض له الرحمن شيطانا مريدا يقارنه ويصاحبه ويعده ويمنيه ويؤزه إلى المعاصي أزا.
أما ورق الشدة فلا ندري ماذا تقصد به؟.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1430(1/2460)
تعثر في الزواج بعد فسخ خطبة قريبته وتهديدها له
[السُّؤَالُ]
ـ[كلما أنوي الزواج وأتقدم لبيت أريده تتم الموافقة والترحيب، ولكن يصعب جمع المال أو يتم اختيار مكان آخر وإذا تقدمت لعمل أفضل يحصل معي نفس الشيء، وسبق لي أن تقدمت لإحدى قريباتي فلم تتم الموافقة وقالت لي لو تقدمت لغيري سوف أحطمك ـ والله ـ حتى في منامي تظهر لي، فهل هي سبب هذا العارض؟.
أرجو إفادتي وتوجيهي وإيجاد الحل المناسب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يحدث لك من تعثر في أمر الزواج إنما هو بقضاء الله وقدره, فلا بد أن يرسخ هذا في قلبك ويعتقده فؤادك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
ثم بعد ذلك، عليك أن تفتش في علاقتك بربك، فإن المعاصي لها أثر كبير في تعسير الأمور وضياع الآمال، وقد قال بعض السلف: إ ن الصالحين إذا فقدوا آمالهم تفقدوا أعمالهم.
قال ابن القيم ـ رحمه الله: ومنها تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمرإلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا، فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا. انتهى.
أما ما هددتك به قريبتك هذه فلا تعبأ به وتوكل على الله وسله سبحانه أن يكفيك شرها وكيدها, وما تراه في نومك من أحلام فقد يكون من حديث النفس بسبب انشغالك بهذا الأمر وقد يكون من الشيطان ليحزنك ويدخل عليك الهم والغم فاستعذ بالله من كيده وشره وحافظ على أذكارالنوم وغيرها من الأذكار, ثم ننصحك بالمواظبة على الرقية الشرعية المبينة في الفتاوى التالية أرقامها:, 22104 , 4310 , 2244 , 80694.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1430(1/2461)
لا تنافي بين القدر والحكمة والجزاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الموت مكتوب مسبقا فى اللوح المحفوظ؟ أم أنه يتم كتابته على العبد كنوع من العقاب على ذنوبه، أو اختبار الصبر وقوة الإيمان، كأن يموت ابنه مثلا، فهل يكون ذلك مقدراً من قبل؟ أم أن الله عز وجل قرر وفاة هذا الابن عقابا لأبيه على ذنب معين أو تطهيرا له من ذنوبه، أو اختبارا لعبده على صبره على مصيبته؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالموت مكتوب قبل أن يخلق الله الإنسان، ولا تعارض بين كتابة الأقدار مسبقاً، وبين تنزلها بعد ذلك ووقوعها وفق حكمة الله سبحانه، فلا تنافي بين القدر والحكمة والجزاء، سواء كان ثواباً أو عقاباً، وسواء كان في الدنيا أو الآخرة، وكذلك الابتلاء كل ذلك مقدر من قبل الله سبحانه، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال وكان عرشه على الماء.
وبخصوص المثال المذكور في السؤال فإن الله سبحانه خلق الإنسان وقدر ما سيفعله، وقدر له ما شاءه له من سعادة أو شقاوة، وقدر مع ذلك أسباب تلك الشقاوة أو السعادة، ومن ذلك تقدير الابتلاء والمصائب من موت ابنه وغير ذلك، مما قد يكون عقوبة وتطهيراً له، أو اختباراً ليمتحن قوة إيمانه وصبره، فييسر بذلك للحسنى أو للعسرى وفق ما سبق في علم الله جلا وعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1430(1/2462)
أول ما خطه القلم الذي خلقه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أول شيء خطه القلم الذي خلقة الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القلم كتب مقادير الأشياء كا يدل له الحديث: أول ما خلق الله قال له اكتب فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1430(1/2463)
الحل الرادع للأفكار التشاؤمية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أفكر بالقدر بطريقة هي ماذا لو أن الله كتب لي أن أرتد عن الإسلام أو ماذا لو كتب الله لي أن أنتحر أو أن أخطف أو أغتصب أو ماذا لو كتب الله لي الضلالة بعد الهداية أو ماذا لو أن الله كتب لي المرض أو غيرها من هذه الأفكار التشاؤمية برغم إيماني الشديد بالقضاء والقدر، أنا أعلم بأن هذا التفكير خاطئ وأنني بمجرد أن أشعر بكل هذه الأفكار مباشرة تذهب، إلا أنني أريد حلا رادعا لهذه الأفكار وجذريا لها خاصة بأنها تعكر مزاجي جداً وخوفي بأن يتحول لوسواس قهري، للعلم أنا عمري 16 عاما، سؤالي هو ما الرادع لهذه الأفكار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بأمرين نرجو أن يكون فيهما الحل الرادع لمثل هذه الأفكار:
الأول: الإيمان الجازم بالقضاء والقدر، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وليس في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، والله خالق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد كما دلت على ذلك النصوص ...
فكل ما يفعله الإنسان من أعمال إنما يكون بمشيئة الله تعالى وإرادته، قال الله تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا {الإنسان:30} .
وجميع أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، قال الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96} .
كما أن للعبد اختيارا ومشيئة فما يفعله العبد من الطاعات أو المعاصي يفعله بمشيئته، وقد أعطى الله تعالى العبد الإرادة والمقدرة على التمييز بين النافع والضار فهو يختار منهما ما شاء، وسيحاسب على اختياره ذلك.
الثاني: التسليم والاستسلام لحكم الله تعالى وشرعه وألا تكثر التفكر في القدر، بل تشغل نفسك بالعلم الشرعي النافع والعمل الصالح ويكثر من الدعاء بالهداية والثبات.. روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعدة من الجنة ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل، فقال: اعملوا فكل ميسر ثم قرأ: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى ... إلى قوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى.
قال ابن القيم في كتابه شفاء العليل في الباب السابع وعنوانه في أن سبق المقادير بالشقاوة والسعادة لا يقتضي ترك الأعمال بل يقتضي الاجتهاد والحرص: يسبق إلى أفهام كثير من الناس أن القضاء والقدر إذا كان قد سبق فلا فائدة في الأعمال وأن ما قضاه الرب سبحانه وقدره لا بد من وقوعه فتوسط العمل لا فائدة فيه، وقد سبق إيراد هذا السؤال من الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم بما فيه الشفاء والهدى.
ثم ذكر الحديث المتقدم وروايات أخرى في نفس المعنى، ثم قال: فاتفقت هذه الأحاديث على أن القدر لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد.
ثم قال: فالقدر السابق معين على الأعمال وما يحث عليها ومقتض لها، لا أنه مناف لها وصاد عنها، وهذا موضع مزلة قدم من ثبتت قدمه فاز بالنعيم المقيم، ومن زلت قدمه عنه هوى إلى قرار الجحيم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة في القدر إلى أمرين هما سببا السعادة والإيمان بالأقدار فإنه نظام التوحيد والإتيان بالأسباب التي توصل إلى خيره وتحجز عن شره وذلك نظام الشرع فأرشدهم إلى نظام التوحيد والأمر. انتهى.
وقال الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام علم ما حظر عنه علمه ولم يقنع بالتسليم فهمه حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكفر والإيمان والتصديق والتكذيب والإقرار والإنكار، موسوساً تائهاً شاكاً لا مؤمناً مصدقاً ولا جاحداً مكذبا.. وقال أيضاً: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فمن سأل لم فعل فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. انتهى ...
فينبغي أن تحمدي الله عز وجل أن هداكِ للإيمان واسألي الله الثبات على الإسلام، واطردي عنك هذه الوساوس والتخيلات فإنك لا تدرين ما كتبه الله لك، واشتغلي بالعلم النافع والعمل الصالح، نسأل الله تعالى لنا ولكِ الهداية والثبات، ويمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4054، 60787، 67357، 97066.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1430(1/2464)
قضاء الله تعالى يجري وفق حكمة تامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة مما يجري في فلسطين الحبيبة من دمار وتجويع، هل هذا ابتلاء من الله ليعرف الصابرين، أم هو حكم ظالم ومحتل مجبرون عليه، وما هو أضعف شيء أستطيع أن أساعد به أهل فلسطين وهل الدعاء لهم كافٍ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن قضاء الله تعالى يجري كله على وفق حكمة تامة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، ومن ذلك تكفير السيئات ورفع الدرجات، وتمحيص ما في قلوب المؤمنين، واستخراج أنواع من العبوديات يحبها الله تعالى كالتوبة والإنابة والصبر والرضا والتوكل والاستعانة والافتقار لله عز وجل، واصطفاء الله منهم شهداء وتمييز الطيب من الخبيث ... وبالنسبة للظالم المعتدي يزداد إثماً واستحقاقاً لعذاب الله ولمحقه في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ {آل عمران:139..142} ، وقال سبحانه: وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ* مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ. {آل عمران:176..179} .
قال السعدي: فلا يظن الذين كفروا بربهم ونابذوا دينه وحاربوا رسوله أن تركنا إياهم في هذه الدنيا وعدم استئصالنا لهم وإملاءنا لهم، خير لأنفسهم ومحبة منا لهم، كلا ليس الأمر كما زعموا، وإنما ذلك لشر يريده الله بهم، وزيادة عذاب وعقوبة إلى عذابهم، ولهذا قال: إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين. فالله تعالى يملي للظالم، حتى يزداد طغيانه ويترادف كفرانه، حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال. انتهى.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه وحسنه الألباني ... وقد سبق أن ذكرنا حكمة الابتلاء وثواب الصابر عليه وعاقبته، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13270، 117080، 101007، 72118، 18721.
كما قد سبق أن بينا تفاوت مسؤولية كل مسلم عما يحدث في غزة وغيرها من مآس، بحسب حاله وقدرته في الفتوى رقم: 117153، وفي الفتوى رقم: 117247.. وكذلك سبق أن ذكرنا بعض الطرق لنصرة المسلمين المستضعفين في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47694، 75447، 102373 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1430(1/2465)
هل تحدثت السنة عن ولادة الطفل المنغولي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 22 وعندي بنت عمرها 5 أشهر وقد رزقني طفلة منغولية، ويقولون إن هذا النوع من الأطفال بأتي من عند الله وليس وراثة، لكنهم قالوا لي إن الرسول تكلم عليه في حديث أنه لو لمس الزوج زوجته بعد انتهاء الدورة الشهرية وكان هناك القليل من الدم وحدث حمل يكون الطفل منغوليا، هل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن كل ما يحصل في الكون يحصل بقدر الله تعالى لقوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} .
ولما في حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
ولكن الحكم بأثر الوراثة في ذلك أو عدمه يسأل عنه أهل الاختصاص.
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في حصول ذلك بسبب إتيان الحائض فلا نعلم حديثا ثابتا يذكر ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
هذا وننبه إلى أن الحائض يحرم على الزوج جماعها حتى يتأكد من الطهر وتتطهر لقوله تعالى: فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. {البقرة:222} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1430(1/2466)
الطلاق يقع بقدر الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مطلقة حديثا وأعيش حالة نفسية حرجة، فهل الطلاق كان قدري يعني بأن الله سبحانه وتعالى قدر لي اللقاء بزوجي وبأن أنجب منه ابنتي ثم نتفرق أم أن أحداً منا كان السبب فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يقع شيء في الكون إلا بقدر الله تعالى ومشيئته ولا يتنافى ذلك مع السبب، فوقوع الطلاق عليك بقدر الله ومشيئته وأما سببه المباشر فهو منكما أو من أحدكما، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا {الحديد:22} ، وقال تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:29} .
وننبهك إلى أن أمر المؤمن كله له خير، كما في الحديث: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. فاصبري واحتسبي عند الله وسليه أن يعوضك خيراً، فعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها، قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة.. أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
وللفائدة في الموضوع انظري الفتوى رقم: 74283، والفتوى رقم: 103587.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(1/2467)
الحكمة من خلق الخلق مع كون الله غنيا عنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا خلقنا الله أو بالأحرى لماذا خلق الله الكون والدنيا، علماً بأنه الغني عن كل شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجواب هذا السؤال قد بينه الله عز وجل بما يكفي ويشفي ويغني عن قول كل قائل، قال جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ {الذاريات:56-57-58} ، واعلم هدانا الله وإياك أن الله تعالى حكيم، لا يفعل شيئاً عبثاً، ولا يقدر شيئاً سدى وأن عقول البشر عاجزة، قاصرة عن إدراك حكمة الله عز وجل في كل فعل من أفعاله، فإذا أعيتك معرفة حكمته تعالى في أمر من الأمور فعليك بالقاعدة العامة التي بينها الله لخلقه، وهي قوله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} ، فترد إليها ما أشكل عليك من هذا الجنس.
وربنا عز وجل له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وهو تعالى يحب أن يظهر آثار أسمائه وصفاته، فهو يحب أن يجيب دعوة الداعين، ويكشف كرب المكروبين، ويثيب الطائعين، ويعاقب العاصين، فاسمه الرحمن الرحيم ترى ظهور آثاره بادية في ذرات هذا الكون: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {الروم:50} ، واسمه العزيز ظهرت آثاره وتظهر في إهلاكه للمكذبين وقهره للمعاندين، واسمه التواب تظهر آثاره في إقالته العثرات، وعفوه عن الزلات، وهكذا في جميع أسمائه الحسنى وصفاته العلا، فهو تعالى يحب أن يدعوه الخلق فيجيبهم، ويعبدوه فيثيبهم، ومن أسمائه تعالى الخالق البارئ المصور، ومن أسمائه تعالى الخلاق العليم.. فهذا القول كله أثر من آثار هذه الأسماء، وهو تعالى غني عن خلقه وعن عبادتهم ومع ذلك فقد رحمهم بأن بعث إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب وهداهم النجدين ووعدهم على الطاعات اليسيرة الأجور الكثيرة.. وقد أبدع العلامة ابن القيم في تصانيفه المختلفة في بيان هذا المعنى، فإن شئت الزيادة فعليك بطريق الهجرتين، ومفتاح دار السعادة، وغيرهما من كتبه النافعة، وانظر كذلك الفتوى رقم: 7565.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1429(1/2468)
هل يلام الإنسان إذا قدر عليه رزقه
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان أموري المادية متعسرة لكن إن شاء الله صابرة وراضية وأدعو باستمرار ربي بطلب الرزق ولكن المشكلة في زوجي وأهله دائما يعيروني بأن رزقي قليل لا بل ويدعوني بأنهم يرغبون في جلب الرزق لي ولكن الله يريد على حد تعبيرهم عدم تيسير رزقي وقد بدأت أشعر بالحزن وانكسار قلبي من كلامهم مع العلم بأن معي شهادة جامعية ولكن زوجي لا يسمح لي بالعمل وقد ربط موضوع استمرار حياتنا الزوجية بعدم العمل وعندي طفلان. فما هي نصيحتكم لي حفظكم الله وأرجو منكم الدعاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى على المسلم أن أمر الرزق بيد الله تعالى، وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وأنه هو يبسط الرزق لمن شاء ويقدر، وليس للخلق دخل في أمر أرزاقهم، وهذا قد دلت عليه كثير من أدلة القرآن والسنة ويمكن مراجعة الفتويين: 2849، 7964. ففيهما بعض هذه النصوص.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يلام الإنسان في جانب عدم تيسير رزقه، وإذا ثبت ما ذكرت من أن زوجك وأهله قد قالوا هذا الكلام فبأي وجه حق حكموا بأن الله تعالى لم يرد تيسير رزقك أطلعوا الغيب، فالواجب عليهم أن يتقوا الله تعالى ويكفوا عن مثل هذا القول، ونوصيك بعدم الالتفات إلى كلامهم هذا.
ثم إن المرأة ليست مطالبة شرعا بالخروج للعمل ونفقتها ونفقة أولادها واجبة على الزوج بأصل الشرع كما هو مبين بالفتوى رقم: 19453.
وننبه إلى أنه يجب على المرأة طاعة زوجها إن منعها من الخروج للعمل. وراجعي الفتوى رقم: 104594.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1429(1/2469)
الحكمة من خلق الكون والمخلوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف لماذا خلق الله الكون والمخلوقات والدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله خلق الإنسان والجان لعبادته، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ، وخلق لهم هذه الأشياء الدنيوية لينتفعوا بها ويستعينوا بها على طاعته وليعتبروا بها، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً {البقرة:29} ، وقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ {الجاثية:13} ، وقال تعالى: وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ. {النحل:5} ، وقال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ {البقرة:22} ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا {الأنعام:97} ، وتدبر سورة النحل فقد أكثر الله فيها الحديث عما سخره لنا وأسبغه علينا من النعم فقد سماها بعضهم سورة الامتنان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1429(1/2470)
كتابة المقادير والصبر على المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[آنسة وعمري 50 عاما لم أرتبط حتى الآن وكانت عندي بعض الأفكار والإنسان الذي أقول عليه نعم يقول لا والعكس لو قال نعم أقول لا فهل الارتباط مكتوب عند الله سبحانه وتعالى قبل أن نولد أم ماذا؟ ولقد أصيبت بسرطان منذ 2 عام فهل هذا لأنني لم أكن أراعي ضوابط الله وكما قالوا لي إنني كنت أبالغ في الاختيار فهل هذا دليل لعدم الرضى عني من الله عز وجل، أرجو الرد جزاكم الله كل خير والحمد لله، الآن أحاول المواظبة على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أركان الإيمان بالقدر، الإيمان بأن الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، فكل مقادير الخلائق مكتوبة قبل أن يخلق الله الخلق، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم في صحيحه.
وهذا الاعتقاد يملأ القلب طمأنينة وثقة بالله، ويدفع إلى بذل الجهد في الأسباب المشروعة مع التوكل التام على الله.
كما أن الإيمان بالقدر يمنع المسلم من الحسرة والجزع على ما فاته من النتائج، لكنه يعود إلى نفسه لينظر فيما فرّط فيه من أسباب وما أخطأ فيه من أفعال، فيصحح أخطاءه، ويجتهد فيما يقدر عليه من الأسباب، وهو يعلم أن الله يقبل التوبة ويعفو عن السيئات.
أما عن مرضك، نسأل الله لك الشفاء والعافية، فليس ذلك دليلاً على عدم رضا الله عنك، فما يصيب الإنسان في الدنيا من صحة أو مرض أو غنى أو فقر أو خير أو شر، كل ذلك ابتلاء من الله، ليس فيه دليل على رضاه أو غضبه، وإنما العبرة بما يقابل العبد به هذه البلاءات من رضا أو سخط.
وعلى ذلك فقد يكون ما أصابك من المرض دليل على رضا الله، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
فما دمت راضية بقضاء الله غير مسخطة، مستقيمة على طاعته، فهذا من دلائل رضا الله عز وجل، ونوصيك بكثرة الدعاء والتضرع إلى الله، مع الأخذ بالأسباب، لعل الله يعافيك من هذا المرض.
ونذكرك بأن أجر الصبر عظيم، وأمر الدنيا يسير، وأن الله تعالى أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا ومن كل من سواه، وأنه قريب مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1429(1/2471)
الإنسان مسير ومخير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نحن مخيرون أم مسيرون أقصد هل نولد ومكتوب لنا أنحن من أهل الجنة أو النار أم نحن من نحدد، والذي يولد في عائلة غير مسلمة هل مكتوب عليه أن يكون من أهل النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنسان مسير باعتبار ومخير باعتبار آخر، وانظري التفصيل في الفتوى رقم: 79824، والفتوى رقم: 26413.
وكل مولود يولد، وقد كتب الله له أجله وعمله ورزقه، وهل هو من أهل الجنة أو من أهل النار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ... رواه البخاري. وكما قال صلى الله عليه وسلم: إن الله وكل في الرحم ملكاً فيقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يخلقها قال: يا رب أذكر، يا رب أنثى، يا رب شقي أم سعيد، فما الرزق، فما الأجل، فيكتب كذلك في بطن أمه ... رواه البخاري ومسلم.
ونحن نعمل باختيارنا ويكون عملنا مطابقاً لما كتبه الله علينا بعلمه، ولا يلزم من كون المولود مولوداً لأبوين كافرين أن يكون من أهل النار، فقد يولد المولود لأبوين كافرين، ثم يسلم ويكون من أهل الجنة، كما أنه قد يولد المولود لأبوين مسلمين ثم يكفر فيكون من أهل النار، فدخول الجنة والنار يكون بالأعمال وليس بالأنساب، وانظري لذلك الفتوى رقم: 35304، والفتوى رقم: 33791، والفتوى رقم: 111439.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1429(1/2472)
الإيمان بالقدر والأخذ بأسباب الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل بشركة منجمية أغلقت أبوابها سنة 2002 استلمنا حينها تعويضات عن الإغلاق ومن حينها لم أبحث عن أي عمل يمكنني من دخل ما بقيت في قريتي في حين انتقل بعض زملائي إلى المدينة المجاورة وهم الآن لهم دخل يومي؟ أشعر الآن بالندم كوني لم أنتقل إلى المدينة.
السؤال: هل هذا قدري وأن هده الفترة لم يكن فيها رزق؟ أم كان هناك رزق وأنا لم أقبضه كوني لم أقم بالأسباب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسعي على كسب الرزق مطلوب شرعاً، فإذا كان هناك من يلزمك أن تنفق عليه من زوجة أو أولاد وجب عليك أن تعمل لتعولهم، وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.
قال السرخسي في شرح كتاب الكسب لمحمد بن الحسن ما ملخصه: في السماء رزقنا كما أخبر الله تعالى ولكننا أمرنا باكتساب السبب ليأتينا ذلك الرزق عند الاكتساب، وقد أمر الله تعالى مريم عليها السلام بهز النخلة كما: وَهُزِّي إِلَيْكِ. وهو قادر على أن يرزقها من غير هز بعناء كما كان يرزقها في المحراب قال عز وجل: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ {آل عمران:37} وإنما أمرها بذلك ليكون بيانا للعباد أنه ينبغي لهم أن لا يدعوا الاكتساب.. ثم المذهب عند جمهور الفقهاء رحمهم الله من أهل السنة والجماعة أن الكسب بقدر ما لا بد منه فريضة. اهـ.
قال المرداوي في الإنصاف فائدة: لو قدر على الكسب ولكن أراد الاشتغال بالعبادة لم يعط من الزكاة قولاً واحداً، قلت: والاشتغال بالكسب والحالة هذه أفضل من العبادات.
وقد أمر الشرع بالأخذ بأسباب تحصيل الرزق، كما قال الله تعالى: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك:15}
وليس في ذلك اعتراض على قدر الله، فإنك تفر بهذا من قدر الله إلى قدر الله، وتدفع القدر بالقدر، فإن كل ما يجري في هذا الكون وما يقع فيه من صغيرة أو كبيرة هو بقضاء الله تعالى وقدره وعلمه وإرادته، كما قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}
والإيمان بالقدر لا يتنافى مع التوكل على الله عز وجل، والأخذ بالأسباب، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة. فما قدره الله عز وجل لك من رزقك ستناله، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها الذي كتب الله تعالى لها في هذه الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. رواه أبو نعيم وصححه الألباني. ولكن هذا لا يعني أن تترك الأسباب بل المسلم مأمور شرعاً بالأخذ بالأسباب.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 20434، 21790، 28532.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1429(1/2473)
حكم مقولة: صدفة أو مصادفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أنبهكم إلى خطأ في الفتوى71853 إذ لا توجد مصادفة في هذا الكون بل كل شيء بقدر وجب الإتصال بالسائل للإعتذار.
السؤال: عندما أدعو في السجود لا أحرك اللسان لربح الوقت أي أكثر أدعية كذلك يكون خشوعي أفضل بكثير
فهل يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل المقصود في الفتوى التي أشرت إليها أن التطابق بين رقم الآية الكريمة والرقم التسلسلي للمنتوجات الدنمركية قد حصل على سبيل الاتفاق، ولا يمكن الجزم بكونه من الإعجاز القرآني، وليس المقصود أن التطابق المذكور قد حصل بغير تقدير الله تعالى وإرادته، فكلما في هذا الكون هو بتقدير الله تعالى وإرادته. وراجع المزيد في الفتوى رقم: 25613، 75915.
والدعاء بدون حركة لسان لا يعتد به وهو بمثابة تركه، فقد ذكر أهل العلم أن القراءة بدون حركة لسان لا تعتبر قراءة، فأباحوا للجنب قراءة القرآن بقلبه دون حركة لسان.
قال النووي في المجموع: يجوز للجنب والحائض النظر في المصحف وقراءته بالقلب دون حركة اللسان. وهذا لا خلاف فيه. انتهى
وقال بهذا فقهاء المالكية أيضا كما تقدم في الفتوى رقم: 39363.
وعليه فما تقوم به يترتب عليه ترك للدعاء في السجود، ولا إثم في ذلك لأنه مستحب وليس بواجب، لكن ننصحك بالحرص عليه، فإنه من المواطن التي يظن فيها استجابة الدعاء وراجع الفتوى رقم: 60485.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1429(1/2474)
تعليق الأمور كلها على مشيئة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} البقرة70
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ} يوسف99
{قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} الكهف69
{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} القصص27
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات102
{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} الفتح27
لقد ذكرت كلمة "إن شاء الله" ست مرات في القرآن الكريم فما معناها في هذه الآيات الكريمة وما هو فضل قول إن شاء الله في أمور الدنيا.
وشكرا لكم أحبكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
معنى التعليق على مشيئة الله تعالى أن كل ما يجري في هذا الكون بمشيئته سبحانه وتعالى وإرادته ولا يخرج شيء منه عن ذلك، وفيها الإشارة إلى فضل ذكرها عند ذكر ما يراد به المستقبل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى التعليق على مشيئة الله تعالى أنه لا يكون شيء في هذا الكون إلا بمشيئته وقدرته وإرادته؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن أبداً، وبهذا تقررت ربوبيته وألوهيته للأولين والآخرين.
وتعليق الفعل أو ما سيقع في الآيات المذكورة هو تقرير لهذه الحقيقة، واعتراف بالافتقار إلى الله وطلب توفيقه في ذلك وعونه عليه إذ لا استقلال لأحد عن الله، ولا غنى لأحد عن الله، بل الكل مفتقر إليه وتابع لمشيئته.
والآيات تدل على فضل قول "إن شاء الله"، ومشروعيتها في كل قول أو عمل يراد به المستقبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1429(1/2475)
الهرب من الزلازل والنجاء بالنفس والأهل والمال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يهرب ويخرج من بيته خوفا عند وقوع زلزال. وهل الأفضل أن يبقى داخل البيت أويخرج منه إيمانا منه أنه لن يحدث إلا ما كتبه الله جل جلاله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجوز الهروب من الكوارث. والأخذ بالأسباب مأمور به شرعا، ولا يتنافى مع الإيمان بالقضاء والقدر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز للمسلم أن يهرب وينجو بنفسه وأهله وماله مما يخاف من الكوارث وغيرها مما يضر؛ وربما كان ذلك واجبا إذا كان فيه إنقاذ لنفسه.
فهذا من الأخذ بالأسباب التي جاء بها الشرع، ولا يتنافي مع التوكل على الله والاعتماد عليه والإيمان بقدره وقضائه. فقد قال الله تعالى: وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ {النساء: 102} وقال تعالى ".. وَخُذُوا حِذْرَكُمْ "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " ترك الأسباب المشروعة المأمور بها أمر إيجاب أو أمر استحباب من جلب المنافع أودفع المضار قادح في الشرع خارج عن العقل.. ومن ترك الأسباب المأمور بها فهو عاجز مفرط مذموم.."
وللمزيد انظر الفتوى: 53203، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1429(1/2476)
الرضى بما قدر الله وقسم من الأرزاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس وأعمل في دول الخليج وتعرفون أن دول الخليج هي فرصة جيدة يحلم بها كل شاب، ونحن مجموعة من المهنسين الأصدقاء سافرنا سوية إلى الخليج وكل منا أخذ طريقه وبدأ يبحث عن عمل وبعد فترة التقينا وإذ بنا نتفاوت بالرواتب بشكل كبير تصل إلى حوالي الضعف، وهذا التفاوت طبعاً نتج عن أن صاحب الراتب القليل كان خائفاً من الفشل وقد رضي بأول فرصة والتزم مع أصحاب العمل وذلك نتيجة ظروفه الصعبة، في بلده لذلك كان خائفاَ من الفشل وإيجاد العمل، أما ذلك الذي لم يخف من الفشل وظل يبحث عن عمل حتى وجد عملا مناسبا وجيدا وعندها صار الذي رضي بالقليل يلوم نفسه ويقول إنني قصرت وخفت وإن الله لا يحب الجبناء والسؤال أننا نعلم أن الرزق على الله وهو محدد والأمر منته، ولكن هل لحسن التدبير والبحث عن الرزق أي علاقة بهذا الرزق وكميته فأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
على المسلم الرضى بما قسم له، ولا حرج له في السعي في المزيد من الخير، ولكن توظيف وقته بما يفيده ولو قل مع توقانه للمزيد من الخير أفضل من بقائه جالساً ينتظر مرتباً عالياً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يرضى بما قدره الله وقسمه من الأرزاق ويحمد الله، ومما يعين على الحمد والرضى أن ينظر إلى من هو أسفل منه، لما في الحديث: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظر إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم. وفي الحديث: وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس. رواه أحمد وحسنه الألباني.
ولا حرج على المسلم أن يحرص على المزيد من الخير لما في الحديث: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم. واعلم أنه لا ضير في شغلكم بمرتب قليل ريثما تتوفر فرصة أحسن، فقد يكون هذا أفضل من بقاء الرجل جالساً لا شغل عنده وربما يحتاج للآخرين، لما في حديث البخاري: لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48719، 60327، 104118، 66358، 58722.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1429(1/2477)
خلق الله تعالى لأفعال العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[من مراتب القدر الخلق ... وقد قرأت أن معناه أن الله عز وجل خالق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد ولكني لا أفهم ذلك ... فأنا مثلا إذا قمت لأذاكر دروسي ... كيف يكون فعل المذاكرة ذاته مخلوق ... أرجو التوضيح وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خالق العباد وخالق أفعالهم والمقدر لحركاتهم وأعمالهم كما قال الله تعالى: وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصَّفات:96} .
وقد ذكر الشيخ حافظ الحكمي في معارج القبول في مرتبة الخلق أنه يراد بها الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء فهو خالق كل عامل وعمله وكل متحرك وحركته وكل ساكن وسكونه، وما من ذرة في السموات ولا في الأرض إلا والله سبحانه وتعالى خالقها وخالق حركتها وسكونها سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه.
وذكر أيضا أن للعباد قدرة على أعمالهم ولهم مشيئة، والله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم ومشيئتهم وأقوالهم وأعمالهم، وهو تعالى الذي منحهم إياها وأقدرهم عليها وجعلها قائمة بهم مضافة إليهم حقيقة وبحسبها كلفوا عليها يثابون ويعاقبون ولم يكلفهم الله تعالى إلا وسعهم ولم يحملهم إلا طاقتهم.
وبناء عليه، فإن الله تعالى خالق كل من العبد وإرادته للمذاكرة وقيامه بها، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 35041، 70548، 75922.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1429(1/2478)
القضاء المبرم والقضاء المعلق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج قدر أزلي أم قدر معلق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يؤمن أن كل شيء في الكون واقع بقضاء من الله وقدره، قال عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. {القمر59} .
ثم بعد ذلك ليس علينا أن نخوض فيما لا علم لنا به إذ أن القدر- كما قال غير واحد من السلف- سر الله في خلقه، والذي ينبغي أن لا يشغل الإنسان نفسه ولا يتعب تفكيره في مثل هذه الأمور، خاصة أنه لا يترتب عليها عمل، وإنما على المسلم أن يدع الكسل والقعود، وأن يأخذ بالأسباب المشروعة ومنها الدعاء.
وأما بخصوص الزواج فهو كسائر رزق العبد، ولكن القضاء نوعان: قضاء مبرم: وهو القدر الأزلي، وهو لا يتغير، وقضاء معلق: وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا. وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أو لا يتصدق، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة لأنه معلق عليهما.
وهو المراد بقوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ* يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. {الرعد39،38}
وهو معنى حديث الترمذي: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر.
جاء في شرح العقيدة الطحاوية للحوالي: يمكن أن تغير الكتابة الفردية العمرية التي يكتبها الملك للإنسان في الرحم وهو جنين في بطن أمه، تغير بناءً عَلَى ما سيعمله الإِنسَان من أعمال، وهذا التغيير يكون موافقاً لما في أم الكتاب، كما في حديث: من أراد أن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه، وحديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء، فمن وصل رحمه، وأكثر من الدعاء، فقد يصرف عنه ما قد كتب عليه وهو في بطن أمه، لكن ما وقع يكون مطابقاً للكتابة الأزلية الكونية المطابقة لعلم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. يقول: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النَّار فيدخلها. نسأل الله العفو والعافية. اهـ
والخلاصة أنه لا يمكن لأحد أن يحكم بنوع تعلق القضاء بأمر زواجا كان أو غيره.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 18517، والفتوى رقم: 20044.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1429(1/2479)
تحري الألفاظ عند الحديث حول القضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أكتب قصة طويلة واخترت عنوانها (عندما تعاندنا الأقدار) أنا أستخدم المعنى المجازي وفكرة القصة أننا لما القدر يهدي حلما لنا نحن نجزع ولكن بعد ذلك نعرف أن هذا هو الخير لنا وأنه لا ينبغي أن نقول لماذا هذا يارب أنا كل حاجة ضدي ومثل هذا الكلام أنا أريد أن أعرف العنوان هذا جائز أم حرام؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث عن القضاء والقدر وعن الله تعالى يجب فيه التحري في الألفاظ، فلا يلفظ بما فيه تسخط القدر ولا سوء الأدب، ولا يسوغ ذلك حسن نية الكاتب أو القائل، فإن حسن النية لا يسوغ خلاف الشرع، ومن المسلمات عندنا أن الغاية لا تبرر الوسيلة، فلذا يتعين أن تغيري عنوان القصة، وأن تكتبي في القصة ما يجعل القارئ يرضى بقضاء الله وقدره ويصبر ويكثر من الدعاء، وسؤال الله تفريج الكروب وتيسير الأمور، وأن يوقن برحمة الله تعالى بعباده وحسن تدبيره لأمورهم، وهناك كثير من القصص الواقعية في الفرج بعد الشدة تفيد في هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1428(1/2480)
زيادة الرزق ونقصانه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأسباب تنقص وتزيد الرزق أم أن الرزق ثابت سواء عملنا أم لم نعمل ... والأسباب فقط هي نوع من العبادة والتوكل على الله وهي لا تضر ولا تنفع في رزق الإنسان، أود الإشارة يا سيدي الكريم إلى أني على اطلاع على أحاديث الرزق المعروفة، ولكن أود توضيح هذه النقطة تحديداً باللغة العادية أي توضيح لمعنى ومغزى الأحاديث؟ ولك جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب عن ذلك هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى حيث سئُل عن الرزق هل يزيد وينقص.. فأجاب: أن الرزق نوعان:
أحدهما: ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير.
والثاني: ما كتبه وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقاً وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. وكذلك عمر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين، ومن هذا الباب قول عمر: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت.. والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإن كان قد تقدم بأن رزق العبد سعيه واكتسابه ألهمه السعي والاكتساب وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدر له بغير اكتساب كموت مورثه يأتيه به بغير اكتساب ... والسعي سعيان سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزراعة والتجارة وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ...
إذاً فالرزق الذي علمه الله تعالى لا يزيد ولا ينقص بحسب علمه لكن يكون ذلك فيما كتب للملائكة، وبناء عليه فالأسباب تنفع وتفيد فيما كتب عند الملائكة وما علمه الله وقدره لا بد أن يكون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(1/2481)
الفشل والنجاح بقضاء الله وقدره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد تسلسل بالذكاء والذاكرة، وهل بمقدرة الإنسان تطوير ذكائه وذاكرته، إذا كان الله لا يضيع جهد أحد، فلماذا عندما أتعبت نفسي جداً في الامتحانات وتحديت الظروف التي مررت بها لم أحقق ما أريد، فما الآيات التي تقرأ قبل البدأ بقراءة الدروس وقبل الدخول إلى الامتحان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهناك أمور مفيدة لتقوية الذاكرة والحفظ ومن أهم هذه الأمور:
1- تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال الله تعالى: وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {البقرة:282} ، إضافة إلى الجد والاجتهاد بتكرار الحفظ، فتقوى الذاكرة بالتعود على ذلك مع الإكثار من أكل الزبيب والزنجبيل كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 50689.
واعلم أن كلما يجري في هذا الكون بقضاء الله وقدره بما في ذلك النجاح والفشل وما يصيب الإنسان من خير أو شر، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {الحديد:22} ، ولكنه سبحانه قدر للمقادير أسباباً من أخذ بها وصل إلى المقادير إن كان الله قد قضى بذلك وإلا فلا، وعليه فتعبك في سبيل النجاح لا يقتضي حصوله إذا لم يقدره الله تعالى ولو بالغت في ذلك، وراجع الفتوى رقم: 69893.
وهذا لا يتنافى مع حكمة الله تعالى وعدله فإنه لا يظلم أحداً من خلقه خيراً فعله ولو كان قليلاً، قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:40} .
قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى مخبراً: إنه لا يظلم أحداً من خلقه يوم القيامة مثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة، بل يوفيها له ويضاعفها له إن كانت حسنة، كما قال تعالى: ونضع الموازين القسط. الآية، وقال تعالى مخبراً عن لقمان أنه قال: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. الآية، وقال تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. وفي الصحيحين من حديث زيد بن أسلم بن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل وفيه:.. فيقول الله عز وجل ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار.. وفي لفظ: أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأخرجوه من النار فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقول أبو سعيد: اقرؤوا إن شئتم إن الله لا يظلم مثقال ذرة. الآية. انتهى.
ولا نعلم آيات تقرأ عند بداية الدروس أو الامتحانات، وننصحك بمراجعة الفتوى رقم: 71748، والفتوى رقم: 57083.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1428(1/2482)
إبليس وغيره محكومون بقدرة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من أين يستمد إبليس قوته أو مقدرته, وكذلك الفاسق مثل المطرب أو الممثل وتوفيقه ونجاحه (قل لن يصيبنا ألا ما كتب الله لنا) (وما توفيقى إلا بالله) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إبليس وغيره من المخلوقات لهم قدرات يتحركون بها وعليها يحاسبون، وهذه القدرات محكومة بقدرة الله، فلا يقع من عباده إلا ما سبق علم الله وقضاؤه به، فلا يجدون من التوفيق والنجاح ولا ينالهم شيء ولا يصيبهم من خير أو شر إلا ما كتب الله لهم، مع العلم بأن ضعف إيمان الناس مما يسبب لهم عقوبة الله بتسلط الشيطان عليهم، وتمسكهم بالدين سبب للعصمة منه، وقد بسطنا الكلام على المسألة في عدة فتاوى سابقة، فراجع منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 97066، 75915، 79824، 93136، 33860، 58076.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(1/2483)
كل ما يجري في هذا الكون بقدر الله وإرادته
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم.. وأقول الحق بأنكم مثل النور في هذا العصر المظلم، السؤال: أرجو أن توضحوا لي (الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده- إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون- هل عندما تحصل هزة أرضية أو من كوارث ويموت الكثير من البشر فهل الله سبحانه وتعالى كتب مصيرهم أو أنه من عوامل الطبيعة) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى علمه محيط بكل شيء في هذا الكون كله، قال الله تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين ٍ {الأنعام:59} ، وقال تعالى: عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {سبأ:3} ، فكل إنسان قد علم الله تعالى قدر عمره ونهاية أجله وسبب موته هل تكون بسبب زلزال أو غيره فلا تأثير للطبيعة ولا لغيرها في هذا الكون إلا بإرادة الله تعالى ومشيئته، فالزلزال جند من جنوده يبتلي به من يشاء، وراجع الفتوى رقم: 7964، والفتوى رقم: 32841.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1428(1/2484)
الرزق يحصل بقضاء الله وقدره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الرزق الذي قدره الله تعالى للإنسان قد تم تقديره بسبب علم الله بما كان وبما سيكون وبعلم الله المسبق بمقدار سعي الإنسان في الدنيا مستقبلا أم أن كميته جبرية على الإنسان مثل شكله ولونه ونسبه، أتمنى أن تكون الإجابه فاصلة وواضحة مع ذكر آراء العلماء الأخرى المعتبرة إن وجد الخلاف؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جميع ما يحصل في الكون يحصل بقضاء الله وقدره ومن ذلك الرزق، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... {الزخرف:32} ، وفي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. فكل شيء كتبه الله تعالى وقدره وسبق علمه به، وقد تعبدنا الله تعالى في السعي والتكسب، ووعدنا على الطاعات وعوداً طيبة ... منها بسط الأرزاق وحصول البركات فيها، كما توعد العصاة بالنكد والحزن في الحياتين الدنيا والآخرة. وراجع في المزيد في الموضوع وفي مسألة القضاء والمحتوم والقضاء المعلق وكلام أهل العلم في المسألة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54532، 23751، 35295، 60327، 64404، 7768، 18996، 58722.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1428(1/2485)
العلاقة بين الأجنبيين والزواج الشرعي والقضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بفراق فتاة بعد وعدها بالزواج، دامت العلاقة تسع سنوات دون تعدي الحدود، لكن لا أدري ما غير شعوري نحوها فجأة، ربما يأسي من الحصول على عمل لائق ونقص الإمكانيات المادية، حاليا تمت خطبة هذه الفتاة من شخص آخر، وهنا ندمت ندما شديداً وشعرت أنني كنت جبانا لما تركتها في ظروف صعبة، وضميري الآن يؤنبني باستمرار لأني أرغب أن تكون فعلا زوجة لي مستقبلا، لكن فات الأوان ... والله أعيش فترة صعبة، وأود أن أعرف إن كان هذا قضاء الله وقدره أم هو خطأ مني علي تحمل تبعاته، وكيف نفرق بين هذا وذاك ... وأعلمكم أن من أسباب تغير شعوري نحوها، مخالطة أشخاص يئسوا من الحياة الهادئة.. ندمت على مخالطتهم لكن بعد فوات الأوان، تبت إلى الله وأصبحت أصلي لكن أخشى أن لا تكون هذه التوبة توبة نصوحا؟ شكرا لكم وأرجو ألا يكون سؤالي خارج الموضوع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما هي العلاقة بين رجل وامرأة أجنبيين، والتي دامت تسع سنوات، وتصفها أنت بأنها لم تتجاوز الحدود، هذا أمر مستبعد وقوعه، فإن أي علاقة تدوم هذا الزمان لا تخلو عادة من خلوة أو تبادل كلمات وبسمات، أو اطلاع على خصوصيات وكل هذا مما هو محرم أو يقود إلى محرم، ولذا فالواجب هو التوبة إلى الله تعالى مما قد يكون وقع مما لا يرضي الله تعالى، ولا يجب عليك الزواج بهذه المرأة ولو وعدتها بذلك، وعليك الآن بعد أن خُطبت أن تنساها تماماً، وتعرض عنها، وإذا كنت قادراً على الزواج فتزوج، وإلا فاشغل نفسك بما ينفعك واحذر خطوات الشيطان ومسالكه، فإنه يسوقك إلى الردى ويبعدك عن الهدى، وأما هل ما حدث لهذه المرأة هل هو بقدر الله تعالى أم بغلط منك، فالجواب: أنه لا تعارض بين الأمرين، فإن غلطك من قدر الله، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه البخاري، فكل شيء بقدر، ومن ذلك الزواج.
واعلم أنه ربما يحرم العبد الزواج بسبب ذنوبه ومعاصيه، والمعاصي تبعد عن الله ما لم يبادر أصحابها بالتوبة، فإن من ارتكب المعاصي ولم يتب كان في معنى المعرض عن ذكر الله، والله جل وعلا يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا {طه:124} ، والطاعة جالبة للرزق والخير، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {الأعراف:96} ، وهذا في الغالب وإلا فقد يفتح الله الدنيا على الظالم العاصي استدراجاً له، ويضيقها على المؤمن التقي امتحاناً وابتلاء له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(1/2486)
هل يؤمر ملك الموت بقبض الأرواح في شهر شوال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الله تعالى يأمر ملك الموت في شهر شوال أن يقبض روح الأشخاص الذي يريد أن يقبض روحهم في نفس السنة، أرجو التوضيح متى الله تعالى يأمر ملك الموت أن يقبض روح شخص ما، مع الدليل إن أمكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر صحيح يفيد بأن الله تعالى يأمر ملك الموت في شهر شوال أن يقبض أرواح الأشخاص الذين يراد أن تقبض أرواحهم في نفس السنة، وإنما الوارد في ذلك أن ليلة القدر يكتب فيها جميع ما سيكون في السنة، ومنه قبض الأرواح، أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى، ثم قرأ: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. يعني: ليلة القدر. ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح على شرط مسلم.
وقال أكثر المفسرين بمثل هذا عند تفسير الآية السابقة، والصحيح من كلام أهل العلم أن ليلة القدر في رمضان، ودليل ذلك أن القرآن نزل فيها، كما قال الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {القدر:1} ، والقرآن نزل في رمضان، كما قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ {البقرة:185} ، هذا فيما يتعلق بكتابة المقادير في السنة، وأما بخصوص أمر ملك الموت بقبض الأرواح، وإطلاعه على الآجال التي يكون فيها ذلك، فلم نقف على دليل فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(1/2487)
لا يحصل شيء في الكون إلا بقضاء وقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا جالسين نشاهد التلفزيون وكنا نضحك وما في أي شيء، صدفة ابن أختي رأى قنينة عطر فوق المكتبة شمها قال رائحتها ليست طيبة وشممني وشمم أمي وكذلك أخي وطلب أخي منه أن يرش لأخته وقد رش، الظاهر دخلت رائحة بداخل فمها مباشرة تعصبت وقالت له يا حيوان فانتفض أخوها وبدأت معركة بينهما، وحجزت بينهما أريد تفسير الذي حصل هل هذا الشيء الذي صار مكتوبا من رب العالمين أم ماذا؟، علما بأن أبداً ما كان في شيء؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يحصل شيء في الكون إلا بقضاء وقدر، لقول الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، ولقوله تعالى: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا {التوبة:51} ، ولما في حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. وهذا ما يتعين على المسلم اعتقاده فإن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة المذكورة في حديث مسلم، ولا يتم إيمان العبد إلا بالإيمان به، ففي الحديث: لا يؤمن المرء حتى يؤمن بالقدر خيره وشره. رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني والأرناؤوط.
وفي الحديث: ولو أنفقت جبل أحد في سبيل الله ذهبا ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير ذلك لدخلت النار. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وأما تفسير ما حصل فإنه ليس عندنا فيه شيء، إلا أنه لا يبعد أن تكون الأخت اعتبرت أخاها أساء إليها فغضبت منه، ثم غضب هو لما خاطبته خطاباً يعتبره غير لائق به، وراجعي في موضوع الإيمان بالقدر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25613، 75915، 75054، 47818، 16183.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(1/2488)
الفرق بين الحكم الكوني والحكم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتاب شرح العقيدة الواسطية "مكتبة الصفا" ص 15: أنواع حكم الله - حكم الله نوعان: كوني وشرعي: فالكوني ما يقضي به الله تقديرا وخلقا، ودليله قوله تعالى عن أحد إخوة يوسف: "فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي " *يوسف 80*
والشرعي ما يقضي به الله ودليله قوله تعالى "ذلكم حكم الله يحكم بينكم " *الممتحنة 10*
انتهى
المرجو من فضيلتكم شرح هذه الفقرة لأنني لم أفهمها: ما هو الفرق بين الكوني والشرعي؟
المسألة الثانية تحدث كثيرا ونعاني منها وهو أنه عندما يحدث أمر سوء ويكون من سوء تدبيري فاحتج بالقدر وبأنه مقدر، بالرغم أنه كانت لي يد فيه ولكنه من قدر الله، فأجد لوما كبيرا في هذا الأمر، معتبرين هذا بأنه تبرير بالقدر لسوء تدبير صادر مني، والسؤال: هل يجوز لنا أن نقول بأن هذا الأمر مقدر علينا بالرغم من أنه كانت لنا يد فيه؟. وأستسمح على الإطالة , وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحكم الكوني هو ما قدر الله تعالى أنه سيحصل وقوعه فعلا، فإذا حكم كونا بوقوع شيء فلا بد أن يقع ولا يستلزم ذلك محبته، فقد يحكم الله كونا بوقوع ما لا يرضاه لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى.
وأما الحكم الشرعي فهو ما طلب الله من العباد تطبيقه والعمل به من الأحكام الشرعية، وهذا لا يستلزم الوقوع إذ قد يقع وقد لا يقع. فقد أمر الله أبا جهل بالإيمان ولم يؤمن.
وأما عن السؤال الثاني فالجواب نعم يجوز ذلك، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 52503، 32378، 18046، 34841، 35295، 53111، 55820، 69162. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(1/2489)
لا يخرج شيء عن قدر الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف معنى صريحا وافيا وشافيا لكلمة القدر، فهناك العديد والعديد من الأسئلة التي تدور في رأسي
مثلا: إذا كان المرض قدرا فما هو الإيدز أو الأمراض الجنسية التي تأتي كنتيجة للمعصية والمعصية اختيار،
إذا كان الزواج قدرا فلماذا أمرنا الرسول الكريم عليه أفضل السلام وأزكى التسلبم باختيار نطفنا، وهل بالفعل كل انسان مكتوب له زوجته، هل قدر الله علي أنني أعمل بمهنة معينة أم أن هذا ناتج لجدي واجتهادي
أسأل الله أن لا تكون أسئلتي هذه جدلية يحاسبني الله عليها ولكني أسألها كي يزيد إيماني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالقدر من أصول الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، ففي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب في سؤال جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبالقدر خيره وشره قال - أي جبريل عليه السلام -: صدقت.
والنصوص المخبرة عن قدر الله الآمرة بالإيمان به كثيرة، فمن ذلك قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} . وقوله: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا {الأحزاب:38} . وقوله أيضا: وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا {الأنفال:42} .إلى غير ذلك من الآيات.
وروى مسلم في صحيحه عن طاووس قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر، قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 7460.
وما ذكرناه يدل على أنه لا يخرج شيء عن قدر الله تعالى، ومن جملة ذلك، السعي في تحصيل واختيار العمل النافع والزوجة الصالحة، وتوضيح ذلك: أن الله تعالى يقدر الأشياء على أسباب يقدرها أيضا، فكما قدر الله تعالى الشبع قدر سببه وهو الأكل، كذلك قدر الحصول على العمل والزوجة وقدر سببه وهو السعي في طلبهما، فكل من الحصول على العمل والزوجة والسعي له من قدر الله تعالى، وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار أفضل الزوجات، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. وأخرج ابن ماجه وحسنه الألباني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم.
قال شارحه شمس الحق: تخيروا لنطفكم: أي من النساء ذوات الدين والصلاح وذوات النسب الشريف، لئلا تكون المرأة من أولاد الزنا فإن هذه تتعدى إلى أولادها. اهـ.
فعلى المسلم أن يوقن بأن ما يحصل له قد قدره الله عز وجل، وأنه لا يستطيع أحد من الخلق أن يحول بينه وبين خير قدره الله له، كما لا يستطيعون دفع مكروه قدره الله عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي.
ولكن هذا لا يعني أن الإنسان مجبر على فعله، فإن الله عز وجل كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وإنما كتب ذلك لعلمه سبحانه بما كان وما سيكون وما هو كائن، فعلم أن فلانا سيفعل كذا، وفلانا سيترك كذا، فكتب ذلك كله، وأعطى الإنسان إرادة بها يختار، وقدرة بها ينفذ، فكل إنسان له إرادة وقدرة، يفعل ما يشاء مختارا لا مكرها، وهذا يجده كل إنسان من نفسه، ولا يجادل فيه إلا مكابر، وعلى هذا دلت نصوص الكتاب والسنة. والله سبحانه قدر الأشياء وجعل لها أسبابا، وطالب العبد بالقيام بها، فليسع العبد بقدر استطاعته لتحصيل أسباب الوظيفة والزواج، وإن من أهم الأسباب الاستقامة على دين الله وترك معصيته، قال الله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح: 10-11-12} ، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97} ، وقال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} , وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4} . ومما لا شك فيه أن للذنوب أثرا وشؤما على العبد حتى في أمور دنياه وفي تعسير أموره وإصابته بالأمراض والبلايا، قال جل وعلا: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} ، بل إن العبد يحرم الرزق بسبب معاصيه، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد.
ومن هذا إصابة العصاة بالايدز وغيره من الأمراض الفتاكة، وذلك أن هذا المرض الفتاك وغيره من الأمراض الكثيرة يخشى أن يكون سببها ظهور الفواحش في المجتمعات، مصداقا لما في الحديث: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا. رواه ابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
ثم انه لا يلزم ان يكون كل رجل كتب له الزواج فقد يموت بعضهم ولم يتزوج كما هو مشاهد، وقد ألف بعض العلماء كتابا في العلماء العزاب الذين ماتوا قبل الزواج ومن المشهور من هؤلاء النووي وابن تيمية رحمهما الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1427(1/2490)
حكاية الكفر وإعلانه بدون إنكاره وبيان بطلانه محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التعليق على أغنية لرجل يقول (أنا رجل بلا قدر) ، أليس هذا كفرا وتعاليا على (الله عز وجل) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الأغنية من شعر الشاعر نزار قباني، وهو شاعر معاصر تحتوي أشعاره على كثير من الإلحاد والانحراف، ومن المعلوم أن جميع ما يحصل في الكون حاصل بقضاء الله وقدره ولا مجال فيه للصدفة، فقد قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
والإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة، كما في حديث جبريل:.... وتؤمن بالقدر خيره وشره. رواه مسلم، وفي الحديث: لا يؤمن المرء حتى يؤمن بالقدر خيره وشره. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
ثم ليعلم أن حكاية قول الكفر وإعلانه للناس محرم شرعاً، ما لم يرد صاحبه بيان بطلانه وضلاله، وإذا كان حاكيه يعتقد مدلول القول الكفري صار بذلك كافراً إن توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه الموانع، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9192، 50728، 12447، 1845.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(1/2491)
دعاء الأم واستجابته من قدر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى العلاقة بين ما نقول في قضاء الله وقدره وبين دعاء الوالدة على ولدها.
وجزاكم كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يحصل شيء في الكون إلا بقضاء الله وقدره. قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {التغابن: 11} وقال: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49} وفي الحديث: كل شيء بقدر. رواه مسلم.
وبناء عليه، فإن دعاء الأم من قدر الله واستجابة دعائها من قدر الله، والله تعالى قد يجعل الدعاء سببا لرد المكروه الذي كان مقدرا على العبد كما يدل الحديث: ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وحسنه الألباني، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 9890، 35295، 18306، 13270، 27048، 9898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(1/2492)
العواصف والزلازل قد تكون عقوبة وزجرا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تغير الجو وحدوث عواصف رملية في البلاد تعتبر كوارث ينزلها الله على العباد بسبب تفشي الفواحش أم كوارث طبيعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتغير الجو ووقوع عواصف رملية وزلازل ونحو ذلك كله بأمر الله تعالى، وقد يحدث ذلك عقوبة وزجراً وتخويفاً ونحو ذلك، وقد تكون بسبب تفشي الفواحش والمنكرات، وقد تكون ابتلاء، وقد تكون لحكمة أخرى لا نعلمها نحن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1424(1/2493)
آيات في شأن الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الآيات التي تتحدث عن الإيمان بالقدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على مراتب الإيمان بالقدر برقم: 20434 فلترجع إليه.
والآيات التي تحدثت عن الإيمان بالقدر بجميع مراتبه كثيرة جداً منها على سبيل المثال:
قوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام:59] .
وقوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحج:70] .
وقوله: (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ... ) [المجادلة:7] .
وقوله عز وجل: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ... ) [الإنسان:30] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1423(1/2494)
مراجع وكتب حول القضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أود سؤال فضيلتكم عن أهم المصادر والمراجع القديمة والحديثة التي تشرح عقيدة السلف أو تفند أراء المذاهب الأخرى في مسألة الأمراض الجسدية التي تصيب الإنسان مثل أنواع الإعاقة مثلا. وعلاقتها بالقضاء والقدر وإذا كان للمعاصي التي يقترفها العبد علاقة بذلك وما هي المظان التي يمكن الرجوع إليها للبحث عن هذا الموضوع في كتب العقيدة؟ أرجو إرسال إجابة مفصلة لهذا السؤال حيث أنني أعد لرسالة الدكتوراة حاليا حول حقوق المعوقين في الإسلام وأتعرض في الفصل الأول حول هذه النقاط.
وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيمكن للسائل أن يرجع في موضوعه إلى المراجع الآتية:
1.شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم.
2.أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل الكبرى.
3.موقف البشر تحت سلطان القدر لمصطفى صبري
4.الإيمان بالقضاء والقدر وأثره في سلوك الإنسان (مجموعة بحوث فقهية) لعبد الكريم زيدان
5. القضاء والقدر بين الفلسفة والدين ... للخطيب
6. الإيمان كما يصوره الكتاب والسنة لعلي عبد المنعم عبد الحميد
7. الإيمان باليوم الآخر والقضاء والقدر للبيانوني
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1423(1/2495)
دور العبد في ما يصلح عيشه السعي والاختيار وبذل الأسباب مع التوكل
[السُّؤَالُ]
ـ[كل شيء مقدر عند الله. ماهو دور العبد في الزواج؟ عندي يقين أن الزواج أمر مقدر وهو رزق في ميعاد معين وليس للعبد أي دور فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما من ذرة في هذا الكون إلا والله سبحانه مقدرها وموجدها ومدبر أمرها. ولا ينال العبد شيئاً من الخير أو الشر ولا يعمل من عمل إلا والله تعالى مقدره وموجده، لا فرق في ذلك بين الزواج وغيره.
إلا أن الله سبحانه أعطى للعبد حرية واختياراً وقدرة يوجد بها أفعاله، ويسعى بذلك في تحصيل مصالحه، فليس له أن يدع الأسباب ويعتمد على ما في القدر، بل عليه أن يسعى لإعفاف نفسه وصيانتها، والبحث عن الزوجة الصالحة التي تعينه على طاعة ربه.
فدور العبد في هذه المسألة وغيرها هو السعي والاختيار وبذل الأسباب مع سؤال الله تعالى التسديد والتوفيق.
ولمزيد الفائدة انظر الفتوى رقم:
12638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(1/2496)
إنا كل شيء خلقناه بقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزوجة التي تتزوجها قضاء وقدر أم اختيار؟]ـ
[الفَتْوَى]
لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل ما يقع في هذا الكون إنما يقع بتقدير الله عز وجل له، وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس".
ولكن هذا لا يعني أن الإنسان مجبر على فعله، فإن الله عز وجل كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وإنما كتب ذلك لعلمه سبحانه بما كان، وما سيكون، وما هو كائن، فعلم أن فلاناً سيفعل كذا، وفلاناً سيترك كذا، فكتب ذلك كله، وأعطى الإنسان إرادة بها يختار، وقدرة بها ينفذ، فكل إنسان له إرادة وقدرة، يفعل ما يشاء مختاراً لا مكرهاً، وهذا يجده كل إنسان من نفسه، ولا يجادل فيه إلاّ مكابر، وعلى هذا دلت نصوص الكتاب والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1423(1/2497)
دفع الضرر لا يتنافى مع الإيمان بقدر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قرأت عن دراسة تحذر من تعرض القاهرة لثلاثة زلازل مدمرة خلال السنوات القادمة والتى أكدها خبير الزلازل وقال إنها تزداد في مناطق معينة وفي مقاومة في مناطق أخرى وأنا في المناطق التى تزيد فيها قوة الزلزال فأنا خفت وأقول نذهب إلى المناطق الثانية ولكن هناك قولان في ذهني أولهم (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) والثاني (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) لو سمحتم أفيدوني لأني خائفة جدا لأنها دراسة ومنتشرة على الانترنت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز للمسلم أن يهرب وينجو بنفسه وأهله وماله مما يخافه من الكوارث وغيرها، مما قد يضر الإنسان، وربما يكون ذلك واجباً إن كان فيه إنقاذ للنفس، فإن المسلم الحق هو الذي يتوكل على الله ويأخذ بالأسباب، ويعلم أن الأسباب من قدر الله. قال الله تعالى: وَخُذُوا حِذْرَكُمْ. وقال أيضاً: ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ. فالتوكل حقيقة هو الاعتماد على الله عز وجل مع مباشرة الأسباب المشروعة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي ترك الناقة سائبة متوكلا على الله، قال له: اعقلها وتوكل. رواه الترمذي وحسنه الألباني. وفي رواية عند الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قيدها وتوكل.
وكذا ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما خرج فاراً من الوباء فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ.
فالحاصل أن مباشرة الأسباب المشروعة لدفع ما يتخوف الإنسان وقوعه من الضرر لا يتنافى مع الإيمان بقدر الله، بل هذه الأسباب من قدر الله؛ كما قال عمر بن الخطاب: نفر من قدر الله إلى قدر الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1429(1/2498)
العمل وترك الاتكال على ما سبق به القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن جميع المسلمين سيدخلون الجنة فلماذا نعمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يعمل العمل الصالح لأنه مكلف به من قبل الله تعالى، وليس له أن يترك الأعمال اتكالا على ما سبق به القدر من أنه سيدخل الجنة لأن تقصيره في الطاعات سيعاقب عليه في النار إن لم يغفر الله له ويسامحه.
وفي صحيح مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم سأله سراقة، فقال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيما العمل اليوم أفيما جفت الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل، قال لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، قال ففيم العمل؟ قال اعملوا فكل ميسر.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1429(1/2499)
هل هناك عوالم أخرى سوى عالمنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن بعد أن تقوم الساعة ويدخل الناس الجنة والنار أن تكون هناك عوالم أخرى، وهل من الممكن أن تكون هناك عوالم أخرى في هذا الزمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس عندنا ما يجزم به في هذا الأمر، إلا أن بعض المعاصرين يرى أنه لا يبعد أن تكون هناك عوالم في هذا الفضاء الواسع ويستدلون لذلك ببعض الأدلة، منها قوله تعالى: وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:8} ، وقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ {الشورى:29} .
وأما ما بعد قيام الساعة فليس عندنا فيه شيء، لأنه من الغيب الذي لا يعلم أمره إلا الله، ولا طريق للعلم به إلا في نصوص الوحيين، ولا نعلم أنه أتى فيهما شيء عن هذا الأمر، ثم إن الله تعالى يمكن له أن يفعل كل شيء توجهت له ارادته فهو الفعال لما يريد لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71621، 15073، 38004، 80147.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1429(1/2500)
فتاوى في القضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو القضاء، وما هو القدر، وكيف تفسر عدل الله في محاسبته للعباد على أعمالهم يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20434، 11555، 8652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1428(1/2501)
كلمة هادية في الإيمان بالقضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[عذراً إخواني الأكارم فإني لم أستوعب بعد ما هو القضاء والقدر وكيف أحل مشاكلي النفسية وعدم الانصياع لوساوس الشيطان.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القضاء والقدر هو ما يقدره الله من القضاء ويحكم به من الأمور، وراجع النهاية لابن الأثير واللسان، وقد قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} .
وفي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
وقال الطحاوي: وكل شيء يجري بتقدير الله ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد.. إلا ما شاء، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره.
والإيمان بالقدر يشتمل على أربع مراتب:
1- الإيمان بعلم الله القديم.
2- الإيمان بكتابة ذلك في اللوح المحفوظ.
3- الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة.
4- الإيمان بإيجاد الله لكل المخلوقات، وأنه الخالق، وكل ما سواه مخلوق.
هذا ما يحتاج إليه المسلم في عقيدة القضاء والقدر، أما الخوض في القدر فلا يجوز، فقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم، وقال الطحاوي: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
والإيمان بالقدر لا يتنافى مع التوكل على الله عز وجل، والأخذ بالأسباب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، للأعرابي: اعقلها وتوكل على الله. وأمر بالتداوي كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة صحيحة، فاحرص على حل مشاكلك بالدعاء والأسباب المشروعة؛ كالعلاج النفسي والرقية ومخالطة الأخيار وعدم العزلة والحفاظ على الصلاة في الجماعة والأذكار المأثورة، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. ولمعرفة بعض سبل العلاج عدم الثقة بالنفس راجع الفتاوى التالية أرقامها: 25496، 75418، 77582، 75046، 51601.
ويمكنك كذلك استشارة قسم الاستشارات بالشبكة الإسلامية، ليعطوك بعض التوجيهات النافعة في هذا المجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(1/2502)
الإيمان بالقدر لا يعني التواكل بل العزم والتوكل
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي في الحياة أني لا أدرك مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر ماذا يعني وما معنى أن كل شيء مقدر ومكتوب أدركت مؤخرا أني متذبذبة متشككة لا أعرف أن أتخذ قرارا بسبب هذه المشكلة دائما أضع اللوم على نفسي بسبب قلة فهمي وإدراكي لهذا المفهوم الإيماني أفيدوني فأحيانا أحس نفسي كرة بيد الشيطان بسبب عدم ثقتي بنفسي أو بقراراتي. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا معنى القضاء والقدر في الفتوى رقم: 67357، فراجعها ففيها كفاية لك إن شاء الله لإدراك مفهوم القضاء والقدر، وبالتالي فكل شيء في هذا الكون قد كتبه وقدره، ولا يتغير ولا يتبدل، ولا يعني هذا أن يترك الإنسان العمل النافع أو يصاب بارتباك وتردد اعتمادا على القضاء والقدر، بل يعزم ويتوكل على الله تعالى، ويسعى فيما ينفعه، ولا يخلد إلى العجز والكسل، ويكون قوي الإرادة ماضي العزيمة، مستحضرا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويدرك أن الله عز وجل قدر المقادير بأسبابها، وأن ما قدره الله غيب بالنسبة للإنسان، فلا يدري ما الذي قدره الله، ومن ثم لا يصح الاعتماد على القدر أو الاحتجاج به مع ترك الأخذ بالأسباب. وراجعي الفتوى رقم: 55820، والفتوى رقم: 62466.
وعلاج عدم الثقة النفس سبق بيانه في الفتوى رقم: 75418، والفتوى رقم: 93043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1428(1/2503)
معنى القدر لغة وشرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[عرف القدر لغة وشرعاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القدر في اللغة اسم مصدر من قدر الشيء يقدره تقديراً، وقيل إنه مصدر من قدر يقدر قدرا، وأما في الشرع فهو ما يقدره الله من القضاء ويحكم به من الأمور، وراجع النهاية لابن الأثير واللسان، وراجع الفتوى رقم: 11555، والفتوى رقم: 20434.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(1/2504)
وقوع الطلاق ومباشرة أسبابه من قضاء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الطلاق قضاء الله أم لنا دخل في وقوع الطلاق، يعني الدخول في المشاكل وقلة الفهم يؤدي إلى ذلك أرجوكم إجابتي بنعم أم لا، هل الطلاق قضاء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق قضاء الله تعالى بلا شك، إذ ما من شيء يكون في هذا الكون إلا بقضاء الله تعالى، ولكن لكم فيه مباشرة السبب المقدر، ولا تعارض بين كونه قضاءً قضاه الله سبحانه وتعالى ومباشرة العبد لأسباب قد تؤدي إلى الطلاق كسوء عشرة وعدم تفاهم، ومباشرة العبد لهذه الأسباب هو أيضا من قضاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1426(1/2505)
القضاء والقدر.. مفهومه.. مراتبه.. وثمراته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان بالقدر هو التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الوجود يجري وفق علم الله وتقديره في الأزل، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وله مراتب أربع: الأولى العلم: فإنه سبحانه يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن وما لم يكن لو كان كيف يكون، لا يخفى عليه من ذلك صغيرة ولا كبيرة. والمرتبة الثانية: هي الكتابة فإنه سبحانه قد سجل كل ما كان وما سيكون من أحوال وأفعال وحركات وسكنات في كتاب عنده. والمرتبة الثالثة: المشيئة والإرادة، فكل ما يقع في الكون إنما هو بمشيئة الله وإرادته. والمرتبة الرابعة: الخلق والقدرة، فكل ما في الكون هو خلق الله سبحانه وأثر قدرته ليس له شريك في ذلك، وانظر الفتوى رقم: 60787.
ولا يعني هذا أن يترك المرء العمل ويعتمد على أن كل شيء مقدر عليه، وذلك لأنه لا يعلم ما كتب عليه، وقد أعطاه الله تعالى الإرادة والمقدرة على التمييز بين النافع والضار فهو يختار منهما ما شاء، وسيحاسب على اختياره ذلك، فعليه أن يعمل بطاعة الله تعالى ويترك معصيته، وعليه كذلك أن يأخذ بالأسباب ويسعى في مصالحه الدينوية والأخروية ويتوكل على الله عز وجل في ذلك كله.
وللإيمان بالقدر ثمرات من أهمها: راحة البال وطمأنينة النفس وثبات القلب وزيادة الإيمان بالله والقناعة بما قسم، وترك الحسد، ومنها الصبر والثبات عند الشدائد، ولا ينبغي الخوض في القدر والتعمق فيه، كما بينا في الفتوى رقم: 54045، والفتوى رقم: 53111.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(1/2506)
القضاء المطلق والقضاء المعلق
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ما الفرق بين القضاء المطلق والقضاء المعلق وأمثلة عن كل منهما]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القضاء المطلق أويقال (القضاء المبرم) هو ما سبق في علم الله تبارك وتعالى وهو لا يتبدل ولا يتأخر، وقدره الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ثبت في صحيح مسلم. قال الله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا {المنافقون: 11} وقال تعالى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ {قّ: 29} ، وقال صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: لقد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة، لن يعجل الله شيئا قبل حله، أو يؤخر شيئاً عن حله. رواه مسلم. قال الإمام النووي: إن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك. اهـ
أما القضاء المعلق: فهو ما يتعلق بعلم الملك الموكل، فيقع فيه التبديل والتغيير والإثبات والمحو كالزيادة في العمر، فيقال للملك -مثلاً- عمره ستون، فإذا وصل رحمه زيد أربعين، ويكون سبق في علم الله أنه سيصل رحمه فيكتب مائة، فيبدل في صحف الملائكة، ولا يبدل ما في علم الله وكتب في اللوح المحفوظ. (راجع الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام) وعلى هذا حملوا قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَاب {الرعد:39} ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. متفق عليه عن أنس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(1/2507)
الرب تعالى ينعم على عبده بابتلائه ويعطيه بحرمانه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة خريجة هذه السنة وكنت دائما أسهر على مشروع تخرجي ليظهر بأحسن صورة ولم أقصر في حقه أبدا وأنهيته في نفس يوم التسليم وأثناء الطباعة حدثت معي أشياء كثيرة أولاً انقطع التيار الكهربائي ثانيا شعرت بعدم القدرة على التركيز والتفكير ثالثاً لم يستطيع تعريف الطباعة على الكمبيوتر وأخذ وقتاً طويلاً حتى بدأ بالطباعة (علماً بأنه لابد من تسليمه مطبوعا) وعندما رأيت أن الوقت قد تأخر ذهبت للدكتور لأعطيه الشغل الذي تمت طباعته وأعلمه أن الباقي في الطباعة أود أن أعرف لماذا حدث هذا؟ علماً بأنني ألاحظ في الفترة الأخيرة أنني عندما أقوم بعمل يكون شؤما وينتهي بالفشل مهما تعبت عليه ولكنني عندما أقول قدر الله وما شاء فعل أرتاح نفسياً وسرعان ما أتذكر الموضوع ثانيا وهل هذا حسد أم قدر أم حظ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس أضر على الإنسان من أن يتسرب اليأس إلى نفسه أو يصيبه الوهن والضعف بسبب محنة أو ابتلاء قد مرَّ به، فهذا مرض خطير حذر الله منه، فقال سبحانه مخاطبًا للصحابة - رضي الله عنهم - بعد غزوة أحد التي قاسوا فيها ما قاسوا: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] .
فإن من سنة الله في العبد أن يبتليه بالمصائب والمحن ليمتحن صبره وعبوديته، كما قال تعالى: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1- 3] .
وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] .
فمن الخطأ العظيم إذن أن تظلم الحياة في أعيننا لأجل محنة أو مشكلة تعرضنا لها، فإن في ذلك عدة محظورات:
الأول: الغفلة عن معنى الابتلاء الكامن في هذه المحنة، وهذا يسبب الارتباك والانهيار والجزع، وترك الصبر، وقد أمر سبحانه بالصبر في غير آية من القرآن، فقال سبحانه: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] ، وقال سبحانه: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] .
الثاني: ظن السوء بالله، فيعتقد الإنسان أنه مبخوس الحق، ناقص الحظ، ولسان حاله يقول: ظلمني ربي ومنعني ما أستحق. وكان الواجب عليه أن يحسن الظن بربه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله، وأن يفتش عن السوء في نفسه التي هي مأوى كل عيب، وما أُتِيَ إلا منها، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
الثالث: الشعور باليأس والقنوط والإحباط، والوقوع في الفشل، فيبدأ يتعلل ويتذمر ويخبو حماسه ثم يتوقف عن مواصلة الطريق وينتهي بالفشل.
وإذا عرفتِ هذا ونظرتِ إلى المحن والابتلاءات على أنها اختبار من الله في هذه الحالة التي تمرين بها، سواء كانت بسبب الحسد أو غيره، فكل ذلك بقدر الله وليس حظًا كما ذكرت. وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 9040.
ونوصيك ببعض النصائح:
1- ليكن توكلك على الله واعتمادك عليه، وتأملي دائمًا وصية النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. رواه الطبراني وغيره. وراجعي الفتاوى التالية: 21491، 23867، 9040.
2- احذري من التشاؤم. وراجعي الفتوى رقم: 29787.
3- أحسني دائمًا الظن بالله تعالى، فإنه سبحانه أولى بكل جميل، فلا تجزعي من حالة تسوؤك - إلا إذا كانت هذه الحالة تغضب ربك عليك وتبعدك منه - فربما كان ما لا تحبين هو عين مصلحتك. قال ابن القيم - رحمه الله -: ولا يستوحش من ظاهر الحال، فإن الله سبحانه يعامل عبده معاملة من ليس كمثله شيء في أفعاله، كما ليس كمثله شيء في صفاته، فإنه ما حرمه إلا ليعطيه، ولا أمرضه إلا ليشفيه، ولا أفقره إلا ليغنيه، ولا أماته إلا ليحييه، وما أخرج أبويه من الجنة إلا ليعيدهما إليها على أكمل حال، كما قيل: يا آدم لا تجزع من قولي لك: واخرج منها، فلك خلقتها، وسأعيدك إليها. فالرب تعالى ينعم على عبده بابتلائه ويعطيه بحرمانه، ويصحه بسقمه، فلا يستوحش عبده من حالة تسوؤه أصلاً إلا إذا كانت تغضبه عليه وتبعده منه.
4- خذي بما استطعت من الأسباب ثم اتركي النتائج إلى الله يقدرها سبحانه بحكمته وعلمه ورحمته. قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 7101، 1875، 14326، 29853.
ونسأل الله أن يشرح صدرك وييسر أمرك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(1/2508)
نوعا الهداية.. وطرق اكتسابها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم،،،،
هل نحن كبشر نختار الهداية بإرادتنا أم الهداية تأتي من عند الله مع العلم بأننا نعلم أنه عندما يولد الطفل يولد وهو معروف عند الله أنه من الأشقياء أم من الأتقياء.
أفيدونا، التوبة تأتي بإرادتنا أم عندما يأذن الله عز وجل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الهداية نوعان:
1-هداية إرشاد ودلالة يملكها العباد، وهي التي أثبتها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم (الشورى: من الآية52)
2-هداية توفيق لا يملكها إلا الله، وهي التي نفاها عن نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (القصص: من الآية56) .
وهذا موضح في الفتوى رقم: 8976 والفتوى رقم: 10766
فالبشر هيأهم الله، وجعل فيهم القابلية للهدى كما قال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (البلد:10) وقال: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (الإنسان:3) .
فمن تسبب من البشر في كسب الهداية، وجاهد نفسه في حصولها رزقه الله هداية التوفيق كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت: من الآية69)
وقد ذكر العلماء أسباباً للهداية من أهمها:
1- الإيمان بالله، قال تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن: من الآية11)
2- المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف: من الآية158) ، وقال: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا (النور: من الآية54) .
3- الحرص على تعلم الوحي والعمل بما علم منه، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً* وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (النساء: 66-68) .
4- المواظبة على العبادات من صلاة وزكاة وصوم وغيرها، قال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (التوبة:18) وعسى من الله واجبة كما قال ابن عباس. إلى غير ذلك من الأسباب التي ذكر بعضها في الفتوى رقم: 16610 مع المحافظة على البعد عن أسباب ضعف الإيمان، وقد ذكر بعضها في الفتوى رقم: 10800
أما عن التوبة فهي نوعان:
توبة من العبد إلى الله، بالندم على ما مضى والإقلاع عنه، والعزم على عدم العود، فهذا من عمل العبد، ولا يقع إلا بإذن الله.
وتوبة من الله على العبد بقبوله والمغفرة له، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء:17)
ولمعرفة التوبة المقبولة راجع الفتوى رقم: 5450 وراجع الفتوى رقم:
4054 والفتوى رقم: 26413
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1424(1/2509)
الإنسان مخير ومسير
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا أتمنى أن تكونوا كلكم بخير إن شاء الله
السؤالان هما:
1 – الإنسان مخير أم مسير؟ أنا سألت أحد الأشخاص وقال إنه مخير بسبب وجود الجنة والنار، إذاً ما معنى أن الإنسان من قبل أن يولد وهو لديه كتاب عن حياته!!! أي أن كل ما في الكتاب سوف يفعله؟؟ أرجو إفادتي
2- سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا محمد صلى الله عليه الصلاة والسلام كلموا ربنا سبحانه وتعالى فسؤالي بأي لغة؟ في ناس قالوا لنا اللغة العربية لأنها لغة القرآن لكن أيام موسى عليه السلام القرآن لم ينزل بعد على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!!
أرجو الإفادة جزاكم الله خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يصح أن يقال: إن الإنسان مخير أو مسير، لأنه مخير ومسير.
فهو مسير لما خلق له، ومخير، لأن الله تعالى أعطاه عقلاً وسمعاً وإدراكاً، فهو يعرف الخير من الشر والضار من النافع، وانظر الفتوى رقم: 4054 أما الكتاب الذي يكتب عند نفخ الروح ففيه سعادة المرء وشقاوته، وكل ميسر لما خلق له من الأعمال التي هي سبب لذلك.
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما منكم من أحد وما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة." قال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ فمن كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاوة؟ قال: " أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى رواه البخاري.
أما تكليم الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أو لموسى عليه السلام فليس لنا أن نبحث عن كيفيته، ولا بأي لغة كان، فالله أعلم بذلك.
ولكن نؤمن أن الله تعالى كلمهما تكليماً صحيحاً بلا واسطة، وقد روي عن كعب الأحبار ومحمد بن كعب القرطبي أن الذي سمع موسى كان أشد ما يسمع من الصواعق، وفي رواية أخرى كالرعد الساكن، ولكن كل هذا من الإسرائيليات التي لا تقوم بها حجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1423(1/2510)
معنى القضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى القضاء والقدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلفت عبارات العلماء في تعريف القضاء والقدر فمنهم من عرفهما مجتمعين، وجعلهما شيئاً واحداً، ومنهم من عرف القضاء تعريفاً مغايراً للقدر فقالوا:
القدر: هو علم الله تعالى بما تكون عليه المخلوقات في المستقبل.
والقضاء: هو إيجاد الله للأشياء حسب علمه وإرادته.
وسئل الإمام أحمد عن القدر؟ فقال: القدر: قدرة الرحمن، وقد أخذ هذا من قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران:154] .
وقال الطحاوي: وكل شيء يجري بتقدير الله ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد.. إلا ما شاء، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره.
والإيمان بالقدر يشتمل على أربع مراتب:
1- الإيمان بعلم الله القديم.
2- الإيمان بكتابة ذلك في اللوح المحفوظ.
3- الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة.
4- الإيمان بإيجاد الله لكل المخلوقات، وأنه الخالق، وكل ما سواه مخلوق.
هذا ما يحتاج إليه المسلم في عقيدة القضاء والقدر.
أما الخوض في القدر فلا يجوز، فقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم، وقال الطحاوي: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] .
فمن فرغ قلبه من هذه العقيدة فهو في هم وضياع في هذه الدنيا، وفي عذاب مهين في الآخرة، نسأل الله العافية.
والإيمان بالقدر لا يتنافى مع التوكل على الله عز وجل، والأخذ بالأسباب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، للأعرابي: اعقلها وتوكل على الله. وأمر بالتداوي كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة صحيحة.
وقال ابن القيم: لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى، والأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله تعالى، والذي خلق الأسباب هو الذي خلق النتائج.
هذه العقيدة في القدر والإيمان به هي التي سكبت في قلوب السلف الصالح والمؤمنين بها السكينة، وأفاضت على نفوسهم الطمأنينة، وربتهم على العزة.... فاشتغلوا بما ينفعهم، وانطلقوا لتبليغ دين الله للبشرية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(1/2511)
الفرق بين القضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[1- السلام عليكم: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ أرجو ذكر أمثلة توضيحية لتقريب المعنى.. وهل هما قابلان للتغيير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في الفرق بين القضاء والقدر، وانقسموا في ذلك إلى فريقين:
الفريق الأول: قالوا لا فرق بين القضاء والقدر، فكل واحد منهما في معنى الآخر، فإذا أطلق أحدهما شمل الآخر، وهذا هو القول الراجح لأمور:
الأول: أن الذين فرقوا ليس لهم دليل واضح من كتاب أو سنة يفصل في القضية.
الثاني: استعمال أحدهما في موضع الآخر يدل على أنه لا فرق.
الثالث: أنه لا فائدة من وراء هذا التفريق، فقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يطلق على الآخر.
وعليه، فلا مانع من تعريف أحدهما بما يدل عليه الآخر.
الفريق الثاني: من فرق بين القضاء والقدر، وهؤلاء اختلفوا كثيراً في بيان هذا الفارق، وأحسن فارق أبدوه هو:
أن القضاء اسم لما وقع، وما لم يقع بعد فهو القدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1422(1/2512)
الدعاء والقدر ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغير الدعاء من القدر أي عندما يولد الانسان تكون حياته مكتوبة في السماء فهل الدعاء يغير ما هو مكتوب وهل الدعاء الغير منفذ هل يبقى للمرء أم ماذا؟] الدعاء الذي لا يحققه لله ماذا يحدث له
إذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49] .
وقال صلى الله عليه وسلم: "كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس" أخرجه البخاري.
وعليه، فالدعاء لا يخرج عن قدر الله، بل هو من قدر الله عز وجل، وتوضيح ذلك أن الله يقدر الأشياء على أسباب يقدرها أيضاً، فكما قدر سبحانه الشبع على الأكل، كذلك قدر حصول الرزق بالدعاء، فكل من حصول الرزق والدعاء من قدر الله عز وجل.
وعليه، فلا يجوز أن يمتنع عن الدعاء بدعوى أن الأقدار مكتوبة، كما لا يجوز أن يمتنع عن تناول الدواء بدعوى أن العمر مكتوب، فكل من الدعاء والدواء من الأسباب، وكلها من قدر الله عز وجل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأناس بكثرة الولد، وسعة الرزق، مع أنه هذا مما فرغ منه، ومضى به الكتاب.
فعن أم سليم قالت: يا رسول الله خادمك، أنس ادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته" رواه البخاري ومسلم.
ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لأقوامٍ بالهداية، مع أنها مفروغ منها أيضاً، كقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أهد دوساً وائت بهم" رواه البخاري ومسلم.
كل هذه الأدلة وغيرها تدل على أهمية الدعاء، وأن لا تعارض بينه وبين القدر، بل هو من تقدير الله سبحانه، وعلى ذلك لا يصح أن يقال: هل يغير من القدر شيئاً أم لا؟ إذ لو قلنا بذلك لجعلناه قسيماً للقدر، وليس قسماً منه، وهذا ما دلت الأدلة على بطلانه.
وأما الدعاء الذي لم تقدر له الإجابة، فهو إما أن يدخر لصاحبه يوم القيامة، وإما أن يصرف عن صاحبه من السوء مثله، دلّ على ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر قال: الله أكثر".
واعلم أن لإجابة الدعاء شروطاً منها الإخلاص قال تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [غافر:14] .
ومنها أن لا يكون الدعاء فيه إثم ولا قطيعة رحم للحديث المذكور، ومنها أن يكون الداعي طيب المطعم والملبس، لحديث أبي هريرة عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر: "الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب، ومطعمه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك".
ومن شروط الدعاء أن لا يستعجل الإجابة لحديث يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: "دعوت، فلم يستجب لي" أخرجه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1422(1/2513)
الفرق بين القدر والحظ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين القدر والحظ؟
هذا إن كان هناك حظ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإنه لا يحصل للمرء خير ولا شر ولا نفع ولا ضر إلاّ بقدر الله تعالى وإرادته، والإقرار بذلك واعتقاده من أركان الإيمان وأساسياته، ولذلك جاء في جواب النبي صلى الله عليه وسلم لسؤال جبريل عن الإيمان قوله: "وتؤمن بالقدر خيره وشره".
وأما الحظ الذي يعبر الناس به عن توفيق الشخص في أموره وتيسيرها، وحصوله على مطلوبه بلا سبب، أو بأدنى سبب، فقد يحصل لبعض الناس، ولكنه محكوم بقضاء الله تعالى وإرادته، ولا يحصل شيء من ذلك لأحد، إلا إذا كان مقدرا له في سابق علم الله سبحانه.
وأما اعتقاد أن المحظوظ قد يحصل على ما لم يقدر له، أو أن حظه قد ينفعه وحده في جلب المحبوب، ودفع المرهوب، فهذا باطل قطعاً بالنقل والعقل والواقع.
ويكفي أنه لو كان ذلك الاعتقاد صحيحاً لما مات المحظوظون، ولما مرضوا، ولما حصل لهم أي مكرره.
وقد ثبت في أحاديث كثيرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" كما في الصحيحين وغيرهما.
والجد هو: الحظ أو الغنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1422(1/2514)
الأرزاق والآجال بيد الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستطيع الإنسان أن يتحكم بأجله؟ أي هل يستطيع الإنسان أن يقرب أو يبعد في انتهاء أجله؟
وهل الأرزاق بيد الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآجال والأرزاق بيد الله تعالى، قدرها وحددها، فلا يزاد فيها ولا ينقص. قال تعالى ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها) [المنافقون: 11] وقال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون* إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) [الذريات: 58] وقال تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) [هود: 6] وقال تعالى وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهوالسميع العليم) [العنكبوت:60] .
وقال تعالى: (يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) [فاطر:3] والجواب طبعاً أنه لا خالق ولا رازق إلا الله تعالى، وهذا مجمع عليه من عقلاء البشرية قاطبة: برهم وفاجرهم. ولذا قال الله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) [يونس:31] .
وهذه الأرزاق والآجال مكتوبة محددة قبل أن يبرز المرء إلى الدنيا؛ بل وقبل أن تنفخ فيه الروح. ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح".
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1422(1/2515)
الإنسان مخير في الأمور التي يترتب عليها الثواب والعقاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل الإنسان مسير أم مخير؟ وإن كان مخيرا ما مدى هذا التخيير، وهل ينطبق هذا التخيير في أمور مثل الزواج وعمل الخير وغير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
لا يصح أن يقال إن الإنسان مسير أو مخير لأن الإنسان مخير ومسير، فهو ميسر لما خلق له، أما كونه مخيراً فلأن الله تعالى أعطاه عقلاً وسمعاً وإدراكاً وإرادةً فهو يعرف الخير من الشر والضار من النافع وما يلائمه وما لا يلائمه، فيختار لنفسه المناسب ويدع غيره، وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق العبد الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية. قال تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) الإنسان: 2،3 وقال سبحانه: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) الشمس:7ـ10
وأما كونه مسيراً فلأنه لا يخرج بشيء من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، قال عز من قائل: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير: 29] وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب مقادير الخلق إلى يوم القيامة" رواه الترمذي وصححه، وأبو داوود. والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.
ولذلك فالإنسان ميسر لما خلق له، فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن مسألة القدر وما يعمل الناس فيه: أهو أمر قد قضي وفرغ منه أم أمر مستأنف؟ فقال: " بل أمر قد قضي وفرغ منه فقالوا: ففيم العمل؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له … " الحديث رواه مسلم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1421(1/2516)
النزاع في تقسيم القضاء إلى مبرم ومعلق نزاع لفظي
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد علماء المسلمين يقول: لا يوجد في العقيدة الإسلامية تقسيم القضاء إلى: قضاء مبرم، وقضاء معلق، وقال: لا يوجد إلا قضاء مبرم فقط، فهل هذا صحيح ولا يوجد قضاء معلق عند أهل السنة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحيح الذي تشهد له النصوص هو التقسيم المذكور، فالقضاء المبرم: هو القدر الأزلي الذي لا يتغير وهو الذي كتب في اللوح، والقضاء المعلق: هو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة وهو الذي يتغير، ويدل لهذا قوله تعالى: يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ {الرعد:39} .
فما في أم الكتاب لا يغير، وما في أيدي الملائكة يغيره الله بالدعاء وصلة الرحم والصدقة.
وفي الحديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء. رواه الحاكم والترمذي، وحسنه الألباني.
وفي الحديث: إن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان. رواه الحاكم، وحسنه الألباني.
وفي الحديث: الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وينبغي أن يعلم أن النزاع في التقسيم السابق نزاع لفظي، فالذي يسبق في علم الله تعالى لا يتغير ولا يتبدل. وراجع كلام الحافظ ابن حجر في هذا المعنى في الفتوى رقم: 54532.
وراجع للمزيد الفتاوى التالية أرقامها: 12638، 102933، 95774، 96904.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1430(1/2517)
قضاء الله نوعان مبرم ومعلق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للقدرعلاقة بالزواج؟ وهل الزوج المتقدم للخطبة ويتم رفضه يستطيع أن يكون هوالذي كتبه لها الله؟ وهل الشخص يقدر له الله الشخص الذي سيرتبط به؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد من اليقين بأن الأمور كلها بيد الله، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا رادَّ لما قضى، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء بقدر وحكمة يدبرها الله سبحانه وتعالى، وقد كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فنحن نسلم بأقدار الله تعالى ونؤمن بها، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وهذا أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة، وركن من أركان الإيمان، ألا وهو الإيمان بالقدر. ولا يخرج عن ذلك شيء من أحداث الحياة، ومن جملة ذلك الخطبة والزواج والقبول والرفض.
ومراد السائل الكريم بقوله: هل يستطيع أن يكون هو الذي كتبه لها الله ـ غير واضح، ويحتمل أنه يريد السؤال عن من تقدم لخطبة فتاة ورُفض، هل هناك ما يمكنه فعله كي يُقبل بعد ذلك، ويحتمل أن يكون مراده هل يمكن أن يقبل بعد ذلك مع كونه قد قُدِّر عليه أن يرفض في المرة الأولى.
وعلى أية حال قد يكون مكتوبا في الأزل أن فلانا سيتقدم لخطبة فلانة ويرفض، ثم يحدث ما يزول معه سبب الرفض ويعيد التقدم فيقبل، وكل ذلك يكون مقدرا أزلا بتفاصيله.
وليعلم السائل الكريم أن قضاء الله نوعان:
قضاء مبرم، وهو القدر الأزلي، وهذا لا يتغير.
وقضاء معلق، وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق كذا، وإن تصدق فهو كذا. وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أولا يتصدق، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة لأنه معلق عليهما، وهو المراد بقوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ {الرعد:38-39} . وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. رواه الترمذي وحسنه، وحسنه الألباني.
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 12638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1430(1/2518)
وربك يخلق ما يشاء ويختار
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا خلق الله الجن من نار ونحن من طين، ما الحكمة من ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على من نص على شيء في هذه المسألة، ولكن من المعلوم أن الله تعالى فضل بني آدم على كثير من خلقه تفضيلا، وقد فضلهم على الجان، وعليك أن تعلم أن الله جل وعلا لا يُسأل عما يفعل، وهو أدرى بما يريد فهو الخلاق العليم، وراجع الفتوى رقم: 30692.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1429(1/2519)
ما وجد من مخلوقات قبل الكتابة خلق بعلم الله تعالى وقدرته وإرادته
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف أن مقادير كل شيء مكتوبة في اللوح المحفوظ، ولكن هل يمكن أن نجزم أن أي شيء حدث قبل كتابة المقادير، فهل يمكن أن نعتبره قدراً أم نعتبره بمشيئة الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نقول أولاً إن مشيئة الله تعالى من قدره، لأن معنى قولنا: إن الله قدر كذا هو أن الله تعالى علم وكتب وشاء وخلق ذلك الأمر، فالمشيئة جزء من مراتب القدر، والتي ذكرناها في الفتوى رقم: 60787.
وأما ما وجد من المخلوقات قبل الكتابة فإننا نقول ابتداءً: إن العلماء مختلفون في ذلك، فمنهم من قال: إن أول المخلوقات على الإطلاق القلم، ومنهم من قال: توجد مخلوقات قبل القلم كالعرش والماء وهذا هو الصحيح الذي تؤيده الأدلة، ولا شك أن تلك المخلوقات التي وجدت قبل القلم والكتابة لا شك أن الله تعالى خلقها بعلمه وقدرته ومشيئته وإرادته، فهي لم توجد عبثاً من غير علم ولا قدرة ولا مشيئة، وخلقها لا يتعلق بالمشيئة فقط؛ بل بالمشيئة والعلم والقدرة، وهل كتب الله تلك المخلوقات؟ ليس عندنا دليل يثبت ذلك ولا دليل ينفيه، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر فيه أن الله كتب في الذكر كل شيء وأن أول ما خلق الله القلم، قال فيه شيخ الإسلام في الرسالة الصفوية: فذلك بيان لخلق العالم الذي خلقه في ستة أيام ... ولم يذكر فيه تقدير جميع المخلوقات الكائنة بعد القيامة فلم يجب أن يكون متقدماً على غيره، هذه المقدرات المخلوقة مما خلق قبل ذلك.
والخلاصة نلخصها فيما يلي:
1- أن مشيئة الله تعالى من قدره.
2- أن ما وجد من المخلوقات قبل الكتابة إنما خلق بعلم الله تعالى وقدرته وإرادته.
3- أنه لا يوجد دليل ينفي ولا يثبت كتابة تلك المخلوقات.
4- أن الأحاديث الواردة في بيان أن الله كتب في الذكر كل شيء المراد بها هذا العالم الذي خلقه الله في ستة أيام وليس ما خلق قبل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1428(1/2520)
الفرق بين القضاء المبرم والقضاء المعلق
[السُّؤَالُ]
ـ[في الفتوى رقم 95774 وفي الحديث عن القضاء وأنواعه المبرم والمعلق، تمت الإجابة على السؤال بأن الزواج قضاء مبرم ومعلق في نفس الوقت، ولكني لم أستطع أن أفهم كيف يمكن للقضاء أن يكون مبرما ومعلقا في نفس الوقت، فالمبرم هو الأزلي الذي لن يغيره الدعاء وعليه فلو دعا الإنسان بأن يصبح فلان أو فلانة زوجا له فإن ذلك لن يتغير لأن الله أعلم بما هو خير، يكون معلقا بنفس الوقت، لقد دخلت في حيرة بعد قراءتي لهذه الفتوى أفيدوني جزاكم الله خيراً ولو استطعتم أن تبسطوا اللغة أكثر لكان ذلك خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مزيد على ما بينا هنالك في الفتوى المشار إليها، لكن ربما أشكل عليك الجمع بين الأمرين ولا منافاة بينهما، ذلك أن القضاء المعلق هو ما بأيدي الملائكة، والمبرم هو ما عند الله تعالى، وبيان ذلك أن الله سبحانه وتعالى قدر مقادير الأشياء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وذلك مكتوب عنده في أم الكتاب، ومن ذلك الزواج وغيره، كل ما كان وما يكون وما لو كان كيف يكون، وهذا لا يتغير ولا يتبدل لأن الله سبحانه وتعالى يعلم عاقبة الأمر ومآله، كما قال: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {ق:29} .
وأما ما ينسخ للملائكة فهو الذي يقع فيه القضاء المعلق فيكتب عندهم إن دعا فلان بكذا فله كذا وإن لم يدع فليس له، وإن وصل رحمه فعمره كذا وإن لم يصل رحمه فعمره كذا، والملائكة لا يدرون أي الأمرين سيكون حتى يكون، وأما الله سبحانه وتعالى فإنه يعلم هل سيدعو أم لا؟ وهل سيصل رحمه أم لا؟ فالمآل عنده مكتوب، إذاً فلا تنافي بين القضاء المبرم والقضاء المعلق واجتماعهما، فهو مبرم عند الله ومعلق لدى الملائكة، وقد يكون القضاء مبرماً عند الله ومبرماً عند الملائكة إذا لم يكن معلقاً.
ونأمل بذلك أن يزول عنك الإشكال ويتضح لك المقال، وننبهك إلى أن مسائل القدر من المسائل التي لا ينبغي الخوض فيها، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا. أخرجه الطبراني وغيره وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. قال البغوي: القدر سر الله لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، لا يجوز الخوض فيه والبحث عنه من طريق العقل؛ بل يعتقد أنه تعالى خلق الخلق فجعلهم فريقين: أهل يمين خلقهم للنعيم فضلاً، وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلاً، قال الله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ.
فلا يجب على المرء أن يخوض فيه أو يعلم دقائقه ليكون مؤمناً بل يكفيه أن يؤمن بخيره وشره؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام الذي سأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان وأمارات الساعة وفيه: قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت ... وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. رواه الترمذي وصححه الألباني.
بل الخوض في ذلك والجدل فيه قد يؤدي بالمرء إلى الضلال والعياذ بالله، ولذلك قال ابن سيرين: إن الذين يخوضون فيه هم المعنيون بقوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين َ {الأنعام:68} ، ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 60787.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1428(1/2521)
الزواج قضاء مبرم وقضاء معلق
[السُّؤَالُ]
ـ[1- أريد معرفة هل الزواج هو قضاء مبرم أو قضاء معلق, أتمنى الإفادة بالتفصيل؟
-2 هل الدعاء يغير هذا المكتوب؟ هل الدعاء بشخص معين أتمناه يمكن أن يحققه الله لي ويكون زوجي؟
3- هل اسم الزوج هو مكتوب من عند الله ولا يتغير؟
أتمنى الإفادة بالتفصيل وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى قدر مقادير الأشياء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء. كما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي سنن أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.
فكل ما يعمله الإنسان فهو مقدر قبل ميلاده، سواء كان زواجا أو غير ذلك.
والقضاء نوعان: قضاء مبرم وهو القدر الأزلي، وهو لا يتغير. وقضاء معلق وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا. وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أو لا يتصدق. فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة لأنه معلق عليهما. وهو المراد بقوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ {الرعد:38-39} وهو معنى حديث الترمذي: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر.
وعليه، فالزواج يكون قضاء مبرما وقضاء معلقا، واسم الزوج من ذلك. والدعاء لا يتغير به القضاء المبرم، وإنما يتغير به القضاء المعلق.
فإذا كان في الصحف التي في أيدي الملائكة أن فلانا سيتزوج من فلانة فإن ذلك قد يكون موافقا لما قدره الله في أزله، وبالتالي فلن يتغير أبدا، وقد لا يكون موافقا لما قدره الله في أزله، وفي تلك الحالة فإنه سيتغير -لا محالة- حتى يوافق ما هو مقدر في الأزل.
وبما أن العبد لا يعرف ما قد قدر له، فعليه أن يدعو بكل خير، فلعل الله يستجيب له دعاءه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(1/2522)
هل خلق الملائكة تم قبل خلق السماوات والأرض والجن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الذي خلق أولا السماء أو الأرض أوالملائكة أوالجن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأرض خلقت أولاً قبل السماء- كما قال أهل العلم- ثم خلقت السماء بعد ذلك، ثم دحيت الأرض بعد ذلك وأخرج ما فيها من الماء والمرعى؛ كما جاء في قول الله تعالى: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا {النَّازعات:30-31} قال ابن كثير في التفسير: إن الله ابتدأ بخلق الأرض أولاً، ثم خلق السموات سبعاً، وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك، وقد صرح المفسرون بذلك.
وقال أيضا عند تفسير هذه الآية: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ. ففي هذه الآية أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص.
وأما خلق الملائكة فكان قبل خلق السماوات والأرض والجن. فقد دلت على ذلك بعض الآثار، وأنهم خلقوا بعد خلق العرش، ففي كتاب العلو للذهبي قال: عن بعض المشيخة قال: أول ما خلق الله عرشه على الماء، وخلق الملائكة فقالوا: ربنا لم خلقتنا؟ قال: لحمل عرشي، قالوا: ومن يقوى على ذلك؟ قال: فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فيحملكم.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتويين: 19224، 26672.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1428(1/2523)
الزواج والرزق أمور مقدرة وبذل الأسباب مطلوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبح عمري الآن 37 سنة ولم أتزوج، فهل هذا قدري مع العلم بأنه يتقدم لي أشخاص، ولكن لا يرجعون حتى أن منهم عاد لخطبتي بعد زواجه وأيضاً لم يرجع، فما هي الأسباب؟ وجزاكم الله خيراً، وأيضاً رزقي قليل مع العلم بأني أعمل منذ 17 عاما ولم أحقق شيئا في حياتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الزواج والرزق أمور مقدرة على العبد، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال تعالى: وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ {الرعد:8} .
ونوصيك بالعفة والاستقامة والإكثار من الدعاء في أوقات الإجابة بأن ييسر الله لك الزوج الصالح، ولا حرج على المرأة أن تعرض نفسها على من يُرتضى دينه وخلقه، ويمكن أن يتم ذلك بواسطة أبيها أو أخيها؛ كما عرض عمر ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، وقد عرض بعض النساء الصحابيات نفوسهن على النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1428(1/2524)
هل يمكن للإنسان أن يعرف نهاية عمره
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية معرفة العمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أن عمر المرء وأجله لا يعلمه إلا علام الغيوب لقوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ {لقمان: 34} ولكن قد يشعر المرء بقرب أجله لمرضٍ ونحو ذلك كما بينا في الفتوى رقم: 32668، ولكن لا سبيل إلى معرفة ذلك على وجه التحديد إلا بخبر من الله تعالى ووحي منه لأن ذلك من مفاتح الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا هو. وانظر الفتوى رقم: 28605،
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1426(1/2525)
الرزق.. تقديره.. ومدى أثر اقتراف الذنوب عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو عن الرزق: تعريف الرزق، هل الرزق يزيد وينقص أم هو مقسوم للإنسان وما عليه سوى السعي، ماذا لو ارتكب الإنسان المعاصي هل سوف ينقص ذلك من رزقة ولو أكثر من عمل الصالحات، هل يزيد في رزقة، هنا سؤالي هو: للمعرفة والتبصر وليس لمعرفة الغيب والعياذ بالله من هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرزق هو ما يرزقه الله تعالى للعبد من مال وغيره، وهو مكتوب ومقدر لا يزيد ولا ينقص في علم الله تعالى؛ كما هو الشأن في المقادير كلها، ولكن القضاء -كما قال أهل العلم- نوعان: قضاء مبرم، وهو القدر الأزلي وهو لا يتغير. وقضاء معلق: وهو الذي في الصحف في أيدي الملائكة فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق ... فهو كذا، وإن تصدق فهو كذا، وفي علم الله الأزلي أنه سيعمل ذلك العمل أو لا يعمله، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة ...
وعلى العبد أن يسعى لكسب الرزق، واعتقاد أن رزقه مقدر لا يعني ذلك ترك الأسباب والسعي في تحصيل الرزق، فترك الأسباب قدح في الشرع والاعتماد عليها وحدها شرك.
وأما الذنوب، فقد روي أنها تعيق الحصول على الرزق إن ثبت الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه.
ولكن بعض الحفاظ ذكروا أن هذا اللفظ غير ثابت، وقد جاء الدليل صريحاً في أن عمل الطاعات وفعل الخيرات لا شك يبارك في العمر ويزيد في الرزق ... كما قال الله تعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا {الجن:16} ، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ {الأعراف:96} ، وللمزيد من الفائدة والأدلة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1697، 6121، 17133، 27524، 29607، 36909، 41114، 60327.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1426(1/2526)
لا يحدث في هذا الكون شيء إلا بقضاء الله وقدره
[السُّؤَالُ]
ـ[أستطيع أن أقول أنني كنت مخطوبة كنا متفاهمين لأقصى حد، وكنت في منتهى السعادة وبعد كتب العقد بشهور أدى سوء تفاهم إلى انفصال تم طلاقي لم تتم الدخلة لا أطيل عليكم فلا يهمني من السبب فأنا في حالة لا يعلمها إلا الله وحده سبحانه وتعالى، سؤالي هو على شقين أرجوكم أريد معرفة الجواب دون إعطائي جوابا مماثلا ولكم كل الشكر، هل فعلا كما يقال إن زواج فلان بفلانة يكون مكتوبا قبل ولادتنا، وهل فعلا من الممكن أن يكون قدر العبد أن لا يتزوج وذلك من امتحان الله سبحانه وتعالى له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد::
فقد دلت نصوص الكتاب والسنة أنه ما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بقضاء الله تعالى وقدره، وأن ذلك قبل خلق السموات والأرض، كما جاء مصرحاً به في حديث مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
فدل هذا على أن فلانا سيتزوج من فلانة أو أن فلانا الفلاني لن يتزوج هو مقدر قبل وجود السموات والأرض، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 12638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1426(1/2527)
القضاء المطلق والقضاء المعلق
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ما الفرق بين القضاء المطلق والقضاء المعلق وأمثلة عن كل منهما]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القضاء المطلق أويقال (القضاء المبرم) هو ما سبق في علم الله تبارك وتعالى وهو لا يتبدل ولا يتأخر، وقدره الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ثبت في صحيح مسلم. قال الله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا {المنافقون: 11} وقال تعالى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ {قّ: 29} ، وقال صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: لقد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة، لن يعجل الله شيئا قبل حله، أو يؤخر شيئاً عن حله. رواه مسلم. قال الإمام النووي: إن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك. اهـ
أما القضاء المعلق: فهو ما يتعلق بعلم الملك الموكل، فيقع فيه التبديل والتغيير والإثبات والمحو كالزيادة في العمر، فيقال للملك -مثلاً- عمره ستون، فإذا وصل رحمه زيد أربعين، ويكون سبق في علم الله أنه سيصل رحمه فيكتب مائة، فيبدل في صحف الملائكة، ولا يبدل ما في علم الله وكتب في اللوح المحفوظ. (راجع الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام) وعلى هذا حملوا قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَاب {الرعد:39} ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. متفق عليه عن أنس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(1/2528)
المكتوب في اللوح المحفوظ لا يبدل بخلاف ما في صحف الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول الدعاء وفضله. فقد كتب الله علي البلاء بأن بلي شخص قريب لي بحادث أدى إلى الشلل النصفي وهو في ريعان شبابه وقد مر على الحادث 11 سنة وهو الآن في الـ 35 من عمره وقد كنت وقتها صغيرة في السن, وأقسم بالله يا فضيلة الشيخ بأن الله قد أنعم علي بكل نعمة \"وله الحمد حتى يرضى سبحانه لا نوفيه حق شكره\" ولكني كنت غافلة ودائمة التذمر ولا أحمد الله إلا نادراَ إلى أن تعرفت على قريبي هذا وقد هالني ما هو فيه من عذاب وألم وحسرة على ما فاته من أيام شبابه. ومن شدة تأثري لحاله وتعاطفي معه وجدت نفسي لا أستطيع الاستمتاع بما أنا فيه من نعم لا أستطيع الامتناع عن تخيل نفسي في مثل حاله, فأنا شديدة التأثر بطبعي. ووسط يأسي هذا وجهت وجهي لله الكريم القادر الشافي بالدعاء. وقد كان هذا الشخص سبباَ لرجوعي إلى الله بالشكر على ما من علي من نعم وبالدعاء له بالشفاء وهو ما يعتبره الطب ضربا من المستحيلات فإصابات الحبل الشوكي غير قابلة للشفاء. وقد اجتهدت بالدعاء وتخيرت أوقات السحر من الليل وبكيت وكنت متأكدة بأن من خلق في هذه الرحمة والتعاطف هو الأرحم والأعطف على عباده منهم على بعض. وأقسم بالله سيدي أنه لم يمر على اجتهادي بالدعاء أسبوع واحد حتى جاء الفرج من عند الله ببرنامج طبي في التلفزيون يعرض أن دكتورا في بلاد أجنبية تمكن من وصل الأعصاب لمريض بالشلل وقد تمكن من الشفاء بفضل الله. لم أصدق ما كنت فيه. وأرهبني كرم الله علي. لم أتوقع بأن تكون الإجابة بهذه السرعة!! لقد أثبت لي الله وأنا المقصرة في عبادته وشكره بأنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه. لا أود الإطالة عليك سيدي. تمكنا من الاتصال بالدكتور ولكنه أوضح بأن طول فترة المرض لا تبشر بنتائج طيبة وأن فرص الشفاء أو حتى التحسن محدودة جداَ إن لم تكن معدومة ولكن حديثه لم يزدني إلا إيماناَ بالله وفضله وأكاد أجزم بأن الله سيمن على قريبي بالشفاء برحمته وقدرته التي يحيي بها العظام وهي رميم ولا أزال أدعي سيدي بأن يكون فرج الله قريب ولكني أحياناَ أخشى أن يكون امتحاناَ من الله لي في ديني بأن لا يشفى قريبي فيرى سبحانه بذلك صبري واحتسابي أو قنوطي يأسي وأدعو الله إن كتب علي وعلى قريبي طول البلاء أن يثبتنا على ما يحب ويرضى لعباده الصالحين.. وسؤالي سيدي: هل يرد الدعاء القضاء؟؟ هل إذا كتب الله أمراَ لبني آدم عند خلقه في الرحم يمكن أن يبدله \"بمشيئته\"بدعاء صادق؟؟ ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم لنا ولك ولقريبك هذا العفو والعافية والشفاء، واعلمي أن الله يبتلي العبد، ولبلائه هذا فوائد جليلة للعبد إن هو رضي وصبر، وراجعي الفتوى رقم: 25874، وأما عن سؤالك هل يرد الدعاء القضاء؟ فجوابه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يرد القضاء إلا الدعاء.
رواه الترمذي.
وأما عن سؤالك: هل إذا كتب الله أمرا.. الخ. فجوابه أن ما في اللوح المحفوظ لا يبدل ولا يغير، وما في صحف الملائكة يمكن أن يبدل وأن يغير، ولا يعني هذا ترك الدعاء وترك العمل بالأسباب، فإن الله عز وجل قدر المقادير بأسبابها، وعلم سبحانه من يأخذ بالسبب ومن لا يأخذ به، فلا تترك الأسباب اتكالا على القدر، لأن ما في اللوح المحفوظ لا يعلمه إلا الله.
وقد تقدم تفصيل الكلام عن ذلك في الفتاوى التالية: 10657، 12638، 18306.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(1/2529)
أول مخلوقات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول خلق الله (سيدنا آدم عليه السلام) أم (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأول خلق الله ليس سيدنا آدم ولا سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام، بل هناك مخلوقات كثيرة قبلهما، وراجع الفتوى رقم:
26672
وإذا كان المقصود بالسؤال أيهما أول خلقاً، فقد تقدم الكلام عن ذلك في الفتاوى التالية: 27227 / 7389 / 9650
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1424(1/2530)
لا يمكن لشخص الاقتران بفتاة لم يقدرها الله له
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شخص متدين، وأعرف الله جيدا، لدي صديق عزيز جدا على نفسي مثل أخي الذي لم تنجبه لي أمي، لديه أخت جميلة خلوقة، عندها هدوء وحشمة، يتمناها كل شاب، راقبتها خمس سنوات حتى أتأكد من هذا أفاجأ في الأيام الماضية أنها خطبت وضاعت مني، أنا الآن محترق ضائع لفقدها أرجوكم أريحوني، هل أن الإنسان يولد وفي كتابه من سيتزوج؟ أم الإنسان له ضلع في هذا، مع إعطائي دعاء ينسيني هذا الأمر وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزواج من الأمور التي قضاها الله وقدرها على العبد فلا يمكن أن يتزوج شخص بامرأة لم يقدر الله له الزواج بها، وهذا قد بيناه في عدة فتاوى منهما الفتوى رقم: 18517 والفتوى رقم: 20044.
وليس هناك دعاء معين نعلمه إذا قاله الشخص نسي ما كان متعلقًا به كامرأة أو غيرها، ولكن على الإنسان أن يدعو الله تعالى بما يناسب حاله، ويسأل الله تعالى أن يذهب عنه ما تعلقت به نفسه ولا سبيل له إلى الحصول عليه. ويسأل الله تعالى أن يبدله خيرًا منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1424(1/2531)
ترتيب نشأة المخلوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الرأي الراجح في ترتييب خلق المخلوقات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن أول ما خلق الله تعالى الماء ثم العرش ثم القلم ثم السماوات والأرض، ودليل ذلك ما أخرجه أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين مرفوعاً: إن الماء خلق قبل العرش وروى السندي بأسانيد متعدده: إن الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء.
وليس بين ما ذكرنا من بدء الخلق وبين ما رواه الترمذي وصححه عن عبادة بن الصامت مرفوعاً أن: أول ما خلق الله القلم ثم قال: اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة. تعارض كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح حيث قال: فإن أولية القلم بالنسبة إلى ماعدا الماء والعرش أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة. أي أنه قيل له: اكتب أول ما خلق. انتهى
وهكذا توالت المخلوقات بعد ذلك في الخلق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(1/2532)
الحصول على الزوجة، والسعي له من قدر الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله
أريد السؤال هل الزواج نصيب؟ هل المرأة حين تخلق يكتب لها اسم الشخص الذي ستتزوجه وهل مهما عمل الشخص لأخذ من يحبه في النهاية يأخذ من هو مكتوب له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] .
وقال صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه البخاري.
وهذا يدل على أنه لا يخرج شيء عن قدر الله تعالى، ومن جملة ذلك، السعي في تحصيل الزوجة الصالحة أو الزوج الصالح، وتوضيح ذلك، أن الله تعالى يُقدر الأشياء على أسباب يقدرها أيضاً، فكما قدر الله تعالى الشبع قدر سببه وهو الأكل، كذلك قدر الحصول على الزوجة وقدر سببه وهو السعي في طلبها، فكل من الحصول على الزوجة، والسعي له من قدر الله تعالى وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها:
12638
16183
17855
9890.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1423(1/2533)
أول شيء خلقه الله تبارك وتعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[- من هو أول من خلقه الله تعالى وهل قبل الجن مخلوقات وهل قبل الملائكة مخلوقات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن خلق الجن متقدم على خلق الإنس، لقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ8 وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) [الحجر:27] .
فقد نص الله عز وجل على أن الجان مخلوق قبل الإنسان، كما أننا لا نشك كذلك في أن الملائكة خلقوا قبل الإنس، فقد أخبرنا الله تعالى أنه أعلم الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة) [البقرة:30] . لكننا لا نعلم وقت خلقهم، لأن معرفة وقت خلقهم لا تدرك إلا بوحي، والوحي لم يخبرنا عن ذلك، فكان الواجب علينا أن نسكت عنه، كما سكت أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما عن أول مخلوق خلقه الله، فهو القلم، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي في سننه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى الأبد" وصححه الألباني.
قال ابن العربي في عارضة الأحوذي: وقبل القلم لم يكن شيء إلا هو سبحانه. ا. هـ
وبهذا يعلم أنه قبل الملائكة والجن بعض المخلوقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(1/2534)
قدرة العبد ومشيئته غير مستقلة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-بسم الله الرحمن الرحيم هل الزواج قسمة ونصيب؟ وأقصد بأن الزوجة أو الزوج مثل الرزق تماما.. فكما أنك لن تأخذ من هذه الدنيا الا ما قسمه الله لك من رزق فإنك لن تتزوج الا المرأة او الرجل الذي كتبه الله لك.. أم أن هذا الكلام لا يصح.. والقسمة والنصيب هي بمعنى سبق علم الله فقط وأن هذا الأمر باختيارك انت واختيارها هي تماما مثل أي أمر دنيوي تختاره بحريتك وارادتك؟؟ أرجو معرفة رأي أهل العلم في هذه المسألة يعني هل فعلا أن اسم الزوج أو الزوجة يكتب من قبل أن يولد الإنسان أم هو أمر مخير فيه كباقي شؤون الحياة؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعتقد أهل السنة والجماعة أن كل ما يحصل للمرء في الكون من رزق وزوجة وصحة ومرض، وغير ذلك من شؤون الحياة مقدر مكتوب على العبد، فلا يقع إلا بقدر الله ومشيئته، لا فرق بين الرزق والزوجة وباقي شؤون الحياة، وسبق علم الله تعالى بما يمر به العبد في حياته وكتابة ذلك لا يتنافى مع مشيئة العبد واختياره، إذ للعبد قدرة وله مشيئة، لكنها ليست مستقلة، بل هي تحت قدرة الله ومشيئته، وللفائدة تراجع الفتاوى المرقومة:
12638 9040 4054 8653
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1422(1/2535)
مقادير كل شيء مكتوبة إلى قيام الساعة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-يقولون إن الزواج قسمة ونصيب هل صحيح أن كل إنسان قبل مولده يكتب له الله قدره. هل الزواج من الأشياء القدرية.
2-إذا كانت من الأشياء القدرية فهل الدعاء
يغيرهذا المكتوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله قدر مقادير الأشياء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء. رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي سنن أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول ما خلق القلم، فقال له اكتب، قال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.
وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.." إلى آخر الحديث.
فكل ما يعمله الإنسان فهو مقدر قبل ميلاده، سواء كان زواجاً أو غير ذلك.
ولكن القضاء نوعان: قضاء مبرم: وهو القدر الأزلي، وهو لا يتغير، وقضاء معلق: وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا. وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أو لا يتصدق، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة لأنه معلق عليهما.
وهو المراد بقوله تعالى: (لكل أجل كتاب* يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) [الرعد:38-39] وهو معنى حديث الترمذي "لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر."
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1422(1/2536)
لا تعارض بين اكتشاف أسباب الظواهر الطبيعية وبين كونها من صنع الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يفسر الدين الظواهر الطبيعية كنزول المطر والرعد والبرق وتكوين الجبال والزلازل والبراكين، علما بأن العلم الحديث توصل لأسباب علمية لأشياء كان القدماء لايجدون لها تفسيرا؟ فكيف نوفق أن الله هو من ينزل الغيث ويرسل الرعد ومع الظواهر الطبيعية؟ حتى تكون الأرض العلم الحديث يثبت أنها تكون تدريجيا وأن الشكل التي توصلت إليه الأرض الآن بفعل حركة الصفائح؟
أرجوكم ماهو الجواب لهذه الشبهة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين ما كشف عنه العلم الحديث من أسباب لظواهر طبيعية مثل نزول المطر والرعد والبرق و ... إلخ، وبين كون هذه الظواهر بيد الله سبحانه يصرفها كيف يشاء؛ فإن الله سبحانه كما خلق هذه الظواهر، فقد خلق أيضا أسبابها، فهو سبحانه خالق الأشياء وأسبابها، وهو سبحانه يسبب الأسباب، ويربط بين الأسباب والمسببات.
فإذا شاء الله نزول المطر مثلا، فإنه يسبب الأسباب التي تؤدي إلى نزوله، والتي كشف عنها العلم الحديث، وكذلك يقال في غيره من الظواهر الطبيعية، وفي تكون الأرض وغيرها.
فما كشف عنه العلم الحديث إنما هو الأسباب التي سببها الله والتي ربط بينها وبين مسبباتها.
وجدير بالذكر أنه ليس كل ما يقال في العلم الحديث على وجه القطع، فمن العلم الحديث ما هو ظني، كالنظريات المتعلقة ببدء خلق الأرض وغيرها، وهذه النظريات قابلة للخطأ والصواب.
وكثيرا ما ظهرت نظريات علمية ثم جاء من نقضها ووضع نظريات أخرى، وذلك لأن هذه النظريات ظنية لا قطعية، ولا أحد يستطيع الجزم بكيفية بدء الخلق على وجه القطع. قال تعالى: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا {الكهف:51} وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 117667.
ومع ذلك لا نرى في تكون الأرض تدريجيا ما يتعارض مع الدين؛ فإن قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ {الأعراف:54} ، يحتمل أن هذه الأيام مثل أيامنا كما يحتمل أنها ليست كأيامنا، قال تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {الحج:47}
قال ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى أنه رب العالم جميعه وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام قيل كهذه الأيام وقيل كل يوم كألف سنة مما تعدون.
ولو افترض أن دلالة الآية تنافي خلق الأرض بالتدريج، فالصحيح هو ما جاء به الوحي، والخطأ ما خالف ذلك.
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 22344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1430(1/2537)
(لو) أداة الشيطان الخبيثة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي ابن أختي وهو يبلغ من العمر 10 سنوات بعد إجراء عملية استئصال ورمين في الرأس، ونحن والحمد الله مؤمنون بقدر الله، ولكن يتردد بعض الأقاويل داخلنا بأنه لو لم نقم بعملية كان عاش لو عملنا العملية في الرياض أفضل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يدور في أنفسكم من هذه الوساوس، إنما هو من الشيطان الذي يريد أن يحزن الذين آمنوا، وإنما يفتح العبد على نفسه باب وسوسة الشيطان بمثل هذه اللو، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك فقال: إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان رواه مسلم.
قال القاضي عياض في (مشارق الأنوار) : أي أن قولها واعتياد معناها يظهر الطعن على القدر ويفضي بالعبد إلى ترك الرضا بما أراده الله؛ لأن القدر إذا ظهر بما يكره العبد قال: لو فعلت كذا لم يكن كذا. وقد مر في علم الله أنه لا يفعل إلا ما فعل ولا يكون إلا الذي كان اهـ.
وقال النووي: (لو) يلقي في القلب معارضة القدر ويوسوس به الشيطان اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين) : الإنسان إذا بذل ما يستطيع بذله وأخلفت الأمور فحينئذ يفوض الأمر إلى الله لأنه فعل ما يقدر عليه، ولهذا قال: (إن أصابك شيء) يعني بعد بذل الجهد والاستعانة بالله عز وجل، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا. وجزى الله عنا نبينا خير الجزاء فقد بين الحكمة من ذلك، حيث قال: (فإن لو تفتح عمل الشيطان) أي تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم والهموم، حتى تقول: لو أني فعلت لكان كذا، فلا تقل هكذا، والأمر انتهى ولا يمكن أن يتغير عما وقع، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت. اهـ.
فارفعوا ـ رحمكم الله ـ هذا العناء عن أنفسكم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها. رواه أبو نعيم، وصححه الألباني.
ولذلك لما ذكر الله كلام من قال في غزوة أحد: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا {آل عمران:154} رد عليهم فقال: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {آل عمران: 154} فأحسن الله عزاءكم وألهمكم رشدكم وصبركم على فقيدكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(1/2538)
القيام بالطاعات من توفيق الله وفضله
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أفعل أي طاعة أقول أنا بإرادتي فعلتها ولكن الله وفقني وأعانني عليها هل هذا إعجاب بنفسي وهل تحبط أعمالي لأني أشرك نفسي مع الله وإذا كان يحبط العمل أو لسنا مخيرين بالمعصية والطاعة.
أرجوكم أنقذوني لأني محبط وأحس أنه لا يقبل مني طاعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من مراتب الإيمان بالقضاء والقدر الإيمان بالمشيئة: أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ليس في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه، ولا يكون في ملكه إلا ما يري د، والإيمان بالخلق والتكوين، أي أن الله خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، كما دلت على ذلك النصوص.
فكل ما يفعله الإنسان من أعمال إنما يكون بمشيئة الله تعالى وإرادته، قال الله تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا {الإنسان:30} ، كما أن جميع أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، قال الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96} .
كما أن للعبد اختيار ومشيئة فما يفعله العبد من الطاعات أو المعاصي يفعله العبد بمشيئته، وقد أعطى الله تعالى العبد الإرادة والمقدرة على التمييز بين النافع والضار فهو يختار منهما ما شاء، وسيحاسب على اختياره ذلك، فعليه أن يعمل بطاعة الله تعالى ويترك معصيته، وعليه كذلك أن يأخذ بالأسباب ويسعى في مصالحه الدنيوية والأخروية ويتوكل على الله عز وجل في ذلك كله.
فللعبد إرادة ومشيئة ولكنها معلقة بإرادة الله تعالى ومشيئته، قال الله تعالى: وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا {الأعراف:43} .
ويمكنك مراجعة ذلك في الفتاوى الآتية أرقامها: 4054، 60787، 67357، 97066.
فإذا علمت هذا فالأولى لك ألا تقول إنك فعلت هذه الطاعة بإرادتك ولكن تواضع لله تعالى وانسب الفضل إليه واعلم بأنك بحاجة لتوفيق الله لك وإعانته لك على الطاعة، واحذر من أن يقودك ذلك للإعجاب بنفسك، والإعجاب هو أن يرى الإنسان عمله فيعجب به ويستعظمه ويستكثره، فينبغي لك أن تحمد الله تعالى الذي وفقك للقيام بهذه الطاعات، وتسأله سبحانه وتعالى أن يزيدك منها ويثبتك عليها، وعليك أن تجاهد نفسك على اجتناب الإعجاب، ولكن لا حرج عليك في أن تسر وتفرح بطاعتك لله تعالى، نقل ابن مفلح في الآداب عن ابن عقيل قال: الإعجاب ليس بالفرح، والفرح لا يقدح في الطاعات لأنها مسرة النفس بطاعة الرب عز وجل، ومثل ذلك مما أسر العقلاء، وأبهج الفضلاء. اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 6802، 56410، 59313.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1430(1/2539)
الإنسان بين التسيير والتخيير
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حيرني موضوع القضاء والقدر والإنسان هل هو مسير أم مخير في مسائل ثلاث أريد منكم لو تكرمتم إيضاح الأمر لي فيها:
1- الطفل الصغير عندما يدخل المدرسة نلاحظ أن هناك فروقات كبيرة بين الطلاب بالرغم من أنهم يتلقون نفس التعليم ونفس العناية من الأهل، فهل يا ترى الطفل مسير لأن يكون كسولاً لأنك مهما بذلت الجهد معه ومن خلال تجربتي تجده لا ينفع معه شيء، على عكس الطفل المجتهد تجده سريع الفهم ونشيطا ولا تجد أي صعوبة معه.
2- مسألة الزواج من الواضح أن الإنسان يستطيع أن يختار زوجته بحرية كاملة، ولكن هل نستطيع أن نقول عن الزواج إنه قسمة ونصيب كما يقول العامة أي أن الإنسان مهما بحث لا بد أن يتزوج نصيبه.
3- مجال التخصص الدراسي والعمل أنا أعرف شخصا تقدم لوظيفة معلم أي أنه يريد أن يصبح معلماً بإرادته وتقدم للفحوصات والاختبارات اللازمة فنجح فيها جميعاً، ولكن عند ظهور النتائج وجد أن الوزارة اكتفت بالمعلمين وتم فرزه لوزارة أخرى أي أنه لم يختر عمله، فهل نستطيع أن نقول إنه أُجبر على هذه الوظيفة وإنها قسمة ونصيب ولن تخطئه أبداً؟ وشكراً لكم وأتمنى منكم إجابة مفصلة حول هذا الموضوع الشائك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في كون الإنسان مسيراً ومخيراً في آن واحد، فانظر لذلك الفتوى رقم: 79824، والفتوى رقم: 26413.
ولا شك أن الأمور الثلاثة التي ذكرها السائل إنما تقع بقضاء الله تعالى وقدره، وأن الإنسان فيها مسير ومخير، فأما كونها تقع بقضاء الله وقدره فهذا معلوم من الدين بالضرورة، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان:2} ، وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {الأعلى:2-3} ، أي قدر قدراً وهدى الخلائق إليه، ولهذا يستدل بهذه الآيات أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها وخلقه وإيجاده لها ومشيئته وإرادته لها، وهذا معنى كونه مسيراً أي أنه لن يفعل خلاف ما علمه الله تعالى وكتبه في اللوح المحفوظ وخلقه وأراده سبحانه وتعالى.
وأما كونه مخيراً فإن الله تعالى جعل للإنسان الاختيار كما هو مشاهد ومعلوم، فقد يختار شيئاً ويتم له؛ لأن الله كان قدره له، وقد يختار شيئاً ولا يوفق له لأن الله قدر غير ما اختاره العبد، فكتابة الله كتابة علم وإحاطة، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا {الطلاق:12} ، فالذكاء والبلادة والزواج والوظيفة وكل شيء يقع في الأرض إنما هو بقضاء الله وقدره، والله تعالى هو الذي يقسم الأرزاق على خلقه، فمنهم الذكي ومنهم البليد ومنهم القوي ومنهم الضعيف ومنهم الغني ومنهم الفقير ومنهم الولود والعقيم ومنهم المتزوج والأعزب، وهذا كله لا ينافي حقيقة أن للإنسان اختياراً ومشيئة فيما يمكنه الاختيار فيه، وكثير من الأمور لا اختيار للعبد فيها كالأمور الجبلية مثل الذكاء والبلادة، وقوة البنية وضعفها، وطول الجسم وقصره ونحو ذلك، وكل هذا قدره الله تعالى بعلمه وحكمته: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ {الأنعام:149} ، وانظر للأهمية في ذلك الفتوى رقم: 115214.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1430(1/2540)
كل مخلوق صغير أو كبير خلق بقدر وحكمة بالغة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم التكرم بإبداء سبب خلق الله عز وجل لحشرة الصرصور وهل هو مفيد للبشرية، ونعلم جميعا أن الله عز وجل لم يخلق شيئا عبثا. وشكرا لكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى هو الحكيم العليم اللطيف الخبير، فلم يخلق شيئا عبثا، والعقل الإنساني مهما كانت قوته فهو محدود، فهو يجهل كثيرا من أسرار الخلق، قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا {الإسراء:85} وقال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: 216} وقد أمرنا بالبحث والنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وشجع العلم في كل مجالاته، وقد أدرك السابقون بعضا من حكم الخلق وما يزال العلم الحديث يكشف جوانب أخرى من الحكم والأسرار.
فكل كائن صغير أو كبير في هذا الكون مخلوق بقدر وحكمة بالغة، ومن هذه المخلوقات الصرصور، وليس من شك في أن لخلقه حكما بالغة قد لا يدركها كل الناس.
وقد ذكر بعض الباحثين طرفا من تلك الحكم، ومع أننا لا نستطيع الجزم بصحتها فإننا متيقنون من وجود حكم لخلقه ولم يتعبدنا الله بمعرفة ذلك، والعلم عند الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1429(1/2541)
نفاذ مشيئه الله فيما لا يرغبه العبد وراءه حكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن سؤالي يتمحور حول الإرادة الإلهية. كيف ذلك؟ في كثير من الأحيان يلج في نفسي هذا السؤال, وهو أنه في العديد من المرات تحصل للإنسان أمور أو بمعنى أصح نتائج تكون عكس إرادته أي أنه لا يرغب في حصولها, نعم نحن نؤمن بأن قضاء وقدر الله يتصرفان في عباده, ولكن سؤالي هو هل هذا القدر تدخل فيه الإرادة الإلهية بمعنى, هل يمكن أن نردّ عدم حصول ما نرغب فيه إلى الله عز وجل, أي أن الله هو الذي لم يرد حصولنا على ما نريد علما أننا نرى أن هذه الأمور هي في مصلحتنا ونعلم أن الله دائما يحب لعباده الخير.
أتمنى من الله أن تكونوا قد فهمتم سؤالي, كما أدعو الله أن يجازيكم عن كل حرف من جوابكم حسنة وبكل حسنة عشرة أمثالها. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه لا يخرج شيء من أعمال العباد كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، قال عز من قائل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ {التَّكوير:29} وقال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} وقال صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة. رواه أبو داود والترمذي وصححه، ولما سئل عن القدر وما يعمل الناس فيه.. فقيل له: يا رسول الله العمل فيما جف به القلم وجرت به المقادير أم في أمر مستقبل؟ قال: بل فيما جف به القلم وجرت به المقادير، وكل ميسر لما خلق له، رواه ابن ماجه بهذا اللفظ.
وأما سؤالك هل نرد أفعالنا مما لا نرغب في حصوله إلى قضاء الله عز وجل وقدره؟ فنعم، بلا ريب، فالقدر مبني على أركان أربعة: منها خلقه كل شيء، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لا يكون، وهذه هي الإرادة الشاملة والمشيئة النافذة، وهذه هي الإرادة الكونية القدرية، وضابطها أنها لا بد أن تقع وأنها قد تكون مما يحبه الله تعالى، وقد تكون مما لا يحبه الله مما لا يأمر به شرعا.
ومثال ذلك قوله تعالى عن نوح عليه السلام: وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {هود:34} ومثاله أيضا ما قد يرغب المرء في حصوله -كما مثلت- ثم لا يقدر له الله، ولكن لتعلم يقينا أن الله لا يفعل إلا لحكمة سبحانه، وقد لا تظهر للمخلوق المصلحة في تقدير ما لا يرغبه الإنسان، ويكفي المسلم طمأنينة أن يتدبر قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216} وأشار إليه قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(1/2542)
ارتباط الزواج والطلاق بالقضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج والطلاق قضاء وقدر؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج والطلاق قضاء وقدر من الله سبحانه وتعالى ونحن مكلفون بالأسباب الجالبة لما يحب الله واجتناب الأسباب الجالبة لما لا يحب.
فإذا عملنا بذلك عملنا بالتكليف وما ينتج عن هذه الأسباب كله بيد الله سبحانه وتعالى وبأمره وبتقديره، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر {القمر:49} ، وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان:2} .
وعلينا أن ننتبه إلى أنا مأمورون بالأسباب الجالبة للمصالح كالزواج في الجملة واجتناب الأسباب الجالبة للمفاسد كالطلاق بغير مسوغ حتى لا نتخذ القضاء والقدر ذريعة للمناهي الشرعية وتجاوز حدود الله تعالى.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 61226، والفتوى رقم: 75067.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1429(1/2543)
الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، هي من ركائز العقيدة، إذاً ما معنى قوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" وقول الشيوخ في محاضراتهم إن مراد الله أن تفعل الطاعات وتترك السيئات ... إلخ، وضحوا لنا؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيتبين الجواب على هذا السؤال بمعرفة الفرق بين أمرين: وهما الإرادة الكونية القدرية والإرادة الدينية الشرعية، والفرق بينهما أن الإرادة الكونية القدرية لا بد أن تقع، وأنها قد تكون مما يحبه الله كالطاعات وقد تكون مما يبغضه الله كالمعاصي، وهذه الإرادة هي المطابقة لقولنا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، أي لا يقع في الكون خير أو شر إلا بمشيئة الله.
وأما الإرادة الدينية الشرعية فلا تكون إلا مما يحبه الله، وقد تقع وقد لا تقع، وعلى هذا فمعنى الآية أن الله تعالى لا يريد بكم العسر أي لا يحبه، ولكنه إذا وقع فإنه يقع كوناً وقدراً لحكمة يعلمها، ومعنى قولهم، مراد الله أن تفعل الطاعات وتترك السيئات أي أنه يحب أن تفعل الطاعات وأن تترك السيئات، ووقوع السيئات إنما هو بإرادته الكونية القدرية، وراجع الفتوى رقم: 18046.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1429(1/2544)
مسألة اختيار الإنسان لأفعاله أو جبره عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد اطلعت بتعمق إلى عقيدة أهل السنة والجماعة في القدر، لكن يبقى السؤال أن للخالق مشيئة كما للعبد مشيئة تابعة لمشيئة الله فلو شاء العبد شيئا فبعد مشيئة الله ولو أراد أن يبدل مراده لأمر ثان فلن يشاء أن يختار الثاني إلا بعد أن يشاء الله فأين التخيير الذي للعبد والذي يجازى عليه، مع أن الله لا يجبر العباد إلا على فطرته، وهل في الفطرة تخيير، ثم كيف أفتونا وفقكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم - وفقنا الله وإياك لسماع الخير وتقبله - أن جدلية اختيار الإنسان لأفعاله أو جبره عليها، ومدى ارتباط ذلك بالجزاء والعقاب هو من المواضيع التي أكثر الناس في نقاشها والبحث فيها، وحقيقة الأمر أن أي حدث في هذا الكون هو بإرادة الله وقضائه، ومع ذلك فالله تعالى يعاقب العباد على ما فرط منهم من المعاصي عدلا منه، ويثيبهم على ما قدموه من الإحسان تفضلا منه وكرما.
وتفسير ذلك هو أن جميع ما يقوم به الإنسان من أفعال هو تنفيذ لأوامر كونية قدرية سبق تحديدها، وليس بإمكانه أن يغير شيئاً منها، وهو من جهة ثانية قد أعطي العقل والحواس التي يميز بها بين النافع والضار، وأعطي القوة لتنفيذ ما يريد، ولم يكرهه أحد على انتهاج هذا المسلك أو ذلك، فهو بذلك مخير، فالتسيير المحض هو أن يهم المرء بفعل فلا يجد الوسيلة لفعله، والتخيير المحض هو أن يقوم بأفعاله من غير أن تكون محددة له سلفاً.
فليس -إذاً- ثمت تخيير مطلق ولا تسيير مطلق، وننصحك -أيها الأخ الكريم- بأن لا تتعب نفسك بهذه الماديات والفلسفات، فإن الطريق واضح، وليس يحتاج إلى شيء من هذه الفلسفات، والمحافظة على العقيدة وعلى الدين أولى وأهم من أي شيء آخر، ولله در الشاعر حيث يقول:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه * فما فاته منها فليس بطائل
ولك أن تراجع في هذا للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 8653.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1428(1/2545)
لا دخل للإنسان في الأمور المقدرة أزلا
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك سؤال حيرني جدا هو: القدر والنصيب والمكتوب ما الفرق بينهما؟ أم هي مترادفات لمعنى واحد؟ هل للإنسان يد في أي منها؟
أرجو الإفادة، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يجمع هذه الكلمات الثلاث (القدر والنصيب والمكتوب) أنها يقصد بها عند العامة الأمر المقدر في الأزل، الذي يقع وليس للإنسان دخل فيه، فهو واقع لا محالة، وهو الذي يسمية بعض أهل العلم بالأمر الكوني القدري، وهو قد يكون مما يحبه الله ويرضاه كالإيمان والطاعة، أو مما لا يحبه الله ولا يرضاه كالكفر والمعصية، ومقابله الأمر الديني الشرعي، وهو قد يقع وقد لا يقع ولا يكون إلا مما يحبه الله ويرضاه، وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى: 16183، 12638، 18046.
وننبه إلى أن القدر والمكتوب بمعنى الأمر المقدر قد ورد بهما الشرع قال تعالى: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا {الأحزاب: 38} وفي صحيح البخاري في احتجاج آدم عليه السلام على موسى عليه السلام في أمر القدر قوله: أتلومني على أمر كتبه الله عليَّ قبل أن يخلقني، أو قدره عليَّ قبل أن يخلقني. الحديث.
وأما كلمة (نصيب) فلم ترد في نصوص الشرع بمعنى الأمر المقدر فيما نعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(1/2546)
يختص الله من يشاء من خلقه بما يشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أتساءل أحيانا أن الرسول ص مميز عند الله عن كل البشر وقبل أن يولد حتى
فسؤالي لماذا لم أكن أنا محمد ص؟
سألت أمي فقالت حرام هذا الكلام وأنه يجب أن أقتدي به وأنه يمكنني أن أصل لمرتبته إذا كنت عبدة صالحة
فقلت لها مهما فعلت لن يحبني الله كما يحبه.
فقالت هل تغاريين منه؟ فأجبتها نعم.
قالت يعني لا تحبينه؟
فأجبتها بعصبية نعم.
في كل مرة نتحدث عن هذا الموضوع نتشاجر وأنتهي بقولي لا أحبه ثم أندم وأستغفر
فسؤالي هل حرام أن أسأل هذا السؤال؟
إن لم يكن حراما فما جوابه؟
لماذا لم أكن أنا محمدا ص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى له الحكمة البالغة في خلقه وهو يختص من يشاء بما يشاء ولا يسأل عما يفعل ولا يعترض على قدره, وقد اقتضت حكمته اختصاص النبوة بالرجال، ونهى النساء عن تمنيهن ما فضل به الرجال عليهن. وقد سبق أن بينا ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 16614، 65890، 28303.
ثم إن العبد يجب عليه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته؛ كما قدمناه في الفتاوى التالية أرقامها: 4049، 12185، 58281، 63041، 69195.
ولكن الاقتداء به لا يوصل لمرتبة الصحابة فأحرى مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء؛ كما قدمنا في الفتوى رقم: 61088.
فعليك بالاشتغال بالطاعات وأهمها الأذكار والتلاوة والحفاظ على الصلاة في أول وقتها، وأكثري من مطالعة كتب الترغيب والرقائق وسير السلف وتواريخهم. واحرصي على بر أمك وعدم الجدال معها بغير علم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(1/2547)
هل يستطيع الإنسان التحكم في نوع الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[متزوج منذ11 سنة ورزقني الله ببنتين ثم حملت زوجتي بولد لكن أراد الله أن لا يتم الحمل ومات الولد في بطن أمه بالشهر السادس من الحمل وتم إنزاله طبيا ثم رزقني الله بعده ببنتين أخرتين والآن ترفض زوجتي أي مقدمات للجماع ظناً منها أن هذا سيؤدي إلى متعة قد تجعل عملية الإنزال عندها تسبق عملية الإنزال عندي فيحدث حمل ببنت للمرة الخامسة وقد سمعت حديثاً حول هذا الأمر بأنه إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان المولود ذكراً والعكس وهذا الموضوع سبب خلاف دائم بيننا أريحوها من هذا الفهم يرحمكم الله حتى لا تحرمني حقاً أعطانيه الله وقد رضيت بكم حكماً بيننا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى هو القائل: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الزخرف: 49-50}
فلا أحد يستطيع أن يتسبب في إيجاد نسمة إلا إذا شاء الله، ولا مخلوق يقدر على تغيير جنس قضى الله بكونه وقد ثبت في الأحاديث أن الذكورة والأنوثة يحددها الله عز وجل بعلو أحد الماءين على الآخر، فإذا علا ماء الرجل كان المولود ذكرا وإذا علا ماء المرأة كان المولود أنثى، وليس لسبق الماء شأن في ذلك، وقد بيناه في الفتوى رقم: 13174، والفتوى رقم: 19646،
والواجب على زوجتك أن توقن بقضاء الله وقدره وأن لا تمنعك حقا هو لك لأجل هذا الأمر، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 50942.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1426(1/2548)
بل هي وسوسة من الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي والعياذ بالله أن أكون من الجاهلين عن شتم إبليس. إنني جديد على الهداية إلى الطريق المستقيم بإذن الله ومشيئته، وليس لي اطلاع كثير على الكتب الإسلامية، ولذلك أسأل أهل الذكر لأجد الجواب، إنني أعرف بأن الله سبحانه وتعالى قال لإبليس إنه رجيم، ولكن هل أمر الله سبحانه وتعالى عباده بلعن إبليس، أم فقط بالاستعاذه منه، سؤالي ناتج عن قراءاتي في القرآن وقصص الأنبياء، لأوضح وجهة نظري، إنني أومن بالقدر خيره وشره، في القرآن آية (قل لا أملك لنفسي نفعا أو ضرا إلا ما شاء الله) وقرأت في قصة سيدنا أيوب أن إبليس استأذن الله بالتسلط على أيوب، فإن كان كل شيء بأمر الله سبحانه وتعالى، وكذلك إبليس يتحرك حسب أوامر الله فكيف نلعنه إذا كان يطيع أمر الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولكن هذا التساؤل ما زال يدور في رأسي، لا أدري هل هو هداية من الله أم وسوسة من الشيطان؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد لعن إبليس، فقال في محكم كتابه كما في سورة الحجر: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {الحجر:35} ، وفي سورة ص: وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {ص:78} ، فلعنه الله ولعنه رسوله صلى الله عليه وسلم بلعنة الله له كما عند مسلم في صحيحه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك. ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثاً وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك، قال: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت له: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات.. ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة.
فدل ذلك على جواز لعنه، وإذا دعوت عليه باللعن فإنك دعوت عليه بما قد وقع فيه، وإن أخبرت فإنك قد أخبرت بخبر الله، وانظر الفتوى رقم: 18756.
وأما كونه يطيع أمر الله فهذا غلط كبير لأن الله لا يأمر بالشرور والفحشاء، كما في قوله تعالى: قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {الأعراف:28} ، وإنما يأمر بالخير، ولكن لا يحدث شيء إلا بإذنه ومشيئته، كما قال: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:29} ، فهو سبحانه أمر بالخير ونهى عن الشر، وركب في المخلوق ما يميز به بين ذلك، فهو يختار طريق الخير فيطيع الله أو طريق الشر فيعصيه، وهناك فرق بين الأمر الكوني القدري والأمر الديني الشرعي، وللاستزادة في ذلك انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2855، 2847، 5617، 8652. ونحوها من الفتاوى الواردة في هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1426(1/2549)
إن لله رجالا إذا أرادوا أراد الله.. تنبيه وتحذير
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر حول صحة الآية التالية:
\\\"إن لله رجالا إذا أرادوا أراد الله\\\"
وإن وجدت فما تفسيرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اللفظ ليس في كتاب الله، فلا هو آية ولا جزء منها، ولم نقف عليه فيما اطلعنا عليه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما يكون من كلام بعض الوعاظ، وغاية ما وقفنا عليه في هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره. متفق عليه.
وكذلك في الحديث القدسي: ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته. رواه البخاري
ولكن ذلك اتخذه بعض أصحاب الأهواء والبدع مطية يصلون بها إلى قلوب العامة فيضللونهم بها ويزعمون أنهم أولياء الله وأفعالهم تكذبهم، فقد بين الله سبحانه وتعالى أولياءه فقال: إن أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {الأنفال: 34} وقال: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {يونس: 62-63} وأما أصحاب البدع والأهواء فإنهم أولياء الشيطان. قال في تيسير العزيز الحميد: اتفق العلماء على أن الرجل لو طار في الهواء ومشى على الماء لم يعتد به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه، ومثل هذه الأمور قد يكون صاحبها وليا لله وقد يكون عدوا له. والعبارة للشافعي رحمه الله، كما في معارج القبول، وأثرت عن غير واحد من السلف، فتلك العبارة كلمة حق ولكن قد يراد بها الباطل، فينبغي للمسلم أن يتنبه ولا يعطي زمامه لكل من هب ودب حتى لا يقع في مهاوي الردى.
كما أنه ينبغي التثبت قبل نسبة اللفظ إلى كتاب الله تعالى أو إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا شك المرء في لفظ ما فليسأل عنه أهل العلم قبل أن يجزم بكونه آية أو حديثا، فيقول على الله ما لا يعلم أو يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ {لزمر 32} وقال صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. متفق عليه.
نسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(1/2550)
لا بد من الشرع للتكليف مع أن العقل يحسن ويقبح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو في الفلسفة, وأرجو الرد عليه في أسرع وقت.
هل الأمر الإلهي هو فقط الذي يقرر لنا كيف نتصرف؟ هل الإنسان الجيد والأخلاقي هو فقط الذي يتصرف حسب الأمر الرباني. بمعنى آخر, هل فقط الأمر الرباني هو الأمر الصحيح أي إذا كان نعم فهل يعني هذا أنه ليس بمقدور الإنسان التصرف ذاتيا بشكل صحيح؟ وهل يعني ذلك أن ما يحبه الله فهو الصح والحسن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقول البشرية لا تستقل بإدراك مصالحها؛ لذلك أنزل الله عز وجل شرعه المطهر لجلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، وهذا الشرع لا يخالف العقل الصريح؛ بل كل ما أمر به الشرع أو نهى عنه فإن العقل السالم من الأوهام والأهواء يوافق ذلك ولا يخالفه، وقد وقع الخلاف بين الناس في مسألة التحسين والتقبيح العقليين، جاء في الموسوعة الكويتية: التحسين والتقبيح يطلقان بثلاثة اعتبارات: الأول: باعتبار ملاءمة الطبع ومنافرته، كقولنا: ريح الورد حسن، وريح الجيفة قبيح. والثاني: باعتباره صفة كمال أو صفة نقص، كقولنا: العلم حسن، والجهل قبيح. وهذان النوعان مصدرهما العقل من غير توقف على الشرع، لا يعلم في ذلك خلاف. والثالث: باعتبار الثواب والعقاب الشرعيين، وهذا قد اختلف فيه فذهب الأشاعرة إلى أن مصدره الشرع، والعقل لا يحسن ولا يقبح، ولا يوجب ولا يحرم. وقال الماتريدية: إن العقل يحسن ويقبح، وردوا الحسن والقبح الشرعيين إلى الملاءمة والمنافرة. وذهب المعتزلة إلى أن العقل يحسن ويقبح، ويوجب ويحرم. أ. هـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن العقل لا يحسن ولا يقبح، أو أنه لا يعلم بالعقل حسن فعل ولا قبحه. انتهى
بل العقل يحسن ويقبح، فالصدق حسن والكذب قبيح. وهذا يعلم بالعقل، ولكن لا بد من الشرع لمعرفة قبح وحسن بعض الأفعال والتصرفات، كما أنه لا بد من الشرع للتكليف؛ فلا تكليف بمجرد التحسين والتقبيح العقليين، ثم إن الشرع إنما ورد بالأمر والنهي في أمور محدودة، وما ترك ولم يرد فيه أمر ولا نهي فهو على الإباحة، قال عليه الصلاة والسلام: أحل الله حلالاً، وحرم حراماً، وسكت عن أشياء، فما سكت عنه فهو عفو. أخرجه ابن أبي شيبة، عن ابن عباس.
وعلى هذا؛ فما سكت عنه الشارع فعمله الإنسان أو تركه فإن تصرفه هذا لا يخرج عن الشرع، أما إذا تعارض العقل والشرع فلا شك أن الواجب اتباع الشرع ونبذ ما يتوهم أنه عقل، فالأمر الرباني معصوم، والعقل يعتوره الخلل لقصوره أو لتقصيره.
ثم لمزيد من الفائدة نقول للأخت السائلة: إن الأمر الإلهي أو الإرادة الإلهية، تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية قدرية، وإرادة شرعية دينية.
فالإرادة الكونية هي المستلزمة لوقوع التصرف، وهي بمعنى المشيئة التي يقال فيها: ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهذه الإرادة في مثل قوله تعالى: [فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ِ] (الأنعام: 125)
وقوله تعالى: [َوَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد ُ] (البقرة:253)
وغيرها من الآيات.. فالتصرف الذي أراده الله كوناً وقدراً لا بد أن يكون،
وأما الإرادة الشرعية الدينية فهي لا تستلزم وقوع التصرف إلا إذا تعلق به النوع الأول (الكونية) وهذا النوع من الإرادة هي التي يحب الله من فعلها ويرضى عنه، ومنها قوله تعالى: [يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً* يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفا] (النساء:26-28)
وقوله: [مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ] (المائدة: 6)
فالتصرف الذي أراده الله شرعاً قد يكون وقد لا يكون، والإنسان الذي وصفتيه بأنه جيد وأخلاقي هو الذي يتصرف على وفق هذا الأمر، فالأمر الرباني الذي أراده الله تعالى إرادة شرعية دينية هو الأمر المحبوب، أما ما أراده الله كوناً وقدراً فقد يكون محبوباً وقد لايكون محبوباً له سبحانه.
مثال الشرعي المحبوب كالصلاة والزكاة والصدقه وأعمال البر، ومثال الأمر الكوني غير المحبوب كالقتل لمن لا يستحق، والعقوق، والكذب وأعمال الفجور.
والإنسان يستطيع أن يتصرف التصرف الصحيح، فإن الله تعالى قد خلق في العبد قوة وإرادة بها يتمكن من فعل ما أراد وترك مالم يرد، وهذا مما لا يتردد فيه عاقل، فإذا أقدم العبد على فعل شيء يوجب له العقاب في الدنيا والآخرة استحق ذلك العقاب لأنه قد خالف الأمر مختاراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1425(1/2551)
الإنسان مسير ومخير
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال الثاني (هل الإنسان مخير أم مسير) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبالنسبة للسؤال هل الإنسان مسير أم مخير، نحيلك إلى الجواب رقم: 4054.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(1/2552)
الأمور التي وقعت ومضت لا يصح تعليقها بالمشيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أكون على وضوء ويسألني رجل: هل أنت على وضوء؟ هل يجوز لي أن أرد عليه وأقول: إن شاء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت على يقين أنك على وضوء، فليكن الجواب بنعم، أما إن شاء الله، فهو جواب غير مطابق للسؤال ولا يستفيد منه السائل معنى، وتعليق الأمور بالمشيئة، إنما هو في الأمور المستقبلية لا في الأمور الماضية.
قال تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه [الكهف: 23-24] .
أما الأمور التي وقعت ومضت، فلا يصح تعليقها بالمشيئة، لأن هذا التعليق لغو، فإنها ما وقعت إلا بمشيئته سبحانه، ولو لم يشأ لم تقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1424(1/2553)
نفي التأثير عن الأسباب بنفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أنه لا يتحرك متحرك إلا بإذن الله ولا يسكن ساكن إلا بإذن الله؛ فهل العبارات التالية صحيحة:
المخلوقات عبارة عن صور حقيقتها أمر الله، فالنار لا تحرق إلا بأمر الله، والسكين لا تقطع إلا بأمر الله، والشمس لا تضيء إلا بأمر الله ... وهكذا، أرجو الإجابة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون ومدبره، وضعه على سنن ثابتة وربط الأسباب بالمسببات، ولو شاء سبحانه وتعالى تغيير هذه السنن أو سلب هذه الأسباب تأثيرها لفعل، فهو سبحانه وتعالى القادر على كل شيء لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون..
ولكنه جعل لهذا الكون نظاماً وللأسباب تأثيراً لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، ولهذا فهذه الألفاظ المشار إليها صحيحة فلا تأثير لشيء في هذا الوجود إلا بأمر الله تعالى ولا يخرج شيء منه عن مشيئته وإرادته.
مع التنبيه على البعد عن عقيدة الاتحاد والحلول التي يقول بها الزنادقة وبعض الفرق الضالة.
فيجب نفي التأثير عن الأسباب بنفسها واعتقاد أن الله تعالى هو الذي خلقها وأودع فيها ذلك التأثير وتلك الخصائص، ولو شاء لسلبها ذلك كما حدث بالفعل، فقد أمر الله تعالى النار عندما ألقي فيها إبراهيم عليه السلام فقال لها: كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] ، فلم تحرقه، كما تماسك الماء وأصبح صلبا كالجبل عندما ضرب موسى البحر بعصاه بأمر من الله تعالى: فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63] .
والذي عليه أهل السنة أن النار تحرق، والسكين يقطع، والماء يروي، بما جعل الله في هذه الأشياء من الخصائص، وقد ضل قوم نفوا تأثير هذه الأسباب في مسبباتها، وزعموا أن المسبب يوجد عند السبب لا به، وهذا لا يصح، بل الحرق حصل بالنار، والري نتج عن شرب الماء وهكذا، كما دلت على ذلك النصوص التي لا تحصى كثرة، ومن ذلك قوله تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون:104] ، وقوله تعالى: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق:9] ، وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ [السجدة:27] .
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تأثير الأسباب في مسبباتها بأمر الله تعالى وتقديره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(1/2554)
الإيمان بالقدر واجب مشترط لصحة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعلم الله سبحانه وتعالى أن الإنسان من أهل الجنة أو من أهل النار قبل أن يخلق ويأتي للدنيا؟ وجزاكم الله عنا كل خير....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قدر مقادير الأشياء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء.
وفي سنن أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب، قال: وما اكتب يا رب، قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
فدلت هذه الأحاديث وغيرها على سبق علم الله تعالى بأن هذا الإنسان من أهل الجنة وذاك من أهل النار، وهذا أمر يجب اعتقاده على كل مسلم، ومن شك في هذا أو تردد كان كافراً مرتداً عن الإسلام لأن هذا من الإيمان بالقدر، فأول مراتب القدر العلم ومعناه إحاطة الله بكل شيء، فالله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما هو مبين في الفتوى رقم: 7460، وانظر الفتاوى التالية:
5492 -
7811 -
26413 -
8653 -
2847.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1423(1/2555)
الصناعات وأهلها مخلوقة
[السُّؤَالُ]
ـ[مما لا شك فيه أن الله خالق الإنسان وحده فهل أعمال الإنسان مخلوقة أيضا؟
أرجو التوضيح ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعباد مخلوقون لله تعالى، وأفعالهم مخلوقة له كذلك بنص قوله الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96] .
ولما رواه البخاري في كتابه خلق أفعال العباد والحاكم والديلمي، وصححه الألباني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يصنع كل صانع وصنعته".
وفي لفظ: "إن الله خالق كل صانع وصنعته" وزاد البخاري في آخر الحديث.. وتلا بعضهم عند ذلك (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . وقال البخاري عقبه: فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة، وعلى هذا أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً، ولله الحمد والمنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1423(1/2556)
لم يرد الله لنا التخلف عن الأمم دينا وشرعا بل كونا وقدرا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أراد الله لنا التخلف عن الأمم الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإرادة الله تعالى تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إرادة كونية قدرية، وهي التي بمعنى المشيئة، وضابط هذا القسم أمران:
1. أنها لابد أن تقع. ...
2. أنها قد تكون مما يحبه الله تعالى، وقد تكون مما لا يحبه الله.
ومثال هذا القسم: قوله تعالى عن نوح عليه السلام: (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [هود:34]
القسم الثاني: إرادة دينية شرعية: وهي التي بمعنى المحبة. وضابط هذا القسم أمران أيضا:
1. أنها قد تقع وقد لا تقع. ...
2. أنها لا تكون إلا مما يحبه الله تعالى ويرضاه.
ومثال هذا القسم قوله تعالى (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء:27] .
ومن هذا التقسيم يتبين لنا الجواب على هذا السؤال وهو أن يقال: إن الله تعالى أراد لنا التخلف عن الأمم كوناً وقدراً، لأن كل شيء في هذا الكون لا يقع إلا بمشيئة منه سبحانه وتعالى، كما قال: (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام:149] وقال: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة: 253] .
وباعتبار آخر نقول: إن الله تعالى لم يرد لنا التخلف عن الأمم دينا وشرعا، لأنه سبحانه وتعالى لا يحب ذلك، بل يحب أن تكون أمة الإسلام هي القائد لجميع الأمم، وذلك بتحقيق الإيمان والعودة إلى طاعة الرحمن، كما قال سبحانه: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139] .
وبهذا الاعتبار الأخير تكون الأمة محاسبة على حدوث هذا التخلف والسير في ركب الأمم الكافرة وعدم الأخذ بأسباب القوة والتقدم، لأنها مكلفة شرعا بتحقيق أسباب الرقي والتقدم.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن الإرادة الكونية القدرية ليس فيها حجة للعباد في ارتكاب الذنوب والمعاصي، والدليل على ذلك أن الله تعالى أنكر مثل هذا الاحتجاج على المشركين، كما قال تعالى (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [الأنعام:148] .
وخلاصة الإجابة على السؤال أن الله تعالى لم يرد لنا هذا التخلف في دينه وشرعه وإن كان واقعاً في هذا الكون بمشيئته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(1/2557)
الحب بين الإرادة الكونية القدرية والكونية الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل الحب من الله ينزله إلى الناس أم هو من الشيطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحب مخلوق من مخلوقات الله، فلا يحدث في هذا الكون شيء من خير أو شر إلا بإرادته سبحانه، لكن المعاصي والشر، وإن كان الله أرادها كوناً وقدراً، فإنه لم يردها شرعاً بل نهى عنها وزجر.
فإن كان المراد بالحب هنا مما هو مشروع بين الزوج وزوجته، والأب وبنيه، والأهل والأقرباء والأصحاب، فهذا لا ريب في جوازه بل هو من الخير، ومما أراده الله كوناً وشرعاً، وإن كان المراد بالحب العلاقات المشبوهة المحرمة شرعاً التي تحدث بين الرجال والنساء، لاسيما في هذا العصر، فإن هذا محرم ولم يرده الله شرعاً بل يبغضه ويكرهه، وهو من تزيين وأمر الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1422(1/2558)
القضاء المبرم والقضاء الذي يتغير
[السُّؤَالُ]
ـ[كما تعلمون أن هناك قدرا محتوما وقدرا معلقا فهل من الممكن أن تغير الصدقة من قدرالإنسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف الجواب عن هذا السؤال قد فصلناه بعينه في الفتوى رقم: 54532. فراجعها مبسوطة.
والخلاصة: أن علم الله في اللوح المحفوظ وهو أم الكتاب لا يغير ولا يبدل ولا يزاد فيه ولا ينقص، وهو القدر المحتوم. وأما المعلق فهو ما في أيدي الملائكة من الصحف المكتوب فيها الأعمال والأرزاق والآجال فهذه يغيرها الله بأسباب الطاعات وصلة الرحم والصدقات، هذا خلاصة ما ذكره النووي والقرطبي وابن حجر وابن تيمية والسعدي وغيرهم.
وراجع فتوانا السابقة وكذلك الفتوى رقم: 108788.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1429(1/2559)
أدلة المرتبة الأولى من الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدليل على المرتبة الأولى من الإيمان بالقدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى في بيان أدلة الإيمان بالقضاء والقدر ومراتبه وهي برقم: 60787.
وأما المرتبة الأولى فهي العلم، أي الإيمان بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء من الموجودات والمعدومات والممكنات والمستحيلات، فيؤمن العبد بأن الله تعالى يعلم ما يكون، وأنه تعالى علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأحوالهم وسعادتهم وشقاوتهم وأهل الجنة منهم وأهل النار، وأدلة هذه المرتبة كثيرة من الكتاب والسنة.
قال تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا {الطلاق:12} ، وقال تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، وقال تعالى عن أهل النار: وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {الأنعام:28} ، والأدلة من الكتاب كثيرة جداً.
وأما من السنة فقد بوب البخاري في صحيحه باباً سماه: باب: الله أعلم بما كانوا عاملين، وذكر فيه حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين؟ فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين. وروى أيضاً عن عمران بن حصين قال: قال رجل يا رسول الله:..أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم.... الحديث.
وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً. والأحاديث كثيرة جداً يطول استقصاؤها، ومن أراد الزيادة من الأدلة فليرجع إلى كتب العقيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1427(1/2560)
مراتب الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أركان الإيمان بالقضاء والقدر؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان، لا يتم إيمان العبد إلا باستيفائه. قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث جبريل المشهور الذي رواه عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وفيه قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت ...
ومن الأدلة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر من القرآن قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49} ، وقوله: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا {الأحزاب: 38} وقوله: فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ {المرسلات: 23} ومن أدلة السنة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر حديث جبريل الآنف الذكر، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. رواه الترمذي وصححه الألباني.
هذا، وإن مراتب الإيمان بالقدر أربع، وهي إجمالا:
الأولى: العلم: أي أن الله علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم.
الثانية: الكتابة: أي أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ
الثالثة: المشيئة: أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ليس في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد.
الرابعة: الخلق والتكوين، أي أن الله خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، كما دلت على ذلك النصوص.
وللوقوف على أدلة كل مرتبة من هذه المراتب راجع كتاب القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للدكتور عبد الرحمن المحمود، أو باب القدر في كتب العقيدة الشاملة، مثل معارج القبول للشيخ حافظ حكمي، أو الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(1/2561)
القضاء المحتوم والقضاء المعلق
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي بمعنى القضاء المحتوم والقضاء المعلّق وأكون لكم من الشاكرين وإثبات صحة هذا الكلام:: القضاء المحتوم: ما كُتب في اللوح المحفوظ وصحف الملائكة أن هذا الشيء يصيب الإنسان أوأهل تلك الناحية مما يسر أو مما يسوء من المصائب والبلايا من دون تعليق، هذا يقال له القضاء المحتوم. القضاء المعلق: هوما كُتب في اللوح المحفوظ أوفي صحف الملائكة أن فلانا إذا عمل كذا وتصرف كذا يكون له كذا يحصل له كذا ولا يصاب بكذا، يتحقق له ما هومكتوب في اللوح أوفي صحف الملائكة، يتحقق له وإن لم يفعل لا يتحقق له. أما في علم الله تعالى فالله تبارك وتعالى يعلم أن رزقه لا يزيد على هذا القدر وأنه لا يفعل ذلك الشيء المعلق عليه، علم الله تعالى ثابت لايتغير. ومثل هذا الذي يدعو ليلة النصف من شعبان أوليلة القدر في رمضان. إن دعا الله تبارك وتعالى وكان سبق في علم الله أنَّ فلانا إن دعا ليلة كذا بكذا لا يصيبه البلاء الفلاني والمصيبة الفلانية يتحقَّق له ذلك ما سبق بعلم الله تعالى بسبب دعائه في تلك اليلة، أما إذا عَلم الله تعالى في الأزل أنَّ فلانا يدعو ليلة كذا أن لا يصيبه كذا أوبأن ينال كذا، وعَلم الله لا بدَّ أن يصيبه ذلك البلاء أوأنه لا يُعطى مطلوبه الذي طلبه فلا يتغير الأمر عما سبق في عِلْم الله لكن دعاءه يفيده الثواب لا غير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من القضاء ما يكون واقعاً محتوما وهو ما سبق في علم الله، ومنه ما يكون مصروفاً بأسبابه وهو القضاء المعلق المكتوب في صحف الملائكة، وقيل ما في اللوح المحفوظ لأنه خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة به فيحتمل التبديل كما قال القرطبي، ومذهب أكثر أهل العلم أن السعادة والشقاوة والموت والحياة وما شابه لا يدخلها المحو، واحتجوا بأدلة منها قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا {المنافقون: 11} . وقوله تعالى: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّر {نوح: 4} . ومنها حديث ابن مسعود في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أم سعيد. ومنها حديث أم حبيبة قالت: اللهم متعني بأبي أبي سفيان وبأخي معاوية وبزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سألت الله في آجال مضروبة وأرزاق مقسومة لا يؤخر منها شيء. قال الإمام النووي: وهذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله وعلمه في الأزل فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك. وذهب بعض أهل العلم إلى أن السعادة والشقاوة والحياة والموت يدخلها المحو والإثبات واحتجوا بقول الله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ {الرعد:39} . وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. متفق عليه. ومنها حديث: لا يرد القدر إلا الدعاء. أخرجه الترمذي. قال الإمام النووي: وقد أجاب العلماء على ذلك بأجوبة: الصحيح منها أن هذه الزيادة بالبركة في العمر والتوفيق للطاعة وعمارة أوقاتها بما ينفعه في الآخرة. الثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون وقد علم سبحانه ما يقع له من ذلك وهو معنى قوله تعالى: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. فبالنسبة إلى علم الله وما سبق به قدره لازيادة بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث. اهـ. شرح مسلم بتصرف يسير.
قال الحافظ ابن حجر: والحق أن النزاع لفظي وأن الذي يسبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل، وأن الذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل ولا يبعد أن يتعلق ذلك بما في علم الحفظة والموكلين بالآدمي فيقع فيه المحو والإثبات كالزيادة في العمر والنقص. انتهى. (من الفتح) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (في مجموع الفتاوى) : قال العلماء إن المحو والإثبات في صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالما به فلا محو فيه ولا إثبات. اهـ. قال العلامة السعدي: يمحو الله ما يشاء من الأقدار ويثبت ما يشاء منها وهذا المحو والتغير في غير ما سبق به علمه، وكتب قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغير لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل، ولهذا قال: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. أي اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء فهو أصلها وهي فروع وشعب، فالتغير والتبديل يقع في الفروع والشعب كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسباباً ولمحوها أسباباً لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، كما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب بحسن قدرته وإرادته. وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ. اهـ. (تفسير السعدي) . وأما كون الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وأنه يرد القدر فمعناه كما قال ابن القيم في الجواب الكافي: إ ن هذا القدور قدر بأسباب ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه ولكن قدر بسببه فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهكذا، كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر.... وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب. اهـ. تنبيه: لم يرد دليل صحيح يفيد أن الدعاء ليلة النصف من شعبان بخصوصها مستجاب أو مستحب. إلا أنها كغير ها من الليالي التي ورد الترغيب في الدعاء فيها إذا دخل الثلث الأخير منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1425(1/2562)
هل الدواء يعجل الشفاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
جزاكم الله خيراً على هذا الجهد المبارك.
سؤالي هو: هل للمرض وقت محدد سواء تداوى الإنسان منه أم لا؟ بمعنى هل الدواء يعجل الشفاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جعل الله تبارك وتعالى لكل داء دواء وجعل التداوي سبباً للشفاء بإذنه سبحانه وتعالى لا أن السبب مؤثر بذاته في دفع الداء ومعجل للشفاء دون إذن الله وتقديره.
ولا يعرف العبد ما كتبه الله وقدره عليه، فقد يكون مقدراً أنه يأخذ بالسبب (الدواء) فيشفى، أو يشفى من غير دواء، أو يتأخر شفاؤه لعدم تداويه، فحيث كان الأمر خافيّاً على العبد، فأولى له أن يتوكل على الله، وأن يعتقد أن الشفاء بيده والأمر كله إليه، وأن يفزع إلى سؤال ربه قبل التفتيش عن الدواء، ثم يتداوى، استجابة لنصح النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: إن الله عز وجل حين خلق الداء خلق الدواء فتداووا. رواه أحمد.
وروى أبو داود والترمذي أن الأعراب قالوا: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحداً، قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهِرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(1/2563)
العبد بين كونه مسيرا ومخيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: أن العبد مسير ومخير؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى كون العبد مسيراً أي ليس له مشيئة أو إرادة ـ كما هو مذهب الجبرية ـ وكونه مخيراً أي لا يجري عليه قضاء الله وقدره السابق، وأنه خالق لأفعال نفسه ـ كما هو مذهب القدرية ـ وأهل السنة وسط في هذا، فالعبد عندهم مسير لما خلق له، فلا يصح إطلاق كونه مسيراً أو مخيراً، بل هو مسير من وجه، ومخير من وجه آخر كما سبق تفصيل ذلك في الفتويين رقم: 4054، ورقم: 79824.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(1/2564)
تعرض لعدة مصائب بعد شرائه سيارة جديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله لدي سؤال وهو بنفس الوقت يحيرني جداً منذ أن اشتريت سيارة جديدة دائما أتعرض لظروف ومواقف تكلفني ماديا عليها لا أعلم لماذا مع أني أول ما اشتريتها ذبحت لها خروفا. الرجاء المساعدة مشكورين مقدماً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تتعرض له من مصائب ونحوها من يوم اشتريت سيارتك الجديدة أمر مقدر قبل شرائك لها، فعليك بطرح التشاؤم والظنون السيئة وراء ظهرك، واعلم أن ما تتعرض له قد يكون لدفع مكروه أعظم أو لرفع منزلة، كما قد يكون لتطهيرك من خطايا سابقة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه.
وفي مسند أحمد أن أبا بكر قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية: لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ. فكل سوء عملنا جزينا به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللآواء؟ قال: بلى، قال: فهو ما تجزون به. صححه الألباني. وقد سبق بيان بعض الحكم من الابتلاء بالمصائب في الفتوى رقم: 69389.
ونوصيك بالمحافظة على الأذكار التي تدفع عنك الحسد، وانظر لذلك الفتوى رقم: 2077، والفتوى رقم: 19782.
كما ننبه إلى أن ما يعتقده بعض الناس من حصول البركة بهذا الذبح، أو أنه سبب للوقاية من إصابة العين أو الجن لا أصل له، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 24328.
ولكن لا بأس بذلك من باب شكر الله على هذه النعمة، إضافة إلى أن صنع المعروف وعمل البر يقي صاحبه من الآفات والهلكات، ومصارع السوء لما أخرجه الحاكم في مستدركه ورمز له السيوطي بالصحة وصححه الألباني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1430(1/2565)
الرضا بقضاء الله وخطورة اليأس من رحمته
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت مرة أنه لا يوجد عدل مطلق في الدنيا، وإذا كان هذا صحيحا كبف يعامل من مهدت له الدنيا وأوتي من كل شيء واتقى الله فيها، ومن قدر الله عليه الشقاء فى الدنيا من كل النواحي وأغلقت عليه أبواب الرجاء وحتى الوسيلة الوحيدة بين العبد وربه وهي الدعاء مقطوعة بسبب أكل الحرام مع أنه لا دخل لي به إلا أنني ابنة في أسرة تربت من الحرام وأحاول جهدي أن أتقي الله، ولكن للأسف قدر الله أنه لا يقبل إلا من الطيبين، ولا أخفى أنني كثيرا ما يتملكني اليأس وأعاتب نفسي لماذا لم أنه حياتي وأنا صغيرة؟ على الأقل لم أكن أفقه كثيرا فى ديني مع أني مند صغري وأنا أعيش فى المشاكل، والآن أصبح الأمر أكثر صعوبة لأنني أصبحت أدرك أن معاناتى تعدت الدنيا إلى الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدنيا ليست ميزانا للتفاضل بين الناس عند الله، وحصول زهرتها لا يدل على رضاه سبحانه، كما أن الحرمان منها لا يدل على سخطه عز وجل، فقد قال تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ*كَلَّا.. {الفجر:17} .
وإقامة العدل المطلق لا يكون في الدنيا، وإنما يكون في الآخرة، كما قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ. {الأنبياء:47} . وقال عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ. {إبراهيم 42} .
قال ابن كثير: أي: لا تحسبه إذ أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم، لا يعاقبهم على صنعهم، بل هو يحصي ذلك عليهم ويعده عدا. اهـ.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم.
وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتويين: 120102، 124756.
ثم إن الله تعالى لا يؤاخذ العبد إلا بما كسب يداه، فكل امرئ بما كسب رهين. قال تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. {الأنعام: 164} . وقال: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى. {فاطر: 18} . وقال: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. {الإسراء: 15} .
فمن تربى في أسرة عاصية خبيثة الكسب، فتغذى وكبر من مال حرام، فلا ذنب له في ذلك، وبالتالي فإنه لا يأثم عليه، بل العاصي نفسه والذي سعى في تحصيل ذلك المال وأنفق عليه منه هو المسؤول أمام الله. فإذا كنت كبرت وكان مال والدك أو ولي أمرك كله من الحرام، فلا يحل لك تناول شيء منه إلا إذا لم تجدي غيره، فلك عندئذ أن تتناولي منه قدر الضروروة فقط، وراجعي الفتوى رقم: 17296.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المال الحرام بسبب طريقة كسبه لا لذاته يكون محرما على مكتسبه فقط، وأما من اكتسبه منه بطريق مباحة فلا يحرم عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة البقرة: الخبيث لكسبه مثل المأخوذ عن طريق الغش أو عن طريق الربا أو عن طريق الكذب وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب. اهـ.
وبذلك تعلمين أن شكواك من اليأس والقنوط وما ترتب عليه من ترك الدعاء وغيره، إنما هو من وسوسة الشيطان ليصدك عما ينفعك في دنياك وآخرتك، فإنه لا خلاف بين أهل العلم في أن اللَّه لا يكلف أحدًا إلا بفعل يقع باختياره، ولا يكلف أحدًا إلا بما في وسعه وطاقته. كما قال تعالى: لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. {البقرة: 286} . وقال سبحانه: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. {المائدة: 6} .
فلا يجب على المسلم إلا أن يبذل ما يستطيعه فحسب. كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. {التغابن: 16} .
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. رواه البخاري ومسلم. وراجعي الفتوى رقم: 23472.
فعليك أختي الكريمة أن تبذلي ما في وسعك في طاعة الله، ولا تيأسي من رحمته، بل سليه من فضله، وألحي عليه في الدعاء أن يهيئ لك من أمرك رشدا. واعلمي أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولا يظلم الناس شيئا، وأن اليأس من رحمته من أعظم الكبائر، كما قال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. {يوسف: 87} .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1430(1/2566)
من صبر لحكم ربه ورضي بقضائه كان من الفائزين
[السُّؤَالُ]
ـ[والله يا شيخ ما أدري من أين أبدأ، أنا بصراحة أحس أني إنسان غير موفق كل شي أحبه لا يحدث حتى الجامعة التي سجلت فيها لم تقبلني في التخصص الذي أريده، أحس أن الناس لا يعاملوني كإنسان كل شي يأتي عكسي حتى العمرة أتمناها وفي اليوم الذي كنت سأذهب فيه حصلت معنا مشكله وذهبت كل فلوسها، يا شيخ عندي ضيق لا يعلمه إلا الله كل الأمور أحتار فيها، صرت إنسانا شكاكا موسوسا حتى في الصلاة رغم أني ولله الحمد أصلي وأقرا القرآن وأقوم من الليل، صحيح أنه كان لدي من الذنوب ولكن يشهد الله أني تبت حتى والله صرت أتمنى الموت وأقول دائما لو لم يحرم الله الانتحار لانتحرت رغم أن حالتنا المادية ولله الحمد جيدة جدا ولكن يا شيخ حتى السواقة صرت أخاف منها، يأتيني إحساس أني لا أقدر أن أفعل شيئا، أحس أني عبء على أهلي، أصلي استخارة ولا أقتنع، والله هذا الذي قدرت أن أكتبه لك الآن رغم أن مشكلتي أكبر من هذا.
جزاك الله خيرا أفدني أنا إنسان مقبل على امتحانات مهمة لست قادرا على التركيز، ادع لي بالتوفيق والنجاح وأتمنى أن لا تكتب لي ارجع للفتوى رقم من ضمن الإجابة لأني أحس أن الموضوع يخرج؟
أفدني يا شيخ لأني أحيانا أحس أن هناك شيئا داخلي يريد أن ينطق بأشياء تغضب الله رغم أني مثل ما ذكرت ولله الحمد أصلي أغلب أوقاتي في المسجد وأقرأ القرآن وأنا في مرحلة المفروض أكون في جو هادي.
وأسألك يا شيخي الفاضل أن تدعو لي أن يحقق الله ما في بالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يهديك ويوفقك ويصرف عنك السوء ويشرح صدرك وييسر أمرك.
واعلم أيها السائل أن الأمور كلها إنما تجري بقضاء الله وقدره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن قضاء الله سبحانه لعبده المؤمن هو الخير والرشاد والسداد ولكن العبد لقلة علمه وفرط جزعه وهلعه يستعجل الأمور ويستبطئ النعمة والفرج وعسى النعمة أن تكون سبب فتنته وهلاكه, فاصبر لحكم ربك وارض بقضائه وقدره تكن - إن شاء الله - من الفائزين.
ونوصيك بتفقد أعمالك وعلاقتك بربك, فقد قال بعض السلف: إن الصالحين إذا فقدوا آمالهم تفقدوا أعمالهم. ذلك أن تعسير الأمور وسد أبواب التيسير إنما هو من ثمرات المعاصي والتقصير في جنب الله سبحانه.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي: ومنها (عقوبات المعاصي) تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسراً عليه, وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا , فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا , ويالله العجب كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لايعلم من أين أتى. انتهى.
فعلى العبد أن يعلم أن ما أصابه من حرمان وضيق وعسر إنما هو بسبب ذنوبه ومعاصيه, قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. {الشورى: 30} .
والزم التقوى والاستغفار من الذنوب فما استجلبت مصالح الدارين بمثلهما, قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا , وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. {الطلاق: 2، 3} .
قال ابن تيمية رحمه الله: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا. قد روي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم. وقوله: (مخرجا) عن بعض السلف: أي من كل ما ضاق على الناس. انتهى.
وقال سبحانه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا. {نوح: 10 - 12} .
ثم عليك بالدعاء واللجوء إلى الله سبحانه والتضرع إليه فهو سبحانه كريم لا يرد من قصد بابه.
وقد ذكرت أنك تصلي في المسجد، وتقرأ القرآن وتقوم من الليل، وكل هذا إنما هو بتوفيق من الله تعالى. وذكرت أن حالتكم المادية جيدة جدا. فهذه نعم كثيرة تستدعي منك شكرا واعترافا بها، وشكر النعمة سبب في زيادتها قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ. {إبراهيم:7} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1430(1/2567)
الابتلاء أنواع وله أسباب متعددة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ ستة أشهر وأقيم في كندا أنا وزوجي نظراً لظروف دراسته، في البداية طلب زوجي تأجيل الحمل فترة فوافقته، لكن بعد إلحاح مني ومن الأهل بدأنا نفكر في الحمل، وتم حملي ـ والحمد لله ـ ولم أبلغ والدتي إلا بعد أن تأكدت من الحمل، مما أثر فيها قليلا، خصوصا أنني ابنتها الوحيدة والمقربة لها ولكنها سامحتني بعد يومين ـ وطبعا كانت فرحة لسماع الخبرـ في الأسبوع الثامن من الحمل اكتشفت عن طريق ـ السونار ـ توقف نمو التوأم وعدم نبض قلبهما، وهكذا حتى الأسبوع العاشر من الحمل وهم متوقفون من الأسبوع السابع بسبب خلل في الكروموسومات، وتم إنزال الحمل منذ أسبوع تقريبا، غضبت في البداية حين عرفت الخبر وبكيت، لأنها كانت مفاجأة ثم بعد ذلك حمدت الله ودعوته أن ييسر لي الإنزال ويرضني به، لأن بكائي هذا لم يكن اعتراضا مني ولكنه ضعف بشري، والآن أتساءل، هل هذا ابتلاء من الله؟ أم عقاب لأننا منعنا الحمل في البداية؟ أم لأن أمي غضبت في البداية؟.
أرجو إفادتي، وعذراً للإطالة، ونسألكم الدعاء، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الطيبة، ثم اعلمي أختنا الكريمة أن الله تعالى قد خلق الإنسان ليمتحنه ويختبره، كما قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً {هود:7} . وقال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2} .
وهذا الامتحان يكون بالأحكام الشرعية كالأوامر والنواهي، ويكون كذلك بالأحكام القدرية ـ سواء ما نكره منها كالمصائب والشدائد، أو ما نحب كالأموال والأولاد ـ كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} .
وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمرالله تعالى، وأن يبصرالرحمة من خلال البلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه. وابن ماجه وحسنه الألباني.
وقد سبق ذكر بعض البشارات لأهل البلاء والمصائب وبيان الأمور المعينة على تجاوزالمصائب، وذلك في الفتويين رقم: 18103، ورقم: 5249.
أما مسألة تأخير الحمل فإن حصل لفترة باتفاق الزوجين لما فيه من مصلحة لهما، فلا حرج عليهما ـ إن شاء الله تعالى ـ كما سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 34107، ورقم: 35423.
وكذلك البكاء على موت الجنين إذا لم يكن معه جزع ولا تسخط ولا اعتراض على قضاء الله، فهو جائز باتفاق العلماء، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 49647، 52003، 75948.
وهذا الابتلاء الوارد في السؤال كغيره من ابتلاءات الدنيا، إما أن يكون لتكفير الخطايا ومحو السيئات، وإما أن يكون لرفع الدرجات وزيادة الحسنات، وإما أن يقع لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، وإما أن يكون عقوبة على بعض الذنوب، كما سبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 13270.
ولا يعلم حقيقة الأمر على وجه القطع إلا الله تعالى، وينبغي للعبد أن يتهم نفسه ويبادر بالتوبة والاستغفار مما يعلم من ذنوبه ومما لا يعلم، فلربما يكون للعبد ذنب نسيه أوغفل عنه، وأن يسعى لتحقيق الاستقامة بلزوم تقوى الله تعالى، فإن ذلك مما يفرج الهم ويُعقب الخير، قال سبحانه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ {هود:3} . وقال عز وجل: لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {النمل: 46} . وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً* وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق: 2-3-4} .
وراجعي للأهمية الفتويين رقم: 93791، ورقم: 45184.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(1/2568)
الخير كل الخير في الرضا بقضاء الله تعالى والاشتغال بطاعته
[السُّؤَالُ]
ـ[تزايدت في السنوات الأخيرة علي الضغوط النفسية والمالية العائلية وفي العمل ومع الأصدقاء، وكنت دائما أتحمل وأصبر حتى إنني دائم النصيحة لزوجتي فيما يتعلق بالصبر على الأذى والتعامل مع الأهل والأقارب وذلك لنيل مرضاة الله، ولكنني أصبحت في الفترة الأخيرة أفكر في أمور غربية وتأخذ من تفكيري الشيء الكثير وأشعر بالألم في رأسي والضيق الشديد في الصدر لمجرد التفكير بها وهي عن: لماذا خلقنا الله؟ ولماذا بعد ذلك يعذبنا أو يدخلنا الجنة؟ وأصبحت دائم التخيل في نفسي وخيالي عندما أكون في النار، أو في الجنة، وما قيمة كل ذالك؟ وما سببه أصلاً؟ وما هذه الدنيا التي نعيش فيها؟ وما فائدتها؟ وما الهدف منها؟ وأصبحت أتضايق كثيراً وأشعر بضيق في النفس إذا أحسست أنني في مكان مغلق، أو لمجرد أنني أتخيل نفسي مكان شخص مسجون تم الحديث عنه في نشرة الأخبار، أو شخص أصيب بمرض معين، أو مجرد التفكير أنني قد فقدت البصر، وأحياناً أتخيل نفسي في القبر فأقول: لماذا كل هذا التعقيد وهذا الضغط أو العذاب؟ ولماذ خلقنا أصلا؟ وما هي المتعة بدخولنا الجنة؟ ولماذا يعذبنا الله الذي خلقنا؟ أليس قادراً على أن يجعل كل خلقه في الجنة؟ ولماذا خُلقت الدنيا أصلا؟ باختصار، لماذا كل هذا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وصف السائل الكريم لهذه الأفكار بكونها غريبة، وأنه يشعر بالألم في رأسه والضيق الشديد في صدره لمجرد التفكير بها، هذا يعني أنها في الحقيقة مجرد وساوس لا تعبر عن عقيدة، وهذا مما يخفف الأمر، فإن الشك في حكمة الله إن صار اعتقادا للإنسان أفسد عليه دينه وإيمانه.
وأما الوسوسة فكراهية العبد لها وخوفه ونفوره منها علامة على الإيمان وصحة الاعتقاد، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.
وراجع في ذلك الفتويين رقم: 7950، ورقم: 12300.
وقد سبق لنا التنبيه على سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية أرقامها: 3086، 60628، 2081، 78372.
ولتعلم أيها السائل الكريم أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة، وأنه تعالى لم يخلق الكون لعبا، ولا العباد عبثا، ولن يتركهم سدى، فكل أفعاله تعالى منطوية على الحكمة التامة، وأن مبنى الدين على الإيمان بالغيب، وإثبات كل أنواع الكمال المطلق لله تعالى، ونفي كل أنواع النقص عنه سبحانه، والعقل الإنساني مهما أوتي من قوة وإدراك فهو محدود للغاية، فهو يجهل كثيرا من أسرار نفسه ـ فضلا عن الخلق والكون من حوله ـ فكيف يستطيع هذا الإنسان الضعيف الإحاطة بحكمة الله في قضائه وقدره وخلقه وأمره؟ فعليك أخي الكريم أن تشغل نفسك بما ينفعك ويقربك إلى الله تعالى، وأن تغلق عن نفسك منافذ هذه الوساوس الشيطانية، فالخير كل الخير في الرضا بقضاء الله تعالى والاشتغال بطاعته ومراضيه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 118200.
ولتعلم كذلك أن الدنيا ليست بدار جزاء ووفاء، وإنما هي دار محنة وبلاء، وذلك أنها لم تخلق للدوام والبقاء، بل للزوال والفناء.
روى الطبري عن ابن جريج في قوله تعالى: كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة.
قال: أما الدنيا فتعلمون أنها دار بلاء ثم فناء، والآخرة دار جزاء ثم بقاء، فتتفكرون فتعملون للباقية منهما. انتهى.
فلا يصح أن يحكم على حال الدنيا بمعزل عن الآخرة، فإن الله تعالى لم يخلقها إلا ليبتلي بها عباده ويمتحنهم فيها فينظر كيف يعملون، كما قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً {هود:7} .
وقال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك: 2} .
وهذا الامتحان يكون بالأحكام الشرعية كالأوامر والنواهي، ويكون كذلك بالأحكام القدرية، سواء ما نكره منها كالمصائب والشدائد، أو ما نحب كالأموال والأولاد، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء: 35} .
وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وقد سبق لنا الحديث عن موضوع الحكمة من خلق الدنيا وخلق الإنسان تفصيلا مع جواب بعض الشبهات المتعلقة بهذا الموضوع، في الفتاوى التالية أرقامها: 69481، 723، 5492، 2855، 44950، 31767، 53994، 121592.
فاجتهد أخي الكريم في تقوية علاقتك بالله تعالى وترسيخ إيمانك به لتستطيع ردع الشيطان والتغلب على وسوسته، وقد سبق لنا بيان وسائل تقوية الإيمان في الفتوى رقم: 10800، واعلم أنك إن فعلت ذلك تبدل حالك وحصلت عندك السكينة والراحة النفسية، كما سبق بيانه في الفتوى 117997.
ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 16790.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1430(1/2569)
أسباب كسبية وقدرية تكمن وراء المصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي ياشيخنا الكريم هو: لماذا دائما حظنا منحوس أنا وأخواتي-بنات- فوالدي متوفى ووالدتي إنسانة مسنة والحمد ملتزمون في كل شيء: الصلاة، والصوم، والاحترام، والمعاملة الطيبة. فانفصلت عن زوجي وانفصلت أختي الثانية عن زوجها، والأخرى تعاني من مشاكل يومية مع زوجها الذي دائما في حالة سكر، والأخرى كذلك. فمن فترة طفولتنا ونحن نعاني من قلة الحظ والنحوسية رفيقتنا في كل شيء.
ما السبب في ذلك يا شيخنا الكريم أفدني أفادك الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيكن في الدنيا والآخرة، وننبهكن على أن الإنسان لا يستطيع الإحاطة بحكمة الله في قضائه وقدره، ولذلك قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {البقرة: 216} .
وقد خلق الله تعالى الإنسان ليمتحنه ويختبره، كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. {الملك: 2} .
وهذا الامتحان يكون بالأحكام الشرعية كالأوامر والنواهي، ويكون كذلك بالأحكام القدرية، سواء ما نكره منها كالمصائب والشدائد، أو ما نحب كالأموال والأولاد، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ. {الأنبياء: 35} .
وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني. وقد سبق ذكر بعض البشارات لأهل البلاء والمصائب وبيان الأمور المعينة على تجاوز المصائب في الفتويين: 18103، 5249.
ثم لا بد من العلم أن المصائب قد تكون عقوبة على بعض الذنوب والمعاصي، فما نزل بلاء إلا بذنب، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. {الشورى: 30} . وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 36842، 51394، 49228.
وقد تحصل المصائب بسبب ظلم بني آدم وبغي بعضهم على بعض، بالسحر والحسد والعين وما إلى ذلك، حتى يصل أثرها إلى الموت، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 19475، 30851، 16755، 17587.
وعلى أية حال فالأمر سواء إذا حلت المصائب، سواء أكانت بسبب ذنوب العباد، أو كانت بأسباب بشرية كالسحر والحسد، أو كانت دون هذه الأسباب. فلا بد من الصبر وعدم الجزع والتشكي. ولا مانع من التفكر في أسباب حصول ذلك للاستفادة في المستقبل.
فعليك ـ أختي الكريمة ـ بالصبر والرضا بقضاء الله، ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وقد تقدم لنا بيان الخطوات العملية لتجنب سوء القضاء في الفتوى رقم: 123214. وبيان كيف تستقيم أحوال العبد في معاشه ومعاده في الفتوى رقم: 122090. فراجعيهما للأهمية. ولزيادة الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 26727، 47247، 81019.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1430(1/2570)
حكم حلف الإنسان أن ما أصابه خير وإن كان بلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[تتلخص مشكلتي بأني كلما حدث معي أي عارض كان في ظاهره الشر أو البلاء فإني أصبر نفسي، وإيمانا مني بأن الله يريد فيه الخير. فإذا أردت الكلام عن الأمر فإني أقسم بالله أنه خير ولكنني لم أره. هل هناك أي بأس في هذا القسم؟ وهل فيه أي ذنب؟ أجبني هداك الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما يحصل للمؤمن الصابر الراضي بقضاء الله وقدره يعتبر خيرا له كما يدل له حديث مسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
فالله تعالى يبتلي المؤمن ببعض البلاء ليرفع درجته ويكفر ذنبه فيحصل له الخير بذلك، ففي الحديث: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وفي الحديث: إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها. رواه أبو يعلى والحاكم وحسنه الألباني.
وبناء عليه فلا حرج في القسم المذكور، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 111666، 119139، 19810، 47818.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1430(1/2571)
التعيير بالبنات من ميراث الجاهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حامل للمرة الثانية في بنت، كنت أتمنى أن أرزق بولد ودعوت ربنا فلم يستجب. يضايقني من حولي وأنا من النفوس الضعيفة، ماذا أفعل لكي يملأ الرضا قلبي قبل لساني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يملأ قلبك بالرضا واليقين.
واعلمي أن ما دعوت به لم يذهب هباء منثورا، بل الدعاء نافع على كل حال. ففي مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر. قال: الله أكثر. صححه الألباني.
ونقول لمن يضايقونك: إن التعيير بالبنات من ميراث الجاهلية، كما أن إنجاب البنين والبنات إنما هو بإرادة الله عز وجل. قال تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ. {الشورى:49- 50}
فدلت هاتان الآيتان على أن كل شيء بيد الله تعالى، يقسم حسب حكمته ومشيئته، ومن ذلك الولد، فهو يهب لمن يشاء ذكورا، ويهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء ذكورا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما، وله في كل هذا الحكمة البالغة، فإذا استحضرت ذلك وعلمت أنه بتقدير من الله العليم الحكيم، فذلك مما يعينك على تلقيه بالصبر والرضا.
ثم إنك لا تدرين أيهما أقرب لك نفعا الولد أم البنت، وقد قال الله سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {البقرة: 216} . وقال عز وجل: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا. {النساء:19} .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
ثم إننا نزف إليك البشرى في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترا من النار. متفق عليه.
قال النووي في شرحه: إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة. قال الله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. {النحل: 58} .
ولمعرفة المزيد عن مقام الرضا وما يملأ القلب به انظري الفتوى رقم: 114953. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1430(1/2572)
لتحصيل الربح أسباب شرعية ومادية
[السُّؤَالُ]
ـ[سوّغ رجل محلاّ لممارسة التجارة كان يستغل لشرب الخمر والقمار. يشكو هذا الرجل، الذي يقوم بواجباته الدينية، قلّة الربح بالرغم من أنّه يبيع كثيرا ويقوم بقضاء دائنيه. هذا الرجل يسأل إن كان الفساد الذي كان يمارس في المحل سبب قلّة ربحه؟ وسأل عن السبل التي تجعله يحقق الربح الوفير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم دليلاً شرعياً على أن الفساد السابق في المحل يكون سببا لقلة الربح، فإن تحصيل الربح له أسباب شرعية وأسباب مادية، أما الأسباب الشرعية فأهمها تقوى الله تعالى والتوكل عليه سبحانه والبعد عن المعاصي، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ. {الأعراف:94-96} .
قال الشيخ السعدي: لما ذكر تعالى أن المكذبين للرسل يبتلون بالضراء موعظة وإنذارا، وبالسراء استدراجا ومكرا، ذكر أن أهل القرى لو آمنوا بقلوبهم إيمانا صادقا صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهرا وباطنا بترك جميع ما حرم الله، لفتح عليهم بركات من السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيش وأغزر رزق من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب. اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي مبينا آثار المعاصي: ومنها أن المعاصي تقصر العمر، وتمحق بركته ولا بد، فإن البر كما يزيد في العمر فالفجور ينقص، وقد اختلف الناس في هذا الموضع فقالت طائفة نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي، وقالت طائفة بل تنقصه حقيقة كما تنقص الرزق، فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة تكثره وتزيده، وللبركة في العمر أسبابا تكثره وتزيده. قالوا: ولا تمنع زيادة العمر بأسباب كما ينقص بأسباب فالأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة والصحة والمرض والغني والفقر وإن كانت بقضاء الله عز وجل فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها مقتضية لها. اهـ.
وقد أحسن هذا الرجل بحفاظه على الواجبات الدينية وفي سداده لديونه، أما الأسباب المادية فليس موقعنا مختصاً ببيانها، وإنما ننصح هذا الرجل بعد تقوى الله تعالى أن يأخذ بالأسباب المادية من الاعتناء بجودة ما يشتريه، وشراء ما يحتاجه الناس، وأن يستعين في عمله بمن وثق بدينه وأمانته.
كما ننبه أن قلة الربح قد تكون أسلم له في دينه، فإن بعض الناس قد يزيده المال طغياناً وفجوراً، أو تشغله كثرة المال عن طاعة رب العباد، ونذكره بما في الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: إذا نَظَرَ أحدكم إلى من فُضِّلَ عليه في الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إلى من هو أَسْفَلَ منه. وفي لفظ لمسلم: انْظُرُوا إلى من أَسْفَلَ مِنْكُمْ ولا تَنْظُرُوا إلى من هو فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ. قال أبو مُعَاوِيَةَ: عَلَيْكُمْ. وبما رواه ابن ماجه عن زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة. وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1430(1/2573)
القدر لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي بارك الله فيكم في ما يتعلق بالقدر، هذه امرأة حملت وهي لا زالت مرضعة، ولا يمكنها فطم الرضيع وحالتها الصحية لا تمكنها أن تحمل بعد، فهي لا زالت متعبة بالوليد الجديد، فقامت بعملية إجهاض وأزالت الجنين الذي لم يتجاوز 10 أو 15 يوما من الحمل، فقالت لها أختها ما كان لك أن تفعلي هذا، فإن قدر الله كله خير، وإن قدر الله لك هذا الجنين ففيه خير، وعاتبتها على ما فعلت، وحجتها أن قدر الله كله خير. وبالتالي ما كان لها أن تنزعه، مع العلم أن هذه الفتاة وزوجها استندا على فتوى في موقع إسلام سؤال وجواب تحت عنوان: حكم إسقاط الجنين قبل الأربعين لئلا يتوالى الحمل. فالرجاء التوضيح في مسألة القدر والاحتجاج بالقدر على عدم الأخذ بالأسباب النافعة، واجتناب ما يضر بالإنسان ما دام يمكنه ذلك. وبارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما اعتمد عليه السائل الكريم من الفتوى المشار إليها اعتماد صحيح، يرفع عنه الحرج، وما جاء فيها إن لم يكن هو الراجح فلا أقل من أنه قول معتبر من أقوال أهل العلم قديما وحديثا، وقد قدمنا أن القول بجواز الإجهاض في الأربعين الأولى إذا كان هناك عذر ومصلحة هو الراجح، وراجع في ذلك الفتويين: 8781، 65114. هذا بالنسبة للحكم الشرعي.
أما بالنسبة لمسألة الاحتجاج بالقدر فبإمكان زوجتك أن تحتج على أختها بالحجة نفسها، فهذا الإجهاض الذي حصل إنما هو بقدر الله تعالى، وقدره سبحانه كله خير.
وخلاصة الأمر أن المسلم المأمور بالإيمان بالقضاء والقدر، مأمور كذلك بالحرص على ما ينفعه والأخذ بأسباب صلاح معاشه ومعاده، فالقدر لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب؛ لأن الله تعالى الذي قدر مقادير كل شيء قدرها بأسبابها، فالأسباب من قدر الله تعالى، وقد أمرنا الله بالأخذ بالأسباب ومكننا منها، وجعل فينا المقدرة عليها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 78470.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1803، 16967، 11479.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(1/2574)
شكى الخالق للمخلوق.. غاية الجهل
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم من يشكو الخالق للمخلوق. وما النصيحة التى تقدمونها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكوى العبد ربه إلى الخلق معصية قبيحة تدل على جهالات صاحبها، فهو جاهل بقدر ربه جل وعلا، وبأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وهو أيضا جاهل بنفسه وجاهل بغيره من المخلوقين.
قال الغزالي في إحياء علوم الدين: والشكوى معصية قبيحة من أهل الدين، وكيف لا تقبح الشكوى من ملك الملوك وبيده كل شيء إلى عبد مملوك لا يقدر على شيء، فالأحرى بالعبد إن لم يحسن الصبر على البلاء والقضاء وأفضى به الضعف إلى الشكوى أن تكون شكواه إلى الله تعالى؛ فهو المبلي والقادر على إزالة البلاء. وذل العبد لمولاه عز، والشكوى إلى غيره ذل، وإظهار الذل للعبد مع كونه عبدا مثله ذل قبيح.
وقال ابن القيم في الفوائد: الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه؛ فانه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم، ورأى بعض السلف رجلا يشكو إلى رجل فاقته وضرورته، فقال: يا هذا والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك. وفي ذلك قيل:
إذا شكوت إلى ابن آدم إنما * تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
والعارف إنما يشكو إلى الله وحده. وأعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس، فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه، فهو ناظر إلى قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فما كسبت أيديكم} ، وقوله: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} ، وقوله: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم} . فالمراتب ثلاثة: أخسها أن تشكو الله إلى خلقه، وأعلاها أن تشكو نفسك إليه، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه. اهـ
وننصح من وقع في ذلك أن يتقي الله سبحانه وتعالى، ويتأدب معه، ويعرف قدر ربه وقدر نفسه، وليعلم أن دأب المؤمن إحسان الظن بربه وإساءة الظن بنفسه، وليتذكر قوله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} وقوله سبحانه: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19} .
وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 99498، 120717، 28045، 35549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(1/2575)
اصطدام الغربان بالإنسان هل هي رسالة بسوء يقع له
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد خطبت فتاة منذ سنة برغبة من أبويها وأبوي، رغم عدم حماسي للزواج في هذا الوقت، ولكن بعد صلاتي للاستخارة رأيت من التيسير ما قد أقنعني بوجود الخير في هذا الأمر.
المهم أن خلافات حدثت بيني وبينها ولم يدم الأمر طويلا حتى طلبت هي فسخ الخطبة، ولكنى كنت أخاف الله فطلبت الصلح بيني وبينها ووسطت كثيرا من أهلها ولم ترض به، فطلبت من الله أن يريني رؤيا بالخير هل في تركها وشأنها بعدما رأيت من التيسير في الخطبة أم في مواصلة الإلحاح للصلح.
والحقيقة أني ممن ينسون الأحداث سريعا حتى أنني لا أفتكر أي حلم لي بعد استيقاظي، فطلبت من الله أن يعلمني بالخير وكانت المفاجأة، فقد جاءني شيء غريب لا يحدث إلا في الرؤى ولكنه حدث حقيقة!
فبعد يومين وبينما أنا سائر في طريقي المعتاد إلى عملي إذا بغراب يأتي من ورائي ويصدم يدي اليمنى، ثم يطير من أمامي فاستغربت لذلك، وما هي خطوات قليلة إلا وغراب يصدم يدي اليسرى من الخلف، فجريت ورجعت إلى بيتي خائفا.
وبعد يومين وأنا سائر في نفس الطريق إذا بغراب يصدم كتفي الأيمن من الخلف، ثم يطير من أمامي فأسرعت الخطى ونظرت إلى الخلف متوقعا مجيء الغراب ثانية، وفعلا رأيت غرابا قادما نحوي فاستدرت له، فوقف أمامي، ونعق بصوت عال ثم وقف على سور بجانبي.
السؤال: هل هذا شيء عادى لا ألقي له بالا أم هي رسالة من الله لي؟
وإذا كانت كذلك فهل هي رسالة بالخراب أم بالابتلاء أم هي شيء حسن؟
أكتب قصتي هذه بعد فوات العام عليها، وكان عاما تعددت فيه البلاءات من الله عز وجل لي، ولكنى أشهد الله بأني لا أضمر لأحد شرا أبدا، بل أريد الخير للناس جميعا، وبالنسبة للخطبة فلم أكن راضيا عنها في البداية، ولكنى وافقت، والله بعدما أحسست بتيسير الله ولم أرد إغضاب ربي فهو أعلم بي وبصلاح حالي.
أرجوكم أفيدوني ماذا أفعل؟ هل هناك ذنب علي فأكفر عنه؟ وما هو تأويل ما حدث لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر السائل الكريم إنما هو أمر عادي لا يصلح الاعتماد عليه، ولا التشاؤم به، وهذا كان من عادة العرب في الجاهلية، قال الدميري في (حياة الحيوان الكبرى) : والعرب تتشاءم بالغراب، ولذا اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب اهـ.
فقد كانوا في الجاهلية إذا خرج أحدهم لحاجة فإن رأى الطير طار عن يمينه هنئ به واستمر، وإن طار عن يساره تشاءم به ورجع، وربما هيج الطير ليطير، فيعتمدوا، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 45362، 33941.
والسائل الكريم قد أحسن في أداء صلاة الاستخارة، ولكنه لم يحسن عندما لم يقتصر على هذه السنة، بل طلب بعدها رؤيا توضح له أمره، ومسألة الرؤى لا يمكن الاعتماد عليها لا فعلا ولا تركا، وإنما المعول على الأمر الذي يتيسر بعد الاستخارة. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 26141، 64112، 34394.
والذي نوصي به السائل أن لا ينشغل بمسألة الغربان، بل يهتم بتقوية الإيمان ومعرفة الرحمن بأسمائه وصفاته، فيعلم أن قضاء الله هو قضاء القوي المتين العزيز القدير الذي لا يرد، وهذا يحمل العبد على التسليم والخضوع. وفي الوقت نفسه يعلم أنه قضاء الرحمن الرحيم، الغني الكريم، الرءوف الحليم، وهذا يحمله على الصبر والرضا وانتظار الفرج، فيجتمع بذلك للعبد الرضا والتسليم لقضاء الله تعالى.
ويعتني كذلك بتعميق الإيمان بالقضاء والقدر، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فهذه العقيدة هي التي تسكب في قلوب المؤمنين السكينة، وتفيض على نفوسهم الطمأنينة، وتربيهم على العزة، فينشغلون بما ينفعهم، ولا يأسون على ما فاتهم ولا ما أصابهم. وراجع الفتويين رقم: 20434، 52762.
ثم يهتم بتصحيح المسير إلى الله بالاستغفار والتوبة النصوح، التي تصلح ماضي العبد بالندم على الذنوب والمعاصي، وتصلح حاضره بالإقلاع عنها، وتصلح مستقبله بالعزم على الاستقامة وعدم العود إليها. وذلك أن البلاء إنما ينزل بالذنب، ولا يرفع إلا بالتوبة، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: 30} وقال: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً {النساء: 123} وقال سبحانه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ {هود: 3} وقال: لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {النمل: 46} .
ثم يجتهد في تبديل السيئ بالحسن، وإتباع السيئات بالحسنات حتى تمحوها، ولزوم تقوى الله تعالى في السر والعلن بمراقبته وحفظ أمره ونهيه والاستقامة على ذلك، فمن اتقى الله تولاه وحفظه، ولم يكله إلى غيره، ونصره ووفقه، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران: 120} وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:3، 4} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
واعلم أخي الكريم أن الاستقامة على أمر الله هي التي تستقيم بها أحوال العبد في معاشه ومعاده، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ {الأحقاف:13} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم بكم. رواه الطبراني، وجوده المنذري، وحسنه الألباني. قال المناوي في {فيض القدير} : أي فإنكم إن استقمتم مع الله استقامت أموركم مع الخلق اهـ.
وعليك بالإلحاح على الله تعالى بالدعاء، مع حسن الظن وصدق التوكل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وصححه، حسنه الألباني.
فالمحافظة على هذه العبادات تستقيم بها الحياة، وهي في الوقت نفسه من أسباب رفع البلاء، كما سبقت الإشارة إليه في الفتويين رقم: 43195، 61611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(1/2576)
ثقة العبد بربه وأنه تعالى يختار له الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[نؤمن جميعا بقضاء الله وقدره، وأن ما يقدره الله ويقضيه فهو فيه الصالح لنا حتى وإن لم يكن ظاهره كذلك، فيقول الله سبحانه وتعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. صدق الله العظيم
ومع ذلك فإننا نشعر بضيق نفسي إذا ما حرمنا الله ما نحب أو نطلب، فما هو السبيل للتخلص من هذا الشعور بالضيق؟
على سبيل المثال مسألة شخصية تبدو بسيطة، ولكن أشعر أنها ستؤثر على حياتي المستقبلة.
رأيت في عائلة أنها ذات دين، وأن ابنتهم ستكون زوجة صالحة لي، وسيعيونني على ديني ودنياي، ولكن تمت خطبة هذه الفتاه لغيري، ومع أنني أؤمن بأن الله سيرزقني الزوجة الصالحة فمازلت متأثرا نفسيا من ضياع هذه الفتاة مني، على أني لن أجد مثلها وأريد أن أتخلص من هذا الشعور بالضيق مما حدث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أخي الكريم أن تحمد الله على ما قدر لك، فأنت لا تعلم هل النعمة عليك في زواجك من تلك الفتاة، أم في صرفها عنك، ولقد ذكرت بنفسك في السؤال قوله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {البقرة: 216} .
فكم من الأمور التي يحزن الإنسان على فواتها فيتبين له مستقبلا أن في فواتها خيرا له، وكم من الأمور التي يحرص الإنسان على تحصيلها، فيترتب على حصوله عليها من المفاسد الشيء الكثير فيتمنى لو لم تحدث له، وهذا أمر مشاهد ويقع لكثير من الناس.
وأمر المؤمن دائما بين الصبر والشكر، فعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. رواه مسلم.
وذكر ابن القيم رحمه الله أن من الأمور المعينة للمؤمن على الرضا بقضاء الله والتلذذ به: أن يعلم أن منع الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن المحب عطاء، وابتلاءه إياه عافية، قال سفيان الثورى: منعه عطاء وذلك أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم، وإنما نظر في خير عبده المؤمن فمنعه اختيارا وحسن نظر. وهذا كما قال فإنه سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له، ساءه ذلك القضاء أو سره، فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء، وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كانت في صورة محنة. وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية، ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائما لطبعه ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد المنع نعمة والبلاء رحمة، وهذه كانت حال السلف فالعاقل الراضي: هو الذي يعد نعم الله عليه فيما يكرهه أكثر وأعظم من نعمه عليه فيما يحبه، كما قال بعض العارفين: يا ابن آدم نعمة الله عليك فيما تكره أعظم من نعمته عليك فيما تحب، وقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. وقد قال بعض العارفين: ارض عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك، فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين فتسقط من عينه. انتهى من مدارج السالكين.
وسنذكر لك حديثا إذا تأملته جيدا سيذهب عنك ما أنت فيه، ويقوي ثقتك في قضاء الله لك، ويعطيك الأمل بأن ما يختاره الله للعبد هو خير مما يختاره العبد لنفسه، وأن المؤمن لا ييأس فقضاء الله كله حسن وخير، وأن المؤمن إذا بذل الأسباب المشروعة وامتثل أمر الله وسلم لقضائه، وهو على يقين وثقة بأن الله سيخلفه خيرا؛ لا شك بأن عاقبته قد تكون أفضل مما كان يتوقعه بكثير، وهذا الحديث ترويه أم سلمة رضي الله عنها، فقد توفي زوجها أبوسلمة رضي الله عنه، وكانت تقدره وتحبه حبا عظيما حتى أنها لشدة محبتها له لم تكن ترى أحدا يصلح لها زوجا خيرا من أبي سلمة، مع كثرة الصحابة الفضلاء الأخيار وقتها، ولم يكن يخطر في بالها الزوج الذي ادخره الله لها، وإليك قصتها، قالت رضي الله عنها: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا. قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم.
فلما صبرت وتأدبت بأدب الشرع في مصيبتها، وكان لها يقين وحسن ظن بالله، أصبحت من أمهات المؤمنين، وكانت لا يخطر في بالها أن وفاة أبي سلمة سترفعها إلى درجة لم تكن تتوقعها، وهي زواجها من خير البشر أجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقل مثل ما قالت أم المؤمنين أم سلمة واصبر، ولعل الله ادخر لك زوجة لم تكن تحلم بمثلها، واطرح عنك التفكير في هذه الفتاة، وابحث عن ذات الدين والخلق، وأبشر فقضاء الله كله خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1430(1/2577)
الرسوب في الاختبارات من قدر الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني هذه الأيام من تناقض في أفكاري وأريد منكم أن تدلوني علي الرأي الصحيح.
فأنا في الأيام الماضية كانت لدي امتحانات في دراستي الخاصة بعلوم القرآن ولكن عندما ذهبت لرؤية النتيجة وجدت نفسي نازلة في مادتين ولكني كنت مجيبة بشكل جيد فيهما، ولا أعرف كيف هذا حصل، المهم أنا قلت الحمد لله على كل حال وهذا نصيبي وهذا قدر ربنا ... ثم أرجع وأقول لكن ربي لا يكتب لي أن أرسب، هذا ليس من عند الله ولكنه تقصير مني، وهكذا فما هو الرأي الصحيح لأنني تعبت من التفكير أنا علي يقين أن كل شيء من عند الله ولكن لا أحب أن أشير بهذا الأمر لربي.... أرجو منكم الرأي الصحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد من اليقين بأن الأمور كلها بيد الله، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا رادَّ لما قضى، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء بقدر وحكمة يدبرها الله سبحانه وتعالى، وقد كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فنحن نسلم بأقدار الله تعالى ونؤمن بها، خيرها وشرها حلوها ومرها، وهذا أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة وركن من أركان الإيمان، ألا وهو الإيمان بالقدر.
ومن جملة ذلك الرسوب في الاختبارات، فهو من قدر الله بلا شك، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً {الأنبياء: 35} .
وقال سبحانه: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً {النساء: 78} .
والرسوب وأمثاله من البلايا إنما يصح تسميته شرا باعتبار نسبته للإنسان؛ لأن ذلك لا يلائمه، لكن باعتبار نسبتها إلى الله هي خير؛ لأن الله لم يقدرها إلا لحكمة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.
وليس من الأدب أن يوصف الله بأنه أراد الشر بعباده، وإن كان سبحانه هو خالقه وموجده. كما قالت الجن: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً {الجن:10} .
وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مما يثني به على ربه تبارك وتعالى: الخير كله بيدك والشر ليس إليك.
وقال تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ {النساء: 79} قال السعدي: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: في الدين والدنيا {فَمِنَ اللَّهِ} هو الذي مَنَّ بها ويسرها بتيسير أسبابها {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} في الدين والدنيا {فَمِنْ نَفْسِكَ} أي: بذنوبك وكسبك، وما يعفو الله عنه أكثر اهـ.
وقد سبق بيان الحكمة من خلق الخير والشر في الفتوى رقم: 2855. وراجعي لمزيد الفائدة الفتويين: 11735، 75054.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(1/2578)
السعيد من رضي بما قدره الله تعالى عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلقة لكن للأسف أحس مسؤولية على جسمي، وأنا منذ كنت 17 سنة صغيرة إلى الآن 20، عمره ما ساعدني. والآن أخاف من عذاب ربي على عدم قدرتي على تربيتهم، وأبوهم طردهم، وأنا أحس أني منهارة، وأحس أني الآن أريد من يهتم بي، وشكرا. أرجو إرسال شيء أو أدعية تصبرني على مصيبتي لأنه حتى القرآن حين أمسكه أحس بضيق، أسمعه لا بأس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعوضك خيراً، ويصلح شأنك.. أما عن سؤالك فالسؤال غير واضح، والذي فهمناه أنك مطلقة، وأنك تشعرين بمسؤولية لعدم قدرتك على تربية أولادك، وأنك تشعرين بالضيق والكآبة، وتريدين بعض الأدعية تعينك على الصبر، فإذا كان الأمر كذلك ... فاعلمي أن تربية الأولاد من أعظم مهام المرأة المسلمة، ومجاهدتها وصبرها على ذلك من أعظم الأعمال التي تنفعها في الدنيا والآخرة.
وننبه إلى أن نفقة هؤلاء الأولاد لا تلزمك، وإنما تلزم والدهم، أما عن شعورك بالضيق فاعلمي أن الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء، والسعيد من قابل القدر بالرضا.. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
والمؤمن لا ييأس أبداً، مهما أصابه من بلاء، فعليك أن تحذري من كيد الشيطان، وأن يلقي في قلبك اليأس.. واحرصي على ما ينفعك، واجتهدي في تحصيل الأسباب التي تحميك من ضيق الصدر وكآبة النفس، وهي مبينة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 118940، 26806، 50170.
واعلمي أنك إن استقمت على طاعة الله وصبرت فلن يضيعك الله أبداً وأبشري بكل خير، قال الله تعالى: إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1430(1/2579)
توضيح حول كون جهنم تسجر في نصف النهار
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن جهنم تسجر في نصف النهار، رغم أن كل وقت هو نصف النهار، فهل يعني أن جهنم تسجر طوال اليوم، لأن هذا الوقت يتعاقب على الكرة الأرضية بشكل متعاقب، فهذا يعني أننا أصلا نصلي وقت تسجر جهنم! الحديث رواه مسلم وغيره يعني لا مجال لقول ضعيف عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمور الغيبية الثابتة بدليل صحيح يجب على الإنسان الإيمان والتسليم بها دون الخوض في كيفيتها وكنهها، ونحن لا نعلم عن جهنم إلا القليل الذي اطلعنا الله عليه، ولذلك لا يصح تطبيق قوانين عالم الشهادة على عالم الغيب، بل نقف عند حد ما علمناه ونسلم، قال الله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا (آل عمران:7} ، وقريب من هذا ما سبق الرد عليه في الفتوى رقم: 61100 بخصوص النزول الآلهي في ثلث الليل الآخر، وسجود الشمس تحت العرش عند غروبها مع أن ثلث الليل الآخر ووقت الغروب يتعاقبان على الكرة الأرضية بشكل منتظم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(1/2580)
الحكمة من خلق الله تعالى للخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما دام الله قادر وليس بحاجة لنا فلماذا خلقنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الله غني عن العالمين، فلم يخلق الله تعالى الخلق لحاجة أو منفعة تعود عليه سبحانه، قال تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. {لقمان: 26}
ولكن اقتضت حكمته تعالى أن يخلق الخلق على هيئة تظهر بها آثار أسمائه وصفاته، وذلك عن طريق الابتلاء والامتحان بالأوامر الشرعية والأحكام القدرية، فالحكمة العامة التي خلق الله الخلق لأجلها أن يبلوهم أيهم أحسن عملا، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. {هود: 7}
وقال: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. {الملك: 2}
وقد سبق تفصيل ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 113166، 69481، 33718.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1430(1/2581)
الإيمان بالقدر يمنع المسلم من التحسر على ما فاته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب قمت بخطبة فتاة، فوافق أهلها وفرحوا بي، وأصبحنا نتصل إلى أن وقعت مشاكل فرفضت أنا هذا الزواج، وأصبحت تلك الفتاة وأهلها يجرون ورائي كي أتزوجها، وأنا رافض تماما، ومرت تقريبا سنة نسيت أنا الموضوع، وبعدها سمعت أن تلك الفتاة خطبت وكتبت فاتحتها، ومن ذلك الحين وأنا مريض ونادم على ما فقدت، وأ صبحت أطلب من الله أن يعيدها لي. السؤال هنا: هل هذه الفتاة غير مكتوب لي أن أتزوجها؟ أم أنها مكتوبة لذلك الشخص؟ أم فيه أمل بعد فوات الآوان ويعيد الله لي ما ضيعت؟ مع العلم أنها امرأة صالحة ومتأكد أن لا أجد مثلها في المكان الذي أنا فيه، ولا أدري ماذا أصابني حتى ضيعتها من يدي. أريد جوابا يريح بالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما من شيء يقع في هذا الكون إلا بقدر الله، وكلَّ مقادير الخلائق مكتوبة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم في صحيحه.
والإيمان بالقدر يمنع المسلم من الحسرة والجزع على ما فاته من النتائج، لكنه يعود إلى نفسه لينظر فيما فرّط فيه من أسباب وما أخطأ فيه من أفعال، فيصحّح أخطاءه، ويجتهد فيما يقدر عليه من الأسباب، ثم يسلّم بأن ما قدّره الله له هو الأصلح والأفضل له.
فلا تشغل نفسك بمعرفة ما كتبه الله، فإنَّ علم ذلك إلى الله وحده، وعليك بالبحث عن فتاة ذات دين وخلق.
واعلم أن ما فيه الخير لك يعلمه الله وحده، قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1430(1/2582)
ثقة العبد بمولاه ورضاه بما قضاه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تقدم لي شاب على خلق ليخطبني، لكنى رفضته لأني كنت أحب شخصا آخر، وهو الدكتورالذى كان يعطيني الدواء، وهو يشتغل فى شركة الأدوية، وأخبرتة بذلك وأرسلت إليه رسائل دعوية تعينه على طاعة الله؛ لأني ملتزمة، لكني بشر وأحببته لمعاملته الطيبة معي، وكنت أريد أن أتزوجه، لكنه أخبرني أنه مسيحي، فكانت صدمة بالنسبة لي فأرسلت إليه أدعوة إلى الإسلام فرفض بشدة فقطعت علاقتي به، لكني تعبت نفسيا لأني أحببته بشدة، وفي الوقت نفسه كان الخاطب الذى تقدم لي خطب وتزوج، فتعبت نفسيتى أكثر لأنه كان يعلم بمرضي، ورغم ذلك كان موافقا، فأنا الآن نفسيتي تعبانة جدا؛ لأني خسرت هذا الخاطب وأبكى ليل نهار وأدعو الله أن يرجع لي أو يرزقني خيرا منه. فهل الزواج نصيب، وكل واحدة لا تتزوج إلا زوجها مهما فعلت أم أني حرمت منه بسبب ذنبي وهو حبي الأول؟ أم أني رفست النعمة كما يقول أهلي مع أني ألجا إلى الله في كل وقت وأتضرع إليه أن يسامحنى ويرزقنى بالزوج الصالح الذى تقر به عيني، وحاليا يرن على شاب من النت يريد أن يكلمنى وأنا أرفض لأني أريد طاعة الله وأعلم أنة حرام لكن أرجع أقول لنفسي ممكن أتعرف عليه ويتزوجني، لكني رفضت هذه الطريقة؛ لأنها غير شرعية، لكني أريد أن أتزوج، لأن سني وصل ثلاثين عاما، وقلقة جدا وكذلك مريضة، فاقول من يتقدم لي فأنا تعبانة جدا جدا جدا ولا أعرف ماذا أفعل، وأحس أني محبطة دائما، فأريحوني بالله عليكم بالاجابة الشافية، وأطلب منكم الدعاء بصدق أن يرزقني الله بالزوج الصالح الذي تقر به عيني. وجزاكم الله خيرا كثيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرزقك بزوج صالح تقر به عينك، وأن يعافيك من كل مرض.
أما عن سؤالك، فاعلمي أن كلَّ مقادير الخلائق مكتوبة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم في صحيحه.
والإيمان بالقدر يمنع المسلم من الحسرة والجزع على ما فاته من النتائج، لكنه يعود إلى نفسه لينظر فيما فرّط فيه من أسباب وما أخطأ فيه من أفعال، فيصحّح أخطاءه، ويجتهد فيما يقدر عليه من الأسباب، وهو يعلم أن الله يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فعليك بالتوبة إلى الله مما سبق، والحذر من مجاراة الشاب الذي يريد محادثتك، فإن ذلك ليس هو الطريق المشروع للخطبة، وقد سبق بيان حكم ما يعرف بعلاقة الحب قبل الزواج بين الشباب والفتيات، وأن ذلك غير جائز، وانظري الفتوى رقم: 30003.
واعلمي أن الدعاء من أعظم أسباب تحقيق المطلوب إذا كان بصدق وإلحاح مع عدم تعجل النتيجة، واعلمي أن قدر الله للعبد كلّه رحمة وحكمة، وأنه تعالى أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا ومِن كلِّ مَنْ سواه، فأحسني ظنك بربك وثقي أن الله لن يضيّعك أبداَ، ما دمت راضية بقدره مستقيمة على طاعته، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1430(1/2583)
توقع حصول الشر ليس من خلق المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكو لله همي، ثم لكم، فأنا لا أعلم ماذا أقول، لقد تعسرت علي برغم أني بحثت عن حل لهذه المشكلة، لكن الله هو المستعان.
فأنا مراهقة في 16 من عمري، لدي مشكله مع -القدر-الذي يراه الجميع كاشف الهموم والغموم لمن يؤمن به، ولما فيه من زيادة إيمان الإنسان وتوكله.
أنا -ولله الحمد- منذ نعومه أظافري وأنا مؤمنه به جدا-بأركانه الأربعة كاملة- لكن في الوقت الحالي لا أعلم ما بي، فقد أصبحت أدخل كل شيء في القدر وأقرن كل شي به، وماذا لو كتب الله لي، دائما أذكرها بكل صغيره وكبيرة، فأنا كما يقال اخترعت ركنا جديدا وهو التوقعات السيئة عن القدر-المستقبلية والغيبية- والتفكير به بعمق شديد جدا لدرجه أنني لا ألوم من كان فاشلا أو يائسا أو كئيبا لأنه وبكل بساطه قدره-حتى أنني عندما كنت أبحث عن حل لمشكلتي قلت لنفسي: ماذا لو كان هذا قدرك- أن تفكري بالقدر- صدقت شريعتنا عندما قالت لنا أن لا نفكر بالأمور الغيبية، لأنها تفتح أبوابا لن تغلق باليسر كما حدث معي فأصبحت أخاف فقدان نعم ربي الجليلة، وأخاف على أهلي وعلى كل شيء تحت كلمه ماذا لو كتب الله لي هذا.
عندها أيقنت كل اليقين بأن هذا فخ من الشيطان الأرعن، لأنه في بداية الموضوع كانت تأتيني على صورة ماذا لو كتب الله لي أن لا أعتذر من أمي؟ ومن هذا المنوال، ومع بحثي عن القدر أدركت أن المعاصي والذنوب والأعمال الصالحة ليس لها دخل على الطلاق بالقدر ولما فسروه مع استدلالهم بآيات جليلة، إلا أني أدركت أيضا بأن هنالك فئتان ضالتان بموضوع القدر 1: المشيئة 2-والجبرية
وغيرها الكثير من المعلومات التي عرفتها عن القدر، لكن لا أدري لماذا أشعر بأنه حتما موضوع لا يمت بصله للصحة، كما أنني دخلت في دوامة كبيرة تتخبط بالأفكار السيئة والتي لا دخل لها.
ملاحظه مهمة: دائما وأبدا عندما أعرض عن هذه الأفكار -أشغل نفسي عنها-تذهب مباشرة كما لو أني لم أفكر بها على الإطلاق، وهذا ما زادني جزما بأنها من الشيطان.
إذا بعد كل هذا الكلام..
1) ما المقصود أن القدر لا ينافي العمل؟؟
2) ما رأيكم بما أنا فيه ولا أريد إلا أن أتخلص من هذه العقبة؟؟
جزاكم الله خيرا، وآسفه جدا على الإطالة إلا أنني أثق بالله ثم بكم بأن تعطوني الإجابة الكافية الوافية بإذن الله تعالى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلاجُ مشكلتكِ بيدكِ أنتِ، وهو ما ذكرته ضمن سؤالك وهو الإعراض عن تلك الأفكار وهذه الوساوس، فإن فتح باب الفكر في القدر الذي هو سرٌ من أسرار الله في خلقه يفتحُ على صاحبه شراً عظيماً.
قال الطحاوي رحمه الله: وأصل القدر سر الله في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل. والتعمق والنظر في ذلك ذريعة للخذلان وسلم للحرمان ودرجة الطغيان. فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة. فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه؛ كما قال تعالى في كتابه: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. انتهى.
فاجتهدي في دعاء الله أن يصرف عنكِ هذه الوساوس، وأن يثبتكِ على الحق.
ثم اعلمي أن الواجب على كل مسلم أن يُحسن الظن بربه عز وجل، فلماذا تفترضين الفروض السيئة، وتتوقعين احتمالات الشر، بل عليكِ دائماً أن تحسني الظن بربك عز وجل، وتأملي فضله، وكوني دائماً راجيةً لعفوه ورحمته، فقد قال عز وجل في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي. متفقٌ عليه.
هذا عن رأينا في مشكلتك، وما دمتِ تجاهدين نفسك في التخلص من هذه العقبة فإن الله سيوفقكِ ويعينك بمنه ورحمته.
وأما عن الشِق الأول من سؤالك، فاعلمي أن الإيمان بالقدر لا يُنافي العمل، ومعنى ذلك أن الله خلق الأسباب والمسببات، وقدر هذا وهذا، ولكي يصل العبد إلى ما يريده من النتيجة فلا بُد من الأخذ بالسبب، فإن الجائع مثلاً لكي يحصل على الشِبع فإنه يأكل، ولا يقول لو كان الشبع مقدراً لي لشبعتُ دون أكل، وأكله الذي هو السبب وحصول الشبع الذي هو النتيجة كل ذلك بقدر، وهكذا فيمن أراد دخول الجنة والنجاة من النار، فإن الله عز وجل قدر ذلك وقضاه في الأزل، ولكنه قضى أن يكون ذلك بسببٍ من العبد، فلا بد للعبدِ من أن يأخذ بالسبب لتحصل له النتيجة المرجوة، مع إيمانه بأن السبب والنتيجة بقدر الله عز وجل.
قال الحافظ الحكمي رحمه الله: اتفقت جميع الكتب السماوية والسنن النبوية على أن القدر السابق لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد والحرص على العمل الصالح، ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بسبق المقادير وجريانها وجفوف القلم بها قال بعضهم: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ... {الليل:5} .
فالله سبحانه وتعالى قدر المقادير، وهيأ لها أسبابا، وهو الحكيم بما نصبه من الأسباب في المعاش والمعاد، وقد يسر كلا من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة، فهو مهيأ له ميسر له، فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشدّ اجتهادا في فعلها والقيام بها وأعظم منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه، وقد فقه هذا كل الفقه من قال من الصحابة لما سمع أحاديث القدر: ما كنت أشدّ اجتهادا مني الآن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وقال صلى الله عليه وسلم لما قيل له: أرأيت دواء نتداوى به، ورقى نسترقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله. يعني أن الله تعالى قدر الخير والشر وأسباب كل منهما. انتهى
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 117624، 108942.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1430(1/2584)
القصة هذه فيها إيماء لمعنى خاطئ في فهم حقيقة التوكل
[السُّؤَالُ]
ـ[قد وجدت قصة تتحدث عن الإيمان، ولكني أحسست بأن فيها أمرا غير طيب، وهو التجرؤ على الله، والله تعالى أعلم،, وهاهي القصة:
هل ستقطع الحبل؟؟؟
يحكى أن رجلا من هواة تسلق الجبال، قرر تحقيق حلمه في تسلق أعلى جبال العالم وأخطرها.
وبعد سنين طويلة من التحضير وطمعًا في أكبر قدر من الشهرة والتميز قرر القيام بهذه المغامرة وحده.
وبدأت الرحلة كما خطط لها ومعه كل ما يلزمه لتحقيق حلمه. مرت الساعات سريعة ودون أن يشعر،
فاجأه الليل بظلامه وكان قد وصل تقريبًا إلى نصف الطريق حيث لا مجال للتراجع، ربما يكون الرجوع أكثر صعوبة وخطورة من إكمال الرحلة، وبالفعل لم يعد أمام الرجل سوى مواصلة طريقه الذي ما عاد يراه وسط هذا الظلام الحالك وبرده القارس، ولا يعلم ما يخبؤه له هذا الطريق المظلم من مفاجآت.
وبعد ساعات أخرى أكثر جهدًا وقبل وصوله إلى القمة، إذ بالرجل يفقد اتزانه ويسقط من أعلى قمة الجبل بعد أن كان على بُعد لحظات من تحقيق حلم العمر أو ربما أقل من لحظات!
وكانت أهم أحداث حياته تمر بسرعة أمام عينيه وهو يرتطم بكل صخرة من صخور الجبل.
وفى أثناء سقوطه تمسك الرجل بالحبل الذي كان قد ربطه في وسطه منذ بداية الرحلة، ولحسن الحظ كان خطاف الحبل معلق بقوة من الطرف الآخر بإحدى صخور الجبل، فوجد الرجل نفسه يتأرجح في الهواء، لا شيء تحت قدميه سوى فضاء لا حدود له ويديه المملوءة َبالدم، ممسكة بالحبل بكل ما تبقى له من عزم وإصرار.
وسط هذا الليل وقسوته، التقط الرجل أنفاسه كمن عادت له الروح، يمسك بالحبل باحثًا عن أي أملٍ في النجاة. وفي يأس لا أمل فيه، صرخ الرجل:
-إلهي، إلهي، تعالى أعني ِ!
فاخترق هذا الهدوء صوت يجيبه: - ماذا تريدني أن أفعل؟؟ '
أنقذني يا رب!!
فأجابه الصوت:- أتؤمن حقًا أني قادرٌ على إنقاذك
بكل تأكيد، أؤمن يا إلهي ومن غيرك يقدر أن ينقذني!!!
إذن، اقطع الحبل الذي أنت ممسكٌ به!
وبعد لحظة من التردد لم تطل، تعلق الرجل بحبله أكثر فأكثر.
وفي اليوم التالي، عثر فريق الإنقاذ علي جثة رجل على ارتفاع متر واحد من سطح الأرض، ممسك بيده حبلا وقد جمده البرد تمامًا متر واحد فقط من سطح الأرض!! '
وماذا عنك؟
هل قطعت الحبل؟
هل مازلت تظن أن حبالك سوف تنقذك؟
إن كنت وسط آلامك ومشاكلك، تتكل على حكمتك وذكائك، فاعلم أنه ينقصك الكثير كي تعلم معنى الإيمان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه قصة رمزية يهدف صاحبها إلى تعميق معنى التوكل على الله والثقة به، وأن الوصول للنجاح مفتقر لذلك، وأن الفرق بين المرء وبين تحقيق أهدافه وحصول فلاحه إن هو أحسن التوكل قصير بقدر المتر الواحد المذكور في هذه القصة.
ولكن في القصة إيماء لمعنى مجانب للصواب في فهم حقيقة التوكل، وهو معنى إلغاء الأسباب والتهوين من شأنها، كحال متأخري الصوفية، حيث طُلِب من هذا المتسلق أن يدع الحبل تدليلا على صدق إيمانه بالله وأنه سبحانه هو الذي بيده مقادير الخلائق. وهذا يتضح بتذييل القصة بهذا الخطاب المباشر المنبه لقارئ القصة: (وماذا عنك؟ هل قطعت الحبل؟ هل مازلت تظن أن حبالك سوف تنقذك؟ إن كنت وسط آلامك ومشاكلك، تتكل على حكمتك وذكاءك فاعلم أنه ينقصك الكثير كي تعلم معنى الإيمان) وبهذا يتضح مراد كاتب القصة.
والصواب أن سنة الله جارية في إعمال الأسباب مع التوكل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم. ومن أمثلة القرآن على ذلك قول يعقوب عليه السلام لبنيه: يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ {يوسف: 67} قال السعدي: ذلك أنه خاف عليهم العين، لكثرتهم وبهاء منظرهم، لكونهم أبناء رجل واحد، وهذا سبب. {وَ} إلا فـ {مَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} فالمقدر لا بد أن يكون، {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} أي: القضاء قضاؤه، والأمر أمره، فما قضاه وحكم به لا بد أن يقع، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} أي: اعتمدت على الله، لا على ما وصيتكم به من السبب، {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} فإن بالتوكل يحصل كل مطلوب، ويندفع كل مرهوب. اهـ.
وهذا المذكور في القصة يقارب ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب (مكائد الشيطان) : أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان يصلي على رأس جبل فأتاه إبليس فقال: أنت الذي تزعم أن كل شيء بقضاء وقدر؟ قال: نعم. قال: ألق نفسك من الجبل وقل: قدر علي. قال: يالعين! الله يختبر العباد، وليس للعباد أن يختبروا الله عز وجل. اهـ.
وقد نقل ذلك ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) وقال: ينبغي أن تكون أعضاء المتوكل في الكسب وقلبه ساكن مفوض إلى الحق منع أو أعطى؛ لأن لا يرى إلا أن الحق سبحانه وتعالى لا يتصرف إلا بحكمة ومصلحة، فمنعه عطاء في المعنى، وكم زين للعجزة عجزهم وسولت لهم أنفسهم أن التفريط توكل، فصاروا في غرورهم بمثابة من اعتقد التهور شجاعة، ومتى وُضِعت أسباب فأهملت كان ذلك جهلا بحكمة الواضع، مثل وضع الطعام سببا للشبع والماء للري والدواء للمرض، فإذا ترك الإنسان ذلك إهوانا بالسبب، ثم دعا وسأل، فربما قيل له: قد جعلنا لعافيتك سببا فإذا لم تتناوله كان إهوانا لعطائنا، فربما لم نعافك بغير سبب لإهوانك للسبب. وما هذا إلا بمثابة من بين قراحه (أي مزرعته) وماء الساقية رفسه بمسحاة، فأخذ يصلي صلاة الاستسقاء طلبا للمطر، فإنه لا يستحسن منه ذلك شرعا ولا عقلا اهـ.
والمقصود أن تعلق القلب بالله تعالى لا يتعارض مع تعلق البدن بحبل النجاة كسبب لها. كما هو مذكور في القصة. فحقيقة التوكل هي عمل القلب وعلمه، فعمل القلب: الاعتماد على الله عز وجل والثقة به، وعلمه: معرفته بتوحيد الله سبحانه بالنفع والضر. وعمل القلب لا بد أن يؤثر في عمل الجوارح والذي هو الأخذ بالأسباب، فمن ترك العمل - أي الأخذ بالأسباب - فهو العاجز المتواكل الذي يستحق من العقلاء التوبيخ والتهجين، ولم يأمر الله بالتوكل إلا بعد التحرز والأخذ بالأسباب، كما سبق بيانه في الفتوى 53203، 44824.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1430(1/2585)
التسليم لله تعالى والرضا بما قضاه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ولِدْنَا غير مخيرين للقدوم إلى هذه الحياة، وما علينا إلا أن نكمل الطريق لهذا الامتحان الصعب من أجل الفوز بالجنة أو الفشل والذهاب إلى النار. ماذا لو كنا رافضين أصلا لهذا الامتحان والخوض في الحياة التي تنتهي بأهوال، ونتيجتها جنة أو نار، لما لم نخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم يجب عليه أن يعتقد أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة، قال تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:23} وقال جل وعلا: إن الله لا يظلم مثقال ذرة {النساء:40} .
وأنه تعالى لم يخلق الكون لعبا، ولا العباد عبثا، ولن يتركهم سدى، فكل أفعاله تعالى منطوية على الحكمة التامة، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {الدخان:39،38} وقال: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {المؤمنون: 115} وقال: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى {القيامة: 36} وقال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ {الأنعام: 149} .
ومبنى الدين على الإيمان بالغيب، وإثبات كل أنواع الكمال المطلق لله تعالى، ونفي كل أنواع النقص عنه سبحانه، والعقل الإنساني مهما أوتي من قوة وإدراك فهو محدود للغاية، فهو يجهل كثيرا من أسرار نفسه فضلا عن الخلق والكون من حوله، قال تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {الإسراء: 85} وقال: والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة: 216}
فكيف يستطيع هذا الإنسان الضعيف الإحاطة بحكمة الله في قضائه وقدره، وخلقه وأمره. ومَن هذه حاله وتلك قدرته وطاقته، فهل من الحكمة أن يُخيَّر أو يُستَأمر، ولو حصل هذا واتبع الحق أهواء البشر لفسد الكون قطعا، كما قال تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ {المؤمنون: 71}
وعلى أية حال فقد خلق الله تعالى الإنسان ليمتحنه ويختبره، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً {هود: 7}
وقال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك: 2}
وعلى الصابر أن يرضي بالله ربا، وعليه أن يشغل نفسه بما ينفعه ويقربه إلى الله تعالى، وأن يغلق المنافذ التي يدخل الشيطان منها إلى نفسه ليفسد عليه دينه وآخرته، فالخير كل الخير في الرضى بقضاء الله تعالى والاشتغال بطاعته ومراضيه.
وقد سبق الكلام عن الحكمة من خلق العباد في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 723، 5492، 114255. وأن الدنيا دار ابتلاء ومحنة في الفتويين: 61244، 23586. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 95359، 8653.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1430(1/2586)
الرضا بالقضاء والثقة باختيار الله للعبد
[السُّؤَالُ]
ـ[فأنا مشكلتي أنني أخاف كثيرا من الموت ليس أن أموت ولكن أن يموت أبي أو أمي مثلا، عندما أنام أقول غدا سأتيقظ وأجد أبي أو أمي ميتين، فأخاف وعندما تؤلمني عيني أقول إن الله سيفقدني بصري لأني عبد مذنب وأقول لنفسي عندما أكبر سأفقد سمعي وبصري وسأفقد قدمي لأني فعلت ذنبا وما إلى ذلك، وعندما أطلع بالطائرة يجيء لنفسي بأننا ستسقط الطائرة ونموت، فماذا افعل عند الخوف قيل لي قل يوميا ((بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شي لا في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)) فإنه لا يضرك شيء، فهل القصد بلا يضرك شي قصد جسدي أم إيماني؟ ... أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخوف من الموت وكذا الخوف من عقوبات الذنوب أمر مطلوب ونافع، إذا وُجِّه وجهته الصحيحة، بأن كان دافعا العبد إلى الإقبال على طاعة الله وتقواه واجتناب محارمه، والاستقامة على ذلك. أما مجرد هذا الشعور المؤرق، الذي يمنع العبد من الانتفاع بعمره ويقطعه عن مصالح دينه ودنياه، فهذا أشبه بالمرض النفسي، الذي ينبغي أن يعالج. ولا مانع من أن يعرض السائل نفسه على طبيب نفساني مسلم مشهود له بالكفاءة، ويستفيد من توجيهه.
وقد سبق لنا التفريق بين الممدوح والمذموم في الخوف من الموت، في الفتويين: 115150، 8181.
وما ينتاب السائل من هذه المشاعر إنما هي من وساوس الشيطان الذي يريد أن يحزن الذين آمنوا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم. رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن.
فعليك ـ أخي الكريم ـ بالاجتهاد في طاعة الله، مع حسن الظن به، وصدق التوكل عليه، ودوام الاستعانة والركون إليه. واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فالآجال والأقدار قد كتبت وفرغ منها فما قدره الله سيكون فأرح نفسك وثق بأن اختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك، فإنه تعالى أرحم بنا من أمهاتنا. قال في مدارج السالكين: وإنما الرضا سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل فيرضى به.
وأما الذكر الذي ذكره السائل الكريم، فقد رواه أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. ثلاث مرات، لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني. ورواه الترمذي وصححه، وابن ماجه وأحمد، بلفظ: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء.
قال أبو الحسن المباركفوري في (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) : في الحديث دليل على أن هذه الكلمات تدفع عن قائلها كل ضر كائنًا ما كان، وأنه لا يصاب بشيء في ليله ولا نهاره إذا قالها في أول الليل والنهار. اهـ.
وهناك أدعية أخرى يتعوذ بها عند الخوف من التعرض للأذى ذكرناها في الفتوى رقم: 108339.
وقد سبق لنا الكلام عن علاج الخوف والقلق والضيق والاكتئاب، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18633، 80958، 64507، 57372.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(1/2587)
قضاء الله وقدره لا ينافي اتخاذ الأسباب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لدي 29 سنة ولم أتزوج بسبب أبي الذي كان يرفض كل الذين تقدموا لي بحجة أنهم غير مناسبين له، ولم يكن يأخذ رأيي أبدا مع أنه كان في الذين تقدموا لي ذوو خلق ودين، وأنا لم أستطع أن أعترض قررات أبي بسبب خجلي وحيائي منه، وكنت أنقهر كل مرة، وتقدم لأختي وعمرها 25 التي هي اصغر مني سنا شاب خلقه جيد لكن غير متدين، وكان هو وأختي على علاقة ونحن لم نكن نعرف، فرفض أبي زواجه من أختي، لكن أختي أصرت على هذا الشاب فوافق أبي عليه، وأحبه جدا وتزوجت أختي منه.
سؤالي هو: تأخر زواجي هل هو بسبب أبي؟ أم بسبب خجلي من أبي؟ أم كان علي أن أفعل مثل أختي أتعرف على شاب من غير علم أهلي ويوم يتقدم لي أصر على الزواج منه كما فعلت أختي. لكن كيف أفعل هذا وأنا أعلم أنه حرام عند الله، وأنا أستحي من الله ومن أبي. وأمي تقول لي: كان علي أن أفعل مثل أختي.
أم هو قضاء الله وقدره. ماذا أفعل؟ أرجو دعاء لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما يحصل في الوجود إنما هو بقضاء الله وقدره، ولا ينافي ذلك اتخاذ الأسباب، وما حصل لك من تأخر الزواج هو بسبب والدك، ثم كذلك بسبب حيائك منه، وقد كان لك أن تبدي رأيك فيمن يتقدمون لخطبتك، وتقبلي من رضيت دينه وخلقه، وليس لأبيك رفضه. وعضله إياك يسقط ولايته، ويمكن رفع الأمر للقاضي لإلزام الأب بتزويج ابنته متى وجدت كفؤا ورضيته، فإن لم يوجد القاضي فيمكن رفع الأمر للهيئات الإسلامية في البلاد التي لا يوجد بها محاكم شرعية لتتولى رفع الظلم عن البنت وتزويجها من كفئها.
وأما سلوك أختك في معرفتها على أجنبي وإقامتها علاقة غير مشروعة معه قبل الزواج فذلك مما لا يرضي الله عز وجل، ولا يجوز لأمك أن تدعوك إليه، وإن فعلت فلا يجوز لك طاعتها في ذلك، فاتقي الله تعالى، واصبري واحتسبي، ولعله يرزقك خيرا مما فاتك، والفرج بيد الله سبحانه، فأقبلي عليه وسيجعل لك من أمرك يسرا.
نسأله سبحانه أن يرزقك زوجا صالحا تقر به عينك وتسعد به نفسك؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1753، 3145، 96170، 104456.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1430(1/2588)
المعاصي ... والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الجزاء على الاستفادة التي تقدمونها، من أركان الإيمان الإيمان بالقدر خيره وشره ... هل المعاصي من القدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما يقع في هذا الكون إنما يقع بتقدير الله عز وجل، والله سبحانه هو الذي خلق الإنسان وخلق عمله، والإيمان بذلك هو المرتبة الرابعة من مراتب الإيمان بالقدر، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 60787.
وهذا لا يعني أن الإنسان ليس له إرادة أو أنه ليس مكتسباً لعمله، ولذلك لا يجوز ولا يصح أن يحتج بالقدر على فعل المعاصي واقترافها، كما تقدم تفصيل ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 95359، 2887، 49314، 68606.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1430(1/2589)
قضاء الله تعالى لعبده المؤمن خير دائما
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التوضيح الآن: الإنسان مخير ولذلك هناك عقاب وثواب حسب اختيارنا، هناك فتيات يتقدم لهن خطاب ولا يعودون مرة أخرى لهن لقلة جمال مثلا، هي اختارت ذلك لنفسها وأنا بالنسبة لي تقدم لي شخص ولكن والدتي رفضته بشدة ولكنني وافقت عليه غصبا عنها فغضبت علي ولم أوفق بزواجي منه وانفصلت عنه لأن حياتي قلبت جحيما معه، هل هذا اختياري أنا أيضا رغم أنني حاولت استرضاء أمي لكن كانت دائما تعيرني وأنا حزينة جدا لما حصل وهو قد تزوج الآن ونسيني فهل أنا التي صنعت ذلك لنفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان المرء إلا به, ومعنى هذه العقيدة أن الله سبحانه هو العالم بكل شيء, وهو خالق كل شيء, ولا شيء يحدث في الكون إلا بإرادته ومشيئته, وكل ذلك قد كتبه الله سبحانه في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض.
قال البغوي –رحمه الله - في شرح السنة: الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد، خيرها وشرها، كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل أن خلقهم، قال الله سبحانه وتعالى: والله خلقكم وما تعملون، وقال الله عز وجل: قل الله خالق كل شيء، وقال عز وجل: إنا كل شيء خلقناه بقدر. انتهى.
ولا يجوز للمسلم أن يبحث عن سر القدر, ولا أن يسأل لم فعل الله كذا؟ لم أعطي هذا ومنع هذا؟ لم أغني هذا وأفقر هذا؟ فهذا مما استأثر الله به, فلم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل , فمن حاول ولوج هذا البحر اللجي فيوشك أن يضل ويشقى, وأن يذل ويخزى.
قال الطحاوي – رحمه الله: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال الله تعالى في كتابه: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
وقال - رحمه الله - أيضا: وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب ولا مزيل ولا مغير ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه وذلك من عقد الإيمان وأصول المعرفة والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته كما قال تعالى في كتابه: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا وقال تعالى: وكان أمر الله قدرا مقدورا) فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما وأحضر للنظر فيه قلبا سقيما لقد التمس بوهمه في محض الغيب سرا كتيما وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما. انتهى.
وليعلم المسلم أن قضاء الله سبحانه دائما هو الخير والحكمة فعلى العبد أن يرضى دائما بما قضاه الله وقدره , ويعلم أن قضاءه سبحانه لعبده المؤمن دائما خير, وإن رآه العبد في صورة الشر.
وبعد هذه المقدمة الهامة نقول: أما قولك إن هناك فتيات ما هن بجميلات ولأجل ذلك أعرض عنهن الخطاب, فهذا من قضاء الله وهو الخير لهن ولا شك, فالإنسان لا يدري أين سعادته أو مصلحته, وقد رأيت أنت بنفسك – أيتها السائلة – بعد أن خالفت أمك في شأن هذا الرجل, وأصررت على الزواج منه كيف تحولت حياتك – كما تقولين – إلى هم وغم, وهذا أيضا من قدر الله, قد يكون عقوبة بسبب مخالفة أمر أمك وقد لا يكون كذلك, لكنه في النهاية هو الخير لك, والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
أما بخصوص الحكم الشرعي فيما إذا أصرت الفتاة على الزواج بشخص معين وعارضها في ذلك والداها أو أحدهما فقد بينا تفصيل هذا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65811 , 48766 , 29716.
وخلاصته أنه لا يجوز للأب ولا للأم ولا لغيرهما أن يمنعوا المرأة من الزواج إذا خطبها من هو مرضي في الدين والخلق، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. رواه الترمذي، ومنعهم إياها من الزواج بالكفء عضل محرم، ولكن يجب على الفتاة أن تطيع والديها إن هما أصرا على ذلك إلا إذا خافت على نفسها الوقوع في الحرام إن هي تركت هذا الزواج فحينئذ لها الزواج به ولو لم يوافقا, وإذا منعها أبوها من الزواج من كفئها الذي ارتضته يزوجها الحاكم أو وليها الأبعد.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 20434 , 8652 , 99120 , 67357.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1430(1/2590)
لا يفعل الله شيئا ليس من ورائه حكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قرأت كثيراً في مواضيع القضاء والقدر حتى تشبعت من كثرة ما قرأت ولكنني أحيانا أشعر بتعب نفسي من التفكير لما يحصل معي من مشاكل، فهل الله سبحانه وتعالى أراد ذلك فهل كل ما يقع بالكون سواء خير أو شر أراده الله لحكمة مطلقة لا نعلمها، وهل ربنا سبحانه وتعالي رقيب على المؤمن بتصرفاته يعني لو كنت اخترت اختيارا خطأ في حياتي ولكني لا أعلم أنه خطأ فهل الله سبحانه وتعالى يمنعني من الوقوع بهذا الخطأ أم يتركني أرتكب هذا الخطأ لأننا كبشر مخيرين، وأحيانا الإنسان يعتقد أمراً شراً له وهو خير فهل الله يؤدي إلى وقوع هذا الأمر، مثال أنني أكره التعليم وفي دراستي ابتعدت عن التعليم ولكني الآن أعمل معلمة وأنا عمري لم أفكر أن أكون معلمة، فهل هذا لحكمة من الله أنا لا أعرفها أريد أن أرتاح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها الأخت السائلة أن ما تشعرين به من التعب الذهني جراء التفكير في القدر بالطريقة التي ذكرت هو نتيجة حتيمة لذلك، لأن القدر سر الله تعالى في خلقه، كما قال الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال الله تعالى في كتابه: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.. فالله تعالى لم يكشف قدره على وجه التفصيل لأحد، بل هذا علمه عند الله، وما طوى الله عنا علمه من القدر فإن الخير في أن لا نبحث فيه، وفي الحديث الصحيح: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
ولهذا فإن الراسخين في العلم يبسطون من مسائل القدر ما جاء في الأدلة، ويطوون من مسائل القدر ما لم يأت في الأدلة، والواجب على المؤمن أن يؤمن إيماناً يقينياً أن الله تعالى حكيم في أفعاله لا يفعل شيئاً عن غير حكمة، خبير ومطلع على أفعال عباده لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وأنه تعالى كما قال: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ. فإذا آمن بذلك ولم يتعمق استراح قلبه وسكن واستقر إيمانه ولم يتزعزع.
فإذا أردت أيتها الأخت السائلة الراحة -كما ذكرت- فكفي عن التعمق وكثرة البحث والخوض في مسائل القدر، وآمني بما دل عليه الكتاب والسنة من أن الله قدر مقادير الخلق فعلمها قبل وقوعها وكتبها وشاءها وخلقها وأوجدها، وأمسكي عن ما وراء ذلك وستجدين الراحة بإذن الله، وانظري للفائدة في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4054، 79824، 53111.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1429(1/2591)
أحوال الناس مع الرضا بما قضاه الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الرضا التام طبع أم إرادة، وما هي الطريقة للوصول إلى ذلك، فأرجو الرد على الإيميل الخاص بي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرضى بما قدر الله وتسليم العبد لكل ما جرى به القدر قد يقذفه الله تعالى في قلوب بعض من يشاء من عباده؛ فبعضهم يحصل له ذلك بتوفيق الله له، وبعضهم يحصل له بالإنابة إليه ومجاهدة النفس. كما قال الله تعالى: اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيب ُ {الشُّورى:13} ، قال العلماء: العباد ينقسمون في ذلك إلى قسمين: قسم جبلوا على طاعة الله ومحبته والرضى بقدره والتسليم لأمره، وقسم هدوا لذلك وجاهدوا أنفسهم حتى وصلوا إلى كمال الإيمان والرضى بكل ما قدره الله تعالى في هذا الكون.
قال السعدي في تفسيره: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ. أي يختار من خليقته من يعلم أنه يصلح للاجتباء.. وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ هذا السبب الذي من العبد، يتوصل به إلى هداية الله تعالى، وهو إنابته لربه، وانجذاب دواعي قلبه إليه، وكونه قاصدا وجهه؛ فحسن مقصد العبد مع اجتهاده في طلب الهداية، من أسباب التيسير لها.
وأما طريق الوصول إلى الرضى عن الله تعالى فتكون بأمور ذكرها أهل العلم نختصر لك منها ما يلي:
اعتقاد العبد لكمال ربه سبحانه وتعالى ولإحسانه إلى عباده، وأنه يستحق أن يرضى بقضائه لأن حكمه عدل لا يفعل إلا خيراً وعدلاً، ولأنه لا يقضى للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن إصابته ضراء صبر فكان خيرا له. ويكون بمجاهدة النفس على زيادة الإيمان وتسليم الأمر لله تعالى حتى يعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وبذلك يرضى عن الله تعالى.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: ومن ذلك أن يعلم العبد أن أعظم راحته وسروره ونعيمه: في الرضى عن ربه تعالى وتقدس في جميع الحالات، فإن الرضى باب الله الأعظم ومستراح العارفين وجنة الدنيا، فجدير بمن نصح نفسه أن تشتد رغبته فيه وأن لا يستبدل بغيره منه.. وأن يعلم أن الرضى يوجب له الطمأنينة وبرد القلب وسكونه وقراره، والسخط يوجب اضطراب قلبه وريبته وانزعاجه وعدم قراره. اهـ
وإذا علم العبد ذلك وأيقن به دعاه إلى الرضى عن الله تعالى. وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 44176، 105640، 106294.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(1/2592)
الأخذ بالأسباب لا ينافي القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ في ردك على الاستشارة رقم: 286139 أوضحت أن الدعاء قد يرد أو يخفف القدر ويزيد الرزق. في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. إذن الرزق مقدر كالأجل والأجل لا يزيد ولا ينقص فكيف يمكن للدعاء أن يزيد الرزق وما فائدة العمل إذا كان الرزق مقدرا كالأجل؟ سواء عملت بكد أو نمت رزقي مقدر ولن يتغير صحيح؟ وإذا كان مقدر لإنسان أن يشقى فلماذا يسعى إذن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب على سؤالك من أوجه:
الأول: أن الدعاء عبادة لقوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}
وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح: الدعاء هو العبادة، ثم قرأ رسول الله الآية.
وإذا كان كذلك وجب التعبد لله بالدعاء حتى ولو لم تتوفر الأسباب المادية الظاهرة، فقد ظل زكريا وإبراهيم يدعوان الله في رزق الولد حتى أخذهم الكبر وانقطعت الأسباب المادية الظاهرة، ثم استجاب الله تعالى لهما ووهبهما الذرية الصالحة.
الثاني: أن الدعاء دافع للبلاء جالب للخيرات والأرزاق، فقد ثبت في الأحاديث البالغة حد التواتر استعاذة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرور والفتن والأمراض، وثبت أنه دعا في الاستسقاء فنزلت الأمطار الكثيرة المباركة، وثبت أنه دعا لأحد أصحابه بالبركة فرزق ذلك في تجارته وفي صفقة يمينه.
فكل هذه الأحاديث تدل على أن الدعاء يزيد في الرزق لأن الله تعالى وعد من دعاه بالإجابة، وكفى برسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة. أما التوغل في السؤال عن الكيفيات مع أن الرزق مقدور ثابت في اللوح فلم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، بل دعوا كما أمرهم الله ولم يتكلفوا ما لم يكلفهم الله.
الثالث: وأما ما فائدة العمل إذا كان الرزق مقدرا كالأجل فالجواب أن الله عز وجل قدر المقادير بأسبابها فالأخذ بالأسباب لا ينافي القدر ثم هذا السؤال لا يقوله عاقل ولا متبع. أما العاقل فهاهم العقلاء في العالم أجمع يسعون ويعملون ويدركون ضرورة أنه لا يمكن أن يرزق العبد إلا بالسعي والعمل وإلا هلك ثم هم مع ذلك يدركون أنه ليس كل من يسعى يرزق ويصل إلى ما سعى إليه.
وأما المتبع فلأن هذا السؤال لم يسأله محمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه فلا نسأله إنما نحن مكلفون بالسعي والعمل فقط بلا تكلف أو تعنت أو بحث عما لا يفيد.
الرابع: أما فائدة السعي مع تقدير الشقاوة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما سئل: ما العمل يا رسول الله، فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. فهذا جواب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو شريعة نجيب بها: اعمل فأنت ميسر لما خلقت له.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 78470، 9890، 35295، 64404، 62466.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1429(1/2593)
الحكمة من خلق الإنسان والملائكة عليهم السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا خلق الله تعالى الإنسان وجعله خليفة في الأرض، والإنسان دائماً يقع في المعصية ولم يجعل مكانه الملائكة، ولماذا خلق الله عز وجل الملائكة وهو الغني عن العالمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشطر الأول من السؤال يشبه سؤال الملائكة، فإنهم لما قال الله تعالى لهم: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً {البقرة: 30} ، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ فكان الجواب من الله سبحانه: قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:30} ، فالله تبارك وتعالى لا تحيط بحكمته وعلمه الملائكة فضلاً عن البشر ...
قال ابن كثير عن سؤال الملائكة: هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك ... ولا يصدر منا شيء من ذلك وهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء، والصالحون والعباد، والزهاد والأولياء، والأبرار والمقربون، والعلماء العاملون والخاشعون، والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله، صلوات الله وسلامه عليهم، وقد ثبت في الصحيح أن الملائكة إذا صعدت إلى الرب تعالى بأعمال عباده سألهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون. وذلك لأنهم يتعاقبون فينا ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر.. فقولهم: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون. من تفسير قوله: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. انتهى.
وقال ابن القيم: أجابهم تعالى عن هذا السؤال بأن له من الحكمة في جعل هذا الخليفة في الأرض ما لا تعلمه الملائكة، وإن وراء ما زعمتم من الفساد مصالح وحكماً لا تعلمونها أنتم.. وقد ذكرنا منها قريباً من أربعين حكمة في كتاب (التحفة المكية) فاستخرج تعالى من هذا الخليفة وذريته الأنبياء والرسل والأولياء والمؤمنين وعمر بهم الجنة وميز الخبيث من ذريته من الطيب فعمر بهم النار، وكان من ضمن ذلك من الحكم والمصالح ما لم يكن للملائكة تعلمه.... بدائع الفوائد.
وقد بين ابن القيم شيئاً من ذلك في مواضع أخرى من كتبه منها (مدارج السالكين، وشفاء العليل، ومفتاح دار السعادة) .
وقال رحمه الله: الحكمة إنما تتم بخلق المتضادات والمتقابلات كالليل والنهار والعلو والسفل والطيب والخبيث والخفيف والثقيل والحلو والمر والبرد والألم واللذة والحياة والموت والداء والدواء، فخلق هذه المتقابلات هو محل ظهور الحكمة الباهرة ومحل ظهور القدرة القاهرة والمشيئة النافذة والملك الكامل التام، فتوهم تعطيل خلق هذه المتضادات تعطيل لمقتضيات تلك الصفات وأحكامها وآثارها وذلك عين المحال، فإن لكل صفة من الصفات العليا حكما ومقتضيات وأثراً هو مظهر كمالها وإن كانت كاملة في نفسها لكن ظهور آثارها وأحكامها من كمالها، فلا يجوز تعطيله فإن صفة القادر تستدعي مقدوراً، وصفة الخالق تستدعي مخلوقاً، وصفة الوهاب الرازق المعطي المانع الضار النافع المقدم المؤخر المعز المذل العفو الرؤوف تستدعي آثارها وأحكامها ... فلو عطلت تلك الصفات عن المخلوق المرزوق المغفور له المرحوم المعفو عنه، لم يظهر كمالها وكانت معطلة عن مقتضياتها وموجباتها، فلو كان الخلق كلهم مطيعون عابدون حامدون لتعطل أثر كثير من الصفات العلى والأسماء والأسماء الحسنى، وكيف كان يظهر أثر صفة العفو والمغفرة والصفح والتجاوز والانتقام والعز والقهر والعدل والحكمة التي تنزل الأشياء منازلها وتضعها مواضعها، فلو كان الخلق كلهم أمة واحدة لفاتت الحكم والآيات والعبر والغايات المحمودة في خلقهم على هذا الوجه وفات كمال الملك والتصرف. شفاء العليل.. وأشار إلى هذا المعنى في مواضع أخرى من كتبه منها (مدارج السالكين- وطريق الهجرتين) .
وفي هذا الكلام ملمح للإجابة عن الشطر الثاني من السؤال أيضاً، فلا شك أن الله غني عن العالمين فلم يخلق الله تعالى الخلق لحاجة أو منفعة تعود عليه سبحانه، قال الله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {لقمان:26} ، ولكن اقتضت حكمته تعالى أن يخلق الخلق على هيئة تظهر بها آثار أسمائه وصفاته، قال ابن القيم: سر هذا الباب أنه سبحانه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه ما وهو يحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه فإن ذلك من لوازم كماله ... فإذا كان يحب العفو والمغفرة والحلم والصفح والستر لم يكن بد من تقديره للأسباب التي تظهر آثار هذه الصفات فيها ويستدل بها عباده على كمال أسمائه وصفاته ويكون ذلك أدعى لهم إلى محبته وحمده وتمجيده والثناء عليه بما هو أهله فتحصل الغاية التي خلق لها الخلق وإن فاتت من بعضهم فذلك لفوات سبب لكمالها وظهورها فتضمن ذلك الفوات المكروه له أمراً هو أحب إليه من عدمه فتأمل هذا الموضع حق التأمل وهذا ينكشف يوم القيامة للخليقة بأجمعهم حين يجمعهم في صعيد واحد ويوصل إلى كل نفس ما ينبغي إيصاله إليها من الخير والشر واللذة والألم حتى مثقال الذرة ويوصل كل نفس إلى غاياتها التي تشهد هي أنها أولى بها فحينئذ ينطق الكون بأجمعه بحمده تبارك وتعالى قالا وحالا كما قال سبحانه وتعالى: وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. روضة المحبين ...
وللمزيد من الفائدة يمكن مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31767، 53994، 44950.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1429(1/2594)
أسباب المصائب التي تصيب العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل يمني أعمل في السعودية ولدي والحمد لله تجارة طيبة ولكن في الفترة الأخيرة واجهت الكثير من المشاكل والأتعاب مثل أول مرة سرق مني مبلغ 18000 ريال من ابن العم وثاني مرة سرق مني مبلغ 11000 وتأتي أيام وتذهب أيام وتحصل علي مشاكل وأخسر فيها مبلغ وقدره 100000 ريال سعودي.
ولا أدري هل هو النصيب أو الحظ أو ماذا وهل المشاكل والمصائب التي واجهتها لها علاقة في أعمالنا اليومية أو أنها المقدر والمكتوب.
ولكم جزيل الشكر ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي بارك الله فيك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، فكل ما أصاب العبد من مصيبة هي مكتوبة ومقدرة. قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا {الحديد:22}
فبين الله تعالى أن كل مصيبة في الأرض أو في الأنفس مقدرة مكتوبة عنده جل وعلا قبل أن يبرأ (يخلق) الخلق أو النفس.
وننبهك إلى أمور
الأول: أن الله تعالى يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {الشُّورى:30} فهذه الآية تبين أن سائر المصائب هي بسبب جنايات العبد وذنوبه، فننصحك أخي بالتوبة من الذنوب والاستغفار، وأداء الحقوق في هذا المال من زكاة واجبة أو صلة رحم أو نفقة على من تجب عليك النفقة عليهم، وكذلك التطوع بالصدقات فإنها تدفع السوء؛ كما في الحديث الصحيح: صنائع المعروف تقي مصارع السوء. رواه الحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير، وغيرهما وصححه الألباني.
الثاني: اعلم كذلك أن كل مصيبة يصابها العبد هي كفارة له؛ كما جاء في الصحيح: لا يصيب المؤمن من مصيبة حتى الشوكة إلا قص الله بها من خطاياه أو كفر بها من خطاياه. رواه مسلم. فاحتسب ذلك عند الله تؤجر.
الثالث: أنه ربما يكون ما أصابك بسبب عين فحافظ على أذكار الصباح والمساء، وأكثر من الدعاء، وإن رقيت نفسك رقية شرعية فذلك حسن.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 1796، والفتوى رقم: 33860.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1429(1/2595)
خطأ التوهم أن ابتلاء المؤمن يبعده عن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن صعوبة التفكير في الحقيقة، وأن الإنسان غير راض عما هو فيه. فكيف يحب الإنسان الله وهو يشعر أن كل بلاء جديد يبعده عن الله ولا يقربه منه إذا أحب الله عبدا ابتلاه؟ فمن قوة الهموم والابتلاءات وعدم تحقق المطلوب من الأماني والدعوات، قد يشعر الإنسان أن الله غير مهتم به، وهذا قد يشككه في الدين أيضا وحقائق الأشياء والإيمان بها. فكيف التصرف مع هذه الأفكار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الجواب عن سؤالك كالتالي:
أولا: عن صعوبة التفكير في الحقيقة.. إن كنت تقصد حقيقة المعاد والبعث فاعلم أن الإيمان والتصديق به من أركان الإيمان التي لا يتم الإيمان إلا به، والشك فيه نقض للإيمان، فيجب الاستعاذة بالله من شر الوساوس المفضية إلى ذلك، والقبض على عرى الأدلة من القرآن والسنة والتصديق التام بأخبارهما بلا ريب.
ثانيا: أما عدم الرضى بما قدره الله للعبد.. فاعلم أن على المؤمن أن يصبر على ما قدره الله له من المقادير والأرزاق، وينبغي أن يعيش راضيا بذلك، غير ناقم على عيش أو وضع أو ظرف، أما مجرد التوهم أن كل بلاء يبعد عن الله فهذا خطأ مخالف للأدلة القاضية أن ما أصاب المؤمن من بلاء إلا كفر الله به خطاياه، وفي هذا تقريب من الله مع الصبر والرضى.
ثالثا: أما قوة الهموم.. فعلاجها ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعاء: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال. رواه البخاري. مع الإكثار من ذكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعا: أما عدم تحقق المطلوب من الدعاء فاعلم أن لإجابة الدعاء ثلاث صور:
1- إعطاء العبد ما سأل.
2- دفع البلاء النازل.
3- إرجاء أجرها إلى يوم القيامة.
وكل هذه خير.
خامسا: أخيرا ننصحك بعدم الاسترسال في هذه الوساوس التي تؤدي بالعبد في آخرها إلى الشك في أصول الدين والاعتقاد، وعليك مدافعتها والاستعاذة بالله حين تواردها وورودها، وذكر الله حينئذ فإنه طارد للشيطان، أو الاشتغال بقراءة القرآن فإنه اتصال بالله سبحانه وتعالى الذي من لجأ إليه واتصل به كفاه همه وصرف عنه الخواطر الإبليسية، وراجع فتوانا رقم: 58741، 97066.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1429(1/2596)
ما قسمه الله تعالى للعبد سيناله لا محالة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 31 سنة وأعمل مهندسة بشركة عامة ومن عائلة محترمة ولله الحمد وسيرتي وسيرة أهلي طيبة خطبت من ابن عمتي من سنتين تم فسخ الخطوبة برغم أنه كان يرغب فينا من قبل 5 سنوات لا أعرف ماذا حدث والآن تقدم إلى خطبتي زميلي في العمل بعد حضور أهله إلى بيتنا وتقدموا لخطبتي وسؤال أهله عنه وتحمسوا للموضوع وخاصة بعد ما تبين أن أخي يشتغل مع أخيه ولكن تغيرت معاملته لي وعندي إحساس كأنه يهرب من الموضوع وأحس بضيق شديد ومنذ ذلك اليوم وأن أغتسل برقية شرعية بماء مقروء عليه قرآن وسدر وأقرأ سورة البقرة يومياً وأحياناً أقوم الليل وعملت حجامة فى يوم سنة لهذا الشهر وشبه يومياً أرى فى منامي قطة سوداء تحاول الهجوم علي وعندما أقرا آية الكرسي تتركني وتهرب ومرة رأيت أني سكبت عليها ماء وسدر الذي أغتسلت به فذهبت وتركنا ماذا يعني هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك أيتها السائلة بأن تطردي عنك الضيق والهم والغم، فالأمور كلها بيد الله تعالى، والأرزاق يقسمها بين عباده كيف يشاء، وله في ذلك الحكمة البالغة وهو العليم الخبير، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى سبحانه وتعالى، والخير كل الخير للعبد في الرضا، والشر كل الشر في التسخط والاعتراض عليه.. وننصحك بالرضا بما قدر الله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه، والدعاء أن يرزقك الله زوجاً صالحاً يجمع بين الدين والخلق، فهو لا يرد من يدعوه خائباً، ولا تتسخطي على قضاء الله تعالى، ولا تيأسي من روح الله تعالى.
واعلمي أن ما قسمه الله تعالى لك ستنالينه لا محالة، ولا يستطيع أحد أن يحول بينك وبينه، ولعل ما حصل لك هو الذي فيه الخير لك، وعسى أن يكون الله مدخراً لك ما هو أفضل وأنفع لك.. وأما بخصوص رؤية القطة السوداء التي تهاجمك في المنام فقد يكون هذا من الشيطان، فحافظي على أذكار النوم قبل النعاس، وخاصة آية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة والإخلاص والمعوذتين، وداومي على ما أنت عليه من الرقية الشرعية وقراءة سورة البقرة.
واعلمي أن تأخر أمر الزواج بعض الوقت ليس بالضرورة أن يكون سببه السحر، كما ظننت -وقد فهمنا ذلك من كلامك واغتسالك بالماء المقروء فيه- وإن كان للسحر عموماً دور في تأخير الزواج، كما قال ذلك العالمون بهذا الشأن، فإن خشيت على نفسك أن تكوني مصابة بشيء من هذا فيمكنك مراجعة أهل العلم ممن لهم دراية بأمر الرقية، ثم ننصحك بمراجعة كتاب (الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار) لمعرفة بعض أعراض السحر وعلاجه، ونسأل الله تعالى أن يحفظك من كل شر، وللفائدة في الموضوع تراجع الفتوى رقم: 8585، والفتوى رقم: 65810.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1429(1/2597)
التسليم لأمر الله شيمة المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متدينة والحمد لله أومن بدرجة كبيرة بالاستخارة لدرجة أني أصليها في أي أمر مهما كان صغيرا أصبت بحب الشباب (كمية قليلة) نصحتني صديقتي بالذهاب إلى طبيب تعرفه رفضت لبساطة الحبوب وفي الأخير اقتنعت صليت الاستخارة لمدة أسبوعين وتوكلت علي الله وشربت الدواء بنفس مطمئنة جدا وعيون مغمضة لوثوقي الشديد بالله والاستخارة لكن الأيام بينت لي أني كنت ضحية خطأ طبي أدى إلى ظهور أشياء غريبة في وجهي تحرق قلبي كل ما نظرت في المرأة في البداية قلت مستحيل أن أصاب بضرر قد استخرت خالقي وعالم الغيوب وإن كل ما ظهر ببشرتي سوف يزول مع الأيام وها قد مر عام ونصف وما زالت النتائج السيئة كما هي إن لم أقل تزيد بصورة بطيئة تقتلني معها ببطء أيضا لو عاد الزمان إلى الخلف لما شربت هدا الدواء المشؤوم ولكن لم أكن أعلم الغيب
إني في حالة سيئة حزينة تائهة أتعذب كل دقيقة عند النظر في المرأة أعض أصابعي ندما على شربي الأقراص ولكن لم أكن اعلم الغيب ضعف إيماني لدرجة كبيرة لم أعد أفهم شيئا لقد استخرت الله 15 يوما ولكن ها هي النتيجة أجيبوني ما معنى هذا؟ وما مدى صحة الاستخارة؟ أرجوكم إيماني في الحضيض استخرت ولكن كرهت نفسي إلى درجة أني أتمنى الموت؟
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجبُ عليكِ أيتها الأخت الفاضلة أن ترضي بقضاء الله، وأن تصبري لحكمه وتستسلمي لأمره، فقد قال الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن 11} قال علقمةُ في تفسيرها: هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم، وقال النبي صلي الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم من حديثِ صهيبٍ رضي الله عنه.
فالصبرُ حصنٌ لا يهدم وجُندٌ لا يهزم، صارمٌ لا ينبو وجوادٌ لا يكبو، ولعل ما أصابكِ من البلاء كان بسبب ذنبٍ أراد الله أن يكفره عنكِ، أو لعل لكِ عند الله منزلة لا تبلغينها بصالح عمل فقدر عليكِ هذا البلاء، واعلمي أيتها الفاضلة أن الله أرحم بعبده من الأم بولدها، فإذا كنت تجزمين بأن أمكِ لا تختار لكِ إلا خيرَ الأمرين فالله عز وجل أولى بذلك، فإذا استقر في نفسك ما ذكرنا واطمأن به قلبك ولبست ثوب الرضا بقضاء الله فاعلمي أن الاستخارة سببٌ لكل خير، فواظبي عليها ولا تتركيها في جميع أمورك وثقي بالله عز وجل، واعلمي أن الخير فيما يقدره ويقضيه، فربما كان هذا المرض خيراً لكِ: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة 216}
وأما قولكِ إنكِ أصبحت تتمنين الموت فليس هذا من شأن أهل الدين، وقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن تمني الموت فقال: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. متفق عليه من حديثِ أنس بن مالك رضي الله عنه.
ونصيحتنا لكِ أن تقرّي عيناً بقضاء الله، ولا ينافي ذلك أن تأخذي بالأسباب للعلاج من هذا المرض، ومن أهمها الاجتهاد في الدعاء والإقبال على الله، ثم ابحثي عن طبيبةٍ ثقة مختصةٍ بعلاج ما تشتكين منه، فإن لم تكن فلا بأس من أن تذهبي إلى طبيبٍ ثقة مختص ذي درايةٍ ومهارة، ويمكن أن تشيري في هذا الشأن قسم الاستشارات بموقعنا أو أحد المواقع الإسلامية، نسأل الله أن يرفع عنكِ البلاء وأن يعجل لك بالشفاء ... وبالله التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(1/2598)
حكم نسبة الأمور المرضية وغيرها للحظ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول بعض الأشخاص *على سواد السعد* حين يصيبهم ما لا يرضونه مع العلم أن *السعد* عندنا هو بمعنى الحظ والنصيب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما يحصل في الكون يحصل بقضاء الله وقدره، فقد قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} وفي حديث مسلم: ك ل شيء بقدر حتى العجز والكيس. فالله تعالى قد دبر أمور عباده وقسم أرزاقهم وهو أعلم بمصالحهم، فعلى المسلم أن يستعين بالله في قضاء حاجاته ويرضى بما قدر له ويحسن الظن بالله دائما.
وأما نسبة الأمور المرضية أو المكروهة عند العبد إلى الحظ فهو باطل فالأمر كله خاضع لقضاء الله وقدره، فالحظ لا أثر له فيما يحصل للناس لما في الحديث: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. متفق عليه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 9040، 4784، 96876.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1429(1/2599)
الخشية من المستقبل خوف في غير محله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أن أسأل عن الخوف على المستقبل، وماذا أفعل لكي ينتهي مع العلم بأني طالبة في الجامعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمستقبل بيد الله تعالى، والله تعالى ضمن للخلق أرزاقهم وتعبدهم بطاعته والإيمان به، ووعد المؤمنين بالأمن والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ {الأنعام:82} ، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} ، وقال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {يونس:62} ، وقال عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ {الروم:40} ، وقال تعالى: وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ {الذاريات:22} ، ثم أقسم: فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ {الذااريات:23} .
فكما لا تشُكين في أنك تنطقين كذلك يجب أن لا تشُكي في أن رزقك في السماء، وسينزل لك بقدر معلوم، فالله عز وجل قد ضمن لابن آدم الأجل والرزق وطلب منه العمل لأجل الآخرة وكسب رضا الله، فلا تخشي شيئاً سوى ألا تكوني من أهل الجنة.
إننا نعمل في الدنيا بما أمر الله، والمستقبل في علم الله، ونسأله أن يجعله أكثر قربى من الله، واحرصي على حسن الظن بالله تعالى، وأيقني بأن طاعته هي وسيلة الأمن المحققة وتوكلي عليه واستعيذي به من الشر، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3508، 93096، 102257.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1429(1/2600)
الرضا والتسليم وحكمة ابتلاء الأطفال بالمرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي الإيمان بالله بدون الإيمان بأسمائه وصفاته حيث إني أجد من الصعب الإيمان بها لكونها تتعارض مع أشياء كثيرة في حياتي من أهمها اسم وصفة الرحمن ابنتي مصابة بالسرطان منذ أن كانت في الثانية والنصف من عمرها!!! فهل هذه هي الرحمة التي كتبها الله على نفسه، وإذا رحم الله ابنتي وشفاها وبقية الأطفال المعذبين من يرحمهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته من الإيمان بالله تعالى، فالكفر بأي منها كفر به سبحانه، قال الله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا {الأعراف:180} ، فاسمه سبحانه الرحمن وما دل عليه من صفة الرحمة يجب الإيمان به وبكونه بلغ الغاية في الاتصاف بها، قال تعالى: هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ {الحشر:22} ، وإنكار هذا الاسم من الكفر بالله والإلحاد في أسمائه وصفاته.
وأما إصابته خلقه بالأمراض ونحو ذلك من الأمور التي قد تحدث الآلام فلا ينافي رحمته، لأنه إنما يصيبهم بذلك لحكمة يعلمها، ويجب على المسلم أن يؤمن بأن الله تعالى له أن يتصرف في خلقه بما شاء، وأن أفعاله سبحانه في خلقه لا تصدر إلا عن حكمة قد نعلمها وقد لا نعلمها، ولا بأس بأن يلتمس المسلم هذه الحكمة فإن وجدها زادته إيماناً مع إيمانه، وإن لم يجدها لم يكن منه إلا الرضا والتسليم، وأما الاعتراض عليه بمثل ما ورد بهذا السؤال فهو مناف للأدب معه سبحانه، ومما ذكر أهل العلم من حكمة ابتلاء الأطفال ببعض الآلام أن الله تعالى يعوضهم عن ذلك بعد موتهم، قال القرطبي في تفسيره: قال العلماء: كما اشترى من المؤمنين البالغين المكلفين كذلك اشترى من الأطفال فآلمهم وأسقمهم لما في ذلك من المصلحة وما فيه من الاعتبار للبالغين فإنهم لا يكونون عند شيء أكثر صلاحاً وأقل فساداً منهم عند ألم الأطفال وما يحصل للوالدين الكافلين من الثواب فيما ينالهم من الهم ويتعلق بهم من التربية والكفالة، ثم هو عز وجل يعوض هؤلاء الأطفال عوضاً إذا صاروا إليه ونظير هذا في الشاهد أنك تكتري الأجير ليبني وينقل التراب وفي كل ذلك له ألم وأذى ولكن ذلك جائز لما في عمله من المصلحة ولما يصل إليه من الأجر. انتهى.
ثم إن ما يترتب على الألم من بكاء الطفل ونحو ذلك له فيه مصالح دنيوية أيضاً، قال ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة: ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة، فإن الأطباء والطبائعين شهدوا منفعة ذلك وحكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمة، فالبكاء يسيل ذلك ويحدره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح. وأيضاً: فإن البكاء والعياط -أي: الصراخ- يوسع عليه مجاري النفس، ويفتح العروق، ويصلبها ويقوي الأعصاب.
وكم للطفل من منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه، فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك، فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة من الحكم ما قد خفي على أكثر الناس.. انتهى.
وننبهك إلى أنه ينبغي عليك الالتفات إلى ما يمكن أن يكون سبباً لشفاء ابنتك من بذل الأسباب المعروفة من مراجعة الأطباء، ورقيتها بالرقية الشرعية وسقيها ماء زمزم ونحو ذلك هذا بالإضافة إلى الإكثار من الدعاء لها، وعدم اليأس فالإصابة بالسرطان لا تعني الموت به أو عدم إمكانية الشفاء منه كما قد يتصور بعض الناس، روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل. وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر. نسأل الله تعالى أن يشفي ابنتك شفاء تاماً لا يغادر سقماً وأن يجعلها قرة عين لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1429(1/2601)
بطلان الاعتقاد بحتمية استجابة القدر لإرادة الشعب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في البيت الشعري الآتي محظور شرعي كما سمعت من بعض الإخوة وما هو هذا المحظور الشرعي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المحظورات في هذا البيت هو قول الشاعر بما يفيد حتمية استجابة القدر لإرادة الشعب، وهذا غلط لأن الله لا يجب عليه شيء، وإرادة العباد ومشيئتهم تابعة لإرادته تعالى، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتويين التاليتين: 52019، 105093.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1429(1/2602)
النجاح والفشل بيد الله ومن جد وجد
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال ونتمنى الإجابة عليه في أسرع وقت ... أنا طالب أدرس بإحدى الدول الأوروبية، ولكن عندي مشكلة كل ما أنوي طلب شيء معين في الدراسة نجده مسدودا أو يرفض بالرغم من أنني والحمد لله غير مقصر في حقوقي مع الله سبحانه وتعالى، ودائما أستخير الله في أي عمل أنوي فعله وكل ما أدخل الامتحان أجد نفسي راسبا بالرغم من أنني أوتي للدراسة حقها مثل أي طالب آخر، وبالرغم من أنني أخرج من الامتحان ممنونا وأ تشاور مع الطلبة أجد نفسي والحمد لله ولكن في النتيجه أجد نفسي راسبا، إنني في حيرة فضيلة الشيخ وأحياناً أفكر في الفشل وأجد نفسي في حالة نفسية سيئة جداً فأفيدوني ماذا أفعل إذا لم أوفق لا سمح الله، وهل الفشل والنجاح كلها أمور من عند الله مكتوبة؟ جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم أن يوقن بأن الأمور كلها بيد الله، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ومن ذلك النجاح والفشل، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
فكل شيء بقدر وحكمة يدبرها الله سبحانه وتعالى، وينبغي لك أن تكون قوي العزيمة ماضي الإرادة مستعيناً في كل أمورك بالله سبحانه وتعالى، وأن تعلم أنه ما من أحد يبذل جهده ويجد في عمله أو دراسته إلا وجد النتيجة.. هذه سنة الله تعالى في هذا الكون فالله تعالى ربط الأسباب بالمسببات ولهذا قالوا: من جد وجد، ومن زرع حصد.
واعلم أن الفشل في الدارسة أو كثرة المصائب ليست دليلاً على كره الله للمرء، كما أن النجاح في الدراسة ووفرة المال والولد ونحو ذلك من النعم الدنيوية ليس دليلاً على حبه إياه ... وأن الرسوب يحصل لكثير من الناس ولكنهم ينهضون ويستفيدون من تجربتهم السابقة، وهذا ما نتمنى أن تستفيد منه وتبذل وتتقدم حتى تحصل على النجاح وأن تجعل من هذا الرسوب وهذه الشدة حافزاً قوياً يدفعك للجد والاجتهاد، فالحياة تجربة ... وكثير ممن نجح وبرع لم يتحقق له ذلك إلا بعد أن فشل المرة والمرات، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق،.
وللفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25496، 75054، 66870.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1429(1/2603)
القدر يحتج به عند المصائب، لا عند المعائب
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك رجل سعى إلى الزنا، وهنالك رجل جاءته امرأة داخل بيته، فهل نقول إن عقوبتهما تختلف لأن الأول سعى والثاني قدر له؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فالقدر لا يحتج به على الذنوب، وإنما يتعزى به عند المصائب، أما الذنوب فالواجب التوبة منها، ومن سعى إلى الزنا ومن أتى إليه، كل منهما مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب مستوجب للحد، ويزيد الساعي على الآخر بذنب السعي إلى الحرام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل السنة على أن القدر لا يحتج به على الذنوب، وإنما يتعزى به عند المصائب، وأما الذنوب فالواجب الإقلاع عنها، والتوبة منها، ولا يحتج بالقدر عليها وإن كانت من قدر الله، قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: وقع اللوم على المصيبة التي أخرجت أولاده من الجنة، فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، لا على الخطيئة، فإن القدر يحتج به عند المصائب، لا عند المعائب، وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث. فما قدر من المصائب يجب الاستسلام له، فإنه من تمام الرضى بالله ربا، وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب، فيتوب من المعائب، ويصبر على المصائب. قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ. وقال: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا. انتهى.
وقال في إيثار الحق على الخلق: وقد أجمع أهل الإسلام على أن القدر يتعزى به أهل المصائب ولا يحتج به في المعائب. انتهى. وفي كتاب القول المفيد شرح كتاب التوحيد، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن هذا من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، فموسى لم يحتج على آدم بالمعصية التي هي سبب الخروج بل احتج بالخروج نفسه. انتهى.
وعليه؛ فلا فرق بين من سعى إلى الزنا وبين من أتى إليه، في كون كل منهما زان آثم مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، مستوجب للحد، ولكن يزيد الساعي على الآخر بذنب السعي إلى الحرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1429(1/2604)
الحزن بعد القضاء هل ينافي الرضا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مظاهر التسخط على قضاء الله تعالى، كيف أعرف أني صابرة وغير متسخطة، أحيانا أكون بجد حزينة ويضيق صدري وتظلم الدنيا بوجهي وأصل إلى أعلى درجات الضيق، فهل هذا من التسخط، مع العلم بأني أجتهد أن أقول في تلك اللحظات ''الحمد لله''؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من مظاهر تسخط القدر عدم رضى العبد بقضاء الله وكراهة ابتلاء الله له ولا ينافي ذلك أن يتوجع أو يكره المقدور ويسعى في إزالته بالوسائل المشروعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من مظاهر تسخط القدر عدم الرضى بالقضاء وكراهية الابتلاء كذا قال المباركفوري في شرح حديث الترمذي: إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط. وقد ذكر صاحب تيسير العزيز الحميد في شرح هذا الحديث أن الرضى لا يتنافى مع التألم والتوجع.. وذكر ابن القيم في المدارج أنه لا تنافي بين رضى العبد بالقدر مع كراهته أحياناً، فذكر أنه يرضى به من جهة إفضائه إلى ما يجب من رضى الله عنه وتكفير ذنوبه ويكرهه من جهة تألمه به، ومثل لذلك بالدواء الكريه الذي يعلم فيه الشفاء فيجتمع فيه الرضى مع الكراهة.
وذكر بعض شراح الحديث أن الرضى لا يلزم منه الرضى بالمقضي بل يشرع للعبد أن يسعى في إزالة ما حصل له فيعالج المرض بالتداوي ويعالج الكرب والهم بالسعي في تفريجه ويعالج الفقر بالتكسب فيحرص العبد على ما ينفعه ويرضى بقضاء وقدر الله أولاً وآخراً، ففي حديث مسلم: أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وأن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل.
فاحرص على المواظبة على الأذكار المقيدة والمطلقة والإكثار من أدعية الكرب ومخالطة الصالحات والإكثار من مطالعة كتب الترغيب والرقائق وسير السلف، ونرجو أن تطلعي على كلام نفيس لابن القيم في المدارج بين فيه فوائد الرضى ومخاطر السخط، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76048، 27048، 32180، 63580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1429(1/2605)
الرضا بما قدر الله والعلم بأن ما للمرء سيناله لا محالة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن مريضة نفسيا لأني فسخت خطوبتي ولم أتحمل الألم الذي في صدري أحس باختناق شديد حتى القرآن لا أستطيع تلاوته كما يجب فأرجوكم ساعدوني لأشفى؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي يقينا أن الأمور كلها بيد الله تعالى، والأرزاق يقسمها بين عباده كيف يشاء، وله في ذلك حكم بالغة، وهو العليم الخبير لا مانع لما أعطى، ولما معطي لما منع، ولا راد لما قضى سبحانه وتعالى، والخير كل الخير للعبد في الرضا، والشر كل الشر في التسخط والاعتراض عليه.
والذي ننصحك به هو الرضا بما قدر الله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه فهو لا يرد داعيه خائباً، وأن لا تتسخطي على قضاء الله تعالى، ولا تيأسي من روح الله تعالى. واحذري من الوساوس والتخيلات فإنها خطيرة وعواقبها وخيمة، ولست أول من تفسخ خطبتها فلا تشغلي بالك بهذا الموضوع فما قسمه الله تعالى لك ستنالينه لا محالة، ولا يستطيع أحد أن يحول بينك وبينه، ولعل ما حصل هو الذي فيه الخير لك، وعسى أن يكون الله مدخراً لك ما هو افضل وأنفع، فإن الله سبحانه بصير بعباده عليم بما يصلحهم، واقرئي بتدبر ويقين بالله قوله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، وقوله تعالى: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19} ، وقوله تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11} .
جاء في تفسير ابن كثير: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هُدى في قلبه، ويقينا صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه.
وقال الأعمش: عن أبي ظبيان قال: كنا عند علقمة فقرئ عنده هذه الآية: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ. فسئل عن ذلك فقال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرض ى ويسلم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وقال سعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ. يعني: يسترجع، يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي الحديث المتفق عليه: عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1429(1/2606)
الاجتهاد في الدراسة والرضا بالقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن على وشك الامتحانات فيبدأ الواحد منا في الدراسة بجد والسهر والدعاء وبعد الامتحان لم يتحصل على النتائج المرجوة، فهل هذا عقاب أو ابتلاء أو قضاء وقدر وماذا يجب علينا فعله بعدها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
كل ما يجري في هذا الكون هو من قضاء الله تعالى وقدره، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وعليك بتقوى الله تعالى والاجتهاد في الدراسة والإكثار من الدعاء وعمل الخير ... ثم دعي النتيجة لله تعالى فلن يكون إلا ما فيه الخير لك إن شاء الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لكم الثبات والتوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة ولتعلمي أن كل ما يجري في هذا الكون هو من قضاء الله تعالى وقدره، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وعلى العبد أن يرضى بذلك لأن قضاء الله تعالى خير كله، وعدل وحكمة، فيرضى به كله لأنه لا يدري أي شيء يكون له فيه الخير، قال الله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، وقال صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر وكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. رواه مسلم وغيره.
وقد يكون ما يصيب المسلم في هذه الحياة ابتلاء وامتحاناً له، فمن رضي بقضاء الله وقدره فله الرضى، ومن سخط فله السخط، ولذلك فإننا نوصيك بتقوى الله تعالى والاجتهاد في الدراسة والإكثار من الدعاء وعمل الخير ... ثم دعي النتيجة لله تعالى فلن يكون إلا ما فيه الخير لك إن شاء الله تعالى، وللمزيد من الفائدة انظري لذلك الفتوى رقم: 80729.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1429(1/2607)
تديبر الله له خير من تدبير الشخص لنفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا نقدم على قرار مهم في ما يتعلق بمجريات حياتنا المعيشية ثم يتبين لنا فيما بعد أن ذلك القرار كان خاطئا وقد كان سيئا لنا ويجعل أوضاعنا سيئا مع التزامنا بالحدود الشرعية، فهل يعتبر هذا قضاء ومقدرا من الله ويتوجب الشكر أم نلوم أنفسنا ونستغفر الله لأننا لم نرض بما قسمه الله قبل اتخاذنا القرار؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج على المسلم أن يأخذ قراراً يرى فيه المصلحة ويحسن به أن يستخير الله تعالى ويستشير أهل الخبرة والأمانة، وأما إذا اتخذ قراراً في مسألة ما ولم يقدر الله حصول ما قرر في ذهنه، فليثق العبد أن تديبر الله له خير من تدبيره لنفسه، فهو أرحم بالعباد وأعلم بمصالحهم من أنفسهم، فعلينا أن نرضى بقضائه ونأمل منه أن يعطينا أفضل مما كنا نأمل. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام: 63823، 67925، 76048، 104697.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1429(1/2608)
الرضا بالقدر ثمرة اليقين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الجمع بين اليقين والرضى بقدر الله مثلاً أن أدعو الله أن يرزقني زوجاً صالحاً وأنا متيقنة بالإجابة وفي نفس الوقت أن أرضى بقدر الله إن لم يكن فيه خير؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لا تعارض بين الأمرين أصلاً حتى يحتاج إلى الجمع بينهما، بل إن اليقين بوعد الله مما يعين على الرضا بقضائه وقدره، فالرضا بالقدر ثمرة اليقين، فإذا دعوت الله وأنت موقنة بالإجابة وتحقق ما دعوت به فالأمر واضح لأن الخير الذي أردته تحقق، وأما إذا لم يجب الدعاء فأنت مع اليقين تعلمين أن الله لا يقدر إلا ما هو خير، وإن الخير كله بيديه، والشر ليس إليه سبحانه، وقولك إن لم يكن فيه خير فهذا إنما يكون بالنسبة لتألم الإنسان به؛ وإلا فإن الله سبحانه يقضي للعبد ما فيه خير له وصلاح، وقد يخفى على الإنسان جوانب الخير فيما يقدره الله له من المكروه. وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9803، 19339، 32981، 73085.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1429(1/2609)
وسائل استجلاب الرضا والتسليم
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا: اسمحو لي أن أشكركم لأنكم أتحتم لنا هذه الفرصة للاستفسار عن كل ما يشغل المسلم في أمور دينه ودنياه بكل صدر رحب فجزاكم الله عنا خير الجزاء.
أما بعد: فمشكلتي أنني تعرفت على شاب منذ حوالي سنة وهو طبيب الأسنان الذي كنت أراجعه، وكان في بداية الأمر يبدي إعجابا زائدا بي ولكن دون أن يصرح لي بما يريده مني، تعلقت به أنا أيضا ولكن لم أصرح له بذلك وبقيت ملتزمة بالدعاء إلى الله والاستخارة في هذا الأمر، وبعد فترة سافر ذلك الشاب وقبل أن يذهب طلب مني أن نبقى على اتصال وأن لا أبدله ـ هكذا قال ـ استخرت ودعوت الله أن يبين لي هذا الأمر، وعندما رجع عاد شخصا آخر لا يكلمني ويتفاداني إذا قابلته في الطريق، حاولت أن أفهم منه ما الذي جعله يتغير لكنه لم يكن واضحا معي، فقلت في نفسي إن الله صرفه عني لأنه لا خير فيه لي، ولكنني في المقابل لم أجد ذلك الرضا في نفسي بل ازددت تعلقا به.
سؤالي، هو أليست الاستخارة سببا في جلب الراحة للنفس؟ إذا لم يكن في ارتباطي بهذا الشاب خيرا لي فلماذا ازددت تعلقا به وهو يزداد انصرافا عني؟ هل هذا عقاب لي مع العلم أنني لم أفعل شيئا يغضب الله، أم هذا ابتلاء لصبري عن المعصية.
أرجوكم أرشدوني فو الله لا يعلم حزني وضياعي إلا الله فأنا لا أتوقف عن البكاء، أرجوكم أرشدوني إلى أسباب الرضا والتسليم لله، وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستخارة طلب الخيرة في الشيء، والحكمة منها هي التسليم لأمر الله, والخروج من الحول والطول, والالتجاء إليه سبحانه للجمع بين خيري الدنيا والآخرة، ولا تكون إلا في مباح، أما الواجب والحرام فلا استخارة فيهما، فلمعرفة الخير في الحرام هو تركه، ولمعرفة الخير في الواجب هو فعله.
أما المباح الذي لا يعرف هل الخير في فعله أم في تركه فيستخار فيه.
ولا نعرف ما الذي استخرت الله فيه أيتها السائلة.. فإن كان في العلاقة مع هذا الشاب فلا استخارة في ذلك لأنه أمر محرم.
وعلى كل حال فإن الاستخارة لا تجلب الراحة إلا لمن رضي بما اختاره الله له، والراحة باختيار الله تأتي من إيمان المستخير بأن الخير فيما اختار له ربه.
وحصول التعلق بالشيء المصروف عنه، ليس نتيجة للاستخارة؛ بل هو لعدم الرضا باختيار الله.
وأما قولك: هل هذا عقاب أم هذا ابتلاء؟ فنقول: إن الله يبتلي العبد بالخير والشر، لينظر هل يصبر ويشكرأم لا، فإن صبر على الضراء وشكر في السراء، أفلح ونجح، وكان ما أصابه من ضراء كفارة لذنبه، وإن لم يصبر ولم يشكر كان ما أصابه من ضراء عقوبة له في الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر، فعليك ترك هذه العلاقة ومجاهدة نفسك على نسيان هذا الشاب.
وأسباب الرضا والتسليم كثيرة منها:
الوقوف والتأمل في الآيات والأحاديث الدالة على أن ما يصيب الإنسان قضاء وقدر كتبه الله عليه قبل أن يخلقه؛ كقوله تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، وقوله صلى الله عليه وسلم: ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
ومنها: اليقين بأن الخير فيما اختار سبحانه، وأن على المسلم أن يصبر ويرضى بما قسم الله له، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً. {الأحزاب:36}
وقال: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. {البقرة:216}
ومما يعينك كذلك اليأس من هذا الشاب وقطع الرجاء فيه، فإن النفس متى يئست من الشيء استراحت منه ولم تلتفت إليه.
ونحيلك على الفتوى رقم: 9360، في العلاج من داء العشق كما قرره ابن القيم رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1429(1/2610)
الزواج مكتوب ولكن ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إجابتي بوضوح جزاكم الله خيراً.. هل الأخذ بالأسباب للزواج ضروري أم هو نصيب يأتي دون أي فعل مقصود لغرض الزواج ففي الحقيقة أنا حائرة فالكل حولي يقولون لي لن يقبل بك أحد وخصوصا أني فقيرة إلى الله وبدون عمل ولا أخرج من البيت إلا قليلا ولا أربط علاقات حرام وأحاول ما أمكنني أن لا أغضب الله مع أني أعصيه كثيراً، لكن لا أريد أن أتزوج بطريقة تغضب مني الله وأبقى أتذكرها طول العمر، فأنا أريد زوجا صالحا يأتيني من الحلال، بالله عليكم قولوا لي ماذا أفعل وادع لي؟ جزاكم الله خيراً وجعله في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أساسيات إيماننا وأركانه الاعتقاد الجازم بأن الأرزاق مقسومة؛ كما أن الآجال مضروبة، وأن الرزق يؤمر الملك بكتبه عند نفخ روح الجنين في بطن أمه، حيث يؤمر بكتب أربع كلمات: أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد، فما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وبالتالي فإن الزواج من جملة ما يرزقه الإنسان وهو مكتوب له قبل أن يخلق، ولكن هذا لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب المباحة، فإن الأخذ بالأسباب مأمور به شرعاً، وأهم تلك الأسباب اللجوء إلى مسببها وهو الله سبحانه بدعائه واللجوء إليه بأن ييسر هذا الأمر، ولا بأس بأن تعرض الأخت نفسها على من تتوسم فيه الصلاح والدين.
كان الله في عونها ونسأله سبحانه أن يرزقها زوجاً صالحاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1428(1/2611)
المستقبل بيد الله فلا يشغل العبد نفسه به
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أولا الشكر على الإجابة عن كامل أسئلتي شاكراً لكم إجابتكم وإخلاصكم في استيفاء جميع جوانب الرد وجزاكم الله كل خير إن شاء الله ...
أنا أعتبر فتاة نشيطة في البيت والحمد الله رب العالمين ناجحة في حياتي الاجتماعية والزوجية ولكن في الفترة الأخيرة بدأت دائما أحس بحالة من القلق والخوف المستمر الذي لا يفارقني أحيانا حتى وأنا في أسعد أوقات أو وأنا نائمة بدأت تبادرني أفكار دائما خائفة مما سيحصل لي ولزوجي في المستقبل، فهل من الممكن أن يكون هذا الشيء سببه العين والحسد وخاصة أن أغلب الناس دائما يتكلمون عن النجاح الذي حققناه أنا وزوجي في حياتنا وأنا أشعر بالحسد وأنا متضايقة جداً من هذه الحالة وهي تجعلني دائما سرحانة وشاردة الذهن ويعكر علي صفو حياتي ويبعدني عن زوجي الذي أنا أحبه جداً وأكثر حالة الضيق الذي يصيبني هو بسبب انزعاجي بسبب ما يراودني من أفكار من أن أشياء سيئة ستحدث لزوجي, وأحيانا أتكلم مع زوجي وأحكي له كلاما يسره وأدعو له دائما ولكن هناك يكون شيء داخلي يحاول أن يقول عكس هذا الشيء مما يجعلني أتضايق وأشعر بأنني غير مخلصة له مع أنني جدا متعلقة به وأحبه، فهل ممكن أن يكون الحسد حيث إنه من فترة أصيب أخي بمرض نوبات كان خلالها تأتيه حالات من التشنج والتعب ننقلها بها إلى المستشفى وتم إجراء كامل الفحوصات له وكانت جميعها الحمد الله سليمة ولكن أرسلناها بعدها إلى أحد المشايخ الذي أكد أنه عين وحسد وقرأ عليه سورة البقرة وحدثت له حالة من التشنج وزالت كل هذه الأعراض بعد أن قام بما قال له الشيخ، وهل يمكن أن يكون الحسد سببا في عدم نجاح حملي 4 مرات وأنا الآن حامل وأرجو الدعاء لي بأن يكمل الحمل على خير إن شاء الله.
كيف من الممكن أن يتأكد الإنسان أنه عمل له سحر أم لا، حيث إنني أذكر أني استيقظت يوما ورأيت على باب منزلي شيئاً غريبا يشبة الطين وقمنا بتنظيفه وكيف أتاكد من هذا الشيء هل هو سحر أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على الاتصال بنا ونسأل الله لك العافية، ونفيدك أنه ليس عندنا ما يمكن الجزم به في معرفة كون الإنسان مصاباً بسحر أو حسد، ولكنا ننصحك بأن توقني أن مسألة المستقبل تتعلق بقدر الله وقضائه، وباشتغالك أنت وزوجك بعبادة الله والتعوذ بالتعاويذ المأثورة والأذكار المطلقة والمقيدة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعصمك من جميع المخاطر ويحقق طموحاتك وينجح حملك ويسعدك في مستقبل حياتك، فقد قال الله تعالى: وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {آل عمران:130} ، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} .
وننصحك بالإكثار من الصدقة وتلاوة القرآن، ويمكن أن تقدمي استشارة للإخوان في الاستشارات النفسية والصحية في الموقع لعلهم يفيدونك في الموضوع أكثر.
وراجعي للإفادة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4310، 5856، 7151، 52122، 7967، 80694، 58076، 33860.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(1/2612)
الرضا بالقضاء والصبر على البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أحبتنا القائمين على الخير قسم الإفتاء يرعاكم الله.. لدي سؤال أصابني بالحيرة منذ سنوات طوال ولم يسبق لي أن سألت به غيركم ألا وهو: أصبت بإعاقة حركية منذ 10 سنوات ولم تكتشف طبيا أسبابها إلى يومنا هذا
الأمر الذي دعاني للكتابة لكم هو طيلة العشر سنوات كثير ما تراودني رؤيا وأحلام خلال المنام أرى بها نفسي سليما معافى من كل داء بفضل الله هل لهذا تفسير معين من خلال وجهة نظركم النيرة ويعلم الله أنني لم أحدث نفسي في مرضي قطعيا أو متضجر من مصابي بل راض بقدر الله مهما كان أمره ... أسأل الله أن لا يحرمني رؤية إجابتكم؟ وجزاكم الله خيرا عني وعن كل مسلم في بقاع الأرض.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يشفيك ويعافيك، وهنيئاً لك على الرضى بالقدر وعلى الصبر، وأما الأحلام والمرائى فليس عندنا متخصصون في تعبيرها، ونوصيك بعدم الملل من البحث عن الدواء، وأن تكثر من الدعاء وتستعمل العلاجات النبوية كزمزم والعسل والرقى الشرعية، وقد بينا في عدة فتاوى سابقة تفصيل ذلك، فراجع منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 49953، 96541، 79707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(1/2613)
التمادي في الحزن على الميت ينافي الرضا بالقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي الأصغر مني مخطوبة منذ سنتين وعقدت عقدا شرعيا أي لم يبق سوى العقد في البلدية أي متزوجة شرعا، ولكن منذ 5 أشهر توفيت أم خطيبها بمرض خبيث وهو متعلق كثيرا بأمه، إذ أنه يرفض الكلام أو الخروج مع أي شخص وهو منعزل وحده ولا يذهب إلى العمل وعندما تكلمه يقول إنه لا يبالي بها وأن تتركه وشأنه وتبحث عن رجل آخر وهي تريده أن يحضر للبيت ليتكلم مع أبي، ولكنه يرفض إذ أنها لا تستطيع الزواج من رجل آخر إلا إذا طلقها هو، ولكنه يرفض المجيء إلى البيت فنحن نشك أنه مرض نفسيا أو ربما يسكنه جان فلا نعرف ما العمل معه إذ أنه رجل صالح وله شخصية قوية وذو خلق ولكن بعد وفاة والدته لا نعرف ما يحصل معه فنحن نريد مساعدته ولا نعرف كيف وأختي حائرة ماذا تعمل فهي لا تريد أن تخسره وتعتبره مريضا نفسيا وتريد أن تساعده ولكن لا تعرف كيف إذ أنه يرفض رؤيتها فما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما حدث لهذا الرجل بسبب وفاة أمه فالذي ننصح به أن يندب له بعض الفضلاء ليذكروه أولاً بالرضا بالقضاء، وأن هذا الموت مصير كل إنسان، وأن عليه أن يستأنف حياته بشكل طبيعي، ومن ذلك أن يسعى في إتمام هذا الزواج.
وإن تبين لهم عدم رغبته حثوه على طلاق زوجته حتى يتيسر لها الزواج من آخر، فإن لم يستجب فيمكن رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليلزمه بأن يطلق، أو يطلقها القاضي رغماً عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1428(1/2614)
التسليم للخالق سبحانه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس في داخله لما يذكر آيه يحتج على الله لماذا هكذا وهكذا؟ فماذا يفعل هذا الشخص كي يبتعد عن هذه الأشياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد يجب عليه التسليم لله تعلى ويعتقد أن كلامه هو أحسن الكلام وأن خلقه هو أحسن الخلق، فقد قال الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ {الزمر: 23} وقال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ {السجدة: 7} وقال تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الانبياء: 23} .
وبناء عليه فلا يجوز للمسلم أن يعترض على شيء من آيات الله المتلوة أو آياته الكونية، وأما محاولة فهم الحكمة من آية ما فلا حرج فيه، فيشرع أن يسأل العلماء أو يطالع كتب التفسير لعله يجد ما يساعده في ذلك، وبالزيادة في التعلم ومطالعة كتب التفسير والبلاغة واللغة يتذوق الإنسان أساليب القرآن وتزول عنه الإشكالات بإذن الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(1/2615)
من رضي بما قدر الله له فله الرضا
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم كثيرا على اهتمامكم برسالتي.
قبل كل شيء أنا أعيش في صراع نفسي هل كل ما مر على حياتي هو قدري أم أنا سبب فيه?
لقد كنت مخطوبة لشخص ولكن عائلتي تسببت في العقبات حتى تم الانفصال والسبب الأكبر هي أمي? سمح الله لها مع أنني كنت في سن الزواج 28.
ولكي أنسى همي طبعا لجأت إلى الله وللأدعية لإفراج همي.
ثم قررت أن أكمل دراستي وبالفعل نلت شهادتي بامتياز وبحثت عن العمل وطول هذه السنوات (4سنوات) لم أستطع أن أنسى ماذا مر بي فأكره عائلتي كرها شديدا.
خصوصا عندما أفكر لو تم ذلك الزواج لكنت الآن لدي أطفال ومسؤولة عن بيت خصوصا كنت أريد الزواج لتحصين نفسي وأعتني ببيتي وتربية أولادي على أسس إسلامية. سبحان الله فهذه غريزة أي مرآة. ولكن أقول" قدر الله وما شاء فعل".
ولكن الآن أتخبط في صراع بين نفسي وأتألم في بحر العنوسة وكل يوم أكره عائلتي وخصوصا كل واحد عمل حياته وذهب. وآخر ما سمعتهم يقولون" نحن سبب الله يسمحنا" بالضحك، والله بكيت كثيرا رغم مرور هذه السنوات.
والله لقد درست, اشتركت في الجمعية في المسجد; صليت كثيرا, دعوت كثيرا، حاولت أن أنسى لم أستطع. فكلما رأيت طفلا أو عرسا قلبي يتمزق وأحس بمرارة.
فهل هذا قدري أو نتيجة أعمالي أو ضعف شخصيتي أدت بي إلى هذا المصير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
كل شيء بقضاء وقدر ولحكمة يعلمها سبحانه فلا تتسخطي على الله عز وجل بما قدر عليك، وارضي فإن الخير فيما اختاره سبحانه وتعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك شيء يحدث في هذا الكون إلا بقدر الله عز وجل، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} وقال سبحانه: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68} ، وقال عز وجل: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} .
فالخلق خلقه يتصرف فيه كيف يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، يبتلي بالصحة والمرض، ويبتلي بالغنى والفقر، ويبتلي بالأولاد وبالعقم، ويبتلي بالزواج والعنوسة، قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} .
والحكمة من ذلك هي كما قال: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {الملك:2} ، فارضي بما قسم لك، فإن من رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط، ولا تحزني فالله سبحانه يقول: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، ويقول سبحانه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19} .
واعلمي أن الله سبحانه فيه عوض عما فات، وإن فاتك شيء في الدنيا فلن بفوتك في الأخرى إن صبرت واحتسبت.
ولا يعني هذا ترك الأخذ بالأسباب بل الأخذ بها مأمور ولا يتنافى مع الرضا بالقضاء، فاعرضي نفسك على من ترين فيه الأهلية لذلك، وراجعي الفتوى رقم: 7682.
وننصحك بقراءة كتاب لا تحزن للشيخ عائض القرني.
نسأل الله عز وجل أن يعوضك في الدنيا وييسر أمرك ويجزل لك الأجر في الآخرة، وتيقني أن المقدر سيكون لا محالة، وكونك لم تتزوجي الرجل الذي تقدم لك فلأن الله تعالى لم يقدر ذلك ولن يكون إلا ما قدره الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(1/2616)
لا تأثير لشيء من خلق الله إلا بإرادة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أسرة بسيطة وعندما بنينا دارنا كان أبي يعمل بئر الكنيف في ساحة الدار لأننا لا نستطيع عمله في الشارع وقد عمل أبي بئرين واحد طممناه والآخر بقي إلى أن وصلتنا المجاري، فهل هذا يؤثر على حياتنا حيث إننا نعاني من ضيق الحال ووقفه بالنسبة للبنات والشباب وخاصة أننا نعاني من الحسد والعين وكذلك أنا أعاني من المس أفيدونا؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيكم ويُذهب عنكم كل مكروه، وندعوك -أيتها الأخت الكريمة- إلى الثقة بالله والتوكل عليه، وذلك يتضمن الإيمان بقضائه وقدره الذي لا يخرج عنه شيء من هذا الكون، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان:2} .
ثم اعلمي أنه لا أحد من الخلق يستطيع أن يحول بينك وبين خير قدره الله لك، كما لا يستطيع أي أحد دفع مكروه قدره الله عليك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي.
كما يجب أن تعلمي أنه لا تأثير لشيء من خلق الله إلا بإرادة الله، ومما تقدم تعلمين أن حفر البئر وموضوع المجاري لا تأثير فيها على ما ذكرت، وندعوك إلى مراجعة الفتوى رقم: 3273 في علاج الحسد، والفتوى رقم: 29607 في أسباب سعة الرزق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1428(1/2617)
مسائل في قضاء الله لعبده المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الاستفهام عن مسألة في القضاء والقدر.. هل قضاء الله دائما يكون لمصلحة العبد المؤمن كأن يجعله الله فقيراً مثلاً، فهل هذا يعني أن هذا الفقر خير له من الغنى لأنه ربما يطغى ويخرج عن جادة الصواب إذا صار غنياً أم ربما كان ابتلاء من الله واختبارا للعبد أيصبر ويحتسب، وهل الابتلاء فيه مصلحة للمسلم كأن يبتليه الله في جسده، فهل هذا يعني أن الله قد قضى له بشر وليس بخير كما يعتقد كثير من الناس أم ماذا، وهل كل مصيبة يصابها الإنسان هي نتيجة لمعاصية وذنوبه وليست ابتلاء ورفعة للعبد، وهل هناك تعارض بين هذا وبين الحديث الذي معناه أن أكثر الناس ابتلاء هم الأنبياء ثم الذين يلونهم وهم معصومون فكيف يكون بذنوبهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله رحيم بعباده وله الحكمة البالغة في تدبير أمور عباده، وكل ما يقضيه سبحانه وتعالى لعبده المؤمن هو خير، فقد يترتب عليه غفران ذنب العبد أو رفعة درجاته، وراجع للتفصيل في الأمر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25874، 67584، 65816، 71525، 76268، 76805، 34841، 70823، 59779، 66358، 47818.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1428(1/2618)
بين الطموح والقناعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله، خير بداية ونهاية!!
أساتذتي الأفاضل فأني أسأل الله أن يجازيكم عنا كل الخير.
أنا شاب منّ الله عليه بالدين والأخلاق وحسن الخلق والمعاملة - والفضل لله - ورغم أني على ذلك إلا أنني أشعر بالتقصير اتجاه فاطر السموات والأرض عز وجل.. لسبب ألا وهو إحساسي بعدم الرضا - الكامل - عن مستواي المعيشي والرزق علما أنني أسعى جاهدا وأعمل.. وإنني في حال ممتازة والحمد لله، واضطررت للاغتراب عن أهلي وأصدقائي وخطيبتي ... سعياً وراء الرزق، ومع العلم أنني أدعو الله دائما أن يبارك لي ويوسع في رزقي ... ... هل كوني أدعو الله أكثر فأكثر ... هو ((عدم الرضا أو طمع أم رياء)) - أسأل الله أن يجيرني والمؤمنين - أم أنه طموح لأعيش بشكل أفضل وأرقى ... أعينوني بارك الله بكم، وآسف للإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثرة دعائك دائما أن يوسع الله تعالى عليك في الرزق لا حرج فيها، فالمال إذا اكتسب من حلال وصرف في حلال فهو نعمة عظيمة من الله تعالى، فقد دعا صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه بكثرة المال والولد كما في الحديث الصحيح، كما ثبت من دعائه صلى الله عليه وسلم قوله: اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
فطموح المسلم إلى حالة دنوية مباحة أفضل من حالته لا حرج فيه فقد أمر صلى الله عليه وسلم بحرص المسلم على ما ينفعه ونبذه للعجز والكسل، والقناعة صفة رفيعة تعني منع النفس عن الجشع وتهذيبها من الطمع ورضاها بما وهبه الله تعالى للعبد وقسمه له مما لا يستطيع تغييره ولا تعنى الرضا بالدون وضعف الهمة وإماتة الطموح عن التوقان إلى المراتب العليا في الأمور الأخروية أو الدنيوية.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 67992، 55820، 34019.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1428(1/2619)
فتاوى في القضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[على فهمي لكون الإنسان (مسير ومخير) كرجل جاء يقتلني فأنا مسير بدفعه ومخير بقتله، إن أنا تمكنت منه فهل فهمي صحيح، أفتوني عن معنى أن الإنسان مخير ومسير مع ذكر أقوال العلماء في المسألة؟ وفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالبعد عن الخوض في القدر، لما في الحديث: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني. ويجب الإيمان بالقدر خيره وشره، إيماناً بقوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وبما في حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. وللاطلاع على المزيد في الأمر وعلى مسألة التسيير والتخيير راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4054، 30566، 26413، 34841، 67357، 67389، 53111، 72599، 79878، 97066، 79824، 94940، 93136.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1428(1/2620)
تقدير الرزق لا يعني عدم السعي في تحصيله
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيب يعيش بسوريا يعمل بدخل منخفض ... أتيح له عقد في الخليج براتب كبير ... ولكنه لا يرغب بالذهاب لأنه يقول إنه بنهاية حياته سيأتيه نفس مقدار الرزق سواء في سوريا أم الخليج أم غيره والمسألة مسألة وقت فقط ... علما أنه يعمل بجد في بلده.......هل منطقه هذا صحيح؟
أرجو الإجابة الواضحة والصريحة فقد قرأت العديد من الأسئلة المتعلقة بالرزق ولم أجد إجابة قاطعة.
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم، وصححه الألباني.
وفي الحديث الآخر: الرزق أشد طلبا للعبد من أجله. رواه القضاعي وحسنه الألباني.
وفي رواية للطبراني: لو فر أحدكم من رزقه لأدركه كما يدركه أجله.
وقال الشاعر:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي * أن الذي هو زرقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعييني تطلبه * ولو قعدت أتاني ليس يعييني
ولكن هذا لا يمنع أن يحرص الإنسان على الجد في التكسب ويسعى في حصول ما هو أنفع له، ففي حديث مسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز.
فالأحسن أن يصلي الأخ الاستخارة ويدرس أموره ويقارن بين مصالح السفر ومخاطره وبين البقاء في الوطن. نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1428(1/2621)
الإمساك عن الخوض في القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي إشكال في ما يخص القضاء والقدر، أهل السنة والجماعة يثبتون أن للعبد مشيئة وإرادة ولكنهما تابعتان لمشيئة الله وإرادته كذلك نؤمن أن الله خالق كل شييء، الذي أشكل علي أن الكافر شاء الكفر فيسر الله له طريق الكفر نسأل الله السلامة والعافية، ولكن الله هو الذي خلق فيه تلك المشيئة؛ فكيف يعذبه عليها؟
بتعبير آخر علم الله منذ الأزل أن عبده فلان اختار الكفر نعوذ بالله من ذلك ولكن اختيار الكفر هو من خلق الله.
أدعو الله أن تكونوا سببا لكشف هذه الشبهة ولا تنسوا أن تدعوا لي بظهر الغيب.
بارك الله فيكم؛]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن أوضحنا هذه المسالة في عدة فتاوى سابقة فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 62466، 53111، 35375، 75922، 49314، 67894، 35141، 32378، 9193، 4054، 67389، 61976، 8652، 14291.
وننصحك بالبعد عن الخوض في القدر والسعي في هداية الكفار وحضهم على الإيمان والعمل على إقناعهم واستخدام ما تيسر من الوسائل في ذلك، فهذا أولى من الخوض في القدر الذي أمرنا بالإمساك عن الخوض فيه كما في الحديث: إذا ذكر القدر فأمسكوا. راه الطبراني وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(1/2622)
الجمال في منظور الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أطرح مشكلة، أنا طالبة ثانوية وأشعر أني شكلي قبيح ودائما الناس يحكمون علي من الخارج وأنا من داخلي نظيفة وكذلك أصدقائي المقربون ودائما أجلس وأقول لماذا ربنا خلقني بهذا الشكل، ثم أرجع وأستغفر الله، هل أنا بذلك أغضب الله، وأرجو النصيحة لي والدعاء لي بالهداية.
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك: لماذا ربنا خلقني هكذا، فيه سوء أدب مع الله؛ لأن الله تعالى لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، كما قال عن نفسه في سورة الأنبياء. فتوبي إلى الله من ذلك، ولا تعودي لمثله.
ثم إن الجمال وعدمه من تقدير الله تعالى، وليس للإنسان دخل فيه.
والجمال المفيد للإنسان هو جمال الباطن، بأن تكون أفعال الإنسان جميلة، فيكون جميلا في عبادته وفي أخلاقه وفي تعامله وفي جميع أحواله. فذلك هو الجمال الذي يبقى وتكون له ثمرة في الدنيا والآخرة.
وأما جمال البدن إذا لم يصحبه جمال الباطن فإنه قد يجلب لصاحبته من الشر أكثر مما ينفعها به. ومع ذلك فإنه سرعان ما يتغير مع الزمان، فيتحول البريق والرونق إلى تجاعيد وترهلات، وتحل العبوسة محل الإشراق.
ثم اعلمي أنه من الخطأ أن يكون للبنت أصدقاء مقربون من الرجال.
ونسأل الله أن يرزقنا وإياك جمال الباطن، ويمن علينا وعليك بما فيه الخير لنا جميعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1428(1/2623)
التذمر والشكوى.. بين المؤاخذة وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يتذمر ويشتكي كثيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم ينبغي له أن يكثر من حمد الله تعالى وشكره والثناء عليه والتحدث بنعمه عليه وهي كثيرة ولن يحصيها ... قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11} ، وقال تعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا {النحل:18} ، وأما التذمر والشكوى.. فإن كان على وجه التسخط وعدم الرضى بقضاء الله وقدره فإن صاحبه على خطر عظيم، وعلى هذا الرجل أن يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة. وقال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وصححه الألباني.
أما ما يصدر من المريض أو المبتلى من تأوه أو بكاء غلبه بسبب الألم أو المصيبة مع رضائه بقضاء الله وقدره فلا حرج عليه فيه، وللمزيد في ذلك انظر الفتوى رقم: 93293.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(1/2624)
فتاوى حول عدل الله بين عباده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الله عادل بين عباده، لماذا هناك الفقير.......الغني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتوى رقم: 17831، والفتوى رقم: 77624، والفتوى رقم: 71516، والفتوى رقم: 60808، والفتوى رقم: 55511، والفتوى رقم: 76581.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1428(1/2625)
الواجب الرضا بقضاء الله وعدم السخط على ما يقدره
[السُّؤَالُ]
ـ[لي جارة لي بها صلة رحم وهي تعيسة غير راضية في حياتها وأنا والحمد لله بكل الخير من الله وهي تزورني يوميا وتظل تشتكي وأنا أتعب كثيرا من ذلك ويخرب علي أمورا كثيرة ولي أطفال أرعاهم وهي ليس عندها أطفال أي متفرغة وأنا جدا مشغولة وحاولت معها كثيرا أن تشغل نفسها بأي شيء بلا جدوى، وفي أكثر الأوقات أشتهي أن أقرأ القرآن ولوجودها لا أستطيع، أنا بمعاملتي لها بلطف أبغي مرضاة الله في أن تجدني ملاذا لها كصلة رحم حيث لا أحد لها غيري من قرابتها أي هي غريبة، وأنا أحتار كثيرا، أشكو حالي إلى الله وأستغفر مع العلم أنها كلما ذكرت أحدا بسوء أقول لها لا يجوز فتقول سكري آذانك وتظل مسترسلة لا ترد علي وان استاءت علاقتي معها فهذا سيؤدي بشكل أكيد ومن تجارب سابقة لقطع علاقات كبيرة في موطننا الأصلي بين عائلتينا القريبتين صلة دم ونسب كثير، فدلوني هل علي إثم أم لي أجر لأني أعتقد أنه لا حل إلا إذا كتب الله لنا أن نبتعد أو يبتعدوا عنا مع العلم أنني إذا دخل علي شخص يأخذ من وقتي الكثير مما لا أريد إعطاءه ولكن جبرا وإكراما لكونهم ضيوفي، فلا أدري هل هو ابتلاء أم غضب، عافانا الله وإياكم من كل سوء آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن جارتك من عدم الرضى بالحياة التي تحياها، وأنها تقع في أعراض الناس، وكلما قلت لها إن ذلك لا يجوز قالت لك: سكري أذنيك، وبقيت مسترسلة في ذلك ... هي أخطاء كبيرة ارتكبتها وترتكبها جارتك.
ذلك أن واجب المسلم هو الرضا بقضاء الله، وعدم السخط على ما يقدره الله من أقدار، فقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد حرم الله عز وجل الغيبة في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 12} . فشبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتا، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. رواه أحمد وأبو داوود وغيرهما.
ثم ما يتعلق بحقوق الجار وكيفية التعامل مع الجار العاصي والمسيء للجوار قد تقدم الكلام عنه، فراجعي فيه الفتاوى التالية أرقامها: 10851، 14785، 15277.
وعلى أية حال، فمعاملتك لها بلطف، ومراعاتك لكون سوء علاقتك معها سيؤدي إلى قطع علاقات كبيرة في موطنكم الأصلي ونحو ذلك هي أمور حسنة ستؤجرين عليها عند الله.
ولكن ينبغي أن لا تملي من نصحها؛ لأنها إما أن تستجيب لنصحك أو لا تستجيب، وفي كل ذلك سيزداد أجرك إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(1/2626)
قتل المسلم أخاه هل هو من القدر وما حكم القاتل والمقتول
[السُّؤَالُ]
ـ[شخصان مسلمان تخاصما وأدى خصامهما إلى مقتل أحدهما فهل يعتبر هذا قضاء وقدرا؟ وإن كان كذلك فما هو الحكم على كلا الشخصين في يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما يجري في هذا الكون هو بقضاء الله وقدره كما قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا {الحديد: 22} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
وعِلْم الله تعالى بما سيقع وكتابته لذلك لا يعني أن الإنسان مجبر على الفعل أو غير مؤاخذ بما يصدر عنه من تصرفات مخالفة للشرع؛ لأن الله عز وجل منح للإنسان العاقل الإرادة التي بها يختار ما يشاء والقدرة التي بها ينفذ ما يريد، فإن شاء فعل وإن شاء ترك، ولا يخرج شيء من ذلك عن قضاء الله تعالى وقدره، وإذا كانت المخاصمة المذكورة قد صاحَبَها فعل من ضرب بمثقل أو طعن بحاد أو غير ذلك من الأفعال التي تسبب القتل فإن القاتل هنا مؤاخذ بما صدر منه في الدنيا وفي الآخرة، ولا ينفعه الاحتجاج بالقدر، ولا ينجيه ذلك من تبعات فعلته في الدنيا ولا في الآخرة. وبإمكانك أن تطلع على المزيد في الفتويين: 32378، 16183.
وأما الحكم عليهما في الآخرة فإن كان ما وقع بينهما بسبب العصبية ونحوها فإنهما يخشى عليهما خشية شديدة لما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول: قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه.
وسبق بيان ذلك بالتفصيل وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 20434، نرجو أن تطلع عليها وعلى الفتوى: 65219، للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1428(1/2627)
جواب شبهة حول قوله تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها)
[السُّؤَالُ]
ـ[فى الآية رقم 13 من سورة السجدة: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} ، فهل معنى هذه الآية أن الله هو الذي يحدد الإنسان أن يكون كافرا أو مؤمنا وليس النفس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن الواجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار، ويحكم لا معقب لحكمه، كما قال تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} ، والله عز وجل عدل لا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {فصلت:46} ، إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ {النساء:40} .
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك فننقل لك ما أورده الشوكاني في تفسير الآية الكريمة، حيث قال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا. هذا رد عليهم لما طلبوا الرجعة: أي لو شئنا لآتينا ك ل نفس هداها فهدينا الناس جميعاً فلم يكفر منهم أحد. قال النحاس: في معنى هذا قولان: أحدهما أنه في الدنيا، والآخر أنه في الآخرة: أي ولو شئنا لرددناهم إلى الدنيا، ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين. وجملة لو شئنا مقدرة بقول معطوف على المقدر قبل قوله أبصرنا أي ونقول لو شئنا، ومعنى ولكن حق القول مني أي نفذ قضائي وقدري وسبقت كلمتي لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين، هذا هو القول الذي وجب من الله وحق على عباده ونفذ فيه قضاؤه، فكان مقتضى هذا القول أنه لا يعطي كل نفس هداها، وإنما قضى عليهم بهذا، لأنه سبحانه قد علم أنهم من أهل الشقاوة، وأنهم ممن يختار الضلالة على الهدى. انتهى.
وعلى أية حال، فالله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كما قال سبحانه وتعالى: مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {الأعراف:178} ، وقال تعالى: مَن يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ {الأعراف:186} ، وغير ذلك من الآيات، لكن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب العبد إلا على فعله وكسبه وتصرفه، فقد أعطاه عقلا وسمعاً وإدراكاً وإرادة ليعرف الخير من الشر، والضار من النافع، قال الله تعالى: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ {التكوير:28} ، وقال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا {الشمس:9-10} ، وقال تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان:3} ، وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية، ومعلوم أن جبر المرء على الأفعال هو أن يقهر عليها قهراً، دون رغبة ولا اختيار منه، كما يجبر السجين على دخول السجن ونحو ذلك، وأن يحال بينه وبين ما يريد، كما في حال سفينة البحر إذا أراد نوتيها توجيهها إلى جهة معينة وعصفت بها الريح فحولت اتجاهها إلى جهة أخرى، وكل عاقل يدرك أنه فاعل بالاختيار، يأتي المعصية باختياره وإرادته، كما يقوم بالطاعة بإرادته واختياره، وعلم الله السابق بحال هذا الإنسان ومصيره لا يعني أن الإنسان مجبور على سلوك طريق معين، بل قد جعل الله له الاختيار، فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ {الكهف:29} .
فالحاصل أن الله هو الذي قد حدد في الأزل من سيكون كافراً أو مؤمناً من خلقه، وقدر ذلك تقديراً، ولكنه حجب علمه عن خلقه، وأعطاهم وسائل التصرف والاختيار، وبين لهم طرق الهداية والفلاح، وحذرهم من طرق الشقاوة والهلاك، فكانوا ينساقون باختيارهم وإرادتهم إلى ما يريدونه من الفعل أو الترك، فيستحقون طبقاً لذلك أن يثابوا أو يعاقبوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1428(1/2628)
القدر لا يعني ترك الأسباب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزواج قسمة ونصيب أم إصرار على إنسانة معينة، أنا شاب أريد الزواج من إنسانة أحس عندما أراها أنها هي التي أبحث عنها وعندما أجد هذه الإنسانة وأستخير الله ويكون كل شيء على ما يرام، وبعد ذلك لا يحدث نصيب أريد أن أعرف شيئا واحدا فقط رغم أني على يقين من أن الله هو المعين، سؤالي وبكل وضوح هل فعلاً الزواج قسمة ونصيب بمعنى أنني عندما أقوم بالتقدم لأي إنسانة ويتم الرفض لا أحزن ولا أحاول مرة أخرى أم أظل أحاول مرة واثنتين وثلاثه عليها حتى النهاية، أرجو الإفادة حيث إني أعيش خارج بلدي ومن الصعب أن تكون الفرصة في تعويض الإنسانة المناسبة سهلة حيث أن إجازتي هي شهر ولا أتمكن فيها من رؤية الكثير، وعندما أحس تجاه إنسانة أن هذه الإنسانة هي الإنسانة المناسبة لا يحدث نصيب؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أن ننبهك إلى أن من الواجب على المسلم أن يعلم أولاً أن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو بتقدير من الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله لابن عباس رضي الله عنهما: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
والإيمان بالقدر أصل من أصول الدين، فقد جاء في الخبر: ولو أنفقت جبل أحد في سبيل الله ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير ذلك لدخلت النار. رواه أحمد وأبو داود من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وصححه الألباني.
فالزواج إذاً قسمة ونصيب كسائر الأمور، ولكن ليس معنى ذلك أن المرء يجلس وينتظر حتى يحصل له الزواج دون أن يسعى في ذلك أي سعي، فمن حكمة الله تعالى أنه يوجد الأمور عند وجود أسبابها، ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك قال: ق ال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: أعقلها وتوكل.
فالحاصل أنك إذا أردت الزواج فينبغي أولاً أن تبحث عمن كانت فيها الصفات التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.
وإذا حصلت على من توفرت فيها تلك الصفات فاستشر أهل مشورتك ثم استخر الله، واعتقد بعد ذلك أنه لن يقدر لك إلا ما هو مكتوب لك في الأزل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1427(1/2629)
ثواب ابتلاء المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[حضرة المستشار المحترم
أرجو الإجابة على سؤالي: الإنسان مسير أم مخير
فيه أشياء كثيرة حصلت معي بدليل أننا كنا عائشين بالشام وبعد ذلك ذهبنا إلى العراق 20 سنة، وكان ذلك ليس بإرداتنا، بل لأن أبانا كان لاجئا سياسيا واضطررنا الى ترك الشام والذهاب إلى العراق لأنه لا أحد يصرف علينا، وبعدها رجعنا وتعرضنا لأشياء كثيرة ليس لنا فيه نحن ذنب، وعندما نلتقي بأشخاص وتتعرف عليهم يكون لنا مع بعضهم أمور جيدة وبعضهم لا يكون ذلك.
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم جواب سؤالك فيما يتعلق بكون الإنسان هل هو مخير أو مسير في الفتوى رقم: 79824، والفتوى رقم: 26413.
وأما ما أشرت إليه مما حصل لكم فبقضاء الله وقدره، وفيه لكم الخير بتكفير السيئات ورفع الدرجات، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. وراجعي الفتوى رقم: 5249.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1427(1/2630)
لا تند الأمور عن قضاء الله وقدره
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تردوا علي وفي رسالة قادمة أحكي لكم التفاصيل مع هذا الإنسان الذي عيشتي معه كلها أوهام قبل الزواج وبعد الزواج لأنني عرفته غير متزوج ووعدني بالزواج ورجع بعد ما تزوج لي ويقول كل شيء نصيب ارضي بنصيبك قال راض وبحمد الله وبشكره ماذا يريد منى بالرغم من أنه رجل ذو منصب وعائلة محترمة أنا لا أعرف ماذا أعمل أبقى معه أم أتركه وربنا يتكفل بأمري ويرزقني ابن الحلال ويقول حتى لو تزوجت غيري هذا نصيبك لا أدري ماذا يريد مني. جنني في كلمة النصيب وربنا لما يريد اشرحو لي معنى هذا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أن تتوبي إلى الله تعالى من علاقتك بهذا الرجل وما جرى من حديث ولقاء معه فهو أجنبي عنك، وإن وعدك بالزواج. وقد بينا حرمة تلك العلاقات الآثمة وما يترتب عليها عاجلا وآجلا فانظريه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9248، 24348، 46960، 24587.
وهو قد قطع الشك باليقين وتزوج من غيرك، فابحثي عن غيره من ذوي الدين والخلق، واسألي الله تعالى أن يرزقك خيرا منه؛ إنه سميع مجيب.
وأما قوله: هذا نصيبي، ولو تزوجت غيري فذاك هو نصيبك، فهذا صحيح إن كان يعني أنه لا يكون إلا ما قدره الله سبحانه وتعالى وأراده، والأسباب قد تنتج وقد لا تنتج، فالمرء يبذل جهده ويتعاطى الأسباب المشروعة ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء ويختار، ومما يستدل به عليه قول الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {الحديد:22} وقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وقد بينا معنى القضاء والقدر وثمرة الإيمان به في الفتويين رقم: 20434، 67357.
فعدم زواجه منك بقضاء الله وقدره، وإذا تزوجت غيره فبقضاء الله وقدره، ولا يدري المرء ما هو خير له، فقد يحب ما هو شر له، وقد يكره ما هو خير له، كما قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216} فعلى المرء المسلم أن يكل أمره إلى خالقه، ويعلم أن الخير فيما اختاره الله، ويسلم للقضاء والقدر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1427(1/2631)
هل الإنسان مسير أم مخير
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بأن رزق الإنسان مكتوب له وهو في رحم أمه وبأن ما سيجري له وعليه مكتوب أيضا وبأنه شقي أم سعيد كل ذلك مكتوب قبل الولادة وغير ذلك من أمور التسير الإلهي فكيف تقولون بأن الإنسان مخير وليس مسيرا وإن قلت لي إذا وقفت بين المسجد والملهى فأنت الذي تختار ما تريد فلما لا نقول بأن الله قد كتب لك ذلك بأن تقف بهذا الموقع وتختار كذا أو كذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما يجري في هذا الكون مهما صغر أو عظم هو بقضاء الله تعالى وقدره وسبق علمه به في سابق أزله، كما قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49} وقال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.." إلى آخر الحديث. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة. وفي سنن أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أول ما خلق القلم، فقال له اكتب، قال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.
وفي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
ويدخل في عموم شيء أفعال العباد، وهي تشمل حركاتهم وأفكارهم واختيارهم فكل ما يعمله الإنسان أو يحصل من خير أو شر فهو مقدر قبل ميلاده.
ومع ذلك فقد جعل الله تبارك وتعالى للعبد اختيارا ومشيئة وإرادة بها يختار طريق الخير أو الشر، وبها يفعل ما يريد، وعلى أساسها يحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسه لأنها أفعاله حقيقة، ولذلك فالاختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف إذا فُقِد ارتفع التكليف. ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه إذا سلب ما وهب أسقط ما أوجب.
ومما يدل على خلق الله لأفعال العباد قوله تعالى: وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات: 96} وقوله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وفي الحديث: إن الله خالق كل صانع وصنعته. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي والألباني.
فقد أثبت في الآيتين أن لهم عملا ومشيئة وأسندهما إليهم وأثبت أنهما من خلق الله. وعلى هذه المشيئة والعمل الذي يفعله العبد باختياره يحاسب العبد ويجازى ويسامح فيما فعله من دون قصد أو كان مضطرا إليه، وذلك أن الله خلق الإنسان وأعطاه إرادة ومشيئة وقدرة واستطاعة واختيارا، وجعل فيه قابلية الخير والشر. قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {الشمس:7، 8} .
وقال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ {المائدة:34} .
وقال تعالى: فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا {آل عمران:97} .
وقال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا [آل عمران:145] .
وقال تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً [الإنسان:29] .
وفي الحديث: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده. رواه البخاري.
وقد كلف الله الإنسان وألزمه الأحكام باعتبار ما أعطاه من العقل والطاقات والإرادة، فإذا فقد هذه الأشياء فعجز أو أكره أو حبس لم يعد مكلفا.
ولا يقال إن الإنسان مسير أو مخير بالإطلاق بل الحق أن الإنسان مخير ومسير، فهو ميسر لما خلق له، أما كونه مخيراً فلأن الله تعالى أعطاه عقلاً وسمعاً وإدراكاً وإرادةً فهو يعرف الخير من الشر والضار من النافع وما يلائمه وما لا يلائمه، فيختار لنفسه المناسب ويدع غيره، وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق العبد الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية. قال تعالى إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان: 2،3}
وأما كونه مسيراً فلأنه لا يخرج بشيء من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، قال عز من قائل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ {التَّكوير:29} وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب مقادير الخلق إلى يوم القيامة " رواه الترمذي وصححه، وأبو داوود. والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.
ولذلك فالإنسان ميسر لما خلق له، ففي صحيح مسلم أن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله؛ بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر، وفي رواية: كل عامل ميسر لعمله.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره.
فما يفعله العبد من الأفعال يفعله بمحض اختياره وإرادته، وكل إنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختيار وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار، فالإنسان الذي ينزل من السطح على السلم نزولا اختياريا يعرف أنه مختار، على العكس من سقوطه هاويا من السطح إلى الأرض، فإنه يعلم أنه ليس مختارا لذلك، ويعرف الفرق بين الفعلين، فهو في الأول مختار، وفي الثاني غير مختار.
وبناء على هذا، فإن الإنسان يعمل باختياره يأكل ما شاء، ويتزوج من شاء، ويعمل ما شاء، والله يراقب أعماله ويجازيه على اختياره ما دام عاقلا
قال تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ {التوبة:105} .
وقال تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {النحل:32} .
قال الشيخ الألباني: أدلة الوحي تفيد أن للإنسان كسبا وعملا وقدرة وإرادة، وبسبب تصرفه بتلك القدرة والإرادة يكون من أهل الجنة أو النار.
هذا؛ ويجب التنبه إلى البعد عن الخوض في القدر، عملا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وراجع شفاء العليل لابن القيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1427(1/2632)
لا تأثير للزمن في الحوادث
[السُّؤَالُ]
ـ[سألتكم سابقا عن الزمن إن كان مخلوقا ولم يأتني الجواب بعد، ولكن بعد التأمل بدا لي أن حدوث الشيء بعد الشيء في المخلوق هو تقلب حاله وليس الزمن، أما الزمن فموجود في الأذهان لا في الأعيان بهذا الاعتبار فهو حساب ذهني لحدوث الحوادث، أما الله سبحانه فكما يعلم سماحتكم بائن عن خلقه وليس كمثله شيء، لذلك فلا يمكن حصر أفعاله سبحانه بزمن لكون أي تصور عقلي لذات الرب أو أفعاله باطل، فهل أنا مصيب وهل لديكم المزيد من التعليق حول هذا السؤال والسابق؟
أفتونا جزاكم الله خيرا والله أعلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أرسلنا لك جوابا يفيد خلق الله للزمن كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ {يس: 33} واعلم أن الزمن لا تأثير له في حدوث الأشياء، وإنما التأثير بيد الله تعالى فهو كل يوم في شأن يفعل ما يشاء، وفي الحديث القدسي: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار. متفق عليه.
ثم إن الزمن ظرف لما يحصل فيه من أقدار الله، فله سبحانه وتعالى ما سكن وتحرك في الليل والنهار، وفي ليلة القدر يفرق كل أمر مما يصدر في تلك السنة المقبلة، ولا يعني هذا حصر أفعال الله تعالى، وينبغي أن يتأمل العبد دائما في حديث الله عن نفسه في القرآن وفيما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأخبار عن الله تعالى، ويبتعد عن تكلف النظر في ذات الله تعالى بما لم يتحدث عنه في الوحي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(1/2633)
التوكل لا يعني ترك الأخذ بالأسباب
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أشتغل مع ناس في الخارج وقالوا امكثي في بلدك حتى نتصل عليك لتسوية الأوراق من جديد، تأخرواعلي وكلمتهم وقالوا سنرد عليك انتظري، الآن مرت سنة ولم يتصلوا، السؤال هل إذا اتصلت عليهم لإخبارهم هل استغنوا عني داخل في التوسل إلى الغير من غير الله؟ هل هذا ينافي التوكل على الله؟ أم أقتصر فقط على الدعاء ولا أتصل بهم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبحث عن عمل والاتصال من أجل ذلك لا علاقة له بالتوسل، وهذا لا ينافي التوكل، فالتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله تعالى لا يعني ترك الأسباب، والذي يهمنا في سؤال أختنا الفاضلة هو حكم سفر المرأة للعمل وقد بينا هذه المسألة في عدة فتاوى فانظري لذلك الفتوى رقم: 27721، والفتوى رقم: 8528، والفتوى رقم: 31199.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1427(1/2634)
نجاح أو فشل الإنسان للوصول لمطلبه هل هو دليل خير أو شر
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ مدة طويلة والحمد لله كنت أدعو الله تعالى بهذا الدعاء (اللهم يسر لي الخير حيث كان) ، وبالفعل والله أعلم أعتقد وأكاد أكون متيقنا أن الله تعالى استجاب لي هذا الدعاء، حيث حدثت شواهد كثيرة جدًا تدل على هذه الاستجابة، فعلى سبيل المثال أحيانا أكون مقدما على أمر ما – مثل شراء سيارة – ويكون الموضوع معقدا جدًا.. ولكني أسير فيه لسبب أو لآخر ... ثم يتبين لي بعد مرور الأيام أنه لم يكن من الخير أن أشتري هذه السيارة مثلاً، وقس على ذلك أشياء كثيرة جدًا جدًا، أما فيما يتعلق بالسؤال فأنا والحمد لله متزوج منذ عدة سنوات ورزقني الله تعالى بثلاث بنات وبالاتفاق مع زوجتي أن يتم التنظيم بين الحمل والآخر سنتين تقريبًا مراعاة لصحتها ولإحسان تربية الأولاد فقد كانت تستخدم موانع الحمل الطبية ومنذ ما يقرب من سنة تقريبًا ونحن نحاول نزع هذه الوسيلة الطبية لرغبتنا في حدوث الحمل إلا أنه في كل مرة يحدث عائق يحول دون ذلك من قبيل عدم وجود الطبيبة عدم الحضور في الميعاد وقس على ذلك أشياء كثيرة لمدة سنة تقريبًا بالطبع لم نذهب يوميًا، لكن على حسب ظروف عملي وميعاد المستوصف ولكن وبحمد الله تم نزع هذه الوسيلة أمس فقط والسؤال هو: هل ترى يا شيخنا الفاضل أن عدم التيسير في نزع هذه الوسيلة دليل على أن هذا العمل ليس خيرًا الآن أو في هذا الوقت مثلاً وهل إصرارنا عليه مع استحالة كل الظروف لإتمامه دليل أو إشارة من الله تعالى على أن هذا الأمر ليس خيرًا أو على أقل تقدير ليس ميعاده الآن؟
أرجو الإفادة من واسع علمكم.... وجزاكم الله خيرًا ,,,,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصد بسؤالك هل في عدم تيسر الأمر المذكور دليل على أن هذه الأمر لو قدر لم يكن فيه خير، فجوابه أن هذا غيب لا يعلمه إلا الله، فهو سبحانه العالم بما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ولكن يكفيك أن تعلم أن الخير فيما اختاره الله عز وجل، قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216} وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وكل شيء عنده بأجل مسمى، ولو أن الأمة اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، والجزم بأن أي أمر مستقبل فيه خير أو فيه شر، أو بأن نجاح أو فشل أي سبب يتخذه الإنسان للوصول لمطلبه دليل على أنه خير أو شر هو من القول بغير علم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(1/2635)
الفرق بين الرزق والتوفيق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: أود أن أسأل عن الفرق بين الرزق والتوفيق والعلاقة بينهما حيث إن لي صديقا كلما دخل في مشروع كي يحسن من وضعه يفشل هذا المشروع بل وتزداد الديون عليه إلي أن وصل مرحلة ما قبل اليأس بخطوات.
فهل هنالك رزق معلوم للإنسان لا يستطيع أن يتجاوزه مهما سعى؟ وهل يوجد ما يعرف بالعارض الذي يقف في طريقه؟
أرجو شاكرا ممتنا أن تجد هذه الأسئلة الإجابة منكم علِّى أرجع إليه بقبس , وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرزق هو ما يرزقه الله تعالى للعبد من مال وغيره، وهو مكتوب ومقدر لا يزيد ولا ينقص في علم الله تعالى؛ كما هو الشأن في المقادير كلها.
والتوفيق قد عرفه أهل العلم (بأن لا يكلك الله إلى نفسك) ومن التوفيق أن ييسر الله للمرء ما يبتغيه مما ينفعه، وأكبر سبب لعدم التوفيق هو ارتكاب الذنوب والمعاصي نسأل الله العافية، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} . وقال سبحانه: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41} .
وقال عليه الصلاة والسلام: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه وحسنه السيوطي. ومع إيماننا بأن الله بيده كل شيء، وأنه قدَّر كل شيء، فنحن مأمورون من قبل الله بالأخذ بالأسباب، ونؤمن بأن هذه الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله. ويجمع ذلك عبارة ابن تيمية حيث يقول: فالالتفات إلى الأسباب واعتبارها مؤثرة في المسببات شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع. اهـ مجموع الفتاوى8/528.
ثم أعلم أنه لا وجود لما قلت إنه يعرف بالعارض الذي يقف في طريق المرء، واعتقاد مثل هذا من التشاؤم المنهي عنه. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الطيرة شرك. رواه أصحاب السنن عن ابن مسعود. والطيرة هي: التشاؤم مما لا يتشاءم منه، وهي من أعمال الجاهلية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1427(1/2636)
لا يسأل الرب عن قضائه في خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد أحاديث تحث على عدم الدعاء على الولد في لحظة غضب لكي لا تكون أبواب السماء مفتوحة فيستجاب الدعاء، أو عندما يقوم الإنسان لكي يصلي بالليل عندما يغالبه النوم ينام لكي لا يدعو على نفسه لكي لا يستجيب الله تعالى، فالسؤال هنا أن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فكيف يستجيب الله تعالى وهو يعلم أن الوالد يدعو على ابنه من وراء قلبه أو الذي يدعو بالليل وهو يغالبه النوم. وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث النهي عن الدعاء على الولد حديث ثابت صحيح رواه مسلم وأبو داود كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 52971، والفتوى رقم: 75534.
وقول السائل (كيف يستجيب) إن كان المقصود منه: لم يستجاب مثل هذا الدعاء؟ فجوابه أولا: قول الله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}
قال ابن جريج: لا يسأله الخلق عن قضائه في خلقه وهو يسأل الخلق عن عملهم، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى أوحى إلى موسى وقد سأل الله عن أمر من القدر: إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
فالله الحكيم العليم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، لا يفعل شيئا من غير حكمة وعلم، ولا يسأل لم فعل كذا أو لم لا يفعل كذا.
ثم إن من رحمة الله بنا أن بين لنا على لسان رسوله أن لا ندعو على أولادنا لأننا قد ندعو في ساعة لا يرد الله فيها سائلا، فإذا دعا العبد وخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يستجاب له ويكون هذا عقابا له لمخالفته النهي، أو غير ذلك من الحكم.
وأما حديث من غلبه النعاس وهو في الصلاة، فليس فيه أنه قد يدعو ويستجاب له، بل فيه: إذانعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه. رواه البخاري ومسلم، فليس في الحديث أنه قد يدعو نفسه ويستجيب الله له.
قال ابن حبان في صحيحه: إنما أمرنا بالانصراف من الصلاة خوف سب النفس عند إرادة الدعاء لها. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(1/2637)
الدعاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[لي حاجة أتمنى قضاءها وأدعو الله دائما أن يحققها لي ولكن مع ثقتي بالله تحضرني آية وهي " أفأمنوا مكر الله" فأنا لا آمن مكر الله لأنني لست من الخاسرين إن شاء الله....... هل لي أن أفهم تفسير الآية تفسيرا صحيحا؟؟؟؟ وهل إذا لم يكن مقدرا لي أن تتحقق دعوتي فهل يمكن بكثرة دعائي وقيام الليل وتقربي إلى الله بقدر الإمكان أن يغير الله ما هو مقدرا؟؟
أفيدوني أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الالتجاء إلى الله تعالى في قضاء الحوائج وكثرة دعائه والإلحاح عليه والتضرع.... من أفضل مظاهر العبادة وأعظمها وألذها، قال الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186} ، وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60} ، فينبغي أن تكثري من الدعاء ولا تيأسي ولا تقنطي، وثقي أن الدعاء خير لك على كل حال، فالدعاء هو العبادة، ومما يحقق الإجابة الثقة بالله تعالى، وتجنب الحرام، والدعاء في أوقات الإجابة، فقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم بألفاظ متقاربة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة.
وأما القدر فلا تشغلي نفسك به واعملي بالأسباب وما أمرك به الشرع من الدعاء، فالقدر سر الله تعالى في خلقه لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا يعلم أحد أن هذا الأمر مقدر أو غير مقدر، والتطلع إلى ذلك والانشغال به من وساوس الشيطان وأسباب الحرمان.
وأما الآية الكريمة فقد ذكر أهل التفسير أن الذي يأمن مكر الله هو الذي يعمل بالمعاصي وهو آمن لا يخاف غضب الله وعقابه، ونقل ابن كثير عن الحسن قوله: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن. والخاسرون هم الذين أفرطوا في الخسران ووقعوا في وعيده الشديد ... ومكر الله استدراجه لهم بالنعمة والصحة وأخذهم بالعذاب بغتة. وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتاوى: 21400 / 34952 / 35806.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(1/2638)
لا يحتج بالقدر على التقصير والمعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الله عز وجل قد خلقني، وكتب قدري، وكل شيء عنده مكتوب حتى تسلسل الأحرف التي أكتبها لكم قد كتبت عندما خلقت، فهل أستطيع أن أغير شيئا؟
فمثلا: قدري أن أكتب إليكم، أو أن أذنب ذنبا وهذا سابق مكتوب ولا أستطيع أن أغيره فلماذا أحاسب على ما أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خالق العباد وخالق أفعالهم والمقدر لحركاتهم وأعمالهم كما قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96} ، وقد أعطى عباده العقول والاختيار والمشيئة والقدرة على العمل بما شاء تحت مشيئته وقدرته كما قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:34} ، وقال تعالى: إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا {الفرقان:57} ، وقال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:28-29} ، وحسب اختيار العبد وعمله يحاسبه الله تعالى ويجازيه عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فيجب على العبد سلوك الطريق الصحيح والعمل بالشرع، وأن لا يحتج بالقدر على تقصيره ومعاصيه، فإن الإحتجاج بالقدر فعل المشركين، فقد أخبر الله عنهم بقوله: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ {الأنعام:148} ، ولمعرفة التفصيل في الموضوع راجع الفتاوى التالية أرقامها: 49314 / 35041 / 67894 / 32378 / 9192 / 4054.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1427(1/2639)
الرضا بالقضاء وسبيل تحقيق محبة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة.. وهي الوسواس.. أو الشك، أسأل الله أن لا يؤاخذني بما أكتب لأني أريد التوجيه والنصح منكم..
المشكلة أني شاب أحسب نفسي ملتزما بدين الله..
وكنت أجد الراحة وكنت أخاف أن أنتكس واجتهد على نفسي بالثبات إلى هذا اليوم، ولكن في الفترة الأخيرة بدت تدخل إلى شكوك والوساوس.. أسأل الله أن يزيلها.. وهي بالإيمان بالقدر هل الناس مجبورون على أفعالهم أي هل الله سبحانه وتعالى خلق الناس وأفعالهم قبل أن يعطيهم القدرة على الاختيار أو كيف هي طريقة الاختيار، أصبحت حينما أرى العاصي يعصي أنكر ذلك ولكن تراودني شكوك أن أقول مثلا هذا قدره أن يعصي
أصبحت أصارع نفسي كثيراً.. ربما يعود ذلك لأن صلتي بالله قلت وأصبحت لا أكثر من الطاعات!!
ولكني أريد العودة إلى الله.. وإلى خوفه ورجائه وحبه، والله أني أريد حب الله كما ينبغي لعبد أن يحب ربه
وأسال الله ذلك.. ولن يضيعني الله ما دمت كذلك ولكني أخاف من أن تجحد نفسي هذه النعم فيعاقبني الله!!
ماذا أفعل أشيروا علي بارك الله فيكم..
ما رأيكم في الذهاب إلى بيت الله.. لتجديد الإيمان!!
وأتمنى أن تشيروا علي بكتاب يدفع هذه الهموم بإذن الله..
وجزاكم الله خيرا.. واسألوا الله لي ذهاب الهم والغم والحزن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في مسألة جبر العباد على فعلهم وتأكيد الإعراض عن الوساوس وعدم الاسترسال فيها وعلاج ما يأتيك منها الفتاوى التالية أرقامها: 59659، 61730، 70476، 61976.
وأما الذهاب إلى بيت الله للحج أو العمرة فهو أمر محمود شرعا ومرغب فيه وأجره عظيم، كما بيناه في الفتاوى التالية أرقامها: 31892، 47895، 70417.
فتب إلى الله تعالى من الذنوب وأكثر من الأعمال الصالحة ومجالسة الأخيار، وأكثر من التأمل في نعيم الله تعالى، ومن النظر في كتب الرقائق وكتب الترغيب والترهيب، فبذلك إن شاء الله تكون من المحبين لله الشاكرين لأنعمه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 71891، 41765، 31289.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1427(1/2640)
الزواج هو بقدر الله وقضائه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قبلت الزواج من رجل متزوج، وقد تم الزواج فعلا رغم أنني علمت أن وضعه المادي ضعيف جدا، ولكن بفضل الله أنا إنسانة قنوعة وراضية بما يرزقني به الله، فلا أطالبه بأي نفقات أو مصاريف فوق طاقته إلا أن زوجته الأولى غاضبة جدا وتعتبرني سارقة للقمة أولاده، وأنني مخطئة وربما مذنبة لأنني وافقت عليه وأنا أعلم وضعه المادي
سؤالي: هل قرار الزواج من هذا الرجل هو من اختياري 100% وبذلك أتحمل أنا ذنب أولاده وزوجته وعلي أن أتراجع عن هذا الأمر.
أم هذا الزواج من هذا الرجل بالذات كان لا بد أن يحصل لأنه نصيب ومكتوب لنا (قدره الله لنا) ليس لنا دخل فيه.
أرجو توضيح مفهوم القضاء والقدر بشيء من التفصيل لأن هذا الموضوع غامض بالنسبة لي وأرغب جدا في فهمه, وهل الزواج من اختيارنا المحض أم لا؟
علماً بأنني قبل الموافقة على هذا الرجل عملت الاستخارةأكثر من مرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اختيارك لهذا الزوج بعد الاستخارة محض اختيار منك وهو حاصل بقدر الله وقضائه، فقد علم الله وقوعه وكتبه في سابق الأزل، وقد شاء ونفذ مشيئته وخلقه، فاختيارك وأفعالك كلها من خلق الله، ولن تستطيعي فعلها إلا بقضاء الله وقدره وإعانته؛ كما قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {الصافات:96} ، وقد أحسنت في تخفيف مؤونتك، وإذا كنت قنوعة ولا تكلفينه بما يؤثر على نفقته على أولاده فلا ذنب عليك فيما حصل، وبالاستعانة بالدعاء والالتزام بالتقوى ييسر الله أمركم ويسهل حالكم ويفتح لكم من فضله، فالزواج من أسباب الغنى؛ كما قال الله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32} وراجعي الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 7460 / 12638 / 38083 / 69043 / 32981 / 7863 / 45653.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427(1/2641)
الاجتهاد في الدراسة والرضا بالقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في كلية الحقوق منذ ولوجي لها وأبي يعقد علي آمالاً في أن أشغل مكانه إذ كان علي أن أحصل على ميزة مستحسن على الأقل كل سنة ليكون لي حظ في ما يريد، لكن الله لم يرد والحمد لله، فقط سنة واحدة نلت فيها الميزة، أقسم لكم أني أقوم بمجهود وأجتهد، لكن لا إله إلا الله، وهكذا لن أحقق حلم أبي ولا حلمي لأني راضية بقضاء الله، وهناك غيري ممن هو غير قنوع مهما حصل عليه من درجات لا يقبله، ويدعو على الأساتذة لأنهم لم ينصفوه، رغم أنه حاصل على الامتياز في كل سنة تقريبا، بالله عليكم ماذا يريد، وفوق ذلك كلما خرجنا من اختبار يبكي وينوح لأنه لم يكتب شيئاً حتى أتفاجأ أنا في نتيجته، التي أتحدث عنها هي صديقتي، والخاتمة تكون بتجريحي مثلا هذه السنة لم أحصل على الميزة على عكسها حيث حصلت على حسن، وقالت لي مسكينة أنت لأنكِ لم تحصلي على الميزة لم تحققي حلمك ليس لديك الحظ يا صديقتي، كيف سأتعامل مع هذه الصديقة التي أثرت على نفسيتي حتى أصبحت أبحث عن معالج نفسي، ماذا عن ربي هل يحبني بابتلائه هذا أم أنه يحبها هي، أم أن الله يخبئ لي الرزق في المستقبل؟ شكراً لسماعكم لي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بقدر الله وقضائه واجب، بل هو الركن السادس من أركان الإيمان، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في إجابته عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.
فلا بد من اليقين بأن الأمور كلها بيد الله، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء بقدر وحكمة يدبرها الله سبحانه وتعالى، وقد كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فما كتبه الله لا يستطيع أحد رده، وقد شرع الله بذل الأسباب وطالب العباد بالقيام بها لتحصل مطالبهم وشرع تطلع النفس لما هو أنفع لها في دنياها وأخراها، فقد روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. ولا يعتبر هذا عدم رضا بالقدر، وبما قسمه الله للإنسان، لأن الله قدر المقادير بأسبابها، فقدر النجاح بالجد والمذاكرة والري بالشرب والشبع بالأكل، وهكذا فلو طمع الإنسان إلى منزلة دينية أو دنيوية مباحة وعمل من أجل ذلك ووصل إليها فهو بقدر الله.
فمن الأمور الأساسية التي تكون سبباً في نجاح الإنسان في حياته كلها إيمانه بالله عز وجل وبقدره وثقته به، لذلك فعلقي نفسك بالله تعالى، وتوجهي إليه بسؤاله التوفيق والنجاح وابذلي الجهد الممكن من الدراسة لترفعي من مستواك وتحسني من خبرتك، وتسعي في الحصول على أعلى الدرجات العلمية في مجال تخصصك أو في غيره.
واعلمي أن الدعاء من قدر الله تعالى، فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه أو فوات ما يطمح له فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء ويصرف عنه شر ما يخشاه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يرد القدر إلا بالدعاء. رواه أحمد والترمذي بإسناد حسن.
وروى الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع. وفي سنن أبي داود بإسناد حسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في أوقات الشدة والأزمات ويسأل الله تعالى أن يرفع البلاء، فعن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمريض ويقول: اللهم رب الناس، أذهب الباس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
فعلى المسلم أن يتسبب ويدرس ويراجع ... وكل ذلك من قدر الله تعالى وقضائه، وإذا أصابه بعد ذلك ما لا يريده فليقل: قدر الله وما شاء فعل، كما أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم. وسيجد بردها على قلبه إن كان صادقاً.
ونصيحتنا لأختنا السائلة أن لا تتأسف على ما مضى، فإن لو تفتح عمل الشيطان كما تقدم، ولتجد في المستقبل ولتعلم أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد دلا على أن الذنوب سبب من أسباب نزول المصائب بالعبد وحرمانه من الرزق، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وفي مسند أبي يعلى عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أصابك من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أجل أن يعود بعد عفوه.
فاجتهدي في الدراسة وذاكري مذاكرة جيدة وابتعدي عن المعاصي، فإنها قد يحرم مقترفها من بعض الأشياء عقوبة له، كما في الحديث: إ ن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وحسنه الألباني والأرناؤوط.
واعلمي أن الفشل في الدارسة أو كثرة المصائب ليست دليلاً على كره الله للمرء، كما أن النجاح في الدراسة ووفرة المال والولد ونحو ذلك من النعم الدنيوية ليس دليلاً على حبه إياه، ولمعرفة المعيار الصحيح الذي يعرف المرء به محبة الله إياه أوعدمها، انظري في ذلك الفتوى رقم: 56202، وراجعي في التعامل الأمثل مع صديقتك الفتوى رقم: 54580.
وأما الحالة النفسية ونحو ذلك مما تشعرين به أحياناً فعلاجه الذكر وقراءة القرآن، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26195، 35559، 36430، 66870، 56202، 26806، 32068، 38127.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427(1/2642)
التنهد الإرادي واللاإرادي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ 20 سنة أتنهد كثيرا مع إخراج زفير كبير فهل هذا جائز شرعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتنهد والزفير إن كان تبرما من الوالدين وأوامرهما فهو محرم لا يجوز بحال لورود النهي عن التأفيف عليهما في قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ {الإسراء:23} . والتنهد مثله أو أشد، وهو في حق الله تعالى إذا أنزل مقدوره بالإنسان أشد تحريماً لأنه يشعر بالضجر والسخط وعدم الصبر والتسليم لأمر الله وحكمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وابن ماجه.
وهو في غير ما ذكرنا مكروه لأنه ينافي مكارم الأخلاق وجميل الصفات، وانظري الفتويين رقم: 15197، 23586.
وهذا كله فيما إذا كان عن إرادة وقصد. وأما إن كان أمرا غير إرادي لا يمكن التحكم فيه فهذا لا حرج فيه شرعا لعدم القصد فيه, والله تعالى يقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب: 5} وينبغي حينئذ عرضه على الطبيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1427(1/2643)
الأخذ بأسباب الحمل مع الضعف هل يعد تحديا لإرادة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نعاني أنا وزوجي من ضعف نتج عنه تأخر الإنجاب لمدة خمس سنوات ثم تم الحمل عن طريق الحقن المجهري وجاء المولود في نهاية الشهر السادس ثم توفي بعد فترة نتيجة نقص النمو، ورأى الدكتور أنه لا يمكن الحمل بالطريقة الطبيعية، فهل تكرار التجربة هو تحد لإرادة الله أم يجب علينا الأخذ بالأسباب إلى أقصى درجة؟ وإذا كان يجب علينا الأخذ بالأسباب لماذا لا نعتبر أن هذا ينطبق عليه قول الله تعالى"وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم" وهل إذا استسلمت لإرادة الله في عدم الإنجاب أكون قصرت في حق نفسي عملا بقول رسول الله "تداووا"خصوصا أنني الآن عمري 30 سنة، والدكتور قال إنه يجب أن أحاول حتى ال35؟ أرجو منكم الإفادة، وجزاكم عنا وعن أمة الإسلام كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك تعارض بين الأخذ بالأسباب وبين الرضا بمشيئة الله وقدره، فكل من السبب والمقدر من خلق الله عزوجل، قال ابن مفلح في الآداب: قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: الله هو الذي خلق السبب والمسبب فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب بالكلية قدح في الشريعة، بل العبد يجب أن يكون توكله ورغبته إلى الله سبحانه وتعالى، والله يقدر له من الأسباب ما يشاء. اهـ
فالله عزوجل بيده الأمور ولكنه جعل لكل شيء سببا، واقتضت حكمته وسنته أن لا يتوصل إلى المسبب إلا بما جعله سببا إليه. قال ابن العربي في أحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ {يوسف:42} قال: فيها جواز التعلق بالأسباب وإن كان اليقين حاصلا لأن الأمور بيد مسببها ولكنه جعلها سلسلة وركب بعضها على بعض فتحريكها سنة والتعويل على المنتهى (يعني القدر) يقين. اهـ.
فليس في الأخذ بأسباب الحمل وتحصيل الولد اعتراض أو تحد لإرادة الله سبحانه بل إن ذلك مطلوب ما دام بالطرق الشرعية لأن تحصيل الولد من مقاصد الشرع، ولذا شرع الله عزوجل النكاح ورغب فيه. وأما الاستدلال بقوله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ {البقرة: 216} للقعود عن الأخذ بالأسباب فليس صحيحا، فما يدريك أن فيه شرا فلعل فيه خيرا، وإنما يقال ذلك بعد الأخذ بالأسباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيئ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. فحث صلى الله عليه وسلم المؤمن على الأخذ بالأسباب وعدم العجز، فإذا لم يقدر له الله ما يريد أو أصابه ما يحذر قال قدر الله وما شاء فعل، وهذا بعد المصيبة، أما قبلها فهو مأمور بأن يستعين بالله وأن يحرص على ما ينفعه وأن لا يعجز، مع العلم أنه لا يجب على الأخت عمل هذه العملية ونحوها من أجل تحصيل الولد، ولا تكون آثمة بترك ذلك إلا إذا طلب الزوج منها ذلك، ونحيلها على الفتوى رقم: 29748.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1427(1/2644)
إصابة أمك بالجلطة أمر قد قضاه الله تعالى وقدره
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ 6 شهور أصيبت أمي بأزمة صحية وحاولنا إدخالها المستشفى وطلب المستشفى مبلغا كبيرا وكانت حالتها سيئة ولكننا نقلناها إلى مستشفى آخر وأصيبت بجلطة في المخ وشلل نصفي ومن يومها وأنا اشعر وكأنني السبب وهي في الثمانين من عمرها بهذا المرض وأنني قد بخلت عليها برغم أنني من يومها قد صرفت ومازلت أكثر بكثير مما طلب وأحاول أن أخدمها وأطببها وأدعو لها ولكني لا أزال أشعر بالذنب. وكنت قبلها مباشرة عائد من سفر عمل فاشل فهل أنا السبب فيما حدث وماذا أفعل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبر الأم والإحسان إليها والقيام بمصالحها وضرورياتها ومن ذلك العلاج أمرٌ واجبٌ على الأبناء، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23} ، وإذا كنت قد سعيت في علاج أمك، ونقلتها من المستشفى الذي كانت فيه إلى غيره لكون تكاليف ذلك المستشفى مُبَالغاً فيها، أو لا تستطيع دفعها، فلا إثم عليك ولا حرج، وإصابتها بالجلطة أمرٌ قد قضاه الله تعالى وقدره، وقد قال: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ {الرعد: 8} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي. وعليك أخي أن تجتهد في خدمتها فيما بقي، واحرص على رضاها، نسأل الله تعالى أن يجزيك خيرا، وأن يغفر لك ما قد حدث أو يحدث من تقصير.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1427(1/2645)
الصبر على البلاء والرضا بالقضاء من شيم المؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا الرب الذي تتكلمون عنه كلكم لا أعرفه ولم أر منه شيئاً غير الاحتقار والإهمال، أعيش حياة الكلاب منذ 31 سنة، رماني وسط حمقى جاهلين عفنين وأعطاني حياة كلها ألم ودموع واعتداءات حطمني مدى الحياة ولم يعطني لا حياة عائلية طبيعية ولا شخصاً يشفق علي ويساعدني ويعلمني ولا صحة أعول عليها ولا مالاً استعين به، كنت أظن كالأحمق أن الصبر إذا انتهى ولم يعد أحد يحتمل يأتي الفرج فإذا بي لا أجد إلا الألم رداً على دعائي، كلما ذكرته أو حاولت قراءة القرآن أو الصلاة يشتد بي الألم فأتوقف عندي منذ أكثر من 25 سنة مرض أليم لا أعرف حتى الآن ما هو أهذا هو الإسلام أهذا هو ربكم، لم أكن يوماً لا منافقاً ولا فاجراً ولا زانياً ولا سارقاً ولا كذاباً ولا شريراً، أكره الظلم والفجور وأهله، أما اليوم صرت أقرف من ذكر كلمة الإسلام، منذ سنوات وأنا أحاول تفادي الوقوع في هذا الكلام حتى نفد صبري ولم يساعدني، يراني أقترب شيئاً فشيئاً من الكفر ولا يساعدني حتى وقعت فيه ولم أر منه غير الإهمال، ماذا فعلت أنا لأحد، لم أفعل الكبائر، وكل ما فعلت أنا فيه معذور، نفد صبري وعشت عيشة الكلاب ولم يساعدني أحد في شيء وإنما الكثير دائماً موجودون ليقرفوني في عيشتي أهذا هو ربكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن من كفر بالله أو بنعمه التي لن يستطيع إحصاءها مهما كثرت مصائبه فإنه لا يضر الله شيئاً، وإنما يضر بذلك نفسه، واعلم كذلك أن الابتلاء يأتي من الله لأمور كثيرة: فتارة يكون لتكفير الخطايا ومحو السيئات، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.
وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ... فلا يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصاً ولا عذاباً، وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين َ {العنكبوت:2-3} ، فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الناس من هم الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي.
وعلى المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين الشاكرين، ولئلا يجتمع عليه خسران الدنيا والآخرة، فلا شك أن الدنيا دار بلاء ومشقة وعنت لحكم يعلمها الله، ولعل من الحكم في ذلك أن لا يركن الإنسان إلى الدنيا فيخلد إليها ويظن أنها نهاية المطاف، ولكن إذا كابد فيها فسيتعلق قلبه بدار لا نصب فيها ولا وصب، وسيشتاق إلى جوار الرحمن في جنة الخلد، قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء من عظم البلاء. وقيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. وانظر الفتوى رقم: 25874.
فندعوك وننصحك بالتوبة من هذه الألفاظ التي كتبتها، والتي لم تخل في عمومها من الكفر، وإلى التوبة مما أنت فيه من السخط على إرادة الله وفعله، وإلى التوبة من سائر الذنوب، فإن ما قاسيته في إحدى وثلاثين سنة لا يمكن مقارنته بعذاب أبدي، في نار وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً. متفق عليه من حديث النعمان بن بشير. ونحن على يقين من أنك إذا كان الله قد قدر عليك الشقاء في الأزل، فلن ينفعك نصحنا ودعوتنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1427(1/2646)
كل شيء يجري في الكون بقضاء الله تعالى وقدره
[السُّؤَالُ]
ـ[ابني عمل حادث سيارة وكان الحق عليه، فهو مسرع والحمد لله لم يصب بأي أذى إلا أن السيارة تهشمت، سؤالي هو: هل هذا الحادث هو ما نقول عنه قضاء وقدر أم لا باعتباره هو مسبب الحادث بسبب السرعة؟ ولكم كل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما يجري في هذا الكون وما يقع فيه من صغيرة أو كبيرة هو بقضاء الله تعالى وقدره وعلمه وإرادته، كما قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان:2} ، وكون الشخص متسبباً في عمل ما لا يخرج ذلك العمل عن قدر الله تعالى، ولهذا فإن ما جرى لابنك هو من قضاء الله تعالى وقدره، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على مباشرة الأسباب والأخذ بالحيطة والحرص على ما ينفع المسلم، فإذا لم تعط هذه الأمور نتائجها فلنعلم أن الله تعالى لم يقدر ذلك الشيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ... الحديث رواه مسلم وغيره.
والحاصل أن كل حركة وسكون وكل ما يجري في هذا الكون هو بقضاء الله تعالى وقدره، ولتعريف القضاء والقدر ومعرفة مراتبه.... وما ينبغي أن يكون عليه المؤمن إذا أصابه مكروه نرجو أن تطلعي على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20434، 67357، 32418، 35549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(1/2647)
الحكمة من تطويل أعمار بعض الناس وتقصيرها لآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الله سبحانه وتعالى التوبة في آيات كثيرة من كتابه العزيز، ونعلم جميعاً أنه سبحانه يبدل سيئات العبد حسنات إذا ما تاب، فمثلاً قد يتوب الرجل في سن الستين بعد ما قضى سنين عمره في المحرمات فيقبل الله توبته، إلا أن هنالك من يموت في سن مبكرة أي في الثلاثين من عمره ولا يسعده الحظ وقصر عمره بالاستفادة بهذه المنة من الله عز وجل ولو طال عمره وعاش إلى الأربعين أو الخمسين لربما كان من التائبين، فكيف يحكم الله في هذا الأمر وهو العادل بين عباده إذ أن من تاب في الستين لو مات في الأربعين لما كان من التائبين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أنه يجب على المسلم الاعتقاد بأن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم بما أراد، لا يسأل عما يفعل، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، قال سبحانه وتعالى: وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {الرعد:41} ، وقال عز وجل: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} .
ويجب على المسلم الاعتقاد أيضاً بأن الله تعالى عادل لا يظلم أحداً من خلقه مثقال ذرة، فقد قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:40} ، وقال سبحانه وتعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {فصلت:46} ، وقال تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف:49} .
فكل أفعال الله لعباده عدل لا ظلم فيها، وهم يتقلبون بين فضل الله وعدله، قال الطحاوي في عقيدته: وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله. وتفضل الله تعالى على بعض عباده لا يعني أنه ظلم الآخرين الذين عاملهم بعدله.
كما يجب على المسلم الاعتقاد أيضاً بأن أفعال الله تعالى كلها لا تخلو من حكم قد نعلمها وقد نجهلها، ومن ذلك تطويل أعمار البعض وتقصير أعمار آخرين، قال ابن القيم في شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: فكم لله سبحانه من حكمة في ذلك الذي أخرمه صغيراً، وحكمة في الذي مد له في العمر حتى بلغ وأسلم، وحكمة في الذي أبقاه حتى بلغ وكفر. وهذه الحكم التي يشير إليها ابن القيم لا يمكن حصرها؛ لأن حكم الله تعالى تتعدد وتختلف من مخلوق لآخر، فما يكون خيراً لشخص قد يكون شراً لغيره، فقد يكون في مد العمر للعاصي زيادة له في المعصية والإثم كحال إبليس، وبالتالي فيكون قصر العمر أفضل لمن هذه حاله، فهو وإن كان من أهل النار إلا أنه قد يكون أخف عذاباً بسبب قصر عمره، بل ربما يكون قصر العمر منجياً له من النار على الإطلاق، كأن يقبض قبل فتنة يُضَلُّ فيها غيره، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. رواه مالك في الموطأ والترمذي وصححه الألباني.
وهي أمور دقيقة لا يعلمها إلا الله تعالى، والواجب على المسلم ألا يرهق نفسه بتتبع ما لا طاقة له على معرفته، بل هو من علم الغيب الذي اختص الله بمعرفته، ويكفيه أن يعلم أن الله لم يظلم من كلفه وأعطاه عقلاً وأرسل إليه رسلا فبينوا له الحق من الباطل، ثم خالفهم وعصاهم سواء كانت المدة التي امتحن فيها قصيرة أو طويلة، وأما لماذا أطال الله جل وعلا في عمر هذا وقصر في عمر ذاك فمما لا يمكن إدراكه على وجه التفصيل مع يقيننا أن ذلك لحكم عديدة يعلمها الله عز وجل، ثم إننا ننصحك أخي السائل بالبعد عن هذه الشكوك، وأن تنشغل بما ينفعك من الطاعات، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1427(1/2648)
تحدث المريض بما يعانيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إن كان الإنسان مريضا وتحدث بذلك للآخرين تعتبر كفران بنعمة الله. إنني مريض وعند سؤال الناس كيف صحتك أقول الحمدلله ويسألون يعني خلاص تحسنت وعند ذلك أضطر أتحدث بشكل نوعا ما تفصيلي عن الألم الذي عندي ومرات خوفا من الحسد أقول دعهم يعرفون حقيقة الحالة الصحية لأنني إذا لم أتحدث بها هم يعتقدون أني قد شفيت والله يعلم بحالي بأني مريضة؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان تحدث المريض عما يعانيه من المرض فيه مذمة أم لا، قال القرطبي: اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه، كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد، كأن من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر، والله أعلم.
وروى أحمد في الزهد عن طاووس أنه قال: أنين المريض شكوى، وجزم أبو الطيب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه، وتعقبه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك، ثم احتج بحديث عائشة (وقولها: وارأساه) ثم قال: فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى....
ويستدل لعدم المذمة بما رواه صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فاستوى جالسا، فقال: أصبحت بحمد الله بارئا؟ قال: أما إني على ما ترى وجع.. أخرجه الطبراني.
فبان من مجموع تلك الأدلة أن تحدث المريض بما يعانيه لا على سبيل التسخط والتشكي ليس مذموما، ولكن اشتغاله بالذكر أولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1427(1/2649)
لا أثر للأرقام والأسماء بالأحداث التي تحصل للناس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي فضيلتكم في موضوعات الموقع المشار إليه، ولاسيما موضوع علاقة الأرقام بالأسماء وتحديدها لمسار وأقدار العباد.
هل الاعتقاد بهذه الأمور ضرب من الشرك؟
هل هذه الأمور مرتبطة بالإعجاز العددي بالقرآن؟
http://www.alargam.com/general/names/1.htm
http://www.alargam.com /]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جميع الأحداث الحاصلة في الكون حصلت بقضاء الله وقدره، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {التغابن: 11} وفي الحديث: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه مسلم.
فلا بد للمسلم من الاعتقاد بأنه لا يحصل خير ولا شر ولا نفع ولا ضر إلا بقدر الله تعالى وإرادته. والإقرار بذلك واعتقاده من أركان الإيمان وأساسياته، وإنكاره دال على فساد معتقد صاحبه، ولذلك جاء في جواب النبي صلى الله عليه وسلم لسؤال جبريل عن الإيمان قوله: وتؤمن بالقدر خيره وشره. رواه مسلم. وقال الله تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {التوبة:51} . وفي سنن ابن ماجه عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:...... ولو كان لك مثل أحد ذهبا أو مثل جبل أحد ذهبا تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار.
وبناء عليه فإنه لا علاقة للأرقام والأسماء بالأحداث التي تحصل في حياة الناس وما يحصل من توفيق الشخص في أموره وتيسيرها، وحصوله على مطلوبه بلا سبب أو بأدنى سبب، فقد يحصل لبعض الناس، ولكنه محكوم بقضاء الله تعالى وإرادته، ولا يحصل شيء من ذلك لأحد إلا إذا كان مقدرا له في سابق علم الله سبحانه.
وأما اعتقاد أن المحظوظ قد يحصل على ما لم يقدر له، أو أن حظه قد ينفعه وحده في جلب المحبوب ودفع المرهوب، فهذا باطل -قطعا- بالنقل والعقل والواقع.
وقد ثبت في أحاديث كثيرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. كما في الصحيحين وغيرهما.
والجد هو: الحظ أو الغنى. وراجع في الإعجاز العددي الفتوى رقم: 17108.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1426(1/2650)
قواعد ومبادئ في القضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الكرام في الشبكة الإسلامية، جزاكم الله عنا كل خير
أرجو منكم توضيح المسألة التالية: أخي الصغير مقبل على الزواج وطلبت منه عدة مرات أن يصلي استخارة قبل أن يعقد قرانه لكني أشك أنه لم يفعل رغم أنني سألته واخبرني بأنه صلى، سؤالي: هل الزواج قدر وهل يكتب للإنسان في اللوح المحفوظ من سيتزوج، وما حكمة مشروعية صلاة الاستخارة وإذا لم يصل الإنسان استخارة قبل الزواج (وما أكثر هذا النوع من البشر) ، فهل هذا يعني أنه ربما لن يحصل على الخير الذي كان قد قدره الله له وربما يقع في شر كان سيصرفه الله عنه لو صلى، وأختم سؤالي بالحديث عن نفسي، فقد تزوجت منذ (5) سنوات ولم أصل الاستخارة وقد توفيت زوجتي منذ أكثر من عام، فهل ذلك يعني أنني لو صليت استخارة لربما صرف الله عني ذلك الزواج ولكانت واحدة أخرى من نصيبي، أفيدوني أفادكم الله وأرجو أن تتسع صدوركم لذلك فأنا أعرف أن قضايا القضاء والقدر شائكة ويستحسن عدم الخوض فيها لكنني في النهاية أحب أن أعرف الفوائد المترتبة على صلاة الاستخارة لكي أنصح بها غيري؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما صلاة الاستخارة وكيفيتها ووقتها وأثرها فقد بيناه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38863، 32377، 19333.
وأما الزواج هل هو قدر؟ وهل يغير الدعاء وصلاة الاستخارة من المكتوب فقد أجبنا عنه في الفتوى رقم: 12638.
ومن لجأ إلى ربه وفوض أمره إليه وطلب الخيرة منه في أمره وتبرأ من حوله وقدرته إلى قدرة الله وعلمه، حري به أن يوفق لما فيه خيره وصلاح أمره وإن كرهه في الظاهر، فعسى أن يكره المرء ما فيه خيره، وعسى أن يحب ما فيه شره، كما قال الله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، فحسب ابن آدم أن يكل أمره إلى الله ويستخيره فيما يقدم عليه.
وإذا لم يفعل واعتمد على قدرته واختياره فقد يصيب ما فيه خيره وقد يخطئه ويقع فيما فيه شر له، ولا ينبغي للمرء إذا وقع في أمر أن يقول لو أني فعلت كان كذا وكذا، كما قال صلى الله عليه وسلم:.... احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء لا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
قال الطحاوي رحمه الله تعالى: وكل شيء يجري بتقدير الله ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لهم لم يكن.. وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من نظر أو فكر أو وسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه؛ كما قال في كتابه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
وقال ابن القيم رحمه الله: لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى والأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله تعالى. فهذه قواعد ومبادئ في القضاء والقدر ينبغي التبصر بها والوقوف عندها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1426(1/2651)
المحتج بالقدر على فعل المعصية متبع لهواه
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم. كيف يضل الله العبد ثم يعذبه، وكيف يزين له سوء عمله ثم يعاقبه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عن السؤال نقول لك: إن الله لم يزين للإنسان سوء العمل، وإنما نفسه وهواه والشيطان هم الذين زينوا له ذلك، ثم نقول لك: إنه ليس من الأدب مع الله أن يعترض العبد على شيء من أفعاله.
وفي موضوع سؤالك، فصحيح أنه لا يكون شيء في هذا الوجود إلا بمشيئة الله وأمره الكوني، ولكن الأمر الكوني ليس أمراً للعبد بأن يفعل الفعل أو يتركه، وإنما هو أمر تكوين لكون العبد سيكون على تلك الحال، ولا علم للعبد بأن الله قدر عليه هذا الفعل أو هذا الأمر، وقد أعطاه الله من الجوارح وقوة الإدراك والتفكير ما يستطيع به تمييز الحق من الباطل.
ولا شك أن الإنسان في أموره الدنيوية لا يجلس ويترك التسبب في تحصيل معاشه اتكالا على ما هو مقدر له، فكذلك يجب عليه أن لا يحتج في المعصية على أنها مقدرة عليه.
قال ابن تيمية في منهاج السنة: فإن الاحتجاج بالقدر باطل باتفاق أهل الملل وذوي العقول، وإنما يحتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول متبع لهواه، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري، أيُ مذهب وافق هواك تمذهبت به، ولو كان القدر حجة لفاعل الفواحش والمظالم لم يحسن أن يلوم أحد أحداً ولا يعاقب أحد أحداً، فكان للإنسان أن يفعل في دم غيره وماله وأهله ما يشتهيه من المظالم والقبائح ويحتج بأن ذلك مقدر عليه. انتهى.
وقال أيضاً: والله لا يأمر بالفحشاء ولا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يوجد من خطاب باطن ولا ظاهر للكفار والفساق والعصاة بفعل الكفر والفسوق والعصيان ... وإن كان ذلك واقعاً بمشيئته وقدرته وخلقه وأمره الكوني ... فعلم أن المحتج بالقدر على فعل المعصية متبع لهواه بغير علم، ومن أضل من اتبع هواه. وراجع للمزيد من الفائدة فتوانا رقم: 49314.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1426(1/2652)
دفع المصائب عن النفس ليس محاولة لمنع القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال الذي أود طرحه مهم ومستعجل جدا لذا أرجو أن تكون الإجابة بأسرع وقت جزاكم الله خير الجزاء، وهو أن مؤمنا قضى حياته بين ذكر الله والتقرب إليه لدرجة أنه كان يفرح بما يصيبه من ابتلاء ويحمد الله عليه ويذكر الله عز وجل في أحلك الظروف، وقد تعرض إلى قدر عظيم كانت من نتائجه ابتلاءات كثيرة بما في كل منها من تعقيد غريب وتفاصيل كثيرة هو على ثقة أن لو تعرض غيره إليها لجزع ويئس على أقل تقدير، إلا أنه يستشعر في كل ما يمر به حكمة الله ولكنه يشعر بضيق لم يكن يشعر به مطلقا في بعض الأحيان ويحزن أحيانا لما يرى، فهل يعد انزعاجه هذا إثما أو اعتراضا على أمر الله ,, والسؤال الأهم إذا كان قد شعر أن قدر الله سيحدث وحاول منعه بشتى السبل هل له توبة وكيف؟؟ أعتذر للإطالة وأدعو الله ان يثيبكم بالحسنى على إجابتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها الأخت الكريمة أن ما ينزل بالعبد من مصائب وآلام وأحزان، هو رحمة من الله تعالى به سواء كانت عقوبة على ذنب أو كانت ابتلاء لرفع الدرجات، فقد روى أحمد والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
وما يشعر به المرء من الضيق والحزن والانزعاج من المصائب التي تلم به، ليس فيه من إثم إذا لم يحمله ذلك على فعل شيء محرم، وذلك لأن هذه الأمور أفعال نفسية لا يستطيع الإنسان صرفها.
كما أن محاولة الإنسان دفع المصائب عن نفسه، لا تعتبر محاولة لمنع القدر، لأنه لا يعرف ما هو المقدور له، وبالتالي فإن ذلك لا يعتبر ذنباً.
وعلى أية حال فإن التوبة إذا كانت خالصة لله تكفر جميع الذنوب. ففي الحديث الشريف: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1426(1/2653)
الرضا بالمرض والسخط عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تمنيت من الله ومازلت أتمنى أن أعرف سبب مرض مازال يسكن بجسدي وكنت أتمنى أن أعرف سبب هذا المرض وقد سألت الله عز وجل أن أرى في منامي سبب هذا المرض هل هو من شخص تسبب فيه أو هو عقاب أو بلاء وأنا محتار هل هي محبة من الله أم هذا من ذنب ولن أزكي نفسي ولكن ليس هناك ذنب يستحق هذا العناء وقد راجعت أفضل المسشفيات في الداخل وخارج المملكة ولم أجد هناك أي سبب طبي وذهبت لبعض الشيوخ للقراءة علي ولم يتبين أي شيء إن كان سحراً أو مسا وما زلت أعاني من كثرة الأمراض في جسدي مما جعلني لا أقدرعلى تحمل أي شيء من جهد، سؤالي هو: إن اتضح لديكم ما أقصده هو أنني كنت صابراً، ولكن نفذ صبري لقلة تحملي من جهد المرض لماذا لم أر بمنامي ما تمنيت من الله من سبب هذا المرض؟ وفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن نزول المرض بالشخص قد يكون عقوبة، فيجب على المريض التوبة والصبر، وقد يكون ابتلاء واختباراً، فالواجب عليه الصبر، فإن صبر ورضي فله الرضا من الله تعالى وجزيل الثواب، وإن سخط ولم يرض فله السخط من الله تعالى وأليم العذاب، وقد روى الترمذي عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع.
وفي رواية: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين، قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد.
ولذا، فالواجب عليك أن تصبر ولا تجزع، واعلم أن صبرك ورضاك يورثانك الثواب وتعجيل الشفاء بإذن الله تعالى، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 13849.
ثم لا تنس أن الله تعالى هو المدير لهذا الكون، وأنه يعطي ويمنع لحكم بالغة، قد لا تتبين لنا، وليس من الأدب معه أن نقول لم لا يقع كذا، مع أنه لو أراك في منامك شيئاً، فإن الرؤى والأحلام لا ينبني عليها شيء، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 18129.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(1/2654)
الحكمة من وقوع البلاء بالأطفال
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونا أثابكم الله ما هي الحكمة من ابتلاء الله للأطفال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه قد يبتلي عبده تمحصيا لذنوبه واختبارا لإيمانه كما قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ {آل عمران: 140-141} وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {الشورى 30} وقال: الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {العنكبوت: 1-2}
وأما الطفل فإنه غير مكلف ولم تكسب يده ما يقتضي عقابه وتمحيصه، ولكن لا بد أن يكون لما يصيبه من البلاء ويحل به من المصائب حكمة أو حكم جليلة، فالله عز وجل حكيم عدل له الحكمة البالغة والعدل المطلق، فلا يبتلي الطفل ولا غيره إلا لحكمة وهذه الحكمة قد تظهر لنا وقد نعجز عن إدراكها ولا يلزم من عجزنا عن إدراكها انعدامها، فقد تكون الحكمة في نزول البلاء بالطفل ونراه يمرض ويبتلى أبواه في صبرهما ورضاهما بقضاء الله وقدره ولذلك من مات له ثلاثة أولاد أو ولدان واحتسب الأجر عند الله دخل الجنة، كما في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: ما منكن من امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كانوا لها حجابا من النار، فقالت امرأة: واثنين واثنين واثنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنين واثنين واثنين. متفق عليه.
وعند أحمد عن أبي ثعلبة الأشجعي قال: قلت: مات لي يا رسول الله ولدان في الإسلام، فقال: من مات له ولدان في الإسلام أدخله الله عز وجل الجنة بفضل رحمته إياهما. وقد تكون لأمور أخرى لا يعلمها إلا الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(1/2655)
زنا المحارم وعلاقته بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بمسألة القدر ولكن في أحد المجالات على سبيل المثال شخص زنى بأمه أو بأخته ثم حصل حمل
فهل هذا الطفل جاء إلى الدنيا بإرادة الله أو ليس بإرادةالله، أي قدر أم ليس قدر، وإن قلتم أنه ليس قدرا وليس بإرادة الله، إذا الصحيح في هذه الحالة لكي نرضي الله أن هذا الطفل أساساً كان لابد أن لا يأتي إلى الدنيا لأنه لا يوجد طريق شرعي آخر كان يمكن أن يأتي منه لأنه لا يمكن للشخص أن يتزوج أمه أو أخته، إذ الوجود ليس نعمة بل هو أمانة، إذا لم يخلقنا الله نعمة لنا، وما حكم هذا الطفل كيف يكون اسمه وهل قتله جائز
لا أريد كلاما تقليديا، موضوع القدر من المواضيع الشائكة والتي بحاجة إلي موهبة فكرية وفلسفية
إلي جانب العلم الديني لأن كثيرا منا يدخل الله في حياته بشكل خاطئ حيث يقول على أشياء أنها قدر وهي ليست قدرا والعكس حتى لو كانت كلها أشياء مشروعة
أفيدونا؟
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه لا يكون شيء في الكون إلا بعلم الله تعالى وإرادته وقضائه وقدره، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره.
ولكن ينبغي التفريق بين نوعين للإرادة، الأول: هو الإرادة الكونية القدرية، وهي التي بمعنى المشيئة. والثاني: هو الإرادة الدينية الشرعية وهي التي بمعنى المحبة.
وانظر معنى كل منهما في الفتويين: 18046، 48784. وعلى هذا فإن زنى والدي الطفل كان بإرادة الله الكونية القدرية، وليس بإرادته الشرعية الدينية. فإن الزنا وقع بعلم الله تعالى وبإرادته، لأنه لا يقع شيء في الكون رغماً عنه سبحانه وتعالى، ولكنه سبحانه لا يحب الزنا ولا يرضاه من عباده.
ولمزيد بيان راجع كتاب (القضاء والقدر) للدكتور عمر سليمان الأشقر، أو كتاب (الإيمان) للدكتور محمد نعيم يا سين، فصل القدر، حتى تعلم معنى القدر، ومراتبه، وثمرات الإيمان به، وغير ذلك.
هذا وينبغي عدم الخوض في مسائل القدر لأنها مزلة قدم، وانظر الفتوى رقم: 53111. وما تفرع عنها من فتاوى.
والله أعلم ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1426(1/2656)
الاحتجاج بالقدر على ترك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أحيانا هناك أشخاص عند ما تدعوهم للصلاة يجيبون بأن الله لم يهدهم بعد، وأن الهداية من الله فكيف نجيب هؤلاء لنحثهم على الصلاة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللعبد مشيئة تحت مشيئة الله كما قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وكل أحد يفرق بين تصرفه الاختياري وتصرفه غير الاختياري كالمصاب بحركة يده باستمرار فهو يريد إيقافها فلا يقدر فهذه الحركة لا اختيار له فيها، وأما غير المصاب فيحركها بإرادته ويوقفها بإرادته، والهداية له اختيار فيها والاحتجاج بالقدر في تركها هي حجة المشركين وهي شبهة شيطانية كما قال تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا {الأنعام: 147} وهو احتجاج باطل لا حجة لهم فيه، إذ لو كان حجة لأحد في ذنب لكان حجة لإبليس وفرعون. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة: فإن الاحتجاج بالقدر باطل باتفاق أهل الملل وذوي العقول وإنما يحتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول متبع لهواه كما قال بعض العلماء أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به ولو كان القدر حجة لفاعل الفواحش والمظالم لم يحسن أن يلوم أحد أحدا ولا يعاقب احد أحدا فكان للإنسان أن يفعل في دم غيره وماله وأهله ما يشتهيه من المظالم والقبائح ويحتج بأن ذلك مقدر عليه. انتهى.
فعلم أن المحتج بالقدر على فعل الكفر متبع لهواه بغير علم. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ {القصص: 50}
وننبه السائل إلى أن دفع الاحتجاج بالقدر لاينافي الإيمان به، بل لا بد من الإيمان بالقدر مع رد الاحتجاج به على فعل القبائح لأن الله عز وجل لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر بالفحشاء، بل قال سبحانه: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا {الإسراء: 38} قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والله لا يأمر بالفحشاء ولا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر والفسوق والعصيان.. وإن كان ذلك واقعا بمشيئته وقدرته وخلقه وأمره الكوني، فالأمر الكوني ليس هو أمرا للعبد أن يفعل ذلك الأمر بل هو أمر تكوين لذلك الفعل في العبد أو أمر تكوين لكون العبد على ذلك الحال.. وليس في ذلك علم منه بأن الله أمره في الباطن بخلاف ما أمره في الظاهر بل أمره بالطاعة باطنا وظاهرا ونهاه عن المعصية باطنا وظاهرا وقدر ما يكون فيه من طاعة ومعصية باطنا وظاهرا. انتهى.
وبهذه النقول وغيرها يرد على من احتج على تركه الصلاة أو غير ذلك من المعاصي بالقدر، وننبه الأخ السائل على أن الدعوة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1426(1/2657)
اختيار العبد للأشياء هو بمشيئة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن موضوع القضاء والقدر.
ما هو الخط الفاصل بين معرفة مشيئة الله عز وجل وبين اختيارنا للأشياء، أي كيف نفصل أن الله قد قضى أمراً وأننا قد اخترناه؟
أرجو الإفادة أفادكم الله لأن هذا الموضوع أصبح يناقش بحدة من قبل أعداء الإسلام.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القدر سر الله تعالى في خلقه، كما قال الإمام الطحاوي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولهذا فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوض في القضاء والقدر، وقال أهل العلم عنه إنه مزلة للأقدام ومضلة للأفهام، وعلى المسلم أن يعلم بأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، ويكفيه أن يعلم أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علماً، وأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأن كل ما يجري في هذا الكون هو بمشيئة الله تعالى فلا يخرج شيء عن إرادته ومشئيته، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الناس لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه.
واختيار العبد للأشياء هو بمشيئة الله تعالى وعلمه وقدرته، فلا يخرج شيء من فعله واختياره عن قدرة الله ومشيئة؛ كما قال سبحانه وتعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ {الإنسان: 30} .
فإذا اختار العبد أمراً أو فعله علمنا أن الله تعالى قد كتبه في سابق أزله وقدره عليه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء. رواه الترمذي وغيره.
ولا ينبغي للمسلم أن يورط نفسه في الخوض في أمور قد لا يدركها عقله أو لا يستوعبها فكره، وقد سبق بيان هذا الموضوع بالأدلة العقلية والنقلية، نرجو أن تطلع عليه في الفتاوى: 36591، 53111، 7460. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(1/2658)
وما تشاءون إلا أن يشاء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بحكم طبيعة عملي فأنا أسافر كثيرا إلى دول غير مسلمة وأتعامل مع الكثير من غير المسلمين وأحاول دائما الالتزام بأخلاق المسلمين وبكل حذر لنقل الصورة الصحيحة للمسلم، ودائما يوجه إلي نفس الأسئلة أنتم الذين تتزوجون الأربعة وتعتمدون في عملكم على كلمه إن شاء الله، وأحاول دائما التوضيح قدر المستطاع ولكن أرجو منكم تزويدي برد واضح وباللغة الانجليزية لأقوم بإرساله إليهم آملا في تحسين الصورة التي في أذهانهم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرع الإسلام تعدد الزوجات لحكم عظيمة ومصالح جلية لا تخفى على عاقل، وقد كان التعدد في الأديان السابقة وعند الأمم الأخرى بدون شروط ولا ضوابط، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 35215.
والإسلام عند ما أباح التعدد لم يترك ذلك للهوى أو الفوضى وإنما ضبطه بضوابط وشرط له شروطا لا بد أن تتوفر فيمن يريد أن يتزوج بأكثر من واحدة.
وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة النقلية والعقلية في الفتاوى: 2286، 3604، 7844. لذا نرجو الاطلاع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
وأما تعليق المسلم لعمله بمشيئة الله تعالى فهذا جزء من عقيدته، فالمسلم يعتقد أن كل شيء في هذا الكون يجري بمشيئة الله تعالى وإرادته وقدرته، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه كما قال الله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
ولكن يجب على المسلم أن يعمل ويباشر الأسباب كما أمره الله تعالى ثم بعد ذلك يكل نتيجة ذلك إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(1/2659)
الرضا بالقضاء والصبر على البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عربي مسلم عمري 36 عاما أعاني من مرض الجنسية المثلية، إني أعاني معاناة كبيرة إني أحس أن الله ظلمني فأين هو الحق الطبيعي، هل أنا رجل أم امرأة إني بكامل الأعضاء الذكورية لكن أحتلم وأحب الرجال وأكره النساء إذ أنني أحس أنني امرأة، لكن أريد وأنادي من يملك الدواء، هل هناك طبيب نفساني يستطيع معالجتي أم أن مرضي كارثة فليس له علاج، معنى ذلك نحن المعذبون فوق الأرض لا زواج فكيف الزواج من امرأة اظلمها بمرضي فإنني مثلها ولا علاج لما نعانيه من الآهات والآلام، لماذا ابتلانا الله بمرض خبيث فهل مثل قوم لوط وهل كان قوم لوط مرضى مثلنا فما ذنبهم، وهل نصائحكم بالزواج مجدية فكيف بربكم أعيش مع امرأة وأنا أحس مثلها إني أريد النجدة والتصحيح، وإني ألتمس منكم أن تبحثوا عن علاج وليس كلاما من أجل التخفيف، فلماذا لم يبتلى شارون أو بوش بهذا المرض وأنا المصلي لله 5 مرات المسلم المؤمن ندائي إلى القلوب الرحيمة أبحث عن الدواء أريد أن أكون أسرة وأولادا وزوجة فأين الحل السحري
أرشدوني لقد بلغ السيل الزبى استشيروا الأطباء فلقد سمعت أنه هناك أعشاب في اليمن تعالج هذا الداء القاتل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لكن أنا لست قادرا ونفسي تعبت من االعشق للرجال لأني أنا رجل، إن ما نعانيه تشويه للطبيعة البشرية فالله في القرآن لم يذكر الجنس الثالت فهل هو سحر أنقذوني لأني تائه لا أريد كلاما عسليا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله لم يظلمك، ولا يظلم ربك أحداً، بل إنه رؤوف بالعباد رحيم بهم، وهو أرحم بنا من أنفسنا ومن الأم برضيعها. ولكن الإنسان هو الذي يظلم نفسه ويتنكب الطريق ويختار ما فيه أذاه، ثم يقول لم خلقني الله هكذا؟ إن الله تعالى خلق الإنسان وجعل له إرادة ومشيئة، قال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {البلد:10} . أي طريق الخير وطريق الشر، ومن رحمة الله أن أرسل لنا رسلاً تدلنا على طريق الخير وتنهانا عن طريق الشر، ولكن الإنسان الظالم لنفسه ينصاع لنفسه الأمارة بالسوء وينقاد للشيطان ويقع فيما حرم الله. ولو كان قوم لوط معذورين مجبرين على فعل السوء لما عاتبهم ربهم {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ؟} ولما عذبهم هذا العذاب الأليم ـ إذ لو كانوا مجبرين على فعلهم المنكر ثم عذبهم لكان هذا ظلماً، والله سبحانه منزه عن الظلم، قال تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ {فصلت: 46} ، وقال: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدا {الكهف: 49} . وقال في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي. وهذا، وإن والواجب عليك مجاهدة نفسك وقطعها عن التعلق بهذا الذنب الخبيث من قبل أن يدهمك الموت فتندم وقت لا ينفع الندم. واعلم أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده إذا جاءه نادماً منكسراً عازماً على عدم الرجوع إلى الذنب مرة أخرى، ويقبل سبحانه منه التوبة ويبدل سيئاته حسنات، قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة: 104} . وقال أيضاً: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:70} . واعلم أن كثيراً من التائبين قبل توبتهم وإنابتهم كانوا يظنون أن التوبة مما هم عليه من الذنوب مستحيلة، لكنهم مع الاستعانة بالله والتوكل عليه استطاعوا أن يقهروا الشيطان. فاستعن بالله وادعه بذل وإلحاح أن يعينك على التوبة وأن يتقبلها منك. ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.، والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي ـ يعني فرجه ـ. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني. ودعاء الخروج من المنزل الذي أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني، واللفظ لأبي داود: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال حينئذ هديت وكفيت ووُقيت وتنحى عنه الشيطان. كما ننصحك بتغيير الحال الذي أنت فيها، فلا تصحب من يذكرك بالمعصية أو يشوقك إليها، ولا تصحب من يصحبهم، حتى لا يأتوك بأخبارهم فتهفو نفسك للوقوع في الحرام، وانتفع بالتدابير الموصوفة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57110، 59332، 60222، 5453، 6872، 56002، 9360. هذا، واحذر أن تحاكم مولاك: لماذا لم يبتل أعداءه الكافرين بما ابتلاك به، فإن الُملك ملكه والعبد عبده وهو يتصرف في ملكوته كما يشاء، قال تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الانبياء:23} . وما يدريك أنه لم يبتلهم بأشد مما أنت فيه، قال تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُه {آل عمران: 140} . بلى لقد ابتلاهم بما هو أشد وأشنع ألا وهو حرمانهم من حلاوة الايمان وطمأنينته وسكينته، ثم أمهلهم استدراجاً حتى يأخذهم على غفلة، قال الله تعالى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ *وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ {القلم:44ـ45} . وأما عن العلاج لهذه الآفة فينبغي أن تستشير في شأنه أهل الاختصاص من الأطباء، ونسأل الله أن يعافينا وإياك من كل مكروه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1426(1/2660)
بسط الرزق وتضييقه من الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله ألف خير على موقعكم هذا فأنتم الأب والأم والمستشار والطبيب جهودكم تستحق كل الشكر والتقدير.
أنا أعمل في شركة براتب معقول ولدينا موظفات رواتبهن أعلى مني بكثير مع العلم بأن عملي أنا أصعب منهم ومسؤوليتي أعلى، وعملهم لا يكاد يذكر وأنا مسلمة وهم مسيحيون وعندما تحدثت حول هذا الموضوع مع المدير العام نفسه أخبرني بأنه يعرف قدراتي جيدا وأنني استحق كل التقدير وأني أعمل عن ثلاثة أشخاص من كثرة المسؤولية التي على عاتقي، ومع ذلك فهو دائما يقول لي بأنني عندما بدأت عملي لم يكن لدي خبرة والأشخاص الآخرون أكبر مني سنا وأكثر خبرة ولكنه يعلم بأنني الأفضل بينهم وأتعلم بسرعة، وعملهم لا يذكر أبدا، والفرق بالراتب واضح، أنا أدعو الله كثيرا بأن يزداد راتبي لأنني على ثقة بأنني أستحق أكثر، ولكن هل هذا هو تفسير الآتي: ويرزق من يشاء بغير حساب، فهذا الموضوع يحبطني كثيرا ويجعلني لا أؤدي واجبي على أكمل وجه والدليل أنني الأكفأ من بينهم أن الجميع هنا يعطي العمل الصعب لي وإذا أرادوا شيئا ينجز بسرعة أكون أنا من تتحمل لا أعرف ماذا أفعل هل الأرزاق بيد الله ولا نملك أن نغير الأمر الواقع؟
أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرزق وبسطه وتضييقه كل ذلك من الله تعالى، وبقضائه وقدره، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ {الحجر: 21} .
وقال تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {العنكبوت: 62} .
وقال تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {الزمر: 52} . ومعنى يقدر: يضيق.
وليس أحد من البشر يستطيع أن يغير من رزقه الذي قدره الله شيئاً، ولكن يجب أن يعلم أنه سبحانه يجري الرزق على عباده بحسب ما قدر من أسباب لذلك، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك: 15} .
وقال تعالى: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {العبكبوت: 17} .
والأخذ بأسباب الرزق لا يتنافى مع كون الرزق مقدراً من الله، فهذه مريم بنت عمران، أمرها الله تعالى بمباشرة أسباب الرزق فقال تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا {مريم: 25} . وراجعي الفتوى رقم: 20441.
وإذا تقرر هذا، فعلى المسلم أن يتقي الله ويجتهد في مباشرة أسباب الرزق الحلال، ويبتعد عن الحرام ويعلم أن تقدير الرزق تابع لحكمة الله ومشيئته وعلمه، فليرض بما قسم الله له.
قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2-3} .
وقال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ {الشورى: 27} .
قال ابن كثير: أي ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك، فيغني من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر، كما جاء في الحديث المروي: إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه.
وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.
وراجعي الفتوى رقم: 17831.
وأما ما ذكرت من عدم تأديتك لعملك على الوجه المطلوب فهذا لا يجوز، فعليك بالتوبة إلى الله من ذلك، ولا مانع من أن تطالبي بزيادة راتبك، فإن ذلك من الأسباب المشروعة لتحصيل الرزق، وراجعي الفتوى رقم: 6121، والفتوى رقم: 28347، والفتوى رقم: 522.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1426(1/2661)
ليس كل ابتلاء عقابا
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله على أجوبتكم لاستفساراتنا وجعل الله دلك في ميزان حسناتكم، سؤالي نعلم أن الله حكيم رحيم وعادل في قضائه وقدره ولكن تأتيني شبهات وشك فأنا مثلا عمري الآن تجاوز الثلاثين ولا أملك شخصية سليمة، أعاني من الجبن والخجل والعبوس والسلبية ولست أدري لماذا؟ ولقد هتك عرضي وأنا طفل أكثر من مرة وكان هذا بموافقتي فلا شهامة ولاعزة
ومازلت أعاني بسبب ذلك فهل هدا عقاب من الله لي؟ ولماذا يسبق العقاب الدنب مادام الطفل مرفوع عنه القلم؟
بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا غرابة في أن ينتاب الإنسان في بعض أحيانه شيء من الخوف والشك، وتضعف شخصيته لتلبسه بأمر معين، وقد يرجع ذلك إلى حالة نفسية يعاني منها، وقد يكون لظروف اجتماعية، وقد يكون لأسباب مادية، وقد يكون لغير ذلك.
وعلى أية حال، فخير ما يعين على هذه الأمور هو تقوية الإيمان والثقة بالله، وترك الوساوس والخيالات الفاسدة، والمحافظة على الفرائض والإكثار من الأعمال الصالحة، ولا سيما الصدقة وقيام الليل والدعاء والذكر.
وما ذكرت من أنك وقعت فيه من هتك عرضك وأنت طفل أكثر من مرة، وإن ذلك كان بموافقتك، ليس دليلا على أنه لا شهامة لديك ولا عزة، لأنك لم تكن مخاطبا حينذاك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم: الصبي حتى يبلغ. رواه أحمد وأبو داود من حديث علي رضي الله عنه.
أما الآن وقد بلغت سن الخطاب والتكليف، فينبغي أن تعلم أن فتح الباب لمثل هذه الأسئلة على نفسك قد يزيد ما أنت فيه من الشكوك والحيرة.
فالله تعالى حكيم رحيم وعادل في قضائه وقدره، ولا يتنافى ذلك مع ما يمكن أن يلحقه ببعض عباده من المصائب والنكبات، فإن ذلك يكون تارة لتكفير الخطايا ومحو السيئات عنهم، وتارة يكون لرفع درجاتهم، وتارة يقع لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين.
وتارة يعاقب المؤمن في الدنيا على بعض الذنوب التي اقترفها، وفي هذه الحالة فإن العقاب لا يسبق الذنب، وإنما يعاقب على ما اكتسبت يده، ويعفى عن كثير منه، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
فأبعد عنك هذه الشكوك، وهون على نفسك، واعلم أن الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1426(1/2662)
محاسن الدين والأخلاق تغطي على نقص الجسم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت فتواكم رقم 64129 الخاصة بتوضيح: أن ما أصابك من حسنة من الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك.....
لقد تزوجت منذ أكثر من خمس سنوات امرأة عندها دين وأخلاقها حميدة بنسبة 80% على تقديري الخاص وذلك التقدير نتج بسبب العلاقة بينها وبين أهلي لأنها حساسة جدا من أي كلمة أو موقف وإلا لكان التقدير أكثر من ذلك
ولكن من اليوم الأول الذي كتبنا فيه الكتاب حدثت لي بعض الأمور الغريبة فأول ثلاثة أيام كان عندي ألم شديد في الرأس لم ينفع معه الأسبرين وقد خف بعد أن قرأت علي إحدي الحاجات شيئا من القرآن
وكنت دائما أرى في زياراتي لبيت خطيبتي أنها ليست المرأة التي أريد من الناحية الجمالية خصوصا بعد ما نزعت الحجاب وتنويع اللباس ومع ذلك كنت أعتبر أن هذا الأمر ليس لها ذنب فيه فهي لم تخلق نفسها وإنما خلقها الله عز وجل وربنا يقول لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.
وبعد خطبتي لها بشهرين عرفت أنها كانت مريضة بنقص الصفائح الدموية وأنها تعالجت من المرض ولكن أردت التأكد من ذلك وكانت المشكلة أن نتيجة الفحص أثبتت أن المرض ما زال موجودا الأمر الذي نغص علي فترة، الأصل أنها من أجمل أيام حياتي وكنت دائما أقول إن المرض من عند الله وبعد تحققي من أن المرض لا يؤذي الأولاد وليس مرضا وراثيا قررت أن أكمل المشوار وتبين فيما بعد أنها عملت عملية انفجار كيس على المبيض وأن العملية تركت أثرا سيئا جدا في منطقة تحت الصرة بسبب الخياطة كما أن أحد ثدييها أكبر من الآخر، ولكن كنت دائما أقول لو طلقت هذه البنت هل سيعاقبني الله؟ هل سيكون هذا اعتراض على قضاء الله وخلقه هل سأرزق بأفضل منها مع العلم أني مكثت سنتين وأنا أبحث عن بنت الحلال وعندما أقارن بين دين البنت وأهلها وأخلاقها وأمر المرض وهذه التشوهات الخلقية كنت أفضل أن أرجح الدين فأكملت المشوار وتزوجت بها وقد قمنا بإجراء عملية استئصال للطحال بعد الزواج بشهرين وذلك لأن حل مشكلة الصفائح لم يكن إلا بهذه الطريقة كما أفادنا الأطباء وبفضل من الله ونعمته علينا أننا رزقنا بنتا وولدين إلى الآن وحالتهما الصحية ممتازة والحمد لله وهي الآن حامل في الرابع غير أنني لا أنكر أنني عير مرتاح مع زوجتي من الناحية الجنسية بسبب التشوهات التي أحدثها دواء الكورتيزون في الجلد خصوصا في الفخذ والصدر وبسبب العمليات والتشوهات الخلقية التي ذكرت حتى أنني لا أستطيع أن أنظر إلى جسدها حتى لا أمتنع عن معاشرتها من سوء المنظر كما أنني لا أستطيع أن أشتري لها بعض الملابس التي تكشف هذه المناطق مما يجعلني غير مرتاح بتاتا من هذا الجانب مع أنني لم أبح لها ولا مرة واحدة بإحساسي هذا وحاولت أن أجد علاجا لهذا الأمر ولكن دون جدوى وقد ذهبت إلى مراكز علاج البشرة ودفعت مبالغ ولكن دون جدوى واستشرت عدة أطباء ولكن لم يفدني أحد وذلك لان التشققات سببها الكورتيزون
سؤالي بما أن الزواج هو رزق من الله فهل هذا الرزق الذي رزقنية الله بسبب معصية ما أم أنه ابتلاء وكيف نفرق بين ذلك مع العلم أني والحمد لله من أهل الفجر والقرآن، كيف أتعامل مع مشكلتي هذه
أسف للإطالة وشرح أمور تفصيلية كثيرة قد يكون ليس لها داع أو قد فات أوانها لعل أن يكون في الإجابة عدة حلول والحقيقة أنى أحببت ذلك لما يوفره موقعكم من راحة نفسية عجيبة وحلول شافية من خلال متابعتي اليومية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما أعطاك الله تعالى من الزوجة ذات الخلق والدين هو من رزقه وتفضله على عباده، وعليك أن تحمد الله تعلى على ذلك وتشكره وتسأله المزيد من إنعامه والعون على شكره، وما ذكرت من نقص أو عدم كمال في جسم زوجتك يغطي عليه الدين والخلق، فكم من شخص كامل الجسم لكنه عار من الدين والأخلاق مما يحيل الحياة معه إلى جحيم لا يطاق، وخاصة الحياة الزوجية التي تتطلب المودة والسكن النفسيين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
فإذا ذكرت بعض النقص في الجسم فاذكر ما يغطي على ذلك من محاسن الدين والأخلاق الفاضلة والتي فقدتها كثير من الزوجات اليوم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر. رواه مسلم
فعلى المسلم أن يرضى بما قسم الله تعالى له فذلك من الرضا بالقضاء والقدر الذي هو ركن من أركان الإيمان، فالله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالخير ليشكروا ويصرفوا نعمه فيما يرضيه سبحانه وتعالى، كما يبتليهم بالشر ليصبروا ويرضوا بقضائه وقدره؛ كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء: 35} وقال: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {الملك: 2}
ولذلك فما أصاب الإنسان من خير وشر يمكن أن يكون بسبب طاعته أو معصيته، ويمكن أن يكون ابتلاء وامتحانا من الله تعالى، والتعمق في البحث عن ذلك والخوض فيه يجر إلى ما لا تحمد عقباه من الخوض في قدر الله تعالى وقضائه المنهي عن الخوض فيهما شرعا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا ذكر القضاء فأمسكوا رواه الطبراني.
لأن القضاء سر الله في خلقه لم يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وأعلم الناس به أكفهم عن الخوض فيه كما قال أهل العلم، فلا فائدة في الخوض في القضاء والقدر لأن الطريق مسدود أمام العقل في هذه الأمور، ومن خاض في ذلك فقد فتح على نفسه بابا من الوساوس والأوهام ومدخلا من مداخل الشيطان لا يسده إلا الإيمان بالقدر والتسليم بما قضى الله تعالى.
ولهذا ننصحك أن ترضى بقدر الله وقضائه وتقنع بما قسم الله لك فهذا أحسن وسيلة للتعامل مع مشكلتك إن كانت مشكلة أصلا، فنحن لا نعتبر من رزقه الله زوجة ذات دين وخلق صاحب مشكلة وإن كان عندها من النقص في البدن ما ليس عند الأخريات، فكم من أناس محرمون من الزوجات ومن الأولاد ... فينبغي أن تنظر إلى هؤلاء وتحمد الله تعالى على ما أنت فيه من نعم، ولتعلم أن الرضا بما قسم الله تعالى هو أهم أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، ومع ذلك، نرجو أن تقرأ الفتاوى ذات الأرقام التالية لما فيها من الجوانب المفيدة بالنسبة لموضوعك: 4580، 63679، 20098، 20434، 34841، 38356، 53111، 53994.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(1/2663)